Professional Documents
Culture Documents
تحت اشراف :الدكتورة وهيبة بن حدو. من اعداد الطالبة :بنور' فاطمة.
[Tapez ici]
2
][Tapez ici
شكر وتقدير:
الحمد هلل والشكر' هلل على نعمه ،والصالة والسالم على أسرف األنبياء والمرسلين سيدنا وحبيبنا' وقرة
أعيننا محمد صلى هللا عليه وسلم' وعلى آله وأصحابه أجمعين ،أما بعد:
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم "من ال يشكر الناس ال يشكر هللا"
*األستاذة المشرفة "وهبة من حدو" التي بذلت معنا مجهودا' وخصصت من وقتها لمتابعة هذا البحث رغم
انشغاالتها' ومسؤوليتها المتعددة فجزاها هللا عنا كل خير كما أتوجه بالشكر الجزيل الى كل األساتذة في
قسم اللغة واألدب العربي .كما أتقدم بالشكر' الجزيل لوالدي العزيز' أطال هللا في عمره وأمي الغالي
3
مقدمة
4
مقدمة
مقدمة:
عرفت الدراسات اللسانية تطورا ملحوظا' في أواخر القرن التاسع عش''ر حيث تم تج''اوز' المن''اهج المعتم''دة
في الدراسة اللغوية الى اعتماد المنهج الوصفي الذي يرجع معظم الباحثين بداية ظهوره الى عهد وسوسير'
قبل انتشاره في كل بقاع العالم وتأثيره على مختلف العلوم والتخصصات ولما كانت سمة التط''ور مالزم''ة
للنظريات اللسانية فانه كان البد من نقد المنهج البنيوي اللساني واالتجاه البنيوي في دراس''ة اللغ''ة عام''ة أو
اظهار عيوب بعض مبادئه وأركانه لتبرير ضرورة التبشير بنظرية أخرى تقوم على أنق''اض ال''تي س''بقتها
حيث يتفق اللسانيون على أن البنيوية تقوم على أساس نظري' وأن البنيوية كمبدأ عام ظهر في أوائل الق''رن
العشرين عندما نشر كتاب ل''ه محاض''رات في اللس''انيات للسويس''ري فيردين''ارد وسوس''ير' س''نة 1917في
ب''اريس ال''ذي يع''د أول مص''در للبنيوي''ة في الثقاف''ة الغربي''ة وظه''رت البنيوي''ة في الفلس''فة وعلم االجتم''اع
ومختلف' العلوم األخرى غير أن المفهوم الحقيقي للبنية لم يتضح اال بظه''ور' البني''ة اللغوي''ة وه''ذه األخ''يرة
تعني بدراس''ة اللغ''ة وذل''ك من خالل مس''توياتها األربع''ة المس''توى الص''وتي' الص''رفي ،النح''وي وال''داللي'
فالمستويات األربعة األخيرة هي عمدة اللغة فعند تضافرها' فيما بينها تشكل بنية اللغة فالفرد ال يكتسب لغ''ة
ما يشترط بوجود' مجتمع يستعمل جمل لهذه اللغة في س''ياقات مختلف''ة ومعرف''ة مختلف''ة األلف''اظ وال''دالالت
المناسبة خصصنا في بحثنا هذا الموضوع تحت عنوان دراسة بنية تحليل الخطاب اللس'اني بتط''بيق خطب''ة
الوداع نموذجا' لحبيبنا المصطفى صلى هللا عليه وسلم تمثلت خطة البحث في فهرس' الموضوعات ومقدم''ة
(أ -ب )... -ثم قسمت بحثي هذا لمقدمة ومدخل وثالثة فص''ول وأنهيت''ه بخاتم''ة ،أم'ا الم'دخل فح'اولت في''ه
تحدي''د مس''توى' الدراس''ة بتوض''يح وش''رح المف''اهيم المتع''ددة ال''تي تأخ''ذها المص''طلحات المتع''ددة البني''ة،
الخطاب ،التحليل كما تناولت عالقة البنية بالمجال اللسانيات وعالقتها بتحلي''ل الخط''اب اللس''اني ويلي ه''ذا
المدخل فصل أول عبارة عن دراسة نظرية حاولت من خاللها توض'يح نش'أة اللس'انيات البنيوي'ة ال'تي تع'د
انطالق المفهوم البنية أما الفصل الث'اني فح''اولت من خالل'ه م'دى ارتب''اط البني'ة بالمج''ال اللس'انيات ب'ذكر
وظائفها' اللغوية والخصائص الفنية أما الفصل الثالث فحاولت' من خالله معالج''ة النص من متط''ور' ب''نيوي
لسني ودعمت هذين الفصل بفصل ثالث تطبيقي حللت فيه خطبة الوداع انطالقا' من بنيته''ا اللغوي''ة وأنهيت
بحثي هذا بخاتمة لخصت فيها أهم النتائج المتوصل اليها ويبدو جليا من خطة البحث أن''ني اعتم''دت المنهج
الوصفي التحليلي الذي رأيته األمثل لمعالجة هذا الموضوع' ومن أهم الكتب التي اعتمدت عليها ما يلي:
5
مقدمة
والموضوع' هذا رغم كونه من المواضيع' المتسعة اال أننا الحظن''ا قل''ة الكتب بمختل''ف المكتب''ات ،وخاص''ة
مكتبتنا الجامعية فهي تفتقر للكتب اللسانية وخاصة تلك التي تعالج موضوع بني''ة الخط'اب اللس'اني كم''ا أن
كيفية دراسة تحليل النصوص من منظور تحليل الخطاب اللساني هذا يصعب على الطالب الب''احث االلم''ام
بطريقة التحليل وما يمكن قوله هنا هو أنني أدركت مدى صعوبة االلمام بجوانب ه''ذا الموض''وع المتوس''ع
وقد' خضعت في هذا المجال العلمي رغب'ة م'ني في االس'تفادة ألن البني'ة اللس'انية ك'انت بمثاب'ة ت'داخل بين
مجالين مختلفين تماما وهما اللغة واللسان أما األسئلة التي تمحورت' في ه'ذا البحث م''ا مفه''وم البني'ة؟ وم''ا
هي عالقتها في مجال اللسانيات؟ وركزت' في بحثي هذا عن خطبة الوداع للنبي صلى هللا عليه وس''لم ال''تي
تعد الجانب التطبيقي ألحكام التشريع اإلسالمية الذي مارس''ه الن''بي ص''لى هللا علي''ه وس''لم في حيات''ه وتع''د
شاهدا حقيقيا على قيام كثير من العلوم والفنون الشرعية من خالل وقائع' الس''يرة النبوي''ة وأح''داثها في تل''ك
الف''ترة المبارك''ة رغم ذل''ك تلقيت ن''درة في المراج''ع ال''تي تأخ''ذ الج''انب بالج''انب التط''بيقي في مث''ل ه''ذا
الموضوع ومع كل ذلك ع''زمت على مواص''لة ه''ذا العم''ل وتح''دي العقب''ات بك''ل ع''زم وح''رص إلعط''اء
الموضوع حقه االفي في الدراسة وفي األخير ال يسعنا اال أن نقول
6
مفهوم البنة الفصل األول
7
مفهوم البنة الفصل األول
"يقصد بالبنية عامة – مجموع''ة من الوح''دات (أو المكون''ات) ترب''ط بينهم''ا عالق''ات معين''ة ،ام''ا عالق''ات
'ترادف' ('معاقبة') أو عالقات تراكب أما من حيث طبيعتها فان البنية يمكن أن تكون صرفية – تركيبية أو
فونولوجية أو داللية أو تداولية" 1يعني أن البنية وحدة أو مجموعة وحدات اما ص'رفيا أو تركيبي'ا أو داللي'ا
أو نحويا.
-كما قد تعرف البنية بأنها" :مجموعة من العناصر تقوم أساسا على التفاعل ان كل عنص''ر يكتس''ب قيمت''ه
من خالل عالقات''ه بالعناص 'ر' األخ''رى ،والبني''ة تحكمه''ا ثالث مف''اهيم هي الش''مولية ،التحوي''ل ،الض''بط
الذاتي "2أي ان البنية أهم ما فيها التفاعل فقيمة العنصر يستمده من عالقته بمجموعة العناصر األخرى.
-جاء في معجم مقاييس اللغة البن فارس ت (395ه) "بني :الب''اء والن''ون والي''اء أص''ل واح''د ،وه''و بن''اء
3
الشيء بضم بعضه الى بعض ...ويقال بنية وبنًى ،وبنية وبنى بكسر' الباء كما يقال جزيةً وج ًزى"'
كما جاء في لسان العرب البن منظور' ت (711ه)" :البني نقيض الهدم ،بنى البن''ا ُء البن''ا َء بني'ا ً وبن''ا ًء وبنًى
مقصور' وبنيانا ً وبنيةً وبنايةً وابتناه وبناه ...يقال بنيةً ،وهي مثل رشوة ،ورشاً ،كأن البنية الهيئة ال''تي ب''ني
عليها مثل المشية والركبة"4وتعريف البنية من وجهة أخرى هي "بني الكلمة بن''ا ًء ص''اغها وألزمه'ا' البن''اء
فمن التعريفات اللغوية نستكش'ف' أن البني''ة ت''دل على ض''م الش''يء وهي نقيض اله''دم وص''يغتها' على وزن
فِعلة.
-ان تعريفات البنية structureمن الناحية االصطالحية كثيرة فهي مشتقة من األصل الالتي''ني strucre
5
حيث نجدها في معجم اللسانيات الحديثة" "هي تعاقب وحدات لغوية ذات عالقات معينة"
كما اشتقت كلمة بنيوية من بنية structureالمأخوذة من األصل الالتيني strucreوجوهرها هو "البن''اء"،
أو الطريقة التي يقام بها مبنى ما ،ثم امتد مفهوم الكلمة ليشمل وضع األجزاء في مبنى ما من وجهة النظ''ر
الفنية المعمارية وبما يؤدي اليه من جمال تشكيلي وتنص المعاجم األوروبي''ة على أن فن المعم''ار' تس''تخدم
هذه الكلمة منذ منتصف' القرن السابع عشر" لتنتقل في القرن 18لفظة بنية من المجال المعماري الفني الى
مجال الفلسفة مع الفيلسوف كانط بمعنى بنية الفكر ،أما في القرن التاس''ع عش''ر أدرجت لفظ''ة بني''ة في علم
االجتماع في اطار المحاولة ال''تي ق''ام به''ا سينس''ر ( )sppencerفي دراس''ة التنظيم االجتم''اعي بمفه''ومي
البنية والوظيفة معتمدا بذلك على النظرية التطوري''ة ،ليمت''د اس''تعمال ه''ذه اللفظ''ة في الق''رن العش''رين الى
1أحمد المتوكل اللسانيات الوظيفية المقارنة دراسة في التنميط والتطور ،ص 19-18ط1433 1ه2012-م الدار العربية للعلوم الناشرون.
2محاضرات (تعريف).
3مقاييس اللغة :أبو الحسين أحمد فارس ،مراجعة وتعليق :أحمد الشامي دار الحديث -القاهرة1429 -ه 2008/ص.112
4لسان العرب ابن منظور دار صادر بيروت 1956م.365-1/362 ،
5معجم اللسانيات الحديثة انجليزي ،عربي سامي عياد وأخرون مكتبة لبنان ناشرون 1997ص .134
8
مفهوم البنة الفصل األول
مجال األنتروبولوجيا' م''ع ك''ل من (م''ورغن) و (ليفي س''تروش) كم''ا اس''تعملت اللفظ''ة أيض''ا في تحليالت
(ماكس) وانحليز القائمة على مفهومي البنية التحتية والبنية الفوقية.6
-تعددت دالالت لفظة بنية من لغ''ة الى لغ''ة وح''تى في اللغ''ة الواح''دة بحيث تع''ني في اللغ''ة الفرني''ة نظ''ام
،Ordreشكل ،Formeترتيب .Dispositionأما في اللغة العربية يعود مصطلح وأصل كلم''ة بني''ة الى
الفعل الثالثي[ :بنى ،يبني ،بنا ًءا] وتستخدم' للداللة على" :التشديد والبن''اء وال''تركيب ،وتج''در اإلش''ارة الى
7
أن القرآن الكريم قد استخدم' هذا األصل نيفا وعشرين مرة".
-فمفهوم البنية في اللغة من خالل ما تقدم هو النظام والنس''ق من خالل تعري'ف' دوسوس''ير' للغ''ة على أنه''ا
"نظام' من الدالئل يعبر عم''ا لإلنس''ان من أفك''ار" 8يع''ني تعري''ف البني''ة عن''د دوسوس''ير هي ال''تي ال يمكن
تعريفها اال بالرجوع اليها بوصفها بنا ًءا أو نظاما ،أي بالرجوع الى عالقتها الداخلية (الدال /المدلول) ب''دال
من عالقاتها ألنها توظف حسب تناقضاتها' (س''ياق اجتم''اعي ،ت''اريخي) وعلى ال''رغم من ذل''ك لم يس''تخدم
دوسوسير' كلمة بنية وانما استخدم كلمة نسق أو نظام.
تشتق كلمة بنية في اللغات األوروبية من األصل الالتيني « » strucre الذي يعني البناء أو الطريق''ة ال''تي
يقام بها مبنى ما .ثم امتد مفهوم الكلمة ليشمل وضع األجزاء في مبنى ما من وجهة النظر الفني''ة المعماري''ة
وبما يؤدي' ايه من جمال تشكيلي' وتنص المعاجم األوروبي''ة على أن فن المعم''ار يس''تخدم' ه''ذه الكلم''ة من''ذ
منتصف' القرن السابع عشر 9وال يبع'د هذا كث'يرا عن أص'ل الكلمة في االس'تخدام الع'ربي للداللة على التشييد'
والبناء والتركيب ،وتجدر اإلشارة الى أن القرآن الكريم ق''د اس''تخدم ه''ذا األص''ل نيف''ا وعش''رين م''رة على
صورة الفعل 'بنى' أو األسماء "بناء" و "بنيان" و"مبنى" '.لكن لم ترد فيه وال في النصوص القديم''ة كلم''ة
"بنية" وقد تص'وره اللغوي''ون الع'رب على أن'ه الهيك'ل الث'ابت للش'يء فتح'دث النح'اة عن "البن'اء" مقاب'ل
االعراب ،كما تصوروه على أنه التركيب والصياغة ،ومن هنا جاءت تسميتهم للمب''نى للمعل''وم و"المب''نى"
للمجهول.10
ويتميز' االستخدام القديم لكلمة بنية في اللغات األوروبية بالوضوح' فقد كانت تدل على الشكل الذي يشيد ب''ه
مبنى ما ثم لم تلبث أن اتسعت لتشمل الطريقة التي تتكيف بها األجزاء لتكون كال ما س'واه ك'ان جس''ما حي'ا
أو معدنيا أو قوال لغويا ،وتضيف' بعض المعاجم األوروبية فكرة التضامن بين األجزاء ،وهي فكرة منظور'
اليها ضمنا في التعريف األول ألن المبنى ينهار ان لم يكن هن''اك تض''امن بين أجزائ''ه وعلى ه''ذا األس''اس
فان البنية هي ما يكشف عنه التحليل الداخلي لكل ما ،والعناصر' والعالقات القائمة بينها ،ووضعها والنظ'ام'
6مجلة المصطلح *مجلة علمية أكاديمية -جامعة أبو بكر بلقايد لمسان عدد 2006/2007 5ص .147
7المرجع نفسه ص.148
8مجلة المصطلح مجلة علمية أكاديمية -جامعة أبو بكر بلقايد تلمسان عدد 2006/2007ص.153
9نظرية البنائية في النقد األدبي صالح فضل دار الشروق ط1419 1ه1998-م.
