Professional Documents
Culture Documents
المقدمة
احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا حممد وعلى آله
وصحبه والتابعني.
أما بعد:
فلألدب اإلسالمي أمهيته الكبرية ومكانته العظيمة ،وقد اهتم العلماء به وأولوه عناية بالغة،
فجاءت مصنفاهتم ختدم هذا النوع من العلم.
-1وض وح معامله وس هولة تناول ه ووف رة مراجع ه مما يع ود على الب احث بالفائ دة والنف ع
الكبري.
-2خص اهلل هذه األمة بدين اإلسالم وكل موضوع يتناول هذا الدين فهو خري وبركة.
مقدمة.
متهيد.
1
المبحث الخامس :مفهوم املضمون ،ومساته يف األدب اإلسالمي.
خامتة.
فهارس.
2
التمهيد:
لألدب اإلسالمي أمهية كبرية ،فهو يعد وسيلة من وسائل الدعوة إىل اهلل تعاىل ،ولون من
ألوان اجلهاد يف سبيل اهلل ،فهو من جهاد البيان.
اهتم اإلس الم ب ه وأش ادت نص وص الوح يني ب ه وأعلت من منزلت ه ،ملا ل ه عظيم األث ر على
البشر.
وقد حرص اإلسالم على االستفادة من األدب وتوظيفه يف الدعوة إىل اهلل تعاىل واجلهاد يف
سبيله.
وملا له من األمهية الكبرية ،واحلاجة املاسة لتحديد معامله ومتييزه كعلم مستقل كانت هذه
الدراس ة ،وال يت أس أل اهلل تع اىل أن يوفق ين فيه ا لإلخالص والص واب والس داد ...اللهم
آمني.
3
المبح
ث األول :تعريف األدب اإلسالمي وغاياته وفنونه.
لقد جاء يف "لسان العرب" إملاع إىل معىن األدب يف اللغة؛ فقد ورد فيه :أن أصل األدب
هو الدعاء ،ومنه قيل للصنيع يدعى إليه الناس :مدعاة ومأدبة .واألدب الذي يتأدب به
1 األديب من الناس مسي أدباً ،ألنه ِ
يأدب الناس إىل احملامد ،وينهاهم عن املقابح ّ
ويتضح من املعىن اللغوي لألدب أنه يقود إىل حمامد اخلصال ،ويرشد إىل فضائل األمور،
كم ا ينهى عن مس اوى ء الع ادات ،وينف ر من قب ائح الص فات وذل ك من خالل فنون ه
2
املختلفة ،وعن طريق صوره املتعددة.
قال ابن فارس رمحه اهلل تعاىل(:سلم):السني والالم وامليم معظم بابه من الصحة والعافية؛
فالسالمة :أن يسلم اإلنسان من العاهة واألذى.
3
ومن الباب أيضاً:اإلسالم ،وهو اإلنقياد؛ ألنه يسلم من اإلباء واالمتناع.
وق د ع ّرف عب دالرمحن رأفت الباش ا األدب اإلس المي فق ال عن ه ":ه و :التعب ري اهلو التف ين
اهلادف عن وق ع احلي اة والك ون واإلنس ان على وج دان األديب تعب رياَ ينب ع من التص ور
4
وجل وخملوقاته.
