Professional Documents
Culture Documents
أجراه معه فريديريك جول الذي توىل يقله إىل الفريسية ،يشر على صحيفة لومند الفريسية يف
عددهنا الصنادر بتناريخ ،2015/11/21على إثر أحداث بناريس اإلرهنابية يف 13من يفس الشهر.
يرى الرئيس فرانسوا هوالند أن "حالة الحرب" هي التوصيف املناسب للوضع الذي فرضته هجمات 13نوفمبر .ما رأيك فيما يجري من
نقاش حول هذه املسألة؟ هل تعتقد بشكل عام أن تعديل في الدستور في هذا االتجاه هو الرد املناسب على تلك الهجمات؟
هابرماس :يبدو لي من املنطقي أن نكيف البندين املتعلقين بحالة الطوارئ من الدستور الفرنس ي مع ما آلت إليه األوضاع في أعقاب تلك
جد من أحداث مروعةالهجمات .وإذا كانت هذه املسألة مطروحة اآلن على جدول أعمال الرئيس ،فألنه أعلن حالة الطوارئ في أعقاب ما ّ
في الليلة الفاصلة بين 13و 14من نوفمبر ،بل ويعتزم تمديدها لثلثة أشهر .ال أستطيع أن أجزم بجدوى هذه السياسة ومبرراتها ،فلست
خبيرا في املسائل األمنية.
أي ش يء آخر ،يبدو هذا القرار وكأنه إجراء رمزي اتخذته الحكومة للرد-ربما بالطريقة التي تراها مناسبة – على ولكن ،بقطع النظر عن ّ
الوضع الذي آلت إليه البلد .غير أن تصريحات الرئيس الفرنس ي التي أعلن فيها الحرب ،نتيجة اعتبارات سياسية داخلية على ما يبدو،
أثارت بعض التحفظات في أملانيا.
قرر الرئيس هوالند أيضا رفع مستوى التدخل في سوريا ،بما في ذلك قصف الرقة" ،عاصمة" الدولة اإلسلمية ،ومن ثمة االقتراب أكثر
من املوقف الروس ي .ما رأيك في هذا التدخل بشكل عام؟
هابرماس :ال يتعلق األمر بقرار سياس ي غير مسبوق ولكن فقط بتكثيف مشاركة القوات الجوية الفرنسية املرابطة هناك منذ مدة في
العمليات العسكرية الجارية أكثر مما كانت عليه من قبل .بطبيعة الحال ،يتفق الخبراء على أن ظاهرة مثيرة للقلق مثل الدولة اإلسلمية
– هذا الخليط ممن يحلمون ب "الخلفة" والتي لم تجد حتى اآلن موطنا نهائيا تستقرفيه في الوقت الذي يحتشد مغاويرها ومقاتلوها من
جميع أنحاء العالم-ال يمكن أن القضاء عليها إال من خلل الهجمات الجوية.
إال أن قرارا بالتدخل على األرض من قبل القوات االمريكية واألوروبية إذا ما اتخذ لن يكون فقط قرارا غير واقعي ،بل سيكون في املقام
األول ،على درجة كبيرة من الحمق .فل جدوى من العمل بشكل منفرد وتجاهل السلطات املحلية القائمة هناك .لقد اتعظ أوباما من
تدخلت أسلفه وفشلهم ،وأكد على نقطة مهمة في قمة مجموعة العشرين األخيرة التي التأمت منذ وقت ليس بعيد في تركيا حيث شدد
على أن القوات األجنبية ال يمكن أن تحافظ لوقت طويل ،بعد انسحابها ،على ما تغنمه من نجاحاتها العسكرية.
وعلوة على ذلك ،ال يمكن القضاء على الدولة اإلسلمية باللجوء إلى الوسائل العسكرية وحدها .وهذا أمر يحظى باتفاق الخبراء .يمكن
لنا أن نعتبرهؤالء البرابرة كأعداء ،وينبغي علينا محاربتهم دون قيد أو شرط .ولكن إذا أردنا أن نقض ي على هذه البربرية على املدى البعيد،
يجب أال نوهم أنفسنا بأننا نلم بكل األسباب التي أدت إلى ظهور هذا التنظيم ،إنها معقدة ومركبة إلى أبعد حد.
