You are on page 1of 48

‫مذكرة تخرج ماستر ‪2‬‬

‫قسم اللغة واألدب العربي‬


‫تخصص لسانيات عربية‬

‫دراسة بنية تحليل الخطاب اللساني"‬


‫"خطبة الوداع أنموذجا‬

‫تحت اشراف‪ :‬الدكتورة وهيبة بن حدو‪.‬‬ ‫من اعداد الطالبة‪ :‬بنور' فاطمة‪.‬‬
[Tapez ici]

2
‫]‪[Tapez ici‬‬

‫شكر وتقدير‪:‬‬

‫الحمد هلل والشكر' هلل على نعمه‪ ،‬والصالة والسالم على أسرف األنبياء والمرسلين سيدنا وحبيبنا' وقرة‬
‫أعيننا محمد صلى هللا عليه وسلم' وعلى آله وأصحابه أجمعين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم "من ال يشكر الناس ال يشكر هللا"‬

‫أتقدم بجزيل الشكر الى‪:‬‬

‫*األستاذة المشرفة "وهبة من حدو" التي بذلت معنا مجهودا' وخصصت من وقتها لمتابعة هذا البحث رغم‬
‫انشغاالتها' ومسؤوليتها المتعددة فجزاها هللا عنا كل خير كما أتوجه بالشكر الجزيل الى كل األساتذة في‬
‫قسم اللغة واألدب العربي‪ .‬كما أتقدم بالشكر' الجزيل لوالدي العزيز' أطال هللا في عمره وأمي الغالي‬

‫‪3‬‬
‫مقدمة‬

‫‪4‬‬
‫مقدمة‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫عرفت الدراسات اللسانية تطورا ملحوظا' في أواخر القرن التاسع عش''ر حيث تم تج''اوز' المن''اهج المعتم''دة‬
‫في الدراسة اللغوية الى اعتماد المنهج الوصفي الذي يرجع معظم الباحثين بداية ظهوره الى عهد وسوسير'‬
‫قبل انتشاره في كل بقاع العالم وتأثيره على مختلف العلوم والتخصصات ولما كانت سمة التط''ور مالزم''ة‬
‫للنظريات اللسانية فانه كان البد من نقد المنهج البنيوي اللساني واالتجاه البنيوي في دراس''ة اللغ''ة عام''ة أو‬
‫اظهار عيوب بعض مبادئه وأركانه لتبرير ضرورة التبشير بنظرية أخرى تقوم على أنق''اض ال''تي س''بقتها‬
‫حيث يتفق اللسانيون على أن البنيوية تقوم على أساس نظري' وأن البنيوية كمبدأ عام ظهر في أوائل الق''رن‬
‫العشرين عندما نشر كتاب ل''ه محاض''رات في اللس''انيات للسويس''ري فيردين''ارد وسوس''ير' س''نة ‪ 1917‬في‬
‫ب''اريس ال''ذي يع''د أول مص''در للبنيوي''ة في الثقاف''ة الغربي''ة وظه''رت البنيوي''ة في الفلس''فة وعلم االجتم''اع‬
‫ومختلف' العلوم األخرى غير أن المفهوم الحقيقي للبنية لم يتضح اال بظه''ور' البني''ة اللغوي''ة وه''ذه األخ''يرة‬
‫تعني بدراس''ة اللغ''ة وذل''ك من خالل مس''توياتها األربع''ة المس''توى الص''وتي' الص''رفي‪ ،‬النح''وي وال''داللي'‬
‫فالمستويات األربعة األخيرة هي عمدة اللغة فعند تضافرها' فيما بينها تشكل بنية اللغة فالفرد ال يكتسب لغ''ة‬
‫ما يشترط بوجود' مجتمع يستعمل جمل لهذه اللغة في س''ياقات مختلف''ة ومعرف''ة مختلف''ة األلف''اظ وال''دالالت‬
‫المناسبة خصصنا في بحثنا هذا الموضوع تحت عنوان دراسة بنية تحليل الخطاب اللس'اني بتط''بيق خطب''ة‬
‫الوداع نموذجا' لحبيبنا المصطفى صلى هللا عليه وسلم تمثلت خطة البحث في فهرس' الموضوعات ومقدم''ة‬
‫(أ‪ -‬ب‪ )... -‬ثم قسمت بحثي هذا لمقدمة ومدخل وثالثة فص''ول وأنهيت''ه بخاتم''ة‪ ،‬أم'ا الم'دخل فح'اولت في''ه‬
‫تحدي''د مس''توى' الدراس''ة بتوض''يح وش''رح المف''اهيم المتع''ددة ال''تي تأخ''ذها المص''طلحات المتع''ددة البني''ة‪،‬‬
‫الخطاب‪ ،‬التحليل كما تناولت عالقة البنية بالمجال اللسانيات وعالقتها بتحلي''ل الخط''اب اللس''اني ويلي ه''ذا‬
‫المدخل فصل أول عبارة عن دراسة نظرية حاولت من خاللها توض'يح نش'أة اللس'انيات البنيوي'ة ال'تي تع'د‬
‫انطالق المفهوم البنية أما الفصل الث'اني فح''اولت من خالل'ه م'دى ارتب''اط البني'ة بالمج''ال اللس'انيات ب'ذكر‬
‫وظائفها' اللغوية والخصائص الفنية أما الفصل الثالث فحاولت' من خالله معالج''ة النص من متط''ور' ب''نيوي‬
‫لسني ودعمت هذين الفصل بفصل ثالث تطبيقي حللت فيه خطبة الوداع انطالقا' من بنيته''ا اللغوي''ة وأنهيت‬
‫بحثي هذا بخاتمة لخصت فيها أهم النتائج المتوصل اليها ويبدو جليا من خطة البحث أن''ني اعتم''دت المنهج‬
‫الوصفي التحليلي الذي رأيته األمثل لمعالجة هذا الموضوع' ومن أهم الكتب التي اعتمدت عليها ما يلي‪:‬‬

‫* اللسانيات الوظيفية المقارنة دراسة في التنميط والتطور أحمد المتوكل‪.‬‬

‫* مشكلة البنية إبراهيم' زكريا‪.‬‬

‫* نظرية البنائية في النقد األدبي صالح فضل‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫مقدمة‬

‫* المصطلحات' المفاتيح لتحليل الخطاب دومينيك مانغونو‪'.‬‬

‫* الخطاب سارة ميلر‪.‬‬

‫* الخطاب سارة ميلز‪.‬‬

‫* الخطاب وخصائص اللغة العربية أحمد متوكل‪.‬‬

‫والموضوع' هذا رغم كونه من المواضيع' المتسعة اال أننا الحظن''ا قل''ة الكتب بمختل''ف المكتب''ات‪ ،‬وخاص''ة‬
‫مكتبتنا الجامعية فهي تفتقر للكتب اللسانية وخاصة تلك التي تعالج موضوع بني''ة الخط'اب اللس'اني كم''ا أن‬
‫كيفية دراسة تحليل النصوص من منظور تحليل الخطاب اللساني هذا يصعب على الطالب الب''احث االلم''ام‬
‫بطريقة التحليل وما يمكن قوله هنا هو أنني أدركت مدى صعوبة االلمام بجوانب ه''ذا الموض''وع المتوس''ع‬
‫وقد' خضعت في هذا المجال العلمي رغب'ة م'ني في االس'تفادة ألن البني'ة اللس'انية ك'انت بمثاب'ة ت'داخل بين‬
‫مجالين مختلفين تماما وهما اللغة واللسان أما األسئلة التي تمحورت' في ه'ذا البحث م''ا مفه''وم البني'ة؟ وم''ا‬
‫هي عالقتها في مجال اللسانيات؟ وركزت' في بحثي هذا عن خطبة الوداع للنبي صلى هللا عليه وس''لم ال''تي‬
‫تعد الجانب التطبيقي ألحكام التشريع اإلسالمية الذي مارس''ه الن''بي ص''لى هللا علي''ه وس''لم في حيات''ه وتع''د‬
‫شاهدا حقيقيا على قيام كثير من العلوم والفنون الشرعية من خالل وقائع' الس''يرة النبوي''ة وأح''داثها في تل''ك‬
‫الف''ترة المبارك''ة رغم ذل''ك تلقيت ن''درة في المراج''ع ال''تي تأخ''ذ الج''انب بالج''انب التط''بيقي في مث''ل ه''ذا‬
‫الموضوع ومع كل ذلك ع''زمت على مواص''لة ه''ذا العم''ل وتح''دي العقب''ات بك''ل ع''زم وح''رص إلعط''اء‬
‫الموضوع حقه االفي في الدراسة وفي األخير ال يسعنا اال أن نقول‬

‫‪6‬‬
‫مفهوم البنة‬ ‫الفصل األول‬

‫‪7‬‬
‫مفهوم البنة‬ ‫الفصل األول‬

‫الفصل األول‪ :‬مفهوم البنية‪:‬‬

‫"يقصد بالبنية عامة – مجموع''ة من الوح''دات (أو المكون''ات) ترب''ط بينهم''ا عالق''ات معين''ة‪ ،‬ام''ا عالق''ات‬
‫'ترادف' ('معاقبة') أو عالقات تراكب أما من حيث طبيعتها فان البنية يمكن أن تكون صرفية – تركيبية أو‬
‫فونولوجية أو داللية أو تداولية"‪ 1‬يعني أن البنية وحدة أو مجموعة وحدات اما ص'رفيا أو تركيبي'ا أو داللي'ا‬
‫أو نحويا‪.‬‬

‫‪ -‬كما قد تعرف البنية بأنها‪" :‬مجموعة من العناصر تقوم أساسا على التفاعل ان كل عنص''ر يكتس''ب قيمت''ه‬
‫من خالل عالقات''ه بالعناص 'ر' األخ''رى‪ ،‬والبني''ة تحكمه''ا ثالث مف''اهيم هي الش''مولية‪ ،‬التحوي''ل‪ ،‬الض''بط‬
‫الذاتي‪ "2‬أي ان البنية أهم ما فيها التفاعل فقيمة العنصر يستمده من عالقته بمجموعة العناصر األخرى‪.‬‬

‫‪ -‬جاء في معجم مقاييس اللغة البن فارس ت (‪395‬ه) "بني‪ :‬الب''اء والن''ون والي''اء أص''ل واح''د‪ ،‬وه''و بن''اء‬
‫‪3‬‬
‫الشيء بضم بعضه الى بعض‪ ...‬ويقال بنية وبنًى‪ ،‬وبنية وبنى بكسر' الباء كما يقال جزيةً وج ًزى"'‬

‫كما جاء في لسان العرب البن منظور' ت (‪711‬ه)‪" :‬البني نقيض الهدم‪ ،‬بنى البن''ا ُء البن''ا َء بني'ا ً وبن''ا ًء وبنًى‬
‫مقصور' وبنيانا ً وبنيةً وبنايةً وابتناه وبناه ‪ ...‬يقال بنيةً‪ ،‬وهي مثل رشوة‪ ،‬ورشاً‪ ،‬كأن البنية الهيئة ال''تي ب''ني‬
‫عليها مثل المشية والركبة"‪4‬وتعريف البنية من وجهة أخرى هي "بني الكلمة بن''ا ًء ص''اغها وألزمه'ا' البن''اء‬
‫فمن التعريفات اللغوية نستكش'ف' أن البني''ة ت''دل على ض''م الش''يء وهي نقيض اله''دم وص''يغتها' على وزن‬
‫فِعلة‪.‬‬

‫‪ -‬ان تعريفات البنية ‪ structure‬من الناحية االصطالحية كثيرة فهي مشتقة من األصل الالتي''ني ‪strucre‬‬
‫‪5‬‬
‫حيث نجدها في معجم اللسانيات الحديثة" "هي تعاقب وحدات لغوية ذات عالقات معينة"‬

‫كما اشتقت كلمة بنيوية من بنية ‪ structure‬المأخوذة من األصل الالتيني ‪strucre‬وجوهرها هو "البن''اء"‪،‬‬
‫أو الطريقة التي يقام بها مبنى ما‪ ،‬ثم امتد مفهوم الكلمة ليشمل وضع األجزاء في مبنى ما من وجهة النظ''ر‬
‫الفنية المعمارية وبما يؤدي اليه من جمال تشكيلي وتنص المعاجم األوروبي''ة على أن فن المعم''ار' تس''تخدم‬
‫هذه الكلمة منذ منتصف' القرن السابع عشر" لتنتقل في القرن ‪ 18‬لفظة بنية من المجال المعماري الفني الى‬
‫مجال الفلسفة مع الفيلسوف كانط بمعنى بنية الفكر‪ ،‬أما في القرن التاس''ع عش''ر أدرجت لفظ''ة بني''ة في علم‬
‫االجتماع في اطار المحاولة ال''تي ق''ام به''ا سينس''ر (‪ )sppencer‬في دراس''ة التنظيم االجتم''اعي بمفه''ومي‬
‫البنية والوظيفة معتمدا بذلك على النظرية التطوري''ة‪ ،‬ليمت''د اس''تعمال ه''ذه اللفظ''ة في الق''رن العش''رين الى‬
‫‪ 1‬أحمد المتوكل اللسانيات الوظيفية المقارنة دراسة في التنميط والتطور‪ ،‬ص‪ 19-18‬ط‪1433 1‬ه‪2012-‬م الدار العربية للعلوم الناشرون‪.‬‬
‫‪ 2‬محاضرات (تعريف)‪.‬‬
‫‪ 3‬مقاييس اللغة‪ :‬أبو الحسين أحمد فارس‪ ،‬مراجعة وتعليق‪ :‬أحمد الشامي دار الحديث‪ -‬القاهرة‪1429 -‬ه‪ 2008/‬ص‪.112‬‬
‫‪ 4‬لسان العرب ابن منظور دار صادر بيروت ‪1956‬م‪.365-1/362 ،‬‬
‫‪ 5‬معجم اللسانيات الحديثة انجليزي‪ ،‬عربي سامي عياد وأخرون مكتبة لبنان ناشرون ‪ 1997‬ص ‪.134‬‬

‫‪8‬‬
‫مفهوم البنة‬ ‫الفصل األول‬

‫مجال األنتروبولوجيا' م''ع ك''ل من (م''ورغن) و (ليفي س''تروش) كم''ا اس''تعملت اللفظ''ة أيض''ا في تحليالت‬
‫(ماكس) وانحليز القائمة على مفهومي البنية التحتية والبنية الفوقية‪.6‬‬

‫‪ -‬تعددت دالالت لفظة بنية من لغ''ة الى لغ''ة وح''تى في اللغ''ة الواح''دة بحيث تع''ني في اللغ''ة الفرني''ة نظ''ام‬
‫‪ ،Ordre‬شكل ‪ ،Forme‬ترتيب ‪ .Disposition‬أما في اللغة العربية يعود مصطلح وأصل كلم''ة بني''ة الى‬
‫الفعل الثالثي‪[ :‬بنى‪ ،‬يبني‪ ،‬بنا ًءا] وتستخدم' للداللة على‪" :‬التشديد والبن''اء وال''تركيب‪ ،‬وتج''در اإلش''ارة الى‬
‫‪7‬‬
‫أن القرآن الكريم قد استخدم' هذا األصل نيفا وعشرين مرة"‪.‬‬

‫‪ -‬فمفهوم البنية في اللغة من خالل ما تقدم هو النظام والنس''ق من خالل تعري'ف' دوسوس''ير' للغ''ة على أنه''ا‬
‫"نظام' من الدالئل يعبر عم''ا لإلنس''ان من أفك''ار"‪ 8‬يع''ني تعري''ف البني''ة عن''د دوسوس''ير هي ال''تي ال يمكن‬
‫تعريفها اال بالرجوع اليها بوصفها بنا ًءا أو نظاما‪ ،‬أي بالرجوع الى عالقتها الداخلية (الدال‪ /‬المدلول) ب''دال‬
‫من عالقاتها ألنها توظف حسب تناقضاتها' (س''ياق اجتم''اعي‪ ،‬ت''اريخي) وعلى ال''رغم من ذل''ك لم يس''تخدم‬
‫دوسوسير' كلمة بنية وانما استخدم كلمة نسق أو نظام‪.‬‬

‫تشتق كلمة بنية في اللغات األوروبية من األصل الالتيني «‪ » strucre ‬الذي يعني البناء أو الطريق''ة ال''تي‬
‫يقام بها مبنى ما‪ .‬ثم امتد مفهوم الكلمة ليشمل وضع األجزاء في مبنى ما من وجهة النظر الفني''ة المعماري''ة‬
‫وبما يؤدي' ايه من جمال تشكيلي' وتنص المعاجم األوروبي''ة على أن فن المعم''ار يس''تخدم' ه''ذه الكلم''ة من''ذ‬
‫منتصف' القرن السابع عشر‪ 9‬وال يبع'د هذا كث'يرا عن أص'ل الكلمة في االس'تخدام الع'ربي للداللة على التشييد'‬
‫والبناء والتركيب‪ ،‬وتجدر اإلشارة الى أن القرآن الكريم ق''د اس''تخدم ه''ذا األص''ل نيف''ا وعش''رين م''رة على‬
‫صورة الفعل 'بنى' أو األسماء "بناء" و "بنيان" و"مبنى"‪ '.‬لكن لم ترد فيه وال في النصوص القديم''ة كلم''ة‬
‫"بنية" وقد تص'وره اللغوي''ون الع'رب على أن'ه الهيك'ل الث'ابت للش'يء فتح'دث النح'اة عن "البن'اء" مقاب'ل‬
‫االعراب‪ ،‬كما تصوروه على أنه التركيب والصياغة‪ ،‬ومن هنا جاءت تسميتهم للمب''نى للمعل''وم و"المب''نى"‬
‫للمجهول‪.10‬‬