عز ّاإلسالمي للخالق ّ
غايات األدب:
4
إن أدب اً ينب ع من التص ور اإلس المي ويص در عن ه ،يص بح جلي ل الغاي ة ،س امي اهلدف ؛
وذلك ألن غايات اإلسالم نفسها صارت هي غاياته وأهدافه ،وذلك مبقتضى وصفه بأنه
(إس المي) ،فص ارمن مجل ة غايات ه – ال يت تتخل ل فنون ه ووس ائله – إخ راج الن اس من
واملسرة عليهم ،
ّ الظلمات إىل النور ،وتربية ناشئتهم ،وإسعاد نفوسهم وإدخال البهجة
وتس ليتهم بك ل م اهو ن افع ممت ع .كم ا يه دف ه ذا األدب إىل إش اعة اخلري يف أوس اط
الشر أمام أعينهم يف صورة من ّف رة حم ّذرة ،وحماربة املسلمني ،وتزيينه يف قلوهبم ،وعرض ّ
قبيح الفكر ،وساقط العادات ،وتزكية كل ما فيه حق ومجال .ويتصدر غاياته -أيض اً-
التص دي ألع داء األم ة املس لمة ،ال ذين يرتبص ون هبا ال دوائر ،ومناقش ة ش بههم الض الة ،
ومقارعة آرائهم املنحرفة ،ودحضها بربهان القرآن الدامغ ،وتعريتها بضوء السنة الالمع ،
وذل ك ح ىت يس لم ألم ة اإلس الم كياهنا ،ويس تقيم ش باهبا ،ويعل و جمدها ،فتع ود -كم ا
كانت – خري أمة أخرجت للناس .ومل تنل االمة املسلمة هذه التزكية الشريفة -من بني
األمم -لش رف يف نس بها ،أو لتم يز يف خلقه ا ،وإمنا حظيت ب ذلك وف ازت هبا لكوهنا
تأمر باملعروف وتنتهي عن املنكر ،وتومن باهلل ،فإذا ختلت عن ذلك وجتردت منه وسادت
فيها األداب القبيحة واألخالق الذميمة....فقد آذهنا اهلل سبحانه بسلب تلك التزكية عنها
وحمق كياهنا ،واستبداهلا خري منها بأال تكون على شاكلتها ،ويف هذا حتذير ونذير؛ فقد
وجلَ ﴿ :وِإن َتَت َولَّ ۡواْ يَ ۡستَ ۡب ِد ۡل قَ ۡو ًما َغ ۡيَر ُكمۡ مُثَّ اَل يَ ُكونُ ٓواْ َأمۡ ٰثَلَ ُكم﴾ .
2 1
عز ّقال ّ
فنون األدب:
5
إن فن ون األدب كث رية متع ددة ،ومجيعه ا يس هم يف حتقي ق تل ك الغاي ات املتقدم ة ،فت ارة
تك ون اخلطاب ة من رباً رائ داً ،يعل وه اخلطيب ،فيه ز األمساع ،ويأخ ذ باأللب اب ،ويش حذ
اهلمم ،مث ينف ذ إىل م راده يف ع زم ومض اء .وت ارة يك ون القص ة مي داناً فس يحاً ،يتظ افر
القص ة إىل العق دة ،مث
أشخاص ها على حب ك أح داثها ،ك ل حبس ب مرك زه ،ح ىت تص ل ّ
تنفرج عن مغزى لطيف ،يصحح عادة قبيحة ،أو يزيل شبهة رائجة ،أو يغرس فكرة
نرّي ة .وتارة أخرى تكون املس رحية أنسب حاالً ،وأخصب جماالً من غريها وأقدر على
املعاجلة والت أثري ،وخباص ة ل دينا _حنن املس لمني-فإن ا تراثن ا اإلس المي ث ّر غ ين باملغ امرات
املثرية ،عامرة بالبطوالت النادرة ،اليت تشكل مادة املسرحية ،وجتعل أحداثها مثرية ممتعة
يسمى بفن الرواية. ،وقد يكثر األش خاص ،ويطول النفس وتتعدد الفصول ،وهذا ما ّ
ومن ح ق األديب املس لم أن يتج ه إىل فن آخ ر من فن ون األدب ،جيم ع بني التح ري
التارخيي ،واإلمتاع القصصي ،ويراد به تناول حياة فرد من األفراد ورسم صورة دقيقة
لشخصيته ، 1مادة صاحلة ،ألن تكون سرية ذاتية يكتبها األديب نفسه عن نفسه ،وهذه
هي السرية الذاتية ، 2وإذا سطر األديب قطعة نثرية ؛ فعاجل فيها ناحية من نواحي املعرفة ،
أو شأناً من شؤون احلياة ،فقد ركب فن املقالة .قد تعرّب القطعة النثرية عن فكرة طارئة ،
أو حملة عابرة ،جتاه أمر ما ،ينتهي فيها الكاتب إىل فكرة أو عربة ،وهذا ما يطلق عليه
فن اخلاطرة ،اليت قد ال تتجاوز األسطر .وأما إذا عاين األديب جتربة شعرية ،وانفعل بأمر
ما ،مث جادت قرحيته بتلك املشاعر واالنفعاالت ،وبرزت يف قوالب شعرية مؤثرة ،فهذا
3
هو فن الشعر.
6
المبحث الثاني :تاريخ ،ومرجعية األدب اإلسالمي.
