Professional Documents
Culture Documents
الحضارة العيالمية
تحت إشراف : من إعداد الطالب:
بن عمر خليل
جار هللا علي
السنة الجامعية2021/2020:
مقدمة
ولمجاورتها لجنوب العراق كانت لها عدة رواﺑط مع هذا القطر ،ولكنها لم تكن
َس
لتطمع في جارتها القوية ،حتى إذا ما ضعفت مملكة «أور» الشهيرة في التاريخ ،وآن َ
العيالميون في أنفسهم قوةً ،طمعوا ﺑأرضها الخصﺑة الكثيرة الخيرات ،فحملوا عليها في
القرن الثالث والعشرين قﺑل الميالد ،وﺑعد حروب جرت ﺑين األمتين استولى العيالميون
على مملكة «أور» ،ودخلوا عاصمتها «أور» ،وأسروا ملكها أﺑي سين «إيﺑي سﺑين» ﺑن
أسيرا إلى عاصمتهم
ً آخر ملوك الساللة الثالثة ٣لملوك «أور» ،وساقوه
جمﺑل سﺑين ِ
«شوشن» ،واستولوا على جميع مدن تلك المملكة وقرضوها ﺑعد أن كانت مستقلة في
جنوﺑي العراق أو صقع شمر «سومير» ،ولها سطوة كﺑيرة وسيادة مﺑسوطة ،وكان
لعاصمتها مدينة «أور» حينذاك منزلة رفيعة عند العراقيين؛ ل ِع َ
ظم مركزها الديني ،ﺑل إنها
ً
ومركزا للصنائع والفنون ،وفيها هيكل «أنون ماخ» كانت معهدًا للدين ومهدًا للتجارة
المرصود لإلله القمر ورفيقته ،الذي خرب في هذه الحادثة.
استولى العيالميون على جنوﺑي العراق أو على مملكة «أور الكلدانيين» ﺑعد حروب
دامت ﺑينهم وﺑين الكلدانيين في الوقت الذي كان فيه العراق منقس ًما إلى قسمين :القسم
الجنوﺑي المس َّمى ﺑ «مملكة أور» أو ﺑ «ﺑالد الكلدان» أو «كلدو» ،والقسم الشمالي
المعروف ﺑ «مملكة ﺑاﺑل» أو ﺑ «ﺑالد ﺑاﺑل» ،وكان كل قسم مستقل ﺑنفسه ،غير أن الجنوﺑي
كان قد فاق الشمالي ﺑالمدنية والعمران ،واشتهر ﺑالتجارة والزراعة والفنون.
2
وﺑعد أن ت َّم أمر تلك األمة الفارسية في الجنوب حاولت االستيالء على الشمال،
ولكنها عادت ﺑالفشل ﺑعد أن تم َّكنت ﺑهجماتها من دخول مدينة أوروق «الوركاء» ،التي هي
من الﺑالد الشمالية أو من مملكة «ﺑاﺑل» الراضخة لحكم الساللة السامية أو الدولة الﺑاﺑلية
ُروى سنة — ٢٤٦٠ونهﺑت كنوزها
سسها سامواﺑي سنة ٢٤١٦ق.م — وي َ
األولى التي أ َّ
وآثارها ،من جملتها تمثال اإللهة «نانا» شفيعة مدينة «أوروق» ،وأرسلت الجميع إلى
«شوشن» ،وأودعت هذا التمثال في هيكلها.
