Professional Documents
Culture Documents
استثناء ومنه إعادة تعريف اإلنسان وتحديد هويته وصوغ عقله وبناء ذاته وفق نظرية (السيبرنطيقا) بحيث تصبح لوحة
التحكم بيد قائد السكان ,واألكيد في ذلك أن ذلك القائد ليس نحن وال نمتلك القدرة على التأثير عليه ألن القيادة عن بعد
وبوسائل مختلعة متنوعة يصعب إدراكها أو اكتشاف التحكم والتوجيه من ورائها .
عندئذ أصبح اإلنسان (شيئاً) قابالً للتحكم ,ويبشر سامي أدهم صاحب كتاب ( تشميل ما بعد الحداثة ) بهذا
()3
ليعلن بعد العصر عربياً ,والكلمات الخمس األولى من فصله األول يقول (( :نحو هوية جديدة لإلنسان الجديد ))
ذلك((موت العلسعة والميتافيزيقا التقليدية نحو انبثاق العلوم المعرفية في العضاء والعيزياء ...والكمبيوتر والذكاء
وتغير جذري في القيم والتصورات واألهداف اإلنسانية ...من هنا فإن هوية
الصناعي ...كل هذا سيؤدي إلى قيام تحول ّ
اإلنسان أو الالإنسان الجديد ارتبطت وتعاعلت مع المصنعات واآلالت والمعلوماتية ..فالهوية الجديدة هي هوية النص
()9
. العظيم ))
أمام هذه اآللية واالختزالية لإلنسان برمز أو رقم في جهاز الكتروني يرصده أينما كان في العالم ,تطورات نزعة
روحية أدبية تتوجه في اإلنسان نحو عوالم باطنية صوفية شملت األدب العالمي عامة شع اًر ورواية وفك اًر وتنظي اًر .
تتسم شخصيات الرواية الصوفية باالهتمام بالجانب الروحي والنعسي على حساب الجانب الجسدي والشكلي وهي
وحده وتقييده تحت كاميرتها ,األمر اآلخر
حديثاً وليدة أزمة االغتراب ومحاولة (السيبرنطيقا) تغييب الروح والحرية اإلنسانية ّ
أن الصوفي بعصله نعسه عن الحياة العامة وخاصة السياسة يحتوي خطابة نزعة ضد سياسية وضد السلطة لذا يرى (محمد
معتاح ) أن السلطة والعقهاء واجهوا هذا الخطاب( ,)5الذي يسعى نحو الحرية وفتح الحدود في المجال الذي يوظف فيه وهو
يدعم بذلك توجهات ما بعد الحداثة الساعية بقوة نحو تحطيم الحدود ,وفتح المعاني على عوالم الالنهاية والتأويل المتعدد
المعلمن ) و( النص المغلق)( ,)6وواحد من شروط هذه االنعتاحية والتعددية في نعس الوقت َ وحدية (اإلنسان
ضد حتمية ّ
(الغموض) الذي يطبع الشخصية الصوفية وهويتها وخطابها االيجابي ال ارمز فحركاته واشاراته وكلماته جميعاً محسوبة وقد
تحمل نبأ المستقبل .
تبرز صوفية (عليوة) في رواية تعالى وجع مالك مبك اًر وهي شخصية من الخط الثاني في الرواية وبروز صوفيتها
يأتي قبل اكتشاف جانبها الصوفي من قبل معلم المستقبل ( مالك الوجد).
(عليوة) صبي الجامع وقد صار شاباً (( :وجلس صبي الجامع يغني :سكرة الموت ما أرى ،أم أرى جذوة الحياة ؟!
