You are on page 1of 288

‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬

‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬


‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫كتاب (الشعر العربي املعاصر قضياه وظواهره الفنية واملعنوية)‬


‫عز الدين إمساعيل‬

‫الشعر بني العصرية والرتاث‬


‫الشعر والعصرية‪:‬‬
‫يرى زكي جنيب حممود أن الشعراء الذين يعيشون بيننا عصريون‬
‫وهناك منطني من العصرية‪:‬‬
‫األول‪ :‬ما يسمى النظرة السطحية للعصرية ومتثله دعوة أبي نواس قدمياً وحماولة شوقي حديثاً‬
‫الثاني‪ :‬الدعوة املغالية إىل العصرية املطلقة‪ ،‬ومعناتها أن يظهر من خالل الفنون شعور بالظواهر املعاصرة‪،‬‬
‫ومتثله دعوة الشاعر الفرنسي رامبو‪.‬‬
‫اخلطوط األساسية املميزة هلذه العصرية‪:‬‬
‫التجربة اجلمالية للشعر املعاصر‪ ،‬حيث ختتلف فلسفته عن الفلسفة القدمية‪ ،‬حيث يصنع الشعر‬ ‫‪. 1‬‬
‫املعاصر لنفسه مجالياته اخلاصة‪.‬‬
‫يرتبط الشاعر بأحداث عصره وقضياه ال ارتباط املتفرج بل يعيشها وهو صاحبها‪.‬‬ ‫‪. 2‬‬
‫تنعكس ثقافة العصر يف الشعر املعاصر لذلك البد للشاعر أن يكون مثقف‪.‬‬ ‫‪. 3‬‬
‫كل الشعر تعبري عن خربة شعورية‪ ،‬لذا فالشعر املعاصر مشاركة يف اخلربات اجلماعية وبلورة‬ ‫‪. 4‬‬
‫هلا‪.‬‬
‫حياول الشاعر املعاصر استيعاب التاريخ من منظور عصره‪.‬‬ ‫‪. 5‬‬
‫تسود عصرنا اخلربة الفنية فليس من الطبيعي أن نتناول مضامني جديدة خبربات فنية قدمية‪.‬‬ ‫‪. 6‬‬
‫يرتبط الشعر املعاصر باإلطار احلضاري العام لعصرنا يف مستوياته الثقافية واالجتماعية‬ ‫‪. 7‬‬
‫والسياسية املختلفة‪.‬‬
‫الشعر ملعاصر والرتاث‪:‬‬
‫لقد تعودنا يف األدب على ما يسمى "املعركة بني اجلديد والقديم‪ ،‬فكل جتربة جديدة إمنا حتمل نوع من‬
‫العداء للقديم‪ ،‬فمنهج املقارنة أو املوازنة مستبد بنا يف معظم احلاالت والدراسات‪ ،‬فإذا جلأنا إىل ذلك فال‬
‫يصدر عن رغبة يف تفضيل القديم على اجلديد أو العكس وإمنا يكون هدفنا التجلية‪ ،‬عن قضيتنا بالرتاث مل‬
‫تظهر مع ظهور جتربة الشعر اجلديد كل ما يف األمر أن ظهور هذه التجربة كان باعثاً ومثرياً جديداً‪ ،‬حيث‬
‫تهاوت كل العناصر الفنية اليت بلورها القدامى يف ما يسمى بعمود الشعر أمام جتربة الشعر احلديث‪ ،‬ومن ثم‬
‫برزت ضرورة إحياء الرتاث متمثلة يف مناذج أبرزها حممود سامي البارودي‪ ،‬فقصائده وموضوعاتها هي امتداد‬
‫للماضي يف احلاضر‪ ،‬وقد كان ملدرسة اإلحياء تأثري ملحوظ يف سوء تقدير ما بني شعر املدرسة اجلديدة‬
‫والرتاث من عالقة‪ ،‬حيث مرت قضية العالقة بي الشعر والرتاث بعدة مراحل‪ ،‬كمرحلة البعثات وكمرحلة‬

‫‪1‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫عكوف املستشرقني على دراسة األدب العربي‪ ،‬وصاحبت اإلنكار لقيمة الرتاث العربي حماولة لالنتصار هلذا‬
‫األدب‪ ،‬حيث بعد مرحلة إحياء الرتاث جاءت مرحلة اهلجوم عليه والدفاع عنه يف آن واحد‪ ،‬ولقد استطاعت‬
‫حماولة االنتصار للشعر القديم عل أساس من املبادئ احلديثة أن حتقق لنفسها نوعاً ما من البعد عن هذا الشعر‬
‫يُمكن ها من رؤيته رؤية جديدة‪ ،‬ويف املرحلة األخرية من قضية الشعر والرتاث وهي انفصال شعراء التجربة‬
‫احلديثة عن الرتاث ألن إطار شعرهم خيتلف اختالفاً كلياً عن القديم‪ ،‬مع وجود الصالت املعنوية اليت تربطهم‬
‫به‪ ،‬وميكننا أن نتمثل موقف شعراء التجربة اجلدية يف عدة اعتبارات‪:‬‬
‫أ‪ -‬ضرورة تقدير الرتاث يف إطاره اخلاص فال حنمله وال حنمل عليه‬
‫ب‪ -‬إعادة النظر إليه يف ضوء املعرفة العصرية لتقدير ما فيه من قيم‪.‬‬
‫ت‪ -‬توطيد ما بني احلاضر واملاضي عن طريق استلهام مواقفه الروحية واإلنسانية يف إبداعنا العصري‪.‬‬
‫ث‪ -‬ضرورة خلق نوع من التوازن بي املاضي واحلاضر‪ ،‬وهنا يتحدد الفرق بني أن نعيش يف الرتاث وأن نعيش‬
‫بالرتاث‪ ،‬فعالقة الشاعر املعاصر بالرتاث عالقة استيعاب وتفهم وادراك واعٍ للمعنى اإلنساني والتارخيي‬
‫للرتاث‪ ،‬فاملأثور بشخوصه ووقائعه اخلاصة مادة حية يف ضمري الشاعر املعاصر‪ ،‬يتمثلها أبعاداً روحية‬
‫وفكرية تعكس لنا وجوده بأزماته وتطلعاته اخلاصة‪ ،‬فشعراء التجربة املعاصرة مل ينسلخوا عن الرتاث‬
‫بل تفهموه واستلهموه وابرزوا ما ينطوي عليه من قيم صاحلة للبقاء‪ ،‬كما استغلوا ما وجدوه من مادة‬
‫شعرية يف ال رتاث اإلنساني‪ ،‬فكان تعاملهم مع الرتاث اإلنساني بنفس تعاملهم مع الرتاث العربي‪ ،‬إال‬
‫أن هناك من أنكر عليهم ادخال الرموز األجنبية يف الشعر العربي‪.‬‬
‫التشكيل املوسيقي لتجربة الشعر اجلديد‪:‬‬
‫شهد القرن العشرون حماوالت شتى يف سبيل تطوير الشعر العربي ليس هلا نظري‪ ،‬إال أن هناك فرق بني التطوير‬
‫واالبتعاث‪ ،‬فمحاولة كمحاولة أبي نواس كوجاهتها مل تكن دعوة إىل تطوير جوهري للشعر أو لقصيدة وإمنا‬
‫هي استبدال تقليد بتقليد آخر‪ ،‬كما أن ثورة املتنيب انتهت وظلت القصيدة العربية هي القصيدة العربية‪ ،‬إال‬
‫أنه يف العصر احلديث وعلى يد مدرسة العقاد أُدخل على مفهوم الشعر السائد تعديالً جوهرياً حيث صار الشعر‬
‫على أيدي أفراد هذه ال مدرسة ــ شكري والعقاد واملازني ــ عمالً يتسم بطابع اجلدية وحيرص على احرتام‬
‫متلقيه‪ ،‬حيث حترت هذه املدرسة أن تقدم حصيلة شعورية تربز معاناة اإلنسان للحياة‪ ،‬أما اإلطار الشعري‬
‫للقصيدة فلم ينل من هذه املدرسة تغيرياً جوهرياً‪ ،‬حيث ظلت روح القصيدة القدمية بتقاليدها الفنية هي‬
‫املسيطرة‪ ،‬وشبيه بهذه احملاولة حماولة أخرى قامت بها مدرسة الشعراء املهجريني‪ ،‬ومدرسة أبولو‪ ،‬ومنذ أكثر‬
‫من أربعني عاماً ظهر منحى جديد لدى الشعراء املعاصرين تناول الشعر يف جوهره‪ ،‬والقصيدة يف صورتها بتغيري‬
‫شامل ملموس‪.‬‬
‫معنى التشكيل املوسيقي للشعر‪:‬‬
‫إن اللغة أداة زمانية وهي جمموعة من األصوات املقطعة اصطلح الناس على أن جيعلوا هلا دالالت بذاتها‪ ،‬لذلك‬
‫تكون اللغة الدالة تشكيالً معيناً جملموعة املقاطع أو احلركات و السكنات خالل الزمن‪ ،‬غري انه وإن كانت‬
‫زمانية فهي حتمل يف طبيعتها ويف لوقت نفسة دالالت مكانية‪ ،‬والشاعر حينما يستخدم اللغة أداة للتعبري فإنه‬
‫يقوم بعملية تشكيل مزدوجة يف وقت واحد ‪ ...‬إذ يشكل من الزمان واملكان بنية ذات داللة‪ ،‬فاذا كانت مهمة‬
‫‪2‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫املوسيقي ترتكز يف التأليف بني األصوات ( يف الزمان) ومهمة الرسام ترتكز يف املساحات (يف املكان) فإن‬
‫الشاعر جيمع بني املهمتني مندجمتني‪.‬‬
‫والواقع أن تشكيل مفردات اللغة ليس هي العملية الفنية التشكيلية اليت يقوم بها الشاعر‪ ،‬وإمنا تأتي عملية‬
‫التشكيل تالية للمفردات ذاتها‪ ،‬فالقصيدة من حيث هي عمل فين ليست إال تشكيالً خاصاً جملموعة من‬
‫ألفاظ اللغة‪ ،‬لكن خصوصية التشكيل هي اليت جتعل للتعبري الشعري طابعه املميز‪ ،‬فالتشكيل يف الفنون‬
‫التشكيلية حسي يف حني أنه يف الفنون التعبريية وراء حسي‪ ،‬فالشاعر يبعث التأثري يف احلوس من خالل الرمز‬
‫الدال على املادة املؤثرة يف احلواس‪ ،‬فاملادة املؤثرة تتلقاها األذن كلمة ذات مقاطع معينة وتتلقاها العني شكالً‬
‫منقوشاً ذا حروف معينة‪ ،‬إال أن النفس ال تنفعل بذلك حتى تعود به من صورته اجملردة إىل صورته احلسية‬
‫املباشرة‪ ،‬فالفنان التعبريي يقوم يف عمله الفين بعملية تشكيل وراء احملسوسات‪..‬‬
‫إن التشكيل يف اللغة يشمل نوعني من التشكيل الزماني واملكاني‪ ،‬فالزماني يف الشعر هو ما يتصل باإلطار‬
‫املوسيقي للقصيدة‪ ،‬وحني نتحدث عن هذا اإلطار البد أن نتناول الوزن واإليقاع والصورة املوسيقية‪ ،‬فاملعول يف‬
‫البناء املوسيقي للكلمة على املقاطع‪ ،‬ومن هنا كان التشكيل املوسيقي اخلاص يف الشعر العربي هو ذلك‬
‫التشكيل الوزني املعروف بالبحور اليت ال تعدو أن تكون قوالب مفرغة ال خترج عنها األوزان‪ ،‬األمر الذي جعل‬
‫الشاعر القديم مقيد احلرية‪ ،‬فهو حني ينظم قصيدة مل يكن يقوم بعملية تشكيل زماني حرة‪ ،‬إذ عليه أن‬
‫يطوع الكلمات لنسق سابق مل يصنعه ومل يشارك يف صنعه‪ ،‬فالشاعر حني يعرب عن نفسه من خالل الوزن‬
‫املعني إمنا خيتار لنفسه أكثر األشكال الطبيعية تناسباً مع حالته الشعرية‪ ،‬والواقع أن هذه الفكرة ال تصلح‬
‫إال بالنسبة للشاعر األول لذي استخدم الوزن ألول مرة‪ ،‬حيث نسق الطبيعة تنسيقاً خاصاً مع حالته الشعورية‪،‬‬
‫لذا ينبغي أن ي كون تشكيل الشاعر للطبيعة من خالل نفسه ال من خالل منوذج يُفرض عليه‪ ،‬وقد حاول‬
‫الشعراء على مر العصور أن يتحللوا من ذلك اإلطار امللزم غري أن هذه احملاوالت رغم كثرتها وتنوعها مل تكن‬
‫جوهرية بل كانت جزئية وسطحية‪ ،‬وقد وقف احملدثون عند احملاوالت التشكيلية القدمية فقلدوها وأضافوا‬
‫إليها مزيداً من األشكال اهلندسية اجلديدة اليت وقفوا إليها‪ ،‬فلم يكن هم مدرسة العقاد الشعرية تطوير ذلك‬
‫اإلطار التقليدي‪ ،‬وإمنا حرصت على إبراز التجربة اإلنسانية اجلادة يف نفس اإلطار القديم‪ ،‬ومن أبرز احملاوالت‬
‫"بعد عام" للعقاد‪ ،‬وقد كان عبدالرمحن شكري أول من ثار على‬ ‫هلذه املدرس ة قصيدة‬
‫القافية‪ ،‬والواقع أن كل حماوالت التجديد اليت متت يف اإلطار املوسيقي للقصيدة على أيدي شعراء مدرسة‬
‫العقاد والشعراء املهجريني إمنا كانت تستلهم تلك احملاوالت اليت قام بها حشد من الشعراء القدامى أنفسهم‪.‬‬
‫ويف كل تلك احملاوالت ال نستطيع أن نقول أن الشاعر كان يقوم حبق بعملية تشكيل موسيقية لقصيدته‪،‬‬
‫وقصارى ما ميكن أن نسلم به هو أن الشعراء أحسوا بوطئة املوسيقى الشعرية القدمية على أنفسهم ‪ ،‬وأحسوا‬
‫أن مشاعرهم ووجداناتهم الميكن حصرها يف تلك البحور العروضية‪ ،‬وأنهم يف حاجة إىل شيء من التعديل يف‬
‫الفلسفة اجلمالية اليت تسند تلك القوالب املوسيقية القدمية غري أن استقرار تلك الفلسفة اجلمالية يف ضمائر‬
‫الشعراء لكثرة ما قرأوا من الشعر التقليدي وما نظمو ا على نسقه‪ ،‬حالت دون اخلروج احلقيقي على تلك‬
‫القوالب‪ ،‬فتلك احملاوالت التجديدية لإلطار املوسيقي يف الشعر العربي ال ختتلف يف كثري عن تلك احملاوالت‬
‫الشكلية اليت حاوهلا أمثال أبي نواس واملتنيب‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫التشكيل املوسيقي للشعر اجلديد‪:‬‬


‫خالل اخلمسة عشر عام األخرية بلغ اإلحساس إىل احلاجة للتغيري يف اإلطار الشعري ذروته‪ ،‬إذ مل يبلغ حد‬
‫النضوج من احملاولة األوىل‪ ،‬وقد كان الدافع لذلك جعل التشكيل املوسيقي يف جممله خاضعاً خضوعا مباشراً‬
‫للحالة النفسية أو الشعورية اليت يصدر عنها الشاعر‪ ،‬حيث مل تفي الصورة التشكيلية ملوسيقى الشعر القديم‬
‫بهذا الغرض‪ ،‬لذلك كان السعي بأن جتعل الصورة التشكيلية اجلديدة ملوسيقى القصيدة كلها وحدة تضم‬
‫مفردات نغمية كثرية يف إطار شعري شامل ‪ ،‬فموسيقى القصيدة اجلديدة تقوم على أساس أن القصيدة بنية‬
‫إيقاعية خاصة ترتبط حبالة شعورية معينة لشاعر بذاته‪ ،‬فتعكس هذه احلالة يف صورة جديدة منسقة تنسيقاً‬
‫خاصاً بها‪ ،‬وهذا األساس مغاير متام املغايرة لألساس اجلمالي القديم‪ ،‬لذلك كان البد من إدخال تعديل على‬
‫الوزن والقافية حتى ميكن حتقيق الصورة اجلديدة‪ ،‬لذلك أباح الشعر اجلديد لنفسه أن يدخل تعديالً جوهرياً‬
‫عليهما لكي حيقق بهما الشاعر من نفسه وذبذبات مشاعره وأعصابه مامل يكن اإلطار القديم يعينه على‬
‫حتقيقه‪ ،‬وقد كان احلل الوحيد لذلك اإلشكال هو أن حيطموا الوحدة املوسيقية للبيت‪ ،‬ليتحرك الشاعر‬
‫وفق مدى احلركة اليت متوج بها نفسه‪ ،‬فالسطر الشعري يف القصيدة اجلديدة مازال خاضعاً للتنسيق اجلزئي‬
‫لألصوات واحلركات‪ ،‬املتمثل يف التفعيلة‪ ،‬أما عدد هذه التفعيالت يف كل سطر فغري حمدود وغري خاضع‬
‫لنظام معني ثابت‪ ،‬وعلى هذا فقد أضيف إىل الوزن التقليدي يف القصيدة القدمية قيد تشكيلي جديد هو قيد‬
‫اإليقاع‪ ،‬أما متى ينتهي السطر الشعري يف القصيدة اجلديدة فشيء ال ميكن ألحد ان حيده سوى الشاعر‬
‫نفسه‪ ،‬لذلك استغنى الشعر اجلديد عن القافية بوضعها القديم وحرف الروي وألزم نفسه بنوع من القافية‬
‫املتحررة‪ ،‬فالقافية يف الشعر اجلديد نهاية إيقاعية مناسبة للسطر الشعري‪ ،‬فهي كلمة من بني كلمات اللغة‬
‫يستدعيها السياقان املعنوي واملوسيقي للسطر الشعري‪ ،‬كل ذلك جعل القصيدة اجلديدة نسقاً موسيقياً بالغ‬
‫احلساسية والصعوبة‪ ،‬فكل حركة ترتبط إيقاعياً مع سائر احلركات ارتباطاً نغمياً ال حيكمه سوى احلالة‬
‫الشعورية اليت خيضع هلا الشاعر‪ ،‬وملا كانت القصيدة اجلديدة بنية موسيقية متكاملة كان من الطبيعي أن‬
‫يلتفت الشاعر يف تشكيله هلذه البنية إىل العناصر اليت تُحقق التآلف بني مفرداتها‪.‬‬
‫وترتاوح حماولة التجديد بني جمرد عدم االلتزام بنظام ثابت يف طول السطور ويف القوايف‪ ،‬مع االحتفاظ بروح‬
‫القصيدة القدمية‪ ،‬إىل خروج حقيقي من اإلطار القديم والروح الشعري املسيطر فيه‪.‬‬
‫وملا كانت القصيدة اجلديدة تشكيالً موسيقياً خالل وحدة متآلفة‪ ،‬فإنا نرى ذلك من خالل قصيدة الشاعر‬
‫صالح عبدالصبور "أغنية حب"‪ ،‬حيث متثل صورة مصغرة للبنية الكلية اليت تشمل القصيدة‪ ،‬وهي الوحدة‬
‫اليت متثل النمط اجلديد من التشكيل املوسيقي للقصيدة‪ ،‬فالقارئ هلا ال حيس بأي ظل من الظالل النغمية‬
‫للبيت القديم‪ ،‬مع اإلحساس بارتباط نغمي ب ني األسطر باإلضافة إىل نقطة ارتكاز نغمية‪ ،‬وعلى هذا حتتفل‬
‫القصيدة اجلديدة بالتشكيل املوسيقي اجلديد ألنه أساس يف الشعر املعاصر خباصة‪.‬‬
‫قضايا اإلطار املوسيقي اجلديد للقصيدة‪:‬‬
‫إن كل من يتتبع أشكال التجديد والتطوير يف موسيقى شعرنا املعاصر يستطيع أن حيدد ثالث مراحل أساسية‪:‬‬
‫مرحلة البيت الشعري ذي الشطرين املتوازيني عروضياً‬ ‫‪. 1‬‬
‫مرحلة تفتيت بنية البيت العروضية واالكتفاء بوحدة واحدة من وحداتها املوسيقية "التفعيلة"‪.‬‬ ‫‪. 2‬‬
‫‪4‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫مرحلة اجلملة الشعرية وهي مرحلة تطورت من املرحلة السابق‪.‬‬ ‫‪. 3‬‬
‫مجاليات موسيقى البيت‪:‬‬
‫ويُعنى بها "النظام"‪ ،‬وقد كان من أهم ما وجه إىل التجربة الشعرية اجلديدة أنها كسرت صورة ذلك النظام‪،‬‬
‫وأن القصيدة اجلديدة قد متزق إطارها فوقعت يف الفوضى حني كسرت ذلك النظام العتيد‪ ،‬إال أنه ال أحد‬
‫يستطيع أن يغامر بالقوال أن النظام هو اجلمال‪ ،‬وأن الفن يكون مجيالً ألنه منظم‪ ،‬فالنظام ليس قيمه مجالية‬
‫ميكن أن يكتسبها الشيء بإضفاء النظام عليه‪ ،‬وإمنا يكون النظام عامالً من عوامل التأثري اجلمالي عندما‬
‫يكون خفياً ونابعاً من طبيعة الشيء نفسه‪ ،‬واإلطار التقليدي للقصيدة العربية إطار منظم‪ ،‬ونظامه دقيق‬
‫وصارم يكتنفه الثبات واجلمود‪ ،‬أما القصيدة اجلديدة أو ما يسمى بالشعر املعاصر فلها نظام كذلك‪ ،‬إال أن‬
‫ذلك النظام داخلي ينتمي إىل القصيدة وينبع من داخلها‪ ،‬ففي اإلطار اجلديد للقصيدة مل يعد للبيت التقليدي‬
‫وجود‪ ،‬بل أصبح مفتوحاً الحتماالت كثرية‪ ،‬ومن هنا مل نعد نسمي البيت بيتاً بل صرنا نسميه "سطراً" من‬
‫الشعر‪.‬‬
‫مجاليات موسيقى السطر الشعري‪:‬‬
‫السطر الشعري تركيبة موسيقية للكالم‪ ،‬ال ترتبط بالشكل احملدد للبيت الشعري‪ ،‬وإمنا تتخذ هذه‬
‫الرتكيبة دائماً الشكل الذي يرتاح له الشاعر أوالً‪ ،‬والذي يتصور أن اآلخرين كذلك من املمكن أن يرتاحوا‬
‫له‪.‬‬
‫والتفعيلة من غري شك هي أساس النظام الصوتي الذي يقوم بتكراره الشعر‪ ،‬وقد كسر السطر الشعري نظام‬
‫البيت التقليدي‪ ،‬ولكنه ظل ملتزماً بنظام آخر هو األساس‪ ،‬وهو نظام التفعيلة‪ ،‬حيث أن نظام التفعيلة هو‬
‫النظام الذي تفرضه طبيعة هذه اللغة‪ ،‬ومن ثم كان اخلروج على نظام البيت مشروعاً‪ ،‬مادام النظام األساسي‬
‫والضروري قائماً‪ ،‬فتأسيس السطر الشعري على نظام التفعيلة حيد من عدد األوزان العروضية ومشتقاتها اليت‬
‫تبلغ ما يقرب من الثمانني ‪ ،‬وقد أتاح نظام السطر للشاعر فرصة التحرك يف إطار عدد غري حمدود من‬
‫األشكال‪ ،‬حيث أتاح عدد التفعيالت املستخدمة يف السطر الواحد لإلطار اجلديد تنوع موسيقي‪ ،‬مع عدم‬
‫التنويع للتفعيالت يف السطر الشعري الواحد ألن ذلك يردنا إىل الشيء الذي ختلص منه الشعر املعاصر‪ ،‬إال أن‬
‫تنويع التفعيالت ممكنة من سطر لسطر‪ ،‬وخاصة بني التفعيالت اليت بينها "عالقة تداخل"‪ ،‬مع مراعاة هذا‬
‫التداخل وحتقيقه‪ ،‬ومن هذا خنلص إىل مايلي‪:‬‬
‫الميكن تنويع التفعيالت يف السطر الواحد إال داخل الوزن التقليدي‪.‬‬ ‫‪. 1‬‬
‫أننا نأخذ باستقالل التكوين املوسيقي للبيت‪ ،‬مع استخدام تركيبة بعينها من التفعيالت‬ ‫‪. 2‬‬
‫املتنوعة يف السطر‪ ،‬فإننا عندئذ جند أنفسنا مضطرين يف األسطر األخرى اللتزام هذا النسق‪ .‬وحنن‬
‫بذلك نكون قد استبدلنا باإلطار القديم للبيت إطاراً مماثالً‪ ،‬من حيث أنه قائم على نفس األساس‪.‬‬
‫أننا مهما اجتزأنا من النظام الذي سرنا عليه يف بعض السطور جبزء منه يف سطر يقوم مبفرده‬ ‫‪. 3‬‬
‫فإننا مضطرون اللتزام نسق التفعيالت املستخدمة حتى يف هذا اجلزء‪.‬‬
‫أن االنتقال من سطرٍ مؤسس على تفعيلة إىل سطر آخر مؤسسٍ على تفعيلة أخرى ال ميكن‬ ‫‪. 4‬‬
‫حتققه وقبوله إال يف احلاالت التالية‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫• أن يكون السطر اجلديد بداية ملقطع جديد من القصيدة‬


‫• أو أن يعرب هذا السطر عن انتقال يف املوقف الشعوري‪.‬‬
‫• فإن مل يكن هذا وال ذاك فيتحتم عندئذ أن تكون هناك عالقة تداخل بني التفعيلة املستخدمة‬
‫يف السطر األول والتفعيلة املستخدمة يف السطر الذي يليه‪.‬‬
‫وال شك يف أن إطالق احلرية للشاعر يف أن يستخدم من التفعيالت العدد الذي يراه يساعد على خلق إمكانات‬
‫إيقاعية للسطر غري منتهية‪ ،‬كما أن البنية املوسيقية لكل سطر وإن كانت هلا استقالهلا اخلاص قد صارت‬
‫جزءاً من تنويع م وسيقي يشمل القصيدة كلها‪ .‬إن هذا التنويع يف طول األسطر وقصرها إمنا فرضته طبيعة‬
‫البنية املوسيقية العضوية للقصيدة اجلديدة‪.‬‬
‫موسيقا اجلملة الشعرية‪:‬‬
‫إن اجلملة الشعرية هي الصورة الثالثة من صور التشكيل املوسيقي للشعر اجلديد‪ ،‬وهي الصورة املتطورة من‬
‫صورة السطر الشع ري‪ ،‬فاجلملة الشعرية بنية موسيقية أكرب من السطر وإن ظلت حمتفظة بكل خصائصه‪،‬‬
‫وهي نفس واحد يشغل أكثر من سطر‪ ،‬وهي أيضاً بنية موسيقية مكتفية بذاتها‪ ،‬وإن مثلت يف الوقت نفسه‬
‫جزئية من بنية عضوية أعم هي القصيدة‪.‬‬
‫مشكلة القافية‪:‬‬
‫حني اختفى النظام القديم للقافية من اإلطار اجلديد للقصيدة حسب البعض أن هذا اإلطار قد أهمل القافية أو‬
‫ألغاها‪ ،‬واحلقيقة ان الشعر اجلديد مل يهمل القافية إذ كنا نقصد الدور الفين الذي تلعبه يف موسيقى القصيدة؛‬
‫فالقافية قائمة يف الشعر املعاصر اجلديد‪ ،‬وإن أخذت شكالً آخر هو يف احلقيقة أصعب مراساً من القافية‬
‫القدمية‪ ،‬وهي التنسيق املوسيقي آلخر السطر الشعري مبا يتماشى وموسيقى السطر ذاته‪.‬‬
‫القافية القدمية قد تسهل من أمرها احلصيلة اللغوية‪ ،‬ولكنها بعد هذا تشل حركة التموج والتلوين املوسيقي‬
‫يف القصيدة‪ ،‬أما القافية اجلديدة فقد حاولت أن تشاكل بني القافية ودور حرف الروي‪ ،‬أو بعبارة أخرى حاولت‬
‫أن جتعل حرف الروي صوتاً متنقالً‪ ،‬قد خيتلف من سطر إىل آخر وقد يتفق‪ ،‬وفقاً ملا حيتاجه اإلطار املوسيقي‬
‫العام للسطر ولألسطر‪ ،‬فالقافية اجلديدة تتيح للقارئ الوقوف واحلركة يف آنٍ واحد‪ ،‬يف حني كانت القافية‬
‫القدمية تلزم بالوقوف وتعنيه حتى عندما ال يقف عندها القاريء‪ ،‬فهي ال تعتمد على احلصيلة اللغوية بل تعتمد‬
‫أساساً على احلاسة املوسيقية لدى الشاعر‪ ،‬على أن املالحظ أن الشعراء اجلدد كثرياً ما يلتزمون يف القصيدة‬
‫الواحدة جبرسني أو ثالثة ينهون بها سطور القصيدة مع شيء من التلوين والتنويع‪.‬‬
‫إن امليزان اجلديد الذي ميكن أن تقوم به موسيقى شعرنا اجلديد ال ميكن أن يكون هو امليزان القديم‬
‫حبذافريه‪ ،‬ألننا نن ظر إىل كل قصيدة جديدة على أنها قطعة موسيقية يف ذاتها وغري متكررة يف قصائد أخرى‪،‬‬
‫أما بالنسبة للجملة الشعرية فإن الوقفات الداخلية تؤدي دور القافية يف إتاحة الفرصة للتوقف واالستمرار معاً‪.‬‬
‫تشكيل الصورة يف الشعر املعاصر‪:‬‬
‫كثري من النقاد يعزون ما جنده يف الشعر من سحر إىل صورته املوسيقية‪ ،‬فالشاعر ككل فنان حياول نوعاً‬
‫من التوافق النفسي بينه وبني العامل اخلارجي عن طريق ذلك التوقيع املوسيقي‪ ،‬وحنن ال نتأثر بهذه املوسيقى‬
‫إال ألنها تُهيء لنا حالة من االندماج مع مظاهر التناسق وااليقاع‪ ،‬فالشاعر إذا مل يوفق من خالل هذه الصورة‬
‫‪6‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫إىل خلق حالة التوافق بني احلركة اليت متوج بها النفس واحلركة اليت متوج بها األشياء فإن الصورة املوسيقية‬
‫عندئذ ختفق يف حتقيق غايتها الفنية وتبقى تشكيالً صوتياً من طرف واحد‪ ،‬غري أن الشاعر كما يتخذ‬
‫الصورة املوسيقية وسيلة إىل ذلك التوافق فإنه كذلك يستغل الصورة املكانية خللق هذا التوافق‪ ،‬ففلسفة‬
‫الشاعر يف الزمان واحساسه به ال ينفصل عن فلسفته للمكان وإحساسه به‪ ،‬لذلك فإن تشكيل الصورة يف‬
‫الشعر اجلديد يقوم على أن التشكيل املكاني يف القصيدة كالتشكيل الزماني‪ ،‬ومعناه إخضاع الطبيعة‬
‫حلركة النفس وحاجتها‪ ،‬فعامل األفكار ــ وهو غري واقعي ــ حياول أن يصبح واقعياً مبعانقته لألشياء والربوز‬
‫من خالهلا‪ ،‬ومن هنا كانت الصورة دائماً غري واقعية وإن كانت منتزعة من الواقع ألن الصورة تنتمي إىل عامل‬
‫الوجدان أكثر من انتمائها إىل عامل الواقع‪ ،‬فإذا مل يقبل الشاعر صور الطبيعة الناحزة‪ ،‬وجعل للفكرة‬
‫األهمية األوىل كانت األشياء الواقعة بالنسبة إليه وسائل لتصوير الفكرة ال لتصوير الطبيعة‪ ،‬وعندئذ نستطيع‬
‫أن نقول أن الصورة كالفكرة شيء غري واقعي‪ ،‬فإذا كانت حقيقة املكان كحقيقة الزمان نفسية وليست‬
‫واقعية‪ ،‬كان تشكيل الصورة من حيث هي نسق للفكرة وليس للطبيعة متفقاً متاماً مع حقيقة املكان‬
‫النفسية‪ ،‬وعلى هذا ينبغي أن ننظر إىل الصورة ال على أنها متثل املكان املقيس بل املكان النفسي‪ ،‬وكل ما‬
‫ترتبط به الصورة من املكان املقيس له دور خطري يف تشكيل الصورة‪ ،‬ومن هنا قد ترتبط املرئيات يف الصورة‬
‫الشعرية بصفات أخرى هي يف أصلها صفات ملسموعات أو مشمومات أو ملموسات‪ ،‬وال يكون لذلك معنى إال‬
‫أن الفكرة الكامنة ال ميكن أن تظهر إال من خالل تركيبة بذاتها هلا طبيعتها اخلاصة‪ ،‬وهي اليت نسميها‬
‫"الصورة"‪.‬‬
‫إن ألوان األشياء وأشكاهلا وملمسها ورائحتها وطعمها هي املظاهر احلسية اليت حتدث توتراً يف األعصاب‬
‫وحركة يف املشاعر‪ ،‬فالشعر ينبت ويرتعرع يف أحضان األشكال واأللوان‪ ،‬فهو تصورات تستمتع احلواس‬
‫باستحضارها‪ ،‬لذلك ينبغي حني التحدث عن تشكيل الصورة الشعرية أن نفرق بني التفكري احلسي والرؤية‬
‫البصرية للشيء املكاني‪ ،‬والكلمات ــ خباصة يف االستعمال الشعري ــ ليست إال جمرد أدوات متثل األشياء‪،‬‬
‫وليست الصورة اليت تتكون من هذه الكلمات إال صورة تعبريية وليست صورة مشابهة‪ ،‬لذلك ينبغي أال خنلط‬
‫بني التعبري والتشابه‪ ،‬فالصورة املطابق ة ــ اليت نسخة من الشيء ــ ال تستطيع أن متثل إال األشياء اليت يشبه‬
‫بعضها بعضاً‪ ،‬أما الكلمة فتستطيع أن متثل بدرجة متساوية ويف وقت واحد أشياء بني بعضها وبعضها بون‬
‫شاسع‪ ،‬فالشاعر حني يستخدم الكلمات احلسية بشتى أنواعها يقصد بها متثيل تصور ذهين معني له داللته‪،‬‬
‫فالشعور يظل مبهماً يف نفس الشاعر فال يتضح له إال بعد أن يتشكل يف صورة‪ ،‬فالشاعر يساعدنا على تنسيق‬
‫مشاعرنا من خالل اإلثارات املتنوعة اليت تثريها فينا صوره‪ ،‬على أن الناس كما خيتلفون إزاء املفردات احلسية‬
‫اليت تشكل منها الصورة فإنهم خيتلفون إزاء الصورة نفسها‪ ،‬فإدراك الصورة يعتمد إىل حد بعيد على طبيعتنا‬
‫النمطية‪ ،‬فنحن نشكلها وفق تلك الطبيعة‪.‬‬
‫إن الصورة الشعرية تركيبة غريبة معقدة‪ ،‬وحتديد طبيعتها حمفوف بكثري من الصعوبات‪ ،‬وميكننا أن‬
‫نصطلح على تسميتها بكلمة "توقيعة"‪ ،‬لذلك فالتوقيعة هي الوحدة احليوية يف الشعر اليت ال تقبل االختصار‪،‬‬
‫وعلى ذلك ترتبط الصورة بكل ما ميكن استحضاره يف الذهن من مرئيات‪ ،‬أي ما ميكن متثله قائماً يف‬
‫املكان‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫فالصورة تستكشف شيئاً مبساعدة شيء آخر‪ ،‬وقد كانت وسيلة الشاعر إىل االستكشاف تتمثل يف أعلى‬
‫صورها التعبريية "التشبيه" و "االستعارة"‪ ،‬وميزة الصورة اخلصبة أنها تستطيع أن تشع يف كل اجتاه‪ ،‬وأن تسمح‬
‫لك باستكناه املزيد من املعاني كلما اوغلت معها حبسك‪ ،‬ويتبع هذه الفكرة يف طبيعة الصورة الشعرية‬
‫اجلديدة أن تكون حبيث تتجاوب أصداؤها يف كل مكان من القصيدة‪ .‬فإذا انفصلت الصورة اجلزئية عن‬
‫جمموعة الصور األخرى املكونة للقصيدة فقدت دورها احليوي يف الصورة العامة‪ .‬أما إذا تساندت مع جمموعة‬
‫الصور األخرى أكسبها هذا التفاعل احليوية واخلصب‪.‬‬
‫ومن احلقائق املقررة بشأن الصورة الشعرية‪ ،‬أن الشاعر كثرياً ما يفتت األشياء الواقعة يف املكان لكي‬
‫يفقدها كل متاسكها البنائي وال يبقي منها إال على صفاتها أو بعض صفاتها‪ ،‬سواء األصلية فيها أو املضافة‬
‫إليها‪ .‬فليس املهم أن تكون الصورة املكانية مكتملة التكوين أمام العني املبصرة‪ ،‬ومن احلقائق بشأن ذلك‬
‫كذلك أنه ينبغي التفريق بني التفكري احلسي والرؤية البصرية للشيء‪ ،‬على أن الشعر احلديث يغلب عليه‬
‫طابع التفكري احلسي‪ ،‬فاحملسوسات يف ذاتها مثرية لألعصاب‪ ،‬إال أنها ال تؤدي وظيفتها يف النص الشعري‬
‫على الوجه الصحيح إال أذا أحسن الشاعر توجيهها‪ ،‬يلي ذلك من احلقائق األساسية اخلاصة بالصورة يف الشعر‬
‫اجلديد ظاهرة التكثيف الزماني واملكاني يف انتخاب مفردات الصورة وتشكيلها‪ ،‬ففي الصورة الشعرية‬
‫تتجمع عناصر متباعدة يف املكان ويف الزمان غاية التباعد‪ ،‬لكنها سرعان ما تأتلف يف إطار شعوري واحد‪،‬‬
‫فينبغي للصورة الشعرية أال تنفصل عن التفكري الكلي الشامل‪.‬‬
‫بقيت القضية األخرية يف شأن الصورة الشعرية‪ ،‬وهي قضية التوقيعات‪ .‬فالقصيدة اجلديدة يف تصور بعض‬
‫النقاد احملدثني جمموعة من التوقيعات النفسية اليت تأتلف يف صورة كلية متثلها القصيدة يف جمموعها‪ ،‬أما‬
‫فكرة التوقيعات فشيء يرتبط بعملية التصوير أكثر من ارتباطه بعملية البناء؛ إذ أننا نصادف يف القصيدة‬
‫جمموعة من املشاهد املنفصل بعضها عن بعض كل االنفصال‪ ،‬يكاد كل مشهد فيها أن يقوم بذاته‪ ،‬لكننا‬
‫ما نلبث أن ندرك إدراكاً مبهماً أن شيئاً ما يصادفنا يف كل مشهد‪ ،‬كأنه يتخذ يف كل مرة قناعاً جديداً‪.‬‬
‫حتى إذا ما انتهت هذه القصيدة أدركنا أن هذه املشاهد مل تكن أقنعة بل مظاهر خمتلفة حلقيقة واحدة‪.‬‬
‫فالفكرة وقد مألت نفس الشاعر تبدأ ترتاءى له من خالل كل ما تقع عليه عينه‪ ،‬وما يقع عليه حسه‪ ،‬وما‬
‫هو مستخفٍ يف نفسه من تراث إنساني وروحي‪ ،‬فحيثما توجه متثلها هناك‪ ،‬فإذا هو أغلق نفسه دون األشياء‬
‫اصطدم بها كذلك يف أعماق نفسه‪ ،‬وهذه الصياغة ــ التوقيعات ــ جديدة يف الشعر بعامة ويف شعرنا العربي‬
‫خباصة‪ ،‬وليس يقدر على إجنازها كل شاعر‪ .‬ويعد الشاعر "ت‪..‬اس‪.‬اليوت" أعظم الشعراء املعاصرين يف امتالك‬
‫ناصية هذه الصياغة‪ ،‬ويف شعرنا العربي تُعد قصيدة "رحلة يف الليل" للشاعر صالح عبدالصبور من أنضج ما‬
‫ظهر مبكراً من الشعر يف هذا االجتاه‪.‬‬
‫قضايا وظوهر فنية ومعنوية‬
‫املصطلح اجلديد وظاهرة الغموض‪:‬‬
‫املصطلح اجلديد‪:‬‬
‫تعترب اللغة الظاهرة األوىل يف كل عمل فين يستخدم الكلمة أداةً للتعبري‪ ،‬فهي النافذة اليت منها نطل‪ ،‬ولقد‬
‫عرف اإلنسان العامل يوم عرف اللغة‪ ،‬وعرف السحر يوم عرف قوة الكلمة‪ ،‬فاللغة والسحر ظواهر مرتادفة‬
‫‪8‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫ومت ساندة يف حياة اإلنسان‪ ،‬والشعر هو االستكشاف الدائم لعامل الكلمة‪ ،‬وهو الوسيلة الوحيدة لغنى اللغة‬
‫وغنى احلياة على السواء‪ ،‬والشعر الذي ال حيقق هذه الغاية ال ميكن أن يسمى شعراً‪ ،‬ولو تدبرنا موقف التجربة‬
‫الشعرية اجلديدة لوجدنا أن شعر هذه التجربة يتعامل مع اللغة تعامالً خاصاً وجديداً‪ ،‬وكذلك مع ظواهر‬
‫احلياة‪ ،‬ولقد صار الشعراء املعاصرون على وعي تام بتلك الوظيفة‪ ،‬فرأوا أن الكشف عن اجلوانب اجلديدة‬
‫يف احلياة يستتبع بالضرورة الكشف عن لغة جديدة‪ ،‬إذ ليس من املعقول أن تعرب اللغة القدمية عن جتربة‬
‫جديدة‪ ،‬لذلك ليس غريب أن تتميز لغة الشعر املعاصر عن لغة الشعر القديم‪ ،‬بل الغريب أال تتميز عنها‪ ،‬فلكل‬
‫عصرٍ همومه ومشاكله وقضاياه‪ ،‬واإلنسان مطالب يف كل عصر بأن يواجه احلياة مبا يالئمها من سلوك‪،‬‬
‫ومن خالل هذه املواجهة ترتسب قيم العصر وتتبلور مثله‪ ،‬فإذا أردت التعرف على اإلطار احلضاري لشعب من‬
‫الشعوب يف زمن من األزمان فادرس لغته ففي عروقها جتد نبض العصر‪.‬‬
‫لقد كانت قضية لغة الشعر تثار دائماً عند كل مرحلة من مراحل التجديد والتطور‪ ،‬واحلقيقة أن الشعر‬
‫العربي كان حيمل يف كل عصر صورة للغة الناس واحلياة يف هذا العصر‪ ،‬وذلك مشاهد وموجود يف الشعر‬
‫يف العصر اجلاهلي وما بعده من العصور إذا ما قورنت الصياغة الشعرية بغريها من الصياغات كالنثر الفين‬
‫من خطب وتوقيعات وغريها‪ .‬وإذا كانت الدراسات قد أكدت لنا عالقة لغة الشعر باحلياة يف العصرين‬
‫اجلاهلي واألموي فإن الدعوة العصرية لضرورة املالئمة بني لغة الشعر ونبض احلياة لوجيهة وهلا ما يربرها‪ .‬إال‬
‫أنه ال ميكن للشاعر املبدع أن يستخدم يف شعره اللغة كما يستخدمها الناس يف حياتهم املعاشية العادية‪ ،‬إذ‬
‫املفروض يف لغة الشعر أن تكون ذات طاقة تعبريية مصفاة ومكثفة‪ ،‬والشعراء املعاصرون على وعي كافٍ‬
‫خبطورة هذه القضية‪ ،‬فلم تعد قضية الشا عر مع اللغة تُحل ببساطة عن طريق حتصيل ثروة كافية من ألفاظ‬
‫املعجم الشعري القديم‪ ،‬وإمنا صار احلل هو خلق معجم شعري جديد يناسب جتارب العصر اجلديدة‪ ،‬كما مل‬
‫يعد الشاعر املعاصر حيس بالكلمة على أنها جمرد لفظ صوتي له داللة أو معنى‪ ،‬وإمنا صارت الكلمات‬
‫جتسيماً حياً ل لوجود‪ ،‬ومن ثم احتدت اللغة والوجود يف منظور الشاعر‪ ،‬وقد نتج عن هذا أن متيزت لغة الشعر‬
‫املعاصر يف جممله‪ ،‬حبيث جتد كل كلمة يف النص قطعة من الوجود أو وجه من وجوه التجربة اإلنسانية‪،‬‬
‫ومن ثم فإن لكل كلمة طعماً ومذاقاً خاصا ليس لكلمة أخرى ألن التالحم بني اللغة والتجربة جيعل لكل‬
‫كلمة كياناً متفرداً عن كل ما عداه‪ ،‬فهذا التالحم بني لغة الشعر والوجود هو ما يستنفد جهد الشاعر‬
‫املعاصر ويشكل القدر األكرب من معاناته للغة‪ ،‬فلغة الشعر املعاصر لغة تتجسم يف الوجود وتتحد به‪ ،‬ومن ثم‬
‫تلوح أمامنا ميزة هلذه اللغة تُضم إىل ميزاتها‪ ،‬وهي أنها لغة مصفاة ومركزة‪ ،‬فال تسمح للشاعر باستخدام‬
‫اللفظ إال أن يكون هو اللفظ األوحد الذي حيمل أكرب طاقة من الفعالية يف السياق‪ ،‬والشعر املعاصر عدو‬
‫النثرية وعدو القوالب اجلاهزة‪ ،‬وأنه يتوخى اللغة املركزة املصفاة‪.‬‬
‫لقد استطاع الشعراء املعاصرون خالل جتربة الشعر اجلديدة‪ ،‬وعرب ما يقرب من عقدين من الزمان‪ ،‬أن يصنعوا‬
‫للشعر العربي مصطلحاً جديداً ينبض بروح العصر وإن كانت اللغة املركبة منه جديدة وغريبة على األمساع‪.‬‬
‫ظاهرة الغموض‪:‬‬
‫ميثل الشعر اجلديد اجتاهاً مجالياً خيتلف عن اجتاه الشعر القديم بل رمبا وقف منه موقف النقيض‪ ،‬ورمبا‬
‫حاول اجلادون أن يتكيفوا وهذا االجتاه اجلديد‪ ،‬ولكن كثرياً ما يقف حائالً دون ذلك غموض هذا الشعر‬
‫‪9‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫والذي يعترب مقوم من مقومات وجوده‪ ،‬فالشعر اجلديد يتسم يف معظمه بالغموض‪ ،‬وإذا كان الوضوح ممكن ًا‬
‫فإن الغموض الذي حيوج القاري إىل كد الذهن ورشح اجلبني عجز‪ ،‬والغموض ليس خاصية ينفرد بها الشعر‬
‫اجلديد‪ ،‬وإمنا يشاركه فيها القديم ‪ ،‬إال أن الغموض أصبح ظاهرة غالبة على الشعر اجلديد‪ ،‬إال أن هناك‬
‫فرق بني الغموض واإلبهام‪ ،‬فاإلبهام يرتبط بالنحو وتركيب اجلملة يف حني أن الغموض صفة خيالية تنشا قبل‬
‫مرحلة الصياغة‪ ،‬على أنه ال ينبغي ال نظر إىل الغموض يف الشعر بأنه صفة سلبية على كل حال‪ ،‬بل هو صفة‬
‫إجيابية يف أغلبه ألن الشعر مبين على اخليال‪ ،‬فهو خاصية يف طبيعة "التفكري الشعري" وليس خاصية يف طبيعة‬
‫"التعبري الشعري"‪ ،‬وهي لذلك أشد ارتباطاً جبوهر الشعر وبأصوله اليت نبت منها‪ ،‬ولذلك كانت اخلاصية‬
‫ا ألوىل للشعر هي أن جيعل غري املمكن قابل التصديق‪ ،‬وعلى هذا فالشعر ال يستخدم اللفظ املعتاد بداللته‬
‫احملدودة اليت نتعلمها‪ ،‬وال يستخدم اللفظ بداللته اليت نقصدها حني نستخدمه يف حياتنا اليومية‪ ،‬ثم إنه‬
‫كذلك ال يفسر لنا األشياء تفسرياً منطقياً يقبله العقل‪ ،‬إن الشاعر ينطلق من وحدة عاطفية ومن املمكن أن‬
‫تكتسي هذه الوحدة مبا يُسمى الصورة اللغوية الداخلية‪ ،‬ولكن ليس هناك اتصال بينها وبني الصورة اللغوية‬
‫اخلارجية اليت نعرب عنها يف أفكارنا اليومية املنطقية‪ ،‬والبد للشاعر من أن خيرتع الكلمات ويبدع الصور وأن‬
‫يتالعب مبعاني اللفاظ ويوسع من نطاقها‪ ،‬من هذا وغريه يتضح لنا أن الغموض يف الشعر ليس نقيضاً للبساطة‬
‫وأن الشعر البسيط الذي يهزنا هو يف الوقت نفسه عميق‪ ،‬ألن البساطة الساذجة يف الشعر الميكن أن تهزنا‬
‫من أعماقنا‪ ،‬فإذا كان الشعر اجلديد يغلب عليه طابع الغموض فألن الشاعر قد عاد يُدرك بوعي كافٍ طبيعة‬
‫عمله‪ ،‬وهي أن يقول الشعر أوالً وأن خيرتع يف سبيل ذلك كل صورة وكل لفظة تقضي بها ضرورة أن يقول‬
‫الشعر‪.‬‬
‫الرمز واألسطورة‪:‬‬
‫إن من أبرز الظواهر الفنية اليت تلفت النظر يف جتربة الشعر اجلديد اإلكثار من استخدام الرمز واالسطورة‬
‫أداة للتعبري‪ ،‬وليس الرمز إال وجهاً مقنعاً من وجوه التعبري بالصورة‪.‬‬
‫إن الرغبة امللحة لإلنسان هي رغبة الوجود وما يتعلق بها من حبث وما يتفرع عنها من عالقة كعالقة اإلنسان‬
‫بالكون وعالقته باهلل وما يتفرع عن هذه العالقة من مواقف ثانوية‪ ،‬وكل هذه املعاني مستقرة يف الضمري‬
‫اإلنساني‪ ،‬وقد ارتب ط الرمز بهذه املواقف منذ البداية‪ ،‬إال أن الشاعر املعاصر يف استخدامه للرمز ال يفكر‬
‫بالعقلية الدينية‪ ،‬فهو يعرب مبجرد أن يرى‪ ،‬فالرؤية وسيلته للتعبري‪ ،‬وعندما يستخدم الشاعر كلمات مثل‪:‬‬
‫"البحر‪ ،‬الريح‪ ،‬القمر‪ ،‬النجم ‪..‬اخل" فإنه يستخدم عندئذ كلمات ذات داللة رمزية‪ ،‬ولكن استخدامه هلا لن‬
‫يكون له قوة التأثري الشعري مامل يُحسن الشاعر استغالل العالقات أو األبعاد القدمية هلذا الرمز‪ ،‬ومامل‬
‫يُضف إىل ذلك أبعاداً جديدة هي من كشفه اخلاص‪ ،‬فالرمز الشعري مرتبط كل االرتباط بالتجربة الشعورية‬
‫اليت يعانيها الشاعر واليت متنح األشياء مغزىً خاصاً‪ ،‬ومن هنا تربز أمام الشاعر إمكانية عظيمة الداللة‪ ،‬هي‬
‫أنه من حقه دائماً أن يستخدم أي موضوع أو موقف أو حادثة استخدام ًا رمزياً وإن مل تكن استخدمت من قبل‬
‫هذا االستخدام‪ ،‬ويف تدبرنا للرمز الشعري ينبغي أن يدخل يف تقديرنا بعدان أساسيان هما التجربة الشعرية‬
‫اخلاصة والسياق اخلاص‪ ،‬ومهما تكن الرموز اليت يستخدمها الشاعر ضاربة جبذورها يف التاريخ‪ ،‬فإنها البد‬
‫أن تكون مرتبطة باحلاضر؛ بالتجربة احلالية وأن تكون قوتها التعبريية نابعة منها‪ ،‬فمن الواجب على الشاعر‬
‫‪10‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫املعاصر ــ حني يستخدم رمزاً جديداً ــ أن خيلق السياق اخلاص الذي يناسب الرمز‪ ،‬وينبغي أن ندرك أن استخدام‬
‫الرمز يف السياق الشعري يضفي عليه طابعاً شعرياً‪ ،‬مبعنى أنه يكون أداة لنقل املشاعر املصاحبة للموقف‬
‫وحتديد أبعاده النفسية‪ ،‬ويف هذا الضوء ينبغي تفهم الرمز يف السياق الشعري‪.‬‬
‫كذلك األمر بالنسبة لألسطورة وللشخوص األسطوريني؛ فتعامل الشاعر املعاصر مع األسطورة القدمية أو مع‬
‫شخوصها خيضع لنفس املبادئ اليت حتكم استخدام الرمز الشعري‪ ،‬ومن متابعة الرموز القدمية اليت‬
‫يستخدمها الشعراء املعاصرون يتبني لنا أن معظم العناصر الرمزية إمنا يرتبط بالقديم بشخوص اسطوريني‪،‬‬
‫وإىل جانب ظهور هؤالء الشخوص االسطوريني جند الشعراء أحياناً يستلهمون األسطورة القدمية يف جمملها من‬
‫حيث هي تعبري قديم ذو مغزى معني‪ ،‬فالعناصر الرمزية اليت يستخدمها الشاعر املعاصر‪ ،‬معظمها مرتبط‬
‫باألسطورة أو القصة القدمية بالشخوص أو باملواقف‪ ،‬وهذه الشخوص أو املواقف إمنا تستدعيها التجربة‬
‫الشعورية الراهنة لكي تضفي عليها أهمية خاصة‪ ،‬فالشخصيات احملدودة العدد اليت طفرت على سطح التاريخ‬
‫اإلنساني‪ ،‬ليست إال أدوات عرب بها اإلنسان على مر الزمن عن جتربته منذ بدايتها‪ ،‬فرمز السندباد يف قصيدة‬
‫"رحل النها" للسياب‪ ،‬مجع بني مغزاه الشعوري العام واملغزى الشعوري اخلاص الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتجربة‬
‫الشاعر اخلاصة‪ .‬والتجربة اخلاصة قد أفادت من ذلك املغزى العام مبقدار ما أضافت إليه ويف هذا يتمثل التعانق‬
‫الصادق بني احلقيقي وغري احلقيقي‪ ،‬وهو من أهم ما مييز الرمز الشعري‪ .‬وكثري من الشعراء قد استخدم هذا‬
‫الرمز مع تفاوت بينهم يف النجاح واإلخفاق‪ ،‬وغالباً ما يرجع عدم التوفيق إىل أحد سببني أو إليهما معاً‪ :‬فإما أن‬
‫يستخدم الشاعر الرمز القديم بوصفه مقابالً عقلياً فيفقده طبيعة الرمز؛ وإما أن يكدس هذه الرموز تكديساً‬
‫يصعب معه متثل دور كل رمز منها يف السياق الشعوري للقصيدة‪ ،‬فإذا كان املتلقي ملماً بالرمز واالسطورة‬
‫واستطاع أن يتمثلها بوصفها خلفية هلذه العبارة فإن إحساسه بشاعرية العبارة أو بقوة التعبري الشعري فيها يكون‬
‫أقوى وأعمق‪ ،‬لذلك فإن من اإلميان بضرورة توصيل التجربة الشعرية إىل املتلقي يفرض على الشاعر أن يكون‬
‫تعامله مع الرمز القديم استيحائياً‪ ،‬وكما يتعامل الشاعر مع الرموز القدمية فإنه خيلق الرمز اجلديد ويُنشيء‬
‫األسطورة اجلديدة‪ ،‬وقد استطاع الشاعر املعاصر أن جيعل من شخصية "مجيلة بو حريد" شخصية اسطورية‪،‬‬
‫وواضح أن ابتكار الشخصية األسطورية العصرية مرتبط بنماذج الكفاح الوطين؛ وهو جمال من جماالت‬
‫األسطورة العصرية‪ ،‬كما أن الشاعر املعاصر يف تعامله الشعري مع عناصر الطبيعة إمنا يرتفع باللفظة الدالة‬
‫على العنصر الطبيعي‪ ،‬من مدلوهلا املعروف إىل مستوى الرمز‪ ،‬وهو بذلك يثري املصطلح الشعري‪.‬‬
‫املنهج األسطوري يف الشعر املعاصر‪:‬‬
‫إن العالقة بني الفن واالسطورة عالقة قدمية‪ ،‬فكم كانت األساطري مصدر إهلام للشاعر والفنان‪ ،‬فالشعر مل‬
‫يكن يف يوم من األيام أقرب إىل روح األسطورة منه يف الوقت احلاضر‪ ،‬فاملنهج األسطوري هو الذي جيعل‬
‫للشعر طابعاً مميزاً يف باب املعارف اإلنسانية‪ ،‬وهو تقديم التجربة يف صورة رمزية‪ ،‬وقد كانت هذه الصورة‬
‫من التعبري أقدم صورة عرفها اإلنسان‪ ،‬وما تزال حتى اليوم أصدق وأقرب صورة من صور التعبري‪ ،‬فاألسطورة‬
‫هي األساس الذي تقوم عليه األفكار‪ ،‬وهي العنصر الذي تنشط األفكار عن طريقه‪ ،‬واألساطري هي األدوات‬
‫اليت نناضل بها على الدوام من أجل أن نفهم جتربتنا‪ ،‬وهي صورة عريضة تضفي على الوقائع العادية يف احلياة‬
‫معنىً فلسفياً‪ ،‬واالسطورة يف عصر العقل متثل النسيج األساسي احلي لكل فكرة‪ ،‬وهي يف ذاتها تركيبة‬
‫‪11‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫درامية‪ ،‬ودراما األسطورة القدمية هي احملاولة الدائمة للربط بني العاملني اخلارجي والداخلي‪ ،‬بني املرئي‬
‫احملسوس وغري احملسوس يف سبيل خلق توازن بني العاملني يف ضمري اإلنسان‪ .‬وقد استطاع اإلنسان عن طريق‬
‫األسطورة أن يرضي حاجته الروحية من جهة وحاجته إىل التوازن مع اجملتمع حوله من جهة أخرى‪ ،‬ومن هنا‬
‫فقد استطاعت األسطورة مبا اصطنعته من رمز أن ختضع غري املدرك وتدخله يف نطاق املدرك‪ ،‬وباألسطورة‬
‫استطاع االنسان القديم خلق صور من التعبري تفي حباجته إىل توطيد كيانه الروحي واستقراره االجتماعي‪،‬‬
‫ورمبا كان "إليوت" يف العصر احلديث هو أوضح شاعر التفت إىل قيمة املنهج األسطوري يف الشعر نظرياً‬
‫وعملياً ‪ ،‬على ان تبين هذا املنهج يف العصر احلاضر ليس جمرد طريقة حلل موقف إنساني‪ ،‬وإمنا هو كذلك‬
‫أسلوب شعري وفين من الطراز األول‪ ،‬وقد صحبة حركة التجديد األخري يف شعرنا ميل للتأثر بهذا املنهج‬
‫اجلديد‪ ،‬حيث صار الشعراء يف شعرهم يصدرون عن إميان باملنهج األسطوري‪ ،‬وكل من يتأمل أعمال شعرائنا‬
‫احملدثني يتضح له أن مادته م تغطي كل مساحة الطبيعة اخلارجية‪ ،‬وكل هذا جيعلنا ندرك أن الشعر إمنا‬
‫يتحرك دائماً يف نفس اإلطار من العامل احلسي الذي كانت األسطورة تتحرك فيه‪ ،‬ويف قصيدة "حلن" لصالح‬
‫عبد الصبور اليت جتسم لنا شعور الرغبة يف احلياة واخلوف من اجملهول‪ ،‬حيث حاول الشاعر أن خيلق األسطورة‬
‫اليت تفسر له هذا التقابل وجتمع بني هذين املتقابلني يف إطار حيوي يصنع منهما شكالً واحداً منظماً ووجوداً‬
‫متسقاً‪.‬‬
‫وهكذا تستحيل التجربة أو الشعور وفقاً ملنهج األسطورة إىل بنية وجودية حسية سرعان ما نستكشف هلا‬
‫أبعاداً فكرية ودالالت عقلية‪ .‬وبهذا املعنى‪ ،‬ووفقاً هلذا املنهج‪ ،‬يكون الشعر صورة حية للفلسفة‪ ،‬وإن ظل أبعد‬
‫ما يكون عن الفلسفة ومنهج الفلسفة‪.‬‬
‫معمارية الشعر املعاصر‪:‬‬
‫عند التحدث عن اإلطار العام للقصيدة اجلديدة جنده خيتلف عن اإلطار القديم‪ ،‬فالروح املهيمن على معمارية‬
‫القصيدة اجلديدة روح واحد‪ ،‬وهو يظهر يف الشعر اجلديد على تفاوت بني الشعراء‪ ،‬ولو قارنا أول القصائد يف‬
‫الشعر اجلديد بآخرها لتبني لنا االختالف‪ ،‬وهذا يعين أن معمارية القصيدة اجلديدة قد تطورت على أيدي‬
‫الشعراء أنفسهم‪ ،‬حتى وجدنا أن بعض الشعراء قد صار ال يكتب إال يف إطار القصيدة الطويلة‪ ،‬ويستمر خط‬
‫التطور بها حتى تظهر القصيدة الدرامية‪ ،‬فعلى الرغم من التطور الواضح يف القصيدة اجلديدة من إطار‬
‫القصيدة القصرية إىل إطار القصيدة الطويلة‪ ،‬وبرغم وفرة اإلنتاج‪ ،‬فما زالت القصيدة تُكتب وتشغل حيز‬
‫البأس به من الدواوين‪ ،‬وال يزال شعراء اجليل يُفيدون كثرياً من الرواد‪ ،‬ولقد بدأ الشعراء يركزون عملهم يف‬
‫القصيدة حول غرض واحد‪ .‬وظهر أثر ذلك يف أن الشعراء راحوا يضعون العناوين املختلفة لقصائدهم ليدللوا‬
‫على موضوعها بعد أن كانوا يسمون القصيدة حبسب حرف الروي‪ ،‬كما أن الفرق بني القصيدة الطويلة‬
‫والقصيدة القصرية فرق يف اجلوهر أكثر منه يف الطول‪ ،‬وهذا الفرق يثري مشكلة الغنائية‪ ،‬وميكن تعريف‬
‫القصيدة الغنائية من وجهة نظر الشاعر بأنها قصيدة جتسم موقفاً عاطفياً‪ ،‬وهي تعرب مباشرة عن حالة أو‬
‫إهلام غري منقطع‪ ،‬أما القصيدة الطويلة فهي قصيدة تربط مبهارة بني كثري من تلك احلاالت العاطفية‪،‬‬
‫فالعاطفة والفكرة هم ا اللذان يؤديان إىل التمييز اجلوهري بني القصيدة الطويلة والقصيدة الغنائية‪ ،‬وبعض‬
‫األنواع األدبية يكون الطول فيها ملزماً حبكم موضوعها كالشعر امللحمي‪ ،‬فعندما تسيطر الصورة على‬
‫‪12‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫املفهوم فإن القصيدة ميكن أن تعرف بأنها قصرية‪ ،‬أما عندما يكون املفهوم غاية يف التعقيد فإن القصيدة‬
‫تعرف بأنها طويلة‪ ،‬وقليل من النقاد من التفت إىل العالقة بني الطول يف األعمال الفنية والتعقيد والعظمة‪،‬‬
‫وميكن االنتهاء إىل قاعدة عامة وهي أن السطر الواحد من الشعر أو القطعة الواحدة تتهيأ هلا فرصة أوسع ألن‬
‫تكون عظيمة إذا هي جاءت يف عمل شعري طويل‪ ،‬ومعنى هذا أن التعقيد يصعب حتديده يف احليز احملدود‪،‬‬
‫فالقصيدة الطويلة حشد كبري من تلك األشياء "اجلاهزة" اليت تعيش يف واقع الشاعر النفسي وتتجمع وتتضام‬
‫ويؤلف بينهما ذلك اخللق الفين اجلديد ليخرج منها عمالً شعرياً ضخماً‪ .‬فنحن جند فيها اخلرافة واألسطورة‬
‫والرمز‪ ،‬ك ما جند احلقيقة العلمية‪ ،‬وإىل جانب ذلك جند القصة التارخيية أو املشهد الدرامي أو الواقعة‪،‬‬
‫وبعبارة أخرى جند فيها اخلرافة واحلقيقة والقصة والرمز واخلربة اإلنسانية واملعرفة‪ ،‬أي جتد فيها آفاقاً فسيحة‬
‫متعددة من احلياة‪ ،‬وال تتجمع هذه اآلفاق بصورة اعتباطية‪ ،‬ولكنها تتجمع يف خلقها اجلديد لريبط بينها برباط‬
‫الفكرة‪ ،‬وهذه االعتبارات اخلاصة بالقصيدة الطويلة قد اخذت تعمل يف خفاء لتدخل نوعاً شعرياً جديداً يف‬
‫الشعر العربي هو شعر الفكرة ‪ ،‬فلم يعد مفهوم الشعر أنه جمرد مشاعر بل أصبح خربات إنسانية وجتارب‬
‫عميقة‪ ،‬اما القصيدة القصرية ــ الغنائية ــ ختتلف عن القصيدة التقليدية من حيث التعامل مع اللغة والصورة‬
‫والرموز ونوعية التجربة‪ ،‬أما الفارق احلاسم بينهما فيتمثل يف معمارية القصيد املعاصرة‪ ،‬والقصر ليس يف عدد‬
‫األسطر وإمنا يف تصوير املواقف فرمبا جند قصيدة طويلة يف عدد األسطر إال أنها تظل قصيدة غنائية قصرية‬
‫مادامت تصور موقفاً عاطفياً يف اجتاه واحد‪ ،‬فالقصيدة الغنائية املعاصرة ينتظمها خيط شعوري واحد‪ ،‬فوحدة‬
‫العاطفة وتطور هذه العاطفة يف اجتاه واحد هما السمتان املميزتان للبنية الداخلية للقصيدة القصرية املعاصرة‪،‬‬
‫أو لنقل أنها متثل رؤية ممتدة يف اجتاه واحد‪ ،‬يوجهها شعور موحد‪ ،‬ومن األشكال املعمارية للقصيدة الشكل‬
‫الدائري املغلق الذي تنتهي فيه القصيدة حيثما ابتدأت‪ ،‬وهناك الشكل املفتوح الذي ميتد يف خط مستقيم‬
‫ورمبا كان كذلك إلحساس الشاعر بال نهائية التجربة‪ ،‬ومعمارية هذا الشكل ابسط كثرياً من معمارية‬
‫الشكل السابق‪ ،‬إذ أن الشاعر فيه يتحرك يف اجتاه شعوري ممتد يف خط مستقيم‪ ،‬وقد يتعرج هذا اخلط يف‬
‫شكل موجات متالحقة‪ ،‬ولكن هذا التعرج يأخذ طابع االمتداد الالنهائي‪ ،‬ومن اشكال القصية القصرية‬
‫املعاصرة شكل آخر تأخذ معماريته شكالً حلزونياً‪ ،‬ويف هذا الشكل يظل اهليكل املعماري للقصيدة شعوراً‬
‫موحداً أو جمموعة من املشاعر اجلزئية املتجانسة املتكاملة‪ ،‬وتكون فيه الرؤية الشعورية األوىل مركزاً لكل‬
‫انطالق على الدوام ومن هنا تتحدد الطبيعة احللزونية ملعمارية هذا الشكل‪ ،‬فكل دفقة من دفقات القصيدة‬
‫تبدأ من نقطة االنطالق األوىل‪ ،‬ويدور الشاعر يف دورة كاملة يستوعب خالهلا األفق الشعوري الذي يرتاءى له‪،‬‬
‫لكن هذه الدورة وإن صنعت دائرة شعورية كاملة تظل مع ذلك دائرة غري مغلقة على ذاتها‪ ،‬إذ ما تكاد دائرة‬
‫تنتهي حتى يعود الشاعر مرة أخرى إىل نقطة االنطالق األوىل‪ ،‬ثم يعود ويدور دورة أخرى ثم أخرى وهكذا‪،‬‬
‫وقص يدة "أغنية الشتاء لصالح عبدالصبور خري مثال على ذلك‪ ،‬فكل هذه األشكال يف معمارية القصيدة‬
‫القصرية املعاصرة تؤكد معنى التالحم العضوي بني التجربة الشعورية والتعبري‪.‬‬
‫أما القصيدة الطويلة فهي الكشف احلقيقي يف ميدان الشعر العربي احلديث‪ ،‬واإلضافة اجلديدة اجلديرة‬
‫مب زيد من االهتمام‪ ،‬لكن القصيدة الطويلة يف السنوات األخرية وإن ظلت معماريتها درامية قد ازدادت تركيباً‬
‫وتعقيداً‪ ،‬وعلى ذلك فإنه بعد إن كانت تسيطر على القصيدة فكرة واحدة مفردة وبسيطة إذا بنا جند هذه‬
‫‪13‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫الفكرة يف القصيدة احلالية قد حتللت بدورها إىل عناصر فكرية متجاذبة ومتصارعة ومتكاملة يف الوقت‬
‫نفسه‪ ،‬والبنية البسيطة للقصيدة الطويلة أقرب ما تكون يف معماريتها من املعمارية احللزونية يف القصيدة‬
‫القصرية مع فارق جوهري بينهما‪ ،‬وقصيدة "الظل والصليب" لصالح عبدالصبور خري مثال على القصيدة الطويلة‬
‫ومعماريتها‪.‬‬
‫والواقع أن القصيد الطويلة تتطور اآلن تطوراً ملحوظاً فتزداد بنيتها تعقيداً حتى صارت القصيدة موقفاً فكرياً‬
‫غاية يف التعميم والشمول‪ ،‬وغاية يف الدقة والرهافة يف الوقت نفسه‪ ،‬ولكنها مهما اختلفت أشكاهلا أو أطرها‬
‫اخلارجية فإن معماريتها تظل هي معمارية القصيدة الطويلة‪.‬‬
‫النزعة الدرامية‪:‬‬
‫التفكري الدرامي هو ذلك اللون من التفكري الذي ال يسري يف اجتاه واحد‪ ،‬وإمنا يأخذ يف االعتبار أن كل‬
‫فكرة تقابلها فكرة‪ ،‬وأن كل ظاهر يستخفي وراءه باطن‪ ،‬فإذا كانت الدراما تعين الصراع فإنها يف الوقت‬
‫نفسه تعين احلركة من موقف إىل موقف ومن شعور إىل شعور‪ ،‬ومن أبرز مسات التفكري الدرامي أنه تفكري‬
‫موضوعي إىل حد بعيد‪ ،‬وإىل جانب ذلك ميتاز التفكري الدرامي خباصية التجسيد‪ ،‬وكما تطورت القصة حنو‬
‫القصة الدرامية فكذلك تطور الشعر من الغنائية الصرف إىل الغنائية الفكرية وصارت أروع القصائد العاملية‬
‫احلديثة هي ذات طابع درامي من الطراز األول‪ ،‬وقد تطور الشعر العربي يف القرن العشرين تطوراً ملحوظاً حنو‬
‫املنهج الدرامي ‪ ،‬والشك أن جتربة الشعر اجلديد كان من أهم بواعثها وعي الشعراء بهذه احلقائق‪ ،‬فصار‬
‫الشاعر يستغل كل وسائل التعبري الدرامي‪ ،‬من حوار وحوار داخلي وسرد‪ ،‬وتطور القصيدة نتج عن تطور‬
‫ال شاعر نفسه فلم تعد القصيدة اليت يكتبها جمرد أداة إلزجاء وقت الفراغ أو تصدير للمشاعر واألحاسيس بل‬
‫أصبحت وحدة يف بنية متكاملة متثل حياته ومغامراته اإلنسانية‪ ،‬والواقع أنه ال يكفي الشاعر أن يكون‬
‫منهجه موضوعياً وأن يعين بالتفصيالت حتى يكون شعره ذا طابع درامي‪ ،‬وإمنا تتوقف اخلاصية الدرامية يف‬
‫الشعر على مقدرة الشاعر على اختيار ما هو جوهري واالستغناء عن التفصيالت غري اجلوهرية‪ ،‬فبني الذات‬
‫واملوضوع تقع الدرامى ‪ ،‬وليس من السهل أن يتحقق الطابع الدرامي يف عمل شعري مامل تتمثل وراءه أو يف‬
‫العناصر األساسية اليت ال تتحقق الدراما بدونا‪ ،‬أي اإلنسان والصراع وتناقضات احلياة‪ ،‬واإلنسان يف احلالتني‬
‫‪ ،‬حاليت الصراع ورصد املتناقضات يستطيع أن يقدم إلينا إنتاجاً درامياً من الطراز األول‪ ،‬وهكذا يتضح لنا‬
‫أن العمل الشعري ذا الطابع الدرامي إمنا هو بناء على مستويني؛ مستوى الفن ومستوى احلياة ذاتها‪ ،‬فنحن ال‬
‫نستبصر يف القصيدة ذات الطابع الدرامي مبقدرة الشاعر على بناء عمله الشعري بناءً فنياً فحسب بل نعاين‬
‫كذلك مدى قدرته على املشاركة يف بناء احلياة وتشكيلها‪ ،‬ولعل قصيدة "أسري القراصنة" لبدر شاكر‬
‫السياب متثل الطابع الدرامي يف القصيدة املعاصرة‪ ،‬وينبغي التنويه على أن الشاعر ال يعمد عمداً ألن يكون‬
‫شعره ذا نزعة درامية‪ ،‬فالعمد يف هذه احلالة خليق أن يقتل الشعر والتعبري معاً‪ ،‬وإمنا تكون للشعر هذه‬
‫اخلاصية الدرامية ألن الدافع األول للكتابة حيمل يف ثناياه بذوراً درامية وألن منطق الشاعر النفسي بعامة‬
‫مركب تركيباً در امياً بل تصور الشاعر للغة كما هي يف ذهنه تصوراً درامياً‪ ،‬ذلك أن التقابل يف العبارة‬
‫الشعرية الدرامية ليس جمرد تقابل ألفاظ وإمنا هو تقابل أبعاد نفسية‪ ،‬فاأللفاظ ذات التأثري الدرامي هي جمرد‬
‫ثغرات أو منافذ يطل منها اإلنسان على أجزاء من عامل الشاعر النفسي‪ ،‬وإمنا يصبح استخدام هذه األلفاظ‬
‫‪14‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫استخداماً درامياً عندما تدل على أبعاد نفسية حقيقية؛ أي عندما ترتبط ارتباطاً كلياً باملوقف الشعوري الذي‬
‫يعرب عنه الشاعر‪ ،‬فتجلية أحد الوجهني املتقابلني يف الرتكيبة الدرامية هي يف الوقت نفسه جتلية للوقت اآلخر‪،‬‬
‫ولعلنا خنتصر عناصر التعبري الدرامي يف الشعر املعاصر يف شكلني‪:‬‬
‫الشكل األول يتمثل فيما نسميه أسلوب احلوار (الديلوج)‬ ‫‪. 1‬‬
‫الشكل الثاني يتمثل فيما يسمى باحلوار الداخلي (املونولوج)‬ ‫‪. 2‬‬
‫ويف احلوار الداخلي يكون الصوتان لشخصٍ واحد‪ ،‬أحدهما هو صوته اخلارجي العام الذي يتوجه به لآلخرين‪،‬‬
‫واآلخر صوته الداخلي اخلاص الذي ال يسمعه غريه‪ ،‬وعند تأمل القاريء فيما يشده إىل كثري من قصائد الشعر‬
‫اجلديد فإنه سيجد أن أسلوب احلوار الداخلي من أهم هذه العوامل‪ ،‬وحني التفت الشاعر املعاصر إىل استخدام‬
‫أسلوب احلوار يف القصيدة الغنائية‪ ،‬مل ينتقل فجأة إىل الشكل الدرامي الصرف للحوار‪ ،‬أي مل يستغن متاماً‬
‫عن أسلوب رواية احلوار‪ ،‬والواقع أن شغف الشاعر بالتفكري والنظر الدرامي ثم رغبته يف اإلخالص للتجربة‪،‬‬
‫وحرصه على جتسيمها‪ ،‬رمبا كانت أهم العوامل اليت دفعت الشاعر املعاصر إىل استخدام هذا األسلوب‪،‬‬
‫وطبيعي أن القصيدة لن تكون من أوهلا إىل آخرها حوار‪ ،‬وإمنا يستغل الشاعر أسلوب احلوار يف جزء أو أجزاء‬
‫منها‪.‬‬
‫ومن األساليب الدرامية اليت شاع استخدامها يف جتربة الشعر اجلديد األسلوب القصصي‪ ،‬واملقصود بالقصة‬
‫يف الشعر هو استخدام الشاعر الغنائي لبعض أدوات التعبري اليت يستعريها من فنٍ آخر هو فن القصص‪ ،‬فالقصة‬
‫حني تستخدم يف القصيدة إمنا تستخدم على أنها وسيلة تعبريية درامية ال على أنها قصة هلا طرافتها وأهميتها‬
‫يف ذاتها‪ ،‬والبد أن يوازن الشاعر وجيمع يف الوقت نفسه بني املقدرة الشعرية واملقدرة القصصية‪ ،‬فيجعل القاري‬
‫يف كل حلظة ويف كل كلمة حيس بالشعر والقصة يف وقت واحد‪ ،‬وقد اكتسبت القصائد اليت تستخدم‬
‫القصة بوصفها جمرد أداة تعبريية مزيداً من اخلصب والثراء ارتفع بها عن القصائد اليت خلت من التفصيالت‪،‬‬
‫وقد يُستخدَم األسلوب القصصي يف بعض أجزاء القصيدة ليؤدي نفس املهمة الفنية اليت يؤديها احلوار بنوعيه‪،‬‬
‫وهي جتسيم الرؤى وامل شاهد من أجل إحداث التأثري الدرامي‪ ،‬مستغالً الشاعر يف ذلك العناصر الدرامية ــ‬
‫اللفظ‪ ،‬العبارة‪ ،‬ظاهرة التجسيم‪ ،‬استخدام احلوار بنوعيه‪ ،‬خاصية السرد ــ‪ ،‬والدرامية املوضوعية ظاهرة‬
‫تغلب على منهج التفكري الشعري العام لدى الشاعر املعاصر‪ ،‬وتشخص منطقة الشعوري إزاء احلياة واألشياء‪،‬‬
‫والواقع أن كل حلقات املاضي تعيش وتؤثر يف احلاضر‪ ،‬واحلاضر يؤثر يف املستقبل‪ ،‬فالتاريخ الفكري‬
‫والروحي لإلنسان يتمثل يف شكل دوائر تتسع كل دائرة منها عن سابقتها‪ ،‬حتى إنه ليمكن متثل الدوائر‬
‫السابقة يف إطار الدائرة األخرية‪ ،‬فالشاعر املعاصر ميثل الدائرة اليت تضم يف إطارها دوائر الرتاث الروحي‬
‫والفكر لإلنسان يف املاضي‪ ،‬وهو حني يضمن شعره كالماً لآلخرين فإنه يدل بذلك على التفاعل األكيد بني‬
‫أجزاء التاريخ الروحي والفكري لإلنسان‪.‬‬
‫قضايا وظواهر معنوية‬
‫الشاعر واملدينة‪:‬‬
‫إن املتصفح لدواوين شعرنا املعاصر يالحظ أن كثرياً من الشعراء قد تطرقوا يف شعرهم إىل موضوع املدينة‪،‬‬
‫ويرجع اهتمام الشعراء وتطرقهم هلذا املوضوع إىل دافع خارجي وهو تأثر الشعراء بنماذج من الشعر الغربي‪،‬‬
‫‪15‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫وقد ظهر هذا التأثر مبكراً‪ ،‬إال أن استجابة الشعراء املعاصرين هلذا املوضوع تتجاوز حدود التأثر‪ ،‬وذلك أن‬
‫ظ روف احلياة اليت ميارسون‪ ،‬واإلطار احلضاري الذي يعيشون‪ ،‬وواقع التجربة اليت يعانون‪ ،‬هي اليت ارتفعت‬
‫بهذا املوضوع إىل مستوى االهتمام‪ ،‬فلكل عصر مساته اخلاصة اليت تفرض على الناس نوعاً بعينه من‬
‫االهتمام‪ ،‬على أن حتول الشعراء من القرية إىل املدينة مل يُحدث طفرة؛ إذ ظل احلنني إىل القرية ينازع التجربة‬
‫احلية يف املدينة‪ ،‬وقد شهدت املدينة يف إبان فرتة التجربة الشعرية اجلديدة أحداثاً ومواقف سياسية شدت‬
‫الشاعر إليها‪ ،‬ومن التتبع لكثري من القصائد املعاصرة اليت اتصلت مبوضوع املدينة ميكننا أن نتمثل هلذه‬
‫العالقة أربع صور رئيسية‪ .‬يف األوىل نرى وجه املدينة ذاتها‪ ،‬ويف الثانية نباشر طبيعة التجربة يف إطار احلياة‬
‫بها‪ ،‬ويف الثالثة نواجه املوقف اجلدلي الذي خلقته هذه التجربة يف نفس الشاعر‪ ،‬ويف الرابعة نلمس العامل‬
‫السياسي يف حتديد تلك العالقة‪.‬‬
‫وجه املدينة‪:‬‬
‫للمدينة وجهها املادي الذي يكشف عن روحها وجوهرها‪ ،‬وقد أبرز شعرنا املعاصر هذه السمات وغريها حني‬
‫أراد الشعراء أن يتفهموا كنه احلياه يف املدينة وكنه وجودهم فيها‪ ،‬فصوروا تلك السمات يف شعرهم تصويراً‬
‫تشوبه نربات األسى هلا والنقم عليها ‪ ،‬كما يف قصيدة "الوحدة" ليوسف اخلال‪ ،‬وقصيدة "رسالة إىل مدينة‬
‫جم هولة" حلجازي‪ ،‬ومن أبرز ما مييز املدينة اإلحساس فيها بعامل الزمن‪ ،‬وانعكاس هذا العامل على احلياة‬
‫نفسها وعلى عالقات الناس ببعضهم‪ ،‬فالزمن هو العامل الذي يتحكم يف أهل املدينة‪ ،‬فكل فرد له زمنه‬
‫اخلاص‪ ،‬ينظم يف حدوده مشاغله اخلاصة‪ ،‬وعالقاته باآلخرين‪ ،‬إضافة إىل ذلك فقد صور الشاعر البهرج‬
‫والزينة الزائفة يف املدينة‪ ،‬وكأنها امرأة لعوب مفتونة بنفسها‪ ،‬وفتنتها هذه تنعكس على أهلها‪ ،‬وهذا التسجيل‬
‫الذي سجله الشاعر املعاصر لسمات املدينة مل يسجله الشاعر متغنياً‪ ،‬وإمنا سجله بنربة حزن هلا ونقمة عليها‪،‬‬
‫ورمبا يستشف القاري من خالل ذلك التسجيل أسى الشاعر لنفسه‪.‬‬
‫جتربة احلياة يف املدينة‪:‬‬
‫احلديث عن هذه التجربة يقتضي منا أن نفحص هذه التجربة على املستويني الفردي واجلماعي‪ ،‬فأول مظهر‬
‫من مظاهر معاناة الشاعر حلياة املدينة يتمثل يف شعوره بالوحدة فيها‪ ،‬فما مل تربط بني اإلنسان واآلخر عاطفة‬
‫حب تصب ح املدينة وكأن ليس بها إنسان‪ ،‬فوجود الشعور بالوحدة والضياع يف الشعر املعاصر‪ ،‬هو انعكاس‬
‫لوجه احلياة يف املدينة‪ ،‬ولعلنا جند ذلك يف قصيدة "كان لي قلب" حلجازي"‪ ،‬لقد أحس الشاعر املعاصر أن‬
‫الوشائج اإلنسانية واالجتماعية السليمة اليت تربط بني الناس مقطعة األوصال يف املدينة فصورها يف شعره‪ ،‬فلم‬
‫يكن الشاعر متميزاً عن اآلخرين فيما كان يفتقده من مسات الوجه اإلنساني للمدينة بل صار كاآلخرين‪،‬‬
‫فاشتغال كل واحد بنفسه جعله حريصاً على أن يكون هو وحده‪ ،‬حني يكون األمر مسألة نفوذ وسلطان‪،‬‬
‫فالسبق ملن يدمر اآلخرين‪ ،‬إنها أمناط من اإلنسان حتمل أخالق احليوان ومبادئ الغابة وإن كانت تعيش يف‬
‫قلب املدينة‪ ،‬وكما تقتل املدينة العالقات اإلنسانية بني الناس‪ ،‬فإنها كذلك تقتل يف احلياة نفسها وجه الرباءة‬
‫ومصدر النعمة واخلصب‪ ،‬ومن ذلك كله يتكشف لنا كيف أن جتربة احلياة كشفت للشاعر عن مضمونها‬
‫احلقيقي‪ ،‬وك يف أن الشاعر قد ترسبت يف نفسه خالل هذه التجربة مشاعر احلنق والنقمة على وجهها‬
‫احلضاري‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫املوقف اجلدلي‪:‬‬
‫مل جيد الشعراء للفرار من املدينة إىل القرية مغزى‪ ،‬لذلك أدركوا مع مرور الزمن أنهم صاروا جزءاً من حياة‬
‫املدينة‪ ،‬وأنه من واجبهم أن يعيدوا النظر يف انفعاالتهم‪ ،‬فليس طبيعياً أن يكون وجه املدينة مشوهاً كله كما‬
‫بدا هلم‪ ،‬ومن هنا بدأ املوقف اجلدلي بني الشاعر واملدينة يتكشف للشاعر نفسه ويتكشف للمتلقي من خالل‬
‫التعبري عنه‪ ،‬واملقصود باملوقف اجلدلي؛ ذلك الصراع الذي تولد يف هذا املوقف اجلديد بني النقمة على املدينة‬
‫والتعاطف معها‪ ،‬فإن ما يلقاه فيها من عذاب نفسي هو يف الوقت نفسه ينبوع إهلامه وإبداعه‪ ،‬وبذلك تصبح‬
‫املدينة مصدر سرور مبقدار ما هي مصدر عذاب‪ ،‬فليس يعد هذا العذاب النفسي سوى ذلك السرور الذي يلقاه‬
‫الشاعر حني يبدع وينتج‪ ،‬واملدينة ليست مسئولة عن ذاتها‪ ،‬بل حنن املسئولون‪ ،‬فكل مساتها الكريهة هي من‬
‫صنعنا‪ ،‬فنحن الذين شوهوا وجهها‪ ،‬فاملدينة مل تكن على ما هي عليه إال بنا‪ ،‬وحنن مل َنصِرْ إىل ماحنن عليه‬
‫إال ألننا نعيش فيها‪.‬‬
‫العامل السياسي‪:‬‬
‫هناك وجه آخر من وجوه العالقة بني الشاعر واملدينة‪ ،‬جيسم فيه املوقف السياسي‪ ،‬وقد تالحقت األحداث‬
‫واملواقف اليت اهتز هلا وجدان الشاعر يف هذه احلقبة‪ ،‬وكانت املدينة ميدانها‪ ،‬فقرب ذلك بني الشاعر وبينها‪،‬‬
‫ومن ذلك تصبح املدينة مرآة أو رمزاً لألوضاع السياسية اليت تعم الدولة كلها‪ ،‬وليس ذلك غريباً على املدينة‬
‫ففيها تقع األحداث وعلى صفحتها تنعكس‪ ،‬ففي قصيدة "فرباير احلزين" يتذكر حجازي الوحدة بني مصر‬
‫وسوريا‪ ،‬ولكنه يف قصيدة "أغنية أكتوبر" يتذكر عدوان ‪ 1956‬على بور سعيد‪.‬‬
‫هكذا كانت املدينة موضوعاً طريفاً متعدد اجلوانب وغنياً باإلمكانات التعبريية‪ ،‬وقد استكشفه الشاعر‬
‫املعاصر ومازال حتى اليوم يكتب فيه دون أن يؤدي ذلك إىل اجلمود الذي خيشاه البعض‪.‬‬
‫ظاهرة احلزن يف الشعر املعاصر‪:‬‬
‫لقد استفاضت يف شعرنا املعاصر نغمة احلزن حتى صارت ظاهرة تلفت النظر‪ ،‬بل ميكن أن يقال أن احلزن‬
‫صار حموراً أساسياً يف معظم ما يكتب الشعراء املعاصرون من قصائد‪ ،‬وقد استفاضت هذه النغمة حتى‬
‫أفاضت كثرياً من امل ناقشات واجلدل‪ ،‬حتى أن الشعراء صاروا يربزون جانب القتامة ويغفلون جانب البهجة‪،‬‬
‫والتساع رؤية الشاعر املعاصر واكتسابه نوعاً من الشمول امتزجت عنده األلوان فصنعت الصورة العامة‪ ،‬فلم‬
‫يعد يرى جانباً دون جانب وإمنا يراهما ممتزجني‪ ،‬فيغلب على الصورة أيهما طغى على نفسه‪ ،‬وقد يقال أن هذه‬
‫النزعة احلزينة عند الشاعر املعاصر ليست إال نوعاً من التأثر بأحزان الشاعر األوربي احلديث الذي عايش‬
‫طغيان احلضارة املادية على الروح الغربي خباصة يف القرن العشرين‪ ،‬وال ميكننا أن نسلم بأن ظاهرة احلزن‬
‫يف شعرنا املعاصر أثر من آثار اليأس من احلضارة املادية والنقمة عليها‪ ،‬وإمنا هي تعلو على املادي والروحي معاً‬
‫وتصدر عن النظرة الرحبة إىل األشياء يف شتى جوانبها‪ ،‬ورمبا كانت بعض اصول حماور النغمة احلزينة يف‬
‫شعرنا ملعاصر وافدة‪ ،‬كاإلحساس بالغربة‪ ،‬والضياع‪ ،‬والتمزق‪ ،‬واستجابة شاعرنا املعاصر هلذه احملاور‬
‫ولغ ريها أمر طبيعي تدفعه إليه طبيعة املوقف العام‪ ،‬وطبيعة جتربة احلزن‪ ،‬وحني يستجيب شاعرنا هلذه احملاور‬
‫الوافدة فإنه يصدر يف استجابته هلا عن موقف ذاتي ال ميليه عليه إال الذات نفسها‪ ،‬وقد حاول شعراؤنا‬
‫املعاصرون أن يكونوا خملصني لذواتهم‪ ،‬وعند ذاك اهتز أمامهم النظام اخلارجي واهتزت القيم واملعايري‬
‫‪17‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫التقليدية‪ ،‬ومن ثم تولدت مشاعر الغربة والضياع‪ ،‬ورمبا كان الشاعر صالح عبدالصبور أكثر الشعراء‬
‫املعاصرين حديثاً عن احلزن‪ ،‬فاإلطار املأساوي العام للموقف احلزين‪ ،‬هو الذي ميثل يف الوقت نفسه اإلدراك‬
‫الشعري ملأساوية احلياة‪ ،‬إنه نوع م ن مواجهة الذات للوجود والتمرد عليه‪ ،‬ويظل الشعور بغربة الذات وضياع‬
‫اإلنسان يف خضم هذا الكون أقوى دليل على حيوية الذات وقوة نبضها‪ ،‬فالغربة والضياع ميثالن بعداً آخر من‬
‫أبعاد جتربة شاعرنا املعاصر احلزينة‪ ،‬فاملنطلق اآللي الذي حيرك اجملاميع جيعل الذات املفردة تضل طريقها‪،‬‬
‫ألنها عندئذ تتحرك وتسري وحدها‪ ،‬تلوك أحالمها وآالمها‪ ،‬فإذا هي انتصرت أو انسحقت ففي إطار وجودها‪،‬‬
‫إن حمور الشعور بالغربة والضياع هو يف احلقيقة تفريع على احملور األساسي العام؛ حمور الذات والوجود‪.‬‬
‫هذه هي أبعاد ظاهرة احلزن يف شعرنا املعاصر‪ ،‬وهي تدور حو ل موقف الذات الواعية النامية من الكون ومن‬
‫اجملتمع ومن نفسها‪.‬‬
‫االلتزام والثورية‪:‬‬
‫شعر االلتزام يف الشعر العربي احلديث متنوع يف انتمائه إىل االجتاهات الشعرية املختلفة فهو شعر خيدم التجربة‬
‫احلية ويبحث يف شعاب القضايا العر بية متنقال يف كل قطر عربي‪ ،‬متسربا إىل عمق اجملتمع ليعكس‬
‫مشكالته وحيمل قضاياه‪ ،‬ويعمل على حل معضالته غري آبه باملآسي اليت تعرتضه واملواجهة اليت تصادفه‪.‬‬
‫تعد فكرة االلتزام يف األدب فكرة حديثة وهي وليدة عصرنا‪ ،‬ولقد نشأت هذه الفكرة نتيجة احتكاك‬
‫األديب مبشكالت احلياة اليت يعيشها وإدراكه خلطورة الدور الذي يقوم به إزاء هذه املشكالت‪ ،‬ومن ثم‬
‫حتدد مفهوم األدب منذ وقت مبكر يف العصر احلديث بأنه "نقد للحياة" أو "تفسري هلا"‪ ،‬فاملفرتض يف األديب‬
‫عامة والشاعر خاصة ارتباطه بقضايا عصره‪ .‬ويتحقق االلتزام عندما يقدم األديب لآلخرين أعمال إجيابية يف‬
‫تأثريها متس حياتهم ومشكالتهم مساً مباشراً‪ ،‬وذلك إمنا يتحقق عنما ينظر األديب إىل هذه القضايا من‬
‫منظور عصره وجمتمعه‪ ،‬ومن هنا يتحدد االلتزام يف األدب مبدى ارتباط األديب بقضايا الناس يف جمتمعه‪ ،‬وما‬
‫يتقدم به من حلول هلذه القضايا‪ ،‬ولو أمعنا النظر يف حقيقة الفن من حيث هو تعبري إنساني لوجدناه منذ البداية‬
‫شديد االرتباط بالعقيدة‪ ،‬فتارخيه حيدثنا كيف أنه نشأ يف أحضان العقيدة الدينية‪ ،‬وظل آماداً طويلة شديد‬
‫االرتباط بها‪ ،‬فليس هناك فنان معروف مل يصدر يف فنه عن عقيدة‪ ،‬أو ما يسمى اليوم باأليدلوجية‪ ،‬وملا كانت‬
‫عقيدة اإلنسان قد انهارت فقد فرضت ظروف احلياة اجلديدة املتطورة عقيدة جديدة تتمثل باإلميان باجملتمع‪،‬‬
‫وصارت هذه العقيدة هي عقيدة الفنان نفسه‪ ،‬واحلقيقة أن الفن سيضل عمل الفرد املبدع الذي‬
‫ال يتعارض مع العقيدة اجلماعية‪ ،‬فاجملتمع قد أودع الفنان كل الثقة والفنان قد استقر يف نفسه الشعور بضرورة‬
‫اإلخالص للمجتمع‪ ،‬وقد يرسب ارتباط الفن بالعقيدة أحياناً يف بعض األذهان تصوراً خاطئاً‪ ،‬وهو أن األهم يف‬
‫أي عمل فين هو العقيدة أو املوقف الفكري‪ ،‬أو األيدلوجية اليت يريد اإلنسان أن يعرب عنها‪ ،‬واحلقيقة أن‬
‫املعايري اليت يوزن بها الفن إمنا تشتق من واقع املرحلة احلضارية اليت يعايشها الفنان يف جمتمعه‪ ،‬فالفنان ال‬
‫يتبنى فكرة جمتمعه أو عقيدته إال بعد التحام محيم به وجتاذب عنيف معه‪ ،‬وهو يوم يتبنى عقيدة جمتمعه‬
‫فإنها قد صارت عقيدته اخلاصة اليت يربط بينه وبينها ما يربط بني األب وابنه‪ ،‬ومن ثم يفرق بعض الكتاب‬
‫بني االلتزام واإللزام؛ ففي االلتزام يتخذ الفنان موقفه من خالل ممارسته حلرية االختيار‪ ،‬يف حني أن اإللزام‬
‫يفر ض عليه املوقف من اخلارج فرضا‪ ،‬ومبا أن الشعر شكل من أشكال التعبري الفين‪ ،‬فإن ما ينطبق على‬
‫‪18‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫الفن بعامة ينطبق على أشكال ه التعبريية املختلفة‪ ،‬وكل ما يقال عن العالقة بني الفنان واإلطار احلضاري‬
‫والتارخيي الذي يعيش فيه‪ ،‬وعن التزامه مبوقف أو بفكرة أو بعقيدة ميكن إذاً أن يُقال عن الشاعر‪ ،‬إال أن‬
‫هناك من يعادي ذلك وخيرج الشاعر من دائرته كسارتر الذي يؤمن بااللتزام إال أنه خيرج الشعر من دائرته‪،‬‬
‫وترتكن فكرته يف ذلك إىل فهمه لطبيعة التعبري الشعري وعملية اإلبداع فيه‪ ،‬وإىل نوعية تعامل الشاعر مع‬
‫الكلمة واألشياء‪ ،‬فاإل نسان يستطيع أن يعرب عن أفكاره نثراً‪ ،‬حيث ميكن إخضاع األلفاظ يف العبارة لنوع‬
‫من العالقة البيانية اليت يتمثلها العقل ويقررها‪ .‬أما يف الشعر فالقوة املتسلطة قوة "سحرية" تتغلغل فيما ينشأ‬
‫بني األلفاظ اليت تدل عليها من عالقة‪ ،‬فاالنفعال واهلوى هما مصدر كل قصيدة‪ ،‬لكنهما ال يعربان عن‬
‫نفسيهما فيها ‪ ،‬ومبا أن النثر موقفاً فكرياً‪ ،‬فإن االلتزام يكون ميدانه إذا كان االلتزام يعين اختاذ موقف‬
‫فكري ‪ ،‬أما الشعر فإنه ال ميثل موقفاً وبذلك ال يكون لاللتزام معنىً فيه‪ ،‬وهمهما كان القول يف ذلك وإن‬
‫كان من كاتب فرنسي كبري‪ ،‬فإنه الميكن استبعاد معنى االلتزام يف حدود فكرة التفاعل بني الشاعر‬
‫واإلطار احلضاري الذي يعيش فيه‪ ،‬فالشاعر فيما يبدع من شعر إمنا ينتمي إىل عاملنا مبا لديه من أفكار أو‬
‫مشاعر أو انفعال ألنه البد أن تتسرب إليه األفكار‪ ،‬والبد أن يشعر أو ينفعل‪ ،‬وهو عندما يدخل عامل الشعر‬
‫ال يطرح من نفسه كل أفكاره ومشاعره بل يدخل إليه حممالً بها‪ ،‬فالشاعر يصب عامل "الال تآلف" اخلارجي‬
‫يف أكثر أطر التعبري حتقيقاً للتآلف‪ ،‬فالقصيد إذاً هي اإلطار الذي نلتقي مجيعاً عنده لكي يوحد من اهتمامنا‬
‫ولكي خيلق بيننا وبني الشاعر تآلفاً أولياً‪ ،‬وإذا كان هدف الشاعر البعيد هو حتقيق التآلف بينه وبني احلياة‪،‬‬
‫فإنه إمنا يعرب بذلك عن اهلدف الذي تسعى اجلماعة نفسها إليه‪ ،‬وال يتحقق التآلف بني اجلماعة واحلياة إال من‬
‫خالل املوقف أو العقيدة املشرتكة‪ ،‬وال يتحقق التآلف بني الشاعر واجلماعة إال من خالل استيعابه هلذه‬
‫العقيدة‪ ،‬فالتزام الشاعر مبوقف فكري ال يضري الشعر ذاته يف شيء‪ ،‬أو يناقض طبيعته‪ ،‬بل يضمن له الفعالية‬
‫واألهمية‪ ،‬ومما سبق يتضح لنا موقف الشعر إمجاال من فكرة االلتزام‪ ،‬ويبدو أن موقف الشعر العربي املعاصر‬
‫هو نفس املوقف العام إال أن هناك مسألة البد من تذكرها وهي مسألة اإلطار احلضاري الذي تتشكل خالله‬
‫األفكار والعقائد‪ ،‬واإلطار احلضاري املعنى جيمع ثالثة أطر متوازية ومتفاعله هي‪ :‬اإلطار الفكري واإلطار‬
‫االجتماعي واإلطار السياسي‪ ،‬ويف هذا اإلطار تظهر لنا بعض املواقف وهي‪:‬‬
‫موقف املواجهة الذاتية‪:‬‬
‫هو موقف يدل على تنبه الوعي لدى الشاعر بأن له رسالة يف احلياة يؤديها وأن عمله جزء فعال يف بنية هذه‬
‫احلياة وليس جمرد زينة تضاف إليها‪ ،‬ومن ثم كانت رحالت الشعراء يف أغوار الذات بغية التعرف عليها‬
‫وكشف طاقاتها احليوية‪ ،‬وقد برز يف الشعر من خالل هذا املوقف منوذج السندباد‪.‬‬
‫موقف الغربة‪:‬‬
‫وهو موقف ينطوي حتته كثري من املفاهيم‪ ،‬ولكننا ومن خالل التجارب الذاتية اليت عرب عنها الشعراء‬
‫املعاصرون يف قصائدهم نستطيع أن نتفهم الدالالت الفكرية اليت حددت أبعاد هذا املوقف‪ ،‬وقد عثر الشعر‬
‫على منوذج هذه املعاناة جمسماً يف شخصية "سيزيف"‪ ،‬لكن هذه الغربة أو تلك املعاناة تبدو أحياناً مشوبة بنوع‬
‫من التمرد على الواقع‪ ،‬وال تزال للغربة وجوه تعيش بها‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫موقف الفروسية‪:‬‬
‫الفروسية يف جوهرها موقف أخالقي‪ ،‬وليس السالح الذي يُحمل إال وسيلة لتحقيق الوجه العملي هلذا املوقف‪،‬‬
‫فالشاعر يدرك ذلك ويدرك أن جمتمعه يواجه معركة مصريية‪ ،‬وأن بيده سالحاً من أخطر األسلحة أال وهو‬
‫الكلمة (الشعر)‪ ،‬لذلك ساهم الشاعر بهذا السالح يف املعركة املصريية جملتمعه‪ ،‬فهو يكافح بالكلمة‪،‬‬
‫خارجياً وداخلي ًا يف سعيه لتأصيل بناء من القيم ال ميكن أن ينهض البناء املادي إال على أساس منها‪.‬‬
‫موقف التمرد‪:‬‬
‫للمتمرد ثالثة وجوه عرفها الشعر العربي املعاصر هي‪ :‬التمرد امليتافيزيق‪ ،‬التمرد الرافض‪ ،‬التمرد الثوري‪.‬‬
‫فالتمرد امليتافيزيقي من شأنه أن يباعد بني اإلنسان وأي فكرة جمتمعية ألنه يتوجه بصفة أساسية إىل الكليات‬
‫املنفصلة عن كل واقع تارخيي‪ ،‬والتمرد على الواقع يتضمن رفضه‪.‬‬
‫موقف الصوفية امللتزمة‪:‬‬
‫إنه املوقف الذي يزاوج فيه الشاعر بني الفن وااللتزام‪ ،‬هو موقف الصوفية امللتزمة إذ أنه حماولة لوضع الشعر‬
‫يف موضعه احلقيقي بالنسبة لقضاي ا اجملتمع‪ ،‬حيث يتعانق الفن والعقيدة ويلتحمان يف بنية موحدة‪ ،‬إن الصوفية‬
‫امللتزمة متثل وضع الشعر بوصفه فناً يف موضعه الصحيح من احلياة‪ ،‬وتكفل له أن حيقق رسالته فيها مبنطقه‬
‫اخلاص‪ ،‬ال مبنطق اخلطابة ولغة الشعار‪ ،‬اليت رمبا كان النثر أنسب هلا‪.‬‬

‫جدل التجديد ــ الشعر السعودي يف نصف قرن‬


‫سعد البازعي‬

‫اشتدت نزعة التجديد يف اخلمسينات من منتصف القرن املاضي نتيجة االنفتاح‪ ،‬فظهرت نتيجة ذلك تيارات‬
‫متثلت بتيارين هما التيار الرومانسي والتيار الرمزي‪ ،‬واملقصود بالتجديد هو التحديث "احلداثة"‪ ،‬وقد أثار‬
‫التحديث جدالً واسعاً‪.‬‬
‫وقد أسف ر التجديد عن نفسه يف املواقف املعلنة‪ ،‬ويف بعض األحيان كان الشعراء هم النقاد يف تعبريهم على‬
‫املستويني النقدي والشعري‪ ،‬وما من شك أن التجديد يف بيئة حمافظة كان أشد صعوبة مما هو يف بيئات عربية‬
‫أخرى‪ ،‬لذلك نشأت معركة بني التجديد واحملافظة يف اململكة العربية السعودية‪ ،‬ومن الشواهد على ذلك ما‬
‫نشر يف الثمانينات امليالدية من هجوم على احلداثة تاله ردود على ما نُشر‪.‬‬
‫القسم األول‪ :‬إضاءات أولية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬معامل املشهد الشعري‪:‬‬
‫لقد كان املشهد الشعري يف اململكة العربي السعودية جزء من املشهد الشعري يف الوطن العربي‬
‫معامل تارخيية‪:‬‬
‫لقد تأثرت جوانب احلياة كافة يف مجيع املناطق بوضع اللبنات األوىل للكيان اجلديد اململكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬فاحلديث عن جوانب ثقافية أو اجتماعية أو غريها يف هذا الكيان إمنا هو حديث عن األجزاء‬

‫‪20‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫األخرى من اجلزيرة‪ ،‬فليس مثة فصل بني تلك األجزاء خاصة على املستوى الثقايف الذي منه اجلانب األدبي‪،‬‬
‫فاحلركة األدبية يف اململكة هي حركة متداخلة يؤثر بعضها يف بعض‪ ،‬فهناك قدر من التجانس بني أجزاء‬
‫اململكة العربية السعودية على مجيع األصعدة‪ ،‬دون إغفال التفاوت الذي تفرضه أحياناً مسات احلياة‬
‫االجتماعية أو الظروف التارخيية أو غريها من العوامل‪ ،‬فقد تقاربت احلجاز وجند وعسري واملنطقة الشرقية من‬
‫بعضها حني توحدت الراية السعودية على ما بينها من التفاوت‪ ،‬فاالتصال بني جند واحلجاز وصل حداً مل يُعهد‬
‫يف تارخيهما‪ ،‬مما ترك أثره الواضح على احلياه جبوانبها املختلفة‪ ،‬واإلشارة إىل جند واحلجاز إمنا هو على‬
‫سبيل املثال‪ ،‬فاألجزاء األخر من اململكة تأثرت هي أيضاً مبؤثرات مشابهة‪ ،‬إال أن عناصر هذه اإلملاحة‬
‫التارخيية تالشت اليوم وتضاءل تأثريها تضاؤالً بيناً يف تشكيل احلياة الثقافية املعاصر بعد تقارب املسافات‬
‫وتداخل العناصر وانتشار التطور احلضاري‪.‬‬
‫معامل ثقافية‪:‬‬
‫يف بواكري النهضة األدبية يف اململكة العربية السعودية كانت هناك التفاتتان بارزتان‪ ،‬التفاتة حنو الرتاث‬
‫ما ميكن استعادته‪ ،‬والتفاته حنو اآلخر مبا ميثله من تطور واختالف‪ ،‬ومل تكن‬ ‫الستعادة‬
‫أي من تلك اإللتفاتتني اختيارية وإمنا كانتا حتميتني إما لضرورات احلفاظ أو لضرورات االتصال بالعامل القادم‬
‫ال حمال ة‪ ،‬ومع أن املوروث هنا هو موروث العربية الفصحى‪ ،‬فإن موروثاً آخر هو موروث العامية مل يكن غائباً‬
‫رغم ضآلة دوره‪ ،‬فاملوروث الشعيب حاضر ومؤثر يف ثقافة املنطقة‪ ،‬ويف نهضة الشعر كان البد أن حيضر هذا‬
‫املوروث ألن لغة التخاطب به‪.‬‬
‫أما بالنسبة للعالقة باآلخر‪ ،‬واملقصود به الغربي بالدرجة األوىل‪ ،‬فإنه كان طبيعياً أيضاً أن ختتلف تلك العالقة‬
‫عن اليت جند يف البيئات العربية األخرى‪ ،‬وذلك لسببني‪ :‬األول‪ :‬أنها عالقة ظلت حتفها مشاعر احلذر والرتدد‪،‬‬
‫والثاني‪ :‬أنها عالقة ثانوية غالباً إذ مل يكن مبقدور الشعراء يف اململكة االتصال مباشرة لالطالع على ثقافة‬
‫اآلخر وقراءة منتجه الشعري‪ ،‬وقد كان اجلو الثقايف يف النصف األول من القرن العشرين ال يُشجع كثرياً على‬
‫االنفتاح على اآلخر حتى البيئة احلجازية األكثر انفتاحاً مل تكن ترى من العامل كما كانت ترا مصر‬
‫والشام‪ ،‬إضافة إىل أن شبه اجلزيرة كانت شبه مغلقة فهي مل تتعرض لالستعمار‪ ،‬كما أن األقليات الدينية‬
‫كانت غائبة فيها‪ ،‬كل ذلك كان البد أن يرتك أثره على النتاج الثقايف اإلبداعي من أدب وشعر وغريه‪ ،‬فكان‬
‫أن جاءت النهضة متأخرة إمجاالً‪ ،‬وأنها حني جاءت كانت يف الغالب أصداء ملا كان حيدث يف البيئات العربية‬
‫األسبق إىل التغري والتجديد‪ ،‬ومع ذلك فإن تلك العالقة املتأخرة نسبياً مل حتل دون متيز الصوت الشعري لدى‬
‫املتميزين من الشعراء‪.‬‬
‫معامل منهجية‪:‬‬
‫يتأسس منهج التحليل على الوعي بأهمية البعد الثقايف "اجلمالي"‪ ،‬والبعد التارخيي يف اكتناه الظواهر األدبية‪،‬‬
‫حيث يتضمن البعد األول النظر إىل األدب بوصفه منتجاً ثقافياً باملستويني الرئيسيني للثقافة الفكري والشعيب‪،‬‬
‫ويتضمن هذا البعد أيضاً اجلوانب اجلمالية املتوزعة على الثقافة مبستوياتها املختلفة‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫ثانياً‪ :‬مكونات التجربة الشعرية‪:‬‬


‫لقد كانت إحدى املعضالت اليت واجهها الشاعر يف بواكري النهضة األدبية يف اململكة هي أنه مثقفاً يف حميط‬
‫اجتماعي وثقايف تُهيمن عليه األمية ويغلب عليه التفكري التقليدي‪ ،‬فقد عاش الشعراء يف أرجاء اجلزيرة تلك‬
‫الغربة بأشكال خمتلفة عربوا عنها عرب مواهبهم وجتاربهم املختلفة‪ ،‬وجند ذلك واضحاً عند بن عثيمني وعند‬
‫أمحد قنديل يف قصيدته "الفراشة والشاعر"‪ ،‬وقد كان جزء كبري من غربة الشاعرين وغريهما من مثقفي‬
‫البالد عندئذ جاءت بسبب هيمنة العامية وانتشار نتاجها األدبي‪ ،‬حيث كانت العامية وما تزال مؤشراً على‬
‫حالة األمية اليت ظلت تسود اجلزيرة لفرتة طويلة من الزمن‪ ،‬ومع األمية سادت بطبيعة احلال حالة من اجلهل‬
‫والغربة عن موروث الفصحى‪ ،‬بيد أن سواد األمية مل حيل أن تقوم يف وسط اجلزيرة حركة تنويرية سعت‬
‫الستعادة اإلسالم كما كان يف عهده صلى اهلل عليه وسلم وعهد اخللفاء الراشدين‪ ،‬وقد كان التأثري الثقايف‬
‫البارز لتلك احلركة هو يف دعم القصيدة الفصيحة مقابل القصيدة النبطية‪ ،‬ومع أهمية هذا التأثري إال أن األثر‬
‫الثقايف العام ظل حمدودا وظلت العامية تشكل التيار الرئيس للثقافة احمللية ليس يف جند وحدها وإمنا يف‬
‫كافة اجلزيرة العربية‪ ،‬إال أن تراث الفصحى الذي ظل حياً يف بعض مراكز العلم عاد يزدهر مع نهوض البالد‬
‫نهضة عامة‪ ،‬ويعد الشعر األكثر تأثراً بهذه التطورات واألكثر مقاومة يف الوقت نفسه‪ ،‬مما أدى إىل انقسام‬
‫الرتاث األدبي الشعري إىل قسمني واضحني قسمٌ فصيح وآخر شعيب‪ ،‬مع وجود بعض اجلسور بني هذين‬
‫القسمني‪ ،‬ولقد كان من بني الشعراء الذين تداخل لديهم اخلطابان أو القسمان ولو بشكل حمدود الشاعر‬
‫حسني سرحان‪ ،‬وما يلفت النظر أن شاعراً مثل سرحان بهذا متوغل يف املوروث الفصيح والعامي‪ ،‬أن يكون له‬
‫ذلك االتصال باألدب اآلخر فهو شاعر رومانتيكي كما يقال عنه‪ ،‬فالنزعة الرومانسية يف شعره تذكرنا‬
‫بسمة بارزة أخرى للتجربة الشعرية يف اململكة‪ ،‬وهي مسة املثاقفة مع التجارب األخرى سواء كانت عربية أم‬
‫أجنبية‪ ،‬فالشاعر يف اجلزيرة العربية ليس إال سوى جزء من حركة الشعر العربي اليت انفتحت على التجارب‬
‫العاملية مع مطالع النهضة العربية احلديثة‪ ،‬فبدخول ما يسمى باخلطاب التثاقفي‪ ،‬أو اخلطاب العاملي‪ ،‬يكتسب‬
‫الشعر السعودي مسة بارزة أخرى تربطه بالتجربة الشعرية العربية من ناحية‪ ،‬وبالتجارب الشعرية العاملية‬
‫املختلفة ‪ ،‬ومن هنا جاءت مراحل يف الشعر السعودي ــ الرومانسية‪ ،‬الرمزية‪ ،‬احلداثة ــ مل تكن ختطر على بال‬
‫بعض املشاركني يف مرحلة التأسيس‪ ،‬ولتدخل بذلك أمناط شعرية جديدة مثل‪ :‬شعر التفعيلة‪ ،‬وقصيدة النثر‬
‫مما مل يكن األوائل ليعدوه شعراً‪ ،‬ويف اخلمسينات والستينات امليالدية بدأت تلك التطورات بالظهور لدى‬
‫شعراء مثل‪ :‬ناصر أبو حيمد‪ ،‬وحسن القرشي‪ ،‬وسعد البواردي‪ ،‬وعدنان السيد العوامي‪ ،‬وحممد سعيد‬
‫اجلشي‪ ،‬وثريا قابل‪ ،‬وحممد هاشم رشيد‪ ،‬وغريهم‪ ،‬وقد كان من تلك التطورات توظيف لغة شعرية بعيدة‬
‫عن قيم اجلزالة والقوة اليت شاعت عند اجليل السابق‪ ،‬وطرح قضايا أكثر قرباً من مشكالت اإلنسان املعاصر‬
‫بفرديته وحزنه الذاتي وقربه من الطبيعة العذراء‪ ،‬بيد أن تلك الفرتة حفلت أيضاً مبا خيرج عن كثري من املألوف‬
‫الشعري من حيث الشكل واللغة‪ ،‬وذلك يتمثل عند حممد العامر الرميح يف قصيدته "نداء احلياة"‪.‬‬
‫ولقد كان التوجه حنو شعر التفعيلة يف اخلمسينات والستينات مرتدداً‪ ،‬حيث جنده قوياً لدى بعض الشعراء‬
‫ضعيفاً لدى البعض اآلخر‪ ،‬كما ظهرت االزدواجية عند بعض الشعراء يف هذه املرحلة مثل أبو حيمد وحممد‬
‫الرميح حيث جند ازدواجية شعرية تصبو إىل االختالف ومعانقة التجارب اجلديدة‪ ،‬لكنها تظل مرتبطة مبوروث‬
‫‪22‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫يصعب التخلي عنه‪ ،‬ولقد ظل البقاء يف ظل املوروث اإليقاعي إىل جانب االتكاء على املوروث الشعيب‪ ،‬مسة‬
‫لكثري من التجارب الشعرية حتى ما كان منها موغالً يف احلداثة والثورة على القديم‪ ،‬ويف مرحلة الحقة وهي‬
‫مرحلة الثمانينيات ‪ ،‬ال نلبث أن نالحظ أنه حتى هذا النمط من التعامل مع املوروث ما يلبث أن خيتفي حتت‬
‫وطأة جتربة مغايرة هي جتربة قصيدة النثر‪ ،‬اليت تؤدي إىل التخلي متاماً عن اإليقاع التفعيلي دون أية مهادنة‬
‫احنيازاً إىل إيقاع خمتلف ورؤية شعرية تتطلب لغة واسرتاتيجيات تعبريية أكثر تناسباً مع مرحلة جديدة‪ ،.‬واألدب‬
‫األكثر مباشرة لقصيدة النثر مل يكن السياق احمللي وإمنا كان السياق العربي بروافده العاملية الغربية حتديداً‬
‫الذي تفاعل معه الشعراء‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬آفاق التجديد‬
‫الفصل األول‪ :‬رومانسيون ورمزيون‪( :‬القرشي‪ ،‬أبو حيمد‪ ،‬املسلم)‬
‫التجديد كما يقال هو الوجه اآلخر للتقليد‪ ،‬فال وجود ألحدهما دون اآلخر‪ ،‬غري أنه من املفارقة العجيبة إصرار‬
‫العناصر التقليدية‪ ،‬اليت كانت جتديداً ذات يوم على البقاء ومقاومة التجديد‪ ،‬فاملشهد الثقايف الذي شهدته‬
‫اململكة يف عقد اخلمسينات والستينات وصوالً إل أواسط السبعينات ميثل تلك االشتباكات‪ ،‬فبقدر ما كانت‬
‫هناك مساعٍ لإلطاحة بالتقليدي القديم‪ ،‬كانت هناك مساعٍ أخرى إلجياد املساحات املشرتكة‪ ،‬فقد شعر عدد‬
‫من الشعرا ء يف تلك املرحلة باحلاجة املاسة الستيعاب متغريات احلياة الثقافية من حوهلم‪ ،‬يف البالد العربية ويف‬
‫األفق العاملي‪ ،‬فبدلوا األشكال واألساليب وغريوا من املوضوعات والتطلعات‪ ،‬لتدخل احلياة الثقافية تيارات‬
‫جديدة مل تكن معروفة‪ ،‬فجاء شعراء مثل‪ :‬حسن القرشي‪ ،‬وناصر أبو حيمد‪ ،‬ومحد سعيد املسلم‪ ،‬وحممد‬
‫العامر الرميح‪ ،‬وحممد الفهد العيسى‪ ،‬وطاهر زخمشري‪ ،‬وحممد حسن فقي‪ ،‬وعدنان السيد العوامي‪ ،‬وحممد‬
‫علي السنوسي‪ ،‬وغريهم بعناصر مل يكن يعرفها الشعراء واملتلقون يف العقود اليت سبقت‪ ،‬انتظم معظمها تيارا‬
‫الرومنسية والرمزية‪ ،‬ومع هذين التيارين مبا محاله من تغيري عميق جاء تغيري آخر يف العالقة بالثقافات األخرى‬
‫خارج العامل العربي‪ ،‬حيث كان الغرب حتديداً هو احملرك الرئيس حلركات التجديد اإلبداعية يف الثقافة‬
‫العربية عموماً يف العصر احلديث‪.‬‬
‫فالقصيدة قد تضيف جوانب حقيقية يف اآلخر أو ثقافته‪ ،‬لكن ذلك ليس هو املهم‪ ،‬إمنا املهم هو كيف تتصل‬
‫تلك اجلوانب برؤية الشاعر وبالبيئة اليت يتحدث منها وإليها‪ ،‬فاالتصال باآلخر والتعبري عن موقف إزاءه البد له‬
‫أن يرتك اثراً على املتصل أو الكاتب حبيث ينشأ من ذلك تداخل قد يعده البعض "تلوثاً" بينما يراه البعض‬
‫"امتزاجا إبداعياً" لكنه يف كل احلاالت تغري مهم يكسر حدة الثنائية الظاهرة‪.‬‬
‫‪ . 1‬حسن القرشي‪:‬‬
‫لقد دافع حسن القرشي يف بداية ديوانه "سوزان" عن الشعر‪ ،‬غري أن مسألة ال تقل أهمية يف الدفاع عن الشعر‬
‫تبدت يف عنصر التجدد ومسايرة العصر‪ .‬فقد أكد القرشي أن الشعر العربي احلديث يتجدد ويساير روح‬
‫العصر‪ ،‬وأنه قادر على تلبية احتياجات اإلنسان املتجددة‪ ،‬فموقفه واضح من ذلك‪ ،‬مع أن القرشي مل يفصح‬
‫عن أي جتديد فهو يتحدث يف أوائل الستينات‪ ،‬فاألرجح أن قصده ظهور شعر التفعيلة يف العراق ومصر‪ ،‬إن‬
‫القرشي يعد من الرعيل الثاني من الشعراء السعوديني الذين استمدوا من أقرانهم العرب أمناطاً من اخلطاب‬
‫مل تكن مألوفة لدى معظم أبناء اجليل الذي سبقهم‪ ،‬وقد متثلت تلك األمناط يف املقام األول باجتاهني رئيسيني‬
‫‪23‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫يف الشعر العربي احلديث هما الرومانسية والرمزية‪ .‬ومن املعلوم أن الرومانسية اجتاه أو تيار أوروبي نشأ يف‬
‫أواخر القرن الثامن ع شر وتعرفت عليه الثقافة العربية عرب عدد من الكتاب واملرتمجني إبان النهضة العربية‬
‫احلديثة السيما من خالل مدرسيت الديوان وأبوللو‪ ،‬ومن خالل عدد من الكتاب واملرتمجني اللبنانيني وبشكل‬
‫خاص شعراء املهجر وكتابه‪ ،‬وكان أهم ما اهتم به الكتاب العرب يف االجتاه الرومانسي إعالءه من شأن‬
‫النفس اإلنسانية‪ ،‬من ناحية أخرى كان االجتاه الرمزي الذي عرفته أوروبا يف فرتة تالية لتطور الرومانسية‬
‫ينطلق من ذات االجتاه النفسي لكن يفرتق عن ذلك االجتاه يف أنه حيول الطبيعة أو املشاهد اليت تتلقاها‬
‫احلواس إىل رموز‪ ،‬ومن هنا كان التعرف على املذه ب الرمزي يف العامل العربي وتبنيه‪ ،‬والشعراء السعوديون‬
‫مل خيرجوا عن تلك األطر اليت ارتسمت من خالهلا عالقة الشعر العربي املعاصر باملذاهب أو االجتاهات األدبية‬
‫األوروبية سواء كانت الرومانسية أم الرمزية أم غريها‪.‬‬
‫ويف شعر حسن القرشي جند مزجياً من االجتاهني‪ ،‬مع أن القرشي ممن عرفوا حبفظ الكثري من الشعر العربي‬
‫القديم واحلديث على النحو الذي أكد أوالً انتماءه للموروث العربي ومل حيل يف الوقت نفسه عن تفاعله مع‬
‫التطورات اليت حتيطه‪ ،‬غري أنه يضل يف املقام األول شاعراً وجدانياً‪ ،‬فبعض دواوينه تشري من عناوينها إىل‬
‫امتزاج الوجد اني "الرومانسي" بالرمزي‪ ،‬فهو وإن استقى معامل الرومانسية من مدرسيت أبوللو والديوان وتقنيات‬
‫الرمز من شعر اللبنانيني‪ ،‬فإن نظرته إىل التجديد كانت غالب ًا ما تقف به عند احلياد أو التحفظ على بعض‬
‫التطورات اليت تصل الساحة الشعرية‪ ،‬فهو إىل التسامح أقرب منه إىل التحمس‪ ،‬وهو وإن كان ال يرى بأساً يف‬
‫تنوع أساليب التعبري الفين‪ ،‬فإنه يضع يف الوقت نفسه شروطاً لذلك التنوع‪ ،‬فتلك اللغة اليت تلقى بها مؤشرات‬
‫عهد شعري جديد تشري بنفسها إىل أنه ما يزال من مواطين العهد السابق‪ ،‬فالشعر لديه يظل مسكوناً بقيم‬
‫املراحل السابقة‪ ،‬فالتفاصيل ا ملتعلقة بالشكل الشعري اجلديد‪ ،‬واليت اتضحت للقرشي جاءت لتؤكد متابعة‬
‫الشاعر السعودي حلركة الشعر العربي واهتمامه مبا حيدث حوله وتفاعله معه‪ ،‬ولقد كان القرشي بال شك‬
‫شاعراً خارجاً عن املألوف فعباراته مثل‪" :‬النغم األزرق" و "حبرية العطش" مل تكن من مألوف التعبري السائد يف‬
‫الشعر السعودي‪ ،‬ويرى الناقد السعودي عبداهلل املعيقل أن حسن القرشي ال جيد نفسه يف التعبري عن القلق‬
‫واليأس‪ ،‬فهو شاعر متفائل وحمب للحياة‪.‬‬
‫‪ . 2‬ناصر أبو حيمد‪:‬‬
‫يعترب ناصر أبو حيمد شاعراً ارتبط امسه بالقلق مثلما ارتبط بالتجديد يف املشهد الشعري السعودي إبان‬
‫ال ستينات‪ ،‬ويعترب من أكثر الشعراء السعوديني محاسة للتجديد‪ ،‬فهو من أوائل الشعراء الذي تبنوا الشكل‬
‫النثري يف الكتابة الشعرية‪ ،‬فالقصيدة لديه ال تعتمد التكثيف من حيث اللغة والصور وال تنحو باجتاه اليومي‬
‫واملهمش‪ ،‬وهاتان مستان رئيسيتان يف قصيدة النثر نلمس ذلك يف قصيدة "قلق"‪ ،‬فالعزلة والقلق اللذان‬
‫تؤكدهما القصيدة مثلما أكدتهما قصيدة القرشي "جمايلة"‪ ،‬يُستمدان فيما يبدو من عزلة املثقف حني يكون‬
‫فناناً مفرط احلساسية‪ ،‬ويف قصيدة "يارب" نرى احتجاجاً ومترد مصدره اخللل االجتماعي واالقتصادي‬
‫احمليط‪ ،‬ويف قصائد أخرى ألبي حيمد يتحو ل االجتماعي إىل احتجاج وجودي‪ ،‬ففي قصيدة "اللي" يتكرر‬
‫الوضع األساسي يف قصيدة "قلق"‪ ،‬إنسان ضائع أو عابر يبحث عن مأوى يف مكان خيلو مما يبحث عنه ذلك‬
‫اإلنسان‪ ،‬كما نقف يف القصيدة عند جانب آخر وهو أن اسم الفتاه أجنيب‪ ،‬وداللته تتصل بتجربة الشاعر‬
‫‪24‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫واتصاله املبكر با لثقافات األخرى‪ ،‬وهناك قصيدة أخرى ألبي محيد حتمل البعد األجنيب وهي "مونيك"‪،‬‬
‫وقصائد أبي حيمد ليست على وجهة واحدة سواء أكان ذلك على املستوى الشعوري أو الفكري أم على املستوى‬
‫الشكلي‪.‬‬
‫‪ . 3‬حممد سعيد املسلم‪:‬‬
‫تظهر يف شعر حممد سعيد املسلم نزعة تأملية رومانسية يف احلياة واملوت ودالالت اآلثام والرباءة وما إليها‪ ،‬وقد‬
‫صدر للمسلم من األعمال الشعرية "شفق األحالم" و "عندما تشرق الشمس"‪ ،‬ومع أن املسلم مل يسر باجتاه‬
‫الشكل التفعيلي املعروف بالشعر احلر إال يف قصائد حمدودة‪ ،‬فإنه يف جممل أعماله خرج عن النظام التقليدي‬
‫لبناء القصيدة حني نوع يف القوايف ويف ترتيب األبيات حبيث يرتاوح عددها وإيقاعها‪ ،‬وكأنه يف ذلك يؤكد‬
‫تفاعله مع وجوه أخرى من وجوه التطور اليت اعرتت الشعر العربي يف اخلمسينات والستينات‪ ،‬ال سيما لدى‬
‫الشعراء الرومانسيني‪ ،‬وقد شكل املوت هاجساً أساسياً يف كثري من قصائد املسلم كما يف قصيدة "بعد‬
‫املوت"‪ ،‬من ناحية أخرى يبدي املسلم اهتماماً باألسطورة كما يف قصيدة "األنسان األول" اليت تعكس رؤية‬
‫الشاعر للوجود اإلنساني مقتدياً فيها بأبي العالء املعري وإيليا أبو ماضي‪ ،‬وعلى رغم شطحات املسلم الفلسفية‬
‫واألسطورية‪ ،‬إال أنه يعود يف نصوص أخرى ليلتقي مع غريه من الشعراء السعوديني وغريهم يف اهلموم القومية‬
‫كما يف قصيدته "احلروف اخلضراء"‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬جدلية الذات واآلخر‪:‬‬
‫أ‪ -‬الرميح‪ ،‬العيسى‪:‬‬
‫يف أعمال حممد العامر الرميح وحممد فهد العيسى جند حضوراً بارزاً للغربي‬
‫حممد الرميح يف متحف التجديد‪:‬‬ ‫‪. 1‬‬
‫الشاعر الرميح من مواليد املدينة لعائلة تنتمي ملنطقة القصيم‪ ،‬وقد كان لنشأته يف املدينة اليت متوج بأجناس‬
‫خمتلفة تأثرياً على انفتاحه الذهين املبكر على تيارات ثقافية مل يكن من السهل أن يعرفها‪ ،‬وقد تبلورت‬
‫شخصية الرميح الثقافية الشعرية يف لبنان‪ ،‬حيث تعرف يف بريوت على الكتاب اللبنانيني وغريهم‪ ،‬أما معرفة‬
‫الرميح بالشعر األوروبي فقد جاءت من تفاعله مع رمزية "بودلري ورامبو"‪ ،‬إن الرميح مل يكن شاعراً فحسب‪،‬‬
‫وإمنا ذا موهبة نقدية فاحصة‪ ،‬فاملقدمة اليت تتصدر جمموعة الرميح أُستلت من كتاب نقدي له بعنوان "قراءات‬
‫معاصرة"‪ ،‬فهو يؤكد أن الشعر العربي القديم شعر مغلق‪ ،‬وما نسميه بالشعر احلر هو الشعر املنفتح الصاعد‪،‬‬
‫ففي ديوان جدران الصمت ‪،‬جند أنفسنا إزاء جتربة شعرية يسندها موقف نقدي يدل على وعي الشاعر وقصده‬
‫على حنو بات شائعاً يف التجارب الشعرية العربية‪ ،‬ويف أراء الرميح يتبني أن اهلم الرئيس هو الدفاع عن التجديد‬
‫الشعري بوصفه موازياً للتجديد يف احلياة اليومية‪ ،‬أما معيار التجديد فهو معيار رومانسي يعطي املشاعر‬
‫الداخلية أو األحاسيس الكامنة يف النص القيمة العليا‪ ،‬ومن التجديد كما يرى الرميح أن يطرق الشاعر‬
‫موضوعات غري مألوفة يف الشعر العربي‪ ،‬موضوعات تتسق مع اجلدة اليت تبنتها احلياة العربية‪ ،‬من هنا كتب‬
‫الرميح قصيدة "يف متحف موريس أوتريللو"‪ ،‬اليت حرص فيها على إبراز بعده الثقايف‪ ،‬وكأن الرميح من هذه‬
‫القصيدة ومن غريها يقول‪ :‬إن ما نصفه باآلخر قريب مين يف تعبريه عن مشاعري ومواقفي‪ ،‬وبهذا يكون‬
‫الرميح مؤصالً لقيم ثقافية‪ ،‬وليس جمرد شاعر يعرب عن رؤية ذاتية أو مشكلة شخصية‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫حممد فهد العيسى‪ :‬ليديا واآلخر الديين‪:‬‬ ‫‪. 2‬‬


‫كان لبنان كما نستشف من جتربة الرميح مكاناً بارزاً لالنفتاح على اآلخر يف التجربة الشعرية السعودية‬
‫خالل اخلمسينات والستينات‪ ،‬ويف جتربة الرميح جند اآلخر متمثالً يف اختالف ثقايف واضح لكنه يف جتربة‬
‫العيسى اختذ مسات أقل وضوحاً‪ ،‬وأكثر التباساً‪.‬‬
‫لقد صدرت جمموعة العيسى "ليديا" سنة ‪ ، 1963‬وهي عبارة عن قصيدة واحدة بالعنوان نفسه خياطب الشاعر‬
‫فيها فتاة بذلك االسم‪ .‬فتبدو "ليديا" من تلك الفتيات اللواتي يكتض بهن الشعر الرومانسي يف ثقافات خمتلفة‪،‬‬
‫الفتاه احللم الطاهرة املتعالية اليت جندها يف الشعر اإلجنليزي شيلي ويف الشعر األملاني هولدرين والفرنسي‬
‫المارتني‪ ،‬فإىل جانب خطايا املدينة وطهارة ليديا يشري الشاعر إىل أزمته الفكرية املتمثلة بشكوكه العقدية‬
‫اليت تذكرنا بشكوك املعري‪ ،‬فقصيدة "ليديا" قصيدة عشق تنطلق من املرأة إىل مالمح االختالف الثقايف‬
‫كما عند أبو حيمد يف "اللي" والرميح يف "أوتريللو"‪ ،‬علماً أن العيسى خيتلف يف تأكيده على جوانب من ذلك‬
‫االختالف تعد األكثر خالفية‪ ،‬ألنها متس اجلوانب الدينية ذات احلساسية اخلاصة‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬جدلية الذات واآلخر‪:‬‬
‫ب‪ -‬القصييب‪ ،‬احلميدين‪ ،‬الدميين‪ ،‬السبع‪:‬‬
‫‪ . 1‬القصييب وغوايات اآلخر‪:‬‬
‫إن القضية اليت نتتبعها هنا هي قضية اآلخر‪ ،‬ولعل القصييب يكون من أكثر الشعراء السعوديني تفاعالً مع‬
‫اآلخر‪ ،‬ولقد نشر القصييب العديد من القصائد اليت تتناول الغرب وعالقته بالعرب واملسلمني عموماً وبالده‬
‫خصوصاً من زوايا خمتلفة‪ ،‬كما يعد القصييب أحد أبرز شعراء املدينة واملدنية ‪ ،‬سواء يف الشعر السعودي أو‬
‫اخلليجي املعاصر‪ ،‬ولرمبا كان من أكثر الذين كتبوا عن املدن يف الشعر العربي احلديث‪ ،‬وله قصيدتان‬
‫األوىل بعنوان "لوس أجنلس" والثانية بعنوان "كريستينا" ففي األوىل يرسم الشاعر الصورة الكئيبة للمدينة‬
‫األمريكية‪ ،‬فلوس أجنلس هنا تأخذ الشكل املألوف للفتاة احلسناء الشديدة اإلغواء مبا تضم من أشكال‬
‫اجلمال املغري باخلطيئة‪ ،‬وضحية اإلغواء هو الشاعر نفسه‪ ،‬وهذا االشتباك بني الشاعر واملدينة األمريكية‬
‫ميثل الوجه األبرز ألزمة ثقافية يعيش ها الشاعر‪ ،‬فهو يتمزق بني إغراء احلياة يف مدينة غربية مفتوحة ورفض‬
‫للقيم ‪ ،‬وبني ثقافة مقابلة تتعفف عن ذلك وترى مجال احلياء والرتابط االجتماعي لكنها تقيد احلرية‪ ،‬ومع أن‬
‫الشاعر ال يشري إىل تربمه بالثقافة اليت ينتمي إليها إال أن يف خطابه الشعري ما يشري لذلك‪ ،‬أما يف قصيدة‬
‫"كريستينا" فنحن إزاء قصيدة حمتدمة باحلركة والعواطف املتقدة‪ ،‬ويف كريستينا تتمثل لوس أجنلس بكل‬
‫ما فيها من مغريات‪ ،‬والواقع أن لوس أجنلس كما هي لندن يف قصيدة أخرى تتمثل ليس املدينة فحسب وإمنا‬
‫احلضارة الغربية اليت تطور املدينة من رمحها إضافة إىل البيئة الغربية اليت عاش فيها الشاعر فرتة من الوقت‪،‬‬
‫ورفضه لبعض وجوهها‪ ،‬والفرق بني لندن ولوس أجنلس كالفرق بني مدينة فيها ما يغري‪ ،‬وأخرى ختلو من‬
‫اإلغراء كما أنا جند الفرق كذلك بني شاعر يف العشرينات أو الثالثينات وآخر يف الستينات‪ ،‬فالفرق هو فرق‬
‫بني رؤيتني تفصلهما جتربة طويلة وخربة فنية ومسافات من النضج الشعوري والفين‪ ،‬فالعالقة بالغرب يف مرحلة‬
‫اخلمسينات والستينات ختتلف عن غريها يف التسعينات من القرن العشرين‪ ،‬إن ما يلفت النظر يف املرحلة‬
‫الالحقة من مراحل الشعر يف اململكة هو تواري االفتتان باآلخر الذي شهدناه لدى شعراء اخلمسينات‬
‫‪26‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫والستينات‪ ،‬فاآلخر يظل موجوداً لكنه أكثر خفوتاً‪ ،‬حيث ابتداءً من السبعينات يزداد االنشغال بالذات‬
‫وبإشكالية النمو والتغري الثقايف‪.‬‬
‫‪ . 2‬سعد احلميدين‪:‬‬
‫يف إحدى قصائد سعد احلميدين "ضحاها الذي" جند السياق السياسي الذي يساعد على فهم التحول الذي‬
‫شهده الشعر السعودي يف املوقف جتاه اآلخر ‪ ،‬ويف قصيدة أخرى من نفس الديوان جند إشارة مزدوجة أسطورة‬
‫سيزيف والرئيس األمريكي لنكولن‪.‬‬
‫لقد كان احلميدين من رواد احلداثة إال أن مدخله إليها جاء يف املقام األول من خالل تبين أشكال ولغة شعرية‬
‫جديدة وظفها ودافع عنها‪ ،‬فما حدث لدى احلميدين هو ما حدث جليل السبعينات والثمانينيات أي االجتاه إىل‬
‫الثقافة احمللية واستكشاف أبعاد الذات وخصوصيتها الثقافية واالجتماعية مع الوقوف عند بعض املشكالت‬
‫أو التحديات اليت تواجهها‪ .‬ففي شعر احلميدين كما يف شعر الصيخان والثبييت وعلي الدميين وغريهم‪ ،‬تتخذ‬
‫البيئة احمللية أبعاداً غري مسبوقة وترتكز الرؤية‪ ،‬بل يتطور املعجم الشعري اتكاءً على جغرافية املكان والثقافة‬
‫معاً‪.‬‬
‫‪ . 3‬حممد الدميين‪:‬‬
‫لقد رسم الدميين غربة الشاعر يف املدينة العمالقة واملوحشة يف قصيدته "كتابة نهارية عن ليل نيويورك"‪،‬‬
‫وهذا املوقف إزاء نيويورك وامريكا بشكل عام هو ما جند لدى شعراء عرب مثل أدونيس وسعدي يوسف بل‬
‫إنه ما عرب عنه غري شاعر غربي من غري األمريكيني‪ ،‬وما جنده لدى حممد الدميين ال يستعيد بريوت أو البصرة‬
‫لكنه يستعيد اجلزيرة العربية من خالل صحرائها‪ ،‬ومن خالل مفردات وعبارات مثل‪" :‬اإلبل" و "اخلزامى" و‬
‫"حر الو غى‪ ،‬والواضح أن جتربة الدميين هو أن مثة أمريكيتني يواجههما إحداهما القوة السياسية واالقتصادية‬
‫املهيمنة والعدائية اليت تلمح إليها القصيدة‪.‬‬
‫‪ . 4‬حسن السبع‪:‬‬
‫إن جتربة حسن السبع ال خترج يف جوهرها عن هذه الثنائية أو االزدواجية يف النظر إىل اآلخر الغربي‪ ،‬ففي‬
‫جمموعة قص ائد نشرت بعنوان "حمطة الفالمنكو األخرية" جند تواصل من الشاعر مع جانب آخر مغاير من‬
‫الغرب‪ ،‬هو اجلانب األندلسي أو أسبانيا العربية‪ ،‬فاحلنني إىل األندلس يصدر هنا مثلما يصدر غريه يف الشعر‬
‫العربي نتيجة بعد الشاعر عن تلك البالد وحنينه إىل ما متثله من ماض متألق لكنه يكتسب بعداً آخر‬
‫باستحضار الغرب املعاصر‪ ،‬لقد أراد إبراز املأساة األندلسية بتصويب التهمة ملن يعترب املسؤول عن غياب األندلس‬
‫واندثار وجهها العربي‪ .‬ويف هذا توظيف للغرب بوصفه عدواً‪ ،‬أو إبراز للجانب العدائي من الغرب‪ ،‬فنحن إذاً‬
‫إزاء لون من ألوان التمثيل لآلخر يتسم ببعد املسافة بني الذات املخاطبة وموضوع التمثيل وهو الغرب‪ .‬وواضح أن‬
‫هذا التمثيل بعيد عن التمثيل املعجب الذي وج دناه عند الرميح أو أبو حيمد‪ ،‬فهو متثيل يلبس شخصية الغرب‬
‫ثياب الضدية‪ ،‬مبا يتضمنه ذلك من إبعاد للتهمة عن الذات‪.‬‬
‫إن االزدواجية اليت حتكم رؤية الشعراء الثالثة‪ ،‬القصييب والدميين والسبع‪ ،‬تؤكد أن اآلخر مل يتحول إىل‬
‫جمرد عدو يف الرؤية الشعرية والثقافية لدى أولئك الشعراء‪ ،‬أي مل يفقد متاماً صورته اإلجيابية اليت تربز لدى‬
‫الرميح ومن قبله أبوحيمد‪ ،‬لكنها تصبح صورة أكثر تركيبية وادهاشاً مبقدار ما تعس الوضع األكثر تعقيداً‬
‫‪27‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫الذي واجهته الثقافة العربية إزاء حضارة حتمل مسات الصداقة والعداء معاً‪ ،‬وهي من ثم حماولة للتواؤم مع‬
‫ذلك الوضع الصعب والذي يزداد صعوبة نتيجة التأثري اهلائل الذي ميارسه الغرب على ثقافات العامل ومنها‬
‫الثقافة العربية‪.‬‬
‫القسم الثالث‬
‫استكشاف الذات‪ :‬السبعينات والثمانينات‪:‬‬
‫الفصل أألول‪ :‬حداثة التفعيلة (أ)‪:‬‬
‫حممد العلي‪ ،‬سعد احلميدين‪ ،‬أمحد الصاحل‪:‬‬
‫مع نهاية الستينات وبداية السبعينات امليالدية كان املشهد الشعري يف اململكة يتحول باجتاهات بعيدة عن‬
‫بعض القضايا اليت شغلت شعراء اخلمسينات والستينات ومنها قضية اآلخر‪ ،‬فالتحول هذه املرة كان إىل‬
‫الداخل‪ ،‬إىل الذات بكل محولتها الرمزية‪ ،‬اإلنسان‪ ،‬الفرد‪ ،‬الوطن‪ ،‬احمليط االجتماعي‪ ،‬التاريخ العربي‬
‫واإلسالمي‪ ،‬اإلشكاليات السياسية واالقتصادية والثقافية وما إليها‪ .‬لقد اكتسب البعد احمللي األهمية‬
‫والرتكيز لدى شعراء املرحلة اجلديدة من مثل‪ :‬حممد العلي‪ ،‬سعد احلميدين‪ ،‬فوزية أبو خالد‪ ،‬عبداهلل‬
‫الصيخان‪ ،‬حممد الثبييت‪ ،‬عبداهلل الزيد‪ ،‬حممد جرب احلربي‪،‬خدجية العمري‪ ،‬حسن السبع‪ ،‬ثريا العريض‬
‫و أشجان اهلندي‪ ،‬جاسم الصحيح‪ ،‬وغريهم‪ ،‬فالعلي وهو األكرب سناً كان منذ مرحلة مبكرة نسبياً متبنياً‬
‫حلركة احلداثة الشعرية املتصلة مبا يعرف بالشكل التفعيلي‪ ،‬أو "الشعر احلر"‪ ،‬ففي شعره جند اهتماماً يفوق‬
‫ما جند لدى القصييب بالقيم الفنية اليت اتصلت باحلداثة الشعرية مثل الصورة املكثفة واإلحياء والرمز‪،‬‬
‫واملتغريات التارخيية ال تؤثر على مستوى اإلبداع لكنها تؤثر على القيم الفنية وعلى القضايا اليت تشكل هموم‬
‫املبدعني وطموحاتهم‪ ،‬وهناك ثالثة من األحداث الكبرية تركت دون شك أثرها الفاعل على كل مناحي‬
‫احلياة‪ ،‬ومنها رؤية حرب ‪ 73 ،67‬على املستوى السياسي‪ ،‬والطفرة االقتصادية الناجتة عن ارتفاع سعر النفط‬
‫يف أواسط السبعينات على املستوى االقتصادي‪ ،‬وما يعنينا هنا هو األثر الثقايف اإلبداعي لتلك التطورات أو‬
‫املتغريات‪ ،‬ويف هذا السياق ميكن اإلشارة إىل نوعني من األثر‪ :‬أوالً األثر املباشر املتمثل باستيعاب الشعراء‬
‫لألحداث وتفاعلهم معها‪ ،‬أي حتول األحداث إىل موضوعات شعرية ومؤثرات وجدانية ونفسية‪ ،‬ثانياً‪ :‬األثر غري‬
‫املباشر واملقصود به األثر الثقايف التفاعلي الذي جاء نتيجة ارتفاع معدل االتصال بعدد من املثقفني واملبدعني‬
‫العرب بشكل عام والفلسطينيني بشكل خاص‪ ،‬من الذين وفدوا إىل اململكة جراء التطورات السياسية‬
‫واالقتصادية‪ ،‬حيث أسهموا بأعماهلم اإلبداعية من ناحية‪ ،‬وبرؤاهم النقدية من ناحية أخرى‪ ،‬األمر الذي أسهم‬
‫يف تقويم احلركة الشعرية املتنامية يف عدد من مدن اململكة‪ ،‬وهذان األثران سنتوقف عندهما بشيء من‬
‫التفصيل‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬التفاعل العربي‪:‬‬
‫إن العالقة باملثقفني العرب مل تكن أمراً طارئاً على احلياة الثقافية يف اململكة‪ ،‬حيث كانت االتصاالت مع‬
‫خمتلف األقطار العربية عل املستوى الثقايف قائمة مل تنقطع‪ ،‬ولكن ما طرأ هو ارتفاع معدل التفاعل كماً‬
‫وكيفاً مع كتاب ومثقفني جاءوا للملكة ليصبحوا جزءاً من احلركة الثقافية أخذاً وعطاءً‪ ،‬وكان من أولئك‬

‫‪28‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫من ترك بصمة عميقة يف التجربة الشعرية والنقدية السعودية‪ ،‬مثل‪ :‬حممد الشنطي‪ ،‬وشاكر النابلسي‪،‬‬
‫والشاعر الفلسطيين فواز عيد‪ ،‬وبكري الشيخ أمني‪ ،‬حسن ظاظا‪ ،‬ونذير العظمة وغريهم‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬استكشاف الذات‪:‬‬
‫‪ . 1‬حممد اعلي‪:‬‬
‫يعترب العلي شاعر خليجي بامتياز‪ ،‬فعلى مستوى التقنية الشعرية كان العلي سباقاً إىل تبين األشكال‬
‫الشعرية اجلديدة ‪ ،‬فعلى الرغم من بدايته بداية تقليدية يف أوائل الستينات‪ ،‬فإن ذلك العقد ما يكاد ينتصف‬
‫حتى جنده يسارع إىل الشكل التفعيلي وجيعله الشكل الرئيس والوحيد لنتاجه الشعري‪ ،‬فقصيدته "العيد‬
‫واخلليج" متثل تلك االنعطافة الفنية وحتمل يف طياتها انشغال العلي املتواصل بقضايا املنطقة وهموم أهلها‪،‬‬
‫وفيما يتعلق بالتكثيف الداللي يالحظ على قصائد العلي احلضور املتواتر للخليج وشحنه بدالالت تلتقي‬
‫مع بعض ما ورثه العلي من الشعر العريب القريب والبعيد مكاناً وزماناً‪ ،‬ويف قصيدة لعلها األشهر يف‬
‫قصائده وهي‪" :‬ال ماء يف املاء" يعلن العلي أنه غري معين بالثروة اليت تتدفق من اخلليج واليت يرمز إليها‬
‫بالآللئ‪ ،‬فهو يريد اخلليج مباءه حلم مثقل باملاضي اجلميل وباحتماالت حاضر مجيل أيضاً‪ ،‬إن القصيدة‬
‫احلديثة عند شاعر كالعلي ظهرت يف مرحلة سابقة على ظهور كثري من القصائد املنتسبة إىل حركة‬
‫التجديد يف الستينات‪.‬‬
‫‪ . 2‬سعد احلميدين‪:‬‬
‫إىل جانب جتربة العلي يف كتابة شعر التفعيلة يف النصف الثاني من عقد الستينات‪ ،‬تقف جتربة أخرى‬
‫هلا أهميتها التارخيية والفنية‪ .‬تلك هي جتربة سعد احلميدين‪ ،‬فقد كان له فضل السبق يف نشر أول‬
‫جمموعة ــ رسوم على احلائط ــ ينتظمها هذا الشكل اجلديد آنذاك‪ ،‬وقد محلت جمموعة احلميدين بني‬
‫النفس الرومانسي للخمسينات والستينات ونفس جديد يتسم بالواقعية املمزوجة بالرموز واإلحاالت‬
‫األسطورية التارخيية‪ ،‬وجند قصائد أخرى من رسوم على احلائط تأخذ احلداثة الشعرية مسلكاً مغايراً‬
‫من حيث الرؤية والشكل معاً‪ ،‬فنجد الشكل القصصي يف بعض القصائد‪ ،‬مثلما جند النقد لبعض‬
‫املعتقدات ضمن إطار اجتماعي وواقعية نقدية‪ ،‬ومن القصائد اليت توجه اجملموعة بوضوح قصيدة بعنوان‬
‫املدينة املرتهلة‪.‬‬
‫‪ . 3‬أمحد الصاحل "مسافر"‪:‬‬
‫التصور الذي جنده لدى الشاعر امحد الصاحل ال يتفق متاماً مع اإلحياءات البعيدة لصورة‬
‫الشاعر‪/‬االسفنجي ة الذي يراه زميله احلميدين‪ .‬إن الصاحل ال جيعل املأساة مأساة شعراء بل هي مأساة جيل‬
‫منهم الشعراء وغري الشعراء‪ ،‬يظل الصاحل عاشقاً رومانسياً للمرأة اجلميلة والوطن اجلميل‪ ،‬فقدرة الشاعر‬
‫على امتصاص قضايا الوطن تقف عند حدود ما هو مجيل ومهم باملعنى املتعارف عليه‪ .‬إن هناك عالقة‬
‫محيمة بني الشاعر الصاحل ووطنه‪ ،‬غري أن الصاحل استطاع ضمن املعجم والشكل الرومانسي أن يغين‬
‫للوطن واملرأة قصائد غري قليل من مجاليات الرومانسية على ما أصابها من إنهاك‪ ،‬وقصيدة "الشنفرى يدخل‬
‫القرية ليالً" خري مثالٍ على ذلك‪ ،‬فالصاحل يطرح إشكالية املثقف من خالل شخصية الشنفرى‪ ،‬فالشنفرى‬

‫‪29‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫لدى الصاحل شاعر يعيش هموم أمته وحيزنه ما آلت إليه‪ ،‬ولقد كان الصاحل حريص على عدم اخلروج‬
‫عن البحور اخلليلية على الرغم من تبنيه للشكل التفعيلي‪.‬‬
‫من هنا نتبني أن الشعراء الذين توقفنا عندهم يف هذا الفصل‪ ،‬حممد العلي‪ ،‬وسعد احلميدين‪ ،‬وأمحد‬
‫الصاحل‪ ،‬استطاعوا على ما بينهم من تفاوت‪ ،‬أن يؤصلوا يف املشهد الشعري السعودي هاجس التجديد‪،‬‬
‫وأن يتقنوا توظيف الشكل التفعيلي املستجد على املشهد عندئذٍ‪ ،‬غري أن التجديد الذي تبنوه جاء يف سياق‬
‫غنائي رومانسي غالباً‪ ،‬إذا استثنينا بعض اللفتات الواقعية لدى احلميدين‪ .‬ويف كل احلاالت كانت‬
‫السبعينات والثمانينات اليت شاركوا يف صياغة خطابها الشعري مرحلة بالغة احليوية بقدر ما كانت مثرية‬
‫للجدل وممهدة ملا سيتلوها‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬حداثة التفعيلة (ب)‪:‬‬
‫الصيخان‪ ،‬الثبييت‪ ،‬الدميين‪ ،‬أشجان اهلندي‪:‬‬
‫القراءة يف الفصل السابق تعطي انطباعاً أن الشعراء كانوا مشغولني بالشعوب والثقافات األخرى واختاذ‬
‫املواقف إزاءها‪ ،‬وهذا غري صحيح‪ ،‬ونرى يف شعرهم ثنائية الصحراء واملدينة‪ ،‬إال أن ثقافة الصحراء ليست‬
‫نتاج أناس كانوا يسكنون الصحراء‪ ،‬وإمنا هي نتاج إبداعي لدى كُتاب ينتظمهم التطور احلضاري‬
‫بوصفهم أبناء مدن وق رى لكنهم يف كثري من أعماهلم يستمدون هويتهم مما يعدونه املخزون احلقيقي‬
‫واألكثر ثراءً لتلك اهلوية‪ .‬فاجلزيرة اليت كان البد أن تنفتح على العامل وعلى حنو منظم ومتطور منذ‬
‫تأسيس الدولة السعودية الثالثة جعلت مثقفيها وجهاً لوجه أمام السؤال املركزي؛ سؤال اهلوية‪ ،‬وعلى الرغم‬
‫من تعدد اإلجابات كما رأينا سابقاً‪ ،‬فإن اإلجابة ظلت أكثر بروز إن مل تكن األكثر هيمنة‪ ،‬تلك كانت‬
‫إجابة الصحراء‪ ،‬فمنذ السبعينات والقصيدة تلو القصيدة تدعو إىل العودة إىل العشرية والقبيلة‪ ،‬من خالل‬
‫الصور اليت تستعيد الرباري والرمال واجلبال‪ ،‬إضافة إىل اإلشارة إىل البدوي والقافلة والبعري والعطش‬
‫والسرى‪ ،‬وبالطبع فإن الذين رمسوا الفضاء الشعري لتلك الصحراء مل يكونوا جيهلون أنهم إمنا يرمسون‬
‫صوراً ال ختلو من التخيل واحللم‪ ،‬فهم يستعيدون صورة حتمل كثري من الرومانسية يف هروبها مما حييط‬
‫بهم‪.‬‬
‫عبداهلل الصيخان‪ :‬تقاسيم الوطن‪:‬‬ ‫‪. 1‬‬
‫لقد رسم الصيخان مأساة طفل يف إحدى قصائده يف الشارع بني الصحف لينتهي به املطاف بني عجالت‬
‫سيارة أحد املارة‪ ،‬وهو هنا يصور مأساة وط ن بأكمله‪ ،‬وذلك كثري يف قصائده‪ ،‬وهي مقابلة لقصيدة‬
‫حجازي "مقتل صيب" اليت تربز احلياة املدنية وقسوتها‪ ،‬أما قصيدة الصيخان فتربز فيها رموز الريف والرباري‬
‫أكثر من غريها رغم السياق املدني للموت فيها‪ ،‬فاملدينة عند الصيخان شرسة لكنها هشة من حيث‬
‫ميكن استدعاء فضاء القرية‪.‬‬
‫حممد الثبييت‪ :‬معامل الصحراء‪:‬‬ ‫‪. 2‬‬
‫إن اللجوء إىل الصحراء جزء من السعي املتأجج بتلك اهلوية العربية‪ ،‬ففي شعر املرحلة اليت نتأملها ــ‬
‫السبعينات والثمانينات ــ تشيع هذه القضية للتحول إىل قضية مركزية‪ .‬ففي شعر حممد الثبييت تتمحور‬
‫الرؤية الشعرية حول هموم الذات الوطنية والقومية‪ ،‬ويف قصيدة "صفحة من أوراق بدوي" يعلن الثبييت انتماءً‬
‫‪30‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫مدهشاً على املستوى احلضاري‪ ،‬انتماء الميكن وصفه بغري أنه انسحاب بل رفض ملكونات احلضارة‬
‫املعاصرة وأبرز مظاهرها‪ ،‬ويف فرتة الحقة حتل لدى الثبييت لغة وصور أكثر تركيبية وغموض يهيمن‬
‫عليها الشكل التفعيلي‪ ،‬إال أن مسألة االنتماء تظل حاضرة وبقوة‪ ،‬ومن القصائد املهمة للثبييت قصيدة‬
‫"التضاريس" وفيها جند ال توظيف املكثف لألسطورة‪ ،‬كما تعترب قصيدته "تغريبة القوافل واملطر" إحدى‬
‫القصائد املميزة يف شعر الثمانينات ‪ ،‬ويكمن ذلك يف مستوى التصوير الشعري ومدى تالحم النص‪ ،‬ويف‬
‫القصيدة إعادة توظيف حلكاية الرحلة القبلية حبثاً عن املاء والكأل‪.‬‬
‫لقد كان حممد الثبييت شاعراً مسكو ن بالصحراء وحتى عندما حتضر املدينة فإنها حتضر على حنو‬
‫صحراوي‪.‬‬
‫علي الدميين‪ :‬أزمة التمدن‪:‬‬ ‫‪. 3‬‬
‫تكتسب املدينة يف قصائد علي الدميين حضوراً ال ميكن جتاهله ولكن حضورها يتضاءل إذا ما قيس‬
‫حبضور الرباري واألرياف؛ الوطن مبفهومه الالمدني‪ ،‬وقد كانت اجملموعة األوىل للدميين "رياح املواقع"‬
‫تفيض حبضور الفضاءات املفتوحة للوطن‪ ،‬ففي قصيدته األوىل يطالعنا الوطن أرضاً سهلة منبسطة‪،‬‬
‫تشكل التجربة الشخصية‪ ،‬أو السرية الذاتية لدى الدميين كما هي عند الصيخان والثبييت حموراً رئيساً‬
‫من حماور الرؤية الشعرية وصياغاتها املختلفة‪ ،‬إال أن الشاعر وهو يواجه واقعه مبا يتضمنه من ضياع للهوية‬
‫وتنكر لآلخرين جيد ملجأه باستعادة الرموز اليت تؤكد اهلوية‪ ،‬واملدينة متثل لدى الدميين حضوراً مهماً‬
‫ففي قصيدة موغلة يف التمدن مثل‪" :‬تدوينات" أو "يف أسبوع املرور" يكشف الشاعر عن قدرته على ختفيف‬
‫لغة الصحراء وحنينها الرومانسي انشغاالً بهموم املدن ‪ ،‬ومع تكريس عامل املدينة يف شعر الدميين إال أن‬
‫ذلك ال يؤدي إىل غياب األجواء املقابلة متاماً‪ ،‬بل إنها تظل حاضرة وبقوة‪ ،‬فإن عدد من القصائد من جمموعة‬
‫"بأجنحتها تدق أجراس النافذة" اليت صدرت بعد جمموعة "رياح املواقع" بعشرة أعوام تؤصل لتجربة شعرية‬
‫خمتلفة لدى الدميين‪.‬‬
‫أشجان اهلندي‪:‬‬ ‫‪. 4‬‬
‫إن اجلمع بني شعرية التفعيلة وشعرية النثر هو ما جنده لدى أشجان اهلندي‪ ،‬ففي جمموعتيها "حروب األهلة"‬
‫و "وللحلم رائحة املطر" تقدم أشجان رؤية شعرية ذات طابع غنائي ميتزج فيها البعد اإلنساني العام بالبعد‬
‫العاطفي اخلا ص‪ ،‬رؤية تتجمع يف بؤرة اإلشكالية األنثوية؛ إشكالية املرأة عل املستويني العاطفي‬
‫واالجتماعي‪ ،‬ولكنها يف جمموعة ثالثة "مطر بنكهة الليمون" تنحاز إىل النثرية يف جمموعة من القصائد‬
‫اليت حتكي جتربة مغايرة ملا كانت تتناوله يف قصائدها األوىل‪ .‬ففي قصائد التفعيلة نكتشف قدرة فريدة‬
‫لدى الشاعرة على إقامة جسور نصية مدهشة مع الشعر العربي القديم‪ ،‬من خالل اسرتجاعات تراثية تبني‬
‫عن لون من التناص املقصود وغري املقصود أحياناً‪ ،‬ومن القصائد اليت تسرتعي االنتباه يف هذا اجملال‬
‫القصيدة اليت حتمل عنوان اجملموعة األوىل "للحلم رائحة املطر"‪ ،‬فمثل هذه القصيدة وغريها جندها مزجياً‬
‫من احلزن والغضب ملا تلقاه األنثى أمام قسوة جمتمع أبوي حيرمها من مشاعر بسيطة وأساسية‪ ،‬حتقق‬
‫تفردها وحرية قرارها‪ ،‬أما يف قصيدة "الفصل" فتدخل أشجان هندي أفقاً شعرياً مغايراً لألفق املكتنز‬
‫بالرتاث وباملعاناة األنثوية‪ .‬فهنا تنتقل الرؤية الشعرية إىل فضاء اليومي والعام وتفاصيل احلياة اليت ظلت يف‬
‫‪31‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫تاريخ الشعر أقرب إىل اهلامشي‪ .‬وهي بقصيدة كهذه تذكر بقدرتها على الدخول يف املعرتك املختلف من‬
‫خالل قصيدة قريبة من النثر محلتها جمموعتها األخرية "مطر بنكهة الليمون"‪ .‬إنها قصائد قريبة من النثر‬
‫تشاطر قصيدة النثر احتفاءها باليومي واملهمش‪ ،‬لكنها ال تشاطرها األوزان عن اإليقاع التفعيلي‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬قصيدة النثر الطريق اآلخر إىل الشعر‪:‬‬
‫فوزية أبو خالد‪ ،‬حممد الدميين‪ ،‬إبراهيم احلسني‪ ،‬أمحد املال‪:‬‬
‫إبان التسعينات من القرن املاضي تطور املشهد الشعري احمللي باجتاه الكتابة النثرية‪ ،‬على أساس تبلور‬
‫حني ظهر ما عرف بقصيدة النثر‪ ،‬حيث انتشر ذلك الشكل وكاد يصبح الشكل الرئيس لدى النخبة من‬
‫الشعراء والقراء‪ ،‬فقصيدة النثر اليت كُتبت يف اخلمسينات ما لبثت أن توارت لتعود من جديد بشروط‬
‫خمتلفة وحبضور أكثر انتشاراً‪ ،‬هذا على الرغم من املعارضة اليت لقيتها‪ ،‬غري أن االعرتاض على الشكل‬
‫اجلديد مل حيل دون انتشاره‪ ،‬فالشعراء يف اململكة ويف اخلليج كانوا على اتصال بالشعراء العرب الذين‬
‫تبنوا ذلك الشكل على مدى أربعة عقود‪ ،‬حيث تربطهم قواسم تتجاوز السمات الشكلية إىل اهلموم‬
‫املوضوعية أو القض ايا املتناولة‪ ،‬فما حدث يف الثمانينات أحدث طفرة شعرية بكل املعايري محلت اللغة‬
‫والرؤية إىل آفاق غري مسبوقة حملياً سواء كان ذلك من حيث جدة القضايا املتناولة ويف طليعتها هيمنة‬
‫احلياة املدنية‪ ،‬أو من حيث السمات الشكلية اليت كان منها‪ :‬االعتماد على التكثيف اجملازي والرتاكيب‬
‫اللغوية غري املألوفة‪ ،‬ولعل من نافلة القول أن نضيف أن تطور قصيدة النثر كان ايذاناً واضحاً بانفتاح احلياة‬
‫الثقافية واألدبية بشكل عام على احلياة الثقافية يف العامل عموماً ويف الوطن العربي بشكل خاص‪ ،‬فمع‬
‫شعراء قصيدة النثر بات من املألوف أن جيد القاريء إشارات إىل بودلري ورامبو ولوركا‪ ،‬مثلما جيد صالت‬
‫واضحة ومعلنة بأدونيس ودرويش وانسي احلاج‪ ،‬على أن هذا االنفتاح مل يؤدي إىل تواري الصوت اخلاص‬
‫بالشاعر وباالنتماء البيئي‪.‬‬
‫فوزية أبو خالد‪:‬‬ ‫‪. 1‬‬
‫أصدرت فوزية أبو خالد أربعاً من اجملموعات الشعرية اليت تتسم مجيعاً باالحنياز للنثرية‪ ،‬وقد استمرت‬
‫تكتب الشعر بعيداً عن اإليقاع اخلليلي املعروف‪ ،‬على تفاوت يف الناحية التقنية والقضايا املطروحة‪ ،‬فهي‬
‫من الناحية التقنية تبتعد عن اخلطاب املباشر‪ ،‬أما على مستوى القضايا فمن املالحظ تغليب اهلم اإلنساني‬
‫الفردي على اهلم العام‪ ،‬فاجملموعتني األوليني هلا تقرتبان من بعضهما يف توجهاتهما املوضوعية‪ ،‬وقد كان‬
‫الشكل النثري يف تلك املرحلة املبكرة من جتربة الشاعرة كسر لألعراف والتقاليد الثقافية وكأن‬
‫الشكل جزء من حركة التمرد‪ ،‬غري أنه ومن املالحظ أن الشاعرة وهي تتبنى النثرية حتاول أال تبتعد‬
‫كثرياً يف جماه لها يف تلك املرحلة‪ ،‬فهي مثالً تسعى إىل احلفاظ على القافية يف بعض أجزاء النص‪ ،‬وإن‬
‫كانت القافية يف نهاية املطاف غري قادرة على االحتفاظ باإليقاع الشعري النظمي‪ ،‬ويف عام ‪ 1995‬جند‬
‫الشاعرة خترج بتجربة مغايرة يف جمموعتها "ماء السراب" فهي ال تتخلى فيها متاماً عن همها الوطين لكنها‬
‫تضع إىل جانبه هموماً إنسانية وفردية أخرى‪ ،‬لكن الالفت على مستوى التجربة الفنية هو تطور قصيدة‬
‫النثر لدى فوزية أبو خالد باجتاه التكثيف اجملازي وإرهاف التصوير عرب لغة تعتمد اإلجياز واإلملاح‪ ،‬غري‬
‫انه من الالفت حرص الشاعرة على الربط بني جتاربها يف هذه املرحلة وجتربتها األوىل‪ ،‬كما أن الصحراء‬
‫‪32‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫تشكل بؤرة شعرية كربى يف قصائد فوزية أبو خالد كما يف "قصيدة املاء"‪ ،‬فالقصيدة مسكونة بهم‬
‫الصحراء واالنتماء إىل ذلك الكيان البيئي الضخم‪ ،‬الذي يعد مصدر إهلام للشاعرة‪ .‬عن مسؤولية الكتابة‬
‫واهلم الثقايف مرتكز رئيس يف شعر فوزية أبو خالد‪ ،‬ويف جمموعتها "شجن اجلماد" يتضح تطور التجربة‬
‫عندها على خمتلف املستويات‪ ،‬لكنه أظهر على املستوى اإلنساني حني متد الشاعرة همها الشعري ألشياء‬
‫البسيطة لتستنطق ما يف اجلمادات من حياة‪ ،‬لتتعداه إىل ما يف اجلماد من شجن ليجد القاريء الكثري من‬
‫الشجن الشعري املتناثر على شيئة األشياء‪.‬‬
‫حممد الدميين‪:‬‬ ‫‪. 2‬‬
‫يعترب الدميين من املقلني يف اإلنتاج الشعري مقارنة مع غريه‪ ،‬إال أن قلة اإلنتاج ال عالقة هلا باجلودة‪ ،‬فالدميين‬
‫من شعراء قصيدة النثر املعدودين يف اململكة ‪ ،‬فمجموعتاه حتمالن رؤية شعرية متميزة وإتقاناً يف األداء‬
‫يوازي الرؤية‪ ،‬ففي جمموعته األوىل جند نصوصاً مفعلة وعمودية منها قصيدة "كتابة نهارية عن ليل‬
‫نيويورك"‪ ،‬غري أن أهمية اجملموعة تأتي يف قصائدها النثرية‪ ،‬فالدميين أحد الذين رسخوا قصيدة النثر يف‬
‫بعدها احلديث‪ ،‬ومن هنا ميكن القول بأن اجملموعة األوىل متثل مرحلة انتقالية متتزج فيها بدايات تقليدية‬
‫ومساعي اخلروج إىل حداثة نثرية أكثر انضباطاً‪ ،‬فمن القصائد اليت حتمل مسات قصيدة النثر احلديثة‬
‫يف تلك اجملموعة األوىل قصيدة "حتت هذا الغبار"‪ ،‬حيث تتناغم هذه القصيدة مع عنوان اجملموعة يف‬
‫صورها الكئيبة ونظرتها القانطة إىل العامل‪ ،‬ويف القصيدة يوظف الشاعر عالمات الرتقيم على حنو يؤكد‬
‫شخصية النثر وانتظام اجلملة ضمن إيقاع الكالم اليومي‪ ،‬إىل جانب ذلك السمات املتصلة باخلطاب‬
‫الشعري واملتعلقة باملسائل اليت ينشغل بها الشاعر وهي تظهر من خالل نوعني من القضايا‪ :‬األوىل املتصلة‬
‫باإلنسان العادي وواقعه اليومي‪ ،‬والثانية تتصل بواقع الشاعر والشعر نفسه وما يتعلق بهما‪ ،‬أم يف جمموعته‬
‫الثانية "سنابل يف منحدر" فتتضح املسافة اليت اجتازها الشاعر للوصول إىل قدر أكثر نضجاً يف الرؤية‬
‫الشعرية واتقان توصيلها‪ .‬ففي جممل القصائد مستوى رفيع من األداء الشعري الذي ينقل قراءات مرهفة‬
‫للواقع اإلنساني وإلشكالية التعبري الشعري نفسها كما يعرب عنوان القصيد األوىل يف اجملموعة واليت‬
‫بعنوان "مالك احلسرة" ‪ ،‬واليت فيها كما يف قصائد أخرى للمجموعة عامل يبابي مرتع باآلثام ويسكنه‬
‫أحياء كأنهم موتى‪.‬‬
‫إبراهيم احلسني‪:‬‬ ‫‪. 3‬‬
‫يف قصيدة بعنوان "رغاء" ي رسم إبراهيم احلسن صورة للصبح الطالع يتضح فيما بعد أنها صورة حيوان لن‬
‫ينهض على قوائمه وحيداً ألنه صبح متهالك ممل‪ ،‬إنها صورة مستلة من عمق احلياة املدنية‪ ،‬حيث الرتابة‬
‫اليت جتعل ظاهرة مجيلة كالصبح عاجزاً عن إدخال البهجة إىل النفس اإلنسانية دون مقويات‪ ،‬غري أن‬
‫جم موعة إبراهيم احلسني ليست كلها طافحة باخليبة والكآبة‪ ،‬فثمة قصائد أخرى كثرية حتمل رؤى‬
‫مغايرة‪ ،‬كما يف قصيدة "املياه" اليت فيها تأمل فلسفي وشعري مؤثر لعالقة اإلنسان باملاء‪ ،‬ويف قصيدة‬
‫"انتباه" حيكي الشاعر عالقته مع تفاصيل احلياه اليت متأل الشارع‪ ،‬تلك التفاصيل املهمة توازي األحالم‬
‫العتيقة اليت حتتفي بها قصيدة أخرى‪ .‬إن هم اإلبداع أحد اهلموم الرئيسية يف قصيدة النثر‪ ،‬ولدى احلسني‬
‫الكثري من القصائد اليت تتمحور حول القصائد نفسها‪ :‬كيف جتيء؟ ومن أين جتيء؟ وماذا تفعل حني‬
‫‪33‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫جتيء؟ قصيدة بعنوان "البد" هي إحدى تلك اللفتات املدهشة إزاء هذه املسألة املؤرقة‪ ،‬إنها قصيدة مكونة‬
‫من أربعة أسطر ترسم الرحلة الطويلة والصعبة للوصول للقصيدة‪.‬‬
‫أمحد املال‪:‬‬ ‫‪. 4‬‬
‫يعترب املال من األصوات الشعرية اليت أثرت التجربة وهو ممن كتبوا كافة األشكال اإليقاعية املعروفة‬
‫األمر الذي جيعل اختياره للنثر اختيارا صادراً عن خربة وجتربة واضحة‪ ،‬صدر له جمموعات ثالث‪ ،‬له‬
‫قصيدة بعنوان "يف أقصى حلمه" اليت تنتصب النخلة يف مقدمتها إنها الصورة اليت يرمسها املال للنخلة‬
‫والفالح ‪ ،‬لكن هذا االنتصاب وتلك االستقامة ما تلبث أن تنكشف عن انكسار كامن‪ ،‬عن مأساة‬
‫متوقعة‪ ،‬ألن الشاعر مشغول بالكشف عن مأساة النخلة ثم عن مأساة الفالح الذي توحده بالنخلة دماؤه‬
‫اليت روتها‪ ،‬وحني نتتبع جمموعة املال جند للشجرة حضور متواتر فيها‪ ،‬ولعل لبيئة الشاعر اليت انتما إليها‬
‫دور يف ذلك‪ ،‬كما أن للشاعر نصوص أخرى تتقاطع مع العناء العاطفي دون أن تتصل به مباشرة من تلك‬
‫النصوص قصيدة "تغط يف العناق"‬

‫تاريخ النقد األدبي عند العرب‬


‫إحسان عباس‬

‫لقد كانت هناك اعتقادات تذهب إىل أن املوهبة الشعرية تستأثر بها ومتنحها قوة خارجية غري إنسانية‪ ،‬فذكر‬
‫اليونان يف أساطريهم أن هناك تسع «ربات» يلهمن الشعر وسائر الفنون‪ ،‬وقد اعتقدوا أن الربات التسع هن مثرة‬
‫زواج زيوس كبري األرباب بربة الذاكرة‪ ،‬وقد تناول افالطون قضية اإلهلام يف بعض حواراته‪ ،‬وخصص هلا‬
‫حوار إيود (‪ ) too‬وهو حوار قصر‪ ،‬يتجلى فيه االعتقاد بأن الشاعر‪ ،‬ملحميا كان أو غنائيا‪ ،‬متصل بقوة‬
‫مساوية (إهلية) تلهمه ما يقول‪ ،‬وقد اعتقد العرب قبل اإلسالم بأن الشاعر متصل بشيطان خاص يلهمه الشعر‪،‬‬
‫وقد عرفنا الشعراء الذين يصاحب كل شاعر منهم شيطان أو تابعه ‪ ،‬ومنهم األعشى ميمون بن قيس‪ ،‬وصاحبه‬
‫جهام جذع للهجني املذمم‬ ‫امسه « مسحل» وقد ذكره يف قوله ‪ :‬دعوت خليلي مسحالً ودعوا له‬
‫والشاعر الذي كان يقاوم األعشى ويقاوله هو عمرو بن قطن من بين سعد بن قيس بن ثعلبة‪ ،‬ويقال إن جهنم‬
‫تابعته (ويقال بل هو لقب لعمرو)‪ ،‬وقد حافظ هذا املعتقد على وجوده يف العصر األموي‪ ،‬ولعل الفرزدق أن‬
‫يكون من أكثر الشعراء ترديداً له‪ ،‬ويقال إن اسم شيطانه «عمرو»‪ .‬وجرير ينافس الفرزدق يف اعتقاده أن الذي‬
‫يلهمه هو ابليس فيقول‪:‬‬
‫من الشياطني إبليس األباليس‬ ‫إني ليلقي علي الشعر مكتهلٌ‬
‫وكان الفرزدق يقول‪ :‬شيطان جرير هو شيطاني إال أنه من فمي أخبث‪ ،‬ويشري شاعر يسميه اجلاحظ أعشي‬
‫سليم إىل أن شيطان املخبل كان من اقوى الشياطني‪.‬‬
‫ويذهب اجلاحظ ويردد الثعاليب أن الشعراء كانوا يعون أن الكل فحل شيطانا‪ .‬وقد ذكرنا أربعة من الشعراء‬
‫الذين اقرتنوا بشياطني‪ ،‬وهم األعشى الكبري وحسان بن ثابت واملخبل والفرزدق‪ ،‬وكلهم كانوا حسب ترتيب‬
‫‪34‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫ابن سالم فحوال‪ ،‬على أن اجلاحظ نفسه مل يتمسك بقوله السابق وهو الربط بني الشيطان والفحولة إذ جنده‬
‫يقول بعد قليل‪ :‬إن مع كل شاعر شيطانا‪ ،‬وهذا يعين أن كل شاعر حباجة إىل شيطان سواء أكان فحال أو‬
‫غري فحل‪ .‬ويبدو امليل إىل متييز شيطان‪ ،‬كل شاعر باسم معني يف فصل عقده صاحب مجهرة أشعار العرب‪،‬‬
‫وحني كان الشاعر األندلسي ابن شهيد يستذكر هذا املعتقد وحياول أن يستغله إلبراز تفوقه الشعري والنثري‬
‫بشهادة شياطني الفحول من الشعراء اجلاهليني واإلسالميني ومشاهري كتاب اإلسالم فكتب رسالة (التوابع‬
‫والزوابع) واحتفظ من دراسات ذلك املعتقد بأن شيطان كل شاعر حيمل امسا على النحو اآلتي‪:‬‬
‫شيطانه‬ ‫الشاعر‬
‫عتيبة بن نوفل‬ ‫امرؤ القيس‬
‫عنرت بن العجالن‬ ‫طرفة بن العبد‬
‫أبو اخلطار‬ ‫قيس بن اخلطيم‬
‫عتاب بن حبناء‬ ‫أبو متام‬
‫طوق بن مالك‬ ‫البحرتي‬
‫حسني الدنان‬ ‫أبو نواس‬
‫حارثة بن املغلس‬ ‫املتنيب‬
‫كذلك جعل ابن شهيد اجلن قبائل‪ ،‬كل قبيلة حتمل اسم قبيلة من األنس‪ ،‬وجعل لكل شيطان بيئة خاصة‬
‫متاثل البيئة اليت كان حيبها صاحبه يف ديار اآلدميني‪ ،‬ويبدو أن فكرة الشيطان امللهم قد احنسرت أوائل‬
‫القرن الرابع ومل تعد معتقداً‪ ،‬ولعلنا نقف هنا لتتساءل ملاذا اختار العرب لإلهلام شياطني بينما أختار اخليال‬
‫اليون اني عامل ربات عذارى خفرات؟ لنتذكر يف هذا الصدد أن اآلهلة الكبرية الشعر كانوا بنات أشهرهن‬
‫الالت والعزى ومناة وقد عرف العرب الكاهنات يف جمتمعهم اجلاهلي‪ ،‬ولكن يبدو أن لذلك أسباباً أخرى‬
‫تتعلق مبفهوم الشعر نفسه؛ فالشعر عند العرب ذو مفهوم دفاعي هجومي بالدرجة األوىل‪ ،‬إذ هو دفاع عن القبيلة‬
‫أو هجوم على أعدائها‪ ،‬فالشياطني إذن أقدر على رعاية فنون احلماسة من العذارى‪.‬‬
‫هل يتعارض معتقد االهلام وممارسات أخرى كان يؤمن بها العرب اجلاهليون (واإلسالميون) فيما يتصل بإبداع‬
‫الشعر بها ومن أمثلة هذه املمارسات‪:‬‬
‫(‪ )۱‬نظرية وراثة الشعر‪ ،‬وهي تتلخص يف أن الشعر يدور يف بيوت أو أسر بأعيانها كعائلة زهري بن أبي سلمى‪،‬‬
‫فكان أبوه شاعراً وكذلك ابناه كعب وجبري ومجاعة من أبنائهم؛ وكان خاله بشامة بن الغدير شاعراً‪،‬‬
‫ونظرية وراثة الشعر جتمع بني ثالثة أمور‪ :‬أثر العرق أو النسب وأثر البيئة وتلقي هبات الشعراء املاضني كما‬
‫يقول الفرزدق‪:‬‬
‫وأبو اليزيد وذو القروح وجرول‬ ‫وهب القصائد لي النوابغ إذ مضوا‬

