You are on page 1of 8

‫‪1‬‬

‫محاضرة على منصة التعليم‬


‫األستاذ‪ :‬جمال حضري‬
‫املوسم الدراسي‪2023-2022 :‬‬
‫الكلية‪ :‬األدب واللغات‬
‫القسم‪ :‬اللغة واألدب العربي‬
‫املقياس‪ :‬النقد العربي املعاصر‬
‫املستوى الدراسي‪ :‬السنة ‪ 2‬ليسانس‬
‫السداسي‪4 :‬‬

‫األسلوبية وأثرها في النقد العربي‬


‫ينطل ق االجتاه األس لويب من اعتب ار النص األديب تص رفا يف اللغ ة‪ ،‬مما جيع ل ه ذا النص منخرط ا‬
‫جبدارة ضمن املعاجلة اللغوية "ولكن الوصف اللغوي اخلالص للعمل األديب سيربز مجيع العناصر اللغوية‬
‫يف وصفه‪ ،‬ويوضح مكوناهتا ووظائفها‪ ،‬دون أن يعني املالمح والعناصر اليت متثل أيضا وحدات النص‬
‫األسلوبية" ‪ ،‬من هنا نشأت ضرورة وضع املعايري الناجعة اللتقاط الوقائع الأسلوبية دون غريها‪.‬‬
‫تتح دد األس لوبية ببع دها اللس اين ال ذي يس تند إىل ازدواجي ة اخلط اب بني ش بكة من ال دوال‬
‫تكشف عند االستنطاق عن شحنة داللية ال تتعني إال هبا وال يتعني هبا غريها‪ ،‬وهذا املعطى هو الذي‬
‫جيعلها تتحدد بكوهنا البعد اللساين لظاهرة األسلوب‪ ،‬طاملا أن جوهر األثر األديب ال ميكن النفاذ إليه‬
‫إال عرب صياغاته اإلبالغية‪ .‬ويف بعدها الوظيفي‪ ،‬تتحدد األسلوبية بأهنا دراسة اخلصائص اللغوية اليت‬
‫يتحول هبا اخلطاب عن سياقه الإخباري إىل وظيفته التأثريية واجلمالية‪.‬‬
‫وق د أدى التمي يز بني اللغ ة كظ اهرة لس انية جمردة توج د ض منيا داخ ل ك ل خط اب بش ري‪،‬‬
‫والكالم باعتباره الظاهرة اجملسدة للغة‪ ،‬إىل حصر جمال األسلوبية‪ ،‬إذ تتصل باجلدول الثاين من الظاهرة‬
‫وه و احليز العملي احملس وس املس مى عب ارة أو خطاب ا أو نص ا أو رس الة أو طاق ة بالفع ل‪ ،‬وه ذا تولي د‬
‫شرعي‪ ،‬ألسلوبية عامة كانت عند مؤسسها شارل بايل أسلوبية للخطاب اللغوي عامة‪ ،‬مث استقرت‬
‫من خالل جهود أتباعه علما للنصوص األدبية يف ضوء ما تقرره اللسانيات من كشوف حول بنية‬
‫اجله از اللغ وي عام ة‪ .‬ويق وم االس تثمار األس لويب للكش وف اللس انية على التوص يف العلمي لبعض‬
‫األمناط واألنظم ة املاثل ة يف األبني ة اللغوي ة لنص حمدد ورص د كيفي ة توزعه ا‪ ،‬ألن النص األديب يق وم‬
‫بأكمله يف إطار اللغ ة‪ ،‬وخيض ع إلمكاناهتا فإذا أخ ذنا يف اعتبارنا البنية اللغوية األساسية‪ ،‬فإن دراسة‬
‫اللغة األدبية تصبح حبثا عن منط استغالل إمكانات اللغة‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫هذا التشاكل التكويين جعل من املمكن ‪-‬حسب ستيفن أوملان‪ -‬أن يتناول التحليل األسلويب‬