داعبت شعره فرحة بصبي صار شاباً .طلبت منه أن يغير اسمه - :ماذا (عليوة) حلو وهل عليوة يتناسب مع طالب في
()7
. كلية الحقوق ؟ ...قرص خدي بمحبة وأنصرف ))
التصوف وهنا يتنبأ بما سيمر من
ّ السرد بلسان (سالمة) أخت (عليوة) وهنا يبرز بداية التحول في حياة الشخصية نحو
أهوال وأحداث على حياة العائلة وحياة (سالمة) على وجه الخصوص مع (مالك الوجد) ذلك الصدام بين (المادي
()1
وهو الذي علم (عليوة) طريق والروحي)( ,فمالك الوجد) األستاذ والطبيب (( :صمته مؤبد وحديثة موصول بالروح ))
الصوفية ,أما حالة الصمت تلك فمن ميزات العارف الصوفي الذي تشح عنده الكلمات عن التعبير ونقل خبرته فهو واقع
تحت تأثير قوى تتطلب تركيزه وتأمله( (( : )4سرد قصصاً موغلة في القدم ،حديثه شيق وأنا استمتع به ،عندما يلج
()10
ونستمر بتلقي السرد المقامات يتحول إلى إنشاد ،يتصاعد من روحه فيض نور ،ويتأطّر وجهة بهالة فضية ))
بصوت (األنا) المتكلمة وهي تعرض لنا صعات وأحوال ( مالك الوجد ) دون منحه أدنى مجال وهذه (األنا ) هي صوت
(سالمة/الراوي) ولكن هل يعني ذلك نوع من الغياب المقصود وأن اآلخر موجود في هذه (األنا) ؟ ,ومع الغياب للحضور
مجلة العلوم االنسانية /كلية التربية للعلوم االنسانية/المجلد /32العدد الثالث -ايلول3102/
(هنا) ,هناك حضور آخر من خالل المرآة (اآلخر) وبذلك يكون حضور ( مالك ) هو في المرآة التي تحتوي األختالف
()11
. باتعاق دريدا وابن عربي
يبعث (مالك الوجد) إلى (سالمة) طرود دون أن تعرف أنه المرسل ومن محتوياتها أوراق صعراء وأخرى بيضاء
مقواة دفعتها لالستعانة بأخيها األصغر لعك هذا السر وكشف شعراته وبعد يوم أخبرها مختزال سرها في عنوان (( :أسطورة
()13
الخلق األولى البن طفيل))( ,)12ومنذ ذلك الحين بدأ يدرس نظرية العيض (( :أق أر ..أدرس نظرية الفيض))..
وعالمة التحول في مسار هويته تغيير اسمه ليكون سمة ظاهرة على المحتوى الجديد (( هل غيرت اسمك ؟ ـ بلى ..أنا
()19
. جنيد البغدادي))
إذ أصبح (عليوة) بعد التحول الهوياتي والعكري (جنيد البغدادي) وهذا األخير هو اسم شخصية صوفية كبيرة ذات
مدرسة وطريقة صوفية قبره في بغداد واسمه (الجنيد بن محمد النهاوندي البغدادي) ولقبه أبو القاسم عاش في القرن الثالث
الهجري ويقول عنه علي حسني عبد القادر مقدم رسائله المطبوعة بأنه أبو التصوف اإلسالمي(. )15
يبدأ (عليوة) الذي أصبح ( جنيد البغدادي ) بإرسال اإلشارات والتحذير من الطوفان (( :الطوفان آت ,ال محالة ))(, )16
()17
وهذا الجمع بين (الطوفان ) ونوح يحمل داللة وفي موضع آخر من الرواية يقول (( :سبحان الذي أوحى إلى نوح ))
داللياً بعد فساد تحذيرية ذات رمزية حافظت عبر التاريخ على معنى قرب التجديد الكوني الذي يحمله الطوفان
اإلنسان(.)11
يختص ( ابن عربي ) بتأويل اختص به (الطوفان) ورأى فيه نعمة وليس نقمة وتبعه ( جاك دريدا ) في تأويله وقلب
معنى أو إعادة قراءة وتأويل حكاية بابل( ,)14يعتقد ابن عربي أن الطوفان الذي سلطة اهلل على األرض في زمن نوح ما هو
سوى"(( :مما خطيئاتهم" فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم باهلل وهو الحيرة " ,فأدخلوا نا اًر " في عين الماء في
()20