‫‪35‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫(‪ )۲‬اإلميان بضرورة الرواية‪ ،‬والرواية نوعان أحدهما تدرب شاعر ناشئ‪ ،‬على يد شاعر مشهور‪ ،‬فاألول يروي‬
‫شعر الثاني‪ ،‬كان احلطيئة راوية لزهري‪ ،‬وزهري راوية ألوس بن حجر وطفيل الغنوي ‪ ،‬واستمرت الرواية يف‬
‫اإلسالم فكان كثري راوية جلميل‪ .‬والنوع الثاني أن يطلب الشاعر العلوم اليت حيتاج إليها يف قول الشعر‪.‬‬
‫(‪ )۳‬ما معنى االهلام إذا كان هنالك حتليل وتنقيح حتى أن أبرز اجلاهليني وبعض املخضرمني مثل أوس بن حجر‬
‫وزهري والنابغة وغريهم كانوا يعرفون لدى النقاد باسم "عبيد الشعر"؟ ويقول احلطيئة‪ :‬خري الشعر احلولي‬
‫احملكك‪.‬‬
‫يبدو وأنا إزاء موقفني متعارضني‪ :‬القول باإلهلام والقول بالتجويد‪ .‬ولكن بعد التأمل رمبا خف التعارض وتراجع‬
‫إذا حنن قصرنا االهلام على حلظة االبداع دون غريها‪ .‬ولكن مما قد يقلل من هذا التكامل حُجة كثري من‬
‫الشعراء إىل القيام بأمور تساعد على استدعاء تلك اللحظة أو استثارتها‪ .‬ومهما يكن من شيء فال بد من أن‬
‫نلحظ أن القول بالتعمل والكد يف صنع الشعر قد طغى منذ البداية على فكرة االهلام؛ وعلى الرغم من جتاور‬
‫القولني معا كان ظهور مدرسة ذات حدود واضحة قد نسميها «مدرسة عبيد الشعر يف العصر اجلاهلي‪،‬‬
‫واستمرار هذه املدرسة خالل العصور التالية قد أضعف لدى العرب منذ البدايات إبراز دور االهلام‪ ،‬ومن ثم‬
‫أضعف لديهم احلاجة إىل االتكاء على قوة «اخليال»‪ ،‬فتوارت هذه اللفظة نفسها يف تاريخ الشعر العربي مفسحة‬
‫اجملال ملواصفات عقلية صرفة‪ ،‬ومل يعد احلديث عن الظهور‪ ،‬ولو اقرتن باخليال‪ ،‬إال عند ظهور املدرسة‬
‫الرومنطيقية احلديثة‪ ،‬وقد احناز الشعراء أنفسهم إىل جانب املعاناة وبذل اجلهد يف نظمهم الشعر‪ ،‬والشعراء‬
‫يف تصوير ما يبذلون من جهد يستعملون صورة متقاربة وخباصة صورة تثقيف الرمح‪ ،‬إن هذه التجارب الشعرية‬
‫اليت تنتمي إىل اجلاهلية وما بعدها كلها تؤكد أن وراء إخراج القصيدة إىل اجلمهور جهدا غري قليل‪.‬‬
‫النقد األدبي يف أواخر القرن الثاني‬
‫نظرة عامة يف قواعد النقد حتى أواخر هذا القرن‬
‫قضى النقد العربي مدة طويلة من الزمن‪ ،‬وهو يدور يف جمال االنطباعية اخلالصة‪ ،‬واألحكام اجلزئية اليت‬
‫تعتمد املفاضلة بني بيت وبيت أو متييز البيت املفرد أو إرسال حكم عام يف الرتجيح بني شاعر وشاعر‪ ،‬ويف‬
‫طليعة تلك القواعد اعتماد النقد مبدأ اللياقة؛ فالشماخ معيب حني يقول خماطبة ناقته‪:‬‬
‫إذا بلغتِنِي ومحلتِ رحلي عرابةَ فاشرقي بدمِ الوتني‬
‫ألن قوله واشرقي بدم الوتني‪ ،‬أسوأ مكافأة هلا على ما قدمته له من معروف‪ .‬وقريب من هذه القاعدة قاعدة‬
‫أخرى نشأت عن مالحظة اجلودة املثالية يف الشيء املوصوف‪ ،‬فاخلضوع للعرف العام يف احللق الفردي‬
‫واالجتماعي ويف حماسن األشياء وعيوبها هو احلكم الذي كان يفيء إليه أولئك النقاد العلماء يف دراستهم‬
‫للشعر‪ ،‬وقد جرت القواعد السابقة وأشباهها إىل عمل خطري يف نطاق الرواية األدبية حني استباح الرواة أن‬
‫يغريوا ما ميكن تغيريه إذا هو مل يتفق وتلك القواعد‪.‬‬
‫وكان اخلليل بن أمحد ‪ -‬حني وضع العروض ‪ -‬قد وضع يف أيدي هؤالء العلماء مصطلحاً للعيوب الشكلية‪،‬‬
‫من اقواء وإسناد وإبطاء ‪ ،‬ظل هو مفزعهم كلما أرادوا نقد الشعر من تلك الناحية والشيء الالفت للنظر يف‬

‫‪36‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫مصطلح اخلليل أنه مستمد من « بيت الشعر » وقد كان عمله هذه الناحية ميثل وعياً دقيقة وتكامال يف النظرة‬
‫العامة‪ ،‬ويف مقدمة تلك القواعد ما ميكن أن نسميه « قانون االستواء النفسي‪ ،‬أي أن يظل الشاعر ملتزماً‬
‫مبستوى واحد من النظرة إىل احلياة وقيمها‪ ،‬ومن الطبيعي أن يتفاوت العلماء يف طبيعة إسهامهم النقدي‪ ،‬ويقف‬
‫األصمعي بينهم مثال" متميزاً ‪ ،‬فهو وإن شاركهم يف كثري من النظرات الساذجة من مثل االلتفات حنو متيز‬
‫األصمعي بني الرواة أغزل بيت وأهجى بيت وما أشبه ذلك من أحكام‪ ،‬فقد هداه بصره إىل مواقف نقدية‬
‫واضحة‪ ،‬ونكتفي هنا بثالثة مواقف منها‪:‬‬
‫الفصل بني الشعر واألخالق‪ :‬من العجيب أن األصمعي الذي كان يتحرج تدينا من رواية أي شعر‬ ‫‪. 1‬‬
‫فيه ذكر لألنواء‪ ،‬يقيم حد ا فاصالً بني الشعر والدين ويراهما عاملني منفصلني ال يتصل‬
‫أحدهما باآلخر‪ ،‬ويف اتصاهلما حيف على الشعر نفسه‪ ،‬وهو القائل‪" :‬طريق الشعر إذا أدخلته‬
‫يف باب اخلري الن"‬
‫الفحولة‪ :‬سأل أبو حامت األصمعي عن معنى الفحل فقال له‪ « :‬له مزية على غريه كمزية الفحل‬ ‫‪. 2‬‬
‫على احلقاق» ‪ .‬هلذا انقسم الشعراء لدى األصمعي إىل فئتني ‪ :‬فحول وغري فحول‪ ،‬والفحولة‬
‫تعين‪:‬‬
‫• غلبة صفة الشعر على كل صفات أخرى يف املرء‬
‫• أن غلبة صفة الشعر تستدعي عدداً معيناً من القصائد اليت تكفل لصاحبه التفرد‬
‫العناية بالتشبيه ‪ :‬حيث ميز تشبيهات أمرئ القيس‪ ،‬وتشبيه عنرتة يف الذباب وغري ذلك‪ ،‬فله‬ ‫‪. 3‬‬
‫الفضل يف توسيع نطاق هذا املوضوع‬
‫وأياً كانت الفروق القائمة بني تصور األصمعي وغريه للفحولة فإن صفة القوة هي املقياس املشرتك بني اجلميع‪.‬‬
‫ثم ميكننا أن نقول إن النقد يف مطلع القرن الثالث كان قاصرا عن الوفاء حباجة األدب‪ ،‬فقد ظل النقد حيث‬
‫هو‪ ،‬بينما كان الشعر يشهد تغرياً‪ ،‬وزاد األمر حدة اختالف طبقة الرواة أنفسهم يف تصورهم املهمة اليت يروي‬
‫الشعر من أجلها‪ ،‬فكل فريق منهم يريده أن خيدم غاية حمددة‪:‬‬
‫(‪ )1‬فالنحويون من هؤالء الرواة ال يروون إال كل شعر فيه اعراب‬
‫(‪ )۲‬والذين جيمعون األشعار ال يهتمون إال بكل شعر فيه غريب أو معنى صعب حيتاج إىل االستخراج‬
‫(‪ )۳‬ورواة األخبار ال يقبلون إال على كل شعر فيه الشاهد واملثل‬
‫(‪ ) 4‬وعامة الرواة ال يقفون إال على األلفاظ املتخرية واملعاني املنتخبة وعلى األلفاظ العذبة واملخارج السهلة‬
‫والديباجة الكرمية وعلى الطبع املتمكن وعلى السبك اجليد‪.‬‬
‫احملاوالت النقدية يف القرن الثالث‬
‫يف طليعة ذلك جهد الناشئ األكرب والناشئ األكرب أبو العباس عبد اهلل بن حممد املشهور بابن شرشري كان‬
‫شاعراً متكلماً حنوياً عروضياً‪ ،‬نقض علل النحويني وأدخل على قواعد العروض شبهاً ومثلها بغري أمثلة اخلليل‪،‬‬
‫ونظم قصيدة طويلة يف فنون العلم تبلغ أربعة آالف بيت وصفه أبو حيان التوحيدي يف كتاب «البصائر والذخائر»‬

‫‪37‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫بالتفوق يف هذا املضمار فقال ‪" :‬وما أصبت أحداً تكلم يف نقد الشعر وتر صيفه أحسن ما ( أتى ) به الناشئ‬
‫املتكلم وإن كالمه ليزيد على كالم قدامة و غريه وله مذهب حلو وشعر بديع واحتفال عجيب"‪.‬‬
‫فالناشئ يقول يف تعريف الشعر ووصفه‪" :‬الشعر قيد الكالم وعقال األدب وسور البالغة وحمل الرباعة وجمال‬
‫اجلنان ومسرح البيان وذريعة املتوسل ووسيلة املرتسل وذمام الغريب وحرمة األديب وعصمة اهلارب وعذر الراهب‬
‫وفرحة املتمثل وحاكم االعراب وشاهد الصواب"‪ ،‬و مهما تكن طبيعة هذه احملاولة‪ ،‬فإن نسبتها إىل الناشئ‬
‫األكرب أمر هام ألنها تؤكد أن الدوائر االعتزالية كانت من أكثر اجملاالت اهتماماً بالنقد‪ ،‬وقد اندفع‬
‫املعتزلة حنو استبانة املقاييس البالغية والنقدية لعاملني كبريين‪:‬‬
‫أوهلما‪ :‬أن البالغة عنصر هام يف االقناع‪ ،‬واالقناع غاية اجلدل الكالمي‪ ،‬وقد قررت صحيفة بشر أشياء‬
‫ستصبح مشرتكة بني نقد اخلطابة ونقد الشعر‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬إميان املعتزلة أن الشعر العربي مصدر من مصادر املعرفة الكربى ووعاء هلا‪.‬‬
‫وأيا كان األمر فقد تعددت احملاوالت النقدية يف القرن الثالث‪ ،‬على أنها تقع حتت فئات متباينة‪ ،‬متيز فيها‬
‫مخساً‪:‬‬
‫‪ . 1‬االهتمام بإبراز املعاني املشرتكة بني الشعراء‪:‬‬
‫وهو اهتمام أدى إىل تتبع السرقات‪ ،‬ثم آل بهم األمر إىل تصنيف السرقات يف أنواع وضروب‪ ،‬ومن صور االهتمام‬
‫بها يف القرن الثالث‪ :‬كتاب سرقات الشعراء وما اتفقوا عليه البن السكيت‪ ،‬وكتاب إغارة كثري على الشعراء‬
‫للزبري بن بكار‪ ،‬وكتاب سرقات البحرتي من أبي متام وكتاب سرقات الشعراء أمحد بن أبي طاهر طيفور‪.‬‬
‫‪ . 2‬النقد الضمين‪:‬‬
‫كادت الشكوى أن تكون عامة من أن شعر احملدثني ال جيد الناقد الذي يربزه للناس ويقربه إليهم‪ ،‬لذلك‬
‫رأى بعض املشتغلني بالشعر مما ال يقفون موقف العداء من الشعر احملدث أن يربزوه للناس بعمل خمتارات منه‪،‬‬
‫فكانت من ذلك كتب االختيارات اليت ظهرت يف ذلك القرن‪ ،‬وهي كتب ال تقوم على أسس صحيحة‪ ،‬وإمنا‬
‫تعتمد على ذوق صاحبها‪ ،‬ومن تلك الكتب "كتاب البارع" وكتاب "اختيار الشعراء الكبري" ألبي عبداهلل‬
‫هارون بن علي‪ ،‬وللمربد كتاب "الروضة" اختار فيه شعر احملدثني‪" ،‬محاسة أبي متام" وقد خالف أبو متام يف‬
‫تأليفه هذه الروح املتوجهة حنو الشعر احملدث‪ ،‬ألن ما أورده يف كتابه من شعر احملدثني قليل‪ ،‬وقد أتيح له أن‬
‫يهتدي إىل ابتكار جزئي حني مج ع ضروباً من الفنون الشعرية حتت فن جديد مساه "احلماسة" وبه مسى‬
‫الكتاب كله‪ ،‬وقد كان البون حقاً بعيداً بني اختيار أبي متام وبني طريقته الشعرية‪ ،‬ولقد حاول البحرتي‬
‫حماكاته فأكثر من األبواب‪ ،‬وغلبت عليه النزعة األخالقية‪ ،‬بينما كان احململ الضمين عند أبي متام‬
‫مجالياً‪ ،‬أما ابن طيفور وهو معاصر هلما‪ ،‬فهو مل يقصر مُؤلفه على الشعر دون النثر‪ ،‬ثم إن القاعدة يف اختياره‬
‫هي متييز الشعر والنثر على درجتني ‪ 1 :‬ــ املفرد يف اإلحسان ‪ 2‬ــ املشارك بعضه بعضاً يف اإلحسان‪ .‬وقد‬
‫وافق صاحب احلماسة يف وقوفه عند الشجاعة كما وافق البحرتي يف إيراد ماقي يف األخالق‪ ،‬وقد احتذى‬

‫‪38‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫حذو القصائد الطوال عند الرواة‪ ،‬مما دفعه أن يقف عند حقيقة هذه القصائد‪ ،‬وقد حاول ابن طيفور أن يبني‬
‫األسس النقدية يف اختيار تلك القصائد وأن يورد تعليالت لذلك هي‪:‬‬
‫أ‪ -‬اشتمال القصيدة على معاني كثرية ال مثل هلا‪.‬‬
‫ب‪ -‬انفرادها مبحاسن مل جتيء يف غريها‬
‫ت‪ -‬انفرادها يف الوزن والعروض‬
‫وقد مضى ابن طيفور يف اختيار ما يعز نظريه أو ينعدم دون أن يكون لديه معيار واضح إال ذوقه اخلاص‪.‬‬
‫‪ . 3‬إعادة صياغة النظريات القدمية‪:‬‬
‫قد رأينا كيف أن جهد العلماء والرواة وقف أحياناً عند حدود البيت املفرد‪ ،‬أو استبانة صفة عامة يف الشعر‪،‬‬
‫وما من ريب أن تلك األحكام كانت قاصرة أن تفي حباجة النقد‪ ،‬غري أن بعض نقاد القرن الثالث كانوا‬
‫خملصني للموروث‪ ،‬وكانوا يرون أن احلل للمشكالت األدبية هو تطور النظريات اليت أخذوها عن أساتذتهم‪،‬‬
‫وإعادة صياغتها‪.‬‬
‫حممد بن سالم اجلمحي‪:‬‬
‫كان ابن سالم من أول من نص على استقالل النقد األدبي فأفرد الناقد بدور خاص حني جعل للشعر صناعة‬
‫يتقنها أهل العلم بها‪ ،‬ويف هذا نقل ابن سالم ميدان اخلصومة بني الشعر القديم واحملدث‪ ،‬وجعلها حول الناقد‬
‫البصري وغري البصري‪ ،‬على أنه مينح الناقد البصري سلطاناً مطلقاً‪ ،‬ولذلك تصدى يف مقدمته إىل ضروب االنتحال‬
‫وأسبابه‪ ،‬وقد بنى ابن سالم كتابه على فكرة الطبقات‪ ،‬فذكر من شعراء اجلاهلية عشر طبقات يف كل‬
‫طبقة أربعة شعراء‪ ،‬ثم اتبعهم بثالث طبقات أخرى هي طبقات أصحاب املراثي‪ ،‬ثم جعل شعراء اإلسالم يف‬
‫عشر طبقات أخرى منتهياً بذلك إىل أواخر العصر األموي‪ ،‬ويبدو أن الفحولة هي األساس األول عند ابن سالم‪،‬‬
‫وقد وسع ابن سالم من حدود فكرة األصمعي وأعاد صياغتها‪ ،‬حيث جعل الفحولة تتفاوت‪ ،‬أما األساس الثاني‬
‫عند ابن سالم فهو تقارب كل أصحاب طبقة يف أشعارهم‪ ،‬وهناك مبدأ اعتمده األصمعي من قبل جعله ابن‬
‫سالم أحد األسس وهو "الكم"‪ ،‬وبقي من مقاييس األصمعي اللني وقد كان حاضراً يف ذهن ابن سالم إال أنه‬
‫مل يقرنه باخلري‪ ،‬فجعل اللني أداة للتوقف يف أخذ الشعر واالسرتابة فيه‪ ،‬من هنا نرى أن ابن سالم عاد إىل‬
‫املبادئ القدمية فمنحها شكالً جديداً ووسع منها‪ ،‬وحاول أن خيلق نظاماً جديداً لدراسة الشعراء‪.‬‬
‫ثعلب وكتابه قواعد الشعر‪:‬‬
‫لقد عاشر ثعلب طبقات واتسعت الثقافات يف أيامه وكثر اجلدل حول الشعر احملدث‪ ،‬فكان كتابه "قواعد‬
‫الشعر" الذي ال يعدو أن يكون عودة إىل األحكام اليت سبقت ابن سالم واألصمعي‪ ،‬وقد كانت غاية جهده‬
‫يف رواية الشعر أن يفسر ما فيه من غريب‪ ،‬فليس له يف جمالسه تعليق نقدي واحد‪ ،‬وإذا حتدث عن الشعراء‬
‫أورد تعليقات جمملة سريعة‪ ،‬ويتسم كتاب قواعد الشعر بغرابة املنحى وسذاجته معاً وبالفرد يف كثري من‬
‫املصطلح النقدي‪ ،‬فهو جيعل قواعد الشعر هي‪" :‬األمر والنهي واخلرب واالستخبار"‪ ،‬وقد عاد إىل اخلليل فتحدث‬
‫عما خيل باتساق النظم من سناد وإقواء وإكفاء وإجازة وإيطاء‪ ،‬ورمبا استوحى قول ابن األعرابي من قبل يف‬

‫‪39‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫وصف القا فية‪" :‬استجيدوا القوايف فإنها حوافر الشعر"‪ ،‬وهنا توسع صاحب قواعد الشعر يف هذه اللمحة وأوجد‬
‫مصطلحاً مستمداً من الفرس يدور حول وصف البيت املفرد؛ فالبيت إما معدل أو أغر أو حمجل أو مرجّل‪.‬‬
‫‪ . 4‬املفاضلة بني شاعرين‪:‬‬
‫كانت املفاضلة بني شاعرين حموراً يدور حوله كثري من النقد القديم ولكن أصوهلا كانت بسيطة ساذجة‬
‫تلخص اإلعجاب العام لدى أحد املتذوقني بشاعر دون آخر‪ ،‬أما يف هذا العصر فقد اتسع باب القول يف املفاضلة‬
‫وألفت فيه رسائل‪ ،‬وكانت خطوة يف االجتاه الذي اعتمده اآلمدي يف كتابه املوازنة‪ ،‬ومن تلك الرسائل رسالة‬
‫كتبها أبو أمحد حييى بن علي املنجم يفاضل فيها بني العباس بن األحنف والعتابي‪.‬‬
‫‪ . 5‬النظرة التوفيقية‪:‬‬
‫لقد كانت هذه النظرة مثرة الصراع الذي نشأ بني القديم واحملدث من الشعر‪ ،‬وقد التقى حول هذه النظرة‬
‫أناس ذو مشارب متباينة‪ ،‬فمنهم اللغوي‪ ،‬ومنهم املتكلم‪ ،‬ومنهم ذو الثقافة اإلسالمية اخلاصة‪.‬‬
‫أبو العباس املربد‪:‬‬
‫مل يدرج املربد يف النقاد غري أن هذه الصلة بينه وبني الشعر احملدث ال تتجاوز جمال العطف‪ ،‬حيث حيس من‬
‫يقرأ للمربد أنه كان مغلوباً بروح العصر مساقاً بقوته‪ ،‬وقد كان املربد يف اختياره ألشعار احملدثني يليب حاجة‬
‫العصر ايضاً‪ ،‬فهو يهدف إىل أن خي دم طبقة املتعلمني وخاصة من يهيئون أنفسهم ملستوى بالغي من فئة‬
‫الكتاب‪ ،‬وقد شارك املربد يف جوانب من االجتاهات النقدية يف عصره‪ ،‬إال أنه يبدو أن املربد قد متثل قواعد‬
‫اخلطابة أكثر من متثله ملبادئ نقد الشعر فمزج بني الفنني يف نقده‪ ،‬ولعله من أسبق من أوىل التشبيه هذه‬
‫العناية التفصيلية وبني أقسامه وجعلها أربعة‪ :‬املفرط واملصيب واملقارب والبعيد‪ ،‬وقد يلحق مبفهوماته البالغية‬
‫حديثه عن اإلمياء‪ ،‬وقد أحل املربد أثناء اختياره لألشعار إىل موقفه من قضية اللفظ واملعنى‪ ،‬غري أنه مل يتناول‬
‫تلك القضية بشيء من التفسري‪.‬‬
‫عمرو بن حبر اجلاحظ‪:‬‬
‫يتميز اجلاحظ عن مجيع الرواة وعن من أملوا بالنقد يف القرن الثالث‪ ،‬ومرد ذلك إىل طبيعته الذاتية وملكاته‬
‫وسعة ثقافته‪ ،‬ويأسف الدارس أن اجلاحظ مل يفرد للنقد كثاباً‪ ،‬وإمنا كانت نظراته النقدية عرضاً يف‬
‫تضاعيف كتبه كاحليوان والبيان والتبيني‪ ،‬فلقد كان اجلاحظ مبا أوتي من علم وذكاء شخصية متفردة‬
‫من خري من يُحسنون تأسيس النقد على أصول نظرية وتطبيقية‪ ،‬إال أنه شُغل عنه بشؤون أخرى كثرية‪ ،‬وقد‬
‫كان اجلاحظ توفيقي النظرة ال يعتقد بتفضيل قديم على حديث‪ ،‬فعند دراسة آراء اجلاحظ النقدية جند أن‬
‫أكثر ما لديه أصول نظريات مل مينحها ما تستحقه من شرح وتفسري ومتثيل‪ ،‬فأول ذلك أن الشعر يف اجلماعات‬
‫إمنا يعتمد على ثالثة عناصر‪ :‬الغريزة والبلد والعرق‪ ،‬وكأنه يرد يف هذه النظرية على ابن سالم الذي ذهب‬
‫إىل أن الشعر كان يكثر باحلروب‪ ،‬غري ان اجلاحظ تناول نظرية العرق بشيء من التطوير والتفسري ومل يتقيد‬
‫بالبيئة كثرياً‪ ،‬حني ذهب إىل أن العرق العربي أشعر من العرق املولد‪ ،‬وقد بدأ اجلاحظ نظرية أخرى كان من‬
‫املمكن أن تفتح أمامه آفاقاً واسعة حني قال‪" :‬إمنا الشعر صناعة وضرب من الصبغ وجنس من التصوير"‪ ،‬حيث‬

‫‪40‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫لو ختطى حدود التعريف لوجد نفسه يف جمال املقارنة بني الشعر والرسم‪ ،‬وكل ما أراده اجلاحظ من هذا‬
‫القول تأكيد نظريته يف الشكل‪ ،‬وأن املعول يف الشعر إمنا يقع على "إقامة الوزن وختري اللفظ وسهولة املخرج‬
‫وكثرة املاء وصحة الطبع وجودة السبك‪ ،‬وقد اجته اجلاحظ هذا االجتاه مع أنه مل يكن من الشكليني يف‬
‫التطبيق وذلك ألنه مل يتابع أستاذه النظام يف قوله بالصرفة‪ ،‬والن عصر اجلاحظ كان يشهد بوادر محلة عنيفة‬
‫يقوم بها النقاد لتبيان السرقة يف املعاني بني الشعراء‪ ،‬إضافة إىل أن اجلاحظ خصب القرحية ال يعييه املوضوع‬
‫وال يثقل عليه احملتوى أياً كان لونه‪ ،‬ولذا فإنه كان حيس أن املعنى موجود يف كل مكان وما على األديب‬
‫إال أن يتناوله ويصوغه صياغة متفردة‪ .‬ثم وقف اجلاحظ من نظريته يف الشكل موقفني آخرين أحدهما يؤيدها‬
‫والثاني ينقضها‪ ،‬فأما األول فهو إصراره على أن الشعر ال يرتجم‪ ،‬وأما الثاني فقوله إن هناك معاني ال ميكن‬
‫أن تسرق كوصف عنرتة للذباب‪ ،‬ويكمل اجلاحظ منهج بن سالم بني التمييز بني الصحيح واملنحول يف الشعر‬
‫فيستخدم شهادة الرواة‪ ،‬وتدل التعليقات اليت يؤيدها اجلاحظ حول بعض ما يرويه من األشعار على أنه كان‬
‫حاداً أحياناً يف نقده‪ ،‬وتدفعه محاسته أحياناً إىل إرسال أحكام كبرية ال نستطيع اليوم أن نستوثق من صحتها‬
‫كقوله يف شعر الفرزدق‪" :‬وإن أحببت أن تروي من قصار القصائد شعراً مل يسمع مبثله‪ ،‬فالتمس ذلك يف قصار‬
‫قصائد الفرزدق‪ ،‬فإنك مل تر شاعرًا قط جيمع التجويد يف القصار والطوال غريه"‪.‬‬
‫أبو حممد عبداهلل بن مسلم بن قتيبة‪:‬‬
‫تدل مؤلفات ابن قتيبة على تعدد مناحي اهتمامه‪ ،‬وهو يكمل دور اجلاحظ يف الدفاع عن العرب والرد على‬
‫الشعوبية‪ ،‬وملا كان أكثر الشعوبيني أثراً من طبقة الكتاب فقد حاول ابن قتيبة أن يؤلف هلم كتاباً‪ ،‬فكان‬
‫من ذلك "أدب الكاتب" و "عيون األخبار" و "املعارف" و "الشعر والشعراء"‪ ،‬وقد مزج ابن قتيبة باملقتطفات‬
‫واملختارات العربي ة شيئاً من مآثر الفرس وحكمتهم‪ ،‬وقد تأثر باجلاحظ فروى كتبه ونقل منها وتبنى بعض‬
‫أرائه‪ ،‬على الرغم أنه حيمل بشدة على اجلاحظ ألنه ينتصر للشيء وضده‪ ،‬فإذا استثنينا هذه الناحية وجدنا أن‬
‫التوفيق والتسوية صفتان متثالن جهد ابن قتيبة يف خمتلف امليادين وخاصة النقد األدبي‪ ،‬وكانت فكرة التسوية‬
‫أبعد تسلطاً على مفهومات ابن قتيبة مما هي لدى اجلاحظ‪ ،‬فالناقدان يشرتكان يف املذهب التوفيقي الذي‬
‫يريد أن جيعل اجلودة مقياساً للشعر دون اعتبار للقدم واحلداثة‪ ،‬إال أن ابن قتيبة أبني يف التعبري من اجلاحظ‬
‫وأكثر إسهاباً‪ ،‬ثم هما يفرتقان يف مواقف أخرى‪ ،‬ألن االعتدال عند ابن قتيبة قد بسط ظله على نظرته العامة‪،‬‬
‫ومن أبني الفروق بينهما اختالفهما يف النظرة إىل مشكلة اللفظ واملعنى‪ ،‬فبينما احناز اجلاحظ إىل جانب‬
‫اللفظ‪ ،‬ذهب ابن قتيبة مذهب السوية‪ ،‬وقد قسم ابن قتيبة الشعر إىل أربعة أضرب‪ :‬لفظ جيد ومعن جيد لفظ‬
‫جيد وم عنى رديء لفظ رديء ومعنى جيد لفظ رديء وعنى رديء‪ ،‬فاملسألة عنده مسألة صلة بني املعنى‬
‫واللفظ‪ ،‬وعالقة اجلودة يف كليهما هي املفضلة‪ ،‬وإىل جانب معادلة اللفظ واملعنى وقف ابن قتيبة عند قسمة‬
‫ثنائية يف النظرية الشعرية‪ ،‬فقد كثر احلديث يف عصره عن الطبع والتكلف فتناوهلما ابن قتيبة بالتفسري‬
‫والتمثيل فهو يقوا‪" :‬واملطبوع من الشعراء من مسح بالشعر واقتدر على القوايف‪ ،‬وأراك يف صدر بيته عجزه‪ ،‬ويف‬
‫فاحتته قافيته‪ ،‬وتبينت على شعره رونق الطبع ووشي الغريزة واذا امتحن مل يتلعثم ومل يتزحر" وتقابل لفظة‬

‫‪41‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫الطبع عند ابن قتيبة ما مساه اجلاحظ "الغريزة"‪ ،‬وقد التفت ابن قتيبة إىل احلاالت النفسية عند حتدثه عن‬
‫الطبع حيث تناوهلا من ثالثة جوانب‪:‬‬
‫جانب احلوافز النفسية الدافعة كالطمع واسوق والطرب والغضب‬ ‫‪. 1‬‬
‫جانب العالقة بني الشاعر والزمن ألن بعض األوقات ذو تأثري خاص يف املزاج الشعري‬ ‫‪. 2‬‬
‫مراعات احل االت النفسية لدى السامعني‪ ،‬ومن هذه علل ابن قتيبة بناء القصيدة العربة‪ :‬من‬ ‫‪. 3‬‬
‫استهالل البكا على األطالل ثم االنتقال إىل وصف الرحلة والنسيب‪ ،‬وذلك ليميل حنوه القلوب ويصرف‬
‫إليه الوجوه وليستدعي إصغاء األمساع ألن التشبيب قريب من النفوس الئط بالقلوب‪ ،‬فابن قتيبة يؤمن‬
‫أن بناء القصيدة على هذه املقدمات إمنا كانت تستدعيه الرغبة يف لفت االنتباه‪ ،‬وإشراك السامعني‬
‫يف عاطفة الشاعر‪.‬‬
‫مما تقدم نرى اهتمام ابن قتيبة متجه يف أكثره حنو الشاعر ــ دون إغفال للشعر واجلمهور ــ فهو اما متكلف‬
‫أو مطبوع‪ ،‬وحلالته النفسية أثر بني يف الشعر‪ ،‬وللغرائز عند الشعراء أثر يف تباينهم يف الفنون الشعرية املختلفة‪،‬‬
‫وهلذا جند ابن قتيبة خيص الثقافة السماعية باالهتمام‪ ،‬ويورد ابن قتيبة مالحظة جزئية فيعود لالستثناء على‬
‫قاعدة "جودة اللفظ وصحة املعنى" فيقول‪ :‬إن بعض الشعر يروى خلصائص أخرى كاإلصابة يف التصوير أو‬
‫مجا ل النغمة أو طرافة املعنى املستغرب‪ ،‬أو ألسباب خارجية أخرى كأن يكون صاحبه مقالً أو عظيماً يف‬
‫املوقع االجتماعي‪ ،‬وهذه أشياء ال حتدد الشعر وإمنا حتدد أسباب الرواية أو االستحسان لبعض ضروبه‪ ،‬وعلى‬
‫الرغم من فقر املصطلح النقدي لدى ابن قتيبة فقد مترس يف مقدمته بأكرب املشكالت النقدية اليت سيكثر‬
‫حوهلا احلديث من بعده ‪ ،‬فتحدث عن الشعر من خالل قضية اللفظ واملعنى ‪ ،‬والتكلف و جودة الصنعة ‪ ،‬و‬
‫عن ضرورة التناسب بني املوضوعات يف القصيدة الواحدة وتالحقها يف سياق ‪ ،‬واعتمادها على وحدة معنوية‬
‫تقيم التالحم و«القران» بني أسباب خارجة عن الشعر أحيانا متنحه يف نفوس الناس منزلة وقيمة‪ ،‬وعن العيوب‬
‫الشكلية اليت تعرتي العالقات اإلعرابية والنغمات املوسيقية والقوايف ‪ .‬وأملح إىل أهمية التأثري يف نفسيات‬
‫اجلماهري بالتناسب واملشاركة العاطفية‪ ،‬وحتدث عن الشاعر متكلفاً و مطبوعاً‪ ،‬وعن املؤثرات واحلوافز‬
‫اليت تفعل فعلها يف نفسه‪ ،‬وعن عالقة الشاعرية باألزمنة واألمكنة وعن ثقافة الشاعر‪ ،‬و تفاوت الشعراء يف‬
‫الطاقة الشعرية‪.‬‬
‫أبو العباس عبداهلل بن املعتز‪:‬‬
‫لعل ابن املعتز خري مثل للناقد الذي يؤمن بقول القائل‪" :‬أشعر الناس من أنت يف شعره حتى تفرغ منه" وحسبنا‬
‫أن نقرأ البن املعتز هذه األقوال‪:‬‬
‫بشار‪ :‬ومما يستحسن من شعره وإن كان كله حسن‪.‬‬
‫أبو اهلندي‪ :‬ومما يستحسن من شعره وإن كان كله حسن جيداً‪.‬‬
‫ربيعة الرقي‪ :‬ومما يستحسن له‪ ،‬وإن كان شعره كله مليحاً عذباً مطبوعاً جيداً هنيئاً‪.‬‬
‫مسلم بن الوليد‪ :‬ومما يستحسن له‪ ،‬على أن شعره كله ديباج حسن ال يدفعه عن ذلك أحد‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫احلارثي‪ :‬ومن جيد شعره وإن كان كل شعره جيداً‪.‬‬


‫أبو متام‪ :‬ومما يستملح من شعره وشعره كله حسن‪.‬‬
‫العتابي‪ :‬وأشعار العتابي كلها عيون‪ ،‬ليس فيها بيت ساقط‪.‬‬
‫فهذه أمثلة إذا هو تكلم عن الشعر‪ ،‬ومثلها أحكام على القصيدة‪ ،‬ثم أحكام أخرى على البيت الواحد‪ ،‬إال‬
‫أن ابن املعتز مل يكن دائماً ذلك الناقد التأثري الذي متتلكه صيحات اإلعجاب أمام األثر األدبي‪ ،‬فكتاب‬
‫"طبقات الشعراء" ميثل مرحلة متأخرة يف حياته‪ ،‬وله رسالة قبل كتاب الطبقات يف نقد أبي متام خالصة رأيه‬
‫فيها أنه بلغ غايات اإلساءة واإلحسان‪ ،‬غري أن نقده يف الرسالة تطرق إىل أشياء أخرى من عيوب أبي متام مثل‬
‫رداءة وإخفاق املطابقة‪ ،‬وسرقة املعنى دون أن حيسن أخذه واالستعمال الغريب واإلغراق يف املدح‪ ،‬كما بني‬
‫موقفه من قضية السرقة‪ ،‬وهو يشبه آراء نقاد آخرين من معاصريه فقال‪" :‬وال يعذر الشاعر يف سرقته حتى يزيد‬
‫يف إضاءة املعنى أو يأتي بأجزل من الكالم األول"‪ ،‬وأبو متام كان ميثل مشكلة فنية لدى ابن املعتز‪ ،‬وقد‬
‫كانت هذه املشكلة سبب من األسباب اليت وجهته إىل تأليف كتاب البديع ليدل على أن هذا الفن موجود‬
‫عند العرب ويف القرآن واحلديث وكالم الصحابة‪ ،‬وأن الشعراء احملدثني مل يكونوا مبتكرين‪ ،‬ومع أن‬
‫الكتاب مسي باسم "البديع" وهو موضوعه الرئيسي‪ ،‬فإن ابن املعتز أضاف إليه بعض حماسن الكالم والشعر‬
‫لتكثر فائدة الكتاب‪ ،‬فتحدث يف االلتفات واالعرتاض والرجوع وحسن اخلروج وتأكيد املدح مبا يشبه الذم‬
‫وجتاهل العارف واهلزل الذي يراد به اجلد والتضمني والتعريض والكناية واإلفراط يف الصنعة وحسن التشبيه‪،‬‬
‫فكأنه كان يضع كتاباً يف البالغة غري أن الروح اليت أملت الكتاب كانت متثل جانباً من احلركة النقدية‬
‫يف القرن الثالث‪ ،‬بإنصافٍ معكوس فبدالً من إنصاف الشعر احملدث ذهب ابن املعتز ينصف القديم‪ ،‬وقد‬
‫عُرف ابن املعتز بني أبناء عصره باللهج بالبديع واإلحسان الدقيق يف استكشاف مناذجه‪.‬‬
‫االجتاهات النقدية يف القرن الرابع‪:‬‬
‫لوال ثالثة أشخاص كانوا قُ وىً دافعة يف توجيه النظرية الشعرية يف نقد القرن الرابع لقدرنا أن يكون حظ‬
‫ذلك النقد يف االتساع أقل مما أتيح له‪ ،‬ولكن أولئك النفر الثالثة جعلوا للنقد حموراً وجماالً‪ ،‬أما تلك القوى‬
‫اليت أُشري إليها فهم أبو متام وأرسطو واملتنيب‪ ،‬ولذلك ميكن أن يدرس النقد يف القرن الرابع يف ثالثة فصول‬
‫هي‪ :‬الصراع النقدي حول أبي متام عالقة النقد بالثقافة اليونانية معركة النقد اليت دارت حول املتنيب‪،‬‬
‫وقد شغل أ بو متام النصف األول من القرن الرابع يقابله املتنيب يف النصف الثاني‪ ،‬ويضل التمرس بالثقافة‬
‫اليونانية متمرساً طوال القرن‪ :‬غري أن هناك جهود نقدية أخرى‪ ،‬كمحاولة ابن طباطبا يف عيار الشعر‪ ،‬وهي‬
‫من أشد احملاوالت النقدية أصالة وأكربها عمقاً‪ ،‬ولكنها تكاد تعتمد اعتماداً كلياً على صفاء الذوق الفين‪.‬‬
‫كذلك استخدمت املبادئ النقدية يف دراسة اإلعجاز القرآني على يد مجاعة من النقاد فيهم اخلطابي والرماني‬
‫والباقالني‪ ،‬وقد الفت يف نقد القرن الرابع كتب منها على سبيل اإلجياز ال احلصر غري الكتب املشهورة‪،‬‬
‫كتاب "املدخل إىل علم الشعر" حمل مد ابن احلسن بن يعقوب العطار‪ ،‬وكتاب "الرتمجان يف الشعر" للمفجع‬
‫البصري‪ ،‬و"كتاب الشعر" حملمد بن احلسني بن حممد الفارسي‪ ،‬وكتاب "خضارة" يف نعت الشعر ألبي احلسني‬

‫‪43‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫بن فارس‪ ،‬أما ما أورده ابن فارس يف كتاب الصاحيب عن الشعر فإنه كرر فيه تعريف قدامة بن جعفر للشعر‪،‬‬
‫ثم ذكر األسباب اليت جعلت النيب منزهاً عن الشعر‪ ،‬ويف مجلتها أن الشعر يقوم على الكذب‪ .‬وحتدث كذلك‬
‫عن ركوب الشعراء للضرورات واجلوازات‪ ،‬وهو يرى أن االختيار الذي يزاوله الناس إمنا هو شهوات‪ ،‬فكل‬
‫يستحسن شيئاً حسب شهوته‪.‬‬
‫وقد ذهبت بعض اجلهود النقدية يف اجتاه عملي‪ ،‬ميثل النقد فيه ناحية ضمنية أو شبه ضمنية وخاصة يف كتب‬
‫االختيار‪ ،‬ومن أهم االختيارات العامة محاسة اخلالديني اليت تسمى األشباه والنظائر‪ ،‬وهي ختتلف عن غريها‬
‫من املختارات بوضوح األسس النقدية فيها من خالل املفاضلة واملقارنة وإرسال األحكام والتعليقات‪ ،‬هذا إىل‬
‫أنها حا ملة بتوضيح اجلو العام يف كثري من القصائد وذلك بإيراد املناسبة اليت استدعتها‪ ،‬وهناك اختيارات‬
‫اعتمدت قاعدة صورية ال موضوعية أو مجعت بينهما جاعلة األوىل هي األساس‪ ،‬وهي كتب التشبيهات‪ ،‬ويف‬
‫طليعتها كتاب ابن أبي عون وهو يرى أن الشعر قائماً على ثالثة أحناء‪ :‬املثل السائر واالستعارة الغريبة والتشبيه‬
‫الواقع النادر‪ ،‬وقد كثرت العناية بالتشبيه يف القرن الرابع وأفردت فيه مؤلفات‪ ،‬كما شغل النقد يف القرن‬
‫الرابع بالكشف عن السرقات‬
‫أهم املظاهر النقدية يف القرن الرابع‪:‬‬
‫اعتماد الذوق الفين يف إنشاء نظرية شعرية‬
‫(عيار الشعر البن طباطبا)‬
‫ُي عد ابن طباطبا يف تاريخ النقد حلقة متممة ملا جاء به ابن قتيبة‪ ،‬وقد عرف ابن طباطبا الشعر بأنه كالم منظوم‬
‫وأن الفرق بينه وبني النثر إمنا يكمن يف النظم‪ ،‬وقد تناول ثقافة الشاعر فنص على ضرورة التوسع يف علم‬
‫اللغة والرباعة يف فهم اإلعراب والرواية لفنون اآلداب واملعرفة بأيام الناس وأنسابهم ومناقبهم ومثالبهم والوقوف‬
‫على مذاهب العرب يف تأسيس الشعر والتصرف يف معانيه‪ ،‬واتباع السنة أو املوروث هو املعتمد عند ابن طباطبا‬
‫يف النقد‪ ،‬وهو ال يرى الشعر شيئاً منفصالً عن البيئة واملثل األخالقية‪ ،‬فللعرب مثل عليا هي متكأهم يف املدح‬
‫واهلجاء‪ ،‬وهلم طريق خاصة يف التشبيه من وحي بيئتهم‪ ،‬وهلم مقاييس يعتمدونها يف املدح والذم‪ ،‬غري أن هذا‬
‫االلتزام بالسنه عنده ال يعدو مرحلة االستعداد والتثقيف والدرس والتحصيل‪ ،‬فتعد نظرته هذه ابتعاداً صارخاً‬
‫عن مفهوم الغريزة إذ يصبح الشعر لديه جيشان فكر فهو ال يعرتف بطاقة تنظم السياق أو انفعال يبعث تدافع‬
‫القول‪ ،‬وإمنا القصيدة لديه كالرسالة تقوم على معنى يف الفكر‪ ،‬فإذا أراد الشاعر نظماً وضع املعنى يف‬
‫فكرة نثراً ثم أخذ يف صياغته بألفاظ مطابقة‪ ،‬وقد تأتيه أبيات غري متناسقة فيأخذ يف تنسيقها حتى تطرد‬
‫وتنتظم‪.‬‬
‫وقد حما ابن طباطبا الفروق بني القصيدة والرسالة النثرية يف البناء والتدرج واتصال األفكار فهو يقول‪" :‬الشعر‬
‫رسائل معقودة والرسائل شعر حملول"‪ ،‬من هذا يتضح أن القصيدة قد تتعدد موضوعاتها‪ ،‬وأن الوحدة فيها قد‬
‫تكون وحدة بناء وحسب‪ ،‬فتلك هي الغاية الكربى من هذا التدقيق يف التوالي والتدرج وإقامة العالقات بني‬
‫األجزاء والصورة الصناعية ال تفارق خيال ابن طباطبا يف عمل الشعر‪ ،‬ومن آمن بأن جمال املعاني قد ضاق على‬

‫‪44‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫الشاعر احملدث فال بد له من قانون ل ألخذ والسرقة‪ ،‬وقانون ابن طباطبا شبيه مبا ذكرنا عن غريه من النقاد‬
‫يف القرن الثالث‪ .‬فمن علم الشاعر كيف يصنع قصيدته بيتا بيتا بل كلمة كلمة ال بد له من أن يعلمه طريقة‬
‫من السرقة ال يناله فيها احلد‪ :‬على الشاعر أن يستعمل "املعاني املأخوذة يف غري اجلنس الذي تناوهلا منه فإذا‬
‫وجد معنى لطيفاً يف تشبيب أو غزل استعمله يف املديح ‪ ،‬وإن وجده يف املديح استعمله يف اهلجاء‪ ،‬وإن وجده يف‬
‫وصف ناقة أو فرس استعمله يف وصف اإلنسان ‪ ،‬وإن وجده يف وصف اإلنسان استعمله يف وصف غريه"‪ ،‬وهو‬
‫يشبه هذا األخذ بعمل الصائغ الذي يذيب احلجر الكريم ويعيد صياغته بأحسن مما كان عليه‪ ،‬وهو يرى أن‬
‫عالقة اللفظ باملعنى كعالقة الروح باجلسد‪ ،‬وملا كان عمل الشعر عند ابن طباطبا عقلياً خاصاً‪ ،‬كان تأثري‬
‫الشعر عقلياً كذلك‪ ،‬ألنه مقصود مبخاطبة الفهم‪ ،‬وهو يرى أن الفهم هو منبع الشعر ومصبه‪ ،‬لذلك جيعل‬
‫عنصر الصدق أهم عناصر الشعر وأكرب مزاياه‪ ،‬ولفظة الصدق متفاوتة الداللة عند ابن طباطبا‪:‬‬
‫فهناك الصدق عن ذات النفس بكشف املعاني املختلجة فيها‬ ‫‪. 1‬‬
‫وهناك صدق التجربة اإلنسانية‬ ‫‪. 2‬‬
‫وهناك الصدق التارخيي‪ ،‬وهنا جييز ابن طباطبا للشاعر إذا اضطر أن يزيد أو ينقص على‬ ‫‪. 3‬‬
‫شرط أن تكون الزيادة والنقصان يسريين غري خمدجني ملا يستعان بهما وتكون األلفاظ غري خارجة‬
‫من جنس ما يقتضيه‪.‬‬
‫ونوع رابع م ن الصدق قد ندعوه الصدق األخالقي وهو ماال مدخل فيه للكذب بنسبة الكرم‬ ‫‪. 4‬‬
‫للبخيل أو نسبة اجلنب إىل الشجاع‪.‬‬
‫أما النوع اخلامس من الصدق فهو الصدق التصويري أو ما يسميه ابن طباطبا "صدق التشبيه"‪،‬‬ ‫‪. 5‬‬
‫وهو ينص عليه يف غري موطن من كتابه‪.‬‬
‫ال معتدالً مؤثراً‪.‬‬
‫فإذا توفرت للشعر أنواع الصدق‪ ،‬وتوفر للشاعر صدق التجربة جاء الشعر مجي ً‬
‫هكذا هو ابن طباطبا يرى اتباع السنة وينفي الفرق بني القصيدة والرسالة إال يف النظم‪ ،‬ويتصور الوحدة يف‬
‫القصيدة وحدة مبنى قائم على تسلسل املعاني واملوضوعات‪ ،‬حبيث تكون العلية الشعرية عمالً عقلياً واعياً‬
‫متام الو عي‪ ،‬ويعترب التأثري اآلتي من قبل اجلمال تأثرياً يف الفهم على الشكل لذة كاللذة اليت جتدها احلواس‬
‫املختلفة يف مدركاتها‪ ،‬وإذا كان االعتدال ميزة للجمال يف الكيان الكلي‪ ،‬فإن الصدق هو الذي يهيئ الفهم‬
‫لقبول احملتوى والتجربة‪.‬‬
‫الصراع النقدي حول أبي متام‪:‬‬
‫لقد شغلت ال ظاهرة اليت ميثلها أبو متام النقاد واملتذوقني يف القرن الثالث‪ ،‬ثم ورثها نقاد القرن الرابع وأمعنوا‬
‫فيها‪ ،‬أما اخلصومة الشفوية حوله فقد كانت واسعة النطاق‪ ،‬ومل تسكن ثائرتها يف القرن الرابع بل لعلها‬
‫ازدادت‪ ،‬كما أن حركة التأليف فيه قد اتسعت؛ وكان اجلانب من جهد نقاد القرن الثالث يف جمالسهم ويف‬
‫ما كتبوه مييل إىل إبراز عيوبه‪ ،‬وقد حتددت تلك العيوب يف سرقته لبعض املعاني‪ ،‬ويف تعسفه لالستعارة‬
‫وبعض وجوه البديع األخرى ويف االبتداءات البشعة ويف استعماله أللفاظ وحشية غريبة‪ ،‬ويف استغالل بعض‬

‫‪45‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫معانيه‪ ،‬فكتب أمحد بن عبيداهلل بن عمار القطربلي رسالة بني فيها أخطاءه يف األلفاظ واملعاني‪ ،‬وانفرد‬
‫اآلمدي بذكر مؤلفه يف أبي متام‪ ،‬وكتب الصولي أخبار أبي متام رداً على ابن عمار وأمثاله ممن حاولوا أن‬
‫يغمطوا أبا متام حسناته‪ ،‬وجممل رأي الصولي أن النقد ال يكون بإبراز بعض العيوب والتشهري بالشاعر من‬
‫أجلها وإغفال ما له من حسنات كثرية إزاءها‪ ،‬فكيف إذا كانت تلك العيوب جمتلبة‪ ،‬ونسبة التقصري إىل‬
‫الشاعر مفتعله‪ ،‬وقد نبه الصولي إىل ناحية مل يشر هلا أحد قبله‪ ،‬وهي ناحية كان بعض النقاد يتخذ منها‬
‫منفذاً للطعن يف أبي متام‪ ،‬وهي املعتقد الديين فقد اتهم أبو متام بأنه كان خيل بفروضه‪ ،‬وقد دافع الصولي‬
‫من هذه الناحية من زاوية صحة اخلرب‪ ،‬واحلق أن كتاب الصولي يعد يف كتب السرية أكثر منه يف كتب‬
‫النقد‪ ،‬غري أن كل من تعرض ألبي متام كان يف الغالب مضطراً للوقوف عند البحرتي‪ ،‬ألن الذين كانوا‬
‫يغضون من شأن األول كانوا يف األكثر يكربون من شأن الثاني‪ ،‬وقد كتب أبو الضياء يف سرقات البحرتي‬
‫ووطأ لبحث السرقات بقوله‪" :‬وإمنا املسروق يف الشعر ما نقل معناه دون لفظه‪ ،‬وأبعد آخذه يف أخذه" ثم قسم‬
‫اآلمدي بعد ذلك ما أورده أبو الضياء من سرقات البحرتي يف ثالثة أنواع‪:‬‬
‫معان جارية يف عادات الناس معروفة لديهم يهتدي إليها البحرتي مثلما يهتدي إليها أبو متام وال‬ ‫‪. 1‬‬
‫يقال فيها أن شاعراً سرقها من اآلخر‪.‬‬
‫معان قال عنها أبو الضياء أنه مسروقة إال أنه أخطأ ألنه ليس بني كل معنيني منها أي تناسب‬ ‫‪. 2‬‬
‫معان زعم أبو الضياء أنها مسروقة‪ ،‬ولكن االتفاق فيها يف األلفاظ وهذا غري حمظور على‬ ‫‪. 3‬‬
‫الشاعر‪.‬‬
‫فإذا بلغنا أبا القاسم احلسن بن بشر اآلمدي وصلنا إىل أول ناقد متخصص جعل النقد أهم ميدان جلهوده وفيه‬
‫كتب أكثر مؤلفاته‪ ،‬فاآلمدي سيطر على الرتاث النقدي حتى عصره وتصدى بالتعقب ألهم أثرين نقديني‬
‫ظهرا يف أوائل القرن الرابع وهما عيار الشعر‪ ،‬ونقد الشعر‪ ،‬ومل يعتمد طريقة املناقشة ألخطاء من سبقوه‬
‫وحسب‪ ،‬بل كان ناقداً بناءً‪ ،‬وقد كان اآلمدي صورة ذلك اإلحساس الذي عرب عنه ابن سالم حني ميز دور‬
‫الناقد وعرب عنه اجلاحظ‪ ،‬وكأن اآلمدي حيس أنه الناقد الذي اجتمعت له اآلالت الضرورية للنقد‪ ،‬ولذلك‬
‫يشكو اآلمدي من كثرة املدعني لل معرفة بعلم الشعر‪ ،‬فكتاب املوازنة وثبة يف تاريخ النقد العربي مبا اجتمع‬
‫له من خصائص‪ ،‬ذلك أنه ارتفع عن سذاجة النقد القائم على املفاضلة‪ ،‬فكانت موازنة اآلمدي موازنة مدروسة‬
‫مؤيدة بالتفصيالت اليت تلم باملعاني واأللفاظ واملوضوعات الشعرية بفروعها املختلفة‪ ،‬فاآلمدي يصرح بأنه لن‬
‫يطلق القول يف أيهما أشعر‪ ،‬وإذا مل يكن التفضيل بينهما ممكناً فإن اآلمدي يرى كذلك أن التسوية كذلك‬
‫غري ممكنة‪ ،‬ألنهما يف رأيه خمتلفان ألن البحرتي أعرابي الشعر مطبوع وأبا متام صاحب صنعة متكلف‪،‬‬
‫فأكرب الظن أن املوازنة كانت يف حينها تلبية علمية املظهر واملنهج حلاجة ذلك الصراع الدائر بني املتطرفني‬
‫يف الفريقني‪ ،‬وهي أيضاً نقطة التقاء بني املنصفني من كال الفريقني‪ ،‬وليس هناك شك أن اآلمدي كان يفضل‬
‫طريقة البحرتي ويؤيدها ومييل إليها ومن أجل ذلك جعلها عمود الشعر ونسبها إىل األوائل‪ ،‬وصرح أنه من هذا‬
‫الفريق من دون مواربة‪ ،‬وقد اتهم بأنه حتامل على أبي متام حيث جد واجتهد يف طمس حماسن أبي متام وتزيني‬

‫‪46‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫مرذول البحرتي‪ ،‬واآلمدي يأوي يف نقده إىل ركن شديد جيعله أساساً لنظرته النقدية وهو الرجوع يف كل أمر‬
‫خيتلف فيه املتذوقون والنقاد إىل ما تعارفته العرب وأقرته وأثر عنها‪ ،‬فكما أن على الشاعر أن يلتزم عمود‬
‫الشعر فعلى الناقد كذلك أن يلتزم عمود الذوق‪ ،‬وإذا كان اآلمدي قد تناول القواعد القدمية من اعتماد على‬
‫أصول اللياقة وعلى قانون منتهى اجلودة وعلى ما أشبه هذين من أصول نقدية قدمية وجعلها مقياساً كبرياً‬
‫يكثر اللجوء إليه عندما جيد الناس خمالفني له يف ذوقه‪ ،‬فإنه قد جتاوز حدود تلك القواعد اليت كانت تقف‬
‫عند املواصفات الشكلية إىل صميم العملية الشعرية‪ ،‬وأخطر ما يف هذا االحتكام إىل طريق العرب هو ما‬
‫يصيب االستعارة‪ ،‬ألن تعقب االستعارة يعين التدخل يف التشخيص والقدرة اخليالية لدى الشاعر‪ .‬لذلك عد‬
‫اآلمدي بعض استعارات أبي متام وعلق عليها‪ ،‬وأكثر استعارات أبي متام اليت تعرض هلا اآلمدي إمنا تتعلق‬
‫بالدهر والزمان مما يوحي أن وراء بعض أحكام اآلمدي أثراً دينياً استناداً إىل حديث‪" :‬ال تسبوا الدهر ‪،"...‬‬
‫والذي ذهب إليه اآلمدي من االحتكام إىل طريقة العرب يذكرنا باملنهج الذي اختاره ابن طباطبا يف "عيار‬
‫الشعر" حني حدد طريقة العرب يف التشبيه‪ ،‬إال أن اآلمدي أربى عليه وكمل عمله حني اهتم باالستعارة‪ ،‬ومن‬
‫غريب أمر اآلمدي أنه يستأنس أحياناً بثقافة فلسفية يف احلديث عن صناعة الشعر رغم أنه يبين أكثر نقده‬
‫على االحتكام إىل طريقة العرب‪ ،‬وهو أمنا يعتمد ذلك ليسند مذهبه يف إيثار حسن التأليف‪ ،‬وال يُستبعد أن‬
‫يكون اآلمدي قد درس علم الكالم غري أنه مل يتأثر به إال تأثراً شكلياً‪ ،‬وقد ينال أبو متام إعجابه فيقول‪:‬‬
‫"وهذا ال مدفع جلودته وحسنه‪ ،‬وكأنه صفوة خاط أبي متام"‪ ،‬ومرد هذا إىل النشأة التأثرية حيث بدأ اآلمدي‬
‫منذ ‪ 317‬حياول االختيار اجليد من شعر الطائيني‪ ،‬وقد عاشت هذه التأثرية مع اآلمدي حني شاء أن يكون‬
‫ناقداً موضوعياً وظلت تالحقه بآثارها القدمية‪.‬‬
‫وميكن أن نقول أن كتاب املوازنة يعتمد على ثالثة أركان نقدية كربى هي‪:‬‬
‫الكشف عن السرقات‪ :‬وقد كان الكشف عن السرقة يف القرن الثالث غاية كبرية من غايات‬ ‫‪. 1‬‬
‫النقد وأنه ظل كذلك فيما تال من العصور‪.‬‬
‫القراءة الدقيقة‪ :‬والغاية منها الكشف عن اخلطأ يف استعمال األلفاظ واملعاني‪ ،‬على أن اآلمدي‬ ‫‪. 2‬‬
‫ال خيلو يف تدقيقه من التحكم‪.‬‬
‫املوازنة‪ :‬وهي أهم األركان وأكربها ومن أجلها يف املقام األول أُلف الكتاب‪ ،‬وقد وضح اآلمدي‬ ‫‪. 3‬‬
‫منهجه يف هذه الناحية بقوله‪ " :‬وأنا أذكر بإذن اهلل اآلن يف هذا اجلزء أنواع املعاني اليت يتفق فيها‬
‫الطائيان وأوازن بني معنى ومعنى‪ :‬وأقول أيهما أشعر يف ذلك املعنى بعينه‪ ،‬فال تطلبين أن أتعدى هذا‬
‫إىل أن أفصح لك بأيهما أشعر عن دي على اإلطالق فإني غري فاعل ذلك ‪ "....‬فاملوازنة عند اآلمدي تتم‬
‫على هذا النحو‪:‬‬
‫• أخذ معنيني يف موضعني متشابهني‬
‫• تبيان اجليد والرديء مع إيراد العلة‬
‫• تبيان اجليد والرديء دون إيراد علة‬

‫‪47‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫• إصدار احلكم بأن هذا أشعر من ذاك يف هذا املعنى‬


‫وحني تقدم إىل املوازنة التطبيقية قسم الشعر يف موضوعات‪ :‬كالوقوف على الديار‪ ،‬والغزل واملواعظ واآلداب‬
‫واملدح والوصف والفخر والعتاب والرثاء‪ ،‬واليأس والنجدة‪ ،‬وتتخلل أحكامه توجيهات للمعاني ونقدات الذعة‬
‫ألبي متام‪ ،‬وقد كان اآلمدي يصلح أن يكون ختاماً هلذا النقد الذي استثارته اخلصومة حول أبي متام‬
‫والبحرتي‪ ،‬يف القرن الرابع‪ ،‬ولكننا نلتقي بناقد أخر يعد فيما يبدو من أنصار أبي متام بل يصرح بذلك‪ .‬ذلك‬
‫هو احلامتي الذي سيُتطرق إليه حني التحدث عن املعركة الدائرة حول املتنيب‪.‬‬
‫النقد واألثر اليوناني‪:‬‬
‫لقد قربت حركة الرتمجة يف القرنني الثاني والثالث بني الثقافات املختلفة‪ ،‬فعادت جهود املرتمجني يف القرن‬
‫الرابع تتناول كتاب الشعر من جديد‪ ،‬فرتمجه أبو بشر متى بن يونس القنائي من السرياني إىل العربي‪ ،‬وإن‬
‫كانت ترمجة رديئة تدل على أن بني املرتجم والنص حجاباً من عدم الفهم‪ ،‬وبعض هذه الرتمجة واضح يف الداللة‬
‫ميسر يف التطبيق‪ ،‬إال أنه معتمد على خطأ يف التصور والفهم‪ ،‬ولكن هذه الرتمجة على سوئها كانت ذا أثر‬
‫يف النقد األدبي‪.‬‬
‫قدامة بن جعفر ونقد الشعر‪:‬‬
‫ال ريب يف أن الثقافة اليونانية كانت من أبرز املؤثرات يف قدامة بن جعفر فقد كان ممن يشار إليه يف علم‬
‫املنطق وعد من الفالسفة الفضالء‪ ،‬وله كتاب يف صناعة اجلدل‪ ،‬ويدل كتابه يف اخلراج على ثقافة حسابية‬
‫دقيقة‪ ،‬وهذه الثقافة هي اليت جعلته يشارك يف النقد األدبي‪ ،‬إذ أن املنزلة الثالثة من كتاب اخلراج إمنا كانت‬
‫صدى لكتاب أرسطو يف اخلطابة‪ ،‬ويبدو أن قدامة مل يعرف شيئاً عن كتاب نقد الشعر للناشئ‪ ،‬ومل يطلع‬
‫ع لى كتاب "عيار الشعر البن طباطبا ألنه يصرح بأنه مل جيد أحداً وضع يف نقد الشعر وختليص جيده من‬
‫رديئه كتاباً‪ ،‬ومنذ البداية يبدو قدامة متأثراً باملنطق االرسططاليسي ‪ ،‬متجاوزاً املفهوم اليوناني للشعر يف آن‬
‫معاً‪ .‬فهو يف حده للشعر‪ ،‬ويف حرصه على أن يكون ذلك احلد مكوناً من جنس وفصل يدل على أنه يرتسم‬
‫ثقافته املنطقية‪ ،‬فهو يقول‪" :‬الشعر قول موزون مقفى يدل على معنى"‪ ،‬وقد كان هذا التعريف مورطاً لقدامه‬
‫على الصعيد املنطقي‪ ،‬ألن القافية ال تعدو أن تكون لفظة‪ ،‬فإفرادها خروج على املنطق‪ .‬ومن ثم يتجه احلديث‬
‫يف الشعر إىل عناصره البسيطة (اللفظ ــ املعنى ــ الوزن ــ القافية) ثم يتجه إىل املركبات (اللفظ واملعنى ــ اللفظ‬
‫والوزن ــ املعنى والوزن ــ املعنى والقافية)‪:‬‬
‫فاللفظ جيب أن يكون مسحاً سهل خمارج احلروف‬
‫والوزن يكون سهل العروض فيه ترصيع‬
‫القافية تكون عذبة احلرف سلسلة املخرج فيها ترصيع‬
‫يف ائتالف اللفظ والوزن تكون األمساء واألفعال يف الشعر تامة مستقيمة كما بنيت‪.‬‬
‫يف ائتالف القافية مع املعنى أن تكون متعلقة مبا تقدمها تعلق مالءمة ونظم‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫والصعوبة تأتي من املعنى‪ ،‬وهلذا حيدد قدامة املعاني بستة أنواع ‪ -‬كل منها ذو حدين ‪ :‬جيد ورديء ‪ ،‬وهلا سبع‬
‫صفات ‪ :‬كل صفة موجبة ونقيضتها ‪ ،‬وأنواع املعاني تقع يف األغراض اآلتية ‪ :‬املديح اهلجاء ‪ -‬املرائي ‪ -‬التشبيه‬
‫‪ -‬النسيب ‪ ،‬ولكل غرض حسنات يف املعاني وعيوب ‪ ،‬ويكفي أن يقال إن العيوب نقض للحسنات ‪ .‬وتتوفر يف‬
‫املعاني اجليدة الصفات اآلتية‪ :‬صحة التقسيم ــ صحة املقابالت ــ صحة التفسري ــ التتميم ‪ -‬املبالغة ‪ -‬التكافؤ‬
‫ــ االلتفات ‪ ،‬وأضدادها املعيبة هي‪ :‬فساد التقسيم ــ فساد املقابالت ‪ -‬فساد التفسري ــ االستحالة والتناقض ‪-‬‬
‫ايقاع املمتنع ‪ -‬خمالفة العرف ‪ -‬نسبة الشيء إىل ما ليس له‪.‬‬
‫من هذه الصورة اخلارجية للكتاب يتضح أن الكتاب رُسم حسب خطة دقيقة ال ختتل‪ ،‬ألن فكرة املؤلف‬
‫واضحة متام الوضوح يف ذهنه‪ ،‬فهو ال خيرج عن حدود موضوعه‪ ،‬وقد رأى قدامه أن أغراض الشعر إما أن‬
‫يكون مضوعها اإلنسان ( املمدوح ــ املهجو ــ املرثي ــ املتغزل فيه ــ املوصوف) ‪ ،‬وإما أن يكون موضوعها الشيء‬
‫املوصوف‪ ،‬وقد جييء موضوع سادس يربط بني هذين بالرابطة الصورية (التشبيه)‪ ،‬وقد جلأ قدامة إىل الثقافة‬
‫الفلسفية‪ ،‬فوجد أن أفالطون جيعل الفضائل الكربى أربعاً‪( :‬العقل والشجاعة والعدل والعفة)‪ ،‬وألن الرتمجة‬
‫لكتاب الشعر قد مست الرتاجيديا والكوميديا باسم املديح واهلجاء‪ ،‬فقد رسخت هذه التسمية اخلاطئة يف‬
‫ذهن قدامة أن العرب واليونان يشرتكون يف هذين الفنني‪ ،‬ويرى قدامة أنه جيوز للشاعر اإلفراط يف الفضائل‬
‫والغلو يف الشعر ولو أفرط فيه الشاعر وجاء مبا خيرج عن املوجود‪ ،‬ألن ذلك من باب الغلو يف الشعر وليس يراد‬
‫ما ذهب إليه‬ ‫منه إال املبالغة والتمثيل ال حقيقة الشيء‪ ،‬ويقول‪" :‬إن الغلو عندي أجود املذهبني وهو‬
‫أهل الفهم بالشعر والشعراء قدمياً"‪ ،‬ويف هذا يقف قدامة مناقضاً ملبدأ الصدق الذي دافع عنه ابن طباطبا‬
‫واآلمدي‪ ،‬وقد كان قدامة يف ذلك يستو حي فكرة وردت عن ارسططاليس وهي يف قوله‪" :‬أما ما يتصل‬
‫با لصدق الشعري فإن املستحيل احملتمل مفضل على شيء غري حمتمل إال أنه ممكن‪ ،‬أما عن إقرار قدامة‬
‫جبواز الفحش والرفث يف الشعر فإنه يرى أن املعاني كلها معروضة للشاعر يتكلم منها فيما أحب دون أن‬
‫حيظر عليه معنى من املعاني‪ ،‬إذ األساس األخالقي إمنا يتناول تصوير اجلوانب املوجبة‪ ،‬وليس هناك من يستطيع‬
‫أن حيظر عليه تصوير اجلوانب السالبة‪ ،‬وإال مل يكن اهلجاء فناً من فنون الشعر‪ ،‬وما دامت هذه احلرية‬
‫مكفولة للشاعر‪ ،‬فليس ينتظر منه أن يظل على مستوى نفسي واحد‪ ،‬وهلذا يرد قدامة على من عاب امرأ‬
‫القيس ألنه صور نفسه "ساعياً جملد مؤثل" وقانعاً "بالشبع والري" مرة أخرى‪ ،‬وهنا يتابع قدامة أرسططاليس يف‬
‫التناقض يف موقفني حيث يقول ارسططاليس ويتابعه قدامة أن األشياء تتقابل على أربع جهات‪:‬‬
‫جهة اإلضافة‪ :‬كاألب واإلبن والعبد واملوىل‬ ‫‪. 1‬‬
‫جهة التضاد‪ :‬كاخلري والشر واحلار والبارد‬ ‫‪. 2‬‬
‫جهة العدم والفنية‪ :‬كالعمى والبصر‬ ‫‪. 3‬‬
‫جهة النفي واإلثبات‪ :‬مثل زيد جالس زيد غري جالس‬ ‫‪. 4‬‬
‫ومع أن أمثلة قدامة معظمها إمنا هي مما عاجله نقاد العرب من قبل‪ ،‬إال أن تفسريه متصالً باألصول النظرية‬
‫اليت وضعها‪ ،‬غري أنك جتده حني يتحدث عن شئون الغلو والفضيلة وأخالقية املنبع الشعري‪ ،‬وال أخالقية بعض‬

‫‪49‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫النماذج الشعرية‪ ،‬إمنا همه أن يوفق بني ما حشده من روافد خمتلفة تأدت إليه من ثقافته اليونانية وسواء أكان‬
‫فهمه لآلراء دقيقاً أو خاطئاً‪ ،‬وسواء أكانت أجوبته على املشكالت موفقة أو غري موفقة فإن هذا املوقف يصور‬
‫ما كان يشغل باله من شئون املزاوجة بني الشعر والفكر‪ ،‬وابتداع (علم) نقدي‪ .‬وهلذا ميكن أن نقول أن‬
‫الصفات اإلجيابية اليت وضعها قدامة للمعاني ال متيز الشعر بشيء‪ ،‬وبقي هذا الشعر إىل استنباط خصائص‬
‫أخرى‪ ،‬وقد تناول قدامة يف نقده الواقع الشعري دون غريه من املستويات‪ ،‬ومثل هذا النقد يستطيع أن يتمرس‬
‫باحلقائق اليت يقبلها العقل يف الشعر ويُؤثر التقرير والوضوح واحلسم الفاصل والصحة املتميزة‪ .‬والفرق بني‬
‫قدامة وابن طباطبا أن األول يُريد أن يضع للشعر خمططاً منطقياً بقطع النظر عن السعة والشمول وحكم‬
‫الذوق‪ ،‬والثاني حياول أن حيد من طغيان الذوق بشيء من القواعد واألسس‪ .‬ولكن بينهما من الشركة ما‬
‫يتضح يف موقف كل منهما يف التشبيه‪ .‬وقد هون قدامة من االستعارة ألنها حتطم كثرياً مما بناه‪ ،‬فهو حيتكم‬
‫للعادة والذوق العام يف قبول االستعارة‪ ،‬ثم إن االهتمام باالستعارة يعين االهتمام بقوة اخللق عند الشاعر‪ ،‬ولن‬
‫جتد ناقد ًا مثل قدامة قصر حديثه كله على الشعر نفسه دون أن يلتفت للشاعر وللمتلقي‪ .‬فليس يدخل يف نقد‬
‫قدامة أي حديث عن احلاالت النفسية باملعنى الدقيق وال عن الطبع‪ ،‬كما أنه ال يهتم بالسامعني وحالتهم‬
‫النفسية عند تلقيهم الشعر‪ .‬ورغم احتفال قدامة باملعنى فقد أهمل موضوع السرقات الذي استأثر باهتمام غريه‬
‫من النقاد‪ ،‬وكأنه بإهماله هلذا املوضوع الكبري يومئ من طرف خفي إىل أن املعاني شركة للجميع‪ ،‬وقد‬
‫حتفظ قدامه يف حال النسيب وما أشبهه‪ ،‬فالنسيب من حيث وجوده قد ميثل مشكلة بالنسبة لقدامة‪ ،‬ألنه‬
‫ليس كاملدح أو اهلجاء أو الرثاء وليد قاعدة أخالقية‪.‬‬
‫ومما سبق يتبني لنا أن قدامة ال ميلك مقياساً يف النقد إال اجلودة ويقابلها الرداءة‪ ،‬ويف الطرف األعلى منتهى‬
‫اجلودة‪ ،‬ويف الطرف األدنى منتهى الرداءة‪ ،‬وبني املرحلتني مواقف هي وسائط بني املدح والذم‪ ،‬فما كان فيه‬
‫من النعوت أكثر كان إىل اجلودة أميل‪ ،‬وما كان فيه من العيوب أكثر كان إىل الرداءة أقرب‪ ،‬وما تكافأت‬
‫فيه النعوت والعيوب كان وسطاً بني املدح والذم‪ ،‬فذلك هو قدامة يف النقد‪ ،‬يقف موقف العامل يصنف كل‬
‫شيء مبنتهى الوضوح‪ ،‬ويسيء الظن بالقارئ فيضع له االمنوذج ليقيس عليه‪ ،‬وال ريب أنه بنى أسساً نقدية‬
‫متكاملة وأن النقد يقوم على نظرية حمددة‪.‬‬
‫أبو نصر الفارابي‪:‬‬
‫كان اهتمام الفارابي باخلطابة والشعر جزءاً من منهجه الفلسفي العام‪ ،‬ولذا فإنه فسر ريطو ريقا (كتاب‬
‫اخلطابة)‪ ،‬ويبدو أن رسالته يف قوانني صناعة الشعراء تلخيص جلزئيات من كتاب الشعر‪ ،‬والرسالة مل تتناول‬
‫كتاب أرسطو يف الشعر إال ملاماً‪ ،‬ومهما تكن الصلة بني رسالة الفارابي وكتاب أرسطو خفيفة فإن الفارابي‬
‫كان على معرفة بكتاب أرسطو‪ ،‬ولكنه مل يُفد منه اإلفادة املستوفاة‪ ،‬إال أن حديث الفارابي عن احملاكاة‬
‫يف مواضع خمتلفة يشري إىل أنه استطاع استيعاب هذه النظرية على وجه مقبول‪ ،‬ويرى الفارابي أن العلوم اليت‬
‫تتناول الشعر تنقسم يف أقسام فبعضها إلحصاء األوزان واألسباب واألوتاد‪ ،‬وبعضها يتناول نهاية األبيات‪،‬‬
‫وبعضها للفحص عما يصلح أن يستعمل يف الشعر من ألفاظ‪ ،‬وهناك علم امسه "علم األقاويل الشعرية" وهو الذي‬

‫‪50‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫حيدد طبيعة األقاويل وغايتها على النحو الذي أورده ارسططاليس يف كتاب الشعر‪ ،‬وليست األقاويل الشعرية‬
‫إال ضرباً واحداً من ضروب األقاويل‪ :‬فهناك األقاويل الربهانية واجلدلية واخلطابية والسوفسطائية والشعرية‪،‬‬
‫وتتفاوت هذه يف حظوظها من اجلزم والقياس ومن ثم تتفاوت يف حظوظها من الصدق والكذب‪ ،‬فاالقاويل‬
‫الشعرية كاذبة ألنها قائمة على اخليال‪ ،‬وهلذا كان للتخييل يف الشعر قيمة العلم يف الربهان‪ ،‬وهذا التخييل‬
‫هو الذي يُسمى احملاكاة "فاألقاويل الشعرية هي اليت شأنها أن تؤلف من أشياء حماكية لألمر الذي فيه‬
‫القول؛ فإن حماكاة األمور قد تكون بفعل‪ ،‬وقد تكون بقول‪ ،‬إذن فالقول الشعري يقوم على احملاكاة وهو‬
‫يف ذلك يشبه الرسم وليس من اختالف بينهما إال مادة الصناعة‪ ،‬فما دام أنه يقوم على احملاكاة فإن احملاكاة‬
‫واألشياء اليت تتم بها تعد ألهم عنصر يف الشعر‪ ،‬ولو طلبنا الشعر عند القدماء لكان كما يلي‪" :‬أن يكون‬
‫قوالً مؤلفاً مما حياكي األمر وأن يكون مقسوماً بأجزاء ينطق بها يف أزمنة متساوية‪ ،‬غري أن الشعر إذا خال‬
‫من الوزن بطل أن يكون شعراً وعلى أساس الوزن ينقسم الشعر يف أنواع‪ ،‬مثلما ينقسم على أساس املعاني‪،‬‬
‫وقد اختار العرب السمة املوضوعية حني ميزوا األهاجي واملدائح واملفاخرات واأللغاز واملضحكات والغزليات‬
‫والوصفيات‪ ،‬ومل جيعلوا لكل موضوع وزناً خاصاً به‪ ،‬وكذلك فعلت أكثر األمم ما عدا اليونانيني فإنهم‬
‫جعلوا لكل نوع من أنواع الشعر نوعاً من الوزن‪ ،‬وقد نشأت عند بعض األمم عالقة وثيقة بني اللحن والوزن فإذا‬
‫نطقوا الشعر دون حلن بطل وزنه‪ ،‬وليس كذلك العرب‪ ،‬أما احملاكاة فإن من شأنها أن ختيل األمر على حالٍ‬
‫أفضل أو أحسن‪ ،‬ورمبا أن أفعال اإلنسان كثرياً ما تتبع ختيالته‪ ،‬فصارت األقاويل الشعرية تستعمل يف خماطبة‬
‫إنسان يُستنهض لفعل شيء باستفزازه إليه واستدراجه حنوه‪ ،‬والسبب يف قوة احملاكاة على التأثري أن ما يعرض‬
‫لنا لدى التخييل شبيه مبا يعرض لنا عند النظر إىل الشيء نفسه‪ ،‬وقد تنتقل احملاكاة خطوة أخرى فتصبح‬
‫حماكاة احملاكاة كالذي يضع متثاالً لزيد ثم يضع مرآة يرى فيها التمثال‪ ،‬وكذلك الشعر فإنه قد حياكي‬
‫األشياء اليت حتاكي األمر نفسه‪ ،‬فاحملاكاة قوام الشعر إال أنها ليست عنصراً يف اخلطابة‪.‬‬
‫ويتفاوت الشعراء يف قدرته على احملاكاة وهم بذل ينقسمون يف ثالث طبقات‪:‬‬
‫طبقة تسعفهم حيلتهم وطبيعتهم املهيأة للمحاكاة والتمثيل‪.‬‬
‫طبقة يعرفون الصناعة حق املعرفة حتى ال يند عنهم شيء من خواصها وقوانينها‪.‬‬
‫طبقة تقلد هاتني الطبقتني وحتتذي حذوهما‪.‬‬
‫وقد تعرتض الشاعر عوائق عن قول الشعر‪ :‬يرجع بعضها إىل الكيفيات النفسية وترددها بني القوة والفتور‪،‬‬
‫كما أن بعض العوائق تكون يف الشيء احملكي أي األمر نفسه‪ ،‬كما تتفاوت جودة التشبيه‪ ،‬وقد تكون يف‬
‫أمرين قريبني‪ ،‬ورمبا أوجد احلاذق املشابهة بني شيئني متباينني‪ ،‬ويف حديث الفارابي عن احملاكاة وأهميتها‬
‫طرف غري قليل من آراء أرسطو غري أن بعضه خاطئ أو مُحرف‪ ،‬وكذلك تباين الشعراء يف قدرتهم على‬
‫احملاكاة قد أخذه عن أرسطو‪ ،‬ومن الغريب أن الفارابي مل يالبس الشعر العربي كثرياً وال ألف فيه كما‬
‫ألف يف صنعة الكتابة واكتفى بالنظر دون التطبيق‪ ،‬إال أن تكون رسالته يف الشعر والقوايف ذات صلة بالشعر‬
‫العربي‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫أبو حيان التوحيدي وأصحابه من مفكري القرن الرابع‪:‬‬


‫لقد كان أبو حيان جيمع إىل ذوقه الدقيق يف إدراك اجلمال يف النثر والشعر اطالعاً على ما كتب يف النقد‬
‫األدبي‪ ،‬فقد قرأ "نقد الشعر للناشئ" و "عيار الشعر" البن طباطبا و "نقد الشعر والكالم اخلاص بالنثر كتاب‬
‫اخلراج لقدامة وعرف كتب األقدمني اليت تتصل مادتها بالنقد‪ ،‬لقد كان حيب الشعر حمبة املتذوق فكان‬
‫مهيأ حبكم ذلك الذوق النافذ واالطالع الواسع ليكون يف طليعة النقاد‪ ،‬وقد تناول جهد ابي حيان يف النقد‬
‫ثالثة مظاهر‪:‬‬
‫ارسال األحكام املوجزة حول الشعراء والكتاب املعاصرين‪.‬‬ ‫‪. 1‬‬
‫لقد تناولت أحكام التوحيدي عدداً من أدباء عصره‪ ،‬ويبدو كالمه يف ذلك مرسالً ألنه غري مؤيد‬
‫بالشواهد‪ ،‬مثلما يتحمل اخللط بني تقدير أبي حيان للشاعر وتقديره للشع يف آن واحد‪ ،‬فكالمه يف‬
‫هذا تعميمي‪.‬‬
‫تقرير أصول البالغة نظرياً وتطبيقها عملياً‪.‬‬ ‫‪. 2‬‬
‫أورد أبو حيان قول إبراهيم اإلمام‪ " :‬يكفي من حظ البالغة أال يؤتى السامع من سوء إفهام الناطق‪،‬‬
‫وال يؤتى الناطق من سوء فهم السامع " وعلق عليه وذهب حيدد البالغة بأنها تعتمد على الطبع أو على‬
‫الصناعة أو على اإلثنني معاً‪ ،‬وعلى هذا جتيء البالغة يف ثالثة مستويات‪ ،‬بالغة املطبوع وال خيلو من‬
‫صناعة‪ ،‬وبالغة املصنوع وال خيلو من طبع‪ ،‬وفن ثالث مسلسل يبتدر يف أثناء هذين املذهبني‪ ،‬ويقف‬
‫التوحيدي موقفاً خاصاً من السجع الذي أكثر منه كتاب القرن الرابع‪ ،‬فريى أال يشتط الكاتب يف‬
‫اعتماده‪ ،‬فإنه إن فعل حلق كالمه بكالم الكهان‪ ،‬ويوجه التوحيدي املرء ليكون كاتباً فينص يف‬
‫ذلك على اإلخالص واالستهانة باجلهد وعدم االنقياد لسحر اللفظ قبل الوثوق من حدود املعنى‪ ،‬وعلى‬
‫العناية باجلمال يف التأليف‪ ،‬وعلى التوفيق بني الشكل واحملتوى توفيق ًا متالمحاً ال انفصال فيه‪.‬‬
‫استثارة املعاصرين إىل اإلجابة عما يتعلق باملشكالت النقدية‬ ‫‪. 3‬‬
‫يتميز التوحيدي بذلك الظمأ العقلي الذي كان حيفزه إىل التساؤل الذاتي وإىل إىل إلقاء األسئلة عما‬
‫يعتلج يف ذهنه ونفسه من مشكالت‪ ،‬ومن أهم املشكالت اليت كانت جتول يف ذهنه وأذهان املفكرين‬
‫من حوله مشكلة العالقة بني النظم والنثر‪ ،‬ثم امكان املفاضلة بينهما‪ ،‬ومنشأ هذه املشكلة فلسفي‬
‫من حيث التفاوت بني اخلطابة والشعر يف حظهما من الصدق والكذب‪ ،‬وقد القى أبو حيان على أستاذه‬
‫أبي سليما سؤاالً حوهلما عن أيهما أشد تأثرياً يف النفس‪ ،‬وهذا يتضمن السؤال عن أفضلية أحدهما‬
‫على اآلخر‪ ،‬فكان اجلواب‪" :‬النظم أدل على الطبيعة والنثر أدل على العقل"‪ ،‬واشتق التوحيدي من صلة‬
‫جرس اللفظ باحلس وصلة املعنى بالعقل سؤاالً جديداً‪ ،‬فسأل أبا بكر القومسي "ما معنى قول بعض‬
‫احلكماء‪ :‬األلفاظ تقع يف السمع فكلما اختلفت كانت أحلى‪ ،‬واملعاني تقع يف النفس فكلما اتفقت‬

‫‪52‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫كانت أحلى‪ ،‬فكان اجلواب يدور على مفهوم التبدد والتوحد‪ ،‬فاحلس من صفاته التبدد وهو تابع‬
‫للطبيعة‪ ،‬فاختالف األلفاظ يوافق خاصية التكثر يف احلس‪ ،‬والنفس متقبله للعقل‪ ،‬فكلما ائتلفت‬
‫حقائق املعاني عند ورودها على العقل وافقت نزعة التوحد وكانت أنصع وأبهر‪ ،‬وقد سأل أبو حيان أبا‬
‫سليمان عن ماهية البالغة فكان اجلواب‪" :‬هي الصدق يف املعاني مع ائتالف األمساء واالفعال واحلروف‬
‫وإصابة اللغة وحتري املالحة واملشاكلة‪ ،‬برفض االستكراه وجمانبة التعسف"‪ ،‬ويندفع التوحيدي بقوة‬
‫حبه للغة العربية إىل أن يسأل‪" :‬هل بالغة أحسن من بالغة العرب" فيجيبه شيخه "هذا ال يتبني لنا إال‬
‫أن نتكلم جبميع اللغات على مهارة وحذق"‪ ،‬وقد كان يسأل التوحيدي أحياناً بعض النقاد عن رأيهم‬
‫يف بالغة هذا الكتاب أو ذاك‪.‬‬
‫وقد كان أبو حيان مشغول اخلاطر بأمور مستمدة من التجربة العميقة تتصل بالشعر‪ ،‬فمن ذاك ما‬
‫الحظه من أن العروضي يكون شعره يف الغالب رديئاً‪ ،‬فيتوجه بالسؤال عن ذلك إىل مسكويه‪،‬‬
‫وخالصة رد مسكويه‪ :‬أن العروض صناعة وصاحب الصناعة ال جيري جمرى ذي الطبع اجليد الفائق‪،‬‬
‫وهلؤالء املفكرين الذي اتصل بهم التوحيدي حدود وآراء يف بعض ما يتصب بالنقد كتعريف أبي احلسن‬
‫العامري للشعر‪" :‬بأنه كالم مركب من حروف ساكنة ومتحركة‪ ،‬بقواف متواترة‪ ،‬ومعاني معادة‪،‬‬
‫ومقاطع موزونه‪ ،‬ومتون معروفة"‪ ،‬وألبي سليمان املنطقي حتديد ألنواع البالغة حيث جيعلها سبعة‬
‫أضرب‪ :‬بالغة الشعر وبالغة اخلطابة وبالغة النثر وبالغة املثل وبالغة العقل وبالغة البديهة وبالغة‬
‫التأويل‪ ،‬وواضح أن هذا القول غري منطقي ألن صاحبه ينظر من زوايا خمتلفة‪ ،‬وكان أبو إسحاق‬
‫الصابي من أبرز كتاب القرن الرابع وقد عرفه أبو حيان واطلع على رسائله وعلى كتابه "التاجي"‬
‫وعرف طريقته الكتابية‪ ،‬وقد كان الصابي أحد من استطاع أن جيمع بني الشعر والنثر يف نطاق‪.‬‬
‫وهنا نقف مع بعض األسئلة‪:‬‬
‫‪ . 1‬ملاذا كان الوضوح يف معاني النثر أحسن والغموض يف معاني الشعر أحسن؟‬
‫فيكون اجلواب‪ :‬الشعر مبين على نظام معني وحدته البيت القائم بنفسه‪ ،‬والرابط بني أبياته الوزن‬
‫واملضوع الكلي فللبيت طول معني ال يتعداه‪ ،‬وهلذا لزم أن حيتقب من املعاني ما هو لطيف دقيق‪ ،‬أما‬
‫يف النثر فاألمر على عكس ذلك إذ كان النثر مبين على االسرتسال والتوالي وال يوقف فيه إال بعد‬
‫اكتمال فصل وهو لذلك يقرأ متصالً ثم إن مجهوره متفاوت يف الفهم‪ ،‬والبد له من أن خياطب اجلميع‬
‫ويكون مستساغاً لديهم‪.‬‬
‫‪ . 2‬إذا كانت القرائح منقسمة بني الطرفني‪ :‬الشعر والنثر فلم زادت القرائح اليت تُحسن عمل الشعر‬
‫على القرائح اليت حتسن عمل النثر؟‬
‫فيكون اجلواب من الصابي‪ :‬إن اعتماد الشاعر إخراج بيت يف إثر بيت على نسق يقوم فيه الوزن والقافية‬
‫مقام السائق والقائد يعين أن يلجأ إىل احلذو على مثال أو اإلفراغ يف قالب‪ .‬لكن الكاتب يصوغ رسالته‬
‫متحدة متجمعة‪ ،‬ويضمها من أقطار مرتاخية متسعة ورمبا أسهب حتى تكون رسالته يف طول عدة‬

‫‪53‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫قصائد مع تعمد األلفاظ الفخمة‪ ،‬وألن الرسائل صادرة عن السلطان يف الغالب‪ ،‬فهذا كله جيعل‬
‫القادرين على إجادة الرتسل قلة‪.‬‬
‫‪ . 3‬مل ارتفعت طبقة املرتسلني على طبقة الشعراء؟‬
‫فيكون اجلواب‪ :‬ألن مهمة املرتسلني هي تنظيم الدولة من مجيع جوانبها‪ ،‬فأهميتهم نابعة من أهمية ما‬
‫يزاولون‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن املشكلة الكربى اليت شغلت مفكري القرن الرابع التمييز بني الشعر والنثر أو‬
‫املفاضلة بينهما‪ ،‬فإن أبا حيان غري متأثر بآراء الصابي يف العالقة بني الفنني خيلص إىل القول بأن خري‬
‫الكالم "ماقامت صورته بني نظم كأنه نثر ونثر كأنه نظم‪ ،‬يطمع مشهوده بالسمع‪ ،‬وميتنع مقصوده‬
‫على الطبع"‪ ،‬إن انشغال هؤالء املفكرين مبا يتعلق مبستوى البالغة وبالعالقة والفروق بني النظم والنثر‬
‫أبعده عن التساؤل عن صلة الشعر باألخالق‪ ،‬وقد كانت الناحية التطبيقية لديهم ضعيفة باستثناء‬
‫قدامة‪ ،‬وقد كان أبو حيان هو األصلح ليؤدي دوراً يف الربط بني الثقافتني‪ ،‬ولكن نظرته للشعر كانت‬
‫تركيبية؛ أي كان يدرس ثم جيمل دراسته يف كلمات يسرية‪ ،‬وقد حاول احلامتي أن يقيم صلة بني‬
‫الشعر والفلسفة فدل بذلك على نوع جديد من ثقافة الناقد األدبي يف عصره‪ ،‬وله رسالة فيما وافق فيه‬
‫املتنيب كالم أرسطو‪ ،‬وهناك قول يف نسبتها إليه‪ ،‬وهي على وجه اإلمجال تضع القاريء يف جو حكمي‬
‫فلسفي‪ ،‬إذ أنها تتناول شؤون الطباع والنفس والشهوة والعقل والزمان واألخالق‪ ،‬وهي باب النقد تقع‬
‫يف نطاق السرقات‪ ،‬ثم هي تشري إىل املعاني اليت ترد يف النثر ويستطيع أن جيعلها الشاعر منظومة‪ ،‬وقد‬
‫بلغت األقوال اليت أوردها احلامتي مائة وهي على تفاوتها وتكرار بعضها تفيد شيئاً واحداً‪ ،‬أن أبا‬
‫الطيب كان يعيش يف جو الفكر الفلسفي‪ .‬وقد شارك احلامتي يف قضية املفاضلة بني النظم والنثر‬
‫فكان من القائلني بتفضيل األول على الثاني حيث يقول‪" :‬وأوىل هذه املزية والقدم املتقدمة‪ ،‬املنظوم‪،‬‬
‫فإنه أبدع مطالع وأنصع مقاطع وأطول عناناً وأفصح لساناً وأنور أجنماً وأنفذ أسهماً وأشرد مثالً وأسري‬
‫لفظاً ومعنى"‪ ،‬ومل يكن للحامتي موقف حاسم من قضية "أعذب الشعر أكذبه"‪ ،‬فاحلامتي ال يرى‬
‫بأساً من إيراد مناذج من الغلو يف كتابه يسمى كل بيت منها "أبدع بيت قيل يف اإلغراق"‪.‬‬
‫املعركة النقدية حول املتنيب‪:‬‬
‫لقد ركدت ريح اخلصومة حول أبي متام أو كادت‪ ،‬وذلك حوالي منتصف القرن الرابع‪ ،‬وكاد الذوق العام‬
‫يصبح أشد ميالً إىل الشعر احملدث‪ ،‬ويتقبل أبا متام مثلما يتقبل البحرتي‪ ،‬ولكن الظاهرة اجلديدة وهي ظهور‬
‫املتنيب كانت مصدر حرية كبرية للذوق والنقد معاً‪ ،‬فها هو شاعر جيمع بني القديم واحلديث‪ ،‬جييء باجلزالة‬
‫والقوة والبيان على خري ما كان جييء به القدماء‪ ،‬ويغوص على معاني احلياة اإلنسانية غوصاً بعيداً‪ ،‬ويضمن‬
‫شعره فلسفة حياة وثقافة‪ ،‬وقد صدم املتنيب الذوق مرتني‪ :‬مرة بشخصه املتعالي املتعاظم ومرة جبرأته يف الشعر‪،‬‬
‫ومن هنا نشبت املعركة بني أنصاره وخصومه‪ ،‬غري أنهم مجيعاً متفقني على أنه شاعر كبري‪ ،‬وقد كان النقد‬

‫‪54‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫الذي دار حوله يف غالبه هجوماً على املتنيب اإلنسان من خالل الشعر‪ ،‬ولوال إحساس النقاد بكرب الظاهرة ملا‬
‫وجدت يف نفوسهم ذلك الصدى البعيد‪.‬‬

‫حممد بن احلسن بن املظفر احلامتي‪:‬‬


‫كان النقد ميدانه األكرب ومل يقتصر جهده على املتنيب‪ ،‬وقد جاءت آثاره يف النقد متفاوتة ترتاوح بني تقرير‬
‫القواعد ووضع األصول‪ ،‬وبني احلدة الثائرة يف تعقب السقطات‪ ،‬وقد كانت نظراته أساساً صاحلاً يتعلم منه‬
‫الدارسون‪ ،‬له مثانية كتب من أهمها الرسالة املوضحة يف ذكر سرقات املتنيب والرسالة فيما وافق أرسطو من‬
‫شعر املتنيب وكتاب "حلية احملاضرة"‪ ،‬ويبدو أنه كتبه قبل منتصف القرن إذ ال تعثر فيه على أية إشارة للمتنيب‬
‫وقد أثبت فيه مادة غزيرة تتناول األمور التالية‪:‬‬
‫فصول يف املصطلح الشعري البالغي‪.‬‬ ‫‪. 1‬‬
‫فصول يف األبيات اليت متثل احلكمة واألمثال الشاردة‪.‬‬ ‫‪. 2‬‬
‫باب يف جماز الشعر ومعرض الكالم على أنواع السرقات ومراتبها‪.‬‬ ‫‪. 3‬‬
‫أدبيات املعاني يف موضوعات شتى‪.‬‬ ‫‪. 4‬‬
‫عودة إىل أحسن ما قيل يف موضوعات خمتلفة‪.‬‬ ‫‪. 5‬‬
‫فصل يسميه املؤلف " الفصل التاسع يف السابق واملصلي" وهو عود إىل قضية تداول‬ ‫‪. 6‬‬
‫املعاني وبيان ما سبق إليه الشعراء‪.‬‬
‫واحلامتي يتابع أبن طباطبا يف أن القصيدة جيب أن تكون يف تناسب صدورها واعجازها وانتظام نسيبها‬
‫مبدحيها كالرسالة البليغة‪ ،‬وال جند لدى احلامتي مقاييس كربى يف جمال نقده التطبيقي‪ ،‬فمقاييسه يف‬
‫األغلب ضمنية أو تعميمية‪ ،‬فقد كان شغله الشاغل احلديث يف األخذ والسرقة وما يتصل بهذا املوضوع من‬
‫شؤون‪ ،‬وقد وضع أبواب يف تعدد أنواع األخذ وهي‪:‬‬
‫باب االنتحال ــ باب اإلحنال ــ باب اإلغارة ــ باب املعاني العقم ــ باب املواردة ــ باب املرافدة ــ باب االجتالب‬
‫واالستلحاق ــ باب االصطراف ــ باب االهتدام ــ باب االشرتاك يف اللفظ ــ باب إحسان األخذ ــ باب تكافؤ املتبع‬
‫واملبتدع يف إحسانهما ــ باب تقصري املتبع عن إحسان املبتدع ــ باب نقل املعنى إىل غريه ــ باب تكافؤ السابق‬
‫والسارق يف اإلساءة والتقصري ــ باب من لطيف النظر يف إخفاء السرقة ــ باب كشف املعنى وإبرازه بزيادة ــ باب‬
‫االلتقاط والتلفيق ــ باب يف نظم املنثور‪.‬‬
‫وقد كان للحامتي أن خيتزهلا ولكنه شاء التفريع إلظهار اهتمامه باملوضوع وسبقه إىل متييز أصنافه‪ ،‬وتعترب‬
‫رسالته املوسومة بـ"جبهة األدب" أول رسالة وافية صنفت يف نقد شعر أبي الطيب‪ ،‬وهو يصرح فيها بأن الوزير‬
‫املهليب هو الذي حرضه على مهامجة املتنيب‪ ،‬فهي مل تكن خالصة للنقد فقد اجتمع فيها غرور الشاب وإرضاء‬
‫صاحب الدولة‪ ،‬وهي تتألف من أربعة جمالس كان أوهلا يف منزل املتنيب‪ ،‬وكان الثاني يف حضرة الوزير‬
‫املهليب‪ ،‬وحرص أبو علي األنباري على عقد اجمللس الثالث ألنه ذهب مغيظاً من اجمللس الثاني‪ ،‬مزمعاً أن ينتصر‬

‫‪55‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫لصاحبه‪ ،‬وأن ينتصف من احلامتي‪ ،‬ثم كان اجمللس الرابع باقرتاح املهليب نفسه ليتم التفاوض بني احلامتي‬
‫وأبي الطيب يف شعر الطائيني‪ ،‬ومع أن الكشف عن السرقات هو الظاهرة املشرتكة بني مجيع اجملالس‪ ،‬فإن‬
‫هناك تفاوتاً واضح ًا فيما بينها‪.‬‬
‫ويتميز اجمللس األول بوضع القواعد النقدية وشرحها وإيراد األمثلة عليها ومدى مباينة أبي الطيب يف بعض شعره‬
‫هلا‪ .‬هنالك يضع احلامتي حد الشعر‪ « :‬حدود الشعر أربعة وهي اللفظ واملعنى والوزن والتقفية ‪ ،‬وجيب أن تكون‬
‫ألفاظه عذبة مصطحبة ومعانيه لطيفة و استعاراته واقعة و تشبيهاته سليمة وأن يكون سهل العروض رشيق‬
‫الوزن متخري القافية ‪ ،‬رائع االبتداء بديع االنتهاء »‪ .‬ويوضح احلامتي أن التفاوت بني األبيات عيب كبري يشبه‬
‫ما عابه النقاد القدامى من انعدام القران ؛ فهو يقر ألبي الطيب بأنه حيسن يف الصياغة و املعاني إحسانا ال‬
‫جيهله نقاد الكالم وأرباب البيان « إجيازاً يف عبارته وإبداعا يف نظمه و صوابا يف معناه وسالمة يف لفظه ‪،‬‬
‫ولكنه يشفع ذلك بأبيات يسرق معانيها فتأتي القصيدة على غري شاكلة وال اتساق وال اقرتان‪.‬‬
‫أما اجمللس الثاني وهو قصري نسبياً فقد تضمن إىل جانب احلديث يف السرقة حديثاً عن اخلطأ يف املعاني‬
‫أما اجمللس الثالث فيثبت قدرة احلامتي على تزييف ما يعده أصحاب املتنيب من أبكار معانيه وعلى رده إىل‬
‫املصادر اليت سرق منها‪ ،‬وهنا يبلغ احلذق يف تبيان السرقة ذروته‪ ،‬ولذا اقتضى املقام شرح نظرية احلامتي يف‬
‫السرقات‪.‬‬
‫ومع أن املتنيب حسب ما زعم احلامتي أنكر أن تكون له معرفة بأبي متام والبحرتي‪ ،‬نراه يف اجمللس اخلامس‬
‫يورد مناذج من استعارات أبي متام وينحي عليها بالذم ويتهمه باإلحالة‪.‬‬
‫تلك هي املوضحة‪ :‬وضحت موقف احلامتي من قضايا النقد األدبي‪ ،‬فأظهرت رأيه يف حدود الشعر‪ ،‬ويف‬
‫االستعارة ويف عيوب املتنيب الشعرية ويف السرقة ويف املفاضلة‪ ،‬غري أنها رسالة موسومة باالنفعال يف أكثر‬
‫مراحلها‪ ،‬ودواعي التحامل فيها مفضوحة‪.‬‬
‫أبو العباس النامي والصاحب بن عباد‪:‬‬
‫كان النامي شاعر سيف الدولة املقدم فلما قدم املتنيب واستأثر بذلك اغتاظ النامي وأخذ يتعقب أخطاء املتنيب‬
‫فكتب فيه رسالة بذلك‪ ،‬أما ما بني املتنيب والصاحب فهو مشكلة من نوع آخر إذ كان الصاحب يتمنى أن‬
‫يزوره املتنيب بأصفهان إال أن املتنيب أعرض عن ذلك فصريه الصاحب غرضاً يتتبع عليه السقطات وينعي عليه‬
‫السيئات‪ ،‬وقد أثنا يف مقدمة رسالته على ابن العميد ومقدرته يف النقد مستدراً بذلك إقراره على ما سيقوله يف‬
‫املتنيب‪ ،‬ومن املساوئ اليت عدها الصاحب على املتنيب‪:‬‬
‫استعمال األلفاظ احلوشية النابية‪.‬‬ ‫‪. 1‬‬
‫اإلبهام على طريقة الصوفية يف كالم كأنه رقية العقرب‬ ‫‪. 2‬‬
‫رداءة املطالع‬ ‫‪. 3‬‬
‫املبالغة املسرفة‬ ‫‪. 4‬‬
‫قلة الذوق يف عدم مراعاة املناسبة‬ ‫‪. 5‬‬

‫‪56‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫هجنة االستعارة‬ ‫‪. 6‬‬


‫اخلطأ يف العروض‬ ‫‪. 7‬‬
‫رداءة التشبيه‬ ‫‪. 8‬‬
‫ركوب القوايف الصعبة‬ ‫‪. 9‬‬
‫غري أن األمر يف الرسالة ليس يف عدد العيوب وإمنا يف طريقة إبرازها‪ ،‬حيث أنه مل يكن واسع الصدر عند‬
‫النقد وإمنا ذهب يف التهكم كل مذهب واستعمل السباب اجلارح‪ ،‬وقد يكون أكثر ما عابه صحيحاً ولكن‬
‫ينبغي التنبه ألمور‪ :‬أوالً أن هذه املعايب مل يكتشفها الصاحب ببالغ حذقه‪ ،‬ثانياً أنه كان باستطاعته الكشف‬
‫عن ذلك دون حتامل‪ ،‬ثالثاً أن هذه العيوب مجيعاً ال تسقط شاعراً‪ ،‬رابعاً أن النقد ليس حمض تعداد السيئات‪،‬‬
‫خامساً أن رسالة الصاحب معيبة لالضطراب ا لقائم بني طبيعة مقدمتها ومتنها‪ .‬ويتخلص الصاحب من التعريج‬
‫على سرقات املتنيب بتصريح كبري وهو قوله‪ :‬أن السرقة ليست عيباً‪ ،‬وتثري رسالة الصاحب مشكلة خطرية‬
‫تتصل باألمانة يف الرواية‪ ،‬ولقد أثارت رسالة الصاحب حنق أنصار املتنيب وهجومهم عليها‪.‬‬
‫شرح ابن جين وما أثاره من ردود‪:‬‬
‫اشتد خصوم املتنيب يف احلملة عليه دون مداراة مسوغني ذلك مبا جيدونه من مغاالة فيه من أنصاره‪ ،‬ويف طليعة‬
‫أوالئك األنصار وتلك اجلهود اإلجيابية ما قام به ابن جين حيث كان يرى أن كثرياً من الذين حيملون على‬
‫املتنيب إمنا يفعلون ذلك ألنه يدق عليهم إدراك معانيه ومراميه‪ ،‬ولذلك شرح ديوان املتنيب‪ ،‬وقد كان صديقاً‬
‫للمتنيب معجباً به حتى أنه لذلك يتجاوز االعتدال يف الرد على اخلصوم‪ ،‬وقد ذكر يف شرحه أن يف شعر املتنيب‬
‫صعوبتني‪ :‬إحداهما تعسف يف بعض ألفاظه خرج بها عن القصد يف صناعة اإلعراب‪ ،‬إذ جاء بالشاذ ومحل على‬
‫النادر‪ ،‬و الثانية عمق يف معانيه يتطلب إعماق الفكر وطول البحث وتكرار التأمل ألنه شاعر خيرتع املعاني‬
‫ويتغلغل فيها ويستوقفها‪ ،‬وقد استطاع ابن جين أن حيقق كثرياً مما رمسه لنفسه يف هذا الشرح فجال غوامض‬
‫املعاني ‪ ،‬ووجه النواحي اللغوية والنحوية اليت أخذت على املتنيب‪ ،‬وزود الشرح بشواهد كثرية ليدلل على الشبه‬
‫بني طريقة املتنيب وطريقة األقدمني‪ ،‬ويعد ابن جين أول من فتح باب القول يف أن مدائح املتنيب يف كافور مبطنة‬
‫باهلجاء وأن االزدواج فيها كان مقصوداً‪ ،‬كذلك تنبه أبن جين إىل اجلرأة النفسية لدى املتنيب‪ ،‬وهذي ظاهره‬
‫نفسية هامة تفسر شي ئاً كثرياً مما أنكره خصوم املتنيب‪ ،‬وكان ابن جين حيور إىل بعض القواعد العامة‬
‫املتوارثة يف مواقفه النقدية كقوله‪ :‬إن اآلراء واالعتقادات يف الدين ال تقدح يف جودة الشعر‪ ،‬ولعل أهم ما حققه‬
‫أبن جين يف نظر نفسه هو أنه استطاع أن حيبب شعر املتنيب إىل أستاذه أبي علي الفارسي حيث انشده شعر‬
‫املتنيب ومنه "واحر قلباه ‪ "..‬فاستحسنها‪ ،‬ولقد أصبح شرح ابن جين أساس ًا لكثري من الشروح والدراسات اليت‬
‫ظهرت حول املتنيب من بعد‪ ،‬إال أن العيب يف هذا الشرح هو جلوء ابن جين إىل االعتذار لصاحبه يف بعض‬
‫املآخذ‪ ،‬كما أخذ الشراح على ابن جين انصرافه عن إدراك بعض املعاني‪ ،‬وقد رد على شرح ابن جين أبو‬
‫القاسم األصفهاني يف كتاب "الواضح يف مشكالت شعر املتنيب"‪ ،‬كما رد عليه يف املنهج النقدي أبو طالب‬
‫سعد بن حممد البغدادي امللقب بالوحيد ‪ ،‬وقد كان موقفه من الشاعر والشارح ينطوي على التنقص‪ ،‬وأن‬

‫‪57‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫الغضب كثرياً ما خير جه عن طوره‪ ،‬فاملنطلق النقدي لديه يف رده على ابن جين أو يف حماكمته لشعر املتنيب‬
‫مل يكن سليماً من اهلوى والعصبية‪ ،‬ويرى ألوحيد ان أبن جين تصدى لشيء ال حيسنه‪ ،‬وأما املبادئ النقدية‬
‫العامة اليت حيتكم إليها الوحيد فيمكن أن جنملها فيما يلي‪:‬‬
‫أن الشعر ليس هو الغلو يف املعاني ولو كان األمر كذلك لكان احملدثون أشعر من األوائل‪.‬‬
‫أخطاء ابن جين يف الثناء على املبالغة املفرطة عند املتنيب‬
‫إيراد ألفاظ الصوفية وألفاظ الطب والفلسفة والكالم يشني الشعر ويعيبه يف رأي نقاد الشعر‬
‫فرض مواد البادية على عامل حضري غري مستساغ‬
‫ال جيوز لشاع ر يعرف أقدار الناس أن ميدح امللوك مبدح السوقة والسوقة مبدح امللوك‪ ،‬وحييل يف املعاني وخيطئ‬
‫يف اللغة ويستبيح لنفسه سرقة معاني اآلخرين‪.‬‬
‫جممل القول أن الشعر ثالثة أقسام‪ :‬مطرب وهو قليل يف شعر املتنيب معجب وله فيه كثري مضحك‪ ،‬وعند‬
‫املتنيب قسم خيرج عن هذه مجيع اً‪ .‬والوحيد مل يأتي يف هذه األحكام جبديد وإمنا هو منساق مع املقاييس‬
‫النقدية احلضرية‪.‬‬
‫أبو حممد احلسن بن علي بن وكيع التنيسي‪:‬‬
‫شاعر مصري صاحب كتاب "املنصف للسارق واملسروق يف إظهار سرقات أبي الطيب املتنيب"‪ ،‬ويذهب بالشري‬
‫إىل أنه ألف هذا الكتاب انتصاراً البن حنزابة الذي كان مستاءً من املتنيب لرتفعه عن مدحه‪ ،‬إن إقامة أبي‬
‫الطيب يف مصر أوجدت حوله عدداً من األنصار واملعجبني وتنقسم القضية اليت خلقها املعجبون حول أبي الطيب‬
‫إىل شقني‪ :‬أوهلما أنه أفضل من كل من تقدمه‪ ،‬والثاني أن معانيه خمرتعة‪ ،‬وقبل أن يأخذ ابن وكيع يف‬
‫الكشف عن سرقات املتنيب‪ ،‬يوطئ لذلك مبقدمتني‪ :‬أوالهما تتناول البحث يف السرقات الشعرية عامة‪ ،‬والثانية‬
‫تتناول فنون البديع‪ ،‬وهو يقسم السرقات يف عشرة أنواع‪:‬‬
‫استيفاء اللفظ الطويل يف املوجز القليل‬ ‫‪. 1‬‬
‫نقل اللفظ الرذل إىل الرصني اجلزل‬ ‫‪. 2‬‬
‫نقل ما قبح مبناه دون معناه إىل ما حسن مبناه و معناه‬ ‫‪. 3‬‬
‫عكس ما يصري بالعكس ثناء بعد أن كان هجاء‬ ‫‪. 4‬‬
‫استخراج معنى من معنى احتذى عليه وان فارق ما قصد به إليه ‪.‬‬ ‫‪. 5‬‬
‫توليد معان مستحسنات يف ألفاظ خمتلفات‪.‬‬ ‫‪. 6‬‬
‫مساواة اآلخذ من املأخوذ منه يف الكالم‪ ،‬حتى ال يزيد نظام على نظام‪ ،‬وإن كان األول أحق‬ ‫‪. 7‬‬
‫به ألنه ابتدع والثاني اتبع‪.‬‬
‫مماثلة السارق املسروق منه يف كالمه‪.‬‬ ‫‪. 8‬‬
‫رجحان السارق على املسروق منه بزيادة لفظه على لفظ من أخذ عنه‪.‬‬ ‫‪. 9‬‬

‫‪58‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫وأما املقدمة الثانية اليت تناول فيها فنون البديع‪ ،‬فهي إقرار صحيح بأن الناقد األدبي حمتاج إىل أن يعرف هذه‬
‫الفنون‪ ،‬وقد كانت كثرياً من تعريفاته للفنون البديعية منقولة عن احلامتي ويف كشفه عن املعاني املسروقة‬
‫يف شعر ابي الطيب يلتقي فيه يف كثري من األمثلة مع أنه مل يصرح يف ذلك بذكره‪ ،‬وما احلديث عن السرقات‬
‫عامة وعن البديع إال توطئة لكشف وإبراز سرقات املتنيب‪ ،‬وهي الغاية اليت يسعى ابن وكيع إىل حتقيقها‪،‬‬
‫وقد رسم لنفسه منهجاً يف الكشف عن السرقات وهو‪:‬‬
‫ال يقف عند األبيات الفارغات واملعاني املكررات‪.‬‬
‫ال يذكر املعاني اليت أكثرت الشعراء استعماهلا‪.‬‬
‫حيكم عن كل سرقة إن كان املتنيب قصر يف األخذ أو ساوى فيها املأخوذ عنه أو استحق املعنى املسروق‪،‬‬
‫وقد تناول ديوان أبي الطيب قصيدة إثر قصيدة حسب الرتتيب التارخيي لنسخة الديوان‪ ،‬وقد قام ابن وكيع‬
‫جبهد مضين يف ذلك‪ ،‬ولكن بعد هذا اجلهد يصل القاريء إىل نتيجة حمزنة‪ :‬وهي أن شعر املتنيب نوعان‪ :‬شعر‬
‫فارغ ال يوقف عنده‪ ،‬وشعر غري فارغ وهو ميثل املعاني املشرتكة بينه وبني غريه من الشعراء وأن هذا االشرتاك‬
‫هو الذي يسمى سرقة‪ ،‬فانتحاء هذا املنهج عند ابن وكيع وغريه كان ضالالً بعيداً عن تاريخ النقد األدبي‬
‫واستهالكاً جلهود كان من املمكن أن تثمر فيما هو أجدى وأجدر‪ .‬وحني تناول ابن وكيع شعر املتنيب بالنقد‬
‫كان النقد األدبي قد نقل نقلة على يد احلامتي بعد أن كان قبله قائماً حول املفاضلة بني أبي متام والبحرتي‪،‬‬
‫غري أن ابن وكيع رضي بأن يقع يف أسر احلامتي‪ ،‬ويف سبيل أن يثبت تدني منزلة املتنيب عن الطائيني ركز‬
‫على املعاني اليت سرقها منهما خاصة‪ ،‬ويتجاوز ابن وكيع احلامتي حني أور سرقات للمتنيب من شعراء‬
‫مغمورين‪ ،‬ويقع ابن وكيع يف جمال احلامتي حني حياول أن يقتفي خطواته يف إثبات ضعف املتنيب يف اللغة‬
‫فيعلق على قول املتنيب "أذهب للغيظ"‪ ،‬غري أنه خيالف احلامتي يف أنه أقل منه اندفاعاً وانفعاالً‪ ،‬حيث يتناول‬
‫األمور يف هدوء فيوهم باملوضوعية وحياول أن يقصر حديثه على السرقة‪ ،‬ثم هو يتشدد أكثر من احلامتي يف‬
‫التضييق من حدود الفهم للمعنى‪ ،‬وهذا الضيق يتملكه إزاء األبيات اليت يلمح فيها شيئاً من املغاالة ميس‬
‫الناحية الدينية‪ ،‬كاحتقار املتنيب ملا خلق اهلل إال أنه يف موضع آخر يناقض نفسه بانتقاده للمتنيب ألنه عاب‬
‫اخلمر‪.‬‬
‫ذلك هو ابن وكيع يف مذهبه النقدي ‪ ،‬يقول عنه ابن رشيق يف املنصف "ما أبعده عن اإلنصاف"‪ ،‬ويؤلف ابن‬
‫جين "النقض على ابن وكيع يف شعر املتنيب وختطئته"‪ ،‬ويصفه ابن القارح بأنه "حاف على املتنيب‪ ،‬وقد كان‬
‫حمكوماً يف نقده مبماحكات املعجبني واألنصار مغيضاً لعدم التساوي يف الشهرة ولذلك كانت مقاييسه‬
‫متفاوتة‪.‬‬
‫القاضي علي بن عبدالعزيز اجلرجاني‪:‬‬
‫مل تهدأ العاصفة النقدية حول املتنيب‪ ،‬فقد رأينا ما أثاره شرح ابن جين من ردود‪ ،‬وكذلك ما أثاره املنصف‬
‫البن وكيع وغريهما من مؤلفات األنصار واخلصوم‪ ،‬مما توحيه تلك املؤلفات أن الوقت حان للوساطة بن‬
‫األنصار واخلصوم‪ ،‬واجلرجاني يقول أنه منذ خالط أهل األدب وجد الناس يف املتنيب فريقني يكاد التوفيق‬

‫‪59‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫بينهما يكون صيحة يف واد‪ ،‬وكال الفريقني كان حيمل للمتنيب اتهاماً‪ ،‬فاملنتصرون له يرفعونه إىل منصة‬
‫العصمة‪ ،‬وأهل االستحقار ينفونه من نطاق األديب الذي جيوز له الفضل فاملوقف يتطلب فريقاً ثالثاً يسمى أهل‬
‫االعتذار‪ ،‬وقد كان التوفيق بني الطرفني عودة إىل ظالل اهلدوء‪ ،‬فقد كان املتنيب نفسه هو الذي فتح الباب‬
‫ليدخل منه القاضي اجلرجاني‪ ،‬إذ أن الشعراء املربزون ليس منهم إال من قد طعن على شعره ومن قد أخل‬
‫باإلحسان‪ ،‬واجلرجاني يف اآلراء والنظرات النقدية مل يأتي جبديد‪ ،‬وامنا استغل اآلراء والنظرات السابقة‬
‫فأحسن استغالهلا يف التطبيق والعرض‪ ،‬ومثلما كانت املوازنة هي مهمة الناقد الكربى عند اآلمدي‪ ،‬كانت‬
‫"املقايسة" هي املبدأ الكبري يف نقد اجلرجاني‪ ،‬واجلرجاني يرى أن ال يعاب الشاعر بسبب العقيدة الدينية إذ‬
‫ليس هناك عالقة يف نقد جودة الشعر بني الدين والشعر ولو كانت رقة الدين تقدح يف الشعر وتنقصه حملي‬
‫شعر ابي نواس واندثر‪ ،‬كما أنه يرى عدم عيب إقدام احملدثني على اإلفراط‪ ،‬فذلك موجود يف كل العصور‬
‫وعند كل الشعراء‪ ،‬وقد تكون املقايسة ذات غناء يف الوصول إىل احلق وانصاف شاعر مظلوم‪ ،‬ولكنها‬
‫تنطوي على مزالق وأخطار منها التعميم ‪ ،‬ومن أخطار القياس أيضاً اإليهام املنطقي‪ :‬كقياس حال العقيدة‬
‫وعالقتها بالشعر‪ ،‬وقد تنتهي املقايسة كما انتهت املوازنة عند احلاجز الذي يفصل بني الواقع والغيب او بني‬
‫ما يعلل وما ال يعلل‪ ،‬فالناقد عند اجلرجاني هو الناقد نفسه عند اآلمدي‪ ،‬ومنطقة ما ال يعلل ويتحاكم فيه‬
‫إىل الطبع النقدي مشرتكة عند كليهما إال أنه أوسع لدى اجلرجاني‪ ،‬وسبب ذلك هو الفرق بني املقايسة‬
‫واملوازنة‪ ،‬فاملقايس ة متهيد للحكم‪ ،‬أما املوازنة فإنها تدخل يف طبيعة احلكم نفسه‪ ،‬ألن املوازنة هي قسمة‬
‫النظر بالتساوي بني شاعرين‪ ،‬أما الوساطة فال تتطلب ذلك دائماً ألن خصوم املتنيب ليسوا دائماً شعراء‪ ،‬وقد‬
‫متثل اجلرجاني آراء اآلمدي حبذق وذكاء دون أن يشري إىل ذلك‪ ،‬فاعتمد عمود الشعر عند اآلمدي بصياغة‬
‫أخرى‪ ،‬كذلك اعتمد آراء اآلمدي يف مشكلة السرقات ولكن طورها وأمعن يف التدقيق والتحليل‪ ،‬ومييل‬
‫اجلرجاني إىل االعتذار عن املتأخرين ألن املتقدمني استغرقوا املعاني‪ ،‬وهو يرى أن التشبيهات املتداولة املبتذلة‬
‫من املعاني املشرتكة اليت ال جيوز نسبة السرقة إىل صاحبها وعلى هذا فاملشرتك نوعان‪:‬‬
‫نوع عام يعرفه كل إنسان معرفة بديهية‬ ‫‪. 1‬‬
‫نوع عم بعد ختصيص‬ ‫‪. 2‬‬
‫وق د تكون السرقة باجتماع اللفظ واملعنى ونقل البيت أو املصراع‪ ،‬وقد اعتمد اجلرجاني على بعض اآلراء اليت‬
‫وضعت قبل زمنه وحاول ترسيخها بالتوضيح والشرح والتوسعة والتدقيق يف التفصيالت‪ ،‬فاستمد من اآلمدي‬
‫موقفه من الناقد ومن عمود الشعر ومن السرقات‪ ،‬ومن الصولي وغريه املوقف من قضية الفصل بني الدين‬
‫والشعر ‪ ،‬ومن األقدمني يف قضية القديم واحملدث‪ ،‬ومن ابن قتيبة يف مشكلة املطبع والتكلف‪ ،‬وقد استعار‬
‫اجلرجاني من ثالثية اجلاحظ (البيئة ــ العرق ــ الغريزة) وحدة البيئة وجيعلها مسئولة أيضاً عن التفاوت يف‬
‫الشاعر‪ ،‬ولكنه ينكر أن تكون الغري زة "الطبع" سبباً يف الفصل بني قديم وحمدث وجاهلي وخمضرم وأعرابي‬
‫ومولد‪ ،‬ولوال شدة حترزه وتوقيه لظن القاريء "للوساطة" أنها حتمل راية الدفاع عن الشعر احملدث بل تتضمن‬
‫شيئاً من امليل إليه وإيثاره على الشعر القديم‪ ،‬وخالصة قول اجلرجاني أن الشعر احملدث أقرب إىل طباع أهل‬

‫‪60‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫العصر‪ ،‬والشاعر احملدث مظلوم إذ ضاق عليه جمال اللفظ كما ضاق عليه جمال املعاني بعد أن سبقه‬
‫املتقدمون إليها‪ ،‬فهو يتهم بالسرقة واإلنصاف يقتضي أن نعذره يف ذلك‪ ،‬فال يتهم القاضي يف عدالته‪ ،‬ولكن‬
‫هذا الذي يبدو وكأنه دفاع عن الشعر احملدث والشعراء احملدثني إمنا هو متهيد إلنصاف املتنيب‪ ،‬وموقف‬
‫القاضي اجلرجاني يستحق بعض بيان فهو يرى أن الشعراء كانت مقتصدة فيها حتى جاء أبو متام فخرج إىل‬
‫التجاوز ومث له أكثر احملدثني‪ ،‬ومع أن املوازنة استطاعت أن ختتم الصراع حول أبي متام والبحرتي‪ ،‬فإن‬
‫الوساطة عجزت عن أن تكون اجلواب الشايف يف موقف اخلصوم واألنصار من املتنيب‪ ،‬والسر يف ذلك يف‬
‫الظروف‪ ،‬حيث ظهر املتنيب فشغل الناس عن قضية أبي متام والبحرتي‪ ،‬ومل يظهر بعده ما يشغل الناس عنه‪،‬‬
‫وأكرب الظن أن وساطة اجلرجاني نالت احرتام النقاد إال أنها مل تقنعهم كثرياً‪.‬‬
‫النقد وفكرة اإلعجاز‪:‬‬
‫إن عدم انفصال النقد عن البالغة كان من الطبيعي أن يقف به عند فكرة اإلعجاز يوماً ما‪ ،‬لقد سبق اجلاحظ‬
‫النقاد إىل اعتبار النظم سر اإلعجاز‪ ،‬ولقد كانت أقرب النظريات النقدية اليت ميكن أن ختدم البحث يف‬
‫اإلعجاز هي نظرية اآلمدي‪ ،‬ذلك أنه ملا احتكم إىل ما مساه طريقة العرب‪ ،‬كان يهتدي بذوقه إىل أن حسن‬
‫التأليف يف شعر البحرتي هو التزامه بهذه الطريق‪ ،‬وقد كانت نظرية اآلمدي النقدية تعتمد على ركنني‬
‫كبريين‪ ،‬أوهلما امكان املوازنة بني أثرين أدبيني متفقني يف املوضوع وإبراز دور الناقد الكفؤ الذي جيب أن‬
‫يصغي اآلخرون إىل حكمه سواء استطاع التعليل أو مل يستطع‪.‬‬
‫وقد عرف الرماني الذي كان شديد التأثر باملنطق اليوناني شيئ ًا من قسمة بعض الباحثني اليونانيني لألسلوب‬
‫يف ثالثة أنواع‪ :‬رفيع ومتوسط وعادي فنقل هذه القسمة إىل البالغة حيث قال‪" :‬فأما البالغة فهي يف ثالث‬
‫طبقات منها ما هو يف أعلى طبقة ومنها ما هو يف أدنى طبقة ‪ ،‬ومنها ما هو يف الوسائط بني أعلى طبقة وأدنى‬
‫طبقة" ثم قسم البالغة إىل عشرة أقسام‪ ،‬ويتفاوت شرحه هلا كما تتفاوت قدرته يف تطبيقها على القرآن‪،‬‬
‫وجنده يف كتاب النكت يقف عند األثر النفسي للكالم البليغ‪ ،‬غري أن له آراء خيالف بها املفهومات العامة‬
‫من إسقا ط اإلطناب من أنواع البالغة‪ ،‬وال ينكر الرماني أن بعض العبارات ــ من غري القرآن ــ تبلغ حداً بعيداً‬
‫من البالغة‪ ،‬وقد اختلف تقبل الناس لكتاب النكت‪ ،‬فاعرتض كثريون على احلدود فيه‪ ،‬وتأثر بعض‬
‫البالغيني به ونقلوا آراءه وأمثلته‪ ،‬ووقف الباقالني من تعليله إلعجاز القرآن عن طريق أنواع البديع موقف‬
‫احلذر‪ ،‬ورفض ابن سنان اخلفاجي أن يقبل حكمه يف السجع‪.‬‬
‫وقد ذهب أبو سليمان اخلطابي يف "بيان إعجاز القرآن" مذهب الرماني يف قسمة أجناس الكالم‪ ،‬غري أنه مل‬
‫يقل كما قال الرماني أن بالغة القرآن تقتصر على النوع األول وحده‪ ،‬وهو يرى أن الكالم يقو بثالثة أشياء‪:‬‬
‫لفظ حامل ومعنى به قائم ورباط له ناظم‪ ،‬واعتمد اخلطابي على تفاوت الشاعرين إذا هما تنازعا معنى واحداً‪،‬‬
‫وجلأ اخلطابي كما جلأ الرماني من قبله إىل األثر النفسي‪.‬‬
‫وتعد جهود الرماني واخلطابي على هامش النقد األدبي إذا ما قيست جبهد الباقالني‪ ،‬ألنه الوحيد الذي استطاع‬
‫أن يفيد إفادة تفصيلية من جهود النقاد السابقني وأن يطور أثنا حبثه لقضية اإلعجاز بعض النواحي النقدية‪،‬‬

‫‪61‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫وبعد ان اطلع على جهود من سبقوه من نقاد األدب اتضح لديه أن فكرة اإلعجاز عند من سبقوه أخذت طريقني‪:‬‬
‫األول هو الذي سار فيه قدامة وابن املعتز‪ ،‬والثاني مذهب القائلني بالنظم والتأليف وهم اجلاحظ واآلمدي ومن‬
‫سار على طريقهم‪ ،‬وهذه الطريقة يرى الباقالني أن اجلاحظ قصر يف استغالهلا‪ ،‬ومن فكرة التفاوت بني‬
‫القصائد عند ابن قتيبة دخل الباقالني إىل القول يأن عدم التفاوت يف نظم القرآن يرتفع به عن مستوى أي شعر‬
‫أو نثر‪ ،‬ألنه البد أن خيضع هذان عند البشر للتفاوت‪ ،‬وهذا التفاوت حمك الناقد البارع ألنه ال خيفى عليه شيء‬
‫من أمره‪ ،‬وقد اختار الباقالني النظم طريقاً إلثبات إعجاز القرآن‪ ،‬وهناك عنصران آخران‪ :‬أحدهما الطول‬
‫الذي استوعبه ذلك النظم‪ ،‬واآلخر أن هذا النظم ورد على غري املعهود من نظم الكالم عند العرب‪ ،‬فكالم‬
‫العرب يقع حتت النماذج اآلتية‪:‬‬
‫أعاريض الشعر على اختالف أنواعه‪.‬‬ ‫‪. 1‬‬
‫أنواع الكالم املوزون غري املقفى‪.‬‬ ‫‪. 2‬‬
‫أصناف الكالم املعد املسجع‪.‬‬ ‫‪. 3‬‬
‫أصناف الكالم املعدل املوزون غري املسجع‪.‬‬ ‫‪. 4‬‬
‫أنواع الكالم املرسل‪.‬‬ ‫‪. 5‬‬
‫فإذا تدبرنا القرآن وجدناه ال يسري على واحد من هذه النماذج‪ ،‬ولذلك ذهب الباقالني ينفي أن يكون فيه شعر‬
‫أو سجع‪ .‬وإلثبات متيز نظم القرآن عرض الباقالني مناذج من النثر من خطب النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫والصحابة غريهم وعرض مناذج من الشعر وقد وقع اختياره يف هذا على معلقة أمرئ القيس وعلى قصيدة‬
‫للبحرتي ‪ ،‬وهذا املنهج الذي سار فيه الباقالني غري سليم النتائج ألنه يوحي باملوازنة بني شيئني متباعدين‪،‬‬
‫وهناك أمر مل يتنبه له الباقالني حني عاب مجيع أنواع التفاوت‪ ،‬وذلك أن بعض التفاوت يف طبيعة النظم نفسه‬
‫مما يقتضيه اختالف األحوال النفسية‪ ،‬وقد كان الباقالني على وعي دقيق بقضايا النقد األدبي حسبما بلغت‬
‫يف تطورها حتى عصره‪ ،‬وقد مس كثرياً من القضايا عابراً دون توقف‪.‬‬
‫أما كتاب الصناعتني فمع أنه مل يؤلف إلثبات اإلعجاز فإن هذه الفكرة كانت من العوامل اليت وجهت املؤلف‬
‫إىل ذلك‪ ،‬فهو يف نهاية املطاف بالغي الطابع وإن مل يفصل كثرياً بني البالغة والنقد‪ ،‬وكتاب الصناعتني‬
‫حسن التبويب حافل باألمثلة‪ ،‬سهل املأخذ للدارس‪ ،‬حيتل البديع فيه أكثر من ثلثه‪ ،‬إال أنه صورة عجيبة لعدم‬
‫االستقالل بأي رأي ذاتي‪ ،‬فليس ألبي هالل فيه إال تنسيق املادة وترتيبها‪.‬‬
‫النقد األدبي يف القرن اخلامس‪:‬‬
‫لقد كان الذوق األدبي يف نهاية القرن الرابع يعاني من أزمة حتول‪ ،‬وأن هذه األزمة ستشتد يف القرن اخلامس‪،‬‬
‫وقد كان املتنيب هو سر تلك األزمة‪ ،‬وقد ظل املتنيب مسيطراً على تصور النقاد‪ ،‬وقد كان أبو العالء ميثل‬
‫القطب األدبي يف النصف األول من هذا القرن‪ ،‬وميثل احلريري القطب يف النصف الثاني منه‪ ،‬وحينما نقول أن‬
‫املتنيب هو صانع تلك األزمة فإن ذلك لسببني‪ :‬األول أنه مل يأت بعده من خيلفه‪ ،‬والثاني ما حققه املتنيب من‬
‫خطري النتائج فقد حقق ثالثة أمور‪:‬‬

‫‪62‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫عودة إىل النزعة البدوية‬ ‫‪. 1‬‬


‫متثيل منتهى ما بلغه عصره من عمق فكري‪.‬‬ ‫‪. 2‬‬
‫حمو الفارق بني الشعر واخلطابة بتساوٍ عجيب دون تغليب‪.‬‬ ‫‪. 3‬‬
‫وقد ظل النقد يف بداية القرن اخلامس يتخذ املتنيب حموراً‪ ،‬حيث كتب حممد بن جعفر القزاز القريواني‬
‫كتاب "ما أخذ على املتنيب"‪ ،‬وقد طغى الذوق احملدث يف أواخر القرن الرابع‪ ،‬فنشأت الدعوة للعودة للقديم‪،‬‬
‫وقد كان للمعري أثره يف هذا النطاق‪ ،‬فأقبل الناس على تدارس الشعر اجلاهلي واملخضرم‪ ،‬وتصدى الشراح‬
‫لشرحه‪ ،‬وعل ضوء التاريخ األدبي الذي ينتهي بأبي الطيب وال يعدوه إال قليالً أحس بعض النقاد بأن القرن‬
‫اخلامس يعاني فقراً من االبتكار والتوليد‪ ،‬كما ازداد إحساس الناقد الشاعر يف القرن اخلامس‪ ،‬مبشكلة‬
‫طال بها العناء‪ ،‬أ هدرت كثرياً من اجلهد يف تاريخ الشعر العربي‪ ،‬وهي العالقة بني الشعر والتكسب حتى‬
‫أصبحت عنصراً من العناصر اليت يسوقها من يهجنون الشعر ويفضلون عليه النثر يف حجاجهم‪ ،‬وحني أخفق‬
‫الشعر يف أن جيد طريقت ه الصحيحة وغايته أخفق النقد يف التطور إىل مستويات جديدة‪ ،‬ولذلك كانت العودة‬
‫إىل التمرس بالقضايا النقدية القدمية‪ ،‬ومما يلفت النظر يف هذا العصر هذا التباين الواضح الذي استمر مريره‬
‫بني النقاد على شكل يوحي بوجود تيارين متوازيني متباعدين على الدوام‪ ،‬فبينما يقف املرزوقي ليبني فضل‬
‫النثر على الشعر‪ ،‬يقف ابن رشيق لينادي بأفضلية ال شعر‪ ،‬و بينما ميعن العميدي يف الكشف عن سرقات‬
‫املتنيب سائراً على خطى احلامتي وابن وكيع جتد الشريف املرتضي يذهب مذهب اجلرجاني يف حترير القول‬
‫باألخذ والسرقة‪ ،‬ومع أن أكثر نقاد القرن اخلامس مييلون إىل التوفيق بني اللفظ واملعنى فإنك جتدهم يف حرية‬
‫شديدة‪ ،‬من أمرهم ألنهم مل يهتدوا إىل قاعدة صحيحة تنجيهم من الرتدد‪ .‬وميكن القول بأن نقاد القرن‬
‫اخلامس قد أكدوا استكشاف ابن الرومي بعد أن نسيه الناس النشغاهلم باحلديث عن البحرتي وأبي متام‬
‫واملتنيب‪.‬‬
‫وأياً كان فإن الناظر إىل النقد األدبي يف القرن اخلامس جيد أن اجملال اجلغرايف أمامه قد اتسع إذ شاركت‬
‫فيه األندلس والقريوان بنصيب‪ ،‬وأنه قد شهد قالباً قد نعده جديداً‪ ،‬وهو املقامة النقدية‪ ،‬وال ريب أن جوانب‬
‫النقد يف هذا القرن تتمتع بقسط من احليوية غري أنها حيوية نابعة من شخصيات الناقدين أمثال‪ :‬املرزوقي‪،‬‬
‫وعبدالكريم النهشلي‪ ،‬وابن رشيق‪ ،‬وابن شهيد‪.‬‬
‫استمرار املعركة النقدية حول املتنيب‪:‬‬
‫ظل املتنيب حمور جهود نقدية متباينة يف البيئآت الثالث‪ :‬البيئة املشرقية وبيئة األندلس وبيئة القريوان‪ ،‬فلم‬
‫يكن جهد النقاد يف مطلع القرن اخلامس سوى تقرير ما سبق على حنو من التنسيق كما فعل الثعاليب‪ ،‬أو‬
‫حنو من الت عميق كما فعل العميدي يف قضية السرقات‪ ،‬غري أن ظاهرة الشرح لديوانه كانت أبرز الظواهر يف‬
‫هذا القرن‪ ،‬حيث تعاقب على شرحه سبعة من أكابر الشراح‪ ،‬ومن النقاد يف هذا القرن الذين اختذوا املتنيب‬
‫حموراً لدراستهم ما يلي‪:‬‬
‫أبو منصور الثعاليب‪:‬‬

‫‪63‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫ال يعد الثعاليب من النقاد‪ ،‬وحن ن نتحدث عنه هنا ألنه عقد يف كتابه فصالً عن املتنيب‪ ،‬وهو خمتلف عن بقية‬
‫فصول الكتاب مبا حوى من مادة نقدية‪ ،‬ومتتاز دراسة الثعاليب بأشياء جديدة مل جندها فيم أُلف عن املتنيب‬
‫من قبل‪ ،‬منها‪:‬‬
‫معانيه اليت حلها الكتاب يف رسائلهم‪ ،‬مثل الصاحب والصابي والضيب واخلوارزمي‪.‬‬ ‫‪. 1‬‬
‫مناذج من املعاني اليت سرقها من الشعراء‪.‬‬ ‫‪. 2‬‬
‫املعاني اليت كررها يف شعره‪.‬‬ ‫‪. 3‬‬
‫التوسع يف ضروب حماسنه‪.‬‬ ‫‪. 4‬‬
‫أما حديث الثعاليب عن عيوب املتنيب فأكثر االعتماد يف ذلك على رسالة الصاحب‪ ،‬حيث عد من عيوبه قبح‬
‫املطالع‪ ،‬واتباع الفقرة الغراء بالكلمة العوراء‪ ،‬وملا عد من عيوبه أن يف شعره ما يفصح عن ضعف العقيدة ورقة‬
‫الدين‪ ،‬كرر قول القاضي‪" :‬على أن الديانة ليست عياراً على الشعراء‪ ،‬وال سوء االعتقاد سبباً لتأخر الشاعر"‪،‬‬
‫كما أن هناك عيوب أخرى عدها الثعاليب مثل‪ :‬الغلط بوضع الكالم يف غري موضعه‪ ،‬وامتثال ألفاظ املتصوفة‪،‬‬
‫واخلروج عن طريق الشعر إىل الفلسفة‪ ،‬واستكراه التخلص وقبح املقاطع‪.‬‬
‫أبو سعد حممد ابن أمحد العميدي‪:‬‬
‫اشتهر العميدي بالنحو واللغة‪ ،‬فمن كتبه كتاب "تنقيح البالغة‪ :‬وكتاب "اإلرشاد إىل حل املنظوم واهلداية إىل‬
‫نظم املنثور‪ ،‬كذلك اهتم بالعروض والقوايف وله فيهما مؤلفان‪ ،‬وله رسالة يف "سرقات املتنيب" وهو مكتوب‬
‫حسن يدل فيه على اطالع كثري‪ ،‬وهي جتري جمرى املنصف يف دواعيها وغاياتها‪ ،‬وتربهن هذه الرسالة أن‬
‫اإلعجاب باملتنيب يف البيئة املصرية مل يؤثر فيه كتاب "املنصف"‪ ،‬ولقد كانت املشكلة اليت يريد إقرارها‬
‫املعجبون بأبي الطيب بأنه أشعر شاعر عرفته العربية‪ ،‬عندها يفزع العميدي كما فزع ابن وكيع إىل حكم‬
‫الذوق املألوف حينئذ فيحطه عن درجة أبي متام والبحرتي‪ ،‬ويزيد على ذلك بتفضيل مسلم ابن الوليد وابن‬
‫الرومي عليه‪ ،‬وكل ما يريده العميدي أن ينكره ادعاء املدعني أن معانيه خمرتعة مل يسبق إليها شاعر‪ ،‬ومل‬
‫يبني العميدي رأيه يف السرقات مبقدمة‪ ،‬كما بني ذلك ابن وكيع‪ ،‬وال احتاج أن يقف عند صنوف البديع‪،‬‬
‫وإمنا دخل يف املوضوع دون متهيد‪ ،‬ومل يتتبع قصائد املتنيب حسب ترتيبها كذلك‪ ،‬بل كان يورد معنى لشاعر‬
‫من الشعراء ثم يتبعه مبعنى سرقة املتنيب‪ ،‬وقد كان العميدي أشد سخطاً وأظهر نقمة من ابن وكيع‪ ،‬الذع‬
‫التعليقات‪ ،‬وهو سيء الظن باملتنيب‪ ،‬يعتقد أن املتنيب اطلع على دواوين الشعراء املكثرين فأخذ منها كل معنى‬
‫جيد‪ ،‬وهو يبين على اعتقاده هذا نقده‪ ،‬ولسعة اطالع العميدي وعراقته يف القدرة على الكيد ميعن يف بيان‬
‫ما أخذه املتنيب ال من اخلبزرزي يف املغمورين فحسب‪ ،‬بل من شعراء رمبا مل يسمع بهم املتنيب نفسه‪ ،‬ويستعمل‬
‫العميدي بعض املصطلح لبيان أنواع من السرقة‪ ،‬فبعضها يسميه "نسخاً" وبعضها "سلخاً"‪ ،‬ويتهم املتنيب كما‬
‫اتهمه احلامتي وابن وكيع بالضعف يف اللغة ويتهمه بالغموض يف بعض املعاني‪ ،‬ويرى أنه يعمد إىل استعمال‬
‫لغة الصوفية‪ ،‬كما أنه ال يفسح صدره ألي معنى يشتم فيه قلة ورع‪.‬‬
‫أبو العالء املعري‪:‬‬

‫‪64‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫يتميز أبو العالء باطالع شامل وذاكرة عجيبة‪ ،‬ولديه كل أدوات الناقد ــ من ذوق وقدرة على املقارنة واحلكم‬
‫ــ ومعرفة بالرتاث النقدي حتى عصرة‪ ،‬ولعله مل يؤلف كتاباً مستقالً يف النقد األدبي‪ ،‬وقد عرف املعري الشعر‬
‫يف رسالة الغفران بأنه "كالم موزون تقبله الغريزة على شرائط إن زاد أو نقص أبانه احلس‪ ،‬ويكثر أبو العالء‬
‫من تكرار كلمة "الغريزة" وهو يتحدث عن الشعر يف مؤلفاته‪ ،‬وعنده أن شعراء الطبع يعربون بالغريزة وعلى‬
‫هذا يكون معنى الغريزة القوة الطبيعية اليت تدرك صحة الوزن‪ ،‬ثم إن قوة الغريزة رمبا مشلت متييز ما هو‬
‫حمض نظم مما هو شعر‪ ،‬وكان أبو العالء يقيم فرقاً واضحاً بينهما‪ ،‬ونستنتج من رسالة الغفران أيضاً أن‬
‫الشعر ال حتسنه املالئكة بل ال تعرفه‪ ،‬فالشعر قرآن إبليس‪ ،‬ومن هذا يتبني أن أبا العالء ما يزال يردد الفكرة‬
‫القدمية اليت تقول إن لكل شاعرٍ شيطان ينفث على لسانه‪ ،‬وقد أزرى أبو العالء على من جيعلون الشعر وسيلة‬
‫للتكسب‪ ،‬وحينما تعرض للرجز حط من قيمته حني قال‪" :‬والرجز من أضعف الشعر"‪ ،‬وكان أبو العالء يبين‬
‫بعض أحكامه على ما عرف به من إحاطة‪ ،‬وعلى اإلحصاء الدقيق‪ ،‬والدراسة ملا كان يف املاضي وما جد يف‬
‫احلاضر‪ ،‬فهو يف دراسته حلماسة أبي متام وجد أن هذا الكتاب ضم اثين عشر حبراً من أصل مخسة عشر‪،‬‬
‫وهو يرى أن البحر الذي يسمى "ركض اخليل" أي اخلبب حبر ركيك‪ ،‬وأن الفحول من الشعراء هجرته يف‬
‫اجلاهلية واإلسالم‪ ،‬ولشدة تعلقه بالقديم كان قادراً على أن يرصد تغري األذواق‪ ،‬وقد تنبه املعري إىل نوع من‬
‫النحل ميكن أن نسميه معاكساً أو معكوساً‪ ،‬وهو أن ينسب شعر أحد احملدثني إىل متقدم‪ ،‬ويبدو أن املعري‬
‫مل تشغله قضية العالقة بني الشعر والنثر‪ ،‬ألنه كان حيسن الفنني‪ ،‬ولكنه ملح املشكلة من بعيد‪ ،‬كما أنه‬
‫مل يطيل الوقوف عند قضية عالقة الشعر بالصدق والكذب‪ ،‬وقد اهتدى املعري إىل منوذج فريد يف النقد وهو‬
‫أن يتشخص يف خياله عمل شعري ما كتشخص "قفا نبكِ"‪.‬‬
‫وقد دفعه إعجابه باملتنيب إىل حفظ ديوانه يف الصغر وحماكاته ثم اختصاره وشرحه مرتني‪ ،‬وكان مما يعجبه‬
‫فيه أنه شديد التفقد ملا ينطق به من الكالم يغري الكلمة بعد أن تُروى عنه‪ ،‬ولقد بلغ أقصى تعبري للمعري عن‬
‫إعجابه باملتنيب هو إميانه بأن أحداً ال ميكنه أن يغري أيةَ لفظه يف شعر أبي الطيب‪ ،‬غري أن هذا التقدير‬
‫واإلعجاب ال مينع املعري من أن يتعقب املتنيب يف بعض عيوبه كالغلو والتكرار الثقيل‪ ،‬كما يعرتض على‬
‫املتنيب يف ربطه الفضائل من شجاعة وكرم باملوت‪ ،‬وقد انعكست صورة املعري املتفلسف على شرح شعر‬
‫املتنيب وهو أمر طبيعي‪ ،‬فكل شارح يرى يف الشعر شيئاً من ميله ونزعته‪.‬‬
‫ابن فورجة حممد بن محد الربوجردي‪:‬‬
‫كان تلميذاً ألبي العالء وقد أفاد من آرائه عامة ومن دراسته لشعر املتنيب خاصة‪ ،‬والبن فورجة متكأ نقدي‬
‫عام‪ ،‬فهو يرى أن الشعر قد يصيبه الغموض من ثالثة أوجه‪:‬‬
‫الشعر يصدر جهل غريبه عن تصور غرضه‬
‫الشعر الذي يعميه إعرابه جملاز فيه وحذف يف اللفظ أو تقديم أو تأخري سوغه اإلعراب‬
‫هذا الوجه سقط لسقوط أوراقه يف املخطوط‬

‫‪65‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫فشعر أبي الطيب يعرتيه اإلبهام لألسباب الثالثة‪ ،‬ولكن ابن فورجة كأستاذه أبي العالء حيب شعر أبي الطيب‬
‫فهو أميل للدفاع عنه‪.‬‬

‫ابن سنان اخلفاجي احلليب‪:‬‬


‫هو عبداهلل بن حممد بن سعيد بن سنان أحد تالمذة أبي العالء‪ ،‬له مؤلفات أهمها كتاب "سر الفصاحة"‪،‬‬
‫كان ابن سنا ن ذا عناية بالبالغة والعروض‪ ،‬وجتيء آراءه النقدية من خالل أحكامه البالغية‪ ،‬وقد وقف طويالً‬
‫عند قضية ما يكون فصيحاً بليغاً من األلفاظ‪ ،‬وهو ما يزال يردد القول برفض إيراد األلفاظ الغريبة املستثقلة‬
‫يف الشعر والنثر على السواء‪ ،‬ويرى ابن سنان أن من عادة الشاعر أن يؤثر ألفاظاً على غريها ويكررها يف شعره‬
‫وقد حلظ أن شعراء وقته وكتابه مولعون بذلك‪ ،‬ومذهب ابن سنان يف األلفاظ مبين على التشدد فمن تشدده‬
‫نفي ألفاظ املتكلمني والنحويني واملهندسني وأرباب املهن من الشعر املنظوم والكالم املنثور‪ ،‬ومنوذجة األعلى‬
‫يف ذلك اجلاحظ‪ .‬ويبدو عرضه لقضية القدماء واحملدثني أمراً متصالً باملاضي‪ ،‬إذ أن القضية كانت قد فقدت‬
‫حدتها منذ زمن فهو يذكر أن الناس يف تفضيل القدماء على احملدثني ينقسمون إىل ثالث طوائف‪:‬‬
‫طائفة ترى أن املتقدمني سبقوا إىل املعاني وحبكم الزمن أصبح احملدثون عالة عليهم يف ذلك‪.‬‬ ‫‪. 1‬‬
‫طائفة رأت أن أشعار املتقدمني صدرت عن طبع‪ ،‬واشعار احملدثني صدرت عن تعمل وتكلف‪.‬‬ ‫‪. 2‬‬
‫طائفة رأت أن تقدم الزمن أو تأخره ال يؤثر يف مستوى الشعر‬ ‫‪. 3‬‬
‫ويعرض ابن سنان لظاهرتني بالغيتني هما االستعارة واحلشو ويكتب فيهما فصالً من أطول فصول كتابه‪،‬‬
‫ويشارك ابن سنان بعض أئمة املعتزلة يف أن إعجاز القرآن يعتمد على الصرفة‪ ،‬وهو ينتقد الرماني يف قسمته‬
‫تأليف الكالم إىل ثالثة أضرب‪ 1 :‬ــ متنافر ‪ 2‬ــ متالئم يف الطبقة الوسطى ‪ 3‬ــ متالئم يف الطبقة العليا‬
‫(وهو القراآن)‪ ،‬وهو يرى أن هذه القسمة غري منطقية‪ ،‬والصحيح أن يُقال لتأليف نوعان متنافر ومتالئم‪ ،‬وهو‬
‫يُدرك متام اإلدراك أن رأيه يف إعجاز القرآن يعين أن يف القرآن نفسه ما بعضه أفصح من بعض‪ ،‬ويبدو أن ابن‬
‫سنان ــ يف كثري من صفحات "أسرار الفصاحة" ــ كان شاهد عصره يف كثري من الظاهر وحديثه عن شيخه‬
‫أبي العالء ميثل صورة حية للعالقة بني التلميذ واألستاذ اتباعاً واستقالالً‪.‬‬
‫نظرية عمود الشعر يف صورتها املكتملة‪:‬‬
‫لقد رأى املرزوقي أن املشكالت اليت تسمح له باخلوض فيها مقدمة موجزة على شرح جمموعة من الشعر ال‬
‫تتعدى ثالثة كربى‪ ،‬تتفرع عن كل منها فروع‪:‬‬
‫األوىل ‪ :‬مشكلة اللفظ واملعنى وأنصار كل منهما‪.‬‬
‫والثانية ‪ :‬مشكلة االختيار ‪،‬‬
‫والثالثة ‪ :‬مشكلة العالقة بني النظم والنثر‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫وكان قد اطلع على آراء ابن قتيبة وابن طباطبا و قدامة واجلرجاني ( ورمبا اآلمدي ) ‪ ،‬وال أستبعد أن يكون‬
‫قد قرأ الصاحيب البن فارس ‪ ،‬ولكنه مل يأخذ من آرائهم إال ما تفرضه حدود موضوعه ‪ ،‬وجتنب كثرية من‬
‫آرائهم القيمة ألنه ال يريد أن يتجاوز ما رمسه لنفسه‪.‬‬
‫وأضعف املشكالت الثالث يف مقدمته هي املشكلة الثالثة ‪ :‬ألنها حماولة لتفسري ظاهرة عملية تتفرع يف ثالثة‬
‫فروع ‪( :‬أ) املفاضلة بني الشعر والنثر (ب) السبب يف قلة البلغاء وكثرة املفلقني (ج) السبب يف قلة البلغاء‬
‫وكثرة الشعراء ‪ ،‬و قد عاد املرزوقي إىل تلك اخلصومة اليت عرضها املتفلسفون من نقاد القرن الرابع يف‬
‫املفاضلة بني الشعر والنثر ‪ ،‬فذهب إىل أن النثر أفضل ‪ ،‬مستدال على ذلك بأن اخلطابة كانت لدى اجلاهليني‬
‫أهم من الشعر وأنهم كانوا يأنفون من االشتهار بالشعر ويعده ملوكهم دناءة (وهي قضية سيتصدى هلا ابن‬
‫رشيق بالرد) ‪ ،‬كذلك فإن الشعراء حطوا من قيمة الشعر بتعرضهم للسوقة حتى قيل « الشعر أدنى مروءة‬
‫السري وأسرى مروءة الدني » (وهو موقف سينقضه ابن رشيق أيضا)‪ ،‬وثالث األدلة على شرف النثر أن االعجاز‬
‫بالقرآن مل يقع بالنظم‪ .‬ثم إن ما يطالب به الكاتب أشد صعوبة مم يطالب به الشاعر‪ :‬فهو مطالب مبراعات‬
‫حال من يكتب عنه ومنزلته االجتماعية وأحوال الزمان ومواضع اإلجياز واإلطناب وأحكام السريعة‪.‬‬
‫وجتيء املشكلة الثانية تالية هلذه يف اجملال النقدي‪ ،‬وهي تبدأ من منطلق جزئي هو‪ « :‬ملاذا كان اختيار أبي‬
‫متام من نسيج خمتلف عن شعره ؟» وجواب املرزوقي على هذه املشكلة قد يرتجم يف لغتنا احلديثة املشكلة‬
‫الثانية يف التفاوت بني اختيار أبي متام إىل أن االختالف بني خمتارات أبي متام وبني شعره ناجم عن التباين بني‬
‫أبي متام الناقد وأبي متام الشاعر‪ ،‬ولكن ابن فارس كان قد قال من قبل ‪ :‬أن اختيار الشعر موقوف على‬
‫الشهوات‪ .‬فيتصدى املرزوقي للرد عليه دون أن يسميه‪ .‬وذلك بلجوئه إىل القول بوجود مقاييس نقدية عامة يشرتك‬
‫فيها يف قوله ‪ :‬االختيار زيد وعمرو وأن من أتقن تلك املقاييس وتدرب على موقوف على الشهوات استعماهلا «ال‬
‫ينظر إال بعني البصرية وال يسمع إال بأذن النصفة وال ينتقد إال بيد املعدلة؟ وال بد هلذا الناقد من معرفة اجليد‬
‫والرديء‪ ،‬ويرى املرزوقي أن أنصار النظم حتى عصره اصبحوا على ثالث درجات متتالية‪:‬‬
‫ا ‪ -‬فريق يرى أن حتسني نظم األلفاظ و جعلها سليمة من اللحن و اخلطأ ومما قد يعرتي التأليف من جنف ‪،‬‬
‫وإيرادها صافية الرتاكيب‪ ،‬هو املطلوب ‪.‬‬
‫‪ - ۲‬فريق يتجاوز احلد األول ويرى أن يضيف إىل ما سبق شيئا آخر التحسني مثل تتميم املقاطع وتلطيف املطالع‬
‫وعطف األول اآل خر على و تناسب الوصل والفصل و تعادل األقسام واألوزان‬
‫‪ - ۳‬فريق يتجاوز احلد الثاني و يرى أن كل ذلك جيب أن يضاف إليه أنواع البديع من ترصيع وجتنيس و استعارة‬
‫و تطبيق وغري ذلك من الصور البديعية‪.‬‬
‫أما أصحاب املعاني فهم الذين يفضلون أن ينقلوا آثا ر عقوهلم أكثر من اهتمامهم بالشكل ليستفيد املتأمل‪،‬‬
‫وحمصل موقف املرزوقي أنه البد من اإلتالف بني اللفظ واملعنى ائتالفاً تاماً وقد عاد إىل العناصر اليت عدها‬
‫اآلمدي ووضحها اجلرجاني من قبل وهي‪:‬‬
‫شرف املعنى وصحته‬ ‫‪. 1‬‬

‫‪67‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫جزالة اللفظ واستقامته ‪.‬‬ ‫‪. 2‬‬


‫االصابة يف الوصف ‪.‬‬ ‫‪. 3‬‬
‫املقاربة يف التشبيه‬ ‫‪. 4‬‬
‫وزاد عليها ‪:‬‬
‫التحام أجزاء النظم والتئامها على ختري من لذيذ الوزن‬ ‫‪. 5‬‬
‫مناسبة املستعار منه للمستعار له‬ ‫‪. 6‬‬
‫مشاكلة اللفظ وشدة اقتضائهما للقافية حتى ال منافرة بينهما‪.‬‬ ‫‪. 7‬‬
‫فكانت صياغته لعمود الشعر هي خالصة اآلراء النقدية يف القرن الرابع‪ ،‬على حنو مل يسبق إليه وال جتاوزه‬
‫أحد من بعده‪ ،‬فعيار املعنى أن يعرض على العقل الصحيح والفهم الثاقب ‪ ،‬وعيار اللفظ الطبع والرواية‬
‫واالستعمال ‪ ،‬وعيار اإلصابة يف الوصف الذكاء وحسن التمييز ‪ ،‬وعيار املقاربة يف التشبيه الفطنة وحسن‬
‫التقدير‪ ،‬و عيار التحام أجزاء النظم والتئامه على ختري من لذيذ الوزن‪ ،‬وعيار االستعارة الذهن والفطنة‪ ،‬وعيار‬
‫مشاكلة اللفظ للمعنى وشدة اقتضائهما للقافية طول الدربة ودوام املدارسة وهذه هي العيارات اليت استعملها‬
‫املرزوقي‪:‬‬
‫العقل الصحيح والفهم الثابت‬ ‫‪. 1‬‬
‫الطبع‬ ‫‪. 2‬‬
‫الرواية‬ ‫‪. 3‬‬
‫االستعمال‬ ‫‪. 4‬‬
‫الذكاء وحسن التمييز‬ ‫‪. 5‬‬
‫التقدير‬ ‫‪. 6‬‬
‫الفطنة وحسن‬ ‫‪. 7‬‬
‫الذهن والفطنة‬ ‫‪. 8‬‬
‫طول احلرية ودوام املدارسة ‪.‬‬ ‫‪. 9‬‬
‫وإذن فإن معايري املرزوقي هي‪ :‬الطبع ــ الرواية ــ الذكاء ــ الدربة‪ ،‬وعلى هذا األساس نستطيع أن نقول أن نظرية‬
‫عمود الشعر رحبة األكناف واسعة اجلنبات‪ ،‬وأنه ال خيرج من نطاقها شاعر عربي أبداً‪ ،‬بل إن املرزوقي زاد‬
‫يف اتساع هذه النظرية حني جعلها ذات وسط وطرفني‪ ،‬واذا كان النقاد قبل املرزوقي قد انقسموا يف فئتني‪:‬‬
‫فئة تقول‪ :‬أحسن الشعر أكذبه‪ ،‬وفئ ة تقول‪ :‬أحسن الشعر اصدقه فإنه قد زاد فئة ثالثة تقول‪ :‬أحسن الشعر‬
‫أقصده‪.‬‬
‫وقد عدل املرزوقي عن قسمة ابن قتيبة للشعر يف مطبوع ومتكلف فسمى القسمني "املطبوع واملصنوع"‬
‫فاملطبوع‪ :‬هو ما كان وليد جيشان يف النفس وحركة يف القرحية‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫واملصنوع ‪ :‬هو ما كان وليد جيشان يف النفس وحركة يف القرحية فإذا شاء الشاعر نقل ذلك بصورة تعبري‬
‫حني الطبع املهذب بالرواية والدربة عن العمل وحل حمله الفكر‬
‫والقدامى أقرب إىل الطبع‪ ،‬أما احملدثون فحظهم من الطبع متفاوت‪ :‬فبعضهم يقوى لديه وحيكمه يف االبداع‪،‬‬
‫فيجيء كالمه أقرب إىل طرائق األعراب؛ وبعضهم حيب اإلغراب وإظهار االقتدار ألنه يدل على كمال الرباعة‪،‬‬
‫ولذلك يلجأ إىل الفكر ال إىل الطبع فيحمله على االكثار من البديع‪.‬‬

‫النقد العربي وكتاب الشعر يف القرن اخلامس‪:‬‬


‫ال جند لكتاب الشعر ‪ -‬أو لألثر اليوناني عامة ‪ -‬أي صدى بني نقاد القرن اخلامس ( إذا استثنينا إشارة طفيفة‬
‫البن حزم األندلسي ) ‪ ،‬ويعود هذا إىل طبيعة النقاد وطبيعة الشعر ‪ ،‬وكلتاهما أصبحت تنأى عن األثر فأصبح‬
‫النقاد جيدون اجلواب على املشكالت النقدية جاهزة لدى اآلمدي واجلرجاني‪ ،‬ولذلك اقتصرت الصلة بكتاب‬
‫الشعر على إعادة من دراسة املنطق و ضعه يف موضعه بني كتب املعلم األول وفاء باستكمال املنهج الفلسفي‪،‬‬
‫وقد يكون ابن سينا قام بتلخيص هذا الكتاب يف أواخر القرن الرابع أو أوائل اخلامس‪ ،‬وميثل كتاب الشعر‬
‫كما أورده ابن سينا أوضح صورة ‪ -‬فيما نعرفه حتى اليوم ‪ -‬من صور هذا الكتاب‪ ،‬ويبدأ ابن سينا مبقدمة‬
‫ليست من أصل كتاب الشعر يتحدث فيها عن تعريف الشعر وأنه «كالم خميل" مؤلف من أقوال موزونة‬
‫متساوية ‪ ،‬وعند العرب مقفاه‪ ،‬ويقارن بني أثر احملاكاة وبني التصديق وميضي يف تبيان احملاكاة وضروبها‪،‬‬
‫وخيتلف مصطلح ابن سينا عن املصطلح نؤثره اليوم ‪ ،‬فيضع « االشتمال » مكان ما قد نسميه «االنقالب أو‬
‫التحول » و « االستدالل مكان ما قد يسمى "االنكشاف أو التعرف"‬
‫النقد وفكرة اإلعجاز‪:‬‬
‫عبدالقاهر اجلرجاني‪:‬‬
‫كان النقد والبالغة لدى املتحدثني عن االعجاز يف القرن الرابع مركبتني اختذوهما للوصول إىل « منطقة »‬
‫االعجاز ‪ ،‬ثم إفراد تلك املنطقة عما حوهلا ‪ ،‬ولكن عبد القاهر اجلرجاني ( ‪ - ) 471 -‬أكرب متحدث عن‬
‫االعجاز يف هذا القرن اخلامس سلك طريقاً معاكسة‪ ،‬حني جعل منطلقه فكرة اإلعجاز نفسها‪ ،‬فلقد قرر‬
‫عبد القاهر يف نفسه منذ البداية أن القرآن معجز ‪ ،‬وحاول أن يستكشف فيه مواطن االعجاز‪ ،‬ويقرر اجلرجاني‬
‫أوال أنه ليس للفظة يف ذاتها ‪ ،‬ال يف جرسها وال داللتها ‪ ،‬ميزة أو فضل أولي ‪ ،‬وليس بني أية لفظة وأخرى يف‬
‫حال انفراد كل منهما عن أختها من تفاضل ؛ فال حيكم على اللفظة بأي حكم قبل دخوهلا يف ( سياق »‬
‫معني‪ ،‬وخيلص عبدالقاهر من هذا إىل وضع نظريته اليت ال يسأم من تردادها يف حتديد املراد من النظم فيقول‬
‫‪" :‬واعلم أن ليس النظم إال أن تضع كالمك الوضع الذي يقتضيه علم النحو وتعمل على قوانينه وأصوله وتعرف‬
‫مناهجه اليت نهجت فال تزيغ عنها"‪ ،‬وبهذه النظرة اجته عبد القاهر إىل النقد والبالغة يضع فيهما أحكاما‪،‬‬
‫من جهة ثانية جند عبد القاهر قد خطأ املنحازين إىل جانب املعنى بشدة ال تقل عن شدته يف ختطئته من ذهبوا‬
‫إىل إبراز مميزات اللفظة املفردة فقال‪" :‬واعلم أن الداء الدوي والذي أعيا أمره يف هذا الباب غلط من قدم الشعر‬

‫‪69‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫مبعناه وأقل االحتفال باللفظ وجعل ال يعطيه من املزية إن هو أعطى إال ما فضل عن املعنى ‪ ،‬يقول ‪ :‬ما يف اللفظ‬
‫لوال املعين؟ وهل الكالم إال مبعناه ؟ فأنت تراه ال يقدم شعراً حتى يكون قد أودع حكمة وأدبا واشتمل على‬
‫تشبيه غريب ومعنى نادر‪ ،‬فالذي يعنيه اجلاحظ وأمثاله هو تلك الصورة ال جمرد اللفظ نفسه‪ ،‬لقد جلأ‬
‫عبدالقاهر كثرياً‪ ،‬وهو بشرح هذه الفكرة حول الصورة واجملتمعة من اللفظ واملعنى‪ ،‬إىل التمثيل عليها‬
‫ومقايستها بعملية الصياغة أو بالوشي واالبريسم لكنه كان يف كل مرة متنبها إىل ما جتره هذه املقايسة من‬
‫تضليل‪ ،‬فالذي يتصور الشعر صياغة قد يرتسم يف ذهنه أن الصائغني بصنعان سوارين ال يكون الفرق بينهما‬
‫واضحاً‪ ،‬فهل ميكن أن حيدث مثل ذلك يف "النظم"؟ وجييب عبد القاهر على هذا التساؤل بتقرير مبدأ التفاوت‬
‫دائما‪ ،‬ولكن الناس در جوا على أن يقولوا هذا شاعر قد أتي باملعين بعينه‪ ،‬على طريق التساهل والتجوز‪ ،‬وال‬
‫ميكن لشاعر آخر أن يأتي باملعنى بعينه‪ ،‬إال كان ذلك تكراراً تاماً لعبارات الشاعر األول ‪ ،‬ويف هذا نفسه‬
‫ما يدل على ميزة النظم ألنها هي اليت حتقق ذلك التفاوت ‪ .‬أما التشبيه باالبريسم فإنه أيضا قاصر ألنه قد‬
‫يوحي أن «النظم » ضم للكلمات بعضها إىل بعض كما حيدث يف ضم غزل االبريسم بعضه إىل بعض؛ وميكن‬
‫رد هذا الوهم إذا تذكر املرء أن ضم األلفاظ ينبع نسقا قرره النحو ‪ ،‬فإذا ضمت األلفاظ إىل بعضها البعض‬
‫دون أن تتوخى فيها معاني النحو مل يكن ذلك نظمة ‪ ،‬فالفرق إذن بني النظم واالبريسم هو فرق يف العامل‬
‫العمادي ‪ ،‬يف إنشاء سياق ما‪.‬‬
‫لذلك كانت نظرية النظم (أو التأليف) عند عبدالقاهر إنكاراً لتلك الثنائية املضللة وعودة إىل الوحدة ‪ ،‬أي‬
‫أن يعين الناقد برؤية الصورة جمتمعة من الطرفني معا دون فصل بينهما؛ وتلك هي فيما يبدو نظرية اجلاحظ‪،‬‬
‫و إذا كان عبد القاهر قد استمد نظرية « النظم » من اجلاحظ يف خطوطها العريضة‪ ،‬فإن اختاذه هلذه الفكرة‬
‫منطلقة هو الذي نقله بعد قليل إىل أدق ما نفذ إليه يف سياق تلك النظرية‪ ،‬فقد انتقل من تفاوت الدالالت إىل‬
‫مرحلة مل يتنبه إليها أحد قبله من النقاد ؛ وقد أسعفته نظرية اجلاحظ يف « املعاني املطروحة » على ذلك فقد‬
‫خيل إليه أن الناس حني أساءوا فهم نظرية اجلاحظ ‪ ،‬مل يلحظوا تفاوت الدالالت الناجم عن طريق الصياغة‪،‬‬
‫وهو بهذا يرد رداً ضمنياً على من أساءوا فهم نظرته يف املعاني ‪،‬حني خيل إليهم أنه يعين باملعاني و املستوى‬
‫الفكري ‪ ،‬يف حقائق احلياة‪ ،‬وتتغلب هذه النظرة « العقالنية » على اجلرجاني الناقد‪ ،‬فهو من خالهلا ينظر‬
‫إىل اجلمال ويزن مقدار التأثري يف الفن األدبي ‪ ،‬فأعلى صور التشبيه عنده أن جتمع أعناق املتنافرات واملتباينات‬
‫يف ربقة وتعقد بني األجنبيات معاقد نسب وشبكة»‪ ،‬وإن ما حلظه اجلرجاني من قيمة احلركة يف الصورة‬
‫جيعل منه ناقداً حصيفاً دقيق املالحظة قريبة إىل النقد اجلمالي احلديث يف نظراته‪ ،‬ومما يقوي هذا احلكم‬
‫أن اجلرجاني يؤمن بتجدد الصور وبأن الغرابة ليست خاصة أزلية ‪ ،‬وإمنا هي لون يبوخ مع الزمن ويعتوره االبتذال‬
‫‪،‬يرى اجلرجاني ذلك‪ ،‬دون أن يزايله االميان بأن الصورة هي أساس الشعر بل هي الشعر نفسه‪ ،‬وليس من‬
‫تناقض بني وصف اجلرجاني بالعقالنية وأنه ناقد مجالي‪ ،‬فهو يتخذ منهجاً عقلياً يف إدراك « أسرار » القول‬
‫البليغ‪ ،‬ولكن منهجه العقلي خيتلف عن ناقد عقالني آخر هو قدامة‪ ،‬ذلك ألن قدامة اهتم بالشكل املنطقي‬
‫يف تركيب منهجه وتقسيماته‪ ،‬وليس األمر دائما كذلك عند اجلرجاني ‪،‬فإن هذا اعتمد فكره يف النفاذ إىل‬

‫‪70‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫بواطن األمور فكانت عقالنيته من الذكاء اخلصب املقرتن بإحساس يف دقيق مبواطن اجلمال يف فن القول‬
‫ومل يهتم كثريا باملبنى املنطقي الذي وضعه قدامة ‪ .‬ومن هذا املوقف استطاع اجلرجاني أن يصحح كثريا من‬
‫اآلراء النقدية اليت سبقت عصره‪ ،‬وعلى أساس ذلك املنهج العقالني اجلمالي تناول اجلرجاني مشكلة من‬
‫مشكالت النقد القدمية‪ .‬استغرقت كثرية من جهد النقاد من قبله و من بعده‪ ،‬أعين بذلك عالقة الشعر‬
‫بالصدق والكذب ‪ ،‬فنفى أن يكون كل من الصدق والكذب عند احلديث عن الشعر متعلقني بالصدق أو‬
‫الكذب يف اخلرب أو واردين باملعنى األخالقي‪ ،‬والقول الفصل عند اجلرجاني يف هذه املشكلة أن املعاني تنقسم‬
‫قسمني فهناك معان يشهد العقل بصحتها‪ ،‬ومعان يتوصل إليها الشاعر بطريقني ‪ :‬باالحتجاج او بالتعليل القائمني‬
‫على التخييل ‪ ،‬وهذا النوع الثاني من املعاني هو األكثر وروداً يف الشعر‪ ،‬فإذا سئل اجلرجاني ‪ :‬ماذا تعين‬
‫بالتخييل قال ‪" :‬ما يثبت فيه الشاعر أمراً هو غري ثابت أصال ويدعي دعوى ال طريق إىل حتصيلها ويقول قوال‬
‫خيدع فيه نفسه ويريها ما ال ترى‪.‬‬
‫وبعد أن يوحد اجلرجاني بني الشعر والرسم يف القدرة على التأثري‪ ،‬ينقل الشعر إىل حيز الدين والرموز الدينية‪،‬‬
‫فيماثل بني أثره يف النفوس وأثر األصنام يف عُبّادها‪.‬‬
‫وآخر املشكالت النقدية اليت تصدى هلا عبد القاهر هي مشكلة األخذ والسرقة"‪ ،‬وتوضيحاً هلذه املشكلة‬
‫وجدناه حيدد مواطن االتفاق فيحصرها يف ثالثة‪:‬‬
‫اتفاق الشاعرين يف عموم الغرض‪ ،‬كأن يصف كل منهما ممدوحه بالشجاعة والسخاء وهذا ال يدخل يف‬
‫األخذ والسرقة إطالقاً‪.‬‬
‫اتفاق الشاعرين يف تشبيهات معروفة وليس يف هذا سرقة أو أخذ‬
‫اتفاق الشاعرين فيما ال يدرك إال بالروية واالستنباط والتأمل ويف هذا جتوز دعوى السرقة أو األخذ‪.‬‬
‫أما نظرة عبدالقاهر إىل العالقة بني الشعر والدين ال من حيث اشرتاكهما يف التأثري بل من حيث تعمد الشاعر‬
‫االستهانة باملعتقد الديين ‪ ،‬ففي هذا املقام جند عبدالقاهر مير بهذه املسألة مروراً سريعاً فيقول ‪« :‬و أبعد ما‬
‫يكون الشاعر من التوفيق إذا دعته شهوة االغراب إىل أن يستعري للهزل والعبث من اجلد( يعين الدين ) ‪ ،‬ومع‬
‫أن عبد القاهر قد خالف كثريا من النقاد السابقني الذين رأوا أن ال حيكم على الشعر والشاعر من الزاوية‬
‫الدينية ‪ ،‬فإنه كان أصرح منهم موقفا ألن أولئك النقاد وضعوا نظرية دفاعية خالفوها عند التطبيق‪ ،‬أما هو‬
‫فإنه قد حترج من إطالق العنان لنفسه يف خوض هذا‪.‬‬
‫النقد األدبي يف القريوان‪:‬‬
‫يف زمن باديس الصنهاجي و ابنه املعز بلغت القري وان ذروة النهضة يف احلياتني العلمية واألدبية‪ ،‬وكانت هذه‬
‫النهضة الثقافية ذات أثر يف منو حركة النقد األدبي ‪ ،‬كما أن التنافس الشديد بني األدباء يف حاضرة بن‬
‫زبري قد زاد من منوها؛ وزاد األمر حدة أن القوم كانت قد وصلتهم من الثقافة املشرقية مذاهب شعرية متعددة‪،‬‬
‫وكانت الثقافة املشرقية قد نقلت إليهم طرقا متفاوتة يف النقد أيضا‪ ،‬وهكذا كانت مجيع العوامل مسعفة‬
‫على ظهور حركة نقدية يف القريوان ؛ فكان من أعالمها أبو عبد اهلل القزاز الذي ألف كتابا يف ما أخذ على‬