‫ويتميز' االستخدام القديم لكلمة بنية في اللغات األوروبية بالوضوح' فقد كانت تدل على الشكل الذي يشيد ب''ه‬
‫مبنى ما ثم لم تلبث أن اتسعت لتشمل الطريقة التي تتكيف بها األجزاء لتكون كال ما س'واه ك'ان جس''ما حي'ا‬
‫أو معدنيا أو قوال لغويا‪ ،‬وتضيف' بعض المعاجم األوروبية فكرة التضامن بين األجزاء‪ ،‬وهي فكرة منظور'‬
‫اليها ضمنا في التعريف األول ألن المبنى ينهار ان لم يكن هن''اك تض''امن بين أجزائ''ه وعلى ه''ذا األس''اس‬
‫فان البنية هي ما يكشف عنه التحليل الداخلي لكل ما‪ ،‬والعناصر' والعالقات القائمة بينها‪ ،‬ووضعها والنظ'ام'‬
‫‪ 6‬مجلة المصطلح *مجلة علمية أكاديمية‪ -‬جامعة أبو بكر بلقايد لمسان عدد ‪ 2006/2007 5‬ص ‪.147‬‬
‫‪ 7‬المرجع نفسه ص‪.148‬‬
‫‪ 8‬مجلة المصطلح مجلة علمية أكاديمية‪ -‬جامعة أبو بكر بلقايد تلمسان عدد ‪ 2006/2007‬ص‪.153‬‬
‫‪ 9‬نظرية البنائية في النقد األدبي صالح فضل دار الشروق ط‪1419 1‬ه‪1998-‬م‪.‬‬
‫‪ 10‬المرجع نفسه‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫مفهوم البنة‬ ‫الفصل األول‬

‫الذي تتخذه ويكشف' هذا التحليل عن كل من العالقات الجوهرية والثانوية معتبرا أن النوع األول ه''و ال''ذي‬
‫يكون البنية التي تع''د هيك''ل الش''يء األساس'ي' أو التص''ميم' ال''ذي أقيم طبق''ا ل''ه وال''ذي يمكن الوص''ول' الي''ه‬
‫واكتشافه في أشياء أخرى شبيهة أي أننا نرى من'ذ البداي'ة ظه'ور' فك'رة المقارن'ة للتعري''ف على البني''ة ألن‬
‫البنية تتيح الفرصة لمقارنة األشياء المتعددة في الواقع‪ ،‬وهذه الفكرة نفسها في أصل المصطلح اللغ''وي هي‬
‫التي تجعله يتحول فيما بعد الى منهج خاص‪.11‬‬

‫‪ -‬كلمة بنية –في لغتنا العربية‪ -‬ال تمثل كلمة عادية تجري بكثرة على أقالم الباحثين والكتاب اال أن المع''نى‬
‫االشتقاقي' لهذه الكلمة بادي الوضوح' ألنها تنطوي' على داللة معماري''ة ترت''د به''ا الى الفع''ل الثالثي "ب''نى‪،‬‬
‫بناء‪ ،‬وبناية‪ ،‬وبنية" وقد يكون بنية الشيء –في اللغة العربي''ة‪ -‬هي "تك''وين" ولكن الكلم''ة ق''د تع''ني أيض''ا‬
‫"الكينية التي شيد على نحوها هذا البناء أو ذاك" ومن هن''ا فإنن''ا ق''د نتح''دث عن "بني''ة المجتم''ع" أو "بني''ة‬
‫الشخص''ية" أو "بني''ة اللغ''ة" ‪ ...‬الخ وحين ك''ان أه''ل اللس''ان الع''رب يفرق''ون في اللغ''ة بين "المع''نى" و‬
‫"المبنى" فانهم' كانوا يعنون بكلمة "مبنى"' ما يعنيه اليوم بعض علماء اللغة بكلم''ة "بني''ة" وأم''ا في اللغ''ات‬
‫األجنبية‪ ،‬ف''ان كلم'ة «‪ » structure ‬مش''تقة من الفع''ل الالتي'ني «‪ » strucre ‬بمع''نى "يب'ني" أو "يش'يد"'‬
‫وحين تكون للشيء "بنية" في اللغات األوروبية ف''ان مع''نى ه''ذا –أوال وقب''ل ش''يء‪ -‬أن''ه ليس بش''يء غ''ير‬
‫منتظم' أو عديم الشكل ‪ amorphe‬بل هو موضوع منتظم له "صورته" الخاص'ة و "وحدت'ه" الذاتي'ة وهن'ا‬
‫يظهر ضرب من التقارب األولي بين معنى البني''ة ومع''نى "الص''ورة"' ‪ Forme‬م''ادامت كلم''ة "بني''ة" في‬
‫أصلها تحمل معنى "المجموع"' أو "الكل" المؤلف من ظواهر متماسكة يتوقف على م''ا ع''داه‪ ،‬ويتح''دد من‬
‫خالل عالقته بما ع'داه‪ 12‬وق'د' يك'ون الح'ديث المعت'اد أن نق'ول لك'ل "بني'ة" اس'تعماالت خاص'ة في العل'وم‬
‫المختلفة‪ :‬من رياضة ومنطق وفيزياء‪ ،‬وعلم األحياء‪ ،‬وأنثروبولوجي''ا‪ '،‬وعلم النفس‪ ،‬ولغوي''ات‪ ...‬الخ ولكن‬
‫أبسط تعريف' للبنية هو أن يقال "انها نظام –أو نسق‪ -‬من المعقولية"‪ .‬فليس''ت البني''ة هي ص''ورة الش''يء أو‬
‫هيكله أو "وحدته المادية"‪ ،‬أو "التصميم الكلي" الذي يربط أجزاءه فحسب وانما هي أيضا "القانون" ال''ذي‬
‫يفسر تكوين الشيء ومعقوليته‪.13‬‬

‫والتعريفات العلمية المختلفة لكلمة بنية ‪-‬لدى جماعة من أهل ‪-‬البنيوية‪ -‬حيث قدم' لنا عالم النفس السويسري'‬
‫المشهور' بياجيه حين يقول "أن البنية لها نسق من التحوالت‪ ،‬له قوانينه الخاصة باعتب'اره نس'قا (في مقاب'ل‬
‫الخصائص المميزة للعناصر)‪ ،‬علما بأن من شأن هذا النسق أن يظل قائما ويزداد' ثراء بفضل ال''دور' ال''ذي‬

‫‪ 11‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ 12‬مشكلة البنية زكريا إبراهيم‪ .‬مكتبة مصر د ط‪ .‬د ق ص ‪.25‬‬
‫‪ 13‬المرجع نفسه ص‪.26-25‬‬

‫‪10‬‬
‫مفهوم البنة‬ ‫الفصل األول‬

‫تقوم بع العناصر' والتحوالت نفسها دون أن يكون من شأن هذه التحوالت أن تخرج عن ح''دود ذل''ك النس''ق‬
‫‪14‬‬
‫أو أن تهيب بأية عناصر' أخرى تكون خارجة عنه"‬

‫وقصارى' القول أنه البد لكل بنية اذن من أن تتسم بالخصائص الثالث اآلتية‪:‬‬

‫"الكلي''ة‪ ،‬والتح''والت‪ ،‬والتنظيم' ال''ذاتي" والمقص''ود بالس''مة األولى من ه''ذه الس''مات ‪-‬أال وهي الكلي''ة‬
‫‪ -totalité‬ه''و أن "البني''ة ال تت''ألف من عناص''ر خارجي''ة تراكمي''ة مس''تقلة عن الك''ل ب''ل هي تتك''ون من‬
‫عناصر داخلية خاضعة للقوانين المميزة للنسق من حيث هو "نس'ق" وال ترت'د ق'وانين ت'ركيب ه'ذا النس'ق‬
‫الى "ارتباطات تراكمية" بل هي تضفي على "الكل" من حيث ه''و ك''ذلك خ''واص "المجموع''ة باعتباره'ا'‬
‫سمات متم''ايزة عن خص''ائص "العناص''ر وليس المهم في البني''ة ه''و "العنص''ر" أو الك''ل وانم''ا المهم ه''و‬
‫"العالقات" القائمة بين عناصر‪ ،‬أعني عمليات التأليف (أو التكوين) على اعتبار أن "الكل" ليس اال الن''اتج‬
‫المترتب على تلك العالقات "أو التأليفات" مع‪ 15‬مالحظة أن قانون ه''ذه العالق''ات ليس اال ق'انون "النس''ق"‬
‫نفسه أو المنظومة نفسها‪.‬‬

‫‪ -‬والمقص''ود الث''اني أال وهي التح''والت ‪ -transformations‬فه''و أن "المج''اميع الكلي''ة" تنط''وي' على‬
‫ديناميكية ذاتية‪ ،‬تتألف من سلسلة من التغيرات الباطنية التي تحدث داخ''ل "النس''ق" أو المنظوم''ة خاض''عة‬
‫في الوقت نفسه لقوانين "البنية" الداخلية دون التوقف على أية عوامل خارجي''ة وليس الح''ديث عن ض''رب‬
‫من "الت''وازن ال''ديناميكي"' –عن''د بعض دع''اة البنيوي''ة‪ -‬س''وى' تعب''ير عم ه''ذه الحقيق''ة العام''ة أال وهي أن‬
‫"البنية" ال يمكن أن تظل في سكون مطلق بل هي تقبل دائما التغييرات مع ما يتف''ق م''ع الحاج''ات المح''ددة‬
‫من قبل "عالقات" النسق وتعارضاته‪.16‬‬

‫وأما المقصود بالسمة الثالثة ‪-‬أال وهي التنظيم الذاتي‪ » Autoréglage « -‬فهو أن في وسع البني''ات تنظيم‬
‫نفسها بنفسها‪ ،‬مما يحفظ لها وحدتها‪ ،‬ويكف''ل له''ا المحافظ''ة على بقائه''ا‪ ،‬ويحق''ق له''ا ض''ربا من "االنغالق‬
‫الذاتي" ومعنى هذا أن للبنيات قوانينها الخاصة التي ال تجعل منها مجرد "مجموعات" ناتجة عن تراكمات‬
‫عرضية أو ناجمة عن تالقي بعض العوامل الخارجية المستقلة عنها‪ ،‬بل هي "أنسقة" مترابطة تنظم ذاتها‪،‬‬
‫سائرة في ذلك على نهج مرسوم' وفقا للعمليات المنتظمة خاض''عة لقواع''د معين''ة‪ ،‬أال وهي ق''وانين "الك''ل"‬
‫الخاص بهذه "البنية" أو تلك وعلى الرغم من أن كل بنية مغلقة على ذاتها ان هذا االنغالق ال يمن''ع "البني''ة‬
‫الواحدة من أن تندرج تحت "بنية" أخ'رى أوس'ع على ص'ورة بني'ة س'فلية" (أو تحتي'ة) ‪sous-structure‬‬
‫والمهم أن عملية "التنظيم الذاتي البد من أن تتجلى على شكل ايقاعات و"تنظيمات" وعملية التواصل فهذه‬

‫‪ 14‬مشكلة البنية زكريا إبراهيم مكتبة مصر د ط‪.‬د ت ص‪26‬‬


‫‪ 15‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ 16‬المرجع نفسه‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫مفهوم البنة‬ ‫الفصل األول‬

‫كلها عبارة عن آليات بنيوية" تضمن للبنيات ضربا من االستمرار أو المحافظة على الذات‪ 17‬أم''ا التعري''ف‬
‫الذي جاء به ليفي اشتراوس وجدناه يقرر بكل بساطة أن "البنية تحمل أوال وقبل كل شيء‪ -‬طابع النسق أو‬
‫النظ''ام‪ -‬فالبني''ة تت''ألف من عناص''ر يك''ون من ش''أن أي تح''ول يع''رض للواح''د منه''ا أن يح''دث تح''وال في‬
‫العناصر' األخرى"‪ 18‬ويشرح لنا ليفي اشتراوس –في موضع آخر‪ -‬المقصود بهذا التعري'ف‪ ،‬فيق'ول ان علم‬
‫االجتماع الذي يواجه كثرة هائلة من الظواهر االجتماعية (من طقوس‪ ،‬وعقائد‪ ،‬وأساطير‪...‬الخ)‪ .‬تعبر هذه‬
‫الظواهر' بلغة خاصة عن شيء مشترك' بينها جميعا‪ ،‬وليس هنا الشيء المشترك' –على وجه التحديد‪ -‬سوى‬
‫"البنية"‪ ،‬أعني تلك "العالقات الثابتة" القائمة بين "حدود" متنوعة تنوع''ا ال حص''ر ل'ه‪ ،‬وأم'ا ه''ذه الح''دود‬
‫فإنه''ا ليس''ت س''وى الظ''واهر التجريبي''ة نفس''ها ان لم نق''ل "المظ''اهر"' ال''تي هي عب''ارة عن مجموع''ة من‬
‫‪19‬‬
‫"المعطيات العفل"‬

‫‪-‬ويمكن أيض''ا االستش''هاد' بق''ول ال''دكتور' ال''زواوي بغ''ورة‪" :‬تع''ني البني''ة الكيفي''ة ال''تي تنظم به''ا عناص''ر‬
‫مجموعة ما‪ ،‬أي أنها تعني مجموعة من العناصر المتماسكة فيما بينها بحيث يتوقف' كل عنص'ر على ب'اقي‬
‫العناصر' األخرى وحيث يتحدد هذا العنصر أو ذلك بعالقته بمجموعة العناصر"‪ 20‬وعرفه'ا الع'الم اللس'اني‬
‫الفرنسي ايميل بقوله "ان البنية هي ذل'ك النظ'ام المنس'ق ال'ذي تتخ'ذ ك'ل أجزائ'ه بمقتض'ى رابط'ة تماس'ك‬
‫وتوقف تجعل من اللغة مجموعة منتظمة من الوحدات أو العالمات المنطوقة ال''تي تتفاع''ل ويح''دد بعض''ها‬
‫بعض''ا على س''بيل التب''ادل"‪ 21‬وعرفه'ا' الع''الم اللغ''وي الالن''د بقول''ه "ان البني''ة هي ك''ل مك''ون من ظ''واهر'‬
‫متماسكة أو متضامنة بحيث يكون كل عنصر فيها متعلقا بالعناصر' األخرى وال يستطيع أن يكون ذا دالل''ة‬
‫‪22‬‬
‫اال في نطاق هذا الكل"‬

‫ويرى' روالن بارث بقوله‪" :‬مستعمل بكثرة في جميع العلوم االجتماعية بكيفية ال تميز عند االنسان‪ ،‬معتقدا‬
‫أنه تقصاها واكتشفها"‪ 23‬ونجد كلمة بنية في اللغة العربية تعني "كل ما هو أصل فيه وج''وهري‪ ،‬وث''ابت ال‬
‫‪24‬‬
‫يتبدل بتبديل األوضاع والكيفيات"‬

‫ويعود' الدكتور "الزاوي' بغوزة" إلعطاء تعريف آخر أكثر دقة حيث يقول‪« :‬ل''ذايري كروب''ير‪ "crobir‬أن‬
‫أي شيء بشرط أن ال يكون عديم الشكل يمتلك بنية فكل شيء مبني بصورة م''ا"‪ 25‬فه''و يؤك'د' على عالق''ة‬
‫البنية بالشكل اذ ال يعقل تصور بنيات عديمة الشكل فالمتتبع للمفه''وم االص''طالحي' لكلم'ة بني''ة عن''د‬

‫‪ 17‬مشكلة البنية زكريا إبراهيم د ط‪ .‬د ت ص‪.32‬‬


‫‪ 18‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ 19‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫‪21‬‬
‫المدخل اللغوي في نقد الشعر قراءة بنيوية مصطفى السعدي مصدر سابق ص ‪.175‬‬
‫‪22‬‬
‫البنيوية في الفكر الفلسفي عمر مهيبل ديوان المطبوعات الجامعية ط‪ 2‬الجزائر سنة ‪ 1993‬ص‪.16‬‬
‫‪23‬‬
‫مبادئ اللسانيات البنيوية دراسة تحليلية أبستمولوجية الطيب دبه دار القصبة للنشر الطبعة ‪ 1‬الجزائر ‪ 2001‬ص‪.41‬‬
‫‪24‬‬

‫‪25‬‬

‫‪12‬‬
‫مفهوم البنة‬ ‫الفصل األول‬

‫الب''نيويين نج''د أنه''ا‪" :‬البني''ة ال يمكن أن تتحق''ق في النص على نح''و غ''ير مكش''وف حيث تتطلب من المحل''ل‬
‫‪26‬‬
‫البنيوي' استكشافها'"‬

‫المفهوم االصطالحي لكلمة بنية‪ :‬يحدد بعض الباحثين البنية بأنها "ترجمة لمجموعة من العالقات بين‬
‫عناصر مختلفة أو عمليات أولية على شرط' أن يصل الباحث الى تحدي''د خص''ائص المجموع''ة والعالق''ات‬
‫القائمة فيما بينها من وجهة نظر معينة‪ ،‬ومع ذلك فمن المالحظ أنه كلما اجتمعت بعض العناصر في كل ما‬
‫نجمت عنها أبنية يتسم تركيبه''ا ب''االطراد' هي التنظيم وتعت''بر' فك''رة العالق''ة ص''ائبة على مس''توى' األبني''ة‪،‬‬
‫ولكنها عندما ت''دخل في التنظيم تكتس''ب عنص''را جدي''دا ه''و االتص''ال‪ ،‬فالبني''ة تتم''يز بالعالق''ات‪ ،‬والتنظيم‬
‫بالتواصل' بين عناصره المختلفة وعالقة التواصل هي الوظيفة التي تقوم بها العناص 'ر' في النظ''ام‪ 27‬وطبق''ا‬
‫لهذا فان التحليل البنائي يبحث عن مجموعة العناصر وعالقتها' المتشابكة أما التحليل ال''وظيفي' فه''و يه''دف‬
‫الى اكتشاف عمليات التواصل داخل النظام نفسه‪ .‬ويتوقف مفهوم البنية على السياق بشكل واضح ح''تى أن‬
‫الفكر البنائي يعد من هذه الناحية فكرا ال مركزيا‪ ،‬اذ ان محور العالقات ال يتحدد مسبقا وانما يختلف موقفه‬
‫باستمرار داخل النظام' الذي يضمه مع غيره من العناصر وق''د لعب علم اللغ'ة دورا حاس''ما في تحدي'د ه''ذا‬
‫المفهوم عندما انتهى الى أنه ال يمكن تحديد أي عنصر منفصل اال بعالقته الخالفية مع العناص''ر األخ''رى‪،‬‬
‫ويميز' بعض الباحثين في هذا الصدد بين نوعين من السياق‪ :‬نوع يستخدم فيه بطريق''ة عملي''ة فحس''ب ومن‬
‫أمثلة االستخدام' األول ما نج'ده في الفلس'فة واالجتم'اع وعلم النفس ال'ذي يعتم'د على نظري'ة (الجش'طالت)‬
‫ومن أمثلة االستخدام' اآلخر ما نجده في بعض الدراسات الرياضية‪ .‬وأم''ا الخاص''ية الثالث''ة (المرون''ة) فهي‬
‫نتيجة لما سبق‪ ،‬اذ ان مصطلح البنية ال يخلو من ابهام واختالط' ويلعب السياق' دورا رئيسيا في تحديده مم''ا‬
‫يجعله مرنا بالضرورة‪.28‬‬