ﺑقي جنوﺑي العراق في قﺑضة تلك األمة الفارسية حتى قام سادس ملوك الدولة الﺑاﺑلية
األولى أو الدولة السامية الملك الجليل حموراﺑي (٢٢٣٢–٢٢٨٧ق.م) ،فحمل عليهم ﺑجنوده
يكتف ﺑذلك ﺑل إنه طاردهم حتى دخل عاصمتهم «شوشن»،
ِ وطردهم من هذا القطر ،ولم
ولم َيعُ ْد إلى مقره إال ﺑعد أن أخضع تلك األمة لسيادته ،وأرجع تمثال اإللهة «نانا» إلى
هيكل مدينة "أوروق"
المستخر َجة
َ هذا ما وقفنا عليه من ﺑين األﺑحاث التاريخية الحديثة المستندة إلى اآلثار
من مواقع المدن العراقية القديمة ،غير أن المؤرخين قد اختلفوا في السنة التي استولى
فمن قائل إنهم قرضوا الساللة الثالثة التي نشأت حوالي
العيالميون فيها على مملكة «أور»؛ ِ
آخر ملك من تلك الساللة
سسها الملك أورانكور ،وأسروا ِ
األلف الثالث قﺑل الميالد التي أ َّ
الملك أﺑي سين سنة ٢١٥٠ق.م ،ومن قائل إن هذه الحادثة وقعت سنة ٢٣٠٠ق.م ،ويزعم
ﺑعضهم أنهم قرضوا تلك المملكة سنة ٢٢٨٥ق.م ،ويقول آخَرون :كانت هذه الغارة سنة
٢٢٩٥ق.م.
كذلك اختلفوا في اسم الملك العيالمي الذي قاد تلك الحملة؛ فﺑعضهم يقول إنه الملك
كوتارناحونتا ٥،ويزعم ﺑعضهم أنه الملك ريمسين .أما الذي يظهر من سير الحوادث
التاريخية ،فهو أرجحية قول القائل ﺑأنهم قرضوا تلك المملكة «مملكة أور» سنة
٢٢٩٥ق.م ،وأن من جملة الملوك العيالميين الذين حكموا ذلك الصقع كوتارنا حونتا
وريمسين ونﺑورياس.
ولم تحكم الدولة العيالمية جنوﺑي العراق غير مدة وجيزة ،فطردهم الملك حموراﺑي
وملك العراقَ كلَّه ،ولم يقف عند ذلك الحد ،ﺑل إنه أخضعهم لسيادته —
َ عندما قويت شوكته
3
كما تقد ََّم — وليست هذه المرة األولى التي خضع فيها العيالميون لملوك العراق ،ﺑل إنهم
مرارا لسيادة ملوك هذا القطر في أزمان مختلفة؛ من ذلك أن الملك سرجون
ً خضعوا
األكدي السامي الذي ملك سنة ٢٨٧٢ق.م ،كان قد أدخلهم تحت سيادته ،وأن الملك أناتوم
حار َﺑهم وأخضعهم لحكمه.
الذي ملك سنة ٣٩٠٠ق.مَ ٦
بين العهدين
ً
طويال في عهد الدولة الﺑاﺑلية األولى التي جمعت شمله دهرا
ً َّ
اعتز العراق ﺑعد أن
وو َّحدَ ْ
ت كلمته وأعلت شأنه ،انعكس األمر عند سقوط تلك الدولة واضطرﺑت شئون العراق
وأصﺑحت الﺑالد منقسمة على نفسها؛ أي صارت عدة ممالك أو دول صغيرة عديدة ك ُّل دولة
وكثيرا ما كانت الﺑالد تنتقل من ساللة إلى أخرى ومن ﺑيت إلى آخَر ،ثم اشتدَّ
ً قائمة ﺑنفسها،
الخالف ﺑين أهل الﺑالد وطمع ﺑهم أعداؤهم ،فعاد العيالميون إلى طمعهم في جارتهم وأعلنوا
الحرب عدة مرات على أهل هذا القطر ،وشنُّوا الغارة على المدن العراقية في أزمان
مختلفة ،ونهﺑوا ﺑعض المدن وفتكوا ﺑأهلها ،ومن تلك المدن «نﺑور» و«أوروق» ،ومن
ملوكهم الذين أغاروا على العراق الملك شتروك ناخونتا ،فإنه َّ
شن الغارة على هذا القطر
سنة ١١٩٠ق.م ،وغنم غنائم نفيسة من الﺑالد ،من جملتها شريعة حموراﺑي؛ فإنه نقلها إلى
وكثيرا ما كان العيالميون يتفقون مع ﺑعض تلك الدول الصغيرة
ً عاصمته «شوشن»،
صا الممالك التي في جنوب العراق القريﺑة منهم ،وكانوا في
ويعضدون ملوكها ،خصو ً
ﺑعض األحيان يتدخلون في األمور المهمة المتعلقة ﺑالملوك ،ويُج ِلسون على عروش الممالك
َمن يوافِق على مصالحهم ومنافعهم ،أو َمن يعقد معهم اتفاقية يرضونها.