‫‪71‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫أبي الطيب ‪ ،‬وابن ميخائيل حممد بن احلسني القرشي الذي كان شديد االنتقاد على مذهب قدامة ‪ ،‬إال أنا‬
‫ال نعرف له مؤلفاً نقدياً ؛ وعبد الكريم بن إبراهيم النهشلي ‪ ،‬وقد ملح عبدالكريم قسمة قدامه للشعر على‬
‫أساس الفضيلة وضدها فقسم الشعر إىل‪ :‬شعر هو خري كله‪ ،‬وشعر هو شر كله‪ ،‬وشعر يُتكسب به‪ ،‬ويف‬
‫موضع آخر يقول يف أقسام الشعر‪" :‬أصناف الشعر أربعة‪ :‬امل ديح واهلجاء‪ ،‬واحلكمة‪ ،‬واللهو" ويبدو أنه مُتأثر‬
‫باآلمدي‪ ،‬وكان عبد الكريم يف طريقته الشعرية ممن يقدمون اللفظ على املعنى‪ ،‬وقد كرر يف موقفه من‬
‫السرق آراء النقاد السابقني‪ ،‬وكان عبد الكريم يؤمن بأن استجاشة اخلاطر على حنو عملي أمر هام يف‬
‫استدعاء الشعر ‪ ،‬وقد أثار هذا الناقد بعض املالمح الدقيقة معتمداً على ذكائه‪ :‬فمن ذلك رأيه يف أن عادة‬
‫العرب يف الغزل أن يكون الشاعر متماوتاً مفتوناً‪ ،‬وعادة العجم أن تكون املرأة طالبة راغبة‪ ،‬ولكن أعمق‬
‫ملمح أثاره عبدالكريم هو أثر اختالف البيئات عامة يف الشعر والذوق‪ ،‬وأصل هذا الرأي موجودٌ عند اجلاحظ‪.‬‬
‫وميكن أن نعد عمل ابن رشيق يف كتبه الثالثة متكامال" فقد حاول يف دراسته لشعراء القريوان يف كتاب‬
‫"األمنوذج" ‪ ،‬أن يطبق بعض القواعد النقدية اليت حشدها يف كتاب " العمدة" ولكن كتاب العمدة أهمها‬
‫وأبعدها أثرة ‪ ،‬فهو كتاب جامع من حيث أنه معرض لآلراء النقدية اليت ظهرت يف املشرق حتى عصر ابن‬
‫رشيق‪ ،‬ودارس العمدة معذور إذا هو مل يستطع رد كل رأي إىل صاحبه ألن ابن رشيق ساق الكالم متصال‬
‫أحيانا ‪ ،‬حبيث خيفى على القارئ أن خيوط النسج مأخوذة من مواضع خمتلفة‪ ،‬ولكن ابن رشيق رغم ذلك‬
‫ناقد قدير‪ ،‬مل تضع شخصيته بني آراء عبدالكريم واجلمحي واملربد واجلاحظ وابن وكيع والرماني و دعبل‬
‫واجلرجاني واملرزوقي وابن قتيبة وقدامة واحلمار السرقسطي وكثري غريهم‪ ،‬ولو قارنا بينه وبني العسكري‬
‫صاحب الصناعتني وهما متشابهان يف بناء مؤلفيهما من كتب اآلخرين وآرائهم لوجدنا العسكري مصنفاً‬
‫وحسب‪ ،‬باهت الشخصية ال سبيل إىل عده ناقداً‪ ،‬بينا يقف ابن رشيق حبيويته وقفة بارزة بني نقاد القرن‬
‫اخلامس‪ ،‬هذا على الرغم من أن كتاب الصناعتني أدق تبويبا من كتاب العمدة ‪ ،‬غري أن العمدة ميتاز بني‬
‫كتب النقد األدبي بأنه احتوى أكثر ما يريده املتأدب من حديث عن الشعر ومن حديث يف الشعر نفسه‪،‬‬
‫ويطالعنا ابن رشيق بأنه من أنصار الشعر‪ ،‬ثم هو يرد على احملتجني للنثر بأن القرآن مل جييء منظوماً‪ ،‬وكأنه‬
‫يضع نصب عينيه حديث املرزوقي‪ ،‬ورده عليه غاية يف الدقة ‪ :‬إذ يرى أن جميء القرآن منثوراً أظهر يف االعجاز‬
‫لقوم شعراء‪ ،‬وهو ليس بشعر‪ ،‬كما أنه أعجز اخلطباء وليس خبطبة واملرت سلني و ليس برتسل‪ ،‬و أضاف إىل‬
‫هذا حججا من عنده يف فضل الشعر حني حور معنى الكذب‪ ،‬ومل يأت ابن رشيق بشيء جديد يف قضية املقارنة‬
‫بني القدماء واحملدثني بل أورد أمثلة ملن كانوا يتعصبون للقديم‪ ،‬وكذلك هو حاله يف حديثه عن حد الشعر (‬
‫اللفظ والوزن واملعنى والقافية ) فإنه شغل باالقتباس عن الرماني وعبد الكريم واجلرجاني وغريهم‪ ،‬فإذا تناول‬
‫ثنائية اللفظ واملعنى أورد عبارة ابن طباطبا "اللفظ جسم وروحه املعنى" وبسطها على طريقة احلامتي‪ ،‬وقد أجاز‬
‫للشاعر التظرف ببعض األلفاظ األعجمية‪ ،‬وعندما حتدث عن ثنائية املطبوع واملصنوع مل يعرفهما وإمنا قدر‬
‫أنهما قد أصبحا معروفني لكثرة ما دار حوهلما من حديث نقدي ‪ ،‬ثم اكتفى باحلديث عن بعض املطبوعني‬
‫والصناع‪ ،‬وقد عاد إىل املوضوع القديم الذي أثاره بشر بن املعتمر يف صحيفته ووضحه ابن قتيبة وهو االستعداد‬

‫‪72‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫النفسي لقول الشعر ‪ ،‬واألمور املسعفة على إنعاش القرحية ‪ ،‬وبعد أن عرض لنا طرق الشعراء يف استجالب‬
‫الشعر ‪ ،‬طالعنا برأي لعله هو رأيه اخلاص إذ قال ‪" :‬ومما جيمع الفكرة من طريق الفلسفة استلقاء الرجل على‬
‫ظهره ؛ وعلى كل حال فليس يفتح مقفل حبار خلواطر مثل مباكرة العمل باألسحار عند احلبوب من النوم ‪،‬‬
‫لكون النفس جمتمعة مل يتفرق حسها يف أسباب اللهو أو املعيشة أو غري ذلك مما يعيبها"‬
‫وهو إمنا يردد يف الشق الثاني من هذا الرأي نصيحة أبي متام للبحرتي وحياول تعليل ذلك‪ ،‬وينقسم ما تبقى من‬
‫كتابه يف ثالثة أقسام أكرب ها فصول يف أنواع البديع يف أغراض الشعر‪ ،‬وقد كان سر متيز ابن رشيق يف‪:‬‬
‫طرافة التجربة‪ :‬فهو يقرب من قلب القارئ بأن يقص جتاربه يف الصنعة الشعرية‬ ‫‪. 1‬‬
‫اجلرأة‪ :‬وهذه تتمثل يف خمالفته لآلراء املألوفة املروية عن كبار النقاد‪ ،‬كما تتمثل يف أحكام‬ ‫‪. 2‬‬
‫له ال خياف من اجلهر بها‪.‬‬
‫طرافة الرأي كحديثه عن الصلة بني الفقر والشعر‬ ‫‪. 3‬‬
‫تأثره باإلقليمية رغم ثورته عليها‬ ‫‪. 4‬‬
‫اتساع نطاق الفهم النفسي لوظيفة الشعر؛ فهو ال يكتفي بذكر ما ذكره السابقون من أثر‬ ‫‪. 5‬‬
‫نفسي ملقدمة القصيدة وإمنا يشري إىل أن هذا األثر البد من أن يبلغ بالنفس منزلة االرتياح والسكنه‬
‫بإيراد اخلامتة الصاحلة‪.‬‬
‫إميانه بقيمة التجربة احلسية‪ :‬وهذا جعله يرى أن التشبيه أصعب شيء يف الشعر‪.‬‬ ‫‪. 6‬‬
‫تلك مميزات إذا أضيفت إىل طريقته السهلة اليسرية املشوقة يف عرض اآلراء واملوضوعات تفسر سر القبول‬
‫الذي حظي به كتاب العمدة‪.‬‬
‫ولعلنا نقف وقفة ختامية عند باب السرقات تفضي بنا إىل دراسة رسالة «قراضة الذهب »‪ :‬ففي هذا الباب‬
‫اعتمد ابن رشيق على حلية احملاضرة للحامتي يف تبيان أنواع السرقة‪ ،‬وشرحها كما شرحها احلامتي وجاء‬
‫بأمثلته وانتقد مصطلحاته بأنها ليس هلا حمصول إذا حققت‪ :‬وأورد رأيي اجلرجاني وعبد الكريم يف السرقات‬
‫‪ ،‬وانتقد ابن وكيع بشدة حيث قال‪ « :‬فقد قدم يف صدر كتابه على أبي الطيب مقدمة ال يصح ألحد معها‬
‫شعر إال الصدر األول»‪ ،‬وليس البن رشيق يف الباب كله رأي ذاتي أو متثيل جديد ‪ .‬والظن قوي بأن ابن رشيق‬
‫مل يعر مبحث السرقات اهتماماً‪ ،‬إلميانه بأن السرقة قد أصبحت قاعدة عامة يف احلياة الشعرية لعصره‪ .‬هذا‬
‫ما طرقه يف القسم األ ول من الرسالة‪ ،‬أما القسم الثاني منها فإن ابن رشيق اتبع طريقة جديدة أفادت استخراج‬
‫املعاني املبتكرة عند أمرئ القيس‪ ،‬وكيف أخذ الشعراء من بعده يتناولونها‪ ،‬فإذا انتهى من احلديث عن أمرئ‬
‫القيس انتقل إىل ضروب من العاني املخرتعة عند غريه من الشعراء‪ ،‬وقد وجد أن الشاعرين يتفقان أحياناً يف‬
‫قسم أقسام البيت وأحياناً يف البيت‪ ،‬وهو حييل على احلفظ فالشاعر الذي حيفظ قصائد كثرية‪ ،‬ثم حياول‬
‫أن يضع قصيدة على وزن ما وروي ‪ ،‬فالبد أن تضطره طبيعة الرتكيب واإليقاع من أن يكرر ما عند غريه‬
‫تكريراً لفظياً أحياناً‪ ،‬وهو يرى أن بعض ما يقع اتفاقاً ال يعد سرقة‪ ،‬وآخر مظهر من السرقات حتدث عنه ابن‬

‫‪73‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫رشيق هو ما مساه "التلفيق" وهو أن يأخذ الشاعر املعاني املتقاربة ويستخرج منها معنى مؤكداً يكون له‬
‫كاالخرتاع‪ ،‬وتقدم رسالة "قراضة الذهب" أو دراسة نقدية لشعر املعري‪.‬‬
‫وثالث نقاد القريوان هو ابن شرف القريواني الذي كانت بينه وبني ابن رشيق مالحاة ومنافسة ومهاجاة‪ ،‬والبن‬
‫شرف رسالة نقدية نشرت باسم "أعالم الكالم"‪ ،‬فإذا استثنينا املقامة اجلاحظية لبديع الزمان وهي اليت يدور‬
‫قسم منها على نقد اجلاحظ عددنا رسالة ابن شرف أول قالب نقدي يف صورة مقامة طويلة‪ ،‬غري أنه مل يلتزم‬
‫أ سلوب املقامة يف مجيع رسالته‪ ،‬بل وسع من أعطاف القول‪ ،‬فجاءت رسالته يف قسمني واضحني‪ :‬أوهلما املقامة‬
‫نفسها اليت حتدث فيها عن الشعراء‪ ،‬والثاني‪ :‬بيان سقطات عدد من الشعراء وبعض العيوب يف الشعر‪ ،‬ويتميز‬
‫هذا القسم بظهور شعراء املغرب فيه إىل جانب املشارقة حني حتدث اين شرف عن ابن عبد ربه وابن هاني وابن‬
‫دراج القسطلي وعلي التونسي‪ ،‬ومن توجيهات ابن شرف العامة أن الناقد حباجة إىل التأني الشديد قبل إصدار‬
‫احلكم‪ ،‬ويذكرنا نقد ابن شرف لشعر أمرئ القيس مبوقف الباقالني منه‪ ،‬فهو يعتمد على النظرة األخالقية‬
‫قبل كل شيء‪ ،‬وقد استغل ابن شرف بعض املفهومات النفسية لتفسري ظواهر شعرية على حنو طريف‪ .‬فقد‬
‫اعتمد على األخبار اليت تقول أن أمرئ القيس كان مفركاً لدى النساء‪ ،‬وإذن فإنه كان حمروماً من وصلهن‬
‫وتعشقهن‪ ،‬ويف اشباع هذا احلرمان جلأ إىل اختالق القصص‪ ،‬وإذا حتدث عن عيوب زهري عمد إىل كثري مما‬
‫عده ا لنقاد السابقون منوذجياً يف شعره وكشف عما فيه من نقائص متحدياً بذلك عدداً كبرياً من النقاد‪،‬‬
‫ورغم التدقيق الذي يطالعنا به ابن شرف فإن نقده ينتحي منحىً مثالياً مل خيرج به عن طبيعة النقد القديم الذي‬
‫سادت مقاييسه يف العصر اإلسالمي واألموي وظلت آثاره ملموسة يف النقد على مر الزمن‪ ،‬وليس يف القسم‬
‫األخري من رسالته شيء جديد‪ :‬فهنالك ذكر الناقد عدداً من العيوب مثل اللحن وخشونة الكلمات وتعقيد‬
‫الكالم وكري الوزن وجماورة الكلمة ما ال يناسبها واالفتتاحات الثقيلة واملتطري بها‪ ،‬وقلق القافية‪ ،‬واجلفاء‬
‫يف النسيب‪ ،‬والسرقة‪ ،‬وقد قسم السرقات إىل‪ :‬سرقة ألفاظ وسرقة معاني‪ ،‬وقد خصصت خامتة الرسالة‬
‫للحديث عن بعض عيوب املتنيب‪ ،‬وهي شبيهة مبا أثاره غريه من قبل مع تدقيقات خاصة ينفرد بها‪.‬‬
‫إن ما حققته مدرسة القريوان يتميز حبيوية أشخاصها الذين منحتهم النهضة األدبية يف إقليمهم بعض السمات‬
‫األدبية كما اشتملت حماوالتهم على تعليل املؤثرات النفسية‪.‬‬
‫النقد األدبي يف األندلس‪:‬‬
‫تربى الذوق األندلسي مدة طويلة على الشعر احملدث‪ ،‬وعلى الشعر األندلسي نفسه الذي كان يرتسم خطى‬
‫الشعر احملدث املشرقي‪ ،‬وقد ظل الذوق األندلسي مأخوذ بالشعر احملدث حتى دخل القالي إىل قرطبة جالباً‬
‫معه دواوين اجلاهليني واإلسالميني‪ ،‬ومل يستطع النقد األدبي يف األندلس قبل القرن اخلامس أن يرتفع إىل‬
‫مستوى املشكالت الكربى اليت دارت يف النقد املشرقي‪ ،‬وقد جند وقفات نقدية عن ابن عبدربه يف العقد‬
‫ولكنها مقتبسة مما عرفه عن املشارقة‪ ،‬إال أن الطاقات النقدية يف األندلس قويت وذلك ألسباب عدة وهي‪:‬‬
‫احلركة الثقافية اليت أوجدها احلكم املستنصر‬
‫إنشاء ديوان للشعراء ال يقيد فيه اسم شاعر لينال عطاءً إال بعد أن يثبت تفوقه‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫االنهيار الذي أصاب قرطبة بسبب الفتنة الرببرية حيث قضى على العمران والوحدة السياسية وأشاع القلق‬
‫واالختالل يف املقاييس ورمى الشعر يف الكساء‪ ،‬وخلق طبقة من أدعياء الثقافة‪.‬‬
‫انفتاح العقول املثقفة على شيء من املنطق والفلسفة‬
‫أثر النقد املشرقي حيث وصلت كتبه إىل األندلس‪.‬‬
‫فمن طبيعة الوضع األندلسي وطبيعة الشعر األندلسي اختذ النقد األدبي وجوده ومساته‪ :‬أما طبيعة الوضع‬
‫األندلسي فكانت تتمثل احتذاء املشرق‪ ،‬فلما تنبهت لشخصيتها العلمية أخذ النقد يدافع عن هذه الشخصية‪،‬‬
‫ومن طبيعة الشعر األندلسي أنه أول األمر تربى على اذوق احملدث فاهتم بوصف اجلمال‪ ،‬ولذلك كان من أبرز‬
‫العناصر اليت التفت إليها الناقد املتذوق عنصر التشبيه‪ ،‬ومن طبيعة الشعر األندلسي أيضاً أن التيار الذي سُمي‬
‫طريقة العرب حني جاور مذهب احملدثني عايشه يف هدوء وسار التياران متوازيني دون صراع‪ ،‬فإذا كان النقد‬
‫األدبي األندلسي نتاج هذا كله‪ ،‬فال غرابة أن جنده يدور يف جماالت‪ :‬الدفاع عن األندلس وأدبها واللجوء إىل‬
‫محى األخالق وال تشبث بالصورة وقوانني األخذ والسرقة‪ ،‬ولعل أعظم اثنني مترسا بالنقد يف القرن اخلامس‪،‬‬
‫ورمبا ظال أعظم من نلقاهما يف تاريخ النقد هنالك هما ابن شهيد وابن حزم‪.‬‬
‫ابن شهيد‪:‬‬
‫يعد ابن شهيد أقرب إىل النقد ألن اعجابه بنفسه وضعه موضع التفرد‪ ،‬ومن مؤلفاته ذات الطابع النقدي‪ :‬كتاب‬
‫"حانوت عطار"‪ ،‬ورسالة "التوابع والزوابع"‪ ،‬ورسائل متفرقة حتدث فيها عن البيان‪ ،‬وألول مرة يوجد ناقداً يقر‬
‫مبدأ املعارضة معياراً للتفوق‪ ،‬وأما التوابع والزوابع فإنها رسالة كتبها ابن شهيد لصديقه أبن حزم‪ ،‬وهي تعتمد‬
‫الفكرة القدمية يف أن لكل شاعر تابعاً من اجلن يلهمه الشعر‪ ،‬وقد ابطل معتقد أن النثر والشعر ال يتفقان‬
‫على درجة واحدة يف اجلودة لشخص واحد‪ ،‬وقد بنى سائر ما تبقى من رسالة التوابع والزوابع على صورة تهمية‬
‫غض فيها من شأن علماء اللغة وخباصة ابن اإلفليلي شارح ديوان املتنيب‪ ،‬وينقسم أصحاب صنعة الكالم يف‬
‫رأيه إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫قسم خيرتع املعاني ويعرف جيد األلفاظ‬ ‫‪. 1‬‬
‫قسم ماهر يف التلفيق واحليلة‬ ‫‪. 2‬‬
‫قسم هم أصحاب احلدة البيانية الذين يبنون الكالم على االندفاع واالنصباب مع التوفيق التام‬ ‫‪. 3‬‬
‫بني الفكرة الصعبة ومائية الشكل‪.‬‬
‫وهذه القسمة تنظر إىل القطعة الفنية وحتكم على الشاعر من خالهلا‪ ،‬فالقطعة الفنية الرائعة يف نظر ابن‬
‫شهيد هي اليت تتمتع بقوة االنصباب‪ ،‬وتوفق يف انسجام تام بني الفكرة والشكل‪ ،‬وتلبك معاني اآلخرين يف‬
‫مزيج خفي‪ ،‬وتقتنص كل ما يتاح هلا‪ ،‬وتتساوى جودتها يف حاليت البديهة والفكرة‪ ،‬وكان ابن شهيد يرى‬
‫البديهة حمكاً للفكرة‪ ،‬وإذا كانت أروع صور البيان هي اليت مت فيها التوفيق بني الفكرة الصعبة ومائية‬
‫الشكل فإن مهمة الناقد األدبي هي الكشف عن هذا التالؤم ومتييزه من سائر مراتب الصناعة‪ ،‬وجند ابن‬
‫شهيد ينص على أن الناقد جيب أال يستهويه الشكل وينسيه التفتيش عن املعنى‪ ،‬ولعل أهم خداع تنبه له ابن‬

‫‪75‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫شهيد هو اخلداع العاطفي حيث تضرم نريان اجلوى وتسفح الدموع‪ ،‬والكالم يف حقيقته كسراب بقيعة‪ ،‬وقد‬
‫أقر ابن شهيد بتغري العادة حسب تغري األزمنة وبأن ما يصلح يف عصر رمبا ال يبقى صاحلاً يف عصر آخر‪ ،‬وقد‬
‫يتجاوز اعجاب ابن شهيد بذاته وبشعره وبنثره كل حد‪ ،‬فقد كان ثانياً البن طباطبا يف وضع مفهوم للجمال‬
‫الفين‪ ،‬وكان متفرداً يف تفسري الطبع على أساس روحاني‪ ،‬فرمبا تفوق على ابن رشيق وابن شرف‪ ،‬ورمبا مل‬
‫يبلغ أي ناقد أندلسي مبلغه يف ارهاف الذوق واإلحساس باجلمال الفين‪.‬‬
‫ابن حزم‪:‬‬
‫لقد كانت مداخله إىل النقد األدبي كثرية مثلما كانت احلواجز والسدود دونه كثرية أيضاً‪ ،‬وقد كتب‬
‫رسالة عن األندلس وضع فيها بعض شعراء بلده يف مصاف مشاهري املشارقة‪ ،‬وقد عرف البالغة تعريفاً فيه‬
‫شيء من الطرافة وهو يضع هلا أربع مراتب‪:‬‬
‫بالغة تتكون من األلفاظ املألوفة عند العامة‬ ‫‪. 1‬‬
‫بالغة تتكون من األلفاظ غري املألوفة عند العامة‬ ‫‪. 2‬‬
‫بالغة ترتكب من املرتبة األوىل والثانية‬ ‫‪. 3‬‬
‫بالغة عادية‬ ‫‪. 4‬‬
‫وعند حديثه عن املطبوع واملصنوع من الشعر قسم الشعر إىل ثالثة مراتب‪:‬‬
‫الصناعة وهي اجلمع بني االستعارة والتحليق على املعاني‬
‫الطبع ما أشبه املنثور يف تأليفه وسهولته ومل يقع فيه تكلف‬
‫الرباعة هي التصرف يف املعاني الدقيقة البعيدة واإلكثار مما ال عهد للناس بالقول فيه وأصابة التشبيه وحتسني‬
‫املعنى اللطيف‪ .‬وابن حزم يأخذ برأي من يقول‪ :‬أحسن الشعر أكذبه‪.‬‬
‫وحني حتدث عن الشعر قال‪ :‬وأما علم الشعر فإنه على ثالثة أقسام‪ :‬أحدهما أال يكون لإلنسان علم غريه فهذا‬
‫حرام‪ ،‬والثاني االستكثار منه فلسنا حنبه وليس حبرام‪ ،‬والثالث‪ :‬األخذ منه بنصيب فهذا حنبه وحنض عليه‪.‬‬
‫النقد يف القرنني السادس والسابع‬
‫النقد يف األندلس‬
‫وقد نسمي هذين العصرين يف تاريخ األدب املشريف واملغربي فرتة اخلوف من الضياع‪ ،‬ويف فرتات اخلوف من‬
‫الضياع يكثر التسجيل والتقييد ويقل النقد أو يضعف صوته ‪ ،‬وختمد املعارك األدبية اللتهاء الناس مبعارك‬
‫حتدد البقاء أو الفناء‪ ،‬وجنم عن اخلوف من الضياع ظواهر أخرى يف طبيعة الشعر نفسه ‪ :‬منها امليل إىل اإلطالة‬
‫يف مبنى القصيدة واالكثار من الشعر؛ وهذا قد يفسر باسم الرغبة نفسها يف التخليد والبقاء‪ ،‬وقد انصرفت‬
‫اجلماهري حنو األشعار العامية مما زاد أزمة الفصيح‪ ،‬وبذلك زادت أزمة الشعر عما كان يف القرن اخلامس‪،‬‬
‫وقد وصل االحنراف إىل النتيجة احلتمية وهي االهتمام يف الشعر بالشؤون البالغية اليت كانت تسري من قبل‬
‫يف معونة احلركة النقدية‪ ،‬فلما ضعف النقد انفصلت عنه البالغة واستقلت واستأثرت باالهتمام الشكلي‪،‬‬
‫وأصبحت جهود أصحابها مقصورة على التفنن يف التقسيم والتفريع‪ ،‬وحتولت كلمة نقد عن معناها األصلي‪،‬‬

‫‪76‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫ولذلك اضطلعت األندلس بكثري من مهمة النقد يف هذين القرنني؛ مثلما اضطلعت بتطوير فين املوشح والزجل‬
‫اللذين كانا يتطلبان مقاييس نقدية جديدة مالئمة‪ ،‬ولكن األندلس مل تكن تعي أنها مهيأة لدور خطري يف‬
‫النقد‪.‬‬
‫ابن خفاجة‪:‬‬
‫هو شاعر الطبيعة وهو أول من يطالعنا من شعراء األندلس‪ ،‬وتبدو قيمة املقدمة اليت كتبها ابن خفاجة على‬
‫ديوانه يف أنه حتدث فيها عن جوانب من جتربته الفنية‪ ،‬فهو يعتقد أن الشعر ال ميكن أن جييء كله مستوي‬
‫اجلودة وإمنا ينقسم إىل طرفني ووسط‪ ،‬ويف الطرف الثاني تكل األذهان‪ ،‬وتقل املادة من لفظ وقافية‪ ،‬وهو يف‬
‫ضيق من النقاد الذين يؤاخذون الشاعر بكل ما يقوله‪ ،‬وحياسبونه من خالل القول على فعله‪ ،‬وهؤالء يف رأيه‬
‫يغفلون عن طبيعة الشعر الذي يقصد فيه التخييل وليس القصد فيه الصدق وال يعاب فيه الكذب‪ ،‬وهو يقسم‬
‫النقاد إىل فئات‪ :‬فمنهم من ينتقد نقداً صحيحاً معتمداً على الفهم‪ ،‬ومنهم من حيكم خبثه‪ ،‬ومنهم من يقصر‬
‫به ضعف بصريته‪ ،‬ولفظة التخييل اليت استعملها ابن خفاجة إمنا صدرت عن دوائر النقد املتصل بالفلسفة أو‬
‫املتأثر بها‪.‬‬
‫ابن بسام الشنرتيين‪:‬‬
‫هو صاحب الذخرية وأكثر النقاد األندلسيني يف القرن السادس احتفاالً بقواعد النقد وتطبيقها‪ ،‬وهذا ما‬
‫نلمحه يف األساس النقدي الذي يقوم عليه كتاب الذخرية‪ ،‬وميكن القول أن مذهب ابن بسام يف النقد يقوم‬
‫على ركيزتني كلتاهما تتصل بأب ي حممد ابن حزم‪ :‬األوىل ركيزة الدفاع عن تراث األندلس األدبي عامة‪،‬‬
‫والثانية‪ :‬النظرة األخالقية يف احلكم على بعض الفنون الشعرية‪ ،‬وقد كانت الغاية األوىل من تأليف الذخرية‬
‫هي جذب األندلسيني إىل ختليد تراثهم واالعتزاز به‪ ،‬ولذلك ندد بهم ابن بسام ألنهم يرتكون ما عندهم من‬
‫تراث أدبي ويتو جهون إىل أدب املشرق‪ ،‬أما وقفته إىل جانب الدعوة األخالقية اليت صرح بها ابن حزم فإنها‬
‫تتجلى يف جتافيه عن فن اهلجاء‪ ،‬واهلجاء عنده قسمان‪ :‬هجو األشراف‪ ،‬وقد كان العامل األخالقي الديين‬
‫قوياً يف توجيه النقد عند ابن بسام‪ ،‬وهو يكره إدخال األفكار الفلسفية يف الشعر‪ ،‬وهو مع ذلك معجب بأبي‬
‫الطيب وأبي العالء‪ ،‬إال أنه متعجب من إقدامهما على ألفاظ الفالسفة وأفكارهم‪ ،‬ومن هذا يتضح أن ابن بسام‬
‫ناقد حمافظ إن صحت العبارة‪ ،‬ومما يؤكد هذه احملافظة ومبدأ االلتزام بالذوق العربي العام الذي ميثله عمود‬
‫الشعر ثورته على االستعارات البعيدة لدى بعض شعراء عصره‪ ،‬وهو ناقد ال ينفك يذكرنا حببه للمألوف الذي‬
‫جرت به العادة‪ ،‬وهلذا فإنه يكره اجلمع بني التعزية واملدح الكثري للمعزَّى‪ ،‬ويُستشف من تعليقاته على بعض‬
‫ما يورده من أشعار أنه معجب باالستعارة املوفقة والعبارة الرشيقة‪ ،‬واإلتيان بالتشبيه دون أداة‪ ،‬وهو ماهر يف‬
‫استكشاف األخذ والسرقة وهذا يدل قوة احلفظ وسعة االطالع‪ ،‬ولذلك فهو حمب للتوليد يف املعاني‪.‬‬
‫ابن قزمان‪:‬‬
‫استعار ابن قزمان إمام الزجالني باألندلس بعض القواعد النقدية اليت أجريت على القصيدة‪ ،‬فطبقها على‬
‫الزجل‪ ،‬إما بطريقة املقايسة أو القلب‪ ،‬فقد كان يشعر كما كان يشعر ابن خفاجة بأن مقياس اجلزالة ال‬

‫‪77‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫يصلح لبعض أنواع الشعر‪ ،‬ولذلك دعا ابن قزمان إىل اعتماد الزجل‪ ،‬وانتقد متقدمي الزجالني ألنهم يأتون‬
‫مبعانٍ باردة وأغراض شاردة‪ ،‬وملا رأى ابن قزمان أن للحن عيب مستبشع يف القصيد عكس القاعدة‪ ،‬فذهب‬
‫إىل أن اإلعراب يشني الزجل‪ ،‬وعلى اجلملة نستطيع القول أن أحكام ابن قزمان مستمدة من طريقته‪.‬‬
‫أبو القاسم حممد بن عبدالغفور الكالعي‪:‬‬
‫ميثل ابن عبدالغفور الكالعي وعياً نقدياً بارزاً بني أقرانه لتوفره على التأليف يف النقد فمن كتبه املتصلة‬
‫بهذا املوضوع كتاب "مثرة األدب" و كتاب ا "االنتصار ألبي الطيب" و رسالة يف "أحكام صنعة الكالم"‪،‬‬
‫وعنوان كتابه يف أبي الطيب يدل على أنه وقف موقف الدفاع عنه‪ ،‬وقد اتصل حديثه يف ذلك بالكشف عن‬
‫بعض عيوب أبي متام‪ ،‬وايراد أخبار سيف الدولة‪ ،‬وأما رسالة "إحكام صنعة الكالم" فإنها تتناول النثر‬
‫بالقواع د واألمثلة‪ ،‬وقد ابتكر مصطلح جديد لضروب النثر فالرتسل يف نظره أقسام منها‪:‬‬
‫العاطل ‪ :‬لقلة حتليته باألسجاع والفواصل‬ ‫‪. 1‬‬
‫احلالي ‪ :‬وهو ما حلي حبسن العبارة ولطف االشارة و بدائع التمثيل واالستعارة‬ ‫‪. 2‬‬
‫املصنوع ‪ :‬وهو ما منق بالتصنيع ووشح بأنواع البديع وحلي بكثرة الفواصل واألسجاع ‪.‬‬ ‫‪. 3‬‬
‫املرصع ‪ :‬وهو ما رصع باألخبار واألمثال واألشعار واآليات واألحاديث‬ ‫‪. 4‬‬
‫املغصن ‪ :‬وهو ما كان ذا فروع وأغصان حبيث تتم املقابلة فيه متوازية‪.‬‬ ‫‪. 5‬‬
‫املفصل ‪ :‬وهو ما تراوح فيه املنثور واملنظوم على التوالي ‪.‬‬ ‫‪. 6‬‬
‫املبتدع ‪ :‬وهو ما يقرأ فيه كلمات من جهتني وثالث ورمبا أربع‬ ‫‪. 7‬‬
‫وقد عاد ابن عبد الغفور إىل القضية اليت مر بها النقد العربي مدة طويلة أعين املفاضلة بني الشعر والنثر‪ ،‬وقد‬
‫ذم الرسول الشعر ألن الشعر داع لسوء األدب وفساد املنقلب ‪ ،‬فهو حيمل الشاعر على الغلو والكذب ؛ وهو‬
‫مطية للتكسب ومن الغريب أن يتوصل ابن عبد الغفور إىل عيب الشعر بسبب الوزن ‪ ،‬فالوزن داع للرتمن ‪،‬‬
‫والرتمن من الغناء ‪ ،‬والغناء رقية الزنا؛ ويقضي هذا الناقد يف النهاية بأن الشعر والنثر متنافران تنافر طبائع‪.‬‬
‫أبو القاسم حممد ابن إبراهيم ابن خرية املواعيين‪:‬‬
‫سكن اشبيلية‪ ،‬وله من الكتب‪" :‬األمثال و "الوشاح املفصل" و "رحيان األلباب وريعان الشباب" وقد مجع فيه‬
‫الفنون اليت يستمدها من عين مبزاولة املنثور واملوزون وجعله يف سبع مراتب‪ ،‬ومن مراتبه اليت تهمنا هنا املرتبة‬
‫الرابعة وهي "مرتبة الفصاحة والبالغة وجامع يف لوازم إنشاء الصناعة"‪ ،‬وقد شرح أوالً نقد األلفاظ املفردة‬
‫فوضع هلا سبع ة شروط منها "أن يكون تأليف اللفظ من حروف متباعدة املخارج متباينة يف األمساع‪ ،‬وعلة ذلك‬
‫أن احلروف اليت هي أصوات جتري من السمع جمرى األلوان من البصر‪ ،‬ومن الشروط يف فصاحة اللفظ أيضاً‬
‫"أن جتد لتأليف اللفظة يف السمع حسناً ومزية على غريها وإن تساويا يف التأليف من احلروف املتباعدة‪ .‬ويؤمن‬
‫املواعيين أن الشاعر املولد جيب أال يشذ عن اإلمجاع واجلماعة‪ ،‬فإذا توصل إىل احلديث عن الكالم املؤلف‪،‬‬
‫جاء بتمثيل من الصنائع فذكر أن كل صنعة حتتوي على مخسة أشياء‪ ،‬املوضوع والصانع والصورة واآللة‬
‫والغرض‪ ،‬ويردد املواعيين رأي أهل املذهب القائل بأن "احسن الشعر أكذبه"‪ ،‬وهو يرى أنه البد من جتنب‬

‫‪78‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫املعاضلة يف تأليف الكالم‪ ،‬وأن ال يكون الكالم مقلوباً وأن يتجنب احلشو‪ ،‬وأال يستعمل يف املدح ألفاظ ًا‬
‫تستعمل يف الذم‪ ،‬وتأثري الشعر يف رأي املواعيين إمنا يتم بسبب التالؤم بني املوضوع ونفسية السامع‪ ،‬وال جديد‬
‫عنده يف قسمة الشعراء إىل مطبوع ومثقف متكلف أو يف احلديث عن البديهة والروية‪ ،‬أو عن اجلزالة األعرابية‬
‫واللوينة احلضرية وقسمته للشعر ال تتناول أغراضه وفنونه بل تتناول طبيعة التعبري فيه‪ ،‬فمن أقسام الشعر‪:‬‬
‫الشعر املتني الصلب‬ ‫‪. 1‬‬
‫الشعر الغامض كشعر العتابي وابن نباتة واهلذليني‬ ‫‪. 2‬‬
‫الشعر الرطب السهل كشعر البحرتي وأبي العتاهية وعمر‪ ،‬وهو املطمع املمتنع‪.‬‬ ‫‪. 3‬‬
‫ويرى املواعيين ــ ورأيه غريب ــ أن الشعر السهل الرطب قد ينزل عن حده فيصبح غثاً‪ ،‬ويقر املواعيين أن تفاوت‬
‫الشعراء أمر طبيعي ولكنه يتعجب من أن يكون لشاعر واحد تارة شعر مستغلق‪ ،‬وتارة شعر منبسط‪ .‬فإذا‬
‫حتدث عن تسهل الشعر وتصعبه بني حني وحني نقل كل ما جاء عند ابن قتيبة‪ ،‬وإذا حتدث عن األشعار الرصينة‬
‫واملموهة واملستكرهة‪ ،‬أو شبه بعض الشعر بالقصور وبعضه باخليام املتقوضة‪ ،‬وإذا نص على أن عيار الشعر‬
‫أن يعرض على الفهم الثاقب كما تعرض احملسوسات على احلواس املختلفة‪ ،‬فذلك كله منقول من "عيار‬
‫الشعر ‪ ،‬البن طباطبا" ‪ .‬وبعد أن يورد مناذج من جيد الشعر يتحدث عن أنواع البديع متابع ًا ابن املعتز وقدامة‬
‫واحلامتي وغريهم‪ ،‬فهو يتكئ على ابن طباطبا وابن املعتز وقدامة واحلامتي وغريهم من املتقدمني‪ ،‬ولو أنه مل‬
‫يكثر النقل والتلفيق من الكتب املشرقية لكان يف مقدوره من خالل متثيالته وصوره‪ ،‬ومعرفته بطبيعة‬
‫األندلس ورقة ذوقه أن يكون ذا مكانة أوضح يف تاريخ النقد األدبي‪.‬‬
‫ابن رشد‪:‬‬
‫يبدو أن األندلس مل تعرف كتاب الشعر قبل ابن رشد‪ ،‬وقد تناوله على غري ما وجد عند الفارابي وابن سينا‪،‬‬
‫فإنه رأى ان الكتاب الميكن أن يكون ذا جدوى للقارئ العربي إذا هو مل يطبق ما ميكن تطبيقه من آراء‬
‫أرسطو على الشعر العربي‪ ،‬وقد كان يعلم حق العلم أن كثرياً من قوانينه خاص بأشعار اليونان‪ ،‬ويوافق‬
‫الفارابي يف قوله‪" :‬إن أكثر أشعار العرب إمنا هي يف النهم والكرية"‪ ،‬وهو يؤكد القول بأن كتاب الشعر‬
‫نفسه ناقص حيث مل يتكلم فيه أرسطو إال عن فن املديح وأنه وعد بالتكلم عن اهلجاء‪ ،‬وواضح أن ابن رشد‬
‫يعين باملديح فن املأساة (الرتاجيديا) وباهلجاء فن امللهاة (الكوميديا)‪ ،‬وقد كانت الغاية اليت وضعها ابن رشد‬
‫نصب عينه هي السبب باحنرافه بعيداً مبدلوالت كتاب الشعر‪ ،‬فهو مل يكتفي باختيار املصطلح اخلاطئ ـ‬
‫املدح واهلجاء ــ وإمنا احنرف باملعاني واملدلوالت‪ ،‬ولعل أكرب خطأ وقع فيه هو أنه مل يفهم احملاكاة‪ ،‬كما‬
‫فهمها الفارابي وابن سينا فظن احملاكاة وجهي التشبيه يف الصورة‪ ،‬وبعد أن مسى ابن رشد ما يعرف عندنا‬
‫اليوم بالعقدة باسم "القول اخلرايف" ومسى جزءي االنقالب واالنكشاف بامسي اإلدارة واالستدالل عاد يسمي‬
‫هذا القول اخلرايف حماكاة‪ ،‬فاخلطأ يف املصطلح جير إىل خطأ آخر‪ ،‬وحني حتدث عن الشخصية ــ جمموعة‬
‫اخلصائص اليت تكون الفرد ــ مساها العادات وجعل شخص البطل املسرحي هو املمدوح‪ ،‬أما حني حتدث عن‬
‫أنواع االستدالل "االنكشافات" فإنه ابتعد فيها عن نص أرسطو ابتعاداً كلي ًا فزعم أنها أنواع ومنها‪:‬‬

‫‪79‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫جميء احملاكاة ألشياء حمسوسة بأشياء حمسوسة‬ ‫‪. 1‬‬


‫جميء احملاكاة ألمور معنوية بأمور حمسوسة‬ ‫‪. 2‬‬
‫احملاكاة بالتذكر‬ ‫‪. 3‬‬
‫أن تكون احملاكاة بذكر شخص شبيه بشخص آخر‪.‬‬ ‫‪. 4‬‬
‫ما يستعمله السوفسطائيون وهو الغلو الكاذب‬ ‫‪. 5‬‬
‫إقامة اجلمادات يف خماطبتهم مقام الناطقني وهذا النوع يستعمله العرب‪.‬‬ ‫‪. 6‬‬
‫وابن رشد متابعاً ألفالطون أن احملاكاة كانت تتم لدى األقدمني بالصوت والشكل (الصورة) ثم حتولوا إىل‬
‫احملاكاة بالكلمات إذ هذا النوع من احملاكاة أكثرها مناسبة لفن الشعر‪ ،‬وقد كان ابن رشد يربط اآلراء‬
‫الفلسفية مب ا جيده يف الواقع عامة ال يف الشعر وحدة‪ ،‬ومع أن ابن رشد حاول أن جيعل لكتاب الشعر فائدة‬
‫عملية‪ ،‬لدى كل من الشاعر والناقد‪ ،‬فإن الذين حتدثوا عن قضايا الشعر من األندلسيني يف القرن السابع مل‬
‫يلتفتوا إىل ما صنع‪.‬‬
‫أبو الوليد إمساعيل بن حممد الشقندي‪:‬‬
‫كتب الشقندي رسالة يف املفاضلة بني األندلس واملغرب‪ ،‬وقد افتخر فيها بعظماء امللوك والعلماء واملؤرخني‬
‫والبالغيني من األندلس وبالكتب األندلسية‪ .‬فما يتعلق بالنقد من هذه الرسالة قد سيق يف قالب احلمية للداللة‬
‫على فضل األندلس يف الشعر‪ ،‬وأكثر ما أورده من مقطعات إمنا رجع فيه إىل ما استحسنه األندلسيون واعجب‬
‫به الذوق العام‪ ،‬ويعتمد ابن دحية الكليب مثل القشندي الذوق العام يف تدوين ما دونه من شعر‪.‬‬
‫ابن سعيد‪:‬‬
‫لقد تبنى املوقف الدفاعي عن أدب األندلس متاماً كالقشندي وابن دحية‪ ،‬إال أنه كان أقل منهما حدة وأكثر‬
‫جماملة للمشارقة وأقدر على استيضاح الفروق القائمة بني املشرق واملغرب يف العادات والتقاليد واألخالق‪ ،‬وهلذا‬
‫كان نقده يرتكز يف البداية أن اإلنصاف ال يقصر الفضل على مصر دون مصر كما أنه ال يقصره على عصر‬
‫دون عصر‪ ،‬ثم هو جيمع بني ابن دحية والقشندي من وجه آخر‪ ،‬فهو يشرتك واألول يف الوقوف عند نوع من‬
‫الشعر مسي "املطرب"‪ ،‬ويشرتك مع القشندي يف اللون الشعري املفضل‪ ،‬الذي عده القشندي يف رسالته مما‬
‫متيزت به األندلس‪ ،‬وهلذا ال يرى ابن سعيد حرجاً يف أن يعد املختارات والنماذج اليت أوردها القشندي يف رسالته‬
‫ملكاً له‪ ،‬يوردها للتمثيل على نوع من الشعر مساه "املرقص"‪ ،‬ومن قرأ النماذج اليت أوردها ابن سعيد على لوني‬
‫املرقص واملطرب‪ ،‬وجد أنهما يرتددان معاً يف أشعار اجلاهليني واإلسالمني واحملدثني‪ ،‬مع غلبة يف املطرب على‬
‫املرقص‪ ،‬وهؤالء النقاد الثالثة صورة للذوق الغالب على األندلس‪ .‬ويف املصطلحات اخلمسة (املرقص ــ املطرب‬
‫ــ املقبول ــ املسموع ــ املرتوك) نظر ابن سعيد إىل الشعر من ناحية التأثري وحسب‪ ،‬أي نظر إىل فعل الشعر يف‬
‫نفس املتلقي‪ ،‬وإىل رد الفعل لديه حني يتلقى الشعر‪ ،‬فقصر النظر على هذه الناحية دون سواها‪ ،‬وهذا احنياز‬
‫إىل جانب املتعة يف الشعر وانصراف عما اهتم به النقاد األندلسيون السابقون من الزاوية األخالقية‪.‬‬
‫أبو البقاء الرندي‪:‬‬

‫‪80‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫لقد خلف أبو البقاء كتاباً أمساه "الوايف يف نظم القوايف"‪ ،‬وهو مل يضف شيئاً جديداً إىل القضايا واآلراء‬
‫النقدية وإمنا هو ذو منحى تعليمي خالص‪ ،‬مجع فيه بني ما جاء يف كتاب العمدة وما جاء يف الفصل اخلاص‬
‫من العقد حول الشعر والشعراء‪ ،‬فليست له قضية نقدية يدافع عنها أو يتبناها وإمنا هو يكتب بصيغة تقريرية‬
‫خالصة ‪ ،‬وهو يردد ما قاله معاصروه وكثري ممن سبقهم من أن املتأخر رمبا بلغ "بشرف االطالع مامل يبلغ‬
‫املتقدم بفضل االخرتاع"‪.‬‬

‫حازم القرطاجين‪:‬‬
‫رمبا كانت آخر صلة بني كتاب أرسطو والنقد العربي متمثلة يف كتاب حازم القرطاجين "منهاج البلغاء وسراج‬
‫األدباء"‪ ،‬ومبا أن النقد صناعة سحب عليها اخلمول اذياله‪ ،‬فقد أحس حازم باليأس من االستقصاء فيه‪ ،‬ألن‬
‫العناية بالشيء تكون على قدر املستفيدين‪ ،‬وقد أصبح املستفيدون قلة‪ .‬ومبا أن الشعر والنقد قد احندرا إىل‬
‫احلضيض فالبد هلما من مؤمن بهما يستنقذهما من هذا ‪ ،‬وال يكون ذلك إال بناقدٍ جيمع بني الثقافتني العربية‬
‫واليونانية‪ ،‬عندها بدأ حازم يرسم الطريق إىل ذلك بدأ وأمامه تراث عربي كبري وبني يديه تلخيص ابن سينا‬
‫لكتاب الشعر‪ ،‬حاول أن يرسم منهاجاً للبلغاء وأن يوقد سراجاً لألدباء‪ ،‬وحقيقة احلال أن اليأس الذي كان‬
‫يتسلل إىل نفس حازم بسبب وضع الشعر والنقد يف عصره‪ ،‬مل مينعه من أن يكون خملصاً يف رسم منهجه‬
‫النقدي إال أن قلة ثقته يف املستوى الثقايف ألبناء ذلك العصر مل حيفزه على النزول إىل مستواهم‪ ،‬فكتب منتحالً‬
‫خطة التجريد‪ ،‬ملتجئ ًا إىل محى املنطق يف التقسيم والتفريع‪.‬‬
‫مل ينف حازم أن الشعر كالم موزون مقفى‪ ،‬ولكنه وقف من هذا التعريف عند ناحية التأثري؛ أي فعل الشعر‬
‫يف التحبيب والتنفري ذلك ألن الشعر يعتمد على عناصر تكفل له هذه القدرة منها‪ :‬حسن التخيل أو احملاكاة‬
‫أو الصدق أو اإلغراب‪ ،‬ولكن "أحسن الشعر ما حسنت حماكاته وهيأته وقويت شهوته أو صدقه أو خفي‬
‫كذبه وقامت غرابته"‪ ،‬وأردأ الشعر ما كان بضد ذلك‪ ،‬والبد إلبداع الشعر يف أكمل الوجوه من ثالثة عوامل‬
‫خارجية‪:‬‬
‫املهيئات‪ :‬وأهمها البيئة‬ ‫‪. 1‬‬
‫األدوات‪ :‬وهي العلوم اليت تتناول األلفاظ واملعاني‬ ‫‪. 2‬‬
‫البواعث‪ :‬وهي نوعان‪ :‬أطراب وآمال‬ ‫‪. 3‬‬
‫والبد اكما اإلبداع من عوامل داخلية وهي توفر ثالث قوى لدى الشاعر‪:‬‬
‫القوة احلافظة‬ ‫‪. 1‬‬
‫القوة املائزة‬ ‫‪. 2‬‬
‫القوة الصانعة‬ ‫‪. 3‬‬
‫ويبدو لنا من هذا املدخل اىل الشعر معظم اخلصائص اليت يتصف بها منهج حازم‪ ،‬فهو منهج قائم على االنتقاء‬
‫والتنسيق والقياس‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫ومما يزيد حد الشعر وضوحاً إقامة التفرقة بينه وبني اخلطابة‪ ،‬فحازم هنا مل جيري يف مضمار من سبقوه وإمنا‬
‫انفرد باستنتاجات جديدة‪ ،‬فقد قرر أن الشعر قائم على التخييل وأن اخلطابة قائمة على اإلقناع‪ ،‬وقد نصر‬
‫حازم الصدق يف الشعر واتهم املتكلمني بإشاعة نسبة الكذب إىل الشعر‪ ،‬وخالصة القول هنا‪ :‬إن الشعر إمنا‬
‫ينظر إليه من ناحية تأثريه وقدرته على إحداث االنفعال النفساني‪ ،‬فقد يكون صادقاً والصدق فيه قادر على‬
‫إحداث االنفعال‪ ،‬وقد يكون صادقاً والصدق فيه عاجز عن إحداث االنفعال‪ ،‬وحينئذ يكون الكاذب القادر‬
‫على إحداث االنفعال خرياً منه‪ ،‬وبهذه الوقفة من موضوع طال حوله افرتاق النقاد حسم حازم اخلالف نظرياً‪،‬‬
‫حني أخرج قضية الصدق والكذب‪ ،‬من طبيعة الشعر مجلة وركز على أهمية التخييل‪ ،‬وقد أطال حازم القول‬
‫يف أقسام احملاكاة بالنظر إليها من زوايا وعالقات خمتلفة ‪ ،‬فهي من حيث الغاية مثال تنقسم إىل حماكاة‬
‫حتسني وحماكاة تقبيح ‪ ،‬وحماكاة مطابقة‪ ،‬وهذه الثالثة رمبا كانت يف قوة األوليني‪ ،‬وقد اعتمد يف هذا‬
‫على قول ابن سينا "فظاهر أن فصول التشبيه هذه الثالثة ‪ :‬التحسني و التقبيح و املطابقة"‪ ،‬وإذا سلك الشاعر‬
‫يف احملاكاة مسلك التحسني أو التقبيح ‪ ،‬فإنه يستطيع أن حيقق غايته بأربع وسائل ‪:‬‬
‫أن حيسن الشيء (أو يقبحه) من جهة الدين وأثره يف النفس‬ ‫‪. 1‬‬
‫أن حيسن الشيء مبطابقته للعقل أو يقبحه خلروجه على مقتضى العقل‬ ‫‪. 2‬‬
‫أن حيسن الشيء من جهة اخللق أو يقبحه ملنافاته للخلق‪.‬‬ ‫‪. 3‬‬
‫أن حيسن الشيء بربطه بالناحية النفعية يف الدنيا أو يقبحه ملا قد جيلبه من ضرر يف هذه الناحية‪.‬‬ ‫‪. 4‬‬
‫وحني تناول حازم سبب قوة احملاكاة على التأثري عاد إىل ابن سينا و نقل ما قاله أرسططاليس يف التذاذ النفوس‬
‫وانفعاهلا باحملاكاة‪ ،‬وقد قرر حازم وحدة املنبع يف الشعر حني رده كه إىل أصل واحد‪ ،‬وجعله وليد حركات‬
‫النفس‪ ،‬ولكن هذه احلركات النفسية تشتمل على ثالثة عناصر‪:‬‬
‫العوامل احملركة‬ ‫‪. 1‬‬
‫املتحركني‬ ‫‪. 2‬‬
‫العوامل املتحركة واملتحركني معا‬ ‫‪. 3‬‬
‫مما تقدم يتبني لنا كيف أن حازماً ربط بني الشعر وبني احلياة الطبيعية أو حياة احلس عامة ‪ ،‬وأنه حاول أن‬
‫يبعد الشعر عن العلم قدر استطاعته وجعل ينبوع الشعر من حركات النفس‪ ،‬ومصبه النفوس اإلنسانية يف مدى‬
‫تقبلها أو إعراضها حبسب الفطرة‪ ،‬ويتفرع عن احلديث يف املعنى ‪ ،‬حديث حازم عن الغموض والوضوح يف‬
‫الشعر ومع أن حازماً يقر أن بعض أنواع الغموض ال بد أن تتوفر يف الشعر مثل اللغز والكناية ‪ ،‬واالشارات إىل‬
‫األحداث املاضية والقصص مما يتطلب من القارئ ثقافة خاصة ‪ ،‬فإنه يف اجلملة منحاز إىل جانب الوضوح‪،‬‬
‫ونراه يصف للشاعر حيال يستطيع أن خيفف بها من درجة الغموض يف شعره أو يزيلها‪ ،‬وتتصل قضية السرقة‬
‫أيضا مبوضوع املعاني ‪ ،‬ومما مييز نقد حازم أنه مر بها مرورا عابراً ‪ ،‬فجاءت كأنها قضية هامشية يف نقده؛‬
‫ويف أثناء تعرضه هلا قسم املعاني يف قسمني ‪ )1( :‬قدمية متداولة ‪( ،‬ب) جديدة خمرتعة‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫وبعد أن استعرض حازم موقف النقاد السابقني يف قسمة الشعر إىل أغراض عاد يطلب مبدأ الوحدة الذي طلبه‬
‫قدامة حني جعل أغراض الشعر نابعة من منبع واحد أخالقي هو الفضيلة ( وما يناقضها ) وأنها ترتسم يف صورة‬
‫واحدة هي املدح (وما يناقضه )‪ ،‬يقول حازم ‪« :‬اعلم أن خري الشعر ما صدر عن فكر ولع بالفن »‪ ،‬ال يعين‬
‫بذلك أن الشعر يصدر عن فكر فقد قرر أن الشعر وليد حركات النفس‪ ،‬وإمنا يعين هنا « صدق االحساس‬
‫» بالتجربة الواقعية‪.‬‬
‫فنظم الشعر إذن حيتاج إىل طبع أو دربة ( بعد وجود اهليئات واألدوات والبواعث ) وكال الشيئني معقود بقوة‬
‫اخليال لدى الشاعر‪ ،‬وقوة اخليال تفرتض شيئا من التصور الذي حييط مبا يريد الشاعر حتقيقه ولذلك فإن‬
‫عليها أن ترسم (‪ )1‬املقاصد الكلية (‪ )۲‬طريقة إيراد تلك املقاصد وأسلوب إيرادها (‪ )۳‬ترتيب املعاني يف األسلوب‬
‫املتخري (‪ )4‬تشكل املعاني يف عبارات (‪ )5‬ختيل املعاني واحدة بعد آخر حبسب الغرض (‪ )6‬مكمالت املعاني‬
‫وزينتها (‪ )۷‬مالءمة تلك املعاني لإليقاع (‪ )۸‬مالءمة املعنى امللحق باملعنى األصلي الكتمال البيت الواحد ‪ ،‬وال‬
‫ميكن حتقيق ذلك كله إال إذا توفرت لدى الشاعر عشر قوى وهي‪:‬‬
‫القوة على التشبيه فيما ال جيري على السجية وال يصدر عن قرحية مبا جيري على السجية‬ ‫‪. 1‬‬
‫ويصدر عن قرحية‪.‬‬
‫القوة على تصور كليات الشعر واملقاصد الواقعة فيها واملعاني الواقعة يف تلك املقاصد‬ ‫‪. 2‬‬
‫القوة على تصور صورة تكون بها أحسن ما ميكن (من حيث توالي أجزاها)‪.‬‬ ‫‪. 3‬‬
‫القوة على ختيل املعاني بالشعور بها‬ ‫‪. 4‬‬
‫القوة على مالحظة الوجوه اليت يقع بها التناسب‪ ،‬بني املعاني‪.‬‬ ‫‪. 5‬‬
‫القوة على التهدي إىل العبارات احلسنة الوضع والداللة على تلك املعاني‬ ‫‪. 6‬‬
‫القوة على التحيل يف تسيري تلك العبارات متزنة‬ ‫‪. 7‬‬
‫القوة على االلتفات من حيز إىل حيز واخلروج منه إليه والتوصل به‬ ‫‪. 8‬‬
‫القوة على حتسني وصل بعض الفصول ببعض واألبيات ببعضها‬ ‫‪. 9‬‬
‫القوة املائزة حسن الكالم من قبيحه بالنظر إىل نفس الكالم وموضعها‬ ‫‪. 10‬‬
‫فإذا أراد الشاعر أن ينظم قصيدة كان عليه أن يتخري الوقت واحلالة النفسية ومن ثم يستحضر يف خياله املعاني‬
‫ثم يقسمها يف فصول مرتبة ‪ ،‬خمتارة الوزن املالئم و العبارات‪ ،‬والشعراء يف عملية النظم اثنان ‪ )۱( :‬شاعر مرو‬
‫حيتاج الروية قبل أن ينظم‪ )۲( ،‬شاعر مرجتل‪ ،‬أما العبارة يف النظم فيجب أن يراعي الشاعر فيها حسن‬
‫التأليف وتالؤمه ( يف احلروف والكلمات ) والتسهل يف العبارات وترك التكلف ‪ ،‬ومراعاة حسن الوضع ( يف‬
‫تقارب األلفاظ وتطالبها ) وجمانبة الزيادة واحلشو ‪ ،‬ومن ثم اختيار العبارات املستعذبة املنزلة‪ ،‬ويف سبيل مناسبة‬
‫الوزن للغرض ‪ ،‬درس حازم علم العروض دراسة جديدة‪ ،‬ويؤكد حازم على أن كل غرض من أغراض الشعر‬
‫يستدعي نوعا من األوزان ثم يتحدث عن خواص كل حبر من البحور وما يناسبه‪ ،‬و يرى حازم أن القصيدة‬
‫تتكون من فصول متناسقة مرتابطة ‪ ،‬وأن لكل فصل شروطا ال بد من توفرها‪ ،‬وقسمة القصيدة إىل فصول‬

‫‪83‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫إمنا يراد به إشباع حاجة النفس إىل التنويع‪ ،‬فحسب ما تقرر سابقاً فإن مالءمة الشعر للنفوس أو منافرته هلا‬
‫هو املقياس الكبري الذي تقاس به حقيقة الشعر‪ ،‬وأما من حيث الطريقة فإن للشعر منهجني ‪ :‬اجلد واهلزل‪،‬‬
‫وطريقة احلد تصدر األقاويل فيها عن مروءة وعقل بنزاع اهلمة واهلوى إىل ذلك‪ ،‬وطريقة اهلزل تصدر األقاويل‬
‫فيها عن جمون وسخف ‪ ،‬ويف الطريقة األوىل جيب جتنب اهلزل ‪ ،‬واالبتعاد بها عما ألف يف الطريقة اهلزلية من‬
‫أنواع التأليف‪ ،‬أي جيتنب فيها الساقط املولد من األلفاظ ويعتمد فيها اللفظ العربي احملض الصريح يف الفصاحة‬
‫‪ ،‬ويعتمد فيها من املعاني ما ال يشني ذكره وال يسقط مروءة املتكلم ‪ ،‬وأما الطريقة اهلزلية فقد تستعري شيئا‬
‫من الطريقة احلدية ( وليس العكس)‪ ،‬ويف الشعر حعيل يلجأ إليها الشاعر إلنهاض النفوس حنو احلث على‬
‫الفعل أو احلض على تركه‪ ،‬وهذه احليل إذا اتصلت بالقول واملوضوع مسيت حماكاة ‪ -‬وهي عماد الشعر ‪-‬‬
‫فإذا اتصلت بالقائل واملتلقي ( الشاعر واجلمهور ) فهي دعامة لتقوية التأثري‪ ،‬غري أن احملاكاة قد حتتاج أحيانا‬
‫إىل ما يعضدها كاالستدالالت اخلطابية ‪ .‬أما الشاعر نفسه فإن احليلة املتصلة به هي استناده كثرياً إىل‬
‫ضمري املتكلم ‪ ،‬وأما احليلة املتصلة بالسامع فهي استغالل صيغة األمر وما شابهها‪ ،‬وتنقسم األساليب الشعرية‬
‫يف ثالثة أقسام ‪:‬‬
‫األسلوب اخلشن‬ ‫‪. 1‬‬
‫األسلوب الرقيق‬ ‫‪. 2‬‬
‫األسلوب املتوسط بني هاتني الصفتني‪.‬‬ ‫‪. 3‬‬
‫ومن هذه األقسام الثالثة ترتكب عشرة أنواع جتمع بني احلظوظ املختلفة من هذه األقسام وملا كان الشعر‬
‫موجهاً إىل اجلمهور ‪ ،‬فإن األحوال النفسية هلذا اجلمهور إما أن تكون‪:‬‬
‫اللذة‬ ‫‪. 1‬‬
‫األمل‬ ‫‪. 2‬‬
‫اللذة واألمل متكافئني‬ ‫‪. 3‬‬
‫وعلى هذا االعتبار تتنوع االقوال ــ حبسب بساطتها وتركيبها ــ يف األنواع األتية‪:‬‬
‫أقوال مفرحة‬ ‫‪. 1‬‬
‫أقوال شاجية‬ ‫‪. 2‬‬
‫أقوال مفجعة‬ ‫‪. 3‬‬
‫أقوال مؤتلفة من سارة وشاجية‬ ‫‪. 4‬‬
‫أقوال مؤتلفة من سارة ومفجعة‬ ‫‪. 5‬‬
‫أقوال مؤتلفة من شاجية ومفجعة‬ ‫‪. 6‬‬
‫أقوال مؤتلفة من سارة ومفجعة وشاجية‬ ‫‪. 7‬‬
‫لقد كان حازم أقرب إىل الواقع من أي ناقد آخر يف فهمه ملبدأ املفاضلة‪ ،‬كان حازم يدرك احلقائق اآلتية اليت‬
‫أشار إليها أو وضحها يف كتابه وهي‪:‬‬

‫‪84‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫أن الشعر خيتلف حبسب اختالف أمناطه وطرقه‪ ،‬فشاعر حيسن ما هو جزل متني‪ ،‬وال حيسن‬ ‫‪. 1‬‬
‫طريقة الرقة واللطافة‪ ،‬وشاعر حيسن يف غرض شعري كالنسيب دون األغراض األخرى‬
‫أن الشعر خيتلف حبسب األزمان وما فيها وما يولع به الناس مما له علقة بشئوهم‪.‬‬ ‫‪. 2‬‬
‫أن الشعر خيتلف حبسب األمكنة‪.‬‬ ‫‪. 3‬‬
‫أن الشعر خيتلف حبسب اختالف أحوال القائلني واملوضوعات اليت حياولون فيها القول‬ ‫‪. 4‬‬
‫لذلك كله فإن املفاضلة بني الشعراء أمر تقرييب وال جيوز أن يؤخذ على سبيل القطع ‪ ،‬والوصول يف املفاضلة‬
‫إىل درجة احلزم أمر غري ممكن ‪ ،‬ولقد كان النقاد يكتفون بالنظر إىل واحد دون اآلخر من األضالع الثالثة‬
‫ــ الشاعر والعملية الشعرية والشعر ــ أال أن حازم أوىل الثالثة عناية متساوية على وجه التقريب‪ ،‬وأول ما يالحظ‬
‫الدارس يف نقد حازم هي تلك الصفة الشمولية اليت متيزه عمن جاء قبله من النقاد‪ ،‬وقد جتاوز حازم يف نظريته‬
‫الشعرية مشكلة "النظم" اليت أطال اجلرجاني الوقوف عندها‪ ،‬فتحدث حازم عن النظم مبعناه العام‪ ،‬ومن‬
‫طبيعة النظرتني إىل الشعر ذهب اجلرجاني إىل التعلق بالدقة يف املعاني ليكفل للتذوق مراناً عقلياً‪ ،‬أما حازم‬
‫فإنه قصر الشعر على حركات النفس حيث جعله يطلب الوضوح ويتأتى له من شتى النواحي‪ ،‬وهما يتقاربان‬
‫يف التقليل من شأن السرقات يف املعاني‪ ،‬كذلك وجد حازم نفسه مضطراً إىل أن يوفق بني رايه اخلاص فيما‬
‫يستحق املدح أو الذم من األفعال وبني رأي قدامة ‪ ،‬وخالصة رأي حازم يف هذا املوضوع أن إيثار النفس على‬
‫البلدان ‪ ،‬ثم إيثار الغري على الذات هما املوضع الطبيعي للمدح‪.‬‬
‫واحلقيقة أن حازما أفاد يف نقده كثريا من ابن سينا‪ ،‬ويف شرحه التعميمي للمحاكاة ما قد يدل على أنه كان‬
‫فاهما هلذه النظرية‪ ،‬ولكنه مل يستطع إال أن حيصر أمثلته عليها يف جانب التشبيه‪ ،‬وعن طريق التأثر بالفلسفة‬
‫استطاع حازم أن حيل مشكلة الصدق والكذب يف الشعر‪ ،‬وخالصة القول أن حازما ميثل املزج بني التيار‬
‫اليوناني والتيار العربي يف النقد بعد أن ظال منفصلني مدة طويلة‪ ،‬وهو رغم اعتماده على هذين املصدرين‬
‫استطاع أن يرسم منهجا متكامال ملوقف نقدي حمدد املعامل‪.‬‬
‫النقد يف القرنني السادس والسابع‬
‫يف مصر والشام والعراق‬
‫لقد كانت العودة إىل الينابيع العربية يف النقد من أشد ما مييز التيار النقدي يف مصر والشام والعراق يف هذه‬
‫الفرتة‪ ،‬فاب ن األثري اجته لكتاب املوازنة لآلمدي‪ ،‬واسامة بن منقذ يرى أن النفع هو العودة للمصادر السابقة‬
‫وتلخيصها‪ ،‬وخلص عبداللطيف البغدادي كتاب العمدة البن رشيق‪ ،‬ومل يقتصر التأثري على النقد بل تعداه‬
‫إىل الفنون األدبية مجيعاً‪ ،‬وقد كانت مصر أكثر تقبالً لألثر املغربي من العراق والشام‪ ،‬وخاصة يف اقباهلا‬
‫على فن املوشحات‪ ،‬ولذلك متايزت البيئات الثالث يف نوع األثر اخلارجي فغلب على الشام والعراق األثر الفارسي‬
‫متمثالً يف فن الدوبيت‪ ،‬وغلب على مصر األثر املغربي من املوشحات‪ ،‬ولعل اهتمام النقاد يف هذه األقطار‬
‫بالدوبيت واملواليا واملوشح إمنا كان مرحلة أولية يف خطوة كبرية مل جيروا على القيام بها‪ ،‬وهي االعرتاف‬
‫األدبي بفنون زجلية خمتلفة شاعت حينئذٍ يف تلك البالد‪ ،‬ومنها زجل "البليق" الذي غلب على مصر‪ ،‬وقد تعرفت‬

‫‪85‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫البيئة املصرية إىل فن املوشح يف دور مبكر‪ ،‬نقله إليها املهاجرون األندلسيون‪ ،‬ومل يقتصر تأثري األندلس يف‬
‫البيئة املصرية على املوشحات‪ ،‬بل أقبل املصريون على الشعر األندلسي نفسه دراسةً ونقداً حتى أصبح عندنا‬
‫ما يسمى باملدرسة املصرية‪ .‬ويف طليعة من اهتم بذلك القاضي السعيد هبة اهلل بن جعفر بن سناء امللك‪ ،‬والقاضي‬
‫الفاضل الذي كان حيتل دور املعلم والراعي لألدباء يف مصر حينئذٍ‪ ،‬وقد كانت صلته بابن سناء امللك صلة‬
‫توجيه ونقد وتشجيع ‪ ،‬ومن ضروب الذي كان يأخذ به ذلك األستاذ الناقد تلميذه‪ ،‬أن يطلب إليه اختيار شعر‬
‫هذا الشاعر أو ذاك‪ ،‬فقد وجهه يوماً الختيار شعر ابن الرومي ومرة أخرى الختيار شعر ابن رشيق‪ ،‬وقد كانت‬
‫هناك مساجالت بني القاضي الفاضل وابن سناء امللك تدخل يف صميم النشاط النقدي‪ ،‬ولكنها قاصرة على‬
‫تدريب فرد من الناس ليجود شعره ويوسع أفقه يف القدرة على متييز اجليد من الرديء يف الشعر‪ ،‬ولقد وقف‬
‫ابن سناء امللك أمام املوشح وقفة ناقد جريء يف الذوق وقد متثلت جرأته يف وجهني‪ :‬أوهلما حماولة التجديد يف‬
‫التقليد‪ ،‬وثانيهما إقدامه على استخراج قواعد للموشح وهذا أمر مل يقدم عليه األندلسيون نفسهم‪ ،‬وال يُعرف‬
‫ناقد آخر يف مصر توقف عند املوشحات‪ ،‬أو عين بوضع قواعد وأحكام نقدية ونظرية‪ ،‬وإمنا انصرف النقاد‬
‫يف األكثر إىل النقد التطبيقي‪ ،‬ويف هذا الباب جتاوزوا االنشغال باملتنيب‪.‬‬
‫وإذا كان القاضي الفاضل قد رفع من شعر ابن سناء امللك بتلك التقريظات املغالية‪ ،‬اليت ال تتوقف كثرياً عند‬
‫التعمق والتحليل‪ ،‬فإن القاضي الرئيس ابن جبارة علي بن إمساعيل قد قصر جهده النقدي يف كتابه "نظم الدرر‬
‫يف نقد الشعر" على تبيان املآخذ واملساوئ يف شعر ابن سناء امللك‪ ،‬حيث دقق يف اجلزئيات‪ ،‬وتهجم بألفاظ‬
‫هجائية على ابن سناء امللك ووقف يف بعض أشعاره موقف املتهكم‪.‬‬
‫وهناك منوذج آخر يف هذا النقد التطبيقي وهو علي بن ظافر األزدي حيث علق على قصيدة بن شهيد األندلسي‪،‬‬
‫والتعليق ال يتج اوز أمرين إثنني‪ :‬أوهلما حماسبة الشاعر على اللفظة املوهمة وثانيهما تبيان السرقة‪ ،‬واحلديث‬
‫عن السرقة يف حال ابن شهيد خاصة‪ ،‬ال يقدم كثرياً وال يؤخر ألنه يرى أن الشاعر القدير هو الذي يستطيع‬
‫أن يأخذ فيخفي األخذ‪ ،‬واحلق أن جهود ابن ظافر النقدية ليست مما يؤهله ليكون من مقدمي النقاد‪ ،‬فقد‬
‫غلب عليه ميله إىل التاريخ‪ ،‬ويدل كتابه "بائع البدائه" على أنه كان مأخوذاً بالقدرة اليت تستطيع أن ترسل‬
‫الشعر عفو اخلاطر‪ ،‬إال أن الكتاب قائم على فكرة نقدية خطرة وهي إحالل البديهة واالرجتال حمالً عالياً‬
‫من التقدير‪ ،‬ورمبا صح أن نعد كتاب "غرائب التشبيهات" لعلي بن ظافر جهداً ثالثاً يف النقد‪.‬‬
‫وقد اهتم النقد يف مصر بتقرير املصطلح البديعي يف صورته الواسعة‪ ،‬وكان زكي الدين ابن أبي االصبع‬
‫صاحب "حترير التحبري" من فرسان هذا امليدان؛ ويشبه هذا الكتاب يف طبيعة جهده العام كتاب أسامة بن‬
‫منقذ "البديع يف نقد الشعر" إال أنه يتميز عنه يف أمري هامني‪ :‬أوهلما حماولته يف التوسع اإلحصائي لفنون‬
‫البديع‪ ،‬وثانيهما اتساع جمال املصادر اليت اعتمد عليها‪ ،‬غري أن البن أبي االصبع كتاباً أشد صلة بالنقد من‬
‫حترير التحبري‪.‬‬
‫تلك هي حالة النقد مبصر يف هذين القرنني‪ ،‬وميكن تلخيص دوره يف تاريخ النقد العربي باألمور التالية‪:‬‬
‫وضع قواعد املوشح‬ ‫‪. 1‬‬

‫‪86‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫االستمرار يف إبراز دور ابن الرومي‬ ‫‪. 2‬‬


‫حماولة ساذجة يف النقد التطبيقي‬ ‫‪. 3‬‬
‫العودة إىل النقد بقوة‪.‬‬ ‫‪. 4‬‬
‫التوسع باملصطلح البديعي إىل أقصى حدوده‬ ‫‪. 5‬‬
‫ضياء الدين ابن األثري‪:‬‬
‫مل يكن ضياء الدين ابن األثري بعيد الشبه بسابقه أسامة‪ ،‬وبالحقه ابن أبي االصبع‪ ،‬فاحلقيقة أن النواة األوىل‬
‫يف كتابيه "املثل السائر" و "اجلامع الكبري" إمنا هي شرح املصطلح البديعي‪ ،‬ولكن ما حييط بتلك النواة‬
‫حيوي خطرات نقدية‪ ،‬متيز ابن األثري عن صاحبيه‪ ،‬بل متيزه عن كثري من النقاد‪ ،‬وملا كانت طريقه النثرية‬
‫تعتمد يف أساسها كثرياً على حل املنظوم‪ ،‬فإنها حتولت بنقده يف وجهتني‪ :‬أوالهما تقريب املسافة بني الشعر‬
‫والنثر‪ ،‬وثانيهما مالحقة املعاني وحماولة تصنيفها وحصر أنواعها‪ ،‬ففي الوجهة األوىل صاغ ابن األثري قاعدة‬
‫عامة للفروق بني ذينك الفنني بقوله‪" :‬فاعلم أن كل ما يسوغ استعماله يف الكالم املنثور من األلفاظ يسوغ‬
‫استعماله يف الكالم املنظوم‪ ،‬وليس كل ما يسوغ استعماله يف الكالم املنظوم يسوغ استعماله يف الكالم‬
‫املنثور"‪ ،‬أما يف الوجهة الثانية‪ ،‬فإن ابن األثري سحب إيثاره للمعنى على تاريخ األدب العربي كله‪ ،‬فتصور أن‬
‫العرب كانت دائماً وأبداً تهتم باملعاني‪ ،‬وأن االهتمام باللفظ إمنا يدل على تقدير للمعنى‪ ،‬وقد جعل ابن األثري‬
‫تداوهلم للمعاني يف ثالث درجات‪:‬‬
‫درجة النسخ ومنه وقوع احلافر على احلافر او أخذ املعنى مع أكثر اللفظ‬ ‫‪. 1‬‬
‫درجة السلخ وقسمه يف ‪ 12‬ضرباً‪.‬‬ ‫‪. 2‬‬
‫درجة املسخ وهو قلب الصورة احلسنة إىل صورة قبيحة‪ ،‬وجمموع أنواع األخذ على هذا االعتبار‬ ‫‪. 3‬‬
‫ستة عشر نوعاً‪.‬‬
‫وقد حصرها ابن األثري يف موضع آخر يف مخسة أقسام‪:‬‬
‫أخذ اللفظ واملعنى مجيعاً‬ ‫‪. 1‬‬
‫أخذ املعنى دون اللفظ‬ ‫‪. 2‬‬
‫أخذ املعنى مع بعض اللفظ وخلطه بألفاظ أخرى‬ ‫‪. 3‬‬
‫أخذ بعض املعنى وبعض اللفظ‬ ‫‪. 4‬‬
‫أخذ بعض املعاني واإلتيان بألفاظ جديدة‬ ‫‪. 5‬‬
‫على أن القسم الثاني وهو أخذ املعنى دون اللفظ ينقسم عنده إىل عشرة أقسام‪ ،‬وقد ترتب على تولع ابن األثري‬
‫باملعاني أنه مل يعد يطيق قبول املعنى العادي وهو يغربل الشعر حبثاً عن املبتدع‪ ،‬وهذه النزعة أسلمت ابن األثري‬
‫إىل نوع من النقد اإلحصائي إذ أن عدد املعاني امل بتكرة هو الذي يقرر تفوق الشاعر أو الناثر‪ ،‬وقد مضى ابن‬
‫األثري يُحكِّم هذه الطريقة اإلحصائية ليجعل منها أهم مقياس نقدي‪ ،‬وإحصاء مراتب املعاني يفضي إىل‬
‫التصنيف‪ ،‬وخري مثال على ذلك نظرة ابن األثري إىل شعر املتنيب‪ ،‬حيث قسمه مخسة أقسام‪ ( :‬قسم يف الغاية‬

‫‪87‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫اليت انفرد بها دون غريه‪ ،‬وقسم من متوسط الشعر‪ ،‬وقسم دون ذلك‪ ،‬وقسم يف الغاية املتقهقره اليت ال يعبأ بها‬
‫فعدمها خري من وجودها)‪ ،‬ومادام عمل األديب والناقد هو احلركة الدائبة يف البحث عن املعنى فإن اجلمهور‬
‫ليس هو املرجع يف احلكم وحسب‪ ،‬بل إن ذلك اجلمهور من أهم مصادر املعاني‪ ،‬ويف سبيل املعاني نزل ابن‬
‫األثري املستكرب املتشامخ إىل طبقات الشعب وإىل األسواق والدكاكني ليبحث عنها‪ ،‬واملعنى املبتدع هو احملور‬
‫يف كل هذه احلركة الدائبة‪ ،‬غري أن التظاهر بالدقة اإلحصائية والكلف باملعنى‪ ،‬وهما ظاهرتان متالزمتان‬
‫يف نقد ابن األثري‪ ،‬مل حيوال ب ينه وبني مبارحتهما حني كان يرخي العنان لطبيعته احلقيقية‪ ،‬فلم تكن الدقة‬
‫اإلحصائية جزءاً أصيالً يف طبيعته‪ ،‬وإمنا كانت ستاراً دون نقائص حيسها يف ثقافته الفلسفية العلمية‪ ،‬وهلذا‬
‫فإن هذا الناقد الذي كان يلبس ثوب العامل سرعان ماكان خيلع عنه هذا الرداء املستعار وينطلق حنو األحكام‬
‫اجلارفة‪ ،‬ومل يكن احتفاله الكثري باملعنى ليخفي حقيقة هامة ‪ ،‬وهي أن مهارته ــ من حيث هو أديب ــ تعتمد‬
‫على شيء كبري من الرباعة اللفظية ‪ ،‬وهلذا فإن مجيع ما عرب به عن إعجابه باملعنى ال يبلغ مستوی تعبريه الذي‬
‫صور به شغفه باللفظ حني قال‪" :‬وكنت إذا مررت بنظري يف ديوان من الدواوين ويلوح لي فيه مثل هذه األلفاظ‬
‫أجد هلا نشوة كنشوة اخلمر وطربا كطرب األحلان"‪ .‬والعالقة بني ابن األثري الناقد واأللفاظ حتتاج حتديدا‬
‫أدق فقد كانت األلفاظ تتمثل يف نفسه خملوقات ومتاثيل ‪ ،‬وقد عرض ابن األثري لكثري من اآلراء النقدية‬
‫السابقة فأقرها أو هامجها حبدة من خال هجومه على أشخاصها‪ ،‬حتى ال يكاد يرتك ناقداً أو بالغياً أو منشئاً‬
‫دون أن يغمز رأياً من آرائه‪ ،‬وقد أنكر ان يكون اجلاهليون امرؤ القيس والنابغة وزهري واألعشى قمة يف‬
‫الشعر‪ ،‬ألن كالً منهم اجاد يف معنى واحد اختص به‪ ،‬وهاجم النحويني واللغويني وخص بهجومه ابن جين يف‬
‫شرحه لديوان املتنيب‪ ،‬وهاجم املعري هجوماً عنيفاً‪ ،‬ووقف وقفة هامة عند محاسة أبي متام فهاجم شراحها‬
‫ألنهم ال يهتمون إال بذكر اإلعراب وتفسري الكلمات‪ ،‬والشعر ليس املراد منه ذلك‪ ،‬وأثنى على أبي متام بأنه‬
‫كان يف اختياره عارفاً بأسرار األلفاظ واملعاني‪ ،‬ولو مضينا نتتبع هجمات ابن األثري على أصحاب البيان والنقد‬
‫لسردنا أمثلة كثرية‪ ،‬لقد كان الرجل على قسط غري قليل من حدة الطبع يف معاجلته للشعر والنثر أو يف‬
‫تعليقه على األشخاص ولكنه أكثر النقاد إحلاحاً على املعنى ورمبا كان أوضحهم استعماالً للطريق‬
‫اإلحصائية‪ ،‬لقد اقرتن نقد ابن األثري بقوة شخصيته فلهذا متيز عمن مارس النقد يف هذه الفرتة‪.‬‬
‫املظفر بن الفضل‪:‬‬
‫كان عراقي النشأة ذا صلة بابن العلقمي‪ ،‬وكان الداعي له إىل تأليف كتاب " نضرة االغريض" أنه حضر‬
‫ذات يوم جملس ابن العلقمي وجرى فيه حديث الشعر‪ ،‬وتباينت اآلراء حوله‪ ،‬فطلب إليه الوزير أن يضع كتاباً‬
‫يبني فيه حدود الشعر وفضله فامتثل لذلك‪ ،‬وعنوان الكتاب يدل على أنه دفاع عن الشعر‪ ،‬فبعد أن حدد‬
‫املؤلف الفاظ شعر وشاعر‪ ،‬وقريض وقصيدة وقافية عرف الشعر بأنه "عبارة عن ألفاظ منظومة تدل على معاني‬
‫مفهومة"‪ ،‬وفرق بني ا لنظم والنثر مستشهداً بأبي العالء حني كان يسمي بعض أنواع الشعر املتهافت نظماً‪،‬‬
‫حتى إذا بلغ إىل احلديث عن السرقات أيد ابن السكيت يف قوله‪ :‬أن التوارد ليس مما اتفقت عليه اخلواطر‬
‫وإمنا هو سرقة أيضاً‪ ،‬وهو يفتقد إىل التوازن يف تأليفه وإىل اجلرأة يف احلكم‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫النقد األدبي عند ابن خلدون ولسان الدين ابن اخلطيب‪:‬‬


‫ابن خلدون‪:‬‬
‫رمبا يعد ابن خلدون أعظم ناقد يف هذا العصر رغم أنه مل يزاول النقد األدبي ومل مينحه من جهده الشيء‬
‫الكثري‪ ،‬وقد تأثر ابن خلدون يف تصوره وأحكامه يف هذا امليدان بشيوخه وبثقافته الشخصية وبتجربته الذاتية‬
‫يف ال شعر والنثر‪ ،‬وقد أخذ ابن خلدون عن شيوخه آراء وافقت هوىً يف نفسه‪ ،‬ويف طليعتها نظرة بعضهم بعني‬
‫االستهجان واالستنكار إىل االستكثار من البديع‪ ،‬وقد طبق ابن خلدون تلك اآلراء حني اختار األسلوب املرسل‪،‬‬
‫فابن خلدون يؤمن بقيمة الفكرة‪ ،‬فهو ال يرضى أن يبددها يف ضباب كثيف من احملسنات اللفظية‪ ،‬وكذلك‬
‫أخذ ابن خلدون من أشياخه نفورهم من حشد املعاني‪ ،‬وتزامحها يف البيت الواحد‪ ،‬مؤثرين السهولة والتبسيط‬
‫والشعر اليت تسبق معانيه ألفاظه‪ ،‬وقد كانت ثقافة ابن خلدون العامل الثاني يف توجيه أحكامه وآرائه‬
‫النقدية‪ ،‬حيث قدم حمفوظه يف خمتلف املوضوعات فكرة ثابته حول طبيعة الصناعة األدبية من شعر أو نثر‪،‬‬
‫ونوع احملفوظ يقرر اجتاه صاحبه‪ :‬فامللكة الشعرية تنشأ حبفظ الشعر‪ ،‬وملكة الكتابة تنشأ حبفظ االسجاع‬
‫والرتسل‪.‬‬
‫وال يقف ابن خلدون عند هذا احلد بل يطور رأيه بناء على جتربته الذاتية يف الشعر‪ ،‬ويذهب إىل ما يشبه‬
‫التأكيد بأن سالمة امللكة وتفردها أدعى إىل اتقان الفن الذي توفرت عليه‪ ،‬وأن الصراع بني ملكتني قد‬
‫يصيب األوىل املتمكنة منهما ببعض الوهن‪ ،‬وانبثق عن هذه النظرية حول احملفوظ وامللكة رأيان نقديان‬
‫خطريان‪ :‬أوهلما أن بالغة االسالميني أمثال حسان واحلطيئة وعمر وجرير والفرزدق وذي الرمة ونصيب‬
‫واألحوص وبشار أرفع طبقة من شعر النابغة وعنرتة وابن كلثوم وغريهم من شعراء اجلاهلية ‪ ،‬وما ذلك إال ألن‬
‫اإلسالميني أتيح هلم حمفوظ من القرآن واحلديث‪ ،‬اللذين عجز البشر عن اإلتيان مبثلهما ‪ ،‬مل يكن متاحة‬
‫للجاهليني فارتقت ملكاتهم يف البالغة على ملكات من قبلهم من أهل اجلاهلية ممن مل يسمع هذه الطبقة وال‬
‫نشأ عليها ‪ ،‬فكان كالمهم يف نظمهم ونثرهم أحسن ديباجة وأصفى رونقا من أولئك ‪ ،‬وأرصف مبنى وأعدل‬
‫تثقيفة مبا استفادوه من الكالم العالي الطبقة‪ ،‬وأما الرأي الثاني الناجم عن هذه النظرية يف احملفوظ فهو‬
‫تصور ابن خلدون لطريقة النظم‪ :‬بعد أن يرتاض املرء يف حفظ الشعر‪ ،‬ترسخ يف ذهنه قوالب معينة ‪ ،‬فإذا أراد‬
‫أن ينظم قصيدة فما عليه إال أن يستحضر القالب يف نفسه‪ ،‬ثم ميأله بالقوالب الصغرية أو الرتاكيب‪ .‬وما دام‬
‫احلفظ هو الذي يعني على تصور القوالب ‪ ،‬فإن الطريق إىل اتقان الشعر ال مت بدراسة النحو أو البيان أو العروض‬
‫؛ نعم إن الشاعر ال بد من أن يراعي قوانني هذه العلوم ولكن شاعريته ال تتكون باالقتصار على هذه العلوم‬
‫بل البد له من حفظ كالم العرب شعراً ونثراً‪ ،‬وهو يعرض للشعر احلد التالي‪" :‬الشعر هو الكالم البليغ املبين‬
‫على االستعارة واألوصاف‪ ،‬املفصل بأجزاء متفقة يف الوزن والروي‪ ،‬مستقلٌ كل جزء منها يف غرضه ومقصده‬
‫عما قبله وما بعده اجلاري على أساليب العرب املخصوصة به"‪ ،‬ويعتقد ابن خلدون أن ضياع احلدود بني الشعر‬
‫والنثر ليس صوابا من جهة البالغة‪ ،‬إذ أن األمور اليت تناسب األساليب الشعرية ليست مما يناسب األساليب‬
‫النثرية‪ ،‬ويؤاخذ ابن خلدون كتاب املشرق وشعراءه على تضحيتهم أحيانا بالصحة اللغوية والنحوية إذا استقام‬

‫‪89‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫هلم سجع أو جناس او مطابقة‪ ،‬فإذا جاء إىل عدة البواعث احلافزة على قول الشعر أعاد ما ذكره ابن قتيبة‬
‫وما أمجله ابن رشيق يف العمدة‪ ،‬كذلك فإن ابن خلدون ال خيرج عن الوصايا النقدية املعتمدة يف جتنب الكالم‬
‫املولد أو ارتكاب الضرورات ‪ ،‬وينهى عن التعقيد و ازدحام املعاني يف البيت الواحد ‪ ،‬ويوصي مبجانية الوحشي‬
‫والسوقي املبتذل ‪ ،‬وهو يلتقي حبازم يف نظرته إىل هوان الشعر على الناس‪ ،‬وإمنا سببه الكذب والنفاق‬
‫واالستجداء‪ ،‬ويرى ابن خلدون أن الشعر نشاط إنساني عام‪ ،‬وليس شيئاً يتميز به العرب‪ ،‬وقد أصبح لسان‬
‫مضر يف عصر ابن خلدون عدة هلجات عامية متباينة يف خمتلف األقطار‪ ،‬ولذلك وجد يف كل قطر شعر خاص‬
‫به‪ ،‬وملا كان كل قطر قد استقل بلهجته وذوقه مل يعد يف اإلمكان أن يستطيع ناقد واحد احلكم على نتاج‬
‫تلك األقطار إذ البد من تعدد النقاد‪ ،‬ونلحظ من جمموع آراء ابن خلدون يف النقد أن آراءه مستمدة من جتربته‬
‫اخلاصة ومن التيار العربي اخلالص يف النقد األدبي‪.‬‬
‫لسان الدين ابن اخلطيب‪:‬‬
‫للسان الدين مكانة ال ختفى يف تاريخ الفكر األندلسي‪ ،‬ومل متنعه مسؤولياته السياسية أن يرتك تراثاً ضخماً‬
‫يف التاريخ والتصوف والطب والشعر والرتسل والفكر السياسي وغري ذلك من الفنون‪ ،‬غري أنه مل مينح النقد‬
‫األدبي قسط ًا وافرًا من جهده‪ ،‬وإذا كان له من آراء فذلك متصل بثقافته وبكونه مارس نظم الشعر‪ ،‬وضرب‬
‫فيه بسهم أوفى من سهم ابن خلدون‪ ،‬فبقي لسان الدين على مستوى اإلنشاء النثري شاعراً مصورا‪ ،‬وبقيت‬
‫ملكة التصوير لديه تتمتع بقوتها على مر الزمن‪ ،‬وكان مما يرفد هذا اجلو الشعري من حوله عوامل أخرى‬
‫منها مشولية اطالعه على التيار الشعري يف عصره‪ ،‬واهتمامه بتدوين تراجم معاصريه وأشعارهم‪ ،‬ويلتقي ابن‬
‫اخلطيب مع عدد من النقاد السابقني ‪ -‬وخباصة النقاد املتفلسفني ‪ -‬يف قوله إن الشعر باملعنى املطلق ظاهرة‬
‫إنسانية ال ميكن أن حتصر ضمن شكل حمدد‪ .‬فالشعر بهذا املعنى ال يوضع يف إسار وزن معني أو قافية‬
‫مرسومة‪ ،‬ألنه أوسع حدوداً من ذلك‪ .‬وعلى هذا األساس ال ميكن أن يكون وقفا على أمة دون أمة‪ ،‬يطالعنا‬
‫لسان الدين بفهم دقيق لطبيعة الشعر الذي حيكمه الوزن والقافية‪" :‬فهنالك شعر مغرق يف الشعرية وهو ما‬
‫جنح إىل التخيل والتشبيه‪ ،‬وأحل االستعارة باحملل النبيه"‪ .‬وهناك شعر مستحسن مرضي قعد عن التشبث‬
‫باالستعارة والتخييل‪ ،‬وإمنا عدته العرب شعرا خلصائص أخرى فيه متيزه‪ ،‬وال جيوز أن ننزع عنه اسم الشعر‪،‬‬
‫وإن وقع يف املنزلة الثانية‪ .‬ومتييزاً هلذين النوعني يسمي لسان الدين النوع األول باسم السحر ويسمي النوع الثاني‬
‫باسم الشعر‪ ،‬ويف استعماله لكلمة السحر كان لسان الدين يستلهم املوروث النقدي األندلسي لدى ابن سعيد‬
‫املغربي الذي رأى أن ما يستحق اسم الشعر أحد نوعني هما‪ :‬املرقص واملطرب‪ ،‬ويرى لسان الدين أن قوة الشعر‬
‫يف التأثري ويف إحداث التحوالت تزداد إذا هو اقرتن باألحلان‪.‬‬
‫نظرة ختامية يف صورة التطور النقدي وقضاياه الكربى‪:‬‬
‫حدث بعضهم‪ ،‬قال ‪ ( :‬حتاكم الزبرقان بن بدر وعمرو بن األهتم وعبدة بن الطبيب واملخبل السعدي إىل ربيعة‬
‫بن حذار األسدي يف الشعر‪ ،‬أيهم أشعر ؟ فقال للزبرقان‪ :‬أما أنت فشعرك كلحم أسخن ال هو أنضج فأكل‬
‫وال ترك نيئا فينتفع به ‪ ،‬وأما أنت يا عمرو فإن شعرك كرب ود حرب يتألأل فيها البصر ‪ ،‬فكلما أعيد فيها‬

‫‪90‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫النظر نقص البصر ‪ ،‬وأما أنت يا خمبل فإن شعرك قصر عن شعرهم وارتفع عن شعر غري هم ‪ ،‬وأما أنت يا‬
‫عبدة فإن شعرك كمزادة أحكم خرزها فليس تقطر وال متطر »‬
‫لعل هذا النموذج من أرقى األمثلة وأشدها داللة على طبيعة النقد قبل أن يصبح هلذا النقد كيان واضح ‪ ،‬فهو‬
‫منوذج جيمع بني النظرة الرتكيبية والتعميم والتعبري عن االنطباع الكلي دون جلوء للتعليل ‪ ،‬وتصوير ما جيول‬
‫يف النفس بصورة أقرب إىل الشعر نفسه ‪ ،‬وذلك هو شأن أكرب األحكام اليت جندها منذ اجلاهلية حتى قبيل‬
‫أواخر القرن الثاني‪ ،‬غري أن النقد يف حقيقته تعبري عن موقف كلي متكامل يف النظرة إىل الفن عامة أو إىل‬
‫الشعر خاصة يبدأ بالتذوق ‪ ،‬أي القدرة على التمييز ‪ ،‬ويعرب منها إىل التفسري والتعليل والتحليل والتقييم‪ ،‬ومثل‬
‫هذا املنهج ال ميكن أن يتحقق حني يكون أكثر تراث األمة شفويا وهلذا تأخر النقد املنظم‪ ،‬والتأليف خيلق‬
‫جماال للنقد صاحلا‪ ،‬ولكنه ال يستطيع أن خيلق وحده نقداً منظماً‪ ،‬بل ال بد هنالك من عوامل أخرى‪ ،‬وأهم‬
‫هذه العوامل مجيعا االحساس بالتغري والتطور ‪ ،‬وقد كان األصمعي بداية النقد املنظم حيث نظر إىل الشاعر‬
‫فوجده فحالً أو غري فحل‪ ،‬ونظر إىل الشعر فوجده إما خرياً وإما شر‪ ،‬وقد يكون ابن سالم أشد صلة بالنقد‬
‫املدروس من األصمعي‪ ،‬وهو يزيد على األصمعي بأنه يرى الفحولة درجات‪ ،‬وهلذا كان موقف اجلاحظ النقدي‬
‫شيئاً جديداً بالنسبة ملن تقدمه فهو يف صراعه ضد الشعوبية يرى يف الشعر مادة املعرفة‪ ،‬وهو يف موقفه‬
‫احلضاري الثقايف حياول أن يرى من الزاوية العقلي ة ذلك التفاوت يف الشعر بني العرق العربي وغري العربي وبني‬
‫البادية واحلاضرة‪ ،‬أي أن يلحظ أثر اجلنس والبيئة‪ ،‬ولكن نقد اجلاحظ مل يكن سوى مكمل لنشاطه‬
‫الفكري عامة‪.‬‬
‫ولقد ولد النقد األدبي يف حضن االعتزال واملتأثرين به وكان االعتزال يعين يف أساسه االحتكام إىل العقل‪،‬‬
‫األمر الذي أدى منذ البداية إىل أن يسلك النقد طريقاً وسطاً ال تفضيل فيها لقديم على حمدث أو العكس‬
‫وإمنا هناك كما يقول العقل االعتزالي‪ :‬حمض احلسن والقبح‪ ،‬وذلك هو أساس النقد األدبي‪ ،‬كذلك فإن‬
‫االعتزال يعتمد على اجلدل من أجل اإلقناع‪ ،‬فقد أصبح النقد والشعر كالهما نشاطني عقليني‪ ،‬وأخذ النقاد‬
‫يقفون وقفات طويلة عند البحث عن املعاني‪ ،‬وطغت مشكلة السرقات الشعرية‪ ،‬وكاد ميحي الفاصل بني‬
‫الشعر واخلطابة يف نظر النقاد ووضعت مقاييس عامة تصلح للشعر مثلما تصلح للخطابة‪.‬‬
‫عندما نتعمق يف املواقف النقدية لدى كبار النقاد يف تاريخ النقد العربي سنجد أن اإلحساس بالتطور والتغيري‬
‫هو العامل اخلفي يف شحذ همهم للنقد‪ ،‬حيث ال جتد أحداً منهم إال وهو حيس أن الشعر يف أزمة فهو يتقدم‬
‫بآرائه حللها ‪ ،‬لقد اعتقد ابن طباطبا أن القاعدة األخالقية اليت قام عليها الشعر القديم قد تغريت وأن تغري‬
‫الشعر احملدث أصب ح أمراً حمتوماً‪ ،‬ورد قدامة الشعر إىل مبدأ الثبوت ال إىل مبدأ التغري أي أراد قدامة أن يرسم‬
‫حدوداً لتلك النواة الثابتة‪ ،‬وجيب أن نتذكر ان ابن طباطبا ذو صلة بالفكر الكالمي‪ ،‬وأن قدامة ذو صلة‬
‫بالفكر الفلسفي اليوناني‪ ،‬فإذا قرن ابن طباطبا الصدق بالشعر ذهب قدامة إىل النقيض‪ ،‬فتحدث عن كذب‬
‫الشعر ألن كلمة كذب كانت تطلق يف عصره على ما أصبح يعرب عنه بلفظ ختييل ‪ .‬وحني كان اإلحساس‬
‫يتصل بأثر فكري كان النقد ينال حظاً غري قليل من النقد‪ ،‬ومن أبرز األمثلة على ذلك نقاد األندلس فال‬

‫‪91‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫ينكر أن ابن شهيد مثالً ناقد ذكي أدرك معنى التطور يف طبيعة الصناعة الشعرية وأقره فذهب إىل القول‬
‫بروحانية الشعر ولكنه مل يستطع أن يتحول بنقده إىل منهج منظم ألنه كان قليل البضاعة من الثقافة وكذلك‬
‫ميكن أن يقال يف ابن خرية املواعيين فإنه وقف عند فكرة التطور وقفة طويلة ومسى صورتها العامة باسم‬
‫"التدريج"‪ ،‬ومع أن ابن رشيق وقف نفس الوقفة اليت وقفها ابن طباطبا حني أحس بأزمة الشاعر احملدث‪ ،‬إال‬
‫أنه نقل هذا اإلحساس إىل صعيد آخر‪ ،‬وهو مدى الصلة بني اآلني والثابت‪.‬‬
‫من هذه األمثلة ميكننا أن نرى أن املشكلة اليت أثارت نقداً كانت يف أكثر األحيان مزدوجة الطرفني‪ ،‬وأنها‬
‫حني جنمت عن طبيعة النقل والرواية يف الشعر كانت تسمى مشكلة األصالة واالنتحال‪ ،‬وحني صدرت عن‬
‫تغري يف الذوق واألدوات الشعرية أصبحت مشكلة زمنية تسمى القدم واحلداثة‪ ،‬إال أن النقاد مل ينسوا هذه‬
‫املشكلة وظلوا يقفون عندها دون أن يتناولوها باحلماسة اليت تناوهلا بها النقاد يف القرن الثالث‪ ،‬وحني أصبحت‬
‫احلداثة متفاوتة أو متنوعة انتقلت األزمة على املفاضلة أو املوازنة بني اثنني من احملدثني‪ ،‬وأحياناً بني ما يسمى‬
‫الطبع والصنعة يف الشعر‪ ،‬وظل احلال كذلك حتى ظهر املتنيب وقامت من حوله معركة شعرية عنيفة دامت‬
‫طويالً إذ كانت يف أكثر األحيان منبعثة من عداء للشخص نفسه‪.‬‬
‫ومن يقرأ منهاج البلغاء حلازم حيس أنه يضع قواعده النقدية وضعاً جديداً ويف ذهنه أن املثل األعلى للشعر املتنيب‬
‫ولسنا ندري هل كان من حسن حظ النقد األدبي عند العرب أو من سوء حظه أن مجيع املشكالت اهلامة اليت‬
‫أثارت كربيات القضايا النق دية قد انطلقت يف طور مبكر قصري املدى حتى أصبحت اإلجابة على القضايا‬
‫جمتمعة من نصيب النقاد يف القرن الثالث وما كان نصيب القرن الرابع إال زيادة التمرس بها‪ .‬إن النقد بعد‬
‫املتنيب مل يعد يستطع إال تفسرياً جديداً جلزئيات صغرية أو وقفة مطولة عند قضية دون أخرى‪ ،‬وكثرياً ما‬
‫أصبحت حيوية النقد بعد ذلك تعتمد على شخصية الناقد نفسه ياستثناء حازم الذي عاد يستعمل أدوات متباينة‬
‫خمتلفة يف منطلق جديد‪ ،‬حيث جعل املتنيب حموراً لفهم طبيعة الشعر‪ ،‬وقد كان الشعر يسري يف طريق جديدة‬
‫عرب عنها ابن وكيع حني أصر على أن الشاعر احلق إمنا هو "مطرب ال يطالب مبعرفة األحلان"‪.‬‬
‫لقد كان الناقد موجود يف كل مرحلة‪ ،‬ولكن احلاجة إىل ناقد ذي منهج وقدرة على الفحص إمنا أثارها ابن‬
‫سالم ألول مرة حني اصطدم بقضية االنتحال‪ ،‬وميكن أن نطور فكرة ابن سالم فال نراها تقف عند حد‬
‫الشعر القديم‪ ،‬وإمنا سيظل االنتحال موجوداً على مر الزمن وستظل احلاجة إىل هذا الناقد ملحة كذلك‪،‬‬
‫فالناقد لدى ابن سالم ما يزال راوية حصيفاً ‪ ،‬ومشكلة الرتجيح بني أبي متام والبحرتي زادت سلطات هذا‬
‫الناقد حتى أصبح هو احلكم الوحيد‪ ،‬فلم يعد الناقد راوية بصرياً ألن الثقافة وحدها ال تصنع ناقداً‪ ،‬إمنا‬
‫الناقد امرؤ متخصص‪ ،‬وهلذا مت التطابق بني اآلمدي والناقد املستبد‪.‬‬
‫وقد وضعت مشكلة اإلعجاز النقد األدبي على أبواب منطقة الالتعليل‪ ،‬وهلذا عاد الباقالني إىل نقد اآلمدي‬
‫فمنحه أمسى منزلة‪ ،‬وعاد عبدالقاهر حماوالً أن يبسط التعليل يف مستويات اجلودة يف اآلدميني‪ ،‬وإذا كانت‬
‫الروعة (أو أقصى درجات اجلودة) من األمور احملرية للنقد فما أحرى أن يكون االعجاز فوق جماله بكثري‪.‬‬
‫وحني عرض حازم هذه املشكلة مساها «كمال الشعر‪ ،‬فأقر بأن كل حبث يف النقد يعز عليه استقصاء األمر‬

‫‪92‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫فيها‪ ،‬أي أن الناقد‪ .‬جيب أن يقف عند ما متكنه أدواته من احلكم فيه‪ ،‬فأما الكمال فإنه شيء نظري رمبا‬
‫قصرت األدوات املتوفرة عن التمرس به‪ .‬وعند احلديث عن صورة الناقد يف النقد العربي جيب أال ننسى أن‬
‫الناقد الشاعر كان هو النموذج الذي تنسب إليه اإلجادة يف النقد‪ ،‬حني حتدد دور الناقد وميز حبقوق خاصة‬
‫به وجمال ال بد له من أن يعمل فيه ظهرت احلاجة إىل مصطلح نقدي‪ ،‬وهلذا التفت أوائل النقاد اىل حياة البداوة‬
‫يف اختيار املصطلح‪ ،‬غري أن املنبع البدوي ال يستطيع أن ميد الناقد بكل ما حيتاجه من مصطلحات‪ ،‬فجمع‬
‫ابن املعتز عدداً من املصطلحات يف كتاب البديع‪ ،‬غري أن حماولة ابن املعتز تعد أولية ساذجة إذا حنن قارناها‬
‫مبا صنعه قدامه‪ ،‬ورغم التعديالت الكثرية اليت أجراها النقاد من بعد على مصطلحات قدامة فإنها هي اليت‬
‫ميزته لدى النقاد الالحقني‪ ،‬وحني التفت النقاد أو البالغيون إىل السياق الشكلي يف التأليف وجدوا مصطلحهم‬
‫جاهزاً يف صناعة الصياغة أو احلياكة‪ ،‬لذلك كله جند أن تطور املصطلح واتساعه أمر ملحوظ خالل العصور‪،‬‬
‫ولكنه مل خيدم قضية النقد كثرياً كما خدم مستوى البالغة وحتوالتها وجيب أال يغب عن الذهن ان الصلة‬
‫بني النقد وكتاب الشعر ألرسطو قد أدخلت مصطلحاً من نوع آخر مثل "األقاويل الشعرية‪.‬‬
‫وإليك أهم القضايا اليت دار حوهلا النقد‪:‬‬
‫قضية اللفظ واملعنى‬ ‫‪. 1‬‬
‫قضية املطبوع واملصنوع أو الطبع والصنعة‬ ‫‪. 2‬‬
‫قضية الوحدة والكثرة يف القصيدة‬ ‫‪. 3‬‬
‫قضية الصدق والكذب يف الشعر‬ ‫‪. 4‬‬
‫قضية املفاضلة أو املوازنة بني شعرين أو شاعرين‬ ‫‪. 5‬‬
‫قضية السرقات الشعرية‬ ‫‪. 6‬‬
‫قضية عمود الشعر‬ ‫‪. 7‬‬
‫قضية العالقة بني الشعر واألخالق أو الشعر والدين‬ ‫‪. 8‬‬
‫وجندهم حتدثوا عن تعريف الشعر‪ ،‬كما حتدثوا عن البيئة والروية يف طريقة نظم الشعر ‪ ،‬وعن بواعث الشعر‬
‫ومهيئاته‪ ،‬وينفرد حازم من بني النقاد مجيعا بأنه رمبا كان أول من ربط بني الشعر واملعاني اجلمهورية‪ ،‬وحتدث‬
‫عن التجربة املستمدة من احلياة وعما يكملها من التجربة الثقافية ‪ ،‬وحاول ألول مرة أن يعيد النظر يف األوزان‪:‬‬
‫وينشئ هلا فلسفة جديدة ‪ ،‬ويتحدث عن العالقة الوثيقة بني الوزن واملوضوع الشعري ‪ ،‬وألول مرة كذلك جند‬
‫ناقداً يتناول قضية القوى الضرورية للشاعر يف مراحل جتربته ونظمه على السواء ‪ ،‬وكان النقاد قبل حازم‬
‫قد قصروا قضية الش عر على األلفاظ واملعاني والعالقة بينهما ‪ ،‬فإذا ارتفعوا عن هذه املشكلة حتدثوا عن‬
‫االئتالف بينهما فيما مسوه النظم ‪ ،‬وتوسلوا لتفسري حقيقة النظم بطرق خمتلفة ‪ ،‬ولكن حازماً جتاوز هذه‬
‫املرحلة النقدية فميز يف الشعر شيئا مساه "األسلوب"‪ ،‬وآخر مساه "املنتزع"‬
‫قضية الوحدة يف القصيدة‪:‬‬

‫‪93‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫حني نظر النقاد يف املوروث الشعري وجدوا القصيدة معرضاً لتفنن الشاعر فهو قد يفتتحها بالغزل أو بالوقوف‬
‫على األطالل ويتحدث عن مناحي فتوته ثم ميدح أو يهجو أو يعاتب‪ ،‬وبعبارة أخرى كانت القصيدة تسمح بتعدد‬
‫املوضوعات يف داخلها فلم يستطع النقاد أن يتنكروا للموروث‪ ،‬فقد كان كل حديث للنقاد عن الوحدة إمنا‬
‫يتم من خالل التكثر أي كيف متثل القصيدة وحدة رغم ذلك التكثر؛ فذهب ابن قتيبة إىل األخذ بالوحدة‬
‫النفسية عند املتلقي‪ ،‬أي قدرة الشاعر على جذب انتباه السامع‪ ،‬ولكن ابن قتيبة كان حيس بأن مثل هذا‬
‫التعليل ال حيقق و حدة‪ ،‬فلهذا وقف عند وحدة داخلية تتمثل يف التكافؤ بني األلفاظ واملعاني ثم يف الرتابط بني‬
‫كل بيت وما يليه‪ ،‬ثم كأن ابن طباطبا شعر أن كل هذا الذي قاله ابن قتيبة ال حيقق الوحدة اليت يرغب فيه‬
‫وهلذا أحل على مبدأين يكفالنها‪ :‬أوهلما مبدأ التناسب‪ ،‬والثاني هو التدرج املنطقي‪ ،‬ولعل تصور ابن طباطبا‬
‫للوحدة هو الذي أخذ به النقاد من بعده ألنهم جلأوا إىل التمثيل‪ ،‬ومل خيرج تصور الوحدة لدى النقاد العرب عن‬
‫صورة التكامل والتناسب معاً؛ وكانت أقصى درجات التعبري عن هذا النوع من الوحدة هي اإلشارة إىل أن‬
‫العالقة بني اللفظ واملعنى هي ع القة اجلسد بالروح وقد نقل احلامتي هذه الوحدة القائمة على التكامل‬
‫والتناسب إىل صورة اجلسد نفسه‪ ،‬وقد استعار ابن رشيق هذه الفكرة من احلامتي ورددها بعده من تأثروا به‪.‬‬
‫هلذا ميكن أن يقال أن نقاد العرب عاجلوا قضية الوحدة من خالل التكثر‪ ،‬يف كل العصور‪ ،‬خضوعاً للمثال‬
‫الشعري‪ ،‬ومل يهتموا بأنواع أخرى من الوحدة‪ ،‬كالوحدة النفسية عند الشاعر‪ ،‬أو الوحدة الصورية‪ ،‬أو الوحدة‬
‫العضوية‪.‬‬
‫قضية الصدق والكذب‪:‬‬
‫تباينت مواقف النقاد كثرياً حول هذه القضية‪ ،‬فمنهم من ربط الشعر بالصدق‪ ،‬ومنهم من جعل الكذب سبباً‬
‫لرد الشعر‪ ،‬ومنهم من اختذ له طريق اً وسطاً‪ ،‬وقد كان ابن طباطبا أول من أثار القضية بوضوح حاسم‪ ،‬فقد‬
‫ربط الشعر بالصدق من النواحي املختلفة‪ ،‬ورأيه يتناسب وأساس نظريته يف التناسب‪ ،‬فالتناسب هو سر‬
‫اجلمال‪ ،‬والصدق صنو للتناسب اجلمالي يف القصيدة‪ ،‬ثم أن التناسب عمل ذهين يعرض على العقل ليقبله أو‬
‫حيكم ف يه والعقل ال يطمئن إىل الصدق‪ ،‬والصدق أيضاً يعين السالمة من اخلطأ يف اللفظ والرتكيب واملعنى‪.‬‬

‫التفكري البالغي عند العرب (اسسه وتطوره إىل القرن السادس)‬


‫محادي صمود‬

‫❖ البالغة قبل اجلاحظ‪:‬‬


‫تعترب هذه املرحلة أقل املراحل وضوحاً وأكثرها استعصاءً عل الضبط الدقيق فقد واجهت املشتغلني بها عقبات‪،‬‬
‫من ناحية تعلق الروايات مبعرفة أول إنسان بدأ على يديه علم من العلوم‪ ،‬وقلة ما وصلنا من هذه الفرتة من‬
‫مؤلفات‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫أوالً‪ :‬عوامل النشأة‪:‬‬


‫الشعر‪:‬‬ ‫‪. 1‬‬
‫يكاد جيمع املهتمون على أن شأن الشعر ال يوجد يف حضارة سوى احلضارة العربية‪ ،‬وأنه قل أن نصادف يف‬
‫تاريخ البشرية قوماً اهتموا بأدبهم اهتمام العرب بشعرهم‪ ،‬فلقد كان الشعر أهم عنصر يف بنية جمتمعهم‬
‫الثقافية فهو "علم قوم مل يكن هلم علم أصح منه"‪ ،‬فقد كان وسيلتهم اليت قيدوا بها مآثرهم وصوروا بها‬
‫حياتهم‪ ،‬ومل تقتصر وظيفة الشعر على هذا فقط بل عربوا به عن خمتلف العواطف واألحاسيس اليت ختاجلهم‪،‬‬
‫فقد كانوا مدركني جلملة من خصائصه النوعية‪ ،‬وقد احتفظت املصادر جبملة من األخبار عن هذه الفرتة‬
‫تتضمن مالحظات متثل اللبنة األوىل يف العمل النقدي والبالغي‪ ،‬وقد بدت هذه األخبار متفاوتة وهي ألهميتها‬
‫ثالثة أقسام‪:‬‬
‫أ‪ -‬يظهر القسم األول يف املفاضلة بني شاعر وآخر كقصة أم جندب يف مفاضلتها بني أمرئ القيس وعلقمة‬
‫الفحل‪ ،‬وقصة النابغة مع حسان يف سوق عكاظ‪.‬‬
‫ب‪ -‬يظهر القسم الثاني يف مجلة أخبار تدل على تفطن الشعراء إىل ضرورة تعهد الصياغة الفنية وتنقيح‬
‫الشعر‪ ،‬ويف هذا وعي بأهمية عنصر االختيار يف العمل الشعري‪ ،‬فالعرب حيرصون على صياغة‬
‫أفكارهم والتعبري عنها يف أحسن صورة تنصهر فيها الوسيلة اللغوية مع الفكرة انصهاراً فهم يتعهدون‬
‫أشعارهم بالتنقيح والتهذيب حتى خترج للناس مصفاة وكان على رأس املنقحني للقصائد زهري بن أبي‬
‫سلمى‪.‬‬
‫ت‪ -‬أما القسم الثالث فهو أكثرها صراحة يف االنتساب إىل املباحث البالغية وأعمقها داللة على إدراجهم‬
‫خلصائص الشعر اليت تقوم أساساً‪ ،‬على القدرة على صياغة الصورة الفنية‪ ،‬وإن كان ذلك مل يتجاوز‬
‫التشبيه‪ ،‬ومن ذلك ما كان من أمر زهري مع ابنه كعب واشفاقه عليه من قول الشعر صبياً‪ ،‬حيث‬
‫كان مينعه من ذلك ألنه مل يكن متأكداً من قدرته عليه فلما رآه جييد الوصف ويدقق التشبيه مسح‬
‫له بتعاطيه‪.‬‬
‫فتبني من هذه الروايات وغريها أن العرب جتاوزت مرحلة التذوق واالنفعال إىل ربط الرباعة بنظم الشعر بالرباعة‬
‫يف صياغة الصورة الفنية‪.‬‬
‫ولقد تواصل االهتمام بالشعر يف العصور املتأخرة وكانت العلوم اإلسالمية الناشئة تستغله من الوجهة اليت‬
‫تناسب موضوع حبثها‪ ،‬ولعل أشهر من اهتم به يف الفرتة اليت تهمنا هم طبقات اللغويني والنحاة‪ ،‬فمن أهم‬
‫نتائجهم تلك الصلة الوثيقة اليت أقاموها بني النشاط اللغوي وبني العمل النقدي باعتبارهم أول من شارك‬
‫مشاركة جدية يف إق رار مجلة من املقاييس اليت يقوم عليها‪ ،‬ولقد وقفوا يف وجه تيارات التجديد الوليدة ‪،‬‬
‫ودافعو عن الذوق العربي القديم والصيغة الشعرية وأقروا املبادئ اليت تقوم عليها فحولة الشعراء ليكون للشاعر‬
‫على غريه مزية كمزية الفحل على احلقاق ‪ ،‬ومل يقف األمر عند ذلك احلد فلقد أسهموا يف تشكيل الذوق‬
‫األدبي عند العرب وذلك على مستويني على األقل‪:‬‬

‫‪95‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫املستوى األول يف ضرورة النسج على منهج القدماء انطالقاً من حتديدهم للفصاحة والتذوق‪ ،‬وربط ذلك جغرافياً‬
‫بالقبائل اليت مل تداخل لغتها العجمة وتارخيي ًا حبدود النصف األول من القرن الثاني‪.‬‬
‫أما املس توى الثاني الذي يربز فيه تأثريهم العميق يف الذوق العربي فيتمثل يف األهمية البالغة اليت حظي بها‬
‫التشبيه كقسم من أقسام الصورة الفنية يف تاريخ البالغة والنقد‪.‬‬
‫القرآن‪:‬‬ ‫‪. 2‬‬
‫الشك أن القرآن كان أعظم حدث جد يف تاريخ الشعوب العربية‪ ،‬ولقد احتوت هذه الرسالة السماوية ما‬
‫مييزها على كل ما سبقها وهيأها لتلعب دوراً حضارياً مل تقم به الكتب املنزلة األخرى‪ ،‬وقد حتدى البشرية‬
‫عموماً ومن نزل بلغتهم خصوصاً على أن يأتوا مبثله فأذعنوا لذلك وهم الفصحاء وأساطني البالغة والبيان‪،‬‬
‫ولقد غدا القرآن الكريم القطب الذي تدور حوله خمتلف اجملهودات الفكرية والعقائدية للمسلمني‪ ،‬وبذلك‬
‫زحزح الشعر عن املنزلة اليت كان حيتلها يف اجملتمع‪ ،‬ولكن أهم جانب فيه ساعد على ظهور التفكري البالغي‬
‫هو اجلانب املتصل بقضية إعجازه‪ ،‬حيث كانت قضية اإلعجاز يف صدارة مسائل االحتجاج للنبوة‪ ،‬لذلك‬
‫وجدت أسباب ذاتية وأخرى عرضية‪ ،‬دفعت مفكري اإلسالم املتأخرين إىل الرجوع إىل النص القرآني ودراسته‬
‫دراسة تقوم على الدليل العقلي واحلجة الدامغة‪ ،‬وستستفيد البالغة العربية من ذلك وستكون بيئة املعتزلة‬
‫خاصة واملتكلمني عامة إحدى البيئات الرئيسية اليت ينشأ يف ظلها التفكري البالغي ويرتعرع وذلك على‬
‫مستويني رئيسني‪:‬‬
‫أ‪ -‬ما تعلق بقضية اإلعجاز وتأويل بعض املعتزلة لذلك وما نشأ عن ذلك من ردود‪ ،‬وقد كانت أقدم اآلراء‬
‫يف هذا املستوى حسب ما تشري إليه املصادر تعود إلبراهيم بن سيار النظام الذي قال بالصرفة يف اإلعجاز‬
‫البياني للقرآن‪ .‬وقد دفع رأيه هذا علماء املسلمني على اختالف مللهم وحنلهم إىل اخلوض يف مسائل‬
‫تنصب على خصائص النص القرآني لغةً وتركيباً‪.‬‬
‫ب‪ -‬ما اضطر إليه املعتزلة من تأويل لكثري من اآليات اليت يتنافى ظاهرها مع أصوهلم العقائدية‪ ،‬حيث‬
‫محلوا هذه النصوص على اجملاز‪ ،‬وليس املتكلمني واملعتزلة أول من تفطن إليه وإن كانوا أول من حتدد‬
‫على أيدهم هذا املصطلح وضبطت داللته‪ ،‬وقد اعرتضت مفسري القرآن من قبل مشكلة جماز القرآن‪،‬‬
‫واليت يعترب أبا عبيدة من أوائل من أذاعوا هذا املصطلح واستعملوه‪ ،‬وقد عرفه ابن قتيبة بعد أبي عبيده‬
‫بأنه طرق القول ومنها‪ :‬االستعارة والتمثيل والقلب والتقديم والتأخري ‪ ...‬اخل‪ ،‬ويبدو أن فهم اجملاز على‬
‫هذا النحو كان هو السائد يف الدراسات اللغوية األوىل وسيستفيد املعتزلة من كل هذه اجلهود‬
‫واملباحث إال ان انتمائهم العقائدي سيضطرهم إىل تعميقه‪ ،‬ولقد استمدوا شرعية القول باجملاز من‬
‫املمارسات العربية السابقة ومن اجتهادات علماء املسلمني‪ ،‬ومل يكن املعتزلة وحدهم هم القائلون‬
‫باجملاز فلقد وافقهم على ذلك اجلمهور من املسلمني‪ ،‬لذلك جند مواقف اجلاحظ وابن قتيبة واجلرجاني‬
‫متقاربة وإن فرق بينها قوة احلجة وعمق التأويل‪ ،‬كما أنهم يشرتكون يف كثري من مباحث اجملاز‪،‬‬
‫ومل يكن يفرق بينهم إال ضوابط ذلك اجملاز وحدود التأويل‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫إن اجلدل الذي قام حول القرآن وخاصة شكله‪ ،‬كان من احلوافز القوية اليت دفعت الفكر العربي إىل‬
‫االشتغال بقضايا اللغة وبضروب طرقها يف التعبري والرتكيب‪ ،‬ولعل من أهم ما استقر يف التفكري البالغي من‬
‫هذه الفرتة ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬ربط مباحث البالغة بغاي ة قصوى يف فهم النص القرآني والقدرة على تأويل مشكله والتسليم بإعجازه‪،‬‬
‫لذلك اعتربت البالغة يف تصنيفهم للعلوم من علوم اآللة ومقدمة كل علم‪ ،‬وضموها بذلك إىل علوم‬
‫اللسان‪ ،‬ومل يشذ عن ذلك إال الفالسفة الذين تأثروا بتصنيف أرسطو‪.‬‬
‫ب‪ -‬إن إحالل املبحث البالغي حمل الوسيلة للوصول إىل مقاصد الرسالة الدينية جعل البالغيني يلحون على‬
‫البيان باملعنى اللغوي األصلي أو الوظيفة اإلفهامية وجعلوا البحث من أجنع الوسائل اليت يتم بها ذلك‪،‬‬
‫فلم يعطوا جمموع الوظائف األخرى املكانة اليت تستحقها يف مباحثهم‪ ،‬وعن هذا نشأت تلك الفكرة‬
‫السائدة يف الرتاث البالغي والنقدي ومؤداها أن هذه الوسائل غالف يغلف به املعنى وضرب من الزينة‬
‫يقصد من وراءه إخراج املعنى يف أحسن صورة‪.‬‬
‫ت‪ -‬إن تبيني خصائص النص القرآني الرتكيبية على هدي الشعر وأساليب العرب يف التعبري جعل العلماء‬
‫املسلمني على اختالف انتمائهم املذهيب يشرتكون يف مجلة من التصورات العامة وتكون هلم إزاء بعض‬
‫املظاهر نفس املواقف‪.‬‬
‫ث‪ -‬إن األهمية البالغة اليت اكتستها بنية النص القرآني جعلت املباحث املتعلقة بها ماثلة يف أغلب العلوم‬
‫املنطلقة من القرآن‪.‬‬
‫تقعيد اللغة‪:‬‬ ‫‪. 3‬‬
‫إن البحث البالغي املنظم ال يتأتى إال بعد معرفة دقيقة بقواعد اللغة وضوابطها‪ ،‬فوظيفة النحو استخراج مبادئ‬
‫اللغة ونظمها‪ ،‬أم البالغة فوظيفتها وصف الطرق اخلاصة يف استعمال اللغة وتصنيف األساليب حبسب متكنها‬
‫يف التعبري عن الغرض تعبرياً يؤثر يف املتكلم‪ ،‬وهي على عكس النحو تنطلق من االستعمال اخلاص وجتعل‬
‫منه موضع درسها‪ ،‬وهذا االستعمال يقوم على طريقة خمصوصة يف استعمال الوسيلة اللغوية‪ ،‬لذلك فإنه ال‬
‫يتسنى تقييم هذا العمل واإلملام خبصائصه وتبني مميزاته إىل بالرجوع إىل تلك املبادئ اليت أقامها النحاة‪.‬‬
‫وتكتسي حركة مجع اللغة وتقعيدها عند العرب‪ ،‬أهمية خاصة ملا أمل بها من ظروف‪ ،‬ويأتي على رأس تلك‬
‫الظروف واألسباب الطريقة اليت حددوا بها املادة اللغوية اليت ستضبط على أساسها قواعد اللغة؛ ورغم املشاكل‬
‫اليت تطرحها تلك الطريقة يف العمل فإنها هيأت العمل اللغوي ليكون بيئة من البيئآت الصاحلة لربوز بوادر‬
‫املسائل الفنية‪ ،‬ولقد جتاوز النحاة لضبط معايري اخلطأ والصواب‪ ،‬استقامة اللغة إىل فصاحتها مبعنى أنهم‬
‫أرادوا بناء النحو على مستوى لغوي فيه من اخلصائص ما ليس يف غريه مما يدل على أنه أمسى من اللغة‬
‫املشرتكة يف ذلك الوقت‪ ،‬وال شك أن إدراجهم القرآن والشعر يف عداد املصادر اللغوية قد نبههم إىل بعض‬
‫خصائصهما النوعية ودفعهم يف نطاق مشاغلهم النحوية إىل مجلة من املالحظات البالغية‪ ،‬وسبقت اإلشارة إىل‬
‫أن اللغويني كانوا من أول من ساهم يف بناء النقد العربي‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫ولقد نتج عن هذه املكانة اليت حظي بها الشعر والقرآن عند اللغويني عدة نتائج لعل من أهمها‪:‬‬
‫أن ما نعتربه قواعد اللغة قد تأسس يف جانب كبري منه على الكالم‪ ،‬مما أدى إىل امتزاج املبادئ الكلية‬
‫املرتبطة باالستعمال الفصيح باخلصائص النوعية للشعر والقرآن‪ ،‬وقد كان اللغويني من أول من تفطن‬
‫خلصائص الشعر‪ ،‬ورغم أن غايتهم يف دراسة اللغة ال تعدو استخراج قواعدها‪ ،‬وقد أعانوا على بلورة عدد من‬
‫املسائل البالغية‪.‬‬
‫خاض اللغويون يف مستويات الداللة فبحثوا يف الفرق ما بني احلقيقة واجملاز وأفاضوا يف ذلك‪ ،‬ويبدو أن ابن‬
‫جين أحسن من ميثل ذلك على الصعيدين املذكورين‪.‬‬
‫ومل تقف مشاركة اللغويني يف بلورة املسائل البالغية عند هذا احلد نظراً الرتباطها الوثيق بالنحو فخاضوا يف‬
‫دالالت الرتاكيب‪ ،‬وقد وقفوا يف ذلك على مجلة من القوانني اهلامة‪ ،‬فكانوا أول من تفطن إىل تعدد عناصر‬
‫الداللة ونيابة بعضها عن بعض‪ ،‬وأول ما تبلور على أيديهم تبع ًا لذلك مصطلح السياق‪.‬‬
‫احلاجة إىل التعلم والتعليم‪:‬‬ ‫‪. 4‬‬
‫برزت نظراً لتطور اجملتمع العربي اإلسالمي‪ ،‬ومرد ذلك استقرار العرب باملدن الكربى‪ ،‬ودخول أقوام من‬
‫حضارات أخرى ومتكينهم من املناصب املرموقة‪ ،‬وقد أدى كل ذلك إىل ظهور فئة املؤدبني أو املعلمني وميكن‬
‫أن نقسمهم إىل ثالث طوائف‪:‬‬
‫أ‪ -‬طائفة يرتبط ظهورها بالدولة األموية كانت تقوم على تربية أوالد اخلاصة تعلمهم الشعر العربي وأيام‬
‫العرب‬
‫ب‪ -‬أما الطائفة الثانية فهي شديدة الصلة ببيئة املتكلمني واملعتزلة فهم يعتربون تعلم البالغة غاية يف حد‬
‫ذاته متكنهم من أداة ناجعة يظهرون بها على خصومهم يف املناظرات واجملادالت‬
‫ت‪ -‬وكانت الطائفة الثالثة تقوم على تأديب الكتاب امللحقني يف مؤسسات الدولة بديوان الرسائل‬
‫والكتابة‪ ،‬وقد تبلورت هذه الطبقة واشتد أمرها مع تكوين الدواوين اإلسالمية على عهد عمر ابن‬
‫اخلطاب وبلغت الذروة يف العهد العباسي‪ ،‬وقد اشتهر من بني هؤالء مجاعة اقرتن امسها بالنثر العربي‪،‬‬
‫وقد شهد هلم بتمكنهم من البالغة وفصل اخلطاب‪ ،‬ويأتي على رأسهم عبداحلميد بن حييى‪ ،‬وقد‬
‫تكون دقة هذه الصناعة اللسانية ــ صناعة الكتابة ــ سبباً يف ظهور نهج يف التأليف منذ وقت مبكر‪.‬‬
‫لذلك ميكن أن نعترب أن هذا النوع من التأليف أعان على بلورة التفكري البالغي عند العرب يف نطاق‬
‫اهتمامه بتعليم فن الرتسل وذلك بطريقتني‪:‬‬
‫• اخلوض ف يما هو مشرتك بني خمتلف فنون القول اليت تستعمل فيها اللغة استعماالً فنياً واعياً‬
‫يرتبط مبقاصد اخلطاب‪.‬‬
‫• إبراز ما جيوز يف فن وال جيوز يف آخر‬
‫لذلك نستطيع القول أن احلاجة للتعليم كانت حافزاً من احلوافز اهلامة‪ ،‬دفع العرب يف نطاق االهتمام بلغتهم‬
‫إىل تقصي الوسائل واألساليب اليت متيز البعد اإلنشائي يف اللغة وجتعل له على النفوس سلطاناً‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫املؤثرات األجنبية‪:‬‬ ‫‪. 5‬‬


‫حيتل موضوع تأثر البالغة العربية بالرتاث األجنيب مكانة هامة يف الدراسات املعاصرة‪ ،‬فمنذ نهاية الثلث األول‬
‫من هذا القرن أشار بعض الباحثني إىل وجود عناصر غري عربية يف موروثنا البالغي والنقدي ولقد قامت هذه‬
‫الدراسات على أسباب وسلكت مناهج وانتهت إىل نتائج وتفصيل ذلك فيما يلي‪:‬‬
‫األسباب اليت أدت إىل إثارة هذه القضية‪:‬‬ ‫أ‪.‬‬
‫ميكننا أن جنمع هذه األسباب يف حمورين رئيسيني‬
‫• حمور تارخيي حضاري‪ ،‬اندماج احلضارة العربية مع احلضارات األخرى عن طريق اختالط‬
‫البيئات وترمجة الكتب (كتاب اخلطابة وكتاب الشعر ألرسطو) حيث اعتنى الفالسفة‬
‫بهذين الكتابني اعتناءً فائقاً‪ ،‬حيث كانا مرتمجني يف فرتة شهدت بوادر التأليف املستقل‬
‫يف فن البالغة مع كتاب البديع لعبداهلل بن املعتز‪ ،‬ونقد الشعر لقدامة بن جعفر‬
‫• حمور نسميه (نصي) ونعين به مجلة اإلشارات واألدلة املستخلصة من مصادر البالغة العربية‬
‫نفسها ‪ ،‬فاجلاحظ أشار أكثر من مرة إىل مصادر أجنبية‪ ،‬ففي كتاب احليوان يشري إىل‬
‫كتب أرسطاطاليس وأفالطون وبطليموس ودميقراس‪ ،‬ويف نطاق إبرازه أهمية الوزن يف‬
‫الشعر يشري إىل تراث ثالث أمم‪ :‬اهلند والفرس واليونان‪ ،‬كما أشار إىل كتاب املنطق‪،‬‬
‫وذكر من اليونانيني ديسيموس‪ ،‬وهو يذكر كلما سنحت الفرصة خصائص بعض اللغات‬
‫األخرى‪ ،‬وتعترب الصحيفة اهلندية من أبرز هذه السياقات ومن أوضحها داللة على امتزاج‬
‫الثقافة العربية بثقافات أجنبية واستفادت البالغة يف أطوارها األوىل من موروث احلضارات‬
‫األخرى وميكن أن نضبط أهم مواضيع هذه الصحيفة يف احملاور التالية‪:‬‬
‫‪ o‬اخلصال اليت جيب أن تتوفر يف اخلطيب واهليئة اليت يتحتم عليه أن يربز عليها أمام‬
‫الناس‪.‬‬
‫‪ o‬ضرورة مراعات منزلة خماطبيه وطبقاتهم وذلك باختيار املستوى اللغوي املناسب‪،‬‬
‫واقتصاره يف فنه على احلكماء والفالسفة وأهل البالغة‪.‬‬
‫‪ o‬ضرورة التضلع من العلوم األخرى‬
‫‪ o‬مجلة من املقاييس تتعلق بصفات اللفظ وعالقة ذلك باملعنى‪.‬‬
‫‪ o‬قدرته على بناء خطبته بناءً حمكماً‬
‫‪ o‬التهيب من موقف اخلطابة والرجوع مرة أخرى إىل صفات اللفظ ثم تُختم الرسالة‬
‫باإلحلاح على مراعاة مسألة املقام‪.‬‬
‫وقد جاءت قبل هذه الصحيفة مجلة من حدود البالغة منسوبة إىل الفرس واليونان والروم‬
‫واهلند‪.‬‬
‫فكيف حصلت للجاحظ هذه املعلومات الدقيقة عن أرسطو وغريه؟‬

‫‪99‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫وإبراهيم ابن املدبر وهو معاصر للجاحظ أشار إىل أرسطو مرتني يف مواضيع حساسة‬
‫وطريفة يف البالغة العربية مع سكوته عن املصدر الذي استقى منه تلك املعلومات‪ ،‬اما‬
‫اإلشارة الثانية فهي إيراده تعريفاً للبالغة منسوباً إىل أرسطو وهو قوله‪" :‬البالغة حسن‬
‫االستعارة"‪.‬‬
‫أما قدامة بن جعفر فقد اعترب مُ َؤلَفُه "نقد الشعر" أول جتسيم للمؤثرات األجنبية يف النقد‬
‫العربي‪ ،‬فقد ذكر فالسفة اليونان إمجاالً عند مناقشة قضية الغلو (الصدق والكذب) يف‬
‫الشعر‪ ،‬أما اإلشارة الثانية فقد وردت يف كتاب قدامة يف القسم املخصص للمعاني‪ ،‬فذكر‬
‫كتاب "أخالق النفس جلالينوس"‪.‬‬
‫أما إسحاق بن إبراهيم بن وهب صاحب كتاب "الربهان يف وجوه البيان"‪ ،‬فإنه أطنب نسبياً‪،‬‬
‫يف اإلشارة إىل اليونان خاصة أرسطو‪ ،‬حيث ذكره يف باب االخرتاع حيث استند إىل موقف‬
‫أرسطو نفسه‪ ،‬ويف استعراضه ألنواع االستدالل يناقش قضية احلجة الشعرية أمقنعة هي أم‬
‫ال؟ حييل على كتاب اجلدل ألرسطو‪ ،‬أما قضية الصدق والكذب يف الشعر فجذورها‬
‫اليونانية هنا أوضح منها عند قدامة‪ ،‬وقد عد أرسطوطاليس واقليدس من أصحاب اإلجياز‬
‫واالختصار وجالينوس ويوحنا النحوي من أصحاب الشروح واإلطالة‪.‬‬
‫واملنهج الذي سلكته كل األحباث اليت اطلعنا عليها تارخيي مقارن يشمل كل أطوار البالغة ولعل من املفيد‬
‫قبل استعراض أوجه التأثر اليت وقعت اإلشارة إليها أن نذكر بعض اخلصائص العامة اليت بدت لنا مشرتكة‬
‫بني هذه األحباث‪:‬‬
‫أنها تكاد حتصر البحث يف الرتاث اليوناني وتكتفي باإلشارة العابرة بالنسبة إىل الثقافات‬ ‫‪. 1‬‬
‫األخرى‬
‫نتيجة لذلك اعتربت احلضارة اليونانية منطلق احلضارات بعدها يف الفلسفة والعلم والفن‬ ‫‪. 2‬‬
‫تصدر هذه األحباث عن تأويل خاص حلركة املد احلضاري فهو عندها مسار خطي خيرج فيه‬ ‫‪. 3‬‬
‫الالحق من السابق‬
‫التحرك من منطلق قومي مزدوج متناقض‪.‬‬ ‫‪. 4‬‬
‫واعترب بعضهم اآلخر أن كثرياً من القوانني واملبادئ اليت ترتكز على نظرية اخلطاب عند البالغيني أجنبية‬
‫ميكن ردها إىل السوفسطائيني وإىل طريق سقراط يف توليد املعاني‪ ،‬كما ربطوا تفطن العرب على الفرق بني‬
‫خصائص اللغة يف اخلطاب العادي وخصائصها يف اخلطاب األدبي بنظرية أرسطو يف الفن األدبي عامة‪ ،‬وسبق‬
‫أن ذُكر رأي الباحثني يف تأثر اجلاحظ بأرسطو‪ ،‬إال أن اهتمامهم قد انصب على قدامة أبن جعفر واسحاق بن‬
‫وهب‪ ،‬وبدرجة أقل عبدالقاهر اجلرجاني‪ ،‬وذهب بعض الباحثني إىل أن التأثر عند قدامة يصل أحياناً إىل‬
‫مرحلة النقل احلريف أو يكاد‪ ،‬فلم تسلم من هذا التأثري املفاهيم واملصطلحات البالغية اليت يستعملها‪ ،‬أما ابن‬
‫وهب فاإلضافة إىل ما سبق ذكره من تأثره بالثقافة اليونانية فقد تأثر مبنهج التأليف إذ ترتيب األقسام عنده‬

‫‪100‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫كما ورد يف اخلطابة‪ ،‬وقد كان عبدالقاهر نقطة االستفهام الكربى يف قضية التأثر‪ ،‬فهو على ما ذكر من‬
‫مصادر عربية ال يشري إىل تراث أجنيب يف مؤلفاته‪ ،‬ولكثرة االهتمام ببالغته ونقده تعددت اآلراء وأحنصر‬
‫جمملها بني طريف نقيض‪ ،‬طرف يؤكد على تأثره باليونان تأثراً عميقاً‪ ،‬وطرف يقف يف ريبة من األمر مؤسساً‬
‫موقفه على ثقة تامة يف أخالق الرجل العلمية إذ ال يرى موجباً لسكوته عن اليونان يف حني أنه ذكر مصادره‬
‫األخرى وتبعاً لذلك نفى أصحابه حتى التأثر غري املباشر مؤكدين أنه مل ينتفع مبؤلفات ابن سينا‪ ،‬أما بقية‬
‫املوا قف فمحرتزة متحرجة جتنح إىل التوسط بني الطرفني يف الغالب وحتصر القضية يف جزئيات العلم ال‬
‫كلياته‪..‬‬
‫فهذه مجلة من احلجج واملواقف اليت تدل داللة قاطعة على أن البيئة اليت ترعرعت يف رحابها البالغة العربية مل‬
‫تكن خلواً من تيارات أجنبية‪ ،‬كان علماء البيان على علم بها ويكفي دليالً أنه أثبتوا الكثري منها يف‬
‫مؤلفاتهم‪ ،‬إال أن هناك بعض االحرتازات والتساؤالت على املنهج التارخيي وهي‪:‬‬
‫هل كان الناقد العربي يف حاجة إىل قادح أجنيب يفطنه إىل الفرق بني خصائص لغة االستعمال العادي ولغة‬
‫األدب؟‬
‫هل كان اجلاحظ يف حاجة إىل كتب أرسطو ليهتدي إىل ما اهتدى إليه يف فرق م بني الفصيح واألعجم؟‬
‫هل ثبت أن نظرية قدامة يف الغلو من أصل يوناني؟‬
‫إذن ال جدال يف أن البيئة العربية كانت ذات صلة بتيارات أجنبية خمتلفة استفادت منها بوجه من الوجوه‪،‬‬
‫والشك أن االستفادة ختتلف من عصر إىل عصر وتتبلور إىل أشخاص دون أشخاص‪ ،‬ولكننا ال نستطيع أن‬
‫نقدر مدى عمق التأثري يف النظرية األدبية عند العرب إال بتحديد مقومات تلك النظرية وضبط مراحلها الكربى‬
‫وتطوراتها‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬املادة البالغية‪:‬‬
‫تبني مما سبق أنه مل تصل عن هذه الفرتة مؤلفات صرحية االنتساب إىل البحث البالغي ورُجح أن بعض املؤلفات‬
‫كـ "جماز القرآن" لقطرب‪ ،‬وكتاب الفصاحة للسجستاني‪ ،‬كتب أدب ال كتب حتليل وتعليل ملسائل البالغة‪،‬‬
‫إال أن كتاب أبي عبيدة "جماز القرآن" يعترب من بني ما وصلنا املصدر الوحيد الذي يرتبط عنوانه مبوضوع‬
‫التفكري البالغي‪ ،‬وقد اعتربه بعض القدماء كتاب تفسري‪ ،‬وعده بعض احملدثون أنه كتاب لغة‪ ،‬وإذا تتبعنا‬
‫املصادر اليت ذكرت هذا الكتاب وجدنا الداعي إىل تأليفه بقوي الظن بأن مضمونه بالغي صرف‪ ،‬حيث‬
‫كان تأليف هذا لكتاب نتيجة سؤال سُئله أبا عبيده عن قوله تعاىل‪( :‬طلعها كأنه رؤوس الشياطني)‪ ،‬فالظرف‬
‫احلاف بالتأليف من شأنه أن يهيئ الكتاب ألن يكون من أول املباحث العربية يف قضية الصورة الفنية‪ ،‬إال أن‬
‫يف رد أبي عبيده ما يشري إىل أن التأليف سيأخذ وجهة أخرى قوامها التقريب ينب ما جاء يف القرآن من طرق‬
‫التعبري ومسالك يف القول‪ ،‬وبني ما اشتهر عن العرب يف استعماهلا لغتها‪ ،‬ويتأكد ذلك يف مقدمة املؤلف حيث‬
‫حشد ضروباً من اجملاز استقاها من القرآن من مواطن متفرقة‪" ،‬فمجاز القرآن" يكاد خيلو من الصور الفنية‬
‫إال بعض اإلشارات املتفرقة إىل التشبيه‪ ،‬والصورة الوحيدة املتبلورة أكثر من غريها هي الصورة املركبة‪ ،‬وال‬

‫‪101‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫نبالغ إن قلنا أن ابن قتيبة كان من أكرب املستفيدين من هذا اجملهود خاصة يف كتابه "تأويل مشكل القرأن"‪،‬‬
‫وميكننا إدراج "جماز القرآن" ضمن زمرة املؤلفات اليت تتحرك من منطلق عقائدي تدافع عن القرآن‪ ،‬فـ "جماز‬
‫القرآن" على أهمية موضوعه ومنهجه مل حيوي من املعطيات البالغية أكثر مما حوت كتب اللغة األخرى وهي‬
‫مسائل تتعلق بالرتكيب ال مبا يطرأ على معنى الكلمات من تغيري وتبديل‪ ،‬فكان مصطلح اجملاز مستعمالً يف‬
‫غري معناه االصطالحي الذي سيتبلور مع اجلاحظ‪ ،‬وتكاد دراسة األساليب ال تتجاوز جمرد الوصف‪ ،‬ويعزى‬
‫ذلك إىل ضعف املباحث البالغية يف ذلك الطور‪ ،‬واملنهج الذي اختاره املؤلف وما علق به من مقاصد كما قد‬
‫يُعزى إىل نظرية املؤلف يف اللغة واالستعمال‪.‬‬
‫يتضح من ذلك أن مصادرنا غري مباشرة‪ ،‬وهي قسمان كبريان‪:‬‬
‫قسم ينتمي إىل هذا الطور إال أن اهتمامه بالبالغة هامشي مندرج يف نطاق مشاغل اللغويني والنحاة‪ ،‬ويأتي على‬
‫رأس هذا القسم "الكتاب" لسيبويه‪ ،‬و "معاني القرآن" للفراء‪ ،‬و "جماز القرآن ألبي عبيدة‪.‬‬
‫وقسم يف البالغة والنقد إال انه من عصور متأخرة‪.‬‬
‫‪ . 1‬القوانني واملبادئ العامة‪:‬‬
‫أهم هذه املبادئ وأكثرها تبلوراً على مستوى املنهج واملصطلح ما ورد عند اللغويني‪ ،‬وقد متخضت تلك‬
‫اجملهودات عن مفهوم نظري غاية يف األهمية واالكتناز هو أساس العمل البالغي وركيزته‪ ،‬هو مفهوم "التوسع"‬
‫وقد احتل من مؤلفاتهم‪ ،‬املركز الذي تدور يف فلكه بقية املبادئ األخرى‪ ،‬فاملصطلح متعدد الداللة‪ ،‬يستقطب‬
‫مجلة من الطرق يف القول‪ ،‬يوحد بينها خروجها عن األصول النظرية اليت تؤسس عملية تأليف الكالم ويدل به‬
‫على ممارسات تراعي إرادة املتكلم وقصده أكثر من البنية العقلية اجملردة اليت استخرجها النحاة‪ ،‬وإن آخر‬
‫ما نبني به عن نزعتهم الشمولية يف توظيف هذا املصطلح تقديرهم الكمي النتشاره يف اللغة إىل حدٍ يستحيل‬
‫معه اإلحصاء‪ ،‬واستقراء اللغويني جلملة املظاهر اليت محلوها على التوسع‪ ،‬أدى بهم إىل استنتاج أنه ليس حرية‬
‫مطلقة يتصرف مبقتضاها املتكلم يف اللغة إذ البد من البقاء يف حدود ما تسمح به‪ ،‬فضبطوا جموزات التوسع‬
‫وموانعه‪ ،‬ويتصدر قائمة اجملوزات "علم املخاطب" و "داللة السياق" ولغة النص وهيئتها‪ ،‬فعلم املخاطب هو سبب‬
‫السعة‪ ،‬واإلجياز‪ ،‬واإلضمار‪ ،‬واالستغناء‪ :‬وهي مسالك يف القول خيرج فيها الكالم على غري مقتضى الظاهر‪،‬‬
‫وتصرف يف البناء اللغوي مع بلوغ املعنى املراد‪ .‬وأمشل من علم املخاطب داللة السياق عامة إذ تعوض هذه‬
‫الوحدات اللغوية‪ ،‬مامل خنف االلتباس‪ ،‬وقد يأتي جواز التوسع من النص ذاته‪ .‬فاللغة املاثلة فيه تصبح حبكم‬
‫النسق العالقي املقام بني عناصرها وجميئها على هيئة من الرتكيب معينة‪ ،‬مؤشراً حييلنا على العناصر الغائبة‬
‫ويدلنا عليها‪ ،‬وبذلك حيمل النص دافع تأويله الزدواج وظيفة مكوناته‪ ،‬فالتوسع هو اإلطار الكبري الذي تدور‬
‫يف فلكه كل عمليات التوليد يف اللغة ومنها اجملاز‪.‬‬
‫‪ . 2‬املفهوم واملصطلح واحلد‪:‬‬

‫‪102‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫يعترب هذا الثالوث من أهو املؤشرات اليت نتبني بها ما وصل إليه العلم من نضج ومتكن‪ ،‬فمن القضايا ما قد‬
‫فاز باملصطلح املناسب واحلد الفاصل‪ ،‬ومنها ماال دليل على وجوده من الناحيتني مجيعاً ومنها ما ال يزال‬
‫متقلقالً‪ ،‬واملادة البالغية الراجعة إىل هذه الفرتة ال خترج يف اجلملة عن هذا اإلطار العام‪.‬‬
‫وقد اتضح أن عدداً كبرياً من تعريفات البالغة‪ 1‬ال حتقق شروط احلد إن أخذناه يف املعنى املنطقي‬
‫االصطالحي‪ ،‬وقد وقعت جل التعريفات يف القرن الثاني والنصف األول من القرن الثالث‪ ،‬وأصحابها ينتمون‬
‫إىل بيئات ثقافية خمتلفة‪ ،‬وهو ما يؤكد القول أن البالغة نشأت من روافد فكرية وأدبية متعددة‪ ،‬وميكن أن‬
‫نوزع مجلة التعريفات على ثالثة أقسام‪:‬‬
‫قسم تنحصر فيه وظيفتها يف مؤدى الكلمة اللغوي من إبانة وإفصاح وبيان‪ ،‬ويرتبط موضوعها باحلكمة‪.‬‬
‫وقسم يركز على مقاصد البالغة العقائدية ويوظفها لغايات جدلية إقناعية تبعا حلجات املتكلم من خطابه‪.‬‬
‫وقسم مكرس إلبراز املقاييس األسلوبية يف النص األدبي يف مستوى بنيته الكلية‪.‬‬
‫وقد أشاروا إىل ما جيب جتنبه واحنصر ذلك يف اللفظ ال يضيف شيئاً على املعنى‪ ،‬كما أشاروا إىل ضرورة‬
‫مراعاة املوضع واحل ال‪ ،‬ولعل قمة بالغة النص أن يكتفي بذاته ال حاجة به إىل موجودات من خارجه تعني على‬
‫فهمه‪.‬‬
‫‪ . 3‬املسائل البالغية املتعلقة بالرتاكيب واملعاني‪:‬‬
‫إن املصدر املستقى منه املعلمات هلذا الباب هو كتب اللغويني والنحاة‪ ،‬لقد درسوا احلذف بكثري من التفصيل‬
‫فاهتدوا من خالله إىل جل تلك املبادئ ووقفوا على وجوه بالغية‪ ،‬وقد قادهم االهتمام باحلذف إىل مناقشة‬
‫قضايا من عوارض القول كاإلجياز واإلطناب والتكرار‪ ،‬فللخليل رأي مشهور يربط فيه خصائص الكالم‬
‫املتناقضة بغايات متباينة‪ ،‬ثم يربط النهج يف القول بالغرض‪ ،‬كما نظروا يف صور التكرار املختلفة‪ :‬بإعادة‬
‫اللفظ واملعنى‪ ،‬وإعادة املعنى فقط‪ ،‬وإعادة اللفظ دون املعنى‪ ،‬ويعترب درسهم "االستفهام"‪ ،‬أدوات ومعاني‪ ،‬من‬
‫أبرز املسائل األسلوبية اليت وصلتنا عن هذه الفرتة‪ ،‬كما اهتموا بدراسة طريقة العرب يف استعمال لغتها‬
‫كجمعها بني املختلف لفظاً واملتفق معنى‪ ،‬وأمرها الواحد مبا تأمر به اإلثنني ‪ ..‬وغريها‪ ،‬وقد اهتدوا يف التقديم‬
‫والتأخري إىل معنى بالغي هام أساسه عناية املتكلم باملقدم ولفت النظر إليه وتنبيه املخاطب وتأكيد الكالم‪،.‬‬
‫ومن املفاهيم املتبلورة النوع الذي أطلق عليه املتأخرون اجملاز العقلي أو اجملاز احلكمي‪ ،‬فقد أدرجوه ضمن‬
‫مبدأ التوسع كذلك ميكن أن ندرج يف هذا الباب مبحث الفصل والوصل‪ ،‬ولقد اهتم اللغويون يف عدة مواطن‬
‫بقضية تأليف العبارة‪ ،‬ويظهر من ذلك البذور السحيقة لنظرية النظم‪ ،‬ومن مظاهر اهتمامهم بتأليف العبارة‬
‫حديثهم املستفيض عن حروف اجلر‪.‬‬
‫‪ . 4‬الوجوه املتعلقة بداللة األلفاظ‪:‬‬
‫مل يقتصر جهد اللغويني والنحاة على رصد القضايا املتعلقة بالرتاكيب‪ ،‬بل أشاروا أثناء ذلك إىل مسائل تهم‬
‫التوليد اللغوي وسبل الداللة‪ ،‬وأقدم ما وصلنا يف التشبيه ما جاء يف كتاب سيبويه‪ ،‬وهو ال يعدو اإلشارة العجلى‬

‫‪ 1‬يرجع للتعريفات يف كتاب التفكري البالغي عند العرب أسسه وتطوره إىل القرن اسادس ص‪110‬‬
‫‪103‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫إىل األسلوب وبعض أدواته جمرد ًا من كل تعمق يف وظيفته متلبساً بقضايا اإلعراب‪ ،‬حيث ذكر طريقتني من‬
‫طرق التشبيه الرئيسية هما التشبيه باألداة والتشبيه املعتمد على البدل أو املصدر املنصوب‪ ،‬واطلق على ذلك‬
‫مصطلح "املشبه به" وهو يقصد طريقة التشبيه ووسيلته‪ ،‬وورود التشبيه يف قضايا إعرابية شيء مألوف يف‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫وتعترب مسا همة أبي عبيدة يف مسألة التشبيه أهم ما وصلنا عن هذه الفرتة‪ ،‬فحديثه عن طريف التشبيه ووجه‬
‫الشبه واضح جلي يف عدة مواطن‪ ،‬وكثرياً ما يتجاوز هذه األطراف ويعلق على املعنى الذي أراده الشاعر من‬
‫هذا الوجه؛ أي الوقوف على املعنى الكامن وراء التشبيه‪ ،‬وقد تعرض أيضا إىل ما سيعرف‪ ،‬فيما بعد‪ ،‬بالتشبيه‬
‫املقيد بالصفة‪ ،‬أو تشبيه التمثيل الذي يقوم على التقريب بني صورتني‪ ،‬فباإلضافة إىل السياق الذي استخرجناه‬
‫من «جماز القرآن» و هو ال يدع جماال للشك يف تبلور التمثيل عند أبي عبيدة مفهوما و مصطلحا جند سياقات‬
‫أخرى تؤكد ذلك‪ ،‬فقد علق على بيت الفرزدق (كامل) ‪:‬‬
‫جرب اجلمال بها الكحيل املشعل‬ ‫ميشون يف حلق احلديد كما مشت‬
‫بقوله ‪ « :‬الكحيل القطران ‪ ،‬وحلق احلديد الدروع شبه الرجال لعظمهم ولون احلديد عليهم باجلمال املدهونة‬
‫بالقطران » واحلاصل أن دراسة التشبيه يف هذه الفرتة تعد متطورة نسبيا فلقد وقعت اإلشارة إىل عناصر‬
‫التشبيه األساسية ‪ :‬املشبه واملشبه به ووجه الشبه وإن مل يعلقوا كل مفهوم باملصطلح املناسب له ‪ ،‬كما أشاروا‬
‫إىل أهم طرقه كالتشبيه باألداة ‪ ،‬واملصدر املنصوب ‪ ،‬وفرقوا بني نوعيه ‪ :‬التشبيه البسيط و تشبيه التمثيل ‪،‬‬
‫واهتموا ‪ ،‬يف درجة أقل ‪ ،‬باملعنى احلاصل منه إال أن ذلك مل يرد يف نطاق حبث منظم ودرس مستقل يتعمق‬
‫القضايا وحيللها باحثا عن األبعاد الفنية اليت تتضمنها هذه الطريقة يف األداء‪.‬‬
‫وال غرابة أن يكون التشبيه من أكثر الصور الفنية حظوة لدى املتقدمني واملتأخرين أيضا‪ ،‬فالشعر العربي‬
‫القديم يعج به‪ ،‬وهو عند النقاد والعلماء بالشعر من مقاييس اجلودة الرئيسية‪ ،‬ومل يكن الشعراء أنفسهم‬
‫يشذون عن هذا فقد « قيل لبشار‪ :‬مب فقت أهل عمرك وسبقت أبناء عصرك يف حسن معاني الشعر وتهذيب‬
‫ألفاظه ؛ قال ‪ :‬ألني مل أقبل كل ما تورده على قرحييت ويناجيين به طبعي ويبعثه فكري ونظرت إىل مغارس‬
‫الفطن و معادن احلقائق و لطائف التشبيهات فسرت إليها بفكر جيد‪.‬‬
‫ومن املباحث اليت تقوم على عالقة الشبه وجند له صدى يف مؤلفات هذه الفرتة "االستعارة" إال أنها أقل تبلوراً‬
‫من التشبيه‪ ،‬إال أننا جند يف مؤلفات هذه الفرتة كثرياً من السياقات القرآنية واألدبية يدل حتليلهم هلا وخترجيهم‬
‫ملسائلها على أن االستعارة‪ ،‬كمتصور مل تكن غريبة عن أصحابها وقد أدرجوها ضمن اصطالحات عامة هي‬
‫اجملاز تارة واالتساع تارة أخرى‪ ،‬إال أن االستعارة مل تتبلور كصورة فنية صياغةً ووظيف ًة إال يف وقت متأخر‪.‬‬
‫أما الكناية فقد تواتر استعماهلا يف معان شيت ميكن حصرها يف احملاور اآلتية‪:‬‬
‫أ‪ -‬فهم يستعملونها يف املعنى اللغوي الصرف ومؤداه « الصيانة » و «اإلخفاء »‬
‫ب‪ -‬كما ورد استعماهلا بكثرة مبعنى « الضمري » يف املفهوم النحوي أي كل ما نستعيض به عن االسم‬
‫الظاهر‬

‫‪104‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫ت‪ -‬واستعملت مبعنى الدليل أو العالمة وما نشري به إىل الشيء‬


‫ث‪ -‬أخريا جندها مستعملة يف املعنى البالغي االصطالحي باإلشارة إىل األسلوب‬
‫باإلضافة إىل هذه الوجوه البالغية األساسية نقلت الكتب املتأخرة عن علماء هذه الفرتة بعض احلدود مما‬
‫صنفوه يف باب البديع‪.‬‬

‫خامتة القسم األول‪:‬‬


‫أن العوامل اليت ساهمت بصورة مباشرة و فعالة يف بروز هذا املشغل عوامل داخلية‪ ،‬شديدة‬ ‫‪. 1‬‬
‫االتصال ببنية اجملتمع العربي‪ ،‬فإن الباحث يكاد جيزم بأنه ال أثر ثابت لذلك يف هذه الفرتة‪.‬‬
‫أن احلدث القرآني وحركة مجع اللغة وتقعيدها أكثر العوامل التصاقا بهذه النشأة ونتيجة‬ ‫‪. 2‬‬
‫لذلك امتاز نشاط بيئتني ثقافيتني يف تاريخ البالغة‪ :‬بيئة اللغويني والنحاة‪ ،‬وبيئة املتكلمني خاصة‬
‫املعتزلة‬
‫كان من نتائج انصباب البحث البالغي على القرآن والشعر أن اجتهت البالغة واخلطابة عند‬ ‫‪. 3‬‬
‫العرب وجهة ختتلف متاماً عما هي عليه عند أقوام آخرين كاليونان والرومان‪ ،‬فلم توظف أساساً‬
‫لإلقناع‪ ،‬بل لدراسة خصائص الكالم األدبي‪ ،‬ومن هنا جاء التحامها بالنقد‪.‬‬
‫رغم انعدام الوثائق املباشرة املخصصة للبالغة اجتمعت لنا مادة غزيرة نسبياً موزعة على عدة‬ ‫‪. 4‬‬
‫جوانب بالغية‪ ،‬وال تنحصر اإلشارات البالغية يف املصادر اليت تتخذ النص اللغوي مادة حبثها‪.‬‬
‫هناك عدم تناسب بني التطور الزمين وتبلور املادة‪.‬‬ ‫‪. 5‬‬
‫وب اجلملة فالنشاط البالغي يف هذه الفرتة‪ ،‬على أهميته يبدو متشتتاً جزئياً ال ينبثق يف األغلب عن تفكري مطرد‬
‫يف مجاليات النص األدبي إال أنه مادة خام أساسية تنتظر من جيمعها‪.‬‬
‫❖ احلدث اجلاحظي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬خصائص املادة البالغية يف مؤلفاته‬
‫إن املهتمني بالرتاث البالغي جممعون على أنه منشئ البالغة العربية‪ ،‬وأول من أرسى قواعدها‪ ،‬ومع ذلك ال‬
‫نكاد نظفر مبؤلف مستقل يتناول هذا اجلانب‪ ،‬وقد عاش اجلاحظ فرتة عرفت عدداً من التحوالت احلامسة‬
‫يف تاريخ احلضارة العربية اإلسالمية‪ ،‬وقد احتل التنويه بالكتاب وإبراز فضله قسماً هاماً من مؤلفه املوسوم بـ‬
‫"احليوان"‪ ،‬فمن آراءه البارزة يف هذا الصدد اعتباره اللفظ ومنوذجه األمسى الشعر‪ ،‬طريق غري ناجحة لصيانة‬
‫الثقافة وختليد املآثر ملا يصيب الذاكرة من آفات النسيان فيبطل أكثر العلم‪ ،‬وملا يعرض النصوص من حتريف‬
‫وتبديل‪ ،‬فلوال الكتب املدونة لبطل أكثر العلم‪.‬‬
‫وال مناص هنا من إثارة مسألة التأثر بالفكر األجنيب‪ ،‬حيث أطنب اجلاحظ وهو يتكلم عن الكتاب يف ذكر‬
‫الرتاث األجنيب خاصة اليوناني‪ ،‬ويغلب على الظن أن اطالع العرب عليه كان مبثابة القادح الذي مكن اجلاحظ‬

‫‪105‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫من صياغة تصوره ذلك صياغة نظرية توج بها جمهوده العملي‪ ،‬فاالطالع على هذه احلضارات دفع املؤلف إىل‬
‫املقارنة تضميناً وتصرحياً ‪ ،‬فعن هذا التصور نتجت أهم خصائص التأليف عند اجلاحظ ويف صدارتها ذلك‬
‫السعي اجلاد املضين إىل جتميع أشتات النصوص وتقييد شوارد املعرفة العربية اإلسالمية‪ ،‬فاتسمت مؤلفاته‬
‫بنزعة مشولية‪ ،‬ضربت يف كل ميدان بسهم‪ ،‬وأخذت من كل شيء بطرف‪ ،‬هلذا ميكن أن يُعترب احللقة األوىل‬
‫حلركة ما سُمي بالنزعة املوسوعية يف الفكر العربي‪ ،‬إال أن هذه النزعة مل ختضع ملنهجية واضحة وبناء‬
‫حمكم‪ ،‬ثم إن اجلاحظ على غزارة مادته مل خيص البحث البالغي بكتاب مستقل جيمع مسائله ويبوبها‬
‫واكتفى بإدراجه يف ثنايا مؤلفاته‪ ،‬فجاء يف صورة مالحظات وتعليقات متناثرة‪.‬‬
‫خصائص املادة البالغية يف مؤلفاته ‪ :‬لئن أمجع النقاد والدارسون على أن "البيان والتبيني" هو قطب التأليف‬
‫األدبي عند اجلاحظ‪ ،‬فإن الناظر يرى أن مؤلفاته األخرى ال ختلو من إشارات أدبية وحملات بالغية فتتنزل أثار‬
‫اجلاحظ يف ثالث مراتب‪:‬‬
‫جمموعة الرسائل والبخالء‪ :‬تبدو املادة البالغية فيها قليلة صعبة املنال إال أنها على قلتها مفيدة‬ ‫‪. 1‬‬
‫من عدة جوانب‪ :‬فهي مادة الميكن جتاهلها ملن يريد دراسة تفكري الرجل‪ ،‬فعلى صعيد بالغي صرف‬
‫وردت فيها نصوص تضبط األسس الفنية الواجبة مراعاتها يف تعليق اللفظ باملعنى‪ ،‬ومجلة من القوانني‬
‫تتحدد بها عالقته املعنى‪ ،‬كما تطرقت نصوص أخرى إىل طرق التعبري وأساليبه واإلمكانيات يف‬
‫تصريف املتكلم لقدرات اللغة مربزة أهمية اإلمياء واإلشارة والكناية‪ .‬كما أبرزت النصوص الوظيفة‬
‫وقد احتوى هذا القسم من‬ ‫الفنية واملعنوية لبعض الوجوه البالغية خاصة التشبيه‪.‬‬
‫املؤلفات زيادة على النماذج البالغية على قضايا نظرية ومواقف أدبية عامة اتصل معظمها بالشعر وما‬
‫تطرحه بنيته وممارسته من مشاكل‪ ،‬أما الشعر فلم يدخر اجلاحظ جهداً لالحتجاج على من قالوا‬
‫بتحرميه مبيناً تهافت احلجة النقلية املعتمدة‪ ،‬منتهياً أنه ال أصل لذلك يف كتاب وال سنة‪ ،‬كما أثريت‬
‫مسألة الصدق والكذب يف الشعر‪ ،‬وقد يقف القاريء من حنيٍ آلخر على فلتات نظرية ثاقبة يستشف‬
‫منها رأيه يف الفن والكتابة‪.‬‬
‫كتاب احليوان‪ :‬يعد هذا الكتاب مع "البيان والتبيني" أشهر مؤلفات اجلاحظ‪ ،‬وقد استطاع‬ ‫‪. 2‬‬
‫يف طيلة سبعة أجزاء أن يتحدث عن حياة احليوان وطبائعه وطرق عيشه وعجائب خلقه‪ ،‬وقد كان حظ‬
‫البحث البالغي واللغوي منه غري قليل‪ ،‬وإن جاء موزعاً على أصول معارفه وفروعها‪ ،‬غري مقصودٍ لذاته‪.‬‬
‫وألهمية هذه املادة وغزارتها يصبح "احليوان" مصدراً ضرورياً إلبراز دور اجلاحظ يف البالغة ومعرفة‬
‫أصول تفكريه األدبي واجلمالي‪ ،‬وتلك املادة تدور إمجا ًال حول ثالثة حماور رئيسية‪ :‬احملور األول‪ :‬يشتمل‬
‫على قضايا لغوية عامة عميقة الصلة مبقاييسه األسلوبية وآراءه البالغية والنقدية‪ ،‬احملور الثاني‪ :‬وهو‬
‫خمصص لنظريته يف الكالم أو اللغة منجزة‪ ،‬كما تعرض إىل دور البعد االجتماعي يف الفن والكتابة‪،‬‬
‫احملور الثالث‪ :‬ويضم خصائص اخلطاب ومجلة املقاييس األسلوبية والنقدية اليت جتعل الكالم بين ًا‬
‫بليغاً‪ ،‬وفيه أكد اجلاحظ على أهمية البنية يف األدب باعتبارها اخلاصية النوعية األساسية يف ممارسة‬
‫‪106‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫اللغة ممارسة فنية‪ ،‬كما اهتم باملظاهر العلية اليت جتعل اخلطاب األدبي خمرجاً غري خمرج العادة‪،‬‬
‫فتحدث عن الفصاحة والبيان‪ ،‬وأوىل الصورة الفنية وصنوف اجملازات عناية خاصة‪ ،‬فأفاض يف ذكر‬
‫التشبيه واالستعارة والبديع وخمتلف البالغات وقد أف ردها بأبواب ذات صبغة عملية جمردة يف الغالب‬
‫من البعد النظري‪ ،‬تعني على دراسة الصورة دراسة تارخيية انطالقاً من األمثلة اليت جيمعها حتت نفس‬
‫العنوان‪ ،‬وكثرياً ما تكون من عصور خمتلفة‪.‬‬
‫كتاب البيان والتبيني ‪ :‬وهو أهم مؤلفات اجلاحظ األدبية وأبعدها صيتاً‪ ،‬وأكثرها تداوالً بني‬ ‫‪. 3‬‬
‫النقاد والعلماء بالشعر‪ ،‬والناظر يف الكتاب يتبني الدوافع اليت تضافرت فأضفت عليه هذه‬
‫اخلصوصية‪ ،‬ويدرك أن املؤلف باإلضافة إىل املنحى األدبي والفين‪ ،‬يتحرك من منطلق عرقي ومذهيب‪،‬‬
‫ويسرتعي االنتباه يف مضمون البيان والتبيني أمران أساسيان هما‪ :‬تنوع املادة وتعدد مواردها‪ ،‬وعدم تقيد‬
‫صاحبها يف التأليف بينها مبنهج حمكم جينبه الفوضى والتداخل املالحظان فيهما‪ ،‬فيجانب النماذج‬
‫األدبية من خطب وأشعار وأسجاع ورسائل ووصايا آراء يف اللغة والبيان والبالغ‪ ،‬وقوانني بها تدرك فضل‬
‫نهج يف القول على نهج‪ ،‬وإىل هذا وذلك عينات من كالم بعض الطوائف االجتماعية كالقرويني‬
‫والبلديني واألقحاح واملولدين واجلماعات العلمية كالقصاص والنساك واملؤدبني‪ ،‬والنماذج البشرية‬
‫كالنوكى واحلمقى واملغفلني‪ ،‬وال رابط بني هذه املادة إال مكانتها يف البالغة واستغالل املؤلف هلا‬
‫ليبيان وجوه البيان‪ ،‬حتى لكأن الكتاب من بعض الوجوه‪ ،‬خمتارات أدبية تتخللها أحكام نقدية‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬مفهوم البيان عند اجلاحظ‪:‬‬
‫ال جيري مصلح البيان يف مؤلفات اجلاحظ على معنى واحد‪ ،‬فمفهوم البيان عنده يتدرج من العالمية مطلقاً إىل‬
‫العالمة اللغوية مبستوييها العادي واألدبي‪.‬‬
‫أنواع الدالالت على املعاني‪:‬‬ ‫‪. 1‬‬
‫ين بين املفهوم العام للبيان عند اجلاحظ على مجلة من املنطلقات الفلسفية والعقائدية حددت بدورها نظريته‬
‫اللغوية العامة‪ ،‬ومبتدأ تفكريه يتأسس على نظرة دينية رمزية تتنزل مبوجبها املخلوقات منزلة الدوال ملدلول‬
‫أمسى سرمدي يُهتدى إليه بالتعقل وتأويل الرمز وهو حكمة العامل والكون‪ ،‬وهذه األدلة ختتلف من جهة‬
‫اإلدراك لذلك انقسمت إىل قسمني‪ :‬قسم عاقل يهتدي بتلك امللكة إىل سر وجوده‪ ،‬وقسمٌ ال يُدرك كنه تلك‬
‫الداللة وال قدرة له على االستدالل ألن ملكته قاصرة عن ذلك فشارك القسم األول يف الداللة ونقص عنه‬
‫باالستدالل‪.‬‬
‫ثم يتدرج اجلاحظ من هذا التفكري العام اجملرد إىل تفكري اجتماعي يتحسس من خالله مقتضيات املنزلة‬
‫اإلنسانية ‪ ،‬فجاءت الدالالت أنواع ومراتب أما األنواع فمن جهة أن اإلنسان يبني عن مراده بوسائل شتى‪ ،‬وأما‬
‫املراتب فمرتبطة برأي اجلاحظ يف أقسام املخلوقات وافرتاقها يف مناهج الداللة‪ ،‬وقد ضبطت األنواع يف مخسة‪:‬‬
‫(اللفظ ــ اإلشارة ــ العقد ــ اخلط ــ احلال)‪ ،‬وجعل البيان على أربعة أقسام‪( :‬لفظ ــ خط ــ عقد ــ إشارة)‪ ،‬وجعل‬
‫بيان الدليل الذي ال يستدل متكينه املستدل من نفسه كل من فكر فيه إىل املعرفة ما استخزن من الربهان‬

‫‪107‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫وحُشيَ من الداللة وأُدِعَ من عج يب احلكمة‪ ،‬وذكر أن البيان جيب أن يتم بني األجناس املتشابهة بعالمات‬
‫ما هو للسمع ومنها ما هو للنظر‬ ‫يفهمون بها بعضهم عن بعض‪ ،‬وترتتب تبعاً لصلتها باحلواس‪ ،‬فمنها‬
‫ومنها املشرتك‪ ،‬كما ترتتب من ناحية أخرى ملا متلؤه من حيز مكاني وزماني‪ ،‬وتقيد اجلاحظ يف فهمه لألدلة‬
‫بالشكل واحلواس جعله يُنزل داللة احلال دون منزلة األنواع األخرى‪ ،‬ونستطيع أن نؤكد بناءً على ما سبق أن‬
‫هذا املعنى يهتم بالغايات ال بالوسائل ويتحدد بالوظيفة ال بالبنية أو الشكل مما جعله خلو من كل أبعاد فنية‬
‫وبالغية‪ ،‬الهم لصاحبه إال الوقوف على الوسائل اليت تضمن التواصل بني أفراد اجملموعة لقضاء احلاجات‬
‫وبلوغ املآرب‪.‬‬
‫من العالمة مطلق ًا إىل العالمة اللغوية‪:‬‬ ‫‪. 2‬‬
‫جند باإلضافة إىل املفهوم العام مفهوماً خاصاً يقرتن فيه البيان باللسان ويقتصر معناه على منط التعبري املستند‬
‫إىل العالمة اللغوية أداة للتبليغ وهو مراحل‪:‬‬
‫• مرحلة أوىل يقرتن فيها البيان باللغة بواسطة الرتكيب اإلضايف املبني للنوع‪.‬‬
‫• مرحلة ثانية يدل فيها املصطلح على قدرة اإلنسان على توظيف اللغة اجتماعياً لتحقيق التواصل بينه وبني‬
‫جنسه واإلبانة عن حاجته‪.‬‬
‫• مرحلة ثالثة تأتي فيها كلمة بيان يف جوار لغوي ذي طابع معياري تقييمي تصبح مبقتضاه وظيفة البيان‬
‫يف حاجة إىل مستوى لغوي تتوفر فيه خصائص نوعية خترجه عن جاري االستعمال إىل البالغة والفن‪،‬‬
‫إال أن تلك اخلصائص ليست صرحية‪ ،‬يستشفها القاريء من السياق اللغوي نفسه‪.‬‬
‫• مرحلة رابعة ينفصل فيها البيان بصريح العبارة عن املعنى العام وعن معنى التعبري باللغة جمردة من كل‬
‫قصد فين حني تنحصر وظيفتها يف جمرد اإلبالغ ليصبح صنو البالغة والفصاحة متعلقاً بعددها‬
‫اإلنشائي‪.‬‬
‫ومن أهم ما يلفت االنتباه يف داللة هذا املصطلح‪ ،‬االنتقال التدرجيي يف موقف اجلاحظ من التعلق بالغايات‬
‫واملقاصد من إقامة التواصل وحتقيق الفهم واإلفهام إىل الوعي بأهمية الوسائل ومسالك األداء‪ .‬فلئن كان البيان‬
‫يف املرحلتني األوىل والثانية الكشف عن املعنى من أي طريق كان‪ ،‬فهو الثالثة والسيما الرابعة كيفية يف بلوغ‬
‫تلك الغاية وهيأة خمصوصة يكون عليها اخلطاب‪.‬‬
‫وهلذا سيرتكز جهد صاحب البيان والتبيني على العلم بتلك الكيفيات واهليئات‪ ،‬وتفحص أشكال اخلطاب‬
‫وصوره‪ .‬فسطر للبالغة نهجاً وضبط حقل اهتمامها باعتبارها علماً بطرق القول وأفانني التعبري‪ ،‬وهلذه النظرة‬
‫آثار عميقة يف تفكري اجلاحظ البالغي وجل البالغيني العرب بعده متكنت فيه ثنائي اللفظ واملعنى ان تتصدر‬
‫قضايا العلم الكربى ‪ ،‬وقد وجدت األلفاظ سبيلها إىل املعاني وتعلقت بها وحتددت وظيفتها باكتشاف عامل‬
‫املعاني‪ ،‬لكن هل يف قدرة اللغة أن حتيط بكل املعاني وتأتي على مجيع مراتبها؟ جواب اجلاحظ أن املعاني‬
‫تفضل عن األمساء واحلاجات جتوز مقادير السمات وتفوت ذرع العالمات‪ ،‬والسبب يف رأي اجلاحظ اختالف‬
‫املعاني وتنزهلا يف مراتب وطبقات ال يتم ادراكها بنفس الصورة‪ ،‬فتتفاوت قدرتنا يف التعبري عنها‪ ،‬وأكثر‬

‫‪108‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫التصنيفات تواتراً استقاه اجلاحظ من بيئة املتكلمني خاصة املعتزلة‪ ،‬وقد استدل اجلاحظ على حاجة اللغة إىل‬
‫وسائل التعبري األخرى خاصة اإلشارة‪ ،‬فعامل املعاني عند صاحب "احليوان" معانٍ مفردة ومعانٍ مشرتكة وجهات‬
‫ملتبسة‪.‬‬
‫وواضح مما تقدم‪ ،‬أن املقصود باإلشارة وهي أهم أنواع الدالالت صلة باللغة‪ ،‬ما يبدو على مالمح املتكلم‬
‫وقسماته أو ما يقوم به من حركات تلمحها عني الناظر‪ ،‬واملتتبع لنصوص اجلاحظ يالحظ تطوراً يف مفهوم‬
‫اإلشارة من كونها نوعاً من أنواع الدالالت على املعاني إىل معنى آخر لصيق بنظريته البالغية واألدبية العامة‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬البيان باللغة‪:‬‬


‫‪ . 1‬فضل الكالم على الصمت‪:‬‬
‫يعترب اجلاحظ داللة اللغة أكمل أنواع الدالالت وأكثرها تعبرياً عن حاجات اإلنسان‪ ،‬ومن املسائل اليت‬
‫استأثرت بنصيب من جهده دارسة الثنائي التقابلي‪ :‬النطق‪/‬الصمت يف مواضع متفرقة من آثاره وتوسعه يف‬
‫االحتجاج لفضل األول على الثاني‪ ،‬حيث أطلق على من انتصر للصمت اسم "املعرتض على أصحاب البالغة‬
‫واخلطابة" وأطلق على الفريق املخالف هلم وهو رأسهم اسم "صاحب البالغة واخلطابة وأهل البيان وحب البيان"‪،‬‬
‫وقد ذهب يف الرد من خالفه مذاهب شتى ختدم موقفه الداعي إىل ضرورة أن يدلي العلماء برأيهم‪ ،‬وأول درجة‬
‫يف احتجاجه طعنه بقوة يف ما اعتمدوا عليه من روايات وأخبار‪ ،‬أما الدرجة الثانية فتنبين على معطيات تارخيية‪،‬‬
‫ويف هذا الصدد نلمح أن ه يهتم اهتماماً كبرياً بأسلوب احلجة وشكلها فتخرج يف بناء لغوي ناطق بالتناقض‬
‫فيحصل اإلقناع من شدة الوضوح واجلالء وتعجب القاريء واستمتاعه‪ ،‬وبقية احلجج عقلية حمض تكشف عن‬
‫قدرته الفائقة يف اجلدل واحملاجة وتبني عن مجلة من القناعات الفكرية والفلسفية لديه‪ ،‬لعل من أطرفها ربطه‬
‫بني العضو ووظيفته ربط ًا علياً وجودياً حبيث يكون تعطل الوظيفة إيذاناً مبوت العضو أو فساده‪ ،‬ونتيجة ذلك‬
‫يدعو إىل اخلطابة والبيان‪ ،‬ويشرتط يف املتكلم أن تكون له يف البيان طبيعة وبعض املناسبة حتى ال يكلف‬
‫نفسه ما ليس أهالً له‪ ،‬كما جنده يف أكثر من موضع يعلق بالصمت قيمة بالغية تساوي أو تفوق قيمة‬
‫الكالم‪ ،‬ولذلك نرى له موقفني‪ :‬موقفاً مبدئياً يقارع فيه اخلائفني من البيان واملتهيبني‪ ،‬وموقفاً بالغياً فنياً‬
‫يكتسب يف الصمت داللته من املوضع واملقام‪.‬‬
‫‪ . 2‬عناصر الفعل اللغوي ووظائفه‪:‬‬
‫لقد انتبه اجلاحظ إىل أن الفعل اللغوي يقوم على ثالثة عناصر رئيسية وهي‪( :‬املتكلم والسامع والكالم)‪،‬‬
‫فكل حتليالته اللغوية ومقاييسه البالغية ترتكز على ما بني هذه العناصر من تالحم وتفاعل‪ ،‬وقد استفاد‬
‫علماء اللغة ونقاد األدب والفن اليوم من هذه النظرية (نظرية التواصل) استفادة كربى واستطاعوا بتطبيقها‬
‫على ميادين اختصاصهم أن يتقدموا خطواتٍ شاسعة‪ ،‬وكان لرومان ياكبسن فضل السبق يف توظيفها للتقدم‬
‫باألحباث الشعرية واألسلوبية‪ ،‬حيث تؤكد نظرية التواصل على أن ظروف املقال غري اللغوية كاملتكلم‬
‫والسامع تقوم بدور هام يف حتديد خصائص اخلطاب‪ ،‬وقد امتد سلطان هذه النظرية إىل ميدان الدراسات‬