. المحمديين "...ال تذر على األرض" يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها المحمدي ))
لنأتي مباشرة بعد ذلك إلى ما فعله (مالك الوجد) بمن ظلموه وآذوه وعصوه وحاولوا سجنه وقتله ,وبعد وعد (جنيد
البغدادي) بالطوفان وبذكر أسم (نوح) ما الذي جرى هل نزل البالء أم الرحمة في خصومه وكان بهم عطوفاً رحوماً,
وباألخص بأكثرهم أذية له وهي (سالمة) ,ما جرى هو التالي (( :مالك ،..أقدم لك أبي ،هو من استقبله أبوك في
(القرنة) ،كان ينتظر قدومك منذ أربعة عشر عاماً ها هو ضرير وهذه والدتي ،كانت تتمنى عدم مجيئك حتى تزوج
بناتها من غرسها ،وهذا أخي الشرطي ،هو من طاردك عامين-، ...أبي مالك بارك خطوبة طبيب المجمع الصحي على
()21
رده على (سالمة الصغرى) أختنا سالمة الوسطى ،ويرجوك أن توافق ...إفرحي مالك سعيد بهذا الزواج)) .أما ّ
وخطيئتها فكان (( :اختلطت عليك األمور فلم تعودي تميزين )22())...هذا يعني وقوعها في الحيرة ألن قلبها لم يعرف
الجمع بين االثنين (الثنائية) دون إقصاء لحد من حدودها فالقلب محل المعرفة والتأويل( .)23فقد أسلمت (سالمة) لرغبتها
الجسد ولغته لغتها (( :أنا التي لم أعرف التعبير بالكلمات وترى أن لغة الجسد هي الوحيدة المحكية ))(- (( ,)29
اغتصبني ،مشدوها متفاجئاً لكنه كان رزيناً ،يسمى التصاق ،التقاء أمزجه ،..توقف ،يبحث عن كلمة أخرى - :
()25
. يسمى :وصال معنى هالة تتجانس مع هالة أخرى ))
لغة (مالك الوجد) لغة رقيقة وقاموسه حساس ال يحب الخشن من الكالم الذي يظهر عند (سالمة) وتلك الحالة (ذكورة في
أنوثة) و (أنوثة في ذكورة) وقد ذهب ابن عربي إلى كون الذكورة واألنوثة (( مجرد عرضين بالنسبة إلى اإلنسان ,ألنهما
تدالن على عالمتين حسيتين تعبران عن امتداد الحيواني في البشري ,وتجسدان العرق بين األنثى والذكر في عالم الحيوان,
وبناء على ذلك ال يحق النظر إليهما كمعيارين االنتماء إلى اإلنسانية أو لالنحراف عنها ))(. )26
الهوية الصوفية في روايات حميد الربيعي
أ.م.د .أوراد محمّد كاظم الباحث :حمزة عبد األمير حسين
فاإلنسان يحمل في داخلة الذكر واألنثى معاً هذا األثر من اآلخر حاضر دوما ويدعى ضاحكاً علينا االختعاء (( ال يوجد
()27
. حضور بال أثر وال أثر بال اختعاء ممكن ألصل ذلك األثر ))
يتحدث عشق (سالمة) لـ (مالك الوجد) بـ (الشهوانية) النابذة للروحانية فهي ال تطلب سوى غذاء الجسد وهذا يجعلها
ويعرق ابن عربي بينهما بأن الحاجة (حيوانية) وهذه تغتال الروح وتعقدها سمعتها
ذات(حاجة) أما مالك فهو ذو (رغبة) ّ
اإلنسانية وتقف فاصالً بين معرفة اإلنسان بذاته وباآلخر الذي هو محل االلتذاذ ,أما الرغبة فتمر بالحب والمعرفة باآلخر
()21
.وهذا ما لم يحدث مع (سالمة) رغم محاوالت (مالك الوجد) المستمرة لتنقيتها ويرتعع بإنسانيته نحو معانقة المطلق
ورفعها نحو عالم المعرفة والعشق الروحي ابتداءاً من رسائله وقصاصته الورقية التي تحكي قصة الخلق األولى وانتهاءاً
باللقاء الجسدي والشعائري من جانب (مالك) معها .ولكن (( انتهى الحديث بوعيد مني ومهلة يومين .هو يريد كما في
حكاية الشيخ جالل الدين ،أن يعيدني إلى الطينة األولى .أنا العنيدة لم أرتدع عن قسوتي ،انتفض عني جسدي ...