10المرجع نفسه.
9
مفهوم البنة الفصل األول
الذي تتخذه ويكشف' هذا التحليل عن كل من العالقات الجوهرية والثانوية معتبرا أن النوع األول ه''و ال''ذي
يكون البنية التي تع''د هيك''ل الش''يء األساس'ي' أو التص''ميم' ال''ذي أقيم طبق''ا ل''ه وال''ذي يمكن الوص''ول' الي''ه
واكتشافه في أشياء أخرى شبيهة أي أننا نرى من'ذ البداي'ة ظه'ور' فك'رة المقارن'ة للتعري''ف على البني''ة ألن
البنية تتيح الفرصة لمقارنة األشياء المتعددة في الواقع ،وهذه الفكرة نفسها في أصل المصطلح اللغ''وي هي
التي تجعله يتحول فيما بعد الى منهج خاص.11
-كلمة بنية –في لغتنا العربية -ال تمثل كلمة عادية تجري بكثرة على أقالم الباحثين والكتاب اال أن المع''نى
االشتقاقي' لهذه الكلمة بادي الوضوح' ألنها تنطوي' على داللة معماري''ة ترت''د به''ا الى الفع''ل الثالثي "ب''نى،
بناء ،وبناية ،وبنية" وقد يكون بنية الشيء –في اللغة العربي''ة -هي "تك''وين" ولكن الكلم''ة ق''د تع''ني أيض''ا
"الكينية التي شيد على نحوها هذا البناء أو ذاك" ومن هن''ا فإنن''ا ق''د نتح''دث عن "بني''ة المجتم''ع" أو "بني''ة
الشخص''ية" أو "بني''ة اللغ''ة" ...الخ وحين ك''ان أه''ل اللس''ان الع''رب يفرق''ون في اللغ''ة بين "المع''نى" و
"المبنى" فانهم' كانوا يعنون بكلمة "مبنى"' ما يعنيه اليوم بعض علماء اللغة بكلم''ة "بني''ة" وأم''ا في اللغ''ات
األجنبية ،ف''ان كلم'ة « » structure مش''تقة من الفع''ل الالتي'ني « » strucre بمع''نى "يب'ني" أو "يش'يد"'
وحين تكون للشيء "بنية" في اللغات األوروبية ف''ان مع''نى ه''ذا –أوال وقب''ل ش''يء -أن''ه ليس بش''يء غ''ير
منتظم' أو عديم الشكل amorpheبل هو موضوع منتظم له "صورته" الخاص'ة و "وحدت'ه" الذاتي'ة وهن'ا
يظهر ضرب من التقارب األولي بين معنى البني''ة ومع''نى "الص''ورة"' Formeم''ادامت كلم''ة "بني''ة" في
أصلها تحمل معنى "المجموع"' أو "الكل" المؤلف من ظواهر متماسكة يتوقف على م''ا ع''داه ،ويتح''دد من
خالل عالقته بما ع'داه 12وق'د' يك'ون الح'ديث المعت'اد أن نق'ول لك'ل "بني'ة" اس'تعماالت خاص'ة في العل'وم
المختلفة :من رياضة ومنطق وفيزياء ،وعلم األحياء ،وأنثروبولوجي''ا '،وعلم النفس ،ولغوي''ات ...الخ ولكن
أبسط تعريف' للبنية هو أن يقال "انها نظام –أو نسق -من المعقولية" .فليس''ت البني''ة هي ص''ورة الش''يء أو
هيكله أو "وحدته المادية" ،أو "التصميم الكلي" الذي يربط أجزاءه فحسب وانما هي أيضا "القانون" ال''ذي
يفسر تكوين الشيء ومعقوليته.13
والتعريفات العلمية المختلفة لكلمة بنية -لدى جماعة من أهل -البنيوية -حيث قدم' لنا عالم النفس السويسري'
المشهور' بياجيه حين يقول "أن البنية لها نسق من التحوالت ،له قوانينه الخاصة باعتب'اره نس'قا (في مقاب'ل
الخصائص المميزة للعناصر) ،علما بأن من شأن هذا النسق أن يظل قائما ويزداد' ثراء بفضل ال''دور' ال''ذي
11المرجع نفسه.
12مشكلة البنية زكريا إبراهيم .مكتبة مصر د ط .د ق ص .25
13المرجع نفسه ص.26-25
10
مفهوم البنة الفصل األول
تقوم بع العناصر' والتحوالت نفسها دون أن يكون من شأن هذه التحوالت أن تخرج عن ح''دود ذل''ك النس''ق
14
أو أن تهيب بأية عناصر' أخرى تكون خارجة عنه"
وقصارى' القول أنه البد لكل بنية اذن من أن تتسم بالخصائص الثالث اآلتية:
"الكلي''ة ،والتح''والت ،والتنظيم' ال''ذاتي" والمقص''ود بالس''مة األولى من ه''ذه الس''مات -أال وهي الكلي''ة
-totalitéه''و أن "البني''ة ال تت''ألف من عناص''ر خارجي''ة تراكمي''ة مس''تقلة عن الك''ل ب''ل هي تتك''ون من
عناصر داخلية خاضعة للقوانين المميزة للنسق من حيث هو "نس'ق" وال ترت'د ق'وانين ت'ركيب ه'ذا النس'ق
الى "ارتباطات تراكمية" بل هي تضفي على "الكل" من حيث ه''و ك''ذلك خ''واص "المجموع''ة باعتباره'ا'
سمات متم''ايزة عن خص''ائص "العناص''ر وليس المهم في البني''ة ه''و "العنص''ر" أو الك''ل وانم''ا المهم ه''و
"العالقات" القائمة بين عناصر ،أعني عمليات التأليف (أو التكوين) على اعتبار أن "الكل" ليس اال الن''اتج
المترتب على تلك العالقات "أو التأليفات" مع 15مالحظة أن قانون ه''ذه العالق''ات ليس اال ق'انون "النس''ق"
نفسه أو المنظومة نفسها.
-والمقص''ود الث''اني أال وهي التح''والت -transformationsفه''و أن "المج''اميع الكلي''ة" تنط''وي' على
ديناميكية ذاتية ،تتألف من سلسلة من التغيرات الباطنية التي تحدث داخ''ل "النس''ق" أو المنظوم''ة خاض''عة
في الوقت نفسه لقوانين "البنية" الداخلية دون التوقف على أية عوامل خارجي''ة وليس الح''ديث عن ض''رب
من "الت''وازن ال''ديناميكي"' –عن''د بعض دع''اة البنيوي''ة -س''وى' تعب''ير عم ه''ذه الحقيق''ة العام''ة أال وهي أن
"البنية" ال يمكن أن تظل في سكون مطلق بل هي تقبل دائما التغييرات مع ما يتف''ق م''ع الحاج''ات المح''ددة
من قبل "عالقات" النسق وتعارضاته.16
وأما المقصود بالسمة الثالثة -أال وهي التنظيم الذاتي » Autoréglage « -فهو أن في وسع البني''ات تنظيم
نفسها بنفسها ،مما يحفظ لها وحدتها ،ويكف''ل له''ا المحافظ''ة على بقائه''ا ،ويحق''ق له''ا ض''ربا من "االنغالق
الذاتي" ومعنى هذا أن للبنيات قوانينها الخاصة التي ال تجعل منها مجرد "مجموعات" ناتجة عن تراكمات
عرضية أو ناجمة عن تالقي بعض العوامل الخارجية المستقلة عنها ،بل هي "أنسقة" مترابطة تنظم ذاتها،
سائرة في ذلك على نهج مرسوم' وفقا للعمليات المنتظمة خاض''عة لقواع''د معين''ة ،أال وهي ق''وانين "الك''ل"
الخاص بهذه "البنية" أو تلك وعلى الرغم من أن كل بنية مغلقة على ذاتها ان هذا االنغالق ال يمن''ع "البني''ة
الواحدة من أن تندرج تحت "بنية" أخ'رى أوس'ع على ص'ورة بني'ة س'فلية" (أو تحتي'ة) sous-structure
والمهم أن عملية "التنظيم الذاتي البد من أن تتجلى على شكل ايقاعات و"تنظيمات" وعملية التواصل فهذه
11
مفهوم البنة الفصل األول
كلها عبارة عن آليات بنيوية" تضمن للبنيات ضربا من االستمرار أو المحافظة على الذات 17أم''ا التعري''ف
الذي جاء به ليفي اشتراوس وجدناه يقرر بكل بساطة أن "البنية تحمل أوال وقبل كل شيء -طابع النسق أو
النظ''ام -فالبني''ة تت''ألف من عناص''ر يك''ون من ش''أن أي تح''ول يع''رض للواح''د منه''ا أن يح''دث تح''وال في
العناصر' األخرى" 18ويشرح لنا ليفي اشتراوس –في موضع آخر -المقصود بهذا التعري'ف ،فيق'ول ان علم
االجتماع الذي يواجه كثرة هائلة من الظواهر االجتماعية (من طقوس ،وعقائد ،وأساطير...الخ) .تعبر هذه
الظواهر' بلغة خاصة عن شيء مشترك' بينها جميعا ،وليس هنا الشيء المشترك' –على وجه التحديد -سوى
"البنية" ،أعني تلك "العالقات الثابتة" القائمة بين "حدود" متنوعة تنوع''ا ال حص''ر ل'ه ،وأم'ا ه''ذه الح''دود
فإنه''ا ليس''ت س''وى الظ''واهر التجريبي''ة نفس''ها ان لم نق''ل "المظ''اهر"' ال''تي هي عب''ارة عن مجموع''ة من
19
"المعطيات العفل"
-ويمكن أيض''ا االستش''هاد' بق''ول ال''دكتور' ال''زواوي بغ''ورة" :تع''ني البني''ة الكيفي''ة ال''تي تنظم به''ا عناص''ر
مجموعة ما ،أي أنها تعني مجموعة من العناصر المتماسكة فيما بينها بحيث يتوقف' كل عنص'ر على ب'اقي
العناصر' األخرى وحيث يتحدد هذا العنصر أو ذلك بعالقته بمجموعة العناصر" 20وعرفه'ا الع'الم اللس'اني
الفرنسي ايميل بقوله "ان البنية هي ذل'ك النظ'ام المنس'ق ال'ذي تتخ'ذ ك'ل أجزائ'ه بمقتض'ى رابط'ة تماس'ك
وتوقف تجعل من اللغة مجموعة منتظمة من الوحدات أو العالمات المنطوقة ال''تي تتفاع''ل ويح''دد بعض''ها
بعض''ا على س''بيل التب''ادل" 21وعرفه'ا' الع''الم اللغ''وي الالن''د بقول''ه "ان البني''ة هي ك''ل مك''ون من ظ''واهر'
متماسكة أو متضامنة بحيث يكون كل عنصر فيها متعلقا بالعناصر' األخرى وال يستطيع أن يكون ذا دالل''ة
22
اال في نطاق هذا الكل"
ويرى' روالن بارث بقوله" :مستعمل بكثرة في جميع العلوم االجتماعية بكيفية ال تميز عند االنسان ،معتقدا
أنه تقصاها واكتشفها" 23ونجد كلمة بنية في اللغة العربية تعني "كل ما هو أصل فيه وج''وهري ،وث''ابت ال
24
يتبدل بتبديل األوضاع والكيفيات"
ويعود' الدكتور "الزاوي' بغوزة" إلعطاء تعريف آخر أكثر دقة حيث يقول« :ل''ذايري كروب''ير "crobirأن
أي شيء بشرط أن ال يكون عديم الشكل يمتلك بنية فكل شيء مبني بصورة م''ا" 25فه''و يؤك'د' على عالق''ة
البنية بالشكل اذ ال يعقل تصور بنيات عديمة الشكل فالمتتبع للمفه''وم االص''طالحي' لكلم'ة بني''ة عن''د
25
12
مفهوم البنة الفصل األول
الب''نيويين نج''د أنه''ا" :البني''ة ال يمكن أن تتحق''ق في النص على نح''و غ''ير مكش''وف حيث تتطلب من المحل''ل
26
البنيوي' استكشافها'"
المفهوم االصطالحي لكلمة بنية :يحدد بعض الباحثين البنية بأنها "ترجمة لمجموعة من العالقات بين
عناصر مختلفة أو عمليات أولية على شرط' أن يصل الباحث الى تحدي''د خص''ائص المجموع''ة والعالق''ات
القائمة فيما بينها من وجهة نظر معينة ،ومع ذلك فمن المالحظ أنه كلما اجتمعت بعض العناصر في كل ما
نجمت عنها أبنية يتسم تركيبه''ا ب''االطراد' هي التنظيم وتعت''بر' فك''رة العالق''ة ص''ائبة على مس''توى' األبني''ة،
ولكنها عندما ت''دخل في التنظيم تكتس''ب عنص''را جدي''دا ه''و االتص''ال ،فالبني''ة تتم''يز بالعالق''ات ،والتنظيم
بالتواصل' بين عناصره المختلفة وعالقة التواصل هي الوظيفة التي تقوم بها العناص 'ر' في النظ''ام 27وطبق''ا
لهذا فان التحليل البنائي يبحث عن مجموعة العناصر وعالقتها' المتشابكة أما التحليل ال''وظيفي' فه''و يه''دف
الى اكتشاف عمليات التواصل داخل النظام نفسه .ويتوقف مفهوم البنية على السياق بشكل واضح ح''تى أن
الفكر البنائي يعد من هذه الناحية فكرا ال مركزيا ،اذ ان محور العالقات ال يتحدد مسبقا وانما يختلف موقفه
باستمرار داخل النظام' الذي يضمه مع غيره من العناصر وق''د لعب علم اللغ'ة دورا حاس''ما في تحدي'د ه''ذا
المفهوم عندما انتهى الى أنه ال يمكن تحديد أي عنصر منفصل اال بعالقته الخالفية مع العناص''ر األخ''رى،
ويميز' بعض الباحثين في هذا الصدد بين نوعين من السياق :نوع يستخدم فيه بطريق''ة عملي''ة فحس''ب ومن
أمثلة االستخدام' األول ما نج'ده في الفلس'فة واالجتم'اع وعلم النفس ال'ذي يعتم'د على نظري'ة (الجش'طالت)
ومن أمثلة االستخدام' اآلخر ما نجده في بعض الدراسات الرياضية .وأم''ا الخاص''ية الثالث''ة (المرون''ة) فهي
نتيجة لما سبق ،اذ ان مصطلح البنية ال يخلو من ابهام واختالط' ويلعب السياق' دورا رئيسيا في تحديده مم''ا
يجعله مرنا بالضرورة.28
ان مفهوم البنية في اللسانيات مفهوم قديم' جدا يع''ود الى الق''رن 18حيث ظه''ر في المعجم التق''ني للفالس''فة
والرياضيين أمثال غاليلي 29وكان يعني آنذاك "كل مجموع' األشياء التي تتماسك فيما بينها" أو "كل مركب
أجزاء مرتبطة ببعضها' البعض" وه''و التعري''ف نفس''ه نج''ده عن''د (ايمي''ل لي''تري) ELITTRE (1881-
) 1801بعد مرور' قرن من الزمن ،ثم نجد تعريف المعجم التق''ني والنق''دي للفلس''فة لص''احبه (الالن''د) س'نة
1926حيث يتحدث عن النظام الفلكي والجهاز العصبي والنظام' العضلي والنظام السياسي'.