‫‪109‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫اجلمالية العامة‪ ،‬ولقد تفطن اجلاحظ إىل ما حيف بظاهرة الكالم من املالبسات‪ ،‬وهو أول مفكر عربي نقف‬
‫يف تراثه على نظرية متكاملة تقدم أن الكالم ينجز بالصرورة يف سياق خاص جيب أن تراعي فيه مجلة من‬
‫العوامل األخرى كالسامع واملقام وظروف املقال‪ ،‬وكل ما يقوم بني هذه العناصر غري اللغوية من روابط‪ .‬وحتتل‬
‫الوظيفة ــ وهي يف مصطلحه الغاية أو مدار األمر ــ حجر الزاوية يف هذا البناء ألنها مولد اللحمة وحمرك التفاعل‬
‫بني هذه األطراف‪ ،‬ومما سبق جند عند اجلاحظ خبصوص النظرية التالي‪:‬‬
‫أ‪ -‬ضرباً من عدم التوازن يف االهتمام بعناصر اخلطاب يتمثل يف ضآلة ما خصص يف مؤلفاته للحديث عن‬
‫السامع أو املتقبل‪.‬‬
‫ال شديداً مع مقومات الكالم‪.‬‬ ‫ب‪ -‬أن املقومات اخلاصة باملتكلم متداخلة تداخ ً‬
‫وظائف الكالم‪:‬‬
‫لعل من أشد القضايا تشعباً وأكثرها استعصاءً يف تراث اجلاحظ وظائف اخلطاب وجماري استعمال الظاهرة‬
‫اللغوية واالستقراء املوضوعي جلملة مؤلفاته يفضي إىل استخالص ثالث وظائف رئيسية تسخر ألدائها الظاهرة‬
‫اللغوية‪:‬‬
‫أ‪ -‬وظيفة خطابية‪ :‬وقد برزت هذه الوظيفة يف املواطن اليت حتدث فيها عن اخلطابة كنوع من أنواع‬
‫الكالم‪ ،‬والناضر يف اخلطب اليت أثبتها‪ ،‬واملتصفح حلديثه عن اخلطابة واخلطباء يالحظ دورانها على‬
‫حماور ثالثة غايتها مجيعاً الوظائف اليت عددناها من احتجاج وإقناع ومناظرة ومنازعة‪:‬‬
‫• أما احملور األول فديين سخرت مبقتضاه اخلطابة للدعوة إىل التوحيد واإلميان بالبعث‬
‫• واحملور الثاني سياسي سخرت فيه اخلطابة لبسط النفوذ وإقرار نظام احلكم‪.‬‬
‫• واحملور الثالث جدلي مذهيب أفرزه التصدع الذي وقع يف هيكل األمة اإلسالمية‪ ،‬مما جعل‬
‫أصحاب الفرق يهتمون بقوانني صناعة اخلطابة‬
‫ب‪ -‬مجلة من الوظائف يصعب إدراجها حتت تسمية واحدة‪ ،‬وغايتها إما خلق حالة معينة يف املستمع‪،‬‬
‫كاإلضحاك واللذة واإلمتاع أو منزع تعليمي نفعي كتعمري الصدور واصالحها من الفساد‪ ،‬وليس هلذه‬
‫الوظائف حظ الوظيفة السابقة يف مؤلفات اجلاحظ‪.‬‬
‫ت‪ -‬وظيفة الفهم واإلفهام أو البيان والتبيني‪ :‬تعترب هذه الوظيفة املسيطرة على تفكريه البياني‪ ،‬وهو يرادف‬
‫يف كثري من املواطن بني البيان والتبيني‪ ،‬والفهم والتفهم‪ ،‬فهي الغاية اليت جيري إىل بلوغها‪ ،‬واألساس‬
‫الذي تبنى عليه عملية الكالم‪ ،‬وقد طغت هذه الوظيفة على تفكري اجلاحظ لسببني‪:‬‬
‫• سبب تارخيي ينحدر من مكانة النص ووظيفته يف بنية اجملتمع اإلسالمي الثقافية‪ ،‬فالنص مهما‬
‫كانت قيمته يف ذاته‪ ،‬يرتبط بغرض وجيري لغاية‪.‬‬
‫• سبب ظريف ومنه ما يعود إىل احلقبة التارخيية اليت عاش فيها اجلاحظ ومنها ما أصله إنتماءات‬
‫الرجل ونظرته إىل األشياء‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫نستنتج مما سبق أن وظيفة اللغة األساسية عند اجلاحظ هي الفهم واإلفهام إذ بدونها ال تقوم الوظائف األخرى‪،‬‬
‫واجلاحظ حريص على أن تؤدى هذه الوظيفة طبق شروط الفصاحة وقواعد اإلبانة‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬املتكلم‪:‬‬
‫‪ . 1‬مقتضيات الوظيفة‪:‬‬
‫إن وجوه تصريف الكالم ألداء خمتلف الوظائف السيما وظيفة الفهم واإلفهام تقتضي من املتكلم احرتام مجلة‬
‫من النواميس اللغوية حتتل من تفكريه حمل األساس الضروري فلكل عملية تواصل لغوي مهما كان مستواها‪،‬‬
‫وربط اجلاحظ بني املعطيات اللغوية و الصرف وآراءه البالغية أمر خطري جيب أن حيسب للجاحظ ألنه قفزة‬
‫فكرية هامة يف ذلك الظرف التارخيي ‪ ،‬وهو مدرك متام اإلدراك إن سر التفاهم بني املخاطبني انتمائهم إىل‬
‫سنة لغوية مشرتكة يتم مبوجبها التكامل بني عملييت "تركيب الرموز" من املتكلم وحتليلها من طرف‬
‫السامع‪ ،‬لذلك استغل هذا املعطى اللغوي العام ودجمه يف صلب تفكريه البالغي وذلك بتفجريه السنة املشرتكة‬
‫إىل مستويات حتى لكأنها سنن‪ ،‬واخلطيب البليغ من جعل أقدار اللغة وتصاريف الكالم مواتيه ألقدار‬
‫السامعني ومقتضيات احلال‪ ،‬ويتصل بذلك رأيه يف بواعث نشأة اللغة وطرق اكتسابها والعالقة بني املستوى‬
‫اللغوي وانتماء املتكلم االجتماعي أو الطبقي ‪ ،‬ونقف يف آثاره على بذور نظرية لو تعمقها لكان هلا بالغ األثر‬
‫يف تراثنا الفكري واللغوي‪ ،‬ومؤداها أن قدرة الفرد على متثل اللغة ليست مطلقة وإمنا تكون على قدر ما‬
‫اضطرته احلاجه إليه واكتسبه حبكم وضعه االجتماعي والثقايف‪ ،‬وقد تركت تلك املبادئ آثاراً واضحة يف‬
‫تفكريه البالغي فإقراره بتعدد املستويات اللغوية الختالف منزلة املتكلمني الثقافية واالجتماعية‪ ،‬وتأكيده‬
‫على انتمائها إىل العربية متخض عنهما قانون عام يربط النتائج باملنطلقات‪ :‬فتولد اللغة عن احلاجة وقيام‬
‫الكالم على املنفعة معناهما أن ظاهرة اللغة‪ ،‬متى نظرنا إليها نظرة شاملة تتجاوز الوعي اللغوي الفردي أو‬
‫الطبقي‪ ،‬ال ميكن أن تكون اعتباطية‪ ،‬وبالتالي فإن لكل عنصر من عناصر جهازها موضعاً يستعمل فيه‬
‫وحيزاً يؤدي فيه وظيفة‪.‬‬
‫والنتيجة الطبيعية بل احلتمية هلذا التصور الشامل للتواصل اللغوي والتشبث بوظائفية الكالم بروز فكرة‬
‫ضرورة ربط املقال باملقام ومالءمته ملقتضى احلال‪ ،‬وهي فكرة رئيسية أقام عليه اجلاحظ كل مادته البالغية‪.‬‬
‫‪ . 2‬نظرية املقامات أو املواضع‪:‬‬
‫لعل أبرز ما يدل على مكانة هذا املتصور يف مؤلفاته كثرة املصطلحات املستعملة لبيان معناه‪ ،‬كـ املقام‬
‫واملوضع واحلال واملقدار واملشاكلة واملطابقة‪ ،‬وميكن باستقراء النصوص تقسيمها إىل قسمني‪:‬‬
‫أ‪ -‬القسم األول ويدل عليه املقام و املوضع و احلال وهو يهتم بعالقة املقال بالظرف العام الذي يتنزل فيه‪،‬‬
‫وحنصر ما تدل عليه يف ثالثة عناصر‪:‬‬
‫• املخاطب‪ :‬ومجلة ما عليه اعتباره يف خماطبته وخلصه اجلاحظ يف عبارتني هما‪ :‬مقدار الطاقة‬
‫وأقدار املنزلة‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫• جنس الكالم‪ :‬وأهمها يف مؤلفاته مقام اخلطابة وهو يتطلب من املتصدر له أن يكون عارف ًا‬
‫مبواضعها ومناسباتها ليصوغ كالمه وفق ما تقتضيه‪ ،‬كما أن بعضها يتطلب الصنعة وتعهد‬
‫الصياغة‪ ،‬ومجيعها تستدعي من اخلطيب هيئة خمصوصة وطريقة يف النطق معلومة‪.‬‬
‫• القصد من احلديث‪ :‬إن املتكلم مدعو لتحقيق املناسبة املرجوة فال خيلط بني أقدار األلفاظ‬
‫وأقدار املعاني وال يتصنع اجلد حيث جيب اهلزل‪.‬‬
‫ب‪ -‬القسم الثاني‪ :‬وتدل عليه مصطلحات املقدار و املشاكلة و املطابقة وما جرى جمراها‪ ،‬وهو اخص يف‬
‫الداللة من القسم السابق وان احتد به يف الرؤية‪ ،‬ووجهته الكالم يف حد ذاته وما على املتكلم مراعاته‪،‬‬
‫فهناك قوانني للمالئمة بني مكونات الكلمة‪ ،‬ثم بني الكلمة وما تدل عليه‪ .‬وحبكم ترابط املقال‬
‫واملقام ترابطاً جدلياً تصبح خصائص الكالم غري منفصلة عن السياق الذي حيتويه‪ ،‬ولذلك ختتلف‬
‫املقاييس باختالف املواضع‪ ،‬فلإلطالة موضع ولإلقالل موضع‪ ،‬فـ"لكل ضرب من احلديث ضرب من‬
‫اللفظ ولكل نوع من املعاني نوع من األمساء‪ ،‬فاإلفصاح يف موضع اإلفصاح‪ ،‬والكناية يف موضع‬
‫الكناية‪ ،‬واالسرتسال يف موضع االسرتسال"‪.‬‬
‫أما األثر الكبري الذي خلفته نظرية "املواضع" يف تفكريه البالغي فتتمثل يف احتالل مبدأ "االختيار" صدارة‬
‫املقاييس يف التمييز بني األساليب وتفضيل بعضها على بعض‪ .‬وأسس االختيار يف هذا املضمار حتقيق املالءمة‬
‫مبعنييها‪ :‬العام واخلاص؛ أي بني األطراف الداخلية يف تركيب الكالم وبني السياق احلاف بها‪.‬‬
‫‪ . 3‬مقتضيات اإلبانة‪:‬‬
‫رأينا أن أشد مفاهيم البيان اتصاالً مبشاغل اجلاحظ ما بلغ به املتكلم إفهام حاجته‪ ،‬وبذل يُخلق ضرب من‬
‫التعادل بني غايات القول وطرق بلوغها‪ ،‬ويغدو احلرص على اتقان الوسائل ال يقل شأناً عن احلرص على حتقيق‬
‫الوظيفة‪ ،‬ويف هذا دليل على أن مقصد املؤلف ليس لغوياً عادياً‪ ،‬وإمنا هو حبث عن سبل إخراج الكالم على‬
‫هيئة متكن له يف الفصاحة والبالغة وتقوي مفعوله عند السامع‪ ،‬لذلك هناك مقتضيات جيب أن تتوفر فيمن‬
‫يتصدر هلذا‪ ،‬ومن هذه املقتضيات ما ه و عام ومنها ما هو خاص ال يربز إال يف املشافهة‪ ،‬وهذه املقتضيات منثورة‬
‫يف كتب اجلاحظ على هيئة إشارات‪ ،‬يقول اجلاحظ يف البيان والتبيني‪" :‬رأس اخلطابة الطبع وعمودها الدربة‪،‬‬
‫وجناحاها رواية الكالم وحليها اإلعراب وبهاؤها ختري األلفاظ" فالشروط الثالثة األوىل تتعلق باملتكلم‪ ،‬أم‬
‫الرابع واخلامس فألصق بالكالم‪:‬‬
‫الطبع‪ :‬إنه من العناصر القارة يف كل عمل أدبي مهما كان نوعه‪ ،‬فلم يغفل اجلاحظ عن ذكره يف أشد‬
‫مواقفه حتمساً للبيان‪ ،‬ولقد بذل صاحب البيان والتبيني جهداً كبرياً يف حماصرة هذا املفهوم‪ ،‬ولقد اتبع لبلوغ‬
‫ذلك مسالك متنوعة لعل أهمها تصرحيه ــ أي الطبع ــ بأنه غريزة يف اإلنسان واستعداد جبلي يودعه اهلل فيمن‬
‫يشاء من عباده‪ .‬كما قابل بني األحكام النامجة عن نقد النصوص األدبية والشعرية ودراسة خصائصها الفنية‬
‫بغية الوصول إىل معرفة الكيفية اليت يتوخاها كل فريق يف الكتابة‪ .‬ومن أبرز األزواج املتقابلة يف نصوص‬

‫‪112‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫اجلاحظ ومن ثم يف النقد العربي مجلة زوج املطبوع واملتكلف‪ ،‬ولذلك كان موقفه من املتكلف واضحاً فهو‬
‫مقرتن بالسماجة‪ ،‬والعرب ال تكاد تستعمل هذا املصطلح إال يف موضع الذم‪.‬‬
‫أما الطريقة الثانية فهي الرواية‪ .‬فمن الناس من مل يواتهم قول الشعر‪ .‬على أن الطبع ال يصون مبفرده عن‬
‫التكلف مامل نباشر الكتابة يف ظروف تكون فيها النفس على أمت االستعداد والفكر خالي ًا من الشواغل‪.‬‬
‫الدربة‪ :‬لقد أوىل اجلاحظ الدربة واملران أهمية كربى يف تفوق اخلطباء والبلغاء‪ ،‬ويدل على مكانة الدربة يف‬
‫تصورات اجلاحظ األدبية واجلمالية إقراره بضرورة "أن يكون عقل الغريزة سُلّماً إىل عقل التجربة‪ ،‬وهو بذلك‬
‫يكاد أن حيلها مرتبة أرفع من مرتبة الطبع‪ ،‬وال سبيل إىل حتقيق هذا االنتقال إال بالتحلم والتعلم والتحمل‬
‫والصرب‪ ،‬ومن أوكد ما جيب جتنبه يف هذا الشأن فرط الثقة بالنفس والعجب بثمرة العقل‪.‬‬
‫رواية الكالم‪ :‬إن حمتوى النصوص الراجعة إىل هذا الشرط أوسع مما تؤديه كلمة الرواية‪ ،‬فهي ليست أكثر‬
‫املصطلحات جرياناً على لسانه‪ ،‬فهو يفضل "العلم" و "املعرفة"‪ ،‬ولكن ما مضمون هذا العلم؟ وللجواب تقسم‬
‫النصوص إىل قسمني‪:‬‬
‫أ‪ -‬قسم جاءت فيه داللة املصطلح مطلقة وليس يف السياق ما يسمح مبعرفة موضوعه وحمتواه‪ ،‬وقد‬
‫استعاض عن ذلك بإبراز مجلة من العالقات اجملردة تعني على بلورة تصوراته من وجهة نظرية حبتة‪ :‬فهو‬
‫يقيم عالقة تناسب طردي بني متكن املتكلم يف البيان ومتكنه يف العلم حبيث يكون حظه من األول‬
‫على قدر حظه من الثاني‪ ،‬كما أنه حريص على أن تقوم العالقة بني املنطق والعقل على التكافؤ‪.‬‬
‫ب‪ -‬وقسم جاءت فيه داللة املصطلح مقيدة حبذق املتكلم بأصول اللغة العربية ومعرفة سبل استعماهلا معرفة‬
‫دقيقة ‪ ،‬ومن امتياز املتكلم البليغ عن غريه أن يوفق بني نوعني من القيود‪ :‬القيد الناجم عن ضرورة‬
‫مراعاة صلة اإلنسان بظاهرة اللغة أي املناسبة‪ ،‬والقيد الثاني فتحقيق ذلك مع احرتام قواعد اللغة‬
‫املخصوصة‪.‬‬
‫ولئن أكد صاحب البيان والتبيني على أن تشمل املعرفة خمتلف جوانب اللغة فإن كل اهتمامه كان منصباً‬
‫على مسألة األساليب واجملازات وتوسع العرب يف كالمها حتى كادت مباحثه يف هذا املضمار تقتصر على‬
‫هذا املظهر‪ ،‬وظاهرة االسرتاط عنده بارزة يف كثري من املواطن‪.‬‬
‫‪ . 4‬مقتضيات املقام‪:‬‬
‫يعترب مقام اخلطابة أبرز املقامات اليت اعتنى بها اجلاحظ‪ ،‬وقد تضافرت على حنت معامله عدة معطيات يف‬
‫طليعتها اعتماد التواصل بني طريف اخلطاب على "املشافهة" أو "اللفظ" وبلوغ القصد من القول بضرب من التلقي‬
‫املباشر جيرب املتكلم على حتقيق كل املظاهر الداخلة يف تركيب النص‪ ،‬ثم إن اخلطابة تتأسس على املواجهة‪،‬‬
‫ولذلك فإن املتكلم يف هذه احلالة ممتحن ال سالح له إال االقتدار وقوة العارضة والثقة بالنفس‪.‬‬
‫املشافهة‪ :‬تندرج حتت هذا احملور كل املعلومات املتعلقة باجلانب املادي الفيزيائي لعملية التلفظ‪ ،‬ولقد جاء‬
‫اجلاحظ على جزء من ذلك يف اجلزء األول من "البيان والتبيني"‪ ،‬ومن ذلك اهتمامه بتعريف الصوت‪ ،‬وهو يعتربه‬
‫جوهر اللفظ وآلته‪ ،‬وأشار إىل املفارقة بني املنطوق واملكتوب‪ ،‬وقصور الكتابة عن تصوير مجيع األصوات‪،‬‬

‫‪113‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫ومن ثم جاء رأيه املشهور أن املخارج ال حتصى وال يوقف عليها‪ .‬واملتتبع لكتاب البيان والتبيني يالحظ أن هذه‬
‫املعطيات الصوتية النظرية جاءت مبثابة اإلطار العام ملوضوعه الرئيسي الذي سعى من ورائه إىل ضبط الصفات‬
‫الصوتية اليت جيب أن تتوفر يف اخلطيب واآلفات اليت قد تصيب نطقه فتشينه وحتط من منزلته اخلطابية‪:‬‬
‫أ‪ -‬الصفات الصوتية اليت تستحسن يف اخلطيب‪:‬‬
‫إن عدد هذه الصفات حمدود نسبياً يكاد ال يتجاوز الثالث أو األربع‪ ،‬وأغلب الصفات املذكورة صعبة‬
‫التمثل‪ ،‬وقد حجبت اجلهارة ألهميتها بقية الصفات حتى كاد احلديث يف هذه املسألة يقتصر عليها‪،‬‬
‫واملقصود بها قوة الصوت وقدرته على بلوغ السامع على مدى بعيد‪ ،‬وكانوا ميدحون اجلهري الصوت‬
‫ويذمون الضئيل الصوت‪ ،‬ومن الطبيعي أن تتبوأ "اجلهارة" صدارة الصفات املستحسنة يف اخلطيب‪،‬‬
‫ويبدو أن جهارة الصوت مرتبطة بسعة الفم ورحب الشدق‪ ،‬وال تقتصر الصفات الصوتية اليت تستحسن‬
‫يف اخلطيب على هذا اجلانب‪ ،‬فطريقة إخراج احلروف وخصائص التلفظ بالنص تقوم هي أيضاً بدور‬
‫هام ولذلك أوالها اجلاحظ عناية خاصة‪.‬‬
‫ب‪ -‬آفات النطق‪:‬‬
‫يشغل حديثه عن املخارج الصوتية للكالم والشوائب اليت تعلق باأللسنة مبفعول العوارض اخللقية أو‬
‫املؤثرات اللغوية األجنبية أكرب قسم من اهتماماته الصوتية‪ ،‬واالحنرافات اليت درسها اجلاحظ قسمان‬
‫كبريان‪ :‬قسم يتسبب فيه النقص اخللقي يف آلة النطق‪ ،‬وقسم مرده التداخل اللغوي‪ .‬وقد اعتنى يف‬
‫القسم األول عناية خاصة بظاهرة اللثغة‪ ،‬فذكر عدد احلروف اليت تدخلها وهي القاف والسني والالم‬
‫والراء‪ ،‬كما حتدث عن مراتبها يف القبح واحلسن وأشهر من عرفوا بها من الفصحاء‪ ،‬ويف نصوص‬
‫"البيان والتبيني" ما يشري إىل اختالف الناس يف ترتيب اللثغة وتباينهم يف اختيارهم أقلها شناعة وأقربها‬
‫إىل النطق‪ ،‬وذكر اجلاحظ باإلضافة إىل هذا العيب عيوباً أخرى متنع من جريان الكالم على اللسان‬
‫وتقف حاجزاً دون اسرتساله إما الحنباس اللسان يف خمرج حرف بعينه‪ ،‬أو لثقل يعرتيه يف أدائه عامة‬
‫احلروف‪ ،‬فذكر من النوع األول "التمتمة" و "الفأفأة" وذكر من النوع الثاني "احلكلة" و "العقلة" و‬
‫"احلبسة"‪.‬‬
‫أما القسم الذي مرده إىل التداخل اللغوي‪ ،‬فقد قرر اجلاحظ أن التقاء لغتني يؤثر ال حمالة على نظام‬
‫كل واحدة منهما‪ ،‬وعلى هذا املبدأ تأسست يف اللسانيات احلديثة الدراسات املهتمة بتفاعل اللغات‪،‬‬
‫على أن املؤلف اقتصر على ابراز املظاهر الصوتية بالدرجة األوىل‪ ،‬وهذه االحنرافات جتمعها يف املصطلح‬
‫اجلاحظي كلمتا "اللكنة" و "الرطانة"‪ ،‬ولغري سبب قسم صاحب "البيان والتبيني" دراسته ملظاهر‬
‫اللكنة حسب منزلة املتكلمني االجتماعية والعلمية إىل قسمني‪" :‬لكنة البلغاء واخلطباء والشعراء‬
‫والرؤساء" و "لكنة العامة"‪ ،‬وإ ن اعتربت تلك اآلفات بأنواعها عيباً يتخون حماسن الكالم فهي غري‬
‫مانعة لصاحبها من أن يُعد يف طبقات البلغاء واخلطباء‪ ،‬وبيان ذلك أن مؤلف "البيان والتبيني" كثريًا ما‬
‫استشهد يف معرض حديثه عن هذه اآلفات بأعالم اخلطابة‪ ،‬كواصل بن عطاء وزياد األعجم وغريهم‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫املواجهة‪ :‬رشحت عن اجناز النص البالغي أمام مجاعة من الناس بعض املقتضيات اخلاصة اليت تربز أهمية‬
‫السياق احلاف بالنص يف عملية الكالم‪ ،‬وبعض هذه املقتضيات يتعلق بهيئة اخلطيب وصفاته النفسية‬
‫واخلارجية‪ ،‬وبعضها يتعلق بالشارات اليت يتوسل بها ألداء نصه على أمت صورة‪.‬‬
‫وأول الصفات اليت يسوقها اجلاحظ ويلح عليه بشكل واضح "رباطة اجلأش" وقدرة املتكلم على مسك زمام‬
‫النفس‪ ،‬وفقدان رباطة اجلأش ينتج عنه عيبان وهما "البهر" و "احلصر"‪ ،‬ومن هنا نفهم حرص اجلاحظ يف املقام‬
‫األول على أن يتذكر املتكلم أول كالمه وأن حيفظ ما سلف من منطقه وأال خيرج عما بنى عليه أول الكالم‪،‬‬
‫وقد خلقت رباطة اجلأش يف اخلطابة منذ اجلاهلية شيئاً من الرتابط بني الكالم وبعض الشارات اخلاصة اليت‬
‫تصاحب اخلطبة ومن أهمها استعمال املخصرة أو العصا ووضع العمة‪ ،‬وقد طعنت الشعوبية يف العصا فرد عليهم‬
‫اجلاحظ قوهلم‪ ،‬ولكن رغم جهده يف االحتجاج لذلك مل يقنعنا بوجود رابط بني صياغة القول واملسك بالعصا‪.‬‬
‫أما لصفة الثالثة اليت تقتضيها املواجهة فتخص طلعة اخلطيب وشكله‪.‬‬
‫على هذا حيتل املتكلم من نظرية اجلاحظ البالغية منزلة مرموقة‪ ،‬فهو طرف أساسي يف عملية الكالم‬
‫وعنصر فعال يف حتديد خصائص النص‪ ،‬حيث حتتل نظرية املواضع واملقامات قطب الرحى من بالغته‪ ،‬ولعل‬
‫أهم ما تولد عن هذه النظرية مبدأ نسبية األحكام األسلوبية فتكون البالغة بالغات والفصاحة فصاحات‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬الكالم‪:‬‬
‫حيتل احلديث عن خصائص الكالم أكرب جانب من تأليف اجلاحظ البالغي‪ ،‬والناظر يف املادة املتجمعة‬
‫يالحظ ظاهرتني بارزتني‪:‬‬
‫أ‪ -‬حرص املؤلف على دراسة كل املظاهر املساهمة يف تركيب النص املؤثرة يف خصائصه الفنية انطالقاً‬
‫من تآلف احلروف يف اللفظ إىل أن يستقيم بنية متماسكة منصهرة يف شكل فين خمصوص نظماً‬
‫كان أو نثراً‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن حماصرته لتلك اخلصائص متت بطريقتني على األقل‪:‬‬
‫• طريقة االستخالص النظري اجملرد جململ املقاييس اليت تبويء الكالم مرتبة البلغة والفصاحة‪.‬‬
‫• مالحظات كثرية متفرقة مل تربز بصفة جلية يف تلك احلدود‪.‬‬
‫‪ . 1‬حد البالغة‪:‬‬
‫إن املواطن اليت ورد فيها مصطلح البالغة مقرتناً مبا يوضحه ويكشف عن بعض جوانب داللته كثرية إال أن‬
‫نسبة ما ميكن اعتباره حداً إلجياز صيغته أو لشمول حمتواه‪ ،‬ال يتجاوز مثانية عشر موطناً تتوزع كاآلتي‪:‬‬
‫• القسم األول ورد فيه احلد جواباً عن استفهام صريح‬
‫• القسم الثاني صدر بعبارة يفهم منها إرادة اإلحاطة والتعريف‬
‫• القسم الثالث وهو أقرب إىل احلكم النقدي الفردي منه إىل احلد‬

‫‪115‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫وليس يف هذه احلدود ما نسبه اجلاحظ إىل نفسه صراحة‪ ،‬وأصول هذه التعريفات خمتلفة فبعضها للعرب‬
‫وبعضها اآلخر ألجناس مغايرة كانت على صلة باحلضارة العربية اإلسالمية كالفرس والروم واهلنود واليونان‪،‬‬
‫وقد برز الكثري من هذه احلدود يف فرتة متقدمة عن تأليف البيان والتبيني‪.‬‬
‫حمتوى احلدود‪:‬‬
‫إن أول إشكال تطرحه هذه احلدود هو خروجها أحياناً عن حيز النص وتعلقها يف التعريف مبسائل تبدو بعيدة‬
‫عن املشاغل البالغية‪ ،‬فبعضها يقتصر يف التعريف على حتقيق وظيفة "الفهم واإلفهام" وال يشري البتة إىل‬
‫خصائص النص‪ ،‬وإمنا يلح على أن يتوفر بني طريف اخلطاب تناسب يسمح بتحقيق التواصل بينهما‪ ،‬وبعضها‬
‫اآلخر يربط بالغة النص أو الكالم بسالمة منطق امل تكلم من العيوب‪ ،‬ثم إن منها ما حيار القاريء يف تأويله‬
‫إذ ال يتبني العالقة بني حمتوى التعريف والشيء املعرف‪ ،‬إال أن يكون املقصود من التعريف تعليم فنيات اجملادلة‬
‫واملناظرة وسبل الظهور على اخلصم وإقناعه‪ ،‬وهذا يرجع إىل االلتزام العقائدي والسياسي الذي حدا بصاحب‬
‫"البيان والتبيني" إىل االهتمام بالنص اخلطابي بل إىل املطابقة بني مدلوله ومدلول البالغة‪ ،‬وبتنزيل هذه‬
‫التعريفات يف سياق جمهوده البالغي العام يتضح لنا ان اجلاحظ حتدث عن مخسة أقسام رئيسية هي عني‬
‫األقسام اليت عرفت يف اخلطابة اليونانية‪ .‬لعلنا بهذه الطريقة يف تأويل اإلشكال األول قد بينا وجها من وجوه‬
‫انصهار هذه «املرويات» ــ عن العرب و غريهم ــ يف إطار تصوره البالغي العام ‪ ،‬فإيرادها مل يكن جمرد مجع‬
‫املعلومات تزخر بها بيئته فاضطر إىل إثباتها وإمنا هي شواهد انتقاها خدمة لغرضه وتدعيما لوجهة نظره يف «‬
‫البيان والتبيني » ‪ .‬وتزداد هذه الصلة وضوحا والعالقة وثوقا باملقارنة بني ما حوته هذه احلدود من مقاييس‬
‫أسلوبية متعلقة بالنص واملقاييس اليت يلتزمها املؤلف على امتداد املادة البالغية يف آثاره فهي تتضمن أهم األسس‬
‫اليت بين عليها رأيه يف النص البليغ كخصائص اللفظ يف ذاته وأوجه عالقته باملعنى وجماري تصريف املتكلم‬
‫و «وحي » و « إشارة »‪ .‬كما مل ختل هذه التعريفات من إشارات‬ ‫طاقات اللغة يف التعبري من «إجياز »‬
‫إىل خصائص بنية الكالم العامة وإن اقتصرت على مظاهر حمدودة مثل « الفصل والوصل» أو «رتق الكالم‬
‫وفتقه »‪ ،‬على أن صاحب البيان والتبيني ‪ ،‬مل يقتصر يف التحليل على هذه الوجوه ‪ ،‬فلقد تطرق إىل مسائل مل‬
‫تشر إليها التعريفات أو مل توفها حقها من العناية‪.‬‬
‫وقد مكنه القرآن من بلورة مسألة "اجملاز" بتأويل بعض اآليات اليت ينايف ظاهرها أصول االعتزال كما‬
‫مكنه من أن يكون صاحب أول حماولة ربطت إعجازه بنظمه‪ ،‬و باجلملة فمقاييس اجلاحظ رغم بعض النقول‬
‫عن اليونان والفرس وغريهم تبدو لنا مستمدة من نصوص ميكن اعتبارها حصيلة األنواع األدبية الثقافة العربية‬
‫اإلسالمية ومعتمد كل نشاط نقدي و بالغي بعده‪.‬‬
‫‪ . 2‬خصائص الكالم البليغ‪:‬‬
‫اللفظ‬
‫إن املبدأ العام و اإلطار النظري الشامل لشتات آرائه يف اللفظ هو "االختيار" ‪ ،‬وقد ورد ذكره بصريح العبارة‬
‫يف مواطن كثرية واالنطالق يف هذا املبدأ يفرتض ‪ ،‬بالضرورة ‪ ،‬إقرار منبتيه ‪ ،‬بإمكانية أداء نفس املعنى‬

‫‪116‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫بطرق شي أو بطريقتني على األقل ‪ :‬طريقة خترج فيها الكالم عفوا و يطلق املتكلم اللغة على سجيتها أو‬
‫سجيته) ‪ ،‬إذ ال غرض له يف حتميلها أكثر مما تؤديه يف أصل الوضع ‪ ،‬وطريقة خيرج فيها الكالم على غري‬
‫خمرج العادة‪ ،‬وعلى هذا يكون االختيار حداً فاصالً بني نوعني من املمارسة اللغوية‪ :‬ممارسة اجتماعية وممارسة‬
‫فنية‪.‬‬
‫أما املنطلقات الفنية اخلالصة املتعلقة خبصائص الكالم األدبي ومبتطلبات صناعته فنذكر منها إثنني بارزين‪:‬‬
‫أوهلما‪ :‬يفصم العروة بني األدب واألسس األخالقية‪ ،‬ويستبدهلا مبعايري مستمدة من اللعبة اللغوية ذاتها وقدرة‬
‫الكاتب على التصرف فيها‪ ،‬ومن هذا املنظور يتحول اهتمام املتكلم عن عالقة كالمه مبا هو خارج عنه‪،‬‬
‫إىل الكالم ذاته وطريقة نسجه‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬اقتناع صاحب "البيان والتبيني" أن األثر الفين اجليد يف حاجة إىل التعهد واملعاودة‪ ،‬وموقفه املتحرز‬
‫من أشعار زهري واحلطيئة ال يعين رفضه للصنعة‪ ،‬وامنا تشدد يف املبالغة والتكلف اللذان يطمسان الطبع‪،‬‬
‫وعلى أساس هذا دافع عن املولدين وأعجب بشعرهم وروى عنهم‪ ،‬ثم إن اإلجراءات العملية اليت جتسم االختيار‬
‫هي‪:‬‬
‫▪ حتقيق فصاحة اللفظ‪ :‬والفصاحة يف تصور صاحب البيان والتبيني تنطلق من بنية اللفظ الصوتية‬
‫وانسجام احلروف املركبة له وتآلفها‪ ،‬وقد بلور هذا املقياس يف مصطلح يبدو ثابتاً واضح املعامل يف‬
‫أصول نظريته األدبية هو "االقرتان"‪ ،‬ومتى حتقق "القران" بني الوحدات األصغر اكتست الكتلة‬
‫الصوتية الناجتة عن تآلفهما من اخلصائص ما جيعل النطق بها سهالً‪ ،‬ووقعها مستساغاً عذباً‪ ،‬فهو‬
‫تارة يذكرها يف صورة تقريرية مباشرة وطوراً يشري إليها من طريق غري مباشر‪ ،‬إن ما ميكن‬
‫استخالصه ضرورة تفرد اللفظة خبصائص ذاتية وأال يكون مجاهلا رهني ارتباطها بعناصر أخرى يف‬
‫السياق‪ ،‬ويأتي يف مقدمة تلك األحكام االهتمام بصفات املخرج وقد أحصينا بشأنه أربعة اعتبارات‪:‬‬
‫(سهل ــ حسن ــ سري ــ رقيق)‪ ،‬ويف البيان والتبيني نص حيوصل فيه صاحبه صفات اللفظ من جهة تآلف‬
‫حروفه وبنيته الصوتية العامة‪ ،‬وقد سلك يف ذلك مسلك ابراز الصفة ونقيضها انطالقاً من موازاة عقدها‬
‫بني خصائص أجزاء البيت من الشعر وخصائص ما مساه حروف الكالم فهذه األخرية شأنها شأن األوىل‬
‫ميكن أن تكون‪:‬‬
‫▪ متفقة‬
‫▪ ملساً لينة املعاطف‬
‫▪ سهلة‬
‫▪ رطبة‬
‫▪ مواتية‬
‫▪ سلسة خفيفة على اللسان‬
‫وقد تكون‪:‬‬

‫‪117‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫▪ خمتلفة‬
‫▪ متباينة‬
‫▪ متنافرة‬
‫▪ مستكرهة‬
‫▪ ومن مقتضيات الفصاحة االلتزام بالنموذج القرشي‬
‫▪ أما املظهر الثاني اجملسم ملبدأ االختيار فيتمثل يف عالقة بنية اللفظ الصوتية باملعنى الذي تدل عليه وهو‬
‫الباب املوسوم يف كتب البالغة بـ "عالقة اللفظ واملعنى"‪ ،‬وهلذا املوضوع أهمية خاصة يف الدرس‬
‫البالغي‪ ،‬ويعيننا هذا املبحث على زيادة تدقيق صفات الطرفني املكونني للثنائية‪ ،‬كما يكتسي هذا‬
‫املبحث إضافة إىل ما ذكر ‪ ،‬لدى صاحب البيان والتبيني صبغة خاصة‪ ،‬فلقد كان من املعامل البارزة‬
‫يف نظريته البالغية‪ ،‬وقد أولته الدراسات اهتماماً بالغاً وتشعبت‪ ،‬وجلها أدركت أمراً مؤداه أن اللفظ‬
‫يف مصطلح اجلاحظ هو الشكل‪ ،‬وال شك أن اجلاحظ شديد التعلق بالصياغة والشكل يف اخللق‬
‫الفين‪ ،‬وقد ساهم بقسط وافر يف تثبيت ثنائية اللفظ واملعنى يف البالغة العربية وإقرار الفصل بني‬
‫الشكل واملضمون‪ ،‬إال أن موقفه من هذه املسألة أبعد غوراً وأكثر تشعباً‪ ،‬فنجده يف نصوص يشري‬
‫إىل اللفظ وضرورة االهتمام به‪ ،‬ويف نصوص أخرى يشري إىل املعنى اجليد فهو يؤاخذ األدباء واخلطباء‬
‫الذين يركبون استكراه املعاني وجيرونها إىل لفظ هيئوا رمسة قبل أن يهيئوا املعنى ويقر أن اللفظ‬
‫للمعنى بدن وأن املعنى للفظ روح‪ ،‬وقد نزل املعاني يف طبقات إذ الناس أنفسهم طبقات‪.‬‬
‫إن مقتضيات املقام واملواضعات االجتماعية واصول االعتقاد االعتزالي استوجبت من اجلاحظ اإلقرار بأهمية‬
‫الطاقة اإلحيائية يف الظاهرة اللغوية وهي يف مصطلحه‪( :‬اإلشارة ــ والوحي ــ والتعريض ــ واالقتصاد ــ والكناية‬
‫ــ واإلجياز) أما املقامات فتمييزها وإدراك ما يلزمها رهني تقدير املتكلم وفطنته‪ ،‬أما املواضعات االجتماعية‬
‫فقامت بدور كبري يف تنبيه اللغويني عامة والبالغيني خاصة إىل ظاهرة اإلحياء يف اللغة انطالقاً من باب الكناية‬
‫وهي من أسبق اجلوانب تيلوراً يف تاريخ البالغة العربية‪ ،‬ومل خيرج اجلاحظ عن هذا النهج فارتبطت يف تصوره‬
‫العام مبواضعات أخالقي ة اجتماعية إال أنه وسع مدلوهلا إذ قرنها بالوحي واإلشارة واإلجياز‪ ،‬وبذلك يكون‬
‫استغلها من وجهني‪ :‬وجه واصل به جهد أسالفه يف إرساء هذا الوجه البالغي‪ ،‬ووجه ثانٍ متولد عن األول إال أته‬
‫أعم منه وأهم من اجلهة اللسانية العامة تصبح مبقتضاه الكناية تقابل اإلفصاح والشرح‪ ،‬ولقد بنى اجلاحظ‬
‫احتجاجه لغزارة الدالالت يف اللغة وشرعية اختالف املذاهب يف التأويل مع بقاءها على أصول الشرع على تصور‬
‫فلسفي كالمي‪ ،‬كما أن مراعاته للمقام ات وال سيما املقام اخلطابي أدت به إىل مقياس آخر دقق به وجه‬
‫تأدية اللفظ املعنى‪ ،‬وقوامه تزامن بلوغ الدال إىل السمع واملدلول إىل القلب أو العقل ضماناً لقدرة السامع على‬
‫متابعة املتكلم وجتنباً لكل قطيعة داللية ينخرم من أجلها حبل التواصل فتتعطل وظيفة الكالم‪ ،.‬وهكذا‬
‫ينضاف إىل مقاييس الفصاحة السابقة جتنب اللفظ الغريب ألنه ال يعدو أن يكون تقعراً يف الكالم‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫كما جعل اجلاحظ من آفات النطق مورداً من موارد النادرة جعل من استعمال الغريب مدخالً إىل الغمز والضحك‬
‫والطعن على النحاة خاصة‪ ،‬ورفض الغريب بسبب التعقيد واالنغالق والتعمية يساعد الباحث على جتاوز تناقض‬
‫ظاهري يف نظريته البالغية‪ .‬فقد رأيناه يشرتط يف اللفظ أن يكون غنياً عن التأويل‪ ،‬وعن تقيده مبذهب الوسط‬
‫نشأ موقفه املتشدد على الصنعة خاصة إذا أفضت بصاحبها إىل التكلف‪ ،‬وجاءت دعوته إىل عدم املبالغة يف‬
‫تصفية الكالم وجتويده‪ ،‬ويرجع ذلك إىل خوفه من الوقوع يف اإلغالق والغموض‪ ،‬والثابت أن موقفه من الصنعة‬
‫وكثرة التنقيح مرتبط رأساً حبرصه على الوضوح والفهم لذلك مل يتورع عن فضح مواربات العلماء الذين كانوا‬
‫يعمدون إىل اإلغماض لغايات مادية‪ ،‬ويف مقابل التشدد على الصنعة والتحذير من املبالغة يف التنقيح والتهذيب‬
‫نراه يدعو إىل حتري الدقة يف استعمال األلفاظ وإحالهلا املوقع الالئق بها حتى تكون مشاكلتها للمعنى‬
‫مشاكلة تامة‪ ،‬أما الغاية اليت ليس بعدها غاية يف دقة استعمال األلفاظ فهو القرآن الكريم‪ .‬وقد أشار اجلاحظ‬
‫إىل ذلك يف معرض حديثه عن التطورات الداللية اليت تطرأ على الكلمة حبكم ترددها على ألسنة الناس‬
‫فينحو املتكلم إىل استعماهلا يف غري معناها الدقيق‪ ،‬واملبدأ النظري العام الذي يستقطب آراء اجلاحظ يف‬
‫مطابقة األلفاظ للمعاني والتزام املتكلم الدقة يف اجلمع بينهما هو أن يأتي االسم ال فاضالً وال مفضوالً ويكون‬
‫الكالم بني املقص والغالي‪ ،‬وقد نقل اجلاحظ عن أعرابي قوله‪" :‬البالغة‪ :‬اإلجياز يف غري عجز واإلطناب يف‬
‫غري خطل"‪ ،‬وهذ يستدعي أن البالغة تقع يف الظاهر بني طرفني متقابلني هما اإلجياز من جهة‪ ،‬واإلطناب من‬
‫جهة أخرى‪ ،‬وإنه من أوكد ما جيب جتنبه أن نبلغ يف استعمالنا هذه األساليب احلد الذي تنقلب معه إىل الضد‪.‬‬
‫البنية العامة‪:‬‬
‫إن اهتمام اجلاحظ باللفظ املفرد لبنة يف اهتمامه بالبنية العامة وما ينتظم الكالم من قوانني تساعد على إبرازه‬
‫على منط فين متميز يُلحقه بالتأليف اجليد‪ ،‬ومن وجوه الرتابط حديثه عن مميزات البنية العامة انطالقاً من‬
‫مقاييس كان وظفها يف دراسة اللفظ املفرد ومثال ذلك مصطلح االقرتان‪ ،‬فهو يدل عنده على تآلف أصوات‬
‫احلروف يف بنية اللفظ الصوتية‪ ،‬كما يدل على تآلف األلفاظ يف السياق لذلك قسمه إىل قسمني‪ :‬اقرتان‬
‫احلروف واقرتان األلفاظ‪ ،‬فاللفظ جمموع مفرده احلرف أو الصوت‪ ،‬والبيت من الشعر جمموع مفردة اللفظ‪،‬‬
‫والقصيدة جمموع مفره البيت‪ ،‬وطريق صاحب البيان والتبيني يف دراسة تالؤم األلفاظ ال ختتلف عن دراسة‬
‫تآلف احلروف‪ ،‬وقد شبها ما حيصل بني ألفاظ البيت من التنافر بتنافر أوالد العالت‪ ،‬ووصفوه بقوهلم‪" :‬بعض‬
‫ألفاظه يتربأ من بعض"‪ ،‬كل هذه األحكام وتلك املصطلحات ترتادف لتكشف عن أهمية اإليقاع يف مجالية‬
‫النص األدبي إذ يصبح اخلطاب بالتزامها كالً متماسكاً متعادالً موزون الشمائل خالياً من كل تنافر أو نشاز‬
‫تتآلف فيه اخلصائص املفردة مع خصائص البنية العامة تآلفاً فذاً مرتابط احللقات متواصلها حبيث إذا اختل‬
‫جزء ووقع يف غري موقعه املقسوم له ظهر القلق واالضطراب‪.‬‬
‫وقد شغف صاحب "البيان والتبيني" بظاهرة اإليقاع كمظهر من مظاهر مجال النص األدبي وهو واضح يف عدة‬
‫مواطن من مؤلفاته‪ ،‬وقد ذكر مصطلح النظم مقرتناً بالقرآن يف عدة مواضع إال انه مل يزد على ذكر مرادفاته‬
‫ونعته بأن ه غريب بديع معرباً إياه آية من آيات التحدي‪ ،‬فقضية النظم مل تتجاوز عنده اإلعالن املبدئي املشفوع‬

‫‪119‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫ببعض األمثلة القليلة إىل حبث لغوي بالغي منظم يف أساليب القرآن‪ ،‬ومن تلك املصطلحات مصطلحات يف نقد‬
‫الشعر ومقاييس جودته مجع أغلبها يف حكمه املشهور حيث يقول‪" :‬وأجود الشعر ما رأيته متالحم األجزاء سهل‬
‫املخارج فتعلم بذلك أنه أفرغ إفراغاً واحداً وسبك سبكاً واحداً فهو جيري على اللسان كما جيري الدهان"‬
‫خامتة القسم الثاني‪:‬‬
‫أمجعت الدراسات اليت استغلت آثاره يف ميادين حبثها على أن السمة الغالبة عليها هي مسة الفوضى وثلة‬
‫اإلحكام والسبب يف ذلك سعة ثقافته وإحاطته بأفنان املعرفة‪ ،‬فاملادة ال ختضع لرتتيب وهي خليط من النماذج‬
‫األدبية‪ ،‬واألحكام األدبية النقدية واملالحظات األسلوبية البالغية باإلضافة إىل املباحث اللغوية واالستطرادات‬
‫املعرفية‪ ،‬وبعد حتسس اخليط الرابط بني معامل تفكريه يف موضوع البالغة واجلمالية األدبية وبلورة مفهوم‬
‫البيان جند النتائج التالية‪:‬‬
‫ال يستعمل املؤلف هذا املفهوم يف املعنى االصطالحي الضيق كما ضبطه البالغيون املتأخرون يف نطاق التقسيم‬
‫الثالثي املعروف‪ .‬وإمنا يستعمله يف معنى أوسع يضم طرق الداللة والوسائل اليت متكن املتكلم من أداء املعنى‪،‬‬
‫وهو ما يفسر عدم اقتصاره على اللغة‪ ،‬إال ان املتثبت يف هذه املساهمة يالحظ أنها تكتسي صبغة خاصة ولدتها‬
‫طريقته يف فهم ظاهرة الكالم وحتليله ملقوماتها‪.‬‬
‫ومن أبرز مقومات طريقته تناول اخلطاب اللغوي من زاوية كونه عماية تواصل يستوجب قيامها حداً أدنى من‬
‫األطراف ال يقل عن ثالثة‪ :‬املتكلم والسامع والكالم‪ ،‬أما قناتها فهي املشافهة‪ ،‬والرابط بني األطراف هي‬
‫الوظائف وقد استخرجنا منها ثالثاً هي‪ :‬الوظيفة اإلفهامية‪ ،‬والوظيفة اخلطابية‪ ،‬والوظيفة الشعرية‪ ،‬وغاية‬
‫هذه الوظائف مجيعاً السامع‪.‬‬
‫وقد تقامست جهده البالغي ظاهرتا امللفوظ والتلفظ‪ ،‬ونعين بامللفوظ بنية النص وخصائصها النحوية والبالغية‬
‫العامة‪ ،‬أما التلفظ ففعل يقوم به متكلم معلوم يف حيز زماني ومكاني مضبوط‪ ،‬وقد أوىل املؤلف ظاهرة‬
‫التلفظ عناية فائقة‪ ،‬وإجناز الكالم يقع لغايات ويتنزل يف مقامات لذلك وجبت مراعاة منزلة السامع‬
‫و مستلزمات املقام‪ ،‬وقد حدد صاحب البيان والتبيني مالمح املتلقي من وجهة لغوية‪ ،‬وملا كانت غاية املتكلم‬
‫من ال سامع الفهم واإلفهام بالدرجة األوىل‪ ،‬تركز جهد اجلاحظ على شفافية اخلطاب‪ ،‬وهي قدرة العالمة‬
‫والنص على اإلشارة إىل ما سواهما ويطلق اإلنشائيون على هذه القدرة "طاقة اإلرجاع واإلشارة"‪ ،‬ومن ثم انطبعت‬
‫حماولته بطابع نفعي واضح ميكن أن يعد بدون مبالغة أكمل حماولة يف الرتاث اللغوي العربي لتأسيس ما‬
‫يسمى " نفعية اخلطاب"‪.‬‬
‫ومن هذا املورد استقى تصوره اجلمالي‪ ،‬فكان اجلميل ينبع من النافع واستقى جانباً من دستوره األخالقي‪،‬‬
‫فاخلري ليس يف الكلمة اجلميلة بقد ما هو يف الكلمة الناجعة اليت تعمل يف النفس عمل الغيث يف الرتبة‪.‬‬
‫ومن هذا املنظور نفهم أمرين يبدوان متناقضني‪ :‬األمر األول موقفه املتشدد على شعراء الصنعة ألنهم بالغوا يف‬
‫التحكيك والتنقيح حتى استعبدهم الفن‪ ،‬واألمر الثاني احتضانه ملدرسة البديع من املولدين‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫كما نتج عن اهتمامه بالسياق انصهار الظاهرة ونقيضها يف بوتقة تصوره البالغي العام‪ :‬فاإلجياز بالغة واإلطالة‬
‫بالغة كما أن التصريح بالغة والكناية والوحي واإلشارة بالغة‪.‬‬
‫تلك هي أبرز مسات مشاركة اجلاحظ يف تأسيس البالغة العربية‪ .‬فما هي األسباب اليت طبعتها بهذا الطابع‬
‫اخلاص تصوراً ونتائج؟‬
‫إن األسباب عديدة متفاوتة الوضوح لعل أهمها اعتماده يف ضبط مستلزمات البيان والتبيني على اجلنس‬
‫اخلطابي‪ ،‬واعتماده على هذا اجلنس ليس من باب الصدفة ففي قناعاته وخصائص بيئته الفكرية والسياسية‬
‫واالجتماعية ما من شأنه أن جيلب املؤلف إليه‪ ،‬ومل يكن اجلدل الكالمي الداعي الوحيد إىل اعتماد هذا‬
‫اجلنس فلقد حركت اجلاحظ إىل تأليف "البيان والتبيني" نوازع التصدي لتيار ذي صبغة سياسية واضحة اختذ‬
‫من الطعن يف اجلنس العربي وموروثه احلضاري للتعبري عن نقمته على وضعه وعدم رضاه بسلطانه‪ ،‬وباإلضافة‬
‫إىل هذه األسباب التارخيية املعروفة اليت جعلته يضبط خصائص النص من زاوية خطابية نذكر عامالً آخر‬
‫هاماً أثر هو بدوره يف صياغة تلك املقاييس‪ ،‬وهو تصوره الثقايف‪ ،‬والتزامه املوقف الوسط بني االبتذال والصنعة‬
‫وبني الوحشي والسوقي‪ ،‬واملثبت يف شواهد اجلاحظ يالحظ أن اعتماده على الشعر واخلرب والقرآن ال يقل عن‬
‫اعتماده على اخلطابة‪.‬‬
‫❖ البالغة بعد اجلاحظ إىل القرن السادس‪:‬‬
‫تعد املادة البالغية املنجزة فيها أكثر أضعاف املرات مما وفرته الفرتات السابقة‪ ،‬وبالنظر فيما كتبوا ندرك‬
‫العالقة املتينة بني البالغة والنقد‪ ،‬وسنجد تزايد نشاط املتكلمني ومن غلب عليهم االهتمام بالدراسات القرآنية‬
‫يف هذه احلقبة‪ ،‬وال مناص من أن يؤل كل ذلك إىل مباحث بالغية صميمة تتناول املفاضلة بني األساليب‬
‫ألسباب ترجع إىل مظاهر بنيوية صرف‪ ،‬تتناول بالتفكري خمتلف االستعماالت اللغوية‪ ،‬كما سيساهم‬
‫الفالسفة بقسط وافر يف ربط الصلة بني التفكري اليوناني والتفكري العربي‪.‬‬
‫‪ . 1‬البداية احلامسة لفرتة ما بعد اجلاحظ‪:‬‬
‫استقالل التأليف‪:‬‬
‫لقد كان كتاب البديع لعبد اهلل بن املعتز وكتاب البيان والتبيني للجاحظ النواة األوىل لعلم البالغة العربية‪،‬‬
‫إال أنه كانت بني هذين الكتابني حماوالت قام بها اللغويون والنقاد وكتاب الرسائل ‪ ،‬ومن أبرز هذه احملاوالت‬
‫اثنتان ‪ :‬واحدة البن قتيبة واألخ رى للمربد وهي "الرسالة العذراء" اليت تعصب فيها للقلم والدفاع عن الكتابة‬
‫والكتاب على حساب الشعر والشعراء‪ ،‬وهو متأثر باجلاحظ فيها وكثرياً ما يورد النقل عنه‪ ،‬وهو يرى رأيه‬
‫يف بالغة القول وتأثريه يف متقبليه‪ ،‬ويعلقه بثالثة عناصر هي املعنى البليغ واملعنى الرائق والسلك الناظم‪.‬‬
‫ابن قتيبة‪:‬‬ ‫أ‪.‬‬
‫عُرف بكثرة التأليف والنظر املوسوعي‪ ،‬وبالرغم من أنه مل يرتك مؤلفا يف البالغة إال أن آثاره ال ختلو من‬
‫اإلشارات البالغية واألحكام الفنية‪ ،‬ففي "الشعر والشعراء" حملات بالغية انبنت عليها مجلة من األحكام‬
‫النقدية‪ ،‬ويعكس "أدب الكاتب أهمية العامل احلضاري العام املتمثل يف تطور التنظيم اإلداري والسياسي‬

‫‪121‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫وبروز املؤسسات السلطانية احملتاجة إىل طبقة يتالءم علمها مع وظيفتها‪ ،‬أما "تأويل مشكل القرآن" و‬
‫"االختالف يف اللفظ والرد على اجلهمية واملعطلة" فيدالن على أهمية العامل الديين عامة والكالمي بوجه خاص‬
‫يف إذكاء املناقشات حول فضل النص القرآني على غريه وتفرده يف طرائق األداء‪ ،‬ولئن كانت املادة البالغية‬
‫يف "أدب الكاتب" ال تعدو بعض االعتبارات العلمية يف اختيار اللفظ واملعنى وتناول التشبيه يف ردوده على‬
‫اجلهمية واملعطلة‪ ،‬فإن "الشعر والشعراء" و "وتأويل مشكل القرآن" يعتربان مساهمة ذات بال يف ميداني البالغة‬
‫والنقد األدبي‪:‬‬
‫• املادة البالغية يف "الشعر والشعراء"‬
‫تعد املادة فيه حمدودة ال تتجاوز اإلشارات املقتضبة واللمحات السريعة بعيداً عن كل تعمق‪ ،‬حيث‬
‫األحكام تطغى عليها االنطباعية‪ ،‬وقد تطرق ملشكالت سلفت ومل يكن أحسن ممن سلفه‪ ،‬ومن هذه‬
‫املشكالت‪ :‬مشكلة اللفظ واملعنى حيث قسم الشعر تبعاً هلا إىل أربعة أقسام‪ ،‬وحتتل هذه القضية من‬
‫"الشعر والشعراء" قلب الرحى املولد جلل أحكامه يف الشعر‪ ،‬إال أن موقفه فيها غري بني‪ ،‬كما طرح "‬
‫الشعر والشعراء" قضية أخرى طُرحت من قبل لدى اجلاحظ يف "البيان والتبيني" وهي "الطبع والتكلف"‪،‬‬
‫ومل خيرج ابن قتيبة يف هذه املسألة عن احلدود اليت رمسها اجلاحظ‪ ،‬أما القضية الثالثة بنظرية النص‬
‫فهي إدراكه تفرد الفن بطرق خاصة يف األداء ألنه يفصل بني مدلول العبارة يف اللغة ومدلوهلا يف الشعر‬
‫وحيمل املعنى على غري ما تقتضيه الداللة الوضعية املنطقية‪ ،‬أما املباحث البالغية املتعلقة باملصطلح‬
‫والصورة فضئيلة يف هذا املؤلف‪ ،‬والصورة اليت تواترت هي التشبيه‪ ،‬وال غرابة أن يكون من أول‬
‫املباحث تبلوراً يف تاريخ البالغة فلقد اعتربوه ألهميته مقياساً من مقاييس الشعر وحفظه‪ ،‬والناظر يف‬
‫الشعر والشعراء يرى أن التشبيه غري مقصوداً لذاته وامنا وسيلة للمفاضلة بني الشعراء‪ ،‬كما وظف ابن‬
‫قتيبة التشبيه لتسجيل جودة الشعر‪ ،‬وكثرياً ما يشعرنا املؤلف أنه قليل العناية مبسائل البالغة يف هذا‬
‫املؤلف‪.‬‬
‫• البالغة يف "تأويل مشكل القرآن"‬
‫يعترب هذا الكتاب أكثر املؤلفات عند ابن قتيبة اتصاالً بالبحث البالغي وأغزرها مادة‪ ،‬ومقارنة‬
‫بكتبه األخرى وخاصة "الشعر والشعراء" جند أن العامل العقائدي والدفاع عن القرآن هما اللذان‬
‫اضطراه إىل ضبط القواع د وإقامة احلدود تسد الباب أمام الرأي املدخول وأمام التشكيك والدس‪،‬‬
‫ومقصود الكتاب يتبني من عنوانه‪ ،‬وهو صنف من التعابري يثري فهمها مشكلة‪ ،‬ففي املقدمة يعترب‬
‫اجملاز قامساً مشرتكاً بني اللغات ‪ ،‬ويرى تفوق العربية على سائر اللغات‪ ،‬وقد اقتضى ذلك البحث يف‬
‫تراث السلف عن مفهوم للمجاز يتالءم والغرض املرسوم‪ ،‬فجاء مفهوم اجملاز يف كتابه مطابقاً ملفهوم‬
‫أبي عبيدة‪ ،‬ليثبت أن القرآن وإن خرج عن مألوف الكالم فهو ليس خارج عن أساليب العرب‪ ،‬وهذه‬
‫قناعة حتتل حجر الزاوية من كل احملاوالت البالغية اليت كان القرآن منشأها‪ .‬ومبا أن غاية ابن قتيبة‬
‫ليست البحث عن جوانب اإلعجاز القرآني والتعمق يف خصائصه اللغوية النوعية اليت جعلت منه نصاً‬

‫‪122‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫فريداً متميزاً رغم استعماله نفس املادة اللغوية وجريه على أساليب معروفة‪ ،‬فإنه قصر اهتمامه على‬
‫دراسة أساليب العرب اليت تأثرها القرآن دراسة موسعة‪ ،‬ويثري املؤلف مشكلة وثيقة الصلة باجلانب‬
‫العقائدي‪ ،‬وتتلخص يف التساؤل عن مدى صحة األحكام املستخلصة من هذه الطرائق يف التعبري‪،‬‬
‫اخلارجة عن أصل الوضع واملباينة للمألوف يف تعليق املعنى باللفظ أو بصورة أوضح عالقة اجملاز مبقوليت‬
‫الصدق والكذب‪ ،‬فقد تبني له أن الكالم جماز‪ .‬ومل تسمح اللهجة الدفاعية الطاغية على الكتاب‬
‫بالغوص إىل املخزون اللغوي‪ ،‬فمن املسائل اليت كان باإلمكان إثارتها التساؤل عما إذا كان كل‬
‫جماز يرتكب على حقيقة‪ ،‬فإذا سلمنا بأن اجملاز يتطور عن احلقيقة فإن اجملاز يولد بفعل الزمن‬
‫احلقيقة بأن ينسى املستعملون األصل اجملازي ويتحول ما كام باألصل ابتداع ًا إىل اشرتاك‪.‬‬
‫مل يكن هم ابن قتيبة دراسة هذا اجلانب من وجهة لغوية خالصة‪ ،‬وإمنا أدى به إليه دفاعه عن القرآن‬
‫وحبثه عن احلجج اليت يدهم بها مقدمته لريى املعاند موضع اجملاز‪ ،‬والنتيجة األدبية لدفاعه عن اجملاز‬
‫موقفه املناصر للشعراء‪ ،‬فقد كا ن يرى أن ذلك جائز حسن ألن القصد منه املبالغة يف التعبري عن‬
‫الفكرة وتأكيدها ويعترب موقفه من هذا النهج يف التعبري أوضح موقف إىل عهده‪ ،‬أما القسم املخصص‬
‫لدراسة أوجه اجملاز فله عدة جوانب‪:‬‬
‫‪ o‬أوهلما غياب التشبيه عن اجملازات الثمانية عشر اليت ذكرها‪ ،‬والغالب على الظن أن سكوته‬
‫عن باب التشبيه يف مؤلف يتناول النص القرآني يعود إىل أسباب عقائدية البست نشاطه اللغوي‬
‫ومشاركته يف البالغة‪.‬‬
‫‪ o‬أما اجلانب الثاني الالفت لالنتباه فهو غياب الرتتيب الداخلي بني خمتلف الوجوه وحتى بالنسبة‬
‫للوجه الواحد‪ ،‬فالواضح أن الرابط بني كل األبواب واملنظم هلا انتماؤها للمجاز‪ .‬وليس مصطلح‬
‫اجملاز املصطلح الوحيد الذي استعمله ابن قتيبة استعماالً فضفاضاً يضيع معه القصد وتنطمس‬
‫حدود الوجه فتتداخل خصائصه مع خصائص وجوه شبيهة به‪ ،‬ويظهر ذلك بوجه خاص يف باب‬
‫االستعارة‪ .‬فال فرق بني االستعارة القائمة على التشبيه واالستعارة غري املقيدة‪ ،‬فاالستعارة عنده‬
‫تضم أشتاتاً من األساليب حيث يطلقها على مجيع أصناف اجملاز املعروفة‪.‬‬
‫‪ o‬واجلانب الثالث الذي يسرتعي االنتباه يتعلق بطريقته يف تناول األبواب وهي تتسم باحلرص على‬
‫استقصاء خمتلف جوانب الوجه وإيراد ما يوضحها من الشواهد املستقاة من القرآن والشعر‪،‬‬
‫وقد يزاوج بني هذا احلرص على التفصيل والتفريع وذكر الوظيفة‪ ،‬ولعل أبرز مسة يف كيفية‬
‫تناول األبواب ذكره أحياناً حماسن الباب ومساويه وهو بذلك أول من نبه إىل هذه السنة يف‬
‫التأليف‪.‬‬
‫واخلالصة أن ابن قتيبة كان من أكرب املستفيدين يف النصف الثاني من القرن الثالث اهلجري من جهود‬
‫اللغويني واألدباء قبله‪ ،‬حيث مجع ما حوته مؤلفاتهم من معطيات تتصل مبجاز العربية وحاول تنظيمها‬
‫مع إيفاء كل مسألة ما يوضحها من الشواهد ويعني على بلورة حدودها‪ ،‬فرغم أنه مل خيص البالغة‬

‫‪123‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫بتأليف مستقل فإن تبويب مسائلها بالصورة اليت يف "تأويل مشكل القرآن" يعترب خطوة حامسة مهدت‬
‫لظهر املؤلفات املستقلة اليت ال نشك أنها استفادت من عمله‪ ،‬فكثرة مؤلفاته وتنوعها وانتشار املادة‬
‫البالغية فيها جعل منها احسن دليل عن العوامل الفعالة يف نشأة البالغة العربية‪ ،‬ثم إنه أثار عدداً من‬
‫القضايا ووقف من بعضها مواقف جريئة‪.‬‬
‫املربد‪:‬‬ ‫ب‪.‬‬
‫غلبت على ثقافة املرب الطابع اللغوي بالدرجة األوىل والطابع األدبي‪ ،‬والناظر يف قائمة املصادر املنسوبة‬
‫إليه يرى بوضوح غلبة هذين املنزعني‪ ،‬واملنشور من آراءه قليل من كثري أشهراها الكامل‪ ،‬وتتجلى‬
‫مساهماته البالغية يف الكامل ورسالته يف البالغة‪.‬‬
‫الرسالة يف البالغة‪ :‬رغم صغر حجمها إال أنها جديرة باالهتمام‪ ،‬فاملربد فيها يعترب أول من اطلق كلمة‬
‫البالغة على بعض رسائله‪ ،‬وقد بني أن مصطلح البالغة يف هذه الرسالة مستعمل لغرض املفاضلة بني‬
‫املنثور واملنظوم‪ ،‬فالرسالة أراء يف جودة الشعر والنثر‪ ،‬وقد عرف البالغة فيها مبا يلي‪" :‬حق البالغة‬
‫إحاطة القول باملعنى‪ ،‬واختيار الكالم‪ ،‬وحسن النظم‪ ،‬حتى تكون الكلمة مقاربة أختها‪ ،‬ومعاضدة‬
‫شكلها‪ ،‬وأن يقرب بها البعيد وحيذف منها الفضول"‪ ،‬فهو يف هذا التعريف قام بعملية تأليف بني‬
‫جمموعة من التعريفات حتى خيرج حداً جامعاً‪ ،‬والتعريف الذي ألفه مستويات‪ :‬أوهلا لغوي‪ ،‬وثانيها‬
‫يتصل خبصائص الدال ذاته‪ ،‬وثالثها خيرج عن املستوى املفرد (الصوتي) إىل مستوى آخر يتصل باجلملة‪.‬‬
‫أما القسم الثاني من الرسالة فيورد املؤلف مناذج من املنثور واملوزون يف نفس املعنى‪ ،‬إلبراز فضل أحدهما‬
‫على اآلخر اهتداءً حبد البالغة الذي رمسه‪ ،‬ويف أعطاف ذلك برزت أحكام أدبية خمتلفة‪ ،‬كإحلاح‬
‫املؤلف على االختصار يف الشعر ومجع املعنى يف أقل ما يكون من اللفظ‪ ،‬أما األحكام املرتتبة على‬
‫املقارنة فتدور على وضوح املعنى وحسنة‪ ،‬وهما مقياسان خمتلفان أوهلما عقلي‪ ،‬وثانيهما مجالي‪ ،‬وهو‬
‫مل يستطع املقارنة إال حبل املنظوم ومحل املنثور على املنظوم‪ ،‬وهذا يفسر إىل حد بعيد تركيزه على‬
‫الوضوح بالنسبة إىل النثر واحلسن واملالحة بالنسبة إىل الشعر‪.‬‬
‫أما القسم الثالث من الرسالة فمخصص لبيان خصائص منطق الرسول صلى اهلل عليه وسلم الذي يعلو‬
‫على كل منطق ويقهره وخصائص القرآن وهو الكالم األوحد‪ ،‬وقد سعى املربد جهده إىل اإلقناع بصلة‬
‫هذا القسم مبوضوع رسالته‪.‬‬
‫فالرسالة ليست متجردة لدراسة مسائل بالغية مضبوطة‪ ،‬وإمنا هي مشاركة نقدية تثري مجلة من‬
‫القضايا البالغية تتصل مبقاييس جودة النص‪.‬‬
‫الكامل يف اللغة واألدب‪ :‬يعترب الكامل جامع ألشتات من العلوم واملعارف ال يربط بينها إال وقوعها يف‬
‫حيز األدب‪ ،‬ومل خيلو هذا الكتاب من خطرات نقدية وبالغية متفاوتة القيمة ذات بال تكشف عن‬
‫أهمية اجلهد الذي بذله صاحبه يف تطوير مسائل هذا العلم‪ ،‬ومل يكن تناول املؤلف ملادة الكتاب‬
‫موحداً فقد تناول بعض املسائل من منظور حنوي بينما تناول بعضها اآلخر من زاوية أدبية‪ ،‬وقد كانت‬

‫‪124‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫مسألة طرائق األداء اللغوي وأمناط التعبري الدالة‪ ،‬من االعتبارات النظرية اليت ساهم املربد يف بلورته‪،‬‬
‫وقد ضبط منها ثالث‪ :‬حني قال‪" :‬والكالم جيري على ضروب فمنه ما يكون يف األصل لنفسه ومنه‬
‫ما يكنى عنه‪ ،‬ومنه ما يقع مثالً فيكون أبلغ يف الوصف"‪.‬‬
‫واملسألة الثانية تتعلق مبوقفه من اإلفراط يف الصفة وجتاوز احلقيقة يف العبارة ولئن مل يفرد املربد هذه‬
‫املسألة بباب خاص فإنه أشار إليها يف مواطن عديدة ذكرها فيها التشبيه‪ ،‬فمن التشبيهات املفرطة ما‬
‫كان حمل إعجاب املربد‪ ،‬ومل يكت ف مبجرد التعبري عن اإلعجاب بل حياول إجياد ما يدعم موقفه يف‬
‫فهم العالقة الرابطة بني ركين التشبيه‪ ،‬فاإلفراط واملبالغة طريقتان يف التعبري يروم بهما الكاتب‬
‫إدخال القاريء يف معايشة وجدانية‪ ،‬إال أنه يف سياقات أخرى يكون سيء الظن يف املبالغة والتشبيه‬
‫املتجاوز متشب ثاً بضرورة مطابقة الفن القولي للحقيقة املوضوعية يقول‪" :‬وأحسن الشعر ما قارب فيه‬
‫القائل إذا شبه‪ ،‬وأحسن منه ما أصاب به احلقيقة"‪ ،‬وستكون هذه القاعدة صاحبة الصدارة ملقاييس‬
‫جودة النص‪ ،‬فاملعارك األدبية السيما اليت حمورها املفاضلة ترتكز على قرب الصورة وبعدها‪ ،‬وهي‬
‫حتد من أهمية اخليال كطاقة تبتدع الصورة وتأتي بها على غري مثال‪.‬‬
‫أما املسألة الثالثة فمحدودة القيمة يف مؤلفه‪ ،‬فاملربد مل يبتدعها وإمنا أعان على توضيحها بالشواهد‪،‬‬
‫وحمصل هذه املسألة اليت أوالها اجلاحظ عناية كربى التأكيد على أن قيمة الظاهرة األسلوبية سياقية‬
‫تتبدل بتبدل املوضع واملقام‪.‬‬
‫إىل جانب هذه االهتمامات النظرية نصادف يف الكامل إشارات بالغية كثرية تتناول جل ما سبق يف‬
‫الفرتتني السابقتني وهذه اإلشارات قسمني‪ :‬قسم مل يبذل املربد أي جمهود لتطويره وتعميقه وقسم آخر‬
‫يشمل مسائل طرحت يف التآليف املتقدمة عليه إال أنه طورها يف وجه من الوجوه‪.‬‬
‫فمن القسم األول نشري إىل اقتفائه أثر اجلاحظ يف إبراز بالغة "االختصار املفهم" و "اإلطناب املفخم" و‬
‫اإلمياء واإلشارة ومقاييس جودة اللفظ والكالم‪ ،‬كما اهتم ببعض األساليب اليت درسها النحاة قبله‬
‫كالتقديم والتأخري والوظائف املتعلقة به واالستفهام وخروجه عن أصل معناه وكذلك اهتم مبعاني‬
‫النداء‪.‬‬
‫ومن النوع الثاني نذكر ثالثة مباحث رئيسية تبويء املربد مكانة بارزة يف تاريخ البالغة العربي‪:‬‬
‫املبحث األول يبدو ألول وهلة مبحثا حنويا ال عالقة له بالبالغة لتعلقه خبرب اجلملة اإلمسية ‪ .‬إال أن‬
‫البالغيني املتأخرين ‪ ،‬وال سيما عبد القاهر سينبهون إىل قيمة ما اهتدى إليه سلفهم ‪ ،‬ويذكرون فضله‬
‫يف فتح بصائره على خمتلف املعاني اليت يؤديها اخلرب الواحد إن اختلف جواره اللغوي ‪ .‬وبذلك أدرجوه‬
‫ضمن أدق مباحث املعاني وألطفها واستعملوه حجة ألهمية النظم يف حتديد املعنى ولننطلق يف بيان ذلك‬
‫من رأي عبد القاهر نفسه‪" :‬روي عن ابن األنباري أنه قال‪ :‬ركب الكندي املتفلسف إىل أبي العباس‬
‫وقال له‪ ،‬إني ألجد يف كالم العرب حشوا‪ ،‬فقال له أبو العباس أي موضع وجدت ذلك ؟ فقال ‪ :‬أجد‬
‫العرب يقولون ‪ :‬عبد اهلل قائم ‪ :‬ثم يقولون إن عبد اهلل قائم‪ ،‬ثم يقولون ‪ :‬إن عبد اهلل القائم ‪ :‬فاأللفاظ‬

‫‪125‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫متكررة واملعنى واحد فقال أبو العباس ‪ :‬بل املعاني خمتلفة الختالف األلفاظ ‪ ،‬فقوهلم عبد اهلل قائم‬
‫إخبار عن قيامه ‪ ،‬وقوهلم إن عبد اهلل قائم جواب عن سؤال سائل وقوهلم‪ :‬إن عبد اهلل القائم ‪ :‬جواب‬
‫عن إنكار منكر قيامه ‪ ،‬فقد تكررت األلفاظ لتكرر املعاني فما أحار الفيلسوف جوابا" وواضح‬
‫من هذا النص أن املسألة تتعلق بالتساؤل عما إذا كانت التحوالت اليت تطرأ على بنية اجلملة يوافقها‬
‫حتول يف املعنى أو ال‪ ،‬وإن مل يتعمق املربد يف حتليل هذا احلدس فإن عبدالقاهر تبنى فكرته وغاص‬
‫يف أحشائها وانتهى إىل عالقة اللفظ باملعنى‪ ،‬فعلى هذا النمط يصبح اخلرب أضرباً‪ ،‬وقد كان املربد‬
‫السبب يف إضافة باب جديد يف علم املعاني سُمي "أضرب اخلرب"‪.‬‬
‫أما املبحث الثاني الذي بذل فيه املربد جمهوداً شخصياً واضحاً وعمل على تطوير مسائلة بكيفية مل‬
‫نعهدها يف الدراسات السابقة‪ ،‬فهو الباب الذي عقده للتشبيه‪ ،‬وقد أطاله بشكل الفت لالنتباه‪ ،‬ومرد‬
‫اهتمام املربد بالتشبيه اقتناعه بأنه أكثر أساليب التعبري انتشاراً‪ ،‬ويتصل بطريقته اليت بناها على‬
‫االستقراء واالستنتاج الشخصي‪.‬‬
‫أما املظهر الثالث فهو املعلومات املستخلصة من استقراء النماذج الشعرية الكثرية‪ ،‬وهي تدور حول‬
‫ثالثة حماور رئيسية‪ ،‬حد التشبيه و أقسامه و طبيعته‪.‬‬
‫وطريقة املربد ال تتقيد مبقتضيات احلد من الوجهة املنطقية وختالف ما جرت به العادة يف حماصرة‬
‫الظواهر اللغوية وضبط مواصفاتها‪ ،‬وقد سلك يف ذلك طريقة ترتكز على تبيني عالقة طريف التشبيه‬
‫اليت يش رتط فيها أن تكون عالقة احتاد‪ ،‬وعالقة خالف أو تباين يف نفس الوقت‪ .‬أما أضرب التشبيه‬
‫فيمكن النظر إليها من زاويتني‪ :‬زاوية النعوت واألحكام املوظفة إلبراز املفعول اجلمالي‪ ،‬وحظه من‬
‫احلسن وفضل تشبيه على آخر يف ذلك‪ ،‬فمن التشبيهات العجيب واملصيب واحلسن واحلسن جداً واجليد‬
‫واحللو واملليح واملفرط والقاسط والطريف والغريب واملطرد والسخيف واجلامع واملختصر ‪ ،......‬وليس‬
‫للمربد فضل إال فضل مجعها وترسيخ املنزع االنطباعي يف تقييم فاعلية التشبيه‪ ،‬والزاوية الثانية أدق‬
‫من األوىل وأكثر صرامة ألنها تركز التقسيم على أساس ثابت ونظرية مسبقة عن عالقة الفن‬
‫مبوضوعه‪ ،‬والصورة مبثاهلا‪ .‬فالتشبيه يقع يف أربعة حمال‪ :‬مصيباً ‪ ،‬مقارباً ‪ ،‬بعيداً ‪ ،‬مفرطاً‪،‬‬
‫وميكن أن جنزم بأن أقسام التشبيه ونعوته عند املربد هي أوفى ما وصلنا عن البالغة العربية‪.‬‬
‫أما املبحث الثالث الذي ساهم املربد يف تطوير مسائله البالغية فهو يتعلق بدراسة الكناية‪ ،‬ومل يزد‬
‫فيه املربد على مجع املعلومات السابقة يف باب واحد ‪ ،‬وقد اجتهد يف تقسيمها والتمثيل لكل قسم‪،‬‬
‫فأقسام الكناية بناءً على ما تؤديه من وظائف ثالثة‪ :‬أوهلما التعمية والتغطية ‪ ،‬وثانيهما الرغبة عن‬
‫اللفظ اخلسيس الفحش ‪ ،‬وثالثهما التفخيم والتعظيم‪.‬‬
‫وميكن أن نقول ‪ ،‬يف اجلملة ‪ ،‬إن الكناية يف الكامل‪ ،‬مل خترج عن احلدود اليت رمسها اللغويون‬
‫وعلماء البالغة قبله ‪ ،‬إال أنه مجع مسائلها يف باب واحد‪ ،‬ولعل أبرز مظاهر التأثر بأسالفه بقاؤها ‪،‬‬
‫عنده ‪ ،‬مرتبطة أشد االرتباط‬

‫‪126‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫بالعامل األخالقي واملواضعات االجتماعية‪ ،‬وقد ساهم املربد مثل غريه من اللغويني والعلماء بالشعر يف‬
‫تركيز أسس البالغة وتطويرها‪ ،‬ناهيك أنه أول من ذكر مصطلح البالغة يف عنوان رسالة من رسائله‬
‫‪ ،‬وأول من عقد مقارنة صرحية بني الشعر والقرآن‪ ،‬ولعل طرافة املربد تكمن يف علمه الدقيق بالشعر‬
‫‪ ،‬وبراعته يف النحو واللغة‪ .‬وقد وجدناه يسلك يف دراسة التشبيه سبيال غري معهودة فتحت أمام التأليف‬
‫البالغي آفاقا جديدة‪.‬‬
‫كتاب البديع "لعبداهلل بن املعتز"‪:‬‬
‫يعترب كتاب « البديع » نقطة حتول هامة يف مسار الدراسات البالغية و عالمة بارزة يف جمال النظرية‬
‫األدبية عند العرب‪ ،‬فهو بإمجاع الباحثني عربا و مستشرقني أول كتاب جعل من البالغة غاية تأليفه و‬
‫حماولة فريدة إلرساء أصول البالغة على أسس عربية صرحية‪ ،‬وأول كتاب يتناول األدب تناوال فنيا‪،‬‬
‫و باستطاعة املتتبع ألطوار البالغة من البداية إىل نهاية القرن الثالث أن جيزم بأن قيمة الكتاب ال‬
‫متكن يف مضمونه ‪ ،‬ال من حيث عدد الوجوه اليت اشتمل عليها ‪ ،‬وال من حيث الصياغة النظرية لبعض‬
‫تلك الوجوه ‪ ،‬وما يتعلق بها من تقسيم وحتديد ‪ .‬فليس من وجوه البديع اخلمسة اليت أثبتها وهي «‬
‫االستعارة‪ ،‬والتجنيس» و « املطابقة » و « رد أعجاز الكالم على ما تقدمها‪ « ،‬واملذهب الكالمي ‪،‬‬
‫وجه واحد مل يسبق إليه مبصطلحه أو مبعناه ‪ .‬ومعلوماته عن التشبيه دون معلومات املربد مجلة وتفصيالً‪.‬‬
‫إن قيمة الكتاب الرئيسية تكمن يف صدوره عن درجة عالية من الوعي مبداه و حدوده وحترك صاحبه‬
‫من رؤية واضحة ال منطلقات وغايات جعلت مادته خاضعة لتلك الرؤية ال تتجاوزها فجاء الكتاب‬
‫خمتصرا مشذبا خاليا من كل مظاهر االستطراد واحلشو‪ ،‬ومن أبرز مظاهر الوعي والوضوح اشتمال‬
‫«البديع ‪ ،‬على نصوص نظرية‪ ،‬فابن املعتز ‪ ،‬هو أول من مجع البديع وألف فيه كتابا‪ ،‬وقد بين الكتاب‬
‫على موقف من قضية نقدية هامة أثريت يف القرن الثالث عندما قام مجاعة من الشعراء ‪ ،‬أغلبهم من‬
‫أصل غري عربي‪ ،‬وجهوا عنايتهم إىل الصياغة الشعرية وأشكال التعبري والتصوير الفين ‪ ،‬ومل ختل‬
‫نزعتهم هذه من روح عدائية جتاه «عمود الشعر‪ ،‬أملتها خلفيات ايديولوجية» عرقية حضارية عرفت يف‬
‫تاريخ اجملتمع العربي اإلسالمي بالشعوبية‪ ،‬يقول صاحب كتاب البديع‪" :‬قد قدمنا يف أبواب كتابنا‬
‫هذا بعض ما وجدنا يف القرآن ‪ ،‬واللغة وأحاديث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وكالم الصحابة ‪،‬‬
‫واألعراب ‪ ،‬وغريهم ‪ ،‬وأشعار املتقدمني ‪ ،‬من الكالم الذي مساه احملدثون البديع ليعلم أن بشارا‬
‫ومسلما وأبا نواس ‪ ،‬ومن تقيَّلهم ‪ ،‬وسلك سبيلهم ‪ ،‬مل يسبقوا إىل هذا الفن ‪ ،‬ولكنه كثر يف أشعارهم‬
‫فعرف يف زمانهم حتى مسي بهذا االسم فأعرب ودل عيه"‪ ،‬وقد جنم عن ذلك خالف طويل ‪ ،‬لعل آثاره‬
‫مل متح إىل اليوم‪ ،‬كان يف ظاهره أدبيا أطلقوا عليه «خصومة القدماء واحملدثني إال أنه كان خيفي‬
‫صراعاً حضارياً‪ ،‬فالروح اليت أملت الكتاب روح نقدية ال بالغية‪ ،‬وموقف ابن املعتز من الصراع واضح‬
‫فهو «دفاع عن القدماء ‪ ،‬أو إرجاع الفضل إليهم فيما ادعاه احملدثون ألنفسهم » إال أن الطريف يف األمر‬

‫‪127‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫أن الدفاع انطلق من تبين تلك األساليب وتأصيلها يف الرتاث العربي القديم ال برفضها أو ضرب احلصار‬
‫عليها‪.‬‬
‫والتبويب يف كتاب البديع درجات‪ ،‬فهناك ما ميكن أن تسميه التبويب اخلارجي ويشمل أقسام‬
‫الكتاب وترابط األبواب‪ ،‬وهناك التبويب الداخلي‪ ،‬وهو كيفية ترتيب املادة يف نطاق الوجه الواحد‪.‬‬
‫التبويب اخلارجي‪ :‬حيتوي الكتاب على قسمني كبريين هما باب البديع وباب حماسن الكالم والشعر‪،‬‬
‫وقد قصر البديع على الوجوه اخلمسة املذكورة‪ ،‬ومل يعرف سبب قصره عنوان الكتاب على اسم‬
‫الباب األول‪ ،‬مع وجود الباب الثاني باسم خمتلف إال أن البابني رسالتني خمتلفتني ضمت يف كتاب‬
‫واحد عُنون بعنوان الباب األول منه‪.‬‬
‫التبويب الداخلي‪ :‬يقوم على ثالثة أركان رئيسية هي‪ :‬التعريف وهو الفاصل بني باب وباب‪ ،‬والشواهد‬
‫املوضحة‪ ،‬ويف الركن الثالث يأتي ما "عيب من الشعر والكالم‪ ،‬وتعريفات ابن املعتز حتمل بصمات‬
‫هذه املرحلة فهو مل يطورها وقد اعتمد يف الكثري منها على ما وجد عند غريه‪ ،‬أما تبويب األمثلة يف‬
‫ن طاق املسألة الواحدة فهو خاضع ملقياس مزدوج عقائدي وزمين‪ ،‬فهو عادة يبدأ بذكر الوجه من‬
‫القرآن‪ ،‬فاألحاديث‪ ،‬فكالم الصحابة‪ ،‬واذا انتقل إىل الشعر راعى الرتتيب التارخيي فبدأ بالقدماء‪،‬‬
‫ويالحظ على ابن املعتز أنه قليل التدخل ضنني برأيه كثرياً ما يقتصر يف حكمه النقدي على جمرد‬
‫االنطباع واالنفعال الذوقي غري املعلل‪ ،‬وهو قليل التثبت من مدى مطابقة األمثلة املذكورة للباب‪ ،‬فقد‬
‫نقل يف باب االستعارة عن اجلاحظ روايات ال عالقة هلا بالباب‪ ،‬كما أكثر من االستعارات غري املفيدة‪،‬‬
‫ويدل الرتكيب الثنائي للباب على أن صاحب الكتاب ال يعلق بهذه األساليب قيمة مجالية مطلقة وال‬
‫يعترب االلتجاء إليها عنوان تفوق وبراعة‪.‬‬
‫وخالصة القول يف كتاب البديع‪ ،‬أنه يعترب منعرجاً حامساً يف التأليف البالغي ومساهمة فعالة يف بلورة‬
‫حدود العلم وختليصه من تبعية العلوم األخرى‪ ،‬فهو يف حدود ما وصلنا أول تأليف خمصص جلمع‬
‫األ ساليب البالغية بكيفية مل تسبق‪ ،‬كما بذل مؤلفه جمهوداً واضحاً لتبويب املادة وترتيبها‪،‬‬
‫والكتاب باإلضافة إىل كل ذلك شهادة ناصعة لتمازج اختصاصني وهما البالغة والنقد‪ ،‬وقد تبنى ابن‬
‫املعتز يف هذا الكتاب أساليب الشعر احملدثة وحبث هلا عن جذور يف الرتاث‪.‬‬
‫‪ . 2‬أهم قضايا التفكري البالغي إىل القرن السادس‪:‬‬
‫باإلمكان حصر هذه القضايا يف حماور ثالثة هي‪ :‬املفهوم املنهج اإلجراء‬
‫فاملفهوم‪ :‬مجلة املصطلحات اليت متثل قيمة االستخالص النظري ويف مقدمة تلك املفاهيم زوج‬
‫"احلقيقة‪/‬اجملاز" وهو حجر الزاوية‪ ،‬واملقابلة بني احلقيقة واجملاز ال تعدو أن تكون مقابلة بني ما هو‬
‫أدب وبني ما هو غري أدب‪ ،‬ومن املفاهيم اهلامة كذلك زوج "البالغة‪/‬الفصاحة" وهما أكثر املصطلحات‬
‫تواتراً وأصال احلكم يف بالغة النص‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫أما املنهج‪ :‬فيُعنى به األسس والطرائق املعتمدة يف حتليل الكالم من اجلهة البالغية والوقوف على‬
‫أسباب تلك البالغة وأسرارها‪.‬‬
‫واإلجراء‪ :‬هو خمتلف املقاييس التطبيقية اليت حددوا بها بالغة النص وجودته على صعيدي الشكل‬
‫واملضمون‪.‬‬
‫أ‪ .‬املفاهيم‪:‬‬
‫▪ احلقيقة واجملاز ‪ :‬لقد تفطن اللغويون وعلماء البالغة إىل وجود مستويني يف استعمال اللغة‬
‫مستوى مشرتك بني الناس‪ ،‬ومستوى ثان يتجاوز األمناط املتعارفة يف التعبري ويتصرف يف‬
‫استعمال اللغة‪ ،‬وقد أطلقوا على املستوى الثاني "االتساع" ثم اشتقوا من األصل اللغوي الدال‬
‫على معناه صيغة "اجملاز"‪ ،‬حتى جاء اجلاحظ فربط القضية بدالالت اللغة وعلم معانيها‬
‫فكان أول من ظهرت عنده مقابلة احلقيقة باجملاز‪ ،‬ومن مظاهر التطور الكربى ربطهم‬
‫بني نشأة اجملازات يف اللغة ونشأة الشعر واألدب وكل صنوف املمارسات الفنية‪ ،‬ويقوم‬
‫احلديث عن احلقيقة واجملاز على ركنني‪ :‬أوهلما اإلقرار بإمكانية اجلري يف استعمال اللغة‬
‫على أكثر من وجه‪ ،‬وثانيهما انشغال علماء البالغة بالبحث عن مقياس يعتمد إلخراج ذلك‬
‫اإلقرار من حيز املالحظة العينية إىل حيز البحث والتحليل وتفسري خصائص اللغة يف األدب‪.‬‬
‫▪ الكالم األدبي وصنوف الكالم األخرى ‪ :‬إن أهم املصطلحات الواردة يف وصف الكالم‬
‫األدبي هي‪:‬‬
‫العدول ‪ :‬وهو يدل على ترك طريقة يف القول إىل طريقة أخرى ألنها أحسن أو ملعنى زائد‪،‬‬
‫واملعاني اليت يعد من أجلها عن احلقيقة يف رأي ابن جين ثالثة‪ :‬االتساع والتوكيد‬
‫والتشبيه‪.‬‬
‫▪ القول الشعري‪ /‬القول األدبي‬
‫▪ القول الشعري‪/‬القول العادي‬
‫▪ الكالم يف حد البالغة‪/‬الكالم الغفل‪ :‬استعمل هذين املصطلحني عبدالقاهر اجلرجاني‬
‫▪ اللحن‪ :‬هو أن تلحن بكالمك أي متيله إىل حنو من األحناء ليفطن له صاحبك كالتعريض‬
‫والتورية‪ ،‬وقد ورد هذا املصطلح باملعنى األسلوبي يف تفسري الزخمشري‪.‬‬
‫▪ الكالم الذي فيه ضروب اجملاز‪/‬الكالم العريان‪:‬‬

‫تدل هذه املصطلحات على أن األدب يستمد جانباً كبرياً من خصائصه من خروجه يف توظيف اللغة عن األمناط‬
‫املألوفة يف الكالم ال سيار الدارج ولذلك حتتم البحث عن معيار أو قيمة ثابتة ميكن باالعتماد عليها ضبط‬
‫مظاهر هذا اخلروج وكيفياته‪ ،‬والبحث عن املعيار كان من املشاغل املنهجية القارة يف التفكري البالغي عند‬

‫‪129‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫العرب‪ ،‬والبحث عن املقياس هو الذي ولد االهتمام باحلقيقة واجملاز ودفع العرب إىل دراسة قضية الداللة‬
‫والتاريخ ألطوار اللغة وميالد الشعر واألدب‪.‬‬
‫يف كتاب احلروف للفارابي نص يلخص جممل القضايا اليت دار حوهلا حديث علماء البالغة واللغة يف باب‬
‫احلقيقة واجملاز‪ .‬فهو يرى أن اللغة كجهاز عالمي مؤسس ملقولة العبارة نشأت على مرحلتني املرحلة األوىل متثل‬
‫بداية النشأة‪ ،‬وقد أطلق على هذا الطور "استقرار األلفاظ على املعاني" أما الطور الثاني فيسمى "طور النسخ‬
‫والتجوز يف العبارة باأللفاظ" وأهم مميزات هذا الطور توليد عالقات جديدة بني العالمات اللغوية وما تعرب عنه‬
‫واخلروج عن الداللة بالذات إىل الداللة باملوضع والسياق والقرائن باستعمال صنوف اجملازات‪ ،‬وضروب التجوز‬
‫يف العبارة حمكومة بشروط منها‪ :‬التعلق‪ ،‬واال تصبح العبارة اجملازية راتبة للمعنى‪ ،‬وأن تكون العالقة بني‬
‫املستعار واملستعار له عالقة عرضية تنعدم مبجرد انتهائها من وظيفتها‪ ،‬وينتهي الفارابي إىل أن اخلطيبة أوالً‬
‫والشعرية ثانياً تنشأ من هذا الطور الثاني الذي ترتاكب فيه سنن اللغة ويصبح باإلمكان صياغة القول على‬
‫هيئة تقنع أو ختيل‪:‬‬
‫▪ «فإذا استقرت األلفاظ على املعاني اليت جعلت عالمات هلا فصار واحد واحد الواحد واحد‬
‫وكثري الواحد أو واحد لكثري وصارت راتبة على اليت جعلت دالة على ذواتها صار الناس‬
‫بعد ذلك إىل النسخ والتجوز يف العبارة‬
‫▪ باأللفاظ فعرب باملعنى بغري امسه الذي جعل له أوال وجعل اإلسم الذي كان املعنى ما راتبا له‬
‫داال على ذاته عبارة عن شيء آخر متى كان له به تعلق ولو كان يسريا إما لشبه بعيد وإما‬
‫لغري ذلك من غري أن جيعل ذلك راتبا للثاني داال على ذاته فيحدث حينئذ االستعارات‬
‫واجملازات والتحرد بلفظ معنى ما عن التصريح بلفظ املعنى الذي يتلوه مين كان الثاني يفهم‬
‫من األول وبألفاظ التصريح بألفاظ معان أخر إذا كان سبيلها أن تقرن باملعاني األول متى‬
‫كانت تفهم األخرية مع فهم األوىل والتوسع يف العبارة بتكثري األلفاظ و تبدیل بعضها‬
‫ببعض وترتيبها وحتسينها فيبتديء ذلك يف أن حتدث اخلطيبة أوال ثم الشعرية قليال قليال »‬
‫وميكن أن جتمل القضايا املطروحة يف هذا النص يف احملاور اآلتية اليت تستقطب بدورها‬
‫أهم املساهمات يف موضوع احلقيقة واجملاز ‪:‬‬
‫• ميزة األدب الرئيسية هي خروجه عن الوجوه املألوفة يف استعمال اللغة وكيفية أداء املعنى‪،‬‬
‫وهو حبكم وظيفته‪ ،‬ال ينشأ إال من تراكب السنن وإمكانية التعبري عن املعنى الواحد‬
‫بطرق خمتلفة‪.‬‬
‫• حتتل احلقيقة مرتبة األصل واجملاز مرتبة الفرع حبكم تعاقب األطوار يف النشأة‪ ،‬وينتج عن‬
‫هذا من الوجهة املبدئية على األقل أن كل جماز يرتبط حبقيقة‪.‬‬
‫• أن العدول عن املعنى احلقيقي إىل معنى جمازي سببه حاجيات يف التعبري تقصر احلقيقة عن‬
‫تأديتها‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫أداء املعنى‪:‬‬ ‫‪. 1‬‬


‫ليست املصطلحات اليت استعرضناها إال مظهراً من اجلهد الذي بلغه البالغيون العرب حملاصرة أسباب بالغة‬
‫النص األدبي وفضله على ضروب القول األخرى‪ ،‬وميكن أن نقسم هذه املساهمات إىل صنفني‪ :‬الصنف األول‬
‫يشمل املؤلفات الواقعة بني القرن الثالث والقرن اخلامس‪ ،‬والصنف الثاني يستأثر به عبدالقاهر اجلرجاني وأبو‬
‫يعقوب السكاكي‪ ،‬ومل يوفق أصحاب املؤلفات األوىل إىل ضبط ماهية التحوالت اليت تطرأ على نظام الداللة‪،‬‬
‫وبقي جمهودهم النظري مقتصراً على حد احلقيقة واجملاز‪ ،‬وقد بقوا يباشرون القضية مباشرة حتليلية تشرح‬
‫الشواهد‪ ،‬وميكن تلخيص طريقتهم يف العمل على النحو اآلتي‪ :‬إيراد الشاهد ثم يرتجم صاحب التأليف عن‬
‫معناه نثراً وبعدها حيا ول إظهار الفارق بني الطريقتني يف األداء واإلضافات املعنوية‪ ،‬وكثرياً ما يعول املتأخر‬
‫على املتقدم فتتكرر االستشهادات وال تتغري طريقة التحليل‪ ،‬وقد سارت أغلب املؤلفات على ذلك‪ ،‬فشغلها‬
‫احلرص على تأكيد املعنى املضاف واإلقناع بوجوده‪ .‬لقد كانت كل هذه احملاوالت حتوم حول اهلدف وال تقع‬
‫عليه وتروم فك مغلقاته فال تقوى حتى جاء عبدالقاهر اجلرجاني فإذا هو يوجز ما أشكل على أجيال يف عبارة‬
‫هي منتهى ما وصلت إليه البالغة يف تفسري طرائق األداء اللغوي يف النص األدبي‪ ،‬وتلك العبارة هي "معنى‬
‫املعنى"‪ ،‬حيث كان أول مظهر من مظاهر انفصال اجلرجاني عن هذه الطريقة يف النظر ربطه اجملاز مبعنى‬
‫اللفظ ال باللفظ ورفضه فكرة النقل مقياساً للتفسري‪ ،‬ونظرية "معنى املعنى" باإلضافة إىل كونها قانوناً كلياً‬
‫يفسر داللة اجملاز‪ ،‬تساعد على فهم جانب مهم من املقاييس البالغية السابقة وخترجيها على وجه صحيح‬
‫معقول‪.‬‬
‫أ ما طرافة السكاكي يف هذا املوضوع فتتمثل يف الطريقة اليت وصف بها خمتلف املراحل اليت مير بها "أصل‬
‫معنى الكالم ومرتبته األوىل‪ ،‬وقد حلل قوله تعاىل‪( :‬ربي إني وهن العظم مين واشتعل الرأس شيبا) فاعتمد‬
‫على مبدأ التحوالت‪ ،‬وقد مساه الدرجات‪ ،‬ويظهر من هذا التحليل أن االنتقال من مستوى إىل آخر عملية معقدة‬
‫ال تتم إال بتضافر عناصر النظام اللغوي وتكاتفها‪.‬‬
‫عالقة اجملاز باحلقيقة‪ :‬تتلخص عالقة اجملاز باحلقيقة يف ثالثة مبادئ مرتابطة‪:‬‬
‫• البد لك جماز من حقيقة‬
‫• التعبري احلقيقي متقدم على النشأة على التعبري اجملازي‬
‫• احلقيقة أوىل من اجملاز يف االستعمال إن مل يتضمن ماال تتضمنه‬
‫وقد وقع التعبري عن املبدأ األول يف ثالثة مواطن‪:‬‬
‫• يف حد اجملاز بالدرجة األوىل‬
‫• يف حديثهم عن الوجوه البالغية‬
‫• يف اجلمل الواردة يف غضون حتليالتهم األدبية‬
‫أما املبدأ الثاني فقد عربوا عنه عند حديثهم عن نشأة اللغة‪ ،‬كما عربوا عنه أثناء حديثهم عن الرتاكيب‬
‫واملعاني‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫أما أولوية احلقيقة يف االستعمال إن مل يتضمن اجملاز معنى زائد فيكاد التعبري عنه ينحصر يف دراساتهم‬
‫التطبيقية لوجوه اجملاز وبيان دورها املعنوي‪.‬‬
‫ويشعر قارئ الرتاث العربي بأن ضبط حدود اجملاز كان "أزمة" حادة أربكت البالغيني‪ ،‬فنتيجة للمناقشات‬
‫الدائرة يف ذلك قالوا خبلو بعض األلفاظ من احلقيقة واجملاز معاً‪ ،‬وذهب آخرون إىل أن من اللغة ما هو واسطة‬
‫بني الطرفني‪ ،‬والقول بأن لكل جماز أصالً حقيقياً متقدماً عليه يٌعمق اهلوة بني الصياغة واملعنى‪ ،‬وجند يف‬
‫مؤلفاتهم ما يدل على أن اسبقية احلقيقة على اجملاز قائمة على تصور لغوي حبت ينم عن فهم طريف حلركية‬
‫اللغة والعوامل املتحكمة يف توسعها‪ ،‬وال فضل فيما ذُكر بني احلقيقة واجملاز بل رمبا كان اجملاز أدخل يف‬
‫الفصاحة ألنه كاالستدالل يف اللغة‪ ،‬وقد تفطنوا إىل أن العالقة بني احلقيقة واجملاز معقدة ال تسري دائماً يف‬
‫اجتاه واحد فكما أن اجملاز يتولد عن احلقيقة تتولد احلقيقة عن اجملاز‪ ،‬فمن أنواع اجملاز ما ال ميكن اعتباره‬
‫تطوراً عن احلقيقة لكثرة استعماله وجريانه على ألسنة الناس‪ ،‬كتشبيه احلسن بالشمس والقمر‪ ،‬وقريب من‬
‫هذا صنف من اجملاز خمرتع يف األصل إال أن تواطؤ الشعراء عليه وإغراقهم يف استعماله يأتي على فاعليته‬
‫الفنية ويسقطه يف املشرتك املبتذل‪.‬‬
‫دوافع التعبري باجملاز ‪ :‬رأى علماء البالغة لتولد اجملاز سببني متفاوتني يف األهمية‪ :‬سبب مل يغفل ذكره أي‬
‫مصدر‪ ،‬وسبب ورد يف بعضها دون بعضها اآلخر‪ .‬ترتبط نشأة اجملاز حسب هذا السبب‪ ،‬خبصائص موضوعية‬
‫يف اللغة تؤدي حتماً إىل تولده فكأن اللغة حتمل يف ذاتها عناصر اكتماهلا وتطورها الذاتي وتتسلط على‬
‫مستعملها فتجربه على تصريفها على أكثر من وجه‪.‬‬
‫أما السبب الثاني فمعنوي حددوه بصفة غري مباشرة عند حديثهم عن وظائف اجملاز‪ .‬وهم ينطلقون يف حتديد‬
‫تلك الوظائف من مبدأ أمجعوا عليه وهو ضرورة أن يؤدي اجملاز معنى ال تؤديه احلقيقة‪ ،‬وقد بلغ هذا املبدأ‬
‫أقصى درجات حتققه عندما رفضوا أن تكون الظاهرة األسلوبية مفيدة يف بعض املواطن دون بعض‪ ،‬والطرف‬
‫يف حتديد وظيفة اجملاز هو املتقبل أو قارئ النص ألنه غاية اجملاز القصوى وباالستتباع غاية األدب هي التأثري‬
‫يف السامع تأثرياً تتحقق معه مقاصد صاحب النص والغايات اليت رمسها خلطابه‪ ،‬وفضل اجملاز "أنه يفعل يف‬
‫نفس السامع ما ال تفعل احلقيقة"‪ ،‬ولبلوغ هذا اهلدف البد أن يكون اجملاز يف إحدى املراتب الوظائفية اآلتية‪:‬‬
‫املرتبة األوىل شكلية يقتصر فيها دوره على حتسني املعرض الذي يربز فيه املعنى‪ ،‬وهو هنا مبثابة الوعاء‬
‫والكسوة يساعد على تقبل املعنى وال يؤثر فيه‪.‬‬
‫املرتبة الثانية أقل شكلية من األوىل ألن اجملاز فيها يقوم بدور القادح الذي حيرك كوامن اللغة‪.‬‬
‫املرتبة الثالثة تتعلق باملعنى نفسه واخلصوصيات اليت يضيفها التعبري باجملاز إىل املعنى األصلي‪.‬‬
‫ولئن كان شرط الفائدة يف اجملاز موقفاً لغوياً عاماً مل يتفرد العرب بالدفاع عنه فإنه اختذ عندهم طابعاً خاصاً‬
‫وشكالً بارزاً حاداً نعتقد أن للقرآن ضلع ًا فيه‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫يتضح مما سبق أن مسألة احلقيقة واجملاز ليست جمرد مبحث فرعي‪ ،‬وإمنا هي نافذة من النوافذ اليت‬
‫نستشرف من خالهلا تطور التفكري البالغي ومدخل من مداخل نظرية العرب يف األدب‪ ،‬ولقد أفضت العناية‬
‫بتحديد احلقيقة واجملاز بالبالغيني إىل ميدان أوسع هو علم الدالالت‪.‬‬
‫الفصاحة والبالغة‪ :‬يعترب زوج "الفصاحة‪/‬البالغة" من أكثر املصطلحات توتراً يف نقد الكالم وحتديد مراتبه‪،‬‬
‫وهو ميثل باإلضافة إىل زوج "احلقيقة‪/‬اجملاز" حصيلة املفاهيم العامة اليت تستقطب جل املقاييس املستعملة يف‬
‫وصف ظاهرة األدب وتصنيف طرقها يف التعبري‪ .‬ومباشرة املصطلحني على شكل زوج له مربرات موضوعية‪.‬‬
‫فالعالقة فصاحة‪/‬بالغة تع ين االقتصار على منهج البالغيني‪ ،‬فتباين بهج البالغيني عن اللغويني أشار إليه‬
‫البالغيون أنفسهم‪.‬‬
‫أما الدافع الثاني فيتمثل يف ترابط املصطلحني يف الرتاث البالغي وتفاعلهما إىل درجة يصعب معها تناول أحدهما‬
‫مبعزل عن اآلخر‪ ،‬ناهيك أن اجلاحظ ادرجهما ضمن مفهوم أعم هو البيان‪ ،‬وقد رأينا أن للفصاحة يف مؤلفاته‬
‫معنيني يتعلق أحدهما باللفظ واآلخر بالتلفظ فقط اشرتط لإلبانة أن خيلو النطق من الشوائب اليت تعوق إخراج‬
‫احلروف من خمارجها وأن يكون اللفظ خالصاً نقياً‪ ،‬كما اشرتط فيه أن تتآلف حروفه‪ ،‬وبذلك يكون‬
‫اجلاحظ أول من سن النظر إىل خص ائص اللفظ مفرداً ومؤلفاً‪ .‬أما البالغة فإنها تتضمن باإلضافة إىل الفصاحة‬
‫مجلة من االعتبارات كمطابقة اللف ظ املعنى ومناسبة املقال للمقام واإلبانة عن الغرض بأوجز عبارة‪ ،‬ولعل‬
‫العسكري أول مؤلف يرتجم جبالء عن هذا املشغل حيث ببوأه مرتبة املدخل إىل كتابه "الصناعتني"‪،‬‬
‫فالعسكري جيمع بني موقفني متقابلني موقف تتطابق حسب داللة املصطلحني ويعترب ميدان الدراسة األسلوبية‬
‫ميداناً واحداً‪ ،‬وموقف يفصل أصحابه بني املصطلحني ويضيقون جمال الفصاحة‪ ،‬ولتعويل العسكري على‬
‫النقل والتقليد أهمل السياق التارخيي‪ ،‬فالعسكري بقيت مقارنته بني الفصاحة والبالغة مقارنة فرعية هامشية‬
‫هي باب من مجلة أبواب احتواها كتابه ال إطاراً منهجي ًا ميكن أن تدرج فيه مجلة القضايا‪.‬‬
‫أما كتاب سر الفصاحة للخفاجي فيعترب أكمل حماولة يف الرتاث البالغي لضبط مقاييس الفصاحة‪ ،‬كما‬
‫جيمع كل السلبيات اليت دبت إىل تيار كامل من التأليف‪ ،‬أما الفرق بني الفصاحة والبالغة فقد حدده بقوله‪:‬‬
‫"والفرق بني الفصاحة والبالغة‪ ،‬أن الفصاحة مقصورة على وصف األلفاظ‪ ،‬والبالغة التكون إال وصفاً لأللفاظ‬
‫مع املعاني‪ .‬ال يقال يف كلمة واحدة ال تدل على معنى يفضل عن مثلها بليغة‪ ،‬وإن قيل فيها أنها فصيحة‪ ،‬وكل‬
‫كالم ب ليغ فصيح وليس كل فصيح بليغا" ومفهومه ال ينسجم إال باالعتبارات التالية‪ :‬أنه ال يعرتف بأي مزية‬
‫لوصف األلفاظ مع املعاني‪ ،‬أن يكون هناك بعض التجاوز يف االستعمال فأطلق الفصاحة يف النص األول على‬
‫ما تدل عليه الفصاحة والبالغة معاً‪ ،‬أن يكون مفهوم الفصاحة عنده واسعاً حبيث يشمل خصائص اللفظ‬
‫وخصائص الكالم‪ ،‬وال يتسنى لنا معرفة أقرب االعتبارات إىل الصواب إال بعد استعراض شروط الفصاحة‬
‫كما تبلور ت يف هذا املؤلف‪.‬‬
‫شروط الفصاحة‪:‬‬

‫‪133‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫افتتح قائمة الشروط مبقدمة فيها صدى تفكري قدامة ومنهج اجلاحظ‪ ،‬وهو متأثرٌ مبنهج اجلاحظ يف تقسيمه‬
‫الشروط إىل قسمني األول يوجد يف اللفظة الواحدة‪ ،‬والثاني يوجد يف األلفاظ املنظومة‪.‬‬
‫وشروط اللفظة الواحدة مثانية هي‪:‬‬
‫أن يكون تأليف تلك اللفظة من حروف متباعدة املخارج‬ ‫‪) 1‬‬
‫أن جتد لتأليف اللفظة يف السمع حسناً ومزية على غريها‬ ‫‪) 2‬‬
‫أن تكون الكلمة كما قال اجلاحظ غري متوعرة وحشية‬ ‫‪) 3‬‬
‫أن تكون الكلمة كما قال اجلاحظ غري ساقطة عامية‬ ‫‪) 4‬‬
‫أن تكون الكلمة جارية على العرف العربي الصحيح غري شاردة‬ ‫‪) 5‬‬
‫أن ال تكون الكلمة قد عُرب بها عن أمر آخر يكره ذكره‬ ‫‪) 6‬‬
‫أن تكون الكلمة معتدلة غري كثرية احلروف‬ ‫‪) 7‬‬
‫أن تكون الكلمة مصغرة يف موضع عرب بها فيه عن شيء لطيف‬ ‫‪) 8‬‬
‫وأغلب هذه امل قاييس معروفة أشار إليها اللغويون وعلماء البالغة املتقدمون‪ ،‬وقد تعرض هلا ابن األثري يف "املثل‬
‫السائر" بالنقد واالنتقاد‪ ،‬حيث ناقشه يف الشرط السادس والسابع ألن األخذ بهما كما جاء يؤدي للطعن يف‬
‫القرآن‪ ،‬وقد تطرق إىل بقية املقاييس من وجهة غري دينية فيها شيء من اللغة وشيء من الذوق الشخصي والفطنة‬
‫إىل مواضع الزلل‪ ،‬كما يفرق ابن األثري بني اخلصائص الذاتية يف اللفظة وبني ما يعرض يف السياق من جهة‬
‫املتكلم‪.‬‬
‫شروط التأليف‪:‬‬
‫ذهب احلكماء إىل أن كمال الصناعات خبمسة أشياء هي‪ :‬املوضوع ‪ ،‬والصانع ‪ ،‬والصورة ‪ ،‬واآللة ‪،‬‬
‫والغرض‪.‬‬
‫واالختالف يف صناعة الكالم واقع يف األصل األول دون األربعة األخرى‪ ،‬فمن العلماء من ذهب إىل أن املعاني‬
‫هي موضوع هذه الصناعة يف حني ذهب آخرون إىل أن موضوعها اللغة ذاتها‪ ،‬وهو املوقف الذي يتبناه املؤلف‬
‫ويدافع عنه‪ ،‬وقد اضطر املؤلف إىل دحض الرأي القائل بأن قدرة الصانع بالصورة ال املوضوع‪ .‬ورأيه أن للمادة‬
‫تأثرياً يف ذات الصورة وناظم الكالم حياسب على جودة املادة ألنه قادر على اختيار موضوعه‪ ،‬وبناءً على ما‬
‫تقدم يعرف الفصاحة تعريفاً جيمع إىل شروط اإلفراد شروط التأليف وهو‪" :‬الفصاحة عبارة عن حسن التأليف‬
‫يف املوضوع املختار"‪.‬‬
‫وشروط التأليف قسمان‪:‬‬
‫قسم يتفق مع شروط اللفظة املفردة وقسم ال يظهر إال بضم الكلمات يف السياق‪.‬‬
‫فمن القسم األول‪ :‬اجتناب تكرر احلروف املتقاربة وهو أوضح يف التأليف‪ ،‬وقد استطرد اخلفاجي يف ذلك‬
‫بشواهد كثرية يرى الناظر فيها أن نزعة التقنني املسيطرة على الكتاب أوقعت املؤلف فيما وقع فيه اللغويون‪،‬‬
‫كما يالحظ أمراً يكاد يناقض ما سبق أن ذكر وهو وجود لفتات نقدية طريفة تدل على بعض العمق يف ربط‬

‫‪134‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫األدب مبالبسات إجنازه‪ ،‬ولذلك مسح بالتكرار يف حالتني‪ :‬إذا كان املعنى ال يتم إال به‪ ،‬واحلالة الثانية تربط‬
‫بني بنية النص اللغوية وروح الكاتب ويصبح التكرار عالمة تكشف عن هوس يعتمل داخل الشاعر‪.‬‬
‫ومن الشروط املشرتكة الشرطان اخلامس والسادس وهما أن تكون الكلمة جارية على العرف العربي‬
‫الصحيح وأال يقصد بها معنى غري ما تواتر عليه استعماهلا‪ ،‬وكذلك الشأن يف الشرط اخلامس وال سيما أن‬
‫املعنى الغالب على العرف يف رأي اخلفاجي هو اإلعراب بالدرجة األوىل وإعراب الكلمة تبع لتأليفها‪.‬‬
‫بعد هذا ينتقل املؤلف إىل الشروط اخلاصة بالتأليف ‪ :‬فاألصل الكبري والوحيد هو‪ :‬وضع األلفاظ موضعها‬
‫حقيقة أو جمازاً ال ينكره االستعمال وال يبعد فيه‪ ،‬وهو مقياس فضفاض دخلت فيه أهم قضايا الرتكيب‬
‫والداللة اليت كانت حمور املؤلفات البالغية السابقة أما الشروط املنفصلة فهي‪ :‬املناسبة بني األلفاظ وهي عنده‬
‫نوعان نوع من طريق الصيغة ونوع من طريق املعنى‪.‬‬
‫ويظهر تذبذب اخلفاجي يف تأليفه واشتباه الطرق أمامه وشعوره باملضايق اليت نتجت عن تقيده بفاصل شكلي‬
‫بني الفصاحة والبالغة‪ ،‬أو قل من مبالغته يف توسيع جمال األوىل على حساب الثانية‪ .‬والناظر يف القسم املخصص‬
‫لشروط التأليف يالحظ هذا التذبذب على مستوى العبارة‪ ،‬فما دفع اخلفاجي إىل توسيع مفهوم الفصاحة إىل‬
‫هذا احلد إال املعنى الذي بنى عليه تصوره ملسألة الفصاحة فقد فهمها مبعنى اإلبانة واإلظهار‪ ،‬فمن ثم كان‬
‫كل ما له عالقة ببيان املعنى وإظهاره فصاحة‪ .‬ونتيجة هلذا املوقف متسك اخلفاجي يف كل املسائل اليت عرضها‬
‫بالوضوح وجعل املعنى يف صدارة املقاييس اليت تقيم على أساسها األساليب وحيكم يف شأنها بالقبول‪ ،‬كما‬
‫أن شدة إعجابه بقدامة بن جعفر كان سبباً ثانياً دفع به إىل هذه املضايق‪ ،‬فهو كثري اإلشارة إىل قدامة كثري‬
‫النقل عنه مثله يعترب التشبيه معنى ال جمازاً وضيق فهم اخلفاجي متأتى من أمرين‪:‬‬
‫▪ أنه مل يدرك متام اإلدراك البناء الثالثي الذي سار عليه قدامه يف حتقيق القول يف املعاني‪ ،‬وهو املعاني‬
‫العامة املشرتكة‪ ،‬واملعاني اخلاصة‪ ،‬واملعاني الدال عليها الشعر‪.‬‬
‫▪ أنه أراد بناء كتاب على نسق نقد الشعر واإلحاطة بكل القضايا اليت تضمنها بإضافة مسائل بالغية‬
‫أخرى من دون أن يستغل املفهوم املنهجي األساسي الذي يقوم عليه نقد الشعر وهو مفهوم اإلتالف‪.‬‬
‫وباجلملة فكتاب "سر الفصاحة" هو أكثر احملاوالت إغراقاً يف االنتصار للفظ وختصيصه باملزية والفضل يف‬
‫جودة الكالم وحسنه‪ ،‬إال أنه من جهة حمتواه حجة قاطعة لرتابط األلفاظ واملعاني وتداخل ميداني الفصاحة‬
‫والبالغة‪.‬‬
‫أما اجلرجاني فينطلق من تطابق املفهومني لذلك تركزت جهوده على مناقشة ما ترتب عن الفصل بينهما‬
‫فكانت مسألة اللفظ واملعنى من املسائل الطاغية على كتابيه‪ ،‬وهلذه املسألة يف تفكري اجلرجاني مكانة‬
‫خاصة مستمدة من طبيعة املنهج الذي اعتمده حملاصرة أسس بالغة الكالم وأسبابها والسر يف فضل بعضه‬
‫على بعض‪ ،‬ويبدأ اجلرجاني يف مطلع "دالئل اإلعجاز" بانتقاد ثالث طرق يف فهم الفصاحة والبالغة والبيان‬
‫والرباعة‪:‬‬
‫طريقة من ال يرى هلا معنى أكثر مما يرى لبقية أصناف الدالالت على املعاني‬

‫‪135‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫طريقة من يقيس الفصاحة بالتلفظ‬


‫طريقة من يقيسها مبقاييس اللغويني‬
‫وقد اشرنا إىل أهمية التلفظ عند اجلاحظ يف حتديد خصائص النص وأرجعنا ذلك إىل طغيان ظاهرة املشافهة‬
‫وسيادة اخلطابة ‪ ،‬ويف نصوص اجلرجاني إشارات كثرية تدعم هذا التأويل لعل أهمها النزعة العقلية الطاغية‬
‫على تفكريه البالغي‪ ،‬واملتثبت يف كتابي اجلرجاني يالحظ أنه كثرياً ما عمد إىل طريقة يف عرض آراء‬
‫سابقيه مما يدل منها أن همه ليس األمانة يف العرض بقدر ما هو الدفاع عن املعتقد وبذلك تفقد مؤلفاته قيمتها‬
‫الوثائقية‪ ،‬فكثرياً ما نشعر أنه ينطلق من معطيات منقوصة أو خاطئة ليوجه النقاش الوجهة اليت ختدم غرضه‬
‫وتدعم موقفه‪ ،‬وهو يتشبث مبنطلقه املبدئي الذي ال يرى مبوجبه فرقاً البتة بني مفهوم الفصاحة والبالغة‬
‫وملخص ذلك على لسان صاحب الدالئل‪" :‬ال معنى للفصاحة سوى التالؤم اللفظي وتعديل مزاج احلروف حتى‬
‫ال يتالقى يف النطق حروف تثقل على اللسان"‪ ،‬وملا كان اجلرجاني ال يفرق بني املستويني عمد إىل عرض ما‬
‫تعلق عند سلفه بالفصاحة على أنه رأيهم يف الفصاحة والبالغة معاً‪ ،‬وستنطبع مناقشته ملسألة اللفظ واملعنى‬
‫بهذا الطابع الذي يستمد بدوره شرعيته من املبدأ العام الذي التزمه يف كل حماوالته والقاضي بأن الفصاحة‬
‫ال جتب للفظة "مقطوعة مرفوعة من الكالم الذي هي فيه" بل هي تلك اليت "حتدث من بعد التأليف دون‬
‫الفصاحة اليت توصف بها اللفظة مفردة من غري أن يعترب حاهلا مع غريها"‪.‬‬
‫وبناءً على ماتقدم نقض اجلرجاني اآلراء اليت تعول يف احلكم باجلودة الفنية على اللفظ يف ذاته ال يف معناه‪،‬‬
‫وباإلمكان إمجال حججه يف ضربني‪ :‬ضرب نصطلح على تسميته بـ"املبتدع" والضرب الثاني نسميه "مولداً"‪،‬‬
‫ويقوم تصور اجلرجاني للغة على الفصل بني األلفاظ واملعاني واالعرتاف لألخري بوجود مستقل سابق‪ ،‬ومن هذا‬
‫ال تزيد وظيفة اللفظ عن كونه وسيلة نستشف منها املعنى ووعاء يتشكل بشكله‪ ،‬فاللفظ وإن اعرتف له‬
‫ببعض املزية يف حصول البالغة الميكن حبال أن يكون معتمد احلكم وأساسه‪ ،‬فاأللفاظ اليت اعرتف فيها‬
‫اجلرجاني للفظ ببعض املزية قليلة مقارنة باملواطن اليت دافع فيها عن املعنى وقلل فيه من شأن اللفظ‪ ،‬فاأللفاظ‬
‫يف نظره وبالتالي اللغة ليس هلا وجود فعلي‪ ،‬فوحداتها تلتئم يف مجل ثم تنعدم مبجرد انتهائنا من قراءة اجلملة‬
‫وبذلك تكون قيمتها رهينة شبكة العالقات اليت تربطها جبوارها ال غري‪ ،‬ومل حيفل اجلرجاني بالعمليات اليت‬
‫ميكن أن تقع على حمور االستبدال‪ ،‬ونقض املبدأ األساسي الذي قامت عليه نظرية أسالفه يف بالغة النص‬
‫وهو مبدأ االختيار‪ ،‬ولئن سُلِّم أن الكلمة الواحدة ال تعترب مصدر البالغة وأن ألفاظ اللغة ال تتفاضل يف الداللة‪،‬‬
‫فإنه ال مينع أن يكون يف اللفظ خصائص تستهوي املتكلم وتراوده فيختار هلذا املوضع ذلك اللفظ دون مرادفه‬
‫وشبيهه‪.‬‬
‫ومن أطرف األدلة اليت دعم بها اجلرجاني نظريته يف أن البالغة تقع باملعنى ال باللفظ وبالتأليف ال بالكلمة‬
‫املفردة ربطه بني النص األدبي وتأويله‪.‬‬
‫أما القسم الثاني من احلجج فمستمدكم ذُكر من األحكام اجلارية يف املؤلفات السابقة كقوهلم يف‬
‫االستحسان لفظة متمكنة ومقبولة ويف االستقباح قلقة ونابية فهذه املصطلحات تدل حسبه على أن املعتمد يف‬

‫‪136‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫احلكم هو معيار املعنى والتأليف ألن يف مجيعها إشارة إىل العالقة واملوقع‪ ،‬ويستحضر اجلرجاني كثرياً من‬
‫املصطلحات اليت سبق لغريه من البالغيني استعماهلا‪ ،‬كاالتفاق والتالؤم واللفق‪ ،‬وكانوا يدللون بها على‬
‫ضرورة التناسق الصوتي بني األلفاظ ومالءمتها للغرض واملقام‪.‬‬
‫ومن أبرز ما يدل على أن الشأن يف املعنى ال يف اللفظ ــ حسب رأي اجلرجاني ــ اجملازات كاالستعارة والتشبيه‬
‫والتمثيل واإلجياز فنحن باالستعارة نستفيد معنى ال نستفيده بالكالم "الغفل" الساذج وجند للكالم صورة‬
‫ختتلف عن صورته يف أصل الوضع ومع ذلك فاأللفاظ مل تتغري‪ .‬فالذي يقول األسد وهو يقصد رجال شجاعا فإنه‬
‫مل يستعر يف احلقيق ة اسم األسد وإمنا استعار له معناه ألن لفظة األسد تبقى دالة يف اللغة على ما وضعت له‬
‫والتقريب بني الرجل واألسد إمنا وقع من جهة املعاني‪ ،‬ثم إن جرس الكلمة ال يتغري يف حالة استعارتها مما يدل‬
‫على أن املزية ليست يف ذاتها‪.‬‬
‫كذلك الشأن يف التشبيه فإن أضربه ال تتفاوت إال من جهة املعنى وطريقة املتكلم يف تعليق األلفاظ‪.‬‬
‫ب‪ .‬املنهج‪:‬‬
‫إن من مناذج التصورات غري الفعالة يف حتديد املنهج‪ ،‬مبالغة الدارسني احملدثني يف احلرص على إدراج كل‬
‫املؤلفات البالغية ضمن اجتاهني أو مدرستني مسوا األوىل املدرسة الكالمية ومسوا الثانية املدرسة األدبية‪.‬‬
‫فمن خصائص املدرسة الكالمية‪ :‬االهتمام بالتحديد والتعريف والتقسيم املنطقي واالهتمام جبعل التعريف‬
‫جامعاً مانعاً ثم استعمال أساليب الفلسفة واملنطق يف حتديد املوضوعات وتقسيمه وحصرها‪.‬‬
‫أما املدرسة األدبية فإنها ال تهتم بالتحديد والتقسيم اهتماماً كبرياً‬
‫فإن سلمنا بوجود تيارين يف التأليف فإنا نعتقد أن كثرياً من املصنفات يصعب إدراجها بوثوق يف هذا االجتاه أو‬
‫ذاك‪ ،‬إن اختالف طرق التأليف واختالف املستوى اللغوي املختار للتعبري عن القضايا البالغية قد يعتربان مظهراً‬
‫من مظاهر املنهج ال أساسه‪ ،‬إن املنهج ال يقتصر على طرائق العلماء يف تأليف كتبهم وتنظيم فصول أبوابها‪،‬‬
‫كما ال يتحدد بالصبغة الغالبة على دراستهم‪ ،‬وامنا يتجاوزه إىل تدقيق مسالكهم يف االهتداء إىل مواطن‬
‫اجلودة والقبح يف الكالم‪ ،‬واستكناه املستندات النظرية واملتطلبات املبدئية اليت على أساسها واجهوا القيمة‬
‫الفنية‪ ،‬وأخرجوا كتبهم بالصفة اليت هي عليها‪.‬‬
‫يُالحظ الناظر يف تراث هذا الطور أن املشغل الرئيسي الذي كان حيرك العلماء للتأليف والنقاش هو البحث‬
‫عن منهج يربط القيمة الفنية إىل أصول ثابتة‪ ،‬وما دامت االهتمامات املنهجية غالبة على جهود هذا الطور فمن‬
‫الطبيعي أن تكون التحوالت اليت تصيب التفكري البالغي متصلة بهذا اجلانب‪ ،‬ويبدو من النصوص اليت بني‬
‫أيدينا أن البحث عن املنهج مر مبرحلتني‪ :‬مرحلة يشرتك فيها العلماء قبل اجلرجاني‪ ،‬ومرحلة يستأثر بها‬
‫اجلرجاني وبعض العلماء الذين جاؤوا بعده واهتدوا مببادئه‪.‬‬
‫منهجية الدراسة البالغية قبل اجلرجاني‪ :‬بني العبارة وتأليف العبارة‪:‬‬

‫‪137‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫طرح اجلاحظ أساسني منهجيني األساس األول يتمثل يف اعتباره اجملاز ظاهره تقوم على نقل معنى الكلمة إىل‬
‫كلمة أخرى يف نطاق الرصيد اللغوي‪ .‬اما األساس الثاني فهو يقابل األول ‪ ،‬ويتمثل يف تأكيده من جهة على‬
‫حسن التأليف بني أجزاء النص واحلرص على تالحم أجزائها وتناسقها‪.‬‬
‫وعن هذه األسس نتجت عدة نتائج ساهمت يف بلورة مناهج الدراسة البالغية وتغذيتها بتصورات ستالزمها طيلة‬
‫احلقبة اليت تهمنا ويف مقدمة تلك النتائج فرض فكرة النظم كأساس منهجي يعتمد يف حتديد خصائص‬
‫النص القرآني البيانية‪.‬‬
‫أما النتيجة الثان ية فتتمثل يف هذا املنحى املزدوج الذي نالحظه يف مؤلفات البالغيني قبل اجلرجاني عند‬
‫مباشرتهم حتليل بالغة الكالم وأنواع األساليب والتعابري الفنية‪ ،‬ويتمثل هذا االزدواج يف ترددهم بني أهمية‬
‫"العبارة" وأهمية تأليفها‪ ،‬وقد انعكس هذا الرتدد على مؤلفات هذه الفرتة بكيفيات متشابهة‪ ،‬ويف هذا القسم‬
‫ميل واضح إىل إحصاء التعابري البيانية واحملسنات اللفظي‪ ،‬وجهد كبري للتعريف بها ووضع ما يناسبها من‬
‫املصطلحات وإيراد الشواهد اليت تعني على استجالء خصائص اجلودة فيها‪ ،‬وذلك يكفي للتعبري عن مشغل‬
‫قار يف مؤلفات القرنني الرابع واخلامس‪ ،‬أساسه إرساء قوانني نقد الكالم وصناعته‪ ،‬ووضع مؤلفات همها‬
‫تنظيم املادة‪ ،‬وتقسيمها إىل أبواب‪ ،‬وضبطها حبدود جتعل منها قوالب جاهزة لقيس البالغة‪ ،‬وسيدعم هذا‬
‫التصور املزدوج يف املؤلفات املتأخرة كـ"النكت يف إعجاز القرآن" للرماني‪ ،‬و "الصناعتني" للعسكري‪ ،‬و "سر‬
‫الفصاحة للخفاجي"‪ ،‬وهي مؤلفات تغلب عليها نزعت اإلحصاء والتبويب والتحديد‪ ،‬فرسالة الرماني تكاد‬
‫تقتصر على دراسة أقسام البالغة العشرة‪ ،‬ومل خيل كتاب "الصناعتني رغم طغيان ظاهرة التبويب والتعريف‬
‫عليه من معطيات تتعلق بالتأليف والنظم‪ ،‬كما أوىل اخلفاجي التأليف أهمية كبرية‪ ،‬وبقيت هذه املعطيات‬
‫كرتسبات منهجية سيمهد تراكمها السبيل لربوز نظرية النظم عند اجلرجاني‪ ،‬والسبب الرئيسي يف أنهم مل‬
‫يتخذوا منها منهجاً للبحث عن أسرار البالغة هو يف نظرنا غياب البعد النظري الفلسفي والطموح الفكري‬
‫ما يدل على أنهم يدافعون عن نظرية أو ينتصرون‬ ‫عند هؤالء البالغيني‪ ،‬فليس يف مؤلفاتهم‬
‫ملوقف فكري معني‪ ،‬ومامل يتوفر هلؤالء توفر لعبدالقاهر الذي استطاع أن يبين طريقة يف حتليل الكالم على‬
‫رسم عقلي مسبق وموقف نظري قائم على أسس معرفية واضحة‪ ،‬وبذلك استطاع أن يطور فكرة النظم‬
‫ويعتمدها منهج ًا فذاً يف حتليل أسرار البالغة ودالئل اإلعجاز‪.‬‬
‫نظرية النظم عند اجلرجاني‪:‬‬
‫اجلذور التارخيية‪:‬‬ ‫▪‬
‫لئن اقرتنت نظرية النظم باسم اجلرجاني واعتربت مسة لبالغته فإن جذورها بعيدة يف الرتاث العربي‪ ،‬وال سيما‬
‫يف مؤلفات اللغويني والبالغيني قبل عبدالقاهر ومؤلفي كتب اإلعجاز‪ ،‬إال أن اعتمادها أساساً قاراً يف التحليل‬
‫يرجع متى استثنينا "نظم القرآن" للجاحظ إىل القرن الرابع عندما ازهرت دراسات إعجاز القرآن يف بيئة‬
‫املتكلمني‪ ،‬فتعدد املؤلفات اليت تشري عناوينها إىل النظم والتأليف‪ ،‬ففي "إعجاز القرآن للباقالني" وغريه من‬
‫مؤلفاته سياقات تؤكد انه كا ن يفهم النظم مبعنى تأليف العبارة وبناء النص‪ ،‬أما القاضي عبداجلبار فقد‬

‫‪138‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫كرس النص للداللة على طرق الرتكيب اللغوي وكيفية ضم أفراد الكلمات وقد اعتربه من أهم مقومات‬
‫الفصاحة‪ ،‬تلك بعض وأهم معاني النظم الرائجة يف أوساط املهتمني بإعجاز القرآن وجتمع بني القائلني بها عدة‬
‫خصائص‪ ،‬منها أنهم تعرضوا للمصطلح يف صورة جمملة‪ ،‬وحماوالت الوصف والتعريف اليت قد يصادفها‬
‫الباحث يف مؤلفاتهم ال خترج عن أحد أمرين‪ :‬فهي إما تفسري بالرتادف يقرتن مبوجبه لفظ "النظم" بألفاظ قريبه‬
‫من معناه‪ ،‬وإما تفسري من زاوية ضيقة يضعف ثراء املصطلح وحيدد جماله‪.‬‬
‫النظم يف دالئل اإلعجاز وأسرار البالغة‪:‬‬ ‫▪‬
‫كل عمل بالغي يروم حتديد قيمة الكالم الفنية وجناعتها البد له ــ حسب اجلرجاني ــ من أن يدور على قطبني‬
‫رئيسيني هما‪ :‬جنس املزية ‪ ،‬وأمر املزية‪ ،‬فالبحث عن جنس املزية تولدت عنه كل السياقات واحلجج اليت‬
‫أوردها للرد على الذين علقوا املزية باللفظ دون املعنى أو بالغوا يف تقدير قيمة اللفظ على حساب املعنى‪.‬‬
‫أما البحث عن أمر املزية فقد انطلق فيه من تقييم طريقة املتقدمني يف حتديد خصائص الكالم البليغ‪ ،‬ويغلب‬
‫على هذه الطريقة يف رأيه االنطباع واإلحساس بفضيلة النصوص دون القدرة على إخراج ذلك اإلحساس من حيز‬
‫املضمر إىل حيز واضح جلي‪ ،‬وقد عرب يف أكثر من موطن على ضرورة جتاوز االنطباع يف احلكم األدبي‬
‫بالتحليل وإرساء األحكام على أسس عقلية برهانية‪.‬‬
‫والناظر يف آثار اجلرجاني يالحظ أن هذه املسألة مشغل قار عنده‪ ،‬فهو يلح يف أكثر من موطن على ضرورة‬
‫جتاوز احلكم إىل تعليله‪ ،‬والبحث له عن مقومات موضوعية يتسنى بفضلها تفضيل اجململ وتفسريه وهو شرط‬
‫واجب ليستحق البحث اسم البالغة‪.‬‬
‫فاحلديث عن القسم األول ــ جنس املزية ــ اقتضى االحتجاج للنظم من جهة نظرية عامة‪ ،‬كما اقتضى احلديث‬
‫عن القسم الثاني ــ أمر املزية ــ حتديد أبعاد املصطلح وربطه مبضمون صريح متبلور‪.‬‬
‫األسس املبدئية لنظرية النظم‪:‬‬
‫إن املتتبع ألصول نظرية النظم عند اجلرجاني يُدرك أنها مبنية على أسس لغوية متطورة قوامها التمييز بني اللغة‬
‫والكالم متييزاً يضاهي يف دقته واستحكام نتائجه ما وصل إليه علم اللسانيات احلديثة‪ ،‬وقد اكتسى التمييز‬
‫بني اللغة والكالم يف تفكريه البالغي أهمية خاصة وتعلق باجلوانب اليت ختدم غرضه األصلي وهو نفي املزية‬
‫عن األلفاظ‪ ،‬ويؤكد اجلرجاني يف أكثر من موضع على أن املعنى الناشئ بالكالم خمتلف عن معاني الوحدات‬
‫اللغوية املكونة له ألن العالقة اليت ينشئها املتكلم بني وحدات السياق هي الدالة ال الكلمات يف حد ذاتها‪.‬‬
‫وهو بهذا يتبنى موقفاً يكاد يكون شكلياً‪ ،‬وينم عن فهم عميق للتحول الذي يطرأ على الظاهرة اللغوية وقت‬
‫يصوغها املتكلم‪.‬‬
‫مفهوم النظم‪:‬‬
‫حدد اجلرجاني مفهوم النظم بثالث كيفيات متكاملة‪ :‬مبا ليس هو ‪ ،‬وبالتعبري عن معناه عبارة جمملة ‪،‬‬
‫وبتفصيل القول يف شأنه والبحث له عن أساس ملموس يتبني به فضل الكالم على اللغة‪ ،‬فاستقامة الكالم‬
‫واستحالته رهينة نظمه وما يقوم بني معانيه وشائج جتعل داللتها متناسقة ومعانيها متالقية‪ ،‬ويهذا املعنى يصبح‬

‫‪139‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫النظم صنعة وثيقة الصلة بقوى اإلنسان املدركة ويف مقدمتها العقل‪ ،‬ويصبح انتظام الوحدات اللغوية انعكاس ًا‬
‫للمضمون يف بنائه املنطقي‪ ،‬وهنا يربز فارق كبري بني "اللغة" والكالم يتمثل أن اللغة حبكم قيامها على‬
‫التواضع واالصطالح ‪ ،‬ميكن أن تتضمن ظواهر تستعصي على التفسري والتعليل ألنها وقعت مبحض االتفاق‬
‫واال عتباط وهو ما ال ميكن يف الكالم ألنه حمكوم يف األصل بزمام العقل وترتب املعاني يف النفس وال يصدر‬
‫من املتكلم إال عن قصد وعلم سابق باملباني املالءمة ملا يريد أن يصوغ من املعاني‪ ،‬ويلح اجلرجاني يف حتديده‬
‫النظم على فكرة العالقة أو "التعليق"‪ ،‬وقد صنع اجلرجاني يف مطلع دالئل اإلعجاز قصيدة على البحر البسيط‬
‫بني فيها وجه ارتباط اإلعجاز بالنظم وأتى فيها على حده‪ ،‬ويبدو من سياق دالئل اإلعجاز أن الغرض من النحو‬
‫ومعاني النحو ليس غرضاً شكلياً إعرابياً‪ ،‬فهو يستعمل النحو يف معنى واسع‪ ،‬فما يهمه منه إال اجلانب الذي‬
‫ميكن توظيفه يف إطار بالغي نقدي واعتباره أساساً لبيان مأتى اجلودة يف الكالم وسبب تفاوته يف احلسن‪،‬‬
‫وبناءً على هذا التصور يصبح النحو صنو احلس اللغوي املرهف وإدراك الفروق بني طرائق الرتكيب ووجوه‬
‫ترتيب املباني على املعاني‪ ،‬إن الغرض من النحو ليس الصحة املطلقة واإلعراب الظاهر‪ ،‬فاجلرجاني كثري ًا ما‬
‫يربط حسن الكالم ورونقه ومتاسك أجزائه ودقة نظمه خبروجه عن أصل الرتكيب‪ ،‬وما يدل أن معاني النحو‬
‫غري أمناط الرتكيب حد يثه عنها يف مواطن يصل فيها الرتكيب قمة الفن‪ ،‬فماني النحو ملتبسة بالكالم ال‬
‫باللغة وبكل سبل التصرف يف الرتاكيب وصياغتها مبا يوافق إرادة املتكلم يف التعبري ال بالقواعد النظرية‬
‫واالعتبارات اجملردة‪ ،‬إلغذا كانت معاني النحو خمالفة لإلعراب وللنمط النظري للجملة فما عساها أن تكون؟‬
‫اجلواب يف قول اجلرجاني‪:‬‬
‫واعلم أنه ليس النظم إال أن تضع كالمك الوضع الذي يقتضيه علم النحو وتعمل على قوانينه وأصوله وتعرف‬
‫مناهجه اليت نهجت فال تزيغ عنها وحتفظ الرسوم اليت رمست لك فال ختل بشيء منها وذلك أنت ال تعلم شيئا‬
‫يبتغيه الناظم بنظمه غري أن ينظر يف وجوه كل باب وفروقه فينظر يف اخلرب إىل الوجوه اليت تراها يف قولك‬
‫«زيد منطلق » و « زيد بنطلق » و « ينطلق زيد ) ومنطلق زيد » و « زيد املنطلق » و « املنطلق زيد » و « زيد هو‬
‫املنطلق » و « زيد هو منطلق ‪ ،‬ويف الشرط واجلزاء إىل الوجوه اليت تراها يف قولك ‪ « :‬إن خترج أخرج » و« إن‬
‫خرجت خرجت » و « إن خترج فأنا خارج » و « أنا خارج إن خرجت » و « أنا إن خرجت خارج » ‪ .‬ويف احلال إىل‬
‫الوجوه اليت تراها يف قولك ‪« :‬جاءني زيد مسرعا ‪ ،‬و جاءني يسرع ‪ ،‬و جاءني و هو مسرع ) أو وهو يسرع ‪ ،‬وا‬
‫جاءني قد أسرع ‪ ،‬و جاءني وقد أسرع‪ ،‬فيعرف لكل من ذلك موضعه وجييء به حيث ينبغي له ‪ .‬وينظر يف‬
‫احلروف اليت تشرتك يف معنى ثم ينفرد كل واحد منها خبصوصة يف ذلك املعنى‪ ،‬فيضع كل من ذلك يف خاص‬
‫معناه حنو أن جييء به ما » يف نفي احلال ‪ ،‬وبه ال ‪ ،‬إذا أراد نفي االستقبال و بد إن" ‪ ،‬فيما يرتجح بني أن يكون‬
‫وأن ال يكون‪ ،‬وبه إذا فيما علم أنه كائن ‪ .‬وينظر يف اجلمل اليت ترد فيعرف موضع الفصل فيها من موضع‬
‫الوصل ثم يعرف فيما حقه الوصل موضع الواو من موضع الفاء وموضع الفاء من موضع ثم ‪ ،‬وموضع أو ‪ ،‬من‬
‫موضع أم ‪ ،‬وموضع لكن‪ ،‬من موضع « بل‪ ،‬ويتصرف يف التعريف والتنكري ‪ ،‬والتقديم والتأخري يف الكالم‬
‫كله ‪ ،‬ويف احلذف والتكرار ‪ ،‬واإلضمار واإلظهار ‪ ،‬فيضع مكانه ويستعمله على الصحة و على ما ينبغي له‬

‫‪140‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫السبيل ‪ ،‬فلست بواجد شيئا يرجع صوابه إن كان صوابا وخطؤه إن كان خطأ إىل النظم ويدخل حتت هذا‬
‫اإلسم إال وهو معنى من معاني النحو قد أصيب به موضعه ووضع يف حقه أو عومل خبالف هذه املعاملة فازيل‬
‫عن موضعه واستعمل يف غري ما ينبغي له »‬
‫يف هذا النص ثالثة مصطلحات هامة يف معرفة غرض صاحبه من معاني النحو وهي ‪ « :‬الوجوه » و« الفروق » و‬
‫« املوضع» وثالثتهما تظافر لتدل على أن اللغة توفر ملستعملها أكثر من إمكانية لصياغة نفس الوظيفة احلوية‬
‫‪ ،‬وأن بني هذه اإلمكانيات املتنوعة يف البناء فروقا معنوية ‪ ،‬وأن كل بنية مع ما يصاحبها من خصوصيات‬
‫معنوية توافق مقاما معينا وختدم غرضا دون غرض‪.‬‬
‫فالنظم أو معاني النحو هو خضوع الكالم لنواميس الفكر وبروزه على هيئة حتاكي الروابط املنطقية اليت‬
‫يقيمها بني املعاني فتكون البنية اللغوية صدى لبنية عقلية‪ ،‬ولئن كانت األلفاظ مفردة غري قادرة على حماكاة‬
‫الفكر فإن العالقات اليت تنشأ بينهما يف السياق قادرة على تلك احملاكاة‪.‬‬
‫وهذه النزعة الذهنية الطاغية على تفكري اجلرجاني تفسر اهتمامه البالغ بالرتاكيب وإهماله لدور الصوت‬
‫والكلمة‪ ،‬وكأن اللغة يف نظره تنحصر يف الرتاكيب‪ ،‬وال شك أن اإلطار الذي نزّل فيه املؤلف نظرية النظم‬
‫وطر يقته يف حتديدها جيعالن التأويلني ممكنني‪ ،‬فهي من جهة أساس منهجي للوقوف على أسرار البالغة‪،‬‬
‫ومن جهة أخرى ال تعدو أن تكون االلتزام مبقتضيات علم النحو والعمل على قوانينه وأصوله‪ ،‬وقد أُشري سابقاً‬
‫أن اجلرجاني يصنف الكالم صنفني‪ ،‬صنف نصل منه إىل الغرض بداللة اللفظ وحده وصنف نعرب فيه إىل‬
‫املعنى بواسطة‪ ،‬والفارق يف القيمة بني الصنفني مرده اختالفهما يف كيفية النظم‪ ،‬يقول اجلرجاني‪ « :‬ومجلة‬
‫األمر أنه كما ال تكون الفضة خامتا أو الذهب أو سوارا أو غريهما من أصناف احللي بأنفسهما ولكن مبا‬
‫حيدث فيهما من الصورة كذلك ال تكون الكلم املفردة اليت هي أمساء وأفعال وحروف كالما وشعرا من‬
‫غري أن حيدث فيها النظم الذي حقيقته توخي معاني النحو وأحكامه"‬
‫وواضح من هذا النص أنه ال يستعمل مصطلح الصورة باملعنى الفين الضيق الشائع يف مؤلفات نقد األدب‪ ،‬والذي‬
‫تندرج فيه وجوه اجملاز كاالستعارة والكناية والتمثيل‪ .‬وإمنا يستعمله يف معنى أعم قريب من استعمال املناطقة‬
‫وقت يقابلون بينها وبني املادة‪ ،‬وغاية اجلرجاني بني املقارنة بني الكالم والصياغة التأكيد على متاسك عناصر‬
‫الصورة وانسجامها وأخذ بعضها برقاب بعض حبيث إذا غرينا جزءاً من أجزائها من مكانه تداعى بناؤها‬
‫ال كلي‪ ،‬فجمال العبارة يف رأي اجلرجاني متولد عن نظمها وترتيبها وفق ترتيب املعاني القائمة يف الذهن‪،‬‬
‫فحديث اجلرجاني ال ينفصل عن حديثه عن البالغة والفصاحة والفضل واملزية‪ ،‬وقد دخلت البالغة مع‬
‫اجلرجاني طوراً جديداً مل تعد تعد فيه القيمة األدبية مرتبطة بنجاعة النص وتأثريه املباشر يف متقبله حلسن‬
‫لفظه ووضوح معناه وقربه من األفهام بل أصبحت خصوصيات يف بناء املعاني تدرك بالعقل والتدبر واملثابرة على‬
‫التأمل‪ ،‬وكما يولد النظم اجملازات يدعمها ويكسبها رونقاً وحسناً مل يكن هلا يف األصل‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫ميكن أن تعترب‪ ،‬يف اخلالصة ‪ ،‬أن البحث عن منهج لتحديد بالغة الكالم االهتمامات الطاغية على جهود‬
‫العلماء يف الفرتة الثالثة اليت تقع بدايتها احلامسة يف أواخر القرن الثالث و بداية القرن الرابع هجريا ‪ ،‬ولعلنا ال‬
‫نبالغ إن قلنا إنه العامل األساسي يف بقاء التفكري البالغي حيا متجددا إىل هذه الفرتة املتأخرة رغم تبلور مادته‬
‫واستقرارها قبلها بكثري وتربز هذه اجلهود املنهجية يف شكل «صراع » بني تصورين تعايشا منذ فرتة التأسيس‬
‫عندما طرح اجلاحظ مسألة اجملاز يف حتليله للشعر والكالم ومسألة النظم حجة اإلعجاز القرآن ‪ .‬يرى أصحاب‬
‫التصور األول أن البالغة يف العبارة منفصلة عن السياق الذي ترد فيه ولذلك تصوروا إمكانية تصنيفها وتبويبها‬
‫العتقادهم بأنها تضمن قيمة يف ذاتها‪ .‬أما أصحاب التصور الثاني فريون أن القيمة الفنية قيمة سياقية تربز من‬
‫تالحم عناصر النص ومتاسكها ونظمها وأنه ال ميكن أن يكون األسلوب من األساليب أو وجه من وجوه‬
‫التعبري قيمة مطلقة واحلق أن هذين التصورين مل يظهرا بهذا الشكل‪ ،‬وعلى هذه الدرجة من التقابل‪ ،‬إال يف‬
‫حماولتني حتتالن طريف الفرتة وهما حماولة عبد اهلل ابن املعرت‪ ،‬وحماولة عبد القاهر اجلرجاني‪ .‬أما ما بني‬
‫هذين الطرفني فقد كانت املواقف متذبذبة بني بالغة العبارة وبالغة التأليف‪ ،‬وال بد من التأكيد على أن‬
‫التذبذب املذكور ارتسم على كل املؤلفات الواقعة بني ابن املعتز واجلرجاني سواء تعلقت بنقد الشعر واألدب‬
‫أو بإعجاز القرآن‪ ،‬ومع عبد القاهر انتهى الصراع بغلبة أصول املنهج القرآني الذي يرى أن سبب إعجاز النص‬
‫كامن يف نظمه و طريقة بنائه‪.‬‬
‫ت‪ .‬اإلجراء‪:‬‬
‫إن الناظر يف الرتاث العربي من زاوية الصورة الفنية تشد انتباهه ثالثة حماور أساسية‪:‬‬
‫غلبة االهتمام بالتشبيه‬ ‫‪) 1‬‬
‫ربطهم الرباعة بالتشبيه بتأليف املختلف واجلمع بني العناصر املتباعدة وربطهم صحة االستعارة‬ ‫‪) 2‬‬
‫وقيمتها باملقاربة واملناسبة ووضوح العالقة‬
‫إمجاعهم على أن وظيفة الصورة الرئيسية هي التمثيل احلسي للمعنى‬ ‫‪) 3‬‬
‫ولقد كان شيوع التشبيه يف الشعر الذي بنوا عليه تصوراتهم األدبية وأحكامهم النقدية هو سبب اهتمامهم‬
‫به ‪ ،‬إال أنه ميكن االعرتاض على هذا التفسري لسببني‪ :‬أوهلما أنه يقوم على تصور منقوص لوظيفة النقد األدبي‪،‬‬
‫فيمكن للناقد ان يطور أبسط الظواهر بروزًا وأقلها تواتراً ويصوغ منه أحكاماً يهتدي الكتاب بهديها‪.‬‬
‫وثانيهما أن ذلك يقوم على افرتاض غري متأكد الصحة فليس من الثابت أن التشبيه كان الصورة الغالبة على‬
‫الشعر يدل على ذلك شعور النقاد منذ القرن الثالث بأهمية االستعارة‪.‬‬
‫و حقيقة التشبيه هي التقريب بني الطرفني واملقارنة بينهما ال شرتاكهما يف معنى من املعاني‪ ،‬ومن هذا املنظور‬
‫يصبح التشبيه ضرب ًا من القياس والنتائج األولية اليت ميكن استخالصها هي‪:‬‬
‫أن التشبيه القتضائه بقاء الطرفني متميزين يضمن كطريقة يف أداء املعنى نسبة عالية من الوضوح‪.‬‬
‫تنحصر داللة التشبيه يف رصد وجوه املشاكلة واملناسبة بني الطرفني واإلخبار عنها‬

‫‪142‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫تؤكد كل النصوص اليت جُمعت على أن الغرض من التشبيه اإلبانة عن املعنى وتوضيحه‪ ،‬وقد أكد البالغيون‬
‫على وظيفة التبيني والتوضيح عند حديثهم عن صورة من صور التشبيه املتطورة وهي التمثيل‪ ،‬وقد بقيت تلك‬
‫األصول مستحكمة يف تناول جل البالغيني لعالقة طريف التشبيه طيلة الفرتة اليت تهمنا‪ ،‬وقد برر عبد القاهر‬
‫مكانة الصورة وتأثريها يف السامع‪ ،‬وقد توفر له أن يبلور الفرق بني التشبيه والتمثيل‪ ،‬وقد رفضوا التشبيهات‬
‫اليت ال حترتم مبدأ انتقال الصورة من األدنى إىل األقصى‪ ،‬كما اقتنع النقاد والبالغيون بأن ظاهرة التشبيه‬
‫املعكوس أو املقلوب استفحلت يف الشعر وأصبح الشعراء يتعاملون معها على أنها عنوان من عناوين الرباعة‬
‫واتقان الصنعة‪ ،‬وانقسما إىل ثالث فئات‪ :‬فئة جتنبت اإلفاضة يف طرق املشكل ومتسكت باألصل‪ ،‬وفئة رجعت‬
‫إىل املصادر القدمية تستفتيها‪ ،‬وفئة ثالثة اضطرت مع أخذها باألصول إىل إعادة النظر يف كيفية تطبيقها‬
‫وسبل التخفيف من ثقلها‪ ،‬لذلك طرح عبدالقادر يف القرن اخلامس مسألة التشبيه املعكوس من جديد وأفاض‬
‫يف شرحها حماوالً التوفيق بني واقع التجربة الشعرية ومقررات أسالفه البالغيني‪ ،‬وقد بقي عبدالقاهر يف نطاق‬
‫املبادئ واألصول العامة اليت التزم بها أسالفه‪.‬‬
‫وقد برز تشدد النقاد والسيما أنصار عمود الشعر منهم بصورة واضحة عند تعرضهم لشعر أبي متام الذي مل‬
‫يكن يأبه يف شعره باحرتام كثري من اللياقات اليت تقتضيها مراسم الشعر‪ ،‬وقد كان اآلمدي غري كلفاً‬
‫بالبحث عن ذات الشاعر يف شعره كلفه مبعرفة مدى خضوع ذلك الشعر للقوانني املسطرة‪ ،‬ويعود اإلغراق يف‬
‫التشقيق عند اآلمدي وعند كثري من النقاد غريه إىل مسألة الوضوح واإلبانة‪ ،‬ووجوب حتقيق التشابه الكامل‬
‫بني املشبه واملشبه به‪ ،‬وبناء الصورة على منوال القدماء حبيث تصور لنا األشياء بصورها وتستوعب املوصوف‬
‫فرتاه نصب عينك‪.‬‬
‫وقد فطن النقاد والبالغيون العرب إىل اإلشكال املرتتب عن القيود اليت أحاطوا بها مباحث التشبيه والصورة‪.‬‬
‫وحاولوا أن جييبوا عن ذلك وكانت إجاباتهم على صنفني‪:‬‬
‫صنف يرى أن حسن التشبيه موقوفاً على كثرة الوجوه اجلامعة بني املشبه واملشبه به كثرة تقرب بهما إىل حال‬
‫االحتاد‪ ،‬وميثله ابن طباطبا وقدامة واآلمدي والعسكري وابن سنان‪.‬‬
‫وصنف يرى عكس ما يرى الصنف األول ويرفض مبدأه العام يف حسن التشبيه وإن كان يتبنى الكثري من‬
‫وجوه التصرف الواردة عنده‪ ،‬وميثله ابن رشيق وعبدالقاهر اجلرجاني‪ ،‬ويالحظ الناظر يف مؤلفي اجلرجاني‪،‬‬
‫وال سيما وأسرار البالغة)‬
‫الذي خصص بأكمله ملباحث الصورة ‪ ،‬أن دراسة التشبيه ختضع جلملة من االعتبارات املرتتبة عن أصول‬
‫نظريته يف الفصاحة والبالغة ‪ ،‬ويف مقدمة تلك االعتبارات بناؤه تصوراته يف جودة النص واجلمالية األدبية عامة‬
‫على أساس عقلي يقاس مبقتضاه شرف الصنعة وفضيلة العمل مبا حيتاجان إليه من دقة الفكر ولطف النظر‬
‫ونفاذ اخلاطر ‪ .‬وال شك أن رأيه‬
‫يف التشبيه سيتأثر بهذا التصور العام وتكون أفضل التشبيهات يف نظره « ما تقوى فيه احلاجة إىل التأول حتى‬
‫ال يعرف املقصود من التشبيه فيه ببديهية السماع »‪ .‬ولذلك احتل « التمثيل ‪ ،‬يف مؤلفه مكانة خاصة ألن العالقة‬

‫‪143‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫بني املعنى واملثال تكون ‪ ،‬يف األغلب ‪ ،‬دقيقة غامضة حيتاج استخراجها إىل « فضل روية ولطف فكرة »‪،‬‬
‫وكما أن قيمة التشبيه ال تكون يف اخلصائص اجللية الواقعة حتن املشاهدة اليت ال يستعصي على أي كان‬
‫أن يدركها‪ ،‬فإن براعة الشاعر أيف‬
‫ال ميكن أن تأتي من هذا اجلانب ؛ وإمنا من إيقاع املختلفة والغوص على األواصر احملتجبة اليت ال تنكشف‬
‫إال بالتثبت والتعمل‪ .‬من هذا املنظور يصبح الشاعر شخصا غري عادي ‪ ،‬ميتاز على عامة الناس بالقدرة على‬
‫رؤية ما ال يرون ‪ ،‬ومكاشفة النواميس السرمدية اليت يرتد إليها الوجود يف مجيع هياته وأشكاله ‪ ،‬فيفطن‬
‫إىل ما ال يفطن إليه غريه من وجوه التأليف واالنسجام والتناغم بفضل مهارته يف إعادة صياغة تلك املوجودات‬
‫صياغة تتجاوز تشتتها الظاهري وتقرب بني متنافرها ومتباعدها‪ ،‬فالشاعر البارع هو الذي يهتدي خياله وفكره‬
‫ورؤيته الشعرية عامة إىل وجوه شبه ال ينزع إليها اخلاطر وال تقع يف الوهم عند بديهة النظر‪ ،‬وهو كذلك ال‬
‫يكتفي بالتشبيه اجململ والعالقة البينة وإمنا يسعى إىل التفاصيل بتحليل أجزاء الصورة ثم إعادة تركيبها‬
‫بكيفية تسمح بإبراز األوصاف احملتجبة‪.‬‬
‫واجلرجاني مقتنع بأن العمل الفين األصيل ال يتم ببديهة النظر واالرجتال والطفرة وإمنا هو عمل مؤسس على‬
‫قضايا العقول ومبين على التعهد واملثابرة وإجالة النظر يف الدقائق واللطائف‪ ،‬وقد وجد يف كتابات أسالفه ما‬
‫أعانه على صياغة ترضي منزعه العقلي وتفسر العالقة بني الفعل الشعري والتقريب بني الطرفني املتباعدين‪،‬‬
‫فقد طرح اجلاحظ منذ القرن الثالث رأيني يف تفسري اللذة استفاد منهما اجلرجاني بصفة مباشرة‪ ،‬الرأي األول‬
‫مؤداه أن اللذة حتصل من اجملاهدة واملثابرة واإلدمان على الشيء حتى يستكني ويستسلم لصاحبه‪ ،‬أما الرأي‬
‫الثاني فمؤداه أن اللذة حتصل يف املفاجأة وظهور الشيء من غري وجهته‪ ،‬وتلك املفاجأة تولد االستغراب والتعجب‬
‫اللذين يولدان بدورهما االستطراف واالستحسان‪.‬‬
‫و فعل املفاجأة يف النفس يعود ‪ ،‬حسب اجلرجاني ‪ ،‬إىل طبيعة تركيبها ألن « مبنى الطباع و موضوع اجلملة‬
‫على أن الشيء إذا ظهر من مكان مل يعهد ظهوره منه ‪ ،‬وخرج من موضع ليس مبعدن له ‪ ،‬كانت صبابة‬
‫النفوس به أكثر ) فاملفاجأة ختلق الدهشة واالستغراب وعنهما « تتولد صبابة النفس إىل املعرفة واالستكشاف‬
‫وهنا تتدخل آلة التفكري لتقوم بعملية الكشف وإفراز اللذة ملا تتطلبه املكاشفة من جماهدة ومعاناة ‪ .‬يقول‬
‫اجلرجاني يف هذا املعنى ‪(( :‬ومن املركوز يف الطبع أن الشيء إذا نيل بعد طلب له أو االشتياق إليه ومعاناة‬
‫احلنني حنوه ‪ ،‬كان نيله أحلى ‪ ،‬وبامليزة أوىل ‪ ،‬فكان موقعه من النفس أجل وألطف وكانت به أضن وأشغف‬
‫» (‪ )2‬وبناء على هذا التصور الذي يولي الفكر قيمة أساسية يف متييز اجليد من الرديء قسم اجلرجاني‬
‫التشبيهات إىل قسمني كبريين ‪ « .‬التشبيه من جهة أمر بني ال حيتاج فيه إىل تأويل» و « الشبه احلاصل بضرب‬
‫من التأويل » وهو بدوره قسمان ‪ « :‬ما يقرب مأخذه » و « ما يدق ويغمض » (‪ . )2‬وأفضل هذه األقسام عنده‬
‫القسم األخري ألنه حيتاج « من دقة الفكر ولطف النظر و نفاذ اخلاطر إىل ما ال حيتاج إليه غريه»‪.‬‬
‫لقد كان بإمكان عبد القاهر اجلرجاني أن ينتهي‪ ،‬انطالقا من تصوره حلسن التشبيه ‪ ،‬إىل فهم فذ ملسألة‬
‫االخرتاع واإلبداع وأن يشرع للخيال القدرة على صياغة العامل وترتيب عالقاته على غري مثال سابق ومنوذج‬

‫‪144‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫حيتذى ‪ ،‬إال أنه بقي ‪ ،‬كغريه من النقاد والبالغيني ‪ ،‬مشدودا إىل األصول املقررة يف التشبيه وإىل نظرة اجملتمع‬
‫العربي اإلسالمي لالخرتاع واإلبداع‪.‬‬
‫إن هذا الفهم للتشبيه يبقى ‪ ،‬رغم قيمة اإلضافات يف ذاتها وأهمية اجلهد النظري الواضح يف تأصيل مسائله‬
‫وتنظيمها يف نطاق بناء متكامل يف فهم الفصاحة والبالغة ‪ ،‬رغم كل ذلك يبقى يف حدود ما رتبه القدماء‬
‫وأقروه على األقل يف مستوى الوظيفة املعلقة به و هي الفهم والتوضيح اليت عمق اجلرجاني درجتها ولكنه مل‬
‫يبدل نوعها‬
‫تلك هي‪ ،‬يف نظرنا ‪ ،‬أبرز ‪ ،‬مواقف البالغيني والنقاد من التشبيه وهي لئن اختلفت يف تقدير بعض املسائل‬
‫املتعلقة بهذا األسلوب تتفق يف خطوطه الكربى كما رمستها احملاوالت األوىل يف القرن الثالث ‪ ،‬ورمبا قبله ‪،‬‬
‫وأرست دعائمها مؤلفات القرن الرابع‪ ،‬ولعل أهم نتيجة ميكن أن خنرج بها من درسنا إمجاعهم على ربط‬
‫احلاجة إىل التشبيه باحلاجة إىل الفهم والتوضيح وتقريب املعنى إىل ذهن السامع أو القاريء من أيسر السبل‪.‬‬
‫إن احلرص على التمايز بني املشبه واملشبه به هو أس التشبيه وعماده وبدونه ال يكون هو هو لذلك يشرتك يف‬
‫التمسك به البالغيون والنقاد من العرب وغري العرب‪ ،‬كما أن النظر يف التشبيه من زاوية التوضيح واإلبانة‬
‫خاصاً بالعرب‪ ،‬فالالفت يف موقف العرب من التشبيه ليست الوظيفة اليت حددوها له وإمنا إغراقهم يف التمسك‬
‫بها وتناوهلم خمتلف جوانب هذا األسلوب‪.‬‬
‫يقول ابن خلدون‪" :‬اعلم أن الكالم الذي هو العبارة واخلطاب إمنا سره وروحه يف إفادة املعنى" وال نبالغ إن قلنا‬
‫أنه جاء يف هذه العبارة على اجلانب املهم من نظرية العرب يف وظيفة اللغة عامة ووظيفة األساليب واجملازات‬
‫بوجه خاص‪.‬‬
‫وربط غائية النص القصوى بإفادة املعنى وحصول التفع املباشر يقتضي تتصدر اإلبانة واإلفهام سلم الوظائف‬
‫اليت تؤديها اللغة وأن يبقى النص األدبي وسيلة إبالغ بالدرجة األوىل وإن متيز خبصائص فنية ال تتوفر يف الكالم‬
‫العادي‪ ،‬ألن « الكالم إمنا هو مبين على الفائدة يف حقيقته و جمازه »‪ .‬وهذا التصور يقتضي إحلاق ضروب‬
‫الفن القولي و خمتلف األساليب املعدولة عن الطرائق املألوفة يف التعبري بالوسائل اخلادمة للمعنى والتابعة له‬
‫ويصبح ‪ ،‬بالتالي ‪ ،‬قبوهلا أو رفضها رهني قدرتها على اإلبانة عن وتوضيحه ‪ .‬وعلى هذا األساس ‪ ،‬تكون‬
‫وظيفة اإلبالغ واإلفهام هي الوظيفة الرئيسية اليت تسعى إىل حتقيقها مجيع مستويات اللغة ‪ ،‬أما الوظائف‬
‫األخرى وال سيما الوظيفة البالغية فهي وظائف مساعدة ينحصر دورها يف تدعيم الوظيفة الرئيسية ومدها‬
‫بالوسائل اليت جتعلها أكثر متكنا يف الداللة على الغرض وأشد تأثريا يف املتلقي‪ .‬يقول ابن جين يف هذا املعنى‬
‫‪:‬‬
‫« فإذا رأيت العرب قد أصلحوا ألفاظها وحسنوها ومحوا حواشيها وهذبوها وصقلوا غروبها وأرهفوها فال ترين‬
‫أن العناية إذ ذاك إمنا هي باأللفاظ بل هي عندنا خدمة منهم للمعاني وتنويه بها وتشريف منها ‪ ،‬ونظري ذلك‬
‫إصالح الوعاء وحتصينه وتزكيته وتقديسه وإمنا املبغي بذلك منه األحتياط للموعي عليه وجواره مبا يعطر‬
‫بشره وال يعر جوهره »‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫ويتفق البالغيون على اختالف مذاهبهم يف تقدير بالغة الكالم وفصاحته‪ ،‬كما أن موقف مجيع البالغيني‬
‫والنقاد املناهض لكثرة البديع مبين على رأيهم يف وظيفة الكالم واعتبارهم الدالالت على املقاصد من أجل‬
‫منافعه‪.‬‬
‫وما ميكن استخالصه أن العرب كانوا منشغلني يف تصريف الظاهرة اللغوية‪ ،‬بسالمة املعنى وصحته‬
‫وانكشافه أكثر من انشغاهلم باجلانب الفين البحت وما يوشي به اخلطاب من األساليب‪ .‬فلماذا اعتربت وظيفة‬
‫األبانة واإلفهام الوظيفة األساسية يف األدب؟‬
‫ميكن أن نكتفي بإبراز سببني نعتقد أنهما قاما بدور مباشر وفعال يف ترويج هذا التصور وتدعيمه وهما‬
‫العامل القر آني من جهة واحلدث اجلاحظي من جهة ثانية‪ ،‬فالقرآن مضمون قوامه الدعوة إىل عقيدة جديدة‪،‬‬
‫إال أن خدمة الدعوة والتمكني هلا يف قلوب املدعوين وعقوهلم اقتضت أن يكون البناء اللغوي للنص يف نهاية‬
‫الفصاحة والبالغة‪ ،‬ولقد بقي علماء البالغة يبحثون عن احلل األمثل هلذه املعادلة بالربهنة على أنه كالم عربي‬
‫مبني‪ ،‬وأنهم عاجزون رغم اتفاق الوسيلة عن جماراته ‪ ،‬فاألساليب البالغية اليت جاءت يف القرآن أكثر إبانة‬
‫عن املعنى‪ ،‬والتعبري الفين يف أجل صورة وأرقاها‪ ،‬وعلى هذا النحو ساهم القرآن يف توطيد العالقة بني البالغة‬
‫واإلبانة‪.‬‬
‫ثم جاء اجلاحظ فوضع مؤلفا غدت مبوجبه تلك العالقة معطى قارا يف التفكري البالغي عند العرب‪ ،‬فمن ابرز‬
‫ما ساهم به صاحب «البيان والتبيني يف هذا الصدد ‪ ،‬تنزيله خمتلف األساليب البالغية املعروفة إىل عهده يف‬
‫حيز « البيان » الذي اختذ منه إطارا عاما للبالغة والفصاحة ‪ ،‬وقد ترتب عن مباشرة املستوى الفين يف اللغة‬
‫من زاوية الوضوح والظهور بروز وظيفة الفهم واإلفهام كوظيفة أساسية لكل فعل لغوي حتى أن أغلب حدود‬
‫البالغة اليت أوردها تلح على ضرورة اإليفاء بها ‪ ،‬ومن ثم اختذت معيارا حتدد على أساسه قيمة األساليب‪،‬‬
‫وموقف اجلاحظ الصارم من الغريب ‪ ،‬وتشدده على شعراء‬
‫الصنعة ‪ ،‬وسخريته من علماء اللغة الفرط شغفهم بالغريب النادر ‪ ،‬أمور ال تنفصل عن دفاعه عن الفهم واإلفهام‬
‫الذي تولدت عنه أغلب مقاييسه األسلوبية ‪.‬‬
‫ونعتقد أن هذين العاملني ‪ ،‬القرآن واجلاحظ‪ ،‬قد أثرا تأثريا بعيد املدى يف تقدير العرب لوظيفة الكالم ‪،‬‬
‫وعمال على ترسيخ فكرة اإلبانة والتوضيح يف صلب نظريتهم األدبية ‪ ،‬وعلى فرض الكثري من املقاييس‬
‫األسلوبية اليت تالئم تلك الوظيفة وهو ما يفسر كثرة نقول النقاد والبالغيني املتأخرين عن اجلاحظ وتبنيهم‬
‫الكثري من آرائه يف بالغة الكالم‪.‬‬
‫ولالستعارة ‪ ،‬يف الرتاث النقدي والبالغي ‪ ،‬مكانة متميزة مل ينلها أي أسلوب من األساليب البالغية األخرى‬
‫‪ ،‬فلقد كانت حمور دراستهم للمجاز ‪ ،‬وموضوع أغلب املناقشات املتصلة باملفاضلة بني الشعراء وطرق كتابة‬
‫الشعر ‪ ،‬كما اعتربت أحد أعمدة الكالم ‪ ،‬وسببا من األسباب املهمة يف بالغة النص « والعدول عن املبتذل‬
‫إىل الكالم العالي الطبقة » وجبانب كل ذلك كانوا متشددين يف استعماهلا حذرين من حرية التصرف يف‬

‫‪146‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫بنائها وإخراجها على غري املألوف ‪ ،‬ومن ثم جاء تناوهلم هلا ذا وجهني متالزمني ‪ :‬اإلقرار بفاعليتها الفنية وربط‬
‫تلك الفعالية بشروط جمحفة تعطل عملية اخللق الشعري وحتد من قدرة اخليال لدى الشاعر‪.‬‬
‫أهمية االستعارة‪:‬‬
‫لقد حظيت االستعارة يف صلب النظرية األدبية بكثري من العناية وال سيما يف مؤلفات القرنني الرابع واخلامس‪،‬‬
‫فاعلب املسائل اليت تناوهلا البالغيون بالدرس عند تعرضهن للمجاز انطلقوا يف طرحها من االستعارة ألنهم‬
‫اعتربوها أفضل أنواعه ولذلك فإن أغلب ما قيل يف اجملاز ميكن أن ينطبق على االستعارة‪ .‬فعبد القاهر يعتربها‬
‫عمدة العمل الشعري يؤكد ذلك خروجه عن االعتبار النقدي السائد قبله وتقدميه االستعارة على التشبيه من‬
‫حيث الوظيفة الشعرية وقدرة كليهما على التأثري يف املتلقي‪ ،‬وقد تفطن عبدالقاهر إىل فارق مهم بني التشبيه‬
‫واالستعارة‪ ،‬فبنية التشبيه منسجمة مع أصول االستعمال اللغوي وال تُدخل أي تشويش على منط الداللة‪ ،‬أما‬
‫االستعارة فهي سياق وحيد مبين على تطابق وهمي ومؤقت لدالني يدالن يف األصل على مدلولني خمتلفني القصد‬
‫منه اإليهام بوحدة املعنى‪ .‬ولعل من أبرز ما ساهم به اجلرجاني يف تطوير مبحث االستعارة اعتماده يف تقسيمها‬
‫وبيان أنواعها على اجلانب الوظيفي فميز بني االستعارات املفيدة واالستعارات غري املفيدة‪ ،‬وقد ترتب من هذه‬
‫النظرة عدة نتائج هامة‪ :‬منها تطويره النظرة إىل اجملاز وختليص تلك النظرة من التعصب اجلاهل الذي لوحظ‬
‫عند أسالفه ملا قرروا أن اجملازات فضيلة ختتص بها اللغة العربية‪ ،‬ومنها تدقيقه بالغة االستعارة ورفضه أن‬
‫يكون الوجه يولد األثر الفين يف كل احلاالت‪ ،‬ومن األمور اليت تسرتعي االنتباه يف تناوله ملسألة االستعارة‬
‫تعمقه يف فهم بنائها وتقدير مفعوهل ا الشعري‪ ،‬فلقد كان السائد على النظرية البالغية أن االستعارة تعليق‬
‫العبارة على غري ما وضعت له يف أصل اللغة على سبيل النقل‪ ،‬وقد تطرق اجلرجاني إىل مناقشة مسألة النقل‬
‫ووقف منها مواقف وإن كانت ال ختلو من التذبذب واالضطراب‪ ،‬فنحن باالستعارة ال ننقل كلمة عن معناها‪،‬‬
‫وامنا ندعي معناها ملعنى كلمة أخرى على سبيل املبالغة‪.‬‬
‫شروط االستعارة‪:‬‬
‫لقد أمجع النقاد والبالغيون على أن االستعارة صورة متطورة للتشبيه وإمكانية من إمكانيات حتويل بنية‬
‫تكتفي يف العبارة باملشبه به‪ ،‬وحبكم هذه اخلاصية تتوفر يف االستعارة إمكانية اخللط والتداخل أكثر من‬
‫التشبيه وقد ترتب عن اعتبارها صورة من صور التشبيه وفرعاً عليه احلرص على أن تستجيب للضوابط اليت‬
‫وقع إقرارها بشأنه‪ ،‬ومن شروطها‪:‬‬
‫احلاجة إىل القرينة الدالة على وجود االستعارة‬
‫أن يقوم بني املستعار واملستعار منه معنى مشرتك تنبين مبوجبه االستعارة على أساس من التناسب العقلي بني‬
‫الطرفني‪ ،‬والتأكيد على قرب االستعارة وضرورة التناسب القوي والشبه الواضح بني املستعار له واملستعار منه‬
‫بلغ عند ابن سنان اخلفاجي درجة من التصلب‪ ،‬وقد قسم االستعارات إىل قسمني‪" :‬قريب خمتار" و "بعيد‬
‫مطرح"‪ ،‬وبناءً على هذا التقسيم راح ينا قش خمتارات السابقني ويرد عليهم مقاييسهم‪ ،‬فإذا كانت مقاييسهم‬
‫تضيق عن احتواء االستعارة املرشحة فمن باب أوىل وأحرى أن تضيق عن االستعارة اليت تسمى يف العرف البالغي‬