فتاة اختطت لنفسها رسما بيانيا وأبت أن تحيد عنه ،أحزنني هذا االنفصال .هو من قادني إلى االنشطار))(.)24
أختارت االنعصال ألنه لم يغتصبها لذا ستعمد إلى شل هذا الجسد الذي لم يستسلم لحيوانيتها فعي داخل (سالمة) فكر
الروحنة (( باالستئصال أو بالخصاء المسيحي ))( ,)30ألن نيتشه
(روحنة الشهوة) ويصف نيتشه تلك ّ نيتشوي يرفض ّ
ينطلق من الجسد نحو النشوة في طريقه إلى العرفان الدينوسي وهو قد يستصحب معه األلم ولكنه ليس أي ألم وانما (ألم
أصلي) ألم العيض واإلسراف يختصر أو هو العنوان األبرز ( ألعمق غريزة للحياة ) بحسب نيتشه(.)31
فتصرف (سالمة) يجد له مرجعية دينوسية عند شوبنهاور ونيتشه .أضف إلى أنها ترفض التبعية الروحية رغم أنها تعضل
التبعية الجسدية (( تتطلب آليه التبعية العشقيه سطحية دون عمق ))(.)32
لتطبق فلسعتها الوجودية في الحب (( :لكم أشتهي هذه اللعبة ،شرحت له كيفية
هي تريد اللعب تبحث عن المتعة ّ
إجادتها ،الفتاة الممتنعة وهو المتفجر رغبة ،يريدني في غرفته فأهرب إلى صالة الطابق ،يالحقني فأفر نازلة السلم
يتحول إلى فحيح ...لن أخرج من مخبئي واالّ فسدت اللعبة ،من يرغب عليه أن يتعب ،يستدل يبحث عني ولهاثه ّ
بلهاث أنثى أضناها الشبق ،من وراء دوالب يخرجني ،ال ينتظر ..يمزق الثياب الفتاة تطلب التأني قليالً ال يسمعها ..
()33
. يطرحها عنوة على األرض))...
هذا يؤدي بنا إلى حالة صراع بين إيروسية (سالمة) القبلية ,وحب (مالك الوجد) الصوفي الذي يتخذ الحب ديناً ومنطقاً
ويكتعي كثي اًر بإرسال حزمة نحو جسد (سالمة) الناضحة جنساً وشبقاً والتي ال تكعيها الحزم (( يسلط حزمة إشعاع تتسرب
()39
وفي بعض األحيان يالمسها ولكن هي تريد اللعب والمعاجأة وتبحث عن رويداً من مآقيي إلى أنحاء الجسد ))
الالمتوقع ,ونستعين هنا برؤية ( ايمانويل ليعيناس ) لأليروس (( :إذا ما نظرنا إلى الشهوة فينومينولوجياً فالشهوة ليست لذة
كبقية اللذات ألنها ليست لذة متوحدة كععل األكل أوالشرب ...إن هذا البحث في أثناء المداعبة هو ما يشكل ماهية
)) ((
وهذا الشواش األساس يشكل جوهرها ,هي كما لو الالمعرفة المداعبة ,ألن المداعبة ال تعرف ما تبحث عنه ,وهذه
ّأنها لعبة مع شيء يتوارى ,لعبة دون مخطط أو خطة ليس مع ما يمكن أن يصبح لنا أو نحن ,وانما مع شيء آخر ,آخر
على الدوام وعصي على الدوام ويعد باآلتي على الدوام)) .35تلك في جميعها عملية إعادة اعتبار لمكانة الشهوة
االستثنائية ,وهي تدعم وجهة نظر فلسعية أخرى تعيد االعتبار للحب الحسي ولكن تضعي على ذلك الحب معنى صوفي :
(( فقد أعيد االعتبار للحب الحسي بجميع شهواته ومعاناته بل واكتسب أحياناً ,معناً صوفياً غامضاً ,من حيث هو حل
لسر الكون ومعنى الحياة ))(.)36
مجلة العلوم االنسانية /كلية التربية للعلوم االنسانية/المجلد /32العدد الثالث -ايلول3102/
يدعم العيلسوف األلماني ( فردريك شليغل) تلك التوجهات تحت مسمى (دين الحب) وقد سبق ابن عربي في دعوته لدين
الحب بأبياته الشعرية الشهيرة التي بداية أحد أبياتها يقول ( أدين بدين الحب ) ( ,)37ليجعل من الحب دينا وعشقا ُي ّأول
سر الكون وكينونته ,لكن(شليغل) يتخذ عنده (الحب الجنسي ) طريقاً تحو التطهير الروحي وحب المرأة يتّخذ صبغة
ّ
صوفية عنده( . )31وقد خاض (مالك الوجد) هذا الطريق في سعيه لتطهير (سالمة) وعلى مدى ( )35صعحة من متن (
تعالى وجع مالك) وخالل ( )21ساعة(.)34
وبذا تكون تجربته (مالك الوجد) الصوفية تجاوز للعادي والمألوف وهي ال تقف عند حدود التجربة الدينية التي يعيشها
العامة من البشر .