4
.Iمن هم العيالميون؟
أطلق اسم عيالم على مملكة ضمت منطقتين هما سهول سوسيانا نسﺑة الى العاصمة
سوسا ،ويمثله اليوم االحواز ،ومنطقة المرتفعات والجﺑال الواقعة الى الشمال الغرﺑي من
السهل .وقد ورد اسم عيالم في النصوص المسمارية ﺑصيغ عديدة ،العيالميون كتﺑوا اسم
ﺑلدهم ﺑالعالمات المسمارية (خا-تام-تي) ،)Ḫa-ta-am-ti(/او (خال-تام-تي) Ḫal-ta-(/
،)am-tiوجاءت ايضا ﺑصيغة( :خا-پير-تي) ،)Ḫa-pir-ti( /والمقطع ( )Ḫalيعني:
(ارض او ﺑالد) والمقطع ( )Tamtiيعني (رب) وﺑالتالي فمعنى االسم هم ارض الرب،
ارض االله .اما السومريون فقد أطلقوا على ﺑالد عيالم اسم نم ( )Nimاو اينم (،)Enim
وتعني هذه العالمة المسمارية الهضﺑة او المكان المرتفع ،ورﺑما يستنتج من ذلك انهم
اعتﺑروا ان عيالم كمركز تقع في المرتفعات الجﺑلية ،في حين أطلق االكديون على هذا
االقليم اسم ايالمتو ( ،)Elamtuوال يعلم على وجه التأكيد هل ان اللفظة االكدية هي ترجمة
للكلمة السومرية (نم او اينم) .وقدم اآلثاريون عدة فرضيات حول أصل العيالميين ،ﺑعضهم
ان العيالميين جاءوا من المنطقة الجﺑلية التي تتاخم سهول عيالم في الشمال والشرق ،والتي
تسكنها قﺑائل لوللوﺑو ،والگوتيون ،والكاشيون؛ في حين ارجعهم ﺑعض الﺑاحثين وعلى
اساس ﺑعض المفردات اللغوية الى الهند ،ولكن ذلك غير مؤكد تماما؛ ويرى ﺑعض الﺑاحثين
ان اللغة العيالمية هي لغة فردية وال يمكن رﺑطها ﺑأي لغة معروفة االن فهي كحال اللغة
السومرية لم يعرف ﺑعد الى أي عائلة تنتمي ،ويمكن ترجيح هذا الراي.
اهتم اإلنسان العيالمي ﺑتشييد المدن علی ضفاف األنهار األحوازية فأنشأ مدنًا تسمى
“مدن األنهار” ،أي المدن التي أُنشئت علی ضفاف األنهار ،ومدينة أورانتاش من أﺑرز
“مدن األنهار” التي ﺑُنيت کمدينة محصنة أمام السيول ،وفي نفس الوقت أصﺑحت حاضنة
للزراعة والتجارة والثقافة ،فعالوة علی المدينة التي يسکن فيها ال َملك أو الحاکم کمدينة
دورانتاش ،هناك مدن أخری نشأت علی األراضي األحوازية لم تکن لها خصوصية إقامة
الملك فيها ،ولکن كا ن لها عواملها االقتصادية ،ويقسمها ماکس وﺑر إلی ثالثة أشکال نشأت
علی مدار التاريخ:
5
.1المدن االستهالکية وهی التي تستهلك ما تولد من توليدات زراعية.
األولين.
.3المدن التي کانت مزيجا من القسمين َّ
وتجسدت نظرية ماکس وﺑر في مدينة “السوس” ﺑاعتﺑارها مدينة مولدة ،وفي
“دورانتاش” على شاكلة المدن الملکية المستهلكة ،وكانت تصل إليها القوافل والمياه العذﺑة
ﺑاعتﺑارها مدينة الملوك والساسة.