‫الت درج ذات ه لعلم اللغ ة‪" ،‬ف إذا حص ر التحلي ل اللغ وي يف الص وت واملعجم والنح و‪ ،‬أمكن للتحلي ل‬
‫األسلويب أن يندرج على نفس النمط وعندئذ نبدأ من علم أسلوب صويت ويبحث يف احملاكاة الصوتية‬
‫وغريه ا من الظ واهر من الوجه ة التعبريي ة‪ ،‬وعلم أس لوب معجمي للبحث يف الوس ائل التعبريي ة‬
‫للكلمات وحاالت الرتادف واإلهبام والتضاد والتجريد والتحديد والغرابة واأللفة وحتليل الصور على‬
‫نفس املستوى‪ ،‬وعلم أسلوب اجلمل ليخترب تعبريية الرتاكيب النحوية" غري أن هذا الوضوح التعريفي‬
‫ال يعين أن األسلوبية انبثقت يف سالسة ودون ضجيج‪ ،‬بل إهنا متعددة املشارب والتفرعات مبا أغناها‪،‬‬
‫وميكن أن نذكر يف إجياز‪:‬‬
‫أ‪ -‬أسلوبية بايل‪:‬‬
‫ال ذي قس م اخلط اب إىل‪ :‬م ا ه و حام ل لذات ه غ ري مش حون وم ا ه و حام ل للعواط ف‬
‫واالنفعاالت" وتكون مهمة األسلوبية تتبع "بصمات الشحن يف اخلطاب عامة"‪ ،‬أي اجلانب العاطفي‬
‫للظ اهرة اللغوية والكثافة الشعورية اليت يشحن هبا املتكلم خطابه‪ ،‬لذلك حدد بايل حق ل األسلوبية‬
‫بظ واهر تعب ري الكالم وفع ل ظ واهر الكالم على احلساس ية‪ ،‬ول ذلك "فهي تنكش ف أوال وبال ذات يف‬
‫اللغ ة الش ائعة التلقائي ة قب ل أن ت ربز يف الكالم الف ين"‪ ،‬غ ري أن ه ذا احلص ر س رعان م ا هج ر لص احل‬
‫اخلطاب الفين عامة واألديب خاصة‪.‬‬
‫ب‪-‬أسلوبية سبتزر‪:‬‬
‫اختذ س بتزر من مفه وم االنزي اح "مقياس ا لتحدي د اخلاص ية األس لوبية عموم ا ومس بارا لتق دير‬
‫كثافة عمقها ودرجة جناعتها‪ ،‬مث يتدرج يف منهج استقرائي يصل به إىل املطابقة بني مجلة من التعابري‬
‫وما يسميه بالعبقرية اخلالقة لدى األديب‪ .‬ويرى سبتزر أن األسلوبية حتلل استخدام العناصر اليت متدنا‬
‫ميكن من كش ف ذل ك االس تخدام ه و االحنراف األس لويب الف ردي‪ ،‬وم ا ينتج من‬ ‫هبا اللغ ة‪ ،‬وأن م ا ّ‬
‫انزياح عن االستعمال العادي"‪.‬‬
‫إن ما ميكن فهمه من منظور سبتزر لالنزياح إجرائيا هو تتبع اخلطوات التالية‪:‬‬
‫‪-‬اكتشاف االنزياح األسلويب بالنسبة لالستعمال الوسطي‬
‫‪-‬تقدير هذا االنزياح ووصف معناه التعبريي‬
‫‪-‬التوفيق بني هذا االكتشاف وبني أسلوب العمل العام‪.‬‬
‫ويف استعراض ه لالجتاه ات األس لوبية‪ ،‬خص ص بي ار غ ريو الفص ل الراب ع من كتاب ه األس لوبية ( ‪La‬‬
‫‪ )Stylistique‬لألسلوبية التكوينية أو أسلوبية الفرد‪ ،‬وضّم نه –خصوصا‪ -‬مبادئ هذا االجتاه وهي‪:‬‬