هذا اإلنسان الصوفي يختار العزلة والخلوة وكثي اًر ما تنتهي صلته بالعادي والسطحي إلى التنافر واالنعصال وتلك سيرة
()90
.ولكن تبقى الحالج وقتل السهروردي ,كما مثلت (حي بن يقضان) تلك التجربة بين التجاوز ,والجامد المألوف العادي
إن الصوفي هو الذيالهوية الصوفية والروح الصوفية والشخصية الصوفية نقطة المركز الذي تلتقي فيه كل النقاط ّ (( :
يلعب بكل (عملية) الخلق ,الذي يخترع تعبي اًر لها أكثر مالئمة بقدر ما يكون أكثر دينامية .إن الروح الصوفية الخادمة
()91
. إلله منعتح ...تحرك بنشاط كل الكون وتعيد انتاج انعتاح كل ال شيء فيه ليرى أو ليتم تأمله))
مثلت رواية تعالى وجع مالك الثيمة األوضح واألوسع في اإلنعتاح على النسق الصوفي للهوية ,لذا أوليناها أكبر
أن ما موجود من هوية صوفية في باقي الروايات هو ال يخرج عن ما أوردناه في تناولنا لـ (تعالى
االهتمام ,إضافة إلى ّ
وجع مالك) هذا إضافة لمحدوديته وقلته كقول مريم لنجم العحام في (جدد موته مرتين) (( :هو يدنسني وأنا أتطهر
()92
بعد ما سبيت وأجبرت على الزواج من ضابط . بوجودك ))
في دهاليز ل لموتى تبرز شخصية (سيد مالك) العرفانية وتظهر كروح متنقلة مسافرة أكثر منها شخصية جسدية بل
هي شخصية طيعية تحضر في الملمات وعند المصاعب (( سيدنا مالك يركز وراء أنين امرأة يتقطع نحيبها دفقات تنتشر
في األفق طيور بيضاء لم يستغرب حضوره ،فله ميزة قلما تتكرر ،عصاه تتحرك إن أدركه طارئ العصا تشير إلى
اللقالق ...فوق الرأس تنتصب قامته النحيلة ،غرس العصا في األرض وانحنى على الوليد))( (( ,)93يد سيد مالك تهزني
()99
فهب القوم
وتسحبني من عالم غير مرئي كان يتحرك أمامي)) (( ,قيل ذات يوم عجيب أن سيد مالك دخل القصرّ ،
لتحيته ،ذهب مباشرة للزاوية األفرنجية فرد التحية بلغة غير التي ينطقها ))(.)95
وعندما يكبر الوليد ( كعوء ) سيظهر عليه مالمح طاقات وقوى صوفية تحلق به سماوياً مع نغمات االنشاد ((
الطفولة تنهض من قصر الشبوط الكبير ،تهلهل لطيف أبنها العائد ،جذوة نشوتها هاالت ترافق المحلق فوق البرية ،
سيد مالك يحتضن تلميذه بإيماءات ،يرسلها مثل أسراب الطيور))( (( , )96مثل الطيف أسبح في فضاء الكون ))(. )97
(وجد) فهي األخرى منشدة (( :كانت الساعات األخيرة من الطقس عندما صحبني الزبون لصوت الفتاة ْ أما أخته
الجديدة ،لمحت ضالة فانكمش صوتها متهدجاً ...كنت متورطاً في إيصال النسغ لروحها ليتعالى اللحن ويصير عرفانياً
()91
. ...لها القدرة في اجتذاب الذرات غير المرئية ))
()94
الذي سيلتقي به (كعؤ) في زيارته لمراكش بحثاً عن تعسير الرؤية ويظهر في نهاية الروح شخصية (درويش مراكش)
والقبر الحي .