تاريخ األدب اإلسالمي:
إن اجلديد يف األدب اإلسالمي ،إمنا هو املصطلح فقط ،واستحداث مصطلح ملوضوع ما
،ليس ب دعاً ؛ فق د اس تحدثت آالف املص طلحات يف العل وم اإلس المية والعربي ة ،مما مل
يكن هلا وجود يف عصر النبوة واخلالفة الراشدة .فأصول التفسري مثالً قد استقيت مادته ،
وقواعده من الق رآن الك رمي ،واحلديث الش ريف ،وفت اوى اخللف اء الراش دين ،والص حابة
والتابعني -رضي اهلل عنه -؛ لكنه مل يتشكل يف صورة علم ،ومل يأخذ هذا االسم إال يف
عصور متأخرة ،ومثل ذلك أصول احلديث ،وغريه كثري جداً يف العلوم الشرعية .والذي
يرفض مصطلح األدب اإلسالمي حبجة عدم وجوده يف املاضي ؛ يلزمه أن يرفض مصطلح
1
(األدب العريب) ؛ ألنه حُمْ َدث ،ومل يعرفه األقدمون ،ومل يستعمل إال يف العصر احلديث.
لقد رأينا أن األدب اإلسالمي قدمي قدم اإلسالم نفسه ،وأن اجلديد هو املصطلح نفسه ،
الذي ميثل وجوده دعوة ملحة إىل إجياد مذهب أديب يتعامل مع مدارس األدب وقضاياه ،
وفق رؤية إسالمية.
ولق د تأخرن ا كث رياً يف إجياد ه ذا املذهب ،يف ال وقت ال ذي س بقنا في ه الكث ريون إىل إجياد
م ذاهب أدبي ة ،تعكس قيمهم ،ومب ادئهم ،وت دافع عنه ا ،وتق دمها تق دمياً م ؤثراً يُغ ري
هبا ،ويشجع على قبوهلا.
ويُ ُّ
عد أبوا حلسن النّدوي (1333ه ــ1419-ه ــ) أول من نبّه إىل قراءة مكتبة الرتاث العريب
من جديد ،واخلروج من إطار األدب املتكلف املتصنع إىل األدب العفوي الذي يصدر عن
أدباء الفطرة ،الذين جييدون التعبري البالغي اجلميل ،سليقة ،وفطرة ،من دون تكلف ،
أو تعنت.
ويف هذا السياق يرى النّ دوي أال تقتصر على مراجع األدب ،ومصادره املعتادة ،بكل
نكتشف روائع القول البليغ املؤثر يف آفاق أخرى مثل :كتب احلديث النبوي ،والسرية
النبوي ة ،واملغ ازي ،والت اريخ ،والس ري ،وال رتاجم ،والطبق ات ،ونبّ ه إىل أن يف ه ذه
7
املؤلف ات كن وزاً من النص وص األدبي ة الفائق ة ،ال يت جتم ع بني مجال الش كل ،وس المة
احملتوى.
كانت هذه الدعوة من أيب احلسن النّدوي إرهاصاً لضرورة البحث عن اهُل وية اإلسالمية يف
األدب املعاصر ،وتطورت هذه الدعوة إىل عقد أول ندوة لألدب اإلسالمي ،وكان ذلك
يف عام 1400ه ـ ـ يف مدينة لكنو باهلند.
وهناك من يربط دعوة الشيخ النّ دوي بظروف األقلية املسلمة يف اهلند ،لكن احلقيقة أن
شواهد النّدوي يف طرح قضية األدب اإلسالمي مستقاة من واقع األدب يف البالد العربية ،
هم الع رب ،أك ثر بكث ري من بعض مثقفي ه ،ونق اده .ه ذا م ع أب ا احلس ن
فق د ك ان يعيش َّ
النّدوي نفسه عريب هامشي ،فصيح اللسان والقلم.1
مرجعية األدب اإلسالمي:
املرجعية يف األدب اإلسالمي للنص الذي اجتاز شرط الفنية بنجاح ،وانطلق من منطلق
إس المي ،بش رط أن يك ون األديب مس لماً ،أم ا النص ال ذي يك ون موافق اً لقيم اإلس الم
وصادراً عن أديب غري مس لم ،فإننا نقبله حتت اسم (األدب املواف ق ) كما قبل الرسول
صلى اهلل عليه وسلم شعر أمية بن أيب الصلت املتفق مع قيم اإلسالم مع أن صاحبه غري
مسلم .
فلألدب الع ريب قيم ة خاص ة م يزان األدب اإلس المي ،وغ الب األدب الع ريب أدب
إس المي ،واالحنراف يف تراثن ا الع ريب ميث ل – حبم د -اس تثناءً حمدوداً ،على أن عروب ة
األدب ،ال تع ين كون ه إس المياً بالض رورة ،فهن اك نص وص عربي ة تض منت خمالف ات
شرعية ،وعقدية ،وأخالقية ،مثل أشعار اخلمريات ،واجملون.