فيلسوف أملاني معاصر ،ولد عام ،1929كرس فلسفته للنهمام بمسائل التواصل والنقاش في الفضاء العمومي الديمقراطي
أستاذ أول في الفلسفة باملعاهد الثانوية بتونس ،متحصل على شهادة الدكتوراه حول جون رولز .من مؤلفاته :كتاب" ،جدل العدالة االجتماعية في الفكرالليبرالي:
جون رولزفي مواجهة التقليد املنفعي" الجداول ،بيروت ،2015 ،ومقاالت عديدة في دوريات عربية مختصة .مهتم بالترجمة.
1
بل شك قد ال يكون الوقت مناسبا ألمة فرنسية حزينة ،جرحها لم يندمل بعد ،وألوروبا مصدومة ولحضارة غربية ذاهلة ،أن نذكرها بأنها
أصل هذا الصراع املتفجروالخارج عن نطاق السيطرة إلى اآلن بدءا من الشرق األوسط وصوال إلى أفغانستان ومن إيران وصوال إلى اململكة
العربية السعودية ،فمصروالسودان.
فيكفي أن نتذكر فقط ما حدث في تلك املنطقة منذ أزمة السويس في عام .1956أن سياسة الواليات املتحدة وأوروبا وروسيا تحددها
تقريبا بشكل حصري املصالح الجيوسياسية واالقتصادية ففي تلك املنطقة الحساسة من العالم التي مازالت تواجه إرثا من الحقبة
االستعمارية مصطنعا ولكنه يلقي بها في أتون خلفات تنخرها وتمزقها في آن .وقد استفادت هذه السياسة من الصراعات املحلية في منطقة
لم تعرف االستقرارأبدا.
وال يخفى على أحد اليوم أن اليوم أن النزعة األصولية للدولة اإلسلمية تتغذى ،في جزء كبير منها ،من الصراعات بين السنة والشيعة.
فضل عن التدخل األمريكي في العراق ،وهذا بديهي ،ذلك أن قرارجورج بوش في هذا الشأن ينتهك قواعد القانون الدولي.
يمكن أن نعزو وقف عملية التحديث في هذه املجتمعات أيضا إلى بعض الخصوصيات التي ّ
تميز الثقافة العربية املفاخرة بنفسها .لكن
انسداد األفق وفقدان األمل في املستقبل بين أوساط الشباب في هذه البلدان ،التواقين إلى حياة أفضل وإلى االعتراف ،في جزء منه ،نتيجة
للسياسة الغربية.
وعندما تفشل كل املحاوالت السياسية ،ال يجد هؤالء الشباب أمامهم سوى التطرف الستعادة ثقتهم بأنفسهم .وتلك آلية من آليات
اشتغال هذه العاهة االجتماعية ،وباملثل يبدو أن الديناميكية السيكولوجية املحبطة ،التي تجد أساسها كذلك في عدم االعتراف ،توفر
بيئة مناسبة النتشاربعض الجرائم املعزولة التي يرتكبها املهاجرون األوروبيون ،واألبطال املنحرفين من املغاويرالقتلة الذين يتم التحكم
فيهم عن بعد .وهذا ما تؤشر عليه أولى التحقيقات الصحفية التي كرست للبحث في الوسط الذي ينحدر منه إرهابيي 13نوفمبر وظروف
حياتهم الخاصة .وفضل عما إذا كان ترابط األسباب يشير إلى أن هؤالء اإلرهابيين قدموا من سوريا ،هناك سبب آخر يثير االنتباه ويتعلق
بإخفاقات حظوظ االندماج في مراكزاإليواء االجتماعية املنتشرة في مدننا الكبرى.
على إثر هجمات 11سبتمبر ،2001أعرب املثقفون ،بمن فيهم الفيلسوف جاك دريدا وأنت أيضا عن قلقهم إزاء تراجع الحريات
الديمقراطية باسم مكافحة اإلرهاب حيث تم اللجوء إلى مفاهيم مثل "صراع الحضارات" أو "الدول املارقة" .وقد كان من مظاهر ذلك
التعذيب أثناء التحقيق على نطاق واسع ،الرقابة التي فرضتها وكالة االستخبارات األمريكية ،االعتقاالت التعسفية في غوانتانامو ،وما إلى
ذلك ،فهل ترى أن مكافحة اإلرهاب بالطرق السلمية بما يضمن املحافظة على الفضاء العمومي الديمقراطي ،ممكنة ومعقولة؟ وتحت
أي ظروف كانت؟ ّ
هابرماس :إن نظرة إلى الوراء حول أحداث 11سبتمبر يمكن أن تقودنا ،على غرار ما ذهب إليه بعض أصدقائنا األمريكيين ،إلى ملحظة
أن "الحرب على اإلرهاب" التي قادها كل من بوش وتشيني ورامسفيلد قد أضرت باملجتمع األمريكي سياسيا ونفسيا .ناهيك أن قانون
باتريوت الذي أقره الكونغرس آنذاك والذي ال يزال ساري املفعول إلى اآلن ينتهك الحقوق األساسية للمواطنين ،ويمس دستور الواليات
املتحدة في الصميم.