ضا عندما حاول العيالميون العمل على تطوير الزراعة ،کانت األنهار األحوازية
أي ً
ﺑمثاﺑة المکان الطﺑيعي والمالئم إلقامة مجتمعات تعمل ﺑالزراعة ،وذلك ما ساعد الفالح
األحوازي على استخدام األراضي المجاورة لألنهار لتطوير الزراعة ،ومن ثم اﺑتكر
العيالميون التنقل والحركة عﺑر مياه األنهار ،وظهرت فکرة المالحة والنقل الﺑحري نتيجة
استخدام مياه الﺑحار ،وأصﺑحت “عيالم” واحدة من أكثر القوى القائمة في العالم القديم في
غرب آسيا ،وﺑسطت سيطرتها على المنطقة ألكثر من 2000عام ،منذ األلفية الثالثة حتى
منتصف األلفية األولى قﺑل الميالد.
6
وتأثرت ﺑاقي الحضارات المجاورة ﺑالثقافة العيالمية واقتﺑست الفن والسﺑك العيالمي
في النحت واستخدام األلوان التي استُعملت في هذه النحوت ،وتم العثور على صفائح مكتوﺑة
ﺑالخط العيالمي في ﺑعض الحفريات األثرية في الهند ،وكانت ترﺑط عيالم عالقات تجارية
قوية مع الهند آنذاك وقد تأثرت الهند ﺑالفنون العيالمية ،ومنها وديان السند.1
وكان “المجتمع العيالمي مﺑنيا علی أساس عﺑادة اآللهة واالعتقاد ﺑما وراء الطﺑيعة
وتقديس المرأة ،ونری کل هذه الخصائص في الحفريات األثرية المتﺑقية من هذه الحضارة
2
العظيمة منحوتة ﺑالخط العيالمي تم الكشف عنها في العديد من الحفريات.
استخدم العيالميون جغرافية المكان في التسليح وﺑناء قدرات عسكرية ومعدات قتالية
للدفاع عن المدن والحضارة التي أقاموها على أرض األحواز .ونظرا ً لما يتمتع ﺑه جغرافيا
المكان من أهمية اقتصادية وحضارية وثقافية فقد أصﺑحت األحواز مركزا للصراعات
والحروب ،وأصﺑح في مرمى هجمات شرسة من ِق َﺑل ملوك األسر األكادية وأور الثالث
(جنوب العراق الحالي).
ورغم أن سرجون ملك األكاد غزا ﺑالد عيالم وضمها إلی إمﺑراطوريته ،فإنه ﺑعد
انهيار األکاد رفض الع يالميون الخضوع له ،وﺑالرغم من الهجمات المتعددة إال أنها أعادت
استقاللها خالل فترة حکم أور الثالث ،وتحت قيادة ساللة شيماشكي ،توحد العيالميون
)(Elamiteتحت راية واحدة ودمروا إمﺑراطورية أور الثالث ،وﺑينما كانت السوس في
تلك الفترة منفصلة عن عيالم إثر احتاللها على يد حضارة أور ،إال أنها انضمت إلى تحالف
العيالميين وخاضت الحرب ضمن تحالف المنتصر في هذه المعركة ،ومنذ ذلك الحين
أصﺑحت جزءا ال يتجزأ من مملكة عيالم وعادت تحت سيادة األنظمة المتتالية من
Shimashkiوصوالً إلى سالالت سوكالما (Epartid) (2100- 1600ق.م) .ومن ثم
أصﺑحت عيالم واحدة من أكﺑر وأقوى ممالك غرب آسيا ،سياسيا ً وتجاريا ً وامتلكت قوة
عسکرية واسعة النطاق وسيطرت على ﺑالد ما ﺑين النهرين وسوريا وامتدت أراضيها
شماالً إلی ﺑحر قزوين وجنوﺑا ً إلى الخليج العرﺑي وشرقا ً إلى المناطق الصحراوية في ﺑالد
فارس کصحراء لوت ،وغرﺑًا إلى ﺑالد ما ﺑين النهرين .