كل أدب منحرف فن اإلسالم احنراف اً عقدياً ،أو أخالقي اً ،فهو أدب غري إسالمي ؛ حىت
2
وإن ُكتب حبروف عربية.
انظر :إشكالية األدب اإلسالمي ،وليد قصاب،ص ،247-244نقالَ من كتاب :منهج األدب اإلسالمي ،عبدهللا العريني،ص15-14 2
8
المبحث الثالث :خصائص األدب اإلسالمي.
إن لألدب اإلس المي خص ائص متيزه عن غ ريه من اآلداب ،وميكن حتدي د ه ذه اخلص ائص
يف طائفة من األمور.
غائي هادف ؛ ذلك أن األديب اإلسالمي ال جيعل األدب غاية لذاته – أولها :أنه أدب ّ
كما يدعو أصحاب "الفن للفن" – وإمَّن ا جيعله وسيلة إىل غاية.
وتتخلص هذه الغاية يف ترسيخ اإلميان باهلل عز وجل يف الصدور ،وتأصيل القيم الفاضلة
يف النفوس ،وتفجري ما يكمن يف الذات اإلنسانية من طاقات اخلري والصالح.
ثانيها :أنه أدب ملتزم ،ولكن التزامنا مغاير اللتزام الشيوعيني والوجوديني.
فهو التزام باإلسالم وقيمه ،وتصوراته ،وتقيد مببادئه ومثله وغاياته.
وهو مسئولية وريادة يف وقت مع اً ؛ فاملسئولية إمنا هي أمام اهلل الذي ال ختفى عليه خافية
يف األرض وال يف السماء .
والريادة إمنا هي إخالص التوجيه لعامة املسلمني وخاصيتهم ،وكبارهم وصغارهم .
ثالثها :أنه أدب أصيل ،وتتجلى هذه األصالة يف انصباب أدب األديب على األصيل من
خصائص أمته ،والنقي الصايف من صفاهتا ،والرفيع الثمني من قيمها ومزاياها.
رابعها :أنه أدب متكام ل ،وال يتم ه ذا التكام ل إال بتآزر املضمون م ع الشكل ؛ ذل ك
ألن املضمون وحده ال يبدع أدب اً إسالمياً يغين األفئدة ويثري املشاعر...وال الشكل وحده
ينتج أدباً إسالمياً مثيناً يثري العقول.
واألديب اإلس المي ال يس تطيع حتقي ق ه ذا الغ رض الس امي إال إذا ك ان ممن اتس عت
ثق افتهم ،وغ نيت أفك ارهم ،وملك وا يف ال وقت نفس ه الطاق ات الفني ة املبدع ة واملش اعر
اإلسالمي النبيلة .
خامس ها :االس تقالل ،وذل ك حني يتخلص األدب اء اإلس الميون بعام ة والش باب منهم
خباص ة من ت أثري األدب اء والنق اد املش هورين ال ذين جيذبون إليهم من دوهنم ج ذباً ش ديداً ،
9
ويتحكم ون يف رؤيتهم لألش ياء ،ونظ رهتم إىل احلي اة والك ون ومب دعهما نظ ر ًة جتايف
اإلسالم.
وهذا االستقالل يتم بالتصميم من جهة ٍ ،وبتكوين الشخصية األدبية اإلسالمية من جهة
ٍأخرى ،حبيث ال يرى األديب املسلم إال بعني اإلسالم وال حيس إال بإحساسه.
وإن ذل ك يص دق -مثالً – على حس ان بن ث ابت رض ي اهلل عن ه حني عم ل على أن
يتخلص من الشخصية األدبية اجلاهلية ،وأن يستبدل هبا الشخصية اإلسالمية اجلديدة.
كما ينطبق يف عصرنا احلديث على "سيد قطب " يف نقلته الكبرية اليت حمض فيها طاقاته
األدبية الثمينة ملا يرضي اهلل ورسوله وقصرها عليه.
ف إذا ح ركت أعمال ه األدبي ة املش اعر العلي ا عن د الق راء ،وأث ارت تفك ريهم الس امي ،
وأيقظت ال روح اإلس المية يف نفوس هم حظي باالنتس اب إىل األدب اإلس المي ،وعُ د من
1
األدباء اإلسالميني.
المبحث الرابع :مفهوم الشكل ،وسماته في األدب اإلسالمي.