‫‪-‬النقد نابع من العمل‪ ،‬أكرر‪-‬يقول سبتزر –أن األسلوبية جيب أن تأخذ منطلقها من العمل‬
‫وليس من وجهة نظر مسبقة خارجية عنه‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪-‬كل عمل هو عبارة عن ك ّل‪ ،‬ويف داخله روح مبدعه اليت تشكل مبدأ التماسك الداخلي‬
‫للعمل‪.‬‬
‫‪-‬ك ل جزئي ة جيب أن متكنن ا من النف اذ إىل وسط العم ل باعتب اره كال وأي جزئية فيه م ربرة‬
‫ومندجمة‪.‬‬
‫‪-‬ندخل إىل العمل بواسطة احلدس‪.‬‬
‫‪-‬العمل من خالل إعادة بنائه ودجمه يف جمموع‪.‬‬
‫‪-‬هذه الدراسة هي أسلوبية تأخذ نقطة انطالقها من مسة لغوية‪.‬‬
‫‪-‬الس مة اخلاص ة هي انزي اح أس لويب ف ردي‪ ،‬طريق ة للكالم خاص ة وت نزاح عن االس تعمال‬
‫العادي‪ ،‬كل انزياح عن القاعدة يعكس انزياحا ما يف ميدان آخر‪.‬‬
‫‪-‬األسلوبية جيب أن تكون نقدا متعاطفا‪.‬‬
‫إن الطريق ة ال يت يواج ه هبا األديب الع امل تص بح هي الطريق ة ال يت يب دل هبا األديب الع امل"‪،‬‬
‫وبأسلوب معاجلة أكثر منهجية طور باحثون أملان أفكار سبتزر‪ ،‬باعتماد "احلافز والكلمات" واملوازاة‬
‫بني الس مات األس لوبية وعناص ر املض مون‪ ،‬وطبقه ا س بتزر باستقص اء ورود أفك ار رئيس ية مت واترة‬
‫والربط بينها وبني فلسفة الكاتب‪.‬‬
‫إن ما مييز االجتاه األسلويب املثايل هو اعتباره اللغة األدبية انزياحا ذا بعدين مجايل ونفسي‪ ،‬فقد‬
‫أدخل ليو سبتزر مفهوم االنزياح إىل الدراسة األسلوبية‪ ،‬وأراد أن يفسر به خصوصيات األسلوب‪،‬‬
‫ولكن ه س عى بع د ذل ك إىل تتب ع األص ل ال روحي والس يكولوجي لتل ك اخلص ائص‪ ،‬متام ا مثلم ا وج د‬
‫مصطلح االنزياح لتسمية بعض األشكال اللغوية الشاردة‪.‬‬
‫ج‪-‬أسلوبية ريفاتري‪:‬‬
‫من منظور تواصلي‪ ،‬يقوم هذا االجتاه على تعريف خاص لألسلوب وفهم خاص أيضا للعالقة‬
‫بني املرس ل واملتلقي‪ .‬فاألس لوب عند ريف اتري "إبراز يف رض على انتباه الق ارئ بعض عناص ر السلسلة‬
‫التعبريية"‪ ،‬ومنه أن األسلوب ليس واقعا بالكلية يف النص‪ ،‬ولكنه موجود يف سياق تفاعل القارئ مع‬
‫النص‪.‬‬
‫إن أمهي ة دور املتلقي ليس ت مفروض ة من خ ارج بق در م ا هي اختي ار اس رتاتيجي للمرس ل‬
‫ال ذي يري د ف رض طريق ة معين ة لتفكي ك رس الته من قب ل الق ارئ‪ ،‬و ل ذا ف إن الرس الة يف اجلزء األهم‬
‫مرتبطة بالوهم املتولد لدى القارئ وهو يلتقط املؤشرات األسلوبية اليت ش ّف ر هبا املرسل رسالته‪ .‬وهبذا‬
‫االعتبار يستبعد ريفاتري التحليل اللساين الذي لن يفرق يف عمله بني املؤشر األسلويب والواقعة اللسانية‬