يمكن أن نقول الش يء نفسه عن التوسيع الفادح ملفهوم املقاتل املعادي ،الذي شرع غوانتانامو وغيرها من الجرائم ،ولم يتم استبعاده إال
في فترة رئاسة أوباما .إن ردة الفعل غيراملدروسة على هجمات 11سبتمبرالتي لم يقع استيعابها إلى ذلك الحين تفسرفي جزء كبيرمنها اليوم
انتشار عقلية تجسدها شخصية دونالد ترامب التي ال تحتمل الوصف ،مرشح االنتخابات الترشيحية للحزب الجمهوري للرئاسة .وهذا
األمرال علقة له باإلجابة عن سؤالك .ولكن أال يمكننا أن نقاوم ،كما فعل النرويجيون في عام 2011بعد الهجوم املروع على جزيرة أوتويا،
ردة الفعل األولى إزاء ما حدث من أجل تجاوز مأزق االختياربين مواجهة عدو مجهول أو االعتداء على "عدو داخلي "؟
وإني على ثقة بأن األمة الفرنسية قدمت للعالم مثاال يحتذى به ،كما فعلت بعد الهجوم الذي استهدف شارلي أبدو .ولكن ليست هناك
حاجة لتوهم خطر داهم ومن ثمة محاولة الرد عليه استباقيا من خلل "استعباد" ثقافة أجنبية نعتقد أنها تمثل تهديدا لنا .ولكن حتى
وإن كان الخطرحقيقي ،وهذا يتأكد يوما بعد يوم ،فإنه يجب على املجتمع املدني أن يحذرمن التضحية ،باسم الحاجة امللحة راهنا لألمن،
2
بكل املزايا والفضائل الديمقراطية ملجتمع مفتوح مثل الحرية الفردية ،والتسامح اعتبارا لتنوع أنماط العيش واالستعداد بجدية لتبني
وجهة نظراآلخر .وأمام جبهة قومية ما فتئت تتعزز ،سيكون من السهل علينا أن نقول هذا فيما سيصعب علينا فعله.
ولكن هناك مبررات وجيهة للرد أيضا ،ال علقة لها بهذه الطلسم .وأكثرها وضوحا وبداهة :ال بد من تسليط الضوء بأكثر جدية وبدون
ّ
تحيزعلى كل أحكامنا املسبقة ضد اإلسلم وعدم ثقتنا فيه ورفضنا له ،وعلى الخوف من اإلسلم وعلى الرقابة الوقائية ضده.
وقطعا لجأت األصولية الجهادية في أساليبها الخطابية إلى شرع ديني ،ولكن ال يعني ذلك أنها هي الناطق الرسمي باسم الدين .فقد كان
أي أيديولوجية تعد بثواب عادل. أي خطاب ديني آخر ،أو حتى إلى ّ يمكن اللجوء في ذلك إلى ّ
تمتد أصول الديانات التوحيدية الكبرى إلى عهود غابرة في الزمن .في حين تبدو الجهادية كشكل حديث جدا من أشكال مقاومة الظروف
املعيشية التي تقوم على االجتثاث .وبطبيعة الحال ال يعفي-لفت االنتباه ،كإجراء وقائي ،إلى تعطل االندماج االجتماعي أو فشل التحديث
االجتماعي-مرتكبي هذه الجرائم من املسؤولية الشخصية.
مثل موقف أملانيا من تدفق اللجئين مفاجأة سارة ،على الرغم من االنتكاسات األخيرة .فهل تعتقد أن موجة إرهابية يمكن أن تحدث تغيرا
في هذه الحالة الذهنية اإليجابية–خاصة مع سعي بعض اإلسلميين التسلل داخل أفواج اللجئين املتدفقة؟
هابرماس :آمل أال يحصل ذلك ،فكلنا في نفس القارب .فاإلرهاب وأزمة اللجئين من أهم التحديات املأساوية ،وربما القصوى التي تتطلب
التعاون الوثيق والتضامن بين األمم األوروبية من أجل إيجاد حلول مناسبة لها .وهو ما لم يحصل حتى اآلن ،شأنها في ذلك شأن مسألة
الوحدة النقدية.
3