26
27نظرية االبنائية في النقد األدبي صالح فضل ،دار الشروق ط1419 ،1ه1998-م ص.125
28مفهوم البنية للدكتور :الزواوي بغورة جامعة قسنطينة العدد الخامس يونيو 1992ص.95
29
مجلة اللغة العربيى وآدابها مفهوم البنية في اللسانيات د /محمد مداني جامعة البليدة ص.173
13
مفهوم البنة الفصل األول
-لقد استعمل (دوسوسير) في دروسه العامة ،كلم''ة "نظ''ام" 138م''رة كم''ا اس''تعمل مص''طلح "بني''ة" في
دروسه العامة ،ثالثة مرات ألنه حسب رأي مونان كان يخشى مصطلح "بنية" وي''راه غامض''ا ،بالت''الي ال
يسمح له حتى بالتعبير ما نسميه بنية الكلمة
-ان هذه العبارة التي صرح بها (دوسوسير) لتحمل في ثناياها مفه''وم البني''ة اال أن''ه ك''ان دوم''ا يرج''ع الى
استعمال مصطلح نظام ( )systèmeأو نسق لقد عرف تالميذ دوسوسير' أثناء اقامته (باريس) ه''ذه الفك''رة
الجديدة قبل ظهور' دروسه فقد أعلن (أنطوان مييه) هذه الفكرة عدة مرات وأرجعها الى أس''تاذه حيث يق''ول
ميي''ه" :س''عى دوسوس''ير ط''وال حيات''ه الى تحدي''د نظ''ام اللغ''ات المدروس''ة وان ك''ل لغ''ة هي نظ''ام محكم
بصرامة حيث يلتحم الكل" ،ان تحديد مييه هذا اللغة انما هو اعتراف منه بفضل أستاذه الذي أن''ار ل''ه ذل''ك
خالل النظام' الصوتي الهندوأوروبي 30مما يجعل أن البنية تدل على العناصر المتماس''كة في النص اذا رأى
أحد رواد المنهج البنيوي أن" :لكل شيء بنية اال أن يكون مع''دوم الش''كل تمام''ا" 31فالبني''ة في واق''ع األم''ر
تربط بين عناصر الكل الواقعي' أو تجمع أجزاءه.
-مفهوم النص :من المعروف' أن النص من فعل نصص وقد عرفه ابن منظور في معجمه لسان العرب
بقوله" :نصص :النص :رفعك' الشيء نص الحديث ينصه نصا :رفعه .وكل ما أظهر فق''د نص وق''ال' عم''ر
بن دينار :ما رأيت رجال أنص للحديث من الزه''ري أي رف''ع ل''ه وأس''ند .يق''ال :نص الح''ديث الى فالن أي
رفعه ،وكذلك نصصته اليه .ونصت الظبية جيدها :رفعت''ه .ووض''ع على المنص''ة أي على غاي''ة الفض''يحة
والشهرة والظهور والمنصة :ما تظه''ر علي''ه الع''روس ل''ترى ،وق'د' نص''ها وانتص''ت هي والماش''طة تنص
العروس فتقعدها على المنصة ،وهي تنتص عليها لترى من بين النساء وفي' حديث عب''د هللا بن زمع''ة :أن''ه
تزوج بنت السائب فلما نصت لتهدي اليها طلقها ،أي أقع''دت على المنص''ة وهي بالكس''ر س''رير' الع''روس،
وقي''ل :هي بفتح الميم الحجل''ة عليه''ا من ق''ولهم نصص''ت المت''اع إذا جعلت بعض''ه على بعض وك''ل ش''يء
أظهرته فقد نصصته .والمنصة :الثياب المرفعة ،والفرش الموط''أة ونص المت''اع نص''ا :جع''ل بعض''ه على
بعض ونص الدابة ينصها نصا :رفعت في السير 32....والنص والنصيص :السير الشديد والحث ولهذا قيل:
نصصت الشيء رفعته ومنه منصة العروس وأصل النص أقصى الش''يء وغايت''ه ثم س''مي ب''ه ض''رب من
السير سريع ابن االعرابي :النص االسناد الى الرئيس األك'بر والنص التوقي'ف' والنص التع''يين على ش'يء
ما ونص األمر شدته ...ونص الرجل نصا اذا س''أله عن ش''يء ح''تى يستقص'ي' م''ا عن''ده" 33ومن هن''ا ي''دل
النص على معان عدة منها :الظهور ،واالرتفاع ،والبروز ،وضم العناص''ر الى بعض''ها البعض ،واالدراك
والغاية والمنتهى واالستقصاء' في الشيء حتى ادراكه وفهمه واستيعابه واالنتص''اب واالس''تواء والس''تقامة
30المرجع نفسه.
31البنية اللسانية في ديوان مدو األيدي للطالب أم الخير بن عبيد ص.14
32ابن منظور لسان العرب الجزء الرابع عشر حذف النون –مادة نصص دار صادر بيروت ط 2003ص .272
33نقال عن لسانيات النص وتحليل الخطاب بين النظرية والتطبيق جميل حمداوي ط.2019 1
14
مفهوم البنة الفصل األول
ومن ثم ،ف''النص ،في داللت''ه الحقيقي''ة ،عب''ارة عن نس''يج من الجم''ل المتض''امنة والمتض''افرة والمتجادل''ة
والمتراكبة والمتتابعة ال يمكن فهمه اال بتتبع ملفوظاته واستقصائه جملة جملة بغي''ة ادراك المع''نى والغاي''ة
34
والمنتهى' والفائدة المرجوة
تعريف' الخطاب:
35
"-يعد الخطاب كل ملفوظ/مكتوب يشكل وحدة تواصلية قائمة الذات"
-3اقصاء معيار الحجم من تحديد الخطاب حيث أصبح من الممكن أن يعد خطابا كامال أو جملة أو مركب.
-عرف فوكو' الخطاب بقوله" :هو أحيانا يعني المي''دان الع''ام لمجم''وع المنطوق''ات ( ،)énoncésوأحيان''ا
أخرى مجموعة متميزة من المنطوقات ،وأحيانا ثالثة ممارسة له''ا قواع''دها ،ت''دل دالل''ة وص'ف' على ع''دد
معين من المنطوقات وتشير اليها" 36يع''ني الخط''اب ميدان''ه المنط''وق' ال''ذي يع''د الوح''دة األولي''ة للخط''اب
وجزء أساسي في العملية التخاطبية.
-وفي تعريف' آخر للخطاب عند فوكو بقوله" :مجموعة من المنطوق''ات بوص''فها تنتمي الى ذات التش''كيلة
الخطابية ،فهو ليس وحدة بالغية أو صورية قابلة ألن تتكرر' الى ما ال نهاية ،يمكن الوقوف على ظهوره'ا'
واستعمالها خالل التاريخ ب'ل ه''و عب''ارة عن ع'دد محص''ور' من المنطوق'ات' ال'تي تس'تطيع تحدي''د ش'روط
وجودها". 37
38
-الخطاب :يتكون من وحدة لغوية قوامها سلسلة من الجمل
-يعرف الخطاب عند التهانوي توجيه للكالم نحو الغير إلفهام ثم نقل الكالم الموجه نح'و الغ'ير إلفه'ام أم'ا
عن حضور المصطلح في التراث العربي فإننا نسجل استعماله في القرآن الكريم بص''يغة المص''در' والفع''ل
في اآليات التاليةَ " :وال تُخَا ِط ْبنِي' فِي الَّ ِذينَ ظَلَ ُموا إِنَّهُ ْم ُم ْغ َرقُونَ " سورة هود َ " 37وإِ َذا خَاطَبَهُ ُم ْال َج''ا ِهلُونَ
34
35
أحمد المتوكل الخطاب وخصائص اللغة العربية دراسة في الوظيفة والبنية والنمط ط1431 1ه2010/م ص.24
36فوكو الخطاب بحث في بنيته وعالقاته الدكتور زواوي بغورة بيروت لبنان ط.2010 1
37المرجع نفسه.
38دومينيد مانقونو المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب ،محمد يحتاين ط 1منشورات االختالف الجزائر 2005ص.35
15
مفهوم البنة الفصل األول
ت َواألَرْ ِ
ض َو َما بَ ْينَهُ َما الرَّحْ َم ِن ال يَ ْملِ ُكونَ ِم ْن 'هُ ِخطَابً''ا" قَالُوا َساَل ًما" الفرقان 63ومنه قوله " َربِّ ال َّس َما َوا ِ
سورة النبأ 37
تواتر' استعمال مصطلح "الكالم" الذي ارتبط بمصطلح "خطاب" في تعريف' التهانوي الخط''اب في أص''ل
اللغة توجيه الكالم نحو الغير ثم نقل الي الكالم الموجه نحو الغير كما استعمل مصطلح القول مرادفا للكالم
أحيانا مقترنا بالخطاب أحيانا أخ''رى ولئن وقفن''ا على مص''طلحات' أخ''رى تح''ل في بعض المواض''ع مح''ل
"الكالم" أو "القول" مثل الحديث أو العبارة فإنها قليلة الشيوع ولعل ذل''ك يع''ود الى تمحض''ها' للدالل''ة على
معان خاصة ف"الحديث" وان استعمل في قليل الكالم وكثيره قد تمحض للداللة على كالم الرس''ول وله''ذا
نجد التهانوي يركز' في شرحه لهذا اللفظ على معناه الخاص وان بدأ بمعن''اه الع''ام أم''ا العب''ارة فهي تختص
39
بالداللة على الخبر عن الشيء بما هو عليه من غير زيادة وال نقصان
تنتمي العبارات المشتقة من جذر (خ ،ط ،ب) الى حقول داللية مختلفة فمثال الخطبة برف''ع الخ''اء هي ل''ون
يضرب الى الكدرة وأخطب الميد أي دنا وأم''ا م''ا اش''تق من ه''ذا الج''ذر في المع''نى ال''ذي نقص''ده في ه''ذا
العمل فنجد" :خطب الخاطب على المنبر" يخطب خطابة واسم الكالم الخطبة نفسه فالخطبة هي اسم جنس
أطلق على نوع مخصوص من الكالم له أصوله وقواعد'.
ان الخطاب مرادف' للمفهوم السويسري' الكالم ( )parolوهو معناه المعروف' ب''ه والكالم ه اإلنج''از الفعلي
للغة ،فمادام منسوبا' الى فاعل فهو "وحدة لغوي''ة تتج''اوز' أبع''اد الجمل''ة رس''الة أو مقول''ة" 40فالخط''اب' ه''و
الوحدة اللسانية التي تتعدى الجملة وتصبح مرسلة كلية أو ملفوظا.
أما اللغوي ماريس يعرف الخطاب بأنه "ملفوظ طويل أو متتالي'ة من الجم'ل تك'ون مجموع'ة منغلق'ة يمكن
من خاللها معاينة بني'ة سلس''لة من العناص'ر' بواس'طة المنهجي''ة التوزيعي''ة وبش'كل يجعلن''ا نظ'ل في مج''ال
لساني محض" يدل أن الخطاب نظام من الملفوظات يسعى هاريس الى تصور تطبيق' عليها.
41
اين يوضع المرجع
مفهوم الخطاب :ان األصل في معنى الخطاب عند العلماء للعربية :الكالم الموجه فقد جاء في لسان العرب
"أن الخطاب مراجعة الكالم بين طرفين أو أكثر في مقام التواصل 42وقال أب''و البق''اء الكف''وي في الكلي''ات:
"الخطاب هو الكالم ال'ذي يقص'د ب'ه االفه'ام ،وافه'ام' من ه'و أه'ل للفهم ،والكالم ال'ذي ال يقص'د ب'ه افه'ام
16
مفهوم البنة الفصل األول
المستمع ،فانه ال يسمى خطابا 43ويراد بمصطلح الكالم :اللفظ المفيد الذي يحسن الوقوف' عليه نحو :الجملة
في مقام التواصل أو الكالم الكثير 44وقال محمود عكاش''ة :الخط''اب" :الق''ول الموج''ه المقص''ود من المتكلم
(أنا ،نحن) الى الملتقي المخاطب (أنت ،أنتم'ا ،أنتم ،هن) إلفهام'ه قص'ده من الخط'اب ص'ريحا مباش'را أو
كناية ،أو تعريضا في س''ياق التخ''اطب التواص''لي" وس''وف أبين وج''وه الخط''اب غ''ير المباش''ر الحق''ا في
حديثي عن أنواع الخطاب وعناصره وأدواته وأس'اليبه وترج''ع أص'الته في ال''تراث اإلس''المي الى اطالق''ه
على لفظ القرآن الكريم ،فقد استخدم' العلماء مصطلح الخطاب في سياق التفسير والشواهد القرآنية واألدل''ة،
ويرجع' هذا االختيار الدقيق الى أن مصطلح الخطاب القرآني يشير الى أن هذا القول موجه نح''و المتهي''ئين
لفهمه والمكلفين به وأنه قول تفاعلي في حدث فعال وليس مدونا' وثابتا' فقط وقد أطلقوا على األدلة الشرعية
المعتمدة من الكتاب والس'نة "الخط'اب الش''رعي" 45فالخط''اب في لفظ'ه ش''كل لغ'وي في س''ياق تف'اعلي أو
تواصلي' وله أشكال متنوعة في ممارسة األداء :ال ُخطبة وال ِخطبة والحوار' والمناقشة والمح''اورة والمداول'ة
والمجادلة والمحاجة ،وما يلحق بهذه األنواع من فنون الق''ول الموجه''ة ويع''د الخط''اب ف''رع في علم األداء
الصوتي' والتعب'ير' في معاه'د ال'دعوة والخطاب''ة والفن'ون والص'وتيات والتش''خيص وق'د اش''تهر في العل'وم
اإلنسانية الحديثة في مجاالت السياسة واالعالم واللسان والنقد والبالغة واألدب.
كما ارتبط مفهوم الخطاب عند العرب بمفهوم التخاطب فهو "مراجعة الكالم ،وقد خاطب'ه ب'الكالم مخاطب''ة
وخطابا' وهما يتخاطبان ونفهم من كالمه أن الخطاب ح'وار' متب'ادل بين شخص'ين على األق'ل ،فه'و عملي'ة
تلفظي''ة حيوي''ة في الزم''ان والمك''ان ي''ديرها شخص''ان أو أش''خاص ب''الكالم وبغ''ير الكالم وال يختل''ف ه''ذا
التعريف' في جوهره عن التعريف''ات ال''تي تق''دمها اللس''انيات الي''وم اذ أص''بح الخط''اب في بعض الدارس''ين
يعني اللسان في حالة االستعمال فاعتبر "فاير كالف" أن عند استعمال مصطلح الخطاب أق''ترح المحافظ''ة
على اللغة المس'تعملة باعتباره'ا ش'كال من أش'كال النش'اط االجتم'اعي وأص'بحت مس'ألة اإلنت'اج والتأوي'ل
المج''رى المرك''زي' في مفه''وم الخط''اب ،ف''ارتبطت بالنظري''ة االجتماعي''ة ال''تي اعت''برت الخط''اب انتاج''ا
اجتماعيا وأدى ظهور اللسانيات االجتماعية الى إعادة النظر في مناهج الدراسة اللسانية بصفة عامة ف''برز'
نهج جديد في تعريف الخطاب وتحليله خاصة في مجال الدراسات اللسانية األمريكية ال''تي اعتم''دت منحى
لسانيا اجتماعيا وانتقل البحث اللساني من المكتوب الى الغاي''ة بم''ا ه''و منج''ز من الكالم وأص''بح الخط''اب
يعرف بأنه "محاولة لتوسيع نظرية لسانية قادرة وموح''دة تع''ني بإنج''از الكالم الط''بيعي" 46ويب''دو أن''ه من
خالل التعريفات ارتبط مفهوم الخطاب بما ه''و ش''فوي ويعتم'د' في''ه على التب''ادل الكالمي والمب''دأ التف''اعلي
واالقناعي' والحجاجي به''دف االفه''ام' والتواص''ل وتوجي''ه المتخ''اطبين نح''و القص''د المفه''وم حيث رك''زت
43معجم في المصطلحات والفروق اللغوية الكفوي تحقيق ،عدنان درويش ط 1الرسالة بيروت 1412ه 1992م.