‫‪147‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫"االستعارة التخييلية أو املكنية‪ ،‬ولقد كان الغالب على النقاد والبالغيني استبعاد هذا النوع من االستعارة ألنه‬
‫خروج عن مبدأ اإلبانة والوضوح األثري لديهم‪ ،‬ولقد كان أئمة النقد يضيقون باالستعارات اليت تقوم على‬
‫التشخيص‪ ،‬فكان اآلمدي يتتبع استعارات أبي متام ويعترب الكثري منها يف غاية القباحة والغثاثة والبعد عن‬
‫الصواب‪ ،‬فاآلمدي يتحرك يف نقده من أصول مسبقة توجه تعامله مع التجارب الشعرية ومن جتربة أبي متام‬
‫بوجه خاص وأغلب تلك األصول يرتد إىل نزعته اللغوية احملافظة‪ ،‬وال يستبعد أن يكون بعض أحكام اآلمدي‬
‫أثر ديين فأكثر استعارات أبي متام اليت جيدها اآلمدي غثة إمنا تتعلق بالدهر والزمان‪ ،‬وال خيتلف موقف‬
‫القاضي اجلرجاني من االستعارة عامة ومن استعارات أبي متام خاصة عن موقف اآلمدي‪.‬‬
‫إن االعتناء باجلانب التطبيقي من البالغة حيث تتحول املقررات النظرية والقواعد العامة إىل وسائل عمل متارس‬
‫بها التجربة األدبية ممارسة عملية ال تعرتف باحلدود بني البالغة والنقد يبدو على جانب كبري من األهمية‪،‬‬
‫ولعلنا من خالل دراسة التشبيه واالستعارة بينا أن التفكري البالغي بقي رغم ما جد فيه من تطور الفت مشدوداً‬
‫إىل بعض األسس اليت أقيم عليها منذ مطلع نشأته‪.‬‬
‫ومن أهم تلك األسس مراعاة الوضوح واإلبانة والنظر إىل وظيفة النص من زاوية املنفعة والنجاعة‬
‫واحتالل اإلبانة قطب الرحى يف النظرية األدبية وسم نطرة العرب إىل الفن بطابع عقلي‪ ،‬تبوأت مبوجبه وظيفة‬
‫الفهم واإلفهام صدارة الوظائف اللغوية وارتبط حصول التأثري يف املتلقي باإلدراك ومن ثم كان الفهم الشرط‬
‫الواجب حلصول اللذة‪.‬‬
‫و تسلط العقل ينجر عنه حتما « تراجع اخليال » واحنسار قدراته و التحديد من فعاليته يف التجربة الشعرية‪.‬‬
‫كل ذلك يؤدي إىل التشبث بعدم مصادمة الذوق ألن اخلروج عما يستسيغه يعين تعطيل وظيفة النص والنص‬
‫األدبي بوجه خاص ‪ .‬ومن ثم ميكن أن نقول إن حرص النقاد على أصالة الذوق كان أشد من حرصهم على‬
‫تطوير ذلك الذوق وتهيئته إىل تقبل جتارب جديدة‪.‬‬
‫من هذه الزاوية ميكن أن نعد النظرية البالغية وجها من وجوه احملافظة ألنها حتركت من نفس املنطلق الذي‬
‫حترك منها النحو‪ ،‬فلقد حاولت أن تؤسس قوانني عامة انطالقا من جتارب فردية ثم أصبحت حتاكم تلك‬
‫التجارب من خالل القوانني‪.‬‬
‫خامتة القسم الثالث‪:‬‬
‫متثل الفرتة املمتدة من وفاة اجلاحظ إىل نهاية القرن السادس ازدهار املباحث البالغية واكتماهلا‪ ،‬ففي هذه‬
‫احلقبة بلغت احلضارة اإلسالمية أوجها‪ ،‬ويف هذه الفرتة شهد الكثري من العلوم واالختصاصات تطوراً حامساً‬
‫أفادت منه البالغة فائدة عظمى‪ ،‬فلقد تبلورت االجتاهات الكربى‪ ،‬وقد أعانت اخلصومات حول أبي متام ثم‬
‫حول املتنيب على ضبط جانب مهم من املقاييس النقدية‪ ،‬كما أعطى االهتمام مبسألة اإلعجاز نتائجه امللموسة‬
‫فوضعت يف شأنه مؤلفات عديدة‪ ،‬وقد ساهمت هذه املؤلفات يف تغذية البحث البالغي‪ ،‬إضافة إىل استمرار‬
‫أصحابها يف طرح أمهات املشاكل البالغية‪ ،‬والسبب يف ذلك املالبسات العقائدية املكتنفة مبحث اإلعجاز‪،‬‬
‫فعلى أساس هذا الصراع وضعت الكثري من املؤلفات‪ ،‬وقد حصلت يف ذلك مناظرات بني أصحاب الفرق وبني‬

‫‪148‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫أفراد الفرقة نفسها‪ ،‬فتولد الوجه الثالث عن هذه املناظرات وهو متعلق باجلانب املنهجي يف حتديد بالغة‬
‫النص‪ ،‬ويف هذه احلقبة أيضاً‪ ،‬عرفت معرفة تارخيية ثابتة بعض اآلثار األجنبية املتصلة بفن القول‪ ،‬ومن أهمها‬
‫كتابا أرسطو "الشعر" و "اخلطابة"‪ ،‬وقد اهتم الفالسفة املسلمون بشرح هذه املؤلفات وتلخيصها‪ ،‬إىل جانب‬
‫تلك املؤلفات اليت تبقى صلتها بالبالغة صلة ثانوية ظهر نوع من املؤلفات بإحصاء الوجوه البيانية وتبويبها‪ ،‬وقد‬
‫تبني لنا بعد استعراض أهم املساهمات بعد اجلاحظ أن كتاب البديع لعبداهلل بن املعتز كان أول مؤلف يقتصر‬
‫فيه صاحبه على استعراض مناذج من األساليب البالغية‪ ،‬وقد مهدت لظهور هذا الكتاب مشاركات بعض‬
‫علماء النصف الثاني من القرن الثالث‪ ،‬حيث استغل ابن املعتز املادة اليت وفرتها تلك املؤلفات وما سبقها من‬
‫مؤلفات فكان هلذ الكتاب أثر عميق يف املؤلفات املتأخرة من عدة جوانب‪:‬‬
‫الرتكيز على خصائص النص وإهمال بعض اجلوانب األخرى اليت كانت طرفاً مهماً يف النظرية‬ ‫‪. 1‬‬
‫البالغية‪.‬‬
‫النظر إىل مسألة البديع من زاوية الصراع بني القدماء واحملدثني‪.‬‬ ‫‪. 2‬‬
‫وبعد ابن املعتز يتسارع نسق التأليف فتتعدد املصنفات وتتشابه ويتقص حظ الكثري منها من الطرافة واجلدة‬
‫حتى يطلع اجلرجاني يف القرن اخلامس مبؤلفيه "دالئل اإلعجاز" و "أسرار البالغة" فيعطي البحث البالغي نفساً‬
‫جديداً‬
‫وقد درسنا مصنفات تلك الفرتة على كثرتها من خالل ثالث مسائل وهي‪ :‬املفهوم واملنهج اإلجراء‬
‫ففي قسم املفهوم اهتممنا بزوجي احلقيقة‪/‬اجملاز ‪ ،‬والفصاحة‪/‬البالغة‪.‬‬
‫وقد مسحت لنا دراسة الزوج األول بالكشف عن األسس اليت اعتمدها البالغيون والنقاد لتمييز املستوى‬
‫اإلنشائي من غريه من مستويات التعبري باللغة‪ ،‬فتجاوزت القابلة بني احلقيقة واجملاز املالحظات املقتضبة اليت‬
‫رأيناها يف مؤلفات اجلاحظ وأصبحت حمور من حماور البحث القارة يف مؤلفات هذه الفرتة‪ ،‬ولقد تضافرت‬
‫جهود العلماء من بالغيني ونقاد وفالسفة وأصوليني لتؤكد على أن التوسل باجملاز هو أبرز خاصية متيز األداء‬
‫الفين من غريه‪.‬‬
‫أما الزوج الثاني "الفصاحة‪/‬البالغة" فتحسسنا من خالله حتديدهم ملنبع البالغة يف النص‪ ،‬وحاولنا من خالله‬
‫حتديد ميادين الدراسة األسلوبية وركزنا احلديث على إبراز املضايقات املنهجية اليت واجهها البالغيون والنقاد‬
‫نتيجة فصلهم بني اللفظ واملعنى‪ ،‬فتبنى فريق رأي اجلاحظ املشهور وفهمه على ظاهره ومن ثم راح يدافع عن‬
‫اللفظ املفرد والصياغة والشكل باعتبارهما أصل البالغة‪ ،‬بينما هون الفريق اآلخر من شأن اللفظ والصياغة‬
‫وربط البالغة بانتظام املعاني واتساقها‪ ،‬واعترب البنية اللغوية للنص انعكاس ًا للمعاني وخدماً هلا‪ ،‬وقد تبني لنا‬
‫أن املشاغل املنهجية كانت طاغية على جهود العلماء يف هذه الفرتة‪ ،‬وتشهد مقدمات الكثري من املؤلفات بأن‬
‫البحث عن طريق لتحديد بالغة الكالم كان عامالً مهماً يف حيوية التفكري البالغي وجتدده‪ ،‬وميكن القول‬
‫بأن الرت اث البالغي بكامله بقي يعيش يف تصور أسباب البالغة على النهجني الذين رمسهما اجلاحظ يف مؤلفاته‬

‫‪149‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫وهما األساليب واجملازات‪ ،‬وبناء عليه ميكن اعتبار اجلانب املنهجي من أبرز مظاهر التطور اليت جدت يف‬
‫التفكري البالغي يف اجتاه وحدة التصور القائمة على مفهوم "النظم"‪.‬‬
‫وختم نا هذا القسم باب تطبيقي حاولنا من خالله رصد التطورات احلاصلة يف املواقف املبدئية واالعتبارات‬
‫النظرية عند مواجهة الكالم األدبي بالشرح والتعليق‪ ،‬فاقتصرنا على أسلوبي التشبيه واالستعارة ألنهما أفضل‬
‫أنواع اجملاز وأحقهما بالشعر يف نظر البالغيني‪ ،‬وقد كشفت لنا دراستهما عن أمر هام‪ ،‬وهو سيطرة فكرة‬
‫اإلبانة والتوضيح على النظرية األدبية وبقاء التفكري البالغي مشدود ًا إىل األسس اليت تبلورت يف مراحل العلم‬
‫األوىل‪.‬‬
‫اخلامتة العامة‪:‬‬
‫ملا كانت مؤلفات اجلاحظ أقدم ما وصلنا رأينا أن تكون منطلق حبثنا‪ ،‬ومبمارسة هذه املؤلفات تبينا أمرين‬
‫هامني ‪ :‬أوهلما غزارة املادة البالغية فيها وتبلور كثري منها‪ ،‬وثانيهما اقتناعنا بأن التفكري يف مجالية اللغة مل‬
‫يبدأ مع اجلاحظ‪ ،‬على هذا األساس احتوى عملنا ثالثة أقسام‪ :‬ما قبل اجلاحظ اجلاحظ ما بعد اجلاحظ‪.‬‬
‫إن العوامل اليت ساهمت بصورة مباشرة يف بلورة الوعي حبضور اللغة وبإمكانية تصريفها يف أغراض فنية‬
‫تتجاوز اإلبالغ العادي عوامل لصيقة ببنية اجملتمع العربي اإلسالمي الثقافية والعقائدية والسياسية‪ ،‬ومن أهمها‬
‫العامل األدبي والعامل القرآني‪.‬‬
‫فلقد واكبت نشأة الشعر كممارسة فنية مجلة من اإلشارات واملالحظات النقدية حياول أصحابها تفهم أسباب‬
‫تأثريه يف النفوس‪ ،‬وقد بدأت هذه املالحظات بسيطة ال تعدو االنطباع والتعبري‪ ،‬وملا تطورت دراسة الشعر تطورت‬
‫تلك األحكام‪ ،‬وقد كان اجلدل الذي نشأ حول القرآن والسيما حول إعجازه رافاً من الروافد الكربى اليت‬
‫أمدت التفكري البالغي مبادة ثرية‪ ،‬كما تطلب التبيان عن إعجاز القرآن البحث عما مييز أساليبه عن أساليب‬
‫الفنون األدبية املعاصرة له بإحصاء تلك األساليب والغوص على دقائقها املعنوية‪.‬‬
‫أما اللغويون فق د برزت مساهمتهم يف حتريك املشغل الفين بطريقتني‪ :‬فهم أول من اهتم جبمع األشعار وتدوينها‬
‫وقد أدى بهم ذلك ب طبيعة احلال إىل إثارة عدد من القضايا املتصلة بلغة تلك األشعار وأساليبها كما تولدت عن‬
‫اهتمامه بتعقب سقطات الشعراء وإحصاء حماسنهم نواة عمل نقدي تضمنت إشارات بالغية ال يستهان بها‪ .‬ثم‬
‫إن هؤالء اللغويني اعتمدوا يف تقعيد اللغة على مدونة تتألف من الشعر والقرآن وكالم الفصحاء من األعراب‪،‬‬
‫ومن الطبيعي أن تهتم املؤلفات اللغوية مبسألة الرتاكيب‪ ،‬فعمل النحاة يقوم على بلورة العالقة بني املعنى واملبنى‪،‬‬
‫وتقنني اللغة هو اللبنة األوىل يف البناء البالغي‪ ،‬فعن تفاعل هذه العوامل يف هذا الطور األول جتمعت مادة بالغية‬
‫متفاوتة األهمية ‪ ،‬جاء بعضها يف صورة مباديء عامة تقر إمكانية التصرف يف اللغة والتوسع يف استعماهلا‪ ،‬أما‬
‫املادة املتعلقة بطرق أداء املعنى فقد كان حظها من الشرح والتوضيح أقل من حظ الرتاكيب‪.‬‬
‫إن ملساهمة اجلاحظ يف تاريخ البالغة مكانة خاصة ترتد إىل مجلة من األسباب‪:‬‬
‫غزارة املادة اللغوية اليت تضمنتها مؤلفاته‬ ‫‪. 1‬‬

‫‪150‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫استطاع أن خيضع اجلانب األعظم من تلك املادة لتصور متكامل ساهمت يف حنت معامله‬ ‫‪. 2‬‬
‫الظروف احلافة مبساهمته ويف طليعتها الظروف العقائدية‪ ،‬وقد ساهم سخر رفقاؤه يف املعتقد ــ املعتزلة‬
‫ــ أساليب هذه املادة خلدمة الغرض العقائدي واهتموا اهتماماً بتحديد تقنيات اجلنس اخلطابي ألنه‬
‫أكثر األجناس األدبية مالءمة ألغراضهم‪ ،‬إال أن النزعة الشمولية اليت تسم تفكري اجلاحظ وسعت‬
‫من اهتماماته الفنية فشغل احلديث عن خصائص الشعر وأسلوب القرآن حيزاً هاماً من مؤلفاته‪ ،‬فجمع‬
‫اجلاحظ لتلك النماذج األدبية املتنوعة وحماولته رد خصائصها إىل مقاييس موحدة أكسب مؤلفاته‬
‫طرافة خاصة أهلتها ألن تكون منطلقاً ألهم اجتاهات النقد والبالغة بعده‪.‬‬
‫طرح يف مؤلفاته أهم األسس اليت سيقوم عليها التفكري البالغي بعده‪ ،‬ومن اهم تلك األسس‬ ‫‪. 3‬‬
‫دفاعه عن اإلبانة واعتباره وظيفة الفهم واإلفهام أو "البيان والتبيني" الغاية اليت جتري إىل حتقيقها كل‬
‫مستويات اللغة‪ .‬وقد بقيت اإلبانة مسيطرة على التفكري البالغي طيلة الفرتة اليت تهمنا لذلك حدد‬
‫النقاد والبالغيون قيمة األسلوب بقدرته على إيقاع الفهم وعدم قدرته على ذلك‪.‬‬
‫وقد دفعهم احلرص على وضوح املعنى وإيقاع الفائدة إىل ربط الصق الوجوه باإليقاع اخلارجي كالسجع يف‬
‫النثر‪ ،‬والقافية يف الشعر ربطها باملعنى‪ .‬وبسبب هذا احلرص ارتبكوا يف فهم بعض مظاهر نظرية أرسطو يف‬
‫الشعر كاحملاكاة والتخييل‪ ،‬ففهموا احملاكاة فهماً آلياً قوامه مطابقة الوصف للموصوف مطابقة تأتي على‬
‫كل هيآته‪ ،‬كما تولد عن اإلبانة احلرص على االعتدال والتوسط يف صياغة النص حبيث يكون مسروداً من‬
‫مستوى لغوي بني املقصر والغالي‪ .‬وقد اعتمدت أغلب املؤلفات املتأخرة هذا املقياس اجلاحظي يف حتديد‬
‫الفصاحة‪.‬‬
‫ولعل من أبرز املقاييس البالغية اليت يتضح من خالهلا مدى تأثري اجلاحظ يف التفكري البالغي مقياس "السياق"‬
‫فقد كان الغالب على معناه يف مؤلفاته‪ ،‬فكرة احملل واملوضع واملقام‪ ،‬وهي مجلة الظروف املادية واالجتماعية‬
‫اليت يتنزل يف نطاقها إجناز النص‪.‬‬
‫أما على مستوى التأليف فيمكن القول بأن أغلب اآلثار اليت ساهمت بصورة مباشرة يف تطوير املباحث البالغية‬
‫ترتد أصوهلا إىل مؤلفات اجلاحظ‪ .‬ولقد مهدت مالحظاته املتعلقة بالبديع يف الشعر لربوز اجتاه من التأليف‬
‫يرتكز على هذا اجلانب‪ ،‬وقد كان عبداهلل بن املعتز فاحتة هذا االجتاه بكتابه "البديع"‪ ،‬كما كانت‬
‫مالحظاته الدائرة على النص القرآني فاحتة نوع من التأليف‪ ،‬مادة حبثه النص القرآني وغايته بيان إعجازه‪،‬‬
‫أما مقاييسه يف جودة الكالم فتولد عنها نوعان من التأليف‪:‬‬
‫نوع اجته اجتاهاً غايته البحث عن أسس لتحديد القيمة األدبية من زاوية أوسع من مسألة البديع‪.‬‬
‫ونوع يهتم باملقاييس العامة جلودة الكالم بصرف النظر عن الشكل األدبي احلامل له‪.‬‬
‫وال شك أن البالغة حبكم ارتباطها بعاملي القرآن والشعر وبالنظر إىل خط تطورها كانت تتحرك يف إطار‬
‫مليء بالتناقضات‪ ،‬ولعل أبرز تلك التناقضات نزعتها املعيارية‪ ،‬والناظر يف الرتاث البالغي يالحظ أن أصحابه‬
‫كانوا منشغلني بضبط بالغة اللغة العربية ووجوه بيانها ال بوصف التجارب األدبية الشخصية واألساليب املالئمة‬

‫‪151‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫هلا ‪ ،‬وقد أصبحت قوانني البالغة يف خدمة النص القرآني والنص الشعري‪ ،‬وقد قام هذان العنصران يف تاريخ‬
‫البالغة بدور مزدوج‪ :‬دور الدافع ودور الكابح يف نفس الوقت‪ ،‬فالقرآن يف نهاية اجلودة واحلسن والبيان ولذلك‬
‫فإن أقصى ما تطم ح إليه البالغة هو أن تطابق تصوراتها تصوراته وأن تكون مقاييسها منسجمة مع طريقته يف‬
‫التعبري‪ ،‬وهذا يؤدي بطبيعة احلال إىل رفض كل املقاييس اليت تتعارض معه‪.‬‬
‫وكذلك طان الشأن مع الشعر‪ ،‬فقد ربطوا منذ بداية التأليف البالغي مسألة البديع بالصراع بني القديم‬
‫واحلديث‪ ،‬وق د ترتبت عن هذا التوجه عدة نتائج يف مقدمتها االعتقاد بأن الوجه البالغي مستقل عن السياق‬
‫الذي يرد فيه‪ ،‬ورغم املظاهر السلبية اليت يرتد بعضها إىل احمليط اثقايف والعقائدي‪ ،‬ويرتد بعضها إىل طبيعة‬
‫البالغة ذاتها‪ ،‬فقد تناول البالغيون والنقاد العرب مسائل ال تزال الدراسات األدبية تطرحها يف نطاق ما يسمى‬
‫باألسلوبية‪ ،‬ولعل من أبرز هذه املسائل انتباههم إىل أن اإلنشائية أو األدبية وثيقة االرتباط بالبنية اللغوية الطريقة‬
‫املتبعة يف أداء املعنى ‪ ،‬وهذا يعين أن األدب يستمد خصائصه املميزة من صورة اللغة فيه ورمسه يف هندسة‬
‫العبارة‪ ،‬وق د دفعهم هذا االقتناع إىل التعمق يف دراسة اللغة وانتهى بهم البحث إىل اإلقرار جبودة مستويني‬
‫كبريين‪ :‬مستوى "االحتذاء" ومستوى "اإلنشاء"‪ ،‬وبالقارنة بني هذين املستويني اكتشفوا ذلك الوقت مفهوماً‬
‫يعترب من دعائم األسلوبية اليوم‪ ،‬وقد أشاروا إليه بوضوح "باخلروج" أو "العدول" أو "التغيري"‪ ،‬ومن ثم فهما أن‬
‫من مميزات اللغة يف األدب خروجها عن مألوف العبارة‪ ،‬وقد أحاطوا مفهوم اخلروج بكثري من االحرتازات‪،‬‬
‫ويف هذا االجتاه أثاروا مسألة من أعوص املسائل اليت تواجهها األسلوبية التطبيقية اليوم‪ ،‬وتتمثل يف معرفة‬
‫نصيب املوروث ونصيب امل بتدع‪ ،‬وقد تفطن بعضهم إىل ما يسمى "متعارف األوساط" وهو يف مصطلحهم يقابل‬
‫ما يسمى اليوم "الدرجة الصفر" وهو حمض اصطالح منهجي يعتمد حملاصرة خصائص البعد اإلنشائي يف اللغة‪.‬‬
‫وهو التأويل الذي يتبناه األسلوبيون القائلون بأن األسلوب هو خروج عن أصل االستعمال‪.‬‬
‫وليست فكرة « اخلروج » الرابط الوحيد بني التفكري البالغي عند العرب االهتمامات األسلوبية ‪ ،‬املعاصرة ‪.‬‬
‫فقد أشار البالغيون والنقاد ‪ ،‬وهم حياولون تفهم سر الفعل الشعري ‪ ،‬إىل طرق يف التفسري شبيهة بالطرق اليت‬
‫تنتهج اليوم لتحديد ظاهرة األسلوب‪ ،‬ومن ذلك ربطهم «األثر الفيت و « احلالة الغريبة ‪ ،‬اليت تعرتي املتلقي‬
‫بعنصر املفاجأة»‬
‫وقد توسع العلماء يف حتليل العالقة بينهما ‪ ،‬ورأوا أن بروز الشيء من غري معدنه ومن اجلهة اليت ال يتوقع بروزه‬
‫منها ‪ ،‬إذا ينقل النفس مما ألفت إىل ما مل تألف ‪ ،‬حيرك يف السامع قواه املدركة واملتخيلة ‪ ،‬ويدفعه إىل الفهم‬
‫واالستكشاف ‪ .‬وعلى قدر اجلهد الذي يبذله إلدراك ما مل يكن ‪ ،‬يف البدء ‪ ،‬مدركا تكون اللذة‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ ،‬أيضا ‪ ،‬تفسري هم تأثري األدب بقدرته على حتريك طاقات اللغة الكامنة ‪ ،‬واعتماده يف أداء املعنى‬
‫على اإلحياء و اإلشارة وترك التصريح ‪ .‬ويف كتب البالغة والنقد سياقات كثرية تؤكد على بالغة اإلجياز‬
‫واحلذف وقد تضمنت بعض هذه السياقات آراء ال ختلو من الطرافة ‪ ،‬كقوهلم اإلحياء يوسع جمال التأويل أمام‬
‫املتلقي وجيعل الوهم يذهب يف فهم النص كل مذهب حتى لكأن عملية القراءة تنقلب إىل ضرب من االستبطان‬

‫‪152‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫الذاتي ‪ ،‬وإذ ذاك تصبح لغة النص جمرد قادح تتداعى له املعاني يف النفس وتصبح داللتها « غائبة » ال تقل شأنا‬
‫عن داللتها حاضرة ‪.‬‬

‫الرواية السعودية واقعها وحتوالتها‬


‫حسن النعمي‬

‫الرواية السعودية مثل غريها نص مواز للواقع لكنها تشتغل يف منطقة االنكسار‪ ،‬سنعمد هنا إىل اختيار ثالث‬
‫موضوعات ت عد األبرز يف الرواية السعودية وهي‪ :‬اآلخر يف الرواية السعودية الرجل يف الرواية النسائية جدل‬
‫العالقة بني القرية واملدينة‬
‫الفصل األول‪:‬‬
‫مراحل تطور الرواية‪:‬‬
‫حنن أمام إيقاعني روائيني حيددان معامل التجربة الروائية‪ .‬فالظهور األول لرواية التوأمان‬ ‫‪. 1‬‬
‫لعبدالقدوس األنصاري عام ‪ 1930‬بدا باهتاً ليس من الناحية الفنية فحسب‪ ،‬بل إن ضعف الرؤية‬
‫وهشاشتها هو ما ميكن أن جنده يف احلقبة األوىل من تاريخ الرواية السعودية‪.‬‬
‫إن ما ميكن أن يكون نظرة خمتلفة هو استحضار السياقات وحتوالت اجملتمع‪ ،‬فأي حتول يف مسار‬
‫الرواية ميكن أن يقرأ ضمن سياق التحوالت‪ ،‬لذلك فإن الرواية من خالل هذا املنظور تصبح نوعاً أدبياً‬
‫تلده التجارب االجتماعية‪ ،‬ولذلك سنسعى إىل ربط حركة الرواية التارخيية بتحوالت البنية االجتماعية‪.‬‬
‫فتاريخ الرواية ليس إال جتلي لتغريات اجتماعية عميقة‪ ،‬يضاف إىل ذلك أن من كتب الرواية يف بداية‬
‫تا رخيها ينطلق من وعي بأن الرواية تاريخ حمكي أكثر منها رؤية فنية تتقاطع مع التاريخ واجملتمع‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫التكوين وتلمس الطريق‪:‬‬


‫يشاء اهلل أن تنطلق الرواية السعودية من ثنايا حتول سياسي واجتماعي على أعلى مستوى‪ ،‬فقد عرب‬
‫اجليل األول من األدباء يف اململكة عن نزعة املواكبة ملنطلقات الدولة اجلديدة‪ ،‬فجاء شعرهم حيمل‬
‫روح التجديد‪ ،‬ويف هذا اجلو يقدم حممد حسن عواد قصيدته "خطوة إىل االحتاد العربي" مبشراً فيها‬
‫بعهد جديد‪ ،‬ولعل أهمية القصيدة تكمن يف كونها جديدة يف شكلها عن السياق الشعري احملافظ‪،‬‬
‫حيث تعد من أوائل القصائد اليت قاربت الشعر احلر‪ ،‬مع اختالف مضمونها حيث كانت موقفاً من‬
‫التاريخ املتحول‪.‬‬
‫أما بالنسبة لألدب السردي عامة والرواية خاصة فاألمر خيتلف بل يزداد التصاقاً بالتحول السياسي‪،‬‬
‫فالرواية شكل من أشكال احلداثة وهي النص الوحيد القادر على استيعاب حراك اجملتمع وحتوالته‪.‬‬
‫إن قراءة الرواية السعودية قراءة سياقية تقتضي النظر للمكونات اخلارجية اليت شكلت‬ ‫‪. 2‬‬
‫اخلطاب الروائي‪ .‬فالرواية من األعمال اليت تتغذى يف وجودها من تسارع إيقاع اجملتمع‪ ،‬وحبسب القدرة‬
‫على االلتقاط والتقاطع والقدرة على خلق هامش تتحرك يف فضائه ميكن للرواية أن تشكل خطاباً‬
‫يسعى إىل التنوير‪ ،‬لذلك نرى أن أقرب وصف لتجربة الرواية يف ضوء السياقات اخلارجية هو ما ميكن‬
‫أن نصطلح عليه باإليقاع‪ .‬ومن هذا املنطلق فإن النظر للرواية السعودية على امتداد تارخيها ال خترج عن‬
‫كونها جتربة إيقاعني ال ثالث هلما‪ ،‬أحدهما بطيء واآلخر متسارع‪ .‬ويتحدد مفهوم اإليقاع حبجم‬
‫احلضور الروائي وتراكمه من ناحية‪ ،‬وقدرته على حتقيق فاعلية اجتماعية يف تفكيك خطابات‬
‫اجملتمع‪.‬‬
‫فاإليقاع األول (بطيء) يبدأ منذ صدور رواية التوأمان ‪ 1930‬وحتى عام ‪ ،1980‬ولعل أبرز مالمح هذا‬
‫االمتداد الزمين من تاريخ الرواية هو قلة اإلنتاج مع ضعف البنية الفنية وعدم القدرة على تقديم‬
‫موضوعات تكسر تقليدية ورتابة الطرح الروائي‪.‬‬
‫أما اإليقاع الثاني (متسارع) فيبدأ منذ ‪ 1980‬وحتى الوقت الراهن وهو إيقاع حيفل بزيادة الرتاكم‬
‫الروائي بشكل ملحوظ يف فرتة زمنية قصرية مقارنة بالفرتة السابقة‬
‫ولعل مقاربة اإليقاع مع التحول الزمين مهم على مستوى فهم العالقة بني الرواية وجمتمعها‪ ،‬وإدراك‬
‫مدى تأثري التطور االجتماعي على تطور الرواية ليس على املستوى الفين فحسب‪ ،‬بل على مستوى الرؤية‬
‫ومتثيل املضامني ذات الطبيعة اجلدلية اجتماعياً‪ ،‬إذن ال تعارض بني التقسيمات التارخيية لتطور الرواية‬
‫وبني خفوت وح دة تفاعلها مع جمتمعها‪ ،‬أو ما نفضل تسميته باإليقاعني‪ :‬البطيء واملتسارع يف عالقة‬
‫الرواية مبجتمعها‪.‬‬
‫ويف هذا السياق يشتد املد واجلزر بني الرواية وبني الثقافة االجتماعية احملافظة‪ ،‬فالثقافة‬ ‫‪. 3‬‬
‫احملافظة تنظر لآلداب نظرة غري متصاحلة‪ ،‬فما ميكن أن ينتج من اآلداب يف ظل الثقافة احملافظة ال‬
‫خيرج عن نوعني‪:‬‬

‫‪154‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫ال بهيمنتها‪.‬‬
‫أ‪ -‬نوع منقاد الشرتاطات الثقافة مستظ ً‬
‫ب‪ -‬نوع مشاكساً متحدياً وكاشفاً ألدواتها وأنساق اهليمنة يف خطاباتها‪ ،‬لكنه يف هذه احلالة‬
‫حيمل رسالة أقرب إىل الصراخ منها إىل الفن الذي يصنع البدائل اخلالقة للحياة‪ ،‬هدفه يف هذه‬
‫احلالة ثوري إيدلوجي‪.‬‬
‫ومن خالل استعراض مراحل تطور الرواية جند أن الرواية ظلت مهادنة يف جممل حقبها باستثناء روايات‬
‫التسعينات امليالدية وما بعده‪ ،‬حيث لعبت دوراً معاكساً للثقافة االجتماعية احملافظة‪ ،‬من خالل البحث‬
‫الدائم يف املسكوت عنه يف اخلطاب الثقايف احملافظ‪.‬‬
‫وملقاربة أكثر وضوح ًا فيما يتعلق بتطور الرواية يف سياق حركة التاريخ من ناحية‪ ،‬ويف منوها‬ ‫‪. 4‬‬
‫يف عالقتها باجملتمع أو مفهوم اإليقاع املوضوعي‪ ،‬نسعى إىل الربط من خالل استعراض مراحل التطور‬
‫التارخيي للرواية‪ .‬والراصد جيد أربع مراحل زمنية شكلت اإلطار التارخيي لتطور الرواية‪ ،‬هي‪:‬‬
‫أ‪ -‬مرحلة النشأة‬
‫ب‪ -‬مرحلة التأسيس‬
‫ت‪ -‬مرحلة االنطالق‬
‫ث‪ -‬مرحلة التحوالت الكربى‬
‫مرحلة النشأة‪:‬‬ ‫أ‪.‬‬
‫استهلت الرواية السعودية مسريتها بـــ‪:‬‬
‫▪ صدور رواية "التوأمان" لعبدالقدوس األنصاري عام ‪ ،1930‬وقد جاءت كبداية فنية ضعيفة فنياً‪،‬‬
‫وموضوعها األساسي يعاجل مشكلة العالقة احلضارية بني الشرق والغرب‪ ،‬وقد كان أبطال الرواية‬
‫"رشيد وفريد" رشيد الذي تعلم يف املدارس الوطنية كان أكثر التزاماً ورقياً علمياً وإنسانياً‪ ،‬بينما‬
‫أخوه فريد الذي تعلم يف املعاهد األجنبية خسر حياته ألن هذه املعاهد دفعته للفساد‪ ،‬وقد جاءت الرواية‬
‫فقرية يف مضمونها ضعيفة يف بنيتها‪.‬‬
‫▪ إىل جانب رواية التوأمان ظهرت جمموعة روايات تتسق مع اخلط الذي سلكته رواية التوأمان‪ ،‬فتأتي‬
‫الرواية الثانية "فكرة ‪ "1947‬ألمحد السباعي حيث بدت أكثر تعبرياً عن التطلعات االجتماعية احلديثة‬
‫من خالل البطلة "فكرة" اليت تنظر إىل واقعها وتنظر إىل ما هو أبعد من واقعها رغبة يف تلمس سبل‬
‫النهوض‪.‬‬
‫▪ تلي رواية "فكرة" رواية "البعث ‪ "1948‬حملمد علي مغربي‪ ،‬وهي تطرح إشكالية العالقة احلضارية مع‬
‫اآلخر من خال أسامة الزاهر الذي اضطره مرضه ألن يبحث عن العالج خارج البالد‪.‬‬
‫وقد متيزت هذه املرحلة بطوهلا الزمين بدءاً من عام ‪ 1930‬حتى عام ‪ ،1954‬ورغم هذا الطول النسيب فقد‬
‫اتسمت هذه املرحلة بقلة اإلنتاج الروائي باإلضافة إىل ضعف املستوى الفين‪ .‬كما غلبت على تلك الروايات‬
‫النزعة اإلصالحية االجتماعية‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫مرحلة التأسيس‪:‬‬ ‫ب‪.‬‬


‫تعترب فرتة اخلمسينات فرتة مجود حيث مل تصدر إال رواية "االنتقام الطبعي ‪ "1954‬حملمد اجلوهري‪ ،‬أما الرواية‬
‫املؤسسة هلذه املرحلة فهي‪:‬‬
‫▪ رواية "مثن التضحية ‪ "1959‬حلامد دمنهوري‪ ،‬حيث شكلت قفزة فنية وبداية واعدة للتطور الفين يف‬
‫صناعة الرواية‪ .‬فقد بدت أكثر الروايات استعداداً لتقديم رؤية جريئة مفارقة للواقع‪ ،‬وهي ترصد‬
‫مالمح التغيري االجتماعي يف مكة يف األربعينات من خالل منو الشخصية الرئيسية أمحد منذ طفولته‬
‫وحتى ذهابه إىل القاهرة ملواصلة الدراسة‪ ،‬اليت تتمثل يف صراع عالقته بابنة عمه فاطمة مع عالقته‬
‫بفائزة يف موطن دراسته واليت تعد الوجه اآلخر لفاطمة‪ ،‬ويف هذه الفرتة يصدر حامد دمنهوري روايته‬
‫الثانية "ومرت األيام ‪ ،"1963‬وقد جاءت مرتاجعة يف املستوى الفين عن "مثن التضحية"‪.‬‬
‫▪ ويف حقبة الستينات يظهر إبراهيم الناصر احلميدان مبجموعة أعمال روائية‪ ،‬حيث أصدر يف هذه‬
‫املرحلة روايتني هما‪" :‬ثقوب يف رداء الليل ‪ "1961‬و "سفينة املوتى ‪ ،1969‬وقد طرحت الرواية األوىل أزمة‬
‫العالقة بني القرية واملدينة‪ ،‬وتكمن يف اختالف القيم‪ ،‬أما الرواية الثانية له فهي تقدم الوجه املؤمل‬
‫للمدينة‪.‬‬
‫▪ الرواية النسائي وشرط الوجود التارخيي‪ :‬يذهب دارسو الرواية إىل أن بداية ظهور الرواية النسائية‬
‫السعودية كان‬
‫يف أوائل الستينيات امليالدية عندما بدأت مسرية خاشقجي تصدر رواياتها خارج اململكة‪ .‬وليس هذا‬
‫التاريخ مهما يف ذاته‪ ،‬بل أهميته تكمن يف عالقته بتاريخ صدور رواية الرجل يف عام ‪۱۹۳۰‬م عندما‬
‫أصدر عبد القدوس األنصاري رواية التوأمان‪ .‬إذن‪ ،‬ثالثون عاما تفصل بني صدور رواية الرجل وصدور‬
‫رواية املرأة‪ .‬إن هذا الفارق الزمين يؤكد حضور الرجل‪ ،‬ثقافة وكتابة يف سياق الثقافة احمللية‪ ،‬فاملرأة‬
‫مل حتض بالتعليم النظامي إال يف الستينيات امليالدية‪ ،‬وهي املرحلة اليت تزامنت مع صدور الرواية‬
‫النسائية‪ .‬فكيف تكتب املرأة رواية إبداعية وهي غري مؤهلة للقراءة والكتابة أصال؟ فهل يستقيم ذلك‬
‫مع طبيعة األشياء؟ إن الرواية خاصة واألدب الفصيح هو ناتج ثقافة القراءة والكتابة‪ ،‬ليس على املستوى‬
‫اإلجرائي‪ ،‬بل على املستوى املعريف‪ .‬وال أعتقد أن أحدا يستطيع أن جيزم بوجود الشرط الثقايف واملعريف‬
‫بالنسبة للمرأة يف تلك احلقبة‪ ،‬فضال عن أجبدية القراءة والكتابة‪ .‬أن ظروف بداية صدور الرواية كان‬
‫بعيد عن السياق الطبيعي لنمو اجملتمع‪ .‬فقد جاء صدور الرواية األوىل لسمرية خاشقجي يف حني كانت‬
‫جتربة التعليم النسائي النظامي يف اجملتمع السعودي ما تزال يف خطواتها األوىل‪ ،‬ومعلوم أن التأثري ألي‬
‫مسرية تعليم يبدأ مع خمرجات التعليم اليت حتتاج إىل قرابة عشرين عاما من بداية مسريتها على أقل‬
‫تقدير حتى ميكن أن متارس ترف الكتابة والنشر وتعاطي األدب وتذوقه‪ .‬كما أن جتربة الكاتبة‬
‫مسرية خاشقجي الثقافية جتربة خارجية‪ ،‬فصدور الروايات األوىل كان خارج اململكة العربية السعودية‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫ما نود أن نصل إليه أن الروايات النسائية اليت صدرت يف الستينيات حتى مطلع الثمانينيات امليالدية‬
‫ليست نتاج البيئة االجتماعية والتعليمة للمجتمع السعودي‪ ،‬بل نتاج جتارب نسائية فردية تنورت تعليميا‪،‬‬
‫وثقافيا يف بيئة خارج اجملتمع السعودي‪ .‬فرغم نسبة األعمال إىل هوية كاتباتها‪ ،‬فهي نسبة تتوخى اهلوية‬
‫الوطنية‪ ،‬وليس هوية التكوين الثقايف واالجتماعي للفرد‪.‬‬
‫وملقاربة أكثر وضوحا ميكن النظر يف روايات مسرية خاشقجي وهدى الرشيد وهند باغفار الصادرة‬
‫يف فرتة الستينيات والسبعينيات امليالدية‪ ،‬فهي أعمال تقدم داللة حية على « هذا النمط من الكتابات‬
‫اليت استفادت من الرتبية الثقافية اخلارجية يف تقديم هذه الروايات ونسبتها إىل الرواية السعودية حبكم‬
‫انتمائهن الوطين ال الثقايف‪ .‬فسمرية خاشقجي‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬تربت تعليمية وثقافية وقيميا خارج‬
‫اجملتمع السعودي‪ ،‬ومعظم رواياتها تدور يف سياق غري اجملتمع السعودي مثل رواية (ذكريات دامعة) أو‬
‫رواية (بريق عينيك)‪ .‬وحتى الروايات‪ ،‬مثل (قطرات من الدموع)‪ ،‬اليت كتبتها عن اجملتمع السعودي‬
‫تعد كتابة من اخلارج‪ ،‬أفكارها مسبقة و حوادثها جاهزة لتجيب عن قلق الكاتبة‪ ،‬ال أن تعاجل‬
‫التكوينات االجتماعية بواقعية شديدة اخلصوصية والصلة باجملتمع يف حركته اليومية ‪ .‬وال خترج رواية‬
‫(الرباءة املفقودة‪۱۹۷۲ ،‬م) هلند باغفار‪ ،‬ورواية هدي الرشيد (غدا سيكون اخلميس‪۱۹۷۷ ،‬م)‪ ،‬وهما‬
‫روايتان صادرتان يف فرتة السبعينيات امليالدية‪ ،‬عن معاجلة بعيدة عن أجواء البيئة السعودية‪ ،‬حيث تدور‬
‫أحداث الروايتني يف بيئتني خارجيتني‪ .‬ويف املقابل‪ ،‬نلحظ يف الروايات النسائية السعودية اليت صدرت‬
‫يف فرتة التسعينيات امليالدية وما بعدها تغرياً جوهرياً ‪ ،‬حيث نلحظ عمق املعاجلات الروائية وقدرتها‬
‫على إحداث صلة بالواقع اليومي‪.‬‬
‫إن الرواية هي نتاج سياقات وجتارب وليس جمرد ظهور إصدار‪ .‬إن البداية املفرتضة للرواية النسائية‬
‫السعودية اليت ولدتها جتربة تعليم الفتيات النظامي ميكن رصد مالحمها مع بدء صدور روايات‬
‫كاتبات الثمانينيات من أمثال آمل شطا يف روايتها (غدا أنسى‪۱۹۸۰ ،‬م)‪ ،‬ورجاء عامل يف روايتها (‬
‫صفر‪۱۹۸۷ ،‬م)‪ ،‬وبهية بوسبيت يف روايتها (درة من األحساء‪۱۹۸۷ ،‬م)‪ ،‬وصفية عنرب يف روايتها (وهج‬
‫من بني رماد السنني‪۱۹۸۸ ،‬م)‪ ،‬وصفية بغدادي يف روايتها (ضياع والنور يبهر‪۱۹۸۷ ،‬م)‪ .‬ورغم قلة اإلنتاج‬
‫الروائي وضعفه الفين باستثناء نسيب لرواية ‪ /4‬صفر‪ ،‬فإننا نتحدث عن مثرة التجربة النسائية مع التعليم‬
‫والتحول النسيب للمجتمع حنو األخذ بأسباب التمدن‪ .‬إن هذه احلقبة متثل رمزيا‪ ،‬بالنسبة للمرأة‪،‬‬
‫اللحظة اليت بدأت حتيك خطابها الروائي وتعلن بدء إسهامها الثقايف واإلبداعي‪.‬‬
‫وامتداداً ملرحلة التأسيس يف مسرية الرواية نصل إىل حقبة السبعينات اليت تبدو مشابهة ملا قبلها من‬
‫حيث ضعف اإلنتاج الروائي وقلته‪ ،‬وباستثناء رواية " الشياطني احلمر" اليت تتحدث عن أزمة اختطاف‬
‫وزراء البرتول العرب‪ ،‬فإن روايات هذه املرحلة على قلتها تركز على قضايا املرأة يف اجملتمع السعودي‬
‫من حيث إشكالية وجودها يف جمتمع حمافظ وضرورة حصوهلا على حقوقها االجتماعية‪.‬‬
‫مرحلة االنطالق‪:‬‬ ‫ت‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫تنطلق هذه املرحلة مع بداية الثمانينات امليالدية‪ ،‬وتعد هذه املرحة بداية انفتاح اجملتمع وحتسن وضعه االقتصادي‬
‫وزيادة رقعة التعليم وتنوع قنواته وبداية خمرجاته‪ ،‬وتوسع جتابه واحتكاكه باجملتمعات األخرى‪ ،‬فالصراع‬
‫بني ق ناعات اإلبقاء على التقاليد وبني الرغبة يف مواكبة املستجدات واالندماج فيها هو أحد أعمدة النشاط‬
‫الروائي يف حقبة الثمانينيات‪ ،‬ويتمثل ذلك يف روايات عبدالعزيز مشري الذي التقط مفارقة التوتر بني منطني‪،‬‬
‫ورغم واقع الرواية السعودية يف حقبة الثمانينات مل يكن قد سجل احلضور الالفت الذي نشهده اليوم‪ ،‬فإنه‬
‫ميكن اعتباره نقطة انطالق حنو تسارع اإلنتاج وتزايده‪ ،‬وقد عربت الرواية السعودية يف مرحلة الثمانينيات نفق‬
‫التباطؤ وجتاوزت هشاشة التجربة الفنية والفكرية‪ ،‬فكانت روايات عبدالعزيز مشري أكثر تسارعاً كماً‪،‬‬
‫حيث قدم مخس روايات خالل عشر سنوات هي (الومسية‪۱۹۸۹ ،‬م)‪ ،‬و( الفيوم ومنابت الشجر‪)۱۹۸۷ ،‬‬
‫و(احلصون‪۱۹۹۲ ،‬م)‪ ،‬و (ريح الكادي‪۱۹۹۳ ،‬م)‪ ،‬و(يف عشق حتى‪،)۱۹۹۹ ،‬‬
‫و(صاحلة‪ .)۱۹۹۷ ،‬ثانيا‪ ،‬تقدميه لرؤية اتسمت بالبحث عن نقاء اإلنسان يف واقع متغري‪ .‬وتبدو رواياته للوهلة‬
‫األوىل معادية للتمدن‪ ،‬غري أنها يف حقيقة األمر‪ ،‬تطرح سؤال اهلوية‪ .‬ورغم احلضور الكثيف للمشري فقد ظل‬
‫وحيدا يف فرتة الثمانينيات‪.‬‬

‫مرحلة التحوالت الكربى‪:‬‬ ‫ث‪.‬‬


‫إن التحول املؤثر يف مسرية الرواية السعودية يأتي يف فرتة التسعينيات امليالدية وبداية األلفية الثالثة‪ ،‬حيث قدوم‬
‫أمساء من خارج الكتابة السردية التقليدية لإلسهام يف كتابة الرواية مثل تركي احلمد األكادميي‪ ،‬وغازي‬
‫القصييب الشاعر‪ ،‬ومن حيث تعزز جتارب سردية بشكل أكرب حضورا مثل روايات عبده خال‪ ،‬وبروز أمساء‬
‫روائية شابة مثل يوسف احمليميد‪ ،‬وحممد حسن علوان‪ ،‬وعبد احلفيظ الشمري‪ ،‬وعبد اهلل التعزي‪ ،‬إضافة‬
‫إىل ذلك‪ ،‬حضور املرأة بصفتها الروائية‪ ،‬مثل رجاء عامل‪ ،‬ونوره الغامدي‪ ،‬وليلى اجلهين‪ ،‬ومها الفيصل‪ ،‬ونداء‬
‫أبوعلي‪ ،‬ورجاء الصانع‪ ،‬وبدرية البشر‪ ،‬وأميمة اخلميس‪ ،‬وغريهن‪.‬‬
‫ومن الواضح أن التحوالت السياسية واالقتصادية واالجتماعية كانت عميقة األثر يف السياق الروائي إىل حد‬
‫بعيد‪ .‬ففي مطلع التسعينيات فوجئ العامل بغزو الكويت‪ ،‬كما أن هناك حدثا ال يقل أهمية وهو انفتاح اجملتمع‬
‫بشكل الفت منذ أوائل التسعينيات من خالل الفضائيات التلفزيونية واإلنرتنت‪ .‬أما احلدث األبلغ تأثريا ليس‬
‫على اجملتمع السعودي فحسب‪ ،‬بل على العامل العربي واإلسالمي قاطبة فهو أحداث ‪ 11‬سبتمرب يف ‪ ۲۰۰۱‬وما‬
‫ترتب عليها من تبعات على العامل العربي واإلسالمي‪ .‬والرواية ليست إال استجابة يف بعض حضورها هلذه التغريات‬
‫القسرية ‪ .‬فإذا كانت الرواية تعمل يف بيئة حمافظة‪ ،‬فإنها تتمرد ال ملغية للمحافظة‪ ،‬بل مسائلة لضروراتها‬
‫ومنطقية ممارستها‪ ،‬من هنا يعلو صوت الروائي ضاجاً بالشكوى‪ .‬فما معنى أن يرتك الشاعر غازي القصييب‬
‫فضاءه الشعري متسلالً إىل خيمة الروائيني‪ ،‬مقدما للمكتبة الروائية السعودية العديد من الروايات مثل (شقة‬
‫احلرية‪ ،)۱۹۹4 ،‬و (العصفورية‪۱۹۹۲ ،‬م) و(‪ )۱۹۹۹ ،۷‬و(أبو شالخ الربمائي‪۲۰۰۰ ،‬م)‪ ،‬وغريها من الروايات‬

‫‪158‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫اليت إن مل تكن صادمة فهي مل تكن تقليدية ال يف موضوعاتها وال يف تقنياتها السردية‪ .‬كما ساهم تركي‬
‫احلمد‪ ،‬وهو املفكر وصاحب الرأي واألكادميي‪ ،‬بكتابة رواية أشبه بالسرية أو سرية أشبه بالرواية‪،‬‬
‫فالقصييب واحلمد سيبقيان طويال يف ذاكرة املشهد الروائي‪ ،‬فهما اللذان صنعا إيقاع الرواية املتسارع‪ ،‬وحرضا‬
‫جيال من الكتاب والكاتبات على جرأة غري معهودة يف الطرح الروائي‪ .‬ويشكل عبده خال يف هذه احلقبة‬
‫امساً ال معاً يف كتابة الرواية املختلفة ذات النكهة الشعبية واألسطورية وخاصة يف روايته األوىل "املوت مير من‬
‫هنا ‪ ،"1995‬لقد كانت مرحلة التسعينيات وخاصة أواخرها وما بعدها مرحلة روائية خصبة اندفع فيها الكتاب‬
‫األحدث سنا إىل تقديم روايات مهمة على صعيد التطور التقين من أمثال عبد اهلل التعزي وروايته (احلفائر‬
‫تتنفس‪۲۰۰۱ ،‬م)‪ ،‬وحممد حسن علوان وروايته (سقف الكفاية‪۲۰۰۲ ،‬م) ويوسف احمليميد وروايته (فخاخ‬
‫الرائحة‪۲۰۰۲ ،‬م)‪ ،‬وعبد احلفيظ الشمري وروايته (فيضة الرعد‪۲۰۰۲ ،‬م)‪ ،‬وعبد اهلل ثابت وروايته (اإلرهابي‬
‫‪۲۰۰۵ 20‬م) وغريهم‪ .‬و ال يكتمل احلديث عن جتربة الرواية إال باحلديث عن دور املرأة يف كتابة الرواية يف‬
‫هذه املرحلة‪ ،‬فاحلضور الفعلي للكتابات النسائية الروائية بدأت يف حقبة الثمانينيات امليالدية من خالل‬
‫كوكبة من األمساء اليت دخلت املشهد الروائي ألول مرة‪ ،‬من أمثال‪ :‬أمل شطا ورجاء عامل‪ ،‬وبهية بوسبيت‪،‬‬
‫وصفية بغدادي‪ ،‬وصفية عنرب‪ ،‬ثم توقف إسهام املرأة تقريبا حتى مرحلة التسعينيات امليالدية عندما بدأت رجاء‬
‫عامل يف تقديم جتربتها املختلفة من حيث الكم وطريقة التناول وطبيعة املوضوعات األثرية لديها وخاصة رغبتها‬
‫الدائمة يف اكتشاف ميتافيزيقية الواقع إذا جاز التعبري‪ .‬فهي تنطلق من الواقع من أجل أسطرته كما يف رواية‬
‫(مسرى يا رقيب‪۱۹۹۷ ،‬م)‪ ،‬أو يف رواية (خامت‪۲۰۰۳ ،‬م)‪ .‬وميكن للقارئ أن يتوقف أيضا أمام التجارب األحدث‬
‫مثل جتربة ليلى اجلهين يف رواية (الفردوس اليباب‪۱۹۹۸ ،‬م)‪ ،‬ورواية نورة الغامدي زوجة البوصلة‪۲۰۰۲ ،‬م)‪،‬‬
‫ورواية مها الفيصل (توبة وليی‪۲۰۰۳ ،‬م)‪ ،‬ورواية نداء أبو علي (مزامري من ورق‪۲۰۰۳ ،‬م)‪ ،‬ورواية رجاء الصانع‬
‫(بنات الريض ‪2005‬م) ورواية بدرية البشر (هند والعسكر ‪2006‬م) ورواية أميمة اخلميس (البحريات ‪2006‬م)‪.‬‬
‫إن العالقة بني الثقافة احملافظة والرواية عالقة ضدية دائما‪ ،‬ألن الثقافة احملافظة هلا اشرتاطاتها‪ ،‬ويف املقابل‬
‫فان الرواية ال تصبح رواية مؤثرة إال إذا جاءت وفقا الشرتاطات الفن الروائي ذاته‪ ،‬ووفقا لرؤية وموقف كاتبها‬
‫من القضايا جمتمعه‪.‬‬
‫من هنا خرجت الرواية على ثقافتها‪ ،‬وسعت لتقديم نفسها نصاً ميتلك زمام نفسه‪ .‬لقد واكبت املتغري االجتماعي‬
‫والسياسي من حوهلا‪ ،‬وسعت إىل صنع جبهتها النقدية لقضايا كانت يف عرف املسكوت عنه‪ .‬فجاءت الرواية‬
‫حمملة بوعي غري مسبوق بضرورة تقديم الذات للمساءلة الروائية‪ .‬فاملفارقة اليت يلحظها املتابع للرواية يف‬
‫السعودية هي أنها بدأت إصالحية وانتهت كاشفة ومتقاطعة مع الواقع وأقل مثالية يف نظرتها للمجتمع‪ .‬غري أن‬
‫هذه اجلرأة النسبية اليت وصلت إليها الرواية يف السنوات األخرية حرمتها من التواجد داخل البالد‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬مضمون اخلطاب الروائي‪:‬‬
‫بداية نبني أن هناك فرقا بني املوضوع أو املضمون الروائي وبني مضمر اخلطاب الروائي‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫فاملوضوع حضور يفرضه تفاعل الكاتب مع واقعة اخلارجي‪ ،‬حيث تتشكل الرؤية وتتحدد وسائل التعبري‬
‫السردي‪ ،‬بينما اخلطاب نفسه يشكل الوعي اخلفي الذي قد ال يشعر به الكاتب نفسه أحيانا‪ ،‬بل يكتشفه‬
‫القارئ ويبين عليه الفرضيات املعرفية اليت حتدد مالمح اخلطاب الروائي يف حقيبة معينة‪.‬‬
‫واخلطاب محولة مضمرة يستنطقها القارئ من منطوق السرد وجدل الشخصيات وحركة األحداث يف نسق‬
‫حيدد منط التفكري العام وحيدد املقوالت وعالقتها بشخصيات العمل‪.‬‬
‫والراصد للرواية السعودية يلمس عناية جمموعة من الكتاب والكاتبات على امتداد تاريخ الرواية السعودية‬
‫بعدد من القضايا ذات الصبغة الشمولية‪ ،‬مع معاجلات تتسم بالتفرد يف التناول وبناء الرؤية اإلبداعية‪ .‬ومن أبرز‬
‫املوضوعات اليت يتكرر ورودها يف الرواية السعودية جند موضوع األخر‪ ،‬حيث يشغل حيزا معقوال يف الرواية‬
‫وهو موضوع يتسم بالديناميكية الفاعلة نتيجة لعمق التحوالت اليت مر بها اجملتمع ووقع أثرها املباشر على‬
‫صناعة الرواية‪ .‬كما يأتي موقع الرجل يف الرواية النسائية من املوضوعات املهيمنة اليت شكلت رؤية روائية‬
‫عميقة الداللة‪ .‬لقد تشكلت نظرة املرأة للرجل يف حميط اجتماعي اتسم باحملافظة على األمناط االجتماعية‬
‫املتوارثة‪ .‬فجاءت الرواية بناء سردياً ينتصر للمرأة أو يكشف معاناتها على أقل تقدير من أجل إحداث معادل‬
‫سردي ملا تعانيه املرأة واقعياً‪ .‬أما موضوع العالقة بني القرية واملدينة‪ ،‬وهو موضوع يأتي على خلفية صراع القيم‬
‫يف جمتمع متغري‪ .‬فمشكلة املرأة مع الرجل هي يف املقام األول مسألة اختالل يف القيم االجتماعية‪ ،‬وتغري يف‬
‫معطيات الزمن االجتماعي وما رافقه من تنمية متسارعة ومستجدات فرضت على اجملتمع إعادة النظر يف‬
‫الكثري من املسائل‪ .‬كما أن موضوع اآلخر هو ناتج التحوالت وضرورات االنفتاح وحتمية االحتياج اليت ولدتها‬
‫عوامل التنمية الداخلية‪.‬‬
‫اآلخر يف الرواية السعودية‪:‬‬ ‫‪. 1‬‬
‫أ‪ -‬إن موضوع اآلخر يف الرواية السعودية ليس جمرد موضوع روائي بل هو مشكلة حضارية وجدت‬
‫ف يه الرواية مادة ثرية للتناول‪ ،‬فاآلخر هو الذي خيرج عن التكوين االجتماعي بكل ما جيمعه‬
‫من األطياف االجتماعية املختلفة‪ ،‬فكل آخر يف الرواية يعد نقطة صراع ختتلف يف أبعادها‬
‫وتؤكد بدرجات خمتلفة أزمة اجملتمع مع هذا اآلخر‪ ،‬فاآلخر ليس اختالف عرق أو جنس بل‬
‫اختالف حضارة ومنطلقات دينية وثقافية‪ .‬وإذا كانت العالقة مع اآلخر‪ ،‬خارج أسوار الرواية‪،‬‬
‫تأخذ يف الغالب موقف التوجس واالرتياب وعدم القبول واخلوف من التأثري يف منظومة القيم‬
‫اخلاصة‪ ،‬فإن جتارب الروائيني مل تبتعد عن هذه الصورة إمجاال‪ ،‬وقد ظهر موضوع اآلخر يف‬
‫الرواية السعودية أكثر إحلاحا من أي موضوع آخر‪ ،‬فجاءت موجة الروايات األوىل مأسورة بهذا‬
‫املوضوع‪ ،‬معاجلة له بتنويعات خمتلفة بني الرفض واالنبهار واحلياد النسيب‪ .‬ولعل هذا االهتمام‬
‫املبكر الذي تبلور يف رواية (التوأمان) لعبدالقدوس األنصاري‪ ،‬ورواية (البعث) حملمد علي‬
‫مغربي‪ ،‬ورواية (مثن التضحية) حلامد دمنهوري يؤكد قلق الرؤية لألخر ومدى التوتر الناتج‬
‫عن رؤية اآلخر بني اخلوف منه واحلاجة إليه‪ .‬وقد تنوع اآلخر يف هذه الروايات‪ ،‬فجاء غربيا يف‬

‫‪160‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫رواية التوأمان بكل أبعاده احلضارية‪ ،‬أما آخر رواية البعث فقد كان آسيويا هنديا بالتحديد‪،‬‬
‫وآخر رواية مثن التضحية فهو العربي املصري‪ ،‬وأياً تكن رؤية اآلخر فهي رؤية قلقة‪.‬‬
‫ب‪ -‬يتحقق البحث يف حضور اآلخر من خالل التوقف أمام روايات حضر فيها اآلخر مبالمح واضحة‬
‫تسمح باستقراء أبعاد هذا احلضور ودالالته‪:‬‬
‫• رواية التوأمان لعبد القدوس األنصاري ‪ :1930‬هي أول رواية صدرت يف األدب السعودي‪،‬‬
‫وبعيدا عن مستواها الفين الذي يتسم بالضعف‪ ،‬بل عدم اإلملام بأصول الفن الروائي‪،‬‬
‫فإنها رواية تقوم على منطية تقليدية‪ ،‬وتنحو منحى يف بناء األحداث وتكوين‬
‫الشخصيات‪ .‬فهذا أب يرتك البنيه رشيد وفريد أن يقررا‪ ،‬وهما السادسة من عمرهما‪،‬‬
‫أي املدارس خيتاران‪ .‬فيختار رشيد التعليم يف الوطين التقليدي الذي يقدم علوم الدين‬
‫واللغة العربية‪ ،‬بينما فريد خيتار الدراسة يف أحد املعاهد األجنبية‪ .‬فالكاتب قد أعد‬
‫التكوين الشخصي واالجتماعي للطفلني سلفا‪ ،‬لتكون أفعاهلما نتيجة حمتومة‪،‬‬
‫وعليه‪ ،‬فليس هناك أي جمال للتجربة فالرواية غري واقعية‪ ،‬بل رواية صراع أفكار أراد‬
‫املؤلف أن يصل بها ومن خالهلا إىل التحذير من خطر اآلخر‪ .‬إن التمثيل بامسني (رشيد‬
‫وفريد ) له داللة األصل واهلامش‪ .‬فاألصل هو الرشاد‪ ،‬واهلامش الضالل‪ .‬لكاتب يرى‬
‫أن فريدا رغم احنرافه هو حالة شاذة يف جمتمع تسوده قيم احملافظة‪ ،‬وهو وحيد جيب‬
‫نبذه والتأكيد على إقصائه‪ ،‬وهي دعوة إيديولوجية لالستغناء عن حضارة الغرب دون‬
‫البحث يف املمكن من هذه التجربة اإلنسانية‪ .‬بهذا التخطيط ووفقا لسري األحداث تنحاز‬
‫الرواية ضد األخر وثقافته وما ميكن أن يقدم للمجتمع‪ .‬فاآلخر يف رواية التوأمان شر‬
‫مطلق معاد للقيم احملافظة وميكن أن تؤخذ حداثة سن الطفلني (رشيد وفريد) على‬
‫أنها تعبري رمزي عن حداثة اجملتمع وحداثة الصراع يف سياقه احملافظ‪ .‬ويف رواية‬
‫األنصاري ال مكان للحلول التوفيقية‪ ،‬حل واحد هو أن تبقى حمافظا‪ ،‬وأن ترفض‬
‫الغرب بأكمله‪ .‬إن الرواية بهذا التصور معادية ملشروع التحديث الذي كان متزامنا مع‬
‫بدء الدولة الفتية‪.‬‬
‫• رواية البعث للمغربي ‪ :1948‬تستحوذ فكرة اآلخر على رواية (البعث) للمغربي‪ ،‬حيث‬
‫يدخل بطل الرواية أسامه الزاهر يف انبهار من منجز اآلخر‪ .‬فهو يقارن بني موطنه وبيئته‬
‫يف احلجاز وما يعرتيها من تأخر ويف املقابل يرصد معامل التطور والتقدم املدني يف اهلند‪.‬‬
‫فبعد أن عاد عمل على تغيري ما ميكن تغيريه‪ ،‬وحمرك ذلك جتاوبه مع اآلخر‪ .‬إننا يف‬
‫رواية البعث أمام معطيات عديدة‪ .‬نبدأ باملقارنة بني مكانني وتنتهي بإبراز عظمة‬
‫اإلسالم‪ .‬لقد انبهر أسامة باألخر‪ .‬لكنه مل يقع يف دائرة االستالب‪ ،‬بل السعي لألخذ‬
‫بأسباب التفوق‪ .‬فمرض أسامه مرض جمتمع شفاؤه يف عدم االنكفاء على الذات‪،‬‬
‫وميكن أن حيمل زواج أسامة العربي من كييت اهلندية على ضرورة التعايش والتقارب‪.‬‬
‫‪161‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫أعتقد أن اندفاع أسامة حنو األخر وانبهاره به كان غري مشروط‪ ،‬ومل تكن مسألة‬
‫احتواء األخر على أجندة أسامه‪ ،‬بل االنبهار والسعي خلف األخر هو األصل‪.‬‬
‫• متن التضحية حلامد دمنهوري ‪ :1959‬لقد قدمت رواية مثن التضحية صراع الذات مقابل‬
‫اآلخر‪ .‬وهذا الصراع عادة هو صراع رغبات ذاتية يكون احلب احلامل أحد أبرز معاملها‪،‬‬
‫وهي إشارة رمزية إىل طبيعة العالقة مع اآلخر يف سياق الثقافة احملافظة‪ .‬عندما فضل‬
‫أمحد الزواج من ابنة عمه فاطمة غري املتعلمة على فائزة املثقفة الوجه اآلخر لفاطمة اليت‬
‫تعرف عليها يف مصر بدافع الوالء االجتماعي‪ ،‬فحبه لفاطمة مدفوع بالعاطفة‪ ،‬أما حبه‬
‫لفائزة فحبٌ عقالني تلتقي فيه املتعة الفكرية باجلمال اإلنساني‪ ،‬إن التناظر بني فاطمة‬
‫وفائزة هو تناظر بني جمتمعني خمتلفني‪ ،‬واحد متعلم واآلخر الزال يقبع يف أحضان‬
‫التخلف‪ ،‬ورغم أن الكاتب ال يسقط جتربة اجملتمع املصري على اجملتمع املكي‪ ،‬فإن‬
‫الرواية توحي بالفوارق وخاصة يف جمال التعليم عامة‪ ،‬وتعليم املرأة خاصة‪ .‬فالرجل ما‬
‫يزال يرى أن نهاية املطاف للمرأة هو الزواج والبيت‪ .‬إن حمور الرواية هو شخصية أمحد‪،‬‬
‫وهي شخصية حمددة املعامل شخصية رومانسية حاملة‪ ،‬لكنها ذات تطلع للمستقبل‪،‬‬
‫فبعقد قرانه على فاطمة‪ ،‬ابنة عمه‪ ،‬إشارة ألزمة التمسك بالتقاليد‪ ،‬وتهتم الرواية‬
‫كثريا بعالقته بفائزة وحبه الصامت هلا‪ ،‬الذي ينتهي بتضحية أمحد بفائزة من أجل‬
‫فاطمة‪ ،‬وإ ذا كنا نعترب رواية مثن التضحية أفضل من الناحية الفنية‪ ،‬فإنها قد عاشت‬
‫جتربة خماض صعب يف حماولتها تقديم صراع بني ثقافتني‪ ،‬ثقافة حمافظة وأخرى‬
‫مستشرفة لواقع آخر‪ ،‬متسلحاً بالعلم‪ ،‬لكنها يف النهاية هادنت سلطة اجملتمع وأبقت‬
‫مكتسبات الثقافة احملافظة يف وضعها التقليدي‪.‬‬
‫ث‪ .‬اآلخر يف التجارب الروائية املتأخرة‪ :‬يتجدد حضور اآلخر يف عدد من الروايات اليت صدرت يف‬
‫حقبة الثمانينيات امليالدية‪ .‬لقد تزامن صدور هذه الروايات مع انتقال اجملتمع من حد الكفاية يف‬
‫العيش إىل طفرة اقتصادية غريت من طبيعة اجملتمع ودفعته إىل مزيد من احلراك االجتماعي‪ ،‬لقد‬
‫أصبح األخر حاضراً بقوة يف حياة اجملتمع وحتول وجوده بيننا أو الذهاب إليه ضرورة اجتماعية‬
‫واقتصادية‪ ،‬ينقطع أثر اآلخر يف الرواية السعودية وال يظهر جمدداً إال مع موجة الروايات اليت‬
‫صدرت يف الثمانينيات امليالدية‪ .‬فيظهر األخر بوضوح يف رواية (غدا أنسى‪۱۹۸۰ ،‬م) ألمل شطا‪،‬‬
‫ورواية (السنيورة ‪۱۹۸۰‬م) لعصام خوقري‪ ،‬ورواية (حلظة ضعف‪۱۹۸۱ ،‬م) لفؤاد صادق مفيت ‪ .‬وتعد‬
‫رواية (غداً أنسى) األوفر حظا يف تناول اآلخر من منظور هو أقرب لالستعالء‪ .‬أما اآلخر هنا فهو‬
‫آخر ينظر إليه بدونية‪ .‬فاآلخر هنا مسخر للخدمة وللوفاء مبتطلبات األنا‪ .‬فهو أضعف‪ ،‬وأقل شأنا‬
‫من أن يتم التعايش معه إنسانياً‪ .‬إن عبداجمليد يعد رمزا أكرب لنظرة من االستعالء وتسخري اآلخر‪،‬‬
‫وخاصة عندما يكون هذا اآلخر غري غربي‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫ويف رواية (حلظة ضعف‪۱۹۸۱ ،‬م) لفؤاد صادق مفيت خيارا آخر لتأسيس عالقته باآلخر إال عن‬
‫طريق الزواج‪ ،‬ورغم أن هذا الزواج يثمر عن طفل‪ ،‬فإنه ينتهي بالطالق‪ .‬ولعل العنوان جيسد فكرة‬
‫الرواية من حيث العالقة مع اآلخر‪ ،‬وكأن اخلطاب يفصح أن التقارب مع اآلخر الغربي على وجه‬
‫التحديد نقطة ضعف‪.‬‬
‫وال ختتلف رواية (السنيورة‪۱۹۸۰ ،‬م) لعصام خوقري يف اختاذ الزواج مربرا ورمزا للقاء األخر‪ .‬إن‬
‫الصراع مع األخر صراع مستديم وعميق‪ .‬فوالد حسني يرفض زواج حسني من الفتاة اإليطالية‪ .‬ولعل‬
‫يف قبول أم حسني هذا الزواج ومباركته ما ميكن أن نرى فيه قدرا من الرؤية البعيدة اليت ميكن‬
‫أن يكون هذا اللقاء فاتح للتقارب ال التباعد‪.‬‬
‫خيطو خطاب االستعالء خطوة أكرب‪ .‬ففي رواية غدا أنسى حيدث ما هو متوقع‪ .‬فاآلخر منظور إليه‬
‫بالدونية مسبقا‪ .‬غري أن خطاب رواية السنيورة املضمر يذهب بعيدا يف تأكيد هذه النظرة‬
‫االستعالئية غري الواقعية‪ .‬فاآلخر هنا غربي‪ ،‬وال بد من إخضاعه لشروط ثقافة االستعالء‪.‬‬
‫إن املتتبع للرواية العربية‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬موسم اهلجرة إىل الشمال للطيب صاحل‪ ،‬أو قنديل أم‬
‫هاشم ليحيى حقي‪ ،‬أو عصفور من الشرق لتوفيق احلكيم‪ ،‬يلحظ مفارقة عجيبة‪ ،‬وهي أن األنا‬
‫ميثلها رجل‪ ،‬بينما اآلخر ميثله امرأة‪ .‬فهل هي مصادفة أن جيمع الروائيون على أن الرجل هو ممثل‬
‫الشرق يف صراعه مع اآلخر الغربي أليست نوايا اخلطاب هي اليت حترك هذه النظرة االستعالئية‬
‫يف العالقة بني الطرفني‪ .‬ورغم أن النماذج املذكورة آنفا تشكل صدمة يف النهاية حيث يندحر‬
‫الرجل الشرقي يف مقابل متاسك وتعنت املرأة الغربية‪ .‬املالحظة األخرى هي الذهاب إىل اآلخر‪،‬‬
‫وغزوه يف عقر داره ال بدعوى احلوار‪ ،‬بل مبعنى االستيالء‪.‬‬
‫كيف نقرأ اآلخر يف الرواية السعودية؟‬
‫األنا يف الرواية السعودية ميثلها الرجل‪ ،‬بينما اآلخر متثله املرأة كما يف الرواية العربية‪ .‬فماذا‬
‫ميكن أن نقرأ يف هذا السياق‪ .‬ال شك أنها النظرة احملافظة يف ذاكرة الثقافة العربية جتاه الرجل‬
‫واملرأة‪ .‬فالرجل قوام واملرأة تابعة‪ ،‬الرجل صاحب سلطة‪ ،‬واملرأة حاضنة ومستقبلة‪.‬‬
‫وميكننا أن مند فرتة املسح حلضور اآلخر إىل ما هو أقرب زمنيا كشاهد على بقاء النظر السلبية‬
‫االستعالئية‬
‫على اآلخر‪ .‬صدرت بعد احلادي عشر من سبتمرب سلسلة من الروايات اليت حضر فيها اآلخر بقوة‪،‬‬
‫وبأسئلة أكثر حدة وإحلاحا‪ .‬من هذه الروايات نباح‪۲۰۰۵ ،‬م) لعبده خال‪( ،‬البحريات‪۲۰۰۹ ،‬م)‬
‫ألوميمة اخلميس‪( ،‬فخاخ الرائحة‪۲۰۰۲ ،‬م) ليوسف احمليميد ‪ ،‬وبعد املطر دائما هناك رائحة‪،‬‬
‫‪ )۲۰۰۳‬لفاطمة بنت السراة‪ ،‬حيث تعد من أكثر الروايات إثارة ملفهوم اآلخر بعد احلادي عشر من‬
‫سبتمر‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫ف رواية (بعد املطر دائما هناك رائحة) تقوم على فرضية احتواء اآلخر‪ ،‬بل وإمكانية تغيري هويته‬
‫الدينية واالجتماعية واللغوية‪ ،‬فهي نص سردي أثقلته إيديولوجيا الكاتبة‪ ،‬وهيمنت عليه فكرة ذم‬
‫اآلخر‪ ،‬ويف املقابل اإلعالء من الذات‪ .‬وتتلخص الرواية يف ختلي لينا املسيحية اليت تقيم مع زوجها‬
‫يف السعودية عن طفلها الذي تركته لدى أسرة سعودية واختفت دون بيان أسباب لقد شكل هذا‬
‫التخلي عن الطفل صدمة ومركزاً لكل‬
‫أحداث الرواية‪ .‬إذن تبين الرواية فكرتها على فساد الفعل ال فساد االعتقاد‪ .‬إن خطاب الرواية‬
‫يتحرك على أرضية إيديولوجية خصبة‪ ،‬حيث ينتفي نقد الذات‪ ،‬ويتأكد خطل اآلخر‪ .‬نشرت هذه‬
‫الرواية يف عام ‪ ۲۰۰۳‬بعد أحداث احلادي عشر من سبتمرب بكل ما هلذه األحداث من تأثريات عميقة‬
‫عامليا وعربيا‪ .‬ولعل خطورة هذه األحداث أنها مست شيئا من تكويننا االجتماعي والثقايف والديين‪،‬‬
‫لذلك‪ ،‬فإن هذه الرواية متثل بيانا إيديولوجيا يف الرد على أمريكا‪ .‬وهناك صفحات تذم حضارة‬
‫أمريكا‪ ،‬وهناك صفحات تشرح عقيدة التوحيد يف أصوهلا األولية‪.‬‬
‫لقد مرت مناقشة حضور اآلخر يف الرواية السعودية من خالل التوقف أمام حمطات خمتلفة من‬
‫مراحل منو الرواية السعودية‪ ،‬حيث هيمن خطاب غري متجانس مع طبيعة اآلخر‪ ،‬إما خوفا منه‬
‫كما يف رواية ( التوأمان)‪ ،‬أو جهال به كما يف رواية (مثن التضحية)‪ ،‬أو استعالء عليه كما يف‬
‫روايات (غدا أنسى‪ ،‬السنيورة‪ ،‬بعد املطر دائما هناك رائحة)‪ .‬وقد آثرنا يف مناقشة هذا املوضوع أن‬
‫نقف على أول رواية صدرت‪ .‬فاآلخر يف هذه الروايات كان عدوا‪ ،‬وشرا‪ ،‬وفسادا‪ ،‬وموضوعا‬
‫لالستعالء عليه‪ .‬لقد ساعد على شيوع هذه الثقافة الطاردة لآلخر حجم التحدي الذي مثله اآلخر‬
‫عموما‪ ،‬واآلخر الغربي خصوصا‪ ،‬يف حياة األمة العربية منذ زمن بعيد‪ .‬لقد كان اآلخر دائما يذكر‬
‫اجملتمعات العربية يعجزها وضعفها‪.‬‬
‫ولعل أخطر ما يف موضوع اآلخر يف ثقافتنا أن صورته جاءت تعميمية‪ ،‬وانتقامية‪ ،‬واستعالئية‪ .‬فاآلخر‬
‫دائما هو الطامع فينا‪ ،‬واآلخر هو املهيمن على قرارنا‪.‬‬
‫موقع الرجل يف الرواية النسائية‪:‬‬ ‫‪. 2‬‬
‫أصبح موضوع الرجل مالزما للرواية النسائية‪ ،‬لذا فقد صح أن نتوقع أن كل رواية تصدر ما هي إال‬
‫وقفة مساءلة مع الرجل‪ .‬وحضور الرجل يف الرواية النسائية يبدأ من الصفة الفردية للرجل ليصل إىل‬
‫الرجل بوصفه السلطة واملرأة إذ تطرح خطابها الروائي تطرحه من منظور التشكي والتنديد واحملاسبة‬
‫وحتميله خلل منوها إمجاال‪ .‬لقد شغل موضوع الرجل حيزا من فضاء القول يف الرواية النسائية فقد جاء‬
‫موضوع الرجل سلبياً يف معظم الروايات‪ ،‬وإذا كانت سلطة الرجل الفرد نسبية‪ ،‬تنقص وتزيد من‬
‫شخص إىل آخر‪ ،‬فإن السلطة يف حالة الرجل املؤسسة نقيض ذلك‪ ،‬ولعل أطرف ثيمة علقت يف اخلطاب‬
‫الروائي النسائي هو عدم احتمال فكرة وجود الرجل مع وإىل جانب املرأة‪ .‬فاملرأة ترى وجود الرجل‬
‫مقيدا حلضورها‪ ،‬بل خطرا ينبغي اخلالص منه‪ ،‬لقد كان وجود الرجل اخليالي منطقة ثرية إلقصائه‬
‫بالقتل أو العجز أو سوى ذلك‪ .‬لقد كشف خطاب الرواية النسائية أنه ال وجود للمرأة إال يف غياب الرجل‪.‬‬
‫‪164‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫وهذا التصور خطاب ختتزله الرواية النسائية يف سعيها لتحقيق مكاسب اجتماعية حرمت منها املرأة‬
‫يف مواجه الرجل يف أرض الواقع‪ .‬فتحول السر الروائي عند املرأة إىل تصفية حسابات مع الرجل‪.‬‬
‫ففي رواية (امرأة فوق فوهة بركان‪۱۹۹۹ ،‬م) لبهية بو سبيت يظهر الرجل املتآمر على املرأة‪ .‬فشريفه‬
‫املراهقة يزوجها أبوها ألمحد الكهل‪ ،‬وتكاد الرواية تسري يف صورتها النمطية هذه حتى صعدت‬
‫الرواية خطابها بإقصاء عنفوان الرجل‪ ،‬حيث أصيب أمحد ‪ /‬الزوج بالعجز واملرض مما السمح لشريفة‬
‫أن تتمرد على ظروفها وأن خترج للحياة باحثة عن عمل حيفظ لألسرة قوامها االجتماعي‪ .‬وهنا يظهر‬
‫بوضوح عجز الرجل مقابل حركة املرأة‪ ،‬فغيابه يف مقابل حضورها‪.‬‬
‫ويف حاالت أخرى رمبا جند رجال نبيال‪ ،‬لكن مشكلته أنه يغيب املرأة بدافع احلماية والرعاية‪ .‬ولعل‬
‫رواية (آدم ‪ ....‬يا سيدي‪۱۹۹۵ ،‬م) ألمل شطا تفرتض الرجل النبيل يف شخصية الزوج محزة‪ ،‬غري أن‬
‫خطاب الرواية اخلفي يتسلل دون وعي ليقول إن غياب محزة ‪ /‬الرجل النبيل يف رواية آدم ‪ ..‬يا سيدي)‬
‫كان خريا لزوجته وعليها‪ .‬فقد اكتشفت كيف جترب إدارة حياتها‪ ،‬وتربي أبناءها‪ ،‬وختوض معركة‬
‫إصالح شامل للمجتمع من حوهلا‪ ،‬لقد ذاقت كيف تعيش استقاللية غري عادية‪ ،‬ورغم نبل الصورة‬
‫وحسن غايتها‪ ،‬فإن داللة غياب الرجل هو حضور باملقابل للمرأة‪ ،‬حيث ال حضور للمرأة إال بغياب‬
‫الرجل‪.‬‬
‫ويف رواية ليلى اجلهين (الفردوس اليباب‪ )۱۹۹۸ ،‬بين خطاب الرواية إمجاال لبيان فساد الرجل‪ ،‬وتطهري‬
‫املرأة‪ .‬فقصة احلب بني عامر وصبا تتحول إىل قصة إدانة عامر الذي خدش أحشاء صبا دون حق‪ ،‬إن‬
‫عامر غري األخالقي غائب عن الرواية‪ ،‬ال حضور له إال من خالل شكوى صبا‪ ،‬فعامر رجل يف جمتمع‬
‫ال يرى خطأ الرجل‪ ،‬بل يرى وحياسب خطأ املرأة بقسوة‪ ،‬مع أن اخلطأ‪ ،‬يف النهاية‪ ،‬واحد واملسؤولية‬
‫مشرتكة‪ .‬ولذلك‪ ،‬أخذت الرواية حقها من اجملتمع وعامر بأن عرت عامر وأدانته أخالقيا يف الوقت‬
‫اليت بررت لصبا خطأها على أنه نتج عن حب صادق لرجل غري صادق‪.‬‬
‫إن املرأة اليت تكتب هذه الروايات ليست املبدعة‪ ،‬بل املرأة اجملروحة واملقموعة‪ ،‬وهي تتخذ من الرواية‬
‫خطابا لكشف أزمة املرأة مع الرجل‪ .‬فمستقبل الرواية النسائية السعودية مع موضوع الرجل بات‬
‫حمكوما بالتكرار والنمطية اليت ال تسمح بابتكار منظورات جديدة غري قسوة الرجل‪ ،‬وعنفه‪،‬‬
‫وتسلطه‪.‬‬
‫جدل العالقة بني القرية واملدينة‪:‬‬ ‫‪. 3‬‬
‫تقاس العالقة بني القرية واملدينة مبحدد زمين‪ ،‬فالقرية هي املاضي واملدينة هي احلاضر واملستقبل‪.‬‬
‫فاإلشكالية هي يف التغري الذي ولدته التحوالت االجتماعية املتسارعة بني زمنني؛ ما قبل الطفرة‬
‫االقتصادية وما بعدها‪ .‬فمنذ العام ‪۱۹۷5‬م أخذت القرية تفقد شخصيتها‪ ،‬اإلنسانية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬وهيمنة املدينة بسلوك أفرادها‪ ،‬وأمناط معيشتهم املستحدثة‪ ،‬وتبدل منظومة القيم‬
‫االجتماعية واإلنسانية من صيغ التكافل واالحتياج لآلخر إىل صيغ التفرد واالنكفاء على الذات إن‬
‫صراع القيم هذا ما كان ميكن أن مير دون أن تتناوله الرواية بالتشخيص والتساؤل لقد احناز بعض‬
‫‪165‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫الروائيني للقرية‪ ،‬بينما نظر آخرون للمدينة بواقعية دون أن يتجاهلوا نعي القيم املتبدلة‪ .‬من أوائل من‬
‫طرح هذه العالقة من الكتاب إبراهيم الناصر يف رواية (ثقوب يف رداء الليل)‪ ،‬فالعالقة بني القرية‬
‫واملدينة تكمن يف اختالف القيم‪ ،‬من إنسانية النزعة إىل براغماتية نفعية‪ .‬يف رواية (ثقوب يف رداء الليل)‬
‫تضطر العائلة إىل العودة للقرية رغبة يف استعادة قيمها‪ ،‬أما رواية (سفينة املوتى) إلبراهيم الناصر فهي‬
‫تقدم الوجه املؤمل‬
‫للمدينة‪ ،‬طرح إبراهيم الناصر هذه العالقة يف أوىل رواياته‪ ،‬ففي روايته (رعشة الظل‪۱۹۹۵ ،‬م)‪،‬‬
‫يكشف تأثري املدينة على شخصية فاحل فقد منحته املدينة ما مل جيده يف القرية‪.‬‬
‫ويف حقبة السبعينيات امليالدية‪ ،‬أصدر عبداهلل مجعان رواية (القصاص‪۱۹۷۹ ،‬م)‪ ،‬وهي رواية جتسد‬
‫التوق للقرية على حساب املدينة فهذه فضة الفتاة املتعلمة ترفض العمل مدرسة يف املدينة وختتار العمل‬
‫يف القرية‪.‬‬
‫ورغم جتارب إبراهيم الناصر وعبداهلل مجعان يف معاجلة التداخل بني القرية واملدينة‪ ،‬فإنهما مل يالمسا‬
‫أزمة العالقة باملعنى الوجودي‪ .‬فجاءت الروايات حمايدة‪ ،‬حيث جاءت قبل مرحلة الطفرة‪.‬‬
‫أما عبدالعزيز مشري فهو الكاتب الذي منح الرواية جهدا استثنائيا‪ .‬إن جتربة املشري جتربة غري عادية‬
‫من حيث‬
‫استمراريتها وتركيزها تقريبا على قضية واحدة حتولت يف معظم اعماله إىل موتيف (‪)motif‬‬
‫متكرر‪ ،‬فهو مهتم بقضية التحوالت االجتماعية يف القرية‪ ،‬لقد تعامل مع موضوع التحوالت من ناحيتني‪:‬‬
‫ما قبل التحوالت كما يف رواية (احلصون‪۱۹۹۲ ،‬م) ورواية (صاحلة‪۱۹۹۷ ،‬م)‪ ،‬وقبل وأثناء التحوالت‬
‫كما يف (الومسية‪۱۹۸۵ ،‬م) ورواية (الغيوم ومنابت الشجر‪۱۹۸۷ ،‬م) ورواية (ريح الكادي‪۱۹۹۳ ،‬م)‪.‬‬
‫لقد دأب املشري على التعبري عن التحوالت وما أحدثته من خلخلة نفسية واجتماعية يف بنية اجملتمع‬
‫التعاوني أو جمتمع ما قبل التحوالت االقتصادية الكربى‪ .‬ففي رواية (ريح الكادي) تنتهي الرواية واجليل‬
‫اجلديد‪ ،‬جيل األحفاد‪ ،‬ما يزال جيلس على مقاعد الدرس‪ .‬أما (الومسية) فإنها جتسد قلق التواصل مع‬
‫املدينة وتعرب رواية ( الغيوم ومنابت الشجر) عن القرية اليت استيقظت على زمن التحوالت‪ ،‬استيقظت‬
‫وقد رحل األبناء حنو املدينة‪ ،‬استيقظت وظلت تستعيد تراثها الذي بدأ ينداح يف محى التحوالت‪ .‬وعندما‬
‫نأتي لرواية (ريح الكادي)‪ ،‬فإن املشري يسجل جتربة التحوالت بوعي أكرب‪ ،‬فعرب ثالثة أجيال جيسد‬
‫املشري أزمة التحوالت النفسية واالجتماعية اليت فرضت على جيل اجلد أن يغرق يف الصمت والنسيان‪،‬‬
‫وجيل األب أن يذوب يف أتون التحوالت‪.‬‬
‫تتخذ روايات املشري من القرية مكانا روائيا يعرب من خالله قضايا التحول يف مسرية التنمية‬
‫االجتماعية‪ ،‬ففي رواية املشري األوىل (الومسية‪۱۹۸۵ ،‬م) ما ميكن أن يكشف عن أزمة العالقة بني‬
‫القرية واملدينة‪ .‬فهي عبارة عن جمموعة من الصور االجتماعية اليت جتسد عادات اجملتمع القروي‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫ومن الفصول املهمة اليت مل تسرب على حنو دقيق فصل موسوم به (املاطور) يعرب فيه الكاتب عن أزمة‬
‫إنسان القرية مع معطيات التحول املتمثلة هنا يف اآللة (املاطور) الذي يرفع املاء من البئر‪ .‬فحادثة اختناق‬
‫الرجل الذي نزل إىل البئر لتشغيل املاطور توضح أن العالقة مل تكن محيمية بني إنسان القرية واآللة‪.‬‬
‫غري أن الفصل األخري املوسوم (باخلط) يشغل حيزا مهما يف كشف الصراع بني أفراد القرية وبني‬
‫طموحهم يف االتصال باجملتمع املدني خارج نطاق القرية‪ .‬وبعد الفراغ من قراءة هذه الرواية تتجسد رمزية‬
‫الطريق يف البحث عن اتصال بالعامل اخلارجي مبعنى أن القرية هي اليت تسعى للخروج من عزلتها دون‬
‫أن تعي مقدار التضحيات اليت ستدفعها مثناً هلذا االتصال‪.‬‬
‫أما رواية (ريح الكادي) فهي ريح املاضي بكل عبقه وعبريه الذي أصبح جمرد ذكرى نتحسس ألقها‬
‫عندما ترهقنا احلياة املادية بلهاثها‪ .‬فتقدم الرواية عائلة الشايب عطية بأجياهلا الثالثة كمحور أساسي‬
‫إلسرتاتيجية القص يف هذا العمل‪ .‬فهذه العائلة تقدم كرمز للفئات االجتماعية اليت عايشت التحوالت‬
‫بكل داللتها‪ .‬إن اخلطاب االجتماعي الذي تبنته الرواية هو خطاب منحاز للحاضر‪ ،‬لكن هذا االحنياز‬
‫ليس اختياريا كما يبدو‪ ،‬بل إنه قسري حبكم قسرية التحوالت ذاتها‪.‬‬
‫وإذا كانت روايات عبد العزيز املشري قد ناقشت جدل العالقة بني القرية واملدينة من منظور وجودي‪،‬‬
‫فإن جتربة عبده خال مع القرية خمتلفة متاما‪ .‬حيث كانت نظرته للقرية يف أعماله على أنه موطن‬
‫لألسطورة والبدائية والتخلف‪ .‬من هنا كانت فكرة اخلالص هي الفكرة اليت تؤسس هلا أعماله‪ .‬ولعل‬
‫روايته األوىل (املوت مير من هنا‪۱۹۹۹ ،‬م) هي أكثر رواياته بيانا هلذه األبعاد ويف رواية (الطني‪۲۰۰۲ ،‬م)‬
‫حتضر القرية بالصفات نفسها‪ ،‬من هنا نرى أن توظيف عبده خال للقرية هو توظيف معريف أو فكري‬
‫لبيان القدرات األسطورية واخلرافية للحكايات املختزلة يف ذاكرة املشهد القروي‪ .‬فليست القرية يف‬
‫أدب عبده خال السردي معنية برصد التحوالت وأثرها‪.‬‬
‫وإذا كان عبده خال متفرداً يف توظيف القرية توظيفا مجاليا أكثر منه توظيفا إيديولوجيا‪ ،‬فإن هناك‬
‫روايات أخرى قدمت القرية بطريقة حمايدة‪ ،‬نذكر من هذه الروايات رواية (احلزام‪۲۰۰۰ ،‬م) ألمحد‬
‫أبو دهمان‪ ،‬رواية (فيضة الرعد‪۲۰۰۲ ،‬م) لعبد احلفيظ الشمري‪ ،‬ورواية (أنثى تشطر القبيلة‪۲۰۰۰ ،‬م)‬
‫إلبراهيم شعيب‪ .‬غري أن هذه الروايات وغريها مل تكن معنية برصد التحوالت‪ ،‬بل حضرت القرية‬
‫بصفتها اإلنسانية بوصفها خمزونا الذكريات الطفولة‪.‬‬
‫إن الالفت لالنتباه يف هذه املوضوعات اليت متت مناقشتها‪ ،‬أنها حتمل بنية ثنائية ضدية‪ .‬فموضوع اآلخر‬
‫يستدعي األنا بكل مشكالتها اإلنسانية والفلسفية واملعرفية‪ .‬أما موضوع موقع الرجل يف الرواية‬
‫النسائية السعودية‪ ،‬فهو موضوع يقدم على خلفية ثنائية احلضور والغياب‪ .‬فهما قطبان ال جيتمعان‪ .‬ففي‬
‫املتخيل الروائي استطاعت املرأة تغييب الرجل لصاحل كينونتها الوجودية‪ .‬أما جدل العالقة بني القرية‬
‫واملدينة فهو جدل على خلفية صراع القيم اليت عكست أثر التحوالت على اإلنسان واملكان‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫لقد ظل املوقف الروائي من هذه القضايا إتباعي غري جتديدي‪ ،‬فاآلخر ظل عدوا‪ ،‬أو موضوعا للدونية‬
‫يف مقابل تعزيز األنا بفرضية االستعالء‪ .‬أما إشكالية املرأة مع الرجل فهي من أعقد املشكالت اليت‬
‫تطرقت هلا الرواية السعودية‪ ،‬لقد نسبت إليه كل أزماتها‪ ،‬وعاقبته يف املتخيل بالعجز والقتل واإلقصاء‪.‬‬
‫وباملثل حتضر إشكالية العالقة بني القرية واملدينة ملا وجده بعض الروائيني من خصوبة يف تناول املفارقة‬
‫الزمنية بني ماض له قيمه وأخالقياته‪ ،‬وحاضر يعكس تطلعا للمستقبل رغم ما فيه من ختل عن منظومة‬
‫القيم القروية‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬تطور البناء السردي‬
‫ينهض العمل الروائي على بنية سردية هي حاصل املكونات والتشكيالت السردية‪ ،‬من حضور فاعل‬
‫للشخوص‪ ،‬وتعدد للمنظورات السردية‪ ،‬وتوظيف فاعل للغة الروائية‪ ،‬وحضور مميز للفضاء الروائي‪ ،‬وعلى‬
‫مستوى احلركة الداخلية للنص الروائي تنشأ العالقة اإلجرائية بني السرد والوصف‪ ،‬أما املنظورات السردية‪،‬‬
‫فإنها ال تقل أهمية يف بناء الرؤية الكلية للرواية‪.‬‬
‫مرحلة النشأة‪:‬‬
‫إن من الطبيعي أن تبدأ الروايات األوىل ضعيفة‪ ،‬من حيث توظيف التقنيات الفنية السردية ومن حيث إمساكها‬
‫باملبادرات اجلمالية يف صناعة الفن الروائي"‪ .‬ويف احلقيقة‪ ،‬فأن الروايات األوىل (مرحلة النشأة‪ ،‬ومرحلة‬
‫التأسيس) واقعة يف ظل املنجز الشعري احمليط بها إىل حد كبري‪.‬‬
‫فبالنظر لروايات مرحلة النشأة (التوأمان‪ ،‬فكرة‪ ،‬البعث) جندها أوالً روايات إصالحية بدرجات خمتلفة‪،‬‬
‫لكنها فنياً متقاربة‪ ،‬فهي يف الغالب روايات تعنى بالشخصية‪ ،‬واألحداث فيها تابعة حلركة الشخصيات‪،‬‬
‫ومعامل األمكنة فيها عامة غري فاعلة يف تكوين األحداث‪ .‬تغلب عليها األفكار املوجهة‪ .‬فالتوأمان يف رواية‬
‫األنصاري كانا جاهزين لتقبل مصريهما بتسليم قدري فرضه املؤلف‪ ،‬وتقوم رواية (فكرة) ألمحد السباعي‬
‫بذات الدور اجلاهز‪ ،‬فتأتي الوظيفة على حساب الشخصية‪ ،‬ورواية (البعث‪۱۹۶۸ ،‬م) حملمد علي مغربي أكثر‬
‫هذه الروايات تلمسا لتطور الشخصية‪ ،‬فالشخصية الرئيسية أسامة الزاهر ينتقل من حالة الضعف واالنكسار‬
‫إىل حالة القوة والوعي‪.‬‬
‫مرحلة التأسيس‪:‬‬
‫ويف مرحلة التأسيس يستهل حامد دمنهوري املشهد الروائي برواية مثن التضحية‪۱۹۵۹ ،‬م) ‪ ،‬حيث عد النقاد‬
‫هذه الرواية باكورة األعمال الفنية املتطورة يف الرواية السعودية)‪ .‬لقد وجد النقاد فيها بناء حمكما اتسم‬
‫بالعمق يف املعاجلة‪ ،‬ويف بناء الشخصيات ويف االعتناء باملكان‪ ،‬مع توظيف جيد حلركة الزمن يف سياق تطور‬
‫احلكاية‪ .‬ولعل ما امتازت به الرواية على عكس روايات مرحلة النشأة هو االعتناء بالوصف وخاصة وصف‬
‫املكان‪ .‬لقد اهتمت الرواية بالتضادات البنائية سواء يف تكوين الشخصيات أو يف تصور األمكنة‪ .‬وحيسب‬
‫للرواية‪ ،‬يف هذا السياق‪ ،‬استفادتها بقدر معقول من تقنية املنولوج الداخلي‪ ،‬أما الصراع اخلارجي‪ ،‬فينشأ من‬

‫‪168‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫متكني الرواية يف نقل األحداث بني مكة والقاهرة‪ .‬وهنا حيضر املكان بوصفه اخللفية املؤثرة يف استقبال‬
‫احلكاية‪ .‬ويف الرواية يتأكد البعد الرمزي بشكل أكرب بني فاطمة وفائزة فهي عالقة جمتمعني متباينني‪.‬‬
‫ومن أبرز الروائيني الذين شكلوا حضور‪ ،‬الفتا يف مرحلة التأسيس أو مرحلة الستينيات امليالدية يأتي الكاتب‬
‫إبراهيم الناصر‪ ،‬لقد ظهر الناصر بوصفه كاتبة مدنية‪ ،‬مهتماً باملدينة ومشكالتها وانعكاسات منطها على‬
‫طبيعة احلياة العامة‪ .‬ففي رواية ثقب يف رداء الليل يقدم شخصية عيسى احملورية اليت تزع نزوعا مثاليا يف نظرتها‬
‫ملا ينبغي أن تكون عليه حياة جمتمعه‪ .‬واإلشكالية األبرز يف هذه الرواية هي صراع األجيال‪ ،‬بينه وبني والده‪.‬‬
‫فأفكار إبراهيم الناصر بدت مباشرة وإسقاطاته بدت مقيدة للتنامي الروائي‪ .‬وتهتم رواية (سفينة املوتى‪،‬‬
‫‪۱۹۹۹‬م) مبعاجلة قضايا وإشكاالت شرحية من شرائح اجملتمع املدني‪.‬‬
‫رمبا مل تقدم مرحلة التأسيس يف الرواية السعودية اليت امتدت حتى أواخر السبعينيات امليالدية جديداً على‬
‫مستوى تطور اخلطاب الروائي‪ .‬فظلت املعاجلات ضعيفة السردية‪ ،‬واملواقف محاسية وخطابية‪ ،‬ومباشرة‬
‫ومقحمة‪ .‬غري أن األمر بدأ بالتغري النسيب مع بداية مرحلة أوائل الثمانينيات امليالدية‪.‬‬
‫مرحلة االنطالق‪:‬‬
‫لقد بدا املشهد الروائي فارغاً يف أوائل الثمانينيات‪ ،‬الذي سرعان ما شغله بعض األمساء الروائية‪ ،‬فاستهلت‬
‫املشهد الروائي أمل شطا برواية (غدا أنسى‪ ،)۱۹۸۰ ،‬وحضرت بعض الكتابات الروائية اجليدة مثل رواية‬
‫(رائحة الفحم‪۱۹۸۸ ،‬م) لعبد العزيز الصقعيب‪ ،‬ورواية (‪ /4‬صفر‪۱۹۸۷ ،‬م) لرجاء عامل‪ ،‬ورواية (القشور‪،‬‬
‫‪۱۹۸۳‬م) لعمر طاهر زيلع‪ ،‬لكن الفضل يف حتريك رواكد املشهد الروائي بفيض من الروايات يعود إىل الروائي‬
‫عبدالعزيز مشري‪ .‬الذي تسيد هذه املرحلة املمتدة إىل منتصف التسعينيات امليالدية‪ .‬فبفضل مساهمته الثرية‬
‫معرفياً ومجالياً ‪ ،‬تأسست تقاليد روائية مهمة‪ .‬لعل من أبرزها أهمية إبراز املكان روائياً‪ .‬فتحولت القرية يف‬
‫أعماله إىل نص بذاته يدين انهيار القيم يف زمن التحوالت االجتماعية واالقتصادية‪.‬‬
‫جتربة عبدالعزيز مشري‪ :‬عالمة فارقة‪:‬‬
‫لقد امتازت جتربة عبد العزيز مشري بتوظيف املكان‪ ،‬وبتقديم لغة روائية توازن بني طبيعة األحداث ومكونات‬
‫الشخصيات الروائية‪ .‬أما من حيث املنظور السردي فقد سيطر منظور الراوي العليم على روايات املشري‪،‬‬
‫فالرواية األوىل يف مسرية الكاتب رواية (الومسية)‪ ،‬وهي عبارة عن لوحات متباينة توحدها جتربة املكان ليس‬
‫إال‪ .‬بل حنن أمام جتربة مكانية قصد الكاتب إىل تقدميها عرب سرد مظاهر من اجملتمع القروي‪ ،‬منها ما يتعلق‬
‫باألرض‪ ،‬ومنها ما يتعلق بشؤون الناس‪ ،‬ويف رواية (الغيوم ومنابت الشجر‪۱۹۸۷ ،‬م) يسجل الكاتب قفزة نوعية‬
‫يف التقنية السردية‪ ،‬يستهل عبد العزيز مشري رواية الغيوم ومنابت الشجر جبزء موسوم ب (نافذة)‪ .‬ويف هذا‬
‫املقطع تتداعى جتربة الطفولة على حنو عفوي‪ ،‬أما املشاهد الثالثة التالية فهي جتارت فردية من العناء القروي‪،‬‬
‫والرتابط بني هذه املشاهد حمدود حبدود املكان والزمان‪ ،‬فاملشري يقسم روايته إىل أربعة أقسام‪ ،‬كل منها‬
‫يشكل جترية شخوص متشابهة مع جتارب الشخصيات األخرى‪ ،‬وهذا التقسيم أحال الرواية إىل جتارب متناثرة‬

‫‪169‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫جيمعها املكان والزمان‪ .‬وحتى ال حيس املتلقي بأن هناك انفصاال بني أقسام العمل يلجأ الكاتب إىل تقديم‬
‫عنوان جانيب هو (قال املُعَنَّى)‪.‬‬
‫أما يف رواية (احلصون) فنحن أمام نص مغاير يف بعده اجلمالي‪ ،‬ففي هذا العمل‪ ،‬حنن أمام ساردين ومسرودين‬
‫هلما ‪ .‬سارد من خارج نطاق النص يسرد بضمري الغائب حكاية احملدث والصاحب‪ .‬ومسرود له يتلقى حكاية‬
‫احملدث والصاحب ‪ .‬لكن القصة ال تصل إلينا إال عرب السارد الثاني يف النص‪ ،‬أعين‪ ،‬احملدث‪ ،‬رغم أنه ال‬
‫يقصدنا بسرده‪ ،‬وإذا أردنا أن نفكك بنية‬
‫النص بشكل أعمق‪ ،‬ظهر لنا يف النهاية أننا نتعامل مع نصني يف نص واحد‪ ،‬إن من أهم الظواهر الالفتة لالنتباه‬
‫يف هذا العمل هو استخدام نظام املوتيف (‪ )motif‬الذي أحدث تكراره تفاعال أثناء القراءة‪ .‬إفأهمية هذا‬
‫املوتيف (‪ )motif‬تكمن يف تأكيد أصالة البنية‪ ،‬اليت تقوم‪ ،‬كما ذكرنا‪ ،‬على تكرار اللقاء لتكرار ذات‬
‫الفعل‪ ،‬إننا يف هذا العمل أمام اإلنسان يف قلقه الدائم وحاجته إىل فعل احلكي من أجل اخلروج من مأزق‬
‫التفرد‪ ،‬وتأكيد النزعة االجتماعية لإلنسان‪.‬‬
‫أما يف رواية (ريح الكادي‪۱۹۹۳ ،‬م) فيعمد الكاتب إىل بناء تقليدي يقوم على وحدة الزمان واملكان‪ ،‬مستغنيا‬
‫عن وحدة املوضوع‪ ،‬مما جيعل الرواية تبدو صورا متناثرة‪ ،‬ولذلك فإنها تشرتك يف بنيتها مع رواية الرمسية‪،‬‬
‫غري أن هذه الرواية تنجح يف اصطياد حمور بنائي تدور حوله أحداث العمل‪ ،‬متمثال يف عائلة الشايب عطية اليت‬
‫تقدم الرواية من خالهلا جتربة اجملتمع‬
‫القروي مع التحول االجتماعي‪ .‬ومهما يكن فإن النمط السائد يف الرواية هو الوصف املباشر للشخصيات‪،‬‬
‫وتقديم األحداث والتعليق عليها دون أن تتنامى بشكل متليه ضرورات منطقية األحداث‪ ،‬وتفريغ بنية السرد يف‬
‫جزئيات أو وحدات تنتقل معها األحداث من نقطة إىل أخرى‪ .‬ومن املالمح املهمة يف هذه الرواية أنها ذات بنية‬
‫ثالثية تؤدي وظيفة توزيع االنتقاالت السردية عرب ثالثة أجيال تعيش حتمية التحوالت االجتماعية‪ .‬فتجربة احلنني‬
‫للماضي هي التجربة املسيطرة على أجواء الرواية‪.‬‬
‫ومتثل رواية (صاحلة‪۱۹۹۷ ،‬م) جتربة خمتلفة ويكمن اختالفها يف ناحيتني‪ :‬أوال‪ ،‬يف موضوعها‪ ،‬ثانيا‪ ،‬يف‬
‫بنيتها السردية‪ .‬حيث تركز هذه الرواية على الثنائيات الضدية اليت جتعل من الفرد يف مواجهة دائمة مع قوى‬
‫خمتلفة‪ .‬وتقوم رواية صاحلة على ثنائيات غري متناغمة‪ ،‬بل ثنائيات ضدية تصادم فيها املصاحل‪ .‬أوىل هذه‬
‫الثنائيات هي ثنائية الرجل واملرأة الرجل بوصفه منوذجا للتسلط‪ ،‬واملرأة بوصفها قدرة على العطاء والتحمل يف‬
‫جمتمع ذكوري يف حركته ويف بنيته اليومية‪ .‬كما تكشف التقنية السردية املوضوعية هلذه الرواية االحنياز‬
‫الكلي للراوي العليم يف تقديم صورة صاحلة‪ ،‬وكما أشرنا سابقا تتحكم يف هذا العمل ثنائية ضدية تكشف‬
‫أبعاد املواجهة‪ .‬فالقطب األول متثله املرأة بكل مقوماتها االجتماعية والتارخيية‪ ،‬أما القطب الثاني فيمثله الرجل‬
‫على اختالف أمناطه من املتدين إىل التاجر إىل الرجل االنتهازي‪ ،‬امرأة واحدة يف مواجهة‬
‫ثالثة من الرجال ذوي النفود‪.‬‬
‫مرحلة التحوالت الكربى‪:‬‬

‫‪170‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫أما املرحلة األخرية (مرحلة التحوالت الكربى) فتشكل أخصب املراحل‪ ،‬من حيث التطور السردي اجلمالي‬
‫واملعريف‪ ،‬ومن حيث نسبة املنشور الروائي‪.‬‬
‫بدأت هذه املرحلة بصدور رواية (شقة احلرية‪ )۱۹۹4 ،‬لغازي القصييب‪ ،‬ثم اتبعها بعدد كبري من الروايات من‬
‫بينها (العصفورية وأبو شالخ الربمائي)‪ ،‬وقد فتحت جتربة القصييب مع جتربة تركي احلمد الطريق أمام جيل‬
‫من الكتاب والكاتبات تباينت مستويات الطرح الروائي لديهم‪ .‬غري أن جتربة تركي احلمد قد أسست جلرأة‬
‫روائية غري معهودة يف طرح موضوعات ذات حساسية اجتماعية‪ ،‬ويف الفرتة نفسها يصدر عبده خال روايته األوىل‬
‫(املوت مير من هنا‪ ،)۱۹۹۵ ،‬وتأكدت هذه التحوالت الروائية على حنو أكثر وضوحا مع منعطف األلفية‬
‫الثالثة وحتديدا بعد أحداث احلادي عشر من سبتمرب‪.‬‬
‫تشكل جتربة القصييب الروائية مرتكزا وتلوينا استشائية صناعة اجلماليات الروائية‪ .‬فقد كان القصييب‬
‫جريئا يف تقديم جترية خمتلفة مجاليا ومعرفيا‪ ،‬فلم يعمد إىل األشكال التقليدية يف صناعة الرواية‪.‬‬
‫القصييب والبنية الساخرة‪ :‬إن رواييت العصفورية ورواية أبو شالخ الربمائي يقومان على مكونات بنائية‬
‫متطابقة‪ ،‬لقد حترر عامل النصني من صرامة البناء‪ ،‬بل انتفت فيهما مركزية املكان‪ ،‬وانكسر الزمن إىل‬
‫إحداثيات سردية ال تشكل نسيج وحدة مع مرجعية واقعية بعينها‪.‬‬
‫رواية العصفورية‪:‬‬
‫هي قصة الربوفسور بشار الغول الذي يعاجل يف مصحة لألمراض العقلية والنفسية‪ ،‬فهو خالصة جتربة واقعية‬
‫مريرة لديها كل قوى الضغط اليت تدفع اإلنسان إىل حالة من العجز واجلنون واملوت‪ ،‬فالربوفسور ميثل العقل‬
‫النخبوي سواء يف خطابه أو ذاكرته املوسوعية اليت كانت إفرازا حلالة التأزم اليت يعيشها املثقف‪ .‬غري أن‬
‫الربوفسور ‪ /‬املثقف يفشل بثقافته الطوباوية يف أن يفهم العامل من حوله‪.‬‬

‫رواية أبو شالخ الربمائي‪:‬‬


‫أبو شالخ الربمائي شخص يسرد لنا حياته من الوالدة إىل املوت حياة صاخبة هدفها كشف زيف العامل من‬
‫حوله عرب ضخ قد كبري من املبالغات واألكاذيب‪ ،‬وخالفا للعصفورية ينقسم العمل إىل سبعة فصول‪ ،‬حيث‬
‫خيتص كل فصل مبوضوع معني‪ .‬فأبو شالخ انتهازي‪ ،‬وكاذب‪ ،‬وساخر‪.‬‬
‫البنية النصية‪:‬‬
‫يتأسس العمالن على بنية متماثلة‪ ،‬هذه البنية تبدأ مبدخل وتنتهي مبخرج‪ .‬كما أن كل عمل يتألف من‬
‫شخصيتني تتحاوران وتدفعان احلكي باستمرار إىل األمام‪ .‬واجلنون والكذب يف هذين العملني قناعان‬
‫سرديان‪ ،‬ورغم الفرق بني احلالتني‪ ،‬اجلنون والكذب فإنهما سرديا يؤديان الدور نفسه‪ ،‬ويسمحان للعملني‬
‫بالتنامى إىل نقطة التالشي‪ ،‬وإسرتاتيجية الدخول واخلروج استخدمها الكاتب يف كال العملني‪ ،‬غري أنه‬

‫‪171‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫ميكن أن تنظر إىل الدخول واخلروج هنا على أساس فلسفي توحي بأن حياة اإلنسان حمكومة بنقطيت بداية‬
‫ونهاية‪ ،‬أما اخلروج من السرد فال يتحقق إال بفناء أبو شالخ الربمائي‪.‬‬
‫بنية احلكي‪:‬‬
‫تقوم بنية احلكي يف العصفورية وأبو شالخ الربمائي على توالد احلكي واالستطراد ‪ .‬وهو ما جيعل هذه البنية‬
‫يف وضع تناصي مع ألف ليلة وليلة‪ .‬غري أن العملني حمكومني بأسلوب سردي حمدد يظهر بشكل كبري يف‬
‫مسألة استنطاق الراوي أو دفعه للحديث‪ .‬وملمح االستطراد يأخذ حيزا كبريا يف العملني‪،‬كما تنطوي بنية‬
‫احلكي يف العملني على إسرتاتيجية جلية‪ ،‬وهي رواية الشعر عرب اختالف أحداث ميكن من خالهلا توظيف‬
‫األبيات الشعرية‪ ،‬وخالصة القول العصفورية وأبو شالخ الربمائي يتناصان سردياً مع الرتاث السردي بوضوح‪.‬‬
‫ازدواجية اخلطاب ‪ /‬ازدواجية الثقافة‪:‬‬
‫رغم تداخل األبنية السردية يف العملني‪ ،‬إال أن هناك متايزاً يف اللغة اخلطاب‪ ،‬فبينما تعتمد العصفورية اللغة‬
‫الفصحي‪ ،‬فإن أبو شالخ نص عامي اللغة‪ ،‬باإلضافة إىل هذا الفارق يف اخلطاب‪ ،‬فهناك فرقا يف احملتوى فالذي‬
‫يظهر يف العصفورية خطابا‪ ،‬بينما يغلب طابع املضمون الشعيب على أبو شالخ‪ .‬غري أن ما جيب أن نلتفت إليه هو‬
‫حضور الشعر بكثافة عالية يف الروايتني‪ ،‬مع تركيز واضح على استحضار الشعر الفصيح يف العصفورية‪،‬‬
‫والشعر العامي يف أبو شالخ الربمائي‪.‬‬
‫إن هذان العمالن يتجاوران ويفرتقان‪ ،‬لكنهما يقدمان منط من الكتابة السردية املختلفة يف فضاء جتربتنا‬
‫احمللية‪ .‬فهي خروج صريح على الكتابة السردية التقليدية يف نهجها وموضوعاتها‪.‬‬
‫عبده خال وبنية احلكي اخلرايف واألسطوري‪:‬‬
‫تعد جتربة عبده خال واحدة من التجارب الثرية يف مسرية الرواية السعودية يف هذه املرحلة‪ .‬بدأ يف القصة‬
‫القصرية يف أوائل الثمانينيات‪ ،‬وانتهى به األمر كاتبا للرواية منذ العام ‪ ۱۹۹۵‬اتسمت جتربتة بلمسة شعبية من‬
‫خالل الرتكيز على التناص الرتاثي الشعيب‪ ،‬ولقد عنى عبده خال باستخدام مجاليات سردية متعددة يف رواياته‬
‫من أبرزها تقنية الرواية داخل الرواية كما يف رواييت (األيام ال ختبئ أحدا) و (الطني)‪ ،‬ومن الظواهر املرصودة‬
‫يف جتربته هي عدم القدرة على إحداث التوازن املطلوب بني السرد والوصف‪ .‬فجاءت معظم الروايات مثقلة‬
‫بالوصف‪ ،‬وهو ما نتج عنه تضخم رواياته‪.‬‬
‫تأتي رواية (الطني‪ )۲۰۰۲ ،‬بوصفها واحدة من أهم الروايات يف سياق الرواية السعودية‪ ،‬وتكمن طرافة الراوية‬
‫يف أن القارئ جزء من تركيبة الرواية بهواجسه‪ ،‬تقوم الرواية على فرضية وجود عاملني لإلنسان‪ ،‬عامل له‬
‫حضور مادي حمسوس بالنسبة لآلخرين‪ ،‬وآخر مادي حمسوس له فقط‪ .‬لقد أقامت الرواية بعفوية سردية‬
‫وانسيابية مطلقة عاملني جيريان يف طريقني متوازيني عامل القرية بأسراره وحكاياته‪ ،‬وعامل البطل الذي نشعر‬
‫بغيابه يف أحيان كثرية‪ ،‬فقد صنعت الرواية منذ البداية عاملني‪ ،‬عامل واقعي بأمكنته وشخوصه وأحداثه‪،‬‬
‫وعامل خيالي غرائيب‪ .‬وأثناء مسرية الراوية خيتلط العاملان إىل درجة ختتفي معها الفواصل واحلدود الصارمة‬

‫‪172‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫اليت نتشبث بها‪ .‬فالرواية تسعى إىل نسف رغبة اإلنسان يف توسيع سلطته على العامل‪ ،‬وتقض مركزية التصور‬
‫اإلنساني فيما يتعلق بالوجود من حوله‪.‬‬
‫لقد جنح الروائي عبده خال يف أن يعرب بالرواية السعودية من الظل إىل ظهرية اإلبداع‪ ،‬فرواية الطني رواية من‬
‫العيار الثقيل قيمة وفنا‪ .‬فالرواية هلا حضور إنساني أمشل من احمليط احمللي الضيق الذي اعتدناه‪ ،‬كما أنها‬
‫حافلة بلغة روائية تزاوج بني الوصفية والسردية‪ ،‬كما حيسب هلذه الراوية سعيها حنو تأسيس عالقة بني عاملني‬
‫حنسب أنهما ال يلتقيان عامل اخليال وعامل الواقع‪.‬‬
‫رجاء عامل وبنية النص الفلسفي‪:‬‬
‫تعد جتربة رجاء عامل واحدة من أهم التجارب الروائية ليس يف السعودية فحسب‪ ،‬بل يف الرواية العربية‪ .‬ولعل‬
‫اجلامع اجلمالي لرواياتها هو البناء السردي واالعتناء باللغة الروائية‪ ،‬والتناص مع الرتاث العربي وخاصة الصويف‬
‫منه‪.‬‬
‫تطرح رواية (خامت‪۲۰۰۲ ،‬م) سؤال الذكورة واألنوثة بلغة روائية تسعى إىل البحث عن جدوى القلق اإلنساني‬
‫حول هذه الثنائية‪ .‬رواية خامت تعيد فرضية اجلسد الواحد‪ ،‬فخامت ‪ ..‬جسد بني أسلوبني خمتلفني جسد مسكون‬
‫حبالتني‪ ،‬لقد اتكأت الرواية كثريا على الفرق اجلوهري بني مالبس الذكر ومالبس األنثى‪ ،‬كما سيطرت‬
‫على الرواية ثنائية مطلقة ال ميكن اخلالص منها‪ .‬وقد انقسم خطاب اللغة يف الرواية إىل عاملني يف التعبري عن‬
‫حالة خامت‪.‬‬
‫هذه مالمح عامة عن التحوالت السردية عرب شواهد متثل أبرز ما أنتجه الروائيون يف هذه املرحلة‪ .‬وهي مرحلة‬
‫شهدت فيها الرواية صعودا ملحوظا هلياكل سردية جديدة مل تكن مألوفة من قبل‪ ،‬فتجربة القصييب جتربة‬
‫تستحق املتابعة‪ .‬وجتربة عبده خال كما جتلت يف رواية الطني‪ ،‬جتربة أقرب لألسئلة الفلسفية احلائرة‪ .‬أما‬
‫جتربة رجاء عامل فهي جتربة غنية بتناصها وتقاطعها مع السياقات املختلفة من حوهلا ففيها الديين والثقايف‬
‫والفلسفي واألسطوري‪.‬‬
‫ومهما يكن فقد حققت هذه املرحلة (مرحلة التحوالت الكربى) ما مل حتققه املراحل السابقة‪ ،‬من حيث غزارة‬
‫الروايات املنشورة للجنسني‪ ،‬باإلضافة إىل التطور النوعي اجلمالي واملعريف يف الرواية السعودية‪.‬‬
‫وقفة أخرية‪:‬‬
‫إن عمر التجربة الروائية السعودية قصري‪ ،‬فهي خاضعة يف منوها جملتمع متحول ومتغري تبعا للظروف احمليطة‬
‫به‪ .‬فاالنتقاالت‬
‫الزمنية يف مسرية الرواية مربوطة بتحوالت اجملتمع‪ ،‬فمرحليت النشأة والتأسيس قليليت املنتج‪ ،‬األمر الذي ينتج‬
‫عنه تواضع التجربة الفنية فيهما‪.‬‬
‫أما املرحلة الثالثة (مرحلة االنطالق) فهي انطالق حنو زيادة الرتاكم الروائي‪ ،‬وحنو االلتفات ملوضوعات‬
‫جديدة‪ ،‬لعل من أبرزها العالقة اجلدلية بني القرية واملدينة‪ ،‬كما أن إملام بعض كتاب هذه املرحلة‪ ،‬أكسبهم‬
‫مزايا فنية مل تتوفر ملن قبلهم‪ ،‬فالقارئ هلذه الروايات وغريها من روايات كتاب هذه املرحلة خيرج بفكرة‬

‫‪173‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫مفادها أن بعض الكتاب يكتبون للتوثيق‪ ،‬ويكتبون للتاريخ‪ ،‬مستخدمني الفن وسيلة لكشف التجارب اليت‬
‫يعربون عنها‪.‬‬
‫ويف املرحلة األخرية‪ ،‬مرحلة التحوالت الكربى‪ ،‬حدث التحول يف صياغة مشروع روائي جديد‪ ،‬ويأتي ذلك بعد‬
‫إرهاصات اجتماعية كبرية‪ ،‬هزت ثوابت احلياة االجتماعية بسيل من األسئلة القلقة عن ماهية العالقة باآلخر‪،‬‬
‫وماهية الذات االجتماعية يف عامل مفتوح‪ ،‬وماهية التمدن ومتطلباته‪ ،‬وماهية الثوابت واملستجدات‪ .‬لقد هزت‬
‫روايات القصييب واحلمد‬
‫ورجاء الصانع‪ ،‬وليلى اجلهين‪ ،‬وعبداهلل ثابت قراء النص الروائي‪ ،‬أكثر مما هزتهم روايات عبده خال ويوسف‬
‫احمليميد ورجاء عامل حممد حسن علوان رغم جودتها الفنية‪ .‬األوىل فاجأت القارئ بكشف املسكوت عنه‬
‫والتجرد من سلطة الرقيب‪ ،‬بينما األخرى قاربت هذه التساؤالت برمزية فنية عالية‪.‬‬
‫ومن أبرز مسات هذه املرحلة احلضور الكثيف للرواية النسائية وأغلب موضوعات الرواية النسائية هو موضوع‬
‫الرجل بتسلطه وجربوته وهيمنته على املرأة‪ .‬لقد كان يف قدرة الرواية على حماكاة الواقع مطمع لدى كثري‬
‫من الكاتبات على امتطاء صهوة الرواية لتمرير رأي صاحبته‪ .‬وإذا كان هذا هو حال الرواية اليت كتبتها‬
‫املرأة‪ ،‬فإن الرواية اليت كتبها الرجل ال تقل مسايرة ملوجة الرواية‪ .‬فسهولة النشر واندفاع الناشرين العرب‬
‫الستقبال الروايات السعودية اجلديدة أغرى الكثري من الكتاب والكاتبات بالنشر‪.‬‬
‫وتعد مرحلة التحوالت الكربى غنية بثالثة أمور‪:‬‬
‫أن نسبة املنشور فاقت كل التوقعات ففي الفرتة من ‪۲۰۰۰‬م إىل ‪۲۰۰۸‬م بلغ جممل الروايات‬ ‫‪. 1‬‬
‫املنشورة ‪ ۲۷۱‬رواية‬
‫يف هذه املرحلة نستطيع أن نفخر مبجموعة روايات مع ما فيها من هنات طفيفة هنا وهناك‬ ‫‪. 2‬‬
‫معاجلة الكثري من املوضوعات املستعصية اجتماعيا أو اليت عدت من ثوابت اجملتمع‪.‬‬ ‫‪. 3‬‬

‫الرواية وتأويل التاريخ‬


‫فيصل دراج‬
‫تزامن صعود الر واية األوروبية يف القرن التاسع عشر مع صعود علم التاريخ‪ ،‬أما الرواية العربية فقد جاءت مع‬
‫بدايات القرن العشرين دون أن يزامنها صعود يف علم التاريخ‪ ،‬لقد استدعى الروائي العربي وطرده ألكثر من‬
‫سبب‪ :‬فاملؤرخ يقول قوالً سلطوياً "نافعاً" وال يتقصى "الصحيح" يهمش تاريخ املستضعفني ويوغل يف التهميش إىل‬
‫ختوم التزوير وإعدام احلقيقة ويكتفي بتاريخ حملي خمرتع‪ ،‬وهلذا يقوم الروائي العربي بتصحيح ما جاء به‬
‫املؤرخ وبذكر ما امتنع عن قوله‪ ،‬فالرواية العربية كتبت التاريخ املعاصر الذي مل يكتبه املؤرخون‪.‬‬
‫التاريخ وصعود الرواية‪:‬‬
‫‪174‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫يتوزع علم التاريخ والرواية على موضوعني خمتلفني‪ ،‬يستنطق األول املاضي ويسائل الثاني احلاضر‪ ،‬وينتهيان‬
‫معاً إىل عربة وحكاية‪ ،‬فاملؤرخ والروائي يتعامالن مع املتحول قاصدين عربة‪ ،‬فالروائي يقول نظرياً ما يقول به‬
‫املؤرخ‪.‬‬
‫رواية التقدم وتقدم الرواية‪:‬‬
‫وضع التاريخ التقدمي يف التا ريخ حكاية حمددة البدء واملنتهى‪ ،‬وقام بشرحها وسردها معاً‪ :‬شرحها حبقب‬
‫زمنية متعاقبة‪ ،‬تتضمن كل منها فكرها واقتصادها ونظامها السياسي‪ ،‬وسرد حكايتها من االنتقال من‬
‫األدنى إىل األعلى وصوالً إىل زمن ينهي احلكاية ويتوجها خبامتة سعيدة‪ .‬تتكون حكاية التاريخ بهذا املعنى‬
‫يف فضاءات متعاقبة حمددة البدايات والنهايات‪.‬‬
‫اتفقت الرواية مع "التاريخ التقدمي" واختلفت عنه يف آن‪ :‬اتفقت معه وهي تقامسه وحدة الواقعي واملتخيل‪،‬‬
‫والذهاب من احلاضر إىل املستقبل ‪ ،‬واعتبار القرن التاسع عشر زمناً مرجعياً‪ ،‬والقطع مع التصور الالهوتي‬
‫للعامل‪ ،‬الذي ت سلل ثانية إىل التاريخ الغائي دون أن يدري‪ .‬أخذت الرواية بإنسان ال دنيوي ال هالة له مربأ من‬
‫التعالي بعيداً عن إنسان قديم قوامه السقوط والغفران‪ .‬فبعد إنسان ال هوتي مدثر بالوعد والوعيد وقعت الرواية‬
‫على إنسان أرضي مزود بأسئلة جديدة‪ .‬نقض اإلنسان الدنيوي اإلنسان الالهوتي بقدر ما نقضت الرواية‬
‫احلكاية‪.‬‬
‫ترمجت الرواية األوروبية الصاعدة حتوالت اجتماعية حامسة حررت الواقع املعيش من صورته الالهوتية وحررت‬
‫معه العقل اإلنساني‪ .‬فبعد تصور ال هوتي يذيب اإلنسان يف مياه اجملهول واحملرم واملتعالي‪ ،‬التقى اإلنسان‬
‫جبوهره وتوحد روحاً وجسداً وعقال‪ ،‬أي استعاد تعدديته الروحية واملادية واألخالقية واجلمالية‪ ،‬اليت تعيّنه‬
‫إنساناً تارخيياً‪ ،‬تتجلى تارخييته يف تعددية ال تقبل االختزال‪ .‬وأدرك أن اإلنسان املتجدد كما اإلنسان احلامل‪،‬‬
‫هو من يقطع مع املاضي وال يكون امتداداً‪ .‬ختلص إنسان الرواية من أمساء موروثة وغدا خالقاً لألمساء‪ ،‬كان‬
‫على اإلنسان اجلديد أن حياكي رغباته املتعددة‪ ،‬وأن يستأنف عفوية طليقة أوىل‪ ،‬اختزلتها القيود إىل فضيلة‬
‫ورذيلة جمردتني‪.‬‬
‫رأى الزمن احلديث إىل إنسان مكون من عامل خارجي واسع األرجاء ومن عامل داخلي ال يقل اتساعاً‪ ،‬واعرتف‬
‫مبأساة خاصة به ال ختتص إىل مآس سابقة عليه‪ .‬يقول أنديه مالرو‪" :‬الرواية احلديثة يف نظري تعبري عن املأساوي‬
‫اإلنساني‪ ،‬ال إيضاح ملعنى الفرد‪ .‬إن الفرق بني التصور املتفائل للتقدم‪ ،‬الذي حول التاريخ إىل حكاية‪ ،‬ومنظور‬
‫الرواية األسيان‪ ،‬زود الروائي بشخصيات خاصمتها السعادة‪ .‬مل تتكون الرواية وهي تواجه مأساة املسيح مبأساة‬
‫الفرد املغرتب‪ ،‬بل تكونت وهي ترى إىل املأساتني معاً من وجهة نظر اإلنساني والدنيوي واملتحول واملرغوب‪.‬‬
‫الرواية وتداعيات األصول‪:‬‬
‫انطوى البحث الذي أرقه الشك وجافاه اليقني على سؤال معريف يعلن أن أصل املعرفة يقوم يف العقل الذي ينكر‬
‫اسطورة األصل‪ ،‬وأن املعرفة احلقيقية تتعني بآفاقها الالحقة‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫عرب سؤال األصل عن إنسان يعيد اكتشاف ذاته وهو يكتشف تارخيه املنقضي‪ ،‬ذلك أن احلديث عن األصل‬
‫حديث عن طمأنينة راكدة جيود بها أصل مقدس‪ ،‬وعل هذا فإن االبتعاد عن األصل ابتعاد عن الاليقني‪.‬‬
‫نقض الفكر التنويري األوروبي الزمن األصل وهو ينقض سلطة كنيسة مستبدة‪ ،‬فصدر عن عالقات الزمن‬
‫واإلنتاج واآلهلة زمن إنساني مغاير للزمن الديين‪ ،‬الذي يعاجل األرواح اجملردة بأدوات ال تقبل التحديد والقياس‪.‬‬
‫فلم يعد زمن اإلنسان وقد علمن الزمن‪ ،‬يُقاس باخلطيئة وانتظار املغفرة‪ ،‬بل بكم إحصائي بارد‪ ،‬عناوينه‬
‫اإلنتاج وأدواته وسبل تطويره‪ ،‬حتى بدت الصناعة مرآة لإلنسان وتكثيفاً ألصله املبدع‪ ،‬وعن هذا التحول صدر‬
‫اإلنسان التارخيي‪.‬‬
‫عكس « البطل اإلشكالي»‪ ،‬الذي سيطر على رواية القرن التاسع عشر و روايات أخرى‪ ،‬حتوالت اجملتمع‬
‫الصناعي‪ ،‬اليت زامنتها ثورة علمية‪ ،‬تفتت الكلي وتولد اجملزوء و تزلزل اليقني‪ ،‬فبعد أن اخرتع اإلنسان آلة‬
‫تضاعف اإلنتاج حتول بدوره إىل آلة منتجة‪ ،‬وواقع األمر‪ ،‬أن الرواية أدرجت يف خطابها كل ما وقعت إليه‪،‬‬
‫وهلذا وضع بلزاك امسه إىل جانب نابليون وغريه من قادة العصر‪ ،‬وعني ذاته «سكرترية للتاريخ»‪ ،‬مساوية بني‬
‫الروائي واإلمرباطور‪ .‬كما انبهر إميل زوال‪ ،‬الذي حاول الرواية التجريبية»‪ ،‬بالتوثيق املعريف و طبق معطيات‬
‫املعرفة على الشروط االجتماعية‪ ،‬اليت تسجلها الرواية‪ .‬كان الروائي‪ ،‬يف احلالني‪ ،‬مأخوذة باخللق‬
‫واالكتشاف وتوليد اجلديد‪ ،‬يهيمن على خملوقاته املتخيلة وينصب ذاته مرجعا ألكوان ال متناهية‪.‬‬
‫اختذت الثورة الربجوازية من اإلنسان مرجعا هلا‪ ،‬ووطدت الداللة املقصودة حبقوق اإلنسان» القائلة ب‪« :‬احلرية‬
‫والعدل واملساواة» ومع أن يف احلقوق املتساوية ما يرد إىل السياسة والقانون وإشكال السلطة‪ ،‬فإن فيها ما‬
‫ميس أيضا‪ ،‬ألن اعرتاف «احلقوق» بتساوي البشر اعرتاف بآداب البشر املتساوية‪.‬‬
‫يقول ر‪.‬م‪ .‬البريية‪« :‬الرواية جنس أدبي سطحي (مبتذل يف األزمنة القدمية وحمتقر حتى القرن الثامن عشر)‬
‫اغتنى مبقاصد بعيدة عن جوهره»‪ .‬يربط القول بني الرواية والثقافة والشعبية بني التحوالت األدبية والتحوالت‬
‫االجتماعية‪ ،‬بعيدا عن منظور سقيم‪ ،‬يشتق الرواية من الكتب والقواميس اللغوية‪.‬‬

‫الرواية واملتخيل احلديث‪:‬‬


‫أخذت الرواية مبعطيات اجملتمع الربجوازي املختلفة ودفعتها إىل حدودها األخرية‪ ،‬مربهنة أن الفضاء الروائي‬
‫مزيج من املعرفة والبصرية‪ ،‬أو لقاء حمسوب بني الواقعي واملتخيل‪ ،‬فالرواية عالقة اجتماعية يف مجلة من‬
‫العالقات االجتماعية‪ .‬يظهر املتخيل الربجوازي‪ ،‬إن صحت العبارة‪ ،‬يف رواية الفرنسي جول فرين (‪- 1828‬‬
‫‪ ،)1905‬الذي استند إىل زمنه وحترر منه معا‪.‬‬
‫لقد آمن فرين بسلطة العلم‪ ،‬واشتق منها إيديولوجيا علمية‪ ،‬وثوقية‪ ،‬تنطق املاضي وتستدعي املستقبل وتستأنس‬
‫ما بينهما‪ .‬لذلك حرر الروائي الزمن من مكانه واملكان من زمنه مطمئنا إىل إشارات تقنية‪ ،‬تتضمن السفينة‬
‫واملنطاد والقطار والغواصة‪ ،‬فللرواية رحلتها أيضا‪ ،‬اليت بدايتها هدف شاق ونهايتها نصر أكيد‪ .‬يف هذا كله‬

‫‪176‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫يكون املستقبل حاضراً والعلم صناعة والصناعة رحلة واملتخيل واقعاً‪ ،‬فما يبصره اخليال متسك به رحلة‬
‫االكتشاف‪ .‬فمستقبل اإلنسان حاضره‪ ،‬ومتخيل اإلنسان واقعه ‪ .‬انطلق اإلنسان من العقل وبشر بعقالنية‬
‫جديدة‪.‬‬
‫يف رواييت "روبسون كروز" لدانييل ديفو ‪ ،1719‬و "موبي ديك"‪ 1815‬هلريمن ميلفل صدر املتخيل عن جمتمع‬
‫برجوازي قطع مع ماضيه وانتصر يف حقول كثرية‪ .‬فاملتخيل اخلالص املربأ من خارجه ال وجود له إال إن كان‬
‫هذياناً أو ثرثرة فارغة‪ ،‬فرحابة املتخيل ترتبط بداهة بتعددية العناصر اليت تعرف إليها‪ ،‬اليت ال تكون يف‬
‫اجملتمع املغلق على ماهي عليه يف جمتمع مفتوح ال يكف عن احلركة والتغيري‪ ،‬فتصبح العناصر املتعددة أدباً‬
‫مبا يضاف إليها‪.‬‬
‫الرواية واليوتوبيا املضمرة‪:‬‬
‫منى اإلنسان نفسه مبدينة فاضلة استقرت يف فضائلها‪ ،‬تنهي التاريخ وتتوج نهايته بانتصار عادل‪ ،‬ومن حلم‬
‫اإلنسان بعامل عادل نهائي جاءت فكرة اليوتوبيا القدمية ـ املتجددة اليت جتعل من العامل املرغوب نقيضاً كلياً‬
‫لعوامل اإلنسان املثقلة‪ ،‬واليوتوبيا كلمة اخرتعها توماس مور فهي تعين لغة "ال مكان" يشفع عليها مباشرة "ال‬
‫زمان" كي تظل معلقة يف أثري الذاكرة ال تنقشع وال متطر‪.‬‬
‫بدت اليوتوبيا يف األزمنة ما قبل احلديثة حلماً يراود الفالسفة واألخالقيني الكبار‪ ،‬إىل أن جاءت إيدلوجيا‬
‫التاريخ ــ التقدم‪ ،‬اليت رأت التاريخ تقدم والتقدم جوهراً للتاريخ ومربراً له‪ .‬فانتقلت الفكرة من فضاء احللم إىل‬
‫أرض اإلمكانية القادمة‪ ،‬وانتقل زمن الفكرة من حيزه األثريي إىل طيات املستقبل الواعد‪.‬‬
‫من هنا يرتكن التصور السابق إىل ثالثة أفكار‬
‫قابلية الكمال يف اجلنس البشري‬
‫التاريخ يشكل احليز الزمين اخلطي الذي يتفتح فيه الكمال اإلنساني‪.‬‬
‫حمصلة ملا سبق يتقرر أن اليوتوبيا نهاية للتاريخ اإلنساني‪ ،‬ومعينة التاريخ ضرورة منطقية لتحقيق اليوتوبيا‬
‫اإلنسانية يف نهاية عام ‪1516‬م ظهر كتاب توماس مور "اليوتوبيا" حيث يسرد الكتاب رحلة متخيلة تقل السارد‬
‫إىل مدينة مل يكتشفها أحد قائمة يف ال مكان متجنبة شرور اإلنسانية كلها‪ ،‬حيث البشر اليوتوبيون يقضون‬
‫أوقاتهم مبا يهندس الروح ويصقل األخالق‪ ،‬كان توماس يعكس روح زمانه املتناقضة‪ ،‬وقد بنى مدينته من‬
‫الثقافة واملعرفة والعقالنية‪ ،‬استعاد مجهورية أفالطون وانتهى إىل املقصلة‪.‬‬
‫إذ كان املتخيل اليوتوبي يعارض مدينة واقعية بائسة مبدينة متخيلة نبيلة‪ ،‬فإن الرواية تواجه سلب املدينة القائمة‬
‫بيوتوبيا مضمرة واضحة ملتبسة وأقرب إىل السؤال‪ .‬يتوزع ملتخيل التارخيي على الرواية واليوتوبيا‪ ،‬وتفصل‬
‫بينهما الرؤية واإلجابة اخلرية‪ .‬فاملتخيل اليوتوبي يفصل مدينته فصالً كامالً عن التاريخ اإلنساني ويشدها إىل‬
‫تاريخ خاص بها منقطع عن تاريخ كاتبها‪ ،‬بينهما تبقى الرواية ‪ ،‬اليت تنقض الواقع‪ ،‬مشدودة إىل التاريخ‬
‫اإلنساني تؤوله وترفضه وتتمنى تغيريه‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫فاليوتوبيا املضمرة ال تفصح عن مدينتها الروائية ألنها تشتق ما تريد من التاريخ املعيش وتود أن حتقق قيمها يف‬
‫هذا التاريخ‪ .‬وقد يُقال‪ :‬أن اليوتوبيا رواية متحققة غري أن القول يف تفاؤله النبيل مثقل بالعطب‪ ،‬ألن حتقق‬
‫اليوتوبيا املضمرة يئد الكتابة الروائية املفتوحة على مستقبل ال نهاية له‪ ،‬وهلذا يكتب املتخيل اليوتوبي نصاً‬
‫واحداً بأشكال خمتلفة‪ ،‬ويتناتج املتخيل الروائي يف نصوص متناجتة‪.‬‬
‫أعطت هذه اليوتوبيا اليت تلمس يف احلداثة الصاعدة شرورها املتصاعدة‪ ،‬النصوص الروائية األكثر إبداعاً‬
‫كأعمال رابليه وسرفنتس وهريمن ميلفل وجونا ثان سويفت (‪ 1667‬ـــ ‪.)1745‬‬
‫سأل جورج لوكاش يف كتابه الشهري "نظرية الرواية"‪ :‬كيف ميكن للحياة أن تصري جوهرية؟ فعثر على‬
‫اجلواب‪ :‬حني يقرأ اإلنسان العادي يف كتاب احلياة نفسه بوضوح‪ ،‬ولن تكون الرواية إال كتاب احلياة املفقود‬
‫الذي يضع الوضوح يف البصرية‪ ،‬ورمبا تكون هذه البصرية ــ إن استبدلت باملاضي املستقبل وبزمن الروح التاريخ‬
‫االجتماعي ــ هي اليوتوبيا املضمرة اليت يفرض عليها التاريخ أن تضل مضمرة أبدا‪.‬‬
‫الرواية وجمتمعية القراءة‪:‬‬
‫لقد عثر املسرح على مجهور واسع قبل الرواية بزمن طويل‪ ،‬ومل حتظى الرواية جبمهور قارئ إال يف زمن متأخر‪،‬‬
‫وقد فصلت أسباب كثرية بني الرواية الصاعدة ومجهور القراءة‪ ،‬إضافة إىل ذلك رأت أوساط دينية وغري دينية‬
‫يف القراءة أُهلية خطرية تعبث باخليال وتؤرق العقل وتصرف العامل املأجور عن عمله‪ ،‬كما ساهم يف حمدودية‬
‫القراءة أمية بقيت راسخة حتى القرن الثامن عشر‪ .‬حتدد وضع القراءة الروائية بسريورة اجتماعية ثقافية متعددة‬
‫العناصر‪ ،‬تنتج الرواية والقارئ وما يصل بينهما‪ ،‬حيث لعب اخرتاع املطبعة (‪ 1436‬ــ ‪ )1450‬يف هذه السريورة‬
‫دوراً حامساً‪ ،‬مما جعل النص شكل سلعي سهل التناول للقارئ‪ .‬كما شكلت الصحافة حاضنة أساسية للتطور‬
‫الر وائي‪ ،‬فقد نشرت أعظم روايات القرن التاسع عشر مسلسلة يف الصحف واجملالت‪ ،‬مع مراعات املواضيع‬
‫واألسلوب اللذان يالئمان قارئ الصحيفة‪ ،‬لقد خلقت الصحيفة املوقع املالئم الذي يلتقي فيه القاريء والروائي‪،‬‬
‫كما وسعت الرواية املسلسلة سوق الصحيفة‪ ،‬وسوقت الصحيفة اإلبداع الروائي‪ ،‬فبدت السوق وسيلة لتحرير‬
‫األدب ومحلته على إنتاج أدب مجاهريي‪ ،‬وقد أدى تسليع األدب من ناحية إىل تراجع الكيف األدبي وأفضى من‬
‫ناحية ثانية إىل توسيع القراءة اجملتمعية وحترير األديب وإشهاره‪ ،‬وإذا كانت عملية التسليع وعملية انتاجه قد‬
‫أقامت بني الرواية والصحيف ة عالقة وثيقة‪ ،‬فالعملية ذاتها أملت على الصحيفة توليد ناقد أدبي جديد يُشهر‬
‫العمل الروائي ويدعو إىل قراءته ‪ ،‬وقد أصبح اإلعالن األدبي جزءاً من العملية األدبية وحتول الناقد إىل ظهري‬
‫للروائي يوسع شهرته مبقاربة إجيابية ونقد صاخب يستثري الفضول‪ ،‬أما النقد احلقيقي فقد جاء من املؤسسات‬
‫اجلامعية‪ ،‬وقد أفضت عالقة الروائي بالسوق إىل روايات متعددة املواضيع تساوق الطلب اجلماهريي ومعايري‬
‫العرض والطلب‪ ،‬فجاءت رواية الطبقات‪ ،‬والرواية الصناعية‪ ،‬ورواية الشعب‪.‬‬
‫اجملتمع املوحد واللغة القومية‪:‬‬
‫تستلزم جمتمعية الكتابة لغة واحدة يكتب بها الروائي نصه ويفهمها قارئه بال مشقة‪ ،‬فاللغة املوحدة اليت‬
‫يتوازعها الكاتب والقاريء شرط وصول الرسالة األدبية‪ ،‬ويف اجملتمعات األوروبية تعني التميز الطبقي قبل‬

‫‪178‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫الثورة الربجوازية بروق سياسية واقتصادية ولغوية كما لو كان يف كل جمتمع جمتمعات عدة‪ ،‬فعلى سبيل‬
‫املثال يف اجملتمع الفرنسي ــ الذ ي أجنز ال حقاً ثورة برجوازية منوذجية ــ لغات عديدة تتوازى وال تتقاطع‪ ،‬وقد‬
‫سعت الربجزوازية الفرنسية إىل إصالح لغوي شامل‪ ،‬يستولد لغة جديدة موحدة تلغي اللغات املتعددة السابقة‪،‬‬
‫حتاور بها اآلخرين وحياورها اآلخرون بها‪ ،‬فالتحوالت االقتصادية اليت فرضتها الثورة الربجوازية تفسر نشوء‬
‫القومية وتطور اللغة القومية وصوالً إىل األدب القومي الذي يستلزم قارئاً قومياً موسعاً‪ ،‬وتشتق اللغة يف هذا‬
‫التفسري من عقود العمل والتبادل السلعي‪.‬‬
‫تصبح اللغة كياناً مستقالً بذاته يؤمن التواصل اليومي بني املواطنني بلغات راقية ووضيعة ومتوسطة وميد‬
‫املبدعني مبا خيلقون منه كالماً مجيالً‪ ،‬فاللغة يف شكلها األدبي معطى مغاير مقرتن باإلبداع والعبقرية‬
‫والصناعة املتقنة ‪ ،‬فكأن على األدب أن يعيد حجب اللغة يف أصوهلا املادية من جديد مشدوداً إىل لغة أخرى لغة‬
‫نوعية مصقولة متحللة من مراجعها االجتماعية‪.‬‬
‫الرواية العربية يف زمن اجتماعي مغاير‪:‬‬
‫كان الروائي األوروبي ال يتحرك إال يف املستقبل خمتلفاً عن روائي عربي يتمسك باألصل البعيد‪ ،‬ولقد اتكأت‬
‫الرواية األوروبية يف زمن صعودها على أطروحتني أساسيتني‪:‬‬
‫أ‪ -‬ال تاريخ دون حاضر حترر من ماضيه‬
‫ب‪ -‬ال رواية دون فردية دنيوية تضع املستقبل يف احلاضر‬
‫مل جيد الروائي العربي يف ثقافته العربية ما يشرح الرواية العربية‪ ،‬فكان على حممد حسني هيكل أن يستلهم‬
‫يف زينب تعاليم جان جاك روسو‪ ،‬وحني كتب لويس عوض عن املؤثرات األجنبية يف األدب العربي احلديث أدرج‬
‫قضية املرأة‪ ،‬وربط عوض بني األدب واحلقل الثقايف والوعي احلديث والقضايا اليت أثارها‪ ،‬فاألمساء اليت‬
‫استشهد بها باستثناء اجلربتي تأثرت كلها بالثقافة الفرنسية ‪ ،‬قاوم علماء األزهر ظهور صحيفة الوقائع املصرية‬
‫حبجة أنه قد يرد فيها اسم اجلاللة والنيب والقرآن ثم يلقى بها إىل األرض‪ ،‬ومل يغفر رجال الدين حملمد املويلحي‬
‫كذبه يف حديث عيسى بن هشام إال بعد أن أقر أنه قصد كذباً أبيض‪ ،‬ويف نهاية القرن العشرين اتهم جنيب‬
‫حمفوظ بالزندقة‪ .‬لقد عثرت الرواية العربية على من يكتبها ال على جمتمع حديث يدعو إىل كتابتها‪.‬‬
‫تنتمي الرواية العربية على مستوى الكتابة إىل زمن حداثي كوني وتنتسب على مستوى القراءة إىل زمن تقليدي‬
‫أو هجني احلداثة‪ ،‬كأنها بطولة املتخيل والكتابة تنتظر مجهور ًا حمتمالً مل يأت بعد‪.‬‬
‫الرواية العربية‪ :‬الوالدة املعوقة يف السياق املقيد‪:‬‬
‫يف زمن تارخيي آخر خلفه الزمن األوروبي املنتصر وراءه‪ ،‬ولدت الرواية العربية ومحلت معها آثار زمنها‪ ،‬ومل‬
‫تظفر الرواية العربية يف زمن والدتها األوىل مبرجع خارجي يصريها رواية‪ ،‬ومل تتمتع مبرجع يعالن باتساق‬
‫داخلي‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫ولدت الرواية العربية مزودة بإعاقة مزدوجة ‪ ،‬فهي أثر متأخر لألدب العاملي الذي هو صورة أخرى عن الزمن‬
‫األوروبي‪ ،‬وهي كتابة وافد ة إىل حقل اجتماعي مل يعرف "نثر اجملتمع الربجوازي"‪ ،‬فالوالدة القسرية يف هذه‬
‫احلال تشري إىل عنصرين‪:‬‬
‫أ‪ -‬جنس أدبي حداثي وافد يفتقر إىل فضاء ثقايف أدبي مالئم له‬
‫ب‪ -‬خنبة ثقافية أيقضها التغري فانفتحت على جديد ملتبس‪ ،‬وحاورته مثقلة بالفتنة واالضطراب‪.‬‬
‫يؤرَّخ ميالد الرواية العربية مببتدأ القرن العشرين ‪ ،‬وقد هز زمن والدة الرواية العربية زمن غياب شروط الكتابة‬
‫الروائية‪.‬‬
‫‪ . 1‬الوالد املعوقة‪ :‬الكواكيب وإضاءة أخرى‪:‬‬
‫حينما كان حممد املويلحي يف مطلع القرن العشرين حياول جنساً كتابياً ينوس بني الرواية والتاريخ‪ ،‬كان‬
‫عبدالرمحن الكواكيب الذي أجلأه االضطهاد العثماني إىل مصر ينشر كتاباً كلفة حياته يدعى "طبائع‬
‫االستبداد"‪ ،‬وقد أضاء الرجالن بشكل خمتلف قوالً يتداوله دارسوا الرواية‪" :‬ال رواية بال دميقراطية وال‬
‫دميقراطية بال رواية"‪ ،‬لقد تأمل الكواكيب االستبداد يف حقول خمتلفة‪ :‬الدين‪ ،‬العلم‪ ،‬املال‪ ،‬اجملد‪ ،‬الرتبية‪،‬‬
‫األخالق‪ ،‬التمدن‪ ،‬ووقف على آثاره اليت ترد اجملتمع احلي إىل مقربة مجاعية‪ ،‬ويتجلى االستبداد يف اخلوف‬
‫املعمم‪ ،‬ومع أن الكواكيب أجهد فكره الثاقب يف تبيان املقدمات والنتائج وما يصل بينهما ‪ ،‬فما جاء به‬
‫يُكثَّف بإجحاف كبري يف عناصر ثالثة تالزم النظام االستبدادي وأول هذه العناصر وأكثرها شيوعاً‪ :‬أولوية‬
‫الكل على األجزاء‪ ،‬اليت تنتهي إىل أولوية املتسلط على السلطة‪ ،‬والسلطة على اجلماعة‪ ،‬وأولوية اجلماعة على‬
‫الفرد‪ ،‬فيتكشف املستبد الذي ال يدع خارجه شيئاً كال ميحو األجزاء اليت خارجه‪ ،‬وميثل فساد اإلنسان‬
‫وقصوره العقل ي واملعنوي العنصر الثاني الذي تروج له بطانة املستبد‪ ،‬أما العنصر الثالث فيشتق من العنصرين‬
‫السابقني‪ ،‬بني السلطة وشخص املستبد وبني األخري ومالمح املطلق‪ ،‬املطلق الذي ضم بني أعطافه الثبات‬
‫والكمال‪ ،‬يصدر الفصل النوعي الذي البد منه بني احلاكم الذي ال يُسأل واحملكوم الذي ال حقوق له‪.‬‬
‫تستولد العناصر الثالثة دميومة التقليد وإكبار األتباع وبداهة اخلضوع منتهية إىل جمتمعات مقوضة ضربت‬
‫عليها املذلة واملسكنة‪ ،‬فالكواكيب يشتق من طبائع املستبد إن طالت واستقرت وتوطدت طباع املستبد بهم‪،‬‬
‫ويشتق من طبائع االستبداد وتلف الطرفني معاً خراباً مفتوحاً وبواراً ال ينتهي‪ ،‬وحني يعاجل الكواكيب "الرتقي‬
‫واالستبداد" يستهل حديثه باحلركة الدائبة اليت تعارض الثبات والتثبيت‪ ،‬ينطوي مفهوم التناقض على احلركة‬
‫والصراع واالنقسام‪ ،‬وعلى ما حيتفي باألجزاء املتصارعة وما يشجب الكل والشروط الت حتفظه موحداً‪،‬‬
‫وتنت هي تصورات اجملتمع املستبد‪ ،‬املوزعة على الثبات واليقني والتقليد إىل اخلوف من فكرة احلرية ‪،‬‬
‫فاملشكلة اليت تواجه الروائي يف الوقت احلاضر هي التوصل إىل وسيلة تكفل له حرية الكتابة فيما خيتار‬
‫أن يكتبه ‪ ،‬ال يُستولد اجملتمع املدني من جمتمع العبيد وال الوعي الروائي من ثقافة تقليدية تلغي األجزاء‪،‬‬
‫كتب الكواكيب يصف شعباً شرقياً جيايف احلركة‪" :‬كأنكم خُلقتم للماضي ال للحاضر تشكون‬
‫حاضركم وتسخطون عليه‪ ،‬ومن لي أن تدركوا أن حاضركم نتيجة ماضيكم"‬

‫‪180‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫‪ . 2‬الوالدة املعوقة‪ :‬حممد عبده وإضاءة ثانية‪:‬‬


‫نشر وزير خارجية فرنسا رأياً يف املسلمني قرر فيه أن اإلسالم معتقد حيول بني معتنقيه وسبل املدنية فرد عليه‬
‫حممد عبده بأن العلة يف املسلمني ال يف اإلسالم‪ ،‬وحني تقصى أسباب خيبة املسلمني وبوار ديارهم وقع على‬
‫أكثر من سبب أوهلا استعجام اإلسالم واستسالم املسلمني لبدع غريبة‪ ،‬وثانيها يعود لعلماء احنطت هممهم‬
‫وانطفأت قلوبهم وركبهم اجلهل والكسل واجلشع‪ ،‬فرت أحدهم يستثمر العلم ألمور دنيوية حبته‪ ،‬إضافة إىل‬
‫ذلك يأتي عبث السياسة اليت خترب عقول العامة بدين ما هو بدين وحتبب إليهم الرتهات والشعوذة وإكبار‬
‫التقليد األعمى‪ ،‬مما أدى إىل تصدر اجلهل‪.‬‬
‫صدر اجلمود الذي هجاه حمم د عبده يف كتابه "اإلسالم بني العلم واملدنية" عن االعتقاد أن من تقدم يف الزمن‬
‫يفضل من تاله‪ ،‬وأن على املتأخر أن يقول ما يقول به سابقوه‪ .‬وبلغ اجلمود ذروته حني رأى يف احلاضر ضالالً‬
‫خالصاً‪ ،‬وينتهي اجلمود إىل ثالث نتائج‪ :‬عبادة السلف الذي حررمن سياقه وعُني مقدساً ال زمنياً‪.‬‬
‫نبذ احلاضر وتكفري اجلديد والقائلني به‪.‬‬
‫توطيد اجلهل املتدين علماً للعلوم‬
‫ولن يكون حظ اللغة العربية أفضل من حظوظ غريها بعد ان اختصرها اجلمود إل نسق من الكلمات الثابتة‪،‬‬
‫فأول جناية هلذا اجلمود كانت على اللغة العربية وأساليبها وآدابه‪ ،‬ويستبني اجلمود يف إلغاء الزمن ويف تعطيل‬
‫العقل‪ ،‬فاإلنسان يتطور ويرتقي بتصاحله مع الزمن املتغري واندراجه فيه والتنقيب عن أسئلته‪ ،‬والفكر يولد‬
‫من ارتباطه الوثيق بالتجربة املشخصة املعيشة‪ ،‬وقد واجه حممد عبده اجلمود الديين بتسامح عقالني يصاحل‬
‫بني املعرفة واإلميان وبني اإلسالم والوقائع املعيشة‪ ،‬لقد أدرك أن احلركة شرط التقدم واالرتقاء وان االستبداد‬
‫واجلمود امسان ملوضوع وحيد‪.‬‬
‫تبدو الرواية يف التصور العقائدي املطمئن إىل البدعة والتكفري فتنة لغوية متدهورة غريبة عن مأثور األجداد‬
‫الذين عرفوا سري األبطال واحلكايات املقدسة‪.‬‬
‫‪ . 3‬فرح أنطون‪ :‬فتنة الغرب واألصل الوافد‪:‬‬
‫أصدر أنطون ‪ 1903‬رواية "الدين والعلم واملال تناول فيها ثالث قضايا اجتماعية فلسفية وزعها على مدن ثالث‬
‫متجاورة هي‪ :‬مدينة أصحاب املال‪ ،‬ومدينة العلماء الذين يؤمنون بالعقل وبالعدل‪ ،‬ومدينة رجال الدين‪ ،‬وتثري‬
‫الرواية جمموعتني من األسئلة‪ :‬تس ائل األوىل منها بنية الرواية اإليدلوجية‪ ،‬وتتوجه الثانية إىل ما خارج النص‪،‬‬
‫واملدن الثالث هي حكاية األزمنة األوروبية احلديثة‪ ،‬حتتشد الرواية بقضايا حتررت ظاهرياً من املكان والزمان‬
‫واحتفظت ضمنياً مبا يصرح بهما‪ ،‬لقد استقدم أنطون أفكار الثورة الفرنسية واستقدم معها الكتابة الروائية‪،‬‬
‫ورواية املدن الثالث كما يصرح صاحبها رواية على سبيل التساهل‪ ،‬وذلك يف تزود القاريء باألفكار املفيدة‬
‫والتسلية الراقية‪ ،‬ويف تعليم القاريء مبادئ الكتابة الروائية وترغيبه فيها‪.‬‬
‫لقد انشد أنطون إىل األفكار وتبسيط األفكار‪ ،‬وإىل كتابة الرواية وشرح أصول كتابتها‪ ،‬فالرواية كما‬
‫يرى عل ٌم حيقق غاية إن وعى الكاتب أصوله‪ ،‬وخيطئ املراد إن جهل بها‪ ،‬واألصول اليت حيتاجها الروائي ستة‬

‫‪181‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫هي بلغة أنطون‪ :‬قوة االخرتاع واملرد بها خميلة الكاتب‪ ،‬قوة احلركة اليت تشد القاريء وتطرد السأم‪ ،‬وحدة‬
‫وتنوع املوضوع‪ ،‬واملقصود تعاقب األحداث بل اضطراب ومماطلة‪ ،‬قوة البسيكو لوجيا والسيولوجيا اليت تصل‬
‫الرواية بألولن العلوم املختلفة‪ ،‬دراسة الفن الروائي دراسة معمقة‪ ،‬عاطفة اجلمال وتتوي مجال السكب‬
‫واملوضوع‪ .‬والينسى أنطون يف مقالته "إنشاء الروايات العربية" دور النقدة املهرة الذين يُحسنون تقييم األعمال‬
‫الروائية‪ ،‬يقصّر أنطون وهو يضطرب بني زمنني تارخييني خمتلفني‪ ،‬عن وعي املسألة االجتماعية يف الزمنني‬
‫معاً‪ ،‬لقد آمن أنطون املنقسم بني جمتمع مهزوم وثقافة أوروبية منتصرة بقوة األفكار‪ ،‬وتوسل املقالة والرواية‬
‫واجمللة‪ ،‬ووحد األلوان الفكرية يف رواية تعطي املسألة االجتماعية حلوهلا الصائبة‪.‬‬
‫تتحدد األسئلة وتضل مقاصد أنطون النبيلة يف مكان وثقافته يف مكان آخر‪ ،‬دون أن يقنع اإلسكندرية بقراءة‬
‫رواية متفرنسة‪ ،‬وال أن ينجح يف حتويل الرؤية الفرنسية إىل رواية مصرية‪ .‬إنه الوعي املنقسم الذي يود إصالح‬
‫جمتمع بثقافة جمتمع مغاير بل إنه الوعي املغرتب الذي فتنته الثقافة‪ ،‬وآمن بفضائلها الكونية فعزهلا عن الزمان‬
‫واملكان‪ .‬يتطاير جهد أنطون الروائي خفيفاً‪ ،‬ويتبقى من أسلوب كتابي نضر اللغة‪ ،‬جاء رمبا من انفتاح‬
‫الكاتب على أكثر من لغة‪.‬‬
‫‪ . 4‬ليالي سطيح‪ :‬فتنة املاضي وسطوة األصول‪:‬‬
‫أصدر حافظ إبراهيم ‪" 1906‬ليالي سطيح" بعد ستة أعوام من ظهور "حديث عيسى بن هشام"‪ ،‬تقاسم العمالن‬
‫مراجع تراثية متقاربة‪ ،‬وحدت بينهما رغبة بنقد احلاضر ودعوة إىل إصالحه‪.‬‬
‫تظهر احلداثة الفكرية يف "ليالي سطيح " يف اخلطاب النقدي الذي يطالب بواقع بديل‪ ،‬ويف الكتابة الواضحة‬
‫اليت تؤيد موقفاً وتتهم آخر‪ ،‬وقد أعرب صاحب الكتاب عن إعجابه بشخصيات تنويرية معروفة‪ ،‬وتزيد‬
‫مواضيع الكتاب غاياته وضوحاً‪ :‬احلرية‪ ،‬احلجاب وحترر املرأة‪ ،‬تهافت الصحافة وابتذال اللغة‪ ،‬العنف‬
‫االستعماري اإلجنليزي واهلوان املصري‪ ،‬ورسالة األدب‪ :‬ودور اللغة العربية يف بعث النفوس‪ ،‬يقوم الكتاب على‬
‫لقاء متخيل بني الراوي وكاهن قديم‪ ،‬وعلى قصص متوالية تساوي احلوار بني ابن النيل وسطيح‪.‬‬
‫ملس حافظ قضايا مصرية مشخصة عاجلها املويلحي بكفاءة أكرب‪ ،‬وقد اجنز املويلحي عمالً أدبياً مركباً‪،‬‬
‫احتفى باملقامة وأعلن موتها‪ ،‬مؤكداً اخلرفة اللغوية عالقة داخلية يف عمله األدبي‪ ،‬أما إبراهيم فقد اطمأن‬
‫إىل شكل كتابي يليب انبهاره باللغة العربية‪ ،‬فكتاب "ليالي سطيح" يف إحاالته الرتاثية شهادة على ثراء اللغة‬
‫العربية‪ ،‬وقد قام حافظ إبراهيم متكئاً على تصور تغمره اللغة العربية بأمرين‪ :‬أجنز استظهاراً لغوياً جمتهداً‪،‬‬
‫وهو حياول استظهاراً فكرياً جمزوء القيمة ومتناثر األجزاء‪ ،‬فقام بتأكيد اللغة موروثاً عظيماً يقاسم املطلق‬
‫بعض صفاته‪ ،‬فاللغة يف ليالي سطيح تأخذ وظيفة ثالثية األبعاد‪ :‬فهي هوية وطنية ــ ثقافية تواجه غازياً أجنبياً‬
‫خمتلف اللغة والثقافة‪ ،‬واملرجع الوطين املقدس الذي ينوب عن سلطة وطنية مؤجلة‪ ،‬وهي شرط الزم ال وجود‬
‫للسلطة الوطنية من دونه وال ماهية هلا إن مل حتافظ عليه وتتمسك به‪ ،‬ينتهي حافظ إىل وطن ملتبس‪ ،‬يقوم يف‬
‫زمن لغوي قديم ويف حاضر قيدته أمية طاغية‪ ،‬لقد أملى الوعي املنقسم على حافظ إبراهيم أن يكتب املقامة‬
‫وأن ميحوها يف آن‪ :‬كتبه ا وهو يتبخرت بلغة زخرفية مثقلة بالسجع والطباق‪ ،‬وحماها وهو يضع يف اللغة املزخرفة‬

‫‪182‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫هموماً وطنية راهنو مشخصة‪ .‬وواقع األمر أن إبراهيم حاول احلداثة األدبية يف شرط غري حداثي‪ ،‬فحول القصة‬
‫إىل مقالة‪ ،‬وكتب املقالة بلغة املقامة‪.‬‬
‫ال تتفق العمومية املوروثة مع تصور حداثي‪ ،‬يقول بلغة االختصاص اليت تشتق اللغة من األشياء واملواضيع‪،‬‬
‫ومبفرد لغوي كيانه أسلوبه‪ ،‬وتصوراً متداعياً يفصل بني األجناس األدبية وأزمنتها التارخيية‪ .‬وهذا الفصل بني‬
‫املخزون اللغوي والتجربة احلياتية أوصل إبراهيم إىل لغة جوهرية مكتفية بذاتها‪ ،‬تسمى معروف األشياء‬
‫وجمهوهلا ‪ ،‬ويطرح خطاب إبراهيم موضوع العمومية اللغوية الساكنة ويعطف عليه لزوماً موضوع الدولة الوطنية‬
‫املرغوبة اليت يؤمن هلا الربيع اللغوي وسائل االنبثاق والنهوض‪ .‬لقد فصل إبراهيم بني اللغة واجملتمع‪ ،‬وأوكل‬
‫أمرها إىل األدباء‪ ،‬وفصل بني اللغة والتاريخ‪ ،‬وعهد بها إىل القاموس املوروث‪ .‬وبفصل الفصل املزدوج رأى يف‬
‫سطيح أنيساً‪ ،‬ويف زمنه اللغوي مرجعاً هادياً‪.‬‬
‫‪ . 5‬دعاء الكروان اجملتمع الوطين الذي ال وجود له‪:‬‬
‫يطرح طه حسني يف "دعاء الكروان" إشكال الرواية يف جمتمع مسته احلداثة مساً واهناً‪ ،‬يدير طه حسني‬
‫حديثه الروائي يف جمتمع بصيغة اجلمع غريب عن الوحدة والتجانس‪ ،‬تسرد رواية طه حسني حكاية االنتقال‪:‬‬
‫انتقال اجتماعي مكاني من مركز البداوة إىل مركز احلضارة‪ ،‬وآخر معنوي قيمي من عامل الكراهية‬
‫واالنتقام إىل عامل احلب والتسامح‪ .‬كأن البداوة ضغينة خالصة واحلضارة ود وموادعة ومودة‪ ،‬تعطي العالقات‬
‫املتداخلة بني األمكنة والطبائع املكان بعداً مزدوجاً‪ :‬فهو حيز اجتماعي ثقايف وهو مرآة للشخصيات املتنوعة‪،‬‬
‫يتعني املكان األول بالبادية‪ ،‬أو بالريف املتبدي كما يقول املؤلف‪ ،‬الذي حيتضن الصحراء ويقف على ختوم‬
‫الريف فال هو بالريف وال هو بالبادية اخلالصة‪ ،‬وللمكان املتبدي ما مييزه عن غريه لغةً وأعراف وطبائع‪ ،‬يتلو‬
‫الريف املتبدي الريف الذي استقر فيه فالحون مزارعون هلم لغة أقل خشونة وطبع أقل غلظة‪ ،‬غري أن نصيبهم‬
‫اليسري من احلضارة مينع عنهم النظام والرتتيب والتنسيق‪ ،‬وال حيبب إليهم الدقة والرقة والذوق الرهيف‪،‬‬
‫فاالنتقال من ال بداوة إىل احلضارة ينطوي على انتقال أخالقي قمي وسيلته احلب‪ ،‬حيرر اإلنسان من عواطف‬
‫وعادات سالبة‪ ،‬ويعلمه أخرى مهذبة راقية ممتازة‪.‬‬
‫تتضمن رواية طه حسني ثالثة نصوص متآلفة متنافرة‪ :‬نص اجتماعي يصف أحوال ريف مصري‪ ،‬ونص لغوي‬
‫مهيب يعالن ببالغة طه حسني املتفردة‪ ،‬ونص اس تورده الكاتب من امليلودراما الفرنسية ورمى به يف ثنايا ريف‬
‫مأخوذ بثقافة األدعية وشيوخ الطريق‪ ،‬ولعل إضافة النص الثالث إىل نصني ال يأتلفان معه هي اليت محلت طه‬
‫حسني على اخرتاع وقائع وشخصيات روائية تتحدث العربية فوق مسرح فرنسي ال مجهور له‪ ،‬وقد ساق االخرتاع‬
‫طه ح سني إىل توليد عائلة السيد مأمور املركز اليت تتعلم الفرنسية وتأخذ بأخالق السادة‪ ،‬غري أن السيد‬
‫العميد الذي ارتاح إىل امليلودراما الفرنسية‪ ،‬اخرتع ما جيب اخرتاعه كي يوائم بني برجوازية مصرية مفرتضة‬
‫ولون أدبي يساوي بني الناس يف الروايات وال يساوي بينهم خارجها‪.‬‬
‫أ علن طه حسني عن حداثة يف كتاب "األيام" مرتكناً إىل فكرة الفردية املتمايزة من جمموع راكد متجانس‬
‫الوجوه وإىل تقنية السرية الذاتية املختلفة عن نص موروث ال مؤلف له‪ .‬لكن السيد العميد أخطأ مرتني‪ :‬مرة‬

‫‪183‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫أوىل وهو يستولد الفردية الروائية من شروط اجتماعية ال تسمح بها‪ ،‬وأخطأ مرة أخرى وهو يقحم امليلودراما‬
‫على ثقافة األدعية ويشتق منه جمتمعاً مصرياً مياثل اجملتمع الفرنسي أو حياكيه على األقل‪ .‬انتهى طه حسني‬
‫وهو خيلط بني املرتجم واملعيش‪ ،‬إىل نص روائي مفكك‪ ،‬حياكي دون أن يدري‪ ،‬جمتمعاً مصرياً حيتقب‬
‫مجعات متباينة غري متجانسة‪ .‬واشت ق طه حسني وهو يعطف امليلودراما على ثقافة األدعية‪ ،‬من النخبة املصرية‬
‫املتغربة جمتمعاً مدنياً مصرياً عناصره عائلة متحضرة تتعلم الفرنسية ومهندس يعيش على الطريقة اإلجنليزية‬
‫وفتاة بدوية هذبتها العائلة اخلرية وعشقها مثقف زل مرة وتلقته الفضيلة‪ .‬وضع طه حسني ثقافته الفرنسية إىل‬
‫جوار ثقافة الريف املتبدي وقرأ الفرق بينهما مبقوالت أخالقية طافحة بالصدق واحملبة والتفاؤل‪.‬‬
‫‪ . 6‬سارة‪ :‬الكل الذي يقمع األجزاء‪:‬‬
‫كتب العقاد ‪ 1938‬روايته اليتيمة "سارة" مقلداً احلكيم وحسني واملازني‪ ،‬ومذيعاً سرية ذاتية مبتورة‪ ،‬قوامها‬
‫عشق كبري عبثت به األ يام‪ ،‬تتضمن سارة يف صفحاتها الباردة املتباطئة‪ ،‬طبقات من املقوالت‪ ،‬تفضي كل‬
‫طبقة إىل غريها‪ ،‬وتنتهي مجيعاً إىل خالق أول‪ ،‬يسوس رعيته كما يشاء‪ ،‬حتكي الطبقة األوىل عن إشكال‬
‫متداول هو عالقة الرجل باملرأة‪ ،‬فالعقاد يدير حديثه الروائي يف دوائر العشق واهلوى‪ ،‬ما عالقة الذكر باألنثى‬
‫إال االتهام الذي يصل بينهما ويقرر انفصاهلما يف آن‪ ،‬يَنْظُمُ التهام عالقة الذكر ياألنثى‪ ،‬ويَنْظُمُ تبيان حقيقة‬
‫الذكر ما تبقى‪ .‬تقرتح بداية الرواية ما تنتهي به‪ ،‬وتذعن نهاية الرواية لبداية متجربة ال حتتاج إليها‪ ،‬يشتق‬
‫العقاد األنثى من طبيعة األنثى والذكر من الطبيعة الذكورية ويستولد الذكر واألنثى من طبائع خالدة‪ ،‬وهو‬
‫يبدأ بهما ويردهما إىل طبيعتني خمتلفتني سحيقتني متهيداً لعطفهما على مقولة جوهرية ال يتساهل فيها وال‬
‫ال غدت مقولة‪ :‬األبطال‪.‬‬ ‫يتخلى عنها هي مقولة‪ :‬العبقرية‪ ،‬اليت إن تواضعت قلي ً‬
‫ينتج العقاد خطابه الصغري مرتني‪ :‬مرة أوىل على مستوى البنية السطحية‪ ،‬حيث الشارب الذكوري يلتهم وجبة‬
‫أنثوية وينتقل إىل أخرى أفضل منها‪ ،‬ومرة ثانية على مستوى البنية العميقة‪ ،‬حيث الذكر يتحدث عن نفسه‬
‫وغريه‪ .‬فال مكان لكالم األنثى أو احلوار معها‪ ،‬فإن جاء بعض اجلمل كان قصرية وشديد القصر متباعدة‬
‫وشديد التباعد ‪ .‬لذلك تبدو الرواية «مونولوجاً ‪ ،‬إنشائية مغلقة‪ ،‬يدلل على ذكر موهوب أحسن شؤون اإلنشاء‬
‫والبالغة‪ ،‬ومنع الكالم عن أنثى غريبة عن البالغة وعن غريها من البشر‪ .‬وواقع األمر‪ ،‬أن يف الرواية موضوعاً‬
‫ينسج بنيتها السطحية قوامه‪ :‬االتهام‪ ،‬وأن فيها مضمون يؤلف بنيتها العميقة قوامه‪ :‬األنا املتضخمة اليت تقرر‬
‫وتصوغ وحتلل وتولد األمور ‪ .‬إنه خيتصر طبيعة املرأة املشخصة إىل طبيعة املرأة اجملردة والرجل امللموس إىل‬
‫العقل الذكوري املفكر‪ .‬يف النص الروائي الذي حاوله العقاد ما ينقض التصور الروائي للعامل يف أكثر من‬
‫مك ان ‪ :‬ينقضه وهو يقرر مركزة لغوية واحدة حيتكر الكالم‪ ،‬على مبعدة عن تعددية لغوية‪ ،‬رأى فيها‬
‫ميخائيل باختني ذات مرة منطلقا للعمل الروائي مرجعا له‪ .‬وينقضه وهو يفرض فردا متعالية يضع ذاته فوق‬
‫غريه‪ ،‬وينكر ما يساوي بني البشر ومينحهم حقوق متساوية‪.‬‬
‫‪ . 7‬فنديل أم هاشم واجملتمع الراكد والفردية املؤجلة‪:‬‬

‫‪184‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫نشر حييى حقي‪ ،‬يف كانون أول من عام ‪ ،1944‬رواية قصرية‪ ،‬أو قصة قصرية طويلة‪ ،‬عنوانها‪« :‬قنديل أم‬
‫هاشم»‪ ،‬أدرجها يف جمموعة قصصية هلا العنوان ذاته انطوى العمل الصغري‪ ،‬وله كثافة مدهشة‪ ،‬على ثنائية‬
‫الشرق والغرب‪ ،‬ومواضيع أخرى حتتقب‪ :‬العلم واإلميان‪ ،‬الفرد واجلماعة‪ ،‬هشاشة الوافد وسلطة املوروث‪.‬‬
‫طرحت القصة الطويلة‪ ،‬يف مثان ومخسني صفحة من القطع الصغري‪ ،‬إشكال احلداثة االجتماعية يف جمتمع‬
‫تقليدي‪ ،‬تعيد تقليديته إنتاجه بيسر كبري‪ ،‬وتهزم ما ينقده بيسر أكرب‪ ،‬وأطمأن إىل فكرتني‪ :‬وحدة العقل‬
‫وكونية املعرفة‪.‬‬
‫حما الزمن األوربي املفتوح الزمن الشرقي املغلق‪ ،‬وخلق إنساناً أوروبياً‪ ،‬مصري األصول‪ .‬انتقل األخري من اجملرد‬
‫إىل احملدد ومن االنفعالي إىل العقالني ومن بالغة املستقبل إىل منطق احلاضر‪ ،‬وانتقل أيضا من اخلرافة‬
‫وأسطورة املرأة إىل العلم والفن واملرأة احملسوس ة امللموسة‪ .‬مل خيرج الشرقي من شخصية ويدخل إىل أخرى‬
‫مغايرة‪ ،‬بقدر ما تربأ من والدة أوىل واعتنق والدة جديدة‪ .‬وألنه صفحة بيضاء‪ ،‬أو هكذا بدا‪ ،‬تساقطت معتقداته‬
‫وغاب جسده املرتهل‪ ،‬واكتسحت إرادته املتداعية إرادة منتصبة واثقة‪ .‬خترج من اجلامعة‪ ،‬وقد اكتمل عقال‬
‫ومعرفة‪ ،‬وحررته املرأة األوىل)‪ ،‬وقد اكتمل إرادة وتوازنا‪ ،‬واختلف إىل نساء جدد‪.‬‬
‫يتعني الغرب‪ ،‬وقد اختزل إىل سيطرة رائعة‪ ،‬مدرسة ثالثية الوظائف‪ ،‬عناوينها األساسية املعرفة الكونية‪،‬‬
‫اإلشباع اجلنسي‪ ،‬التمرد على اخلرافة‪ ،‬تعني الغرب مستودع للمعرفة‪ ،‬عنوانه اجلامعة‪ ،‬ومكانا لإلشباع‬
‫اجلنسي‪ ،‬أداته املرأة الشقراء‪ ،‬وفضاء ذميمة يعبث باإلميان‪ ،‬بينما يتعرف «الشرق» صفحة بيضاء تستقبل‬
‫املعرفة واهلرطقة‪ ،‬وجسدا حمروما‪ ،‬تنهكه أسطورة املرأة قبل أن ميسها‪ .‬تشكل ثنائية الشرق والغرب قاعدة‬
‫الثنائيات الحقة‪ :‬الذكورة واألنوثة‪ ،‬اإلميان والعلم‪ ،‬عامل الروح وعامل املادة‪.‬‬
‫تكشف «الشرق» يف صفات ثالث متكاملة‪ :‬املوروث املتأبد‪ ،‬الذي ورثته أجيال متالحقة عن أجيال سبقتها‬
‫تورثه‪ ،‬وميتل‬
‫املوروث املقدس‪ ،‬يف هذه احلدود‪ ،‬مرجعا لإليديولوجيا العملية والنظرية يف آن‪ :‬يؤمن رزق الناس ويشفيهم من‬
‫أمراضهم ويأخذ بأيديهم إىل الفوز والنجاح‪ .‬يتنافس مرضى العيون على زيت قنديل «أم هاشم»‪ ،‬حبثا عن الشفاء‬
‫والربكة‪ ،‬فإن أخطأهم الشفاء وشي بإميانهم الناقص‪ .‬يهزم الزيت القديم‪ ،‬الذي باركته عادة متابدة‪ ،‬طبيبة‬
‫حديثا عاش يف الغربة سنوات‪ .‬تقرر املادة املوروثة عالقة الفرد باجلماعة‪ ،‬ذلك أن الفرد هو ما تعلمه من أجداده‪،‬‬
‫وأن األفراد هم مجاع العادات اليت تصوغهم‪.‬‬
‫يعيد إشكال الفرد واجلماعة تأويل سلطة اجملتمع األوروبي واستالب اإلنسان الشرقي‪ .‬تطفو على سطح القول‬
‫ثنائية الشرق والغرب‪ ،‬أو العلم واإلميان‪ ،‬وتستقر فيه ثنائية اجملتمع الراكد واجملتمع املتغري‪ ،‬أو‪ :‬اجملتمع املغلق‬
‫واجملتمع املفتوح‪.‬‬
‫تتحدث «قنديل أم هاشم» عن جمتمع حيتفي باملطاوعة ويتطري من االختالف ويقطع مع العناصر اجملتمعية اليت‬
‫حتيل عليها الرواية‪ ،‬فليس يف حبات الرمال ما يعوض اخلطاب الروائي عن مغرتب فارقه اليقني‪ ،‬وال عن زمن‬