‫مفهوم البنية في اللسانيات‪:‬‬

‫ان مفهوم البنية في اللسانيات مفهوم قديم' جدا يع''ود الى الق''رن ‪ 18‬حيث ظه''ر في المعجم التق''ني للفالس''فة‬
‫والرياضيين أمثال غاليلي‪ 29‬وكان يعني آنذاك "كل مجموع' األشياء التي تتماسك فيما بينها" أو "كل مركب‬
‫أجزاء مرتبطة ببعضها' البعض" وه''و التعري''ف نفس''ه نج''ده عن''د (ايمي''ل لي''تري) ‪ELITTRE (1881-‬‬
‫)‪ 1801‬بعد مرور' قرن من الزمن‪ ،‬ثم نجد تعريف المعجم التق''ني والنق''دي للفلس''فة لص''احبه (الالن''د) س'نة‬
‫‪ 1926‬حيث يتحدث عن النظام الفلكي والجهاز العصبي والنظام' العضلي والنظام السياسي‪'.‬‬

‫‪26‬‬

‫‪ 27‬نظرية االبنائية في النقد األدبي صالح فضل‪ ،‬دار الشروق ط‪1419 ،1‬ه‪1998-‬م ص‪.125‬‬
‫‪ 28‬مفهوم البنية للدكتور‪ :‬الزواوي بغورة جامعة قسنطينة العدد الخامس يونيو ‪ 1992‬ص‪.95‬‬

‫‪29‬‬
‫مجلة اللغة العربيى وآدابها مفهوم البنية في اللسانيات د‪ /‬محمد مداني جامعة البليدة ص‪.173‬‬

‫‪13‬‬
‫مفهوم البنة‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -‬لقد استعمل (دوسوسير) في دروسه العامة‪ ،‬كلم''ة "نظ''ام" ‪ 138‬م''رة كم''ا اس''تعمل مص''طلح "بني''ة" في‬
‫دروسه العامة‪ ،‬ثالثة مرات ألنه حسب رأي مونان كان يخشى مصطلح "بنية" وي''راه غامض''ا‪ ،‬بالت''الي ال‬
‫يسمح له حتى بالتعبير ما نسميه بنية الكلمة‬

‫‪ -‬ان هذه العبارة التي صرح بها (دوسوسير) لتحمل في ثناياها مفه''وم البني''ة اال أن''ه ك''ان دوم''ا يرج''ع الى‬
‫استعمال مصطلح نظام (‪ )système‬أو نسق لقد عرف تالميذ دوسوسير' أثناء اقامته (باريس) ه''ذه الفك''رة‬
‫الجديدة قبل ظهور' دروسه فقد أعلن (أنطوان مييه) هذه الفكرة عدة مرات وأرجعها الى أس''تاذه حيث يق''ول‬
‫ميي''ه‪" :‬س''عى دوسوس''ير ط''وال حيات''ه الى تحدي''د نظ''ام اللغ''ات المدروس''ة وان ك''ل لغ''ة هي نظ''ام محكم‬
‫بصرامة حيث يلتحم الكل"‪ ،‬ان تحديد مييه هذا اللغة انما هو اعتراف منه بفضل أستاذه الذي أن''ار ل''ه ذل''ك‬
‫خالل النظام' الصوتي الهندوأوروبي‪ 30‬مما يجعل أن البنية تدل على العناصر المتماس''كة في النص اذا رأى‬
‫أحد رواد المنهج البنيوي أن‪" :‬لكل شيء بنية اال أن يكون مع''دوم الش''كل تمام''ا"‪ 31‬فالبني''ة في واق''ع األم''ر‬
‫تربط بين عناصر الكل الواقعي' أو تجمع أجزاءه‪.‬‬

‫‪ -‬مفهوم النص‪ :‬من المعروف' أن النص من فعل نصص وقد عرفه ابن منظور في معجمه لسان العرب‬
‫بقوله‪" :‬نصص‪ :‬النص‪ :‬رفعك' الشيء نص الحديث ينصه نصا‪ :‬رفعه‪ .‬وكل ما أظهر فق''د نص وق''ال' عم''ر‬
‫بن دينار‪ :‬ما رأيت رجال أنص للحديث من الزه''ري أي رف''ع ل''ه وأس''ند‪ .‬يق''ال‪ :‬نص الح''ديث الى فالن أي‬
‫رفعه‪ ،‬وكذلك نصصته اليه‪ .‬ونصت الظبية جيدها‪ :‬رفعت''ه‪ .‬ووض''ع على المنص''ة أي على غاي''ة الفض''يحة‬
‫والشهرة والظهور والمنصة‪ :‬ما تظه''ر علي''ه الع''روس ل''ترى‪ ،‬وق'د' نص''ها وانتص''ت هي والماش''طة تنص‬
‫العروس فتقعدها على المنصة‪ ،‬وهي تنتص عليها لترى من بين النساء وفي' حديث عب''د هللا بن زمع''ة‪ :‬أن''ه‬
‫تزوج بنت السائب فلما نصت لتهدي اليها طلقها‪ ،‬أي أقع''دت على المنص''ة وهي بالكس''ر س''رير' الع''روس‪،‬‬
‫وقي''ل‪ :‬هي بفتح الميم الحجل''ة عليه''ا من ق''ولهم نصص''ت المت''اع إذا جعلت بعض''ه على بعض وك''ل ش''يء‬
‫أظهرته فقد نصصته‪ .‬والمنصة‪ :‬الثياب المرفعة‪ ،‬والفرش الموط''أة ونص المت''اع نص''ا‪ :‬جع''ل بعض''ه على‬
‫بعض ونص الدابة ينصها نصا‪ :‬رفعت في السير‪ 32....‬والنص والنصيص‪ :‬السير الشديد والحث ولهذا قيل‪:‬‬
‫نصصت الشيء رفعته ومنه منصة العروس وأصل النص أقصى الش''يء وغايت''ه ثم س''مي ب''ه ض''رب من‬
‫السير سريع ابن االعرابي‪ :‬النص االسناد الى الرئيس األك'بر والنص التوقي'ف' والنص التع''يين على ش'يء‬
‫ما ونص األمر شدته‪ ...‬ونص الرجل نصا اذا س''أله عن ش''يء ح''تى يستقص'ي' م''ا عن''ده"‪ 33‬ومن هن''ا ي''دل‬
‫النص على معان عدة منها‪ :‬الظهور‪ ،‬واالرتفاع‪ ،‬والبروز‪ ،‬وضم العناص''ر الى بعض''ها البعض‪ ،‬واالدراك‬
‫والغاية والمنتهى واالستقصاء' في الشيء حتى ادراكه وفهمه واستيعابه واالنتص''اب واالس''تواء والس''تقامة‬

‫‪ 30‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ 31‬البنية اللسانية في ديوان مدو األيدي للطالب أم الخير بن عبيد ص‪.14‬‬
‫‪ 32‬ابن منظور لسان العرب الجزء الرابع عشر حذف النون –مادة نصص دار صادر بيروت ط ‪ 2003‬ص ‪.272‬‬
‫‪33‬نقال عن لسانيات النص وتحليل الخطاب بين النظرية والتطبيق جميل حمداوي ط‪.2019 1‬‬

‫‪14‬‬
‫مفهوم البنة‬ ‫الفصل األول‬

‫ومن ثم‪ ،‬ف''النص‪ ،‬في داللت''ه الحقيقي''ة‪ ،‬عب''ارة عن نس''يج من الجم''ل المتض''امنة والمتض''افرة والمتجادل''ة‬
‫والمتراكبة والمتتابعة ال يمكن فهمه اال بتتبع ملفوظاته واستقصائه جملة جملة بغي''ة ادراك المع''نى والغاي''ة‬
‫‪34‬‬
‫والمنتهى' والفائدة المرجوة‬

‫تعريف' الخطاب‪:‬‬
‫‪35‬‬
‫‪"-‬يعد الخطاب كل ملفوظ‪/‬مكتوب يشكل وحدة تواصلية قائمة الذات"‬

‫يفاد من التعريف' ثالثة أمور منها‪:‬‬

‫‪-1‬تحييد الثنائية التقابلية جملة‪/‬خطاب حيث أصبح الخطاب شامال للجملة‪.‬‬

‫‪-2‬اعتماد التواصلية معيارا للخطابية‪.‬‬

‫‪-3‬اقصاء معيار الحجم من تحديد الخطاب حيث أصبح من الممكن أن يعد خطابا كامال أو جملة أو مركب‪.‬‬

‫‪ -‬يعني جعل الخطاب شامال للمنطوق' والمكتوب‪.‬‬

‫‪ -‬عرف فوكو' الخطاب بقوله‪" :‬هو أحيانا يعني المي''دان الع''ام لمجم''وع المنطوق''ات (‪ ،)énoncés‬وأحيان''ا‬
‫أخرى مجموعة متميزة من المنطوقات‪ ،‬وأحيانا ثالثة ممارسة له''ا قواع''دها‪ ،‬ت''دل دالل''ة وص'ف' على ع''دد‬
‫معين من المنطوقات وتشير اليها"‪ 36‬يع''ني الخط''اب ميدان''ه المنط''وق' ال''ذي يع''د الوح''دة األولي''ة للخط''اب‬
‫وجزء أساسي في العملية التخاطبية‪.‬‬

‫‪ -‬وفي تعريف' آخر للخطاب عند فوكو بقوله‪" :‬مجموعة من المنطوق''ات بوص''فها تنتمي الى ذات التش''كيلة‬
‫الخطابية‪ ،‬فهو ليس وحدة بالغية أو صورية قابلة ألن تتكرر' الى ما ال نهاية‪ ،‬يمكن الوقوف على ظهوره'ا'‬
‫واستعمالها خالل التاريخ ب'ل ه''و عب''ارة عن ع'دد محص''ور' من المنطوق'ات' ال'تي تس'تطيع تحدي''د ش'روط‬
‫وجودها"‪. 37‬‬

‫‪38‬‬
‫‪ -‬الخطاب‪ :‬يتكون من وحدة لغوية قوامها سلسلة من الجمل‬

‫‪ -‬يعرف الخطاب عند التهانوي توجيه للكالم نحو الغير إلفهام ثم نقل الكالم الموجه نح'و الغ'ير إلفه'ام أم'ا‬
‫عن حضور المصطلح في التراث العربي فإننا نسجل استعماله في القرآن الكريم بص''يغة المص''در' والفع''ل‬
‫في اآليات التالية‪َ " :‬وال تُخَا ِط ْبنِي' فِي الَّ ِذينَ ظَلَ ُموا إِنَّهُ ْم ُم ْغ َرقُونَ " سورة هود ‪َ " 37‬وإِ َذا خَاطَبَهُ ُم ْال َج''ا ِهلُونَ‬

‫‪34‬‬
‫‪35‬‬
‫أحمد المتوكل الخطاب وخصائص اللغة العربية دراسة في الوظيفة والبنية والنمط ط‪1431 1‬ه‪2010/‬م ص‪.24‬‬
‫‪ 36‬فوكو الخطاب بحث في بنيته وعالقاته الدكتور زواوي بغورة بيروت لبنان ط‪.2010 1‬‬
‫‪ 37‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ 38‬دومينيد مانقونو المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب‪ ،‬محمد يحتاين ط‪ 1‬منشورات االختالف الجزائر ‪ 2005‬ص‪.35‬‬

‫‪15‬‬
‫مفهوم البنة‬ ‫الفصل األول‬

‫ت َواألَرْ ِ‬
‫ض َو َما بَ ْينَهُ َما الرَّحْ َم ِن ال يَ ْملِ ُكونَ ِم ْن 'هُ ِخطَابً''ا"‬ ‫قَالُوا َساَل ًما" الفرقان ‪ 63‬ومنه قوله " َربِّ ال َّس َما َوا ِ‬
‫سورة النبأ ‪37‬‬

‫الخطاب مفهومه وأسسه من خالل ما اصطلح به عليه‪:‬‬

‫تواتر' استعمال مصطلح "الكالم" الذي ارتبط بمصطلح "خطاب" في تعريف' التهانوي الخط''اب في أص''ل‬
‫اللغة توجيه الكالم نحو الغير ثم نقل الي الكالم الموجه نحو الغير كما استعمل مصطلح القول مرادفا للكالم‬
‫أحيانا مقترنا بالخطاب أحيانا أخ''رى ولئن وقفن''ا على مص''طلحات' أخ''رى تح''ل في بعض المواض''ع مح''ل‬
‫"الكالم" أو "القول" مثل الحديث أو العبارة فإنها قليلة الشيوع ولعل ذل''ك يع''ود الى تمحض''ها' للدالل''ة على‬
‫معان خاصة ف"الحديث" وان استعمل في قليل الكالم وكثيره قد تمحض للداللة على كالم الرس''ول وله''ذا‬
‫نجد التهانوي يركز' في شرحه لهذا اللفظ على معناه الخاص وان بدأ بمعن''اه الع''ام أم''ا العب''ارة فهي تختص‬
‫‪39‬‬
‫بالداللة على الخبر عن الشيء بما هو عليه من غير زيادة وال نقصان‬

‫تنتمي العبارات المشتقة من جذر (خ‪ ،‬ط‪ ،‬ب) الى حقول داللية مختلفة فمثال الخطبة برف''ع الخ''اء هي ل''ون‬
‫يضرب الى الكدرة وأخطب الميد أي دنا وأم''ا م''ا اش''تق من ه''ذا الج''ذر في المع''نى ال''ذي نقص''ده في ه''ذا‬
‫العمل فنجد‪" :‬خطب الخاطب على المنبر" يخطب خطابة واسم الكالم الخطبة نفسه فالخطبة هي اسم جنس‬
‫أطلق على نوع مخصوص من الكالم له أصوله وقواعد‪'.‬‬

‫ان الخطاب مرادف' للمفهوم السويسري' الكالم (‪ )parol‬وهو معناه المعروف' ب''ه والكالم ه اإلنج''از الفعلي‬
‫للغة‪ ،‬فمادام منسوبا' الى فاعل فهو "وحدة لغوي''ة تتج''اوز' أبع''اد الجمل''ة رس''الة أو مقول''ة"‪ 40‬فالخط''اب' ه''و‬
‫الوحدة اللسانية التي تتعدى الجملة وتصبح مرسلة كلية أو ملفوظا‪.‬‬

‫أما اللغوي ماريس يعرف الخطاب بأنه "ملفوظ طويل أو متتالي'ة من الجم'ل تك'ون مجموع'ة منغلق'ة يمكن‬
‫من خاللها معاينة بني'ة سلس''لة من العناص'ر' بواس'طة المنهجي''ة التوزيعي''ة وبش'كل يجعلن''ا نظ'ل في مج''ال‬
‫لساني محض" يدل أن الخطاب نظام من الملفوظات يسعى هاريس الى تصور تطبيق' عليها‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫اين يوضع المرجع‬

‫مفهوم الخطاب‪ :‬ان األصل في معنى الخطاب عند العلماء للعربية‪ :‬الكالم الموجه فقد جاء في لسان العرب‬
‫"أن الخطاب مراجعة الكالم بين طرفين أو أكثر في مقام التواصل‪ 42‬وقال أب''و البق''اء الكف''وي في الكلي''ات‪:‬‬
‫"الخطاب هو الكالم ال'ذي يقص'د ب'ه االفه'ام‪ ،‬وافه'ام' من ه'و أه'ل للفهم‪ ،‬والكالم ال'ذي ال يقص'د ب'ه افه'ام‬

‫‪ 39‬مقاالت في تحليل الخطاب هشام القلفاط دط ‪ 2008‬ص‪.25‬‬


‫‪ 40‬إبراهيم صحراوي تحليل الخطاب األدبي (دراسة تطبيقية) ط‪ 2003 2‬ص‪.15‬‬
‫‪ 41‬سعيد يقطين‪ :‬تحليل الخطاب الروائي ص‪.17‬‬
‫‪ 42‬لسان العرب ابن منظور‪ ،‬ط دار صادر ‪ 1994‬مادة خطب‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫مفهوم البنة‬ ‫الفصل األول‬

‫المستمع‪ ،‬فانه ال يسمى خطابا‪ 43‬ويراد بمصطلح الكالم‪ :‬اللفظ المفيد الذي يحسن الوقوف' عليه نحو‪ :‬الجملة‬
‫في مقام التواصل أو الكالم الكثير‪ 44‬وقال محمود عكاش''ة‪ :‬الخط''اب‪" :‬الق''ول الموج''ه المقص''ود من المتكلم‬
‫(أنا‪ ،‬نحن) الى الملتقي المخاطب (أنت‪ ،‬أنتم'ا‪ ،‬أنتم‪ ،‬هن) إلفهام'ه قص'ده من الخط'اب ص'ريحا مباش'را أو‬
‫كناية‪ ،‬أو تعريضا في س''ياق التخ''اطب التواص''لي" وس''وف أبين وج''وه الخط''اب غ''ير المباش''ر الحق''ا في‬
‫حديثي عن أنواع الخطاب وعناصره وأدواته وأس'اليبه وترج''ع أص'الته في ال''تراث اإلس''المي الى اطالق''ه‬
‫على لفظ القرآن الكريم‪ ،‬فقد استخدم' العلماء مصطلح الخطاب في سياق التفسير والشواهد القرآنية واألدل''ة‪،‬‬
‫ويرجع' هذا االختيار الدقيق الى أن مصطلح الخطاب القرآني يشير الى أن هذا القول موجه نح''و المتهي''ئين‬
‫لفهمه والمكلفين به وأنه قول تفاعلي في حدث فعال وليس مدونا' وثابتا' فقط وقد أطلقوا على األدلة الشرعية‬
‫المعتمدة من الكتاب والس'نة "الخط'اب الش''رعي"‪ 45‬فالخط''اب في لفظ'ه ش''كل لغ'وي في س''ياق تف'اعلي أو‬
‫تواصلي' وله أشكال متنوعة في ممارسة األداء‪ :‬ال ُخطبة وال ِخطبة والحوار' والمناقشة والمح''اورة والمداول'ة‬
‫والمجادلة والمحاجة‪ ،‬وما يلحق بهذه األنواع من فنون الق''ول الموجه''ة ويع''د الخط''اب ف''رع في علم األداء‬
‫الصوتي' والتعب'ير' في معاه'د ال'دعوة والخطاب''ة والفن'ون والص'وتيات والتش''خيص وق'د اش''تهر في العل'وم‬
‫اإلنسانية الحديثة في مجاالت السياسة واالعالم واللسان والنقد والبالغة واألدب‪.‬‬