44التعريفات الجرجاني تحقيق إبراهيم األبياري دار الكتاب العربي بيروت 1992ط 2ص .419
45لسان العرب ابن منظور ،ط دار صادر 1994مادة خطب .
46المرجع نفسه.
17
مفهوم البنة الفصل األول
اللسانيات الحديثة جهودا كثيفة في دراسة الخطاب وتحليله وفهم آلياته ،وأصبح تحلي''ل الخط''اب يمث''ل تل''ك
المجاالت التي تطرح إشكاليات عميقة ال يتردد' الباحثون في التساؤل عن أسسها دفع هذا الطرح االش''كالي
الدارس''ين الى البحث في مج'االت الخط'اب المتع'ددة فح'اولوا تط''بيق من''اهج عدي'دة في التفس'ير والتأوي''ل
وتأثروا بعلوم أخرى ساعدتهم على التطرق' الى هذه القضية فاعتمد تحليل الخط''اب أوجه''ا مختلف''ة حس''ب
العقل أو الحقول التي تمثل أنشطة حيوية لديه.47
مفهوم التحليل:
تدل كلمة التحليل Analysisعلى معنى التقسيم والتفكيك لكن يختلف معناها باختالف الش''يء ال''ذي يفك''ك
وباختالف' النتائج التي نتوص'ل اليه'ا فق'د يك'ون التحلي'ل واقعي'ا اذا ك'ان الش'يء المحل'ل ش'يئا واقعي'ا مث'ل
الكيمياء وقد يكون عقليا يقوم على استنباط قضية من أخ'رى مث''ل التحلي'ل الرياضي 48والتحلي'ل في منح''اه
اللغوي مأخوذ من مادة "حلل" التي تفيد كلمة فك كل ما هو مركب الى عناصره البسيطة في قاموس' لسان
العرب مادة "حلل" وفي' قاموس مخت''ار الص''حاح ب''اب "رد" فهي تع''ني ح''ل الش''يء أو ف''ك الم''ركب الى
عناصره التي يتكون منها فأن تحلل يعني أن "تف''ك" من أج''ل أن تحص''ل على فهم أفض''ل لم''ا يتم تحليل''ه،
فالكيمي''ائي يهتم بتحلي''ل العناص''ر الطبيعي''ة المركب''ة الى أجزائه 'ا' المكون''ة ،وع''الم النفس يحل''ل الش''عور'
اإلنساني' والفيلسوف من جه''ة أخ''رى ينبغي أن يك''ون موض''وع' اهتمام''ه ه''و تحلي''ل الوح''دات اللغوي''ة أو
التصورات '.وهكذا نجد معاني كثيرة للتحليل الذ قد يكون عقليا فيكون موضوعه فكرة أو قض''ية ،أو تحليال
ماديا فيكون موضوعه عنصرا أو شيئا من األشياء فالتحليل يتحدد في النهاية ،بموضوعه 49لذا يوجد هن''اك
معان كثيرة متعددة للتحليل مما يؤدي ،كما يرى موسى وهب''ة ،الى ش''يء من التن''اقض واالض''طراب' فه''و
مصطلح شأنه ش''أن المص''طلحات األساس''ية في الفلس''فة يع''اني من اض''طراب في الدالل''ة يجعل''ه متض''منا
لمدلوالت متضاربة ،ان لم نقل متناقضة هذا الحكم يرجع الى أن معاجم الفلسفة المتداولة ،تساهم في زي''ادة
هذا االضطراب حيث تقتصر في شرح المعاني المتخصص''ة على الخالص''ات دون الول''وج الى المق''دمات
المشتركة ومن هنا ينشأ ما ال يقل عن عشرة مع''ان للتحلي''ل أو عش''رة اس''تعماالت مختلف''ة أو متباين''ة على
النحو التالي فهو تارة رد المركب الى أجزائه أو عبارة عن مجرد التقسيم وهو طو ًرا' نهج دراسي متفحصٌ
ومستقص يؤدي الى التوليف أي الى ضده كما في تحليل النصوص.
ِ
47المرجع نفسه.
48الفلسفة التحليلية ماهيتها مصادرها ومفكروها أحمد عبدالحليم عطية ،ط ،1بيروت لبنان.
49المرجع نفسه.
18
مفهوم البنة الفصل األول
تعريف التحليل:
-التحلي''ل يعن التفكي''ك ،تفكي''ك الش''يء الى مكون''ات جزئي''ة ،ت''تيح لن''ا معرف''ة بنيات''ه الداخلي''ة (الص''غرى
50
والكبرى) ،والخارجية ،وبنية التفاعل بينهما
لتحليل الخطاب تحديدات متعددة ،اال أن المعنى العام لتحليل الخطاب تحليل اس''تعمال اللغ''ة .ونظ''را' لك''ون
الدارسين المعاصرين اهتموا بتحليل شتى أشكال الخطابات أصبح لزاما عليهم االستعانة ب''العلوم' اإلنس''انية
لتمدهم باآلليات اإلجرائية للدراسة ،ومنه نشأت مقاربات التحلي''ل :النفس''ية ،االجتماعي''ة ،األنتروبولوجي''ة،
التواصلية ،الفلسفية ،البالغية.
"ان تحليل الخطاب هو غاية في ع'دم االس'تقرار لوج'وده في ملتقى العل'وم اإلنس'انية توج'د تحليالت تغلب
عليها الصبغة االجتماعي''ة ،وأخ''رى' تغلب عليه''ا الص''بغة اللس''انية وثالث''ة تغلب عليه''ا الص''بغة النفس''انية،
ويضاف الى هذا التفريغ ما بين التيارات من اختالفات" 51اذن فلكل ن'وع من الخطاب'ات إج'راءات تحليلي'ة
خاصة ،تسهم في الكشف عن دالالته.
-والتحليل مصطلح جامع يستدعي في ممارسته مصطلحات عديدة بإجرائه عملية إسقاطيه على م''ا يس''مى
الخطاب ،اذ يقوم على الشرح والتفسير والتأويل' والعمل على جعل النص واضحا جليا .ومن ه''ذا المنطل''ق
يرك''ز الناق 'د' على اللغ''ة واألس''لوب والعالق''ات' المتبادل''ة بين األج''زاء والك''ل ،لكي يص''بح مع''نى النص
ورمزيته واضحين ،لذا فان قراءة النص على عجل ال تعد تحليال. 52
-والتحليل كما جاء في لسان العرب "حل العقدة يحلها حال :فتحها' ونقضها فانحلت" 53أي فكه''ا وتحليله''ا.
وتحليلنا' للشيء رجوعنا الى العناصر' األولى.
19
الفصل الثاني
الفصل الثاني
الفصل الثاني
تحليل الخطاب يسعى الى دراسة المرامي الكالمية في االتصال اللغوي من أجل الوص''ول الى أقص''ى ح''د
من المقروئية التي تعتبر نشاطا' تفاعليا بين المتكلم والمستمع' أي المؤلف والخطاب والقارئ "اذ تسعى هذه
العملية الى تفكيك الخطاب المحبوك المتماسك (شكال وداللة) المكتوب والمسموع' الى بنيات جزئي''ة فاعل''ة
ومتفاعل''ة :داخلي''ة وخارجي''ة من أج''ل معرف''ة مختلف''ة المرجعي''ات الخطابي''ة (األس''س المعرفي''ة واألط''ر
النظرية للخطاب) التي ساهمت في تشكله بمعرفة مضامينه :محتوياته -غايته -مع''اييره -فض''ائه -بنيات''ه...
الخ ليتحقق التحليل األمر الذي يجعل العملية غاية في التشابك والتعقيد تتطلب معرفة موس''وعية عميق''ة في
التخصص تعوفها' معارف وروافد أخرى" ارتبط مجال تحليل الخط''اب بمفه''وم الخط''اب وق'د' ع''رف ه''ذا
المصطلح اضطرابا' من ناحية المفهوم الرتباطه بتصورات مختلفة للغة ،فهناك من يربط''ه ب''النص وهن''اك
من يربطه باستخدام اللغة ضمن سياق خاص وانطالقا من النص والسياق أي الظروف' الخارجية المرتبطة
بالنص يغدو تحليل الخطاب "كل تقنية تسعى الى التأسيس العام والشكلي' للروابط الموج''ودة بين الوح''دات
اللغوية للخطاب المنطوق' أو المكتوب ،في مستوى أعلى من مستوى الجملة هذا اإلقرار' بوجود' مس''توى' –
من الناحي''ة اإلجرائي''ة -أعلى من مس''توى الجمل''ة ،ه''و ال''ذي فتح المج''ال لتعريف''ات أخ''رى أخ''ذت بعين
االعتبار العناصر الخارجية غير اللغوية ،وهو األمر ال'ذي أح'دث تذب'ذبا في المفه'وم" فبني'ة الخط'اب هي
الموضوع المركزي' لتحليل الخطاب ،وال يمكن لهذه البنية أن تقتصر' على القول الذي ينجزه المخاطب في
زمان ومكان معينين ،وانما تتعدى ذلك لتشمل الفعل القصدي ذو األبعاد النفسية واالجتماعية فيصبح تحليل
الخط'اب حينه'ا متع'دد الغاي'ات بص'فته عمال م'ؤثرا يمكن وص'فه وتحليل'ه وض'بط' آلي'ات عمل'ه ،وتفس'ير
اشتغاله في حدث التخاطب.
56 55 54
-ان تحليل الخطاب بالضرورة تحليل اللغة في االستعمال .لذلك ،ال يمكن أن ينحصر في الوصف' المج''رد
لألشكال اللغوية بعيدا عن األغراض أو الوظائف التي وضعت هذه األشكال لتحقيقها بين الن''اس .واذا ك''ان
بعض اللسانيين مهتمين بتحديد' الخصائص الشكلية للغة ،فان محلل الخطاب مل''زم ب''البحث في م''ا تس''تعمل
تلك اللغة من أجله واذا كانت للمنهج الشكلي تقاليد عريقة نراها مجسمة في عدد ال يحصى من كتب النحو،
فان الدراسات الممثلة للمنهج الوظيفي أقل عددا .كما أن المحاوالت الهادفة الى وضع مجموعة .ولو عامة.
من المصطلحات لتحديد الوظائف' األساسية للغة لم تنتج سوى عدد من المص''طلحات الغامض''ة ال''تي يغلب
عليها طابع اللبس ،ولهذا فلن نستعمل هنا سوى مصطلحين نحدد بهما الوظيفتين الرئيسيتين للغة ونؤكد أننا
54نعيمة سعدية التحليل السميائي والخطاب عالم الكتب الحديث ط 1األردن 2016ص.3
55المرجع نفسه ص.
56عمر بلخير مقاالت في التداولية والخطاب ،دار األمل للطباعة والنشر والتوزيع ط 1الجزائر 2013
21
الفصل الثاني
لم نلجأ الى هذا التقسيم اال تحقيقا للجدوى التحليلية .فمن المس''تبعد' أن تس''تعمل عب''ارة م''ا من عب''ارات لغ''ة
طبيعية في أي ظرف من الظروف' ألداء وظيفة واحدة فقط مع اس''تبعاد الوظيف''ة األخ''رى بص''فة كلي''ة أم''ا
الوظيف''ة األولى ال''تي تؤديه'ا' اللغ'ة والمتمثل''ة في التعب''ير عن المض''امين فنس''ميها وظيف''ة "تعاملي''ة" وأم''ا
57
الوظيفة المتمثلة في التعبير عن العالقات االجتماعية والمواقف' الشخصية فنسميها "وظيفة تفاعلية"
-ولمصطلح "تحليل الخطاب" دالالت مختلفة بالنسبة للباحثين في شتى مجاالت الدرس اللغوي .ففي نظ''ر
عالم اللغة االجتماعي مثال ،يتصل هذا المصطلح أساس''ا ببني''ة التفاع''ل االجتم''اعي كم''ا تتجلى في الح''وار
58
اللغوي وهو في نظر عالم اللغة النفسي ذو صلة بالطريقة التي يتم بها فهم النصوص القصيرة المكتوبة
فتحليل الخطاب هو مصطلح ج'امع ل'ه ع'دة اس'تعماالت ،يش'مل على مج'االت واس'عة من األنش'طة منه'ا:
االجتماعية ،النفسية ،األسلوبية ...الخ ساهم بشكل فعال في تكوينه الى تحليل وف'ك' الخط''اب من أج''ل الفهم
59
على اختالف أنواعه (أدبي ،شعري ،نثري)
-قد يعد تحليل الخطاب رد فعل لعلم اللغة التقليدي (علم اللغة التركيبي' الشكلي) الذي يركز على الوح''دات
األساسية وتركيب الجملة وال يهتم بتحليل اللغة المتداولة 60وتحلي'ل الخطاب وعلى خالف علم اللغة الشكلي
يهتم بتطبيق' مفهوم التركيب فوق' مستوى الجملة ،أي أخذ قياس العالقات النحوية كالفع''ل-الفاع''ل-المفع''ول
وتطبيقه على تحليل نص أطول .وبما أن من النادر أن يتواصل المرء م''ع غ''يره من خالل جم''ل فق''ط ف''ان
محللي الخطاب هؤالء ينتقدون اتج''اه اللغ''ويين لقص''ر ترك''يزهم على ت''ركيب الجمل''ة يق''ول مايك''ل ه''وى:
"يتضمن الحوار تبادال بين فردين من الناس أو أكثر قد ينتج كل طرف في''ه أك''ثر من عب''ارة واح''دة ويق''وم
كل اسهام فيه على االسهامات السابقة اما بصورة مباشرة أو غير مباشرة" 61اذن فهذا الض''رب من تحلي''ل
الخطاب نشأ عن رغبة لتحليل الوحدات والبنى األكبر التي ي''دركها المتكلم والمس''تمع' ض''منا على مس''توى
الخطاب ال على مس'توى' الجمل'ة ال''تي ي''دركها المتكلم ه'ذه الب''نى األك''بر ق'د يك''ون تحليله'ا أص''عب نظ''را
لطبيعتها' غير التي لم تحلل والتي تؤخذ مأخذ التسليم.