‫البحتة‪ ،‬زيادة على أن املعيار اللساين غري قار ومتباين من مدرسة إىل أخرى‪ ،‬ومن حقبة إىل أخرى‪،‬‬
‫لذلك اقرتح ريفاتري فكرة السياق (الداخلي) قاعدة يتم االنزياح بالنسبة إليها‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ت وفر السلس لة التواص لية (مرس ل‪ /‬رس الة‪ /‬متلقي) أرض ية يب ين عليه ا ريف اتري نظرت ه إىل‬
‫خصوصية الرسالة األدبية‪ ،‬إذ لكل عنصر منها اسرتاتيجيته‪:‬‬
‫‪-‬فاملرسل ليس لديه إمكانات املتكلم (إمكانات إضافية للتأثري) فيلجأ إىل اإلحلاح بإجراءات أسلوبية‬
‫ي وفر هلا حدا أقصى من الفعالية‪ ،‬ويكون وعيه مزدوجا‪ ،‬من ناحية بعملية التشفري ومن ناحية أخرى‬
‫بطريقة التفكيك نفسها احملتملة "وهذه املراقبة هي ما مييز الكتابة الأدبية عن الكتابة العادية"‪.‬‬
‫‪-‬ومن ناحي ة الرس الة ال يت تس تمر مادي ا من خالل الكتاب ة‪ ،‬تبقى النم اذج املعروض ة للتفكي ك‪ ،‬لكن‬
‫املرجعية اللسانية للمفكك غري ثابتة‪ ،‬ويف هذه النقطة يفرتق اللساين عن األسلويب‪ ،‬فاللساين يبحث‬
‫عن بن اء وض ع س الف للغ ة‪ ،‬بينم ا حياول األس لويب إع ادة بن اء األث ر ال ذي ك ان ألس لوب النص زمن‬
‫كتابته‪.‬‬
‫‪-‬أما من ناحية املتلقي‪ ،‬فهو هدف خمتار بوعي من قبل املش ّف ر‪ ،‬واإلجراء األسلويب متعلق بإدراكه له‬
‫وإال تش وه النص‪ .‬إن ردة فع ل الق ارئ تص بح أداة للتحلي ل رغم ذاتيته ا ولكن ريف اتري يع د ل ذلك‬
‫حماذيره من خالل فرضية القارئ النموذجي‪.‬‬
‫تقوم نظرة ريفاتري إىل األسلوب باعتباره إبرازا (‪ )Mise en relief‬على ثالثة معايري‪:‬‬
‫القارئ النموذجي ‪ /‬والسياق ‪ /‬والتضافر األسلويب‪.‬‬
‫ومتارس هذه املعايري رقابة متبادلة فيصحح بعضها بعضا‪ ،‬إذ إن معيار القارئ النموذجي مهما سعى‬
‫إىل املوض وعية فه و حمك وم ب الوعي اللس اين لك ل ق ارئ‪ ،‬زي ادة على تن وع الق راء واختالف اجتاه اهتم‬
‫وميلهم إىل التف تيت يف املالحظ ة‪ ،‬ول ذلك فإن ه غالب ا م ا ت رتكب أخط اء باإلض افة أو احلذف‪ .‬وملراقب ة‬
‫هذه الثغرات طرح ريفاتري معيار السياق‪ ،‬حىت يكون كل ملمح أسلويب يالحظه القارئ مرتبطا خبلفية‬
‫دائمة وحىت يتّم تفادي خطأ اإلضافة أو احلذف‪ .‬وال شك أن هلذا املعيار أمهية بالغة إذا قورن مبعيار‬
‫قار كمعيار اللسان الذي يعدد ريفاتري عيوبه إلبراز إجيابيات السياق‪:‬‬
‫فانطالق ا من املعي ار اللس اين‪ ،‬ميكن أن يع د أس لوبا ك ل م ا يفض ل من السلس لة املنطوق ة بع د‬