‫كما ارتبط مفهوم الخطاب عند العرب بمفهوم التخاطب فهو "مراجعة الكالم‪ ،‬وقد خاطب'ه ب'الكالم مخاطب''ة‬
‫وخطابا' وهما يتخاطبان ونفهم من كالمه أن الخطاب ح'وار' متب'ادل بين شخص'ين على األق'ل‪ ،‬فه'و عملي'ة‬
‫تلفظي''ة حيوي''ة في الزم''ان والمك''ان ي''ديرها شخص''ان أو أش''خاص ب''الكالم وبغ''ير الكالم وال يختل''ف ه''ذا‬
‫التعريف' في جوهره عن التعريف''ات ال''تي تق''دمها اللس''انيات الي''وم اذ أص''بح الخط''اب في بعض الدارس''ين‬
‫يعني اللسان في حالة االستعمال فاعتبر "فاير كالف" أن عند استعمال مصطلح الخطاب أق''ترح المحافظ''ة‬
‫على اللغة المس'تعملة باعتباره'ا ش'كال من أش'كال النش'اط االجتم'اعي وأص'بحت مس'ألة اإلنت'اج والتأوي'ل‬
‫المج''رى المرك''زي' في مفه''وم الخط''اب‪ ،‬ف''ارتبطت بالنظري''ة االجتماعي''ة ال''تي اعت''برت الخط''اب انتاج''ا‬
‫اجتماعيا وأدى ظهور اللسانيات االجتماعية الى إعادة النظر في مناهج الدراسة اللسانية بصفة عامة ف''برز'‬
‫نهج جديد في تعريف الخطاب وتحليله خاصة في مجال الدراسات اللسانية األمريكية ال''تي اعتم''دت منحى‬
‫لسانيا اجتماعيا وانتقل البحث اللساني من المكتوب الى الغاي''ة بم''ا ه''و منج''ز من الكالم وأص''بح الخط''اب‬
‫يعرف بأنه "محاولة لتوسيع نظرية لسانية قادرة وموح''دة تع''ني بإنج''از الكالم الط''بيعي"‪ 46‬ويب''دو أن''ه من‬
‫خالل التعريفات ارتبط مفهوم الخطاب بما ه''و ش''فوي ويعتم'د' في''ه على التب''ادل الكالمي والمب''دأ التف''اعلي‬
‫واالقناعي' والحجاجي به''دف االفه''ام' والتواص''ل وتوجي''ه المتخ''اطبين نح''و القص''د المفه''وم حيث رك''زت‬

‫‪ 43‬معجم في المصطلحات والفروق اللغوية الكفوي تحقيق‪ ،‬عدنان درويش ط‪ 1‬الرسالة بيروت ‪1412‬ه ‪1992‬م‪.‬‬
‫‪ 44‬التعريفات الجرجاني تحقيق إبراهيم األبياري دار الكتاب العربي بيروت ‪ 1992‬ط‪ 2‬ص ‪.419‬‬
‫‪ 45‬لسان العرب ابن منظور‪ ،‬ط دار صادر ‪ 1994‬مادة خطب ‪.‬‬
‫‪ 46‬المرجع نفسه‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫مفهوم البنة‬ ‫الفصل األول‬

‫اللسانيات الحديثة جهودا كثيفة في دراسة الخطاب وتحليله وفهم آلياته‪ ،‬وأصبح تحلي''ل الخط''اب يمث''ل تل''ك‬
‫المجاالت التي تطرح إشكاليات عميقة ال يتردد' الباحثون في التساؤل عن أسسها دفع هذا الطرح االش''كالي‬
‫الدارس''ين الى البحث في مج'االت الخط'اب المتع'ددة فح'اولوا تط''بيق من''اهج عدي'دة في التفس'ير والتأوي''ل‬
‫وتأثروا بعلوم أخرى ساعدتهم على التطرق' الى هذه القضية فاعتمد تحليل الخط''اب أوجه''ا مختلف''ة حس''ب‬
‫العقل أو الحقول التي تمثل أنشطة حيوية لديه‪.47‬‬

‫مفهوم التحليل‪:‬‬

‫تدل كلمة التحليل ‪ Analysis‬على معنى التقسيم والتفكيك لكن يختلف معناها باختالف الش''يء ال''ذي يفك''ك‬
‫وباختالف' النتائج التي نتوص'ل اليه'ا فق'د يك'ون التحلي'ل واقعي'ا اذا ك'ان الش'يء المحل'ل ش'يئا واقعي'ا مث'ل‬
‫الكيمياء وقد يكون عقليا يقوم على استنباط قضية من أخ'رى مث''ل التحلي'ل الرياضي‪ 48‬والتحلي'ل في منح''اه‬
‫اللغوي مأخوذ من مادة "حلل" التي تفيد كلمة فك كل ما هو مركب الى عناصره البسيطة في قاموس' لسان‬
‫العرب مادة "حلل" وفي' قاموس مخت''ار الص''حاح ب''اب "رد" فهي تع''ني ح''ل الش''يء أو ف''ك الم''ركب الى‬
‫عناصره التي يتكون منها فأن تحلل يعني أن "تف''ك" من أج''ل أن تحص''ل على فهم أفض''ل لم''ا يتم تحليل''ه‪،‬‬
‫فالكيمي''ائي يهتم بتحلي''ل العناص''ر الطبيعي''ة المركب''ة الى أجزائه 'ا' المكون''ة‪ ،‬وع''الم النفس يحل''ل الش''عور'‬
‫اإلنساني' والفيلسوف من جه''ة أخ''رى ينبغي أن يك''ون موض''وع' اهتمام''ه ه''و تحلي''ل الوح''دات اللغوي''ة أو‬
‫التصورات‪ '.‬وهكذا نجد معاني كثيرة للتحليل الذ قد يكون عقليا فيكون موضوعه فكرة أو قض''ية‪ ،‬أو تحليال‬
‫ماديا فيكون موضوعه عنصرا أو شيئا من األشياء فالتحليل يتحدد في النهاية‪ ،‬بموضوعه‪ 49‬لذا يوجد هن''اك‬
‫معان كثيرة متعددة للتحليل مما يؤدي‪ ،‬كما يرى موسى وهب''ة‪ ،‬الى ش''يء من التن''اقض واالض''طراب' فه''و‬
‫مصطلح شأنه ش''أن المص''طلحات األساس''ية في الفلس''فة يع''اني من اض''طراب في الدالل''ة يجعل''ه متض''منا‬
‫لمدلوالت متضاربة‪ ،‬ان لم نقل متناقضة هذا الحكم يرجع الى أن معاجم الفلسفة المتداولة‪ ،‬تساهم في زي''ادة‬
‫هذا االضطراب حيث تقتصر في شرح المعاني المتخصص''ة على الخالص''ات دون الول''وج الى المق''دمات‬
‫المشتركة ومن هنا ينشأ ما ال يقل عن عشرة مع''ان للتحلي''ل أو عش''رة اس''تعماالت مختلف''ة أو متباين''ة على‬
‫النحو التالي فهو تارة رد المركب الى أجزائه أو عبارة عن مجرد التقسيم وهو طو ًرا' نهج دراسي متفحصٌ‬
‫ومستقص يؤدي الى التوليف أي الى ضده كما في تحليل النصوص‪.‬‬
‫ِ‬

‫‪ 47‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ 48‬الفلسفة التحليلية ماهيتها مصادرها ومفكروها أحمد عبدالحليم عطية‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت لبنان‪.‬‬
‫‪ 49‬المرجع نفسه‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫مفهوم البنة‬ ‫الفصل األول‬

‫تعريف التحليل‪:‬‬

‫‪ -‬التحلي''ل يعن التفكي''ك‪ ،‬تفكي''ك الش''يء الى مكون''ات جزئي''ة‪ ،‬ت''تيح لن''ا معرف''ة بنيات''ه الداخلي''ة (الص''غرى‬
‫‪50‬‬
‫والكبرى)‪ ،‬والخارجية‪ ،‬وبنية التفاعل بينهما‬

‫لتحليل الخطاب تحديدات متعددة‪ ،‬اال أن المعنى العام لتحليل الخطاب تحليل اس''تعمال اللغ''ة‪ .‬ونظ''را' لك''ون‬
‫الدارسين المعاصرين اهتموا بتحليل شتى أشكال الخطابات أصبح لزاما عليهم االستعانة ب''العلوم' اإلنس''انية‬
‫لتمدهم باآلليات اإلجرائية للدراسة‪ ،‬ومنه نشأت مقاربات التحلي''ل‪ :‬النفس''ية‪ ،‬االجتماعي''ة‪ ،‬األنتروبولوجي''ة‪،‬‬
‫التواصلية‪ ،‬الفلسفية‪ ،‬البالغية‪.‬‬

‫"ان تحليل الخطاب هو غاية في ع'دم االس'تقرار لوج'وده في ملتقى العل'وم اإلنس'انية توج'د تحليالت تغلب‬
‫عليها الصبغة االجتماعي''ة‪ ،‬وأخ''رى' تغلب عليه''ا الص''بغة اللس''انية وثالث''ة تغلب عليه''ا الص''بغة النفس''انية‪،‬‬
‫ويضاف الى هذا التفريغ ما بين التيارات من اختالفات"‪ 51‬اذن فلكل ن'وع من الخطاب'ات إج'راءات تحليلي'ة‬
‫خاصة‪ ،‬تسهم في الكشف عن دالالته‪.‬‬

‫‪ -‬والتحليل مصطلح جامع يستدعي في ممارسته مصطلحات عديدة بإجرائه عملية إسقاطيه على م''ا يس''مى‬
‫الخطاب‪ ،‬اذ يقوم على الشرح والتفسير والتأويل' والعمل على جعل النص واضحا جليا‪ .‬ومن ه''ذا المنطل''ق‬
‫يرك''ز الناق 'د' على اللغ''ة واألس''لوب والعالق''ات' المتبادل''ة بين األج''زاء والك''ل‪ ،‬لكي يص''بح مع''نى النص‬
‫ورمزيته واضحين‪ ،‬لذا فان قراءة النص على عجل ال تعد تحليال‪. 52‬‬

‫‪ -‬والتحليل كما جاء في لسان العرب "حل العقدة يحلها حال‪ :‬فتحها' ونقضها فانحلت"‪ 53‬أي فكه''ا وتحليله''ا‪.‬‬
‫وتحليلنا' للشيء رجوعنا الى العناصر' األولى‪.‬‬

‫‪ 50‬تحليل الخطاب والدرس العربي – قراءة لبعض الجهود العربية‪.‬‬


‫‪ 51‬المرجع نفسه ص‪.45‬‬
‫‪ 52‬تحليل الخطاب ‪ ...‬مقدمة للقارئ العربي‪ ،‬عبد القادر سالمي الشبكة العالمية للمعلومات‪.‬‬
‫‪53‬‬

‫‪19‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫الفصل الثاني‬

‫الفصل الثاني‬

‫تحليل الخطاب يسعى الى دراسة المرامي الكالمية في االتصال اللغوي من أجل الوص''ول الى أقص''ى ح''د‬
‫من المقروئية التي تعتبر نشاطا' تفاعليا بين المتكلم والمستمع' أي المؤلف والخطاب والقارئ "اذ تسعى هذه‬
‫العملية الى تفكيك الخطاب المحبوك المتماسك (شكال وداللة) المكتوب والمسموع' الى بنيات جزئي''ة فاعل''ة‬
‫ومتفاعل''ة‪ :‬داخلي''ة وخارجي''ة من أج''ل معرف''ة مختلف''ة المرجعي''ات الخطابي''ة (األس''س المعرفي''ة واألط''ر‬
‫النظرية للخطاب) التي ساهمت في تشكله بمعرفة مضامينه‪ :‬محتوياته‪ -‬غايته‪ -‬مع''اييره‪ -‬فض''ائه‪ -‬بنيات''ه‪...‬‬
‫الخ ليتحقق التحليل األمر الذي يجعل العملية غاية في التشابك والتعقيد تتطلب معرفة موس''وعية عميق''ة في‬
‫التخصص تعوفها' معارف وروافد أخرى" ارتبط مجال تحليل الخط''اب بمفه''وم الخط''اب وق'د' ع''رف ه''ذا‬
‫المصطلح اضطرابا' من ناحية المفهوم الرتباطه بتصورات مختلفة للغة‪ ،‬فهناك من يربط''ه ب''النص وهن''اك‬
‫من يربطه باستخدام اللغة ضمن سياق خاص وانطالقا من النص والسياق أي الظروف' الخارجية المرتبطة‬
‫بالنص يغدو تحليل الخطاب "كل تقنية تسعى الى التأسيس العام والشكلي' للروابط الموج''ودة بين الوح''دات‬
‫اللغوية للخطاب المنطوق' أو المكتوب‪ ،‬في مستوى أعلى من مستوى الجملة هذا اإلقرار' بوجود' مس''توى' –‬
‫من الناحي''ة اإلجرائي''ة‪ -‬أعلى من مس''توى الجمل''ة‪ ،‬ه''و ال''ذي فتح المج''ال لتعريف''ات أخ''رى أخ''ذت بعين‬
‫االعتبار العناصر الخارجية غير اللغوية‪ ،‬وهو األمر ال'ذي أح'دث تذب'ذبا في المفه'وم" فبني'ة الخط'اب هي‬
‫الموضوع المركزي' لتحليل الخطاب‪ ،‬وال يمكن لهذه البنية أن تقتصر' على القول الذي ينجزه المخاطب في‬
‫زمان ومكان معينين‪ ،‬وانما تتعدى ذلك لتشمل الفعل القصدي ذو األبعاد النفسية واالجتماعية فيصبح تحليل‬
‫الخط'اب حينه'ا متع'دد الغاي'ات بص'فته عمال م'ؤثرا يمكن وص'فه وتحليل'ه وض'بط' آلي'ات عمل'ه‪ ،‬وتفس'ير‬
‫اشتغاله في حدث التخاطب‪.‬‬
‫‪56 55 54‬‬

‫‪ -‬ان تحليل الخطاب بالضرورة تحليل اللغة في االستعمال‪ .‬لذلك‪ ،‬ال يمكن أن ينحصر في الوصف' المج''رد‬
‫لألشكال اللغوية بعيدا عن األغراض أو الوظائف التي وضعت هذه األشكال لتحقيقها بين الن''اس‪ .‬واذا ك''ان‬
‫بعض اللسانيين مهتمين بتحديد' الخصائص الشكلية للغة‪ ،‬فان محلل الخطاب مل''زم ب''البحث في م''ا تس''تعمل‬
‫تلك اللغة من أجله واذا كانت للمنهج الشكلي تقاليد عريقة نراها مجسمة في عدد ال يحصى من كتب النحو‪،‬‬
‫فان الدراسات الممثلة للمنهج الوظيفي أقل عددا‪ .‬كما أن المحاوالت الهادفة الى وضع مجموعة ‪.‬ولو عامة‪.‬‬
‫من المصطلحات لتحديد الوظائف' األساسية للغة لم تنتج سوى عدد من المص''طلحات الغامض''ة ال''تي يغلب‬
‫عليها طابع اللبس‪ ،‬ولهذا فلن نستعمل هنا سوى مصطلحين نحدد بهما الوظيفتين الرئيسيتين للغة ونؤكد أننا‬

‫‪ 54‬نعيمة سعدية التحليل السميائي والخطاب عالم الكتب الحديث ط‪ 1‬األردن ‪ 2016‬ص‪.3‬‬
‫‪ 55‬المرجع نفسه ص‪.‬‬
‫‪ 56‬عمر بلخير مقاالت في التداولية والخطاب‪ ،‬دار األمل للطباعة والنشر والتوزيع ط‪ 1‬الجزائر ‪2013‬‬

‫‪21‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫لم نلجأ الى هذا التقسيم اال تحقيقا للجدوى التحليلية‪ .‬فمن المس''تبعد' أن تس''تعمل عب''ارة م''ا من عب''ارات لغ''ة‬
‫طبيعية في أي ظرف من الظروف' ألداء وظيفة واحدة فقط مع اس''تبعاد الوظيف''ة األخ''رى بص''فة كلي''ة أم''ا‬
‫الوظيف''ة األولى ال''تي تؤديه'ا' اللغ'ة والمتمثل''ة في التعب''ير عن المض''امين فنس''ميها وظيف''ة "تعاملي''ة" وأم''ا‬
‫‪57‬‬
‫الوظيفة المتمثلة في التعبير عن العالقات االجتماعية والمواقف' الشخصية فنسميها "وظيفة تفاعلية"‬

‫‪ -‬ولمصطلح "تحليل الخطاب" دالالت مختلفة بالنسبة للباحثين في شتى مجاالت الدرس اللغوي‪ .‬ففي نظ''ر‬
‫عالم اللغة االجتماعي مثال‪ ،‬يتصل هذا المصطلح أساس''ا ببني''ة التفاع''ل االجتم''اعي كم''ا تتجلى في الح''وار‬
‫‪58‬‬
‫اللغوي وهو في نظر عالم اللغة النفسي ذو صلة بالطريقة التي يتم بها فهم النصوص القصيرة المكتوبة‬

‫فتحليل الخطاب هو مصطلح ج'امع ل'ه ع'دة اس'تعماالت‪ ،‬يش'مل على مج'االت واس'عة من األنش'طة منه'ا‪:‬‬
‫االجتماعية‪ ،‬النفسية‪ ،‬األسلوبية‪ ...‬الخ ساهم بشكل فعال في تكوينه الى تحليل وف'ك' الخط''اب من أج''ل الفهم‬
‫‪59‬‬
‫على اختالف أنواعه (أدبي‪ ،‬شعري‪ ،‬نثري)‬