1آميه ،پير.)1971( . ،تاريخ عيالم ،ترجمه شيرين ﺑياني :جامعة طهران للنشر ،ص .12
2آميه ،پير،المرجع نفسه ،ص .33-29
7
يعتقد الكثيرون أنه ال يمكن أن تنشأ حضارة علی ﺑقعة ما من األرض – مهما
توافرت عناصر ومقومات حضارية على تك األرض-إال إذا نجح اإلنسان ﺑاستثمار هذه
المقومات ،وعمل جاهدًا في ﺑناء حضارة مقرونة ﺑالهوية الثقافية المتجانسة مع طﺑيعة تلك
األرض .عندئذ تتفاعل تلك العناصر والمقومات األساسية تفاعالً إيجاﺑيا معها ،ويؤثر
اإلنسان علی الجغرافيا ويتأثر ﺑها من خالل التطﺑيع االجتماعي ثم التغيرات االجتماعية في
سلوك األفراد وحينها تتهيأ الظروف لنقل المجموعة الﺑشرية في تلك الﺑقعة من األرض من
الحياة الﺑرﺑرية ) (barbarianإلى حياة مدنية ) (civilized lifeجديدة.
کان للجغرافيا األحوازية دورا رئيسا في انتصارات العيالميون ونتيجة لذلك أصﺑح
هناك ارتﺑاط شديد ﺑين اإلنسان العيالمي واألنهار ،وكان هذا التراﺑط من أهم العوامل في
ﺑسط سيطرة عيالم على ﺑالد الجوار واستمر التراﺑط إلى العصر الحديث ونجده واضحا ً
جليا ً في حب األحوازيين للصيد والسﺑاحة حتى اآلن.
وشيد العيالميون قصورا ً وﺑنوا ﺑيوتا وأسسوا مدن األنهار علی ضفاف نهر کارون
ﺑأدق وأجمل صورة يمكن أن يتصورها اإلنسان ،وأثﺑتت المعلومات الجيوفيزيائية التي
حصل عليها العلماء الجيولوجيون مؤخرا ً أن أنهار الجنة األرﺑعة المقصودة في سفر
التكوين ،تتألف من دجلة والفرات ،ونهر الكارون ونهر حفر الﺑاطن ،أو كما يسمى ﺑوادي
ﺑطن الرمة.
لم تکن هناك حدود طﺑيعية ﺑين العيالميين وسالسل ما ﺑين النهرين ،إذن يمكن أن
نطلق على أرض عيالم الﺑواﺑة الشرقية للعنصر السامي ﺑحدودها المفتوحة تجاه األکديين
والسومريين .هذا العمق المتراﺑط والمتناسق والمتشاﺑك ثقافيًا واجتماعيًا وجغرافيًا له امتداده
العميق والع ريق علی طول التاريخ .يقول ياكوﺑسون في کتاﺑه الشرق القديم :كتﺑت نقوش
ملوك عيالم من ساللة سيماشك ﺑاللغة األكدية والسومرية .وأصﺑحت اللغة األكدية -أثناء
8
سيطرة ساللة أور الثالثة على عيالم ،وفي ﺑالد الميزوﺑوتامية السفلى-هي اللغة المستعملة،
واستخدمت اللغة السومرية ﺑاعتﺑارها لغة الدواوين واألدب والعﺑادة ،ويﺑدو أيضا ً أنه ظهر
في سوسة تأثير أكدي قوي ،وقد وصلتنا كميات كﺑيرة من المصادر الكتاﺑية األكدية من
سوسة ترجع إلى ﺑداية القرن الـ 19ق.م إلى القرن الـ 16ق.م ،ونجد فيها أسماء أعالم
أغلﺑها أسماء أكدية ،إلى جانب األسماء العيالمية ،وأسماء حورية وآمورية ولكن ﺑصورة
أقل .ويظهر انطﺑاع أن العناصر اللغوية العيالمية كانت متأثرة ﺑاألكدية في عهد الحاكم
أثرا ﺑالغًا في حياة شريحة سكانية الراقية في المدن ،وﺑاتت
ريم-سين األول ،وتركت األكدية ً
اللغة الدارجة آنذاك في أوساط الطﺑقة الوسطى والعليا .وينطﺑق هذا على سوسة ،ومنها
شريحة اجتماعية خاصة ،والتي انعكست في الوثائق العملية الكتاﺑية ،أي وثائق الدولة
والمعﺑد واإلدارة ،ورجال األعمال ،والتجار ،ومالكي األرض الميسورين ،أو قطع أراضي
الدولة ،والكتاب ،وخضعت العاصمة العيالمية في هذا العصر إلى تجانس أكدي قوي.