‫‪185‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫قوامه التبدل والتغري والتشظي‪ .‬ومع أن لدى اجملتمعات ما ترد به على وعي روائي أسيان‪ ،‬فإن يف اجملتمع املغلق‬
‫ما حيول اإلبداع األدبي إىل سؤال مأساوي‪.‬‬
‫‪ . 8‬مليم األكرب‪ :‬األدب اللفظي وبالغة الثبات‪:‬‬
‫يف مليم أكرب عاجل عادل كامل بشكل غري مسبوق‪ ،‬وجهة أساسية من وجوه اإلشكال الروائي هو‪ :‬اللغة‪.‬‬
‫متيزت املعاجلة بالعمق والنفاد‪ ،‬والشجاعة‪ ،‬ألزمها أن تبدأ باللغة‪ ،‬وأن ترى معنى اللغة يف موروث أدبي ما هو‬
‫باألدب وأن تقرأ اللغة واألدب العربيني يف عقلية عربية مطبوعة على احملاكاة واالمتثال‪ .‬بدا كامل مقدمته‬
‫الطويلة بثالث كلمات‪ :‬هلذه القصة قصة تطيح الرواية بثنائية البالغة واملوعظة‪ ،‬وتطيح باجلائزة اليت تقدمت‬
‫من أجلها أيضا‪ .‬انتقل عادل كامل من نقد األدب العربي إىل نقد لغته‪ ،‬ذلك أنها لغة زائفة الثراء وصادقة الفقر‪:‬‬
‫يتكشف ثراؤها العقيم يف املرتادفات الغزيرة اليت ال تعين شيئا ويظهر فقرها الصادق يف خلوها من األلفاظ‬
‫املعربة عن األفكار العميقة واآلراء الصعبة غري املألوفة‪ .‬فسر كامل بؤس األدب العربي بفقر لغته‪ ،‬وفسر فقر‬
‫اللغة بعقلية ضيقة‪ ،‬حتجب ضيقها برك ام لغوي عقيم‪ ،‬وعني عقلية املرتادفات عقلية بدوية‪ ،‬يستغرقها‬
‫احملسوس املباشر‪ ،‬على خالف العقلية املتمدنة‪ ،‬اليت تتميز باخليال الواسع والقدرة على التجريد‪ .‬هناك كتاب‬
‫يقبلون اليوم باللغة كما جاء بها الزمن القديم "لقد صنع اجلاهليون لغة تناسب بيئتهم‪ .‬أما الكتاب املتأخرون‬
‫فقد صنعوا بيئة تناسب لغة اجلاهلية"‪ .‬دار عادل كامل حول أسئلة كثرية‪ ،‬دون أن يطرح السؤال الذي يود أن‬
‫يطرحه املتمثل بعالقة اللغة بالدين‪ ،‬أو عالقة اللغة بالنص القرآني‪ .‬أشار إىل «الشيخ الوقور ومواعظه الفاتنة‬
‫وإىل «اخلطب املنربية»‪ ،‬وحاذر من الذهاب إىل ما وراء ذلك‪ .‬وما مل يقل به الروائي‪ ،‬الذي أكثر من الرجوع إىل‬
‫سومرست موم وستيفنسون وبرناردشو وإمرسون‪ ،‬ميس موضوعني حمددين‪ :‬أوهلما معنى اللغة العربية يف‬
‫املوروث اإلسالمي‪ ،‬وثانيهما معنى اإلصالح اللغوي يف الوعي املوروث‪ ،‬إن اللغة العربية‪ ،‬يف حدود املوضوع‬
‫األول‪ ،‬لغة مقدسة‪ ،‬قدسها القرآن الكريم‪ ،‬هو جمالها وحافظها وآية على عبقريتها ودليل دميومتها‪ ،‬وقد‬
‫استأنف الرافعي‪ ،‬بعد قرون‪ ،‬يف «حتت راية القرآن»‪« :‬املعركة بني القديم واجلديد» ما قال به «ابن قتيبة» يف‬
‫فضل لغة القرآن‪ ،‬إن تقديس اللغة العربية يفضي مبن يطالب بإصالحها إىل تكفري‪ ،‬وإىل ذم من يدعو إىل‬
‫تسهيل قواعدها‪ ،‬وإىل التشكيك مبن يتعامل معها موضوعا مثل املواضيع االجتماعية األخرى‪ ،‬وبداهة فإن ما‬
‫عاينه عادل كامل‪ ،‬وبكثري من اجلور والشطط‪ ،‬هو الدنيوي‪ ،‬الذي يتوزع على لغات و هلجات وعلى أمية‬
‫طاغية‪ ،‬تؤمن باهلل ورسله وكتبه‪ ،‬وال تعرف من اللغة العربية اجلزلة شيئا‪.‬‬
‫ميز عادل كامل بني «األدب اللفظي»‪ ،‬الذي يعيد إنتاج لغة ثابتة‪ ،‬و«األدب احلي»‪ ،‬الذي يكتب بلغات احلياة‬
‫وهو يقرأ أسئلتها املفتوحة‪ .‬لكنه نسي‪ ،‬وقد فتنته املراجع األدبية الغربية‪ ،‬أن سؤاله الصحيح عن التجديدين‬
‫اللغوي واألدبي ال يبدأ من اللغة العربية يف ذاتها‪ ،‬وال من بيئة جاهلية مستحدثة‪ ،‬ألن عليه أن يبدأ من السلطة‬
‫السياسية‪ ،‬اليت تنتج «األدب اللفظي» ويعيد إنتاجها «األدب اللفظي» يف آن‪.‬‬
‫‪ . 9‬مالحظة جمزوءة‪:‬‬

‫‪186‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫تقرتح دراسة ميالد الرواية العربية‪ ،‬يف ميالدها وتطورها‪ ،‬أكثر من منهج‪ ،‬نكتفي باإلشارة إىل اثنني منهما‪:‬‬
‫أوهلما يأخذ بالتعاقب الزمين‪ ،‬منقبة يف السنوات املتالحقة عن روايات متالحقة‪ .‬ويدور املنهج الثاني‪ ،‬وهو أكثر‬
‫اتساعا حول تاريخ املعايري اجلمالية‪ ،‬الذي يرد إىل التاريخ االجتماعي‪ ،‬مستدعي اإليديولوجيات االجتماعية يف‬
‫تعييناتها املختلفة‪.‬‬
‫تضيء الروايات الست السابقة‪ ،‬بأشكال ال متكافئة‪ ،‬عالقة اجلمالي باالجتماعي والتقين بالكتابي‪ ،‬وبسبب‬
‫هذا‪ ،‬يكون اإلشكال الروائي‪ ،‬كما قالت به الروايات املتتابعة‪ ،‬مجالية واجتماعية يف آن‪ ،‬مفرداته‪ :‬الوعي‬
‫املغرتب كفرح أنطون‪ ،‬الوعي املنقسم ‪ -‬حافظ إبراهيم‪ ،‬التوهم اجملتمعي ‪ -‬طه حسني‪ ،‬التصور الكلي للعامل‬
‫‪ -‬عباس العقاد‪ ،‬الفردية واحلرية كيحيى حقي‪ ،‬التعددية اللغوية ‪ -‬عادل كامل‪ .‬ميكن أن نسأل هنا‪ :‬ما‬
‫الذي يوحد بني ستة نصوص خمتلفة يف التصورات واألساليب وأزمنة الكتابة؟ يقول اجلواب‪ ،‬من وجهة نظر‬
‫تاريخ الرواية العربية ومصائرها‪ :‬ب‪ :‬اإلخفاق‪ .‬ال مبعنى الروائي الذي أخفق يف كتابة نص متسق العالقات‪ ،‬بل‬
‫مبعنى إخفاق اجملتمع يف توليد شروط الكتابة الروائية‪.‬‬
‫انتقل الروائي العربي‪ ،‬يف مسار إبداعي دؤوب‪ ،‬من «املدن الثالث» إىل «جنمة أغسطس» ومن «ليالي سطيح»‬
‫إىل «الزيين بركات»‪ ،‬ومل ينتقل جمتمعه من قضايا البالغة والقمع والتفكك إىل قضايا أخرى‪ .‬يتجلى إخفاق‬
‫الرواية العربية يف املواضيع الراكدة‪ ،‬اليت عاجلتها بأساليب متعددة‪ ،‬ويف القارئ الذي مل تظفر به‪ ،‬بعد مائة‬
‫عام‪ ،‬إال بشكل جمزوء‪ .‬حيدد هذان العنصران‪ ،‬على األقل‪ ،‬الرواية جنسا إبداعية حداثية يسائل جمتمعاً‬
‫أخطأ حداثته التارخيية‪ ،‬بل ميكن القول‪ :‬إن تاريخ الرواية العربية هو تاريخ ‪.‬حتققها الذاتي وإخفاقها‬
‫االجتماعي‪.‬‬
‫الكتابة الروائية وتاريخ املقموعني‪:‬‬
‫تدل كلمة التاريخ‪ ،‬وهي يونانية األصل‪ ،‬على استقصاء اإلنسان واقعة إنسانية منقضية سعيا إىل التعرف على‬
‫أسبابها وآثارها‪.‬‬
‫يتعامل املؤرخ مع إنسان متبدل األحوال‪ ،‬ويستولد النقد التارخيي من متييز األزمنة املتغرية‪ ،‬فال معرفة إال‬
‫باملتغري‪ ،‬وال نقد يف جمتمع يتجانس فيه الرجال واألزمنة‪ .‬وعن النقد‪ ،‬الذي مييز زمنا من غريه‪ ،‬تصدر وحدة‬
‫املعرفة واحلرية‪ ،‬ويولد عقل تارخيي يتكون يف قراءة االختالف‪ .‬وما املعرفة التارخيية إال مقارنة عارفة‪ ،‬تفصل‬
‫بني األسطوري والتارخيي‪ ،‬وبني املاضي واحلاضر املختلف عنه‪ .‬وهلذا يصبح املاضي‪ ،‬يف الوعي التارخيي‪ ،‬وعيا‬
‫باحلاضر‪ ،‬على خالف الوعي األسطوري‪ ،‬الذي جير احلاضر إىل املاضي ويعطف الزمنني‪ ،‬بعد إضعافهما‪،‬‬
‫على أصل قديم‪ .‬وقد خيالط األسطوري‪ ،‬يف مجيع األزمنة‪ ،‬التارخيي‪ ،‬دون أن مينعه عن البدء من الفعل‬
‫اإلنساني والتمسك بأسئلته‪ .‬يؤكد املؤرخ‪ ،‬الذي يلمح احلقيقة يف ثنايا التاريخ لسعتها‪ ،‬حقيقة «اإلنسان‬
‫التارخيية م رتني مرة أوىل و هو ينشئ منهجا خاصا به ال خيتصر إىل منهج سبق‪ ،‬وثانية وهو يرصد حقيقة‬
‫متنامية‪ ،‬يبدو التاريخ لدى املدافعني عنه أو املنتسبني إليه‪ ،‬علماً موضوعياً مربأ من األهواء واملصاحل‪ ،‬له‬
‫أسانيده ووثائقه واجلهود املتعددة اليت أجنزت مناهجه‪ ،‬بل أن له من اهليبة والوقار ما ينصبه «علماً شريفاً»‪ ،‬يف‬

‫‪187‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫بعض التصورات‪ ،‬كما أملح صاحب حديث عيسى بن هشام»‪ .‬لكن هذا املنظور الذي يريد أن يكون‬
‫موضوعياً‪ ،‬يصيبه االرتباك ألكثر من سبب‪ :‬إن التاريخ‪ ،‬غالبا‪ ،‬علم سلطوي وعن السلطة‪ ،‬يدور حول مقولتني‬
‫سلطويتني‪ ،‬هما االنتصار واهلزمية‪ ،‬ينتج ويعاد إنتاجه يف مؤسسات سلطوية ال تقتصر يف الرقابة حاذفة ما ال‬
‫تريد ومربزة ما تشاء وترغب‪ .‬وبداهة‪ ،‬فإن ثنائية النصر واهلزمية‪ ،‬وهي سلطوية املنظور والغايات‪ ،‬تفضي‪،‬‬
‫لزومه إىل تارخيني متعالقني متنافيني‪ ،‬حيدث أحدهما عن منتصر جدير بنصره ويسرد ثانيهما سرية مهزوم ال‬
‫يليق النصر به‪ .‬تبدل هذه الثنائية‪ ،‬اليت ال يقوم التاريخ إال بها‪ ،‬العلم التارخيي املوضوعي إىل «قصة األقاصيص‬
‫األخرى‪ ،‬ذلك أن املنتصر يرى إىل انتصاره بطريقة ختالف نظرة املهزوم إليها‪ ،‬مثلما أن هزمية املهزوم‪ ،‬الذي ال‬
‫يعرتف غالبا بهزميته‪ ،‬يكتب املنتصر تاريخ انتصاره ويكتب فيه تاريخ الطرف الذي هزمه‪.‬‬
‫إن أول ما يفعله املنتصر هو حمو تاريخ املهزومني‪ ،‬ويا اهلل ما فوق السماء ضحاياهم‪ ،‬وما أسهل أن يسرقوا‬
‫وجودهم من ضمري األرض؛ اإلبادات الكثرية اليت واجهناها وسيواجهها الفلسطينيون‪ ،‬وقد يأخذ املهزوم يف‬
‫شروط سلطوية بائسة‪ ،‬بثنائية النصر واهلزمية‪ ،‬متوسالً عدواً يسرياً قابالً للهزمية‪ ،‬يساوي املؤرخ السلطوي‬
‫االنتصار باحلقيقة‪ ،‬واحلقيقة باملنفعة‪ ،‬ف الصوت‪ ،‬الذي يرفض أن يكون صدى لغريه‪ ،‬يقرتح رواية تكتب‬
‫تاريخ املقموعني الذين ال يكتبون تارخيهم‪ ،‬رواية تنأى عن ثنائية النصر والسلطة‪ ،‬وتذهب اىل مثانية‪ :‬االغرتاب‬
‫اإلنساني والبحث عن املعنى‪ ،‬كي حتاور املمزق واملتداعي‪.‬‬
‫‪ . 1‬تكامل املعنى يف النص الروائي‪:‬‬
‫أقام جربا إبراهيم جربا روايته «السفينة» على ساردين‪ ،‬عطف عليهما ثالث‪ ،‬تكلم مرة واحدة‪ ،‬تروي األصوات‬
‫الثالثة حدثا‪ ،‬وقفت داخله وخارجه‪ ،‬وعاشت ما سبقه وما تاله‪ ،‬محل كل سارد جتربة ذاتية ومنظورة ال خيتزل‬
‫إىل غريه ‪ .‬واختالف املواقع والرؤى أعطى احلدث صياغات متقاطعة ومتوازية‪ ،‬تروي مع احلدث أحوال السارد‬
‫أيضا‪ .‬تكون الفعل الروائي من روايات ثالث‪ ،‬كما لو كان بؤرة تقاطعت فيها مرايا خمتلفة‪ ،‬دون أن تربك‬
‫تعددية األصوات معنى احلدث‪ ،‬فهي متحاورة ال متناكرة‪ ،‬متكاملة ال متنافية يستكمل الوضوح اجملزوء فيها‬
‫بوضوح الحق‪ .‬يدور السرد‪ ،‬يف أبعاده الثالثة‪ ،‬داخل بنية كتابية متسقة‪ ،‬يكمل فيها كل صوت غريه‬
‫ويستكمل به‪ ،‬وتنتهي مجيعا إىل معنى متعدد املستويات‪ .‬ومع أن القول الروائي يتخذ من احلب والوطن موضوعة‬
‫أساسية له‪ ،‬فاألصوات املتحاورة تعكس عليه وجوه الطبيعة اإلنسانية‪ ،‬اليت تتداخل فيها ظالل املوت واملنفى‬
‫وسطوة الزمن ورخاوة الوجود املرعبة‪ .‬ويف الوجوه مجيعاً حقبة من تاريخ العراق‪ ،‬ستينات القرن املاضي‪.‬‬
‫جتسد األصوات ثالث شخصيات‪ :‬مثقف عراقي‪ ،‬عاشق خمذول‪ ،‬يبحث عن املنفى هربا من جمتمع تقليدي‪،‬‬
‫يغتال احلب ويستولد الكراهية‪ ،‬ورجل أعمال فلسطيين يعيش يف املنفى ويتطلع إىل وطنه املستلب‪.‬‬
‫ينقض اخلطاب األول‪ ،‬الذي يبدأ باإلنسان وينتهي به‪ ،‬ثنائية اهلزمية واالنتصار مبقولتني‪ :‬االغرتاب وتداعي‬
‫املعنى‪.‬‬
‫ينتج اخلطاب ال ثاني رؤية معرفية‪ ،‬حتتضن قوة ال يلتبس باملنفعة‪ .‬ترى رواية جربا‪ ،‬يف مستوياتها املتعددة‪ ،‬إىل‬
‫مستقبل العراق اتكاء على حاضره‪ ،‬متوسلة مجلة من اإلشارات الفنية‪ ،‬عناصرها الغرق واملوت والدوار‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫يتشبث التصور السلطوي بالنافع والثابت واملتجانس‪ ،‬وتنزع الرواية إىل الصحيح و املتبادل واملتنوع‪ ،‬مصرحة‬
‫مبعاني احلياة ووجوهها‪ ،‬و ينهض الفعل الروائي‪ ،‬يف رواية جربا‪ ،‬على تبادلية احلوار بني أجزاء متنوعة وينتهي‬
‫إىل قول ال جتانس فيه‪ ،‬يصرح باملتوقع واألكيد واحملتمل واملرغوب وبنهاية تتوالد منها بدايات أخرى‪ ،‬لقد‬
‫أجنزت السفينة» جربا رحلة معتمة متعددة النهايات‪ ،‬وانتقاله ملتبسة يعثر على املعنى ويضيعه يف آن‪ :‬انتقاله من‬
‫موقع ساطع الشمس إىل موقع تسكنه العاصفة‪.‬‬
‫‪ . 2‬تنايف املعنى يف النص التارخيي‪:‬‬
‫ينتج تكامل املعنى يف النص الروائي قوة يربط بني وقائع حقيقية وشخصيات متخيلة‪ ،‬يعارض نصة تارخيية‬
‫ينسب وقائع وهمية إىل شخصيات حقيقية‪.‬‬
‫املؤرخ األول‪ ،‬أو السارد األول باللغة الروائية‪ ،‬هو الطربي‪ ،‬لقد جنز الطربي كتابة تصف وحتلل وتأخذ موقفا‪،‬‬
‫تفصل بني النقد واالتهام‪ ،‬وبني النقد والتعصب‪ ،‬وتصل إىل حكم أخري‪ ،‬ال يفصل بني املعرفة واإلميان‪ .‬يتلو‬
‫الطربي مؤرخ آخر؛ اليعقوبي‪ ،‬وهو السارد الثاني الذي استعرض الفتنة الكربى بشكل مرسل ال إسناد فيه‪،‬‬
‫فالروايات كانت قد استقرت قبله‪ .‬وذلك بأسلوب يتصف بالرتكيز واالختصار‪ ،‬السارد الثالث كتاب ملؤلف‬
‫جمهول (تويف يف أواسط القرن الثالث اهلجري)‪ ،‬عنوانه‪« :‬اإلمامة والسياسة»‪ ،‬ينسب خطأ إىل ابن قتيبة‬
‫الدينوري يتميز الكتاب‪ ،‬كما يقول املؤرخون‪ ،‬بالتساهل يف األسانيد والرتكيز على االسناد اجلمعي‪ ،‬يقدم‬
‫كتاب «اإلمامة والسياسة»‪ ،‬يف شهرته الواسعة‪ ،‬منوذجا تقليدياً يف الكتابة التارخيية‪ ،‬عنصره األول إميانياً‬
‫صرفاً‪ ،‬يساوي ضمناً بني نقد مؤسسة اخلالفة واهلرطقة‪ ،‬وعنصره الثاني بيان مجيل‪ ،‬ذلك أن الكتاب «قطعة‬
‫أدبية متكاملة‪.‬‬
‫متتع املؤرخون الثالثة باملعرفة والورع والبحث عن احلقيقة‪ .‬مع ذلك‪ ،‬فإن كتاباتهم تطرح قضية «املعرفة‬
‫اإلميانية»‪ ،‬بلغة معينة‪ ،‬أو «شخصنة العقيدة»‪ ،‬بلغة أخرى‪ ،‬اليت جتعل املؤرخ يساوي بني اخلليفة واحلقيقة‬
‫الدينية‪ ،‬أو تلزمه‪ ،‬وهو حال اليعقوبي‪ ،‬بأن ينقض شخصاً أقل تدينا بأخر أكثر تدينا وزهدة وتقى‪.‬‬
‫قرأ طه حسني يف «إسالمياته» الفتنة الكربى‪ ،‬اتفق مع مؤرخ واختلف عن آخر‪ ،‬واختلف مع املؤرخني القدماء‬
‫مجيعا‪ ،‬حني قرأ التاريخ املختلف عليه مبنظور دنيوي‪ -‬تارخيي‪ ،‬يرى إىل العلة واملعلول وإىل اإلنسان كما هو‪،‬‬
‫بال تقديس أو مصادرة‪ .‬هلذا‪ ،‬مل يطعن بإميان عثمان بن عفان وصدقه وتقاه‪ ،‬بيد أن طه حسني يقدم حتليله‬
‫التارخيي املؤنسن‪ ،‬وهو واقف يف فكر كوني تارخيي حديث‪ ،‬يعرتف بالنقد وال مييل إىل التوثني ‪.‬‬
‫يقول بول ريكور‪ :‬ختلق الثقافات نفسها برواية القصص عن ماضيها‪ .‬ومكمن اخلطر‪ ،‬بالطبع‪ ،‬أن هذا‬
‫التوكيد اجلديد قد حترفه يف العادة النخب اليت حتتكر السلطة إىل خطاب متويهي يهدف إىل الدفاع غري‬
‫النقدي عن السلطات السياسية‬
‫الراسخة‪ .‬ويف هذه احلاالت تتحجر رموز اجلماعة وتتوثن‪ ،‬أي تتحول إىل أكاذيب التربير شرعية السلطة»‪ .‬وثن‬
‫املؤرخ املتشيع‪ ،‬يف حاالت كثرية‪ ،‬السلطة السياسية القدمية ورموزها‪ ،‬فكتب عن السلطان الذي ال يساءل‪،‬‬
‫وأغفل الرعية اليت يسأهلا السلطان وال تسأله‪ .‬ومع أن توثني السلطان ظل متناجتاً‪ ،‬مبشيئة أو من غريها‪ ،‬فقد‬

‫‪189‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫أرادت الرواية العربية‪ ،‬وهي جنس أدبي هامشي باملعنى اجملتمعي‪ ،‬أن تكتب تاريخ السلطان سلباً‪ ،‬متوسلة مال‬
‫اإلنسان احملكوم‪ ،‬كأنها‪ ،‬وهي تكتب تاريخ املقموعني‪ ،‬ترد على تاريخ سلطوي ال ينقضي‪ ،‬وحد بني الكتابة‬
‫والسلطة‪ ،‬وال يزال ‪.‬‬
‫‪ . 3‬السلطة وجماز املقموعني‪:‬‬
‫أصدر حليم بركات عام ‪« 1961‬ستة ايام»‪ ،‬روايته الثانية بعد «القمم اخلضراء»‪ ،‬اليت سبقتها خبمس سنوات‪.‬‬
‫متيزت الرواية بتقنية أدبية متقدمة‪ ،‬تذكر براوية جربا إبراهيم جربا األوىل «صراخ يف ليل طويل» ‪،1946 -‬‬
‫ومتيزت أكثر مبنظور متشائم أثبت صدقه بعد ست سنوات‪ ،‬خلق جربا‪ ،‬يف «صراخ يف ليل طويل»‪ ،‬بلدة من‬
‫اإلشارات والرموز ومالمح اسطورية‪ ،‬تستهل بالقبح والرذيلة وينتظرها احلريق‪ ،‬وأنشأ بركات‪ ،‬يف ستة أيام»‪،‬‬
‫بلدة موازية‪ ،‬تشرف على حبر ال تراه‪ ،‬ترى الوقت يف ساعة معطلة ومتتثل إىل إرادة األموات‪ ،‬وينتظرها احلريق‪.‬‬
‫بلدتان متأكلتان‪ ،‬جديد هما قديم يتداعى وال يدري‪.‬‬
‫ب ين بركات روايته من مستويات متعددة‪ :‬أوهلا خطاب إيديولوجي مباشر يتناثر فوق «األيام احلكائية»‪ ،‬يندد‬
‫مبجتمع متداع يتوازعه األموات وأحياء ال ميسهم الزمن‪ ،‬مطمئن إىل انغالقه ومتمسك بانغالق ميكن‬
‫اضمحالله‪ .‬صاغ بركات بلدة معطلة الزمن وألقى بها إىل احلريق‪ ،‬وانتظر والدة جديدة‪.‬‬
‫صرح جربا يف روايته‪« :‬صراخ يف ليل طويل بفكرتني أساسيتني‪ :‬كل األزمنة عارضة وواهنة ما عدا زمن الفن‪،‬‬
‫الذي يهمش «التاريخ االجتماعي‪ ،‬وما يتعني به‪ .‬أما الفكرة الثانية‪ ،‬وتستكمل األوىل‪ ،‬فرتبط بني الفنان وما‬
‫يعوق حركته‪ ،‬بني مطلب احلرية وضرورة إشعال احلريق بعالقات اجملتمع الذي جيهل معنى الفن واحلرية‪ .‬ال‬
‫توحد األسطورة الشائعة عن الرماد واالنبعاث ومتوز‪ ،‬بني جربا وبركات‪.‬‬
‫ستة أيام» عنوان رواية ظهرت عام ‪ 1961‬تنبأت بهزمية‪ ،‬حتققت بعد «ست سنوات»‪ .‬كان يف الرواية رؤية وعقل‬
‫مستقل‪ ،‬يعرف شروط النصر واهلزمية‪ ،‬ويدرك أن جمتمعة حيكمه األموات أقرب إىل املقابر منه إىل البيوت‪.‬‬
‫ظهرت رواية بركات يف سياق أدبي يعطي «البطل اإلجيابي» مساحة مسرتحية‪ ،‬تأخذ بيده من ملكوت الفقراء‬
‫إىل أرض الفضيلة‪ ،‬وتعيد من خالله حديث السلطة عن النصر واهلزمية‪ .‬كان اجملاز الروائي‪ ،‬الذي ال حيتاج‬
‫الكالم السلطوي إليه‪ ،‬حديث املقموعني‪ ،‬الذين ال يعرفون الكتابة‪ ،‬ومكتبة الباحثني عن احلقيقة يف زمن‬
‫سلطوي حيتكر املكتبات‪.‬‬

‫‪ . 4‬املؤرخ والروائي‪ :‬يقني االنتصار وقلق التساؤل‪:‬‬


‫يف عام ‪ ،1980‬ويف زمن يكاثر هزمية حزيران‪ ،‬نشر املؤرخ الفلسطيين العجوز حممد عزة دروزة ‪1984 - 1888‬‬
‫كتابة يف جزأين‪ ،‬عنوانه‪« :‬العدوان اإلسرائيلي القديم والعدوان الصهيوني احلديث» يساوي املؤرخ بني الشر‬
‫اجلوهري والسر‪ ،‬غري أن املؤرخ ال يتقدم يف كشف السر كثرياً‪ ،‬وألن اليهودي عصي على التحول‪ ،‬يكون‬
‫عدوانه اجلديد امتدادا لعدوانه القديم‪ ،‬فيعود املؤرخ إىل العدوان القديم حبثا عما يضيء العدوان احلديث‪ ،‬يف‬
‫اخلطاب الذي خيلط التاريخ بامليتافيزيقا وميتافيزيقا الشر مبيتافيزيقا االنتصار ما يثري الفضول‪ .‬فاملؤرخ الراحل‬

‫‪190‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫الزم القضية الوطنية الفلسطينية‪ ،‬يف أطوارها املختلفة‪ ،‬انصرف بعد هزمية فلسطني‪ ،‬وملدة تتجاوز ثالثني‬
‫عاما‪ ،‬إىل تأمل تاريخ العرب واإلسالم‪.‬‬
‫يقيم دروزة اجتهاده على مبدأ التناظر‪ ،‬إذ احلديث حياكي القديم‪ ،‬وعلى مبدأ التكرار‪ ،‬إذ ما انتصر يف زمن‬
‫ال خيطئه االنتصار يف زمن الحق‪ .‬مل يكن دروزة سلطوي الطموح وان كان سلطوي اخلطاب‪ ،‬احتفى باملنفعة‬
‫التحريضية‪ ،‬املشغولة باهلزمية واالنتصار‪ ،‬وهمش‪ ،‬ليس غريبة‪ ،‬يف تصور سلطوي‪ ،‬أن يكون دروزة حكاء‬
‫يف موقع أراده مؤرخة‪ ،‬وأن يكون مؤرخة يف موقع شاءه حكاء احلقيقة»‪ ،‬اليت تبدأ من الواقع املشخص يف‬
‫أسئلته احملددة‪ ،‬بعد أن ترك دروزة «يومياته» مهجورة يف العراء والذ بالنعمة اإلهلية»‪ ،‬جاء غسان كنفاني‬
‫بيوميات جديدة‪ ،‬ترى إىل اإلنسان يف متاهة بؤسه الذاتي‪ ،‬دون نعمة أو نقمة‪ ،‬وتراه فوق أرض رخوة قاتلة‪،‬‬
‫هجرتها األصول املباركة‪ ،‬أو مل تلتق بها‪ .‬استدرك املؤرخ املغاير‪ ،‬يف «رجال يف الشمس» ‪ 1963 -‬ما أخطأه‬
‫املؤرخ اإلمياني‪ ،‬فاكتفى حباضر مكتف بذاته‪ ،‬وبأقدار عربية وفلسطينية بائسة‪.‬‬
‫حظيت «رجال يف الشمس» بدراسات متعاقبة‪ ،‬جددها مال الكاتب الذي اغتاله اإلسرائيليون‪ .‬توقف بعض‬
‫الدارسني أمام مجلة شهرية‪« :‬كان الفرار موتا»‪ ،‬واشتق منها ضرورة املقاومة‪ ،‬وتوقف بعض آخر أمام مجلة‬
‫أكثر شهرة‪« :‬ملاذا مل يقرعوا جدران اخلزان»‪ ،‬والتقى برسالة «األدب املقاوم»‪ ،‬وانصرف طرف ثالث إىل شواغل‬
‫تقنية تقيس الزمن الفاصل بني الدخول إىل اخلزان واخلروج منه إىل املقربة‪ .‬أعلنت الرواية عن بؤس عربي‬
‫طريف‪ ،‬يكرم القضية الفلسطينية ويقمع الوجود‬
‫الفلسطيين‪ ،‬وحيول الوجود املقموع إىل تهمة متجددة‪ .‬يكثف غسان الوجود الفلسطيين يف جماز‪ :‬امليت ‪-‬‬
‫احلي‪ ،‬الذي تشده احلياة إىل الرغيف وبشده الرغيف إىل املقربة‪ .‬كل فلسطيين‪ ،‬وبعد عقد من النكبة‪ ،‬حيمل‬
‫داخله خرابا داخليا‪ ،‬يأمر بالصرب واالنتظار‪ ،‬أو بتمرد بائس يستجلب املهانة‪ .‬يتكشف اجملاز يكشف اجملاز‬
‫يف شخصيات روائي متعددة‪ :‬الكسيحة اليت دفنت ساقها‪ ،‬السائق العنني الذي دفن رجولته‪ ،‬الكهل الذي‬
‫دفن أستاذه النجيب‪ ،‬الشاب املتمرد الذي استشهد والده قبل اخلروج‪ ،‬العم املتمسك بوعد ينتمي إىل زمن اندثر‪.‬‬
‫" انزلقت الفكرة من رأسه ثم تدحرجت على لسانه‪ :‬ملاذا مل يقرعوا جدران اخلزان؟"‪ .‬حتمل اجلملة دالالت‬
‫خمتلفة االجتاهات‪ ،‬وتستبقي سؤاال قلقا وقلق متسائال‪ :‬تؤكد خواء «الدليل‪ ،‬ذلك أن سؤاله‪ ،‬كما صمته‪،‬‬
‫ال يغري شيئا يف أحواله ويف أحوال اآلخرين‪ ،‬فال هو باجلالد السعيد وال بالضحية الشاكية‪ ،‬منذ أن اختلط فيه‬
‫املوت واحلياة‪.‬‬
‫ما الفرق بني املؤرخ‪ ،‬والروائي الذي يسائل التاريخ ويبحث عن معناه؟ ارتاح دروزة إىل أسطورة الضمان املبارك‪،‬‬
‫حجب بؤس احلاضر بسحر املاضي‪ ،‬ومتسك‪ :‬بثنائية النصر واهلزمية‪ ،‬اليت تكرر ثنائية احلق والباطل‪ ،‬فرتضي‬
‫اجلميع وتقبض على الفراغ‪ .‬يبدأ املؤرخ باليقني وينتهي به‪ ،‬متخذا من التحديد شرطة االزمة‪ ،‬وخمتز" السببية‬
‫التارخيية املتعددة العناصر إىل عنصر إمياني‪ ،‬يف مقابل اليقني‪ ،‬الذي خيرتع االنتصار من تاريخ خمرتع‪ ،‬يلجأ‬
‫الروائي إىل سؤال متعدد الطبقات‪« :‬ملاذا مل يقرعوا جدران اخلزان؟»‪ ،‬الذي يتوزع على الراوي والقارئ والضحية‬
‫واملتهم الذليل‪ ،‬ويرى الروائي إىل «إنسان حمتمل»‪ ،‬سلطته يف ذاته وإرادته متحررة من السلطات مجيعا‪ .‬يبدأ‬

‫‪191‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫من الدنيوي‪ ،‬يلمس الفرق بني املقاومة والفرار‪ ،‬ويفتش عن الفرق بني الغفلة واليقظة‪ ،‬ومييز عروبة البالغة من‬
‫عروبة أخرى‪.‬‬
‫‪ . 5‬املؤرخ والروائي‪ :‬عسف الرغبة ومنطق احلرية‪:‬‬
‫يف كتاب تتجاوز صفحاته اخلمس مائة‪ ،‬عنوانه‪« :‬البحث عن كيان»‪ ،‬قرأ د‪ .‬ماهر الشريف حقبة من تاريخ‬
‫فلسطني احلديث‪ ،‬متتد من عام ‪ 1908‬إىل ‪ .1933‬واالختيار ال تعسف فيه‪ ،‬وإن كان املؤرخ الوطين يقول بغري‬
‫ذلك‪ ،‬يبدأ بواقعة متميزة وينتهي حبدث تارخيي خطري‪ .‬والواقعة الوطنية ظهور صحيفة «الكرمل»‪ ،‬اليت أنشأها‬
‫جنيب نصار عام ‪ ، 1908‬وعيا منه خبطر صهيوني متصاعد‪ ،‬إن انتصر غري تاريخ فلسطني املوروث‪ ،‬وأدرجه‬
‫مغلوبة يف تاريخ غريب‪ .‬أخذ ماهر الشريف مبنهج التاريخ التتابعي‪ ،‬الذي يرد كل واقعة إىل أخرى قبلها ويعطفها‬
‫على واقعة الحقة‪ ،‬مؤكدة التاريخ مجلة من الوقائع املعروفة املرتاصفة‪ .‬كان ماهر الشريف‪ ،‬وهو خيتصر‬
‫عالقات كثرية معقدة إىل «الوثيقة»‪ ،‬يقوم مبا يقوم به غريه من املؤرخني‪ ،‬الذين يعثرون يف «الوثيقة» على إجابة‬
‫موضوعية عن أسئلة حمددة‪ .‬لقد انطوی كتاب ماهر الشريف على خطاب تربهن عليه الوثيقة وعلى وثيقة تدلل‬
‫على صحة الكتاب‪ ،‬أنتج كتاب «البحث عن كيان» خطاباً وطنياً سلطوياً‪ ،‬أو خطابا ال يكون وطنياً إال إن‬
‫كان سلطوياً‪ ،‬اتفاقا مع أحوال «احملتلني»‪ ،‬الذين يقتاتون باألمل واملقاومة‪ .‬واملؤرخ ال خيفى مقاصده‪ ،‬خيتزل‬
‫التاريخ الفلسطيين إىل التاريخ السياسي‪ ،‬وخيتزل التاريخ األخري إىل الفكر السياسي التنظيمي‪ ،‬وخيتصر‬
‫األخري إىل‪« :‬الوثيقة» الصادقة‪ .‬أخذ املؤرخ مبنهج إيديولوجي يلبيه قامعة يف ذاته‪.‬‬
‫اعتنق حممد عزة دروزة إميانية سعيدة متكئ على عنصرين‪ :‬يشتق أوهلما االنتصار من «الوعد احلق» وعروبة‬
‫االسالم‪ ،‬ويتجلى ثانيهما يف سلطة البداهة اليت تساوي بني السلطات العربية والعروبة‪ ،‬وبني العروبة واالنتصار‬
‫اليقيين على الصهيونية‪.‬‬
‫اقرتب ماهر الشريف من نتائج دروزة‪.‬‬
‫دار املؤرخان الفلسطينيان‪ ،‬رغم اختالف املنهج والتجربة‪ ،‬يف إشكال معقد قوامه سؤاالن متالزمان ال ميكن‬
‫الفصل بينهما بسهولة‪ :‬هل الكتابة التارخيية تكتفي مبقوالت احلق والعدالة والعدل النسيب والعدل املطلق أم‬
‫أنها عليها أن تتزود مبفاهيم نظرية مغايرة؟ هل يستطيع املقموعون أن يكتبوا تارخيهم دون أن يتوسدوا أمال‬
‫صافياً هو شرط استمرارهم يف الكتابة واحلياة؟ مع سؤاالن اختصرهما الفكر السياسي الفلسطيين» إىل‬
‫سؤال واحد واضح اإلجابة‪ ،‬أو مت ترحيلهما إىل جمادل اإلبداع األدبي) كما يف رواية غسان كنفاني القلقة‬
‫«عائد إىل حيفا»‪ ،‬أو يف اإلبداع الشعري الكبري الذي حيرر السؤال الفلسطيين من زمنه الضيق ويرسل به إىل‬
‫أزمنة أكثر اتساعة ‪ .‬بعد مرور مخسني عاما على قيام دولة إسرائيل‪ ،‬وسقوط بالغة عربية وصعود أخرى‪،‬‬
‫كتب السوري ممدوح عدوان رواية طويلة الصفحات عنوانها‪« :‬أعدائي»‪ .‬ورواية عدوان هي الرواية العربية األوىل‬
‫اليت تتأمل جذور الصراع العربي ‪ -‬اإلسرائيلي وآفاقه بشمول غري مسبوق‪ ،‬مستدركة ما يقوله املؤرخون‬
‫بشكل منقوص‪ ،‬أو ما ال يستطيعون قوله على اإلطالق‪ .‬تضيء الرواية الفرق بني تأريخ املؤرخني واملقاربة‬
‫الروائية‬

‫‪192‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫للتاريخ‪ ،‬إذ األول حماصر بالتشيع والرقابة‪ ،‬وإذ الثانية تستنطق الواقع املعيش وتندد مبا يكبله‪ .‬أقام «عدوان»‬
‫روايته على السلطة املستبدة‪ ،‬اليت ختلق اجملتمع عبدة وعدوا يف آن‪.‬‬
‫يتميز اجملتمع احلديث بتعددية املستويات اليت تبنيه‪ ،‬على خالف جمتمع السلطة املستبدة املكتفي مبرجع‬
‫أعلى»‪ ،‬ميحو املستويات مجيعا‪ .‬ولعل اللغة الفجة واملبتذلة‪ ،‬اليت أنطق بها «عدوان» طاغيته‪ ،‬هي التعبري األدق‬
‫عن مستبد مغلق يتلف الدالالت املنطقية‪ ،‬إذ القوة الكاسرة جملى لضعف أكيد والبطر السفيه مرآة لفقر ال‬
‫شفاء منه والصرخة الراعدة تعبري عن ذعر شديد‪.‬‬
‫تنتهي رواية «أعدائي»‪ ،‬وهي تتأمل استبداد ختتربه حرب خارجية‪ ،‬إىل أطروحتني‪ :‬تقول األوىل‪ :‬يضع املستبد‬
‫داخله كل شيء وال يرتك خلارجه شيئا إىل ما حيميه ويتلف ما تبقى‪ .‬يهدم املستبد معنى التاريخ وهو يقوض‬
‫القيم‪ ،‬ألن يف تكوين االستبداد وبنيته ما يبدد قيم احلرية والعدالة واملساواة‪ ..‬وتقول الثانية‪ :‬العدا اجلوهري‬
‫الوحيد يف نظام االستبداد هو القائم بني املستبد والرعية‪ ،‬يرى األول يف اخلارج عدوا له‪ ،‬وترى الرغبة يف‬
‫املستبد عدوا هلا‪ .‬ومع أن رواية «عدوان» متحورت‪ ،‬يف مستوى منها‪ ،‬حول الفرد املستبد‪ ،‬الذي ميثل مرتبية‬
‫صارمة‪ ،‬فقد أضاءت املستوى األول وأكملته بشكل مدهش‪ ،‬مبستوى ثان مواده املستبد بهم يف أحواهلم‬
‫املختلفة‪ .‬قرأت الرواية معنى السلطة يف هوامشها االجتماعية‪ ،‬وتأملت تالشي اهلوامش يف السلطة اليت تبتلع‬
‫كل شيء‪ .‬واهلوامش املهزومة‪ ،‬يف مراتبها املختلفة‪ ،‬هي اجلندي اجلائع والضابط الفاسد واألرواح القابلة للبيع‬
‫والشراء والعقول املستقيلة واإلرادات املشلولة واهليئات املزرية‪ ،‬وتلك النفوس اليت خيادعها الرغيف ويقودها إىل‬
‫املوت‪ .‬تعاملت رواية «أعدائي» مع مستبد ال زمن له‪ ،‬ورمبا يكون «عدوان»‪ ،‬بعد غسان كنفاني وسعد اهلل‬
‫ونوس‪ ،‬من األدباء القالئل الذين عاجلوا الشخصية الصهيونية برتو كبري‪.‬‬
‫يستطيع القارئ‪ ،‬املهموم بالقضية الفلسطينية‪ ،‬أن يقارن بني نصني ظهرا يف فرتة واحدة‪ ،‬أحدهما أجنزه مؤرخ‬
‫والثاني أنتجه روائي‪ ،‬وأن يقرأ الفرق بني النصني يف اجتاهات خمتلفة‪ .‬يبدأ املؤرخ من بداية القرن العشرين‬
‫ويصل إىل نهايته‪ ،‬موحية بالتغري والتطور والتقدم‪ ،‬كما لو كان العربي الفلسطيين أجرب اإلسرائيلي ــ‬
‫الصهيوني على الرتاجع‪ ،‬ولو قليال ‪ .‬ويكتفي الروائي بزمن جزئي‪ ،‬حدوده احلرب العاملية األوىل ووعد بلفور‪،‬‬
‫وخيلق بنية سلطوية مهزومة‪ ،‬تتحرر من زمنها الضيق وتعيش يف أزمنة الحقة‪ ،‬مبينة أن السلب العربي املتعدد‬
‫الذي نصر املشروع الصهيوني ال يزال قائما‪ .‬وبينما ينطلق املؤرخ من تصور السلطة‪ ،‬صارفاً موضوعية السياسة‪،‬‬
‫يتكئ الروائي‪ ،‬الذي ال حيب كثرياً اقتصاد اللغة‪ ،‬على املوضوعية التارخيية ويشتق السياسة من التاريخ‪،‬‬
‫كي يقول باستحالة السياسة يف جمتمع مقيد إىل املراتب و«الرجال»‪ .‬والفرق الثالث‪ ،‬وليس األخري لزومه‪ ،‬قائم‬
‫يف االختالف بني «وثيقة»‪ ،‬يقبل بها املؤرخ بال نقد أو مساءلة‪ ،‬و«وثيقة» أخرى»‪ ،‬يقارنها الروائي بوقائع احلياة‪،‬‬
‫وجيعل من الوقائع احلياتية مرجعا للوثائق املمكنة‪.‬‬
‫أجنز ماهر الشريف‪ ،‬املثقف الوطين النزيه‪ ،‬كتابة أملته‪ ،‬رمبا‪ ،‬الضرورة وطبقات احلصار‪ ،‬ورأى يف ما رأي‪،‬‬
‫أن الشعب الفلسطيين يساوي كيانيته الوطنية‪ ،‬وأن األخرية تعادل مرجعها التنظيمي ــ السياسي‪ ،‬وأن ال أفق‬
‫للمرجع بال سلطة فوق جزء من الوطن‪ .‬وهو يف هذا‪ ،‬يطرح عالقة النص بالسياق‪ ،‬اليت إن بدت اجتهادا نظرية‬

‫‪193‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫يف حلظة تبدت يف حلظة الحقة تصورا أيديولوجية حمضة يقمع النتائج واملقدمات‪ .‬يف مقابل ذلك‪ ،‬كتب ممدوح‬
‫عدوان نصة قوامه احلرية‪ ،‬حييل على سياق جزئي حمدد ويضع فيه أزمنة أخرى‪ .‬لكأن املؤرخ اختصر أزمنة‬
‫أساسية متعددة إىل زمن جمزوء‪ ،‬تاركا الروائي يستولد من «الزمن اجملزوء» أزمنة طليقة أساسية‪.‬‬
‫‪ . 6‬تنبؤ املؤرخ وبصرية الروائي‪:‬‬
‫وضع قسطنطني زريق‪ ،‬عام ‪ ،1959‬كتابة نرية عنوانه «حنن والتاريخ»‪ ،‬يعارض فيه «سحر املاضي» اآلفل‬
‫بإمكانيات املستقبل املفتوحة‪ .‬كان يف الكتاب دعوة حكيمة إىل التمييز بني املتوهم واحلقيقي يف ماض‬
‫بعيد‪ ،‬وإىل التعرف على حاضر مليء باحتماالت خمتلفة‪ ،‬بيد أن اهلزمية اليت طوت احتماال ونشرت رايات‬
‫احتمال مغاير‪ ،‬الزمت العامل التاريخ» عام ‪ 1975‬بوضع كتاب جديد ‪« :‬حنن واملستقبل» انطلق زريق‪ ،‬يف حنن‬
‫واملستقبل»‪ ،‬من فرضية «عربية» مشتهاة تقول ب‪ :‬قومية املعركة ووحدة املصري رأی زريق غايتني جليلتني‪:‬‬
‫الوحدة العربية‪ ،‬وحترير األراضي املغتصبة‪ ،‬ارتكن زريق يف شرحه املتمهل على عنصرين‪ ،‬يذكر أحدهما‬
‫ببعض بؤس احلاضر العربي‪ ،‬وحييل ثانيهما على أنظمة تعيش املستقبل وتذهب إليه‪.‬‬
‫يدير زريق حديثه يف جمال «اجملتمع العلمي»‪ ،‬الذي تفضي علميته يف احلاضر إىل علمية أكثر تقدما يف‬
‫املستقبل‪ .‬دافع زريق عن «اجملتمع العلمي» ويناشد األنظمة العربية‪ ،‬إن أرادت أن تعيش يف املستقبل وأن تتعايش‬
‫معه‪ ،‬أن تأخذ بالعلم منهجا حياتي كامال‪ ،‬إنه يبشر بإنسان عربي جديد‪ ،‬ويرى مجاع العالقات اجلديدة يف‬
‫"الرأمسال البشري الفاعل"‪ ،‬وضع زريق يف خطابه التبشريي نربة مزدوجة‪ :‬نربة إرشادية نصوح لينة‪ ،‬تقول‬
‫بالتنظيم واإلرادة احلازمة والتحديث واملسؤولية األخالقية‪ ،‬ونربة هجائية حمتجبة تعظم اجملتمع العلمي‪.‬‬
‫ال خيتلف اإلشكال النظري يف «حنن واملستقبل»‪ ،‬كما هو احلال يف حنن والتاريخ‪ ،‬عن ذاك الذي أقام عليه‬
‫حسنني كتابه «مستقبل الثقافة يف مصر»‪ ،‬وإن كان زريق‪ ،‬القومي العربي احلاسم‪ ،‬استبدل به احلضارة‬
‫املتوسطية قومية عربية حمتملة النهوض‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬فبني نربة طه حسني الصرحية اجلهرية ونربة زريق الدمثة‬
‫املتساهلة فرق كبري‪ ،‬هلذا ال يواجه زريق «الشرق الالهوتي» به الغرب العلمي‪.‬‬
‫ينطوي كتاب «حنن واملستقبل» على وضوح جمزوء وينتهي إىل تفاؤل جمزوء أيضا‪ .‬من «روح العصر»‪ ،‬وهو تعبري‬
‫غامض مريح‪ ،‬استقى املؤرخ تفاؤله‪ ،‬حني رأى أن عملية التحديث تكتسح الشعوب النامية كلها‪.‬‬
‫وضع قسطنطني زريق كتابه بعد سبع سنوات من حرب حزيران‪ ،‬اليت أنهت «القرن العربي» قبل نهايته بثالثة‬
‫وثالثني عاما‪.‬‬
‫وبسبب خطاب حتريضي‪ ،‬يساوي بني التنبؤ والتفاؤل‪ ،‬مل ير « علم التاريخ» ما رأته الرواية اليت زامنت الكتاب‪.‬‬
‫ففي منتصف سبعينيات القرن املاضي وما تاله من سنوات قليلة ظهرت رواية صنع اهلل إبراهيم اللجنة احملدثة‬
‫عن سلطة تهزم اجملتمع‪ ،‬ورواية الغيطاني‪« :‬وقائع الزعفراني»‪ ،‬اليت تسرد أحوال جمتمع ضربة العقم والبوار‪،‬‬
‫ورواية اجلزائري الطاهر وطار «الالز»‪ ،‬املنددة بثائر وطين» يفتنه جتانس البشر‪ ،‬ورواية العراقي فؤاد التكرلي‬
‫«الرجع البعيد »‪ ،‬اليت ترثي جمتمعاً أدمن االغتصاب‪ ،‬ورواية السوري هاني الراهب‪« :‬الوباء»‪ ،‬حيث السلطة يف‬

‫‪194‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫ذاتها وباء هالك‪ ..‬تقاسم املؤرخ مع غريه قوال مسيطرة‪ ،‬وقال الروائي حبقيقة ختتصر «الغري» إىل سلطة وشعب‬
‫مقموع‪.‬‬
‫اشتق املؤرخ املستقبل من املستقبل‪ ،‬أو من «حاضر» مل يأت مستقبلي الغايات‪ ،‬واستولد الروائي املستقبل من‬
‫حاضر حمدد أقرب إىل الكابوس‪ .‬بقي القول الروائي دائما انعكاسا لواقع متدهور مرفوض‪ ،‬ألن الروائي‪،‬‬
‫وعلى خالف املؤرخ‪ ،‬يضع التاريخ احلقيقي يف احلاضر املعيش‪.‬‬
‫قدم حممود الورداني يف «أوان القطاف» رؤية للتاريخ وتأويال له‪ ،‬معتمدا على معارف تارخيية تنتمي إىل أزمنة‬
‫خمتلفة من التاريخ العربي‪ ،‬فال مستقبل وال ما يصنع» املستقبل منه‪ ،‬طاملا أن احلاضر يعيد «صناعة املاضي»‪،‬‬
‫وأن املستقبل يزاول صناعة» ال جدة فيها‪ .‬تستهل الرواية براكب أخري يلحق بعربة أخرية يف قطار أخري‪ ،‬يتهيأ‬
‫الستقرار مرغوب ال ترحال فيه وال سفر‪ ،‬بيد أن املسافر‪ ،‬املتعطش إىل الراحة‪ ،‬يفقد رأسه صدفة‪ ،‬أغلق ‪،‬‬
‫الورداني‪ ،‬روايته بشكل غائم‪ ،‬فقد عثر الرأس املستباح على فتاة صغرية أنزلته عن سدة عذابه‪ ،‬وولت هاربة‪.‬‬
‫أجنز اجملتمع العربي‪ ،‬بعد مخسة وعشرين عاما‪ ،‬نقيض ما طمع به قسطنطني زريق‪ ،‬فبديال عن الدميقراطية‬
‫والعقالنية والعلمانية والعقلية العلمية انتصر الذبح اجملاز‪ ،‬الذي يستلهم وجود املاضي املظلمة‪ ،‬ويقطع رأس‬
‫القيم و«أبي اهلول» واإلنسان احلامل‪.‬‬
‫تتأسس رواية «ليلة عرس»‪ ،‬يف مستواها الظاهري‪ ،‬على جماز‪ :‬التشوه‪ ،‬حيث القامات املشوهة مرآة ألرواح‬
‫أكثر تشوها‪ ،‬والنفوس املعوجة جملى جملتمع مبتور السواء‪ .‬يدور الفعل الروائي يف «ليلة عرس» يف وسط‬
‫اجتماعي متجانس يف تداعيه ومتداع يف جتانسه‪ ،‬ال فروق فيه بني «الشواذ» والسواء‪ ،‬وال بني «املتدين» ومن‬
‫أدار ظهره للدين‪.‬‬
‫تندد رواية «الورداني» و«يوسف أبو رية» بسلطة هزمت جمتمعها‪ ،‬ومبجتمع اطمأن إىل السلطة املهزومة‪ .‬ترتاءى‪،‬‬
‫يف احلالني‪ ،‬نهاية توحد بني اجملتمع والسلطة وتقودهما إىل الكارثة‪ .‬حتدثت رواية «أوان القطاف» عن انتقال‬
‫كارثي من زمن إىل آخر مصرحة بكارثة اخرية حمتملة‪ ،‬واشتقت ليلة عرس » الكارثة من زمن اجتماعي‬
‫جمزوء سخت الرواية األوىل من كوارث مرتاصفة كارثة كربى وأرسلت بها إىل املستقبل وانتهت الرواية الثانية‬
‫حبيز راهن‪ ،‬صغري ورأت به إىل كارثة قادمة ‪ ،‬خترب الروابتان عن معنى النهاية يف جتانس مهزوم يعلن عن نهاية‬
‫التاريخ مع نهاية التناقضات اليت تصنعه‪ ،‬وحيتشد التنبؤ الروائي‪ ،‬بتشاؤم مطلق ‪ ،‬ولعل وطأة التشاؤم‪ ،‬اليت‬
‫تلف العالقات مجيعا بعتمة قابضة‪ ،‬هي اليت تلزم الرواية بتقنية اجملاز‪ ،‬تُدرس الروايتان السابقتان‪ ،‬معنى‬
‫ومبنى‪ ،‬من وجهة نظر النهاية الكارثية‪ ،‬حيث املوت هدف واهلرب من «البلدة الظاملة‪ ،‬أفق صعب وحيد‪ ،‬ويف‬
‫«حكايات اخلبيئة» يستأنف الغيطاني تنديده بالسلطة‪ .‬الذي استهله «الزيين بركات»‪ ،‬يف زمن خمتلف‪.‬‬
‫أقام مجال الغيطاني روايته «حكايات اخلبيئة» على املبدأ الثاني الذي يرتجم االنتقال من فساد النظام إىل نظام‬
‫الفساد‪ .‬الذي يفضي احلاضر الفاسد إليه‪ ،‬كأن الروائي يستقدم املؤرخ ويستبعده‪ :‬يستقدمه وهو يرصد طبيعة‬
‫السلطة السياسية يف شخصيات متداعية قوامها السقوط واالحنالل‪ ،‬ويستبعده ناسجا قوله من السخرية‬

‫‪195‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫واحلكايات املتوازية املتقاطعة ومتخيل عارف ينفذ إىل القلوب والسرائر‪ .‬وواقع األمر‪ ،‬أن الروائي‪ ،‬وهو يصوغ‬
‫بنية سلطوية كارثية‪ ،‬ينفذ إىل موضوعه‬
‫من جهات متعددة‪ ،‬تشتمل على التقرير واحملاكاة السخرية والفنتازيا‪.‬‬
‫متتى قسطنطني زريق مستقبال عربية‪ ،‬اشتقه من الرغبة ال من املعرفة‪ ،‬وأبصر الروائي مستقبال آخر‪ ،‬مرجعه‬
‫املعيش املتنوع‪ ،‬الذي خيذل األماني‪ ،‬نبيلة كانت أو طارئة‪.‬‬
‫‪ . 7‬الرواية وتاريخ املقموعني‪:‬‬
‫يكتب مؤرخ األنظمة املغلقة تارخيا كليا‪ ،‬متجانساً‪ ،‬يوحد احلاكم واحملكوم بتاريخ مشرتك ال تباين فيه‪،‬‬
‫ويوحد احلاضر واملاضي بتاريخ ال يعرف االنفصال‪ .‬يطغى الكل‪ ،‬يف الكتابة السلطوية‪ ،‬على أجزاء ال سلطة‬
‫هلا‪ ،‬ويسيطر حاضر السلطة على ما فاته من األزمنة‪ .‬هلذا يقوم التأريخ السلطوي على اخرتاع مزدوج‪ :‬خيرتع‬
‫جتانس احلاكمني واحملكومني الذي ال وجود له‪ ،‬وخيرتع زمنا فاضال متواصال يُجانس ماضيه حاضرة‪ ،‬ويف‬
‫كتابة تارخيية ترى يف املرجع السلطوي تعبرياً‬
‫عن روح مجاعية‪ ،‬وترى يف احلاضر ابناً جنيباً للماضي أو أباً له‪.‬‬
‫تلتمس السلطة الكلية شرعيتها يف ماض بعيد‪ ،‬مستعملة إشارات تارخيية جليلة ينتسب إليها احلاكم‬
‫واحملكوم‪ ،‬قوامها الفضائل واحلق واالنتصار‪ .‬حيقق املاضي البعيد‪ ،‬الذي تستدعيه السلطة الكلية وتنتسب‬
‫إليه‪ ،‬أكثر من وظيفة‪ :‬فهو احليز الذي تلتمس السلطة فيه شرعية منعها عنها احلاضر املعيش‪ ،‬وهو املوقع‬
‫املوافق الذي حيتضن «التاريخ املشرتك»‪ ،‬يفضي حتريم التفكري‪ ،‬يف السلطات الكلية‪ ،‬إىل إلغاء الفكر‬
‫وترحيل التفكري إىل سلطة تفكر عن اجلميع‪ .‬وهذه السلطة‪ ،‬اليت حتتكر الكالم والكتابة‪ ،‬متلي تارخيا‬
‫مجاعياً هو تارخيها اخلاص‪ .‬تتبادل السلطة والعلم احلق املواقع مبا‬
‫يسبغ عليهما اإلجالل والقداسة‪ ،‬ومينع عنهما النقد واملطاولة‪ ،‬وال متنع الكتابة السلطوية‪ ،‬اليت حتتكر‬
‫تسجيل التاريخ املشرتك‪ ،‬املقموعني من سرد تاريخ مواز بوسائل متناثرة‪ ،‬فيسددون إىل السلطة ضربات قوية‬
‫بقبضات ضعيفة‪ ،‬هنا ينجز املقموعون يف حياتهم املعلنة واملسترتة أرشيفاً غنياً مجيال سريع التطاير‪ ،‬أرشفة‬
‫شفهية‪ ،‬ورمبا تكون الرواية‪ ،‬كتابة نوعية تقتفي آثار األرشيف الشعيب‪ .‬تبدأ الرواية‪ ،‬وهي تعرتف باملساواة‬
‫بني البشر‪ ،‬مبتعدد إنساني يقبل باملنحرف والسوي واحلكيم واملعتوه والنبيل واألفاق واملغتبط البليد واملغرتب‬
‫الذي ال شفاء له‪ .‬تنزع الرواية‪ ،‬بهذا املعنى‪ ،‬إىل كتابة تاريخ الذين ال يكتب تارخيهم أحد‪،‬فالروائي‪ ،‬وهو‬
‫يرتجم أحوال غريه‪ ،‬يكتب بلغة يفكر بها‪ ،‬تقرتب من املرتجم عنه وتبتعد عنه‪ ،‬وفقا ملوقع الروائي‪ ،‬تكتب‬
‫الرواية تاريخ املقموعني وال تكتبه‪ :‬تكتبه وهي تقتفي آثار األرشيف الشعيب املتناثر‪ ،‬الذي يبقى متناثرة‪ ،‬وال‬
‫تكتبه حني تعطف اختصاص الكتابة على أوجاع املقموعني‪ ،‬مستلهمة لغة من مكتبات سلطوية قدمية‪ .‬ولعل‬
‫هذه التجربة‪ ،‬اليت توحد بني القارئ والروائي أو تفصل بينهما‪ ،‬هي تلك اللغة املتوسطة»‪ ،‬اليت حتدث عنها عبد‬
‫الرمحن منيف‪ ،‬أكثر من مرة‪ ،‬ومارسها يف رواياته بأشكال خمتلفة‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫يتضمن تاريخ املقموعني»‪ ،‬يف أشكال كتابية‪ ،‬إشكاال مزدوجة‪ ،‬حييل أحدهما على موضوع الكتابة‬
‫وثانيهما على الذي يكتبها‪ .‬كتبت الرواية العربية‪ ،‬اليت حققت وحدة الكتابة واالحساس‪ ،‬تارخيا مقموعاً‬
‫وأدمنت على كتابته‪ ،‬ذلك أن احلرية‪ ،‬اليت وأدتها احلداثة العربية املخفقة‪ ،‬شرط حتقق اإلنسان والكتابة‬
‫الروائية معا‪.‬‬
‫وما كتابات جنيب حمفوظ و عبدالرمحن منيف وبهاء طاهر والياس خوري وغريهم‪ ،‬إال آية على التاريخ اآلخر‪،‬‬
‫الذي تكتبه الرواية ويرغب عنه املؤرخون‪ ،‬فما تقول به الكتابة الروائية املاكرة ال يصرح بها العقالء‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬التاريخ يف الرواية‬
‫جنيب حمفوظ‪ :‬الرواية التارخيية‪:‬‬
‫خفة التاريخ وسطوة املصادفة‪:‬‬
‫يلتقي جنيب حمفوظ بالتاريخ ويلتقي األخري به‪ ،‬غري مرة‪ .‬يلتقي األول بالثاني وهو يعطي الرواية العربية والدة‬
‫واضحة فزمن احلداثة االجتماعية الذي وعدت به الرواية الوليدة تساقط الحقاً‪ ،‬أن حمفوظ‪ ،‬الذي عاش قرناً‬
‫وكتب نصف قرن‪ ،‬شاهد على زمن مليء بالوعود‪ ،‬وعلى أزمنة متعاقبة أخلفت الوعود السابقة‪ ،‬يلتقي التاريخ‬
‫مبحفوظ‪ ،‬الذي درس الفلسفة وكتب مقاالت فلسفية‪ ،‬يف مواقع غري مرحية وأخرى جمردة من األمان‪ :‬استنكر‬
‫قتام احلاضر‪ ،‬وهو يتأمل ملكا عابثا وسيطرة‬
‫إجنليزية‪ ،‬وذهب إىل زمن الفراعنة املضيء‪ ،‬ومتسك بثورة ‪ 1919‬ورأى فيها مرجع‪ ،‬واحتفى بثورة ‪ 1952‬وظفر‬
‫منها باحلبوط‪ ،‬وزلزلت كيانه هزمية ‪ 1967‬وعايشها ولودة ال تعرف الرحيل‪ .‬كتب حمفوظ عن أزمنة متعاقبة‪،‬‬
‫ومل ير ما يرغب‪ ،‬متوسط وحدة النص والسياق‪ ،‬تنقض رواية حمفوظ‪ ،‬وهي حتتفي باحلياة أزمنة مسكونة‬
‫بالفساد‪.‬‬
‫ليس يف اللقاء املتعدد الوجوه ما يبعث على الغرابة‪ ،‬فاجلنس الروائي حييل على التاريخ‪ ،‬والتاريخ كثيف‬
‫احلضور يف الوقائع اليت زامنها الروائي‪ ،‬وإىل دراسة التاريخ مال حمفوظ شاباً وكرس له وقتا طويال‪ ،‬حني‬
‫سأل رجاء النقاش جنيب حمفوظ عن العالقة بني الرواية والتاريخ أجاب الثاني‪« :‬يف رأيي أن العالقة وطيدة‪،‬‬
‫فالرواية عبارة عن استعراض للحياة اليومية بكل مشاكلها وقضاياها وأشخاصها ‪ ..‬هذا جزء من التاريخ مل‬
‫يكتبه املؤرخون‪ ،‬ثم أن التاريخ عبارة عن أحداث وأشخاص وتفسري ورؤية والرواية كذلك‪ ،»..‬وحمفوظ الذي‬
‫رأى اهلزمية قبل غريه‪ ،‬يكتب عن خملوقات حماصرة‪ ،‬وعن أخرى تبدو حرة وال تنجو من احلصار‪ ،‬مؤمنة‬
‫بلحظة عادلة مؤجلة‪ :‬يستدرك قصور املؤرخ مرتني‪ :‬مرة أوىل حني يكتب عن املخلوقات املسكينة اليت زهد بها‬
‫املؤرخ‪ ،‬ومرة ثانية حني يتكئ على معرفة تارخيية واسعة ويذيبها يف رؤية روائية‪.‬‬
‫على الرغم من أسباب «خارجية‪ ،‬أمنت حوار الروائي والتاريخ‪ ،‬فإن يف فلسفة حمفوظ ما يستدعي التاريخ‬
‫وحيرص على بقائه‪ .‬فالسياسة كما يصرح الروائي‪ ،‬الزمت أعماله الروائية‪ ،‬ولعل شغف حمفوظ بفكرة العدالة‬
‫قاده إىل تأمل األنظمة السياسية املتعاقبة‪ ،‬يلتقي التاريخ برواية حمفوظ وهي تالحق أنظمة سياسية عصية على‬
‫التغيري‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫تبدأ الرواية بالتاريخ وتستبقي شظاياه‪ ،‬ذلك أن اإلنسان‪ ،‬وهو شظية عابرة‪ ،‬ال يذكر ما كان إال بعد فوات‬
‫األوان‪ .‬يقول حمفوظ‪« :‬بطلي هو الزمن»‪ ،‬مكثفة معنى التاريخ واإلنسان‪ .‬ميحو الزمن اإلنسان الذي ميحو‬
‫ذاكرته التاريخ‪ ،‬وتتأمل الرواية حمواً مزدوجاً‪ ،‬مستبقية الزمن ومأساة خمادعة‪ ،‬ختلق ذاكرة اإلنسان وتزيلها‬
‫يف آن‪ .‬حني يتذكر حمفوظ» زمن مضى شده إىل املرحلة الفرعونية» يقول‪« :‬كنت قد قرأت يف تاريخ مصر‪،‬‬
‫قررت أن أكرس حياتي لكتابة تاريخ مصر بشكل روائي‪ ....‬لكن هذه الرغبة‪ ،‬أو هذا الدافع مات بعد رواية‬
‫كفاح طيبة‪ ،‬ماتت الرغبة‪ ،‬كما حدث إثر انتهائي من كتابة الثالثية‪ ،‬مات التاريخ‪ ،‬ما الذي أحياه‪ ،‬ما‬
‫السبب يف موته؟ ال أدري‪.‬‬
‫التاريخ البعيد وعبث األصول‪:‬‬
‫أراد حمفوظ‪ ،‬يف مطلع حياته األدبية‪ ،‬أن يضع تاريخ مصر يف رواية متعددة األجزاء‪ ،‬تبدأ من زمن الفراعنة‬
‫وتنتهي إىل ثورة ‪ .1919‬أراد حمفوظ‪ ،‬الوفدي الشكوك أن يكتب رواية السياق‪ ،‬مرتكن إىل رواية تارخيية‪،‬‬
‫مراجعها روح الشعب واالنبعاث القومي واملاضي اجمليد‪ .‬يقول حمفوظ‪" :‬كانت أعمالي األوىل عبارة عن روايات‬
‫تارخيية كتبتها تأثراً بقراءاتي يف التاريخ الفرعوني القديم‪ .‬لقد قاد السياق والقراءة الروائي الشاب إىل رواية‬
‫تارخيية تشبه‪ ،‬ظاهرية‪ ،‬رواية جورجي زيدان‪ ،‬وال تشبهها‪ ،‬ذلك أن حمفوظ كان يكتشف يف روايته التارخيية‬
‫منظوره للعامل ومعنى الرواية‪ ،‬اليت ترحل إىل أزمنة خمتلفة وتتمسك مبأساة اإلنسان‪ ،‬ذهب حمفوظ إىل «مصر‬
‫القدمية» احتجاجا على احلاضر‪ ،‬وحبثاً عما يضيء وجوهه‪ ،‬فوضع يف املاضي أسئلة من احلاضر‪ ،‬وواجه‬
‫احلاضر بإجابات مؤجلة‪ .‬فما اقرتفته سلطة اليوم املتداعية اقرتفته «سلطة مضيئة» منذ زمن سحيق‪ .‬آثر حمفوظ‬
‫أن يكتب «رواية تارخيية» أخرى‪ ،‬تضع يف املاضي إشكاال من احلاضر‪.‬‬
‫كتب حمفوظ «عبث األقدار» ‪ -1939-‬ورادوبيس» ‪ -1943-‬اليت أهلته جلائزة جممع اللغة العربية‪ ،‬و«كفاح‬
‫طيبة» ‪ ،1944 -‬وأضاف إليها «قصة تارخيية‪ ،‬بعد أربعة عقود هي «العائش يف احلقيقة ‪ -1985-‬مرسال حتية‬
‫متأخرة إىل أخناتون‪ .‬ومع أن حمفوظ‪ ،‬الشغوف بالعلوم وباملنهج العلمي‪ ،‬أقام روايته على مادة معرفية دقيقة‪،‬‬
‫تعرف املاضي قبل أن تعيد خلقه‪ ،‬فقد جاءت روايته «أمثولة أدبية» عن احلاضر والسلطة اليت تعبث به‪.‬‬
‫تبدأ «عبث األقدار»‪ ،‬مبا تبدأ به «رواية األصول»‪ ،‬أي بالفردوس املفقود‪ ،‬تعد البداية الفاتنة بنهاية أكثر فتنة‪،‬‬
‫وتبشر العظمة ينقضي‪ .‬غري أن حمفوظ‪ ،‬الذي يشري إىل اجتاه ويذهب إىل آخر‪ ،‬يزهد سريعاً بالفردوس‬
‫الفرعوني‪ ،‬وخيتار حكاية تسفه فرعون وتعبث به‪ .‬يستهل الروائي‪ ،‬الذي سخر من عباس العقاد حني هون من‬
‫شأن الرواية‪ ،‬حكايته التارخيية بزمن أسطوري جتوس فيه اآلهلة‪ ،‬وينقض‪ ،‬الحقا‪ ،‬احلكاية والزمن الذي‬
‫استهلها‪ :‬ينقض األسطورة وهو يعطف عليها سلطة قاتلة‪ ،‬وينقض احلكاية التارخيية وهو يصرف التاريخ‬
‫اإلنساني» صرفا كامال مستدعية القدر‪.‬‬
‫تليب سطوة القدر يف رواية حمفوظ غايتني‪ :‬تكشف عن مأزق اإلنسان يف الوجود‪ ،‬وهو موضوع متواتر يف روايات‬
‫حمفوظ الالحقة‪ ،‬وتسخف السلطة املتجربة املفتونة بالعقاب‪ .‬تطارد السلطة اإلنسان‪ ،‬ويطارد القدر اإلنسان‬
‫املتسلط‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫بنى حمفوظ روايته األوىل على الصراع بني القدر واحلذر‪ ،‬واشتق منها مأساة وملهاة معا‪ .‬ظهرت املأساة يف وضع‬
‫اإلنسان الذي يظن أنه يعرف وهو ال يعرف‪ ،‬ويعتقد أنه قادر وهو مقيد إىل عجزه‪ ،‬ويتوهم أنه يسيطر على‬
‫احلاضر واملستقبل وهو ال يسيطر على شيء‪ ،‬وتتجلى امللهاة يف الصراع بني املرئي واحملتجب وبني السيف‬
‫واملصادفة‪ ،‬أو بني القدر واحلذر اإلنساني‪ .‬يضع حمفوظ يف السلطة املأساة الضرورية‪ ،‬فهي تلتمس الراحة‬
‫واألمان يف قتل اآلخرين‪ ،‬ويضع فيها امللهاة الالزمة‪ ،‬فهي تقتل وال تظفر باألمان أبدأ‪ ،‬وهو ينظر إىل اجتاه‬
‫وحياور اجتاهاً مغايرة‪ .‬أراد‪ ،‬أوال‪ ،‬أن يكتب قصة تارخيية تنقد احلاضر‬
‫وحترض على تغيريه‪ ،‬وعثر عليها يف «حكايات هورديدف»‪ ،‬الواسعة االنتشار يف مصر القدمية‪.‬‬
‫أعلن حمفوظ عن هدفني حمددين‪ ،‬ووصل إىل قولني مغايرين‪ :‬أراد بعث الروح القومية ونصب القدر بطال مطلقا‬
‫ال يضارع‪ ،‬وذهب إىل املاضي املضيء وعثر على سلطة قاتلة‪ ،‬تظل متهمة بالقتل حني تسرتجع حكمة متأخرة‪.‬‬
‫لن يأتي حمفوظ إال جبديد حمدود يف روايته الثانية «رادوبيس»‪ ،‬اليت أخذها عن أسطورة رواها املؤرخ اليوناني‬
‫هريودتس عن مصري الفرعون الشاب «فرينرا» ‪ 2150-‬ق‪ .‬م‪ ،-‬الذي أخل بتوازن سلطوي موروث وانتهى إىل‬
‫الكارثة‪ .‬تبدأ الرواية بفكرة حمفوظ عن املاضي الفرعوني املضيء‪.‬‬
‫عاجل حمفوظ يف روايته األوىل إشكال احتكار السلطة ونقلها‪ ،‬مستعينا بالقدر من األسرة احلاكمة إىل فرد‬
‫من خارجها‪ ،‬مستنكرة سلطة مغلقة توازي الشعب وال تلتقي به‪ .‬استأنف‪ ،‬يف روايته الثانية‪ ،‬موضوعه األثري‪،‬‬
‫من وجهة نظر الواحد واملتعدد‪ ،‬حيث احلكم الواحد يفضي إىل الكارثة‪ ،‬واحلكم املتعدد يؤمن االستقرار‪،‬‬
‫تبدأ الرواية مبوضوع وتغلق صفحاتها األخرية على موضوع آخر ‪ :‬تبدأ بــ "آبو عاصمة مصر" ذات البنيان الشامخ‪،‬‬
‫وتنتهي جبثة مسجاة يناجيها عاشق مهجور خمذول‪.‬‬
‫كفاح طيبة» هي الرواية الثالثة واألخرية يف املرحلة الفرعونية»‪ ،‬اليت مات بعدها التاريخ»‪ .‬رواية وطنية‬
‫حتريضية‪ ،‬تليب شروط «الرواية التارخيية»‪ ،‬باملعنى التقليدي‪ ،‬بامتياز‪ .‬تذكر باجملد القديم‪ ،‬إن "كفاح طيبة"‬
‫رواية غري حمفوظية على اإلطالق أمالها سياق وطين معني‪ ،‬منع عنها مقولتني حمفوظيتني أساسيتني هما‪ :‬وباء‬
‫السلطة وسلطة األقدار‪ .‬ورمبا يكون «انزالق» الروائي إىل موضوع ال يأتلف معه‪ ،‬قوامه االنتصار والسلطة‬
‫املنتصرة‪ ،‬هو ما صرفه عن العصر الفرعوني املضيء‪ ،‬إن حمفوظ‪ ،‬وكما قال‪ ،‬مل يكن دقيق التوثيق يف‬
‫روايته هذه‪ ،‬تبدو روايات املرحلة الفرعونية لبعض النقاد‪ ،‬والرواية األوىل خباصة‪ ،‬جزئية القيمة‪.‬‬
‫مهما تكن مراجع حمفوظ الفكرية املفرتضة‪ ،‬وقد تتضمن هيجل والتصوف اإلسالمي‪ ،‬وهو ما تعلن عنه‬
‫لطيفة الزيات‪ ،‬فإن القول املأثور‪« :‬احلذر ال يعين عن القدر» خيرتق أعمال حمفوظ‪ ،‬حميط على اجلربية والقدرية‬
‫والضرورة العليا‪.‬‬
‫يطرح تصور حمفوظ‪ ،‬يف "عبث األقدار" وروايات أخرى‪ ،‬أسئلة عن معنى اإلنسان واحلرية وداللة التاريخ‪ .‬تتداعى‬
‫داللة التاريخ يف مسار إنساني متداع‪ ،‬تسوقه املصادفات املتواترة‪ ،‬ذلك أن التاريخ «احلقيقي هو ما صاغه‬
‫اإلنسان‪ ،‬وواقع األمر أن حمفوظ مل يبدأ بالقدر والقدرية واحلتمية اليت ال ترد وينتهي إىل اإلنسان املخفق‪ ،‬إمنا‬
‫بدأ من هشاشة الوجود اإلنساني ووصل إىل سطوة القدر‪ .‬وهذا التصور هو الذي أفضى به إىل فكرة القدر‬

‫‪199‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫الشامل املأساوي‪ ،‬يؤمن الروائي بقدر عات وبإنسان يتمرد على القدر‪ ،‬وال ينتهي إىل شيء‪ ،‬ألن مترده خمفق‬
‫منذ البداية‪.‬‬
‫تعامل حمفوظ مع «الرواية التارخيية»‪ ،‬فقبل بشروطها يف رواية واحدة‪" :‬كفاح طيبة" وابتعد عن الشروط يف‬
‫العملني اآلخرين‪.‬‬
‫ثالثية حمفوظ‪:‬‬
‫التاريخ القريب وعبث املعنى‪:‬‬
‫يف عام ‪ ،1945‬بدأ حمفوظ رواية يف ألف صحة وأكثر هي‪ :‬الثالثية‪ ،‬انتقل حمفوظ من «كفاح طيبة إىل‬
‫مشارف القرن‬
‫العشرين‪ ،‬دون أن ينسى «عبث األقدار»‪ ،‬الذي يرى فصورة ذهبية ينتظرها احلريق‪ .‬أكثر من سبب قاد حمفوظ‬
‫إىل ثورة ‪ :1919‬عاشها صبياً وكونته فكريا ورنا إليها‪ ،‬الحقا‪ ،‬حبنني ال ينقضي‪ ،‬تؤكد اإلشارة الواسعة إىل‬
‫ثورة ‪ 1919‬ثالتية حمفوظ رواية تارخيية‪ ،‬أو رواية حتاور موضوعا تارخيية متميزة‪ ،‬قبل أن حيوهلا الروائي إىل‬
‫وثيقة ضخمة متعددة األقنعة‪ ،‬خترب الرواية‪ ،‬ومن صفحتها الثالثة عشرة عن موضوعها «التارخيي»‪ ،‬متوسلة‬
‫أحداث السلطة مرجعاً ووقائع أخرى‪ ،‬تشتق من الثورة الشهرية أو تعطف عليها‪ ،‬إذ كل جزء من األجزاء الثالثة‬
‫يغطي مرحلة من احلقبة املمتدة من نهاية احلرب العاملية األوىل إىل نهاية احلرب العاملية الثانية‪ .‬يقرر حمفوظ يف‬
‫الفواصل الزمنية بني أجزاء الرواية الثالثة‪ ،‬أنه ال يكتب رواية عن ثورة‪ ،‬بل عن سرية عائلة تعكس أقدارها‬
‫مصائر الثورة‪ .‬تعامل الروائي مع زمنني‪ :‬زمن تعاقيب بسيط‪ ،‬قوامه ميالد الثورة وشبابها وكهولتها‪ ،‬وزمن‬
‫«إنساني» أكثر تعقيداً‪ ،‬يتضمن امليالد دون أن يتضمن‪ ،‬لزوما‪ ،‬الشباب والكهولة‪.‬‬
‫عمل حمفوظ بدقة‪ ،‬على حتديد السنوات والشهور واأليام أحيانا‪ ،‬دون أن تفوته أحوال الفصول املتناوبة وتبدالت‬
‫املكان واضطراب العادات واألفكار واملعايري‪ .‬سجل يف روايته عودة زغلول من املنفى وإحباره إىل باريس ورحيله‬
‫األخري‪ ،‬ونشاط مصطفى النحاس وصعود حزب الوفد وانشقاقاته ومعاهدة ‪ 1936‬واملظاهرات الشعبية وقمعها‪،‬‬
‫واندالع احلرب العاملية الثانية وظهور حزب األخوان املسلمني واألفكار الشيوعية والشعارات النازية‪ ،‬ومل ينس‪،‬‬
‫يف بداية الرواية‪ ،‬زبلن ومطاره الشهري‪.‬‬
‫تبدو الثالثية رواية تارخيية‪ ،‬متتد بني حربني عامليتني‪ ،‬يف تتابع "شبه وثائقي" يربط الواقعة مبا سبقها ويرد إليها‬
‫وقائع الحقة‪ .‬أغوى جنيب سرور بتحديد اليوم الذي بدأت منه الرواية‪ ،‬وهو يوم تارخيي الداللة‪ ،‬وأقنع ناقداً‬
‫كبرياً مثل لويس عوض أنه أمام رواية تارخيية احتفت بالطبقة الوسطى وغفلت عن دور بعض «القوى‬
‫االجتماعية»‪.‬‬
‫عثر حمفوظ على «وثيقته األدبية» يف بشر يتوالدون ويتطورون وميوتون‪ ،‬ناظرين إىل غايات يرغبون بها‪ ،‬وغافلني‬
‫عن صدف تقذف بالرغبات إىل ال مكان‪ .‬خلق حمفوظ وثيقته من عناصر متكاملة‪ :‬املكان القديم الذي يتيح‬
‫لألسرة‪ ،‬يف بيتها املغلق‪ ،‬متابعة األحداث الوطنية دون أن تغادر موقعها‪ ،‬االبن اجلامعي املورط بالسياسة‪ ،‬واالبن‬
‫املوظف الساخر‪ ،‬يكمل األب الصارم عناصر الوثيقة بشكل يتفق مع تناقضاته‪ ،‬فهو خارج السياسية ووطين‬

‫‪200‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫املشاعر‪ ،‬ترتافد العالقات يف زمن انتقالي يواجه فيه االبن أباه واجلامعة األسرة والسياسة نظام أبوي صارم‬
‫املرتبية‪ ،‬ومع أن حمفوظ يؤمن بثبات األحوال اإلنسانية‪ ،‬فإن لألسرة‪ ،‬دورين بديهيني‪ :‬تعكس تبدالت األسرة‬
‫تبدالت الثورة من ناحية‪ ،‬وتشهد األسرة على مال الثورة من ناحية أخرى‪ .‬يتكشف ما جاءت به الثورة‪ ،‬اليت‬
‫تراءى أحواهلا يف األسرة‪ ،‬بالرجوع إىل أحوال األسرة اليت سبقت الثورة‪ ،‬كما صاغها أب مأخوذ بالثبات‪ ،‬فعلى‬
‫الزوجة‪ ،‬وهي آية اخلضوع السعيد‪« ،‬أن تطيع بال قيد وال شرط»‪ ،‬وعلى األبناء «حق الطاعة العمياء»‪ ،‬وعلى‬
‫األب أن يسوس األسرة باحلزم والصرامة‪ ،‬وإال أضاع هيبته وكرامته وتارخيه وتقاليده مجيعا فأفلت منه الزمام‬
‫وانتثر عقد األسرة‪ .‬أنتجت السلطة األبوية عادات أسرية قوامها الثبات واملرتبية الصارمة‪ ،‬تهدف العادة إىل‬
‫االستقرار‪ ،‬ويهدف االستقرار إىل توطيد العادة وإعادة إنتاجها‪ .‬وضع حمفوظ «وثيقته اإلنسانية يف زمن ثائر‪،‬‬
‫تنجذب إليه األسرة وتنفر منه يف آن‪ :‬جتذب إليه وهي تتطلع إىل زمن شعيب مفتوح كثري الوعود‪ ،‬وتنفر منه‬
‫مشدودة إىل زمنها املغلق املوروث‪ .‬وقد بدأ حمفوظ من وثيقة أوىل‪ ،‬حمددة املكان والزمان‪ ،‬وانتهى إىل أخرى‪،‬‬
‫تنطوي على ازمنة غري متوقعة‪ ،‬عصية على التعيني ‪.‬‬
‫توطد الرواية معنى الثورة‪ ،‬اليت تنقض السيطرة االستعمارية بالتحرر الوطين‪ ،‬متوسلة رمزية النظام األبوي‬
‫اخلانق‪ ،‬الذي يرادف االستعمار‪ ،‬وميكن مواقعه‪ ،‬فالنظام األبوي ورمزه «أمحد عبد اجلواد»‪ ،‬ال يعرتف‬
‫باإلرادات احلرة وبالفضاء السياسي‪.‬‬
‫دفع الروائي بوثيقة «املؤرخ احمللل إىل أفقها املنتظر‪ :‬استشهد االبن اجلامعي‪ ،‬وانكسر توازن األسرة التقليدي‪،‬‬
‫دخلت إليها ظواهر جديدة وخرجت منها عادات قدمية‪ :‬كف األب عن سهراته املاجنة مخس سنوات‪ ،‬وتسلل‬
‫إليه وهن مثابر ثلم هيبته‪ ،‬وتركه يبكي متفجعاً أمام زوجته يف هزيع الليل‪ ،‬وأصبح أكثر مرونة وتبسطاً مع‬
‫أوالده‪ ،‬وغزت روحه أطياف مؤرقة‪ .‬مستبد أصلح فيه املوت ما عجزت عنه احلياة‪ .‬حرر الشهيد اجلميع من‬
‫قيود كثرية‪ ،‬كما لو كان افتدی بروحه أسرة مغلولة ورحل‪ .‬حتررت العائلة بشكل ملتبس‪ ،‬وسكن الثورة‬
‫الشعبية الواسعة وهن منذ البداية‪ .‬كل شيء يدور يف الاليقني‪ ،‬تعكس شخصية «كمال»‪ ،‬اليت اتسع دورها‬
‫يف اجلزء الثاني وزاد اتساعاً يف اجلزء الثالث‪ ،‬الاليقني بشكل مزدوج‪ :‬تعكسه عملي يف حياة قلقة مثقلة‬
‫باخليبة واالغرتاب‪ ،‬يقول جنيب حمفوظ وهو يبوح مرتاحة أمام مجال الغيطاني‪« :‬إن أزمة كمال هي أزميت»‪.‬‬
‫وهو ما يعطي اجلمل الكثرية السابقة معناها احلقيقي وضرورتها‪.‬‬
‫«حلل» الروائي حمفوظ الثورة اليت انتسب إليها‪ ،‬وتابع االنتساب حتى اليوم‪ ،‬مبنطق‪ :‬اليقني‪ ،‬الذي يساكن‬
‫اليقني حلظة ويشعل النار فيه حلظة أخرى‪ .‬يغلق الروائي الثالثية‪ ،‬يف أجزائها الثالثة‪ ،‬باملوت منتهية إىل غري‬
‫ما بدأ به‪ .‬فبعد أن كانت ثورة ‪ 1919‬بطال شاسعة حيجب غريه‪ ،‬وهو ما يعلنه حمفوظ حني يتحدث عن روايته‪،‬‬
‫حيجب املوت الثورة وينشر السكون‪ :‬يغلق اجلزء األول صفحاته مبوت الشاب الوطين «فهمي» وزغلول يتأهب‬
‫للمطالبة باالستقالل‪ ،‬كما لو كان املوت املبكر إشارة إىل استقالل لن يأتي‪ ،‬وينتهي اجلزء الثاني معلنة‬
‫وموت عائلة «عائشة»‪ ،‬ابنة «أمحد عبد اجلواد» الصغرى املكتملة اجلمال‪ ،‬إحالة على موت سعد فرتة انطوت‪،‬‬
‫ويبلغ اجلزء الثالث منهاه وهو يتحدث عن موت «عايدة»‪ ،‬رمز احلب الكبري الذي انقضى‪ ،‬وموت األم اليت تعلق‬

‫‪201‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫بها «كمال» كثرياً‪ .‬ختلق احلكاية الزمن وتطويه‪ ،‬ويلغي تعاقب احلكايات األزمنة املتعاقبة‪ ،‬ويستبقي‬
‫الفراغ‪.‬‬
‫يصبح املوت‪ ،‬وقد تكرر‪ ،‬قانونا ال يفلت منه أحد‪ ،‬ورؤيا حتاور األزمنة املختلفة‪ .‬تنطوي الثالثية على رؤيا‪،‬‬
‫أنتجها التقطيع الروائي‪ ،‬وعلى «حتليل تارخيي»‪ ،‬أنتجه تطور املادة احلكائية‪ .‬ارتبط «التحليل» بالفعل املتزامن‪،‬‬
‫أي بالثورة‪ ،‬وانصرفت الرؤيا إىل األزمنة املتعاقبة املختلفة‪ ،‬حمدثة عن ثورات سابقة ملعت وانطوت‪ ،‬وعن ثورات‬
‫الحقة‪ ،‬لن خيطئها التداعي‪.‬‬
‫إشارة أوىل‪ :‬غاللة التاريخ وسيطرة الكابوس‪:‬‬
‫بدأ حمفوظ من موضوع تارخيي‪ ،‬وانزاح إىل مصائر بشرية حيايثها انفصال متعدد‪ .‬يكتب حمفوظ عن‬
‫الشخصيات اليت نسيها وأيقظتها الكتابة‪ ،‬دون أن ينسى الكابوس الذي جاءت منه‪.‬‬
‫استقرت احلياة الكابوس يف الثالثية بأشكال خمتلفة‪ :‬جار «أمحد عبد اجلواد» الذي تأتي به الروائية‪ ،‬منذ‬
‫البدء‪ ،‬مشلوال ويأتي إليه املوت بعد حني‪ ،‬زوجته اليت أصابها مرض عجل يف جميء املوت إليها‪ ،‬أوالد «عائشة‪،‬‬
‫الذين حسمهم املوت مجيعا واستبقى األم احملطمة‪ ،‬الشيخوخة املبكرة اليت ضربت «أمحد عبد اجلواد» وألقت‬
‫به إىل املوت‪ ،‬أم ياسني» و«أمينة» وعايدة» وأصدقاء «الوالد»‪ ..‬حيضر املوت شخصية يومية بني شخصيات أخرى‪،‬‬
‫وحيضر شخصية طاغية متأبدة القوة‪ .‬ومع أن حمفوظ «يؤنسن» املوت إىل حدود األلفة‪ ،‬وهو يستدعيه بني حلظة‬
‫وأخرى‪ ،‬فهو ال يلبث أن يضيق بألفته الكاذبة‪ ،‬ناشرة ظلمه املرعب وطغيانه العاتي‪ .‬وما تصوراته عن املصادفة‬
‫واملتوقع وما ال ميكن التنبؤ به إال أثر لفكرة املوت املسيطرة‪ .‬جتسد «عائشة غربة املالمح و«عايدة» غربة‬
‫الثقافة‪ .‬يتعامل حمفوظ‪ ،‬وهو يداعب شخصياته ويرسل بها إىل املوت‪ ،‬مع مقولتني هما‪ :‬املصري املأساوي واجملاز‬
‫املأساوي‪ .‬يشقى الزوج الكهل بشلله واألب برحيل ابنه واالبن بأمه املستهرتة واألم بكراهية االبن هلا واالبن‬
‫الكاره بابنه الشاذ وابنته اليت تنتظر «احلمل» الذي تأخر‪ ....‬كل هذا يف عائلة واحدة هي عائلة «أمحد عبد‬
‫اجلواد»‪ ،‬اليت كلما تكاثرت عددا زادت فواجع‪ ،‬وكلما توقعت فرحا فاجأها كابوس غري منتظر‪ .‬حتتل‬
‫النهاية يف «ثالثية» حمفوظ‪ ،‬موقعا مسيطراً‪ ،‬حمدثة عن وطأة الزمن وخفة البداية‪ ،‬اليت يتساوى فيها احلضور‬
‫والغياب بال خصام‪ ،‬فبعد أن نشر حمفوظ «املوت الطبيعي‪ ،‬كان عليه أن يلجأ إىل الصدف املميتة‪ ،‬موطداً‬
‫فكرة العبث والعدم‪.‬‬
‫يظهر اجملاز املأساوي يف «الثالثية» يف أربع حاالت على األقل‪« ،‬عائشة»‪ ،‬اليت أجنبت وفقدت ما أجنبته‪،‬‬
‫«عايدة»‪ ،‬اليت تزوجت مرتني ومل تنجب وقضى عليها املرض‪« ،‬مريم»‪ ،‬اليت تزوجت أكثر من مرة وانتهت إىل‬
‫الضياع‪ ،‬و«الشيخ متولي»‪ ،‬الذي دفن زوجته وأوالده وبقي يطوف يف حواري القاهرة القدمية فاقدة الذاكرة‬
‫حتى اقرتب عمره من املئة‪.‬‬
‫ال يؤسس حمفوظ تصوره على عناصر أخالقية‪ ،‬حتتمل العقاب والثواب واإلثم والغفران‪ ،‬بل على ظاهرة املوت‬
‫الطبيعية اليت هلا صفة القانون املوضوعي‪ ،‬وما حكاية اإلنسان‪ ،‬كما يراها حمفوظ‪ ،‬إال نهاية بائسة تنتقم‬

‫‪202‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫من بداية ظهرت سوية ومرتصنة ذات يوم‪ .‬لقد استولد حمفوظ اجملاز املأساوي من سطوة االنفصال‪ ،‬اليت جتعل‬
‫االتصال اإلنساني عارضة‪ ،‬قلقة‪ ،‬وقابال لالحنطام بال موعد وال ميقات‪.‬‬
‫نشر حمفوظ وجوه املوت املرعبة‪ ،‬وحاصر الرعب بفلسفة واضحة أو مضمرة ليست بعيدة كثرية عن أفكار‬
‫اليوناني أبيقور (‪ 271-341‬ق‪ .‬م)‪ .‬وسواء كان حمفوظ‪ ،‬وهو تلميذ كلية الفلسفة النجيب‪ ،‬قد قصد فلسفة‬
‫أبيقور أو التقى بها صدفة‪ ،‬فإن يف إعجاب «كمال» بأفكار دارون ما يطرح سؤال املوت واحلياة وميده جبواب‬
‫مريح‪ ،‬كما لو كان الروائي قد قبل مببدأ «الصدفة الفلسفية» وفسرها مببادئ «النشوء واالرتقاء»‪.‬‬
‫إشارة ثانية‪ :‬احلياة ‪ -‬النكتة‪:‬‬
‫ينطلق إنسان حمفوظ من األزمة أو تصادفه الحقا‪ .‬وقد يظن القارئ أن الروائي مقيد إىل األسى وأسرياً له‪ ،‬إىل‬
‫أن يكتشف أن حمفوظ يغلف األحوال كلها بسخرية صرحية أو مضمرة‪ .‬فالفاجعة األوىل تهز اإلنسان‪ ،‬والثانية‬
‫تهون من ثقل الناجية السابقة‪ ،‬يف انتظار الثالثة اليت تستقدم امللهاة والضحك األسود‪ .‬مل يشأ حمفوظ‪ ،‬وهو‬
‫املاكر يف الرواية وخارجها‪ ،‬أن يرتك قارئه أسري اسى كابوسي‪ ،‬ينقله بني موت إىل آخر‪ ،‬فوشي بقهقهته‬
‫السوداء‪ ،‬اليت تعبث بشخوص الرواية وقرائها‪ ،‬ونصح القراء باحرتام العبث وإكباره‪ .‬يتبع املوت قوانني النكتة‬
‫بدقة» يقول حمفوظ‪ .‬وقوانني النكتة مواجهة املألوف بالالمألوف‪ ،‬واملتوقع بالالمتوقع‪ ،‬والعقالني الصارم‬
‫بالالعقالني الطليق‪ ،‬فكما أن نشر املوت يبدد رعبه‪ ،‬فإن العبث الشديد مبالمح الغانية اآلفلة حيجب مأساتها‪.‬‬
‫ميحو احلزن وحيجب املضحك ما حيزن‪ .‬تسقط األنثى الصلعاء من فضاء النكتة‪ ،‬فهي امرأة ترتدي مما يرتدي‬
‫الرجال‪ ،‬هلا وجه غارق يف األصباغ ال أسنان فيه‪ ،‬تضع طاقية على رأس أصلع‪.‬‬
‫مثلما استعمل حمفوظ تقنية اجملاز املأساوي‪ ،‬جلأ بدوره إىل تقنية «النكتة» املضمرة‪ ،‬خيلق حمفوظ الوقائع يف‬
‫حلظة‪ ،‬ويسخر مما خلق يف حلظة تالية‪ ،‬خيلق الروائي الوقائع ويظل واقفا يف مكان ما‪ ،‬حمتفظا لنفسه حبق‬
‫التعليق على ما خلق‪ ،‬بواسطة حدث الحق‪ ،‬ما هو باحلدث الفعلي‪ ،‬ألنه نكتة‪ ،‬تنزع عن احلدث األول رصانته‬
‫وما أشار إىل اجتاه لوت «النكتة» عنقه وألقت به إىل اجتاه مغاير‪.‬‬
‫يضع حمفوظ يف وقائعه اتصاال أفقه االنفصال‪ :‬يتزوج «أمحد عبد اجلواد » امرأة مجيلة وينفصل عن الزوجة‬
‫اليت عشقها ومتردت على طاعته‪ ،‬وينفصل أبنه «ياسني وانفصل عن أمه املطلقة‪ ،‬عن زوجته األوىل وعن زوجة‬
‫الحقة‪ ،‬وينفصل ابن ياسني» عن أبيه ويذهب مع أمه املطلقة‪ ،‬وتنفصل «مريم» عن حبيبها األول وعن زوجيها‬
‫الالحقني وعن املكان الذي عاشت فيه طويال‪ ،‬وينفصل «كمال» عن صديق الطفولة «فؤاد» وأصدقاء آخرين‪،‬‬
‫وتنفصل األم عن أوالدها واألب عن متجره القديم‪ .‬كل اتصال أفقه االنفصال‪ ،‬واملوحد مصريه التفكك‪،‬‬
‫والسوي نهايته التداعي‪ ،‬يف سريورة مغلقة الزمن دائرية‪ ،‬حداها موت نهائي وميالد جديد له موته اجلديد أيضا‪.‬‬
‫بعد أن ميلي حمفوظ انفصاال متواتراً‪ ،‬يشيع األسف واألسى‪ ،‬يعود إىل «نكته اليت تثر املتوقع يف كل مكان‪،‬‬
‫خالطة املعلن باحملتجب والظاهر باملتواري‪ .‬والنكتة تعليق متأخر على حدث سبق وسخرية مما كان ومما‬
‫سيكون‪ .‬تظهر النكتة مضمرة يف األحداث التالية‪ :‬شيخ معمر دفن زوجه وأوالده ومعارفه وفقد الذاكرة وبقي‬
‫متجوال احلواري والبيوت‪ ،‬كهل رصني يعشق غانية شابة ويرفض الزواج منها فيتزوجها ابنه املستهرت‪ ،‬عاشق‬

‫‪203‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫وهلان ميشي يف جنازة امل رأة اليت عشقها دون أن يدري‪ ،‬فتاة أحبها شاب حارب اإلجنليز وانتهت إىل «بار» يؤمه‬
‫اجلنود اإلجنليز‪ ،‬ابن عوض يف جناحه الدراسي إخفاق والده الدراسي لكنه مصاب بالشذوذ‪ ،‬ثوري سابق‬
‫ورجل بوليس الحق يفتش بيت أخت زميله الثوري الذي استشهد ‪ ....‬ترتاءى النكتة يف مفارقة الوقائع‪ ،‬ويف‬
‫النتائج اليت تنفي املقدمات‪ ،‬ويف تواتر األيام الذي خيلق اإلنسان مالكا ومسخا معا‪ .‬والنكتة الولود هي‪:‬‬
‫الالجواب‪ ،‬وهرب من جواب مستحيل‪ ،‬تبنيه األيام وتهدمه‪ .‬فال جواب إال عما كان شفافة وسوية الوضوح‪،‬‬
‫وهو ما ال يأتلف مع املصادفة‪ ،‬اليت تضع يف الظاهرة املفردة احتماالت متعددة‪.‬‬
‫إشارة ثالثة‪ :‬الشر والوجود‪:‬‬
‫يعطي «جريت كيزر»‪ ،‬يف كتابه «فينوس واملوت»‪ ،‬مكانة واسعة ملوضوع‪« :‬الصبية واملوت»‪ ،‬الذي اخرتق‬
‫الثقافة األوروبية‪ ،‬واجنذب إليه الروائيون والشعراء والرسامون وغريهم‪ .‬وقد عاجل توماس مان‪ ،‬الذي تأثر به‬
‫جنيب حمفوظ‪ ،‬موضوع املوت واجلمال يف روايته القصرية «املوت يف البندقية»‪ ،‬وتوقف أمام «الصبية واملوت» يف‬
‫قصته القصرية «غالديوس داي»‪.‬‬
‫حيضر املوت كثيفاً يف ثالثية حمفوظ‪ ،‬يبدد إنسانا عشق وعشقه غريه وأجنب وحاور أبناءه‪ ،‬وانتهى إىل‬
‫التفكك والزوال‪ .‬فال حقيقة إال توالد بيولوجي أشرفت عليه الطبيعة وموت يرد األحياء إىل الرتاب ويستولد‬
‫غريهم‪ ،‬مما جيعل املوت وجها آخر للحياة‪ ،‬كما تصرح الرواية يف أكثر يف مكان‪« .‬رقص جنائزي ينظمه‬
‫الروائي يف عمل فين يروض معنى الوجود‪ ،‬و«فعل ظامل» يكشف يف اإلنسان عجزه ويثري فيه الغضب والتمرد‬
‫‪ .‬وإذا كان توماس مان قد طرق موضوع اجلمال واملوت منتسبة إىل نسق أوروبي مجالي ‪ -‬فلسفي‪ ،‬فإن حمفوظ‬
‫اجنذب إىل إشكال آخر‪ ،‬قوامه رعب اإلنسان الفاني ودالالت اإلميان واأللوهية‪.‬‬
‫رفض حمفوظ‪ ،‬يف الثالثية‪ ،‬غموض احلياة‪ ،‬وواجه الغموض بالعلم «نظرية دارون»‪ ،‬ورفض يف املوت ظلمه‬
‫وطالب بالتمرد‪ .‬أراد كماله أن يكون ما أراد‪ ،‬وصاغ إرادة تقربه مما يعرف ‪ -‬كأن يكتب ويؤمن بالعلم‪،‬‬
‫وتبعده عما ال يعرف ــ كأن يرغب وال يرغب‪ ،‬وأن يتأسى طويال على أخته‪ ،‬اليت سقط عليها عذاب ال سبب‬
‫له‪ .‬يبدأ اإلنسان املتمرد من إرادة تصوغها ضرورات متعددة االجتاهات‪ ،‬تنتهي باإلنسان ممزقة‪ ،‬يتوهم حرية‬
‫لن يعثر عليها ودفئاً ال سبيل إليه‪.‬‬
‫انطلق حمفوظ من موضوع تارخيي جليل‪ ،‬ثورة ‪ ،1919‬وذهب إىل موضوع ال تاريخ له‪ ،‬هو‪ :‬الشر يف الوجود‪،‬‬
‫مستأنسا بتوماس مان ورقصه اجلنائزي‪.‬‬
‫إشارة رابعة‪ :‬الرصد والوجود‪:‬‬
‫اخرتق حمفوظ طبقات الزمن متوقفة أمام الوجود والعدم‪ ،‬إذ كل موجود حبسمه املوت ويرسله إىل وجود آخر‪،‬‬
‫مأخوذة باالتصال واالنفصال‪ ،‬فما يبدو متصال حينا يعرتيه االنفصال بعد زمن‪« .‬ال دائم إال احلركة»‪ ،‬يقول‬
‫حمفوظ يف «احلرافيش مصرحة بسطوة الزمن‪ ،‬اليت حتدد اخللق وإعادة اخللق وما بينهما‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫من ما قبل ‪ -‬الثورة إىل ما بعد ‪ -‬الثورة‪ ،‬ومن وجود قلق إىل وجود صامت بارد ال قلق فيه ومن بيت قديم أظل‬
‫العشق يوما إىل بناية جديدة نافرة األلوان‪ ،‬يقابل عدم الثورة وجودها الالحق وتقابل ابتسامة عائشة اليانعة فمها‬
‫املرتدد القادم‪ ،‬وتوقظ‬
‫البناية اجلديدة أطياف أبوين حسمهما املوت‪ ،‬كان وجود طرف هو عدم اآلخر‪ ،‬وكأن تعايش الوجود والعدم‬
‫مأساة باهظة‪ ،‬تدفع «كمال» إىل قراءة فلسفة شوبنهاور‪.‬‬
‫إن كان يف الوجود والعدم ما حييل‪ ،‬لزوما‪ ،‬على التبدل‪ ،‬فإن يف العالقتني معا ما يستدعي‪ :‬االتصال‬
‫واالنفصال‪ .‬ينفصل اإلنسان عن الزمن الذي حوله وعن املكان الذي عاش فيه‪ ،‬وعن لوعة منطفئة تسلمه إىل‬
‫لوعة أخرى‪ .‬والزمان يرتج األبواب وهو خيلق الذرات املنفصلة‪ ،‬وهو الذي يفتح األبواب حلظة االتصال بيد أن‬
‫يف اإلرتاج‪ ،‬كما يف إلغائه‪ ،‬ما يكدر الروح‪ ،‬فاالنفصال شرط الذاتية احلرة‪ ،‬مثلما أن اآلخرين هم اجلحيم»‪،‬‬
‫ألن يف االتصال ما يعوق احلرية ويضيقها‪ .‬كل وجود يقتضي الزمان ويتكيف بأن من آناته‪ :‬احلاضر هو الواقعي‬
‫املتبدل واملاضي هو ما حتقق وانصرف‪ ،‬واملستقبل هو املمكن الذي مل يتحقق بعد‪ .‬يرتاءى الزمن‪ ،‬من جديد‪،‬‬
‫خالق وأزليا يف خلقه‪ ،‬يرسم وجوه البشر وميحوها‪ ،‬ساخرة من الوجوه كلها وحمتفظ باحلركة الدائمة‪ ،‬فهو‬
‫احلركة الدائبة بعينها‪ .‬و على الرغم من زمن شاعت فيه فلسفة تقول حبتمية التقدم‪ ،‬فقد آثر حمفوظ تأمل‬
‫الزمن يف الكيان اإلنساني‪ ،‬مكتفياً به أمل غامض»‪ ،‬ال عالقة له بفلسفات التاريخ املتفائلة‪.‬‬
‫قرأ حمفوظ يف «ثالثيته» تارخيا طليقاً‪ ،‬ال اجتاه وال غاية يتقدم حيث يشاء‪ ،‬تاركاً للمدن الغائبة زمنا ال يراه‬
‫أحد‪ .‬كأن التاريخ‪ ،‬أو بشكل أدق‪ ،‬كأن الزمن دائري‪ ،‬يدور حول ذاته‪ ،‬أو يلتف حول نفسه‪ ،‬بال عقل وال‬
‫نصيحة‪ ،‬وذلك يف حركة عصية على اإلدارة والتنظيم‪ ،‬فال بداية وال وسط وال نهاية‪.‬‬
‫إشارة خامسة‪ :‬املتعدد والاليقني‪:‬‬
‫مل تعرف الرواية العربية شخصية أكثر شهرة من «أمحد عبد اجلواد»‪ ،‬التاجر القاهري املتأنق‪ ،‬الذي تغريه‬
‫غانية متهتكة‪ ،‬ويأنس إىل أذان الفجر ويؤدي الصالة يف ميقاتها‪ .‬شخصية غريبة توقظ الفتنة والنشور‪ ،‬تنفتح‬
‫واضحة‪ ،‬وتنغلق حموطة بااللتباس والغموض‪ ،‬وواقع األمر‪ ،‬أن السيد‪ ،‬الغريب‪ ،‬حيقق يف «ثالثيته» حمفوظ‬
‫وظيفتني متجاورتني‪ :‬فهو شخصية حمددة املالمح واألقدار‪ ،‬تكاثر يف غرية‪ ،‬وتكاثر غريه به وهو موقع فاتن‬
‫وضع فيه حمفوظ تصوره للعامل‪.‬‬
‫يتعني «أمحد عبد اجلواد »‪ ،‬يف وظيفته األوىل‪ ،‬إنسانة مفرداً ‪ ،‬عالي الصوت واثق اخلطا‪ ،‬انبثق من غموض‬
‫يثري الفضول‪ ،‬كما لو كان قد انبجس من ذاته‪ ،‬بال أم وال أب وال أخوة‪ ،‬ورث جتارة أبيه‪ ،‬ومنعه الزمن املاكر‬
‫عن توريثها إىل غريه‪ .‬كأن حمفوظ يراكم إجيابا‪ ،‬تراكم فوقه سلب يلغيه‪ ،‬أو كأنه يدمج الطرفني معا‬
‫منتهيا إىل أحجية‪.‬‬
‫يبدو التاجر القاهري مفردة بصيغة اجلمع‪ ،‬أو عامل مفردة حتتشد فيه أكوان متعددة حتتقب الصحة واملرض‪،‬‬
‫الضعف والقوة‪ ،‬التكاثر والفناء‪ ،‬مملكة احلواس وملكوت الروح ورطوبة الليل ومشس النهار احلارقة‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫يثري املفرد يف أكوانه املتعددة سؤال التناقض‪ ،‬وقد يقال‪ :‬إن يف تناقض الشخصيات ما يعرب عن سلطة احلياة‪،‬‬
‫اليت تنكر املتجانس وتنفر من املتناظر العقيم‪ .‬فاملتعدد هو الالبقني‪ .‬فلو كان حمفوظ مطمئناً إىل تصوره‪،‬‬
‫ألعطي شخصية واضحة شفافة ال حتتمل التأويل وال تثري الفضول‪ ،‬توحي باملتوقع‪ ،‬وال تلتفت إىل املتوقع‬
‫واحملتمل‪ .‬وهذا الاليقني هو الذي دفع الروائي إىل أن يضع على لسان «كمال»‪ ،‬القريب من روحه‪ ،‬تساؤالت‬
‫قلقة عن الوعي اإلمياني املطمئن واملعتقدات املستقرة‪ ،‬وواقع األمر‪ ،‬أن الروائي ميزج بني صعوبة احلقيقة‬
‫وانغالق الذات على نفسها واملمكن الذي يسكن املستقبل‪.‬‬
‫قد يكون حمفوظ اتكأ على أفكار صوفية‪ ،‬أو على غريها‪ ،‬دون أن مينع ذلك عن أمحد عبد اجلواد » صفات‬
‫ثالث هي‪ :‬احلركة والتعدد والتجدد‪ ،‬اليت حتيل على الاليقني وهي تنشد يقينا حقيقياً‪ ،‬يأتي وال يأتي معا‪.‬‬
‫يظل حمفوظ‪ ،‬وهو يرنو إىل يقني بعيد املنال‪ ،‬باحثا عن احلقيقة‪ ،‬مميزا بني احلقيقية الكارثة‪ ،‬واحلقيقة‬
‫املشروع‪ .‬واحلقيقة الكارثة هي اليت تأتي جاهزة مغلقة مكتملة‪ ،‬حتجر على املعرفة وتغتال الباحثني عنها‪،‬‬
‫على خالف احلقيقة‬
‫املشروع‪ ،‬اليت تثق بإنسان يبحث واثقاً عن معرفة قائمة يف املستقبل‪.‬‬
‫الرواية وتأويل التاريخ‬
‫حني يصحح جنيب حمفوظ رواية بأخرى‬
‫بعد أفول النظام امللكي ووصول نظام مغاير‪ ،‬انتظره جنيب حمفوظ طويال‪ ،‬ابتعد الروائي عن الشكل الروائي‬
‫القديم وقضاياه‪ ،‬وكتب رواية جديدة ‪« :‬أوالد حارتنا» ‪ -1959-‬عاجل فيها قضية غامضة‪ ،‬إن مل تكن لغزة‬
‫كان فيها بعض وجوهه‪ ،‬هي‪ :‬قضية العدالة‪ ،‬اليت تفصح عن طبيعة السلطة‪ ،‬وتشهد على أن السلطات املتغرية‬
‫متماثلة‪.‬‬
‫أصدر حمفوظ بعد حوالي عقدين من الزمن تقريبا‪ ،‬ويف عام ‪ 1977‬رواية قريبة من األوىل‪« :‬ملحمة احلرافيش»‪.‬‬
‫أدارت الروايتان حديثهما يف موضوع مشرتك يوحد بني الظلم والسلطة‪ ،‬دون أن تصال إىل نتائج مشرتكة‪.‬‬
‫ابتعدت الثانية عن التشاؤم املغلق الذي انتهت إليه األوىل‪ ،‬واطمأنت إىل احلركة»‪ ،‬قوام الوجود‪ ،‬اليت تبين‬
‫صروح الظلم وتهدمها‪.‬‬
‫تأمل حمفوظ السلطة طويال‪ ،‬ورأى فيها مبتدأ للشر وتتوجيا له‪ .‬نظر حمفوظ إىل وجوه الشر املتعددة‪ ،‬وأفزعه‬
‫شر السلطة الذي ال ينتهي‪ .‬ففي زمن مضى رأي الشر يف املوت والطمع والزمن‪ ،‬إىل أن جاء زمن الحق أعاد طرح‬
‫السؤال‪ ،‬ظهر الشر األول فسي الفعل اإلنساني‪ ،‬الذي يبين مسرات إنسان على األم أخر‪ ،‬عاجل حمفوظ قضية‬
‫الشر يف روايتني‪ ،‬تتشابهان وال تتشابهان‪ ،‬ذلك أن الثانية تستأنف أسئلة األوىل‪ ،‬وتصحح منظورها يف آن‪.‬‬
‫‪ . 1‬أوالد حارتنا‪ :‬زمن السلب املطلق‪:‬‬
‫تأمل حمفوظ يف ثالثيته» الزمن الذي يبدد اإلنسان‪ ،‬واإلنسان املتضائل املنفتح على العدم‪ .‬مل يهجر حمفوظ يف‬
‫روايته الالحقة «أوالد حارتنا» أسئلة اإلنسان املغرتب‪ ،‬أعاد تأمل لغز الزمن‪ ،‬املستقر يف غرفة حمكمة الرتاج‪،‬‬
‫وهو يتأمل لغزاً آخر يضارعه تعقيداً هو‪ :‬لغز العدالة‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫اقرتح الظلم املتأبد على الروائي شكال رمزياً‪ ،‬يقيس املسافة املتجددة بني الواقع املعيش واملثل الفاضلة‪ ،‬ويرى‬
‫إىل احنطام املثل يف فراغ التاريخ‪ .‬فالزمن يف «أوالد حارتنا» متسيب‪ ،‬يضارع فيه املاضي الشرير حاضرة أشد‬
‫شراً‪ ،‬ومالمح البشر غائمة متماثلة تشهد على بوار الزمن اإلنساني وفساده‪ .‬جيول الروائي‪ ،‬وهو ينقب عن العدل‬
‫املفقود‪ ،‬يف فضاء ال بدء له وال نهاية‪ .‬احتج حمفوظ على زمنه املعيش بشكل روائي جديد‪ ،‬يری متاثل الشر يف‬
‫أزمنة شاسعة متماثلة‪ ،‬فالروائي ركن إىل فكرة التماثل وحما األزمنة‪.‬‬
‫أدار حمفوظ حديثه يف فضاء «التفسخ الكوني»‪ ،‬إذ الواقع املفوض يقوض ما ال يأتلف معه‪ ،‬وإن الكتاب الذي‬
‫ينكر التقوض حيصد اهلزمية‪ .‬وكأن حمفوظ‪ ،‬وهو حيتج على زمن ال مجال فيه‪ ،‬استولد معايري «مجالية‬
‫جديدة ووضعها يف شكل روائي جديد‪ ،‬مل يأخذ به سابقا‪ ،‬ومل تعرفه الرواية العربية على أية حال‪.‬‬
‫يف احتجاجه على ما كان وما سيكون‪ ،‬يذهب حمفوظ إىل «البدء السحيق»‪ ،‬حيث الزمن شفاف واألحوال‬
‫عارية‪ .‬كل شيء نظيف يف وضوحه‪ ،‬وبعيد عن دنس قادم‪ .‬تبدأ أوالد حارتنا بالكلمات التالية‪« :‬كان مكان‬
‫حارتنا خالء‪ .‬ومل يكن باخلالء من قائم إال البيت الكبري الذي سيده اجلبالوي‪ ،‬كأمنا ليتحدى به اخلوف‬
‫والوحشة وقطاع الطرق»‪ .‬قبل البيت كان اخلالء واخلوف واخلشية وبعد البيت استمر اخلالء وما كان فيه‪.‬‬
‫فاجلبالوي له من الصفات ما مييزه عن غريه‪« :‬يبدو بطوله وعرضه خلقا فوق اآلدميني كأمنا من كوكب‬
‫هبط‪ .‬جبار البيت كما هو جبار يف اخلالء‪ .‬بيد أن حمفوظ يضع التناقض يف الزمن األصلي الذي ال تناقض‬
‫فيها فالزمن األصلي عادل يتحدى اخلوف والوحشة‪ ،‬وعن الزمن العادل صدرت بذور الشر الالحقة‪ ،‬اليت رعاها‬
‫أوالد «اجلبالوي» وأحفاده‪ ،‬وصل حمفوظ‪ ،‬وهو يرجع إىل زمن ال زمن قبله‪ ،‬إىل زمن األسطورة‪ ،‬ألن األصل‬
‫املهيمن مبدأ األسطورة بامتياز‪ .‬ويف ركونه إىل زمن أسطوري سعى الروائي إىل غايتني‪ :‬تأمل الظلم والعدالة يف‬
‫أصوهلما الشفافة األوىل‪ ،‬واشتقاق األزمنة السدميية الالحقة من الزمن األصلي‪.‬‬
‫أسطر حمفوظ الواقع حني وضع مفردة ‪ -‬أصال يف اخلالء تناسل منه مجع غفري‪ ،‬وجعل اخلالء شاهداً أبدياً‬
‫على محاقات البشر‪ .‬يتأسس الواقع املؤسطر على القدم والثبات واملغايرة‪ ،‬وتعييناته خالء موحش وصخرة ترى‬
‫الشر اإلنساني‪ ،‬وسيد له من العمر ما ليس لغريه ‪.‬‬
‫عرب حمفوظ‪ ،‬وهو يستهل روايته بفضاء أسطوري‪ ،‬عن يأس صريح من صالح اجملتمع اإلنساني‪ ،‬فال اختالف‬
‫بني «اآلن» و«الزمن السحيق»‪ ،‬يف الزمن األول عادل مهزوم‪ ،‬وفيما تاله من األزمنة شرير منتصر‪ .‬بيد أن حمفوظ‬
‫يكسر التصور األسطوري مرتني‪ :‬مرة أوىل حني يلقي األب بأبنائه خارج‪ ،‬مانعة عنهم غضبه الشديد التوبة‬
‫والغفران‪ ،‬ويكسره ثانية حني مييت األب ويستبقي بيته الكبري‪ ،‬يف عملية استبدال مأساوية‪ ،‬تنصب الشر‬
‫أصال جديدة لكل البشر‪ .‬أوهم حمفوظ يف «الثالثية» بكتابة التاريخ‪ ،‬وانتهى إىل تأمل الزمن مذيعا‪ ،‬يف ألفي‬
‫صفحة ونيف‪ ،‬حرية اإلنسان أمام الوجود ‪ .‬وأوهم يف «أوالد حارتنا» باالطمئنان إىل األصل األسطوري‪ ،‬ودفن‬
‫األصل طاردة األسطورة ومستبقياً الاليقني‪ .‬أخرب الروائي يف «الثالثية» عن كابوس الزمن‪ ،‬وأعلن يف أوالد‬
‫حارتنا عن كابوس التاريخ‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫يتلو االستهالل األسطوري احملدود‪ ،‬وحيدث عن زمن االتصال‪ ،‬زمن حكائي ينفتح على االغرتاب‪ .‬والفرق بني‬
‫األسطورة واحلكاية‪ ،‬وال ينفصالن متاما‪ ،‬فرق بني زمنني خمتلفي الداللة واملاهية‪ .‬إن الفرق بني األسطورة‬
‫واحلكاية هو الفرق بني املقدس واملدنس‪ ،‬وبني احلقيقة املطلقة واحلقيقة النسبية‪ ،‬إذ ال أسئلة يف األوىل‪ ،‬واذ‬
‫اإلجابات واهنة يف الثانية‪.‬‬
‫بنى حمفوظ روايته هن «رموز ثقافية كثرية‪ ،‬تضمن البيت ‪ -‬األصل واخلالء‪ ،‬زمن الوئام وزمن السقوط‪،‬‬
‫الغضب املبارك والقتل األعمى‪ ،‬اخلضرة والبوار‪ ..‬ترد الرموز مجيعا إىل الرمز ‪ -‬األصل‪ ،‬الذي يتمظهر يف رموز‬
‫الحقة‪ .‬حتتل «عتبة البيت‬
‫الكبري» بني هذه الرموز موقعاً خاصاً‪ ،‬وما يتلو «العتبة» هو احلكاية‪ ،‬اليت تسرد أحوال الساقط يف األرض‬
‫اخلفيضة‪ .‬غري أن معنى السقوط ال يستبني إال بإدراك «الفكرة الكربى‪ ،‬يتلو اخلروج من البيت الكبري»‬
‫حكاية اجلوهر اإلنساني‪ .‬واحلكاية‪ ،‬اليت تسرد أحوال املدنس‪ ،‬حكايتان‪ ،‬تتشجران وتتفرعان وحتتفظان‬
‫بأصلني ثابتني‪ ،‬ال يقبالن التكاثر‪ ،‬األوىل منهما حكاية الشر اإلنساني األصيل‪ ،‬والثانية منهما حكاية‬
‫الضعف اإلنساني‪ ،‬تتجسد احلكاية األوىل يف إدريس»‪ ،‬الذي عصى األب وتطاول عليه قبل أن يلفظه خارجا‪،‬‬
‫وتتمظهر الثانية يف أدهم»‪ ،‬الذي أطاع أباه وخذله ضعفه اإلنساني‪ .‬يشي نص حمفوظ بسياقه ومبا يزيد عليه‪،‬‬
‫ذلك أن يستنكر عسف السلطة القائمة ويقوض فكرة «املخلص العادل» يف آن‪ ،‬الذي يؤسس لشر ثانوي‪،‬‬
‫يستطري ويتأصل بعد رحيله‪.‬‬
‫بنى حمفوظ روايته على جماز‪« :‬الفتوة»‪ ،‬الذي يتناتج يف الزمن األسطوري واحلكائي وامللحمي‪ ،‬رغم اختالف‬
‫يف املقاصد والصفات واألقدار‪ .‬وبسبب األصل والداللة القائمة فيه ‪ ،‬يصري الزمن املتدهور زمن «الفتوة» الذي‬
‫ال نهاية له‪ ،‬ويصبح الفتوات مرايا خمتلفة للفتوة األول‪ .‬يعكس النسق احلكائي‪ ،‬يف هذه احلدود ‪ ،‬نسق‬
‫الفتوات املتواتر يف حكايات متناظرة‪ .‬يأخذ حمفوظ بقانون التكرار الفارغ‪ ،‬يسخر من التكرار بتكراره‬
‫ومن التماثل بأمساء بائسة رثيثة‪ ،‬يصف النسق املتكرر الظلم ويفسره‪ :‬يصف الظلم وهو يكشف متناظرة‬
‫متجانسة الوسائل والغايات‪ ،‬ويفسره وهو يرد األقنعة املتوارثة إىل قناع وحيد قديم‪ .‬لتزم حمفوظ‪ ،‬وهو يتأمل‬
‫أزمنة الظلم‪ ،‬مبعنى احلكاية‪ ،‬نسبها إىل زمن مدنس ودعاها إىل اإلفصاح عنه‪.‬‬
‫يغ اير النسق الفاضل النسق املستبد يف أقواله وغاياته‪ ،‬ويدعو إىل العدل بوسائل‪ ،‬متثل الفضيلة‪ ،‬يف رواية‬
‫حمفوظ‪ ،‬حالة طارئة على زمن إنساني ظامل‪ ،‬تتكون حكايات الشر واخلري يف زمن خاص بها‪ .‬يوهم الزمن‬
‫احلكائي‪ ،‬بداية باالنقسام‪ ،‬إذ حمدودية اخلري متيزه من ال حمدودية الشر‪ .‬يتناتج الشر يف حكايات متابعة ال‬
‫تقبل االنغالق‪ ،‬جمسدة زمناً خطياً متجدداً‪ ،‬حاضره يف أمسه ومستقبله يف الزمنني معا ‪ .‬لكن مصائر‬
‫احلكايات املتناظرة تطويها إىل حكاية واحدة فارغة الزمن‪.‬‬
‫ينهي حمفوظ روايته بتفاؤل مراوغ‪ ،‬يطمئن القارئ أن الزمن مفتوح‪ ،‬وأن يف زمن انشر املنتصر من يرتصد بالشر‬
‫ويبعث الرساالت اخلرية‪ .‬وطد حمفوظ بأسه الصريح يف «أوالد حارتنا» بوسائل أربع‪ :‬أوهلا‪ :‬ترحيل سؤال العدالة‬
‫إىل «الزمن اجلوهري»‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫ينزع دارسو حمفوظ‪ ،‬وهم يقاربون شخصية «عرفة»‪ ،‬إىل تأويل يضع املعرفة يف مواجهة اإلميان‪ ،‬أو العلم يف‬
‫مواجهة الدين‪ ،‬ويضع حمفوظ يف مكان قلق مائع احلدود ينقض فيه العلم بالدين تارة‪ ،‬ويصاحل بينهما تارة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫أعاد حمفوظ توطيد التشاؤم مبقولة رابعة هي‪ :‬النسيان‪ ،‬هلذا يغلق حمفوظ احلكاية العادلة بالنسيان الذي‬
‫ينتظرها‪ .‬تكرر احلكايات املخفقة النسيان‪ ،‬وتتكرر السخرية العابثة‪.‬‬
‫من حكايات مخس واستهالل مؤسطر‪ ،‬صاغ حمفوظ رواية رمزية‪ ،‬يسردها راو حزين‪ ،‬يتأمل العدالة الغائبة‬
‫يف زمن ظامل مستقر‪ .‬تضمر «أوالد حارتنا فكرة « الكارثة»‪ ،‬اليت حتدث عن إصالح تواتر يف العصور ومل‬
‫يصلح شيئا‪ ،‬خلق حمفوظ‪ ،‬تارخياً معيناً‪ ،‬حني جترأ على األشكال الروائية املسيطرة وانتقل‪ ،‬حر‪ ،‬إىل شكل‬
‫روائي جديد‪.‬‬
‫‪ . 2‬احلرافيش‪ :‬توليد الزمن املفتوح‪:‬‬
‫يف لغة مصاغة من أناشيد وأرق‪ ،‬وجل حمفوظ كهوف القدر اإلنساني‪ ،‬وخلق عشر حكايات طويلة‪ ،‬عنونها‪:‬‬
‫«ملحمة احلرافيش»‪ .‬تتحدث احلكايات عن مراوغة الزمن‪ ،‬إذ األمس القريب ليس له رجوع‪ ،‬وعن عدل هارب‬
‫ال يقبض عليه أحد‪ .‬وما جاء به الروائي يف عمله اجلديد‪ ،‬قال به يف «الثالثية» و«أوالد حارتنا»‪ ،‬حني تأمل معنى‬
‫الزمن يف الرواية األوىل‪ ،‬والعدل املستحيل يف الثانية‪ .‬كأن «امللحمة» تركيب فين جديد لعملني سابقني‪ ،‬أو‬
‫كتابة أخرى هلواجس مستمرة‪ .‬تبدأ «ملحمة احلرافيش» مبا بدأت به «أوالد حارتنا»‪ ،‬مستأنفة انفصال املدن‬
‫عن املقدس‪ ،‬والطالق بني املوجود واملنشود‪.‬‬
‫ا ستهل الراوي‪ ،‬الذي ال اسم له‪ ،‬حكايته األوىل‪ ،‬بطفل لقيط وعجوز ضرير عاقر الزوج‪ ،‬وولد سيء القلب‬
‫تسكنه األبالسة‪ ،‬حكاية مفزعة ملمعة بالغموض‪ ،‬تنطوي احلكاية على اخلري والشر‪ ،‬استأنف حمفوظ يف‬
‫ملحمة احلرافيش» موضوع األب املهيمن‪ ،‬الذي يوزع األعراف والقوانني واملقادير‪ .‬فبعد «أمحد عبد اجلواد»‪،‬‬
‫الذي سيطر على عائلة‪ ،‬جاء اجلبالوي»‪ ،‬الذي حكم «البيت الكبري» ورأى إىل اخلالء‪ ،‬وجاء بعدهما «عاشور‬
‫الناجي»‪ ،‬الذي هيمن على حارة وأجيال الحقة‪ .‬حييل األب يف رواية األجيال» على النهر البشري الذي انبثق من‬
‫إنسان وحيد‪ .‬ففي الثالثية اخرتق الزمن األب واالبن واحلفيد‪ ،‬إىل أن انطوى األب األول وانتسب األحقاد إىل‬
‫جد جديد‪ .‬ويف «أوالد حارتنا» صاحب الزمن اجلد األول واألبناء واألحفاد‪ ،‬وعمر اإلنسان األصلي وأمعن يف‬
‫العمر‪ ،‬حتى رأى أحفاد نسيوا امسه‪ .‬ويف ملحمة احلرافيش» يشهد «عاشور» أوالد أهلكهم الوباء‪ ،‬وولدة‬
‫وحيدة‪ ،‬قريبة من زمن البدء املبارك‪ ،‬تناسلت منه أجيال مدنسة‪.‬‬
‫اخترب حمفوظ‪ ،‬يف الثالثية‪ ،‬مقوالته الكربى يف زمن حمدد معروف البداية والنهاية‪ ،‬ووضع املقوالت‪ ،‬يف العمل‬
‫الالحق‪ ،‬يف زمن ذهين‪ ،‬يزهد بالتاريخ ويسخر من فلسفة التاريخ املتفائلة‪ ،‬فالعدالة اليت جتيء رحلت قبل‬
‫جميئها‪ .‬أما الرواية الثالثة‪ ،‬أي ملحمة احلرافيش»‪ ،‬فتوالف بني الزمنني‪ ،‬مؤنسنة األسطوري ومؤسطرة‬
‫اإلنساني‪ ،‬ومرتكنة إىل «تواتر األجيال»‪ ،‬الذي جيعل املاضي قائمة يف احلاضر‪ ،‬واملاضي احلاضر معطى‬
‫متأبياً على الرتويض‪ .‬وعن الصراع بني الزمن املعيش الرخو والزمن املاضي املتخيل‪ ،‬يصدر زمن حكائي‬

‫‪209‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫متواتر‪ ،‬حييل على الزمنني معا‪ .‬وإذا كان الزمن يف «أوالد حارتنا» دائرياً عقيماً‪ ،‬يولد وينتهي متماثال‪ ،‬فإنه‬
‫يف «ملحمة احلرافيش» متوالد‪ ،‬حاضره يف ماضيه وماضيه خمتلف عن مستقبله‪.‬‬
‫فصل حمفوظ يف أوالد حارتنا بني املقدس واملدنس فصال باترا‪ ،‬كأن املقدس‪ ،‬رغم نقاط عمياء كثرية‪ ،‬يوازي‬
‫مدنسا خالصا مل يتعرف على املقدس أبدا‪ .‬يف ملحمة احلرافيش» يتأنسن األسطوري ويتأسطر اإلنساني‪،‬‬
‫يساكن اخلري الشر ويتعايش املدنس واملقدس‪ ،‬وال تبتعد اخلطيئة عن أرواح طاهرة‪ .‬رقد أقام حمفوظ ملحمته‬
‫على جماز التكاثر‪ ،‬ي رد التكاثر‪ ،‬يف مستوياته الثالثة‪ ،‬إىل مقوالت حمددة‪ ،‬أوهلا‪ :‬املرأة‪ ،‬شرط التكاثر‬
‫ودورة احلياة‪ .‬ومثلما أن لكل حكاية أنثى يتناسل منها أفراد الحقون‪ ،‬فلكل حكاية من احلكايات العشر‬
‫فتوة يتناسل منه الضعف والقوة والظلم والعدالة‪.‬‬
‫يكشف «احلرافيش» عن الفرق بني التاريخ املتحقق‪ ،‬الذي أضاع مثاله‪ ،‬والتاريخ املرغوب الذي ينتظره مثال‬
‫مشرق يف مكان ما‪ .‬بل أن داللة احلرافيش»‪ ،‬يف أزمنتهم املتغرية‪ ،‬هي اليت تؤمن «ملحمية الرواية» يستبني‬
‫التكاثر يف حكايات متوالدة تعني التكاثر احلكائي تعبريا عن حتوالت الشر يف األزمنة املتحولة‪ :‬الوالدة‬
‫واملوت‪ ،‬النمو واالضمحالل‪ ،‬اإلقامة والرحيل‪ ،‬اقرتاب اهلدف وابتعاده‪ ،‬جميء األبناء وتكون عقوقهم‪ .‬بين‬
‫حمفوظ روايته على جماز التكاثر‪ ،‬الذي تعينه متواليات حكائية‪ ،‬معروفة البدء وجمهولة النهاية‪ ،‬وقد ارتكن‬
‫إىل رواية األجيال املوسعة‪ ،‬وحمفوظ يف سرده يصرح بالزمن ويضمره‪ ،‬وقد بنى ملحمة احلرافيش على متواليات‬
‫حكائية‪.‬‬
‫ليس يف تصور حمفوظ ما يتفق مع زمن شكاالني ميت‪ ،‬يستولد حكاية من أخرى مبا ينسجم مع زمني ديين‬
‫مغلق‪ ،‬حتقق حكايته األخرية ما شامله احلكاية األوىل‪ .‬ذلك أن حمفوظ‪ ،‬الذي يتأمل التاريخ وال يثق بعد اليه‪،‬‬
‫يبين احلكايات مجيعا على خربة مجاعية زمنية‪ ،‬فهو يؤول التاريخ ويعيد تأويله‪ ،‬ويضع التاريخ املسؤول يف‬
‫منوذج روائي بكلف معناه ويوطد داللته‪ ،‬تأمل حمفوظ يف «املقطع احلكائي» ظالل التاريخ املعتمة‪ ،‬وتقري‬
‫آثار «التكاثر اإلنساني» املفتوح على اجملهول‪ .‬ال مكان لليقني املطمئن ورذاذ اليقني متباعد املسافات‪ ،‬واحللم‬
‫مكان اليقني الذي ليس له مكان‪ .‬يصرح حمفوظ بالتناظر املستحيل يف نهاية احلكاية األوىل‪ ،‬اليت تنغلق‬
‫على خامتة»‪ ،‬لن تتوفر للحكايات األخرى‪ ،‬تستأنف احلكاية األخرية احللم وتدفن الكابوس‪ ،‬وتنتهي باال‬
‫خامتة‪ ،‬ألن حتقق حلمها جمرد احتمال‪ ،‬على خالف احلكاية األوىل وحلمها القديم‪.‬‬
‫يؤدي نفي التناظر إىل نفي التكرار الثابت‪ ،‬الذي حكم رواية «أوالد حارتنا» وقيد عالقاتها‪ .‬والتكرار‪ ،‬كما‬
‫أشرنا‪ ،‬سخرية من زمن متجانس أقرب إىل الفراغ وهجاء لقول قديم يوهم باجلدة‪ .‬يعود التكرار متغرية يف‬
‫«ملحمة احلرافيش»‪ ،‬يالزم احلكاية املفردة واملتواليات احلكائية معا‪.‬‬
‫اطمأن حمفوظ إىل مبدأ التكرار املتغري ودلل عليه بأشكال خمتلفة‪ :‬أوهلا تباين املسمى‪ ،‬الذي يذيب االسم‬
‫يف السياق‪ ،‬ساخرة من االسم وحمتفياً بالسياق‪ .‬يكثف حمفوظ داللة الشكلني يف جماز األشقاء‪ ،‬الذي‬
‫يستولد اخلري والشر من أم واحدة‪ ،‬ويستولد من «األخوة األعداء» ما يثبت التكرار وميحوه‪ .‬حيتفي حمفوظ‪،‬‬

‫‪210‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫وهو ينفي التكرار الثابت‪ ،‬باحلياة املتجددة اليت ينكر تعددها التماثل‪ ،‬ويستنبت من التكرار آفاق الدهشة‬
‫واحتماالت املتوقع‪.‬‬
‫وكما تكون احلياة يكون زينها‪ ،‬متدفقاً ال انقطاع فيه‪ ،‬ومتنوعا حيتمل املوت واحلياة واملوات‪ .‬فإن فساد‬
‫األزمنة‪ ،‬الذي توحي به «أوالد حارتنا‪ ،‬ال مكان له يف «ملحمة احلرافيش»‪.‬‬
‫يتعني اجلنس الروائي‪ ،‬نظرية‪ ،‬بالتناقض القائم بني مثال أخالقي قوامه الثبات وتاريخ متغري‪ ،‬يهمش املثال‬
‫وحييله حلما ‪ .‬يرى حمفوظ إىل التاريخ املتغري‪ ،‬وإىل ثبات اغرتاب املثل يف التاريخ املفرتض‪ .‬لكن حمفوظ الذي‬
‫يواجه تغري التاريخ الزمين بثبات السلب القيمي‪ ،‬ينقذ معنى التاريخ يف «ملحمة احلرافيش» مرتني‪ :‬مرة أوىل‬
‫حني ال يعترب التاريخ شراً كله‪ ،‬ففي هوامش احلكاية دائمة خري مهمش تتمدد مساحته يف بعض األزمنة‪،‬‬
‫ومرة ثانية حني يؤمن بتعاقب األجيال وبتواتر األزمنة املختلفة‪ .‬ال يقول الروائي بارتقاء التاريخ‪ ،‬وال مبا هو قريب‬
‫من االرتقاء املتدرج‪ .‬إمنا يقول بأن «التاريخ احلقيقي» مل‪ ،‬وبأن ما قبل التاريخ» يستمر منذ زمن سحيق‪ ،‬وهذا‬
‫ما تشري إليه «احلكاية العاشرة"‬
‫يقسم حمفوظ التاريخ إىل ما قبله وهو زمن السود واىل ما بعد‪ ،‬وقت زمن األمل‪ ،‬وقد يقال‪ :‬إن حمفوظ استولد‬
‫احلكاية األخرية من احلكاية األوىل وبقي يف زمن األصل‪ ،‬وهو يوزع على إنسان احلكايتني امسا مشرتكا‬
‫هو‪ :‬عاشور‪ ،‬مرة أخرى يساوي حمفوظ بني احلكم الفردي وبني قبل التاريخ‪ ،‬ويرى مبتدأ التاريخ يف زمن حترر‬
‫من سلطة األفراد‪ ،‬وحترر أكثر من سلطة املنقذ» ود امللهم» و« املخلص» و«البطل املوعود»‪ .‬ومثلما استولد‬
‫حمفوظ التناظر ونفاه‪ ،‬استقدم األسطوري وصرفه أيضا‪ .‬لقد أوهم حمفوظ باملاضي وحتدث عن كل األزمنة‪،‬‬
‫مصرياً املاضي حاضراً واملستقبل زمناً جديداً ليس له أصول‪ .‬بل إنه وضع احلاضر واملاضي يف شكل ملحمي‪،‬‬
‫ليقول بتفسخ الزمنني وانطواء زمن امللحمة‪.‬‬
‫‪ . 3‬التاريخ املختلف بني روايتني خمتلفتني‪:‬‬
‫ينهي حمفوظ احلكاية العاشرة يف ملحمة احلرافيش» باألناشيد واحللم املنتصر‪ .‬ختتلف نهاية الرواية عما انتهت‬
‫به «أوالد حارتنا»‪ ،‬اليت انغلقت على خواء‪ ،‬شاء حمفوظ أن يعيد صياغتها وأن «يصحح» تصوره األخري للتاريخ‪،‬‬
‫فيندد بشرور العامل اليت ال تنتهي‪ ،‬تنزع الرواية األوىل إىل القول بنهاية التاريخ» وتبشر الثانية باحتمال «بداية‬
‫التاريخ»‪.‬‬
‫تنهض الروايتان‪ ،‬كما أشرنا‪ ،‬على عناصر مشرتكة كثرية‪ :‬األب واألبناء واألحفاد املكان والزمان‬
‫اجملازيان‪ ،‬أسطرة الواقع‪ ،‬التكرار والتناظر‪ ،‬تواتر «الفتوات»‪ ،‬العدل املهزوم والظلم املنتصر‪ ،‬فساد الزمان‬
‫وفساد اإلنسان‪ ،‬وذلك «السحر الغامض»‪ ،‬الذي ينبئ ببدء اخلليقة‪ ..‬يضع التصور الروائي العناصر املشرتكة‬
‫يف روايتني خمتلفتني يف البنية واملنظور‪ ،‬أو يف بنيتني خمتلفتني تنتجان تأويلني غري متشابهني ملعنى التاريخ‪.‬‬
‫ترتكن البنية الروائية يف «أوالد حارتنا» إىل مبدأ «السابق الذي يفسر الالحق»‪ ،‬الذي يوصل إىل يقني التشاؤم‪،‬‬
‫املؤسس على «شر‪ -‬أول»‪ ،‬يتناتج منتصرة ‪ .‬بينما تتكئ البنية الثانية على مبدأ مغاير‪« :‬الالحق الذي يفسر‬

‫‪211‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫السابق»‪ ،‬منتهية إىل الاليقني‪ ،‬أو إىل يقني االحتمال‪ ،‬الذي يوحد املتوقع والالمتوقع‪ ،‬وينتظر الدهشة من اجتاه‬
‫جمهول‪ .‬يلغي تفسري الالحق بالسابق معنى الزمن يف رواية األجيال»‪ ،‬ويرحل إىل املستقبل كوابيس املاضي‪.‬‬
‫على خالف «أوالد حارتنا» تستبدل «ملحمة احلرافيش» التكرار املتغري بالتكرار‪ ،‬واحللم بالكابوس وزمن‬
‫األجيال املفتوح بزمن املقوالت املغلق‪ ،‬واملالمح اإلنسانية الواضحة باملالمح املبهمة‪ ،‬واألزمنة املتابعة بالزمن‬
‫اجلوهري‪ ،‬والفردوس املفقود باجلحيم املوجود ‪ .. ..‬خييم اليأس على الروايتني‪ ،‬ينفتح على اليوتوبيا يف رواية‬
‫وعلى الالشيء يف الرواية األخرى‪ .‬فسر‬
‫الروائي التاريخ‪ ،‬مرتني‪ ،‬بشكلني خمتلفني‪ ،‬ورفضه‪ ،‬مرتني‪ ،‬بطريقتني خمتلفتني‪.‬‬
‫ملاذا عاد حمفوظ إىل أخناتون بعد أربعني عاماً؟‬
‫أنهى حمفوظ «مرحلته التارخيية» برواية «كفاح طيبة» ‪ -1944-‬مبتعدا عن حلم راوده طويال‪ ،‬بوضع تاريخ مصر‬
‫كله يف شكل روائي‪ .‬و بعد أربعني عاما عاد الروائي جمددا إىل زمن الفراعنة‪ ،‬يف رواية عنوانها "العائش يف‬
‫احلقيقة" ‪ -1985-‬مستعيدة أطياف أخناتون‪ ،‬الذي نظر إليه بإعجاب فيزمن سبق‪ .‬ملاذا عاد؟ بيد أن اجلواب‬
‫املفرتض يتداعى سريعة‪ ،‬ذلك أن‬
‫الروائي الشيخ أدرك معنى احلاضر‪ ،‬وروض ما استعصى عليه بكتابة روائية متواترة‪.‬‬
‫روض الروائي ما استعصى عليه وبلغ نهايات الطريق‪ .‬ولذلك يأتي اجلواب من نهايات الطريق ال من حاضر بدا‪،‬‬
‫ذات يوم‪ ،‬ثقيل األقفال‪ .‬واحلاضر‪ ،‬الذي رد الروائي إىل «أجماد الفراعنة» مائل يف روايتني‪ ،‬ترحالن إىل مصر‬
‫القدمية‪ ،‬أسئلة راهنة ال قديم فيها‪ .‬والرواية األوىل هي «عبث األقدار» اليت حتدثت‪ ،‬يف «زمن ملكي»‪ ،‬عن‬
‫األسرة احلاكمة واحتكار السلطة‪ ،‬وعن حق الشعب يف كسر االحتكار وجتديد السلطة‪ .‬انطوت الرواية‬
‫الالحقة‪« :‬رادوبيس» على أسئلة من الرواية األوىل‪ ،‬متس السلطة العابثة‪.‬‬
‫يكشف القول الروائي يف «العائش يف احلقيقة» عن داللة العودة إىل مرحلة ماضية‪ ،‬ويوطد الشكل الروائي‪:‬‬
‫ومع أن الرواية التارخيية املتأخرة‪ ،‬أي «العائش يف احلقيقة» احتفظت بالثابت السلطوي مرجعة‪ ،‬فما جاءت به‬
‫خيتلف عما جاء يف الروايات التارخيية السابقة‪ .‬اجنذب حمفوظ إىل الفضيلة الكاملة‪ ،‬اليت دعا إليها أخناتون‪.‬‬
‫واجنذب أكثر إىل املال املأساوي الذي ينتظر دعاة الفضيلة‪ .‬متيز أخناتون‪ ،‬الذي عوضته قوته الروحية عن‬
‫ضعفه اجلسدي‪ ،‬بأمرين‪ :‬انصرف عن الشؤون الدنيوية انصرافا كامال‪ ،‬ومترد على الدين املوروث القائل‬
‫بتعددية اآلهلة‪ ،‬وواقع األمر‪ ،‬أن يف سرية أخناتون اشكاال متعدد الوجوه‪ ،‬فهو الضعيف يف عالقته بشؤون‬
‫احلياة والقوي يف عالقته بالرسالة اليت يدعو إليها‪ ،‬وهو الذي جير البالد إىل التداعي وينادي بالعدل واملساواة‬
‫بني البشر‪ .‬يتوالد التمرد الذي ال ميوت وينتهي املتمرد إىل موت ال هرب منه‪ .‬إن رواية حمفوظ ترى إىل السلطة‬
‫والتمرد وترى وراءهما معنى احلقيقة‪ .‬ولعل جدل احلقيقة والسلطة‪ ،‬يف بناء روائي حواري يقرتح الزمن ويتحرر‬
‫منه‪ ،‬هو الذي جعل حمفوظ يتخذ من أخناتون جمازاً‪ ،‬ينتمي أخناتون إىل زمنه وتنتمي قضيته إىل كل األزمنة‪.‬‬
‫لقد ساوی حمفوظ بني أخناتون وصعوبة احلقيقة‪ ،‬ووضع احلقيقة املؤنسنة يف شكل روائي حواري‪ ،‬ينطق‬
‫باألحكام جزئية ومبعثرة‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫ما الذي جعل حمفوظ يعود إىل أخناتون بعد أربعني عاما؟ تأتي اإلجابة من اجتاه وأكثر‪ .‬تأتي أوال من جماز‬
‫رحلة البحث عن احلقيقة‪ ،‬اليت ال تنتهي إىل املوت والتداعي‪ ،‬كما هو احلال يف روايات حمفوظ املختلفة‪ ،‬بل‬
‫إىل شيء قريب من الطمأنينة احلزينة‪ .‬كأن حمفوظ العجوز أراد أن خيترب ما وصل إليه‪ ،‬متوسالً شخصية‬
‫تارخيية جذبتة منذ زمن‪ .‬كما أن يف شخصية أخناتون‪ ،‬اليت ترتك السلطة وتسري مطمئنة وراء املعرفة‪ ،‬وجتاهد‬
‫ومتوت سعياً يف الوصول إليها‪ .‬وبهذا املعنى تكون «العائش يف احلقيقة» رواية عن صعوبات احلقيقة ال رواية‬
‫عن السلطة‪ ،‬كما اعتاد حمفوظ أن يفعل‪ ،‬وإن كانت السلطة وجها من وجوه الرواية‪.‬‬
‫ي ؤكد حمفوظ املعنى الذي يقصد إليه يف الشكل الروائي الذي اختاره‪ ،‬وهو الشكل التارخيي الذي اتكأ‬
‫عليه يف مرحلته الفرعونية» يعلن الشكل عن نهاية الرحلة الروائية‪ ،‬أو عن انغالق الدائرة الروائية‪ ،‬حيث النهاية‬
‫تعود إىل البداية‪ ،‬والروائي يفرش صفحاته معلنا عما وصل إليه ‪ ،‬وإذا كان يف الشكل الروائي ما حيقق اللقاء‬
‫بني ‪ :‬عبث األقدار ‪ -1939-‬وهي الرواية األوىل‪ ،‬و«العائش يف احلقيقة‪ ،‬وهي الرواية األخرية قائال يتحقق‬
‫احلكاية‪ ،‬فإن يف القول الروائي األخري ما يعالن بفلسفة حمفوظ وتصوره األخري للعامل والتاريخ‪ :‬ال تنتصر‬
‫احلقيقة وال متوت‪ ،‬ألنها تعثر دائما على من ينصرها وال ينتصر‪ .‬واحلقيقة اليت تنتصر زائفة‪ ،‬ذلك أن انتصارها‬
‫خيتلس منها فضيلة البحث واحلقيقة هي البحث املفتوح عنها ال أكثر‪.‬‬
‫فالرواية األوىل‪ ،‬رغم قيمتها الفنية احملدودة‪ ،‬تشكل موقعة نادرة لقراءة تصور حمفوظ الشاب للعامل‪ ،‬حايث‬
‫أعماله الالحقة دون تغيري كبري‪ .‬و«العائش يف احلقيقة‪ ،‬نص نظري يفصح‪ ،‬بال إبهام‪ ،‬عن نظر حمفوظ إىل‬
‫الوجود‪ ،‬بعد أن دخل إىل العقد الثامن من عمره املضيء‪ ،‬وتابع النظر إىل حقيقة متوت يف املنفى ‪.‬‬
‫احلكاية والتاريخ يف مدن امللح‪:‬‬
‫إذا كان حمفوظ الذي اختذ من القاهرة مكانة روائية راسخة‪ ،‬قد قرأ السلطة يف زمن جمازي‪ ،‬يوحد بني‬
‫األزمنة السلطوية كلها‪ ،‬آيته‪« ،‬احلرافيش» و«أوالد حارتنا احلقيقة»‪ ،‬فإن عبد الرمحن منيف‪ ،‬الذي مل يلتق‬
‫به قاهرته» عاين أحوال السلطة يف مكان ‪ -‬جماز‪ .‬ففي رواية «شرق املتوسط»‪ ،‬اليت ترصد سجونا واسعة‬
‫وضيقة‪ ،‬عواصم عربية منظورة وغري منظورة‪ ،‬ويف النهايات» قرية «طيبة» خمذولة توجد يف البلدان العربية‬
‫كلها ويف ال مكان‪ ،‬و«مدن امللح»‪ ،‬اليت هجنها النفط وتنتظر األفول‪ .‬تشاطر الروائيان‪ ،‬يف عالقتهما بالسلطة‪.‬‬
‫املنفى‪ :‬عنصر أول يف تصور منيف للعامل‪ ،‬حيكم أسئلته ويسكن حساسيته وميلي عليه املواضيع‪.‬‬
‫بدأ منيف اإلنسان من املنفى‪ ،‬باملعنى املكاني‪ ،‬وأوصله تعاقب املنفى إىل داللته السياسية‪ .‬بيد أن املنفى زاد‬
‫اتساعا حني ظن‪ ،‬منيف الشاب‪ ،‬أن يف العمل السياسي املباشر ما يهزم املنفى وحيقق األوطان‪ .‬يتحدث منيف‪،‬‬
‫وهو ينظر إىل ماض خمذول توقع منه وطن‪ ،‬عن «جو السياسة األمية واملتقلبة اليت تغمر الساحة العربية من‬
‫أقصاها إىل أقصاها»‪ ،‬وعن سيطرة منط من السياسيني الذين يتصفون بالشطارة والقسوة االنتهازية‪ ،‬وصوال‬
‫إىل اخلسة‪ ،‬يف آن واحد»‪ .‬لقد حبث عبد الرمحن‪ ،‬يف أزمنة خمتلفة‪ ،‬عن‪« :‬اآلخرين»‪ ،‬مؤمنا بأن املنفى املفرد‬
‫ال يبين وطنا‪ .‬كان عليه‪ ،‬يف جتربة حمبطة‪ ،‬أن يطرد «اآلخرين‪ ،‬الذين نعتهم بالقسوة االنتهازية»‪ ،‬وأن يذهب‬
‫إىل «آخرين» جدد‪ ،‬حيقق معهم حوارة صادقة‪ ،‬يدعون ب‪ :‬القراء‪ .‬ولعل هؤالء اآلخرين‪ ،‬الذين شاء الروائي أن‬

‫‪213‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫يكون منهم ومعهم‪ ،‬هم الذين يقرتحون عليه أن يكتب عن أحالم مؤجلة وكوابيس متحققة‪ ،‬يشهد الروائي‪،‬‬
‫كتابة‪ ،‬على ما يعيشه اآلخرون وال حيسنون كتابته‪ ،‬منددة مبا ينددون به‪ ،‬وناظرة إىل أفق مرغوب ينتظرونه‪.‬‬
‫تأخذ الرواية ‪ -‬الشهادة‪ ،‬اليت تدون أحوال من ال يعرفون التدوين‪ ،‬بلغة وسطى»‪ ،‬تقرب بني القارئ والروائي‪،‬‬
‫وبني الرواية ولغة حمتملة‪ ،‬يصوغها القارئ والروائي معا قريبة من لغة اآلخرين‪ .‬يرى الروائي يف التاريخ ذاكرة‬
‫إضافية‪ ،‬يأمر بها حاضر يكرر أمسه‪ ،‬ويرى يف الكتابة الروائية للتاريخ قراءة نزيهة تصحح أخرى‪ ،‬تعظم‬
‫احلكام وختتزل التاريخ إىل قراءة «جتب صوت احلقيقة»‪ .‬يشري الروائي‪ ،‬الذي يفسر احلاضر مباضية‪ ،‬إىل‬
‫املعرفة اليت تنتج الرواية واىل املعرفة املغايرة اليت تنتجها الرواية‪.‬‬
‫مدخل أول‪:‬‬
‫‪ . 1‬حني تركنا اجلسر‪ :‬يف البدء جاءت اهلزمية‪:‬‬
‫حني تركنا اجلسر» نص منوذجي عن املهزوم الذي ختلى عن جسره‪ ،‬وكتابة فاتنة عن وعي يتاخم اجلنون‪.‬‬
‫نص كثيف متوتر يسرد أحوال مهزوم ترفض روحه اهلزمية‪ ،‬ويشقى عقله يف تأمل مصادرها‪.‬‬
‫يسرد الراوي هزميته الروحية ومترد وعيه على اهلزمية الالمعقولة‪ ،‬بنربة عالية مريرة‪ ،‬هي نربة الوعي الوطين‬
‫العفوي‪ ،‬الذي أدمته اهلزمية وأمضته أسبابها الغامضة‪ .‬يطرح الراوي أسئلته‪ ،‬ويصوغ الروائي األسئلة بأدوات‬
‫فنية مطابقة جتزأ فضاء روائية يبين‪ ،‬إشارية‪ ،‬صورة اإلنسان املعطوب وحبثه الشاق عن املعنى‪ .‬فالفعل الروائي‪،‬‬
‫الذي يضطرب يف روح مليئة بالثقوب‪ ،‬يدور يف طبيعة باردة يطارد فيها «الصياد»‪ ،‬وهو اجلندي املهزوم‪ ،‬طرية‬
‫فاتنا مكر به وتأبى عليه‪ .‬الصيد هو املوضوع الذي يصل بني الطرفني‪ ،‬يتأمل الصياد فيه وجوه الطبيعة‪،‬‬
‫وختترب األخرية به أحوال اإلنسان وأدواته‪.‬‬
‫بنى منيف‪ ،‬يف حني تركنا اجلسر»‪ ،‬عاملا خمذوال مغلقا‪ ،‬باقتصاد إشاري رهيف إن مل ينب العامل املخذول يف‬
‫ذاته‪ ،‬الذي ينفتح مرة واحدة‪ ،‬قبل أن متحوه جتربة مرهقة‪ .‬ينفتح النص بشخص ذلك «الشيخ»‪ ،‬وهو الصياد‬
‫السوي‪ ،‬الذي حدد الطريدة‬
‫واقتصد الطلقات‪ .‬وما احلجر احملتجب الذي صرع الكلب املسكني‪ ،‬بعد الصيد اخلائب‪ ،‬إال نهاية جتربة‬
‫وبداية أخرى‪ .‬حققت الرواية اتساقا فنية منوذجية‪ ،‬قوامه عالقات متناظرة متعددة‪ ،‬تعكس عاملا رمادية وخيبة‬
‫ثقيلة ووحشة مسيطرة‪ .‬تتكامل العالقات وترفد الدالالت بعضها بعضاً‪ ،‬منتهية إىل فضاء متجانس قاس‪،‬‬
‫يُكسر مرة واحدة‪ .‬وواقع األمر‪ ،‬أن الروائي بنى بصرية نافذة‪ ،‬عامل البشر وهو يبين عامل األشياء‪ ،‬وفصل‬
‫بينهما‪ ،‬حيث يف العامل األول شيخ‪ ،‬وأطياف بشرية بعيدة‪ ،‬ويف العامل الثاني مطر ووحل وبومة ميتة وبندقية‬
‫خمففة وكلب ذليل وصياد فقد روحه‪.‬‬
‫صاغ عبد الرمحن عمله بنسق إشاري حمسوب‪ ،‬يستهل ببنات آوى وخيتتم ببشر يعرفون وينتظرون‪ .‬تبدأ الرواية‬
‫بصراخ حيواني مبتهج‪ ،‬تعطف على «فرح األبالسة» جنديا «خمصيا» يطارد‪ ،‬خمفقة‪ ،‬طائرة مجي‪ ،‬حتت مساء‬
‫شباط الباردة‪ ،‬فوق أرض موحلة‪ ،‬ويوجه األوامر الزاجرة إىل كلب مسكني‪ ،‬ال يقل عن صاحبه إخفاقاً‪ .‬فضاء‬

‫‪214‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫موحش‪ ،‬هرب منه الدفء‪ ،‬واستبقى جندية معطوبة‪ ،‬كلماته مثل طلقاته‪ ،‬تتناثر عمياء مستدعية القرود‬
‫واألفاعي والديدان والعناكب واجلرذان اجلرباء والفأر القطيب‪.‬‬
‫تكثف الرواية النسق املوحش بنسق مواز مغاير يضيء‪ ،‬بإيقاع ثابت‪ ،‬ما خارجه رافعة أجواء اخليبة إىل ختومها‬
‫العليا‪ ،‬و ُتقرأ الرواية يف موضوعها املباشر‪ ،‬وتُقرأ أكثر يف إشاراتها املتعارضة‪ ،‬اليت تواجه القبيح الفاشل‬
‫جبميل ينكر اإلخفاق‪ .‬وضع منيف‪ ،‬وهو يرفع املعنى املقصود إىل ذروته األخرية‪ ،‬الفعل الروائي يف روح معطوبة‪،‬‬
‫جتعل ما خارجها امتداداً معطوباً هلا‪ .‬كتب منيف عن «هزمية» لوعت جيله وكتبت روايته عن «اهلزمية»‪ ،‬اليت‬
‫تصدر‪ ،‬يف البدء‪ ،‬عن سلطة وتتحول‪ ،‬يف النهاية‪ ،‬إىل السلطة يف ذاتها‪.‬‬
‫تسرد «حني تركنا اجلسر» سريتني‪ ،‬بشكل ال متكافئ‪ ،‬ختص أحدهما‪ ،‬وهي موسعة‪ ،‬جندياً مهزوماً‪،‬‬
‫وختص ثانيهما‪ ،‬وهي مقتضبة‪ ،‬سلطة تقمع اجلندي ال عدوه‪ ،‬وإذا كان يف السرية املوسعة ما يفصح عن هموم‬
‫اإلنسان العادي وقيمه‪ ،‬فان يف السرية األخرى ما حيكي عن سلطة متبلدة‪ ،‬فقرية اهلموم والقيم‪.‬‬
‫مدخل ثانٍ‪:‬‬
‫‪ . 2‬النهايات‪ :‬يف البدء كانت السلطة‪:‬‬
‫تسرد «النهايات» أفول الرباءة وفساد األمكنة‪ ،‬متهمة حداثة مشوهة قاتلة‪ ،‬هي صورة أخرى عن سلطة ال‬
‫عقالنية تغتال عقالنية الطبيعة القدمية‪.‬‬
‫يصوغ منيف‪ ،‬يف تصور تفرتشه الرموز‪ ،‬عالقة الفضاء النقي بالسلطة ‪ /‬املدينة متكئ على حكاية صياد‬
‫بريء يقود «ضيوفا من املدينة يف رحلة صيد مشؤومة‪ .‬والصياد‪ ،‬الذي كان مرتاحا قبل أن يصافح رسل املوت‪،‬‬
‫هو «ابن الطبيعة»‪ ،‬الذي وضعت فيه أمه عقالنية فطرية‪ ،‬توازن القحط باخلصب وتفرق بني القتل والصيد‪.‬‬
‫يف انتصار املدينة على الطبيعة انتصار للكذب على احلقيقة‪ ،‬وما العاصفة الرملية العاتية‪ ،‬اليت استقبلت بها‬
‫الصحراء «أبناء املدينة»‪ ،‬إال إعالن عن رفض الطبيعة احلاسم قبول عناصر آمثة غريبة عنها‪ ،‬تصطاد احلمائم‬
‫باملدافع وتعبث بروح الطبيعة الفاضلة‪.‬‬
‫حتضر السلطة‪ ،‬بشكل متقطع‪ ،‬يف «النهايات»‪ ،‬مبرايا «القروي»‪ ،‬اليت تستل منه املدينة روحه األوىل وتعوضه‬
‫بأخرى كاذبة‪ ،‬وباملختار» العاجز‪ ،‬املوزع على الضيوف‪ ،‬وعلى الصياد الربيء‪ ،‬وبـ «الدركي» الذي يسعف‬
‫الصياد بعد فوات األوان‪ ...‬بيد أن حضور السلطة الومضي والطاغي يف آن‪ ،‬يتجلى يف «السد» املؤجل‪ ،‬الذي‬
‫مينع عن القرية القاحلة موتها البطيء‪ ،‬ويرأف بطيور الصحراء وحيواناتها‪ُ .‬تقرأ الرواية بهذا املعنى‪ ،‬يف جدل‬
‫«السد»‪ ،‬وهو يشري إىل السلطة‪ ،‬و« الصيد» الذي يقود إىل الطبيعة‪ .‬تفصل الرواية‪ ،‬وهي ترثي الرباءة القتيلة‪،‬‬
‫بني كيانني ال متجانسني‪ ،‬وترى يف اتصاهلما رحيالً للجمال واستقراراً لقبح ال يُحتمل‪ .‬خيتم الروائي قوله‬
‫الرثائي بتعليق حكائي‪ ،‬ميدح الطري ويثين على فضائل احليوان عنوانه "بعض حكايات الليلة العجيبة" أي تلك‬
‫اليت تلت مصرع الصياد الربيء‪ .‬يأخذ الروائي احلزين موقع الصياد القتيل ويرى إىل حقيقة اخرية‪ ،‬تلعن الصيد‬
‫»‪ ،‬الذي صار قتالً ‪ ،‬والسلطة اليت تتجاهل «السد» والقرى النائية‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫يتكشف التاريخ‪ ،‬يف حني "تركنا اجلسر"‪ ،‬يف وعي أسيان‪ ،‬يرى السلطة عدواً واهلزمية سلطة‪ ،‬وينتهي إىل‬
‫تفاؤل حمسوب‪ .‬وقد يبدو معنى التاريخ‪ ،‬بشكل أدق يف سلطة مل تصبح دولة ويف إنسان ال يصري مواطناً‪ ،‬ويف‬
‫اختبار مدوٍ يساوي السلطة‬
‫باملوت‪ .‬كأن التاريخ هو اغرتاب القيم العقالنية عن حتققها‪ ،‬فال للوطن سلطته وال للمواطن الغائب معركته‬
‫الصحيحة‪ ،‬تعيد رواية «النهايات» قول الرواية األخرى وتغلق األفق‪ .‬فالتاريخ هجني‪ ،‬يطرد من التقنية استعماهلا‬
‫العقالني‪ ،‬ويستبقي القتل املوسع‪ ،‬الذي يدفن احلاضر واملستقبل‪ .‬يرتاءى التارخيي املخفق يف االنفصال بني‬
‫القرية واملدينة‪ ،‬ويف املدينة اليت تشوهها السلطة‪ ،‬والقيم السلطوية اليت تضطهد الكيف وحتتفي بعبادة الكم‪،‬‬
‫ويف التداعي األخالقي املرتامي الذي يعمم «اجلرمية»‪ ،‬ويسلم الريف واملدينة والصحراء إىل أيدٍ قاتلة‪.‬‬
‫‪ . 3‬كل الطرق تؤدي إىل مدن امللح‪:‬‬
‫تنتمي السلطة واهلزمية يف رواية منيف إىل فضاء متجانس‪ ،‬جيعل منهما عالقة واحدة‪ .‬تهزم السلطة احملتكرة‬
‫اليت توحي باالستقالل اإلنسان قبل أن تقوده إىل املعركة‪ ،‬تسلبه كيانه وترمي به خارجها مقيداً‪ ،‬مستأثرة‬
‫وحدها باالستقالل املفرتض‪ .‬يشتق منيف السجن من السلطة والسلطة من شرعية ال وجود هلا‪ ،‬يستعيض عنها‬
‫احلاكمون بالقمع وتكثري املقابر‪ .‬قاده سؤال القمع‪ ،‬الذي يوقظ سؤال احلرية‪ ،‬إىل موضوع النفط‪ ،‬مؤمنا‬
‫بأن النفط سجن شاسع أخر‪ ،‬تدور فيه السلطة‪ ،‬واجملتمع يشهده بأشكال ال متكافئة‪.‬‬
‫‪ . 4‬احلكاية والراوي‪:‬‬
‫يتأمل منيف يف مدن امللح» اكتشاف النفط‪ ،‬الواقعة األكثر خطرة يف التاريخ العربي احلديث‪ .‬يعطي وجهة‬
‫نظر يف التاريخ وال يكتب التاريخ‪ ،‬ويكتب ما رأى بصيغة اجلمع واملفرد‪ :‬مفرد هو يف كتابة ينجزها نيابة عن‬
‫غريه‪ ،‬وغري مفرد وهو يقاسم غريه وجهة النظر وآفاق االنتظار‪ .‬شاء منيف أن يواجه رواية السلطة برواية أخرى‬
‫تسرد أحوال املغلوبني وتتخفف من أوهامهم‪.‬‬
‫تنطوي حكاية النفط‪ ،‬وهي احلكاية ‪ -‬األم‪ ،‬على حكايتني كبريتني خمتلفتني يف املصائر‪ ،‬تقف وراءهما‬
‫حكاية متسلطة تستولد احلكايات وتدفنها‪ .‬تتكشف حكاية املغلوبني يف مكان قديم متوارث اكتسحه‬
‫وافد أجنيب‪ ،‬وبنى فوقه مكانة جديدة منقطعة عنه‪ .‬يكتب الروائي حكاية املكان من وجهة نظر الذين‬
‫كانوا فيه وينتظرون عودته‪ ،‬راضية بتصور املكان ‪ -‬األصل‪ ،‬الذي يتسلح به اخلاسرون‪ ،‬حيث ما كان‬
‫وتالشى يصطبغ بألوان اجلنة‪ ،‬وحيث املتالشي اجلميل يرجع بعد زمن‪.‬‬
‫« إنه وادي العيون ‪ ،).. ..‬مجلة تشري إىل قادم غري مألوف‪ ،‬وتشي برحيل وشيل احلدوث‪ ،‬مجال يسري إىل موته‪،‬‬
‫وموت مفزع يسري إىل حكايته‪ ،‬واجلمال الراحل الذي رقد يف حكاية‪ ،‬تبعثه حكاية أخرى وقد زاد مجاال‪،‬‬
‫ألنه مجال حييل على معجزة‪ .‬بين عبد الرمحن املكان املفقود كما أرادته ذاكرة املغلوبني أن يكون‪ ،‬مكانة‬
‫‪ -‬مثاال‪ ،‬تتلو رحيله اللعنة واألماكن اهلابطة‪.‬‬
‫تطمئن حكاية املغلوبني إىل سطح األرض املبارك‪ ،‬الذي تفرتشه اخلضرة وقامات ضامرة تضارع اخليول‬
‫الكرمية‪ .‬ومع أن يف تصور املغلوبني ما يؤمن دائما بفساد األزمنة‪ ،‬فإن فيه ما يستولد مجال املاضي املنقضي‬

‫‪216‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫من قبح احلاضر املنتصر الذي قام على أنقاضه‪ .‬يتناقص املكانان ويتنافيان‪ ،‬فوجود أحدهما هو غياب اآلخر‪.‬‬
‫يتحدث املغلوبون‪ ،‬الذين يستعصي عليهم معنى اآللة‪ ،‬عن انتصار الشر الغامض على خري صريح ال ميكن‬
‫االنتصار عليه‪ .‬بأخذ منيف‪ ،‬وهو يصف املكان ‪ -‬األصل‪ ،‬بتصورات املغلوبني ويؤول ماله بتصوير معابر‪ ،‬كما‬
‫لو كان يقاسم املغلوبني مصائرهم ويري إىل ما ال يرونه‪.‬‬
‫يشتق منيف مكان اجلمال واحلقيقة من تصورات املغلوبني‪ ،‬ويكتفي بوعيه منتق اىل مكان غري مسبوق‪ ،‬ال‬
‫مجال فيه وال حقيقة‪ ،‬إال من حقيقة النفط امللتبسة باملصلحة‪ .‬ينتهي «متعب اهلذال»‪ ،‬ابن الصحراء النبيل‪ ،‬يف‬
‫قرب جمهول‪ ،‬وتنهض فوق "وادي العيون" آبار النفط راسخة‪ ،‬وتلهث «حران العرب» وراء «حران األمريكان»‪،‬‬
‫وكلما زاد هلاث احملاكاة املخفقة استقرت البلدة الثانية وتهجنت البلدة األوىل‪ .‬زمن منتصر ميحو غريه‪ ،‬أو‬
‫زمن خمفق ينتظر غده‪ .‬وواقع األمر أن الزمن املخفق ال ينتظر شيئا منذ أن غدا مجلة يف حكاية صاغها غريه‪،‬‬
‫استهالهلا االستئصال وإلغاء اآلخرين‪.‬‬
‫تصدر املأساة عن حكاية النفط الكربى‪ ،‬اليت تستولد حكايات ومتحو غريها‪ ،‬نضع يف ذاكرة املغلوب‬
‫أسطورة املكان املثال‪ ،‬قبل أن ترتفع يف مكانه مدينة من صنع الشياطني‪.‬‬
‫يرتاءى االستبدال العميق‪ ،‬باملعنى احلكائي‪ ،‬يف اجتاهات متعددة‪ :‬توسع حكاية السلطة املسيطرة اليت تضيق‬
‫على حكايات بشر عاديني ال سلطة هلم‪ ،‬فبعد حكايات متناجتة‪ ،‬يف زمن الرباءة‪ ،‬تفرض السلطة حكايتها‬
‫وترمي مبا تبقى إىل هامش خمذول تضطرب فيه ألسنة فقرية قلقة‪ .‬فالسلطة اليت ال ترى وال تريد أن ترى‪ ،‬يف‬
‫زمن ما قبل النفط‪ ،‬تستولي على ما عداها الحقا‪ ،‬تستأثر باحلكايات وتضيق عناصرها‪ ،‬وحتول ذاتها إىل‬
‫حكاية مسيطرة تطرد غريها‪ .‬بيد أن السلطة‪ ،‬وهي تعتقل احلكايات تعتقل احلياة‪ ،‬ألن احلياة حكايات‬
‫واحلكايات احتفاء باحلياة‪.‬‬
‫احتضن زمن «وادي العيون» أجياال متواترة‪ ،‬خمتلفة الطبائع والوجوه واخلصائص تضع يف كل جيل بذور اجليل‬
‫الذي يتلوه‪ ،‬خالفا للزمن السلطوي الذي يستبدل باجليل املتنوع الصفات سلطاناً يتناتج يف الحق غريه‪ ،‬مياثله‬
‫صفات وطقوسا و حاشية‪.‬‬
‫تشت ق الرواية من اهلوامش احلكائية‪ ،‬اليت حتيل على بشر تستدعيهم السلطة وتصرفهم‪ ،‬ما خيرب عن حقيقة‬
‫السلطة ومادتها»‪ ،‬كما لو كانت اهلوامش الصغرية مرآة واسعة‪ ،‬تفصل بني السلطان وإشاراته وتضعه أمام‬
‫القارئ إنسانا‪ ،‬ال يغاير غريه‪ ،‬صنعته العادات السلطوية وسلطة العادات اليومية والرموز‪ ،‬وبعد حكاية املمرات‬
‫املؤثثة‪ ،‬ويتحرك فيها بشر كثريون‪ ،‬يأتي السلطان الذي تنتهي إليه احلكايات مجيعا‪ ،‬وحيضر معه أمراء‬
‫يلتبسون بالقصور‪ ،‬ومتثل قصور تلتبس بالزوجات‪ ،‬وتتقدم زوجات مع أمراء حمظوظني أو قليلي احلظ واحلظوة‪.‬‬
‫بتعاقب السالطني‪ ،‬كما األمراء‪ ،‬مثلما تعاقبت احلكايات املغلقة يف خط مستقيم ال انزياح فيه ذلك أن ابن‬
‫السلطان جاهز خلالفة أبيه‪ ،‬بقدر ما كان ابوه متأهبة خلالفة جده‪ .‬يرتاءى السلطان‪ ،‬من حيث املعنى‪ ،‬مرجعاً‬
‫أعلى مطاعاً‪ ،‬وحاكم مسحوراً بكم ال تباين فيه‪ ،‬ينصب فتنة الكم عقيدة يف احلياة‪ ،‬ويراكم السيارات‬
‫والقصور والنساء وحرمان املغلوبني وأسراب الطيور اليت تطاردها الطلقات‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫يرى القارئ السلطة النفطية يف حكايات هامشية ويف صورة السلطان ويراها‪ ،‬ثالثا‪ ،‬يف شخصية ‪ -‬جماز تدعى‬
‫«صبحي احململجي»‪ ،‬أو «احلكيم»‪ ،‬تعرب عن الزمن النفطي يف الزمن العربي وعن الزمن الثاني يف زمن مدن‬
‫امللح»‪.‬‬
‫بين عبد الرمحن منيف‪ ،‬حبذق فاتن‪ ،‬شخصية املثقف النفطي‪ ،‬الذي ينصر ثروة النفط وميتهن الثقافة‪ ،‬وحيض‬
‫على االحنالل ويئد األخالق‪ ،‬ويعني الثروة حقيقة ويسلع احلقيقة يف كل املواسم‪ .‬رجل بال وجه وثقافة بال‬
‫كرامة وقامة بال قوام‪ ،‬مرجع خارجه ومرجعه اخلارجي دناءة شاسعة وتسفل ال ينتهي‪ ،‬مستقر يف منهج الثروة‬
‫ــ احلقيقة ومستقر أكثر يف خرائب روح ميتة‪.‬‬
‫يضيء «صبحي احململجي»‪ ،‬يف مستوياته املتعددة‪« ،‬عروبة الفساد»‪ ،‬اليت تضع عرباً يف البنية النفطية الفاسدة‪،‬‬
‫وتضع الفساد النفطي يف جمتمعات عربية ال نفط فيها‪ .‬يظهر املعنى‪ ،‬الذي هو نفي للمعنى‪ ،‬يف الشخصيات‬
‫اليت مييتها النفط ويف الشخصيات املغايرة اليت يسمنها النفط وينتزع أرواحها‪ .‬تبدأ حكاية السلطة بعد أن‬
‫تنتهي حكايات البشر يف املكان ‪ -‬األصل‪ .‬حكايتان حنو احداهما األخرى‪ ،‬وتقف وراءهما احلكاية املؤسسة‬
‫(بكسر السني األوىل)‪ ،‬أي حكاية النفط‪ ،‬واحلكاية املؤسسة اليت جاءت بالنفط وآثاره‪ ،‬تفصل فصال باتراً‬
‫بني ما كان وما يتلوه‪ ،‬تؤكد أن ما كان لن يعود وأن ما سيكون من اختصاص خالق احلكاية‪ .‬وألنه زمن‬
‫أصلي‪ ،‬ال سابق له يضيف النفط إىل العالقات كلها قائالً ب‪ :‬املثقف النفطي والدين النفطي ومنط احلياة‬
‫النفطي والعقلية النفطية لذا لن تكون حكاية «وادي العيون» الفاتنة إال وجها من وجوه احلكاية املؤسسة‪،‬‬
‫أنطقها النفط وسقطت يف رحاب املوت‪ .‬ينسج منيف روايته الطويلة من متواليات حكائية‪ ،‬حتيل على زمن ما‬
‫قبل النفط‪ ،‬وما بعده‪ ،‬وعلى «زمن كوني» يدقق يف ما حتت األرض» ويزهد مبا فوقها‪ ،‬حتاكي الرواية‬
‫ظاهرياً ‪ ،‬يف زمنها التعاقيب‪ ،‬مراجع خارجية لصيقة باكتشاف النفط وتطور السلطة النفطية‪ ،‬كما لو كانت‬
‫الرواية «نقال» لتجارب معيشة أو تلخيصاً حكائياً لكتب عاجلت موضوعها‪ .‬تنطوي مدن امللح» على مرجع‬
‫خارجي‪ ،‬جترده فنيا كي تفصل عنه‪ ،‬منتهية إىل واقع نفطي مكتف بذاته حباكيه الواقع‪ ،‬بصيغة اجلمع‪،‬‬
‫وال حياكي ما خارجه‪ .‬إنه خلق الواقع‪ ،‬أو إعادة خلقه‪ ،‬مبواد متعددة قوامها املعرفة واخلربة واملتخيل والبصرية‬
‫وتقنيات أدبية موافقة‪ ..‬على هذا‪ ،‬فإن الرواية ال تستدعي مكاناً حمدداً‪ ،‬بصيغة اجلمع أو املفرد‪ ،‬بقدر ما‬
‫تستحضر نصوص أدبية‪ ،‬عاجلت نهب الشعوب يف الزمن الكوني‪.‬‬
‫يتمثل املرجع اخلارجي األساسي‪ ،‬يف رواية منيف‪ ،‬بقارئ عربي يتمتع خبربة مجاعية‪ ،‬عاش آثار النفط وصدمته‬
‫احلكايات النفطية‪ ،‬قارئ حيول «الكتاب» نصاً‪ ،‬يؤ وله ويردم فراغاته ويسائله مبا فيه واضحا كان أو‬
‫مسترتة‪.‬‬
‫إشارة أوىل‪ :‬املتواليات احلكائية ووجهة النظر‪:‬‬
‫يعتمد منيف يف مدن امللح»‪ ،‬كما يف «أرض السواد» الحقا‪ ،‬إىل متواليات حكائية تتوقف أمام اإلنسان وتنفذ‬
‫إىل طبقاته املتعددة‪ ،‬وتقرأ قضاياه وأقداره وعالقاته اخلارجي الذي يؤثر عليه‪ ،‬وتتقدم املتواليات تعبريا‬
‫موضوعياً عن تصور معني للعامل‪ ،‬يراه يف األجزاء املتحركة والتفاصيل املتباينة‪ ،‬إذ لالنسان الربيء املتالشي‬