‫‪ -‬قد يعد تحليل الخطاب رد فعل لعلم اللغة التقليدي (علم اللغة التركيبي' الشكلي) الذي يركز على الوح''دات‬
‫األساسية وتركيب الجملة وال يهتم بتحليل اللغة المتداولة‪ 60‬وتحلي'ل الخطاب وعلى خالف علم اللغة الشكلي‬
‫يهتم بتطبيق' مفهوم التركيب فوق' مستوى الجملة‪ ،‬أي أخذ قياس العالقات النحوية كالفع''ل‪-‬الفاع''ل‪-‬المفع''ول‬
‫وتطبيقه على تحليل نص أطول‪ .‬وبما أن من النادر أن يتواصل المرء م''ع غ''يره من خالل جم''ل فق''ط ف''ان‬
‫محللي الخطاب هؤالء ينتقدون اتج''اه اللغ''ويين لقص''ر ترك''يزهم على ت''ركيب الجمل''ة يق''ول مايك''ل ه''وى‪:‬‬
‫"يتضمن الحوار تبادال بين فردين من الناس أو أكثر قد ينتج كل طرف في''ه أك''ثر من عب''ارة واح''دة ويق''وم‬
‫كل اسهام فيه على االسهامات السابقة اما بصورة مباشرة أو غير مباشرة"‪ 61‬اذن فهذا الض''رب من تحلي''ل‬
‫الخطاب نشأ عن رغبة لتحليل الوحدات والبنى األكبر التي ي''دركها المتكلم والمس''تمع' ض''منا على مس''توى‬
‫الخطاب ال على مس'توى' الجمل'ة ال''تي ي''دركها المتكلم ه'ذه الب''نى األك''بر ق'د يك''ون تحليله'ا أص''عب نظ''را‬
‫لطبيعتها' غير التي لم تحلل والتي تؤخذ مأخذ التسليم‪.‬‬

‫‪ -‬لتحليل الخطاب أهمية بالغة في فتح مجاالت جديدة للتحليل‪ :‬بدء تحليل السمات التنظيمي''ة المنتظم''ة للغ''ة‬
‫ومحاولة إيجاد منظومة لتدوين هذه الوحدات التنظيمية وتوصيفها‪ '.‬ومع ذل'ك فق'د وج'ه الي'ه النق'د لع'دد من‬
‫األسباب‪ ،‬أولها أن تحليل الخطاب وان كان يتناول اللغ''ة المتداول''ة في الس''ياقات اللغوي''ة الحقيقي''ة ال ي''ولي‬
‫اهتماما لكيفية تأثير العالقات االجتماعية على انتاج الكالم أو النصوص المكتوبة وعلى عالق''ات الق''وة بين‬

‫‪ 57‬الخطاب سارة ميلز ط‪ 1‬القاهرة ‪ 2016‬ص‪.150‬‬


‫‪ 58‬نفس المرجع‪.‬‬
‫‪ 59‬مجلة كلية اآلداب واللغات العددان العاشر والحادي عشر بشرير ابرير ص‪.13‬‬
‫‪ 60‬ينصب اهتمام علم اللغة الشكلي على بناء الجملة (ترتيب الكلمات) والنحو (التراكيب واحتماالت ربط عناصر اللغة)‪ .‬كما يرى البعض أن علم‬
‫اللغة يشمل بعض االهتمام بعلم الداللة (معاني األلفاظ)‪.‬‬
‫‪ 61‬الخطاب سارة ميلز ص‪ 150‬ط‪ 1‬القاهرة ‪.2016‬‬

‫‪22‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫األطراف' المشاركة وال يهتم بقضايا التأويل أو ب''رأي من يأخ''ذ المحل''ل فيم''ا يتعل''ق بوظيف''ة مف''ردة بعينه''ا‬
‫ويطلق' عليها "غير ملحة"‪.62‬‬

‫وهكذا فتحليل خطاب النص المكتوب يهدف الى جعل المعايير والقواعد الضمنية إلنت''اج اللغ''ة الص''ريحة‪،‬‬
‫وينصب اهتمامه بصفة خاصة على كيفية تكوين الخطاب من مجموعة من الوحدات المتراتبة المركبة‪.63‬‬

‫‪ -‬يعد تحليل الخطاب تخصص ثري خصب اكتسب جدارته المعرفية وسادته العلمي''ة لكون''ه ي''وفر للب''احث‬
‫مداخل منهجية مختلفة لتحليل النصوص والخطابات' المختلفة ب''النظر' للم''دارس اللس''انية والنقدي''ة المختلف''ة‬
‫وخلفياتها' النظرية ومرجعياتها الفكرية والمعرفية التي تؤطرها وتكيف خطابه''ا‪ '.‬كم''ا يع''د تحلي''ل الخط''اب‬
‫مولودا' شرعيا للسانيات التطبيقية فهو ميدان الستثمار المعطيات المنهجية المختلف''ة ال''تي وفرته'ا' اللغ''ة في‬
‫دراسة النصوص والخطابات وتحليلها على كل المستويات' وقد أصبح مصطلح تحليل الخطاب علم''ا قائم''ا‬
‫بذات''ه ل''ه خلفيات''ه النظري''ة وأسس''ه المعرفي''ة وموض''وعه ومناهج''ه واجراءات''ه التطبيقي''ة ووس''ائل تحليل''ه‬
‫ونتائجه‪ .‬فقد أصبح يعرف هذا المصطلح اال مع العالم اللس'اني األم'ريكي زلي'غ ه'اريس ‪ ،1952‬واذا ك'ان‬
‫وجود' الخطاب مصطلحا' صريحا في التراث فان تحليل الخطاب موجود باعتباره ممارسة منذ عهد الخلي''ل‬
‫(‪175‬ه) وسبويه (ت‪180‬ه) ووصوال الى ابن خلدون (ت‪.64)808‬‬

‫‪-‬أما تحليل الخطاب فيعرفه محمود' خطابي "كل مقاربة تتخذ لها موضوعا للوصف وح''دة لغوي''ة أك''بر من‬
‫الجملة"‪ 65‬بمعنى أن تصنيف ه''ذه المقارب''ة في تحلي''ل الخط''اب يب''نى أساس''ا على الوح''دة اللغوي''ة المحلل''ة‬
‫وحجمها‪ '.‬وهذا يتكامل مع ما جاء به بول ريكور' حين اعتبر أن الخطاب يتطلب معنيين هما الوحدة اللغوية‬
‫والحجم المراد تحليله كما يعرفه جورج مونان تحليل الخط''اب بأن''ه "ك''ل تقني''ة تس''عى الى التأس''يس الع''ام‬
‫والشكل للروابط الموجودة بين الوحدات اللغوية للخطاب المنطوق' والمكتوب في مستوى' أعلى من مستوى‬
‫الجملة"‪.‬‬

‫تحليل الخطاب‪ :‬لتحليل الخطاب تحديدات متنوعة ويوجد تحديد واسع ج'دا ه'و تحلي'ل اس'تعمال اللغ'ة (‬
‫‪ )Brown et yu le 1983‬كما هناك تعريف' آخر "دراسة االستعمال' الفعلي للغة من قبل ناطقين حقيقيين‬
‫في أوضاع حقيقية (‪ )chap2, 1985, civ‬في البلدان األنجلوساكسونية خاصة العديد من الناس ينظرون'‬
‫ان قليال أو كثيرا الى تحليل الخطاب وتحليل الحديث وكأنهم'ا' ش''يء واح''د نظ''را لك''ونهم يع''دون الخط''اب‬
‫نش''اطا' تفاعلي''ا أساس''ا غ'ير أن'ه م''ع ه''ذه التحدي''دات الغامض''ة ج''دا‪ ،‬يص''عب التمي''يز بين تحلي''ل الخط''اب‬
‫والتخصصات األخرى التي تدرس الخطاب لذا نرى أنه من المستحسن اعتبار تحليل الخط''اب التخص''ص‬

‫‪ 62‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ 63‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ 64‬محاضرات األستاذ دنوقة‪.‬‬
‫‪ 65‬لسانيات النص مدخل الى انسجام الخطاب محمد خطابي المركز الثقافي العربي ط‪ 2006 2‬ص‪.47‬‬

‫‪23‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫الذي يدل أن يقدم على التحليل اللغوي للنص في ذاته أو على التحليل السوس''يولوجي أو النفس''اني لمحت''واه‬
‫يسعى الى مفصلة ‪ articuler‬تلفظه مع موقع اجتماعي بعينه وهكذا يجد تحليل الخطاب نفس''ه حي''ال ن''واع‬
‫الخطابات المشتغلة في قطاعات الفضاء االجتم''اعي (المقهى‪ ،‬المدرس''ة‪ ،‬المح''ل التج''اري‪ ،‬أو في الحق''ول‬
‫الخطابية اذن بإمكان تحليل الخطاب أن يعنى بنفس المدونات على غرار علم االجتماع وتحليل الحديث‪.66‬‬

‫ولما كان تحليل الخطاب يقف في مفترق طرق العلوم اإلنسانية فهو عرضة لعدم استقرارهم ذلك أنه يوج 'د'‬
‫محللون للخطاب هم باألحرى علماء اجتماع وآخ''رون هم ب''األحرى لس''انيون والبعض اآلخ''ر علم''اء نفس‬
‫باإلض'افة الى ه'ذه التقس'يمات هن'اك خالف'ات بين تي'ارات متع'ددة وهك'ذا نج'د تحلي'ل الخط'اب في ال'وم أ‬
‫مرس''وم' باألنثروبولوجي''ا في حين تن''امى في فرنس 'ا' في الس''تينيات تحلي''ل الخط''اب ذو توج''ه لس''اني بين‬
‫‪67‬‬
‫ومرسوم' بالماركسية والتحليل النفسي‬

‫تعريف الخطاب اللساني ‪Le discours de linguistique‬‬

‫‪ -‬يعد الخطاب اللساني نمطا من أنماط الخطاب العلمي‪ 68‬يتميز بس'مات تمنح''ه خصوص''ية معين'ة‪ ،‬كم'ا ل'ه‬
‫أيضا مادة أو موض'وع' أو ظ'اهرة أو غاي'ة‪ ،‬أو أه'داف ي'ود تحقيقه'ا من خالل تطبيقات'ه المختلفة‪ 69‬أي أن'ه‬
‫خطاب واضح المعالم واألهداف' له متن محدد لتقدم مقاربات عديدة حوله وهو أيض''ا "التح''دث عن ح''ديثنا‬
‫عن اللغة"‪ 70‬هذا يع'ني أن ج''ل كالم علمي عن ظ'اهرة لغوي'ة م'ا ه'و خط'اب لس'اني ألن'ه يتخ''ذ من اللغ''ة‬
‫كموضوع وكم''ادة أيض''ا‪ ،‬بغي''ة البحث فيه''ا باس''تراتيجية مح''ددة الس''تيعاب ك''ل "قض''ايا اللس''ان من حيث‬
‫نواميسه المركزية بصرف النظر عن الخصوصيات النوعية النابعة عن لغة معينة أو مجموعة من اللغ''ات‬
‫التي تكون أسرة واحدة"‪ 71‬مما يع''ني أن هن''اك مقارب''ات متع''ددة ال''رؤى' واأله''داف تهتم بص''ورة المعرف''ة‬
‫اللسانية والالفت لالنتباه أن علماءنا القدامى استعملوا مصطلح علم اللسان للدالل''ة على ك''ل دراس''ة خاص''ة‬
‫باللسان‪ ،‬تم''يز له''ا بم''ا ه''و خ''ارج عنه''ا‪ ،‬من علم األص''ول وعلم الح''ديث‪ ،‬وعلم المنط''ق‪ ،‬وعلم الحس''اب‬
‫‪72‬‬
‫وغيرها من فنون المعرفة"‬

‫وهذا مثبوت في مخصص ابن س''يدة ومقدم''ة ابن خل''دون عموم''ا فالخط''اب' اللس''اني خط''اب مع''رفي' يهتم‬
‫بدراسة اللغ''ة من حي البني''ة وال''تركيب والدالل''ة والج''انب الكالمي من اللغ''ة وك''ل التغي''يرات ال''تي تلح''ق‬
‫الظاهرة اللغوية والسياقات' المتعلقة بها‪.‬‬

‫‪ 66‬المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب دومينيك مانغونو الدار العربية للعلوم الناشرون ط‪1428 1‬ه‪2008-‬م ص‪.11‬‬
‫‪ 67‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ 68‬الخطاب العلمي‪ :‬خطاب علمي واصف‪ ،‬خطاب علمي تقريري‪ ،‬خطاب علمي تفسيري‪.‬‬
‫‪ 69‬بشير ابرير الخطاب اللساني العربي بين التراث والحداثة مجلة الرافد سنة ‪ 2001‬ص‪.87‬‬
‫‪ 70‬عبد السالم المسدي‪ :‬مباحث تأسيسية في اللسانيات مؤسسات عبد الكريم بن عبد هللا‪.‬‬
‫‪ 71‬عبد السالم المسدي‪ :‬مباحث تأسيسية في اللسانيات مؤسسات عبد الكريم بن عبد هللا‪.‬‬
‫‪ 72‬عبد السالم المسدي التفكير اللساني الحضارة العربية دار الكتاب الجديدة المتحدة ط‪ 2009 3‬ص‪.432-431‬‬

‫‪24‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫تحليل الخط''اب اللس''اني‪ :‬تحلي''ل الخط''اب ‪ Discoure Analyses‬ه''و كيفي''ة اس''تعمال الن''اس اللغ''ة أداة‬
‫للتواصل‪ ،‬وكيف يؤل''ف المتكلم رس''ائل قوي''ة يوجهه''ا الى المتلقي‪ ،‬فيق''وم ه''ذا بمعالجته''ا لغوي''ا على نح''و‬
‫خاص لتفسيرها‪ 73‬والذي قد يحصر في الكالم بين متكلمين قد يستخدمان وسائط متع''ددة للتواص''ل يمكن أن‬
‫تكون شفهية أو مكتوبة أو مرئية أو حركية أو لمسية وكثيرة هي طرق التواصل وأشكاله التي يس''تعين به''ا‬
‫االنسان في حياته اليومية لقض'اء أغراض'ه المعرفي'ة تع'ددت مف'اهيم الخط'اب في اللس'انيات بتع'دد ط'رق‬
‫التواصل وأشكاله التخاطبية‪ .‬حيث ركزت اللسانيات جهودا كثيفة في دراسة الخط''اب وتحليل''ه وفهم آليات''ه‬
‫وأصبح تحليل الخطاب يمثل تلك المحاوالت التي تطرح إش''كاليات عميق'ة ال ي''تردد' الب''احثون في التس''اؤل‬
‫عن أسسها‪ 74‬لذا يعتبر الخطاب اللساني لونا من ألوان الخطاب العلمي‪ .‬والخطاب اللساني هو "التحدث عن‬
‫حديثا عن اللغة"‪ 75‬وعلى هذا األساس يج'وز لن'ا اعتب'ار ك'ل كالم عن الظ'اهرة اللغوي'ة ويتص'ف' بالعلمي'ة‬
‫خطابا لسانيا فما كتبه دي سوسير' وتشومكسي والفاس الفهري والمسدي' وأحمد المتوكل وغيرهم كثير كلها‬
‫خطابات لسانية ألنها تتخذ اللغة كمادة أو موضوع بغرض بحثها وفق معطيات منهجية محددة‪ .‬وفي كت''اب‬
‫العمدة الذي يحمل عنوان "تحليل الخطاب" ‪ Discoure Analyses‬والذي يمثل التحليل اللساني للخطاب‬
‫يشير المؤلفان اللذان اش''تركا في تأليف'ه وذل''ك في الكت''اب الى مص'طلح تحلي'ل الخط'اب وكي'ف' أن'ه ص'ار‬
‫يستخدم' بعدد كبير من المعاني التي تنسحب على ألوان كثيرة من النشاط‪ 76.‬فتحليل الخطاب قائم على اللغ''ة‬
‫التواصل والخطاب في رأينا يقوم على ثالثة مراحل المرحلة األولى السياق الذي يجري فيه التواصل بك''ل‬
‫أبعاده المؤثرة ثم تحديد العالقة بين السياق والعالمة المستعملة ليتم اختيار االستراتيجية الخطابي''ة المالئم''ة‬
‫والمرحلة األخيرة أال وهي التلفظ بالخطاب‪.‬‬

‫‪ 73‬أبحاث في علم اللغة النصي وتحليل الخطاب الدكتور جاسم علي جاسم ص‪.182‬‬
‫‪ 74‬نفس المرجع‪.‬‬
‫‪ 75‬مباحث تأسيسية في اللسانيات عبد السالم المسدي مؤسسات عبد الكريم بن عبد هللا للنشر والتوزيع تونس‪ ،‬ب ط‪.‬‬
‫‪ 76‬مقدمة في نظريات الخطاب ديان مكدونيل دط‪ ،‬دت ص‪.22‬‬

‫‪25‬‬
‫الفصل التطبيقي‬

‫‪26‬‬
‫الفصل التطبيقي‬

‫الفصل التطبيقي‬

‫‪ -1‬نبذة عن حياة الرسول صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬

‫ولد سيد المرسلين صلى هللا عليه وسلم بب''ني هاش''م بمك''ة في ص''بيحة ي''وم االث''نين التاس''ع من ش''هر ربي''ع‬
‫األول عام من حادثة الفيل وألربعين سنة خلت من ملك كسرى أنو شروان ويوافق' ذلك العشرين أو الث''اني‬
‫والعشرين من شهر أبريل سنة ‪ 571‬حسبما حققه الع'الم الكب''ير محم'د س'ليمان المنص'ور' ف'وري والمحق''ق‬
‫الفلكي محمود باشا‪ 77‬أرضعته والدته الطيبة أمنة بنت وهب ثم أول من أرضعته من المراض''ع –بع''د أم''ه‪-‬‬
‫ثويبة موالة أبي لهب وكانت قد أرضعته قبله حمزة بن عبد المطلب‪ ،‬وأرضعته بعده أب''ا س''لمة بن عب''د هللا‬
‫األسد المخزومي'‪ .78‬كان اسمه محمد أول من سُمي بهذا االسم فلم يكن معروفا' عند الع''رب في ذل''ك ال''وقت‬
‫وكان قد اختاره له جده عبد المطلب‪ 79‬وعندما بلغ الرسول ثماني سنوات وشهرين وعش''رة أي''ام من عم''ره‬
‫توفي' جده عبد المطلب بمكة وتكفل به عمه أبو طالب من بعده ولما أصبح الرسول في االثن''تي عش''ر س''نة‬
‫أصبح تاجر في الشام حيث لم يكن لديه عمل في أول ش'بابه اال الرواي'ات ت'روي أن'ه ك'ان ي'رعى الغنم في‬
‫بني سعد وفي مكة وفي الخامس والعشرين من عمره خرج تاجرا الى الشام في م''ال خديج''ة وال''تي ك''انت‬
‫أول زوجة له عليه الصالة والسالم وكان له أوالد منها –منهم‪ :‬القاس''م‪ -‬وب''ه ك''ان يك''نى‪ -‬ثم زينب ورقي''ة‪،‬‬
‫وأم كلثوم وفاطمة وعبد هللا‪ 80‬وقد' جمع عدد أزواج''ه علي''ه الص''الة والس''الم في خمس''ة عش''ر زوج''ة منهم‬
‫عائشة رضي هللا عنه''ا وحفص''ة وس''ودة وص''فية وغ''يرهم رض''وان هللا عليهن‪ 81‬ولم''ا أكم''ل األربعين من‬
‫السنة بدأت آثار النبوة تلوح له كحبه لالختالء بنفسه والعزلة في غار يدعى غار حراء بمكة المكرم''ة فلق''د‬
‫لقي الرس''ول' الكث''ير من المص''اعب والمتعب في نش''ره له''ذه ال''دعوة اإلس''المية فه''اجر الى الط''ائف' والى‬
‫المدينة المنورة وغيرها ولتنتهي' حياة رس''ولنا األك''رم محم''د ص''لى هللا علي''ه وس''لم ه''ذا عن س''يرة أحس''ن‬
‫الخلق محمد صلى هللا عليه وسلم باختصار' وكل هذا ال يعبر عن مدى عظم شأنه عليه الصالة والسالم' ولم‬
‫أسرد حياته كاملة مع اإلشارة الى أنه قبل وفاته ألقى خطبته الشهيرة (حجة ال''وداع) ال''تي ك''ان ي''ودع فيه''ا‬
‫جميع المسلمين ويثبتهم' على الدين اإلسالمي‪.‬‬

‫‪ -2‬تعريف الخطب ة‪" :‬هي كالم منث''ور' يمت''از بوق''دة العاطف''ة ورجاح''ة الفك''ر‪ ،‬وس''مو المع''اني وحس''ن‬
‫السًبك‪ ،‬وروعة البيان وصدق' اللهج'ة‪ ،‬وجم'ال النط'ق وعم'ق الت'أثير وق'وة الحاج'ة يتوج'ه ب'ه المتكلم الى‬
‫‪82‬‬
‫الجمهور' والمستمع له قاصدا إقناعه بقولة واستمالته اليه"‬

‫‪ 77‬صفي الرحمان المبار كفوي الرحيق المختوم دط لبنان‪ -‬بيروت ص‪.37‬‬


‫‪ 78‬صفي الرحمان المبار كفوي الرحيق المختوم دط لبنان‪ -‬بيروت ص‪.37‬‬
‫‪ 79‬محمد العزالي فقه السيرة دار المعرفة باب الوادي (دط) (دت) ص‪.65‬‬
‫‪ 80‬الرحيق المختوم صفي الرحمان ص‪.61‬‬
‫‪81‬‬

‫‪ 82‬فن الخطابة واعداد الخطيب علي محفوظ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫الفصل التطبيقي‬

‫‪ -3‬األسلوب الخطابي في خطبة الرسول صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬

‫يختلف أسلوب الخطبة وتعبيراتها عن أسلوب الش''عر وطريقت''ه أيض''ا تختل''ف عن أس''لوب الكتاب''ة الفني''ة‬
‫وكتابة المقاالت لهذا كان أسلوب الخطابي سمات خاصة نجملها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬وضوح العبارات وظهور' معانيها بحيث يكون الغ''رض ال''ذي يه''دف الي'ه مفهوم''ا للس''امعين‪ ،‬وله''ذا ال‬
‫يس''تعمل الخطيب كلم''ات لغوي''ة غامض''ة وال تعب''يرات مجازي''ة بعي''دة المع''نى‪ ،‬ويختل''ف موق''ف الخطيب‬
‫باختالف سامعيه فهو حين يخطب يستعمل العبارات البليغة والمجازات' البالغية‪.83‬‬

‫‪-2‬تعتمد الخطبة على الجمل القصيرة وعدم الفصل البعيد بين أجزائها‪.‬‬

‫‪-3‬في مقام''ات التهوي''ل واالث''ارة يحس''ن اس''تعمال ص''يغ االس''تفهام وص''يغ التعجب ألنه''ا ت''ؤدي في ه''ذه‬
‫المقامات ما ال تؤديه الجمل الخبيرة واالستفهام' االبكاري يكاد يكون حجه مسلما بها‪.84‬‬

‫‪-4‬تختلف ألفاظ الخطبة وعباراتها' بحسب المقام الذي يقال فيه أي المناسبة وظ''رف الزم''ان والمك''ان ال''ذي‬
‫قيلت فيه الخطبة‪.‬‬

‫‪-4‬أنواع الخطب‪ :‬يعتمد الباحثون في فن الخطابة وتاريخها' على تقسيم أرسطاليس' باعتب''اره أق''دم ب''احث‬
‫في نظره قسم الخطب الى ثالث'ة أقس'ام‪ ':‬الخطب'ة السياس'ية‪ ،‬والخطب'ة القض'ائية‪ ،‬وخطب التك'ريم والخطب‬
‫الدينية واالجتماعية فتنوعت الخطب وتعددت حسب تطور فن الخطابة وتاريخها'‪.85‬‬

‫‪ -5‬نص خطبة حجة الوداع‪:‬‬

‫يقول رسول هللا في خطبة حجة وداعه ما يأتي‪:‬‬

‫[[الحم ُد هلل نحم ُدهُ َونَ ْست َِعينُه‪ ،‬ونَ ْستَ ْغفِ ُرهُ‪ ،‬ونَتُوبُ إليه‪ ،‬ونَعُو ُ'ذ باهللِ ِم ْن ُش ِ'‬
‫رور أ ْنفُ ِسنا و ِم ْن س 'يّئآ ِ‬
‫ت أ ْع َمالِنَ''ا َمن‬
‫ي لَ'هُ‪ .‬وأش''هد أن ال إل'ه إالّ هللا وحْ' ده ال ش''ريك ل'ه‪ ،‬وأش''هد ّ‬
‫أن‬ ‫ض َّل لَ'هُ‪ ،‬و َم ْن ي َ‬
‫ُض'لِلْ فَالَ هَ''ا ِد َ‬ ‫يَ ْه ِده هللاُ فَال ُم ِ‬
‫محمداً عبدُه ورسولُه‪ .‬أوصي ُكم عبا َد هللا بتقوى هللا‪ ،‬وأَ ُح ُّث ُك ْ'م َعلَى طَا َعتِ ِه وأستفتح بال''ذي ه''و خ''ير‪ .‬أَ َّما بع''د‪،‬‬
‫ّين لَ ُك ْم‪ ،‬فَ''إنّ َي الَ أَ ْد ِري‪ ،‬ل َعل ّي الَ أَ ْلقَ''ا ُك ْم بَ ْع' َد عَ'امي هَ' َذا‪ ،‬في َم''وْ قِفي ه''ذا‪ ،‬أَيُهَ'ا‬ ‫اس' َمعُوا منّي أُب ْ‬ ‫أيّهَ''ا النّ''اس‪ْ ،‬‬
‫أن ت َْلقَوْ ا َربَّ ُك ْم‪َ ،‬كحُر َم ِة يَوْ ِم ُك ْم هَ َذا في َشه ِْر ُك ْم هَ'' َذا‬ ‫إن ِد َما َء ُك ْم َوأ ْم َوالَ ُك ْم َوأَ ْع َرا َ‬
‫ض ُك ْ'م َح َرا ٌم عَلي ُك ْم إلى ْ‬ ‫النَّاس‪ّ ،‬‬
‫َت ِع ْن' َدهُ أَ َمان'ةٌ فلي ُؤدِّه'ا' إلى َم ْن ا ْئت َمنَ'هُ َعلَيه''ا َّ‬
‫وان ِربَ''ا‬ ‫اش'هَ ْد‪ ، -‬فَ َم ْن َك''ان ْ‬ ‫ت ْاللَّهُ َّم فً ْ‬
‫في بَلَ ِد ُكم هَ َذا ‪-‬أَاَل هَلْ بَلَّ ْغ ْ‬
‫ان أَ َّو َل ِربَ''ا‬
‫ض'ى هَللا ُ أَنَّهُ اَل ِربَ''ا‪َ ،‬و َّ‬ ‫َتظلِ ُم''ونَ َواَل تُ ْ‬
‫ظلَ ُم''ونَ َوقَ َ‬ ‫ع َولَ ِك ْن لَ ُك ْم ُر ُؤوسُ أَ ْم َوالِ ُك ْم اَل ْ‬ ‫ْال َجا ِهلِيَّ ِة َموْ ضُو ٌ‬
‫وان أَ َّو َل د ٍَم نَ ْب'دَأُ بِ ' ِه َد ُم َع''ا ِم ٍر ْب ِن‬
‫ض 'و َعةٌ‪َّ ،‬‬ ‫أَ ْبدَأُ بِ ِه ِربَا َع ِّمي ْال َعبَّاسْ بْنُ َع ْب ِد ال ُمطَّلِبْ ‪َّ .‬‬
‫وان َد َما َء ال َجا ِهلِيَّ ِة َموْ ُ‬
‫‪ 83‬الخطابة واعداد الخطيب عبد الجليل شلبي ط‪1451 1‬ه‪1981-‬م دار الشروق ص‪.23‬‬
‫‪ 84‬المرجع نفسه ص ‪.24-23‬‬
‫‪ 85‬المرجع نفسه‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫الفصل التطبيقي‬

‫ث ْب ِن َع ْب ِد ال ُمطَّلِ ِ‬
‫ب وكان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل‪ ،‬وان مآثر الجاهلية موضوعة‬ ‫َربِي َعةَ ب ِْن ال َح ِ‬
‫ار ِ‬
‫غير السدانة والسقاية والعمد قو ٌد وشبهٌ العمد ما قتل بالعصا' والحجر وفيه مائة بعير فمن زاد فهو' من أه''ل‬
‫ت ْاللَّهُ َّم فًا ْشهَ ْد‪ -‬أما بعد أيها الناس‪ ،‬ان الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه ولكن''ه‬
‫الجاهلية ‪-‬أَاَل هَلْ بَلَّ ْغ ْ‬
‫قد رض'ي أن يط'اع فيم'ا س'وى ذل'ك مم'ا تحتق'رون من أعم'الكم فاح'ذروه على دينكم أيه'ا الن'اس‪(( ،‬إِنَّ َم'ا‬
‫اطئُوا' ِع َّدةَ َما َح َّر َم هَّللا ُ فَيُ ِحلُّوا'‬ ‫النَّ ِسي ُء ِزيَا َدةٌ فِي ْال ُك ْف ِر ي َ‬
‫ُضلُّ بِ ِه الَّ ِذينَ َكفَرُوا ي ُِحلُّونَهُ عَا ًما َويُ َحرِّ ُمونَهُ عَا ًما لِي َُو ِ‬
‫َما َح َّر َم هَّللا ُ ُزيِّنَ لَهُ ْم سُو ُء أَ ْع َمالِ ِه ْم َوهَّللا ُ ال يَ ْه ِدي ْالقَوْ َم ْال َكافِ ِرينَ ))‪ 86‬وان الزمان قد استدار كهيئته ي''وم خل''ق‬
‫هللا السموات واألرض‪ ،‬منها أربعة حر ٌم ثالثة متواليات وواحد' فرد‪ :‬ذو القعدة وذو' الحجة والمحرم' ورجب‬
‫ت ْاللَّهُ َّم فًا ْشهَ ْد‪ -‬أما بعد أيها الناس‪ ،‬ان لنسائكم' عليكم حق''ا ولكم‬
‫مضر الذي بين جمادى وشعبان ‪-‬أَاَل هَلْ بَلَّ ْغ ْ‬
‫عليهن حق‪ .‬لكم أال يواطئن فرشكم' غيركم‪ ،‬وال يدخلن أحدا تكرهون''ه بي''وتكم' اال ب''إذنكم' وال ي''أتين بفاحش''ة‬
‫فان فعلن فان هللا قد أذن لكم أن تعضوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ض''ربا غ''ير م''برح‪ ،‬ف''ان‬
‫انتهين وأطعنكم' فعليكم' رزقهن وكسوتهن بالمعروف' واستوصوا' بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان ال يملكن‬
‫ألنفسهن شيئا وانكم انما أخذتموهن بأمانة هللا واستحللتم' فروجهن بكلمة هللا فاتقوا هللا في النساء واستوصوا'‬
‫ت ْاللَّهُ َّم فًا ْشهَ ْد‪ 87-‬أيها الناس انما المؤمنون اخوة وال يح''ل الم''رئ م''ال أخي''ه اال عن‬ ‫بهن خيرا ‪-‬أَاَل هَلْ بَلَّ ْغ ْ‬
‫ت ْاللَّهُ َّم فًا ْشهَ ْد‪ -‬فال تًرجع ًُّن بعدي ُكفًّارًا يضرب بعضكم' رق''اب بعض‪ ،‬ف''اني ق''د‬
‫طيب نفس منه ‪-‬أَاَل هَلْ بَلَّ ْغ ْ‬
‫ت ْاللَّهُ َّم فًا ْشهَ ْد‪ -‬أيه''ا الن''اس‪ ،‬ان‬
‫تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا بعده‪ :‬كتاب هللا وسنة نبيه ‪-‬أَاَل هَلْ بَلَّ ْغ ْ‬
‫ربكم واحد‪ ،‬وأباكم واح''د كلكم آلدم وآدم من ت'راب أك'رمكم' عن''د هللا أتق''اكم‪ ،‬وليس لع'ربي على عجمي اال‬
‫ت ْاللَّهُ َّم فًا ْشهَ ْد قالوا‪ :‬نعم‪ -‬قال‪ :‬فليبلغ الشاهد منكم الغ''ائب‪88‬أيه''ا الن''اس‪ ،‬ان هللا ق''د قس''م‬
‫بالتقوى ‪-‬أَاَل هَلْ بَلَّ ْغ ْ‬
‫ث‪ ،‬والول''د‬‫لك''ل وارث نص''يبه من الم''يراث وال يج''وز ل''وارث وص''ية‪ ،‬وال يج''وز وص'يّ ٍة في أك''ثر من ثُل ٍ‬
‫للفراش وللع'اه ُ'ر ال ِحجْ' َر من ا ّدعَى الى غ'ير أبي'ه أو ت'ولى غ'ير موالي'ه فعلي'ه لعن'ة هللا والمالئك'ة والن'اس‬
‫أجمعين ال يقبل منه صرف وال عدل وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ ق''الوا‪ :‬نش''هد أن''ك ق''د بلغت وأديت‬
‫ونصحت‪ ،‬فقال بأصبعه السبابة يرفعها الى الس''ماء ويقلّبه''ا على الن''اس‪ :‬اللّهم فاش''هد‪ ،‬اللهم اش''هد والس''الم‬
‫عليكم ورحمة هللا]]‪.‬‬

‫‪ -6‬المناسبة والظروف‪ :‬هذه الخطبة ألقاها الرسول' صلى هللا عليه وسلم في يوم عرفة المواف''ق للتاس''ع‬
‫"اليَ''وْ َم أَ ْك َم ْل ُ‬
‫ت لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم‬ ‫من ذي الحجة من السنة العاشرة فوق جبل الرحمة وقد نزل فيه الوحي مبشرا أنه‪ْ :‬‬
‫يت لَ ُك ُم اإْل ِ ْساَل َم ِدينًا" [المائدة‪ 89 ']03‬وهي آخ'ر خطب'ة ألقاه'ا الرس'ول ص'لى هللا‬ ‫َوأَ ْت َم ْم ُ‬
‫ت َعلَ ْي ُك ْم نِ ْع َمتِي َو َر ِ‬
‫ض ُ'‬
‫‪90‬‬
‫عليه وسلم ويمكن اعتبارها أكبر تجمع يحضره المسلمون في ذلك الوقت (نح''و ‪ 125‬ألف''ا من الص''حابة)‬
‫‪86‬‬
‫فن الخطابة واعداد الخطيب عبد الجليل عبده شلبي ص‪ 180‬ط‪ 1‬دار الشروق‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫‪88‬‬

‫‪ 89‬مدونة الدروس الباكالوريا بالمادة العلوم اإلسالمية‪.‬‬


‫‪ 90‬المائدة اآلية ‪03‬‬

‫‪29‬‬
‫الفصل التطبيقي‬

‫وفي' آخ''ر حج''ة ش''هدها الن''بي علي''ه الص''الة والس''الم من جب''ل الرحم''ة حي حض''رها مائ''ة أل''ف وأربع''ة‬
‫‪91‬‬
‫وأربعون ألفا من الناس وقد نزل فيه الوحي مبشرا اياه‬

‫‪-7‬تحليل نص خطبة الوداع‪ :‬يالحظ من خالل هذه الخطبة األمور اآلتية‪:‬‬

‫‪ ]1‬بدأت الخطبة باالستفتاح والثناء والحمد هلل واالقرار بألوهيته في قول'ه ص لى هللا علي ه وس لم في ه ذه‬
‫الخطبة‪(( :‬الحم ُد هّلل نحمده ونستعينه ونستغفره ‪ ...‬وأشه ُد أنَّ ال االه اال هللا وحده ال شريك له))‪.92‬‬

‫‪ ]2‬تضمنت الخطبة اإلشارة على أنها خطبة ال وداع في قول ه ص لى هللا علي ه وس لم (لعلّي ال ألق اكم بع د‬
‫عامي هذا))‪.93‬‬

‫‪ ]3‬تضمنت الخطبة أيضا بلوغ الرسول صلى هللا عليه وس لم األمان ة والنص ح ألمت ه في قول ه ص لى هللا‬
‫عليه وسلم ((اللَّ ُه َّم َبلَّغت ‪ ...‬اللَّ ُه َّم فا ْش َه ْد))‪.94‬‬