‫حذف ما أمكن وصفه بالتحليل اللساين‪ ،‬وهذا غري صحيح‪ ،‬فاملادة البانية احملايدة يف سياق قد تشتغل‬
‫أسلوبيا يف سياق آخر‪ ،‬وهو ما ال يفسّره املعيار الثابت‪.‬‬
‫إن املعي ار اللس اين غ ري مالئم ألن الق راء (و ك ذا املؤلفني) ال يقيم ون أحك امهم على معي ار‬
‫مثايل‪ ،‬ولكن على تصور شخصي ملا هو معيار‪ ،‬وهذا املعيار "حىت لو كان ضروريا تأويليا‪ ،‬فإنه غري‬
‫قابل لالستخدام استكشافيا"‪ .‬هبذا تربز فكرة السياق كمعيار مثمر‪ ،‬إذ إنه يقدم اإلجابة الوافية عما‬
‫ط رح من إش كاالت‪ ،‬فيفهم ملاذا يك ون إج راء أس لوبيا ت ارة وغ ري ذل ك ت ارة أخ رى‪ ،‬وملاذا يس تعيد‬
‫إجراء مستهلك (‪ )usé‬قيمته األسلوبية‪ ،‬كما ينسجم هذا املعيار مع الطبيعة احلركية للتشفري اللساين‬
‫واختالف مرجعي ات الق راء‪ .‬وخالل الق راءة يتح دّد الس ياق ال راهن ب القراءة الس ابقة‪ ،‬فه و يالح ق‬
‫‪5‬‬

‫الق ارئ‪ ،‬ويظه ر دورا مزدوج ا‪ ،‬فه و من ناحي ة ينتج اإلج راء األس لويب بالنس بة إلي ه‪ ،‬وباحتادمها ق د‬
‫يكونان سياقا إلجراء جديد‪.‬‬
‫إن التحليل األسلويب ينصب على التغيريات اليت متيز املتوالية اللغوية‪ ،‬والتغيري يفرتض منوذجا‬
‫يتم بالنس بة إلي ه وه و م ا أمساه جاكبس ون التوق ع املكب وت‪ .‬ويف حني يعت ربه ه ذا األخ ري انزياح ا عن‬
‫املعيار‪ ،‬يصر ريفاتري على كونه انزياحا عن السياق‪ :‬فاملنبه األسلويب يستند إىل عناصر التوقعية الدنيا‬
‫(املش فرة داخ ل مك ون واح د أو أك ثر) واملكون ات اجملاورة تش كل الس ياق‪ ،‬والس ياق يتم يز هن ا عن‬
‫املعيار مبالءمته التلقائية‪ ،‬فيتغري مع كل تأثري أسلويب‪ .‬ومن هذه القابلية للتغري املستمر للسياق يستنتج‬
‫ريفاتري ملاذا ال يتطابق انزياح ما ‪-‬بالضرورة‪ -‬مع األسلوب‪.‬‬
‫حيدث االنزياح –عند ريفاتري‪ -‬حني تطور الوظيفة األسلوبية املتتالية يف اجتاه االحتم ال األدىن‬
‫أو االحتمال األعلى وذلك بتقوية منوذج السياق (قبل أن خيرق)‪ ،‬واألثر املرتتب هو التوقع املكبوت‪،‬‬
‫حيث يتزاي د التوق ع بتزاي د عنص ر التوقعي ة األعلى‪ ،‬واالنزي اح ه و خ رق ه ذا النم وذج بعناص ر ذات‬
‫توقعية دنيا ومن صورها‪:‬‬
‫‪-‬عبارات غريبة عن واقع اللغة‬
‫‪-‬عناصر ملقولة حنوية مغايرة ملا تسمح به بنية اجلملة‬
‫‪-‬اجملاورة بني عناصر يلغي بعضها بعضا‬
‫أم ا خبص وص املرجعي ة وتعالقه ا م ع االنزي اح عن د ريف اتري‪ ،‬ف إن الوظيف ة األس لوبية تتغلب‬