‫‪218‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫حكايته وللمثقف يف زمن االنه حكاية أخرى‪ ،‬وللمكان الذي اغتصبت حضرته حكاية ثالثة‪ ،‬ينبين اجلزء‬
‫األو ل‪ ،‬كما األجزاء الالحقة‪ ،‬على متواليات حكائية‪ ،‬تتوزع على املكان واملواضيع والبشر وإن كان يف‬
‫اإلنسان‪ ،‬الذي ال مركز له‪ ،‬ما يؤكده مركزا لغريه‪ .‬فعلى مستوى املكان يظهر «وادي العيون»‪ ،‬يف اجلزء‬
‫األول‪ ،‬كياناً مستقال بذاته‪ ،‬ولن تكون حكايات املواضيع أقل حظا من حكايات األمكنة‪ ،‬فكل موضوع‬
‫يعابث ذات بشرية ويتكشف فيها‪ ،‬ويؤرق البشر ويأمرهم باجمليء إليه‪ :‬الراديو املرعب الذي زلزل الناس‬
‫وذكرهم بيوم القيامة‪ ،‬املنظار الغامض الذي حول األمري إىل طفل ضئيل‪ ،‬السيارات اجملهولة األصل اليت‬
‫اسرتضاها أصحابها بأمساء حيوانات كثرية‪ ..‬يظل اإلنسان‪ ،‬الذي يرتافد إىل احلدث الروائي من جهات‬
‫متعددة‪ ،‬مبتدأ احلكايات ومنتهاها‪ ،‬فال حكاية إال بإنسان يسرد حكايات ذاته أو غريه‪ ،‬متوجها إىل مستمع‬
‫حاضر أو مل يأت بعد‪ .‬تفتح كل حكاية على غريها‪ ،‬تتكامل معها وال تكتمل بها‪ ،‬فاالكتمال يلغي مبدأ‬
‫احلكايات‪.‬‬
‫تصرح الرواية بنسقني من املتواليات احلكائية‪ :‬متواليات تزامنية‪ ،‬تتواىل مشدودة إىل زمن قيمي مفتوح‪ ،‬خمربة‬
‫عن الكرامة والتمرد والوفاء والتضامن والصداقة‪ ،..‬وعن قيم تغاير السوي وتنقضه‪ .‬زمن متدفق مفتوح‪ ،‬يلتفت‬
‫إىل املاضي وينظر إىل املستقبل أكثر‪ .‬يتحدد النسق الثاني مبتواليات متعاقبة‪ ،‬حتكي عن التبدل والتبدل‬
‫والتغري‪ ،‬كأن تشري إىل تشكل السلطة النفطية وتكون حاشية تستأثر بالثروة وتقتل األرواح بالعائد النفطي‪.‬‬
‫تنجز تقنية املتواليات احلكائية وظائف متعددة‪ :‬تبين الفضاء الروائي بناء مرنا‪ ،‬يوسع آفاقه ويوحد فيه بني‬
‫املعرفة والتأمل واملعطى واحملتمل‪ ،‬طاملا أن يف كل حكاية ما يضيء غريها‪ ،‬ويف احلكايات القائمة ما حياور‬
‫حكايات قادمة‪ .‬غري أن ما مييز املتواليات هو احلركة السردية القائمة فيها‪ ،‬اليت تكون لنا القاريء والراوی‬
‫وتتكون فيه‪ ،‬وجتعل القارئ ينتهي من احلكاية وهو يدخل إىل حكاية الحقة تستعيد أطياف احلكاية‬
‫األوىل‪ ،‬وتعيد صياغتها يف سرد يكتمل وال يكتمل‪ .‬تتعني املتواليات احلكائية تقنية روائية وتصورا للعامل يف‬
‫آن‪ ،‬يفصل بني املغلوبني وخصومهم وبني زمن آثم وأخر مشتهى‪ ،‬فتعاقب احلكايات عن تدفق احلياة‪ ،‬الذي ال‬
‫توقفه سلطة وال مينعه غاز جهنمي األسلحة‪.‬‬
‫تطرح املتواليات سؤاال أساسياً هو‪ :‬موقع الراوي‪ ،‬بلغة معينة‪ ،‬أو وجهات النظر يف النص الروائي‪ ،‬بلغة أخرى‪.‬‬
‫واجلواب واضح منذ أن شاء الروائي أن يكون ذاكرة مكتوبة للذين ال مكتبات هلم‪ .‬إن «مدن امللح» هي نص‬
‫املغلوبني‪ ،‬الذين ينتظرون زمنا ينصفهم‪ ،‬ونص عن الغالبني‪ ،‬الذين يهزمهم عدهلم املستحيل‪ .‬يصل موضوع‬
‫السلطة بني الراوي واملغلوبني‪ ،‬فهو منهم ومعهم‪ ،‬رغم اختالف يف تأويل الظواهر‪ .‬مبعنى آخر‪ :‬إن كان بني‬
‫الراوي واملغلوبني اختالف يف تأويل ما هو خارج السلطة‪ ،‬فإن بينهما اتفاقا يف تأويل ما هو داخلها‪.‬‬
‫يكرر منيف كلمات‪« :‬الرتقب والتنصت واالنتظار ‪ ،)..‬موحية بأن وراء اليوم السلطوي اهلادئ يوما ال هدوء‬
‫فيه‪ .‬تلتقي وجهة نظر الراوي‪ ،‬على مستوى اإلحساس والرتقب‪ ،‬بوجهة نظر املغلوبني‪ ،‬ويلتقي الطرفان‪ ،‬على‬
‫مستوى املنظور‪ ،‬يف حقل اللغة‪ .‬ينطوي نص منيف على حركة متواترة‪ ،‬تسلم حدث إىل غريه وشخصية إىل ما‬
‫يليها وتعطف تفاصيل صغرية على تفاصيل أخرى‪ ،‬متوجهة إىل «مستمع» ينتظر نهاية احلكاية اليت ال تنتهي‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫حتاور رواية منيف الثقافة الشعبية بلغة وسطى قريبة منها‪ ،‬وتوطد احلوار حبضور املنطق الشفهي يف العملية‬
‫الكتابية‪.‬‬
‫يف كتابة منيف ما يوحي برد تقنيته الكتابية إىل موروث أدبي عربي عنوانه الشهري‪ :‬حكاية يف حكاية‪ .‬يفتقر‬
‫الكالم إىل املعنى ألكثر من سبب‪ :‬يشتق الروائي التقنية الروائية من وظيفة الكتابة‪ ،‬اليت تربط بني قوة‬
‫احلكاية» و قوة اجلمهور‪.‬‬
‫إشارة ثانية‪ :‬احلكاية واخلطاب‪ :‬املوت والذاكرة والكتابة‪:‬‬
‫ال تنشئ األحداث‪ ،‬خطرية كانت أم عارضة‪ ،‬خطابة سردية‪ ،‬فما ينشئه هي طريقة السرد‪ ،‬اليت جتعل حدثا‬
‫يعلق على آخر‪ ،‬يسبقه أو يتلوه‪ ،‬ويرتك فراغا ميلؤه القارئ خبربة معينة‪ .‬وسرد منيف‪ ،‬الذي مييز بني املستنكر‬
‫واملشتهى‪ ،‬يتكئ على ثنائيات متناقضة‪ ،‬آيتها خنلة باسقة تواجه آلة قاطعة‪ .‬حتيل الثنائيات‪ ،‬يف مدن امللح‪،‬‬
‫على الغنب والعدل واحلاكم واحملكوم واألجنيب والوطين‪ ،‬وقد تضع النفط يف مواجهة القيم املدحورة‪،‬‬
‫لكنها‪ ،‬يف مستوياتها املتعددة‪ ،‬مألى مبوضوع خيتصر ما عداه هو‪ :‬املوت جيابهه موضوع آخر هو‪ :‬الذاكرة ‪.‬‬
‫بعد عشر صفحات‪ ،‬ترثي «وادي العيون السائر إىل املوت‪ ،‬يقول الراوي‪« :‬يف ذلك اليوم البعيد‪ ،‬الذي يشبه آالف‬
‫األيام قبله‪ ،‬ولد ملتعب اهلذال آخر أوالده الذكور‪ ،‬حتتفي البداية الروائية بامليالد‪ ،‬وترفع صوته‪ ،‬مدركة أن‬
‫يف امليالد املتصادي مدخال إىل املوت اآلتي‪ ،‬تشيع رائحة املوت يف الشخصيات والقصور واألشياء‪ ،‬بعد أن غدا‬
‫املوت شرط الوجود وأصبح «اإلنسان احلي» وجود ناف‪ .‬وهذا ما أشار إليه الدكتور حممد شاهني يف دراسة‬
‫رشيدة حني قال‪« :‬ال أعرف كاتباً استطاع أن يصور املوت يف احلياة أكثر من عبد الرمحن منيف‪ ،‬وتكمن‬
‫قدرة عبد الرمحن يف السيطرة على مشاعر الرعب احلقيقية اليت تنشأ من معرفة أو مشاهدة الرعب فعالً‬
‫والقدرة على تصوير هذه املشاعر بشكل يكثف أو يعمق هذه املشاعر‪ ،‬فصورة املوت اليت يصورها منيف‪،،،‬‬
‫هي واقع معاش حيدث أمام املأل وكأنه شيء عادي‪ ،‬على الرغم من كل ما فيه من رعب وهمجية تقشعر هلا‬
‫األبدان‪ .‬يندد اخلطاب الروائي بسلطة قاتلة‪ ،‬ويذكر ببشر ‪ -‬ضحايا‪ ،‬فقدوا زمنهم القديم وسقطوا يف الفراغ‪.‬‬
‫تواجه «مدن امللح» ذاكرة السلطة بذاكرة األمة‪ ،‬كأن الذاكرة احلقيقية مشروع أو احتمال‪ ،‬تراقب من بعيد‬
‫ذاكرة متحققة‪ ،‬وقودها املدارس واملكتوب السلطوي والرقابة وثقافة األدعية املتسلطة‪ .‬غري أن ما يبدو‬
‫متماسكاً ال متاسك فيه‪ ،‬ذاكرة أملتها سلطة جيرفها املوت املتقدم‪ ،‬بوضوح ومبراوغة معا‪ ،‬تهتز إن حلم‬
‫السلطان وتتزعزع أن قتل الذي جاء بعده‪ ،‬وتسقط يف البوار آن رحيل السلطان األخري‪ .‬يتكيء منيف على‬
‫ذاكرة نوعية غائية‪ ،‬تود أن تكون ذاكرة مجاعية معيشة‪ .‬وهو يف جهده الرامي إىل توحيد الذاكرتني‪ ،‬يعيد‬
‫بناء ذاكرة املغلوبني‪.‬‬
‫تلتقي الذاكرة الفردية بالذاكرة اجلماعية يف قضاء الكتابة‪ ،‬حيث اللغة املدققة تنشي الذاكرتني معا منتقلة‬
‫من السرد العشوائي إىل السرد املنظم‪ ،‬ومن الشفهي املتدفق إىل الكتابي املنضبط‪ .‬وواقع األمر أن يف كتابة‬
‫منيف ما حيقق وظائف حمددة‪ :‬حتفظ‪ ،‬أوال‪ ،‬وقائع املغلوبني يف وثائق تقاوم التبدد والتلف‪ ،‬كما لو كانت‬
‫خمزناً صحيح البناء‪ .‬مثلما أنها‪ ،‬ثانية‪ ،‬ذاكرة متسقة تتخفف‪ ،‬قدر ما تستطيع من التناقض‪ ،‬تفصل ومتيز‬

‫‪220‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫وتقارن‪ :‬كأن تفصل بني أخالق القبيلة ومعايري السلطة‪ ،‬وبني رجل دين خملص وآخر خملص ملكاسبه وبني‬
‫مقاتل يؤمن مبحاربة «الكفار» وآخر يكفر من قاتل سلطة تلتحق بالكفار‪.‬‬
‫تقوم ذاكرة املغلوبني‪ ،‬يف طور منها‪ ،‬على اخلطابة‪ ،‬أو فن الكالم‪ ،‬وتقوم يف مدن امللح على الكتابة‪ ،‬أو فن‬
‫الوضوح املتكلم‪ ،‬حيث االنفعال ال يقرض العقل‪ ،‬وال العقل يطرد اإلحساس وميحوه‪.‬‬
‫إشارة ثالثة‪ :‬معنى التاريخ‪ :‬سطوة اآللة وقوة القيم‪:‬‬
‫يأتي التاريخ يف «مدن امللح» من لقاء جمتمع راكد مكتف بذاته بـ "آخر"‪ ،‬جاء إليه من وراء البحار‪ ،‬دمر‬
‫استقراره بـ"آالت ال يعرفها"‪ ،‬دون أن يضعه يف زمن جمتمعي جديد‪ .‬مل تذهب الصحراء إىل البحر‪ ،‬وهي تعرف‬
‫منه شواطئه الضحلة‪ ،‬بل جاء أهل البحر إىل الصحراء‪ ،‬يف زمن تقين غري مسبوق‪ ،‬أملى عليهم اجمليء‪ ،‬وهيأ‬
‫شكل اللقاء كان يف اجمليء ما يكسر بنية مغلقة‪ ،‬ويرتكها مبعثرة‪ ،‬وما يعلن عن لقاء معروف النتيجة حدد‬
‫شروطه أحد الطرفني‪ .‬تتحدث رواية منيف‪ ،‬وهي تصف لقاء الغالب باملغلوب‪ ،‬عن اإلشارات التقنية واخلوف‬
‫والذاكرة‪ .‬وواقع األمر أن «مدن امللح» تنشر نسقني متوازيني من البشر‪ ،‬لكل منهما لغته وأدواته ووسائل تعامله‬
‫مع اآلخر‪ ،‬كاشفة عن زمن صاغته «الثورة الصناعية وعن آخر مسكون باخلرافة وعبادة اجملهول‪ .‬تتحالف‬
‫اآللة املفزعة مع سطوة اخلرافة وينتجان‪ :‬االستسالم أو املقاومة املعطوبة‪ ،‬حيث املهزوم ينسحب إىل زمن متجدد‬
‫اهلزمية‪ .‬يصف منيف بدقة مدهشة‪ ،‬تالشي املهزوم وغطرسة من هزمه بإشارات تذيع املوت واخلنوع واإللغاء‬
‫واخلضوع‪ ،‬حيث اآللة وحدها تستطيع الدخول واخلروج‪ .‬تهدم التقنية املنتصرة املهزوم وتعيد بناءه‪ :‬تهدمه وهي‬
‫تهدم الشرط االجتماعي الثقايف الذي ينتمي إليه‪ ،‬وتعيد بناءه هجيناً‪ ،‬ال حيتفظ بزمنه القيمي القديم وال يعرف‬
‫عن الزمن التقين شيئا‪ .‬تتعني اهلجنة‪ ،‬يف مستوى منها‪ ،‬باحنالل الذاكرة‪ ،‬وتتجسد‪ ،‬يف مستوى آخر‪ ،‬بسطوة‬
‫السلع اهلائلة‪ ،‬اليت هي امتداد وديع للبواخر املفزعة واآلالت اجلهنمية الصفراء‪ .‬فإذا كان يف الباخرة إشارات‬
‫تثري الفزع‪ ،‬فإن يف السلعة إشارات تثري اإلبهار‪ ،‬كما لو كانت السلعة باخرة أخرى‪ ،‬تشرتى وحتتفظ بإشاراتها‬
‫املغلقة‪.‬‬
‫تأمل عبد الرمحن منيف التاريخ‪ ،‬من وجهة نظر املغلوبني‪ ،‬توقف أمام العقل التقين الذي أطلقت السياسة‬
‫االستعمارية ال عقالنيته‪ ،‬وأمام «عقل آخر» أخطأ الزمن التقين وثبته املنتصر يف زمن اخلرافة‪ .‬قرأ الروائي‪،‬‬
‫وهو يسرد يف حكاية النفط حكايات كثرية‪ ،‬الفرق بني القوة والضعف وبني ثقافة األقوياء وثقافة‬
‫املستضعفني‪ .‬وألن منيف يقارب التاريخ ويفسره أدرك‪ ،‬بوعيه التارخيي‪ ،‬أن مواجهة ثقافة األقوياء تستلزم ثقافة‬
‫ختتلف عنها باألدوات واملعايري‪ .‬واجه الروائي تاريخ التقنية االستعمارية وهو تاريخ حديث قريب العهد‪ ،‬بتاريخ‬
‫أكثر بعداً وكثافة هو‪ :‬تاريخ القيم‪ ،‬الذي يقول بإنسان هذبته الفضيلة وصقلته الرباءة‪.‬‬
‫مدن امللح أو النص املؤسِّس‪:‬‬
‫أعطى عبد الرمحن منيف يف مدن امللح»‪ ،‬عن قصد أو من دونه‪ ،‬نصاً مؤسِّساً يقرأ الزمن العربي يف القرن‬
‫العشرين‪ ،‬ويقرأ فيه مصائر اجملتمعات العربية املختلفة‪ .‬تبدأ الرواية يف جزئها الثالث مبطالع القرن العشرين‪،‬‬
‫العقود األوىل‪ ،‬وتنتهي يف جزئها اخلامس يف منتصف السبعينيات املنقضية‪ ،‬مكتفية بالزمن التارخيي‬

‫‪221‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫اجلوهري‪ ،‬ففي مطالع القرن اختار االستعمار املواقع اليت تلبيه‪ ،‬وبعد حرب حزيران انسحب العرب من التاريخ‪.‬‬
‫ومع أن الرواية اختذت من واقعة النفط مركزا هلا‪ ،‬فعالقاتها الروائية أنتجت واقعاً عربياً شامالً‪ ،‬ظهر النفط‬
‫يف بعض أقاليمه أم ظهر يف األقاليم مجيعها‪.‬‬
‫واجهت رواية «مدن امللح»‪ ،‬يف مستوى منها‪ ،‬رواية السلطة النفطية‪ ،‬بصيغة اجلمع‪ ،‬تأملتها طويالً ووضعت فيها‬
‫قراءة غري سلطوية‪ .‬وواجه الروائي رواية السلطة بسلطة احلكاية‪ ،‬اليت ينسجها الراوي ويوزعها على جمموعة‬
‫تستمع إليه‪ ،‬وسلطة الشائع املقبول به الذاكرة املكتوبة»‪ ،‬اليت تصطفي وختتار وجترب الشائع على الرتاجع‪.‬‬
‫رد منيف على رواية السلطة برواية مضادة‪ ،‬وضع تاريخ السلطة يف بنية كتابية أخرى‪ ،‬وبنى القول اجلديد‬
‫بأدوات فنية ختادع السلطة‪ ،‬تنتهي إىل نص تتعرف عليه السلطة وال تتعرف عليه يف آن‪ ،‬إن الرواية العربية‬
‫حتاذر‪ ،‬لزوما الرقابة‪ ،‬دون أن يساويها هذا برواية منيف‪ ،‬فاألوىل تنتهي إىل الرقابة أو تصطدم بها يف منتصف‬
‫الطريق‪ ،‬على خالف رواية منيف‪ ،‬اليت تبدأ من الرقابة وهي تبدأ مبرجعها األعلى‪ .‬تكسر مدن امللح» النموذج‬
‫الروائي اجلاهز‪ ،‬عربيا كان أم وافداً‪ ،‬مبينة على طريقتها أن اجلنس الروائي متجدد يف مناذجه‪ ،‬وأن فيه‬
‫مكانة النماذج قائمة وأخرى وليدة يف طريق الوصول‪.‬‬
‫وصل منيف إىل روايته متوسالً تصور "الــ هنا واآلن"‪ ،‬حيث سؤال السلطة املسيطر سؤال عن تارخيها‪ ،‬وسؤال‬
‫التاريخ جواب عن فراغ راكد ال سياسة فيه‪ .‬بين الروائي قوله األدبي من مواد غري أدبية»‪ ،‬تتمازج فيها الوثيقة‬
‫واخلربة املرتاكمة وحكايات مدونة ومتطايرة‪ ،‬ورؤية تنظم املتعدد وتعطيه شكال‪.‬‬
‫تتضمن رواية منيف ‪ ،‬اليت تكتب التاريخ بشكل أخر‪ ،‬تصوراً الرشيف مسكونا باملفارقة‪ ،‬ذلك أنها تتضمن‬
‫«ارشيفاً» وتهرب منه إىل أرشيف أخر‪ ،‬فهي تقتحم ارشيف السلط وية تبحث فيه عن أصل السلطة وعن مواد‬
‫مستقلة تتحرر صدمة وهي تهرب إىل «أرشيف آخر‪ ،‬مل تعتقله السلطة أو مل تفلح يف اعتقاله‪ .‬غري أن منيف‬
‫الذي يكتب ما ال جتب كتابته‪ ،‬يوسع اهلوة بني «أرشيفة‪ ،‬وما خيتلف عنه‪ ،‬حني حيرره من شواغل السلطة‬
‫الضيقة‪ ،‬املأخوذة بالثواب والعقاب‪ ،‬وجيعل منه أرشيفاً سياسياً وثقافياً واجتماعياً‪ ،‬فعال خالف وثائق حتتفظ‬
‫بوجوه جيب اتالفها وال تلتفت إىل ما وراء الوجوه خيلق منيف وثيقة رحبة متنوعة‪ ،‬حتتفظ بالوجوه واحلكايات‬
‫والعادات واألمثال الشعبية ومالمح األماكن املندثرة‪.‬‬
‫يدفع املوضوع الذي عاجله منيف إىل إنتاج خطابني متالزمني‪ ،‬يدحض أحدهما خطاب السلطة خبطاب من‬
‫خارجها‪ ،‬ويرفض ثانيهما «رواية الشمال» برواية اجلنوب‪ ،‬وواقع األمر‪ ،‬أن العارف األوروبي‪ ،‬الذي درس جهات‬
‫الصحراء وكافأت األكادميية جهده املعريف‪ ،‬يدرس امتداد الصحراء يف األمري‪ ،‬أو يدرس يف األخري طبيعة‬
‫الصحراء‪ ،‬جاء منيف‪ ،‬الذي يؤسس لرواية أخرى‪ ،‬برواية اجلنوب»‪ ،‬اليت تفسري تاريخ األرواح امليتة»‬
‫باالستعمار‪ ،‬ال بغموض الشرق وأبدية ثقافة األدعية‪ ،‬كأن «اجلنوب»‪ ،‬وهو يكتب روايته كما يشاء‪ ،‬يريد‬
‫أن يقرأ نفسه بنفسه‪ ،‬إن فتنة األول نفطه‪ ،‬مثلما أن علم الثاني أداة سيطرة وإخضاع‪ .‬لذلك حيرر منيف التاريخ‬
‫من أقمطة اخلديعة واللغة الزائفة‪ ،‬سارداً حكاية االستعمار وتقنياته السلطوية‪ ،‬اليت تساوي النهب بالقدر‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫سرد منيف يف حكاية املثقف القومي حكاية املثقف احلديث املخذول الذي آمن‪ ،‬مرة‪ ،‬بكونية احلداثة‪ ،‬قبل‬
‫أن يكتشف أن احلداثة احتكار‪ ،‬يكدس حقوق طرف فوق حقوق طرف آخر‪ .‬حتتكر حداثة الشمال سلطة‬
‫اجلنوب‪ ،‬وحتتكر األخرية توزيع العمل واملوت‪ ،‬وعلى املثقف‪ ،‬الذي آمن باحلداثة‪ ،‬أن يضيف إليها منظورا‬
‫جديدا‪ ،‬حياور احلداثة بصيغ املتعدد واالتهام واالحتمال‪ .‬تلتحق السلطة التابعة بشماهلا ويبقى املثقف معلقاً‬
‫الفراغ‪ ،‬ال يرتاح إىل مشال خدعه وال إىل جنوب أراده شيئا آخر‪.‬‬
‫يف رواية منيف املليئة باألسئلة ما يدعو إىل حداثة أخرى‪ ،‬تتحرر من الالعقالني وتعيد إىل العقالني معناه‪،‬‬
‫وتتخلص من املراتب وتقبل بالكوني الصحيح‪ ،‬كي تكون احلداثة فعالً حتررياً‪ ،‬يبدأ من مقولة «اإلنسان» ال‬
‫من مرتبة «الغرب» العالية‪ .‬وضع منيف يف نصه املؤسس حكاية الواقع العربي يف القرن العشرين‪ :‬أقام الكتابة‬
‫على نصوص مبعثرة وحدتها الكتابة‪ ،‬واستولد من الكتابة تارخيا يقرأ بشكل جديد‪ ،‬خيرج املاضي من‬
‫زواياه املظلمة إىل العراء‪ ،‬ويلتمس من وضوح الكتابة زمناً مل بلق به أحد‪ .‬أجنز مشروعة واسعة‪ ،‬مل يكتبه‬
‫غريه‪ ،‬واقرتح منهجه‪ ،‬يعثر على الرواية يف اهلنا واآلن»‪ ،‬وقدم رؤية تقاوم الربابرة‪.‬‬
‫كلمة أخرية‪ :‬يف إشكال مدن امللح‪:‬‬
‫يكتب عبد الرمحن منيف‪ ،‬يف اجلزء األول من «مدن امللح»‪ ،‬عن اللقاء األول بني اآلية األوروبية والطبيعة الربيئة‬
‫الغريبة عنها‪ ،‬ما يلي‪" :‬اآلالت اجملنونة تقتلع األشجار وتدلك األرض‪ ،‬وتقلب كل ما فوقها‪ ،.‬كانت األشجار‬
‫وهي متيل وترتنح قبل أن تسقط تصرخ‪ ،‬تستغيث" تتكون الصورة اخلافقة باحلركة املوجية‪ ،‬من االقتالع‬
‫والدك والقلب والرتنح والسقوط واالستغاثة واالحتجاج واملقاومة اليائسة مشرية إىل أمرين‪ :‬اللقاء القاتل والدفن‬
‫النهائي‪ ،‬عال صوت الضحية مولوال أم أخرسه القاتل من النظرة األوىل‪ ،‬تصف الرواية مواجهة بني عنصرين‬
‫غري متجانسني‪ ،‬أوهلما آلة قاتلة جاءت من الثورة الصناعية‪ ،‬وثانيهما طبيعة بريئة قدمية‪ ،‬مل ميسها التصنيع‬
‫والعقل التقين‪ .‬زمنان خمتلفان كليا‪ ،‬يرجع اختالفهما صوت الضحية إىل صمت لن يلتقي قط مبن يلتفت إليه‪.‬‬
‫تطرح رواية منيف إشكال «احلداثة الكونية»‪ ،‬اليت ولدت يف «مركز» أوروبي وذهبت إىل «أطراف» مل تعرف‬
‫احلداثة‪ .‬تتحدد بالد النفط»‪ ،‬اليت يكتب عنها منيف‪« ،‬أراض مغلقة»‪ ،‬باملعنى اهليجيلي‪ ،‬تنتظر عقار مفتوحة»‬
‫يدك ثباتها بآالت جمنونة‪ ،‬فاحلداثة‪ ،‬وباملعنى املتداول فلسفية‪ ،‬هي‪ :‬اإلصالح الديين‪ ،‬الثورة الفرنسية‪ ،‬فلسفة‬
‫التنوير ونهوض اآلداب والفنون‪ ،‬ف إذا كانت احلداثة األوروبية هي العقل واحلرية واإلنسان النشيط‪ ،‬فإن ما‬
‫يقع خارج أوروبا ال حداثة فيه وال يقبل بالتحديث‪ ،‬كما لو كان «اآلخر» حيزا مغايرة يطبق عليه األوروبي‬
‫احلديث أدواته احلداثية ال غري‪.‬‬
‫حتجب كلمة «االكتشاف» إلغاء «اآلخر»‪ ،‬ذلك أن «املكتَشَف» ال وجود له إال حلظة اكتشافه‪ .‬مدين هو‬
‫بوجوده ملن عثر عليه لـ«املرة األوىل»‪ ،‬ومدين له أكثر بامسه اجلديد» الذي أنعم به عليه‪.‬‬
‫يفضي معنى الطبيعة‪ ،‬يف تصور ينصب «الغرب» مركزة‪ ،‬إىل الفصل بني حاجات اإلنسان الغربي‪ ،‬وهو حداثي‬
‫لزوما‪ ،‬وحاجات «اآلخر»‪ ،‬الذي اكتشفته حداثة جاءت إليه ومل يسع إليها‪ .‬لذلك تأتي «اآلالت»‪ ،‬اليت‬
‫استحدثتها الثورة الصناعية‪ ،‬إىل «أرض معلقة»‪ ،‬وتعاجلها بأسلوب حديث‪ ،‬دون أن تكرتث بإنسان كسول»‪،‬‬

‫‪223‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫هو امتداد للطبيعة وللكشوفات العلمية‪ .‬يتكشف الزمن الكوني‪ ،‬يف مصائر احلداثة‪ ،‬غربية بامتياز‪ ،‬ويتجلى‬
‫زمن األطراف‪ ،‬أثراً حداثياً عاطالً‪ ،‬فكما يهزم اإلنسان املبدع الطبيعة‪ ،‬بعد أن اكتشف قوانينها‪ ،‬تهزم‬
‫احلداثة التقليد‪ ،‬بعد أن اكتشفت «اجملتمع التقليدي» وفضت أسراره‪.‬‬
‫تقرأ «مدن امللح» الفرق بني حداثة املركز وآثارها الدامية يف «األراضي املغلقة»‪ ،‬وتنقب يف الفرق عن كتابة‬
‫أخرى‪ ،‬تتهم «األدب العاملي» وتتطلع إىل عوملة أدبية جديدة‪ .‬يسطر الروائي فوق الفرق املزدوج تارخيه الوطين‪،‬‬
‫الذي كتبه املؤرخ املنتصر كما أراد‪ ،‬وأوله «األديب العاملي» كما ارتأى‪ .‬وهذا الفرق‪ ،‬املصنوع من اهلزمية‬
‫واالنتصار‪ ،‬هو الذي يقود الروائي مباشرة إىل موضوع التاريخ‪ ،‬وميلي عليه كتابته من جديد‪ ،‬خماطبة ذاكرة‬
‫ناقصة‪ ،‬ومتطلعة إىل ذاكرة ال متكر باملغلوبني‪ .‬يبحث الروائي‪ ،‬الذي يكتب التاريخ السلطوي بشكل مغاير‪،‬‬
‫يف التاريخ الكوني عن ذاته املغيبة‪ ،‬ويتأمل فيه الذات اليت تغيب غريها‪ .‬لكنه‪ ،‬وهو يواجه ذاتا بأخرى‪ ،‬يواجه‬
‫«األدب العاملي»‪ ،‬املكتفي بأوروبيته‪ ،‬بأدب غري أوروبي»‪ ،‬مشغول باالعرتاف بذاته وباعرتاف متبادل حمتمل‬
‫بني «اآلداب العاملية»‪ .‬يبين منيف روايته من متواليات حكائية‪ ،‬تذكر مبوروث أدبي عربي‪ ،‬وباجتهاد خاص يف‬
‫التعامل مع الراهن واملوروث‪ .‬ومع أن يف البناء صوتا فردية ‪ /‬مجاعية‪ ،‬فإن فيه‪ ،‬لزوماً‪ ،‬اآلخر األوروبي‪ ،‬الذي‬
‫أنتج هوية أدبية متحققة‪ ،‬وهوية مغرتبة تفتش عن ذاتها‪ .‬وهلذا يستقدم منيف «األصل األدبي العربي» ويلقي به‬
‫يف وجه «األدب العاملي‪ ،‬يعيد الروائي بهذا املعنى‪ ،‬كتابة تاريخ شعبه املغلوب‪ ،‬ويسائل تارخيا أدبياً وطنياً صاغ‪،‬‬
‫بأشكال خمتلفة‪ ،‬أسئلة القلب واخليبة واالغرتاب‪.‬‬
‫أرض السواد ذاكرة التاريخ وتاريخ الذاكرة‪:‬‬
‫التاريخ يظهر يف أزمنة انتقال اإلنسان من شرط يعرفه إىل آخر ال يعرفه متاما‪ ،‬فال يظل حيث كان وال يصل‬
‫إىل ما اعتقد أنه وصل إليه‪.‬‬
‫يف روايته‪« :‬أرض السواد»‪ ،‬املمتدة على ثالثة أجزاء يف ألف ومخس مئة صفحة تقريبا‪ ،‬يرجع عبد الرمحن منيف‬
‫إىل حقبة أخرى»‪ ،‬حماوراً‪ ،‬يف اخليال ويف واقع يسبق اخليال‪ ،‬حقبة تعتقد أن يف احلقبة األخرى‪ ،‬ما هو جدير‬
‫بأن حيتفظ به‪ .‬واجلدير حبفظه‪ ،‬يف رواية منيف‪ ،‬هو «تاريخ املهزومني‪ ،‬تتأمل «أرض السواد»‪ ،‬وقد ارتكنت‬
‫إىل زمن الصفاء احلزين‪ ،‬حكايات التاريخ وكتب املؤرخني الذين حيولون التاريخ إىل حكايات‪ .‬وتقرتب‪ ،‬يف‬
‫تأملها‪ ،‬من قول منري صاغه سعد اهلل ونوس يف زمن من حياته تغشاه الظلمة‪« :‬على األديب أن يستدرك قصور‬
‫املؤرخ»‪ .‬يرى املؤرخ‪ ،‬عاليا‪ ،‬ما يريد غريه أن بری‪ ،‬ويرى األديب‪ ،‬إن كان أديبا‪ ،‬ما ترمجه التاريخ يف وقائع‪،‬‬
‫تذهب إىل العقل والعني‪ ،‬دون خصام ‪.‬‬
‫‪ . 1‬املرجع التارخيي واملتخيل الروائي‪:‬‬
‫تسائل «أرض السواد» فرتة حمددة من تاريخ العراق احلديث‪ ،‬وهي حتول الوثيقة إىل رواية‪ ،‬متحو احلدود بني‬
‫الرواية والرواية التارخيية‪ ،‬مؤكدة وجود الرواية‪ ،‬دون نعت أو صفة‪ .‬فال فرق بني الرواية والرواية التارخيية إال‬
‫يف منظور مأخوذ بالتصنيف وباألحكام الشكالنية‪ ،‬فكالهما يقرأ التاريخ يف أحوال البشر‪ ،‬ويتأمل معنى‬
‫التاريخ يف مصائر إنسان‪ .‬وما ما يفعله منيف يف أرض السواد‪ ،‬ال خيتلف عما فعله املؤرخ الفرنسي الشهري‬

‫‪224‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫فكالهما ينفخ الروح يف زمن مضى‪ ،‬وكالهما يكتب مذكرات الذين ال مذكرات هلم‪ .‬مع ذلك‪ ،‬فبني‬
‫املبدعني فرق وأكثر‪ ،‬فاملؤرخ معين بزمن حمدد وبشخصيات معروفة األمساء‪ ،‬على خالف الروائي الذي‬
‫يستولد من زمن الوثيقة أزمنة متعددة‪ ،‬حتتضن ما كان وما كان بامكانه أن يكون‪ ،‬والذي يشتق من‬
‫شخصيات فعلية ما شاء من شخصيات متخيلة‪.‬‬
‫يقول لوكاتش وهو يعرف الرواية التارخيية‪« :‬إنها رواية تثري احلاضر‪ ،‬ويعيشها املعاصرون بوصفها تارخيهم‬
‫بالذات)‪ .‬يقرتب لوكاتش من تصور بوكهارد‪ ،‬ذلك أن اإلنسان ال يعيش حقبة سلفت‪ ،‬إال إذا «احتفظت» حقبته‬
‫بأشياء من الزمن الذي سلف‪.‬‬
‫توجه منيف إىل قارء واضح‪ ،‬راجع به إىل املاضي وإىل مكان ال خيطئه أحد‪ ،‬يبدأ منيف روايته بتوطئة عنوانها‪:‬‬
‫حديث بعض ما جرى فالتوطئة هي احلد الفاصل بني ما جرى وما كان بإمكانه أن جيري‪ ،‬بني الوقائعي‬
‫واملتخيل‪ ،‬أو بني بداية املؤرخ وبداية الروائي‪ ،‬يضع منيف موضوعه يف بداية القرن التاسع عشر ويزيده‪ ،‬تشتق‬
‫«أرض السواد» اإلرادتني املتصارعتني من زمنني تارخييني ال متكافئني خيلقان األفراد وحيددان معنى مصائر‬
‫اإلرادات الفردية‪ .‬أما العنصر املتخيل فيتمثل يف نسق الشخصيات الشعبية املفتوح‪ ،‬الذي يرتجم أحواله يف نسق‬
‫احلكايات املتوالدة‪ .‬تتعدد احلكايات بتعدد طبائع البشر ومهنهم وأقدارهم وألقابهم‪ ،‬يف نسق متشجر يقرتب‬
‫من الفتنة‪ .‬وتأتي اللغة العامية»‪ ،‬تعبريا عن البشر وأداة يعربون بها‪ ،‬قوامها اإللفة واإليقاع والفراغ‪ ،‬كأم حنون‬
‫شاسعة األبعاد‪ ،‬ترى يف أوالدها وال يراها أحد‪ .‬وواقع األمر‪ ،‬أن حكايات منيف‪ ،‬وهي تتناسل يف نسق‬
‫الشخصيات الشعبية املتوالدة‪ ،‬تعني اللغة العامية شخصية ‪-‬جذراً ‪ -‬وما عداها أقنعة‪ ،‬أو وجهاً مرتامية ال متناهي‬
‫التخوم‪ ،‬وغريه ظالل‪.‬‬
‫يف توليده ملتواليات حكائية‪ ،‬متدفقة الوجوه واألمساء‪ ،‬حيقق منيف يف أرض السواد أمرين خمتلفني‪ ،‬يتصل‬
‫أحدهما بالبنية الروائية اليت أرادها‪ ،‬ويرتبط ثانيهما مبنظور الروائي إىل العامل‪ .‬لكن منيف‪ ،‬املفتون‬
‫بالتفاصيل البشرية‪ ،‬يذيب الزمن التارخيي اخلطي‪ ،‬الواصل بني واقعة وأخرى تليها‪ ،‬يف أزمنة إنسانية متعددة‪،‬‬
‫يعطي منيف لشخصياته املختلفة واملتعددة استقالهلا الكامل‪ ،‬ولعل هذا الفضاء اإلنساني الواسع‪ ،‬الذي تأخذ‬
‫فيه الشخصيات الروائية مواقع الوثائق التارخيية وتفيض عليها‪ ،‬هو ما يتيح األرض السواد» أن تعطي خطابة‬
‫تارخيية قوامه الثابت واملتغري‪ ،‬إذ احللم وإخفاقه قائمان يف زمن‪ ،‬وإذا احللم وشكل إخفاقه موزعان على كل‬
‫األزمنة‪ .‬وبسبب متاثل األحالم الكبرية وتباين انكسارها‪ ،‬يرتك منيف نهاية روايته مفتوحة‪ ،‬تشهد على حقبة‬
‫سلفت‪ ،‬وتوحي بأن يف احلقبة املنقضية ظال كثيفة من حقب الحقة‪.‬‬
‫يف جدل الثابت واملتغري‪ ،‬وهو حمايث لكل رواية كبرية‪ ،‬يستغرق الروائي املؤرخ ويتجاوزه‪ .‬فاحلدث الذي‬
‫يصلبه املؤرخ على جدران زمن وحيد‪ ،‬حترره الشخصيات الروائية وتضعه يف أزمنة متعددة‪.‬‬
‫يذهب الروائي إىل وثائق املؤرخ املتعددة وخيلقها شخصيات متحاورة‪ ،‬تنقض احادية القول التارخيي بأقوال‬
‫متعددة مراجعها التأمل واالحتمال‪ .‬و«علم التاريخ» حيدث‪ ،‬غالبا‪ ،‬على طريقته‪ ،‬عما كان‪ ،‬والرواية حتدث‬
‫عما كان وعما كان جيب أن‬

‫‪225‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫يكون‪ ،‬حمررة املاضي من قيود قراءة وحيدة‪ ،‬وعاطفة مبادئ األخالق على املعارف الواضحة والغائمة‪ .‬واتكاء‬
‫على جدل املعرفة واألخالق يؤالف منيف يف «أرض السواد» بني شخصيات فعلية وأخرى متخيلة‪ ،‬حيث املتخيل‬
‫يعرتف بالواقعي وخيلقه معاً‪.‬‬
‫ال فرق يف الفضاء الروائي بني ما جاءت به الوثيقة وما بعثه املتخيل الروائي‪ ،‬ذلك أن الروائي‪ ،‬وله موقع الراوي‬
‫العليم‪ ،‬يصل بني األقدار الشخصية ويفصل بينها‪ ،‬وخيلق الواقعي والالواقعي يف آن‪.‬‬
‫‪ . 2‬تراجيديا التاريخ يف األزمنة الالمتكافئة‪:‬‬
‫تروي «أرض السواد»‪ ،‬صراعاً جوهرياً بني شخصيتني هما‪ :‬داود باشا والقنصل الربيطاني ريتش‪ .‬حيلم والي‬
‫بغداد جبهاز سلطة حديث‪ ،‬ويرصد القنصل‪ ،‬بغطرسته املتوارثة‪ ،‬أحالم احلاكم ويهيل عليها الرتاب‪ .‬حني‬
‫يصف عبد الرمحن منيف داود‪ ،‬يف اجلزء األول من روايته‪ ،‬يقول‪" :‬مع تزايد عدد الناس حول داود باشا كان‬
‫شعوره بالوحدة يزداد‪ ،‬ورغبته باالنعزال تقوي‪ .‬مل يكن هكذا من قبل‪ ،‬لكنه امتأل بهذا الشعور منذ أن عاد‬
‫إىل بغداد وأصبح والية‪ .‬ومع كل يوم جديد‪ ،‬ومع كل حدث جديد‪ ،‬حيس أن الذين حوله يزدادون بالدة‪ ،‬أو‬
‫يصبحون أقل قدرة على فهم ما يريد ‪ "...‬داود هو الطارئ احلزين املوزع على أزمنة غري متساوية وال متجانسة‪،‬‬
‫وهو الباحث عن الشكل يف ركام ال يعرف األشكال‪.‬‬
‫ال اختالف بني النسق السلطوي واألنساق االجتماعية املتمتعة بسلطة‪ .‬فأهل بغداد‪ ،‬يف رواية منيف‪ ،‬هم‪ :‬التجار‬
‫املشغولون بثرواتهم‪ ،‬والعلماء الذين يسعون فتاواهم‪ ،‬والشعراء الذين يلوكون كالمهم‪ ،‬و«الشطار» الذين‬
‫جيمعون بني التصعلك والدفاع عن اخلري‪ ،‬بني حني وآخر‪ ..‬وهناك القاع االجتماعي‪ ،‬أي الرعية بلغة مطمئنة أو‬
‫الشعب بلغة أخرى‪ ،‬املتوالد ثابتة يف عادات ثابتة حتسن الشكوى والتعليقات العاجزة‪.‬‬
‫يف هذه احلدود تبدو «أرض السواد» ذاكرة وطنية وأكثر من ذاكرة‪ ،‬حتدث عن بغداد وحممد علي باشا‬
‫واجلنراالت املستشرقني‪ ،‬وعن بريطانيا اليت «سيقت سوقا» إىل احتالل العراق‪ ،‬بلغة املؤرخ فيشر‪ .‬بيد أن‬
‫الرواية‪ ،‬وهي تسجل احلوار احلميم بني القنصل الربيطاني وأغوات الشمال وبني عسكري جلف وبطانته‬
‫الفاسدة‪ ،‬حتاور كائنا غامضة يدعى بالتاريخ‪ ،‬يضع قدمه حيث يشاء‪ ،‬وال يلتفت إىل األوصال املهشمة‪.‬‬

‫‪ . 3‬تراجيديا التاريخ يف األزمنة الراكدة‪:‬‬


‫تتوالد «أرض السواد» ‪ ،‬وعلى مستوى البنية الروائية‪ ،‬يف أقمطة حكائية متالحقة‪ ،‬حتتضن حكاية كربى‪.‬‬
‫تظهر احلكاية الشعبية‪ ،‬يف رواية منيف‪ ،‬إيقاعا ثابتا‪ ،‬يفصل بني حكاية سلطوية وأخرى‪ ،‬يف حركة متناوبة‪،‬‬
‫تعلن أن تاريخ احلكاية الكربى حيتضن السلطوي وما خارجه على السواء‪ .‬تضيء احلكاية اليت يرويها أغفال‬
‫البشر‪ ،‬الفرق بني مرونة الزمن الشعيب ويباس الزمن السلطوي‪ ،‬وبني خطية خطاب املؤرخني عن التاريخ وخطاب‬
‫الرواية الذي يوزع التاريخ على اجتاهات متعددة‪ .‬حيول الفضاء الشعيب‪ ،‬يف منظوره السدميي‪ ،‬السلطة إىل‬
‫حكايات متناثرة‪ ،‬ويرى يف حتوالت السلطة حكايات الحقة‪ .‬ترتسم الصورة الشعبية يف شكلني‪ :‬شخصية‬

‫‪226‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫مفردة وحمددة‪ ،‬وتعليق مجاعي على ما جيري بني القنصلية والسراي‪ .‬ال يقف العقل احلكائي أمام العمل‬
‫االستعماري إال ليقع‪ ،‬بسبب اختالف يف احملاكمة‪ ،‬يعطي األول سببية فقرية‪ ،‬وميد العقل الثاني بسببية‬
‫يف‬ ‫مركبة‪ .‬يدور العقل األول يف ثنائية فقرية‪ ،‬قوامها خري يهزم شرا‪ ،‬ولو بعد حني‪ ،‬تتناتج‪ ،‬منطقياً‪،‬‬
‫ثنائية بائسة الحقة هي ‪ :‬اإلميان واالنتظار‪ ،‬ويأخذ العقل الثاني لسببية مركبة‪ ،‬تستدعي عناصر متعددة‬
‫متفاوتة املستويات‪ .‬بعيش داود‪ ،‬الذي أراد أن خيلق العراق من جديد‪ ،‬تراجيديا مركبة‪ :‬آلة «اآلخر» املعقدة‬
‫اليت ال ميلكها‪ ،‬وعقل شعيب حكائي يساوي بني اآللة املعقدة ولغته الفقرية‪.‬‬
‫‪ . 4‬تعليق‪ :‬التاريخ بني الرتاجيديا واملهزلة‪:‬‬
‫يغوص ريتش يف الغيظ والندم وهو يرى إىل وال جديد مليء بالكربياء والطموح ويستعيد‪ ،‬وقد أمضه ما يرى‪،‬‬
‫أطياف والة كان يستحضرهم ويصرفهم حني يشاء والوالي النموذجي الذي خيفق يف ذاكرة القنصل االجنليزي‬
‫هو‪ :‬سعيد‪ ،‬الداعر املتداعي‪ ،‬الذي وقف داود على أطالله‪ ،‬يرى ريتش يف حياة داود كابوساً‪ ،‬ويف موت «سعيد»‬
‫كابوسا آخر‪ .‬كأن كابوس‬
‫الظامل ال ينقضي إال إذا التهم املوت احلياة‪ ،‬أو حتولت احلياة النابضة إىل موت آخر‪ .‬يسري التاريخ يف سراديبه‬
‫العمياء فاصالً‪ ،‬يف حلظة نور عابرة‪ ،‬بني األمساء الشكالنية املتناظرة بألة موجعة هي‪ :‬النهاية‪ ،‬اليت تعلن عن‬
‫الفرق بني الوجوه والكلمات‪.‬‬
‫‪ . 5‬البنية الروائية‪ :‬إضاءة سريعة‪:‬‬
‫يتكون الشكل يف «أرض السواد» يف تقنية احلكاية املتناوبة‪ ،‬اليت ترد إىل عالقتني خمتلفتني‪ ،‬كاشفة عن‬
‫فضائني خمتلفني‪ ،‬هما السلطوي والشعيب‪ .‬وتتيح هذه التقنية للقارئ أن يتأمل التاريخ االجتماعي ــ السياسي‬
‫يف وجوهه املختلفة‪ ،‬وتوحي له‪ ،‬يف حكاية ال تعرف االنغالق‪ ،‬أن التاريخ مفتوح‪ ،‬يتوالد يف حكايات الحقة‪،‬‬
‫ال تغاير احلكايات اليت سبقتها‪ .‬خيلق الشكل‪ ،‬يف أقمطته احلكائية املتناسلة‪ ،‬بنية روائية ثنائية املستوى‪،‬‬
‫ترد إىل الفضائني املتغايرين‪ .‬تعني السلطة املستوى األول‪ ،‬يف بنية متناقضة حتتضن السرايا والقنصلية‪ ،‬حمددة‬
‫األوىل كعالقة داخلية يف الثانية‪ ،‬رغم الصراع بينهما‪ ،‬أو‪ ،‬وبشكل أدق بسبب الصراع بينهما‪.‬‬
‫تقف السرايا على الضفة األخرى» ملفعة بأسرار‪ ،‬تعاجلها الذاكرة الشعبية‪ ،‬وهي تضيف إليها أسرار جديدة‪.‬‬
‫ويف مقابلها‪ ،‬وعلى ضفة أخرى»‪ ،‬تقوم القنصلية‪ ،‬اليت تشل طواويسها الكالم الشعيب‪ ،‬قبل أن يقتحم األسوار‪.‬‬
‫يستوي احلوار بني الفضاء الشعيب واملسرح السلطوي‪ ،‬حني تزول املسافة املضاعفة ويتأنسن املشهد السلطوي‪،‬‬
‫مفضية إىل تبادلية الرغبة يف حوار مشرتك‪ ،‬إذ ال حوار‪ ،‬وال إيصال‪ ،‬دون قصدية تسعى إليه‪.‬‬
‫ينتهي السيل الكالمي الشعيب‪ ،‬كما جاء يف «أرض السواد»‪ ،‬إىل صيغتني‪« :‬إن ما حصل مل حيصل كما‬
‫حصل بل بشكل آخر»‪ ،‬و«إن ما حصل قد حصل قبل حصوله»‪ .‬تنهض البنية الروائية‪ ،‬يف مستوييها‪ ،‬على‬
‫نسق مفتوح من الشخصيات املختلفة‪ .‬وحتقق الشخصيات‪ ،‬يف تنوعها وتكاثرها واختالفها‪ ،‬أمرين‪ :‬متثل‪،‬‬
‫أوال‪ ،‬العالقة املنطقية بني الرتاجيديا والتاريخ‪ ،‬فال تراجيديا إال بفردية متميزة‪ ،‬أو بنسق من الفرديات املتميزة‪،‬‬
‫تبين فضاءها التارخيي‪ ،‬وتتبين فيه‪ .‬إن شخصيات منيف املتكاثرة ضرورة فنية خللق الفضاء االجتماعي ‪-‬‬

‫‪227‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫التارخيي‪ ،‬الذي يصرع فيه بعض البشر‪ ،‬وهم يصارعون شروطاً معطاة ترفض الرحيل‪ ،‬وهي تعرب‪ ،‬ثانيا وعلى‬
‫طريقتها عن تصور روائي للعامل يرفض احلتمية االجتماعية‪ ،‬اليت ختتزل الكل إىل واحد‪ ،‬ويقرر التنوع‬
‫واالختالف مبدأ للوجود اإلنساني‪ .‬يتحرك التاريخ يف بنية روائية ثنائية املستوى خمربة عن سلطة هلا الوجود كله‬
‫وعن قاع اجتماعي ال سلطة له‪.‬‬
‫‪ . 6‬الوعي األخالقي وغواية احلكاية‪:‬‬
‫خيرتق املستويني السلطوي والشعيب زمنان ال متجانسان‪ ،‬أوهلما متغري‪ ،‬يوقظ الشهوات ويلتهمها‪ ،‬وثانيهما ال‬
‫يوقظ شيئا‪ .‬يرسم الزمن السلطوي األقدار املتباينة‪ ،‬بدءا بنعمة غري متوقعة انتهاء بفقدان البصرية‪.‬‬
‫وعلى خالف الزمن السلطوي‪ ،‬يأتي زمن شعيب مغاير‪ .‬كما لو كان زمن اجملتمع هو زمن السلطة‪ ،‬اليت تعتقل‬
‫اجملتمع وتنسى أنها اعتقلته‪ .‬تأتي الشخصية الشعبية يف إقامة طويلة‪ ،‬وتغيب مثلما أتت‪ ،‬مؤكدة الثرثرة فعال‬
‫وحيداً‪ .‬ينطوي مستويا الرؤية على مجلة من العالقات الثنائية‪ :‬داود ‪ /‬ريتش‪ ،‬املركز ‪ /‬األطراف‪ ،‬القصر ‪/‬‬
‫احلاشية‪ ،‬املدينة ‪ /‬الصحراء‪ ،‬السلطة ‪ /‬اخلارجون على السلطة‪ ،‬السراي ‪ /‬القنصلية‪ ،‬والسراي ‪ /‬املقهى‪..‬‬
‫تكتسح السلطة‪ ،‬يف زمنها املضطرب‪ ،‬العالقات مجيعا‪ .‬أما الشعب‪ ،‬بلغة معينة‪ ،‬أو الرعية‪ ،‬بلغة أخرى‪،‬‬
‫فيرتسب يف مكان أليف وطليق هو‪ :‬املقهى‪ ،‬حيث كل «سالفة» تستأنف «سالفة» سبقت‪ .‬وللمقهى‪ ،‬يف رواية‬
‫منيف‪ ،‬حضوره الطاغي‪ ،‬مما يعينه مكانة وجمازة يف آن‪ .‬يبدو املقهى‪ ،‬يف اللغة العامية وحركات األجساد‬
‫الطليقة والضحكات املتصادية‪ ،‬تعبريا عن احلياة‪ .‬يضع الوعي األخالقي‪ ،‬وبقصدية واضحة‪ ،‬يف احلياة‬
‫الشعبية حياة عامرة‪ ،‬ويف شخصياتها تنوعاً مثرياً‪ .‬املنطق الروائي يستدعي الشخصية وحكايتها‪ ،‬وهو يبحث‬
‫عن داللة معينة‪ ،‬جتسدها فردية متميزة السمات واملصري‪ .‬وواقع األمر أن «املقهى» الثابت والطليق يف ثباته‪ ،‬هو‬
‫الشخصية الشعبية األوىل‪ ،‬شخصية ‪ -‬جماز‪ ،‬تروي ما يدور يف داخلها ويف خارجها معا‪ .‬ويستدعي الوعي‬
‫األخالقي يف رؤية منيف‪ ،‬عناصر حكائية ال تستدعيها العناصر احلكائية األخرى‪ ،‬مقرتباً من بنية خاصة‬
‫به‪ ،‬جتثم فوق بنية أخرى‪ .‬ينتج الوعي األخالقي بنية خاصة به وال يذهب بعيداً‪ .‬يتكشف القول الروائي‪ ،‬الذي‬
‫انتهى إىل ما يريد أن ينتهي إليه‪ ،‬يف نقطتني جوهريتني تقول األوىل؛ إن تاريخ اجملتمع هو تاريخ السلطات اليت‬
‫تتناوب عليه‪ .‬وتقول الثانية‪ :‬يندرج اجملتمع والسلطة معا يف زمن راكد‪ ،‬ال تغري حركة السلطة من داللته شيئا‪،‬‬
‫ألنها حركة متماثلة يف بنية سلطوية تتسم بالثبات‪.‬‬
‫تتكشف «أرض السواد» نص روائي كبري‪ ،‬رغم تناقضاته‪ ،‬يف مستوى آخر هو‪ :‬التأويل‪ .‬يفتح نص منيف أمام‬
‫التأويل آفاقا واسعة‪ ،‬مدلال على ثراء داخلي متعدد االجتاهات‪ ،‬حتيل عالقاته على الرتاجيديا‪ ،‬املهزلة‪ ،‬هشاشة‬
‫التاريخ‪ ،‬األنا واآلخر‪ ،‬بلغة اليوم‪ ،‬أو املستعمر واملستعمر‪ ،‬باللغة الصحيحة‪ ،‬بنية السلطة التقليدية‪ ،‬الزمن‬
‫الراكد والزمن الديناميكي‪ ،‬احلقب التارخيية املتناظرة‪ ،‬اإليديولوجية الشعبية‪ ،‬الرتاصف االجتماعي يف‬
‫جمتمع راكد‪ ،‬األنساق االجتماعية الثابتة‪ ،‬املمتدة من عسكري متآمر إىل شاعر يلوك كالمه ورجل فتوى‬
‫يلوك شيئا آخر‪ ..‬يف هذه العالقات مجيعا‪ ،‬وهي جتلو تاريخ اجتماعية وسياسية ووطنية‪ ،‬يستبني نص منيف‬
‫كتابة روائية طموحة وجتريباً طموحة داخل الكتابة الروائية‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫‪ . 7‬اضطراب القول الروائي بني قولني‪:‬‬


‫يضطرب قول منيف‪ ،‬وهو يشتق من السديم الشعيب فرديات متمايزة‪ .‬ويضطرب‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬وهو يستولد‬
‫منظورين خمتلفني من مفردات متماثلة‪ .‬والشخصيتان‪ ،‬اليت تفصل الرواية بينهما يف مكان وتقارب بينهما يف‬
‫آخر‪ ،‬هما‪ :‬داود وريتش‪ ،‬كما لو كانت الرواية تعطي قوال يف صفحة معينة‪ ،‬وتنساه يف صفحة الحقة‪ .‬والنسيان‬
‫املتعاقب يوزع أحكاما متقاربة على منظورين متصارعني‪.‬‬
‫خيرتع القنصل اإلجنليزي الشرقيني‪ ،‬قبل أن يلتقي بهم‪ ،‬وينشرهم فوق حبل من السلب ال ينتهي القدرية‪ ،‬ضعف‬
‫العقل‪ ،‬غياب الشكل‪ ،‬فالشكل هو االرتقاء‪ ،‬اجلمود املزمن‪ ،‬العاطفية اليت تعبث باألحكام‪ ،‬اإلميان‬
‫باألرواح اخلفية‪ ..‬تفرض عليه هذه املخلوقات السدميية أن يأخذها باحلزم والشدة‪ ،‬يبين ريتش الشرقيني يف‬
‫خطاب استشراقي منوذجي‪ ،‬يضع العقل أمام العاطفية والعلم أمام اإلميان‪ ،‬والوضوح مقابل االلتباس‪ ،‬واملبادرة‬
‫مقابل اإلرجاء‪ ،‬ويضع اإلحساس بالزمن يف مواجهة بالدة أصيلة ال تعرف عن معنى الزمن شيئا‪ .‬ومع أن اجلورجي‬
‫الطموح يشكل‪ ،‬روائية‪ ،‬نقيض لريتش‪ ،‬فإن منظوره إىل من هو وال عليهم‪ ،‬يرزح حتت وطأة االستشراق‪،‬‬
‫أحيانا‪ .‬تتداخل أقوال الوالي وريتش ومعاونه‪ ،‬وهي ترسم صورة أهل العراق‪ ،‬منتهية إىل خطاب استشراقي‪،‬‬
‫مينع عنهم العقل ويرتك هلم العاطفة‪ ،‬وحيرمهم من احملاكمة ويدع هلم معارف العيون الساذجة‪ .‬يتسلل‬
‫االضطراب‪ ،‬كما املنظور االستشراقي‪ ،‬إىل خطاب الراوي يف مكان وأكثر‪.‬‬
‫أراد منيف‪ ،‬وهو مصيب يف ذلك‪ ،‬أن يبني أن احلداثة حداثات‪ ،‬وأن احلداثة ال ختتصر إىل شكلها األوروبي‪.‬‬
‫فالتنظيم والعقل والنظام‪ ،‬حاوهلا داود‪ ،‬دون أن جيرت أفكار مدرسة تبشريية‪ .‬والعقالنية احملسوبة سعي إليها‬
‫اجلورجي النجيب‪ ،‬دون أن يعرف لغة أوروبية‪ .‬لكن منيف وهو يوزع احلداثة إىل حداثات‪ ،‬فاصال بني الغرب‬
‫واحلداثة الكونية‪ ،‬وقع حتت تأثري احلداثة املسيطرة‪ ،‬وهو يعمل على مواجهتها بأخرى‪ .‬كأن القول باملتعدد‪،‬‬
‫يف زمن يسيطر عليه املفرد‪ ،‬يستقيم يف حيز ويتعثر يف حيز آخر‪ .‬لقد سعت «أرض السواد» إىل أمرين‪ :‬رسم‬
‫املاضي من وجهة نظر املستقبل‪ ،‬وتأكيد كونية احلداثة اليت ترتبط بشعوب خمتلفة يف أزمنة خمتلفة‪ .‬وقادها‬
‫األمر األول إىل ختليق فضاء شعيب‪ ،‬يوهم بالتاريخ وال خيلق تارخيا‪.‬‬

‫هدى بركات‪:‬‬
‫من تاريخ متداع إىل تاريخ ال وجود له‪:‬‬
‫تبدو احلرب‪ ،‬يف الكتابة وخارجها‪ ،‬سيدة مرعبة‪ ،‬يقرتح املواضيع وميلي التصور وحيدد الوطن ‪ -‬املنفى‪.‬‬
‫فأشباح احلرب قائمة يف روايات «بركات» الثالث‪ ،‬ماثلة يف شليب ‪ -‬خنثى سوته الكراهية رج”‪ ،‬ويف عاشق‬
‫مؤمن هجره جمتمع فارقته القيم‪ ،‬ويف جنة األطالل» املستنجدة بتاريخ من غبار‪.‬‬
‫حمت احلرب من كتابة بركات كل أثر رومانسي حمتمل‪ ،‬فاألحداث معروفة وال جيهلها أحد‪ ،‬واحلوار ال‬
‫ضرورة له بني متحاربني يغتالون احلوار‪ ،‬واملكان كله لذوات بشرية‪ ،‬ظهرت فجأة» غامضة‪ ،‬حتتاج السري‬

‫‪229‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫والتحليل والتقصي‪ ،‬ويظل فيها الكثري من اخلفاء‪ .‬هلذا تسأل «هدی» أكثر مما جتيبا‪ ،‬راضية بأجزاء احلياة‬
‫البسيطة‪ ،‬اليت هي ليست بسيطة على اإلطالق‪ ،‬بعد أن أدركت أن احلقائق الكربى ال وجود هلا‪ ،‬وأن هذه‬
‫احلقائق مسكونة باملاء والتعصب‪.‬‬
‫‪ . 1‬حجر الضحك‪ :‬رواية التحول اهلجني‪:‬‬
‫تسرد «حجر الضحك» سرية التحول اهلجني‪ ،‬الذي يرد اإلنسان من طبيعة إىل أخرى‪ .‬تكشف الرواية عن‬
‫موضوعها يف استهالل روائي من اثين عشرة صفحة‪ ،‬ويف ختام باتر من ثالث صفحات وبضعة سطور‪ .‬واخلتام‬
‫الروائي هو الفصل اخلامس واألخري من حكاية مؤسية‪ ،‬انتهت إىل ما شاءتها احلرب أن تنتهي إليه‪ ،‬مؤكدة‬
‫احلرب سيدة مطاعة والبشر آنية من فخار‪ .‬تسرد الفصول الثالثة‪ ،‬القائمة بني اخلتام واالستهالل‪ ،‬سريورة‬
‫التفكك‪ ،‬اليت متحو إنسانا‪ ،‬وسريورة التكون‪ ،‬اليت تستولد من املمحي إنسانة جديدة‪ .‬تنفتح الرواية على‬
‫«خليل» وتنغلق عليه‪ ،‬تسرد حتوالته‪ ،‬وتسرد بها وجوه احلرب‪ ،‬اليت تدفن البشر وتستولدهم‪ .‬تعني الرواية‬
‫حتوالت شخصيتها املركزية‪ ،‬يف زمن احلرب‪ ،‬مبستويات ثالثة‪ :‬مستوى أول قوامه شخصيات غري متساوية‪،‬‬
‫تضيء الشخصية املركزية يف زمن الرباءة املفرتضة‪ ،‬وتبين داللتها يف زمن اإلثم والتداعي‪ .‬يظهر الربيء األنيق‬
‫الذي هذبته تربية مدينية متأنية‪ ،‬إىل أن يسقط برصاصة جاءته من جهة الشرق»‪ .‬يتلوه «ريفي» مجيل‪ ،‬تأت‬
‫الطبيعة يف خلقه وأغدقت عليه مجاال فريدة يسقط بدوره برصاصة أتت من «غرب املدينة»‪ .‬توقظ هاتان‬
‫الشخصيتان يف «خليل» عواطف متناقضة‪ .‬إنه جدل احلب والكراهية‪ ،‬الذي ينتهي إىل كراهية خالصة‪ ،‬بعد‬
‫موت املرجع اجلميل‪ .‬تطرد احلرب فئة معينة من البشر‪ ،‬وتستقدم أخرى حتتفي بالقبح والكراهية واللغة‬
‫املنتهكة‪ .‬يتحدد «خليل» باغرتاب مؤقت‪ ،‬اجتاحه بعد رحيل اجلسد القريب»‪ ،‬كما لو كان قد فقد جسدا‬
‫واستعصى عليه اجلسد الذي يريد‪ ،‬ويف تعيني القذيفة مرجع للزمن ما يثري الضحك‪ ،‬ويف تثبيت القصف جدول‬
‫زمين ما يبعث على السخرية‪ ،‬ويف األمرين مع ما يتلف العقل والضحك‪ ،‬ألن غاية القذيفة أشالء مرتامية‪ .‬تساقط‬
‫«جسد خليل»‪ ،‬بعد أن ودع «األموات‪ ،‬وآثر العزلة‪.‬‬
‫متحو احلرب يف البشر طبائع سابقة ومتلي عليهم طبائع الحقة‪ .‬غري أن عنف اإلمالء‪ ،‬جيعل فعل «التطبيع» والدة‬
‫قاتلة‪ :‬ينبثق الوليد من جسد سابق عليه غدا جثة وتأتي «الساقان الطويلتان» إىل الوليد من «أخ» اغتصبت ساقيه‪.‬‬
‫حتول احلرب املدينة إىل غابة والبشر إىل ذئاب‪.‬‬
‫يتكشف «خليل» يف رواية هدی بركات شخصية من طبقات متعددة‪ :‬فهو أوال مثقف ريفي مغلوب على أمره‪،‬‬
‫ال يطاول غريه حيلة وجتربة‪ ،‬حتاصره مدينة متوسطية حماربة‪ ،‬مكتنزة بعادات متعارضة وبأخالط بشرية‬
‫ويفروق طبقية‪ ،‬تضيف إىل عجزه الذاتي عجزا مرتاكمة‪ .‬يتلو الطبقة األوىل‪ ،‬اليت تسوي املقهور بغريه من‬
‫املقهورين‪ ،‬طبقة الحقة‪ ،‬تذيع أحوال «ذكر» مكبوت إىل ختوم املرض‪ ،‬ففي املدينة رعب حمتجب يهمش‬
‫«الغرباء»‪ .‬يلغي الريفي املغرتب فيه معنى املواطن‪ ،‬وينفي عنه الكبت صفة الذكورة‪ .‬يظهر «خليل»‪ ،‬يف مستوى‬
‫أول‪ ،‬إنسانة مقهورة حترر خطأ‪ ،‬ويف مستوى ثان‪ ،‬ذكرا مكبوتة أيقظ العنف غريزته اهلاربة‪ .‬غري أن هذين‬
‫املستويني وجهان خارجيان ملستوى أكثر عمقا وداللة هو‪ :‬اإلنسان ‪ -‬اخلنثى‪ .‬حيقق جماز اإلنسان ‪ -‬اخلنثى‪،‬‬

‫‪230‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫يف رواية «حجر الضحك»‪ ،‬وظائف ثالث‪ :‬فهو‪ ،‬أوالً‪ ،‬اجملال الداللي الذي يتطور فيه الفعل الروائي‪ ،‬منتقال من‬
‫اخلنوثة العاطلة إىل االغتصاب املخنث كاشفا عن معنى احلرب وطبيعة املادة البشرية اليت أنتجت احلرب‬
‫وأعادت احلرب إنتاجها‪ .‬وهو‪ ،‬ثانياً‪ ،‬أداة فنية مطابقة‪ ،‬تبين زمن احلرب مبا هو زمن مأساوي وساخر يف آن‪،‬‬
‫ذلك أن من ولد معطوباً يتجاوز ذاته مبا يوطن العطب ويؤمن له الثبات‪ .‬وهو ثالثا‪ ،‬البنية الزمنية امللتبسة‪ ،‬اليت‬
‫تفتح احلاضر على غريه من األزمنة‪ ،‬وتضع يف األزمنة احملتملة عطباً جوهرياً‪.‬‬
‫يعرب اجملاز الفين‪ ،‬الذي خلقته هدى بركات‪ ،‬عن تصور روائي نوعي‪ ،‬عناصره ثقافة راقية وجترية بعيدة عن‬
‫التذهني واجتهاد رهيف يسائل املمكن الروائي‪ ،‬ويأتي بإجابات فنية‪ ،‬تسخف التقليدي وتفضح فراغه املتناتج‪.‬‬
‫تتغلق رواية هدى بركات على فضاء مشبع بالفقد واخلواء‪ .‬فال شيء يرجى من زمن اغتصب األخالق واللغة‬
‫ومتسك جباكيت جلدي» أنيق‪.‬‬
‫تتضمن «حجر الضحك» خطابني متالزمني متفاوتي احلضور‪ ،‬يرى احدهما إىل احلرب ووجوهها‪ ،‬ويتأمل‬
‫ثانيهما الكتابة والصمت واألسى‪ ،‬أي ما يرفض احلرب ويشجب آثارها‪ ،‬يظهر اخلطاب األول يف سرية اإلنسان‬
‫املعوق‪ ،‬ويتالمح اخلطاب الثاني يف سرية ذاتية مسترتة‪ ،‬هي سرية األنثى ‪ -‬الراوية‪ ،‬اليت حتايث «بطلها املبتور‪،‬‬
‫قبل أن «يهجرها» إىل رجولة قاتلة‪ .‬حجبت الراوية صوتها يف زمن االتصال وأفصحت عنه حلظة االنفصال األخري‪.‬‬
‫زاملت الرواية‪ ،‬منذ البدء‪« ،‬شخصاً» تعرفه‪ ،‬وكشفت عن ذاتها يف حضور متناوب جمزوء‪ ،‬مطمئنة إىل غبطة‬
‫الوصال‪ ،‬إىل أن داهمها ما ال تريد‪ ،‬فألقت بالقناع وضاعفت صرخة الكتابة»‪ .‬غاب خليل‪ ،‬صار ذكراً‬
‫يضحك‪ .‬وأنا بقيت امرأة تكتب»‪ .‬تقول الرواية يف النهاية‪ .‬تفصل النهاية بني الذكر الضاحك واألنثى الكاتبة‪،‬‬
‫بني احلرب اليت هزمت غريها والكتابة املستقرة يف زمن مفقود‪ ،‬أو بني الذكر املتحقق يف ضحكة القاتل‬
‫واألنثى اخلائبة‪ ،‬اليت الذت بالكتابة‪ .‬ذكر يضحك‪ ،‬وامرأة تكتب»‪ ،‬يواجه الذكر األنثى‪ ،‬ويقابل الضحك‬
‫الكتابة‪ ،‬بيد أن رد الكلمات إىل دالالتها يسمح بصيغة أخرى‪ :‬يواجه االغتصاب السالم‪ ،‬ويقابل اجلنون‬
‫احلكمة‪ ،‬أو‪ :‬جيابه االغتصاب اجملنون احلكمة املساملة‪.‬‬
‫يف «حجر الضحك» ما جيعلها رواية نوعية عن حرب حمددة املكان والزمان‪ ،‬ورواية آسرة عن الالمعقول يف‬
‫األزمنة املريضة‪.‬‬

‫‪ . 2‬أهل اهلوى‪ :‬رواية االنفصال األسيان‪:‬‬


‫تتوزع احلرب على «حجر الضحك» و«أهل اهلوى» بشكلني خمتلفني‪ :‬فهي‪ ،‬يف األوىل‪ ،‬مباشرة صرحية‪ ،‬وهي‬
‫يف الثانية ال مباشرة‪ ،‬حاضرة ومقنعة‪ .‬تبدأ هدى بركات روايتها األوىل بالشاذ ‪ -‬العادي‪ ،‬الذي حيسن الصمت‬
‫ال إطالق الرصاص‪ ،‬وحتتفظ بروايتها الثانية بالشاذ ‪ -‬املختلف‪ ،‬الذي أتلفه العشق وأتلف غريه عشقا‪ .‬تنفتح‬
‫«أهل اهلوى»‪ ،‬يف مستواها املسيطر‪ ،‬على العاشق الذي اخترب الغرام والكلف والتيم‪ ،‬واستقر يف هواء اهلوى‪،‬‬
‫متوسد مأساة ال يفهمها إال هو‪ .‬برد العاشق‪ ،‬الذي استيقظ فيه لغز الوجود‪ ،‬إىل نبل خالص‪ ،‬خيلع ذاته األوىل‬
‫ويلبس لوعة العشق ويرتاح إىل بيت اجلنون»‪ .‬يعيش «أهل اهلوى» العاطفة املشبوبة‪ ،‬اليت تتحدث عن «األمل‬

‫‪231‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫واملرض والعذاب والتعاسة»‪ ،‬وعن «جنون مبارك»‪ ،‬خيتلط بالتصوف وينفتح على حكمة جديدة‪ .‬حني يتحدث‬
‫العاشق عن ذاته ومعشوقه‪ ،‬ولعل العاطفة املؤسسة على «جنون مبارك» هي اليت متلي على العاشق أن يقتل‬
‫املعشوق‪ ،‬وأن يقتل معه كابوس الزمن والتحول‪ .‬يطل العاشق املتحقق من «صخرته العالية على جمتمع قوضته‬
‫الكراهية‪.‬‬
‫يتكشف الفرق بني العشق القاتل والقتل العشوائي يف الفرق بني «املدينة»‪ ،‬اليت تدور فيها «رعية اهلل احلرة‬
‫املختارة»‪ ،‬و«املستشفى» الذي يقيد» العاشق ويعزله عن غريه‪ .‬متشي املدينة حرة وتعتقل ما عداها‪ ،‬فجنونها‬
‫املعمم ألفي معنى اجلنون وفرض قانونا» ينكره «اجملنون» ويقبل به نقيضه»‪ .‬ختطئ املدينة يف التعرف على‬
‫أسباب جنون العاشق‪ ،‬ويزهد األخري بأخته» ويكره كلمة اجملتمع‪ .‬لكل جنونه‪ ،‬وإن كان جنون العاشق ال‬
‫جنون فيه‪ .‬يظهر العاشق يف جمتمع الكراهية شواذاً‪ ،‬ويتعني «خارج» اجملتمع شهيداً حقيقية‪ ،‬ويتحدد احملارب‬
‫‪ -‬القاعدة بطال‪ ،‬وشهيداً الشواذ فيه‪ .‬يفضي العشق إىل القتل‪ ،‬والعشق القاتل إىل اجلنون‪ ،‬وجنون العشق القاتل‬
‫إىل دروب القديسني‪ ،‬الذين دفنوا» أجسادهم وآمنوا بدميومة الروح‪ .‬تبدأ التجربة‪ ،‬اليت عاشها عاشق رأى بقلبه‬
‫غريه‪ ،‬حبادث ثقيل غري متوقع‪ ،‬شانه الصدقة»‪ ،‬وتنتهي مبا ينصر القلب والصدفة الغريبة‪ .‬يقع من ال اسم له يف‬
‫العشق وقتل املعشوق واألسر والعذاب‪ ،‬ويصل وحيدا إىل «بيت اجلنون»‪ ،‬ينتظر زيارة أخت عانس‪ ،‬تكف عن‬
‫زيارته الحقا‪ ،‬يعيش الوحدة والفقد والعذاب‪ ،‬إىل أن يرى‪ ،‬بعد املعاناة‪ ،‬ضوءا‪ ،‬ميده بروح صافية ال تكره‬
‫أحداً‪.‬‬
‫يعيش أهل اهلوى» عزلة‪ ،‬هي عزلة احلب والرباءة عن الكراهية والدنس‪ .‬هلذا يشري القديس إىل ختوم الفكر»‬
‫وإىل جمتمع ينكر القديسني وحيجر عليهم‪ .‬يتكشف معنى احلرب يف عبادة الكراهية‪ ،‬وتكشف عبادة‬
‫الكراهية عن جمتمع حترر من املقدسات‪ ،‬واسرتاح يف «زمن وثين» أنيق امللبس وحديث األسلحة‪ .‬حييل التنظيم‬
‫اجلمالي على زمنني متداخلني‪ ،‬أحدهما سائب تدور فيه ذاكرة مرهقة تروي حكاية مليئة بالفجوات‪ ،‬وثانيهما‬
‫زمين تعاقيب يباطن األول‪ ،‬جيمع نثار الزمن األول ويضع فيه املعنى‪.‬‬
‫أنتجت هدى بركات يف «أهل اهلوى» مسافة مزدوجة‪ ،‬تدلل على واقع مريض وبرهن عنه‪ :‬مسافة أوىل قوامها‬
‫سارد ملتاث العقل عهدت إليه الروائية بالكالم نيابة عنها‪ ،‬ومسافة ثانية ترتمجها لغة جوهرية‪ ،‬تنقض اللغة‬
‫النفعية البسيطة‪ ،‬وختتزل‬
‫املواضيع إىل لغة شديدة الكثافة‪ .‬كأن السارد‪ ،‬وهو ينسحب من واقع ينفيه ينسحب من لغة واقعية» ال تقول‬
‫شيئا‪ .‬تبنى بركات‪ ،‬وهي حتتج على الواقع املريض بلغة ليست منه الرواية على لغة مكتوبة خاصة بها‪ ،‬تتخلق‬
‫وهي تبحث عن املعنى يف واقع افتقد املعنى‪ .‬نقبت حجر الضحك» عن معنى التاريخ االجتماعي بإحاالت متعددة‪،‬‬
‫تستدعي املدرسة وتهافت السياسة ورخاوة الثقافة واهلوة بني الريف واملدينة‪ .‬اكتفت هدى يف روايتها الثانية‬
‫بتاريخ ثانوي‪ ،‬هو تاريخ القيم واإلميان‪ ،‬كاشفة عن تشاؤم شديد‪ ،‬ال يطمئن إىل التاريخ ومعناه‪.‬‬
‫‪ . 3‬مالحظة عن «حارث املياه»‪ :‬التشاؤم املكتمل ورخاوة التاريخ‪:‬‬

‫‪232‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫ساءلت هدى بركات‪ ،‬يف «حجر الضحك» التاريخ وهي تسائل «مدرسة رمسية» مدثرة بالبالغة والتجهم‪ .‬ويف‬
‫«أهل اهلوى» وضعت اجملتمع املتقاتل يف جماز الكفر واإلميان‪ ،‬راجعة إىل تاريخ القيم‪ ،‬الذي حتدد مقوالته‪،‬‬
‫املرفوضة أو املقبولة‪ ،‬ارتقاء اجملتمع واحنطاطه‪ .‬يف عملها الثالث «حارث املياه»‪ ،‬ابتعدت من جديد عما بدأت‬
‫به‪ ،‬راجعة من تاريخ القيم إىل عامل الفن واجلمال‪ .‬وما «حارث املياه إال اإلنسان اجلميل الذي يبين‪ ،‬وهما‪ ،‬عاملا‬
‫مجيال مسورة باخلراب‪ .‬يبين بيتا يداري به بؤسه وميوت بائساً‪ ،‬معتقداً أن يف مجال «احلرير» ما يصد عنه‬
‫األذى ومينع عنه املوت‪ .‬ولعل تطاير اليقني هو ما جعل هدى تصل إىل «تاريخ الفن»‪ ،‬وهو ما دعاها إىل التعامل‬
‫مع جماز لطيف رهيف واهن هو‪ :‬القماش‪ ،‬الذي ميتع حواس اإلنسان زمنا‪ ،‬ويسقط يف االضمحالل‪ .‬رأت هدى‬
‫وامللمس واملذاق والرائحة‪ ،‬وانصاعت إىل فتنة احلرير‪ .‬كان يف ذهابها رفض للحاضر بركات يف «حارث املياه»‬
‫الواقع الدامي وذهبت إىل عامل احلواس‪ ،‬حيث املنظر وأشياء من الاليقني والضياع‪ ،‬وكان فيها تنقيب عن‬
‫احلرية‪ ،‬فاحلرية اإلنسانية قائمة يف احلساسية اإلنسانية‪ .‬من حرب ضارية تقوض مدينة إىل إنسان يلهو‬
‫باألقمشة‪ ،‬إىل حواس ابتعدت عن صاحبها‪ ،‬حتى بدت مستقلة أو تكاد تصل هدى بركات‪ ،‬وهي حتاور العني‬
‫وامللمس والرائحة إىل ذروة رهافتها‪ ،‬وتعانق التشاؤم املفتوح أيضا‪ ،‬ألن كل ما حتاوره مقبل على الزوال‪.‬‬
‫ربيع جابر‪ :‬صوت الكتابة وصدر التاريخ‬
‫كتب ربيع جابر‪ ،‬قبل أن يبلغ عشرين عاما‪ ،‬روايته األوىل‪« :‬سيد العتمة»‪ ،‬كاشفا عن طموح حقيقي برهن‬
‫عنه الحقا‪ .‬ذهب إىل زمن السيطرة العثمانية وإىل بطوالت قاومت ظلمها‪ ،‬وذهب أكثر إىل فتنة احلكايات‪،‬‬
‫اليت تضيف إىل بطولة املظلوم املمكنة بطوالت مشتهاة‪ .‬كأن احلكاية حيز حر سعيد يستضيف فقراء مرهقني‬
‫وبطوالت واسعة‪ ،‬قبل أن تهيل الرتاب على املظلومني وبطوالتهم‪.‬‬
‫‪ . 1‬رالف رزق اهلل يف املرأة‪ :‬تبدد املعنى واللواذ بالكتابة‪:‬‬
‫يستأنس ربيع جابر‪ ،‬يف روايته «رالف رزق اهلل يف املرأة» ‪ ،- 1997 -‬بعامل غالب هلسا وبوقائع معيشة‪ .‬تتكون‬
‫الرواية يف جماز الكابوس‪ .‬فاملكان اخلارجي‪ ،‬الذي ترتمجه الكلمات‪ ،‬رثيث قبيح‪ ،‬تفرتشه جدران متأكلة‬
‫وسيارات معطلة‪ .‬واملكان الداخلي‪ ،‬الذي ينسحب إليه اإلنسان من شوارع مرهقة‪ ،‬قبو ‪ -‬خمزن‪ ،‬كهف ضيق‬
‫املساحة مقموع اإلضاءة‪ .‬وزمن التقوض امتداد ملكانه املوحش‪ ،‬انسحب من الزمن أو هجره الزمن وانطفأ‪ .‬صاغ‬
‫ربيع جابر‪ ،‬متوسط مراجع كثرية‪ ،‬بطال إشكالية‪ ،‬يعيش واقعا ال يستطيع حتمله وال تغيريه‪ ،‬ال يتعايش معه‬
‫وال يقبل به‪ .‬يشري البطل‪ ،‬املوزع على العجز واالحتجاج‪ ،‬إىل أزمة مزدوجة‪ :‬جمتمع فقد الوجود السوي واملعايري‬
‫املعقولة‪ ،‬ومثقف فقد القدرة على التعامل مع جمتمع معطوب‪ .‬تستولد الرواية فضاءها من متواليات تنشر العزلة‬
‫والفقد واملعنى املستحيل‪ ،‬ولعل الفضاء اخلانق الذي هجره املعنى‪ ،‬هو الذي يضع يف جزء الرواية األول إيقاعا‬
‫جنائزياً متصاديا‪ ،‬يرتدد إحدى عشر مرة‪" :‬كان يدعي رالف رزق اهلل"‪ ،‬معلنا رحيل املعنى مع رحيل «األستاذ‬
‫اجلامعي‪.‬‬
‫ينفتح اجلزء األول من الرواية‪ ،‬وعنوانه «كان يدعى رالف رزق اهلل»‪ ،‬على انتحار مثقف توهم‪ ،‬يف نقائه‬
‫املستمر‪ ،‬املعرفة دربا إىل التحقق‪ ،‬قبل أن يرى يف اجلامعة والثقافة واجملتمع عبثا خالصة‪ .‬تبدأ الرواية بانتحار‬

‫‪233‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫غامض األسباب‪ ،‬وتنتهي بغموض االنتحار‪ ،‬الذي جيلوه املنتحرون‪ ،‬دون غريهم‪ .‬يقف الروائي‪ ،‬يف اجلزء األول‪،‬‬
‫على حدث مأساوي «كان»‪ ،‬وينتقل يف اجلزء الثاني إىل حاضر حموط باالغرتاب‪.‬‬
‫يبين ربيع جابر إشكال اإلنسان املستلب مبجاز‪ :‬املرأة‪ ،‬اليت ترد الوجه الظاهر إىل وجه ال يرى‪ ،‬وترد الوجهني‬
‫إىل مرآة الحقة‪ ،‬تقف يف نهاية الطريق‪ .‬وعامل «ربيع» الذي يطارد سراً يف مرايا متوالية‪ ،‬عامل من املرايا املرعبة‪،‬‬
‫ميتد من مرآة الصباح اليت تصفع الوجه‪ ،‬إىل مرآة املصعد العنيد املنفرة‪ ،‬إىل شرفة متواضعة تبادل فيها أحياء‬
‫األحاديث ورحلوا‪ .‬يصري السر‪ ،‬بعد تكاثره‪ ،‬أسراراً جديدة‪ ،‬ويوطد الاليقني قاعدة مطلقة‪.‬‬
‫يضيف «ربيع جابر»‪ ،‬الذي تأمل طبقات اإلنسان املختلفة يف صورة الفوتوغرافية املتتابعة‪ ،‬إىل مرآة الشاعر‬
‫«املخفق»‪ ،‬مرآة غريبة ال يعوزها االلتباس‪ ،‬هي‪ :‬مرآة الدب القطيب‪ .‬تتكاثر املرايا موطدة معنى الضياع‪ .‬يساوي‬
‫الباحث عن احلقيقة الدب يف وحدته الالمتناهية‪ ،‬والشاعر الربتغالي الذي عاش يتما جمددا‪ ،‬وتعكس املرايا‬
‫الثالث «البطل اإلشكالي»‪ ،‬الذي خاصم اجملتمع ومضى‪ .‬فمن يبحث عن احلقيقة ميوت يف الطريق‪ .‬يتلو اجلزء‬
‫الثاني من الرواية‪ ،‬وعنوانه "هل نقفز؟ ‪ .‬سألين"‪ ،‬جزء ثالث صغري ‪ .. ....‬ثم قفز»‪.‬‬
‫ينطوي جماز املرأة على دالالت خمتلفة‪ ،‬تساوي املرايا املتناثرة على جانيب الطريق‪ .‬ففي املرأة يرى اإلنسان‬
‫صورته‪ ،‬ويرى يف الصورة املبتذلة لغزاً‪ ،‬ألنه ال يستطيع اإلمساك بصورته‪ ،‬كما لو كانت املرآة مبدأ االنفصال‬
‫ال يعقل‪ .‬ولعل لعبة املرأة‪ ،‬اليت ختتصر معنى احلياة واملوت‪ ،‬هي اليت تدفع بالروائي إىل العودة إىل لويس‬
‫كارول‪ ،‬الذي كتب «أليس يف بالد العجائب»‪ ،‬وقصة عنوانها «اجلنب اآلخر من املرأة»‪ .‬إن سطح املرأة هو‬
‫عامل األشياء اخلادع‪ ،‬الذي يقف وراءه املوت واملعنى معا‪.‬‬
‫ترى رواية جابر إىل زمن ما بعد احلرب‪ ،‬قائلة بانتحار القيم وسيطرة اخلراب متكئة على عناصر ثالثة‪ :‬انتحار‬
‫املثقف الذي ال يتعايش مع القيم اخلربة‪ ،‬التفاصيل اليومية املتواترة اليت تعري واقعة بليدة وتذيع بالدته‪ ،‬اللواذ‬
‫باملعرفة اليت تعني‬
‫املغرتب على حتمل واقعة‪ .‬صاغ ربيع جابر فضاء «اليأس الشجاع» من «أبدال أضاعوا معنى املستقبل بعد أن‬
‫أضاعوا معنى احلاضر‪ ،‬وانسلوا بهدوء إىل مملكة املوت‪ .‬كل «بديل» يناجي آخر سيلحق به‪ ،‬أو «بدية‪ ،‬سبقه‬
‫إىل امليناء األخري‪ ،‬شيء قريب من «هذيان» بيسوا يف رواية «أنطونيو تابوكي»‪« :‬هذيان»‪ .‬مل يذهب ربيع جابر‬
‫إىل الشاعر الربتغالي بل التقى به‪ ،‬حاوره يف أشياء كثرية‪ ،‬واطمأن إىل فكرة الكتابة‪ ،‬اليت ختتصر ما جرى‬
‫إىل كلمات‪.‬‬
‫‪ . 2‬الفراشة الزرقاء‪ :‬مجالية احلكاية والسخرية من التاريخ‪:‬‬
‫قاس ربيع جابر يف «رالف رزق اهلل يف املرآة» هشاشة جمتمع‪ ،‬متوسالً مغرتباً منوذجياً يف فرتة من الزمن قصرية‪،‬‬
‫وانتهى إىل حديث عن‪ :‬الفراغ القاتل‪ .‬حيتفظ الروائي يف «الفراشة الزرقاء»‪ ،‬وهي تزامن الرواية السابقة‪-1996-‬‬
‫‪ ،‬مببدأ االغرتاب‪،‬‬
‫ويالحقه يف فرتة زمنية واسعة‪ ،‬أكثر من قرن من الزمن‪ ،‬وخيلص إىل فراغ جديد‪ ،‬أقل وضوحا وأكثر وجعاً‪.‬‬
‫تتكئ «الفراشة الزرقاء» على ذاكرة ماكرة‪ ،‬تتوزع على التذكر والنسيان والبوح الطليق واملعلومات الدقيقة‪،‬‬

‫‪234‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫وعلى فتنة احلكايات‪ .‬وضع «ربيع» يف روايته تصوراً روائياً مركباً‪ ،‬يعطف زمن الفرد الضيق على «زمن‬
‫تارخيي» أكثر اتساعاً ‪ ،‬وحيول الزمنني إىل حكايات متفرقة‪ ،‬تسجل الوقائع وتسخر منها‪ .‬تتخلق «الفراشة‬
‫الزرقاء» يف سريورة كتابة حمددة‪ ،‬خترتقها مقوالت أربعة‪ ،‬حتاور الزمن وتغلق احلوار على الفجيعة‪ .‬الفراشة‬
‫الزرقاء» رواية مأخوذة مبعنى الزمن‪ ،‬كما أراده الوعي الروائي أن يكون سطوة ال بداية هلا وال نهاية‪ ،‬تقع على‬
‫اإلنسان وترتك آثارها على رغبات ال يراهن عليها‪ ،‬وهي يف مراياها املتعددة صورة عن اإلنسان‪ ،‬الذي يقوده‬
‫الزمن وميكر به‪ .‬يضع االنزياح اإلنسان داخل نفسه وخارجها‪ :‬يضعه داخل نفسه وهو يتمنى ويرغب‪ ،‬ويضعه‬
‫خارج نفسه وهو يصل إىل شيء آخر‪ .‬طال يد املوت العنيف اإلنسان يف كل زمن ومكان‪ .‬يسرد املوت املهيمن‬
‫على وهن اإلنسان وهوانه‪ ،‬ويسخف كل أثر إنساني‪ ،‬صاغه مفرد شديد الطموح‪ ،‬أم مجاعة متعددة‬
‫احلكايات‪ .‬ولن يكون التاريخ‪ ،‬يف احلالة هذه‪ ،‬الذي أدرجه الروائي يف نصه جبدية ال تعوزها األحداث املوثقة‪،‬‬
‫إال مفارقة ساخرة‪ ،‬ذلك أن املوت املوسع حيول كل ما تبقى إىل أطالل‪ .‬حيضر التاريخ إىل النص الروائي‪،‬‬
‫ويسخر النص منه مرتني‪ :‬مرة أوىل بالتصور الرتاجيدي للعامل‪ ،‬الذي ينصب املوت حقيقة وحيدة ومرة ثانية‬
‫بالتقنية احلكائية اليت تعطف حكاية على أخرى‪ ،‬ومتحو احلكايات مجيعاً‪.‬‬
‫يتجلى الفضاء احلكائي مأساوية يف ذاته وساخرا يف تأويله التارخيي‪ :‬مأساوي در حني خيتصر حكايات‬
‫البشر مجيعا‪ ،‬صغارا كانوا أم كبارة وافدين أم حمليني‪ ،‬إىل حكاية املوت املنتظر‪ ،‬مدركا أن يف التكرار‬
‫سخرية‪ ،‬وأن يف التكرار الساخر عبثا وحزنا راسخا يف آن‪ ،‬وساخر هو حني يؤالف بني مصائر بشر كان يف‬
‫حياتهم أكثر من فرق واختالف‪ .‬تنطلق احلكايات متعددة‪ ،‬وتنتهي إىل مآل ال تعدد فيه يستقدم التأويل ويطرده‬
‫معا‪ .‬فال تأويل إال باملتعدد‪ ،‬على خالف ماض متناظر ترسب يف حكاية ممتعة‪ .‬عرب الروائي عن التأويل الساخر‪،‬‬
‫الذي ينفي الرتاجيدي احلكائي‪ ،‬بتقنية مطابقة متعددة العناصر‪ :‬اختزل احلدث التارخيي إىل تارخيه الرقمي‪،‬‬
‫إىل تراصف األعداد اليت تعني زمنه ال اكثر‪.‬‬
‫يوهم ربيع جابر قارئه بالرجوع إىل «التاريخ»‪ ،‬كي بنزاح عنه مكتفيا ب«التاريخ» الذي ختتصر حكاياته‬
‫املتعددة إىل حكاية املوت الوحيدة‪ .‬لكنه يف انزياحه من «التاريخ» إىل «التأريخ»‪ ،‬ينتج التأويل الروائي للتاريخ‬
‫الذي يتأمل الت اريخ جبدية عالية وإخالص كبري‪ ،‬ويعثر فيه على السخف والالمعنى كان يف رواية ربيع جابر‬
‫ما يقول‪ :‬إن الزمن احلكائي عن التاريخ هو الزمن التارخيي الوحيد‪ ،‬الذي تصوغه حكايات مكتوبة وكتابة‬
‫تقتات باحلكايات وختلقها يف آن‪ .‬يف الفراشة الزرقاء» وصل ربيع إىل عمل روائي بهي اإلتقان‪ ،‬يبين التاريخ‬
‫حبكايات منه وحياكمه بعبث ساخر ال يتخفف من األسى‪.‬‬
‫‪ . 3‬يوسف اإلجنليزي‪ :‬كل الطرق تفضي إىل اخليبة‪:‬‬
‫استأنف ربيع جابر‪ ،‬بعد ثالث سنوات‪ ،‬تصوره الروائي السابق‪ ،‬يف عمل أكثر طموحا وتعقيداً‪ ،‬هو‪« :‬يوسف‬
‫اإلجنليزي»‪ .‬جتلى الطموح يف العمل على إلغاء احلدود بني الوثيقة التارخيية واإلبداع الروائي‪ ،‬كأن يتحاورا‬
‫ويتساكنا وحيتفظ كل منهما باالستقالل الذاتي‪ ،‬أو مبا يوحي به‪.‬‬

‫‪235‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫انتهت جتربة ربيع جابر يف «يوسف اإلجنليزي» إىل نتيجة تثري املساءلة‪ ،‬عنوانها‪ :‬اجملازفة املبدعة‪ .‬ذلك أن الروائي‬
‫أقام عالقة غري مسبوقة‪ ،‬يف الرواية العربية‪ ،‬بني الرواية والتاريخ‪ ،‬متحو الفواصل بني الوثائقي واملتخيل‪ ،‬أو‬
‫تكاد‪ .‬فقد عرفت الرواية مساءلة التاريخ‪ ،‬دون التقيد مبعطياته الدقيقة ووقائعه احملددة‪ .‬لكن جابر‪ ،‬الذي‬
‫يتقدم باقرتاح روائي جديد خاص به‪ ،‬وضع يف النص الروائي نصا تارخيياً مباشراً‪ ،‬وتطلع إىل نص غري مسبوق‬
‫حيتضن النصني املتصلني املنفصلني‪ ،‬بال تناقض‪ .‬تتوزع الرواية على أجزاء أربعة عناوينها‪ :‬اجلبل اللبناني‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬لندن‪ ،‬العامل‪ .‬تشري العناوين إىل أمكنة خمتلفة األزمنة‪ ،‬وإىل حركة متحررة متصاعدة‪ ،‬تبدأ من زمن‬
‫فقري مقيد وتنتهي إىل فضاء متحرر األزمنة‪ .‬وما جيعل األمكنة ‪ -‬األزمنة شخصيات واضحة احلضور هو الفعل‬
‫اإلنساني‪ ،‬الذي يتسع إن حترر زمنه من مكانه‪ ،‬والذي يضيق إن ساوى فيه الزمان املكان‪ .‬تبدأ الرواية من‬
‫«اجلبل» وتنتهي إىل «العامل»‪ .‬لكنها‪ ،‬وهي تنسج يقظة معنى قصدته وصاغت وجوهه‪ ،‬تعطي «اجلبل» مساحة‬
‫تطغى على غريها‪ ،‬وتعينه حكاية راكدة هائلة‪ ،‬تتناسل منها حكايات متناظرة ال تنتهي‪ .‬تفصل «بريوت» بني‬
‫زمن «اجلبل» وزمن لندن»‪ ،‬وحتتفظ بزمن خاص بها‪ ،‬كما لو كانت نقطة عبور‪ ،‬مير بها الكولونيل الذاهب‬
‫إىل اجلبل‪ ،‬و«يوسف اإلجنليزي»‪ ،‬الذاهب إىل لندن» ‪ ،‬إنها طرف يستقبل‪ ،‬ويرسل ما أرسله غريه إليه‪ ،‬تنطق‬
‫بكلمات غريها‪ ،‬وتلتمس قوة ال حتسن صياغته‪ ،‬على خالف «لندن»‪ ،‬اليت توغل يف اإلرسال وتستقبل ما شاءت‬
‫أن تستقبل‪ .‬بدأ "يوسف" حياته غريبة وانتهى إىل مصري أكثر غربة‪.‬‬
‫حيقق وصول «يوسف» إىل لندن‪ ،‬روائيا‪ ،‬وظائف ثالث‪ :‬حيول لندن ‪ -‬املكان إىل لندن ‪ -‬الشخصية‪ ،‬بشوارعها‬
‫وأمسائها وعاداتها وبشرها وزمنها التارخيي‪ ،‬الذي ال يعرفه أهل اجلبل» وال يتعرفون عليه‪ .‬كأن لندن تعيد‬
‫كتابة سرية اجلبل بطريقة أخرى‪ ،‬مصرحة بعاداته الضيقة وزمنه الفقري‪ .‬لذا تعمل املدينة‪ ،‬وهنا الوظيفة‬
‫الثانية‪ ،‬على إعادة خلق الصيب‪ ،‬الذي وصلها يف الثالثة عشر من عمره‪ ،‬وغادرها بعد ثالثة عشر عامة‪ .‬عاش‬
‫«يوسف» حياته القصرية مدفوعة بتناقضاته املعقدة‪ ،‬خياصم منامه يقظته وينكر ماضيه حاضره وخيادع طريقة‬
‫املراوغ خطواته القلقة‪.‬‬
‫شاء «ربيع جابر»‪ ،‬وهو يبين شخصية تسوطها تناقضاتها‪ ،‬أن يالمس املغرتب النموذجي‪ ،‬وأن يوطد مأساة‬
‫مستلب أفقه الوحيد هو التفكك‪ .‬فإذا كان «الغرناطي» هو املغرتب ‪ -‬النمط‪ ،‬الذي يسري يف درب وينتهي إىل‬
‫آخر مل يقصده‪ ،‬فإن «يوسف» هو الشخص الذي ولد مغرتبة وإذا كان «رالف رزق اهلل» هو املغرتب الذي أرهقته‬
‫مدينة ماسخة‪ ،‬فإن «يوسف» هو املطارد خبصام ثقافتني وزمنني‪ .‬إنه املغرتب الكلي‪ ،‬الذي ميكر به الطريق‬
‫قبل أن يبدأ املسري‪ ،‬ويكاثر اخلديعة بعد اخلطوة األوىل‪ .‬ومع أن يف «يوسف» معطى طبيعية مغرتبة‪ ،‬بسبب‬
‫توزعه على حضارتني ال تأتلفان‪ ،‬فقد شاء «ربيع» أن يرفع املأساة إىل ختومها األخرية‪ ،‬حني وضع االغرتاب يف‬
‫والدة املغرتب وطفولته‪ ،‬كما لو كان يقول‪ :‬إن يف التاريخ اغرتابة منقوصة‪ ،‬يشوه اإلنسان ويدعه قادرة على‬
‫الوقوف‪ ،‬على خالف االغرتاب الوجودي‪ ،‬الذي يهدي اإلنسان بوصلة تقوده إىل التيه‪ .‬و«ربيع»‪ ،‬يف ما يفعل‪،‬‬
‫ينجز أطروحة عن هجنة «احلداثة الشرقية ويتمسك بثبات مبنظوره املأساوي للعامل‪ ،‬الذي يضع املأساة يف وجود‬
‫عابث ال يلتفت إىل األزمنة‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫توطد الرواية‪ ،‬يف ثرائها اجلميل‪ ،‬مأساة املغرتب‪ ،‬متوسلة عنصرين‪ ،‬عنوان أحدهما رمبا‪« :‬العقم الرمزي»‪،‬‬
‫الذي يؤول عالقة املغرتب الشرقي باملدينة األوروبية املنتصرة‪ ،‬وعنوان ثانيهما‪« :‬العودة املخفقة»‪ ،‬اليت تؤول‬
‫معنى «اجلبل»‪،‬الذي أصابه الفشل وأخطأ االنتصار‪ .‬فالشرقي‪ ،‬الذي تزوج بإجنليزية‪ ،‬خيرب يف زواجه عن جناح‬
‫صريه «إجنليزية كام»‪ ،‬له عصاه وقبعته وغليونه ولباسه املتمدن‪.‬‬
‫يعود الصيب املوهوب‪ ،‬الذي مل يعد صبياً‪ ،‬إىل «جبله»‪ ،‬حامال جناحه وعقمه‪ ،‬أي حامال ال شيء‪ .‬كأن يف عقم‬
‫الرجل قبل رجوعه‪ ،‬كما بعد الرجوع‪ ،‬إشارة إىل زمن عقيم صدر عنه‪ ،‬أو إىل خصب مستحيل تالمح يف زمن‬
‫آخر‪ .‬حيدث العقم املستقر عن بنية تارخيية عقيمة‪ ،‬ال متس األفراد وال تعرب عنهم‪ ،‬ألنها بنية متسلطة تصادر‬
‫األفراد وال تسمح بفردية مستقلة‪.‬‬
‫ينتج املعنى الروائي يف «يوسف اإلجنليزي» من تقابل األمكنة ‪ -‬األزمنة‪ ،‬اليت تنتج بشرة خيتلفون يف املصائر‬
‫والوظائف واملؤسسات‪ .‬ينتصر بشر األزمنة احلداثية مبؤسساتهم‪ ،‬وتهزم البنية املتخلفة بشرة ال تعوزهم املقدرة‪.‬‬
‫حيمل «يوسف»‪ ،‬بهذا‬
‫املعنى‪ ،‬مأساة وجوده األصلي‪ ،‬ومأساة زمن تارخيي هجنه وتركه عقيمة‪ .‬غري أن «ربيع»‪ ،‬الذي خيلط املأساة‬
‫بالسخرية‪ ،‬وضع يف نصه مستوى رابعة‪ ،‬إىل جانب اجلبل‪ ،‬لندن‪ ،‬العامل»‪ ،‬ينفع به القارئ ويعابثه معا‪ .‬يتمثل‬
‫هذا املستوى بهوامش مرتافدة‪ ،‬تدقق املعلومات وتوضحها‪ ،‬وتزود القارئ مبعارف «جماورة»‪ ،‬ترضي الفضول‬
‫وجتعل القراءة أكثر ألفة‪ .‬يؤكد «ربيع» يف هذه اهلوامش أنه روائي ‪ -‬مؤرخ‪ ،‬يعطف الوقائع على توارخيها‬
‫ويضيء داللة احلوادث واألمساء‪ ،‬بقدر ما يؤكد حضور الروائي يف نصه متوسط التعليق الساخر‪ ،‬الذي يفاجئ‬
‫القارئ يف إيقاع متناوب‪.‬‬
‫بين ربيع جابر روايته من نصني منفصلني متصلني‪ ،‬يسرد أحدهما أشياء من سرية «اجلبل اللبناني» يف القرن‬
‫التاسع عشر‪ ،‬ويسرد ثانيهما سرية مغرتب منوذجي ال شفاء له‪ .‬أعلن ربيع جابر‪ ،‬يف «يوسف اإلجنليزي»‪ ،‬عن‬
‫جديده وهو يوسع املادة الروائية توسيعاً غري مسبوق‪ .‬فهو مل يدرج املعطيات التارخيية يف نصه‪ ،‬كما يفعل غريه‬
‫من الذين حيتفون بقرابة الرواية والتاريخ‪ ،‬بل أعطى املعلومات التارخيية املباشرة مساحة جتعل منها نصة مستقال‬
‫بذاته‪ ،‬يستقدم السلطة والعائلة واألفراد ومستجدات غريت املكان ومل تغريه‪ .‬يستطيع القارئ أن يقع على جديد‬
‫«ربيع جابر»‪ ،‬إن تأمل الرواية التارخيية‪ ،‬اليت حيتفل بها هذا الروائي سلبا‪ .‬يف «يوسف اإلنكليزي» يصل ربيع‬
‫جابر إىل أكثر أعماله طموحا‪ ،‬وحياور الرواية العربية باقرتاح إبداعي خصيب‪.‬‬
‫مالحظة أخرية‪:‬‬
‫يذهب الروائي إىل الوثيقة التارخيية يف منعطفات تارخيية‪ ،‬تربك الفكر وتقلق النظر‪ .‬كأن يذهب مجال‬
‫الغيطاني إىل الوثيقة بعد هزمية حزيران‪ ،‬وأن يهجس حيدر بالتوثيق بعد احلرب العربية األهلية يف لبنان‪ ،‬وأن‬
‫يتكئ حممود الورداني على معلومات تارخيية بعد حرب اخلليج الثانية‪ ....‬لذا يقرأ وعي ربيع جابر الروائي‪،‬‬
‫لزوما على ضوء احلرب األهلية‪ ،‬اليت عاشها طفال ويافعا وصبية‪ ،‬ودفعت به إىل مساءلة معنى الوجود‪ ،‬يف‬
‫التاريخ اللبناني وخارجه‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫"قصر املطر"‪ :‬التاريخ املهزوم يف املستبد املنتصر‪:‬‬


‫يف روايته «معراج املوت» و«قصر املطر»‪ ،‬يتأمل ممدوح عزام طبائع الذئب األبدي‪ .‬لكنه يضع البدر جانبا‪،‬‬
‫ويقتفي آثار االستبداد القديم‪ ،‬حيث اإلنسان ذئب يف الليل البهيم ويف الليالي املقمرة‪ .‬يف روايتني‪ ،‬إحداهما‬
‫مدخل صغري إىل الثانية‪ ،‬يرسم ممدوح عزام عاملا قبيحاً ال ينام‪ ،‬كما لو كان القبح حارسا يقظة إىل األبد‪.‬‬
‫مفتتح‪« :‬معراج املوت »‪ :‬ميت يلهو مبن مل ميت‪:‬‬
‫بين عزام على هذه الفكرة يف عمله األول‪ ،‬قبل أن يصل إىل عمله الكبري‪« :‬قصر املطر»‪ .‬ترصد الفكرة املوت‬
‫األليف‪ ،‬الذي استقر يف أرجاء احلياة‪ ،‬وأدمن عليه البشر‪ .‬وبسبب حضور املوت‪ ،‬الذي ال ينقضي‪ ،‬تنتهي الرواية‬
‫مبا بدأت به‪ .‬تشتق الرواية املوت من ثابت مقدس‪ ،‬ومن زمن راكد‪ ،‬ينزل باحلي عقابا ثقيال‪ .‬وهلذا‪ ،‬تتكون‬
‫البنية الروائية من حكايتني غري‬
‫متكافئتني‪ ،‬يصل بينهما املوت‪ :‬حكاية أوىل عن امرأة متمردة وبشر مكبلني بعاداتهم‪ ،‬وحكاية ثانية‪،‬‬
‫تسيطر على األوىل‪ ،‬عن بنية اجتماعية حمتجبة‪ ،‬تصري البشر أقنعة متماثلة‪ .‬تقول الرواية عن املستبد‪ ،‬الذي‬
‫عاجل كرامته املهدورة يف حرب فلسطني بقتل الفقرية العاشقة‪" :‬لكن قوته بالذات إمنا كانت تأتي من رسوم‬
‫العادة ‪ ،.. ..‬واألن نبهته الذكرى إىل ذلك العم الي غيبه املوت‪ .‬يعجب كيف عاد مرة ثانية ليصبح مثله‪ ..‬إن‬
‫تقاليد العائلة النصية مل تكن تسمح ألية قوة يف األرض أن تزحزح مكانه الكبري‪ ،‬مهما كان رأي اآلخرين‬
‫فيه"‪.‬‬
‫تظهر «العادة»‪ ،‬وهي شخصية هائلة يف احلكاية الثانية‪ ،‬معادال لسلمى»‪ ،‬يف احلكاية األوىل‪ .‬وتصوغ‬
‫احلكايتان ثالثة مروعة عن لقاء بني املرئي واحملتجب‪ ،‬ومعروف االسم وجمهولة‪ ،‬وبني شابة وبنية متقادمة‪.‬‬
‫تشري الرواية إىل نثار من األزمنة التارخيية‪ :‬فلول اجليش العثماني‪ ،‬حرب فلسطني وقيام إسرائيل‪ ،‬الوحدة بني‬
‫مصر وسوريا‪ ،‬وصوال إىل سلطة الوالئم وأشياء أخرى‪ .‬غري أن األزمنة متر فارغة ومتجانسة‪ ،‬وقد طردها زمن‬
‫«العادة»‪ ،‬الذي ال زمن فيه‪.‬‬
‫تنطوي بنية العادة املنتصرة على الشيخوخة واألرواح التالفة‪ ،‬طاردة بنية أخرى هشة وجمزوءة‪ ،‬عناصرها احلب‬
‫والشباب والتوق إىل حكايات جديدة‪ .‬تعني العادة يف اجملتمع املغلق الذكورة سلطة‪ ،‬وترى إىل السلطة ذكراً‬
‫حماطاً بالوقار‪ .‬ويكون على نقيض الذكورة أن تكون كما جيب أن تكون‪ ،‬أنوثة ال سلطة هلا ومجاال مؤودة‪.‬‬
‫«معراج املوت» رواية عن عاشقة متمردة‪ ،‬وعن جمتمع يرى يف العشق كفرة‪.‬‬
‫"قصر املطر"‪ :‬صوت األزمنة يف زمن ال روح له‪:‬‬
‫ممدوح عزام يف «قصر املطر» أشبه مبسافر يعاود رحلة سبقت‪ ،‬مستأنسأ بآثار أقدامه املاضية‪ .‬فرائحة املوت‬
‫تهيمن على املكان‪ ،‬وسيد املكان ذئب‪ ،‬ينطق بنربة اآلهلة ‪ .‬كأن «معراج املوت» منوذج أولي لرواية الحقة‪،‬‬
‫أكثر تعقيدة‪ ،‬تستأنف حكاية التاريخ الذي يغور يف رمال «العادة» املتأبدة‪ .‬يصدر معنى التاريخ‪ ،‬يف الرواية‬
‫األوىل‪ ،‬عن حكاية عاشق حسمه املوت‪ ،‬ويأتي‪ ،‬يف الرواية الثانية‪ ،‬من متواليات حكائية‪ ،‬مغلقة ومفتوحة يف‬

‫‪238‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫آن‪ :‬مغلقة‪ ،‬على مستوى املعنى‪ ،‬إذ كل تغري يهزمه الثبات‪ ،‬ومفتوحة على مستوى البنية‪ ،‬فكل حكاية تسلم‬
‫نهايتها إىل حكاية أخرى‪.‬‬
‫تتفتح «قصر املطر» على مشهد بشري هارب من التاريخ‪ ،‬تسكنه البنادق والعواطف املتالشية‪ .‬مشهد ال زمن‬
‫له‪ ،‬لوال بندقية متحو الزمن وهي تشري إليه‪ ،‬تضع اإلشارة‪ ،‬اليت تكتب الزمن ومتحوه‪ ،‬املشهد الدامي يف‬
‫الزمن البيولوجي‪ ،‬الذي‪ ،‬وقد‬
‫اكتفي بدورة حياتية بسيطة‪ ،‬جيعل «الزمن التارخيي» ال مرئياً‪.‬‬
‫حتكي الرواية‪ ،‬ظاهرة‪ ،‬عن كفاح السوريني ضد السيطرة الفرنسية يف بداية العقد الثاني من القرن العشرين‪.‬‬
‫لكن هذا «الظاهر» يشكل غالفا ملستوى أكثر عمق هو‪ :‬السيطرة االستبدادية‪.‬‬
‫‪ . 1‬الطبيعة‪ :‬زمن به ذاكرة وذاكرة خارج الزمن‪:‬‬
‫الطبيعة‪ ،‬بضبابها وذئابها وصخورها‪ ،‬شخصية مسيطرة يف «قصر املطر»‪ .‬تتجلى الطبيعة‪ ،‬يف عالقتها بالبشر‪،‬‬
‫يف أبعاد ثالثة متداخلة‪ :‬معنى الطبيعة‪ ،‬املنسوج من وحدة املوت واحلياة‪ ،‬قانون الطبيعة‪ ،‬القائل بسيطرة القوي‬
‫على الضعيف‪ ،‬واستقرار الطبيعة‪ ،‬الذي ميحو الزمن أو يكاد‪ .‬تبدأ الرواية‪ ،‬ويف فصوهلا األربعة األوىل‪ ،‬بأكثر‬
‫من موت وأكثر من قتيل‪ ،‬يستظهر «معنى الطبيعة» يف دورة املوت واجلنس املتواترة‪ ،‬وتتكشف قوانينها يف‬
‫أمثولة تعطف الذئاب على البشر‪ ،‬وتضع الطرفني فوق مسرح قديم‪ ،‬متزق فيه األنياب القوية أجساد متداعية‪.‬‬
‫يف فصل مجيل‪ ،‬هو األبهى يف رواية بهية‪ ،‬ويف الفصل الثالثني‪ ،‬تأتي الرواية ب«أمثولة»‪ ،‬توحد بني الذئاب‬
‫وجنس مستذئب من البشر‪ .‬ميتزج طقس السلطة اجلديدة بطقس موت قديم‪ ،‬كما لو كان القتل الضروري‬
‫رمحة خترج منه كل سلطة جديدة‪.‬‬
‫تضيء األمثولة بعدين‪ ،‬جوهريني‪ ،‬أحدهما عن وحدة املوت واجلنس‪ ،‬وثانيهما عن قدم «االخرتاعني اجلليلني»‪.‬‬
‫تبدأ السلطة اجلديدة بالقتل‪ ،‬وتوطد بدايتها جبماع مبهر»‪ .‬ويعيد الفصل الثالثون‪ ،‬الذي تعوي فيه الذئاب يف‬
‫ليلة مقمرة‪ ،‬إضاءة بدايات الرواية‪ .‬وتعيد «أمثولة الذئاب» انتاج حكاية البشر‪ ،‬إن مل تكن النموذج اجلوهري‪،‬‬
‫الذي حياكيه البشر يف أزمنة متطابقة‪ .‬ويطرح «إنسان الطبيعة»‪ ،‬الذي يساوي الثور قوة والتيس شهوة‪ ،‬سؤاال‬
‫موضوعه‪ :‬الذاكرة‪.‬‬
‫يتسائل الراوي‪ ،‬وهو يرى إىل اجليش الفرنسي الذي يكتسح بالده‪« :‬ما الذي يطمح فيه كل هذا اجليش‬
‫الطافح باألسلحة حتى العظام‪ ،‬يأتي اجلواب‪ ،‬كان جنرال فرنسي جبار امسه غورو‪ ،‬يرفس قرباً منسياً يف‬
‫دمشق قائال حبقد‪ :‬ها قد عدنا يا صالح الدين‪ .‬وهنا يُعلن الفرق بني السؤال احلائر وكلمات اجلنرال املغتبطة‪،‬‬
‫عن وعي أرض مغلقة مغطاة باالستقرار والزيتون املسكني‪ ،‬وعن وعي مغاير أقلته سفن حربية من مسافة بعيدة‪.‬‬
‫تغطي وقائع االحتالل الفرنسي‪ ،‬كما عاشها جبل العرب السوري يف فرتة حمدودة‪ ،‬جزءا كبريا من رواية تقع‬
‫يف ستمائة صفحة‪ ،‬حتكي عن استبداد العادة واملوت املأساوي‪ ،‬تبدأ الرواية بالقتل‪ :‬أيقظته الطلقات‪ ،‬وتنتهي‬
‫مبا بدأت به او حتى إذا ما غرز خنجره يف أي صدر ‪ ،،،‬يستمر الزمن الراكد طارداً الوقائع التارخيية‪ ،‬ألن‬

‫‪239‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫من أدمن الركود املتواتر ال يرى إال ما أدمن عليه‪ ،‬يقف «ابن الطبيعة‪ ،‬يف عقله الطبيعي»‪ ،‬أمام «اإلنسان‬
‫التارخيي» وال يراه‪ ،‬ألنه يرى ما استطاع أن يرى‪ ،‬ال ما جتب رؤيته‪.‬‬
‫‪ . 2‬الطاغية‪ :‬قناع يتلف الوجوه‪:‬‬
‫تنطوي «قصر املطر»‪ ،‬يف أزمنتها املختلفة‪ ،‬على زمنني أساسيني؛ خارجي يسرد ملحمة وطنية‪ ،‬وآخر حمتجب‬
‫يف ثنايا بنية راكدة‪ .‬تتشخص البنية‪ ،‬اليت خيالطها املوات‪ ،‬بسلطة طاغية‪ ،‬تعلن عن تراتبية صارمة‪ ،‬توزع‬
‫البشر على مراتب متفاوتة‪ ،‬يقف عليها طاغية له شكل الصنم‪ .‬يستظهر الزمن احملتجب يف شخصية شاب‪،‬‬
‫ورث «مشيخة البلدة» من عائلة طاغية‪ ،‬فباملوت أعلن عن وصوله إىل «املشيخة»‪ ،‬ورغم حاشية كاسحة وكالب‬
‫مسعورة‪ ،‬فإن القناع السلطوي املتوارث تراجيديا‬
‫كاملة‪ .‬ففي الوقت الذي يقنع فيه حامله باالنتماء إىل أصل ذهيب‪ ،‬يكون االنتماء نفيه للذاتية والفاء هلا‪ .‬يتنفس‬
‫الطاغية املوت‪ ،‬ويكون أكثر الناس عبودية‪ .‬فهو الثابت املتماثل‪ ،‬األحادي‪ ،‬املتكلس عرب قناع ال يساوي من‬
‫دونه شيئا‪ .‬يشهد القناع على عبودية الطاغية‪ ،‬وعلى اختالفه عن البشر‪.‬‬
‫"كنج" عبد لقناعه‪ ،‬وعبد الصورة اآلخرين اليت ميليها القناع‪ .‬تقول الرواية‪« :‬يف اليوم اخلامس ملشيخته‪ ،‬سرقوا‬
‫بارودة طالل الراعي‪ .‬فأقسم كنج ألقرب رجاله‪ ،‬أنه سيمهل اللص حتى املساء‪ ،‬ثم سيصنع من جلده طب”‪،‬‬
‫ويرمي حلمه للكالب‪ .‬مل يدرك كيف خرجت الكلمات من فمه‪ ،‬ومن أية بئر عميقة نبش تلك احلروف‬
‫املوشاة برائحة الدماء ‪ .‬وكيف ارتسمت صورة االنتقام املربع الذي سيوقعه على رأس سارق البارودة العثمانية‬
‫القدمية‪ .‬تصور السطور القليلة‪ ،‬وبدقة مدهشة‪ ،‬عالقة الطاغية بالقناع الذي حيتله‪ .‬يسجن القناع الطاغية يف‬
‫سلطة منتقمة‪ .‬على « الطاغية أن خينق الناس دون أن مييتهم‪ ،‬وأن مييتهم دون أن خيسرهم»‪ .‬ينجذب الطاغية‬
‫إىل نقائضه‪ ،‬يقرتب من حاملي فضيلة العشق‪ ،‬ويدنو ممن متتعوا برباءة ال تنقضي‪ ،‬لكنه‪ ،‬وقد تأله وانصاع‬
‫إىل أصداء الغيب‪ ،‬يذهب إىل نقائضه‪ ،‬ليختلس منها ما متلكه‪ ،‬علها ترجع عارية‪ ،‬كما جيب أن تكون‪.‬‬
‫ترى «قصر املطر» إىل صفات الطاغية‪ ،‬فيكون قدرة أو إهلا‪ ،‬وتنظر إليه يف مساره‪ ،‬وجييء املسار منتصرة‪،‬‬
‫يليب رغبات الذئب الذي تأله‪« :‬ذلك الرجل الذي يرتبع على عرش املنارة‪ ،‬يفعل ما يشاء‪ ،‬يرحل من يشاء‪ ،‬ويوطن‬
‫من يشاء يف أي مكان‪ .‬ال شيء يثلم املشيئة املقتدرة‪« ،‬لكنه سوف يصادف شخصا آخر يذكره بكنج‪،‬‬
‫ويفاجئه أنه جالس يف األعالي‪ ،‬حيكم ويسري وحيي ومييت‪ » ..‬يعطي الطاغية ذاته صفات اآلهلة الوثنية‪ ،‬وتأتي‬
‫خوامته احلقيقية ملبية لصفاته الوهمية‪ .‬تأتي عائلة «آل الفضل» مرآة أخرى للقاتل املقدس‪ .‬تنتسج العالقة بني‬
‫الطاغية والعائلة املبدعة يف نسق من التعارضات املفتوحة الكراهية ‪ /‬احلب‪ ،‬القبح ‪ /‬اجلمال‪ ،‬األنانية ‪/‬‬
‫الكرم‪ ،‬البطولة ‪ /‬اللواذ‪ ...‬بيد أنها تكشف كاملة يف التناقض بني املغلق واملفتوح‪ ،‬إذ األول مرتبط بزمن ‪-‬‬
‫أصل ملتف على ذاته‪ ،‬وإذ الثاني مندفع إىل نثار من األزمنة‪.‬‬
‫تصطدم حياة السلطة بسلطة احلياة‪ ،‬وال يذهب النصر إىل األخرية‪ .‬يهزم الثابت املتغري‪ ،‬ويلتهم امليت احلي‪،‬‬
‫ويدحر املغلق املفتوح‪ ،‬ويتالشى البيت أمام القلعة املتجهمة‪" :‬فمنذ دهور تقف هذه القلعة هنا‪ ،‬ويرصد هؤالء‬
‫املرابعون حركات اآلتني إىل هنا شكاكني‪ ،‬خائفني من كل إنسان‪ ،‬ومنذ دهور يطاطئ القادم مرغمة حتت‬

‫‪240‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫وطأة النظرات الغاضبة‪ .‬مم يغضبون؟ ومل يغضبون؟ يف هذه اللحظة شعر باحلزن على نفسه ألنه مل يبق حيا‬
‫يرعب كنج يف عليائه‪ ،‬ويرهب مرابعيه يف كل حلظة‪ ،‬مثلما أحس يف الوقت ذاته‪ ،‬بأنه جنا‪ ،‬ألن صاحب‬
‫القلعة ال سلطة له عليه"‪ .‬ي ؤكد املوت املنتشر يف اهلواء الطاغية مركزة‪ ،‬يتساوى فيه احلضور والغياب وخالق‬
‫لنظام ال حيتاج النظام‪ ،‬ألن املوت خييم فوق كل شيء‪ .‬تستدعي شخصية كنج التاريخ وترمي به جانبا‪ ،‬مبددا‬
‫أمام القلعة املتجهمة‪ .‬فالثابت ال حيتاج التاريخ‪ ،‬والتاريخ يوازيه وال يلتقي به‪ ،‬والتاريخ الذي ال تاريخ فيه‪ ،‬يطلق‬
‫النار على كل تاريخ حقيقي‪.‬‬
‫‪ . 3‬الفن‪ :‬زمن مغرتب ال ينتمي إىل أحد‪:‬‬
‫تبدأ الرواية مبا يوحي بالتاريخ وبإمكانية التعرف عليه‪ ،‬وتنتهي إىل ما بنقضه يعلن اختالف النهاية عن البداية‬
‫أن الرواية مل تلتق بالتاريخ بل بظالله‪ ،‬وأن ما تراءى زمنا جليال‪ ،‬هو إىل الكوميديا أقرب‪ .‬ذلك أن التاريخ‪،‬‬
‫وباملعنى النبيل‪ ،‬مرتسب يف هوامش ضيقة هشة القوام‪.‬‬
‫أزمنة ثالثة بنت «قصر املطر» وتركته شاهقاً وال ينتمي إىل أحد‪ .‬الزمن األول هو زمن اإلرادة الفرنسية‪ ،‬اليت‬
‫تربط بني البناء احملكم والتنظيم الضروري‪ .‬زمن جاءت به الضرورة وحتلل بعد انقضائها‪ .‬والزمن الثاني هو‬
‫زمن الرغبة املبدعة‪ ،‬اليت حيررها الفن وتتحرر بالفن‪ .‬زمن أماله النزوع إىل احلرية ثم هاجر إىل زمن آخر‪ .‬ذهب‬
‫اإلنسان املبدع إىل موضوعه‪ ،‬مغمضة عينيه عن الفرنسي والطاغية‪ ،‬ورأى يف اإلبداع زمنا خالصة مكتفية‬
‫بذاته‪ .‬والزمن الثالث هو زمن السلطة الطاغية‪ ،‬الذي جعل لقاء الفنان واملستعمر ممكنا‪ ،‬فلوال احلاشية القاتلة‬
‫ملا سقط املبدع يف أيدي احملتل الفرنسي‪ .‬زمن أعمى يتبدل وال تعود إليه البصرية‪ .‬أزمنة ثالثة تنصهر يف زمن‬
‫غريب‪ ،‬يتيح املبدع أن يعيش احلرية يف فضاء قامت‪ ،‬قوامه االستعباد واالستبداد‪ .‬مع ذلك‪ ،‬فإن األزمنة املتساندة‪،‬‬
‫اليت حققت قصراً مجيال باركته غيمة ماطرة‪ ،‬تظل‪ ،‬يف النهاية زمناً هجيناً ال ينتمي إىل أحد‪.‬‬
‫قصر املطر‪ :‬زمن مغلق ورؤى طليقة‪:‬‬
‫تنتسج بنية «قصر املطر يف التوتر القائم بني الكتابة وموضوع الكتابة‪ .‬جمتمع عضوي تراتيب‪ ،‬فقري يف مكانه‬
‫وزمانه‪ ،‬وفقري يف منظوره إىل العامل أيضا‪ .‬وهو يف فقره‪ ،‬الذي ينوس بني املقدس واملدنس‪ ،‬يفضي إىل حكاية‪،‬‬
‫تتضاعف يف حكايات أخرى‪ ،‬دون أن يغادر عناصره البنيوية أبدا‪ .‬يفرض منظور املقدس واملدنس‪ ،‬وقد أخذ‬
‫شكال ثابتاً‪ ،‬احملاكاة مبدأ للنظر والسلوك‪ .‬وتأتي احلكاية لترتجم احملاكاة يف عالقاتها‪ ،‬حمولة‬
‫احلكايات إىل حكاية واحدة‪ .‬يعكس النسق احلكائي يف جمتمع عضوي تراتيب مغلق بنية اجتماعية شفافة‬
‫ال تناقض فيها منتهية‪ ،‬شكالنية‪ ،‬إىل تناظر ساكن بني البنية االجتماعية والبنية احلكائية‪ .‬مل متنع البنية‬
‫احلكائية الساكنة املفرتضة عن الرواية حركة باذخة‪ .‬ويعود إىل مجلة العناصر اإليديولوجية اليت أدرجها‬
‫ممدوح عزام يف عمله الروائي‪ ،‬واليت حتتضن اجلمالي والتحرري واألنثوي واللغوي‪ ..‬ذلك أنه‪ ،‬كروائي حقيقي‪،‬‬
‫مل يعكس اجملتمع العضوي وفقا لتصوراته احملايثة له‪ ،‬وهي ال تتجاوز الوعي احلكائي واحلكايات املتناظرة‪،‬‬
‫إمنا كتب اجملتمع العضوي من وجهة نظر مغايرة‪ .‬مل يكن غريبا‪ ،‬وقد اصطدم الساكن املغلق بتناقض من‬
‫خارجه‪ ،‬أن تأني السورة احلجارين» من خارج البلدة املشلولة‪ ،‬وأن تغادر البلدة من جديد‪ ،‬وأن تنتهي إىل مكان‪،‬‬

‫‪241‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫ومل يكن غ ريبا أيضا أن تكون العائلة النجيبية نقضا للساكن والعضوي وللشل احلكائي أيضاً‪ ،‬ومن هذه‬
‫العائلة احملددة الزمن واليت ال زمن هلا أيضا‪ ،‬اشتق عزام عناصر موافقة‪ ،‬تواجه اجملتمع املغلق‪ ،‬من حيث هو‬
‫عنصر كتابي بني عناصر أخرى وتعيد ترتيب احلكايات املرتاصفة من جديد‪ .‬تنقض قصر املطر ‪ ،‬زمن‬
‫االستبداد بزمن الفن‪ ،‬دون أن تقع يف التجريد‪ ،‬ومتاهة الضرورة األخالقية‪ ،‬يقف خلف هذين الزمنني زمنان‬
‫آخران‪ ،‬ال يستقيمان دون حتديدهما ‪ :‬الساكن واملتغري وأحادي التأويل واملؤول املتعدد ‪ .‬فمع أن الكفاح ضد‬
‫الفرنسيني يبدو واقعا موضوعية‪ ،‬أماله زمن الرواية اخلارجي‪ ،‬فإنه‪ ،‬كوقائع أخرى يتعني‪ ،‬أوالً‪ ،‬ببعده‬
‫اإلشاري ‪ ،‬فهذا الكفاح‪ ،‬أي ختليق البشر من جديد‪ ،‬إعالن عن زمن‬
‫دنيوي صريح‪ ،‬حياصر األقنعة‪ ،‬وعن زمن مضطرب‪ ،‬يهاجم الزمن الراكد بزمن مغاير غري متوقع‪.‬‬
‫توطد «قصر املطر» التعارضات اليت تنسجها حبامل فين مدهش ثنائي الوظيفة هو‪ :‬امليت ‪ -‬احلي‪ ،‬أو املستنسخ‪،‬‬
‫ذاك الذي عاش موته يف جسد قضى‪ ،‬وانتقلت «روحه» إىل جسد جديد‪ ،‬تهلكه رصاصة جديدة‪ .‬ميثل امليت ‪-‬‬
‫احلي‪ ،‬من ناحية‪ ،‬تقنية فنية مدهشة‪ ،‬تضع القارئ أمام موت كاألحجية‪ ،‬وأمام زمن بارد غريب‪ ،‬يتمازج فيه‬
‫اهلذيان واليقظة‪ ،‬والواقعي والغرائيب‪ ،‬كما لو كانت التقنية تضع القارئ‪ ،‬ومنذ البدء‪ ،‬يف فضاء ال يتوقعه‪.‬‬
‫ويعرب املستنسخ‪ ،‬الذي ميوت قتيال‪ ،‬ويبعث ليقتل من جديد‪ ،‬عن أزلية املوت املنتصر‪ ،‬وعن ثبات مروع يف‬
‫الوجود‪ ،‬ال يتزعزع وال يتغري‪.‬‬
‫تطرح اللغة يف «قصر املطر» سؤال التعرف الروائي على التاريخ‪ .‬فإذا كان التاريخ يف كتابة االختصاص يقينية‬
‫وقائعه ويقينية يف معناه‪ ،‬فإنه يغدو يف اخلطاب الروائي جمرد احتمال‪ .‬وتأتي يقينية الكتابة التارخيية‪ ،‬رمبا‪،‬‬
‫من سطوة التجريد واالختزال‪ ،‬اليت ترى إىل مال «الوقائع الكربى» وال ترى البشر‪ ،‬وحتتفي بالوثائق‪ ،‬الباردة‪،‬‬
‫معتربة «األشواق اإلنسانية‪ ،‬كما ناف؟ ال حيتاجه «احلكم السديد‪.‬‬
‫تبين رواية ممدوح عزام خطاباً تارخيياً خارجياً‪ ،‬عناصره االحتالل الفرنسي السورية ومسار طاغية وبيئة‬
‫اجتماعية مثقلة بأمساهلا املتعددة‪ .‬تكتب قصر املطر» عن التاريخ وتلتقي باغرتابه‪ .‬لكنها وهي تقف أمام التاريخ‬
‫املغرتب تفصح عن اغرتاب الرواية والراوي‪ ،‬مستعيدة أطياف القصر الباذخ الذي مترح يف جنباته الذئاب‪.‬‬
‫مبثابة ختام‬
‫الرواية واعادة كتابة التاريخ‬
‫أنتج التاريخ الكوني يف طور منه‪ ،‬وهو الطور الربجوازي‪ ،‬جنس أدبية حداثية بدعي‪ :‬الرواية‪ .‬ومع أن باختني‬
‫التمس جذوراً بعيدة للرواية‪ ،‬فال وليد بال أسالف جمهولني له‪ ،‬فإن الرواية مل تصبح ظاهرة كتابية إال يف‬
‫األزمنة احلديثة‪ ،‬ظهرت الرواية العربية يف شرط ال يليب من أغراضها أشياء كثرية‪ ،‬ولدت معوقة‪ ،‬تقتات‬
‫باملؤجل وتلتمس احلرية يف فضاء مقيد‪ ،‬فال هي يف اجملتمع الذي حتتاجه وال هي بالشكل الذي ينبغي أن‬
‫تكون عليه‪ :‬رواية معوقة يف جمتمع مقيد‪ ،‬جاءت احلداثة‬
‫إليه ومل يذهب إليها‪ ،‬فالدولة ‪ -‬القومية احتمال ولغة القراءة املتسائلة مؤجلة الوصول والتجرؤ على اليقني ال‬
‫موقع له‪ ،‬ألن اليقينيات الراكدة تطرد ما عداها‪ .‬هلذا محلت الرواية العربية شروط والدتها‪ .‬تأملت الرواية‬

‫‪242‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫الكونية والعربية‪ ،‬بأشكال غري متكافئة‪ ،‬اغرتاب اإلنسان عن واقعة واحملت‪ ،‬بتواتر ال تلعثم فيه‪ ،‬إىل واقع‬
‫مضمر‪ ،‬يستعيد املغرتب فيه جوهره املفقود‪ .‬هجا «ميلفل» عقالنية متطرفة‪ ،‬متزج االكتشاف بالقتل‪ ،‬تغتصب‬
‫يف الطبيعة براءتها وتتجرأ على قوانينها اخلالدة‪ ،‬وتطلع «سويفت» إىل مدينة فاضلة‪ ،‬حتتفي بالعدل وحتتقر‬
‫الذهب‪ ،‬وهجس « اكزوبريي»‪ ،‬وهو يبحر بني النجوم‪ ،‬بكون محيم ال تلوثه الغرائز املتوحشة‪.‬‬
‫ومع أن للروائي العربي‪ ،‬يف بداياته‪ ،‬قضاياه املختلفة‪ ،‬فقد هجس بدوره مبعيش قادم خمتلف‪ ،‬كأن يرى فرح‬
‫أنطون إىل مدينة متتهن املال وتبجل احلكمة‪ ،‬وأن ينظر طه حسني إىل لون من البشر هذبته املعرفة وصقلته‬
‫الثقافة‪ ،‬وأن يطالب عادل‬
‫كامل بلغة حتررت من ضيقها‪ ،‬وبأفكار تتمرد على ثقافة األدعية ولغة احلوائج الفقرية‪ .‬ومع أن يف اجملتمع‬
‫املقيد ما يقع يف الرواية بدائلها القيمة املضمرة‪ ،‬فقد احتفظت الرواية العربية‪ ،‬يف مسارها املضطرب الطويل‪،‬‬
‫مبا حلمت به‪ ،‬واحتفظت مبا يسأل عن املرغوب ويسائل هزميته‪ ،‬ولعل هذه اهلزمية‪ ،‬اليت كلما غفت قليال‬
‫هبت أكثر قوة‪ ،‬هي اليت جعلت الروائي العربي‪ ،‬باملعنى النبيل للكلمة‪ ،‬يقتفي‪ ،‬متأنية‪ ،‬آثار التاريخ املهزوم‪.‬‬
‫لن يكون التاريخ يف املنظور الروائي إال الراهن‪ ،‬طاملا أن معنى التاريخ يف الرواية هو معنى اإلنسان‪ .‬وتنحل‬
‫األزمنة كلها يف راهن معيش‪ ،‬أفضى إليه ماض ختالطه العتمة‪ ،‬وينطلق منه مستقبل ضنني الوضوح‪ .‬هلذا ذهب‬
‫حمفوظ يف «رادوبيس» إىل زمن الفراعنة‪ ،‬ليندد مبلك راهن تركي األصول‪ ،‬ميجد العبث وميتهن الفضيلة‪،‬‬
‫وعاد عبد الرمحن منيف إىل عراق القرن التاسع عشر كي يفسر هزمية حاضرة مبعطيات من هزمية ماضية‪.‬‬
‫يذهب املؤرخ إىل املاضي مكتفية به‪ ،‬ويصري الروائي املاضي حلظة راهنة‪ ،‬فال رواية إال بالراهن وال وجود‬
‫لروائي ال يبدأ من «اآلن»‪ .‬يأخذ الروائي بالوثيقة وال يأخذ بها‪ ،‬ألنه يرى وراء واقع الوثيقة واقعاً مأموالً‪ ،‬ال‬
‫يلتفت إليه‬
‫املؤرخ وال حيفل به‪ .‬ولعل هذه الرغبة املنسرحة‪ ،‬اليت تنوس بني ماض معتم ومستقبل مل يطرق دروبه أحد‪ ،‬هي‬
‫اليت تستولد الاليقني وترى معنى التاريخ يف التجرؤ على اليقني‪.‬‬
‫تؤول الرواية التاريخ وترفضه‪ ،‬وتعطي التأويل الرافض صياغات متعددة‪ .‬بيد أن حمفوظ‪ ،‬الذي ختفق يف رواياته‬
‫مدينة فاضلة مضمرة‪ ،‬يواجه الشر السلطوي باليوتوبيا»‪ ،‬كما فعل يف «احلرافيش» ويف «العائش يف احلقيقة»‪،‬‬
‫حيث اخلري املهزوم يتحصن بضلوعه ويرفض الرحيل‪ .‬ال الشر مكتمل النصر وال اخلري مكتمل اهلزمية وأمام‬
‫كل سلطة ما يكدر غبطتها‪ ،‬فبذور احلق متجددة النماء‪ .‬أما عبد الرمحن منيف‪ ،‬املختلف إىل مدن جمهولة‬
‫ومعروفة‪ ،‬فقد آثر تفسري وتأويل ورفض التاريخ يف آن‪ ،‬يفسر ما كشف املعيش اليومي عن بؤسه‪ ،‬ويرى يف‬
‫التاريخ مواجهة بني السلطة والقيم السوية الصامدة‪ ،‬كما لو كان يرفض يف التاريخ العربي تداعيه السلطوي‪،‬‬
‫وحيتفظ مبأثور شعيب خلقته قامات جمهولة وكرمية كاخليول‪ .‬وإذا كان حمفوظ‪ ،‬الذي يؤرقه النسيان‪،‬‬
‫يرى القيم الرفيعة مستقرة يف إقليم غائم وبعيد‪ ،‬تف اجلموع‬
‫املضطهدة خطاها إليه‪ ،‬فإن منيف‪ ،‬الذي مارس السياسة ونقدها‪ ،‬يضع القيم يف اإلنسان املتمرد الذي يعيش‬
‫«ثورته»‪ ،‬وال يذهب إىل «ثورة» تنتظره يف خالء نقي مسور باألغاني واألناشيد‪.‬‬

‫‪243‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫فض ممدوح عزام خواء التاريخ‪ ،‬واستبقى منه الفن الشاهق الذي مترد عليه‪ ،‬أما ربيع جابر فريحل «القصر‬
‫املنيف‪ ،‬إىل حقل الكتابة‪ ،‬إذ الكتابة يف صفحاتها املتواترة قصر غريب‪ ،‬يقرأ ويتخيل وال يلمس حجارته‬
‫أحد‪ ،‬فالتاريخ حكايات توقظها الكتابة وتعود إىل رقادها الطويل آن انتهاء كتابتها والكتابة فعل مأساوي‬
‫ترى ظالل التاريخ يف عابر مغرتب‪ ،‬قصد هدفا وخادعة الطريق وانتهى إىل موقع مل يرغب به‪ ،‬يبدأ «ربيع» من‬
‫توثيق دقيق يقرتب من الفرادة‪ ،‬ويكتف معنى التوثيق يف مال إنسان ينتهي إىل املوت‪ ،‬كان املوت العابث جوهر‬
‫التاريخ‪ ،‬وأن احلكايات املتوالدة آية على موت متنوع ال هرب منه‪ ،‬ألن احلكاية تستأنف موتها يف سطور‬
‫الكتابة املتالشية‪ .‬التاريخ بقيا من بقايا احلكايات املكتوبة‪ ،‬أو تذكر مأساوي يشهد على اغرتاب اإلنسان‬
‫ورحلته اخلائبة‪ .‬ونصائح التاريخ ال وجود هلا‪ ،‬واخليبة املنتظرة بدء احلقيقة ومنتهاها‪ ،‬والرواية فضاء حزين‬
‫يعاند املوت ويستسلم له‪.‬‬
‫تأملت هدى بركات «التاريخ»‪ ،‬املتعدد يف عناصره‪ ،‬وانتهت إىل تاريخ جمزوء متتابع االحنسار‪ ،‬ناشرة يف فضاء‬
‫الكتابة تشاؤماً طليقاً‪ ،‬يروض وال يروض معا‪ .‬فقد آمنت‪ ،‬يف زمن‪ ،‬بتاريخ تعيد صياغته سياسة جديدة منقطعة‬
‫عنه وأدركت‪ ،‬يف حلظة اإلميان‪ ،‬أن أحفاد التاريخ املعطوب يتقنون اخلطابة وال حيسنون السياسة‪ ،‬ويرتمجون‬
‫العطب املتوارث بلغة قاتلة‪ .‬وهلذا ابتعدت عن التاريخ‪ ،‬الذي تقول به النظريات‪ ،‬وذهبت إىل أقاليم القيم اجلميلة‪،‬‬
‫حيث اجلمال غربة والعشق اغرتاب والزمن املرغوب نزيل سجن مسيك اجلدران‪ .‬ال شيء يرجتي من تاريخ‬
‫معطوب وعلى الربيء أن يلتحف برباءته ويصمت‪ ،‬وعلى الروائي‪ ،‬الذي فاته التاريخ االجتماعي السوي‪ ،‬أن‬
‫ينتسب إىل تاريخ الكتابة املبدعة‪ .‬رأت هدى إىل أطياف التاريخ يف أطياف السياسة والذت بتاريخ القيم‪،‬‬
‫وأبصرت مأساة القيم والذت بعامل الفن‪ ،‬الذي يسعد الروح وال يقيها الشرور وهدى‪ ،‬كغريها‪ ،‬ترصد معنى‬
‫التاريخ وتقع يف خوائه‪ ،‬فتستنجد حبنان األنثى ولوعة «اهلوى» وبهاء األلوان‪ ،‬على مقربة من روائي سوري فتنته‬
‫أطالل قصر مهجور‪ ،‬ومن كاتب «الفراشة الزرقاء»‪ ،‬الذي يضع التاريخ كله يف حكايات مجيلة ينتظرها‬
‫األفول‪.‬‬
‫قارن عبد الرمحن منيف بني «زمن حملي» مسكون بالتداعي و«زمن كوني» منتصر بالته‪ ،‬وخلق ذاكرة‬
‫مقاومة‪ ،‬ال تقول بالنصر لكنها تنهى عن النسيان‪ .‬وقارن ممدوح عزام بني آلة وافدة منتصرة‪ ،‬تأتي وتذهب‪،‬‬
‫واستبداد حملي يتناسل منتصرة‪ .‬وقارن ربيع جابر بني هيبة الوثيقة وخفة املال‪ ،‬وبني «زمن حملي» خفيف تهزمه‬
‫األزمنة الوافدة‪ .‬وقاست هدى بركات املسافة بني الزمن املعطى والزمن املرغوب وسقطت يف الفجيعة‪.‬‬
‫تنتصر األزمنة احمللية املريضة على ما عداها‪ ،‬ويهزمها «الزمن الكوني» هزمية تستأصل األمل‪ .‬ولعل الفجيعة‬
‫املتجددة هي اليت جتعل الروائي يصرف املؤرخ ويذهب إىل ما وراء معلوماته الباردة‪ ،‬موحدة بني املعارف‬
‫والتأويل‪ ،‬ومصرحا حبقيقة ال يعرفها املؤرخ‪ ،‬أو يعرفها وال يتجرأ على البوح بها‪.‬‬
‫تقول الرواية‪ :‬كل تأريخ‪ ،‬شاء أم أبى‪ ،‬تأريخ سلطوي‪ ،‬ال ألنه رهني السلطة فقط‪ ،‬بل ألنه مشغول باملنفعة» ال‬
‫باحلقيقة»‪ ،‬ومشغول أكثر بثنائية فاسدة هي‪ :‬النصر واهلزمية‪ ،‬على خالف الروائي املأخوذ بعامل القيم واملدن‬
‫الغائبة»‪ ،‬اليت ترد لإلنسان جوهره املفقود‪ .‬ويقول األمر الثاني‪ :‬يكتب الروائي التاريخ الذي ال يكتبه املؤرخ‪،‬‬

‫‪244‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫أي تاريخ املقموعني واملضطهدين واملهمشني‪ ،‬ذلك التاريخ املأساوي‪ ،‬الذي يسقط‪ ،‬يف النسيان وتتبقى منه آثار‬
‫متفرقة‪ ،‬يبحث عنها الروائي طويال‪ ،‬ويضعها يف كتب ال ترحب بها «مكتبات الظالم»‪.‬‬
‫الرواية العربية حبث نوعي يف تاريخ هوية مأزومة‪ ،‬فقدت ما كان عندها ومل تعثر على ما تريد احلصول عليه‪،‬‬
‫هوية معلقة يف الفراغ‪ ،‬ترى إىل ماض ال تستطيع العودة إليه وترنو إىل مستقبل تعجز عن الوصول إىل أبوابه‪،‬‬
‫هوية كاألحجية مؤجلة املوت ومؤجلة التحقق‪ .‬هذا كله‪ ،‬يعني الرواية العربية‪ ،‬باملعنى اإلبداعي للكلمة‪،‬‬
‫إعادة كتابة للتاريخ السلطوي املكتوب‪ ،‬أو كتابة أخرى للتاريخ‪ ،‬تنكرها السلطة وتتطري منها‪ .‬ففي أرشيف‬
‫السلطة» زمن ثابت مغتبط بثباته‪ ،‬ويف «أرشيف الرواية» أزمنة متعددة‪ ،‬تسخر من الثبات ولغة اخلطابة وأوهام‬
‫النصر واهلزمية‪.‬‬

‫املسرح يف الوطن العربي‬


‫علي الراعي‬
‫القسم األول‪ :‬األصول‬
‫الرتاث‪:‬‬
‫ميكن القول أن العرب والشعوب اإلسالمية قد عرفت املسرح قبل منتصف القرن التاسع عشر‪ ،‬وقد عرف‬
‫العرب يف العصر العباسي شيئاً من األشكال املسرحية وهو‪ :‬مسرح خيال الظل‪ ،‬يذكر الشابشيت يف الديارات‬
‫أن هذ النوع معروف على عصره وقد كان يعتمد على اهلزل والسخرية واإلضحاك‪ ،‬كما كان هناك ممثلون‬
‫يأتون من الشرق األدنى ليقدموا متثيلياتهم يف قصور اخللفاء‪ ،‬وقد كان العامة جيدون تسليتهم عند القصاصني‬
‫املنتشرين يف طرق بغداد‪ ،‬إضافة إىل وجود كثري املضحكني املتفننني يف طرق اهلزل كتقليد اللهجات‬
‫وحماكات العميان واحلمري ومن أشهرهم ابن املغازي‪ ،‬وهذا كله ال شك أنه ف ٌن مسرحي‪ ،‬وقد كان املتوكل‬
‫يُكن وداً خاصاً للمثلني وأصحاب املساخر واملالعب املضحكة‪ ،‬بل إنه اشتغل باإلخراج حيث أنه أقام احتفاالً‬
‫بالورد يف غري وقت وجود الورد فأمر بسك دراهم خفيفة حتملها الرياح وصبغها بعدة ألوان ثم نثرها يف يوم ريح‬
‫أمامه وحوله الندماء واحلاشية‪ ،‬كما انه بنى مسرحاً بدائياً ممثلوه أهل السماجة ومتفرجه الوحيد اخلليفة‬
‫املتوكل‪ ،‬بل إن العنبس الصمريي أحد ندماء املتوكل جرؤ أن يقدم أمام اخلليفة مشهداً فكاهياً قلد فيه‬
‫إنشاد الشاعر البحرتي تقليداً مضحكاً وقد حكى ابن خلدون عن الرقص يف العصر العباسي األمر الذي يدل‬
‫أنه أرقى بكثري من اإلثارة احلسية‪ ،‬وقد كان احتفال املأمون بزواجه من بوران ابنة وزيره احلسن بن سهل‬
‫عرض مسرحي ال شك فيه‪ ،‬وقد جاء التحام فنون األداء يف ميدان الغناء واملوسيقا الذي انتشر‪ ،‬مما دفع إىل‬
‫قيام ما يشبه دور املسارح الغنائية يف عصرنا‪ .‬كم كانت احلانات مالهي يدور فيها الشراب ويسمع فيها الغناء‬
‫ويشاهد فيها الرقص‪ ،‬وقد ذكر يف كتب التاريخ أن أحد املقربني من املتوكل أنشأ حانة جمهزة يدار فيها‬
‫الشراب ويسمع فيها الغناء وقصرها على ذوي اليسار ووجهاء البلد وعهد بإدارتها إىل يهودي حاذق‪ ،‬ثم كانت‬

‫‪245‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫هذه احلانة مثالً يُحتذى فيما بعد‪ ،‬حيث أنشأ الواثق بعد ذلك حانتني خاصتني وعهد بإدارتهما لنصراني خبري‬
‫بأمور احلانات‪ ،‬وهذا كله يدل على حياة فنية اجتمع فيها األداء بالكلمة واحلركة والنغمة املوسيقية‪.‬‬
‫ولو نظرنا ملنظر آخر يدل على شيء من وجود املسرح يف ذلك العصر وهو‪ ،‬خروج الرشيد واملأمون للصالة يوم‬
‫اجلمعة بأعظم مظاهر اخلالفة يف موكب تتقدمه فرقة املشاة والفرقة املوسيقية‪ ،‬يأتي بعدهم الوزراء ورجاالت‬
‫الدولة على خيول مطهمة ثم يهل اخلليفة بعد ذلك يف طليسان أسود على جواد من خرية اجلياد‪ ،‬فهذا املوكب‬
‫يف صميمه عرض مسرح ي‪ ،‬إضافة إىل أن مراسم استقبال الرسل والسفراء والوفود كان عرضاً مسرحياً‬
‫اهلدف منه إظهار القوة والغنا‪.‬‬
‫كله هذه العروض مل تتوقف منذ أيام العباسيني‪ .‬ويف مصر الفاطمية واململوكية ظل تيار من العروض التمثيلية‬
‫مستمراً وظلت املواكب السلطانية والشعبية قائمة لتسلية الناس وإمتاعهم بأبهة احلكم‪.‬‬
‫ويف الشوارع ويف حفالت الزواج واخلتان ميثل املمثلون الشعبيون‪ ،‬ما بني حواة وقرادين ومدربي حيوانات والعيب‬
‫االرجواز وفناني خيال الظل‪ ،‬واملمثلني الشحاذين واملمثلني اجلوالة حيث يقدم اجلميع حياة متثيلية متصلة‪.‬‬
‫وقد ظلت هذه العروض التمثيلي ة املختلفة موجودة يف القاهرة قروناً طويلة‪ ،‬ينظر إليها أهل الرأي والفقهاء وبعض‬
‫اخللفاء والسالطني على أنها هلوٌ فارغ وأحيان ًا حمرم‪ ،‬وأحياناً أخرى جتدهم يستمتعون بها‪.‬‬
‫ولعلنا نقف قليالً مع فن مسرحي عُرف أيام العباسيني وهو مسرح خيال الظل‪ ،‬وهو ال ينفصل عن املسر ح‬
‫املعروف إال أن التمثيل يكون فيه بالواسطة‪ :‬وذلك عن طريق الصور حيركها الالعبون ويتكلمون ويرقصون‬
‫وحياورون ويتعاركون ويتصاحلون نيابة عنها‪ ،‬فهو فن ميزج بني اجلد واهلزل ويتوسل باملهارة الفنية لبهر‬
‫النظارة‪ ،‬أما أسلوب أداء الفن فهو يقوم على مبدأ التشخيص‪ ،‬ثم هو فن يتوجه إىل مجاهري من دم وحلم قدموا‬
‫لرؤيته ودفعوا ماالً يف سبيل شهوده‪ ،‬وقد قطع هذا الفن شوطاً طويالً حني انتهى إىل يد الفنان املطبوع والشاعر‬
‫املاجن‪ :‬حممد مجال الدين بن دانيال‪ ،‬يقول ابن دانيال وهو يصف ما قدمه يف بابة "طيف اخليال"‪ " :‬صنفت من‬
‫بابات اجملون ‪ ...‬ما إذا رمست شخوصه وبويت مقصوصه وخلوت باجلمع‪ ،‬وجلوت الستارة بالشمع‪ ،‬رأيته بديع‬
‫املثال‪ ،‬يفوق باحلقيقة ذاك اخليال"‪.‬‬
‫ويف هذا القول جيتمع التطبيق العملي والنظرية الفنية معاً‪ ،‬وقد أخذ ابن دانيال ما تكون يف حضن املقامة وجل‬
‫منها مسرحاً حقيقياً له نظرية واضحة‪ ،‬وممارسة أوضح‪.‬‬
‫وهذه بعض األسس النظرية اليت أقام عليها ابن دانيال فنه الظلي‪:‬‬
‫مسرح شعيب باجلمهور وللجمهور‬ ‫‪. 1‬‬
‫فن منوع ميزج احلقيقة باخليال‬ ‫‪. 2‬‬
‫تقديم مادة مسرحية حقيقية‬ ‫‪. 3‬‬
‫خلق بعض الشخصيات املسرحية الشعبية‬ ‫‪. 4‬‬
‫امتاع اجلمهور وبهره مبناظر وشخصيات منتقاة‪.‬‬ ‫‪. 5‬‬

‫‪246‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫كل هذه الشخصيات ينتزعها ابن دانيال من واقع السوق وجيعل هلا وجوداً فنياً على املسرح عن طريق‬
‫املقصوصات اليت رمسها على اجللد وإحالتها إىل دمى ذات بعدين حيركها الالعب املؤدي من وراء الستار‪ ،‬ثم‬
‫يُنشيء هلا ابن دانيال حياة مؤقتة تعرض أثناءها مهاراتها يف األداء وتعرض أيضاً حاهلا‪.‬‬
‫إن نظرة ابن دانيال إىل فنه‪ ،‬وهي نظرة جادة من وراء اهلزل‪ ،‬جتعله يُضفي على مقصوصاته هذه احلياة اإلضافية‬
‫اليت تضيف إىل الدمى بعداً ثالثاً وتكاد جتعله شخصيات حقيقية تتحرك على املسرح‪ ،‬وقد ذكرت كتب‬
‫التاريخ أن البابات الثالث‪" :‬طيف اخليال" و "عجيب وغريب" و "املتيم الضائع اليتيم" قد كان مقصوداً بها أن‬
‫تُعرض تباعاً يف ثالث ليال متوالية‪ ،‬وهذا تقليد مسرحي معروف يف العصور الوسطى‪.‬‬
‫وأهمية البابات الثالث البن دانيال أنها استقطبت ما يف املقامات من إمكانات الدراما وأنها أقامت يف مصر‬
‫مسرحاً حقيقياً‪ ،‬وأن املصريني عرفوا عن طريق خيال الظل لقرون متوالية عادة الذهاب إىل املسرح‪ ،‬مما جيعل‬
‫من ذلك أن مصر مهيئة أكثر من غريها لتقبل فكرة املسرح‪ ،‬وقد امتد أثر خيال الظل إىل تركيا‪ ،‬ومن‬
‫تركيا امتد إىل البالد العربية‪ ،‬مثل سوريا اليت محلت إىل عرب فنانيها إىل مصر فن القراقوز‪ ،‬ومن جهة أخرى‬
‫فقد ترك خيال الظل بعضاً من األثر يف األرجوز وذلك حني أخذ جنم خيال الظل يف األفول‪.‬‬
‫املسرح الشعيب البشري‪:‬‬
‫تُرد أقدم إشارة إىل وجود فن مسرحي عربي يف مصر وذلك يف كتاب الرحالة كارستني نيبور حيث أشار إىل‬
‫عروض الشوارع وفن الغوازي الذين يعملن بأجر‪ ،‬حيث تتألف الفرقة من راقصات ينتمني للغجر يرقصن‬
‫مبصاحبة املوسيقى يف األفراح‪ ،‬ثم ذكر االرجواز وخيال الظل وقال انهما منتشران يف أرجاء القاهرة‪ ،‬وذكر‬
‫فن احلواة‪ ،‬وذكر من يستخدمون احليوان إلمتاع متفرجيهم وأوهلم القراد‪ ،‬ثم ذكر املسرح حيث يقول‪ :‬أنه‬
‫وجد يف القاهرة عدد من املمثلني الذين ميثلون أينما يدعون لقاء أجر قليل‪ ،‬وبعد مخسة وثالثني عاماً يصل إىل‬
‫مصر سائح آخر هو اإليطالي بلزوني‪ ،‬حيث شاهد مسرحيتني قدمتهما فرقة شعبية مصرية يف حفل أقيم يف‬
‫شربا عام ‪ ، 1815‬وبعد هذا خبمسة عشر عاماً شاهد "لني" يف احملبظني يف إحدى احلفالت اليت أقامها حممد‬
‫علي ملناسبة ختان واحد من أجناله‪ ،‬وقد وصف لني عرض املسرحية مما يوحي بأنها كانت على درجة ال بأس‬
‫بها من التقدم الفين‪.‬‬
‫والذي يتضح مما تقدم أن هناك طوال القرن التاسع عشر دراما حملية متاماً خالية من املؤثرات األجنبية‪.‬‬
‫ولو ختيلنا دار كربى يعمل عليها القراد واحلاوي ومسرح خيال الظل ومسرح االرجواز واحملبظون الستطعنا أن‬
‫حنيط بالطاقة التمثيلية الكربى اليت متتع بها أهل بلدنا قروناً طويلة قبل أن يفد املسرح الغربي إلينا‪ ،‬مما يدل‬
‫على وجود دراما عرفتها األقطار العربية يف مصر والشمال األفريقي قبل وفود املسرح الغربي‪ ،‬فسوق جامع‬
‫الفناء مب راكش ‪ ،‬ومسرح احللقة‪ ،‬ومسرح البساط حتكي بذلك‪ ،‬وباألخص مسرح البساط حيث كان امللوك‬
‫حييطون أصحابه حبفاوة‪ ،‬وقد بلغ من االحتفاء بهذا اللون أن أقيمت له املهرجانات‪ ،‬وكثرياً ما كان املمثلون‬
‫يبثون شكواهم من خالل هذا اللون من الفن‪ ،‬حيث كان مسرحاً انتقادياً إىل جوار أنه ترفيهي‪ ،‬وقد كان‬

‫‪247‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫املثل يلبس على وجهه قناعاً ليتمكن من التلفظ مبا شاء من الفكاهات دون خجل من السلطان‪ ،‬وقد تعددت‬
‫ألوان عروض مسرح البساط ولكن من املمكن إمجاهلا فيما يلي‪:‬‬
‫الرقصات اإلقليمية اليت تؤديها بعض اجملموعات‬ ‫‪. 1‬‬
‫أناشيد ورقصات الطوائف الدينية‬ ‫‪. 2‬‬
‫ما يؤدى حول األغاني والرقصات من أحلان ومواويل تؤديها اليهوديات‪.‬‬ ‫‪. 3‬‬
‫التمثيل اهلزلي االنتقادي‬ ‫‪. 4‬‬
‫مسرح السفهاء‬ ‫‪. 5‬‬
‫مسرح الصناع وأصحاب املهن‬ ‫‪. 6‬‬
‫املسرح اخلاص بالنساء‬ ‫‪. 7‬‬
‫سلطان الطلبة ‪ :‬وهي ظاهرة مسرحية بدأت أيام السلطان موالي رشيد‪ ،‬حيث سانده الطلبة يف‬ ‫‪. 8‬‬
‫حروبه مع أخيه‪ ،‬وكنوع من املكافأة نظم امللك نزهة للطلبة على ضفاف وادي فاس يزور فيها امللك‬
‫الطلبة ويقدم هلم اهلدايا ويستمر احلفل اسبوعاً‪ .‬وأصبحت مع الزمن تقليداً حتى اليوم‪.‬‬
‫ومل مينع الناس يف تلك األيام‪ ،‬وال يف األيام اليت تلتها حتى ظهور املسرح العربي املكتوب يف أواسط القرن‬
‫التاسع عشر من النظر إىل كل هذه األلوان الفنية على أنها من فنون العرض املسرحي إال أمران‪:‬‬
‫أن العرب األقدمني مل يقرأوا نصوصاً مسرحية قط فكان املسرح كفكرة وفن غري وارد عليهم‬
‫أن العرب كانوا ميارسون املسرح دون أن يعرفوا أنه مسرح‪ ،‬إال أن العقلية العربية الرمسية اختذت موقفاً من‬
‫املسرج مزدوجاً فهي ترفضه من حيث املبدأ وتقبله من حيث التطبيق‪.‬‬
‫يقول املستشرق الفرنسي جاك بريك‪" :‬أن يبحث عن فنون املسرح العربية يف احتفاالت الفاطميني وألعاب املماليك‬
‫الفروسية‪ ،‬ويف بعض طقوس اجلمعيات الصوفية"‪.‬‬
‫ولقد مجع املغرب حلقات ألف ليلة وفصول خيال الظل‪ ،‬ومسرح التعزية‪ ،‬وخلق منها تركيباً خاصاً به‪ ،‬فإذا‬
‫أضفنا هلذا ما جنده يف تونس واجلزائر من إقامة ألعاب الدمى املتحركة الصقلية يف األحياء الشعبية طول أيام‬
‫شهر رمضان لتمثيل حروب املسلمني ضد املسيحيني فقد نعثر بهذا على فكرة عربية عن املسرح تنقل احلياة‬
‫إىل املسرح دون نص مكتوب‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬املسرح يف املشرق‪:‬‬
‫املسرح يف مصر‪:‬‬
‫إذا قلنا أن املسرح العربي ولد يوم أن أخرج مارون النقاش مسرحية "البخيل" عام ‪ 1847‬فإن هذا امليالد يعترب‬
‫مؤقتاً وحماكاة فنية رآها املثقفون العرب يف بالد أوروبا‪ ،‬ورواد املسرح العربي مارون النقاش وأمحد خليل‬
‫القباني ويعقوب صنوع كانوا يف وضع ال يسمح هلم بالتعمق يف الرتاث ووسائل استخدامه يف مسارحهم الناشئة‪،‬‬
‫وقد سيطر عليهم أن الفن الذي يقدمونه وينقلونه إىل بالدهم هو الشكل املسرحي الوحيد الذي عرفته‬
‫البشرية‪ ،‬حيث مل يدر يف خلدهم أن هناك شكالً آخر للمسرح غري الشكل الغربي ميكن هلم أن يستخدموه‪،‬‬

‫‪248‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫غري أن مارون النقاش ملا رأى عدم ميل أبناء وطنه إىل هذا الفن املفيد زاده فكاهة فجعل يف الرواية الواحدة‬
‫شعراً ونثراً وأنغاماً‪ ،‬وقد استخدم مأثور الشعب من القصص وأفاد من ظاهرة حب الناس للشعر مروياً ومغنى‬
‫فأدخل هذين العنصرين يف مسرحياته‪.‬‬
‫أما خليل القباني فلم يعتمد النص األدبي يف مسرحياته بل التفت إلتفاتاً أكرب إىل عناصر الغناء واإلنشاد‬
‫والرقص‪ ،‬حيث جعل هذه العناصر املربر األول لقيام املسرحية‪ ،.‬كما اعتمد القباني اعتماداً واضحاً على‬
‫القصص الشعبية اليت كان قصاص املقاهي يقصونها على روادهم‪ ،‬ويرى طليمات أن الفن الذي جاء به القباني‬
‫أضعف صياغة منه عند النقاش‪ ،‬وقد سعى القباني إىل تغطية ضعف البناء املسرحي عنده باملوسيقى واإلنشاد‬
‫والرقص‪.‬‬
‫أما الرائد الثالث وهو يعقوب صنوع الذي اشرتك يف مسرحيات فرقتني أوروبيتني فرنسية وإيطالية زارتا مصر‬
‫عام ‪ ،1870‬وعل ى إثرها كون صنوع فرقته املسرحية وألف هلا قطعة مسرحية غنائية أقحم فيها بعض األغاني‬
‫الشعبية الشائعة‪ ،‬ثم مضى يف التأليف والتدريب والعرض واإلخراج واإلدارة إىل أن بلغت مسرحياته اثنتني‬
‫وثالثني مسرحية‪ ،‬يسري فيها األثر األوروبي واألثر الشعيب جنباً إىل جنب‪ ،‬وقد استخدم صنوع كل حيلة فنية‬
‫وقعت له ال ستنباط الضحك يف مسرحه‪ ،‬وخبتام يعقوب صنوع ألعماله قد اكتمل للمسرح العربي اجمللوب‬
‫األمناط الثالثة اليت ظل يصب فيها أعماله من منتصف القرن املاضي حتى اآلن‪ ،‬وقد ظل املسرح العربي يقدم‬
‫هذه األمناط الثالثة‪ ،‬مقتبسة أو مؤلفة تأليفاً متهافتاً‪ ،‬حتى ظهر املؤلف احمللي‪.‬‬
‫سبق ظهور الكاتب احمللي يف مصر إرهاصات عملت على ظهوره ففي ميدان التأليف خرجت للناس يف عام‬
‫‪ 1894‬م أول مسرحية مصرية تتخذ شكل امليلودراما االجتماعية والت يكان امسها "صدق اإلخاء"‪ ،‬ثم تواىل‬
‫ظهور املسرحيات االجتماعية يف مصر‪ ،‬فقدم فرح أنطون مسرحيته املعروفة‪" :‬مصر اجلديدة ومصر القدمية"‬
‫عام ‪ 1913‬م‪ ،‬ثم ما لبث الكاتب املسرحي املصري اخلالص أن ظهر يف شخص إبراهيم رمزي حيث كتب‬
‫عدداً من املسرحيات التارخيية واالجتماعي والغنائية أهمها‪" :‬احلاكم بأمر اهلل" و "أبطال املنصورة" وغريها‪،‬‬
‫ويواكب إبراهيم رمزي يف الفرتة نفسها مؤلف آخر هو حممد تيمور‪ ،‬الذي أخرج مسرحية "العصفور يف القفص‬
‫‪1918‬م‪ ،‬و "اهلاوية" ‪ 1921‬م‪ ،‬وهي مسرحيات ذات أسس أجنبية أجاد حممد تيمور متصريها‪ ،‬يظهر بعد ذلك‬
‫مؤلف مصري ثالث كان له شأنٌ كبري يف دعم احلركة املسرحية يف مصر وهو توفيق احلكيم الذي أخرج‬
‫أوىل مسرحياته عام ‪1919‬م وكانت باسم "الضيف الثقيل"‪ ،‬أما اول مسرحية كاملة له فهي "املرأة اجلديدة"‪.‬‬
‫أما يف ميدان املسرح الغنائي فقد كان رائده الشيخ سالمة حجازي حيث شعر باحلاجة إىل وجود املسرحية‬
‫الغنائية املصرية‪ ،‬فكانت النتيجة ظهور أول حماولة لتأليف املسرحية املصرية ‪ ،‬وأن ظهرت يف شكل بدائي‪،‬‬
‫وهي مسرحية "صدق اإلخاء"‪ ،‬وقد بذل سالمة حجازي جهداً خاصاً يف حقل تطوير الغناء‪ ،‬وزاد من أثر فنه يف‬
‫اجلمهور أن هذا الفن وصل إىل قطاعات من الناس مل تكن الظروف االجتماعية السائدة تسمح هلا بغشيان‬
‫املسارح مثل السيدات واآلنسات حيث مسعوا ذلك الفن على أسطوانات الفنوغراف‪ ،‬وحني تويف سالمة حجازي‬
‫كان جنم فنان من فناني املسرح الغنائي قد بزغ وهو سيد درويش الذي اجتمعت عدة مواهب‪ ،‬وقد اشرتك يف‬

‫‪249‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫بداية حياته مع فرقة شعبية جوالة للتمثيل الكوميدي هي فرقة جورج دخول‪ ،‬ثم اشرتك مع فرقة عطااهلل يف‬
‫رحلتني إىل الشام‪ ،‬وقد زاد من قيمة سيد درويش أنه عايش العملية املسرحية يف مجيع مراحلها‪.‬‬
‫إىل جانب ظهور املؤلف احمللي يف املسرح املصري وامللحن املسرحي ظهر أيضاً املمثل املدرب باألسلوب العلمي‪،‬‬
‫وذلك يف شخص جورج أبيض‪ ،‬حيث قضى ست سنوات يف التتلمذ على يدي ممثل فرنسي مرموق امسه سيلفان‬
‫ثم عاد إىل الوطن ليكون أول ممثل وطين أصولي‪ ،‬وقد ألف جورج أبيض فرقاً خمتلفة ودخل يف فرقة مشرتكة‬
‫بينه وبني سالمة حجازي‪ ،‬فاستطاع بنشاطه الفين أن جيتذب إليه نفوساً فنية حية متوثبة‪ ،‬وهكذا ارتفع مقام‬
‫املمثل والنص املسرحي معاً على يد جورج أبيض‪.‬‬
‫ثم استكمل املسرح العربي يف مصر أنواع أطقمه الفنية حني أخذ الفنان عزيز عيد يُبدي اهتماماً كبرياً بفن‬
‫اإلخراج ‪ ،‬وقد عمل عزيز عيد ممثالً وخمرجاً فرتة من الزمن‪ ،‬وقد عمل مع سيد درويش يف اثناء إخراج أوبريت‬
‫شهرزاد‪ .‬ثم ظهرت يف عام ‪1923‬م أول فرقة مسرحية مصرية نظامية ــ فرقة رمسيس ــ هلا طاقم فين متحمس‬
‫ومتحد على رأسه خمرج متمرس هو عزيز عيد‪ ،‬وقد اجتذبت الفرقة أنظار اجلمهور العريض واملثقفني معاً‪،‬‬
‫وقد التف حول الفرقة اجلديدة نفر من أمل املثقفني املصريني يتابعون أعماهلا وينقدونها من أمثال الدكتور طه‬
‫حسني والدكتور حممد حسني هيكل والعقاد واملازني وحممد التابعي‪ ،‬وقد تباينت اآلراء يف فرقة رمسيس‪،‬‬
‫وقد كانت اخلطوة التالية لظهور املؤلف واملخرج والفرقة النظامية‪ ،‬إنشاء معهد الفنون املسرحية الذي ظهر‬
‫إىل الوجود عام ‪ 1931‬م حتقيقاً القرتاح زكي طليمات وقد ألغي بعد موسم دراسي واحد‪ ،‬ثم عاد إىل الوجود‬
‫عام ‪1944‬م باسم املعهد العالي لفن التمثيل العربي‪ ،‬وقبل عودة املعهد بتسع سنوات قامت الفرقة القومية للتمثيل‬
‫اليت كونتها الدولة بإشراف مباشر هلا يف عام ‪1935‬م‪ ،‬وقد قدمت الفرقة يف مومسها األول مسرحية "أهل‬
‫الكهف" لتوفيق احلكيم‪ ،‬و "تاجر البندقية" لشكس بري‪ ،‬ويف املوسم الثاني للمسرحية قدمت الفرقة‬
‫مسرحيتني مصريتني‪ ،‬أما يف املوسم الثالث فقد قدمت الفرقة "سر املنتحرة" و "العواطف" و "إمساعيل الفاتح"‬
‫وكلها من ذوات الفصل الواحد‪ ،‬ويف عام ‪ 1442‬صدر قرار حبل الفرقة القومية‪ ،‬وقد قامت مكانها فرقة‬
‫أخرى مسيت "الفرقة املصرية للتمثيل واملوسيقى"‪ ،‬وقد أدخلت هذه الفرقة املسرحيات املكتوبة باللغة الدارجة‬
‫ضمن براجمها كما أدخلت األوبريت ضمن الربنامج أيضاً‪ ،‬ويف أول موسم هلا قدمت أوبريت شهرزاد‪ ،‬ويف‬
‫املوسم الثاني قدمت مسرحية "قيس وليلى" للشاعر عزيز أباظة‪ ،‬والواقع أن قضية املسرح الشعري ال تكسب‬
‫شيئاً ذا بال على يد عزيز أباظة فإنه حيمل يف مسرحياته النقص ذاته الذي شاب مسرحيات شوقي‪ ،‬وقد كتب‬
‫حممود تيمور مسرحية صقر قريش اليت بُنيت على بطلها الفرد الذي قُدِّم لنا إنساناً طموح ًا غاية يف الطموح‪،‬‬
‫وقد بذل حممود تيمور يف هذه املسرحية جهدًا لكي يضمن هلا أن تشد اهتمام املتفرجني‪ ،‬فاستخدم فيها عدة‬
‫أساليب منها أسلوب احلادثة اليت تتعلق بها األنفاس‪ ،‬كما جلأ تيمور إىل بعض الشخصيات الطريفة اليت بثها‬
‫يف املسرحية لكي تضفي عليها جواً من املتعة‪ ،‬ظلت الفرقة تقدم مسرحيات عزيز أباظة الشعرية إىل جوار‬
‫مسرحيات حممود تيمور وعلي أمحد باكثري‪ ،‬ومقتبسات متفاوتة القيمة من مسارح الغرب‪.‬‬