مفهوم الشكل :يراد بالشكل الصياغة األدبية للفكرة ،والقالب الفين الذي تصاغ به ،وقد
يطل ق الش كل على اجلنس األديب فيع د الش عر ش كالً ،والقص ة ش كال ،والس رية ش كالً،
واملس رحية ش كالً ،ويطل ق الش كل أحيان اً وي راد ب ه الن وع داخ ل اجلنس الواح د ،فتس مى
القص ة التارخيي ة ش كالً ،والقص ة الواقعي ة ش كالً ،والقص ة الفلس فية ش كالً ،ومث ل ذل ك
2
األنواع املختلفة للشعر ،الشعر املوزون ،والشعر احلر ،وشعر التفعيلة ،واملوشحات.
سمات الشكل:
الش كل منطق ة حماي دة لآلداب كله ا ،واألدب اإلس المي يهتم بالش كل ،ويس ابق إىل
توظيف الرائ ع من ه .لكن ه ليس مدرس ة فني ة خالصة حىت يط الب خبص ائص ينف رد هبا عن
غريها ،ومع ذلك فله بصماته حىت يطالب خبصائص ينفرد هبا عن غريها ،ومع ذلك فله
بصماته اخلاصة يف جمال الشكل ،ومن ذلك متيزه بالسمات التالية :
نحو مذهب إسالمي في األدب والنقد ،عبدالرحمن رأفت الباشا ،ص147-145 1
10
-1انفتاحه على جميع فنون األدب.
إذا أخ ذنا مبفه وم أن الفن األديب ش كل من األش كال ف إن األدب اإلس المي يفتح ص دره
لفن ون األدب كله ا ،وال ينح از إىل فن دون آخ ر ،يف حني جند أن الكالس يكية تفض ل
املسرحية ،والرمزية تفضل الشعر ،والواقعية تفضل القصة .
أما األدب اإلسالمي فكل هذه الفنون لديه سواء ،ال ينحاز إىل واحد منها ،بل يوظفها
مجيعاً دون أن يقيد نفسه بفن واحد على حساب الفنون األخرى .
-2توظيفه لجميع عناصر األدب.
يق وم النص األديب على أربع ة عناص ر هي :الفك رة ،والعاطف ة ،واخلي ال ،واألس لوب.
ويتعام ل األدب اإلس المي بكف اءة عالي ة م ع ه ذه العناص ر كله ا ،وجيع ل ذل ك ش رطاً يف
نصوص ه اإلبداعي ة ،بينم ا جند االجتاه ات األيديولوجي ة ترك ز على املض مون ،والرمزي ة
تركز على اخليال ،والرومانسية تركز على العاطفة ،واأللسنية تركز على اللغة .
وبذا خيرج األدب اإلسالمي عن إشكالية التحيز إىل عنصر أديب واحد ،مؤمنا بضرورة أن
يعطي كل ذي حق حقه ؛ لتتكامل الفنية يف األدب ،وهي مسة قل أن توجد يف غريه من
اآلداب .
-3اإلفادة من القرآن الكريم والحديث النبوي.
وضعت الكالسيكية يف أوربا األدب اليوناين القدمي منوذجا هلا ،ونسجت أدهبا على منواله
،فك ان ذل ك س بباً يف ث ورة الرومانس ية عليه ا ،واهتامه ا ب اجلمود والتحج ر .ووض ع
احلداثيون الع رب احلداث ة الغربي ة منوذج اً هلم ،فلم ين ل األدب الع ريب املعاص ر إال الض عف
الشديد ،والتخلف املهني .
أما األدب اإلسالمي فإنه يهتدي بأساليب القرآن واحلديث النبوي ،وجيد فيها منوذج اً فذاً
ال نظري له ،حيمل األدب على االرتفاع يف معارج اإلبداع إىل مكانة عالية رفيعة .
11
ولن يف رط األدب اإلس المي يف ه ذه الكن وز العظيم ة ،ب ل س وف يس تثمرها ،وجيعله ا
عنصراً مؤثراً يف النص األديب ،وخباصة يف الفنون النثرية :كالرواية ،واملسرحية .
-4السالمة الشرعية لأللفاظ.
األدب اإلس المي يبتع د عن األلف اظ والعب ارات ال يت هُن ي املس لم عنه ا مث ل ألف اظ :س ب
الق در ،أو االع رتاض علي ه ،أو س ب ال ريح ،أو ال دهر ،أو القس م بغ ري اهلل تع اىل ،أو
1
العبارات الفاحشة البذيئة ،اليت ختدش احلياء العام ،وخترم املروءة.