-لتحليل الخطاب أهمية بالغة في فتح مجاالت جديدة للتحليل :بدء تحليل السمات التنظيمي''ة المنتظم''ة للغ''ة
ومحاولة إيجاد منظومة لتدوين هذه الوحدات التنظيمية وتوصيفها '.ومع ذل'ك فق'د وج'ه الي'ه النق'د لع'دد من
األسباب ،أولها أن تحليل الخطاب وان كان يتناول اللغ''ة المتداول''ة في الس''ياقات اللغوي''ة الحقيقي''ة ال ي''ولي
اهتماما لكيفية تأثير العالقات االجتماعية على انتاج الكالم أو النصوص المكتوبة وعلى عالق''ات الق''وة بين
22
الفصل الثاني
األطراف' المشاركة وال يهتم بقضايا التأويل أو ب''رأي من يأخ''ذ المحل''ل فيم''ا يتعل''ق بوظيف''ة مف''ردة بعينه''ا
ويطلق' عليها "غير ملحة".62
وهكذا فتحليل خطاب النص المكتوب يهدف الى جعل المعايير والقواعد الضمنية إلنت''اج اللغ''ة الص''ريحة،
وينصب اهتمامه بصفة خاصة على كيفية تكوين الخطاب من مجموعة من الوحدات المتراتبة المركبة.63
-يعد تحليل الخطاب تخصص ثري خصب اكتسب جدارته المعرفية وسادته العلمي''ة لكون''ه ي''وفر للب''احث
مداخل منهجية مختلفة لتحليل النصوص والخطابات' المختلفة ب''النظر' للم''دارس اللس''انية والنقدي''ة المختلف''ة
وخلفياتها' النظرية ومرجعياتها الفكرية والمعرفية التي تؤطرها وتكيف خطابه''ا '.كم''ا يع''د تحلي''ل الخط''اب
مولودا' شرعيا للسانيات التطبيقية فهو ميدان الستثمار المعطيات المنهجية المختلف''ة ال''تي وفرته'ا' اللغ''ة في
دراسة النصوص والخطابات وتحليلها على كل المستويات' وقد أصبح مصطلح تحليل الخطاب علم''ا قائم''ا
بذات''ه ل''ه خلفيات''ه النظري''ة وأسس''ه المعرفي''ة وموض''وعه ومناهج''ه واجراءات''ه التطبيقي''ة ووس''ائل تحليل''ه
ونتائجه .فقد أصبح يعرف هذا المصطلح اال مع العالم اللس'اني األم'ريكي زلي'غ ه'اريس ،1952واذا ك'ان
وجود' الخطاب مصطلحا' صريحا في التراث فان تحليل الخطاب موجود باعتباره ممارسة منذ عهد الخلي''ل
(175ه) وسبويه (ت180ه) ووصوال الى ابن خلدون (ت.64)808
-أما تحليل الخطاب فيعرفه محمود' خطابي "كل مقاربة تتخذ لها موضوعا للوصف وح''دة لغوي''ة أك''بر من
الجملة" 65بمعنى أن تصنيف ه''ذه المقارب''ة في تحلي''ل الخط''اب يب''نى أساس''ا على الوح''دة اللغوي''ة المحلل''ة
وحجمها '.وهذا يتكامل مع ما جاء به بول ريكور' حين اعتبر أن الخطاب يتطلب معنيين هما الوحدة اللغوية
والحجم المراد تحليله كما يعرفه جورج مونان تحليل الخط''اب بأن''ه "ك''ل تقني''ة تس''عى الى التأس''يس الع''ام
والشكل للروابط الموجودة بين الوحدات اللغوية للخطاب المنطوق' والمكتوب في مستوى' أعلى من مستوى
الجملة".
تحليل الخطاب :لتحليل الخطاب تحديدات متنوعة ويوجد تحديد واسع ج'دا ه'و تحلي'ل اس'تعمال اللغ'ة (
)Brown et yu le 1983كما هناك تعريف' آخر "دراسة االستعمال' الفعلي للغة من قبل ناطقين حقيقيين
في أوضاع حقيقية ( )chap2, 1985, civفي البلدان األنجلوساكسونية خاصة العديد من الناس ينظرون'
ان قليال أو كثيرا الى تحليل الخطاب وتحليل الحديث وكأنهم'ا' ش''يء واح''د نظ''را لك''ونهم يع''دون الخط''اب
نش''اطا' تفاعلي''ا أساس''ا غ'ير أن'ه م''ع ه''ذه التحدي''دات الغامض''ة ج''دا ،يص''عب التمي''يز بين تحلي''ل الخط''اب
والتخصصات األخرى التي تدرس الخطاب لذا نرى أنه من المستحسن اعتبار تحليل الخط''اب التخص''ص
62المرجع نفسه.
63المرجع نفسه.
64محاضرات األستاذ دنوقة.
65لسانيات النص مدخل الى انسجام الخطاب محمد خطابي المركز الثقافي العربي ط 2006 2ص.47
23
الفصل الثاني
الذي يدل أن يقدم على التحليل اللغوي للنص في ذاته أو على التحليل السوس''يولوجي أو النفس''اني لمحت''واه
يسعى الى مفصلة articulerتلفظه مع موقع اجتماعي بعينه وهكذا يجد تحليل الخطاب نفس''ه حي''ال ن''واع
الخطابات المشتغلة في قطاعات الفضاء االجتم''اعي (المقهى ،المدرس''ة ،المح''ل التج''اري ،أو في الحق''ول
الخطابية اذن بإمكان تحليل الخطاب أن يعنى بنفس المدونات على غرار علم االجتماع وتحليل الحديث.66
ولما كان تحليل الخطاب يقف في مفترق طرق العلوم اإلنسانية فهو عرضة لعدم استقرارهم ذلك أنه يوج 'د'
محللون للخطاب هم باألحرى علماء اجتماع وآخ''رون هم ب''األحرى لس''انيون والبعض اآلخ''ر علم''اء نفس
باإلض'افة الى ه'ذه التقس'يمات هن'اك خالف'ات بين تي'ارات متع'ددة وهك'ذا نج'د تحلي'ل الخط'اب في ال'وم أ
مرس''وم' باألنثروبولوجي''ا في حين تن''امى في فرنس 'ا' في الس''تينيات تحلي''ل الخط''اب ذو توج''ه لس''اني بين
67
ومرسوم' بالماركسية والتحليل النفسي
-يعد الخطاب اللساني نمطا من أنماط الخطاب العلمي 68يتميز بس'مات تمنح''ه خصوص''ية معين'ة ،كم'ا ل'ه
أيضا مادة أو موض'وع' أو ظ'اهرة أو غاي'ة ،أو أه'داف ي'ود تحقيقه'ا من خالل تطبيقات'ه المختلفة 69أي أن'ه
خطاب واضح المعالم واألهداف' له متن محدد لتقدم مقاربات عديدة حوله وهو أيض''ا "التح''دث عن ح''ديثنا
عن اللغة" 70هذا يع'ني أن ج''ل كالم علمي عن ظ'اهرة لغوي'ة م'ا ه'و خط'اب لس'اني ألن'ه يتخ''ذ من اللغ''ة
كموضوع وكم''ادة أيض''ا ،بغي''ة البحث فيه''ا باس''تراتيجية مح''ددة الس''تيعاب ك''ل "قض''ايا اللس''ان من حيث
نواميسه المركزية بصرف النظر عن الخصوصيات النوعية النابعة عن لغة معينة أو مجموعة من اللغ''ات
التي تكون أسرة واحدة" 71مما يع''ني أن هن''اك مقارب''ات متع''ددة ال''رؤى' واأله''داف تهتم بص''ورة المعرف''ة
اللسانية والالفت لالنتباه أن علماءنا القدامى استعملوا مصطلح علم اللسان للدالل''ة على ك''ل دراس''ة خاص''ة
باللسان ،تم''يز له''ا بم''ا ه''و خ''ارج عنه''ا ،من علم األص''ول وعلم الح''ديث ،وعلم المنط''ق ،وعلم الحس''اب
72
وغيرها من فنون المعرفة"
وهذا مثبوت في مخصص ابن س''يدة ومقدم''ة ابن خل''دون عموم''ا فالخط''اب' اللس''اني خط''اب مع''رفي' يهتم
بدراسة اللغ''ة من حي البني''ة وال''تركيب والدالل''ة والج''انب الكالمي من اللغ''ة وك''ل التغي''يرات ال''تي تلح''ق
الظاهرة اللغوية والسياقات' المتعلقة بها.
66المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب دومينيك مانغونو الدار العربية للعلوم الناشرون ط1428 1ه2008-م ص.11
67المرجع نفسه.
68الخطاب العلمي :خطاب علمي واصف ،خطاب علمي تقريري ،خطاب علمي تفسيري.
69بشير ابرير الخطاب اللساني العربي بين التراث والحداثة مجلة الرافد سنة 2001ص.87
70عبد السالم المسدي :مباحث تأسيسية في اللسانيات مؤسسات عبد الكريم بن عبد هللا.
71عبد السالم المسدي :مباحث تأسيسية في اللسانيات مؤسسات عبد الكريم بن عبد هللا.
72عبد السالم المسدي التفكير اللساني الحضارة العربية دار الكتاب الجديدة المتحدة ط 2009 3ص.432-431
24
الفصل الثاني
تحليل الخط''اب اللس''اني :تحلي''ل الخط''اب Discoure Analysesه''و كيفي''ة اس''تعمال الن''اس اللغ''ة أداة
للتواصل ،وكيف يؤل''ف المتكلم رس''ائل قوي''ة يوجهه''ا الى المتلقي ،فيق''وم ه''ذا بمعالجته''ا لغوي''ا على نح''و
خاص لتفسيرها 73والذي قد يحصر في الكالم بين متكلمين قد يستخدمان وسائط متع''ددة للتواص''ل يمكن أن
تكون شفهية أو مكتوبة أو مرئية أو حركية أو لمسية وكثيرة هي طرق التواصل وأشكاله التي يس''تعين به''ا
االنسان في حياته اليومية لقض'اء أغراض'ه المعرفي'ة تع'ددت مف'اهيم الخط'اب في اللس'انيات بتع'دد ط'رق
التواصل وأشكاله التخاطبية .حيث ركزت اللسانيات جهودا كثيفة في دراسة الخط''اب وتحليل''ه وفهم آليات''ه
وأصبح تحليل الخطاب يمثل تلك المحاوالت التي تطرح إش''كاليات عميق'ة ال ي''تردد' الب''احثون في التس''اؤل
عن أسسها 74لذا يعتبر الخطاب اللساني لونا من ألوان الخطاب العلمي .والخطاب اللساني هو "التحدث عن
حديثا عن اللغة" 75وعلى هذا األساس يج'وز لن'ا اعتب'ار ك'ل كالم عن الظ'اهرة اللغوي'ة ويتص'ف' بالعلمي'ة
خطابا لسانيا فما كتبه دي سوسير' وتشومكسي والفاس الفهري والمسدي' وأحمد المتوكل وغيرهم كثير كلها
خطابات لسانية ألنها تتخذ اللغة كمادة أو موضوع بغرض بحثها وفق معطيات منهجية محددة .وفي كت''اب
العمدة الذي يحمل عنوان "تحليل الخطاب" Discoure Analysesوالذي يمثل التحليل اللساني للخطاب
يشير المؤلفان اللذان اش''تركا في تأليف'ه وذل''ك في الكت''اب الى مص'طلح تحلي'ل الخط'اب وكي'ف' أن'ه ص'ار
يستخدم' بعدد كبير من المعاني التي تنسحب على ألوان كثيرة من النشاط 76.فتحليل الخطاب قائم على اللغ''ة
التواصل والخطاب في رأينا يقوم على ثالثة مراحل المرحلة األولى السياق الذي يجري فيه التواصل بك''ل
أبعاده المؤثرة ثم تحديد العالقة بين السياق والعالمة المستعملة ليتم اختيار االستراتيجية الخطابي''ة المالئم''ة
والمرحلة األخيرة أال وهي التلفظ بالخطاب.
73أبحاث في علم اللغة النصي وتحليل الخطاب الدكتور جاسم علي جاسم ص.182
74نفس المرجع.
75مباحث تأسيسية في اللسانيات عبد السالم المسدي مؤسسات عبد الكريم بن عبد هللا للنشر والتوزيع تونس ،ب ط.
76مقدمة في نظريات الخطاب ديان مكدونيل دط ،دت ص.22
25
الفصل التطبيقي
26
الفصل التطبيقي
الفصل التطبيقي
ولد سيد المرسلين صلى هللا عليه وسلم بب''ني هاش''م بمك''ة في ص''بيحة ي''وم االث''نين التاس''ع من ش''هر ربي''ع
األول عام من حادثة الفيل وألربعين سنة خلت من ملك كسرى أنو شروان ويوافق' ذلك العشرين أو الث''اني
والعشرين من شهر أبريل سنة 571حسبما حققه الع'الم الكب''ير محم'د س'ليمان المنص'ور' ف'وري والمحق''ق
الفلكي محمود باشا 77أرضعته والدته الطيبة أمنة بنت وهب ثم أول من أرضعته من المراض''ع –بع''د أم''ه-
ثويبة موالة أبي لهب وكانت قد أرضعته قبله حمزة بن عبد المطلب ،وأرضعته بعده أب''ا س''لمة بن عب''د هللا
األسد المخزومي' .78كان اسمه محمد أول من سُمي بهذا االسم فلم يكن معروفا' عند الع''رب في ذل''ك ال''وقت
وكان قد اختاره له جده عبد المطلب 79وعندما بلغ الرسول ثماني سنوات وشهرين وعش''رة أي''ام من عم''ره
توفي' جده عبد المطلب بمكة وتكفل به عمه أبو طالب من بعده ولما أصبح الرسول في االثن''تي عش''ر س''نة
أصبح تاجر في الشام حيث لم يكن لديه عمل في أول ش'بابه اال الرواي'ات ت'روي أن'ه ك'ان ي'رعى الغنم في
بني سعد وفي مكة وفي الخامس والعشرين من عمره خرج تاجرا الى الشام في م''ال خديج''ة وال''تي ك''انت
أول زوجة له عليه الصالة والسالم وكان له أوالد منها –منهم :القاس''م -وب''ه ك''ان يك''نى -ثم زينب ورقي''ة،
وأم كلثوم وفاطمة وعبد هللا 80وقد' جمع عدد أزواج''ه علي''ه الص''الة والس''الم في خمس''ة عش''ر زوج''ة منهم
عائشة رضي هللا عنه''ا وحفص''ة وس''ودة وص''فية وغ''يرهم رض''وان هللا عليهن 81ولم''ا أكم''ل األربعين من
السنة بدأت آثار النبوة تلوح له كحبه لالختالء بنفسه والعزلة في غار يدعى غار حراء بمكة المكرم''ة فلق''د
لقي الرس''ول' الكث''ير من المص''اعب والمتعب في نش''ره له''ذه ال''دعوة اإلس''المية فه''اجر الى الط''ائف' والى
المدينة المنورة وغيرها ولتنتهي' حياة رس''ولنا األك''رم محم''د ص''لى هللا علي''ه وس''لم ه''ذا عن س''يرة أحس''ن
الخلق محمد صلى هللا عليه وسلم باختصار' وكل هذا ال يعبر عن مدى عظم شأنه عليه الصالة والسالم' ولم
أسرد حياته كاملة مع اإلشارة الى أنه قبل وفاته ألقى خطبته الشهيرة (حجة ال''وداع) ال''تي ك''ان ي''ودع فيه''ا
جميع المسلمين ويثبتهم' على الدين اإلسالمي.