‫باستمرار على الوظيفة املرجعية‪ ،‬وحني تكون الرسالة حمايدة (غري مشحونة) تتعطل معرفة املرسل إليه‪،‬‬
‫دور املتلقي‪.‬‬
‫البنية األكثر بساطة َ‬‫ألن متثيل الواقع حينئذ يرتبط بانتباه املشّف ر وبفهمه وبالتايل تعطل ُ‬
‫أثر المنهج األسلوبي في النقد العربي المعاصر‬
‫عبد السالم املسدي‪ :‬أصدر كتابا مهما بعنوان األسلوبية واألسلوب‪ :‬حنو بديل ألسين يف نقد األدب‪،‬‬
‫وق د تن اول يف مقدم ة الكت اب حال ة النق د األديب الع ريب املعاص ر ووض عية األس لوبية في ه مث عالقته ا‬
‫باالجتاهات األخرى اليت تشرتك معها يف دراسة النص األديب‪.‬‬
‫فق د وقعت األس لوبية ش أن ك ل جدي د بني "اإلعج اب واالس تغراب" و"املناص رة واملن افرة"‪ ،‬لكنه ا‬
‫متكنت من إثبات ذاهتا يف الفكر العريب الساعي إىل حداثة متوازنة بني أصالة تغار على مرياثها وجتديد‬
‫يطمح إىل مواكبة العصر‪.‬‬
‫ودليل هذا االنتشار كثرة األعمال املنجزة من منظورها نظريا وتطبيقيا‪ ،‬رغم بعض االلتباسات النامجة‬
‫عن ج دة املوض وع ومنه ا حتدي د العلم وإجراءات ه‪ .‬فالص لة بني األس لوبية واللس انيات كالص لة بني‬
‫الناشئ وسبب نشوئه‪ ،‬إذ تفاعلت اللسانيات خاصة السوسريية مع النقد األديب فنتجت "قواعد علم‬
‫األسلوب"‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أم ا عالق ة األس لوبية بالبنيوي ة فملتبس عن د الكث ريين‪ ،‬ومن مث وجب توض يح جمال ك ل منهم ا‪:‬‬
‫فاألسلوبية تعاجل النص األديب انطالقا من مبادئ ذات مضامني معرفية حتتكم إليها مثلها مثل أي علم‪:‬‬
‫علم النفس‪ ،‬علم االجتماع‪ ،‬علم اجلمال‪ ،‬فال تسرح نصا وال تؤوله إال من خالل مصادراهتا‪.‬‬
‫أم ا البنيوي ة فليس ت علم ا وال فن ا معرفي ا ب ل هي "فرض ية منهجي ة" تعت رب هوي ة الظ واهر متح ددة ال‬
‫جبواهرها وماهياهتا بل بالعالقة بني مكوناهتا وشبكة الروابط بينها‪.‬‬
‫وألن النص األديب كان موضوعا مفضال للبنيوية باعتبارها مصدرا خصبا للرؤى الشكلية التجريدية‬
‫إىل درجة االستعانة بأساليب املنطق الصوري‪ ،‬فقد اجته بعض النقاد العرب إىل املزج بني ما هو بنيوي‬
‫شكلي وما هو لغوي مما أدى إىل التباس الّص وري باألسلويب‪.‬‬
‫وأخط ر االلتباس ات م ا ك ان يف النق د الع ريب بني األس لوبية والبالغ ة‪ ،‬حيث ميكن أن ت ؤدي إىل نقض‬
‫العلم اجلدي د باعتب اره ب ديال متم يزا ل ه تص وراته النظري ة ومقوالت ه التص نيفية املختلف ة عن البالغ ة‬
‫ومصادراهتا وتقسيماهتا‪.‬‬
‫وألن أي علم ال يتميز ويستقل إال‪ :‬مبوضوعه الذي مل يسبق إليه أو مبنهج لتناول موضوع مل يسبقه‬