‫‪ ]4‬تضمنت العادات الجاهلية القبيح ة في ح ديث الخطب ة قول ه ص لى هللا علي ه وس لم ((انَّ رب ا الجاهلي ة‬
‫موضوعة ‪ ...‬ان مآثر الجاهلية موضوعة))‪.‬‬

‫‪ ]5‬التأكيد على حرمة الدماء في قوله‪(( :‬انَّ دمائكم حرا ٌم عليك ْم كحُرمة يومكم هذا‪ ،‬في بلدكم هذا)) ‪.‬‬

‫‪ ]6‬تضمنت الخطبة النصح واإلرشاد وطلب الرحمة بهذه األم ة في قول ه ((ان الش'يطان ق''د يئس أن يعب''د‬
‫في أرضكم' ‪ ...‬فاحذروه على دينكم ‪ ...‬وال ترجع َُّن بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض))‪.‬‬

‫ّ‬
‫((ان لنسائكم عليكم حقا ‪ ...‬واستوصوا' بهن خيرا‪.‬‬ ‫‪ ]7‬بين الرسول حقوق النساء وواجباتهن في قوله‪:‬‬

‫‪ ]8‬نادى الرسول بحرمة النسئ وقال بأن الزمان كهيئة سيد وكأنه ي''وم واح''د في قول''ه ((أرب''ة ح' ُر ٌم ثالث''ة‬
‫متواليات وواحد' فر ٌد ذو القعدة وذو' الحجة والمحرم' ورجب مضر الذي بين جمادى' وشعبان))‪.‬‬

‫‪ ]9‬أوصى بسنة وكتاب هللا في قوله ((كتاب هللا وسنَّة نبيه))‪.‬‬

‫‪ ]10‬ختم خطبته صلى هللا عليه وسلم عبارة عن مجموع'ة من النص'ائح ح'ول الم'يراث في قول'ه‪(( :‬ان هللا‬
‫قسم لكل وارث ‪ ...‬ال يقبل منه عدل وال صرف))‪.‬‬

‫‪ ]11‬وفي ختام الخطبة شهد له الناس على تبليغ رسالة الدعوة اإلس''المية ثم ألقى عليهم س''الم هللا ورحمت''ه‬
‫وانتهت بهذا الخطبة‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫أبو بكر جابر الجزائري هذا الحبيب محمد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ص‪.303‬‬
‫‪92‬‬
‫‪93‬‬

‫‪94‬‬

‫‪30‬‬
‫الفصل التطبيقي‬

‫‪ -8‬األحكام والتوصيات في نص الخطبة‪:‬‬

‫يمكن تلخيص الخطبة في مجموعة من االرشادات والتوجيهات من الرسول صلى هللا عليه وس''لم الى كاف''ة‬
‫الناس يوم وداعه لهم كاآلتي‪:‬‬

‫‪-1‬الوصية بتقوى هللا تعالى ودعوة المؤمنين الى اإلسالم‪.‬‬

‫‪-2‬حرمة الدماء واألعراض واالقرار' بالعدالة والمساواة‪.‬‬

‫‪-3‬التحذير من طاعة الشيطان "ان الشيطان قد يئس ‪ ...‬أن يعبد في أرضكم هذه فاحذروه على دينكم"‪'.‬‬

‫‪-4‬الوصية بالنساء خيرا "واستوصوا' بالنساء خيرا ‪ ...‬فإنهن عندكم عوان ال يملكن ألنفسهن شيئا"‪.‬‬

‫‪-5‬التأكيد على مبدأ األخوة بين المؤمنين "انما المؤمنون اخوة وال يحل المرئ مال أخيه اال عن طيب نفس‬
‫منه"‪.‬‬

‫‪-6‬التمسك بكتاب هللا وسنة نبيه في قوله‪" :‬فاني قد تركت فيكم م''ا ان أخ''ذتم ب''ه لن تض''لوا بع''ده‪ :‬كت''اب هللا‬
‫وسنة نبيه"‪.‬‬

‫‪-7‬التركيز على مبدأ المساواة اإلنسانية ّ‬


‫"ان ربكم واحد‪ ،‬وأباكم' واحد كلكم آلدم وآدم من تراب أكرمكم' عند‬
‫هللا أتقاكم"‪.‬‬

‫‪-8‬بيان حق الميراث والنيب والتحذير من التبني "ان هللا قد قسم لكل وارث نصيبه من الم''يراث وال يج''وز‬
‫لوارث وصية في أكثر من ثلث والولد للفراش"‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫الفصل التطبيقي‬

‫‪-9‬مضمون الخطبة‪ :‬هذه الخطبة من الخطب الجامعة ألنها احت'وت على تع'اليم كث'يرة هام'ة وهي آخ'ر‬
‫خطبة جامعة لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم' وتبدو' صرامتها' في أنه صلى هللا عليه وسلم' طبقها على ذويه‬
‫قبل أن يطبقها على اآلخرين‪ ،‬فبدأ بوضع ربا العباس عمه‪ ،‬وقد أضاع بهذا العباس م''ال كث''ير ولكن حس''به‬
‫أن كان له رأس ماله‪ ،‬كما وضع دم ابن عمه ربيعة بن الحرث –والحرث أكثر أبناء عبد المطلب‪ -‬وكان له‬
‫بالء مشهود' يوم بدر وكانت الطريقة الجارية أن يؤخذ بثأره ممن قتله‪ ،‬لكن اإلسالم يجب ما قبله لهذا ت''رك‬
‫رس''ول هللا ه'ذا الث'أر‪ 95‬وق'د' آخى رس''ول هللا بين المس'لمين وجع'ل دم'ائهم' متكافئ'ة ونبههم في ه''ذا الى أن‬
‫أصلهم واحد وهو آدم وانما يتفاضلون بالتقوى ال باألجناس فاهلل جعلهم ش''عوبا وقبائ''ل ليتع''ارفوا ولم تغف''ل‬
‫‪96‬‬
‫الخطبة شأن المرأة وما لها من حقوق وما عليها من واجبات‬

‫*في الخطبة مقدمة ليست هي مجرد الحمد واالستشهاد' ولكنها الوصية بالتقوى والعمل الصالح‪ ،‬فه''ذا أم''ر‬
‫بشيء جامع عام‪ ،‬وكل ما بينته الخطبة بعد ذلك فهو' من التقوى والعمل الصالح‪ ،‬ثم كان موض''وع الخطب''ة‬
‫هو التعاليم التي ألقيت ولم يحتج أكثرها الى دليل وبرهان‪ ،‬ألنها تعاليم النبي المعص''وم' ال''ذي ال ينط''ق عن‬
‫الهوى ولكن بعضها ذكر له تعليل عابر لبيان توجيهه ولماذا كان على هذا النحو‪ 97‬والخطب''ة ليس''ت طويل''ة‬
‫وليست أيضا قصيرة إزاء م''ا ج''اء به''ا من تع''اليم ش''رعية وق''د اختلفت روايته'ا' في كتب الت''اريخ والس''ير'‬
‫ولكنها على أطول رواية جاءت بها ليست ذات طول‪ ،‬وانما هي ذات توسط وأدنى الى القصر وهي نموذج‬
‫من البالغة النبوية ونموذج من اإلصالح االجتم''اعي الش''امل ونم''وذج من اص''الح اإلس''الم‪ ،‬ألنه''ا تعكس‬
‫‪98‬‬
‫بوضوح' جوانب من العادات العربية السيئة التي كانت شائعة قبل االسالم‬

‫‪-10‬الخصائص الفنية لخطبة الرسول صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬

‫‪-1‬تبدأ خطبة الرسول صلى هللا عليه وسلم بالتحميد والثناء على هللا تعالى‪.‬‬

‫‪-2‬التأثر بأسلوب االقناع والتأثر بأس''لوب الق''رآن الك''ريم من حيث الحج''ة واالقن''اع' والت''أثير في الس''امعين‬
‫لدفعهم' الى االيمان والتصديق‬

‫‪-3‬االقتباس من القرآن الكريم باللفظ والمعنى‪.‬‬

‫‪-4‬كانت األلفاظ سهلة وأسلوبها' متين وقوي مع تجنب السجع وايراد' الحكم‪.‬‬

‫‪-5‬اش''تمالها' على التع''اليم الديني''ة والنص''ائح القومي''ة ووض''عها األس''س القويم''ة لبن''اء المجتم''ع اإلس''المي‬
‫الحديث‪.‬‬

‫‪ 95‬الخطابة واعداد الخطيب عبد الجليل عبده شلبي ص‪.183‬‬


‫‪ 96‬المرجع نفسه ص‪.183-182‬‬
‫‪ 97‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪98‬‬

‫‪32‬‬
‫الفصل التطبيقي‬

‫‪ -6‬يوجد توازن وتقابل بين الجمل والعبارات' لجذب االنتباه وتعميق' التأثير وسرعة االستجابة‪.‬‬

‫‪ )1‬االلفاظ والمعاني‪:‬‬

‫أبرز ما يميز خطبة الرسول ومعانيها هو السهولة والوضوح وذلك الن الخطبة موجهة لعامة الناس جميعا‬
‫لذلك كان من ص''ميم' الحكم''ة والتوفي'ق' االلهي ان ت''أتي ألفاظ''ه علي''ه الس''الم على ه''ذا النح''و من الس''هولة‬
‫والوضوح وقوة االلفاظ بعيدة عن التكلف أو التصنع أو المبالغات االدبية وقد جاءت ألفاظ''ه ومعاني''ه علي''ه‬
‫السالم متأثرة بالقرآن الكريم' ولذلك فقد اكتسبت سحرا وتأثيرا في نف''وس الس''امعين األم''ر ال''ذي دفعهم' إلى‬
‫اإلسراع في إبالغ وصاياه عليه السالم‪.‬‬

‫‪)2‬العاطفة‪ :‬ترتكز' خطبة الوداع على مجموع''ة من التنظيم''ات والتعليم''ات ال''تي راد الرس''ول' ص''لى هللا‬
‫عليه وسلم أن يبلغها المسلمين قبل رحيله حرص''ا من'ه علي'ه الس''الم على وح''دة المجتم''ع المس''لم ول'ذلك لم‬
‫تظهر في النص إال عاطفة الحرص من جانب الرسول الكريم على األمة اإلسالمية ‪.‬‬

‫‪ )3‬األسلوب‪ :‬اعتمد الرسول' صلى هللا عليه وسلم أسلوبا عقليا قائما على إيراد الحق''ائق ومخاطب''ة العق''ل‬
‫كي يميز بين الحق والباطل‪ .‬كما اعتمد الرسول صلى هللا عليه وسلم أسلوبا' مؤثرا ليشد انتباه السامعين إلى‬
‫أقواله‪ .‬كما أن اسلوبه علي''ه الس''الم متين''ا حيث اعتم''د الجم''ل الفعلي''ة أك''ثر من غيره''ا ليكس''ب النص ق''وة‬
‫‪99‬‬
‫وتأثيرا'‪.‬‬

‫وان أول خصوصية في هذا النص تلك الرابطة الوثيقة بين معاني هذه الخطبة وتدرجها' في أس''لوب األم''ر‬
‫والنهي‪ ،‬والتحذير‪ ،‬وترتيب' النتائج وحسن الربط بين الب''دء والخت''ام بم''ا ال مزي''د علي''ه والبن''اء في ت''ركيب‬
‫الجمل ضمن األلفاظ المفردة تراه يشع بالرونق' والطالوة من غ''ير تكل''ف في تخ''ير األلف''اظ وانتقائه''ا‪ ،‬الن‬
‫المعنى هو الذي يطلب اللفظ فال تكلف وال ص''نعة إنم''ا هي عب''ارات جزل''ة فخم''ة في موض'ع' التفخيم لين''ة‬
‫سهلة في موضع اللين والسهولة تطاوع كل لفظة أختها في أداء المعنى وإقراره‪.100‬‬

‫وفي' ثنايا هذه الخطبة الشريفة عدد من المق'ابالت العجيب'ة ال'تي تحق'ق من خالله'ا م'ا س'اعد على وض'وح‬
‫الفكرة ‪،‬ألن استعمال الكلمات المتقابلة المتضادة مما يزي''د في البي''ان ويوض''ح خواص''ه على أن يخل''و ه''ذا‬
‫اللون من األسلوب مما يفضي به إلى الغلو حتى يعود صفة بديعية تفسد األسلوب‪ 101‬ونالحظ' تدرج الخطبة‬
‫في ع''رض موض''وعاتها' مبت''دأة من أدنى الحق''وق اإلنس''انية‪ ،‬القيم الخلقي''ة إلى أعاله''ا فحين تتح''دث عن‬
‫نصيب اإلرث تنتقل إلى الحديث عن حق النسب من قوله ص''لى هللا علي''ه وس''لم ( أيه''ا الن''اس‪ :‬ان هللا قس''م‬

‫‪ 99‬كلية العلوم للتربية والعلوم اإلنسانية جامعة بابل أستاذ فاضل كاظم العبيدي‬
‫‪ 100‬من بدائع األدب اإلسالمي دراسة نقدية لنصوص الخطابة و القصة والشعر محمد بن سعد الدبل‪ .‬ط‪ 2‬حقوق الطبع محفوظة للمؤلف ‪1431‬م‬
‫_‪2010‬م ص‪84‬‬
‫‪ 101‬المرجع نفسه‬

‫‪33‬‬
‫الفصل التطبيقي‬

‫لكل وارث نصيبه من الميراث وال يج'وز ل''وارث وص'ية في أك'ثر من الثلث) ثم يق'ول عن حق'وق النس''ب‬
‫(والولد للفراش وللعاهر' الحجر) فهنا عدل في حق اجتماعي وآخر قضائي و هذا منتهى الس''مو في م''دارج‬
‫البالغة العربية الذي يشف عن'ه إله'ام النب'وة و الق'درة على التص'رف' في فن'ون الق'ول "إذ لم يكن اإلس'الم‬
‫الذي يدعو إليه محمد ويوطد' دعائمه دين جمود' فيقف عند المطالب األخروية شأن ما سبقه من األدي''ان ب''ل‬
‫جاوزه إلى تحقيق المصالح الدنيوي''ة فك''ان الب''د للش''ارع الحكيم من أن يتع''رض لك''ل م''ا ب''ه تص''لح أم''ور'‬
‫البشرية في العقيدة و التشريع و المعامالت ‪ ،‬الحكم و السياسة و االجتماع و االخالق و الفكر‪ 102‬إلى ما هو‬
‫أدق وأخط''ر كمب''دأ الص''لة والتق''ارب و التح''اب بين األف''راد و الجماع''ات س''واء أك''ان ه''ؤالء األف''راد‬
‫والجماع''ات من ذوي الق'ربى أو من غ'يرهم و ذل''ك لخط''ورة ه'ذه القيم و ص'لتها الوثيق''ة بحماي'ة الف''رد و‬
‫المجتمع فنرى تلك الخطبة قد تنقلت بواسطة هذه الموضوعات' من معلم إلى معلم و من غرض إلى غرض‬
‫وكل فكرة تحملها ذات طابع فني جميل‪.103‬‬

‫مواضع الترابط واالتساق في مقدمة الخطبة‪:‬‬

‫فقد أتى في مطلع خطبته (بمقدمة مثيرة لالنتباه الى م'ا بع'دها ثم انتهى منه''ا الى قول'ه (أيه''ا الن''اس) وأخ'ذ‬
‫يبين معالم الدين وحدوده ويحض سامعيه في أمر دينهم ودنياهم' اذ يقول‪ :‬ان لنسائكم عليكم حقا ولكم عليهن‬
‫حقا) وفي هذا انتقال من الكالم عن األمور العامة الى الكالم عن الشؤون الخاصة ومن المس''ائل الجماعي''ة‬
‫الى المس''ائل الشخص''ية وبه''ذا وذاك يع''د المجتم''ع وتتهي 'أ' أس''باب الحي''اة الص''الحة للن''اس كافة‪ 104‬وتل''ك‬
‫الموضوعات' المندرجة في ثنايا تلك الخطبة ذات معان شريفة سامية‪ ،‬تأخذ بلباب السامع والقارئ ألنها من‬
‫الهام النبوة ونتاج الحكمة وغاية للعقل‪ ،‬فلننظر الى خصائص األسلوب الذي أديت ب''ه تل''ك المع''اني وأمعن‬
‫في النظر في التركيب مراعيا الختام الموسيقي للصوت "يلتزمه صلى هللا عليه وس''لم أخ''ر ك''ل مقط''ع من‬
‫مقاطع هذه الخطبة" تلك العبارات الجميلة‪ ،‬ذات اإليقاع الصوتي' العذب والنغم الممتد "أال هل بلغت" اللهم‬
‫اشهد انها الفطرة السليمة‪ ،‬وال''ذوق' الرفي''ع يه''ديان عف''وا الى تقص''ر دون''ه بالغ''ة البلغ''اء من ك''ل ص''احب‬
‫صنعة‪ ،‬وفن مجلوب بل هذه الالزمة التي رددها صلى هللا عليه وسلم عبر هذه الخطبة وهي الزمة عظيمة‬
‫الداللة في مقامها ومعناها ألنها لخصت حياة كاملة في ألفاظ معدودات فما كانت حياة النبي صلى هللا علي''ه‬
‫وسلم كلها بعملها وقولها' وحركتها وسكونها اال حياة تبليغ وبالغ وما كان له''ا من فاص''لة وخاتم''ة أبل''غ من‬
‫قوله صلى هللا عليه وسلم أال ه''ل بلغت اللهم اش''هد ومن أروع ك''ذلك الخص''ائص في ه''ذه الخطب''ة اكتم''ال‬
‫الوحدة الموضوعية فعلى الرغم من تن''اول ع''دد من الموض''وعات في ه''ذا النص فإنن''ا نالح''ظ بن''اءه على‬
‫الترغيب والترهيب‪ ،‬والوعد والوعيد والتزهيد' في الدنيا والغض من قيمتها‪ ،‬والتحبيب في اآلخ''رة والعم''ل‬

‫‪ 102‬نفس المرجع‬
‫‪103‬‬
‫‪104‬‬
‫من بدائع االدب اإلسالمي دراسة نقدية لنصوص الخطابة محمد بن سعد ط‪ 2‬ص‪.91‬‬