كم ا ي دعو إىل اح رتام األلف اظ وع دم ابت ذاهلا يف س ياقات منحرف ة ،ك أن خياطب احملب
حمبوبته بقوله :يا معبوديت ،وأعبدك ،أو حنو ذلك ،وأرى من ذلك ضرورة احرتام لفظة
(اخللق) اليت تستعمل يف سياقات خمتلفة كقوهلم (اخللق الفين) ؛ فمصطلح (اخللق) اختص
3
اهلل به قال تعاىل َ ﴿ :ه ۡل ِم ۡن َٰخلِ ٍق َغ ۡي ُر ٱللَّ ِه ﴾ ،2وقوله تعاىل﴿ٱللَّهُ َٰخلِ ُق ُك ِّل َش ۡيء﴾.
-5السالمة اللغوية لأللفاظ.
األدب اإلس المي ي رفض اللغ ة الض عيفة ؛ ألن ض عفها س يؤدي إىل ض عف النص األديب
كله ،كما يرفض اللهجات العامية اليت ميثل نشرها هتديداً للغة الفصحى ،ويضيق من
دائ رة انتش ار أدب األديب ،وجتعل ه يف ح دود منطق ة معين ة ،من من اطق بالده ،ال يك اد
يتجاوزها إىل غريها ،فاللهجة العامية جيب أن تبقى يف إطار مستواها املعيشي الشفهي ،
الذي يعد ضرورة ال بد منها ،بيد أن من اخلطورة مبكان جعلها لعة الثقافة .
-6رفض العبث والغموض.
هنالك من اآلداب املعاصرة من وقعت أسرية الغموض الذي حتول إىل هدف مقصود بذاته
،جعل األدب بال معىن ،وال فكرة ،وال غاية .فهو أشبه بالطالسم واأللغاز ،وباهلذيان
احملموم .فال خيرج القارىء منه جبملة مفيدة ،وهذا العبث دفع القراء إىل سحب ثقتهم
1انظر:معجم المناهي ،للشيخ الدكتور:بكر( أبو زيد ففيه تفصيل دقيق لكل ما يدخل تحت موضوع األلفاظ المنهي عنها ،وتوسع في
عرضها والتمثيل لها.
2سورة فاطر ،آية3:
3سورة الزمر،آية62:
12
باألدباءـ ،وتقليل اهتمامهم باألدب ،واألدب اإلسالمي يرفض ذلك ؛ ألنه أدب هادف
1
حيرتم القارى ء ويقدره.
المبحث الخامس :مفهوم المضمون ،وسماته في األدب اإلسالمي:
مفه وم المض مون :املض مون ه و الفك رة ال يت يع رب عنه ا ب النص ،ويس مى احملت وى ،وه و
2
الرسالة اليت يريد أن ينقلها األديب إىل القارىء.
سمات المضمون:
للمضمون يف األدب اإلسالمي عدة مسات منها :
-1سعة المضمون.
أن املض مون يف األدب اإلس المي مينح األدب فرص ا واس عة للخ روج عن نط اق املوض وع
فوتالواحد ،الذي يدفن األديب فيه نفسه ،ويبقى أسرياً له ،وإن شاعراً مثل نزار قباين ّ
فرص ا رائع ة ليكون ش اعراً عظيم اً حني بقي كث ري من ش عره يف إط ار احلديث عن الزن اة ،
والبغايا ،ولذا فخروجه إىل موضوعات سياسية ،ووطنية ،كانت هي السبب يف زيادة
ش هرته ،ومجاهريت ه .يق ول ال دكتور حمم د الش امخ :إن موض وعات األدب اإلس المي
واس عة لس عة اخلي ال اإلنس اين ال ذي حيل ق يف األع ايل وال يس ف حنو الوه اد والس فوح ،
عريضة كعرض الكون الذي خلقه اهلل ،وهي عميقة مثل عمق احلياة اليت أبدعها اهلل .
واألديب املس لم يعلم أن اهلل مل خيل ق الس ماوات واألرض وم ا بينهم ا ب اطالً ،وأن اهلل مل
خيلق اإلنسان إال لريقى إىل مقام عبوديته ،ويبلغ منرلة اخلريية ،ولذلك فإن أدبه ينطلق من
ه ذه احلقيق ة فيتنكب طري ق الباط ل ،وين أى بنفس ه عن الله و والعبث ،ليتالءم ص وته م ع
رسالة الكون ،وليتفق سعيه مع غاية اخللق ،وحكمة الوجود.