‫علم إىل تناوله مبثل ذلك املنهج‪ ،‬فإن األسلوبية من الصنف الثاين مثلها مثل اللسانيات‪.‬‬
‫فاللس انيات وفق ه اللغ ة علم ان يدرس ان نفس املادة وهي الظ اهرة اللغوي ة‪ ،‬لكنهم ا خيتلف ان منهجي ا‪،‬‬
‫فوجب اختالف املوضوع واإلجراءات ومن مث يستقالن كل على حدة‪.‬‬
‫قّس م املسدي اجتاهات األسلوبية إىل‪:‬‬
‫‪-‬اجتاه عقالين حمض بدأ بشارل بايل‪ :‬اعتقد أن القواعد األساسية لعلم األسلوب ترسخت وفق رؤية‬
‫وضعية صارمة خاصة يف أعمال تالميذه ماروزو وكراسو‪ ،‬حيث استبعدوا العلوم اإلنسانية وتعاملوا‬
‫مع موضوع األسلوب بكل جتريد‪ ،‬فتأسس تيار األسلوبية الوضعية‪.‬‬
‫‪-‬وكان رّد الفعل ما قام به ليو سبتزر من إفساح اجملال أمام االنطباع والذاتية ونسبية التعليل واستبعد‬
‫كل مظاهر وضعية البحث األسلويب‪ .‬فانبثق تيار األسلوبية املثالية‬
‫أّد ى اجلدل بني التيارين إىل ثنائية املمارسة والتنظري خاصة بعدما عقد جاكبسون عالقة بني اللسانيات‬
‫والش عرية ومن مث بني اللس انيات واألدب‪ .‬وهي الرؤي ة ال يت ت دّعمت بص دور نص وص الش كالنيني‬
‫الروس على يد تودوروف‪.‬‬
‫حتديد العلم وموضوعه‬
‫يتكون مصطلح األسلوبية من شقني‪ :‬األسلوب‪ ،‬وهو مدلول إنساين ذايت ومن مث نسيب‪ ،‬بينما تشري‬
‫الالحق ة (ي ة) بالبع د العلمي والعقالين‪ .‬ول ذلك تع رف بأهنا البحث عن اخلص ائص املوض وعية‬
‫لألسلوب‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫تتحدد األسلوبية ببعدها اللساين الذي ينظر إىل اخلطاب متكونا من دوال ومدلوالت‪ "،‬فهي البعد‬
‫اللساين لظاهرة األسلوب‪ ،‬ألن جوهر األثر األديب يكمن خلف الصياغة اإلبالغية" وتأسيسا على هذا‬
‫يركز التفكري األسلويب على النص حصرا بعيدا عن السياق التارخيي أو النفسي‪.‬‬
‫إض افة إىل البع د اللس اين‪ ،‬ي أيت البع د األديب والف ين عموم ا ليخص ص اإلبالغ‪ ،‬فمن وظيف ة اإلخب ار يف‬
‫احلدث اللساين‪ ،‬إىل الوظيفة اجلمالية يف احلدث األديب‪ ،‬وتصبح األسلوبية هنا دراسة خلصائص اللغة‬
‫اليت حتول اخلطاب من اإلخبار إىل اجلمال‪ .‬فاألدب يؤدي وظيفتني‪ :‬إبالغ الداللة والتأثري االنفعايل يف‬
‫املتلقي‪.‬‬
‫واعتمادا على ثنائية دو سوسيؤ اللغة ‪ /‬الكالم‪ ،‬حتدد نطاق األسلوبية فيما هو فردي أي الكالم‪ّ .‬خلص‬
‫املسدي اجتاهات األسلوبية انطالقا من ثالث مصادرات‪:‬‬
‫مصادرة املخاِط ب‪ :‬يتحدد األسلوب هنا بكونه كاشفا لنمط تفكري صاحبه كما قال بذلك بوفون‪،‬‬