بقى أن نقول أن عالقة (سيد مالك) بـ (كعؤ) هي كعالقة شمس الدين التبريزي بـ موالنا جالل الدين الرومي ولقاء األخير بـ
(شمس الدين التبريزي) تعد هي نقطة التحول الكبيرة في حياة موالنا جالل الدين بعد ما التقاه في (قونيه) التي وصلها
شمس الدين في ( 1299م )( ,)50ليزداد معه بصيرة ويصال في مذهبهما الالفلسعي إلى ( اإلنسان الكامل) وهو مانعتقده
الهوية الصوفية في روايات حميد الربيعي
أ.م.د .أوراد محمّد كاظم الباحث :حمزة عبد األمير حسين
هنا مسعى الشخصيات نحو هذا الكمال الالعادي بالعشق العرفاني ,أو المتعوق الذي يمتلك قدرة إثبات فاعلة ,كما تعوق (
سوبرمان) نيتشه وانسانه األعلى والمؤجل الحضور أو الظهور بالقدرة والقوة هو تلك األمنية البشرية التي رسمها اهلل في
قلب كل البشر في البحث الدائم ( فينا ) و( خارجنا ) عن هذا الكمال وتلك الهوية المؤجلة والموعودة ( . )51أو كما رأى (
()52
. أنطونيو بورشيا ) أن الكمال في الغياب بقوله (( :كلّ شخص مجهول شخص كامل ))
تعد رواية ( قواعد العشق األربعون ) لـ (أليف شافاك ) من أفضل الروايات التي مثلت سيرة جالل الدين الرومي
إن الطريق إلى الحقيقة يمر من القلب ال من الرأس فاجعل
وشمس تبريز ونقتطف إحدى تلك القواعد كختام لمبحثنا هذا (( ّ
تحد وتغلب في نهاية المطاف على (النعس) بقلبك .إن معرفتك بنعسك ستقودك قلبك ,ال عقلك ,دليلك الرئيسي ,واجه ّ ,
()53
إلى معرفة اهلل ))
الخاتمة :
-1تمتاز الهوية الصوفية بأنها نزعة ثورية ضد ما هو مادي ودنيوي من الحياة .
.
-2الهوية الصوفية ترفض السياسي والقمعي وتمتاز بكونها توجه إنساني نحو الحرية ورفض القمع والمحدودية
-3تصل حالة كسر الحدود والذوبان في األختالف وحب اآلخر درجة الوحدة والعرفان بين ( األنا واألنت ) حين يغيب
التمايز بينهما ,وهي كما شبهناها بعالقة موالنا جالل الدين الرومي بشمس الدين التبريزي ,وفي رواية ( دهاليز للموتى )
يمثل ذلك العالقة بين ( كعؤ ) و ( سيد مالك ) حيث هناك أثر من ( سيد ) مالك في كينونة ( كعؤ ) وبالتالي هوية هذه
الشخصية .
– 9تقبل ( مالك الوجد ) البالء الذي ناله من ( سالمة ) وزمرتها ولم يتصرف بكره أو غضب أو انتقام ,بل على العكس
وجدناه يستظهر النعمة والخير من هذا االبتالء وكأنه يتأوله كما تأول ( ابن عربي ) آيات العذاب والطوفان التي أصاب
اهلل فيها بعض األقوام أو البشر ,وقد أدت هذه الصعوبات في نهاية رواية ( تعالى وجع مالك ) بمالك الوجد الى والدة
جديدة ,هي هوية من الصعاء والنقاء والطهر والكمال اإلنساني ,هوية اإلنسان الكامل .