-2األفق الروحي واإليماني.
يف األدب اإلسالمي آفاق رحبه واسعة ،ملوضوعات ال ختطر يف بال كثري من األدباء ،أو
ق د ختط ر يف أذه اهنم ،لكنهم يعرض ون عنه ا جهالً مبا ت وفره من جماالت رائع ة لإلب داع ،
منهج األدب اإلسالمي،عبد هللا العريني،ص98-94 1
13
فمعرفة اهلل سبحانه وتعاىل أفق يتيه يف عظمته الشاعر ؛ فمن عرف اهلل هان عليه ما سواه ،
ومن ذل ك تقليب النظ ر يف الك ون والتفك ر يف آي ات اهلل وخملوقات ه ،وه و أف ق آخ ر من
اآلف اق الكب رية ال يت يب دع فيه ا األدب اإلس المي ،وينق ل الق ارىء من النظ ر يف م وطئ
قدميه ؛ ليحمله إىل أجواء الفضاء ،وليجد نفسه يف عامل من الطهر ،والنقاء ،والصفاء ،
فريى األرض ...كل األرض كحبة رمل يف الصحراء.
وبذا تزول الفكرة السائدة من أن اإلبداع ال يعيش إال يف مستنقع اجلرائم اخللقية القذرة ،
فعامل الروح أوسع مدى من عامل احلس الضيق النطاق الذي ال يرفضه األدب اإلسالمي ،
وال يهمله ،لكنه ال يقتصر عليه .
-3مخاطبة الفطرة.
األدب اإلسالمي ق ادر على النجاح خارج مجه وره املعت اد ،وق ادر على أن يغ رد خارج
س ربه ،وأن يض يف إىل مجه وره اخلاص مجه وراً أوس ع ،وذل ك حينم ا يع زف على وت ر
الفط رة النقي ة ال يت هلا ص داها عن د ك ل إنس ان ،ويف ك ل أرض ،ك التعبري عن الرمحة ،
والص دق ،والتض حية ،وب ذا يثبت قدرت ه على التواص ل ،وإقام ة اجلس ور م ع اآلخ رين .
فلغة الفطرة لغة عاملية ،جييدها كل الناس ،وحيبون اإلصغاء إليها ومساع احلديث هبا .
-4أخالقيته وسموه.
إن املضمون يف األدب اإلسالمي بعيد عن الفحش ،واخلناء ،وسفاسف األمور ،ومن هنا
تعظم قيمته ،وجعل النقاد العرب شرف املعىن أول شرط يف عمود الشعر العريب ؛ تأكيداً
منهم ألمهي ة املض مون األخالقي ودوره يف رقي النص األديب ،حيث يك ون بعي داً عن
ال دناءة ،بعي داً عن الب ذاءة ،وب ذا حيق ق مسواً وارتفاع ا ،وعل واً يف األه داف لكي يك ون
اإلنسا ُن إنساناً.
-5إيجابيته.
األدب اإلس المي أدب إجيايب يب ىن وال يه دم ،وجيم ع وال يف رق ،ويص لح وال يفس د ،
يفتح أبواب األمل املوصدة يف أعني البائسني ،ويثري اهلمم إىل معايل األمور ،ويساعد يف
14
تشكيل عقل القارىء وقلبه ؛ لكي يكون قادراً على صناعة احلياة ،والنجاح فيها بذلك
خيتل ف عن اآلداب األخ رى ،ال يت يرك ز مض موهنا على إث ارة الغرائ ز ،ودغدغ ة املش اعر،
وهتييج النفوس ،مما يؤدي إىل وقوع القراء بالفواحش واآلثام اليت يغريهم هبا ،ويزينها يف
1
عيوهنم ،وأي أدب يسعى إىل ذلك فهو أدب عدائي لإلنسان ،واحلياة.
المبحث السادس :حاجتنا إلى األدب اإلسالمي:
ِ ِ ٍ ِإ عرَّب الق رآن الك رمي عن مس ؤولية الكلم ة بقول ه تع اىل ( :م ا ي ْل ِف ُ ِ
ظ م ْن َق ْول اَّل لَ َديْ ه َرق ٌ
يب َ َ
َعتِي ٌد) ،2وعرَّب عنه ا احلديث الش ريف بقول ه ﷺ ( :إن الرجل ليتكلم بالكلمة ال يريد هبا
3
بأساً يهوي هبا سبعني خريفاً يف النار).