االنفتاح واالرتﺑاط الجغرافي ﺑين حضارة عيالم علی أرض األحواز من جهة
وحضارات ﺑالد الرافدين من جهة أخری جعلت النسيج االجتماعي في السوس عاصمة
عا ،وساعد هذا التنوع فی ﺑناء مجتمع عيالمي يحمل مواصفات المجتمع
العيالميين متنو ً
المدني ،کما يقول ياكوﺑسون“ :ولم تقف نجاحات عيالم في االستقالل عائقا ً أمام تواجد
شريحة أكدية كﺑيرة في سوسة وعلى إثر ذلك انتشرت اللغة األكديةﺑشكل واسع .وﺑينت
الوثائق األكدية ماهية اللغة في سوسة ،خالل فترة سوكال-ماخ وتظهر صورة عن وضعية
المجتمع العيالمي في ذلك العهد والعهود الساﺑقة لها.
9
( 2240-2220ق.م) ،استخدم فنانين يعزفون طوال الليل والنهار أمام أﺑواب معﺑد
إينشوشيناك إله السوس الرئيسية.3
ت م حماية مداخل المعاﺑد العيالمية ﺑواسطة هذه التماثيل من السﺑاع والثيران وﺑعض
أنواع الكالب .ففي الزيغورات ﺑين أطالل المعاﺑد والقلعة الملكية ،تم العثور على منحوتات
من الثيران ،ويذکر آشور ﺑانيﺑال تدمير هؤالء الحراس وأﺑواب المعاﺑد عند هجومه علی
السوس.
وتدل تلك التماثيل علی أهمية هذه المخلوقات عند األحوازيين منذ التاريخ وﺑقيت
هذه الحيوانات متواجدة في المجتمع األحوازي إلی يومنا هذا ما عدا السﺑاع التي انقرضت
في اآلونة األخيرة ﺑعدما کانت منتشرة في غاﺑات کارون المعروفة ﺑـ ” الزورة” إثر تدمير
الجغرافيا والﺑيئة األحوازية .
توجد نُ ُحوت أخرى تجسد اإلنسان العيالمي ،ويستطيع المتاﺑع أن يعرف من خاللها
مدى ارتﺑاط العيالميون ﺑطقوسهم وعاداتهم ومشاﺑهة األجيال القادمة من األحوازيين لهم من
خالل العادات الظاهرية كالفلور المتمثل ﺑاألثياب وطريقة الحياة ،التي تأثرت ﺑالطﺑيعة
والفصول وحرارة الجو ،فصورة التمثال في األدنى توضح التشاﺑه ﺑين الثياب العرﺑية
المستخدمة حاليًا في المجتمع األحوازي مثل “العصاﺑة” عند النساء والشماغ” والعمامة” عند
الرجال ،واإلنسان العيالمي في قديم الزمان.
3والتر ،هينتس .)1993( .عالم عيالم الضائعة؛ ترجمة فيروز فيروز نيا؛ الطﺑعة األولی ،طهران ،ص .74
10
الخاتمة
يمكن القول :إن الجغرافيا كانت أهم عامل وراء نجاح اإلنسان القديم في األحواز،
وسﺑﺑًا جعل الحضارة العيالمية تُشيّد إحدى أهم وأعظم حضارات التاريخ علی أرض
دورا أساسيًا في ﺑناء اإلنسان األحوازي القديم والحديث،
األحواز ،كما لعﺑت هذه الجغرافيا ً
وتركت تراﺑ ً
طا قويًا ﺑينهما.
11
قائمة المراجع
12