هوامش البحث :
1
) السيبرنطيقا احدث علوم القرن العشرين ,صالح الدين طلبة ,ص 20ـ. 21
2
) المصدر السابق ,ص . 20
3
) تشميل ما بعد الحداثة ,سامي أدهم ,ص11
9
) تشميل ما بعد الحداثة ,ص11
5
) ينظر :دينامية النص ,محمد معتاح ,ص133
6
) ينظر :النقد األدبي في القرن العشرين ,جان أيف ثادييه ,ص309
7
) تعالى وجع مالك ,ص25
1
) تعالى وجع مالك ,ص 129
4
) مدخل إلى التصوف العلسعي ,ابراهيم أبراهيم محمد ياسين ,ص. 33وينظر :العلسعة الحديثة ,كريم متى ,ص121ـ
122
10
)تعالى وجع مالك ,ص121ـ 124
مجلة العلوم االنسانية /كلية التربية للعلوم االنسانية/المجلد /32العدد الثالث -ايلول3102/
11
) ينظر :التصوف والتعكيك ,أيان الموند ,ص . 75وينظر :التصوف والعلسعة ,والترستيس ,ص17
12
) تعالى وجع مالك ,ص15
13
) تعالى وجع مالك ,ص105
19
) تعالى وجع مالك ,ص106
15
) ينظر :رسائل الجنيد ,اإلمام أبو القاسم الجنيد ,ص1
16
)تعالى وجع مالك ,ص . 199
17
) تعالى وجع مالك ,ص25
11
) ينظر :العود األبدي ,مرسي الباد ,ص156
14
) ينظر :التصوف والتعكيك ,ص110
20
) فصوص الحكم ,للشيخ األكبر محي الدين بن عربي ,ص73
21
) تعالى وجع مالك ,ص112ـ 113
22
) تعالى وجع مالك ,ص116
23
) ينظر :فلسعة التأويل ,نصر حامد أبو زيد ,ص366
29
) تعالى وجع مالك ,ص156
25
) تعالى وجع مالك ,ص 139
26
) األنوثة في فكر ابن عربي ,نزهة براضة ,ص30
27
) انععاالت ,جاك دريدا ,ص175
21
) ينظر :األنوثة في فكر ابن عربي ,ص 33ـ 39
24
) تعالى وجع مالك ,ص139
30
) المهماز (أساليب نيتشه) ,جاك دريدا ,ص . 124
31
) ُينظر :نيتشه بين اللعب والتصوف ,يوحنا عقيقي ,ص . 21
32
) شذرات من خطاب في العشق ,روالن بارت ,ص. 12
33
) تعالى وجع مالك ,ص.132
39
) تعالى وجع مالك ,ص . 131
35
) الزمان واآلخر ,إيمانويل ليعيناس ,ص . 101 -100
36
) اإليروس والثقافة ,فياتشيسالف شستاكوف ,ص141ـ 144
37
) الشيخ األكبر محي الدين بن العربي ,عبد الحعيظ فرغلي علي القرني ,ص194
31
) ينظر :اإليروس والثقافة ,ص144
34
) ينظر :تعالى وجع مالك ,ص61
90
) ينظر :هكذا تكلم ابن عربي ,نصر حامد أبو زيد ,ص127ـ 121
91
) البرغسونية ,جيل دولوز ,ص132
92
) جدد موته مرتين ,ص . 167
الهوية الصوفية في روايات حميد الربيعي
أ.م.د .أوراد محمّد كاظم الباحث :حمزة عبد األمير حسين
93
) دهاليز الموتى ,ص33ـ 39
99
) دهاليز الموتى ,ص 35
95
) دهاليز الموتى ,ص90
96
) دهاليز الموتى ,ص216
97
) دهاليز الموتى ,ص 216
91
) دهاليز الموتى ,ص47
94
) ينظر :دهاليز الموتى ,ص 141
50
) ينظر :قصائد مختارة من ديوان شمس تبريز لجالل الدين الرومي ,ص17
51
) ينظر :مثنوي ,موالنا جالل الدين الرومي ,ص 23وما بعدها .وينظر :جينيالوجية كينونة اإلنسان الكامل ,جععر
عباس حاجي ,ص 342ومابعدها .وينظر :خليعة اهلل اإلنسان الكامل ,مهدي حشمتي ,ص . 62 -54
52
) أصوات ,أنطونيو بورشيا ,ص. 13
53
) قواعد العشق األربعون ,أليف شافاك ,ص. 62
مصادر ومراجع البحث :
أوال – الروايات المتن :
تعالى وجع مالك ,حميد الربيعي ,دار تموز ( دمشق ) ,الطبعة األولى ( . ) 2012
دهاليز للموتى ,حميد الربيعي ,دار تموز ( دمشق ) ,الطبعة األولى ( . ) 2019
ثانياً – المصادر والمراجع األخرى :