-2تعريف الخطب ة" :هي كالم منث''ور' يمت''از بوق''دة العاطف''ة ورجاح''ة الفك''ر ،وس''مو المع''اني وحس''ن
السًبك ،وروعة البيان وصدق' اللهج'ة ،وجم'ال النط'ق وعم'ق الت'أثير وق'وة الحاج'ة يتوج'ه ب'ه المتكلم الى
82
الجمهور' والمستمع له قاصدا إقناعه بقولة واستمالته اليه"
27
الفصل التطبيقي
يختلف أسلوب الخطبة وتعبيراتها عن أسلوب الش''عر وطريقت''ه أيض''ا تختل''ف عن أس''لوب الكتاب''ة الفني''ة
وكتابة المقاالت لهذا كان أسلوب الخطابي سمات خاصة نجملها فيما يلي:
-1وضوح العبارات وظهور' معانيها بحيث يكون الغ''رض ال''ذي يه''دف الي'ه مفهوم''ا للس''امعين ،وله''ذا ال
يس''تعمل الخطيب كلم''ات لغوي''ة غامض''ة وال تعب''يرات مجازي''ة بعي''دة المع''نى ،ويختل''ف موق''ف الخطيب
باختالف سامعيه فهو حين يخطب يستعمل العبارات البليغة والمجازات' البالغية.83
-2تعتمد الخطبة على الجمل القصيرة وعدم الفصل البعيد بين أجزائها.
-3في مقام''ات التهوي''ل واالث''ارة يحس''ن اس''تعمال ص''يغ االس''تفهام وص''يغ التعجب ألنه''ا ت''ؤدي في ه''ذه
المقامات ما ال تؤديه الجمل الخبيرة واالستفهام' االبكاري يكاد يكون حجه مسلما بها.84
-4تختلف ألفاظ الخطبة وعباراتها' بحسب المقام الذي يقال فيه أي المناسبة وظ''رف الزم''ان والمك''ان ال''ذي
قيلت فيه الخطبة.
-4أنواع الخطب :يعتمد الباحثون في فن الخطابة وتاريخها' على تقسيم أرسطاليس' باعتب''اره أق''دم ب''احث
في نظره قسم الخطب الى ثالث'ة أقس'ام ':الخطب'ة السياس'ية ،والخطب'ة القض'ائية ،وخطب التك'ريم والخطب
الدينية واالجتماعية فتنوعت الخطب وتعددت حسب تطور فن الخطابة وتاريخها'.85
[[الحم ُد هلل نحم ُدهُ َونَ ْست َِعينُه ،ونَ ْستَ ْغفِ ُرهُ ،ونَتُوبُ إليه ،ونَعُو ُ'ذ باهللِ ِم ْن ُش ِ'
رور أ ْنفُ ِسنا و ِم ْن س 'يّئآ ِ
ت أ ْع َمالِنَ''ا َمن
ي لَ'هُ .وأش''هد أن ال إل'ه إالّ هللا وحْ' ده ال ش''ريك ل'ه ،وأش''هد ّ
أن ض َّل لَ'هُ ،و َم ْن ي َ
ُض'لِلْ فَالَ هَ''ا ِد َ يَ ْه ِده هللاُ فَال ُم ِ
محمداً عبدُه ورسولُه .أوصي ُكم عبا َد هللا بتقوى هللا ،وأَ ُح ُّث ُك ْ'م َعلَى طَا َعتِ ِه وأستفتح بال''ذي ه''و خ''ير .أَ َّما بع''د،
ّين لَ ُك ْم ،فَ''إنّ َي الَ أَ ْد ِري ،ل َعل ّي الَ أَ ْلقَ''ا ُك ْم بَ ْع' َد عَ'امي هَ' َذا ،في َم''وْ قِفي ه''ذا ،أَيُهَ'ا اس' َمعُوا منّي أُب ْ أيّهَ''ا النّ''اسْ ،
أن ت َْلقَوْ ا َربَّ ُك ْمَ ،كحُر َم ِة يَوْ ِم ُك ْم هَ َذا في َشه ِْر ُك ْم هَ'' َذا إن ِد َما َء ُك ْم َوأ ْم َوالَ ُك ْم َوأَ ْع َرا َ
ض ُك ْ'م َح َرا ٌم عَلي ُك ْم إلى ْ النَّاسّ ،
َت ِع ْن' َدهُ أَ َمان'ةٌ فلي ُؤدِّه'ا' إلى َم ْن ا ْئت َمنَ'هُ َعلَيه''ا َّ
وان ِربَ''ا اش'هَ ْد ، -فَ َم ْن َك''ان ْ ت ْاللَّهُ َّم فً ْ
في بَلَ ِد ُكم هَ َذا -أَاَل هَلْ بَلَّ ْغ ْ
ان أَ َّو َل ِربَ''ا
ض'ى هَللا ُ أَنَّهُ اَل ِربَ''اَ ،و َّ َتظلِ ُم''ونَ َواَل تُ ْ
ظلَ ُم''ونَ َوقَ َ ع َولَ ِك ْن لَ ُك ْم ُر ُؤوسُ أَ ْم َوالِ ُك ْم اَل ْ ْال َجا ِهلِيَّ ِة َموْ ضُو ٌ
وان أَ َّو َل د ٍَم نَ ْب'دَأُ بِ ' ِه َد ُم َع''ا ِم ٍر ْب ِن
ض 'و َعةٌَّ ، أَ ْبدَأُ بِ ِه ِربَا َع ِّمي ْال َعبَّاسْ بْنُ َع ْب ِد ال ُمطَّلِبْ َّ .
وان َد َما َء ال َجا ِهلِيَّ ِة َموْ ُ
83الخطابة واعداد الخطيب عبد الجليل شلبي ط1451 1ه1981-م دار الشروق ص.23
84المرجع نفسه ص .24-23
85المرجع نفسه.
28
الفصل التطبيقي
ث ْب ِن َع ْب ِد ال ُمطَّلِ ِ
ب وكان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل ،وان مآثر الجاهلية موضوعة َربِي َعةَ ب ِْن ال َح ِ
ار ِ
غير السدانة والسقاية والعمد قو ٌد وشبهٌ العمد ما قتل بالعصا' والحجر وفيه مائة بعير فمن زاد فهو' من أه''ل
ت ْاللَّهُ َّم فًا ْشهَ ْد -أما بعد أيها الناس ،ان الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه ولكن''ه
الجاهلية -أَاَل هَلْ بَلَّ ْغ ْ
قد رض'ي أن يط'اع فيم'ا س'وى ذل'ك مم'ا تحتق'رون من أعم'الكم فاح'ذروه على دينكم أيه'ا الن'اس(( ،إِنَّ َم'ا
اطئُوا' ِع َّدةَ َما َح َّر َم هَّللا ُ فَيُ ِحلُّوا' النَّ ِسي ُء ِزيَا َدةٌ فِي ْال ُك ْف ِر ي َ
ُضلُّ بِ ِه الَّ ِذينَ َكفَرُوا ي ُِحلُّونَهُ عَا ًما َويُ َحرِّ ُمونَهُ عَا ًما لِي َُو ِ
َما َح َّر َم هَّللا ُ ُزيِّنَ لَهُ ْم سُو ُء أَ ْع َمالِ ِه ْم َوهَّللا ُ ال يَ ْه ِدي ْالقَوْ َم ْال َكافِ ِرينَ )) 86وان الزمان قد استدار كهيئته ي''وم خل''ق
هللا السموات واألرض ،منها أربعة حر ٌم ثالثة متواليات وواحد' فرد :ذو القعدة وذو' الحجة والمحرم' ورجب
ت ْاللَّهُ َّم فًا ْشهَ ْد -أما بعد أيها الناس ،ان لنسائكم' عليكم حق''ا ولكم
مضر الذي بين جمادى وشعبان -أَاَل هَلْ بَلَّ ْغ ْ
عليهن حق .لكم أال يواطئن فرشكم' غيركم ،وال يدخلن أحدا تكرهون''ه بي''وتكم' اال ب''إذنكم' وال ي''أتين بفاحش''ة
فان فعلن فان هللا قد أذن لكم أن تعضوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ض''ربا غ''ير م''برح ،ف''ان
انتهين وأطعنكم' فعليكم' رزقهن وكسوتهن بالمعروف' واستوصوا' بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان ال يملكن
ألنفسهن شيئا وانكم انما أخذتموهن بأمانة هللا واستحللتم' فروجهن بكلمة هللا فاتقوا هللا في النساء واستوصوا'
ت ْاللَّهُ َّم فًا ْشهَ ْد 87-أيها الناس انما المؤمنون اخوة وال يح''ل الم''رئ م''ال أخي''ه اال عن بهن خيرا -أَاَل هَلْ بَلَّ ْغ ْ
ت ْاللَّهُ َّم فًا ْشهَ ْد -فال تًرجع ًُّن بعدي ُكفًّارًا يضرب بعضكم' رق''اب بعض ،ف''اني ق''د
طيب نفس منه -أَاَل هَلْ بَلَّ ْغ ْ
ت ْاللَّهُ َّم فًا ْشهَ ْد -أيه''ا الن''اس ،ان
تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا بعده :كتاب هللا وسنة نبيه -أَاَل هَلْ بَلَّ ْغ ْ
ربكم واحد ،وأباكم واح''د كلكم آلدم وآدم من ت'راب أك'رمكم' عن''د هللا أتق''اكم ،وليس لع'ربي على عجمي اال
ت ْاللَّهُ َّم فًا ْشهَ ْد قالوا :نعم -قال :فليبلغ الشاهد منكم الغ''ائب88أيه''ا الن''اس ،ان هللا ق''د قس''م
بالتقوى -أَاَل هَلْ بَلَّ ْغ ْ
ث ،والول''دلك''ل وارث نص''يبه من الم''يراث وال يج''وز ل''وارث وص''ية ،وال يج''وز وص'يّ ٍة في أك''ثر من ثُل ٍ
للفراش وللع'اه ُ'ر ال ِحجْ' َر من ا ّدعَى الى غ'ير أبي'ه أو ت'ولى غ'ير موالي'ه فعلي'ه لعن'ة هللا والمالئك'ة والن'اس
أجمعين ال يقبل منه صرف وال عدل وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ ق''الوا :نش''هد أن''ك ق''د بلغت وأديت
ونصحت ،فقال بأصبعه السبابة يرفعها الى الس''ماء ويقلّبه''ا على الن''اس :اللّهم فاش''هد ،اللهم اش''هد والس''الم
عليكم ورحمة هللا]].
-6المناسبة والظروف :هذه الخطبة ألقاها الرسول' صلى هللا عليه وسلم في يوم عرفة المواف''ق للتاس''ع
"اليَ''وْ َم أَ ْك َم ْل ُ
ت لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم من ذي الحجة من السنة العاشرة فوق جبل الرحمة وقد نزل فيه الوحي مبشرا أنهْ :
يت لَ ُك ُم اإْل ِ ْساَل َم ِدينًا" [المائدة 89 ']03وهي آخ'ر خطب'ة ألقاه'ا الرس'ول ص'لى هللا َوأَ ْت َم ْم ُ
ت َعلَ ْي ُك ْم نِ ْع َمتِي َو َر ِ
ض ُ'
90
عليه وسلم ويمكن اعتبارها أكبر تجمع يحضره المسلمون في ذلك الوقت (نح''و 125ألف''ا من الص''حابة)
86
فن الخطابة واعداد الخطيب عبد الجليل عبده شلبي ص 180ط 1دار الشروق.
87
88
29
الفصل التطبيقي
وفي' آخ''ر حج''ة ش''هدها الن''بي علي''ه الص''الة والس''الم من جب''ل الرحم''ة حي حض''رها مائ''ة أل''ف وأربع''ة
91
وأربعون ألفا من الناس وقد نزل فيه الوحي مبشرا اياه
]1بدأت الخطبة باالستفتاح والثناء والحمد هلل واالقرار بألوهيته في قول'ه ص لى هللا علي ه وس لم في ه ذه
الخطبة(( :الحم ُد هّلل نحمده ونستعينه ونستغفره ...وأشه ُد أنَّ ال االه اال هللا وحده ال شريك له)).92
]2تضمنت الخطبة اإلشارة على أنها خطبة ال وداع في قول ه ص لى هللا علي ه وس لم (لعلّي ال ألق اكم بع د
عامي هذا)).93
]3تضمنت الخطبة أيضا بلوغ الرسول صلى هللا عليه وس لم األمان ة والنص ح ألمت ه في قول ه ص لى هللا
عليه وسلم ((اللَّ ُه َّم َبلَّغت ...اللَّ ُه َّم فا ْش َه ْد)).94
]4تضمنت العادات الجاهلية القبيح ة في ح ديث الخطب ة قول ه ص لى هللا علي ه وس لم ((انَّ رب ا الجاهلي ة
موضوعة ...ان مآثر الجاهلية موضوعة)).
]5التأكيد على حرمة الدماء في قوله(( :انَّ دمائكم حرا ٌم عليك ْم كحُرمة يومكم هذا ،في بلدكم هذا)) .
]6تضمنت الخطبة النصح واإلرشاد وطلب الرحمة بهذه األم ة في قول ه ((ان الش'يطان ق''د يئس أن يعب''د
في أرضكم' ...فاحذروه على دينكم ...وال ترجع َُّن بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض)).
ّ
((ان لنسائكم عليكم حقا ...واستوصوا' بهن خيرا. ]7بين الرسول حقوق النساء وواجباتهن في قوله:
]8نادى الرسول بحرمة النسئ وقال بأن الزمان كهيئة سيد وكأنه ي''وم واح''د في قول''ه ((أرب''ة ح' ُر ٌم ثالث''ة
متواليات وواحد' فر ٌد ذو القعدة وذو' الحجة والمحرم' ورجب مضر الذي بين جمادى' وشعبان)).
]10ختم خطبته صلى هللا عليه وسلم عبارة عن مجموع'ة من النص'ائح ح'ول الم'يراث في قول'ه(( :ان هللا
قسم لكل وارث ...ال يقبل منه عدل وال صرف)).
]11وفي ختام الخطبة شهد له الناس على تبليغ رسالة الدعوة اإلس''المية ثم ألقى عليهم س''الم هللا ورحمت''ه
وانتهت بهذا الخطبة.
91
أبو بكر جابر الجزائري هذا الحبيب محمد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ص.303
92
93
94
30
الفصل التطبيقي
يمكن تلخيص الخطبة في مجموعة من االرشادات والتوجيهات من الرسول صلى هللا عليه وس''لم الى كاف''ة
الناس يوم وداعه لهم كاآلتي:
-3التحذير من طاعة الشيطان "ان الشيطان قد يئس ...أن يعبد في أرضكم هذه فاحذروه على دينكم"'.
-4الوصية بالنساء خيرا "واستوصوا' بالنساء خيرا ...فإنهن عندكم عوان ال يملكن ألنفسهن شيئا".
-5التأكيد على مبدأ األخوة بين المؤمنين "انما المؤمنون اخوة وال يحل المرئ مال أخيه اال عن طيب نفس
منه".
-6التمسك بكتاب هللا وسنة نبيه في قوله" :فاني قد تركت فيكم م''ا ان أخ''ذتم ب''ه لن تض''لوا بع''ده :كت''اب هللا
وسنة نبيه".
-8بيان حق الميراث والنيب والتحذير من التبني "ان هللا قد قسم لكل وارث نصيبه من الم''يراث وال يج''وز
لوارث وصية في أكثر من ثلث والولد للفراش".