وإذا ك ان ذل ك التح ذير الش ديد خمتص اً بالكلم ة (العادي ة) احملدودة األث ر ال يت يتكلم هبا
اإلنسان (العادي) ؛ فهو يف حق الكلمة األدبية املؤثرة ،يف النفوس ،ويف حق األديب املؤثر
يف الن اس من ب اب أوىل .ول ذا جييء األدب اإلس المي ليؤك د مس ؤولية الكلم ة األدبي ة ،
ويدعو األديب أن يعي أمهيتها ،وتأثريها ،وخطورهتا .
لقد تعرض األدب العريب املعاصر – وما يزال -إىل رياح التغريب العنيفة اليت أودعته قيم اً
غريب ة ،ومف اهيم منحرف ة يف :احلري ة ،واملرأة ،واألس رة ،واجملتم ع ،واملال ،والتعليم ،
قيما خمالفة كل املخالفة ملا جاء به اإلسالم احلنيف ،فأصبح من الضروري التأكيد على
إسالمية األدب ،والدعوة إىل أدب يعكس قيم األمة املسلمة ومبادئها ،وحيدد عالقة هذا
األدب باآلخر ،وعالقته بالقضايا النقدية ،واملدارس األدبية ،وكيف يتم التعامل معها .
األدب اإلسالمي يرفض اآلداب اليت تصادم العقيدة ،ويتصدى لظاهرة الطعن يف الدين ،
أو هتميشه يف الفنون األدبية .
األدب اإلسالمي يوقف إشاعة ثقافة الزنا ،والشذوذ ،من خالل القصص ،أو األشعار ،
أو املس رحيات ،أو املق االت ،ال يت جتع ل من االحنراف اخللقي منط اً من أمناط الس لوك
االجتم اعي ،وتنظ ر إىل مرتك يب الف واحش على أهنم أبط ال متح ررون ،وتنتق د اجملتم ع
15
ال ذي ي رفض تل ك املنك رات ،وحترض املرأة املس لمة على اخلروج على حجاهبا ،وعف ا
فها ،وحيائها .
األدب اإلسالمي مينع انتشار أدب العبث ،والغموض ،الذي يفسد الذوق األديب العام ،
ويقطع الصلة برتاث األمة العظيم .
األدب اإلسالمي يبتع د عن إث ارة الش بهات الفكري ة ال يت ت دعو إىل االحنراف العق دي ،أو
1
األخالقي ،وتغري املفاهيم والقيم ،وهتز الثوابت واملسلَّمات.
16
:الخاتمة
يف هناي ة البحث أس أل اهلل أن يرزق ين اإلخالص ،وأن ينف ع مبا ق دمت وكتبت ،وه ذا
جهدي وعليه التكالن ،فما كان من صواب فمن اهلل وحده فله احلمد ،وما كان من
.خطأ فمن نفسي والشيطان واهلل ورسوله منه بريئان
17
فهرس المصادر والمراجع
االلتزام اإلسالمي يف الشعر ،ناصر اخلنني ،الطبعة الثانية1433،ه2012-م ،مكتبة 1-
.الرشد ،الرياض-اململكة العربية السعودية
.لسان العرب ،ابن منظور ،دار صادر ،بريوت-لبنان2-
مقاييس اللغة ،ابن فارس ،حتقيق:عبدالسالم هارون ،سنة النشر1399:ه1979-م3- ،
.دار الفكر
منهج األدب اإلسالمي ،األستاذ الدكتور:عبد اهلل العريين ،الطبعة األوىل1431 ،ه4- -
2010.م ،فهرسة مكتبة امللك فهد الوطنية ،الرياض-اململكة العربية السعودية
حنو مذهب إسالمي يف األدب والنقد ،الدكتور:عبدالرمحن رأفت الباشا ،الطبعة 5-
.السادسة1429 ،ه2008-م ،دار األدب اإلسالمي ،القاهرة-مصر
18
:فهرس الموضوعات
1 املقدمة
3 :التمهيد
4 .املبحث األول:تعريف األدب اإلسالمي ،وغاياته وفنونه
7 .املبحث الثاين:تاريخ ومرجعية األدب اإلسالمي
9 .املبحث الثالث:خصائص األدب اإلسالمي
10 .املبحث الرابع:مفهوم الشكل ،ومساته يف األدب اإلسالمي
13 .املبحث اخلامس:مفهوم املضمون ،ومساته يف األدب اإلسالمي
15 .املبحث السادس:حاجتنا إىل األدب اإلسالمي
17 اخلامتة
18 :فهرس املصادر واملراجع
19 :فهرس املوضوعات
19
20