‫‪250‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫وملا قامت ثورة ‪ 1952‬م جاءت مبناخ مسرحي ممتاز‪ ،‬وقد كان من حسن حظ املسرح يف مصر أن ميدانه كان‬
‫خالياً متاماً حني قامت الثورة‪ ،‬فلما التفت نفر من الشباب الذي آمن بالثورة والثقافة الثورية‪ ،‬ووضعوا عواطفهم‬
‫وأحالمهم وأرواحهم وعقولة يف خدمة املسرح املصري‪ ،‬أخذت تظهر إىل الوجود العالمات املبشرة اليت ال ختطيء‬
‫واليت تشري إىل بدء قيام مسرح عظيم‪ ،‬فبعد الثورة أخذ كتاب املسرح يظهرون‪ ،‬كنعمان عاشور حيث قُدمت‬
‫له مسرحية "املغماطيس" على مسرح األوبرا عام ‪1955‬م‪ ،‬ثم تلتها أعمال نعمان عاشور األخر مثل "الناس اللي‬
‫حتت" و "الناس اللي فوق" وغريها‪ ،‬وظهر إىل جوار تعمان عاشور كاتب آخر هو يوسف أدريس جاء بعده‬
‫الفريد فرج‪ ،‬ثم ظهر بعد ذلك لطفي اخلولي مبسرحية "قهوة امللوك" ‪ ،‬كما تقدم سع الدين وهبة مبسرحية‬
‫"احملروسة"‪ ،‬وهكذا ظل املسرح القومي يقدم كاتباً جديداً وأحياناً كاتبني يف كل موسم‪ ،‬وقد ظهر هؤالء‬
‫الكتاب يف ظل الثورة‪ ،‬غري ان الثورة مل تفعل هذا وحسب‪ ،‬بل أخذت تنشئ األجهزة الثقافية اليت تعني على‬
‫حسن إخراج هذه األعمال‪ ،‬ومن تلك األجهزة وزارة كاملة للفنون باسم "وزارة اإلرشاد القومي"‪ ،‬وبدورها أنشئت‬
‫الوزارة جهازاً فنياً وإدارياً خاص بذلك أمسته مصلحة الفنون‪ ،‬ثم أنشأت الوزارة الفرقة القومية للفنون الشعبية‪،‬‬
‫واهتمت بتوسيع جمال انتشار الفنون‪ ،‬وأوفدت البعثات إىل عواصم العامل املسرحية‪ ،‬بعدها وفد املبتعثون‬
‫حاملني مكتسباتهم الفنية معهم‪ ،‬هذه النهضة جعلت القاهرة مركز إشعاع امتد نوره إىل سائر العواصم‬
‫العربية‪ ،‬وقد كان حصاد فكر الثورة يف حقل املسرح أن نضجت املسرحية االجتماعية النقدية على يدي نعمان‬
‫عاشور‪ ،‬وظهرت املسرحيات الشعرية السياسية‪ ،‬وثنائية احلسني ومأساة احلالج لصالح عبد الصبور‪ ،‬وظهرت‬
‫املسرحيات التعليمية‪ ،‬واملسرحيات اليت تبشر بالثورة الشاملة‪ ،‬وملا رأى يوسف ادريس أن املسرح يعتمد الصبغة‬
‫الغربية كتب مسرحيته الفاتنة "الفرافري" مستوحيها من الرتلث‪ ،‬ودعا توفيق احلكيم إىل استخدام طريقة‬
‫املسرح الشعيب القائمة على التقليد‪ ،‬وقد انقسم اإلنتاج املسرحي إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫قسم قدم املسرحية االجتماعية النقدية‬ ‫‪. 1‬‬
‫وقسم قدم املسرحية الرتاثية‬ ‫‪. 2‬‬
‫وقسم ثالث قدم املسرحية الرتاثية‬ ‫‪. 3‬‬
‫وقد كان بعض املسرحيات شعرياً (للشرقاوي وعبدالصبور) والبعض اآلخر كان نثرياً‪ ،‬وقد كانت مسرحية‬
‫"عيلة الدوغري" متام ما وصل إليه الك اتب العربي يف اإلفادة من الصيغة الغربية للمسرح‪ ،‬وحتميلها مضامني‬
‫وشخصيات حملية‪ ،‬أما املسرحية اليت تعتمد على األشكال الرتاثية يف املسرح العربي‪ ،‬فإن مسرحية يوسف‬
‫إدريس الفاتنة "الفرافري" متثل أكثر اشكاهلا نضجاً يف مصر‪ ،‬وقصد بها أن تتناول حياتنا باألسلوب املسرحي‬
‫الشعيب‪ ،‬وأول ما فعله الكاتب هو خلقه لشخصية الفرفور يف املسرحية‪ ،‬ويضفي عليه مسات الكوميديا‬
‫الشعبية‪ ،‬فالفرافري متثل أحسن وأصدق حماولة لالقرتاب من تقاليد الكوميديا الشعبية‪ ،‬وإىل جانب الفرافري‬
‫قام كتاب آخرون باستغالل مضامني احلكايات الشعبية يف الدعوة إىل آرائهم وعلى رأسهم الفريد فرج الذي‬
‫قدم مسرحييت‪" :‬حالق بغداد" و "علي جناح الدين التربيزي وتابعه قفة"‪ ،‬واستغل شوقي عبد احلكيم حكاية‬
‫فولكلورية امسها‪" :‬شفيقة ومتولي"‪ ،‬وصب جنيب سرور قصة شعبية أخرى هي‪" :‬يسني وبهية"‪ ،‬وكتب حممود‬

‫‪251‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫دياب مسرحية أخاذة عن ريف مصر مساها‪" :‬ليالي احلصاد"‪ ،‬وضمن رشاد رشدي مسرحيته "اتفرج يا سالم"‬
‫ألواناً من الفنون الشعبية‪ ،‬كما أخرج املسرح القومي عام ‪1957‬م مسرحية الصفقة لتوفيق احلكيم‪.‬‬
‫أما املسرحية السياسية فقد تناوهلا كثري من كتاب املسرح يف مصر‪ ،‬وأبرز من كتبها سعد الدين وهبة‪،‬‬
‫كما كتب املسرحية السيا سية أيضاً وبامتياز الفريد فرج وأبرز أعماله يف ذلك مسرحية "سليمان احلليب‪،‬‬
‫كما كتب علي سامل املسرحية السياسية بطريقة أخرى‪ ،‬حيث اختذ مادته من األسطورة ومن األسطورة‬
‫اليونانية اخلالدة "أوديب" على وجه اخلصوص‪ .‬ومن القصص القديم اختار علي أمحد باكثري موضوعاً‬
‫ملسرحيته‪" :‬هاروت وماروت" وهي من أواخر ما كتب للمسرح‪ ،‬وموضوع املسرحية هو سعي اإلنسان الدائم إىل‬
‫أن يسيطر على الطبيعة‪ ،‬وأن حيرر نفسه من إسار احلياة على األرض‪ ،‬وقد أدخل باكثري فكرة اإلنسان‬
‫املتطور الذي سوف يتغلب يوماً على شرور نفسه‪ ،‬واملسرحية تقارن بني املالئكة واإلنسان فرتجح كفة اإلنسان‪،‬‬
‫ومسرحية "هاروت وماروت" مسرحية دينية سياسية‪ ،‬وبطريقة أخرى حلق حممود دياب يف أجواء الفانتازيا‪،‬‬
‫وداس يف يقني أرض الواقع يف مسرحية بالغة العمق‪ ،‬مفرطة يف الرقة حادة يف الذكاء هي مسرحية‬
‫"باب الفتوح"‪ ،‬وهي احتجاج على التاريخ الذي كتبه مؤرخو امللوك والسالطني‪ ،‬كما كتب ميخائيل رومان‬
‫مسرحيات سياسية واجتماعية كثرية منها‪" :‬الوافد" و "الدخان" وغريها‪ ،‬وتعترب مسرحية "شقة لإلجيار" أول‬
‫مسرحية مصرية تعاجل موضوع الثورة الشاملة وضرورتها‪.‬‬
‫وقد بدأت املسرحية الشعرية حني أخرج أمحد شوقي مسرحياته السبع اليت أحدثت ضجة كربى يف حينها‪،‬‬
‫واعتربت فتحاً كبرياً يف املسرح‪ ،‬غري أن شوقي يف ست مسرحيات من هذه املسرحيات السبع كان شاعراً‬
‫غنائياً أكثر منه شاعراً درامياً‪ ،‬وقد أخذ موضوعات مسرحياته من التاريخ‪ ،‬لذلك حظيت بنجاحٍ كبري‪ ،‬أما‬
‫املسرحية الوحيدة اليت جنحت درامياً فهي مسرحية "الست هدى"‪ ،‬ويف األربعينات أخذ عبد الرمحن الشرقاوي‬
‫خيرج للناس شعره احلديث متحرراً من العمود والقافية‪ ،‬فأخرج قصيدته "من أب مصري إىل الرئيس ترومان"‬
‫فكانت أول تدريب على الكتابة الشعرية للمسرح‪ ،‬وملا قامت اللحظة املسرحية يف مصر كان طبيعياً أن يتوجه‬
‫ــ مجيعها سياسية ــ يف القالب‬ ‫الشرقاوي بشعره إىل املسرح‪ ،‬ومن ثم كتب مسرحياته كلها‬
‫الشعري ‪ ،‬وقد أفلح الشرقاوي يف مسرحياته وبدرجات متفاوتة فخلق الشعر الدرامي‪ ،‬ولكنه مل يستطع أن‬
‫خيلق به شخصيات حية كاملة االستدارة‪ ،‬أما امليالد احلقيقي للمسرح الشعري فإنا جنده يف أعمال صالح‬
‫عبدالصبور مثل‪" :‬مأساة احلالج" و "مسافر ليل" و "وليلى واجملنون" و "األمرية تنتظر" و "بعد أن ميوت امللك"‪.‬‬
‫لقد ظل املسرح املصري مزدهراً حتى أواسط الستينات‪ ،‬بفضل املناخ الثقايف الذي خلقته الثورة‪ ،‬وبفضل ما‬
‫هيأته‪ ،‬وبفض ل ذلك النفر الكثري من الكتاب والفنانني الشباب‪ ،‬غري أن املسرح الذي رعته الدولة واجه‬
‫صعوبات أوهلا موقف املتاجرين باملسرح‪ ،‬حيث اجتمعوا وجتار الفكر التقدمي يف عصبة واحدة متخذة موقفاً‬
‫معادياً من املسرح التقدمي اجلاد واتهموه بشتى التهم مما أغرا احلكومة به فشددت قبضتها عام ‪ 1965‬ــ‬
‫‪ 1966‬م على املسرح واملسرحيات وخاصة بعد أن ظهرت مسرحيات تقف موقف الناقد من أعمال الدولة‪ ،‬ويف‬
‫ظل هذه احلرب بني مسارح وزارة الثقافة ومسارح التلفزيون خسر الفن املسرحي كثرياًً‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫املسرح يف سوريا‪:‬‬
‫ذكر الباحث عدنان بن ذريل يف كتابه املسرح السوري منذ خليل القباني إىل اليوم أنه كانت مثة فنون شعبية‬
‫مسرحية يف سوريا تقدم فن القراقوز يف املقاهي مع شيء من رقص السماح‪ ،‬كم أورد أنه كان يف دمشق قبل‬
‫االنتداب وبعده مقاه للحكواتي وأخرى للقراقوز‪ ،‬وثالثة للصراع‪ ،‬ورابعة للسيف والرتس‪ ،‬وخامسة للرقص‪،‬‬
‫وإىل جانب القراق وز كان الفنانون الشعبيون من أمثال جورج دخول يشاركون يف عروض مسرحية منوعة يف‬
‫املقاهي واملسارح‪ ،‬كما ك ان إىل جانب دخول فنان شعيب آخر امسه مجيل األورغلي وشهرته "كامل‬
‫األوصاف"‪ ،‬وإىل جانب ذلك كله كانت هناك الفرق الرتكية اليت كانت تزور سوريا بني احلني واحلني‪،‬‬
‫وطوال استعراضه للنشاط املسرحي الذي ساد سوريا بعد القباني ال يكف األستاذ عدنان عن ذكر اهلوة اليت‬
‫تفصل بني جهود املسرح اجلاد وجهود املسرح التجاري‪ ،‬كما ذكر الدكتور أمحد سليمان األمحد كثري من‬
‫املسرحيات اليت ألفت يف هذه الفرتة ومل تعرف طريقها إىل املسرح‪ ،‬ويبقى هذا هو حال املسرح السوري حتى‬
‫الستينات‪ ،‬أما نهضة املسرح يف سورية فقد جاءت ــ كما يقول الكاتب رياض عصمت ــ على يد كل من‪ :‬رفيق‬
‫الصبان وشريف خزندار اللذان عادا إىل سوريا من فرنسا بعد أن تدربا هناك‪ ،‬ومل تلبث الدولة أن تقدمت‬
‫ملساعدة هذا الطاقم الفين الصغري‪ ،‬فأسست فرقة املسرح القومي عام ‪1959‬م‪ ،‬وقد انظم إىل هذه الفرقة‬
‫جمموعة ممن يهتمون باملسرح فكونوا طاقماً فنياً أصبح ينتظر املؤلف احمللي الواعي‪ ،‬وقد كان هذا املؤلف‬
‫متمثالً يف سعداهلل ونوس الذي تقدم عام ‪1967‬م مبسرحية‪" :‬حفلة مسر من أجل ‪ 5‬حزيران"‪ ،‬كما أخرج كذلك‬
‫يف عام ‪ 1978‬م مسرحيته الفاتنة‪" :‬امللك هو امللك" وفيها استخدم بلباقة فنية كبرية إحدى حكايات ألف ليلة‬
‫وليلة‪ ،‬فنجح أن يوظف فيها أفكاره القدمية توظيفاً عضوياً مجيالً‪ ،‬ومن كتاب املسرح اجلديرين باالعتبار‪:‬‬
‫مصطفى احلالج الذي كتب عدة مسرحيات‪ ،‬ويلفت النظر بني الكتاب الشباب يف املسرح السوري مسرحيات‬
‫ممدوح عدوان‪ ،‬كما كتب للمسرح السوري أيضاً الكاتب واملخرج املسرحي علي عقلة رسان‪.‬‬
‫املسرح يف لبنان‪:‬‬
‫يقول عبداللطيف شرارة‪" :‬مل يستطع لبنان أن يوجد املسرح كفن ولنما استطاع أن يوجده كأدب ‪ .....‬ظلت‬
‫املسارح اليت نشأت يف البالد‪ ،‬حمصورة ضمن املعاهد العلمية‪ ،‬يف األعم األغلب منها‪ ،‬ومل تؤثر يف حياة الشعب‬
‫تأثريًا مباشراً" إال أن لبنان الفنان واملقتبس والكاتب مل يرتك عنايته باملسرح بوفاة النقاش‪ ،‬حيث صدّر اجلزء‬
‫األهم من فنه املسرحي إىل مصر حيث وفدت إليها الفرق من لبنان وهي‪ :‬فرقة سليم النقاش‪ ،‬وفرقة سليمان‬
‫القرداحي‪ ،‬وفرقة إسكندر فرح‪ ،‬وإىل مصر أيضاً جاء الكتاب واملرتمجون واملسرحيون‪ ،‬ومنهم الكاتب‬
‫املسرحي فرح أنطون الذي قدم للمسرح املصري أول مسرحية اجتماعية انتقادية‪ ،‬ومن لبنان جاء إىل مصر أيضاً‬
‫الفتى الطموح جورج أبيض‪ ،‬وقد أرسله اخلديوي يف بعثه إىل فرنسا عاد بعدها إىل مصر لينشيء أول فرقة تقدم‬
‫الرتاث العاملي يف املسرح على أسس ثابتة وعلمية‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫أما الساحة اللبنانية نفسها فقد خلت من التمثيل العام املوجه للناس وتقوقعت حركة املسرح يف أحضان املدارس‬
‫ويف مجعيات اهلواة‪ ،‬ثم جاءت اإلذاعة والسينما فحولت اهتمام الناس وأذهانهم إىل غري املسرح‪ ،‬وقد مرت‬
‫حركة املسرح يف لبنان بأربعة مراحل هي‪:‬‬
‫احملاوالت األوىل ومتثلت يف حماوالت مارون النقاش‪.‬‬
‫مرحلة الرتمجات وفيها عُرضت مسرحية الذخرية عن الفرنسية وترجم أديب إسحاق مأساة رأسني "أندروماك"‬
‫شعراً ونثراً‪.‬‬
‫مرحلة بعث التاريخ الوطين العربي وفيها وضع جنيب حداد مسرحية شعرية تتناول حياة عبدالرمحن الداخل‪.‬‬
‫مرحلة الواقعية االجتماعية وقد وصلت موجتها إىل لبنان من وراء احمليط األطلسي كنشاط من أدباء املهجر يف‬
‫أمريكا‪ ،‬حيث كتب جربان خليل جربان مسرحية‪" :‬إرم ذات العماد"‬
‫وقد حترك شعراء لبنان مقتدين بأمري الشعراء يف مسرحياته الشعرية فكتب سعيد عقل عام ‪1935‬م مسرحية‬
‫شعرية بعنوان "بنت يفتاح"‪ ،‬ثم عادت املسرحية اللبنانية إىل الواقع مرة أخرى بظهور أعمال سعيد تقي الدين‬
‫الذي كتب مسرحية‪" :‬لوال احملامي"‪ ،‬ومن الفرق املسرحية اللبنانية مايلي‪:‬‬
‫فرقة حمرتف بريوت‪:‬‬ ‫‪. 1‬‬
‫وقد أنشئت عام ‪ 1968‬م على أيدي روجيه عساف‪ ،‬ونضال األشقر‪ ،‬وقد قدمت هذه الفرقة مسرحيات‪" :‬املفتش"‬
‫و "عدد خاص" و "ماجدالون" و "كارت بالنش" و "إضراب اللصوص" و "مرجانة‪ ،‬وياقوت‪ ،‬والتفاحة" و "أزار‪،‬‬
‫أكتوبر"‪ ،‬وقد كانت معظم هذه األعمال مثرة لالرجتال اجلماعي‪ ،‬وهو االجتاه الفين الذي اختذته فرقة‬
‫احملرتف وسيلة للخلق‪.‬‬
‫فرقة املسرح االختباري‪:‬‬ ‫‪. 2‬‬
‫أسسها أنطوان ولطيفة ملتقي‪ ،‬حيث التف حوهلما فريق من الشباب أغلبهم من طلبة معهد الفنون اجلميلة‪ ،‬وقد‬
‫كانت الفرقة متتلك قاعة مسرح ‪ ،‬ومن العروض اليت قدمتها هذه الفرقة‪" :‬يوم مشهود يف حياة العامل الكبري‬
‫يو" و "زجنيان صغريان" و "وصية الكلب" و "أنا ناخب" و "كاليجوال"‬
‫فرقة املسرح املعاصر‪:‬‬ ‫‪. 3‬‬
‫تكونت عام ‪1960‬م وحتولت عام ‪ 1970‬إىل اسم "مدرسة بريوت للمسرح املعاصر"‪ ،‬وقد كان منري أبو ديس هو‬
‫مؤسسها وخمرج أعماهلا ومن أعماهلا‪" :‬أوديب ملكاً‪ ،‬لسوفوكليس" و" الذباب لسارتر" و "االستثناء والقاعدة‬
‫ــ بريتش" وغريها‪.‬‬
‫فرقة املسرح الوطين‪:‬‬ ‫‪. 4‬‬
‫الذي حتول امسه إىل مسرح شوشو وقد أسسه ومثل فيه حسن عالء الدين حتت امسه الفين ‪ :‬شوشو‪ ،‬وقد قدم‬
‫عدداً من املسرحيات تتفاوت قيمتها الفنية‪.‬‬
‫الفرقة الشعبية اللبنانية‪:‬‬ ‫‪. 5‬‬

‫‪254‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫وهي اليت أصبح امسها اآلن "فرقة الرحبانية" واليت اعتمدت على جنم فوق العادة هو الفنانة املطربة فريوز‪ ،‬وقد‬
‫قدمت الفرقة عدد كبري من املسرحيات منها‪" :‬صح النوم" و "جسر القمر" و "ناس من ورق" وغريها كثري‪.‬‬
‫وممن عمل يف املسرح اللبناني‪ :‬عبدامللك عيسوي‪ :‬وهو جزائري عاش يف بريوت‪ ،‬ترييز عوض‪ :‬مؤلف مسرحية‬
‫البكرة‪ ،‬يعقوب شدراوي‪ :‬أخرج مسرحية املهرج‪ ،‬رميون جبارة‪ :‬ممثل ممتاز‪ ،‬رضا كربيت‪ :‬ممثل من صفوف‬
‫حمرتيف الفن الدرامي‪ ،‬شكيب خوري‪ :‬ممثل ومؤلف لعديد من املسرحيات‪ ،‬جالل خوري‪ :‬مؤلف ومنتج‪ ،‬ومن‬
‫الوجوه اجلديدة يف املسرح اللبناني فنانون من خرجيي معهد الفنون اجلميلة منهم‪ :‬جنم كازي و أنطون خطار‬
‫وغريهم‪ ،‬وقد لوحظ على املسرح اللبناني أن نشاطه منذ الستينات كان موجه يف األساس إىل طبقة املثقفني‪،‬‬
‫وقد كان ميول فنانو املسرح اللبناني احلديث إىل التجارب الفنية والعقلية والفلسفية‪ ،‬كما كون املسرح‬
‫اللبناني لنفسه مجهوراً يطلب السخرية السياسية الس وداء على حساب القضايا اجلربية املصريية‪ .‬ومثة ناحية‬
‫إجيابية يف املسرح اللبناني ميثلها املسرح الغنائي الذي قدمه األخوان رحباني يف أوبريت وراء أوبريت‪ ،‬حيث‬
‫يتغنى مسرح الرحباني بفضائل القرية‪ ،‬وبساطة أهلها‪ ،‬والتفافهم على مصلحتهم العامة‪.‬‬
‫املسرح الفلسطيين‪:‬‬
‫يذكر عد نان أبو عشمة يف حبث له عن املسرح الفلسطيين أنه رغم عدم تشجيع سلطات االنتداب للمسرح‬
‫الفلسطيين احمللي فإن هذا مل مينع قيام كتاب مسرحيني فلسطينيني قدموا عدداً ال بأس به من املسرحيات‪،‬‬
‫ومل يكد املسرح يبدأ حتى واجه الصدمة اليت ذهبت به بددا وهي استالب فلسطني‪ ،‬وعلى هذا تشتت مشل‬
‫فناني املسرح الفلسطيين وهاجر معظمهم إىل األردن وبدأوا نشاطاً مسرحياً هناك‪ ،‬أما من آثروا البقاء فقد‬
‫سكتوا مده ثم عاودوا النشاط مؤيدين ببعض العناصر اليهودية اليت تهوى املسرح العربي‪ ،‬وقبل نكبة ‪1948‬م‬
‫كان عدد الفرق املسرحية يف القدس وحدها ينوف على ثالثني فرقة مسرحية‪ ،‬ولكنها كانت فرق ضعيفة‪،‬‬
‫وقد عرف املسرح الفلسطيين أيام االنتداب املسرحيات السياسية‪ ،‬ومع قيام الثورة الفلسطينية قامت "مجعية‬
‫املسرح العربي الفلسطيين" عام ‪1966‬م وكان مقرها دمشق‪ ،‬وكان هدفها التوعية بالقضية الفلسطينية‬
‫وعرض جتارب الثورة‪ ،‬فتكو نت على إثر ذلك فرقة للتمثيل املسرحي‪ ،‬كما أسهمت مجعية املسرح العربي‬
‫الفلسطيين يف تكوين نواة لفرقة فنون شعبية من أجل إحياء الرتاث الشعيب‪ ،‬وقد قدمت اجلمعية على مسارح‬
‫كثرية يف العواصم العربية املسرحيات التالية‪" :‬شعب لن ميوت" و "الطريق" و "حفلة من أجل ‪ 5‬حزيران"‪ ،‬كما‬
‫كتب الشاعر الفلسطيين املناضل‪ :‬مسيح القاسم مسرحية نضالية امسها‪" :‬قرقاش"‪ ،‬وكتب الشاعر‬
‫الفلسطيين معني بسيسو مسرحية "ثورة الزنج" واليت اهلدف منها اختاذ هذه الثورة وسيلة إلظهار ثورة فلسطينية‪.‬‬
‫وكتب سهيل ادريس مسرحية عن فلسطني بعنوان "زهرة من دم"‪ ،‬وكتب هارون رشيد مسرحية شعرية بعنوان‪:‬‬
‫"السؤال"‪ ،‬ومتتاز بأنه تضرب بعيداً ف يتاريخ القضية الفلسطينية فتقف وقفة سياسية صحيحة من األحداث‬
‫اليت سبق جمازر "أيلول األسود"‪ ،‬ويف غري قضية فلسطني كتب املناضل الشهيد‪ :‬غسان كنفاني مسرحية‬
‫بعنوان‪" :‬الباب" عام ‪1964‬م‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫املسرح يف األردن‪:‬‬
‫يقول حممود العابدي إن سكان الشام ظلوا منذ العهد العثماني يتتبعون خطى مصر يف ميادين الثقافة والفنون‪،‬‬
‫وقد أقبل مجهور املسرح آنذاك على املسرحية املصرية ذات النزعة الوطنية واألخالقية‪ ،‬وقد انتهى االنتداب‬
‫الربيطاني على فلسطني واألردن وليس فيها فرقة مسرحية واحدة حمرتفة‪ ،‬ومن حرب التحرير اجلزائرية قدم‬
‫الشبان مسرحية للدعوة للتحرير من جهة وجلمع التربعات للجمهور العربي اجلزائري من جهة أخرى‪ ،‬وكانت‬
‫هذه الفرقة تتنقل بني العاصمة عمّان ومدن الضفتني‪ ،‬ويف عام ‪1960‬م أدخل يف برنامج املدارس حصة أسبوعية‬
‫للتعليم الفين وكان يطو ف على املدارس خبري للتوجيه واإلرشاد‪ ،‬واستطاع أن يؤلف أو فرقة من اهلواة‪ ،‬ثم‬
‫أخذت تتكون على املدى فئة عاملة نشيطة من حميب املسرح كانت جتتمع يف االمسيات‪ ،‬وبعد ثالثة أشهر من‬
‫التدريبات قدمت أول مسرحية مت إعدادها على أسس فنية‪ ،‬وهي مسرحية‪" :‬الفخ"‪ ،‬وقد كان من بني احلضور‬
‫وزير اإلعالم فتحمس لذلك وأقنع جملس الوزراء بإنشاء دائرة الثقافة والفنون بالوزارة‪ ،‬وعل إثر ذلك برزت‬
‫"أسرت املسرح األردني" وقدمت عديد من املسرحيات منها "األشباح" و "البيت السعيد" و "مركب بال صياد"‬
‫وغريها‪ ،‬وبعد نكبة ‪1967‬م كان للمسرح ان يسارع بتقديم أعمال تناسب الواقع اجلديد فقدمت مسرحيات‬
‫املقاومة على غريها‪ ،‬وقد اصطدمت الفرقة ببعض الصعوبات أوهلا عدم وجود مسرح خاص بالفرقة‪ ،‬كما‬
‫افتقرت الفرقة إىل فناني الديكور واألزياء واإلخراج واإلضاءة‪ ،‬واحتاجت الفرقة إىل جلنة من األدباء واملثقفني‬
‫تعينها على انتقاء املسرحيات واعدادها بطريقة توافق ذوق اجلمهور‪ ،‬وقد حفز جناح الفرقة بعض الكتاب‬
‫األردنيني على تقديم اعمال أصيلة‪ ،‬ويف عام ‪1969‬م أخذت حركة املقاومة العربية تقدم مسرحيات تقوم على‬
‫أساس من اعماهلا البطولية‪ ،‬وقد انقسمت احلركة املسرحية يف األردن إىل مرحلتني مرحلة ما قبل ‪1971‬م‪،‬‬
‫ومرحلة ما بعد ‪1971‬م‪ ،‬ففي مرحلة ما قبل ‪1971‬م توىل املسرح يف األردن هاني صنوبر وكانت مجيع األعمال‬
‫يف عهده من املسرح املرتجم‪ ،‬أما املرحلة الثانية فقد قامت على جمموعة من الشباب درسوا املسرح أكادميياً‪،‬‬
‫وقدموا أعمال مسرحية عربية جادة كان أوهلا مسرحية "الزير سامل" حيث جنحت جناحاً ملحوظاً‪.‬‬
‫املسرح يف السودان‪:‬‬
‫لقد بدأ تاريخ املسرح السوداني عام ‪ 1902‬م حني كتب عبدالقادر خمتار أول مسرحية سودانية هي "نكتوت"‬
‫ومعناها "املال"‪ ،‬إضافة إىل نشاطات مسرحية مدرسية يف السودان متت ما بني ‪1905‬م ــ ‪1915‬م‪ ،‬ويف ‪15‬‬
‫نوفمرب ‪1909‬م نشرت جريدة السودان خرباً عن مسرحية عرضت باسم "هفوات امللوك"‪ ،‬ويف الفرتة ما بني ‪1903‬‬
‫ــ ‪1915‬م بدأت حماوالت يف التأليف املسرحي على يد األستاذ إبراهيم العبادي‪ ،‬ويُشار أن فن املسرح نقله إىل‬
‫السودان مجاعة من األساتذة املصريني الذين عملوا يف أول هذا القرن بالتدريس يف كلية غوردون التذكارية‬
‫وكانت أول مسرحية هلم بعنوان‪" :‬التوبة الصادقة"‪ ،‬ويف عام ‪1918‬م قام نادي اخلرجيني‪ ،‬وتكونت مجاعة‬
‫صديق فريد للمسرح‪ ،‬وظلت هذه اجلماعة تقدم مسرحياتها مخسة عشر سنة‪ ،‬وقد اجتهت إىل عرض‬
‫املسرحيات التارخيية‪ ،‬وقد كانت الفرقة تنتقل من منطقة إىل منطقة ومن مدينة إىل أخرى فساعد هذا على‬
‫خلق مجهور للمسرح يف تلك اآلونة‪ ،‬وقد اصطدمت الفرقة ببعض الصعوبات منها ندرة العنصر النسائي‪ ،‬وبعد‬

‫‪256‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫أن انفضت الفرقة على إثر اعتزال صديق فريد‪ ،‬ظهر يف أفق املسرح السوداني جنم جديد هو‪ :‬عبيد عبدالنور‬
‫أحد خرجيي اجلامعة األمريكية ببريوت وقد بدأ نشاطه بني طلبة كلية غوردون‪ ،‬وكان يقدم مسرحياته حتت‬
‫شعار "ليالي األنس"‪ ،‬كما ظهر يف هذه الفرتة واحد من النقاد البارزين يف حقل املسرح وهو‪ :‬عرفات حممد‬
‫عبداهلل‪ ،‬ولعل أهم ما أجنزه عرفات يف حقل النقد املسرحي هو دعوته إىل قيام مسرح سوادني أصيل‪ ،‬ويف عام‬
‫‪ 1932‬م بدأ الغرس الذي غرسه الفانون السابق ذكرهم يؤتي مثاره‪ ،‬ففي ذلك العام كتب خالد أبو الروس أول‬
‫مسرحية سودانية خالصة هي‪" :‬تاجوج واحمللق"‪ ،‬وبعد جناحها ألف مسرحيته الثانية "خراب سوريا" وذلك يف‬
‫أواخر عام ‪1933‬م‪ ،‬وبعد هذه املسرحية انهالت عليه العروض من مجيع أحناء اسودان‪ ،‬وثم تبددت فرقة أبو‬
‫الروس بسبب الظروف احمليطة وبظهور الفيلم املصري‪ ،‬غري أن أبو الروس عاود نشاطه على خشبة املسرح عام‬
‫‪1968‬م‪ ،‬ومع خالد أبو الروس ظهرت جهود الشاعر إبراهيم العبادي الذي قدم مسرحية "امللك منر"‪ ،‬كما ظهر‬
‫كتاب آخرون مثل‪ :‬سيد عبدالعزيز يف مسرحية‪" :‬صور العصر" وأمني القوم يف مسرحية "فتاة البادية‪.‬‬
‫ويف عام ‪ 1946‬م تكونت أول فرقة للتمثيل‪ ،‬وظهرت املرأة السودانية على املسرح‪ ،‬وقد أنشأ الفرقة الفنان‬
‫ميسرة السراج‪ ،‬ويف نهاية العام ذاته أسست فرقة السهم الفضي وفرقة اهلواة للتمثيل‪ ،‬كذلك انتشر املسرح‬
‫املدرسي بانتشار التعليم يف البالد‪ ،‬على أن هذا كله يظل جمرد حركات مل تتعد السطح‪ ،‬ويف عام ‪1956‬م‬
‫نال السودان استقالله ويف عهد حكومة عبود االنقالبية مت بناء أول دار مسرحية كبرية بأم درمان مسيت‪:‬‬
‫املسرح القومي‪ ،‬وقد قدم الكثريون أعماهلم على هذا املسرح‪ ،‬كما متخضت الثورة الشعبية أيضاً عن نتاج‬
‫مسرحي جديد هم املسرح اجلامعي‪ ،‬ويف عام ‪ 1967‬م توىل الفكي عبداحلميد منصب مدير املسرح القومي‬
‫بعد أن عاد من إجنلرتا اليت درس فيها املسرح‪ ،‬فعمل متخطياً العقبات منتجاً تسعة مواسم مسرحية يف مجيع‬
‫أحناء السودان ببناء مسارح جديدة وتعيني ط واقم عليها‪ ،‬وقد تألف إىل جوار املسرح القومي فرق مسرحية‬
‫جديدة مثل فرقة الفاضل سعيد اليت جنحت جناحاً مجاهريياً كبرياً‪ ،‬ثم انشقت عنها فرقة جديدة باسم "أضواء‬
‫املسرح"‪ ،‬وقامت عام ‪1976‬م فرقة اخلليل‪ 76‬املسرحية‪ ،‬وقد ركزت على مسرح الطفل‪ ،‬ويف عام ‪1968‬م افتتح‬
‫معهد املوسيقى واملسرح‪ ،‬إىل جانب ذلك كله فإن هناك املسرح املدرسي ومسرح األقاليم‪.‬‬
‫ويف عام ‪ 1970‬أخذت فرتة تكوين احتاد للمثلني السودانيني تربز إىل الوجود‪ ،‬ويف عام ‪1976‬م أفتتح أول مسرح‬
‫سوداني يُبنى على أحدث الطرق والوسائل الفنية وهو مسرح الصداقة السودانية الصينية‪.‬‬
‫املسرح يف العراق‪:‬‬
‫يف عام ‪ 1926‬م زارت فرقة جورج أبيض العراق وقدمة حفالت متثيلية يف كلٍ من بغداد والبصرة‪ ،‬فكانت هذه‬
‫الزيارة مبن زلة النواة اليت تبلورت حوهلا حركة مسرحية نشطة‪ ،‬أما احملرك فقد كان الفنان العراقي‪ :‬حقي‬
‫الشبلي الذي اشرتك مع فرقة جورج أبيض ومثل دور ابن أوديب يف مسرحية "أوديب ملكاً"‪ ،‬ثم انطلق بعد ذلك‬
‫حقي الشبلي يف طريقه املسرحي الطويل‪ ،‬فكون فرقة مسرحية عراقية حمرتفة عام ‪1927‬م‪ ،‬ثم توالت زيارات‬
‫الفرق املسرحية بعد ذلك للعراق‪ ،‬كفرقة فاطمة رشدي‪ ،‬وفرقة أمني عطااهلل‪ ،‬ثم سافر الشبلي إىل الدراسة‬
‫يف فرنسا فلما عاد أسس قسماً للتمثيل يف معهد الفنون اجلميلة‪ ،‬وقد كان كل ما ينقص املسرح العراقي إذ‬

‫‪257‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫ذاك الكاتب املسرحي القومي‪ ،‬وقد كان خيال الظل منتشراً يف العراق إىل قبيل احلرب العاملية األوىل‪ ،‬ويرجع‬
‫تاريخ أول مسرحية يف العراق إىل عام ‪1893‬م حني كتب نعوم فتح اهلل السحار مسرحية "لطيف وخوشابا"‪ ،‬ثم‬
‫توالت بعد ذلك املسرحيات املرتمجة‪ ،‬وقد شاهد اجلمهور العراقي يف بغداد ثالثاً وعشرين مسرحية باللغة‬
‫اإلجنليزية قدمتها فرقة اجليش الربيطاني‪.‬‬
‫وقد استمرت حركة التمثيل يف العراق يف الثالثينات واألربعينات حيث ظهرت املسرحيات املؤلفة وال سيما‬
‫التا رخيية منها‪ ،‬وقد واجه املسرح العراقي كغريه من املسارح صعوبة احلصول على النص املسرحي اجليد‪،‬‬
‫وقد برز يف العراق الكاتب يوسف العاني حيث بدأ يتحسس طريقه يف أوائل اخلمسينات حني كتب عام‬
‫‪1951‬م مسرحية "رأس الشليلة"‪ ،‬ويف عام ‪1955‬م كتب "أنا أمك يا شاكر" ثم كتب مسرحية "املفتاح" بعدها‬
‫بإثين عشر عاماً‪ ،‬ومن املفتاح انتقل العاني إىل كتابة مسرحية أخرى عام ‪1970‬م هي‪" :‬اخلرابة"‪ ،‬ويف عام‬
‫‪ 1976‬م قدم العاني للمسرح العراقي املتفتح مسرحية "اخلان وأحوال ذلك الزمان"‪ ،‬وقد قام إىل جانب يوسف‬
‫العاني كُتاب مسرحيون واعدون مدوا احلركة املسرحية العراقية بنصوص متفاوتة القيمة‪ ،‬كنور الدين فارس‬
‫الذي قدم مسرحيات "البيت اجلديد" و "الغريب" و "العطش"‪ ،‬وما بني عامي ‪ 1968‬و ‪1969‬م وكتب عادل‬
‫كاظم مسرحية املوت والقضية‪ ،‬وانتزع من ألف ليلة وليلة شخصيتيها الدائمتني‪ :‬شهرزاد وشهريار‪ ،‬وعلى درب‬
‫استلهام الرتاث أعد قاسم حممد يف عام ‪1973‬م مسرحيته الطريفة "بغداد األزل بني اجلد واهلزل"‪ ،‬ومن‬
‫اإلجنازات للمسرح العراقي اجتاهه إىل االهتمام بأعمال الفنانني املسرحيني يف آسيا وأمريكا الالتينية‪ ،‬ويف‬
‫عام ‪ 1973‬م التقت الفرق الفالحية يف أول مهرجان مسرحي‪ ،‬ثم أنشئت بعد ذلك بثالث سنوات مؤسسة عامة‬
‫للثقافة الفالحية‪ ،‬وقد اجتهت احلركة املسرحية يف العراق إىل قطاع كبري من قطاعات اجلماهري وهو قطاع‬
‫العمال‪ ،‬حيث كون مخسة وثالثون عامالً عام ‪1971‬م فرقة مسرحية أمسوها "بيت املسرح العمالي‪ ،‬ويف‬
‫صفوف الطالب والشباب بدأ نشاط مسرحي الفت للنظر حيث أقيم عام ‪1974‬م املهرجان األول للمسرح‬
‫الطالبي‪ ،‬أما األطفال فقد اهتمت الفرقة القومية للتمثيل اهتماماً خاصاً بهم‪ ،‬حيث تقدم هلم كل موسم‬
‫مسرحيات موجهة هلم خصيصاً‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬املسرح يف اخلليج العربي‬
‫املسرح يف الكويت‪:‬‬
‫عرفت الكويت املسرح كنشاط تعليمي وتثقيفي عن طريق فرق املدارس‪ ،‬وجبهود فنان كوييت نذر نفسه منذ‬
‫البداية الستنبات املسرح يف تربة الكويت وهو‪ :‬محد الرجيب‪ ،‬وقد كان احلافز واملشجع للفنان الكوييت‬
‫الشعيب حممد النشمي الذي أصبح جنماً بعد ذلك حيث قدم يف األعوام مابني ‪ 1956‬ــ ‪1960‬م عشرين مسرحية‬
‫ارجتالية إال واحدة‪ ،‬ومن هذه املسرحيات بزغ فن املسرح املوجه إىل اجلمهور العريض يف الكويت‪ ،‬وقد أوفد‬
‫محد الرجيب إىل مصر لدراسة فن املسرح يف معهدها العالي وذلك عام ‪1948‬م ثم عاد عام ‪1950‬م مسلحاً‬
‫بنظرة علمية وعملية يف املسرح‪ ،‬وقد شجع محد الرجيب ترمجة املسرحية العاملية إىل العربية‪ ،‬ومل يطل األمر‬
‫حبمد الرجيب حتى مد جسور للكويت مع احلركة املسرحية يف مصر‪ ،‬حيث استقدمت الكويت زكي‬

‫‪258‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫طليمات لإلقامة فيه بعد زيارتني سابقتني لذلك‪ ،‬وذلك ليكون قائماً على النهوض باحلركة املسرحية فيها‪،‬‬
‫على إثر ذلك كون طليمات فرقة املسرح العربي على أسس علمية حيث قدمت أول مسرحية هلا عام ‪1963‬م‬
‫وكانت بعنوان "استأرثوني وأن حي" وقد كتبها سعد الفرج‪ ،‬ويف عام ‪1964‬م قدمت الفرقة أول مسرحية‬
‫كويتية خالصة تأليفاً ومتثيالً وإخراجاً‪ ،‬ويف ذلك العام أنشئت مؤسسة املسرح والفنون استجابة لرغبة أبداها‬
‫طليمات‪ ،‬ثم جاور فرقة طليمات فرق أخرى وهي ف رقة املسرح الشعيب‪ ،‬وفرقة اخلليج العربي‪ ،‬وفرقة املسرح‬
‫الكوييت ليصبح عدد الفرق عام ‪1964‬م أربع فرق‪ ،‬وقد صدر عام ‪1976‬م املرسوم األمريي بإنشاء املعهد العالي‬
‫للفنون املسرحية‪ ،‬وقد انتقل التأليف املسرحي نقلة واضحة على يد الكاتب واملخرج املسرحي صقر الرشود‪،‬‬
‫ومن كتاب املسرح الكوييت البارزين عبدالعزيز السريع الذي قدم للخشبة الكويتية مخس مسرحيات‪ ،‬بعد‬
‫ذلك ضم السريع جهوده إىل جهود زميله صقر الرشود وأخذا يكتبان معاً مسرحيات خيرجها الرشود وكان‬
‫أوهلا "‪ ...4 ،3 ،2 ،1‬مب"‪.‬‬
‫املسرح يف البحرين‪:‬‬
‫عرفت البحرين املسرح حينما أنشئت فيها أول مدرسة نظامية عام ‪1919‬م‪ ،‬وقد كانت املسرحية األوىل يف‬
‫تاريخ البحرين هي مسرحية "القاضي بأمر اهلل"‪ ،‬ويف عام ‪ 1928‬قدمت املدرسة ــ مدرسة اهلداية اخلليفية ــ‬
‫مسرحية "امرؤ القيس" ومسرحيات أخرى غريها‪ ،‬ثم ظهر بعد ذلك مدارسة أخرى يف هذا اجملال إىل جانب‬
‫مدرسة اهلداية‪ ،‬مثل مدرسة العريض‪ ،‬ومدرسة اإلصالح األهلية‪ ،‬ويف عام ‪1940‬م قدمت املدرسة اخلليفية‬
‫للبنات مسرحية "لقيط الصحراء"‪ ،‬كما قدم نادي العروبة يف عام ‪1941‬م مسرحية "احلجاج بن يوسف"‪ ،‬وقد‬
‫تركزت تلك املسرحيات املدرسية على بعض املوضوعات التارخيية املكتوبة خارج البحرين أو املسرحيات‬
‫الشعرية اليت يؤلفها شعراء البحرين‪ ،‬ومن مؤلفي فرتة ما قبل اخلمسينات األستاذ حسن اهلرمي‪.‬‬
‫وقد ظهرت يف أوائل األربعينات فرقة شباب األندية‪ ،‬حيث ازدهرت األندية الثقافية يف املنامة وكان أعضاؤها‬
‫من الشباب يهتمون باملسرحيات الكالسيكية اليت تتناول أحداثاً اجتماعية أو تارخيية‪ ،‬ومن شخصيات األندية‬
‫الفنية األستاذ أمحد حممد يتيم‪ ،‬ويف عام ‪1952‬م أسست أول مجعية نسائية يف البحرين وهي‪ :‬مجعية "فتاة‬
‫البحرين‪ ،‬وبعد عام من تأسيسها طلب من األستاذ أمحد حممد يتيم إخراج مسرحيتها األوىل‪ ،‬ويف عام ‪1955‬م‬
‫تشكلت فرقة من هواة التمثيل أطلقت على نفسها اسم‪" :‬الفرقة التمثيلية املتنقلة" وقد نشأ بعد ذلك خالف بني‬
‫الفرقة فانقسمت لقسمني قسم حتت اسم‪" :‬الفرقة التمثيلية املتنقلة" والقسم الثاني حتت اسم "فرقة البحرين‬
‫التمثيلية"‪ ،‬ثم تكونت بعد ذلك فرقة "مسرح االحتاد الشعيب‪ ،‬ثم ظهرت فرقة "مسرح أوال" تكونت بعد ذلك‬
‫فرقة حتت اسم "مسرح اجلزيرة‪ ،‬وقد أنشأت إمارة البحرين قسم املسرح والفنون وجعلته إحدى مسؤوليات‬
‫وزارة العمل والشؤون االجتماعية وقد رسم هذا القسم لنفسه خطة‪:‬‬
‫االستعانة خببري من خارج البحرين‬ ‫‪. 1‬‬
‫التنسيق مع الوزارة إرسال أكرب عدد من الشباب املهتم باملسرح إىل اخلارج‪.‬‬ ‫‪. 2‬‬
‫استضافة حماضرين من الدول العربية للتحدث عن املسرح‬ ‫‪. 3‬‬

‫‪259‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫توفري قاعة عرض مهيأة‬ ‫‪. 4‬‬


‫إنشاء صندوق للفنانني ملساعدة الشباب املوهوبني‬ ‫‪. 5‬‬
‫إقامة املسابقات الفنية وتشجيع اللقاءات املسرحية‬ ‫‪. 6‬‬
‫القسم الرابع‪ :‬املسرح يف املغرب العربي‪:‬‬
‫املسرح يف ليبيا‪:‬‬
‫يُعترب الشاعران أمح د قنابة وإبراهيم األسطي عمر‪ ،‬يف مقدمة الرعيل األول من رجاالت املسرح البارزين يف‬
‫ليبيا‪ ،‬وقد دعمت الزيارات اليت قامت بها الفرق املسرحية من مصر وتونس احلس املسرحي عند قنابة وغريه‬
‫من فناني املسرح‪ ،‬وقد كان من بني الفرق اليت زارت البالد فرقة جورج أبيض‪ ،‬وفرقة منرية املهدية‪ ،‬وفرقة‬
‫يوسف وهيب‪ ،‬وقد كانت هذه الزيارات هلذه الفرق احملفز لقنابة يف تأسيس الفرقة الوطنية الطرابلسية عام‬
‫‪ 1936‬م‪ ،‬حيث قدمت الفرقة مسرحيتها األوىل "وديعة احلاج فريوز" وكانت هذه الفرقة وغريها تعمل يف وجه‬
‫مقاومة شرسة من سلطات االستعمار اإليطالي‪ ،‬ويف درنة بدأت فرقة هواة التمثيل عام ‪1928‬م ‪ ،‬ويف عام ‪1965‬م‬
‫كتب عبداهلل القويري أحد أدباء ليبيا البارزين مسرحيته‪" :‬اجلانب الوضيء"‪ ،‬ويف عام ‪1972‬م كتب مسرحية‬
‫أخرى هي‪" :‬الصوت والصدى"‪ ،‬ومن كُتاب املسرح اللييب البارزين عبدالكريم خليفة الدناع‪ ،‬وجهوده تعدت‬
‫الكتابة إىل إنشاء الفرقة املسرحية التابعة للنادي األهلي املصراتي‪ ،‬ومن املسرحيات اليت كتبها "دوائر الرفض‬
‫والسقوط" و "سعدون" و "باطل األباطيل" و "احملنة" و "العاشق"‪ ،‬وللكاتب األزهر أبو بكر محيد مسرحيات‬
‫كثرية منها‪" :‬وحتطمت األصنام" و "السماسرة" و "إبليس كان هنا"‪ ،‬وقد كتب للمسرح اللييب أيضاً أمحد‬
‫إبراهيم الفقيه‪ ،‬كما كتب له ايضاً عبدالرمحن حقيق حيث نشرت له عام ‪ 1976‬مسرحية "الزجني األبيض"‪،‬‬
‫وبعد أربع سنوات من قيام ثورة الفاتح صدر قانون بإنشاء اهليئة العامة للمسرح واملوسيقا والفنون الشعبية‪.‬‬
‫املسرح يف تونس‪:‬‬
‫قدمت يف عام ‪1908‬م إىل تونس فرقة املمثل سليمان القرداحي‪ ،‬وقدمت العديد من املسرحيات اليت أثارت‬
‫اهتمام املثقفني التونسيني بفن التمثيل‪ ،‬ومالبث الشباب التونسي أن جتمع وكون "اجلوق املصري التونسي"‬
‫حيث مثل الفنانون املصريون والتونسيون جنباً إىل جنب‪ ،‬وتوالت بعد ذلك الفرق املسرحية املصرية فجاءت فرقة‬
‫الشباب املصري ‪1909‬م وعلى رأسها إبراهيم حجازي وقدمت خنبة من املسرحيات‪ ،‬حينئذ تقدم الشباب‬
‫التونسي‪ ،‬وتألفت مجاعة اآلداب ‪1911‬م‪ ،‬ثم حلقتها مجاعة الشهامة العربية ‪1912‬م‪ ،‬وقد قامت بني الفرقتني‬
‫منافسة كبرية‪ ،‬وزارت تونس فرقة الشيخ سالمة حجازي عام ‪1914‬م وقدمت فن الشيخ الغنائي‪ ،‬كما زار‬
‫جورج أبيض وفرقته تونس عام ‪ 1921‬م وقدم مسرحياته العاملية املعروفة‪ ،‬وقد تركت هذه الفرق أثراً فنياً‬
‫كبرياً يف تونس‪ ،‬ويف عام ‪ 1927‬م جاءت فرقة رمسيس وقدمت مسرحياتها املعروفة‪ ،‬وحل يف تونس عام ‪1932‬م‬
‫أربع فرق كان التنافس بينها على أشده وهي‪" :‬فرقة املستقبل التمثيلي ‪ ،‬فرقة السعادة ‪ ،‬فرقة الشيخ األكودي‬
‫‪ ،‬مجعية التمثيل العربي"‪ ،‬وقد امتازت السنوات األوىل للمسرح بتونس بظهور أول ممثلة تونسية هي‪ :‬زبيدة‬
‫اجلزائرية‪ ،‬وقد مثل الفنان خليفة السطنبولي جزء كبري من النشاط املسرحي يف األربعينات‪ ،‬حيث ألف‬

‫‪260‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫مسرحية "املعز لدين اهلل الصنهاجي"‪ ،‬ومسرحية "سقوط غرناطة" اليت مثلت عام ‪1940‬م‪ ،‬وقد تغري املسرحة‬
‫التونسي تغرياً درامياً بعد احلكم الوطين‪ ،‬حيث اهتم احلكم الوطين يف تونس بالتدريب املسرحي العلمي‬
‫على أرض تونس ذاتها‪ ،‬وقد ظهرت بعد ذلك يف تونس مسرحيات لواحد من أبرز وأعمق كتاب املسرح يف تونس‬
‫وهو عز الدين املدني‪ ،‬ومن الكتاب الشباب الذين كتبوا للمسرح التونسي مسري العبادي‪ ،‬وحممد رجا‬
‫فرحات‪ ،‬ومصطفى الفارسي‪.‬‬
‫املسرح يف اجلزائر‪:‬‬
‫زارت فرقة جورج ابيض اجلزائر عام ‪1921‬م ضمن جولة قامت بها يف الشمال األفريقي‪ ،‬وقدمت مسرحيتني إال‬
‫أنها مل تلقى النجاح الذي لقيته يف تونس لتوجه املثقفني إذ ذاك إىل فرنسا‪ ،‬وقد عدد مصطفى كاتب مسات‬
‫املسرح اجلزائري فيما يلي‪:‬‬
‫ظهر من خالل العرض الشعيب‪.‬‬ ‫‪. 1‬‬
‫ارتبط بالغناء‬ ‫‪. 2‬‬
‫أنه مسرح شعيب غري مثقف‬ ‫‪. 3‬‬
‫اضطالع املمثلني أنفسهم مبهمة كتابة وإعداد النص املسرحي‬ ‫‪. 4‬‬
‫ويف أوائل العشرين ات شرع املمثالن عاللو وداهمون يف إخراج هزليات يف شكل مسرحيات ضاحكة خشنة‬
‫االجتاه مكتوبة بالعامية‪ ،‬ويف الثالثينات عرف املسرح اجلزائري عصراً ذهبياً على يد رشيد قسطنطيين الذي‬
‫كان أول من أدخل فكرة األداء املرجتل إىل املسرح اجلزائري‪ ،‬وقد كتب كاتب ياسني مسرحية حققت‬
‫جناحاً مجاهريياً واسع ًا وهي مسرحية "حممد‪ :‬خذ حقيبتك"‪ ،‬وعلى خطى كاتب ياسني قامت جهود شابة غري‬
‫أنه اصطدمت بأزمت النصوص‪ ،‬فقرر هؤالء الشبان أن يعتمدوا مبدأ التأليف اجلماعي‪ .‬أما املسرح احلديث‬
‫فيمثله كتاب مسرحيون من أمثال كاكي ولد عبدالرمحن‪ ،‬والكاتب علولة‪.‬‬
‫املسرح يف املغرب‪:‬‬
‫بدأ املسرح يف املغرب يف عشرينات القرن العشرين‪ ،‬حيث ولدت شرارته الفرق املسرحية من مصر والفرق‬
‫األوروبية‪ ،‬وكانت أول معرفة للمغرب باملسرح عن طريق زيارة قامت بها فرقة تونسية على رأسها الفنان حممد‬
‫عز الدين عام ‪1923‬م‪ ،‬وقد حفز جناح هذه الفرقة فرقاً أخرى‪ ،‬وهكذا انطلقت شرارة املسرح يف املغرب‪،‬‬
‫فتلقف نورها وحرارتها الشباب اهلواة‪ ،‬فتكونت أول فرقة مسرحية مغربية مبدين فاس عام ‪1924‬م من طلبة‬
‫املدارس الثانوية‪ ،‬ثم تكونت عام ‪1927‬م مجعية "مدرسة العاصمة الرباطية" بالرباط‪ ،‬وامتدت احلركة‬
‫املسرحية إىل طنجة حيث زارته ا كل من فرقة املغنية نادرة وفرقة الرحياني وفرقة رمسيس وفرقة فاطمة‬
‫رشدي‪ ،‬ويف طنجة ظهرت فرقة مجعية "اهلالل"‪ ،‬وبعد عام ‪1940‬م شهد املسرح املغربي ركوداً كان سببه‬
‫ظروف احلرب العاملية الثانية ‪ ،‬وبعد احلرب أخذت الفرق املسرحية تظهر من جديد‪ ،‬ثم أخذ الشباب املغربي‬
‫يع رفون طريقهم إىل فن املسرح مؤلفني وخمرجني وممثلني وظهرت فرق أخرى مثل‪" :‬مجعية الطالب املغربي" ثم‬
‫مجعية "إخوان الفن"‪ ،‬ويف عام ‪ 1950‬م بدأ الفنانون الشباب من هواة املسرح يرحلون إىل فرنسا لتلقي علوم‬

‫‪261‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫املسرح على أيدي فنانني مرموقني‪ .‬وأنشأت مصلحة الشبيبة والرياضة مركزاً تدريبياً لتكوين اهلواة‬
‫ومتكينهم من الدراسة التطبيقية لفن املسرح‪ ،‬وبعد االستقالل قامت إدارة الشبيبة باستحداث فرع خاص‬
‫باملسرح أمسته "مركز الفن املسرحي الوطين‪ ،‬ويقف يف موقع القيادة من الفن املسرحي االحرتايف يف املغرب‬
‫فنانان مرموقان هما‪ :‬أمحد الطيب العلج‪ ،‬والطيب الصديقي‪ ،‬وكانت وزارة الشبيبة والرياضة قد أنشأت عام‬
‫‪1956‬م معهدين مسرحيني أوهلما يف الرباط وثانيهما يف الدار البيضاء‪ ،‬ثم تكونت فرقة املسرح املغربي وفرقة‬
‫املسرح العمالي‪ ،‬ويف عام ‪1959‬م كتب العلج مسرحية "األكباش يتمرنون"‪ ،‬أما الطيب الصديقي فقد توىل‬
‫كتاب ة ومتثيل وإخراج أعماله املهمة اليت عرف بها‪ ،‬ويربز من بني كتاب املسرح املغربي منذ السبعينات الكاتب‬
‫الشاب عبدالكريم برشيد‪ ،‬حيث كتب عدة مسرحيات أحرز بعضها اجلائزة األوىل ألحسن نص‪ ،‬كما كنب‬
‫للمسرح املغربي عبد السالم الشراييب و حممد شهرمان‪.‬‬

‫آفاق النظرية األدبية من احملاكاة إىل التفكيكية‬


‫صاحل زياد‬

‫النظرية واألدب‬
‫يف داللة النظرية ونظرية األدب‪:‬‬
‫النظرية باختالف صيغ التعريف االصطالحي هلا‪ ،‬ال تعدو أن تكون تركيباً عقلياً متسقاً وشامالً يفسر عدداً‬
‫من الظو اهر يف جمال من جماالت الواقع الطبيعي أو اإلنساني‪ ،‬ويربط بني املمارسة أو الواقع وبني املباديء أو‬
‫القوانني ربطاً كلياً‪.‬‬
‫وبالطبع فإن اختالف مادة الدراسة اليت تتجه إليها النظرية بني العلوم الطبيعية والرياضية من جهة والعلوم‬
‫اإلنسانية من جهة أخرى هو مادة مهمة لتغذية جدل النظرية‪ ،‬فتطور العلوم الطبيعية والتقنية مدين لتطور العلوم‬
‫اإلنسان ية‪ ،‬وإن أساس الفكر العقالني مغروس يف الفلسفة واألدب والتاريخ قبل أن تعرفه فيزياء نيوتن‪ .‬فال‬
‫جند نظرية أدبية دومنا مرجعيات خارج احلقل األدبي يف االقتصاد أو الفلسفة أو علم النفس او التاريخ أو املناهج‬
‫الطبيعية أو اللسانيات‪ ،‬والنظريات األدبية تتشارك يف كثري من العناصر‪ ،‬والنظرية هي مناقشة هذه‬
‫املشرتكات‪ ،‬فهي تعيد النظر مرة تلو أخرى يف املفاهيم واملبادئ والتصورات اليت حتكم القراءة‪ ،‬فالنظرية‬
‫تفكري حول التفكري النقدي األدبي‪.‬‬
‫قيمة النظرية‪:‬‬
‫تبدو النظرية لدى عامة الناس نوعاً من الرتف والتعجرف الفكري‪ ،‬فهي ليست معطاً سهالً‪ ،‬وتطويعها للفهم‬
‫يف حاجة إىل جهد‪ ،‬ومن هنا يبدو استعصاءها وتعجرفها والشعور أحياناً بانه المعنى هلا والضرورة‪ ،‬وهجرة‬
‫النظرية أو انتقاهلا من مكان إىل مكان ومن زمان إىل زمان ومن شخص إىل شخص جملي حلاالت التحول‬

‫‪262‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫والتحريف واحلذف واإلضافة واجلمود والتطوير اليت تطرأ عليها‪ ،‬وهلذا رأى إدوارد سعيد أن للنظرية املهاجرة‬
‫أربعة أطوار أو مراحل‪ ،‬أوهلا يف موضعها األصلي‪ ،‬والثاني مسافة االنتقال اليت تعرتض سبيلها‪ ،‬والثالث ظروف‬
‫التقبل أو ظروف املقاومة‪ ،‬والرابع التحوير الذي تتعرض له الفكرة‪.‬‬
‫فإذا نظرنا إىل نظرية أرسطو عن الشعر‪ ،‬فإن انتقاهلا إىل الرتاث العربي اإلسالمي كان فهمها وتصورها أكثر‬
‫من أن يكون املطابقة هلا دومنا اختالف‪ .‬فمتى بن يونس ترجم املأساة باملديح وامللهاة باهلجاء‪ ،‬وكان التخييل‬
‫أو التشبيه بالتبادل وبالتضمني ملعنى أحدهما يف اآلخر‪ ،‬فليس هناك نظرية تأخذ مدىً مطلقاً وتتنبأ بكل‬
‫احلاالت وتطوقها‪ ،‬وباملثل ليس هناك من وجود تارخيي للثقافة أو األدب أو اجملتمع يهيمن هيمنة مطلقة‪ ،‬فاألدب‬
‫من وجهة الدراسة التارخيية والنقدية هو موضوع للبحث عن التفرد الذي خيالف بني البحرتي واملتنيب‪ ،‬بينما‬
‫تبحث النظرية عن أطر وأنساق جتريدية جتمع هذا االختالف يف تفسري وتنفذ من وراء فردياته إىل الكل‬
‫اجلامع ألوصافها‪.‬‬
‫أما القيمة املعرفية للنظرية فهي قيمة حادثة من دخول الذات إىل إدراك جديد‪ ،‬وبذلك تصبح النظرية يف حقل‬
‫األدب أفقاً حاكماً لتنظيم الدراسة النقدية والتارخيية‪.‬‬
‫تطور النظرية‪:‬‬
‫ميكن معاينة انقسامات النظرية األدبية وحتوالتها وتطورها وتعارضاتها من جهة السببية اليت تعود إىل العالقة‬
‫بالواقع االجتماعي‪ ،‬وإىل الوجود يف التاريخ‪ ،‬ومن جهة ثانية ميكننا أن نعاين النظرية من وجهة كيفيتها‬
‫وعالقاتها يف ذاتها‪ ،‬فالنظرية تتبادل التشكل واالنبناء مع الوجود الواقعي يف حتوالتها االجتماعية التارخيية‪،‬‬
‫وهكذا ميكن التعرف يف النظرية األدبية على بنية الواقع االجتماعي الذي ينتجها وما حيكمه من قيم‪ ،‬وعلى‬
‫طبيعة التجاوب مع حلظتها التارخيية والرتسبات الفلسفية والعلمية فيها‪.‬‬
‫ومل تستحل النظرية األدبية ــ من املنظور االجتماعي ــ إىل وجهة أخرى إال حبدوث حتوالت يف العالقات‬
‫االجتماعية نتيجة لربوز الطبقة الوسطى بعد قيام الثورة الفرنسية ونهوض الرأمسالية‪ .‬فالفردية اليت جتلى عنها‬
‫الوضع االجتماعي احلادث مل تعد جتد يف احملاكاة تفسرياً مقنعاً وممتعاً لألدب‪ ،‬فكانت التعبريية معطى‬
‫نظرياً يتجاوب معها وبعكس حضوره ا االجتماعي وتأثريها‪ .‬وهلذا استدارت النظرية هنا على فردية األديب‬
‫واستمدت مقوماتها التفسريية من أخص ما يدل على الفردية وهما العاطفة واخليال‪ .‬وكانت الرومانسية‬
‫بشعريتها الطاغية وتدفقها العاطفي اجملال احليوي الذ يتشخصت فيه نظرية التعبري من حيث هي تفسري لألدب‬
‫يف مسافة العالقة بشخصية مؤلفه وفرديته‪.‬‬
‫وعلى عكس نظرية التعبري يف صلتها بالفلسفة جاءت نظرية االنعكاس تعبرياً عن الفلسفة الواقعية‪ ،‬وقد‬
‫أصبحت هذه النظرية تفسرياً لألدب ــ على أساس فلسفي ونظري يف املادية اجلدلية التارخيية لدى كارل‬
‫ماركس ــ من وجهة املدرسة الواق عية االشرتاكية‪ ،‬وهلذا فهي مبنى إيديولوجي وقيمي يؤسس املنظور األدبي‬
‫دوماً على بعد طبقي اجتماعي‪ ،‬فكانت نظرية اخللق اليت تقول باستقالل األدب عن أي نفعية وأنه غاية يف‬
‫ذاته وقيمته يف شكله‪ ،‬املقدمة اليت تنامت منها الشكلية الروسية والنقد اجلديد والبنيوية‪ ،‬وذلك امتداد‬

‫‪263‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫لنظرية التعبري من وجه‪ ،‬ورفض هلا من وجه آخر‪ ،‬فالنظرية من وجهة الواقعية تؤشر إىل اإلعالء من شأن الفردية‬
‫والذاتية يف األساس االجتماعي‪ ،‬وقد كان التخلي عن البنيوية وفتح بوابة ما بعدها مسبباً عن واقع تارخيي‬
‫ال مباشراً يف الرفض للبنيوية‪.‬‬
‫أخذ شك ً‬
‫أما التفسري البنيوي لتطور النظرية وانقسامها‪ ،‬فإنه ال يلتفت إىل تفسري االنتقال من مرحلة إىل أخرى‪ ،‬أو من‬
‫وجهة نظرية إىل غريها‪ ،‬وال يفسر كيفية االنتقال والعوامل اليت أدت إىل التغري والتحول النظري‪ .‬فاملوقف‬
‫البنيوي يفصل بني كل نظرية وأخرى مثلما يفصل بني النظرية وبني التاريخ والذات اإلنسانية‪ ،‬وينصرف إىل‬
‫اكتشاف الصور البنيوية لكل نظرية مميزاً لكل مرحلة دومنا حساب للتغريات اليت تطرأ نتيجة لتفاعل العقل‬
‫مع األحداث وحركته عرب الزمن‪ .‬فتغدو النظريات جمموعات من البناءات املغلقة إغالقاً حمكماً‪.‬‬
‫وجتد البنيوية أساس هذا الفصل يف مبدأ القطيعة اإلبستمولوجية الشهري لدى جاستون باشالر ‪Gaston‬‬
‫‪ Bachelard‬الذي فسر بها تطور العلوم وتقدمها‪ .‬ومعنى اإلبستمولوجيا هنا الدراسة النقدية للمبادئ أو‬
‫الفرضيات العلمية بهدف بيان أصلها املنطقي وقيمتها‪.‬‬
‫ويأخذ هذا التفسري البنيوي مدى أعمق يف تأكيد االنفصال والقطيعة بني النظريات لدى توماس كون يف‬
‫كتابه «بنية الثورات العلمية»‪ .‬فقد نفى أن تكون العلوم عملية حتصيل تراكمي للمعارف‪ ،‬وقرر أنها تنمو من‬
‫خالل ثورات عنيفة فكرية‪ .‬وإىل توماس كون يعود ابتكار مصطلح (البارادايم) أي (النموذج النظري) الذي‬
‫عرفه بأنه جمموع املعتقدات اليت يتشارك بها علماء ويضعونها موضع االتفاق بينهم على فهم املسائل الفكرية‪،‬‬
‫وبذلك يصبح البارادايم هو ما يوجه األحباث اليت جتريها اجلماعات العلمية‪.‬‬
‫احملاكاة‪:‬‬
‫تاريخ احملاكاة ومبدأها‪:‬‬
‫‪ . 1‬قدميها اجلديد‪:‬‬
‫لقد عرفها املهتمون باألدب بنسبتها إىل أفالطو ن وأرسطو يف القرن الرابع قبل امليالد‪ ،‬وقد نقول إن نظرية‬
‫احملاكاة تعرضت لالستبدال والدحض يف النظريات املختلفة‪ ،‬وقد نال مبناها تفكيك ونقض على يد جاك‬
‫دريدا‪ ،‬فإذا كانت نهضة النظرية األدبية احلديثة يف الغرب قد انبثقت من استحضار نظرية احملاكاة وتعمق‬
‫فهمها‪ ،‬فال أحد يتصور الن هضة العلمية واملنهجية يف احلضارة العربية اإلسالمية يف العصر العباسي دون أن‬
‫يتصور الصلة باليونان‪ ،‬وترمجة أرسطو على وجه اخلصوص‪.‬‬
‫‪ . 2‬املثالي والواقعي‪/‬املفيد واملمتع‪:‬‬
‫إن الفن عند أفالطون وأرسطو حماكاة للواقع أو الطبيعة‪ ،‬لكنها عند أفالطون اختذت احلقيقة من عامل‬
‫املثل وهي حقيقة األشياء‪ ،‬فهي تعرب عن مثل تنتمي إىل عامل خاص متعال عن الواقع‪ ،‬ومن ثم فهي مفروضة‬
‫على الواقع من خارجه‪ ،‬فأفالطون ــ كما يرى فؤاد زكريا ــ أراد من املثل أن تكون امنوذجاً من الثبات واألزلية‬
‫حيتذيه العقل يف فهمه للواقع املتغري‪ .‬فعامل املثل هو الفكرة اجملردة اليت تسبق الوجود والوجود هو احملاكاة‬
‫احلسية هلا ‪ ،‬وإذا ما جئنا إىل الفن فإنا جنده حماكاة للوجود احلسي الذي هو بدوره حماكاة لعامل املثل أي‬

‫‪264‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫للفكر اجملرد فهو حماكاة للمحاكاة‪ ،‬فالفن مرآة تعكس العامل املادي وليس الفكر‪ ،‬والسطحي وليس‬
‫اجلوهري‪ ،‬من هنا يصبح احتقار أفالطون للشعر مسبَّباً عن خلوه من املعرفة باحلقيقة‪ ،‬وهي القيمة اجلوهرية‬
‫لديه للكالم ولكل أنواع الفن‪ ،‬فالشعراء ــ فيما يرى ــ خياطبون العاطفة‪ ،‬وقد طرد الشعراء بناء على هذ من‬
‫اجلمهورية الفاضلة‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن ارسطو فليسوفاً كأستاذه ‪ ،‬فإن نظرية احملاكاة لديه أصبحت قيمة فنية إبداعية من جهة‪،‬‬
‫و قيمة وظيفية معرفية وأخالقية من جهة أخرى وذلك ألنه ختلى عن تسلط عامل املثل‪ ،‬فإمنا هي مفهوم فين‬
‫خاص مقصور على الفن‪ ،‬وهي عنده فعل فين ألنها تؤدي متعة‪ ،‬أما علة املتعة يف تفسري الفن من وجهة احملاكاة‬
‫فإن يعزوها إىل االلتذاذ باحملاكاة وااللتذاذ بالوزن واإليقاع وإليهما تعود نشأة الشعر‪ ،‬كما تعود جاذبيته‬
‫للمتلقي‪ ،‬لكن هذه املتعة تنطوي على الفائدة‪ ،‬وقد نتج عن ذلك وظيفة أخالقية نفسية لدى أرسطو وهي ما‬
‫أمساه بــ "التطهري"‪.‬‬
‫احملاكاة بني القواعد والتقليد‪:‬‬
‫‪ . 1‬احملاكاة من وجهة قراءتها‪:‬‬
‫لقراءة نظرية احملاكاة وتداوهلا‪ ،‬تاريخ هو فهمها الذي خيرجها من منط إىل آخر ومن نسق إىل سواه تبعا للموقع‬
‫النظري اجلديد الذي يعيد صوغها واستثمارها والتدليل بها وتعديلها لتكون قابلة لالستعمال مبا يطابق معنى‬
‫أعم ويالئم النشاطات األدبية والفنية املختلفة‪ .‬هكذا تصبح نظرية احملاكاة ويف نسختها عند أرسطو حتديدا‬
‫منطقة تقاطع تلتقي وتفرتق عندها وجهات نظرية عديدة‪.‬‬
‫‪ . 2‬احملاكاة عالقة خلف بسلف‪:‬‬
‫لقد انتقلت نظرية احملاكاة لدى الرومان ويف الكالسيكية اجلديدة من معنى التعريف لطبيعة األدب والفنون‬
‫األخرى إىل اإلشارة إىل عالقة عمل أدبي بعمل أدبي آخر حبسبانه منوذجا له‪ .‬وهذا يعين أن إحالة احملاكاة إىل‬
‫داللة العالقة بني القدامى واحملدثني تكتسب مربرة نظرية باكتشاف صلة بني القدامى والواقع والعقل‪ ،‬حبيث‬
‫يرتتب النتاج األدبي عليها‪ ،‬ويصبح تالية هلا وليس للعالقة املباشرة مع الواقع أو الطبيعة‪ .‬ويعود معنى احملاكاة‬
‫هذا ‪ -‬أول ما يعود إىل الشاعر الروماني هوراس ‪ 8 - 85( Horace‬ق‪.‬م) الذي أحال يف كتابه «فن الشعر»‬
‫نظرية أرسطو إىل أحكام يف النقد خارج منطقها التأليفي وجعلها مثال أعلى للنقد األدبي يف أوروبا‪ .‬فهو يدعو‬
‫الشعراء إىل حماكاة شعراء اليونان‪ ،‬وأن ينكبوا على آثارهم ليال ونهارا‪ ،‬لقد ازدهر أدب الرومان بفضل‬
‫حماكاته ألدب اليونان‪ .‬لذلك حتولت احملاكاة تقليد خلف لسلف‬
‫هذا املعنى الذي حييل النظرية األدبية من الكشف عن طبيعة األدب بالتوصيف للعالقة بينه وبني الواقع إىل‬
‫الكشف عنه بتوصيف العالقة بينه وبني مناذجه املنجزة‪ ،‬هو ما يفتح النظرية على التاريخ األدبي والتقاليد‪،‬‬
‫فيصبح األدب نصوص يقلد بعضها بعضا‪ .‬فليس اجلنس أو النوع نتيجة تفرد بل نتيجة تقليد و توارد و تكرار‪،‬‬
‫وهو نفسه مربر النظرية األدبية فلوال التشابه الذي جيمع مبعنى أو آخر ‪ -‬أنواع النتاج األدبي وأفراده أكثر من‬
‫االختالف الذي يباعد بينها ملا كان هناك معنى للنظرية األدبية‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫‪ . 3‬بني احملاكاة واألصالة‪:‬‬


‫احملاكاة‪ ،‬مبعنى التقليد والتشابه وما يف حكمهما‪ ،‬حتيل ‪ -‬بالضرورة ‪ -‬على قاعدة التشبيه اليت من شأنها‬
‫إحلاق الناقص يف الصفة بالزائد‪ ،‬والضعيف بالقوي‪ ...‬اخل‪ ،‬وبالفعل فقد كان تقليد األدب الروماني لليوناني‬
‫مطابقة لتلك القاعدة‪ ،‬فلم تكن براعة الرومان وحذقهم األدبي يف مستوى ما وصل إليه اإلبداع لدى اليونان‪،‬‬
‫وأنه ازدهر أدبهم بفضل احملاكاة لليونان‪ .‬وهذا يعين أن القيمة املقصودة هنا ليست احملاكاة بل األصالة‪،‬‬
‫وأحسب من الواضح أن داللة األصالة يف هذا السياق لن تعين اإلنشاء من العدم‪ ،‬فاألصالة ابتكار ملا تغدو به‬
‫األعمال جديدة وخمتلفة من حتويل وتأليف‪ .‬وقد انطوت نظرية احملاكاة يف هذه الوجهة على ما يغذو اإلضافة‬
‫واالختالف‪ ،‬وهلذا نشأ مبدأ يف نظرية احملاكاة باملعنى الذي حبملها على التقليد للمؤلفني‪ ،‬وهو ما جنده لدى‬
‫مجاعة الثريا األدبية بقيادة الشاعر رونار ‪ )1585 - 1524( Ronsard‬يف فرنسا يف عصر النهضة من اشرتاط‬
‫أال حياكي األديب الكُتَّاب من لغته‪ ،‬وأن حياكي ما يتفق وعصره‪ ،‬كما كتب األقدمون لعصرهم‪ ،‬فلكل‬
‫مرحلة ‪-‬كما ذهب رينيه ويليك وأوسنت وارين ‪ -‬أشكاهلا البالغية املميزة‪ ،‬املعربة عن نظرتها الشاملة‪،‬‬
‫ومواقفها الفكرية واعتقاداتها‪.‬‬
‫وال بد أن نلتفت هنا إىل أنه مل يصنع لنظرية احملاكاة لدى أرسطو قيمة أكثر من الذاتية اليت انطوت عليها‬
‫يف نفي أرسطو احملاكاة اآللية للطبيعة‪ ،‬ونصه على الدور اإلبداعي واملهارة الفنية للشاعر‪ .‬فاحملاكاة الفنية‬
‫لديه ال تطابق األصل متام املطابقة وأنى هلا أن تفعل ذلك! والشاعر ال يروي ما وقع بل ما جيوز وقوعه وما هو‬
‫ممكن‪ ،‬والناس يف احملاكاة يبدون خريا مما هم عليه أو شراً مما هم عليه ‪ ...‬ومعنى ذلك أن الشاعر ال‬
‫حياكي أصال هو الطبيعة ولو مت ذلك ‪ -‬جدال ‪ -‬فإن األصل يغين عن حماكاته‪ ،‬وإمنا حياكي فكرة يف‬
‫الواقع يتمثلها خياله ويتصورها‪.‬‬
‫‪ . 4‬القواعد والعبقرية‪:‬‬
‫مل تكف الكالسيكية اجلديدة عن حبس النظرية األدبية يف القيود والقواعد الشكلية واملوضوعية‪ ،‬على‬
‫حنو أفرغ النظرية من حمتواها املعريف والفلسفي‪ .‬فالنظرية األدبية تفسري ووصف يف حني تغدو القواعد واملعايري‬
‫تقنيناً‪ .‬فالقواعد اليت تشرط اإلبداع وتسبقه تعين أن هناك منوذجا مسبقا ينبغي اقتناؤه‪ ،‬وهذا النموذج هنا هو‬
‫النموذج املوصوف يف نظرية احملاكاة عند أرسطو من الشعر التمثيلي اليوناني‪ .‬وهلذا مل يكن مصادفة أن يغدو‬
‫نتاج الكالسيكية اجلديدة يف معظمه يف باب الشعر التمثيلي‪ ،‬وأن يكون أبرز أمثلتها أمساء راسني وكورني‬
‫وموليري‪.‬‬
‫لكن العبقرية املتفردة جتاوز دوما القواعد‪ ،‬فلم يكن شكسبري (‪ )1616-‬موضع اختالف على عبقريته‪ ،‬وقد‬
‫نالت مسرحياته مساحة غالبة من القبول‪ ،‬وعلى رغم ذلك فقد كان أشهر مثال على خرق القواعد‬
‫الكالسيكية و جماوزتها‪.‬‬

‫‪266‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫نظرية التعبري‪:‬‬
‫النشأة والداللة واملدى‬
‫‪ . 1‬املنبع الرومانسي‪:‬‬
‫نشأت نظرية التعبري يف النصف األول من القرن التاسع عشر يف أوربا مرافقة للمذهب الرومانسي وصانعة‬
‫لقاعدته املفاهيمية جتاه الفن على يد وليام وردزورث وصموئيل تيلور كولردج‪ ،‬لكنها مضت إىل ملء ثغراتها‬
‫النظرية واكتساب مزيد من التماسك النظري والشمول والربهنة على القيمة بعد ذلك لدى الفيلسوف وعامل‬
‫النفس األمريكي أوجني فريون الذي وصف مؤرخ الفلسفة اجلمالية جريوم ستولنيتز‪ ،‬كتابه علم اجلمال»‬
‫(‪ )1878‬بأنه أول عرض منهجي هلا‪.‬‬
‫وقد تألقت نظرية التعبري عربياً منذ العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين‪ ،‬على بروز مدارس التجديد‬
‫الشعري‪ ،‬مثل مدرسيت الديوان» و «املهجر» اللتني اقتفتا الوجهة الرومانسية يف التصدي لتقليدية الكالسيكية‬
‫و ضيق معايريها وعمومها‪.‬‬
‫وحني نلقي اآلن نظرة إىل أبرز مفهوم نظري حتكم يف املمارسة النقدية األدبية يف الثقافة العربية منذ ذلك‬
‫احلني‪ ،‬أي منذ العقود األوىل من القرن العشرين‪ ،‬وإىل نهايته‪ ،‬فإننا ال نكاد جند نظرية تضارع نفوذ نظرية‬
‫التعبري‪ .‬فاملفهوم الذي أسسته لألدب عرب عالقته باالنفعال‪ ،‬متداول لدى عامة من يتعاطى األدب وخاصتهم على‬
‫حد سواء‪ .‬والفردية والصدق والوحدة العضوية والتأكيد على قيمة اخليال إىل جانب االنفعال‪ ،‬واالعتقاد بامتياز‬
‫عبقرية األديب وإحساسه وقدراته التعبريية اليت تفرقه عن اإلنسان العادي‪ ،‬ومن ثم أهمية شخصيته وفرديته‬
‫اليت ترب فهم اإلنتاج األدبي ومنهجية حتليله على اإلملام بسريته وحياته‪ ،‬غدت مألوفة ومكرورة طوال القرن‬
‫العشرين وما تزال سارية وإن كانت على حنو أقل إىل اآلن‪.‬‬
‫‪ . 2‬أهمية مقولة التعبري‪:‬‬
‫إن أهمية احلديث عنها اآلن مائلة بقوة من وجهني‪ :‬أوهلما وجه عام يف الوعي حبداثة أي نظرية أو قدمها‪،‬‬
‫وحضورها أو غيابها‪ ،‬ويكمن يف ضرورتها لفهم غريها من النظريات التالية هلا أو السابقة عليها وفق مبدأ‬
‫التعارض الثنائي بني الدوال‪ ،‬أما الوجه الثاني فيبدو يف حضور نظرية التعبري ومعاصرتها بأشكال وصيغ‬
‫عديدة‪.‬‬
‫ويضاف إىل ذلك عودة بعض ما استلزمته نظرية التعبري كالتأكيد على شخصية املؤلف وسياقه التارخيي‬
‫والسريي يف بعض أطروحات ما بعد احلداثة وما بعد الكولونيالية‪ ،‬كما يف دراسات التابع واألقليات‪ ،‬وما‬
‫تلقاه الرومانسية إمجاال من تعظيم لدى معظم التفكيكيني األمريكيني السيما هارولد بلوم الذي ورث‬
‫تعظيمها‪ ،‬فقد استعار النقد اجلديد من الرومانسية اإلحلاح املميز له على ما مساه الوحدة العضوية‪ ،‬حيث أن‬
‫أبرز ما نادت به التعبريية هو الوحدة العضوية‪ ،‬ونظرية التعبري نظريات خمتلفة و متنوعة وإن تشاركت يف أصل‬
‫واحد هو قيام عالقة بني اإلنتاج األدبي ومؤلفه‪.‬‬
‫‪ . 3‬مرجعية القيمة املتجددة لنظرية التعبري‪:‬‬

‫‪267‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫يبدو أن ما لقيته نظرية التعبري من أهمية ونفاذ يف الزمن يعود إىل مكانة االنفعال فيها ومركزيته‪ ،‬فاالنفعال‬
‫فردي‪ ،‬وعلى هذه الفردية ميكن أن حتيل ما تضمنته نظرية التعبري من ثورة واحتجاج على الكالسيكية‬
‫اجلديدة اليت آلت بالنظرية األدبية والفنية إىل قيود يف األشكال واملوضوعات‪ ،‬هكذا كانت نظرية التعبري‬
‫من هذه الوجهة املعنى التلقائي لنشدان احلرية والشغف بها والتشوف إليها‪.‬‬
‫هلذا كانت العالقة بني نظرية التعبري وبني احلرية يف الواقع االجتماعي‪ ،‬مداراً الستمداد الشهادة على متثيلها‬
‫داللة العلة أو املعلول هلذا الواقع وذلك من الوجهتني املثالية والواقعية اللتني تتضادان يف حساب الرتتيب للواقع‬
‫على الفكر أو العكس‪ .‬فنظرية التعبري‪ ،‬لدى املؤرخني هلا من الوجهة الواقعية‪ ،‬هي انعكاس للتغريات اجلذرية‬
‫اليت هزت اجملتمع األوربي بعد حدث الثورة الفرنسية‪ ،‬وقد نشأت نظرية التعبري يف الفكر العربي‪ ،‬فهي لدى‬
‫جابر عصفور مثال‪ -‬املوازي ا لنظري للرومانسية العربية اليت كانت املوازي اإلبداعي للفكر الليربالي الذي‬
‫شاع ما بني احلربني العامليتني"‪ .‬وهي هنا وهناك‪ ،‬من الوجهة املثالية‪ ،‬السبب الذي ولد احلرية يف الواقع‪،‬‬
‫فأصبحت داللته وأثره والشاهد عليه‪ .‬ومن الوجهتني أصبحت نظرية التعبري الزم األدب اجلديد و موضوعاته‬
‫اجلديدة وما فيه من ثورة على القيود الكالسيكية واالرتهان إىل الزخرفة والصنعة والتقليد‪ ،‬مثلما ملزوم ذلك‬
‫بالدرجة نفسها‪ .‬إن مصطلح التعبري حيمل داللة ال تؤديها بدائله املستخدمة‪ ،‬ألن نظرية التعبري كما سنرى ال‬
‫تنظر إىل االنفعال إال متجسداً يف تعبري‪.‬‬
‫املبادئ واألصول‪:‬‬
‫‪ . 1‬ختلية وحتلية‪:‬‬
‫«التخلية قبل التحلية» أي نفي ما ليس صفة للشيء وختلية له مما مينع حترير مفهومها املراد قبل وصفه بهذا‬
‫املفهوم وتقريره له‪ .‬السائر «وبضدها تتميز األشياء» فلن نفهم حق الفهم أي وجهة نظرية مثلما لن نفهم أي داللة‬
‫‪ -‬ما مل نأخذها يف حساب التقابل مع غريه غريها أو االختالف عنه‪ .‬وأول ما تنفيه نظرية التعبري العالقة بني‬
‫الشعر الذي سيغدو لديها منوذجا لألدب وللفن إمجاال‪ ،‬وبني الواقع اخلارجي‪ ،‬فالشعر ينتمي إىل داخل الشاعر‬
‫أي إىل انفعاله‪ ،‬فالدافع األساسي للشعر هو يف داخل الشاعر يف االنفعاالت والرغبات اليت تنشد التعبري‪.‬‬
‫‪ . 2‬االمتياز التعبريي للشاعر‪:‬‬
‫إن امتياز الشاعر وعبقريته لدى نظرية التعبري هو مدار تأكيد متكرر لدى روادها‪ .‬وهو امتياز حييل على ما‬
‫يتمتع به من حساسية غري عادية‪ ،‬ومن فاعلية ذهنية‪ .‬فهو يتعاطف بدرجة أكثر من املعتاد مع موضوعات الطبيعة‬
‫وأحداث احلياة اإلنسانية‪ ،‬ولديه قدرة غري عادية على النشاط الذهين التلقائي عامة وباألخص على نشاط‬
‫امللكتني العقليتني‪" :‬اخليال" و "الوهم"‪ ،‬وهو امتياز بالقدرة على «احلدس» فيصبح الفن لديه حدساً واحلدس‬
‫ينبثق من أعماق الوجدان‪ ،‬فنظرية التعبري تقوم على قاعدتني‪ ،‬أو تطري جبناحني هما‪ :‬االنفعال واخليال‪.‬‬
‫‪ . 3‬بني وصف االنفعال والتعبري عنه‪:‬‬
‫يرتتب على هذه العضوية اليت يصنعها االنفعال يف العمل الفين بواسطة اخليال‪ ،‬إزاحة التصور اآللي لإلبداع من‬
‫حيث هو داللة سطحية وداللة صنعة تفصل بني األديب وإنتاجه‪ ،‬وبني الذات واملوضوع‪ ،‬وبني اللفظ واملعنى‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫وبذلك يتجلى فارق بني إثارة االنفعال أو وصفه وبني التعبري عنه‪ .‬إن إثارة االنفعال أو وصفه ‪-‬إذن‪ -‬ليست من‬
‫الفن يف شيء ألنها يف األول حتيل الفن إىل وسيلة‪ ،‬ويف الثاني تعمم االنفعال وال ختصصه وجتده وال جتسمه‪.‬‬
‫فالفنان خيرج مشاعره إىل حيز املوضوعية عرب وسيط موضوعي‪ ،‬وفكرة الوسيط املوضوعي هذه ستؤدي إىل‬
‫نقلة للفكرة األولية للنظرية اليت بها وردزورث‪ ،‬أعين التدفق التلقائي لالنفعال‪ ،‬ولفكرة االحتاد بني الذات‬
‫واملوضوع عرب ما يسبغه اخليال من وحدة على العناصر‪ ،‬لدي كولردج‪.‬‬
‫‪ . 4‬اجلدة واإلبداعية‪:‬‬
‫اجلدة اإلبداعية هي القيمة اليت تنتج يف نظرية التعبري عن العالقة بني اإلبداع ومؤلفه من زاوية اليقني بفردية‬
‫املبدع وحريته‪.‬‬
‫ويضاعف قيمة اجلدة مدلول االنفعال واخليال الراسخني يف داللة الفردي فالوحدة العضوية داللة على احتاد‬
‫العناصر املكونة للعمل الفين احتاداً عضوياً حبيث تتغلغل الفكرة أو العاطفة يف كل جزء منه‪ .‬ولذلك ال تغدو‬
‫العالقة بني املوضوع اجلمالي وبني داللته الشعورية عالقة عالمة وإمنا عالقة جتسد فالقصيدة أو اللوحة تُجسد‬
‫بوصفها موضوعاً مجالياً‪ ،‬االنفعال حبيث ال ميكن أن حيصل املرء على التأثري نفسه الذي حتدثه األخبار عن‬
‫موضوعهما‪ ،‬وال ما حيدثه أي عمل فين آخر‪ ،‬أو جتربة شخصية‪.‬‬
‫ولذلك فإن جتربة الشاعر وإن كانت فردية مبعنى ما‪ ،‬وذاتية مبعنى آخر‪ ،‬فإنها ليست شخصية أي ال تتعلق‬
‫بذاته الضيقة وأموره الشخصية البحتة‪ ،‬بل تنبع من أعماق ذاته‪ ،‬فيكون هلا مدلول إنساني عام‪.‬‬
‫‪ . 5‬من التعبري عن االنفعال إىل العدوى به‪:‬‬
‫على الرغم من أن مقولة االنفعال والتعبري عنه ظلت لب داللة الفن يف اجلهد النظري عند تولستوي‪ ،‬فإن الفن‬
‫لديه ال يتعرف بالصلة باالنفعال والتعبري بل بالعدوى‪ ،‬ذلك املصطلح الذي أصبح عالمة فارقة على نظريته‪،‬‬
‫ويعين به انتقال املشاعر واألحاسيس من املؤلف إىل غريه من الناس‪.‬‬
‫وقد استلزمت مقولة العدوى مثلما استلزم القول بالتعبري القول مبصطلح الصدق الفين‪ ،‬وهو مصطلح أحل عليه‬
‫فريون مثلما أحل عليه تولستوي‪ ،‬فاإلخالص ‪-‬عند فريون‪ -‬حيل حمل احلقيقة يف الفن» وما على الفنان الصادق‬
‫الشعور إال أن يستسلم النفعاله‪ ،‬وسوف يصبح هذا االنفعال معدية‪ ،‬وينهال عليه الثناء الذي يستحقه»‪ .‬وصدقية‬
‫الفنان هي الشرط األساسي إلحداث العدوی ولوسم إنتاجه بسمة الفن احلقيقي‪ ،‬وهناك أربعة أساليب جتتمع‬
‫يف املناقضة للصدق واملضادة له‪ ،‬وأوهلا‪ :‬االقتباس من النتاجات القدمية بإعادة صياغتها‪ ،‬والثاني‪ :‬التقليد‬
‫ويقصد به نقل تفاصيل الشيء الذي يتم تصويره أو التعبري عنه‪ ،‬والثالث‪ :‬إثارة الدهشة وهي التأثري على‬
‫األحاسيس اخلارجية بتصوير األشياء املريعة‪ ،‬والرابع‪ :‬التشويق‪ ،‬ويعين تأليف األعمال حبيث جيب ختمينها‬
‫كما ختمن األحاجي‪.‬‬

‫‪269‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫تقويم نظرية التعبري‪:‬‬


‫‪ . 1‬قيمة االلتفات إىل الذاتي والفردي ونتائجها‪:‬‬
‫ميكن القول أوالً‪ ،‬إن قيمة نظرية التعبري تكمن يف التفاتها إىل الذاتي والفردي‪ ،‬فهو الذي أفضى إىل تأكيد‬
‫احلضور اإلنساني يف الفعل اإلبداعي‪ ،‬وقد استطاعت نظرية التعبري بهذه االلتفاتة إىل الذاتي والفردي أن حتدث‬
‫آثارا عميقة يف اجتاه اإلخصاب لألدب وتكثريه بانفتاح باب التجديد له وبانكشاف الثراء الذي ينطوي عليه‬
‫عامل اإلنساني الداخلي‪ .‬وال نغفل إسهام هذه النظرية عرب تأكيدها على الفردية من تعزيز ملعاني الكرامة‬
‫اإلنسانية والتنوع البشري ووالدة اإلنسان بوصفه معنى‪ .‬وهذه السمة إمجاال ‪ -‬قوية الصلة بالداللة العميقة يف‬
‫نظرية التعبري على االنفعالي والروحي الذي تغدو فيه الفردية إفضاء إىل اإلنساني وطريقاً إليه‪.‬‬
‫‪ . 2‬كينونة علوية لألديب‪:‬‬
‫لئن كان اجملتمع وجوداً جتريدياً فإن الفرد وجود ملموس ومتكأ لإلجناز اإلنساني‪ ،‬فنحن ال نعرف أعماال‬
‫أدبية ميكن أن حنيل تأليفها على جمتمع بعينه وإمنا على أفراد بأعيانهم‪ .‬لكن الفرد ال يوجد من دون عالقات‬
‫اجتماعية‪ ،‬فنظرية التعبري بفردنتها اإلبداع‪ ،‬عرب اتكائها على االنفعال واخليال‪ ،‬اللذين حييالن القيمة‬
‫اجلمالية يف األدب على شخصية مؤلفه‪ ،‬ويصبح أهم ما يف العمل هو الشخصية املميزة‪ ،‬كانت تصنع من‬
‫األديب كائناً علوياً قائماً يف اهلواء‪ ،‬وهلذا كان االهتمام حبياة األديب وشخصيته أحد أبرز التجليات املنهجية‬
‫النقدية للنظرية‪.‬‬
‫‪ . 3‬شخصنة اإلبداع األدبي‪:‬‬
‫احلقيقة أنه ال وجه لالستدالل بشخصية األديب على ما يف نتاجه‪ ،‬وال مبا يف انتاجه على شخصيته‪ .‬إنه ليس‬
‫تعبريا عن الشخصية وإمنا هو هروب من الشخصية»‪ .‬ومن املؤكد أنه ال فن فردي فليس متصورة لشخص منفرد‬
‫منذ نشأ أن يكتب قصيدة شعرية‪ ،‬واملعنى الكامن يف ذلك أن األديب ال يكتب لذاته عن ذاته وإمنا يكتب‬
‫متجهة إىل متلق يقرأ عمله أو يشاهده أو يستمع إليه‪ .‬وإذا كان هذا التوجه احلتمي إىل قارئ أو التضمن له‬
‫حبسب مصطلح ‪ ، Wolfgang Iser‬يدخل يف حساب االحنراف عن شخصية األديب وعدم املطابقة هلا‪ ،‬فإن‬
‫شخصية األديب من حيث داللتها على إنتاجه أو داللة إنتاجه عليها‪ ،‬تؤول إىل شخصيات خمتلفة ومتضادة أحيانا‬
‫باختالف قرائه وتعددهم بأكثر من معنى وعلة‪ ،‬وبالقدر نفسه متاما فإن شخصية األديب تتعدد وتنوع يف‬
‫جمموع إنتاجه إن مل يكن يف جزء منه‪.‬‬
‫‪ . 4‬هامشية الفن على التعبري‪:‬‬
‫على الرغم من أن مدار النظرية هنا هو تقديم تفسري للفن واألدب وليس لالنفعال‪ ،‬فإن الفن لديها يستحيل إىل‬
‫مرتبة الوسيلة إىل غاية‪ ،‬ويؤول إىل هامش املنت الذي حيتله االنفعال وإىل رتبة تالية له‪.‬‬
‫على أن ما نتج عن الذاتية اليت لزمت عن مقولة االنفعال‪ ،‬يف نظرية التعبري‪ ،‬من جهة الوسم للنظرية بالعاطفة‬
‫املفرطة‪ ،‬كان مطعناً على النظرية‪ ،‬خصوصاً حني متثل املغزى التعبريي يف االنتاج الرومانسي بدرجة مغرقة‬
‫يف امليوعة الوجدانية والتهافت العاطفي إىل درجة تشبه املرض‪ .‬وكان من نتائج هذه الذاتية وراء ما أغرقت به‬

‫‪270‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫األدب من عاطفية أن هيمنت الشعرية الغنائية على األدب وأصبحت ‪ -‬كما يقول أبرامز ‪ -‬منوذجه‪ ،‬وللسبب‬
‫نفسه كان أكثر نتاج الرومانسية شعراً‪ ،‬وكان ما أنتجته يف الدراما والسرد قليال وغري ذي أهمية‪.‬‬
‫وقد غدا النقد عند بندتو كروتشيه بناء على ذلك حبثا عن احملتوى العاطفي يف األعمال الفنية واألدبية‪ .‬فإدراك‬
‫موضوعات الفن واجلمال اإلبداعي لديه هو عيان روحي أي إدراك هلا بوصفها حاالت نفسية‪ ،‬وما يروقنا ويلذنا‬
‫يف أي عمل فين إمنا هو متثيله للمشاعر واحلاالت الوجدانية‪ .‬وسواء كان العمل مسرحية أم قصة أم لوحة‬
‫تشكيلية أم مقطوعة موسيقية أم قصيدة فإن مدار القيمة يف كل منها هو غنائيتها أي عاطفيتها الفردية‪.‬‬
‫‪ . 5‬استبدادية الشاعر‪:‬‬
‫ال بد أن نفهم الفردية فيما تطرحه نظرية التعبري مبا جيعل تلك الفردية استبداداً صارخاً‪ .‬فإذا نظرنا إىل ما‬
‫ختص الشاعر به من امتيازات‪ ،‬فإنها على حمور التعارض بينه الناقد تعليه يف مقابل إدناء منزلة الناقد‪ ،‬وإىل‬
‫هذا االستبداد ميكن أن حنيل التناقض الذي يتجلى يف نظرية التعبري بني إطالق حرية الفرد‪ ،‬هذا اإلطالق‬
‫الذي يدل على التفاؤل والنظر املستقبلي والتجديد‪ ،‬وبني امتالء الرومانسية باحلزن والتشاؤم واحلنني إىل‬
‫املاضي‪ .‬ويتصل بذلك متاما التناقض بني‪ .‬ما رأيناه من حفاوتها باملظلومني والبؤساء واستمداد اإلهلام من‬
‫الطبقات الريفية الدنيا غري املهذبة وبني النفور من اجملتمع والعزلة عنه وعدم قدرة الرومانسيني على االنغماس‬
‫يف هل يب الواقع احلي مع عامة الناس‪ .‬ومثله التناقض يف نظرية التعبري بني احلديث فيها عن وحدة العمل الفين‪،‬‬
‫على حنو ما تعمق ذلك كولردج ونيتشه‪ ،‬وبني حصر االهتمام يف االنفعال والعاطفة الفردية‪.‬‬
‫‪ . 6‬من نقد االنفعال إىل نقد العدوى به‪:‬‬
‫نظرية التعبري تصف مسار العبارة يف حركتها البسيطة واملتجانسة من الداخل إىل اخلارج وهناك ثالث جتليات‬
‫لنظرية التعبري‪:‬‬
‫تعبريية حماكية وهي تتعلق مبا يعيد انتاج الواقع‬ ‫‪) 1‬‬
‫تعبريية ذاتية وهذه عالقتها حصرية بالشخصية ورؤيتها إىل العامل‬ ‫‪) 2‬‬
‫تعبريية تداولية وهي متعلقة بتأويل ردود الفعل اليت حيتمل أن ينتجها املتلقي‬ ‫‪) 3‬‬
‫نظرية االنعكاس‪:‬‬
‫املرجعية وبناء املفهوم‪:‬‬
‫‪ . 1‬املرجعية املاركسية‪:‬‬
‫نظرية االنعكاس هي االسم األكثر بروزاً يف اطروحات االجتاه املاركسي‪ ،‬ولقد بلغت تكاملها لدى‬
‫الفيلسوف والناقد اجملري جورج لوكاش‪ ،‬وهي تدل على أن األدب انعكاس للواقع‪ ،‬واالنعكاس يف املادية‬
‫اجلدلية ليس تفسرياً للفن فقط بل هو تفسري له يف ضوء نظرية املعرفة فيها‪ ،‬اليت يرتتب الوعي فيها على الوجود‬
‫املادي‪ ،‬ومن هنا جاءت مقولة االنعكاس ‪ ،‬فالوعي أو العقل ما هو إال انعكاس للمادة‪ ،‬إال أن الفن وغريه من‬
‫اشكال الوعي متلك استقالالً نسبياً يُتيح هلا القدرة على العودة بالتأثري على الواقع‪.‬‬

‫‪271‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫‪ . 2‬بناء املفاهيم واملصطلحات‪:‬‬


‫لقد بنى لوكاش املقولة املاركسية عن االنعكاس بني البنيتني الفوقية والسفلية‪ ،‬وأخذ يستثمر العديد من‬
‫املصطلحات واملفاهيم لتعميقها‪ ،‬وأوهلا مفهوم الوحدة الشاملة‪ .‬فما يعكسه الفن ليس االنطباعات األولية‬
‫للحس‪ ،‬وليس مظاهر الواقع أو نثارة أشيائه وأشخاصه‪ ،‬وإمنا عمقه وعالقاته اليت تصور وحدته الشاملة‪،‬‬
‫فالعامل لديها ليس أشياء وظواهر متفرقة وإمنا كلٌ موحد وهو ليس وجوداً ساكناً وإمنا هو يف حتول وتطور‬
‫دائمني‪ ،‬بسبب اشتمال املادة على تناقض داخلي يتم حله بتحوهلا جدلياً إىل كيفية جديدة حتمل تناقضاً‬
‫جديداً‪ ،‬ويعد مفهوم النموذج لدى لوكاش من أبرز متكآته يف تطوير داللة االنعكاس‪ ،‬وقد عُرف النموذج يف‬
‫الدراسات النقدية واألدبية بداللته على الشخصيات اليت تغدو رمزاً مثل سيزيف والسندباد وغريهم‪ .‬وال يصري‬
‫النموذج منوذجاً إال ألن كل العناصر احملددة ا جلوهرية إنسانياً واجتماعياً يف مرحلة تارخيية معينة تتقارب‬
‫وتتالقى فيه‪.‬‬
‫‪ . 3‬االحنياز املذهيب‪:‬‬
‫يبقى االنعكاس أسري رؤية مذهبية موجهة فهو ليس تفسرياً حمايداً لألدب‪ ،‬فاملاركسية ال تتصور معرفة‬
‫حمايدة‪ ،‬فاحتياجات اإلنسان هي اليت حتدد احلقيقة‪ ،‬ولقد كان من دأب لوكاش االنتقاص من كل املذاهب‬
‫واملدارس األدبية يف سبيل اإلعالء للواقعية االشرتاكية واختصاصها باإلثراء للمعنى األدبي واإلنساني‪ ،‬وهذه‬
‫املذهبية يف نظرية االنعكاس لدى لوكاش ال تنفك عن مبدأ االلتزام الذي كان أحد معرفات لوكاش‬
‫األساسية لالنعكاس‪ ،‬وااللتزام هنا موقف إجيابي أ و سليب من الوقائع يف زمن الكاتب‪ ،‬لذلك ميكن تقييم‬
‫رؤية لوكاش إىل األدباء دوماً من منظور االلتزام باملعنى املذهيب‪ ،‬إن االنعكاس اهتمام باملضمون ال بالشكل‪،‬‬
‫فاألمر ال ينفصل عن تضمن نظرية االنعكاس التأكيد على املؤلف يف إرادته وقصده وحضوره الواعي‪.‬‬
‫من انعكاس الواقع إىل حتويله‪:‬‬
‫‪ . 1‬التمرد على األرثوذكسية احلزبية‪:‬‬
‫اشتعلت معركة أدبية بني لوكاش وبرخيت‪ ،‬يف الثالثينات من القرن املاضي استهدفت من قبل برخيت‬
‫حماصرة مفهوم لوكاش النظري لألدب والكشف عن ضيق داللته على الواقعية وتزييفه هلا‪ .‬لقد عارض برخيت‬
‫الواقعة االشرتاكية مستبدالً إياها مبسرحه امللحمي ووجهته الفنية الي وصفها باألرسطية وهما ما خيصص‬
‫الواقعية لديه ويفسح أرجاءها يف اجتاه ما جياوز بها شكالً حمدداً يقوم على اإليهام بالواقع والوحدة الشكلية‬
‫واألبطال اإلجيابيني لقد كان لوكاش ينظر إىل العمل األدبي بوصفه وحدة تعيد التآلف وتوفق بني الفرد‬
‫واجملتمع‪ ،‬واخلاص والعام‪ ،‬واملظهر واجلوهر‪ ،‬والعيين واجملرد‪ ،‬وبرخيت ينظر إىل األدب من زاوية كشفه عن‬
‫املتناقضات ال سرتها والوقوف عليها ال جتاهلها ورصدها وهي متناقضة ال متآلفة‪ ،‬فربخيت يبحث عن إبراز‬
‫الفروق بني املتلقي له عن طريق خماطبة العمل للعقل‪ ،‬فمن الضروري ــ فيما رأى ــ أال يكون العمل املسرحي‬
‫كامالً يف ذاته وإمنا يكتمل بالطريقة اليت ميارس بها حبيث تكون عملية االستهالك له وتلقيه جزءاً من‬
‫عملية اإلنتاج له‪ .‬أما احلقيقة فتبدو ــ بالنسبة لربخيت ــ يف نسبية هذه الواقعية من الناحية التارخيية ألنها مذهب‬

‫‪272‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫القصة الواقعية يف القرن التاسع عشر‪ .‬والنتيجة اليت استخلصا برخيت من ذلك هي أن لوكاش يتجاهل األساس‬
‫التارخيي للشكل‪.‬‬
‫‪ . 2‬املعارضة الشمولية واألداتية‪:‬‬
‫لقد اتضح الرفض للواقعية‪ ،‬وملزومها نظرية االنعكاس‪ ،‬لدى مدرسة فرنكفورت‪ ،‬وعلى رأسها‪ :‬ماكس‬
‫هوركهامير وثيودور أدورنو‪ ،‬وهربرت ماركوز الذين تبنوا فكراً نقدياً جتاه التنوير والفكر العقالني‬
‫والفلسفة االجتماعية‪ ،‬ألن ناتج ذلك عملياً هو العقل األداتي واجملتمع الشمولي واالبتعاد عن اجلانب اإلنساني‬
‫يف اإلنسان‪.‬‬
‫لقد بدت مقاومة الفن واألدب للشمولية لدى أدورنو يف نفيه اتصال األدب اتصاالً مباشراً بالواقع‪ ،‬فاالنفصال‬
‫بني الفن والواقع هو الذي يصنع وظيفة الفن وخصوصيته‪ ،‬وذهب أدورنو إىل التأكيد على الصورة اجلمالية‬
‫للفن‪ ،‬وقد أعجب أدورنو بالفن الطليعي احلداثي‪ ،‬ألنه حيقق االستقاللية الذاتية عن الواقع‪.‬‬
‫أما هوركهامير فإن مقاومة الفن لديه للشمولية تبدو يف رؤيته إليه من حيث هو وسيلة خاصة لتجاوز الواقع‪،‬‬
‫فهو يرفض أن يكون األدب جمرد انعكاس للواقع باملعنى الذي ذهب إليه لوكاش‪ ،‬كما قدم هربرت ماركوز‬
‫نقداً للنظرية اجلمالية املاركسية‪ ،‬يكشف عن حماصرتها للعمل األدبي بالنفعية‪ ،‬وهلذا أخذ من الرتكيز‬
‫على أهمية البعد اجلمالي يف حياة اإلنسان مداراً لنقده ملفهوم االنعكاس‪ ،‬ومل يكن االنعكاس لدى ولرت‬
‫بنيامني وصفاً مطابقاً للشكل األدبي‪ ،‬حيث وصف السينما والراديو والصحف والتصوير الفوتوغرايف‬
‫والتسجيالت الصوتية بأنها توسع ملكية قوى الفن‪ ،‬فلم يعد االهتمام مقصوراً على موضوع العمل األدبي‬
‫فحسب بل امتد ليشمل وسائل إنتاجه أيضاً‪ ،‬ومن هنا نستنتج أن العمل األدبي عند بنيامني ال يتحدد بانعكاس‬
‫عالقات البناء االجتماعي االقتصادي فيه فقط‪ ،‬بل بعالقات إنتاجه وتداوله أيضاً‪.‬‬
‫حتويل الواقع ال مشابهته‪:‬‬
‫يشري إرنست إىل األشكال الفنية ليست جمرد أشكال ناب عة من الوعي الفردي وإمنا هي تعبري عن نظرة إىل‬
‫العامل حيددها اجملتمع‪ ،‬فالظروف االجتماعية قلما جتد انعكاساً مباشراً هلا يف الفنون‪ ،‬واألشكال اجلديدة‬
‫واألفكار الفنية اجلديدة ال تتطابق مع املضمون االجتماعي اجلديد تطابقاً كامالً‪ .‬وهو يرى أنه الميكن أن‬
‫يكون هدف الفن وغايته أن يعيد متثيل الطبيعة‪.‬‬
‫ويتصور فيشر عالقة أخرى بني األدب والواقع وهي عالقة التحويل اليت يؤول إليها الواقع يف األدب "فالبد‬
‫للفنان حتى يكون فناناً أن ميلك التجربة ويتحكم فيها وحيوهلا إىل ذكرى ثم حيول الذكريات إىل تعبري‪ ،‬أو‬
‫حيول املادة إىل شكل ‪ ...‬ينبغي أن يفهم القواعد واألشكال واخلدع واألساليب اليت ميكن بها ترويض الطبيعة‬
‫املتمردة وإخضاعها لسلطان الفن" إن فيشر مييز بني ما يصفه بــ"االستسالم الديونيسي" والعنصر "األبولوني"‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫مساءالت نقدية‬
‫‪ . 1‬دعوى املوضوعية والطوباوية‪:‬‬
‫كان أبرز النقود املوجهة إىل النظرية األدبية يف الكاركسية‪ ،‬ما اجته إىل مالحظة االحنياز املختبئ خلف‬
‫دعوى املوضوعية يف االنعكاس‪ ،‬ولذك فإن رؤية التاريخ واجملتمع على ما هما عليه ــ فيما نقرأ لدى لوكاش ــ‬
‫ليس يف دائرة املمكن أال من منظور الواقعية االشرتاكية‪ .‬وقد بدت مقولتا االنعكاس وااللتزام نوع من التوحيد‬
‫والدمج بني ما يف االنعكاس من نظرة آلية ترى يف الفن رد فعل سليب منعكساً عن األساس االقتصادي‪ ،‬وما‬
‫يف الرومانسية من رؤية إىل الفن بوصفه إسقاطاً لعلم مثالي ودفعاً بالبشر إىل قيم جديدة‪ .‬وهلذا فإن األدب يُقرأ‬
‫دائماً بقصد االكتشاف حقائق عامة عن العامل املادي الذي يستقل عنه‪ ،‬وهكذا تبدو املناقشة لدور العقل من‬
‫تريي إجيلتون يرى أن اإلميان‬ ‫حيث هو تدخل خالق يف العامل وليس جمرد انعكاس له‪ ،‬إال أن‬
‫بدور العقل والوعي هكذا ال يرتك أي جمال لالنعكاس‪ .‬فاالستبصار املنبثق عن االلتفات إىل دور الوعي‬
‫اخلالق‪ ،‬أخذ اجتاهاً بالرتكيز على مفاعيله يف تغيري صورة الواقع وحتويله وإعادة صياغته وليس االنعكاس‬
‫له أو التشابه معه واحملاكاة له‪ .‬ومعنى ذلك أن القول باالنعكاس مثل القول بالواقعية ال يفسر األدب بقدر ما‬
‫يصف وجهة مذهبية ووظيفية فيه‪ .‬فاألدب كيان ينشأ يف أتون صراع وحوار ومصاحل وخماوف‪ ،‬فاالنعكاس‬
‫ومعه الواقعية االشرتاكية حيتشدان يف اجتاه تصور طوباوي وعرب فلسفة حمددة هي املادية اجلدلية والتارخيية‪.‬‬
‫‪ . 2‬دعوى الواقع والواقعية‪:‬‬
‫تثري الواقعية إشكاالً يف التعريف بسبب نسبتها إىل الواقع‪ ،‬إال أن للواقعية أدبياً مفهوماً خاصاً ورؤية للواقع‬
‫واألدب يف القرن التاسع عشر امليالدي‪ ،‬فهي يف هذا املوقع التارخيي يف موقع الضد للرومانسية ترفض اخليالية‬
‫اجملنحة والذاتية واإلغراب وترفض األساطري وعامل األحالم واملصادفات واخلوارق وال تقف عند املثالي واجلميل‬
‫واخلري بل هي أقرب إىل رؤية الواقع وأكثر اتساعاً‪ ،‬فالرواية الواقعية تقوم على غياب املؤلف عن روايته أي‬
‫انعدام مشاعره الشخصية وتدخله فيما يروي‪ ،‬وقد غدت إحدى أبرز صفات الواقعية ماثلة من الوجهة التارخيية‬
‫فهي من حيث موضوعيتها تتطلب املقارنات التارخيية وتقديم صور التغيري يف اجملتمع‪ ،‬واملوضوعية ال ت حتقق‬
‫يف األدب باملعنى االصطالحي هلا‪ ،‬ويرتتب على ذلك أن اخلصائص اليت اجتمعت عليها الواقعية النقدية يف ضوء‬
‫مناخ تارخيي معني ليست مجاع طرق األدب وأشكاله كلها‪ ،‬إنها مثل الواقعية االشرتاكية رهينة مذهبية‬
‫حمددة‪.‬‬
‫أطوار ماركسية أخرى‪:‬‬
‫لقد مضت اطروحات النظرية الواقعية واملاركسية إىل أطوار جديدة ميكن أن نرصدها يف اجتاهني بارزين‪:‬‬
‫البنيوية التوليدية اليت نهض بها لوسيان جولدمان وهو تلميذ لوكاش‪ ،‬وهي وجهة جتمع بني‬ ‫‪. 1‬‬
‫البنيوية واملاركسية من حيث تشابههما يف جماوزة الفردية إىل العالقات واألنساق‪.‬‬

‫‪274‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫اجتاه الدراسات الثقافية إىل كرستوفر كودويل ورميوند يليامز وغريهما وهو اجتاه ينظر‬ ‫‪. 2‬‬
‫إىل النظام االجتماعي بواسطة الثقافة‪ ،‬فاإلنتاج الثقايف ليس فقط مشتقاً من نظام اجتماعي بل عنصر‬
‫يف تكوينه‪.‬‬

‫اخللق‪ :‬احلداثة والشكلية‪:‬‬


‫النشأة واجلذور‪:‬‬
‫‪ . 1‬االقرتان بالنزعات الطليعية واحلداثية‪:‬‬
‫تعود نظرية اخللق يف األدب والفن إىل املفاهيم الشكلية يف اقرتانها بالنزعات الطليعية احلداثية‪ ،‬مع بروز دعوة‬
‫الفن للفن ونشأة االس تطيقا احلديثة وقد امتدت من العشرينات إىل اخلمسينات امليالدية من القرن العشرين‪،‬‬
‫ومن هنا كان اسم اخللق بديالً للتعبري واحملاكاة واالنعكاس‪.‬‬
‫‪ . 2‬االستطيقا احلديثة والفلسفة املثالية‪:‬‬
‫إن أبرز اجلذور املتصلة بأطروحة نظرية اخللق يف فلسفة كانت فصله بني اجلميل واملفيد‪ ،‬وهو فصل أفضى‬
‫به إىل االهتمام خبصائص العمل الفين يف ذاته‪ ،‬ولذلك امتاز احلكم اجلمالي لدى كانت عن احلكم العقلي‬
‫واحلكم اخلُلقي‪ ،‬بأنه صادر عن الذوق صدوراً ال تدفع إليه منفعة‪ .‬ويسلمنا ذلك إىل ما يسميه كانت "الغائية‬
‫من دون غاية" وهي خاصية اجلمال اليت حتيله إىل غاية ملوضوعه حبيث يكفينا إحساس املتعة به عن السؤال‬
‫عن الغاية من ورائه‪ ،‬فاحلكم اجلمالي لدى كانت هو نتيجة إدراك ذاتي‪ .‬ولقد وصف شوبنهور الرؤيا اجلمالية‬
‫بأنها جتاوز للطريق املألوف يف النظر لألشياء‪ ،‬حيث نظر إىل الشيء موضع اإلدراك اجلمالي من جهة ختلصه‬
‫من كل عالئقة حبي ث ميأل وحده وعي متأمله‪ ،‬فاجلمال ــ إذن ــ صفة للعامل حني نتأمله لذاته‪ .‬وال يقل نيتشه‬
‫تأثرياً يف أدب احلداثة ففلسفته تؤكد على الفردية‪ ،‬وفرويد مثل نيتشه جذر متني لنظرية اخللق وأدب احلداثة‪،‬‬
‫وهناك أهمية لفرويد ومن بعده تلميذه كارل يونج يف لفت النظر إىل أهمية األسطورة‪ ،‬أما هنري برجسون‬
‫فهو من ميكن نسبة اخللق الذي يعنون النظرية األدبية يف وجهة احلداثة األدبية والفنية إليه سواءً من جهة‬
‫التعزيز والتحفيز والتربير وا لتفسري‪ ،‬وقد كانت فلسفته ثورة ضد الوضعيني‪ ،‬وفكرته عن "التطور اخلالق"‪،‬‬
‫وهكذا يصبح العمل الفين األصيل عند برجسون عمالً فريداً وجديداً ال ميكن التنبؤ به والسبيل إىل حتديد‬
‫معامله مسبقاً؛ فمن شأنه أن يفلت من كل حساب‪.‬‬
‫‪ . 3‬استاطيقا الرتاث العربي‪:‬‬
‫إن أبرز مثال على ذلك هو النقوش والرسومات اليت تزين وتزخرف حماريب املساجد وقببها وأبوابها‪ ،‬أو القصور‬
‫والبيوت واألثاث واملفروشات‪ ،‬ويأخذ مذهب البديع يف الشعر الصفة نفسها‪.‬‬
‫‪ . 4‬التجاوب مع اللحظة التارخيية‪:‬‬
‫هذا يؤكد العالقة بني صعود النظرية حديثاً وسياقها التارخيي‪ ،‬فإذا كانت نظرية التعبري استجابة للحرية‬
‫ولشعور الفردية‪ ،‬فإن نظرية اخللق تنطوي على خيبة أمل يف طغيان الذاتية وفردية اإلنسان باملعنى الرومانسي‪.‬‬

‫‪275‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫فاألدب حني يغدو رهناً للرغبات وحني يرتبط بأي قيمة أخرى غري القيمة اجلمالية يصبح ملوثاً ومفارقاً للنقاء‪،‬‬
‫ولقد برز يف ضوء احلداثة وصف للعمل الفين واألدبي يستبدل التحفة بالوثيقة‪ ،‬فالعمل يف نظرية التعبري كما‬
‫يف نظرية احملاكاة وثيقة ولذلك برز االهتمام بالعالقة اليت تصل بينه وبني موضوع التوثيق الذي يقع خارجه‬
‫وهو العامل اخلارجي يف احملاكاة وشخصية املؤلف يف نظرية التعبري‪ ،‬أما يف نظرية اخللق فقد أصبح العمل‬
‫حتفة ألنه استحال إىل غاية يف ذاته ومل يبق وسيلة إىل ما هو خارجه‪.‬‬
‫املقوالت والتصورات‪:‬‬
‫‪ . 1‬الغاية اجلمالية‪:‬‬
‫هناك متاس بني نظرية اخللق ونظرية التعبري يف دائرة التأكيد على احلرية اإلبداعية اليت صارت الفردية‬
‫والذاتية متكأها وومسها‪ ،‬وهلذا مل يكن صدفة أن تعود عبارة "الفن للفن" اليت بدت مقولة أساسية يف‬
‫االجتاهات احلداثية يف النظرية األدبية‪ ،‬فالداللة الشعرية داللة شكل ال معنى وصورة ال غرض‪ ،‬والفن غاية‬
‫يف ذاته‪ ،‬فالقصيدة ينبغي أن تكتب من أجل القصيدة ألن اهلدف هو اجلمال‪ ،‬ومن هنا ننظر إىل الشعر بوصفه‬
‫شكالً وصورة وأنه ال شأن له باخلري واحلق وإمنا باجلمال‪ ،‬وألن بو يفصل بني الشعر والشاعر أو بني العمل‬
‫الفين والعاطفة الذاتية واإلهلام‪.‬‬
‫‪ . 2‬الفرادة واالبتكار‪:‬‬
‫يرى بشارل بودلري إن أول صفة للجمال يف الفن هي إثارته للدهشة‪ ،‬وهي صفة تقرتن باتصاف الغرابة وتقدميه‬
‫ما هو مفاجئ وغري متو قع‪ ،‬ولذلك ينبغي لديه أن يكون اجلمال غريباً‪ ،‬إن اجلمال يرتبط بالبيئة اليت تنتجه‬
‫بقدر ما يرتبط بالفرد‪ ،‬ونتيجة ذلك أن النقد ــ من بعد اجلمال ــ البد له أن يكون نسبياً‪.‬‬
‫ويتكرر لدى بودلري ما رأيناه عند ألن بو من الفصل بني الشعر والنزعة العاطفية الذاتية‪ ،‬وإذا كان مؤدى‬
‫التجرد من الذاتية ــ الذي أصبح مسة للشعر احلديث ــ ينقض نظرية التعبري اليت تقوم على الذاتية‪ ،‬فإن بودلري‬
‫ينقض ــ كما صنع الن بو ــ مقولة اإلهلام وذلك بتأكيده اللحظات اإلرادية الذهنية يف فعل اخللق األدبي‪.‬‬
‫لقد استوىل اجلمال على الفكرة النظرية للشعر عند الشعراء الرمزيني‪ ،‬فقطعت الصلة بني الشعر والواقع‪،‬‬
‫وغدا اإلحياء هو اهلدف من األدب‪ ،‬فمعنى القصيدة هو ما يكتنهه القاريء‪ ،‬إنه نظر إىل الشعر يرتامى به إىل‬
‫قول ما ال يُقال وإىل الوصول به إىل اجملهول‪ ،‬لذلك تعزز على أيدي الشعراء الرمزيني ويد بودلري موقع قصيدة‬
‫النثر حيث ال يتقيد الشاعر بوزن بل خيلق لكل قصيدة إيقاعاً خاصاً‪.‬‬
‫‪ . 3‬القيمة اجلوهرية للشكل‪:‬‬
‫تصب اخلصائص املذهبية الرمزية يف نظرية اخللق من حيث إحالتها املفهوم األدبي إىل حبث مستمر عن لغة‬
‫جديدة غري مكررة وال مقلدة‪ .‬ومل تكن مقالة برادلي "الشعر للشعر" إال امتداداً للتأكيد على اجلوهر‬
‫الشكلي‪ ،‬اما مسألة األخالق واخلري فقد رأى برادلي أن علينا أال نضع الشعر وخري اإلنسان يف تضاد‪ ،‬وهو‬
‫مييز بني املوضوع يف احلياة الواقعية وبني املوضوع يف الفن‪ .‬وقد كانت الفكرة الفنية لدى الشاعر والناقد‬

‫‪276‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫اإلجنليزي توماس إرنست هومل شكلية تؤكد على قيمة الصورة وأهميتها‪ ،‬فهي تستمد مادتها من املرئيات‬
‫حيث متسها كيمياء اخللق الشعري اليت تصنع منها كائنات إبداعية جديدة‪.‬‬

‫‪ . 4‬الشكل وجهة نقدية ونظرية‪:‬‬


‫لقد كانت األعمال الشعرية أو الشكلية يف حاجة إىل مقارب نقدية ونظرية تصفها وتفسرها من وجهة تؤكد‬
‫قيمتها يف شكلها الذي صارت به شعراً أو فناً وتقرتح قراءة حمايثة هلا‪ ،‬ومن هنا جاءت الشكلية الروسية‬
‫وجاء النقد اجلديد‪ ،‬وقد كان اجتاهها ثورياً على االمتياز الرومانسي للشاعر وعلى العالقة مع الواقع‪ ،‬وتعد‬
‫مقولة شكلوفسكي "الفن بوصفه تقنية" أبرز عالمة يف الشكلية الروسية‪ ،‬فاألدب لديه شكل حيث نادى‬
‫بنزع األلفة عن املألوف‪ ،‬فتقنية الفن عند شكلوفسكي هي جعل األشياء واألشكال غريبة وإسقاط األلفة‬
‫عنها‪ ،‬لرتاها بطريقة جديدة وغري متوقعة‪ ،‬ولذلك يؤدي التغريب إىل أن تصبح األشكال الفنية جاذبة النتباهنا‬
‫فال تغدو غايتها توصيل املعنى‪ ،‬وإمنا أن نرى بطريقة خمتلفة‪.‬‬
‫اخللق والنقد اجلديد‪:‬‬
‫يشبه النقد اجلديد الشكلية الروسية ويستأنف دورها أو يتداخل معها يف االندراج يف نظرية اخللق والشكلية‬
‫من وجهة املقاومة للذاتية والتارخيية والواقعية والتقليدية‪ ،‬وقد أتى التأكيد على العمل األدبي يف ذاته بوصفه‬
‫حتفة ال وثيقة‪ ،‬وبوصفه ق يمة مجالية ال وسيلة توصيل‪ ،‬عرب التفريق بني االستعمال العلمي والعملي للغة وبني‬
‫االستعمال االنفعالي‪ ،‬فلدى ريتشاردز تغدو اإلشارات خالقة للمواقف يف االستعمال االنفعالي‪ ،‬ونتيجة ذلك هو‬
‫التأكيد على جمازية اللغة األدبية وغموضها واتسامها بالرتاكيب اليت تسمح بتعدد التأويالت‪ ،‬والرتاكيب‬
‫واملفردات ذات الدالالت املشرتكة‪ ،‬وهذا ما استدعى الرتكيز على العمل األدبي بوصفه شكالً‪ ،‬ولقد شاعت‬
‫مقولة "اطراح قصد املؤلف" لدى النقاد اجلدد‪ ،‬مما يفضي إىل أن قصد املؤلف وهم ألنه غري موجود أو موجود‬
‫بشكلٍ مُحوَّر‪ ،‬فاألديب ينفصل عن ذاته ليخلق عمله األدبي‪ ،‬وهذا االنفصال جيعل عمله معادالً موضوعياً‬
‫وليس تعبرياً ذاتياً‪ ،‬وقد ذهب إليوت إىل تأكيد استقالل األدب عن حياة كاتبه‪ .‬وقد أكد جون كرو رانسوم‬
‫"القراءة الفاحصة" لألعمال األدبية واملقاربة النقدية هلا اعتماداً عليها يف ذاتها وليس على ما هو خارجها‪ ،‬ام‬
‫ألن تيت فيقول‪ :‬إن القصيدة هي اليت تصنع الفكرة وختلقها‪ ،‬وليست الفكرة هي ما يصنع القصيدة‪ ،‬وقد‬
‫كانت مقولة كلينث بروكس "إن الشكل هو معنى" مقولة مركزية إمجاالً يف الوجهة النظرية للحداثة يف‬
‫الفن واألدب‪ ،‬حبيث ترتب عليها عدم إمكانية الفصل بني الشكل واملضمون يف العمل الناجح‪.‬‬
‫وخالصة القول أن نظرية اخللق تنهض بالداللة على موقف يؤكد على احلداثة باملعنى الذي جتتمع عليه‬
‫احلركات الطليعية يف األدب والفن منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر‪ .‬وهو تأكيد يستمد منظوره من‬
‫موقف جديد جتاه الشكل الفين واألدبي مينحه الصدارة‪ :‬تلك الصدارة اليت تألفت عليها معطيات الشكلية‬
‫الروسية والنقد اجلديد معا‪ ،‬وأصبحت قيمة العمل بشكله املبتكر وتقنياته اإلبداعية ولغته اليت ال تشتبه‬

‫‪277‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫باللغة العلمية أو العادية‪ ،‬فليس الشكل ذريعة ملعنى أو وسيلة إليه بل هو نفسه املعنى إذا ما قصدنا الداللة على‬
‫معنى أدبي أو فين‪.‬‬

‫التثمني والتقويم‪:‬‬
‫‪ . 1‬مقام التثمني‪:‬‬
‫أول ما ميكن احتسابه لنظرية اخللق هو التأكيد على قيمة االبتكار واالبداع‪ ،‬فاالبتكار يف األدب ال يعين‬
‫ابتكار موضوعات له‪ ،‬وإمنا يعين ابتكار أشكال تضيف كائنات إبداعية إىل وعينا بالواقع وباألدب على‬
‫حد سواء‪ .‬لكنها من حيث الت أكيد على الشكل تتيح للنقد األدبي ما يصونه عن االنطباعية ويعرب عن تشوفه‬
‫إىل العلمية‪ ،‬وبذلك برز االختصاص النقدي األدبي كما برز االختصاص النظري األدبي مبا مل يربزا من قبل‪،‬‬
‫وال نبالغ إذا قلنا أن تفجر النظرية األدبية منذ النصف الثاني من القرن العشرين امليالدي هو قرين ارتكازها‬
‫على الشكل‪ ،‬فالشكل يف النظرية األدبية هو الذي فتح آفاق ًا جديدة يف النظرية والنقد احلديث‪ ،‬واملقولة‬
‫اليت صاغها روالن بارت "موت املؤلف" هي املدى األقصى الستغالل مفعول اجملاوزة لقصدية املؤلف‪.‬‬
‫‪ . 2‬تفكيك وتركيب‪:‬‬
‫إن مقوالت نظرية اخللق‪ ،‬تأتلف وختتلف ضمن إطار يسمها بهوية مائزة هلا يف قبال غريها من النظريات الوجهات‬
‫النقدية‪ ،‬ولكنها ال تستقل بعديد من مقوالتها ومقوماتها اجلمالية وال حتتكرها‪ ،‬فالتغريب هو الوجه اآلخر‬
‫ملقولة الغموض يف الرمزية‪ ،‬ويف تراثنا النقدي العربي تأكيد على مجال الغموض‪ ،‬وقد كانت مقولة الفن للفن‬
‫أو الشعر للشعر مذهباً شائعاً يف الشعر العربي ويف وصف القدامى له‪ ،‬كما أن الغاية الشعرية اليت تقوم يف‬
‫نظرية اخللق على التحرر مبعانيه النفسية واالجتماعية العميقة‪ ،‬هي وجه من الوجوه اليت يتسع هلا تأويل التطهري‬
‫الذي عرفناه لدى أرسطو‪ ،‬ومثل ذلك مفهوم الوحدة اليت تؤكد عليها نظرية اخللق‪ ،‬حيث كانت الوحدة‬
‫العضوية أبرز املقومات اجلمالية يف نظرية التعبري عند كولردج‪.‬‬
‫‪ . 3‬التطرف الشكلي‪:‬‬
‫لقد استحال الفهم لألدب يف ظل التطرف يف مفهوم الشكل واستبداده إىل نوع من العدمية املتقارنة مع ما‬
‫أضفاه التطرف الشكلي عليه من اآللية‪ .‬إن الفهم الشكلي لألدب ال يزيد لدى تودوروف عن إيضاح املفاهيم‬
‫اليت استحدثها هذا العامل أو ذاك من علماء اللسانيات‪ ،‬أو هذا املنظر أو ذاك‪ ،‬واملطلوب هو أن نصل على‬
‫معاني النصوص اليت ستقودنا إىل معرفة اإلنساني وهي املعرفة اليت تهم اجلميع‪ ،‬وال خيفى ما تتضمنه نظرية‬
‫اخللق والشكلية من مركزية يف بنية الشكل أو يف مقولة االبتكار‪.‬‬
‫البنيوية‬
‫والدة املفهوم ومهاده املنهجي‪:‬‬

‫‪278‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫لقد مت طرحها بوصفها منهجاً أو طريقة معرفية لقراءة الظواهر اإلنسانية والثقافية ومنها األدب‪ ،‬لقد ارتبطت‬
‫احملاكاة بالكالسيكية‪ ،‬والتعبري بالرومانسية‪ ،‬واالنعكاس بالواقعية‪ ،‬واخللق باالجتاهات احلداثية‬
‫الطليعية‪ ،‬أما البنيوية فهي تتوجه لقديم األدب وحديثه دون تفريق بينهما وال انتقاص‪ ،‬وقد استخدمت حقول‬
‫املعرفة اجملاورة لألدب لتحليل األدب وقراءته مبا ال يرفد املعرفة به من حيث هو بنية مكتفية بنفسها‪ ،‬أما‬
‫البنيوية فهي ختتلف عن ذلك‪ ،‬فهي ال تستعري منظور معرفة غري أدبية لقراءة األدب‪ ،‬وقد متيزت البنيوية باإلفادة‬
‫من علم اللغة يف الطموح إىل علم يتخذ األدي موضوعاً له‪.‬‬
‫االستمداد من الشكلية‪:‬‬
‫إن أبرز ما ميكن أن نتنبه إليه هو انشغال البنيوية بالشعر وتأثريه على صياغة مفاهيمها اجلمالية‪ ،‬فهي حتيل‬
‫على الوظيفة اجلمالية اليت تنتج عن الرتكيز عن الرسالة نفسها‪ ،‬فالبنيوية متيل إىل األدب الطليعي واملتحرر‬
‫من أسر املعاني احملكومة سلفاً‪ ،‬وأنها ليست بال موقف من األدب‪.‬‬
‫مرجعية الدراسة للغة األدب‪:‬‬
‫إن أهم ما يف البنيوية هو تغيريها عادات التصور لألدب وتلقيه‪ ،‬وقد انبثق هذا التصور من اطروحات دي سوسري‬
‫يف علم اللغة‪ ،‬وأبرزها متييزه بني اللغة والكالم حيث اللغة أعم من الكالم‪ ،‬فاللغة يف ضوء اطروحاته تكتسب‬
‫دوراً جباراً‪ ،‬فالكلمات لديه عالمات تتكون من طرفني متصلني أوهلما الدال واآلخر املدلول‪ ،‬فالكلمة يف‬
‫الكالم ال تكتسب مهناها من ذاتها بل من العالقات مع كلمات أخرى‪.‬‬
‫االنتساب املنهجي إىل فكرة البنية‪:‬‬
‫مل تكن البنيوية سوى وعي الستثمار علم اللغة إمجاالً يف سياق من التوافق مع جوانب من الشكلية الروسية‬
‫والنقد اجلديد والفلسفة الظواهرية واجلشطلت‪ ،‬ليخرج من ذلك فكرة منهجية منسوبة إىل البنية اليت تبقى‬
‫دائماً جمردة ال ميكن مواجهتها يف شكل موضوع مباشر‪ ،‬وقد ميز جان بياجيه البنية بثالث صفات‪( :‬الكلية‬
‫أو الشمول "فقوانني تضفي على الكل خصائص اجملموعة املغايرة خلصائص العناصر" ــ التحول "فال ميكن‬
‫تصور البنية دون قيامها على جمموعة من التحوالت" ــ الضبط الذاتي "فهي تضبط نفسها ويؤدي ذلك للحفاظ‬
‫عليها"‪ ،‬وقد كانت البنيوية وجهة عقلية معادية للنزعة التجريبية‪.‬‬
‫عملية البنيوية والنموذج اللغوي‪:‬‬
‫الطموح العلمي‪/‬القواعد الثابتة‪:‬‬
‫إن اإلدراك لطموح البنيوية العلمي هو ما ينبين على هذه الصفة لديها‪ ،‬من افرتاض قواعد ثابتة وأنظمة مستقرة‬
‫خلف التنوع والتغاير واالختالف‪ ،‬هي قواعد البنية وأنظمتها اليت تأخذ البنيوية امسها من النسبة إليها‪ ،‬فال‬
‫تصبح األعمال الفردية موضوعاً للدراسة البنيوية وإمنا األنظمة اليت تكمن خلفها‪ ،‬فالبنيوية تسعى إىل جماوزة‬
‫هذه املظاهر إىل البنى العميقة والكامنة يف الفطرة اإلنسانية‪ ،‬تلك البنى اليت تصل إىل قرار راسخ من وحدة‬
‫العقل اإلنساني وثباته‪ .‬فرغم الفروق بني أقسام اجلنس البشري فإن العقل واحد ومتشابه يف كل مكان‪.‬‬
‫النموذج العلمي لدى البنيوية‪:‬‬
‫‪279‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫هناك صفات جامعة منذ عرف اإلنسان األدب إال أن هذه الصفات تفتقد إىل النموذج الذي يصنع ثباتاً واستقرارًا‬
‫وراء االختالف والتنوع‪ ،‬وهو ما امتلكته البنيوية‪ ،‬وهذا النموذج هو النموذج اللغوي الذي يبدأ من تركيب‬
‫اجلملة من مسند ومسند إليه ‪ ،‬وال ينفصل منوذج بناء اجلملة هذا يف البنيوية عن األهمية اليت أولتها للفونولوجيا‬
‫اليت تتخذ العالقات بني األلفاظ أساساً لتحليلها‪ ،‬وترى دائماً الوحدات الصوتية أجزاء من منظومة ما‪ ،‬وتسعى‬
‫إىل اكتشاف قوانني عامة‪ .‬إن البنيوية ترى الشكل واحملتوى من طبيعة واحدة وخيضعان للتحليل ذاته‪،‬‬
‫فاحملتوى يستمد واقعه من بنيته‪ ،‬والشكل هو البنية اليت تؤلف حمتوى ال ينفصل عنها‪ ،‬فالفصل بني اللغة‬
‫والفكر غري ممكن‪ ،‬فاللغة متلك سلطة تصويرية متارس تأثريها على املتكلمني للغة‪ ،‬فهي ليست جمرد‬
‫وسيلة لالتصال أو التفكري‪.‬‬
‫من التحليل الشكلي إىل التحليل البنيوي‪:‬‬
‫يصف شرتاوس األسطورة بأنها منط من أمناط القول ويسجل يف ذلك ثالث نتائج‪ ،‬فال أسئلة عن علل أو أصول‪،‬‬
‫وإمنا حبث عن نسق االختالفات والتقابالت الكامن يف كل ممارسة‪ ،‬وال خالف من هذه الزاوية بني حتليل‬
‫األسطورة وحتليل قصيدة شعرية أو رواية ‪ ...‬إنها مجيعاً لغة‪ ،‬فما ذكره شرتاوس عن األسطورة يفضي به إىل‬
‫نتجيتني‪ :‬األوىل أن األسطورة كائن لغوي مكونة من وحدات مؤلفة‪ ،‬والثانية أن هذه الوحدات املؤلفة تستتبع‬
‫وجود الوحدات اليت تتدخل عادة يف بنية اللغة‪ ،‬وهي الوحدات الصوتية والصرفية والداللية‪ .‬فالوحدات اليت يتم‬
‫تقسيم األسطورة إليها تكشف عن تعارضات ثنائية‪ ،‬كما هو شأن التعارضات اليت تكشف عنها الوحدات‬
‫اللغوية الصغرى‪ ،‬ولذ لك كان منوذج التحليل اللغوي هو أداة البنيوية يف الكشف عن البنية األساسية للعقل‬
‫اإلنساني‪.‬‬
‫مفهوم العامل والتجريد لبنية النص‪:‬‬
‫يستحيل النموذج اللغوي للتحليل البنيوي لدى جرمياس إىل جتريد لبنية النص‪ ،‬فنموذج جرمياس منوذجاً بنيوياً‬
‫وليس شكلياً كما كان صنيع بروب‪ ،‬فجرمياس امتداداً بنيوي ًا لشرتاوس‪ .‬إن مفهوم العامل هو ما ينتسب إليه‬
‫النموذج التحليلي‪ ،‬فبدالً من دوائر الفعل السبعة يقرتح جرمياس ثالثة أزواج من العوامل املتقابلة هي‪( :‬الذات‬
‫مقابل املوضوع ــ املرسل مقابل املرسل إليه ــ املساعد مقابل املعارض)‪ ،‬ويرى جرمياس أن العامل ال ينفرد بنوع‬
‫من الفعل‪ ،‬والعامل ال ينحصر يف شخصية‪ ،‬بل قد يكون ظرفاً أو فكرةً أو قيمة أو شيئاً‪.‬‬
‫جامع النص والتناص‪.‬‬
‫يقول جريار جينيت‪" :‬ليس النص هو موضوع الشعرية‪ ،‬بل جامع النص‪ ،‬أي جمموع اخلصائص العامة أو املتعالية‬
‫اليت ينتمي إليها كل نص على حدة"‪ ،‬كما أن النظرية األجناسية عند جينيت تدفع بالبنيوية إىل التناص‪ ،‬إن‬
‫موضوع الشعرية ليس النص يف حالته االنفرادية بل هو جامع النص‪ ،‬إن موضوع الشعرية هو التعدية النصية أو‬
‫االستعالء النصي للنص‪ ،‬وهو كل ما يضع النص يف عالقة ظاهرة أو خفية مع نصوص أخرى‪ ،‬ويقسم جينيت‬
‫عالقات الت عدية النصية أو النص املتعالي إىل مخسة أمناط أوهلا التناص‪ ،‬وثانيها امللحق النصي‪ ،‬وثالثها املاورائية‬
‫النصية‪ ،‬ورابعها االتساعية النصية‪ ،‬وخامسها اجلامعية النصية‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫الوصف البنيوي للخطاب السردي‪:‬‬


‫لقد كان اسهام جينيت يف وصف اخلطاب السردي‪ ،‬من أقوى الروافد للدراسات البنيوية للسرد‪ ،‬ولألشكال‬
‫األدبية‪ ،‬وهو يبدأ بتمييز ثالثي بني القصة واحلكاية والسرد مصححاً بذلك تقسيم الواقعة السردية لدى‬
‫الشكلية الروسية ‪ ،‬كما مييز أيضاً بني زمن القصة وزمن احلكاية‪ ،‬ومييز جينيت ثالثة أمناط من املنظور‪:‬‬
‫("السرد غري املبأر "والراوي هنا يعلم أكثر من الشخصيات" ــ السرد ذو التبئري الداخلي "والراوي مساوٍ‬
‫للشخصيات يف العلم" ــ السرد ذو التبئري اخلارجي "والراوي هنا أقل علماً من الشخصيات")‪ ،‬أما الصوت فيتحدد‬
‫مبوقعه من زمن احلكاية ومبوضوع احلكاية ومبوقعه من مستوى احلكاية‪.‬‬
‫زلزلة املفاهيم األدبية‪:‬‬
‫قلب املواضعات التقليدية‪:‬‬
‫مل تعد الطبيعة تسبق الثقاف ة‪ ،‬ومل يعد الواقع قبل اللغة‪ ،‬وال الفرد قبل اجملتمع وال املؤلف قبل الكتاب‪ ،‬فقد‬
‫رأت البنيوية أن هذه األشياء اليت حتتل موقع األسبقية واألولية ليست إال مفاهيم وتصورات نشأت يف فرتة‬
‫تارخيية وثقافية حمددة‪.‬‬
‫اللغة أوالً والناقد كذلك‪:‬‬
‫ال شيء ــ فيما ترى البنيوية ــ يسبق اللغة‪ ،‬فالواقعي ــ إذن ــ وجود مرتتب على اللغة أي على قدرة اإلنسان على‬
‫تسمية األشياء‪ ،‬فهي تصورات اقتضت الكيفيات البالغية بوصفها أدوات لتفسري العالقة بني الدال واملدلول‬
‫فاالستعارة والكناية واحلذف والذكر والتقديم والتأخري جزء من تكييف الداللة وبلورتها والوعي بها‪ ،‬فاألدب‬
‫ال ينشأ إال من األدب‪ ،‬وقد أدى ذلك إىل تعظيم دور الناقد‪ ،‬فالنقد بنية من املعرفة موجودة لذاتها‪ .‬فعلم األدب‬
‫خطاب عام ليس موضوعه معنى معيناً للعمل بل تعددية املعاني‪ ،‬وهو حيرر العمل األدبي من احتجازه يف قصدية‬
‫املؤلف‪.‬‬
‫معاني املعاني واملنعطف إىل التفكيكية‪:‬‬
‫مضى بارت إىل تعميق داللة التعدد يف املعنى وانفتاح الكتابة‪ ،‬فخلود الكتاب ــ فيما يرى بارت ـ ليس ألنه‬
‫يفرض على البشر املختلفني معنى واحداً‪ ،‬ولكن ألنه يوحي مبعانٍ خمتلفة لإلنسان عرب األزمنة‪ ،‬ومل يبقِ بارت‬
‫ش يئاً من عدة النقد خارج اإلطار البنيوي‪ ،‬فال املوضوعية وال الذوق وال الوضوح موضع تسليم من بارت‪ ،‬ومتثل‬
‫البنيوية جيداً مقولة‪" :‬موت املؤلف" من حيث هي رؤية وحمايثة ومتزامنة للعمل األدبي ال تبحث عن علة له أو‬
‫مصدروراءه‪ ،‬فموت املؤلف يعين والدة القاريء‪.‬‬
‫قيمت البنيوية ونتيجتها‪:‬‬
‫حياتها وموتها‪:‬‬
‫إن النتيجة اليت ميكن حسابها للبنيوية هي إحداث مفاهيم جديدة تغريت بها صورة األدب وصورة الواقع‪،‬‬
‫وتغريت حقيقة املعنى واملمارسة النقدية األدبية وقيمتها يف الواقع األدبي‪ .‬وقد قادت هذه التغريات اليت فجرتها‬

‫‪281‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫البنيوية إىل إنطاق جوانب غري مفكر فيها والكشف عنها‪ .‬وهذا ما جعل البنيوية حية ومستمرة باملعنى‪ ،‬وأصبح‬
‫التعاطي جلوهر داللة البنية الثابتة فيها واملنغلقة على ذاتها شيئاً قدمياً‪.‬‬
‫من وجهة املديح‪:‬‬
‫لقد كانت خلخلة املركزية أكرب إجناز إنساني ثقايف فيما بعد البنيوية‪ ،‬مما ال يسيغ أن نتغاضى عن دور‬
‫البنيوية يف الداللة علية وقيادة الفكر النظري إليه‪ ،‬حني أحلت على حمو االختالف‪ ،‬ومنه االختالف بني‬
‫الثقافات واحلضارات‪ ،‬وقد ال يرتاح الكثريون إىل ما أحدثته البنيوية من اجتثاث االنطباعية جتاه معاني اجلمال‬
‫والسرور واملتعة ألنها عزفت عن أحكام القيمة اليت تنهال معربة عن مشاعر القاريء جتاه النصوص األدبية اليت‬
‫يقرأها‪ .‬ولكن حسنة البنيوية يف خمالفة التجريبية وانتقاصها أمر واضح يف دعم الفروض العقلية وأولوية العقل‬
‫يف إنتاج املعرفة وقيادتها‪.‬‬
‫املوقف النقدي‪:‬‬
‫لقد واجهت البنيوية من خصومها اتهاماً مركزياً وهو إلغاء اإلنسان‪ ،‬وذلك فيما تتكشف عنه البنيوية من‬
‫تضحية بالذات أو جماوزة هلا حلساب البنية‪ ،‬وقد رد بعض البنيويني على هذا االتهام بأن الذات اليت اتهمت‬
‫البنيوية بقتلها أو إنكارها هي الذات الفردية‪ ،‬وقد كانت علمية البنيوية يف شأن األدب هي حائط الصد هلا‬
‫الذي حرف مسارها وثبط همة احلماس هلا‪.‬‬
‫التفكيكية والتأسيس ملا بعد البنيوية‪:‬‬
‫التفكيكية هي املفتاح النظري املؤسس ملا بعد البنيوية‪ ،‬وهي مترد على البنيوية ونقد جذري هلا‪ ،‬فهي جتعل‬
‫نظرية القراءة نظرية للنص‪ ،‬ونظرية النص نظرية للقراءة‪ ،‬وهي تطوير للبنيوية وانفتاح بها على آفاق جديدة‪،‬‬
‫يقول راما ن سلدن‪" :‬ممثلوا ما بعد البنيوية هم بنيويون اكتشفوا خطأ طرائقهم على حنو مفاجيء"‪ ،‬فلم تقف‬
‫التفكيكية عند مصادر البنيوية بل اضافت إليها مصادر أخرى من الفلسفة والبالغة‪ ،‬وقد كانت اللغة والواقع‬
‫واملعنى واحلقيقة والذاتية ومن ثم النشاط األدبي والفلسفي هي احملاور املتصلة اليت اختذت منظوراً جديداً يف‬
‫التفكيكية‪ ،‬وحني نأتي لألدب فإنه حبكم موقع الفهم للمعنى يصبح معناه مستقراً وموحداً ومتصالً مبؤلفه‬
‫والواقع الذي عرب عنه‪ ،‬فال يتعدد معنى العمل األدبي بتعدد قراءه وال حيتوي على معانٍ تتناقض مع موضوعه‬
‫وتشق وحدته‪ ،‬إال أن هذا ال تصور تزعزع يف تلك الطروحات الفلسفية والنظرية اليت شكلت جذوراً للتفكيكية‬
‫ودعامة مرجعية هلا‪.‬‬
‫بني كانت ونزعة احلداثة األدبية‪:‬‬
‫احلكم اجلمالي نافذة على غري املفهومي والعقالني‪ :‬اخلصائص اليت ميز بها كانت احلكم‬ ‫‪. 1‬‬
‫اجلمالي‪ ،‬تكشف عن وسائل إدراك له خارج مقاييس املعرفة العقالنية واملنطقية‪ ،‬يقول كانت‪" :‬إذا‬
‫أردنا أن منيز شيئاً ما بأنه مجيل أو غري مجيل‪ ،‬فإننا ال نرجع إىل التمثيل للموضوع بوسائل الفهم قياساً‬
‫على املعرفة‪ ،‬وإمنا إىل وسائل اخليال"‪ ،‬وهكذا خلص املعنى اجلمالي لدى كانت وامتاز خبصائصه‬
‫عن االحكام النفعية والغائية‪.‬‬

‫‪282‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫أدب احلداثة وانتهاك العناصر العقالنية‪ :‬لقد وجدت التفكيكية يف امتداح غموض األدب‪،‬‬ ‫‪. 2‬‬
‫والقول بتفوق الفن والشعر على اخلطاب املفهومي‪ ،‬وإلغاء احلدود املعيارية بني األجناس األدبية‪،‬‬
‫والتأكيد على الشعري يف انتهاك العناصر العقالنية واجملاوزة للعادي واملضادة لالنسجام والتماسك ‪...‬‬
‫لدى النزعات احلداثية يف األدب منذ الرومانسيني‪ ،‬ما ساعدها على متييز ألوان اخلطابات التسلطية‬
‫وانغالق النظام الرمزي يف اجملتمعات‪.‬‬
‫اهليجليون الشباب والتمرد على هيجل‪ :‬هذا املظهر الذي يرفض من وجهة األدب الطليعي‬ ‫‪. 3‬‬
‫التماهي بني الذات واملوضوع‪ ،‬وبني الفكر والوا قع‪ ،‬هو رفض للفكرة اهليجلية القائلة بأن املعرفة‬
‫املطلقة تقتضي التماهي بني الذات واملوضوع‪ ،‬وأن الواقعي هو العقالني‪ .‬فإذا كانت التفكيكية تغرس‬
‫جذورها يف هذا الرفض فإنها تغرس جذورها يف فلسفة اهليجليني الشباب الذي متردوا على فلسفة‬
‫هيجل من هذا الوجه‪ .‬فنجد يف التف كيكية وجهاً مشابهاً هلذا املنطق برفض التماهي بني الذات‬
‫واملوضوع‪ ،‬فيستقل املوضوع عن سيطرة الذات‪ ،‬وهذا الذي نبعت منه التفكيكية‪ ،‬فالتفكيكية هي‬
‫اهليجلية الشابة‪.‬‬
‫نيتشه التفكيكيي األعظم‪:‬‬
‫اجملاز والصراع‪ :‬نقض الوجود الثابت وأحادية التفسري‪ :‬إن احلقيقة لدى نيتشه جمموعة‬ ‫‪. 1‬‬
‫استعارات وأوهام‪ ،‬فالعامل موجود من خالل منظورات خمتلفة‪ ،‬فليس هناك معرفة موضوعية ومطلقة‬
‫فلكل فرد منظوره للعامل ولكل عصر منظوره كذلك‪ ،‬ولذلك فإن اللغة عنده جماز‪ ،‬وكما نفى‬
‫نيتشه احلقيقة نفى األخالق ونفى العقل‪ ،‬وهذه كلها تصورات صميمية يف التفكيك‪.‬‬
‫املوقف من الكتابة‪ :‬مل يكن املوقف من الكتابة والتصور هلا عند نيتشه خارج موقفه من‬ ‫‪. 2‬‬
‫العقل واحلقيقة واللغة واملعنى‪ ،‬فالكتابة لديه ديونيسوسية‪ ،‬فأوصاف الفنون والكتابة األدبية يف‬
‫مرحلة ما بعد احلداثة تستحضر عند عديد الدارسني التفسري اليونيسي عن نيتشه وتتخذ من فلسفته‬
‫يف اجتاه التعددية مغرساً جلذور ما بعد احلداثة‪ ،‬والعالقة بني التفكيكية وما بعد احلداثة هي عالقة‬
‫اقتضاء متبادل‪ ،‬وإحالة مستمرة على منظور التعدد واالختالف الذي ينتهك مبدأ األصل‪.‬‬
‫تفكيك املتعارضات وتقويض الرتاتب‪ :‬ال تنفصل عالقة التفكيك مبوقف نيتشه من‬ ‫‪. 3‬‬
‫املتعارضات عن دليل نيتشه على مسؤولية اجملاز يف تأسيس الرتاتب يف تلك التعارضات الثنائية‪.‬‬
‫والتفكيك الذي قام به نيتشه للرتاتب بني السبب ولنتيجة مثال واضح اإلشارة إىل التفكيك كما جتلى‬
‫من بعد عند دريدا‪ .‬فمبدأ التعارض يقوم يف تأكيد األسبقية املنطقية والزمنية للسبب على النتيجة‪،‬‬
‫وني تشه يرى ان هذا املفهوم ليس معطى بل نشاط جمازي أي فعل لغة‪ .‬وهكذا فإن ما نعيه من العامل‬
‫اخلارجي يأتي بعد وعينا بالتأثري الذي قد حدث لنا‪ ،‬ثم نعتربه فيما بعد سبباً لذلك التأثري‪ ،‬وبذلك‬
‫نعكس الرتتيب الزمين للسبب والنتيجة‪ .‬ومن هنا نلمس بوضوح انتقال مثل هذه املمارسات النقدية جتاه‬
‫املفاهيم واملتعارضات عند نيتشه إىل النشاط التفكيكي لدى دريدا‪.‬‬

‫‪283‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫هورسل والظواهرية‪:‬‬
‫نقد العقل املثالي‪ :‬تدين التفكيكية هلورسل والفلسفة الظواهرية‪ ،‬ولقد كان هورسل‬ ‫‪. 1‬‬
‫يرفض التجريبية‪ ،‬والسيكولوجية‪ ،‬ووضعية العلوم الطبيعية‪ ،‬ويقطع مع التصورات املثالية‬
‫ال كالسيكية‪ ،‬ومن ثم ينفي إمكانية النظر إىل املوضوعات بوصفها أشياء يف ذاتها وإمنا أشياء‬
‫يفرتضها الوعي أو يقصدها‪ ،‬فالقصدية يف الوعي عند هورسل جتعل املوضوع مرتبطاً بالذات‪.‬‬
‫املالمح الظواهرية يف التفكيك‪ :‬إن هورسل يعمل ضمن تقليد التمركز املنطقي فيضع اللغة‬ ‫‪. 2‬‬
‫يف طور ثانوي بعد التحديد للوجود بوصفه حضوراً ‪ ....‬وعندما تضر الكتابة لتصل باملوضوعات املثالية‬
‫إىل االكتمال فإنها تفعل ذلك عرب الكتابة الصوتية؛ والكتابة الصوتية تثبت وتنقش وتسجل وجتسد‬
‫تلفظاً معداً من قبل‪ ،‬ودريدا على عكس ذلك فاللغة لديه سابقة على الوجود‪.‬‬
‫األسئلة اهلايدجرية‪:‬‬
‫حتقق الوجود وظهوره‪ :‬لقد محلت فلسفة هايدجير وجهة نقدية للميتافيزيقيا‪ ،‬والنقد‬ ‫‪. 1‬‬
‫للميتافيزيقيا واحلضور نقد ميارسه هايدجير باسم اهلدم للتقاليد والبداهات‪ ،‬ومصطلح هايدجير‪:‬‬
‫اهلدم أثري عند دريدا بالقدر الذي جعله يصنع مصطلحه املركزي التفكيك‪.‬‬
‫حركة الزمن واللغة وحقيقة الفن‪ :‬يرى هايدجير أن الذات البشرية ال تكون دومنا ارتباط‬ ‫‪. 2‬‬
‫عملي مع غريها‪ ،‬ونتيجة ذلك عنده أنه يقصي الذات اإلنسانية من موقع اهليمنة اخليالي‪ ،‬فالفهم لديه‬
‫ال معيناً ينجزه الفرد‪ ،‬بل هو جزء من بنية الوجود اإلنساني‪ ،‬فالفهم يتم‬
‫ليس قضية إدراك معزول أو فع ً‬
‫يف الزمن اجملرد‪ .‬فاللغة لدى هايدجير بيت الوجود‪ ،‬فاحلياة من وجهة نظره تتحرك يف اللغة فال وجود‬
‫بشري من دون لغة‪ ،‬وهو ينفي الفردية عن الفن أي ينفي مركزية الذات املؤلفة ووحدتها‪.‬‬
‫مدرسة فرانكفورت وتثوير األدب ضد الواقع‪:‬‬
‫النقد بوصفه فعالً حتريرياً‪ :‬حني نعود إىل مدرسة فرانكفورت وخصوصاً جيلها املؤسس‪،‬‬ ‫‪. 1‬‬
‫فإن أكثر من عالمة تربهن على مرجعيتها للتفكيك‪ .‬إنها نقد للعقل‪ ،‬فاإلنسان كما الثقافة أو العلم‬
‫أو املفاهيم‪ ،‬يستحيل إىل أداة تقمع اإلنسان واملعنى وتسجنهما يف أداتيهما‪ ،‬وهذا هو العقل األداتي‪،‬‬
‫وهو عقل احلداثة والتنوير‪.‬‬
‫قلب الرتاتبات‪ :‬هذا املنظور النقدي الذي اختطه هوركهامير وأدورنو‪ ،‬كان جذرياً يف قلب‬ ‫‪. 2‬‬
‫الرتاتبات‪ ،‬ونقد األصول واألولويات‪ ،‬وهز العالقة الرتاتبية بني األساسي والثانوي‪ ،‬واجلوهري‬
‫واهلامشي‪ ،‬وهم يكشفان عن مقدار التسلط وأدواته اليت حتجب النظر‪.‬‬
‫نقض الذات املتعالية واملطلقة‪ :‬لقد نقض رواد مدرسة فرانكفورت الذات املتعالية لدى‬ ‫‪. 3‬‬
‫كانت ‪ ،‬كما نقضو الذات اهليجلية‪ ،‬فاهليجلية مصادرة لالختالف‪ ،‬وخضوع الفن لدى هيجل‬
‫للفكرة‪ ،‬وما رأته مدرسة فرانكفورت كان على خالف ذلك‪.‬‬

‫‪284‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫التمرد على مفاهيم الواقعية جتاه الفكر واألدب‪ :‬إن أبرز ما نلحظه لدى أدورنو يف نظريته‬ ‫‪. 4‬‬
‫اجلمالية أنه ينفي توهم وجود عالقة مباشرة بني األدب والواقع‪ ،‬وجيعل العالقة بينهما مبقتضى الداللة‬
‫الفنية األدبية اليت ختلق مسافة تباعد عن الواقع‪ ،‬عالق غامضة وملتبسة وغري مباشرة‪ .‬ولذل يرى أن‬
‫األعمال الفنية هي أشياء يف ذاتها‪.‬‬
‫العالقة بني مدرسة فرانكفورت والتفكيكية‪ :‬إذا ما قارنا بني التصورات لدى رواد مدرسة‬ ‫‪. 5‬‬
‫فرانكفورت وبني التفكيكية فسنجدها لصيقة بها وملهمة هلا‪ ،‬فمناقضة مدرسة فرانكفورت للذات‬
‫املتعالية عند كانت تندرج ضمن وجهة النقض للميتافيزيقيا يف التفكيكية‪ ،‬واستقالل الفن عن الواقع‬
‫لدى ادورنو هو ما يضمن تطوره وحريته وحركته بعيدًا عن قيد الواقع‪ ،‬وهو الطريق نفسه الذي سعت‬
‫فيه التفكيكية إىل نقض الرتاتب بني الواقع والفن‪ .‬كم كان نقد هوركهامير وأدورنو للرتتبات بني‬
‫الثنائيات مبدأ رئيس وأولي لدى دريدا منذ أول كتاباته املؤسسة للتفكيكية‪.‬‬
‫فرويد وتفكيك وحدة الذات والرموز‪:‬‬
‫بنية النفس وبنية العالقة‪ :‬لقد كانت مرجعية فرويد للنظرية األدبية احلديثة إمجاالً‬ ‫‪. 1‬‬
‫وللتفكيكية على وجه اخلصوص قائمة يف ريادته للتحليل السيكولوجي‪ ،‬وأهمية فرويد لدى دريدا‬
‫تتجلى يف داللته على العالقة بني بنية النفس وبنية العالمة‪.‬‬
‫تفكيك الذات‪ :‬مل تقتصر مرجعية فرويد للتفكيكية على ذلك بل ختطته إىل جانب‬ ‫‪. 2‬‬
‫جوهري‪ ،‬له عالقته بداللة الكتابة وبداللة األثر وهذا اجلانب اجلوهري هو تفكيك الذات‪ ،‬وهلذا‬
‫أصبح فرويد حاضراً يف تفاصيل املفهوم املهيمن لدى دريدا والتفكيكية‪ ،‬وقد اختذ دريدا من اختالفية‬
‫الالوعي ركيزة‪.‬‬
‫قراءة األحالم وتفكيك الرموز‪ :‬إن قراءة األحالم والرموز عند فرويد تكشف عن مصدر‬ ‫‪. 3‬‬
‫تلقى منه دريدا طريقة واقعية لفك الرموز‪ ،‬ولقد كانت سرة احللم عند فرويد منطقة جاذبة لدريدا‬
‫سرعان ما تلقفها ليشري إىل حيث نستطيع أن حندد حلظة النص يف انتهاك القوانني اليت يؤسسها بوضوح‬
‫لنفسه؛ أي جعل النص يفكك نفسه بنفسه‪.‬‬
‫اللسانيات العامة واحلداثة النقدية لألدب‪:‬‬
‫سوسري واملبنى االختاليف للغة‪ :‬ال تقل اطروحات سوسري أهمية يف مرجعية التفكيكية‪،‬‬ ‫‪. 1‬‬
‫وما يهمنا يف شأن العالقة بني سوسري والتفكيكية‪ ،‬هو تقديم سوسري نقداً مليتافيزيقيا احلضور‪،‬‬
‫وملركزية الكلمة‪ ،‬وهذا النقد هو وجهة التفكيكية وأساسها النظري‪ ،‬فقد أكد سوسري أنه ال‬
‫يوجد يف اللغة صفات قائمة بذاتها وإمنا اختالفات‪ ،‬ولو هذه الفرضية ملا كانت البنيوية وال‬
‫التفكيكية أيضاً‪.‬‬
‫الشكلية وانقالب العالقة بني الشكل واملضمون‪:‬‬ ‫‪. 2‬‬
‫تالقي البنيوية والتفكيكية وتنافرهما‪:‬‬ ‫‪. 3‬‬

‫‪285‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫أ‪ -‬التفكيكية تصحيح بنيوي‪ :‬إن ممثلوا ما بعد البنيوية هم بنيويون اكتشفوا خطأ طرائقهم‬
‫على حنو مفاجئ‪ ،‬وهذا اخلطأ ــ من وجهة التفكيكية ــ هو حبث البنيوية عن الثابت فيما بني‬
‫االختالفات السطحية‪ ،‬وأن املعنى يكمن يف وجود مركز واحد‪ ،‬وذلك على عكس ما ذهبت‬
‫إلي التفكيكية‪.‬‬
‫ب‪ -‬املبدأ البنيوي يف منظور جديد‪ :‬تربز أهمية البنيوية للتفكيكية يف استعارة دريدا مبدأها يف‬
‫الفهم والتحليل‪ ،‬وهو االعتماد على التقابل الثنائي بني املفاهيم‪( :‬الذات واملوضوع‪ ،‬الطبيعة‬
‫والثقافة‪ ،‬الذكر واألنثى‪ ،‬اخلري والشر‪ )...،‬فهذ التصور البنيوي الذي متت استعارته يف‬
‫التفكيكية‪ ،‬ميثل قيم ة مرجعية يف التأسيس هلا‪ ،‬وذلك بقيامها على تفكيك التقابل ونقض‬
‫الرتاتب‪ ،‬ومل تقتصر إفادة التفكيكية من البنيوية يف إقامة املبنى النظري الذي وجدته جاهزاً‬
‫ملمارسة جهد عكسي لتفكيكه‪ ،‬بل تعدت ذلك إىل فكرة البنية من حيث هي افرتاض وخيال‬
‫يقرتحه الدارس البنيوي للتفسري‪.‬‬
‫من وجهة التأويل النصوصي‪:‬‬
‫التأويل الصويف والكتابة الصوفية‪ :‬يتشابه التأويل الالنهائي للنصوص يف التفكيكية مع‬ ‫‪. 1‬‬
‫التأويل الصويف للنص املقدس ‪ ،‬وقد نبع ذلك التشابه من عدم اإلميان بسر حمدد وقاطع يف النص؛ أي‬
‫اإلميان أن النص حامل يبث معاني جديدة باستمرار طبقاً ملوقف القاريْ وحلظته‪ ،‬وتتشارك‬
‫التفكيكية مع التصوف يف االرتياب يف الفكر العقالني امليتافيزيقي ويف اإلدراك لقدرى اللغة على‬
‫اخللق‪ ،‬كما تسري روح حتررية يف التصوف والتفكيك‪.‬‬
‫بني التصوف والسيميولوجيا والتفكيك‪ :‬ال يقتصر تشابه التأويل الالنهائي للنصوص يف‬ ‫‪. 2‬‬
‫التفكيك مع التأويل الصويف‪ ،‬بل يضاف إىل ذلك تشابه مع التأويل يف السيميولوجيا لدى شارل بريس‪.‬‬
‫فدريدا حييل على بريس يف شأن إشارته إىل منو الرموز وتطورها من عالمات أخرى‪ ،‬وإذا كان النص‬
‫لدى الصوفية ممتلئ باملعنى فإن النص عند دريدا فقري‪.‬‬
‫مقارنة بني التفكيكية والسيميولوجيا‪ :‬على الرغم من وجود التقارب بني التفكيكية‬ ‫‪. 3‬‬
‫زالسيميولوجيا يف شأن اإلحاالت الالمتناهية للمعنى‪ ،‬فإن مبنى هذه اإلحاالت السيميولوجي‪ ،‬كما‬
‫جتلت لدى برييس خيالف واقعها التفكيكي عند دريدا‪.‬‬
‫أ‪ -‬مفهوم العالمة ‪ :‬بدا مفهوم العالمة موضع اختالف وتناقض بني السيميولوجيا والتفكيكية‪،‬‬
‫فالسيميوجليا تعرف العالمة بوصفها عالقة ثالثية‪ ،‬لكن هذا املعنى التصنيفي للعالمة مرفوظ‬
‫جذري ًا من قبل التفكيكية‪ ،‬فالنقطة الرئيسية لدى دريدا أن يفكك مفهوم العالمة‪.‬‬
‫ب‪ -‬االختالف يف املوقف من املعنى‪ :‬طبيعي أن يكون املعنى موضع تضاد حاسم بني التفكيكية‬
‫والسيميولوجيا فاملعنى عند برييس هو ضمن العالمة‪ ،‬ويف املقابل تضع جورفيتش التفكيكية‪،‬‬

‫‪286‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫فهي تنفي أي معنى جوهري للنص‪ ،‬وحتدد املعنى خارجه‪ .‬إن املعنى لدى دريدا ليس حاضراً يف‬
‫النص‪ ،‬إنه جيدد يف عملية ال نهائية من االختالف واإلرجاء‪.‬‬
‫ت‪ -‬املوقف من الزمن وسؤال احلقيقة‪ :‬يف التفكيكية ال يوجد منو كما ال يوجد احندار ألنه ال‬
‫يوجد مقارنة وال تقويم‪ ،‬فعند دريدا ليس للحضور الفوري عالقة باملاضي أو املستقبل‪ ،‬فكل‬
‫آن نقطة زمنية فارغة يف احلضور‪.‬‬
‫ث‪ -‬التشابه واالختالف ‪ :‬وجود صدع بني السيميولوجيا والتفكيكية وهو صدع بني العقالنية اليت‬
‫متنح صفتها للسيميولوجيا وبني الالعقالنية اليت تصف بها التفكيكية‪ ،‬فهذه الوجوه من‬
‫التقابل والتضاد واالختالف بني السيميولوجيا والتفكيكية‪ ،‬ال تلغي مرجعية السيميولوجيا‬
‫للتفكيكية‪.‬‬
‫الذات بني الدال والواقع لدى ال كان‪:‬‬
‫لقد اجتمعت لدريدا لدى ال كان صيغة من التفاعل بني الدراسات اللسانية والسيميولوجية من جهة‪ ،‬والتحليل‬
‫النفسي عند فرويد من جهة أخرى‪ ،‬واألهمية اليت وجدها دريدا يف تلك املعرفة اليت أنتجها الكان‪ ،‬تتعلق‬
‫حبرية الدال وانفصاله عن املدلول‪.‬‬

‫ُتعترب التفكيكية العمود الفقري لنظريات ما بعد احلداثة‪ ،‬وقد ظهرت يف ظروف سياسية واجتماعية مضطربة‬
‫مر فيها العامل الغربي بعد احلرب العاملية الثانية وكانت هلا نتائج عديدة‪ ،‬وهذا دعا العامل الغربي للنظر يف‬
‫الثوابت واملسلمات وذلك انتقل إىل احلقل األدبي حيث شككت التفكيكية يف وجود نص ثابت أو قراءة‬
‫ثابتة وأن النص ليس له مرجعية لذلك يكون للنص فيها قراءات ال نهائية فكل قراءة إساءة ملا قبلها لذلك يقول‬
‫دريدا رائد التفكيكية‪" :‬التفكيكية حركة بنائية وضد بنائية يف آن واحد" وقد ارتبطت التفكيكية‬
‫بالفلسفة والفالسفة وأشهرهم نيشه الذي يعترب األب الروحي للتفكيكية‪ ،‬وهيدجر الذي يقول فيه دريدا أنه‬
‫هو أول من دق ناقوس فناء امليتافيزيقيا‪.‬‬
‫من مقوالت التفكيكية (نقد املركزية ـــ االختالف واالرجاء ـــ احلضور والغياب ـــ األثر ـــ اللعب احلر ـــ‬
‫التناص ـــ التشظي) ولقد قامت التفكيكية على أربع تيارات‪:‬‬
‫تيار هدمية نيتشه فعندما أعلن نيتشه موت اإلله هدم ذلك كل املرجعيات واملركزية‪ ،‬وعلى‬ ‫‪. 1‬‬
‫خطاه مشى جاك دريدا فألغى مركزية اللغة ومرجعيتها‬
‫تيار الشك اهليدجري فدريدا يقول‪ :‬أن هيجدر أول من قرع نواقيس نهاية امليتافيزيقيا فنقاط‬ ‫‪. 2‬‬
‫االلتقاء بينهما كنقد مركزية الفلسفية الغربية ونقطة الشك العدمي وغريها‪ ،‬ولذلك انتقد دريدا‬
‫هيدجر لبقاء ارتباطه بشيء من املرجعية (املتيافيزيقيا)‬
‫تيار فرويد والالشعور حيث أثار دريدا عرب عدة نقاط منها تقويض الثنائيات‪ ،‬وتأثر به أيضاً‬ ‫‪. 3‬‬
‫بتعامله مع املناطق الغائبة عند االنسان‬
‫تيار روالن بارت من خالل قراءة للنصوص األدبية كخيانة اللغة وموت املؤلف وحتليل النصوص‪.‬‬ ‫‪. 4‬‬
‫‪287‬‬
‫ملخص مراجع االختبار الشامل‬
‫تلخيص وتنسيق وإعداد وطباعة‬ ‫جامعة امللك عبدالعزيز ــ كلية اآلداب‬
‫سعيد بن رداد املالكي‬ ‫قسم اللغة العربية ــ مسار األدب‬

‫إن التفكيكية عملية تقويض مستمر للنص حتى أن التفكيكية نفسها قابلة للتفكيك‪ ،‬ولقد انتقد دريدا‬
‫هيدجر بأنه بقي مسكون مبيتافيزيقيا احلضور‪ ،‬وقد جعل احلضارة اليونانية مرجع للفلسفة دريدا يرفض أن‬
‫يكون املنهج التفكيكي منهج حتليلي ألن التحليل خيلق املرجعية اليت يرفضها دريدا ويقوضها‪ .‬أطلق دريدا‬
‫على العقل والوعي مركزية اللوقوس (العقل) وهو املسؤول عن الوعي لذلك سعى دريدا لفك االرتباط بني‬
‫احلقيقة واللوقوس‪ ،‬فدريدا أن تقويض العقل يكون عن تقويض الثنائية الضدية ألن هذه الثنائية تقوم تراتبية‬
‫قامعة وتعطي األفضلية لطرف دون آخر وتظهر الطرف اآلخر سليب غري مرغوب فيه‪ ،‬فقلب دريدا هذه الثنائية‬
‫مبحو أفضلية الطرف األول حيث جعل الطرف الثاني صورة من صور الطرف األول‪.‬‬
‫مفاهيم دريدا اللغوية‪:‬‬
‫الكالم والكتابة‪ :‬يفرتض الكتابة قبل الكالم ألن الكالم عدم والكتابة وجود‬ ‫‪. 1‬‬
‫املعنى‪ :‬البنيويون يرون أن املعنى داخل النص‪ ،‬أما التفكيكيون فريون أن املعنى متغري ويف توالد‬ ‫‪. 2‬‬
‫مستمر فالقارئ هو الذي حيدد املعنى‬
‫يؤمن مبوت املؤلف‬ ‫‪. 3‬‬
‫مركزية اللوقوس‪ :‬كان التمركز حول املنطوق‪ ،‬عندما نتعامل مع النص نتحرر من احلضور‬ ‫‪. 4‬‬
‫فال شيء خارج النص‬
‫إجراءات النقد التفكيكي‪:‬‬
‫البحث عن املتناقضات يف النص األدبي ألن التناقض هو معول هدم النص‬ ‫‪. 1‬‬
‫البحث عن املسكوت عنه يف النص األدبي‬ ‫‪. 2‬‬
‫الوقوف على كل ما هو هامشي يف النص األدبي‬ ‫‪. 3‬‬
‫االنتقادات للمنهج التفكيكي‪:‬‬
‫لقد هاجم عبدالعزيز محودة يف املرايا احملدبة حيث رفض استخدامنا كعرب ملنهج نقدي انتجه مناخ ثقايف‬
‫وفكر فلسفي مغاير‬
‫الغائها للمرجعية واملركزية وإقرارها بنظرية اللعب احلر للدالالت حيدث نوع من التشتت وعدم القدرة على‬
‫حتديد معنى النص‬
‫التشكيك يف اللغة وقدرتها على توصيل املعنى‬
‫تبنيها فكرة موت املؤلف (فمن منطلق حرية املتلقي يف التفكري انطقت التفكيكية النصوص مبا ليس فيها)‬
‫قطع الصلة بني األدب واجملتمع‬
‫استخدامها للتناص وتركيزها علية جعل النص أصداء للماضي‬
‫غموض املصطلحات وتداخلها‬
‫انتقد علماء اللسانيات دريدا على قوله بأن الكتابة غري مهابه وأنها قبل الكالم وأن اللغة تبين املفاهيم‬

‫‪288‬‬

You might also like