31
الفصل التطبيقي
-9مضمون الخطبة :هذه الخطبة من الخطب الجامعة ألنها احت'وت على تع'اليم كث'يرة هام'ة وهي آخ'ر
خطبة جامعة لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم' وتبدو' صرامتها' في أنه صلى هللا عليه وسلم' طبقها على ذويه
قبل أن يطبقها على اآلخرين ،فبدأ بوضع ربا العباس عمه ،وقد أضاع بهذا العباس م''ال كث''ير ولكن حس''به
أن كان له رأس ماله ،كما وضع دم ابن عمه ربيعة بن الحرث –والحرث أكثر أبناء عبد المطلب -وكان له
بالء مشهود' يوم بدر وكانت الطريقة الجارية أن يؤخذ بثأره ممن قتله ،لكن اإلسالم يجب ما قبله لهذا ت''رك
رس''ول هللا ه'ذا الث'أر 95وق'د' آخى رس''ول هللا بين المس'لمين وجع'ل دم'ائهم' متكافئ'ة ونبههم في ه''ذا الى أن
أصلهم واحد وهو آدم وانما يتفاضلون بالتقوى ال باألجناس فاهلل جعلهم ش''عوبا وقبائ''ل ليتع''ارفوا ولم تغف''ل
96
الخطبة شأن المرأة وما لها من حقوق وما عليها من واجبات
*في الخطبة مقدمة ليست هي مجرد الحمد واالستشهاد' ولكنها الوصية بالتقوى والعمل الصالح ،فه''ذا أم''ر
بشيء جامع عام ،وكل ما بينته الخطبة بعد ذلك فهو' من التقوى والعمل الصالح ،ثم كان موض''وع الخطب''ة
هو التعاليم التي ألقيت ولم يحتج أكثرها الى دليل وبرهان ،ألنها تعاليم النبي المعص''وم' ال''ذي ال ينط''ق عن
الهوى ولكن بعضها ذكر له تعليل عابر لبيان توجيهه ولماذا كان على هذا النحو 97والخطب''ة ليس''ت طويل''ة
وليست أيضا قصيرة إزاء م''ا ج''اء به''ا من تع''اليم ش''رعية وق''د اختلفت روايته'ا' في كتب الت''اريخ والس''ير'
ولكنها على أطول رواية جاءت بها ليست ذات طول ،وانما هي ذات توسط وأدنى الى القصر وهي نموذج
من البالغة النبوية ونموذج من اإلصالح االجتم''اعي الش''امل ونم''وذج من اص''الح اإلس''الم ،ألنه''ا تعكس
98
بوضوح' جوانب من العادات العربية السيئة التي كانت شائعة قبل االسالم
-1تبدأ خطبة الرسول صلى هللا عليه وسلم بالتحميد والثناء على هللا تعالى.
-2التأثر بأسلوب االقناع والتأثر بأس''لوب الق''رآن الك''ريم من حيث الحج''ة واالقن''اع' والت''أثير في الس''امعين
لدفعهم' الى االيمان والتصديق
-4كانت األلفاظ سهلة وأسلوبها' متين وقوي مع تجنب السجع وايراد' الحكم.
-5اش''تمالها' على التع''اليم الديني''ة والنص''ائح القومي''ة ووض''عها األس''س القويم''ة لبن''اء المجتم''ع اإلس''المي
الحديث.
32
الفصل التطبيقي
-6يوجد توازن وتقابل بين الجمل والعبارات' لجذب االنتباه وتعميق' التأثير وسرعة االستجابة.
)1االلفاظ والمعاني:
أبرز ما يميز خطبة الرسول ومعانيها هو السهولة والوضوح وذلك الن الخطبة موجهة لعامة الناس جميعا
لذلك كان من ص''ميم' الحكم''ة والتوفي'ق' االلهي ان ت''أتي ألفاظ''ه علي''ه الس''الم على ه''ذا النح''و من الس''هولة
والوضوح وقوة االلفاظ بعيدة عن التكلف أو التصنع أو المبالغات االدبية وقد جاءت ألفاظ''ه ومعاني''ه علي''ه
السالم متأثرة بالقرآن الكريم' ولذلك فقد اكتسبت سحرا وتأثيرا في نف''وس الس''امعين األم''ر ال''ذي دفعهم' إلى
اإلسراع في إبالغ وصاياه عليه السالم.
)2العاطفة :ترتكز' خطبة الوداع على مجموع''ة من التنظيم''ات والتعليم''ات ال''تي راد الرس''ول' ص''لى هللا
عليه وسلم أن يبلغها المسلمين قبل رحيله حرص''ا من'ه علي'ه الس''الم على وح''دة المجتم''ع المس''لم ول'ذلك لم
تظهر في النص إال عاطفة الحرص من جانب الرسول الكريم على األمة اإلسالمية .
)3األسلوب :اعتمد الرسول' صلى هللا عليه وسلم أسلوبا عقليا قائما على إيراد الحق''ائق ومخاطب''ة العق''ل
كي يميز بين الحق والباطل .كما اعتمد الرسول صلى هللا عليه وسلم أسلوبا' مؤثرا ليشد انتباه السامعين إلى
أقواله .كما أن اسلوبه علي''ه الس''الم متين''ا حيث اعتم''د الجم''ل الفعلي''ة أك''ثر من غيره''ا ليكس''ب النص ق''وة
99
وتأثيرا'.
وان أول خصوصية في هذا النص تلك الرابطة الوثيقة بين معاني هذه الخطبة وتدرجها' في أس''لوب األم''ر
والنهي ،والتحذير ،وترتيب' النتائج وحسن الربط بين الب''دء والخت''ام بم''ا ال مزي''د علي''ه والبن''اء في ت''ركيب
الجمل ضمن األلفاظ المفردة تراه يشع بالرونق' والطالوة من غ''ير تكل''ف في تخ''ير األلف''اظ وانتقائه''ا ،الن
المعنى هو الذي يطلب اللفظ فال تكلف وال ص''نعة إنم''ا هي عب''ارات جزل''ة فخم''ة في موض'ع' التفخيم لين''ة
سهلة في موضع اللين والسهولة تطاوع كل لفظة أختها في أداء المعنى وإقراره.100
وفي' ثنايا هذه الخطبة الشريفة عدد من المق'ابالت العجيب'ة ال'تي تحق'ق من خالله'ا م'ا س'اعد على وض'وح
الفكرة ،ألن استعمال الكلمات المتقابلة المتضادة مما يزي''د في البي''ان ويوض''ح خواص''ه على أن يخل''و ه''ذا
اللون من األسلوب مما يفضي به إلى الغلو حتى يعود صفة بديعية تفسد األسلوب 101ونالحظ' تدرج الخطبة
في ع''رض موض''وعاتها' مبت''دأة من أدنى الحق''وق اإلنس''انية ،القيم الخلقي''ة إلى أعاله''ا فحين تتح''دث عن
نصيب اإلرث تنتقل إلى الحديث عن حق النسب من قوله ص''لى هللا علي''ه وس''لم ( أيه''ا الن''اس :ان هللا قس''م
99كلية العلوم للتربية والعلوم اإلنسانية جامعة بابل أستاذ فاضل كاظم العبيدي
100من بدائع األدب اإلسالمي دراسة نقدية لنصوص الخطابة و القصة والشعر محمد بن سعد الدبل .ط 2حقوق الطبع محفوظة للمؤلف 1431م
_2010م ص84
101المرجع نفسه
33
الفصل التطبيقي
لكل وارث نصيبه من الميراث وال يج'وز ل''وارث وص'ية في أك'ثر من الثلث) ثم يق'ول عن حق'وق النس''ب
(والولد للفراش وللعاهر' الحجر) فهنا عدل في حق اجتماعي وآخر قضائي و هذا منتهى الس''مو في م''دارج
البالغة العربية الذي يشف عن'ه إله'ام النب'وة و الق'درة على التص'رف' في فن'ون الق'ول "إذ لم يكن اإلس'الم
الذي يدعو إليه محمد ويوطد' دعائمه دين جمود' فيقف عند المطالب األخروية شأن ما سبقه من األدي''ان ب''ل
جاوزه إلى تحقيق المصالح الدنيوي''ة فك''ان الب''د للش''ارع الحكيم من أن يتع''رض لك''ل م''ا ب''ه تص''لح أم''ور'
البشرية في العقيدة و التشريع و المعامالت ،الحكم و السياسة و االجتماع و االخالق و الفكر 102إلى ما هو
أدق وأخط''ر كمب''دأ الص''لة والتق''ارب و التح''اب بين األف''راد و الجماع''ات س''واء أك''ان ه''ؤالء األف''راد
والجماع''ات من ذوي الق'ربى أو من غ'يرهم و ذل''ك لخط''ورة ه'ذه القيم و ص'لتها الوثيق''ة بحماي'ة الف''رد و
المجتمع فنرى تلك الخطبة قد تنقلت بواسطة هذه الموضوعات' من معلم إلى معلم و من غرض إلى غرض
وكل فكرة تحملها ذات طابع فني جميل.103
فقد أتى في مطلع خطبته (بمقدمة مثيرة لالنتباه الى م'ا بع'دها ثم انتهى منه''ا الى قول'ه (أيه''ا الن''اس) وأخ'ذ
يبين معالم الدين وحدوده ويحض سامعيه في أمر دينهم ودنياهم' اذ يقول :ان لنسائكم عليكم حقا ولكم عليهن
حقا) وفي هذا انتقال من الكالم عن األمور العامة الى الكالم عن الشؤون الخاصة ومن المس''ائل الجماعي''ة
الى المس''ائل الشخص''ية وبه''ذا وذاك يع''د المجتم''ع وتتهي 'أ' أس''باب الحي''اة الص''الحة للن''اس كافة 104وتل''ك
الموضوعات' المندرجة في ثنايا تلك الخطبة ذات معان شريفة سامية ،تأخذ بلباب السامع والقارئ ألنها من
الهام النبوة ونتاج الحكمة وغاية للعقل ،فلننظر الى خصائص األسلوب الذي أديت ب''ه تل''ك المع''اني وأمعن
في النظر في التركيب مراعيا الختام الموسيقي للصوت "يلتزمه صلى هللا عليه وس''لم أخ''ر ك''ل مقط''ع من
مقاطع هذه الخطبة" تلك العبارات الجميلة ،ذات اإليقاع الصوتي' العذب والنغم الممتد "أال هل بلغت" اللهم
اشهد انها الفطرة السليمة ،وال''ذوق' الرفي''ع يه''ديان عف''وا الى تقص''ر دون''ه بالغ''ة البلغ''اء من ك''ل ص''احب
صنعة ،وفن مجلوب بل هذه الالزمة التي رددها صلى هللا عليه وسلم عبر هذه الخطبة وهي الزمة عظيمة
الداللة في مقامها ومعناها ألنها لخصت حياة كاملة في ألفاظ معدودات فما كانت حياة النبي صلى هللا علي''ه
وسلم كلها بعملها وقولها' وحركتها وسكونها اال حياة تبليغ وبالغ وما كان له''ا من فاص''لة وخاتم''ة أبل''غ من
قوله صلى هللا عليه وسلم أال ه''ل بلغت اللهم اش''هد ومن أروع ك''ذلك الخص''ائص في ه''ذه الخطب''ة اكتم''ال
الوحدة الموضوعية فعلى الرغم من تن''اول ع''دد من الموض''وعات في ه''ذا النص فإنن''ا نالح''ظ بن''اءه على
الترغيب والترهيب ،والوعد والوعيد والتزهيد' في الدنيا والغض من قيمتها ،والتحبيب في اآلخ''رة والعم''ل
102نفس المرجع
103
104
من بدائع االدب اإلسالمي دراسة نقدية لنصوص الخطابة محمد بن سعد ط 2ص.91
34
الفصل التطبيقي
لها فكأنما هذا النص قد نظم في خيط واحد ال اختالل في عقده وال عيب يلحق مبناه ومعناه وخالصة القول
أن أسلوب هذه الخطبة ،وأسلوب غيرها من الكالم النبوي ال يملك أي ناظر اال أن يقول في''ه(( :ان الجم''ال
الفني في بالغة محمد صلى هللا عليه وسلم أثر على الكالم من روحه النبوية الجدي''دة على ال''دنيا وتاريخه''ا
فكالمه صلى هللا عليه وسلم يجري مجرى عمل''ه كل''ه دين وتق''وى وتعليم وكل''ه روحاني''ة وق''وة وحي''اة في''ه
روح الشريعة ونظامها وعزيمتها' في نسق هادئ هدوء اليقين من روح مسلم مصلح رحيم)).
من أجل التعرف على خطبة الوداع للنبي عليه الصالة والسالم' كان البد من دراسة كل ركن منها على حدا
أال وهي :مقدمة ،عرض ،خاتمة على النحو اآلتي :فالمقدمة في الخطب''ة ك''المطلع من القص''يدة وكاالفتت''اح
في الموسيقى كل منها يمهد لما بعده ،ويعد السامعين الى االصغاء 105والمقدمة أول ما يط''رق األس''ماع من
الخطبة ،فان كانت جيدة أصغى لها السامعون وتأهبوا' لما بعدها وتفتحت نفوسهم' للخطيب واال كانت ن''ذيرا
بفشله وتفاهة أثره وكثيرا' ما تتخذ المقدمة وسيلة ألن يسود الصمت بعد هرج حدث اثر خطبة أو من ج'راء
مناقشة في موضوع' الخطبة قبل سماع الرأي فيها أو اضطراب لسبب من األسباب 106والجدول' اآلتي ي''بين
مدى اتساق وانسجام' الخاص بالجزء األول من الخطبة وهو "المقدمة" والتي تبدأ في هذه الخطبة ال''تي بين
أيدينا من قول الرسول صلى هللا عليه وسلم:
[[الحم ُد هلل نحم ُدهُ َونَ ْستَ ِعينُه ،ونَ ْستَ ْغفِ ُرهُ ،ونَتُوبُ إليه ،ونَعُو ُذ باهللِ ِم ْن ُش ِ
رور أ ْنفُ ِسنا و ِم ْن س 'يّئآ ِ
ت أ ْع َمالِنَ''ا َمن
ي لَ'هُ .وأش''هد أن ال إل'ه إالّ هللا وحْ' ده ال ش''ريك ل'ه ،وأش''هد ّ
أن ض َّل لَ'هُ ،و َم ْن ي َ
ُض'لِلْ فَالَ هَ''ا ِد َ يَ ْه ِده هللاُ فَال ُم ِ
107
محمداً عبدُه ورسولُه .أوصي ُكم عبا َد هللا بتقوى هللا ،وأحثّكم' على طاعته وأستفتح بالذي هو خير]]
35
الفصل التطبيقي
36
الفصل التطبيقي
التعليق :وبالتالي فبعد االنتهاء من عملي''ة اإلحص''اء يتض''ح لن''ا أن مقدم''ة ه''ذه الخطب''ة ق''د اش''تملت على
حوالي 28ضمير' متسق منه أربعة عشر منها داخلية ( )14وستة عشر أخرى خارجية فيتضح لنا من ذلك
ما ي'أتي من ن'وع االتس'اق خالل الج'دول األول ( )01نالح'ظ غلب'ة ن'وع االتس'اق الخ'ارجي عن االتس'اق'
الداخلية لكون هذه الجمل عبارة عن تمهيد للموضوع األساسي' لذلك كانت هناك عناص''ر نص الخطب''ة من
بينهم شخصية الرسول صلى هللا عليه وسلم لم يعرف بنفسه تعددت الضمائر' وتنوعت في ظل هذا المقط''ع
القصير المتمثل في المقدمة بارزة ستة عشر ( )16ضمير' متصل وعشر ( )10ضمائر' فق''ط مس''تترة مم''ا
يوحي الى اتصال وترابط وتسلس''ل ألف''اظ وأفك''ار المقدم''ة بعض''ها ببعض وع''دم انفص''الهما عن بعض''هما
البعض فهذا التعدد يوحي الة تنوع كيفيات الربط بين عناصر المقدمة مم''ا يجعله''ا كفك''رة عام''ة تتمث''ل في
وصية الرسول للمؤمنين بتقوى هللا والحفاظ على الدين اإلسالمي الحنيف كم''ا تعم''ل الض''مائر أيض''ا على
شد انتباه السامعين والمتلقي من وراء الجمل يجع''ل من الفك''رة تص''ل الى ذهن الق''ارئ ومثال''ه واض''ح من
خالل أول جملة فيها والتي يقول فيها (الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب الي''ه) 108فه''ذه الض''مائر'
الواردة في الجملة تصب في معنى واحد مفاده توجيه المؤمنين الى عبادة هللا سبحانه وتعالى' فكل الض''مائر'
المتصلة تعود الى لفظ الجاللة (هللا) وكل الضمائر المنفصلة العائدة الى لفظ المؤم''نين من أج''ل ذل''ك افتتح
كالم الرسول صلى هللا عليه وسلم.