‫مص ادرة اخلط اب‪ :‬ميثله ا جاكبسون يف إط ار ب نيوي‪ ،‬حيث هتيمن وظيف ة مجالي ة أو ش عرية على باقي‬
‫الوظائف املوجودة يف كل رسالة لغوية أو فنية‪ ،‬وبناء عليه يكون األسلوب توافقا بني عملية االختيار‬
‫وعملي ة ال رتكيب في ؤدي إىل انس جام بني العالق ات االس تبدالية الغيابي ة يتح دد حاض رها بغائبه ا‬
‫والعالقات التوزيعية احلضورية ومتثل خطية اخلطاب دون عفوية وال اعتباط‪.‬‬
‫مصادرة املخاَطب‪ :‬ميثلها ميشال ريفاتري‪ ،‬وتعترب األسلوب قوة ضاغطة على املتلقي‪ ،‬وتستعني بالقارئ‬
‫املخرب لتحديد الربوز األسلويب ليبلورها احمللل األسلويب كمكونات لألسلوب‪.‬‬
‫وضمن هذه املستويات الثالثة لألسلوب تربز فاعليتان متغلغلتان يف البحث األسلويب مها‪:‬‬
‫‪-‬االختي ار‪ :‬ال ذي يس تغل إمكان ات اللغ ة من أص وات ومعجم حس ب املنظ ور األس لويب املتب ع‪ ،‬مثالي ا‬
‫كان أو بنيويا‪.‬‬
‫‪-‬االنزياح‪ :‬وهو احنراف عن املعيار باعتباره قانون اللغة املعتادة كما حدده جون كوهني‪ ،‬وقد اختلف‬
‫يف حتديده بني متوسط إحصائي‪ ،‬وفاعلية سياقية بنائية كما ذهب إليه ريفاتري‪.‬‬
‫ويف ع ام ‪ 1981‬ص در كت اب "خص ائص األس لوب يف الش وقيات" حملم د اهلادي الطرابلس ي‪ ،‬حيث‬
‫رص د أث ر اإليق اع يف نص وص ش وقي من خالل الق وايف واجلن اس والطب اق واهتم خبص ائص املقابل ة‬
‫وأمهيتها يف النص‪ .‬األسلوبية‬
‫ويف مس توى الدالل ة وق ف على الرم ز والتش بيه والتش خيص والتجري د وأن واع الص ور الش عرية‪ ،‬وم ا‬
‫يعاب على الدراسة هو تفتيت النصوص والظواهر األسلوبية‪.‬‬
‫كما أجنز سعد مصلوح دراسة هامة بعنوان‪" :‬األسلوب دراسة لغوية إحصائية" حدد فيه األسلوب‬
‫بواسطة املؤشرات اإلحصائية‪ ،‬مستخدما النسب بني الصفات واألفعال‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ومن أج ود م ا أل ف يف التط بيق األس لويب كت اب "الب ىن األس لوبية دراس ة يف أنش ودة املط ر للس ياب"‬
‫لص احبه حسن ن اظم‪ ،‬حيث درس األسلوب وفق مستويات اخلطاب وفحص البىن املهيمنة متجاوزا‬
‫املخططات واجلداول اإلحصائية إىل مالحظة القيم اجلمالية فيها‪.‬‬
‫لقد تفادى الناقد التحليل التجزيئي من خالل رصد عالقات بني مستويات التحليل خاصة وقد ركز‬
‫على عنصر اجلمال الذي بدا عرب عدة وسائل ووصل إىل استخالص اخلصائص النفسية للسياب‪ ،‬وتتبع‬
‫تشكيل القوايف وحركية اليت توّلدها‪ ،‬مطبقا فرضية السياق األسلويب عند ريفاتري يف مستوى الداللة‪.‬‬

You might also like