أصوات ,أنطونيو بورشيا ,تر :وليد السويركي ,دار أزمنة ( األردن ) ,الطبعة األولى ) 2015 ( ,
انععاالت ,جاك دريدا ,تر :عزيز توما ,دار الحوار(الالذقية ـ سورية) الطبعة األولى ()2005
األنوثة في فكر ابن عربي ,نزهة براضة ,دار الساقي (بيروت ـ لبنان) الطبعة األولى ()2001
اإليروس والثقافة ,فياتشيسالف شستاكوف ,تر :نزار عيون السود ,دار المدى ( دمشق) الطبعة األولى ()2010
البرغسونية ,جيل دولوز ,تر :إسامة الحاج ,المؤسسة الجامعة للدراسات والنشر والتوزيع ( بيروت ) الطبعة األولى
()1447
تشميل ما بعد الحداثة ,سامي أدهم ,دار كتابات (بيروت ـ لبنان) الطبعة األولى ()1441
جينيولوجية كينونة اإلنسان الكامل ,جععر عباس حاجي ,دار الوالء ( بيروت ) ,ط. ) 2019 ( , 1
خليعة اهلل اإلنسان الكامل ,مهدي حشمتي ,دار الصعوة ( بيروت ) ,ط. ) 2004 ( ,1
التصوف والتعكيك ,أيان الموند ,تر :حسام نايل ,المركز القومي للترجمة(القاهرة) الطبعة األولى (. )2011
التصوف والعلسعة ,والترستيس ,تر :عبد العتاح إمام ,مكتبة مدبولي (القاهرة) الطبعة األولى ()1444
دينامية النص ,محمد معتاح ,المركز الثقافي العربي(,المغرب ,البيضاء) الطبعة األولى ()1417
رسائل الجنيد ,اإلمام أبو القاسم الجنيد ,تحقيق :علي حسن عبد القادر ,نشر برعي وجداي (القاهرة) الطبعة األولى
()1411
مجلة العلوم االنسانية /كلية التربية للعلوم االنسانية/المجلد /32العدد الثالث -ايلول3102/
السيبرنطيقا أحدث علوم القرن العشرين ,صالح الدين طلبة ,مجلة عالم العكر (الكويت) المجلد الثاني العدد الرابع,
(يناير ـ مارس . )1472
شذرات من خطاب في العشق ,روالن بارت ,تر :إلهام سليم حطيط وحبيب حطيط ,المجلس الوطني للثقافة
والعنون واآلدب(الكويت) الطبعة األولى ()2000
الشيخ األكبر محي الدين بن العربي ,عبد الحعيظ فرغلي على القرني ,الهيئة المصرية العامة للكتاب (القاهرة) الطبعة
األولى ()1416
العود األبدي ,مرسي الياد ,تر :نهاد خياطة ,دار طال سدار ( دمشق ) ,الطبعة األولى ( . ) 1417
فصوص الحكم ,للشيخ األكبر محي الدين بن عربي ,تعليق :أبو العال ععيعي ,دار الكتاب العربي(بيروت) ,الطبعة
األولى (. )1410
فلسعة التأويل ,نصر حامد أبو زيد ,دار التنوير (بيروت -لبنان) الطبعة األولى ()1413
العلسعة الحديثة ,كريم متى ,دار الكتاب الجديد المتحدة(بيروت -لبنان) الطبعة الثانية ()2001
قصائد مختارة من ديوان شمس تبريز لجالل الدين الرومي ,تر :محمد السعيد جمال الدين ,الهيئة المصرية العامة
للكتاب ( . )2001
قواعد العشق األربعون ,أليف شافاك ,تر :خالد الجبيلي ,طوى للثقافة والنشر (لندن) الطبعة األولى (. )2012
مثنوي موالنا جالل الدين الرومي ,تر :ابراهيم الدسوقي شتا ,المجلس األعلى للثقافة(. )1447
مدخل إلى التصوف العلسعي ,ابراهيم أبراهيم محمد ياسين ,طبعة كلية اآلداب جامعة المنصورة()2002
المهماز (أساليب نيتشه) ,جاك دريدا :تر :إلهام سليم حطيط وحبيب حطيط ,المجلس الوطني للثقافة والعنون
واألدب (الكويت) الطبعة األولى ()2000
النقد األدبي في القرن العشرين ,جان أيف ثارييه ,تر :قاسم المقداد ,منشورات و ازرة الثقافة (دمشق) طبعة (.)1443
هكذا تكلم ابن عربي ,نصر حامد أبو زيد ,الهيئة المصرية العامة للكتاب (القاهرة) ط. ) 2002( 1