والمالحظ' على الجدول الثاني ( )02أيضا أن الخطبة تدور حول مجموع'ة من الشخص'يات أهمه'ا هللا لف'ظ
الجاللة لكونها خطبة ديني''ة فق''د تك''ررت 28ض'مير' في النص تقاب''ل 28ن'وع تك''رر في االتس'اق ه''ذا م''ا
يوضح أن الخطبة جاءت بتوحيد عام'ة المؤم''نين وع''دم تف''رقتهم' اال بعام'ل التق'وى وبالت''الي ه''و العنص''ر
األساسي' في الخطبة.
خالصة :تحتوي المقدمة على عدة ضمائر' متنوعة ومتعددة مما يحي''ل الى العناص''ر الداخلي''ة في المقدم''ة
مقابل الخارجية مما يجعل منها في مقدمة متجانس''ة ومتماس''كة األلف''اظ واألفك''ار' ال''تي ت''دل على التوص''ية
والتمسك' بعصمة المولى عز وجل.
108
أحمد محمد الحوفي فن الخطابة واعداد الخطيب ص.125
37
الفصل التطبيقي
اذ اس''تغنى الخطيب أحيان''ا عن المقدم''ة أو عن كتاب''ة الخاتم''ة ،فليس يس''تطيع أن يس''تغني' عن ع''رض
الموضوع ألنه الخطبة نفسها أيا كان نوعها 109فه''و الج''زء األساس''ي ال''ذي ال يس''تطيع الخطيب االس''تغناء
عنه أما فيما يخص مواضع االتساق في عرض وموض''وع ه''ذه الخطب''ة فس''يتم' تقس''يمه الى أربع''ة أج''زاء
حسب ما توفر' فيه من أفكار' فكان الجزء األول قائم على فكرة تحريم الربا في الجاهلية ومآثرها أما الج''زء
الثاني فيحتوي' على فكرة تحذير' الرسول للمؤمنين من الشيطان وأعماله كما تح''دث عن الش''هور المحرم''ة
وأيضا' الجزء الثالث من الفكرة بالنساء خيرا ورابع جزء كان متنوع األفكار' منها التمسك بكتاب هللا وسنته
وبيان أخوة المؤمنين وسنوضح مواضع' البنية في هذه األجزاء من خالل الجدول اآلتي:
38
الفصل التطبيقي
المقطع من
اسمعوا
قوله
فهو من
مني ...
أهل
الخاتمة في الحقيقة هي آخر م'ا يبقى في آذان الس'امعين وأذه'انهم من الخطب'ة وفي الخاتم'ة يتجلى النج'اح
الخطيب في لعبه بعواطف من الخطبة وفي' الخاتمة نهاية الخطب''ة نظ''را ألهمي''ة ال''تي تحتويه'ا' من كلم''ات
تبقى راسخة في األذهان وهي محددة باألسطر' األخيرة في هذه الخطبة كما يأتي [[أيها الن''اس ،ان هللا ّ
قس'م
لكل وارث نصيبه من الميراث ...اللهم فاشهد '،اللهم فاشهد ،اللهم اشهد والس''الم عليكم ورحم''ة هللا]] حيث
كانت هذه الخاتمة عبارة عن مقطع للعرض فخصها' بقض''ية الم''يراث واالبتع''اد' عن الزن''ا ومس''ألة النس''ب
والتبني' أيضا وغيرها.
يبين الرسول-صلى هللا عليه و سلم -في الخطبة أوامر اإلسالم ونواهيه أن دماء المسلمين وأم''والهم' ح''رام،
وأن كل من كانت عنده أمانة أن يرده''ا على ص''احبها ،وأن على ك''ل مس''لم أن ي''راعي أخ''اه في مال''ه ،فال
يأخذ منه شيئا إال بالحق ،ومن ثم حرم الربا وبدأ بعش''يرته وتاجره''ا الموس''ر العب''اس عب''د المطلب فأس''قط
عن رقاب المدينين له رباه وعلى نحو ما أسقط الربا أسقط دماء الجاهلية فليس المسلم يثأر لقتي''ل ل''ه ،وب''دأ
بعشيرته فأسقط دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ولم يبق من مآثر الجاهلية شيئا سوى خدمة
الكعبة وسقايا الحجيج وأوجب في قتل العم''د ولكن الدول''ة هي ال''تي تق''وم ب''ه ،وب''ذلك قض''ى اإلس''الم على
حروبهم الداخلية وقد جعل في القتل ش''به العم''د مائ''ة بع''ير ك''ل ذل''ك ليحف''ظ الجماع''ة وح''دتها ويس''ود' بين
أفرادها' السالم والوئام.110
ويحذر' الرسول -صلى هللا عليه و س''لم -من الش''يطان وغوايات''ه محرم''ا للتالعب باألش''هر' الح''رم واض''عا'
تقويما قمريا' يتألف من اثني عشر شهرا منها أربعة ح''رم :ذو القع''دة وذو' الحج''ة والمح''رم ورجب ويرف''ع
من شأن المرأة ومعنى' عالقاتها بزوجها' فيجعل لها حقوقا و عليها واجبات وفي الظرفين جميع''ا يحف''ظ له''ا
كرامتها' كما يحفظ لزوجها نفس الكرام''ة ،داعي''ا إلى التع''اطف بينهم''ا وال''تراحم' والتعام''ل برف''ق وإحس''ان
ويعود' إلى العالقة بين الفرد وجماعته الكبرى من األمة فيقرر أن المؤمنين إخوة لكل منهم على صاحبه ما
لألخ على أخيه من التآزر والتعاون والتحاب فال بطش وال ظلم وال نهب وال حرب وال سفك لل''دماء .وإن''ه
لعهد ،من نقضه عاد كافر آثم قلبه لقد انتهى
110
عبد العاطي محمد شبلي الخطابة اإلسالمية ط 2006 1المكتب الجامعي الحديث ص.44
39
الفصل التطبيقي
وعلى هذا النحو كان الرسول صلوات هللا عليه يبين في خطابته حدود' الحياة اإلسالمية وما ينبغي أن يأخ''ذ
به المسلم نفسه في عالقاته الكبرى مع أفراد أمته وعالقاته الصغرى' مع أسرته فإن ترك ذلك ف''إلى وعض
المسلمين وما ينبغي أن يأخذوا أنفسهم به في سلوكهم حتى تزكو نفوسهم وفي' عب''ادتهم ل''ربهم' وتق''واه ح''تى
التقوى حتى ال يزيغوا وال ينحرفوا' عن المحجة بل يتدرجون في مراقي' الكمال اإلنس''اني 111وه''ذه الخطب''ة
وسابقتها' تصوران في دق''ة حس''ن منط''ق الرس''ول في خطابت''ه وأن''ه لم يكن يس''تعين فيه''ا بس''جع وال بلف''ظ
غريب ،فقد كان يكره اللونين جميعا من الكالم لما ي'دالن علي'ه من التكل'ف وق'د' ب'رأه هللا من'ه :إذ يق'ول في
"و َما أَنَا ِمنَ ْال ُمتَ َكلِّفِينَ " والذي ال شك فيه أنه كان يبلغ بعفوه وق''وى بعف''وه وق''وى
كتابه العزيز' قل يا محمد َ
فطرته ما تنقطع دون رقاب البلغاء وقد وصف الجاحظ في خطابته أدق وص''ف فق''ال إن''ه ج''انب أص''حاب
التعقيب.112
وفي' الختام ،وبعد هذا البحث الممتع والشيق' في دراسته "بنية تحليل الخطاب اللساني خطبة الوداع نموذجا
نصل إلى بحثنا هذا بخاتمة نخلص فيها إلى بعض النتائج ال'تي توص'لنا إليه'ا من خالل ه'ذه الدراس'ة وهي
كاآلتي:
-1خطبة الرسول محمد صلي هللا عليه و سلم خطبة قيم''ة في معناه''ا ثقيل''ة في وزنه''ا راقي''ة في جودته''ا،
رفيعة في مكانتها فخي خطبة وإن كان معناها كبير فإن ه''دفها خطب''ة الن''بي األك''رم غ''ال فهي من الخطب
الجامعة ألنها تحتوي على تعاليم كثيرة ومواضيع' هامة خاصة ب'ديننا اإلس'المي فهي آخ'ر خطب'ة للرس'ول
صلى هللا عليه و سلم.
-2خطبة الرسول صلي هللا عليه و سلم تعطينا تعاليم واضحة وإرشادات بينة وتهدي إلى مع''الم ودعام''ات
تق''وم على الحي''اة اإلجتماعي''ة المثالي''ة من أص''ول التراب''ط بين األف''راد' والمجتم''ع بين الق''وي والض''عيف'
والقصاص اإلسالمي.
-3تتعرض الخطبة لحل المش'اكل اإلجتماعي'ة ال'تي تح'دث في ك'ل مجتم'ع وكم'ا تنص على اقتالع بعض
جذور' الفساد مثل إلغاء الربا.
-4يؤكد الرسول الكريم على وجوب التمس''ك بكت''اب هللا وس''نة رس''وله ألنهم''ا الطري''ق ال''ذي ال يظ''ل من
تمسك به.
-5أكد الرسول على الحفاظ على حقوق المرأة ووجوب رعايتها والتزام العالقة بين األفراد والحف''اظ على
األسرة من االنحراف' والفساد.
-6تمتاز خطبة الرسول بمتانة التركيب وهي وإن كانت قصيرة الجمل إال أنها كانت بمثاب''ة س''هلة األلف''اظ
إال أنها كانت واسعة في معانيها وشاملة في مفاهيمها وصائبة في دالالتها كما نرى في الخطبة من وضوح
المعاني في التراكيب أي أن المعاني وردت على قدر األلفاظ دون زيادة أو نقصان وهذه الصفة من صفات
الكمال والخلق رسول هللا صلى هللا عليه وسلم.
-8يعتبر النص أكبر وحدة لغوية في التحليل اللساني يسعى إلى تحقيق قواعد الجملة في اإلنتاج.
41
قائمة المصادر والمراجع
42
قائمة المصادر والمراجع
-1أحمد المتوكل اللسانيات الوظيفية المقارنة دراسة في التنميط و التطور ط 20121الدار العربية للعلوم
ناشرون .
-2لسان العرب ابن منظور' دار صادر' بيروت مج 1دار صادر' بيروت .
-4نظرية البنائية في النقد األدبي صالح فضل دار الشروق ط.1998 1
-7البنيوية في الفكر الفلسفي عمر مهيبل ديوان المطبوعات الجامعية ط. 1993 2
-8مبادئ اللسانيات البنيوية دراسة في التحليل استمولوجية الطيب دبة دار القصبة للنشر ط. 2001 1
-9الفلسفة التحليلية ماهيتها مصادرها و مفكروها' احمد عبد الحليم عطية ط 1بيروت لبنان .
-11لسانيات النص مدخل إلى انسجام' الخطاب محمد خطابي المركز الثقافي العربي ط. 2006 2
-13تحليل الخطاب مقدمة للقارئ العربي عبد القادر سالمي الشبكة العالمية للمعلومات .
-15إبو بكر جابر الجزائري' هذا ااحبيب محمد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم .
-16عبد العاطي محمد شلبي الخطابة اإلسالمية ط. 2006 1المكتب الجامعي الحديث .
- 18محمد الغزالي فقه السيرة دار المعرفة باب الوادي( دط) ( دت) .
43
قائمة المصادر والمراجع
-20من بدائع العالم اإلسالمي دراسة نقدية لنصوص الخطابة و القصة و الشعر محمد بن سعد الدبل .ط2
2010م
-29معجم المصطلحات و الفروق' اللغوية الكفوى تح عدنان درويش' ط 1992 1ط. 2
-30التعريفات الجرجاني تحقيق ابراهيم األبياري دار الكتاب العربي بيروت 1992ط.2
-31المصطلح اللساني و تأسيس المفهوم خليفة الميساوي ط1434 1ه _.منشورات' اإلختالف .
-33عبد السالم المسدي التفكير اللساني الحضارة العربية دار الكتاب الجديدة المتحدة ط. 2009 3
-34نعيمة سعدية التحليل السيميائي و الخطاب عالم الكتب الحديث ط. 2016 1
-35عمر بلخير مقاالت في التداولي''ة و الخط'اب ،دار األم''ل للطباع'ة و النش'ر و التوزي'ع' ط 1الجزائر
-36 . 2013فن الخطابة و إعداد الخطيب علي محفوظ.
المجالت و الدواوين:
-1مجلة كلية اآلداب واللغات العددان العاشر والحادي عشر بشير ابرير
-2مجلة اللغة العربية و آدابها مفهوم البنية في اللسانيات محمد مداني .
44
قائمة المصادر والمراجع
-4مجلة المصطلح مجلة علمية أكاديمية جامعة أبو بكر بكر بلقايد .2006/2007
45
خاتمة
46
خاتمة
: خاتمة
يعد هذا البحث الممتع والشيق في دراسة بنية تحليل الخطاب اللساني خطبة الوداع نموذج 'ا' دراس''ة لس''انية
تجعل من النص المتماسك' وتفكك''ه إلى بني''ات جزئي''ة أو فرعي''ة ش''كال أو دالل''ة بالنس''بة للمرجعي''ات ال''تي
:ساهمت في تشكيل البحث توصلنا إلى أهم النتائج من خالل هذه الدراسة تتمثل فيما يلي
.خطبة الرسول صلى هللا عليه وسلم' قيمة في معناها وهدفها واسع-1
.تتعرض الخطبة لحل مشاكل المجتمع والحث على القيم واألخالق الحسنة-2
.تنوع البنية في مختلف إركان الخطبة لما تحتويه من معاني هادفة في المجتمع-3
.تمتاز الخطبة بمتانة التركيب وانسجام' األفكار وشاملة في معانيها وصائبة في داللتها-4
47
خاتمة
48