‫‪34‬‬
‫الفصل التطبيقي‬

‫لها فكأنما هذا النص قد نظم في خيط واحد ال اختالل في عقده وال عيب يلحق مبناه ومعناه وخالصة القول‬
‫أن أسلوب هذه الخطبة‪ ،‬وأسلوب غيرها من الكالم النبوي ال يملك أي ناظر اال أن يقول في''ه‪(( :‬ان الجم''ال‬
‫الفني في بالغة محمد صلى هللا عليه وسلم أثر على الكالم من روحه النبوية الجدي''دة على ال''دنيا وتاريخه''ا‬
‫فكالمه صلى هللا عليه وسلم يجري مجرى عمل''ه كل''ه دين وتق''وى وتعليم وكل''ه روحاني''ة وق''وة وحي''اة في''ه‬
‫روح الشريعة ونظامها وعزيمتها' في نسق هادئ هدوء اليقين من روح مسلم مصلح رحيم))‪.‬‬

‫من أجل التعرف على خطبة الوداع للنبي عليه الصالة والسالم' كان البد من دراسة كل ركن منها على حدا‬
‫أال وهي‪ :‬مقدمة‪ ،‬عرض‪ ،‬خاتمة على النحو اآلتي‪ :‬فالمقدمة في الخطب''ة ك''المطلع من القص''يدة وكاالفتت''اح‬
‫في الموسيقى كل منها يمهد لما بعده‪ ،‬ويعد السامعين الى االصغاء‪ 105‬والمقدمة أول ما يط''رق األس''ماع من‬
‫الخطبة‪ ،‬فان كانت جيدة أصغى لها السامعون وتأهبوا' لما بعدها وتفتحت نفوسهم' للخطيب واال كانت ن''ذيرا‬
‫بفشله وتفاهة أثره وكثيرا' ما تتخذ المقدمة وسيلة ألن يسود الصمت بعد هرج حدث اثر خطبة أو من ج'راء‬
‫مناقشة في موضوع' الخطبة قبل سماع الرأي فيها أو اضطراب لسبب من األسباب‪ 106‬والجدول' اآلتي ي''بين‬
‫مدى اتساق وانسجام' الخاص بالجزء األول من الخطبة وهو "المقدمة" والتي تبدأ في هذه الخطبة ال''تي بين‬
‫أيدينا من قول الرسول صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬

‫[[الحم ُد هلل نحم ُدهُ َونَ ْستَ ِعينُه‪ ،‬ونَ ْستَ ْغفِ ُرهُ‪ ،‬ونَتُوبُ إليه‪ ،‬ونَعُو ُذ باهللِ ِم ْن ُش ِ‬
‫رور أ ْنفُ ِسنا و ِم ْن س 'يّئآ ِ‬
‫ت أ ْع َمالِنَ''ا َمن‬
‫ي لَ'هُ‪ .‬وأش''هد أن ال إل'ه إالّ هللا وحْ' ده ال ش''ريك ل'ه‪ ،‬وأش''هد ّ‬
‫أن‬ ‫ض َّل لَ'هُ‪ ،‬و َم ْن ي َ‬
‫ُض'لِلْ فَالَ هَ''ا ِد َ‬ ‫يَ ْه ِده هللاُ فَال ُم ِ‬
‫‪107‬‬
‫محمداً عبدُه ورسولُه‪ .‬أوصي ُكم عبا َد هللا بتقوى هللا‪ ،‬وأحثّكم' على طاعته وأستفتح بالذي هو خير]]‬

‫نوع االتساق والترابط‬ ‫نوعه‬ ‫ضمائر النص‬ ‫عناصر االتساق‬


‫داخلية‬ ‫ضمير' متصل‬ ‫الهاء‬ ‫‪-‬نحمده‬
‫خارجية‬ ‫ضمير' مستتر‬ ‫نحن‬ ‫‪-‬نستعين‬
‫داخلية‬ ‫ضمير' متصل‬ ‫الهاء‬ ‫نستعينه‬
‫خارجية‬ ‫ضمير' مستتر‬ ‫نحن‬ ‫نستغفر‬
‫داخلية‬ ‫ضمير' متصل‬ ‫الهاء‬ ‫نستغفره‬
‫خارجية‬ ‫ضمير' مستتر‬ ‫نحن‬ ‫نتوب‬
‫داخلية‬ ‫ضمير' متصل‬ ‫الهاء‬ ‫اليه‬
‫خارجية‬ ‫ضمير' مستتر‬ ‫نحن‬ ‫نعوذ‬
‫خارجية‬ ‫ضمير' متصل‬ ‫النون‬ ‫أنفسنا‬

‫‪ 105‬أحمد محمد الحوفي فن الخطابة واعداد الخطيب ص‪.117‬‬


‫‪ 106‬المرجع نفسه ص‪.117‬‬
‫‪107‬‬

‫‪35‬‬
‫الفصل التطبيقي‬

‫خارجية‬ ‫ضمير' متصل‬ ‫النون‬ ‫أعمالنا‬


‫خارجية‬ ‫ضمير' متصل‬ ‫الهاء‬ ‫يهده‬
‫خارجية‬ ‫ضمير' متصل‬ ‫الهاء‬ ‫له‬
‫خارجية‬ ‫ضمير' متصل محذوف' وجوبا‬ ‫الهاء‬ ‫يضلل‬
‫خارجية‬ ‫ضمير' متصل‬ ‫الهاء‬ ‫له‬
‫خارجية‬ ‫ضمير' مستتر‬ ‫أنا‬ ‫أشهد‬
‫داخلية‬ ‫ضمير' متصل‬ ‫الهاء‬ ‫عبد (ه)‬
‫داخلية‬ ‫ضمير' متصل‬ ‫الهاء‬ ‫رسوله‬
‫داخلية‬ ‫ضمير' مستتر‬ ‫أنا‬ ‫أوصي'‬
‫داخلية‬ ‫ضمير' متصل‬ ‫كم‬ ‫أوصيكم'‬
‫خارجية‬ ‫ضمير' مستتر‬ ‫أنا‬ ‫أحث‬
‫داخلية‬ ‫ضمير' متصل‬ ‫كم‬ ‫أحثكم‬
‫داخلية‬ ‫ضمير' متصل‬ ‫الهاء‬ ‫طاعته‬
‫خارجية‬ ‫ضمير' مستتر‬ ‫أنا‬ ‫استفتح‬
‫داخلية‬ ‫اسم موصول'‬ ‫الذي‬ ‫الذي‬
‫داخلية‬ ‫ضمير' منفصل‬ ‫هو‬ ‫هو‬
‫خارجية‬ ‫اسم مقارنة‬ ‫خير‬ ‫خير‬
‫خارجية‬ ‫ضمير' مستتر‬ ‫أنا‬ ‫أشهد‬
‫الجدول رقم (‪)01‬‬

‫ومن الجدول السابق نستخلص الى جدول آخر كاآلتي‪:‬‬

‫عدد تكرارها'‬ ‫ضمائر' النص‬ ‫عدد تكرارها‬ ‫نوع االتساق‬


‫‪ 13‬مرة‬ ‫الهاء‬ ‫‪ 16‬مرة‬ ‫الضمائر' المتصلة‬
‫‪ 4‬مرات‬ ‫نحن‬
‫مرتين‬ ‫النون‬
‫‪ 6‬مرات‬ ‫أنا‬

‫مرة واحدة‬ ‫كم‬ ‫‪ 10‬مرات‬ ‫الضمائر' المنفصلة‬


‫مرة واحدة‬ ‫هو‬
‫الذي‬

‫‪36‬‬
‫الفصل التطبيقي‬

‫مرة واحدة‬ ‫خير‬


‫مرة واحدة‬
‫مرة واحدة‬ ‫الضمائر' الموصولة‬
‫مرة واحدة‬ ‫الضمائر' المقارنة‬
‫الجدول رقم (‪)2‬‬

‫التعليق‪ :‬وبالتالي فبعد االنتهاء من عملي''ة اإلحص''اء يتض''ح لن''ا أن مقدم''ة ه''ذه الخطب''ة ق''د اش''تملت على‬
‫حوالي ‪ 28‬ضمير' متسق منه أربعة عشر منها داخلية (‪ )14‬وستة عشر أخرى خارجية فيتضح لنا من ذلك‬
‫ما ي'أتي من ن'وع االتس'اق خالل الج'دول األول (‪ )01‬نالح'ظ غلب'ة ن'وع االتس'اق الخ'ارجي عن االتس'اق'‬
‫الداخلية لكون هذه الجمل عبارة عن تمهيد للموضوع األساسي' لذلك كانت هناك عناص''ر نص الخطب''ة من‬
‫بينهم شخصية الرسول صلى هللا عليه وسلم لم يعرف بنفسه تعددت الضمائر' وتنوعت في ظل هذا المقط''ع‬
‫القصير المتمثل في المقدمة بارزة ستة عشر (‪ )16‬ضمير' متصل وعشر (‪ )10‬ضمائر' فق''ط مس''تترة مم''ا‬
‫يوحي الى اتصال وترابط وتسلس''ل ألف''اظ وأفك''ار المقدم''ة بعض''ها ببعض وع''دم انفص''الهما عن بعض''هما‬
‫البعض فهذا التعدد يوحي الة تنوع كيفيات الربط بين عناصر المقدمة مم''ا يجعله''ا كفك''رة عام''ة تتمث''ل في‬
‫وصية الرسول للمؤمنين بتقوى هللا والحفاظ على الدين اإلسالمي الحنيف كم''ا تعم''ل الض''مائر أيض''ا على‬
‫شد انتباه السامعين والمتلقي من وراء الجمل يجع''ل من الفك''رة تص''ل الى ذهن الق''ارئ ومثال''ه واض''ح من‬
‫خالل أول جملة فيها والتي يقول فيها (الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب الي''ه)‪ 108‬فه''ذه الض''مائر'‬
‫الواردة في الجملة تصب في معنى واحد مفاده توجيه المؤمنين الى عبادة هللا سبحانه وتعالى' فكل الض''مائر'‬
‫المتصلة تعود الى لفظ الجاللة (هللا) وكل الضمائر المنفصلة العائدة الى لفظ المؤم''نين من أج''ل ذل''ك افتتح‬
‫كالم الرسول صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫والمالحظ' على الجدول الثاني (‪ )02‬أيضا أن الخطبة تدور حول مجموع'ة من الشخص'يات أهمه'ا هللا لف'ظ‬
‫الجاللة لكونها خطبة ديني''ة فق''د تك''ررت ‪ 28‬ض'مير' في النص تقاب''ل ‪ 28‬ن'وع تك''رر في االتس'اق ه''ذا م''ا‬
‫يوضح أن الخطبة جاءت بتوحيد عام'ة المؤم''نين وع''دم تف''رقتهم' اال بعام'ل التق'وى وبالت''الي ه''و العنص''ر‬
‫األساسي' في الخطبة‪.‬‬

‫خالصة‪ :‬تحتوي المقدمة على عدة ضمائر' متنوعة ومتعددة مما يحي''ل الى العناص''ر الداخلي''ة في المقدم''ة‬
‫مقابل الخارجية مما يجعل منها في مقدمة متجانس''ة ومتماس''كة األلف''اظ واألفك''ار' ال''تي ت''دل على التوص''ية‬
‫والتمسك' بعصمة المولى عز وجل‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫أحمد محمد الحوفي فن الخطابة واعداد الخطيب ص‪.125‬‬

‫‪37‬‬
‫الفصل التطبيقي‬

‫‪ /2‬مواضع االتساق في عرض الخطبة (الموضوع)‪:‬‬

‫اذ اس''تغنى الخطيب أحيان''ا عن المقدم''ة أو عن كتاب''ة الخاتم''ة‪ ،‬فليس يس''تطيع أن يس''تغني' عن ع''رض‬
‫الموضوع ألنه الخطبة نفسها أيا كان نوعها‪ 109‬فه''و الج''زء األساس''ي ال''ذي ال يس''تطيع الخطيب االس''تغناء‬
‫عنه أما فيما يخص مواضع االتساق في عرض وموض''وع ه''ذه الخطب''ة فس''يتم' تقس''يمه الى أربع''ة أج''زاء‬
‫حسب ما توفر' فيه من أفكار' فكان الجزء األول قائم على فكرة تحريم الربا في الجاهلية ومآثرها أما الج''زء‬
‫الثاني فيحتوي' على فكرة تحذير' الرسول للمؤمنين من الشيطان وأعماله كما تح''دث عن الش''هور المحرم''ة‬
‫وأيضا' الجزء الثالث من الفكرة بالنساء خيرا ورابع جزء كان متنوع األفكار' منها التمسك بكتاب هللا وسنته‬
‫وبيان أخوة المؤمنين وسنوضح مواضع' البنية في هذه األجزاء من خالل الجدول اآلتي‪:‬‬

‫نوع االتساق‬ ‫نوعه‬ ‫ضمائر' النص‬ ‫عناصر االتساق‬


‫‪109‬‬
‫أحمد محمد الحوفي فن الخطابة واعداد الخطيب ص‪.117‬‬

‫‪38‬‬
‫الفصل التطبيقي‬

‫المقطع من‬
‫اسمعوا‬
‫قوله‬
‫فهو من‬
‫مني ‪...‬‬
‫أهل‬

‫‪ /3‬مواضع االتساق في خاتمة خطبة الرسول صلى هللا عليه وسلم‬

‫الخاتمة في الحقيقة هي آخر م'ا يبقى في آذان الس'امعين وأذه'انهم من الخطب'ة وفي الخاتم'ة يتجلى النج'اح‬
‫الخطيب في لعبه بعواطف من الخطبة وفي' الخاتمة نهاية الخطب''ة نظ''را ألهمي''ة ال''تي تحتويه'ا' من كلم''ات‬
‫تبقى راسخة في األذهان وهي محددة باألسطر' األخيرة في هذه الخطبة كما يأتي [[أيها الن''اس‪ ،‬ان هللا ّ‬
‫قس'م‬
‫لكل وارث نصيبه من الميراث ‪ ...‬اللهم فاشهد‪ '،‬اللهم فاشهد‪ ،‬اللهم اشهد والس''الم عليكم ورحم''ة هللا]] حيث‬
‫كانت هذه الخاتمة عبارة عن مقطع للعرض فخصها' بقض''ية الم''يراث واالبتع''اد' عن الزن''ا ومس''ألة النس''ب‬
‫والتبني' أيضا وغيرها‪.‬‬

‫يبين الرسول‪-‬صلى هللا عليه و سلم‪ -‬في الخطبة أوامر اإلسالم ونواهيه أن دماء المسلمين وأم''والهم' ح''رام‪،‬‬
‫وأن كل من كانت عنده أمانة أن يرده''ا على ص''احبها‪ ،‬وأن على ك''ل مس''لم أن ي''راعي أخ''اه في مال''ه‪ ،‬فال‬
‫يأخذ منه شيئا إال بالحق‪ ،‬ومن ثم حرم الربا وبدأ بعش''يرته وتاجره''ا الموس''ر العب''اس عب''د المطلب فأس''قط‬
‫عن رقاب المدينين له رباه وعلى نحو ما أسقط الربا أسقط دماء الجاهلية فليس المسلم يثأر لقتي''ل ل''ه‪ ،‬وب''دأ‬
‫بعشيرته فأسقط دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ولم يبق من مآثر الجاهلية شيئا سوى خدمة‬
‫الكعبة وسقايا الحجيج وأوجب في قتل العم''د ولكن الدول''ة هي ال''تي تق''وم ب''ه‪ ،‬وب''ذلك قض''ى اإلس''الم على‬
‫حروبهم الداخلية وقد جعل في القتل ش''به العم''د مائ''ة بع''ير ك''ل ذل''ك ليحف''ظ الجماع''ة وح''دتها ويس''ود' بين‬
‫أفرادها' السالم والوئام‪.110‬‬

‫ويحذر' الرسول ‪-‬صلى هللا عليه و س''لم‪ -‬من الش''يطان وغوايات''ه محرم''ا للتالعب باألش''هر' الح''رم واض''عا'‬
‫تقويما قمريا' يتألف من اثني عشر شهرا منها أربعة ح''رم‪ :‬ذو القع''دة وذو' الحج''ة والمح''رم ورجب ويرف''ع‬
‫من شأن المرأة ومعنى' عالقاتها بزوجها' فيجعل لها حقوقا و عليها واجبات وفي الظرفين جميع''ا يحف''ظ له''ا‬
‫كرامتها' كما يحفظ لزوجها نفس الكرام''ة‪ ،‬داعي''ا إلى التع''اطف بينهم''ا وال''تراحم' والتعام''ل برف''ق وإحس''ان‬
‫ويعود' إلى العالقة بين الفرد وجماعته الكبرى من األمة فيقرر أن المؤمنين إخوة لكل منهم على صاحبه ما‬
‫لألخ على أخيه من التآزر والتعاون والتحاب فال بطش وال ظلم وال نهب وال حرب وال سفك لل''دماء‪ .‬وإن''ه‬
‫لعهد‪ ،‬من نقضه عاد كافر آثم قلبه لقد انتهى‬

‫‪110‬‬
‫عبد العاطي محمد شبلي الخطابة اإلسالمية ط‪ 2006 1‬المكتب الجامعي الحديث ص‪.44‬‬

‫‪39‬‬
‫الفصل التطبيقي‬

‫وعلى هذا النحو كان الرسول صلوات هللا عليه يبين في خطابته حدود' الحياة اإلسالمية وما ينبغي أن يأخ''ذ‬
‫به المسلم نفسه في عالقاته الكبرى مع أفراد أمته وعالقاته الصغرى' مع أسرته فإن ترك ذلك ف''إلى وعض‬
‫المسلمين وما ينبغي أن يأخذوا أنفسهم به في سلوكهم حتى تزكو نفوسهم وفي' عب''ادتهم ل''ربهم' وتق''واه ح''تى‬
‫التقوى حتى ال يزيغوا وال ينحرفوا' عن المحجة بل يتدرجون في مراقي' الكمال اإلنس''اني‪ 111‬وه''ذه الخطب''ة‬
‫وسابقتها' تصوران في دق''ة حس''ن منط''ق الرس''ول في خطابت''ه وأن''ه لم يكن يس''تعين فيه''ا بس''جع وال بلف''ظ‬
‫غريب‪ ،‬فقد كان يكره اللونين جميعا من الكالم لما ي'دالن علي'ه من التكل'ف وق'د' ب'رأه هللا من'ه‪ :‬إذ يق'ول في‬
‫"و َما أَنَا ِمنَ ْال ُمتَ َكلِّفِينَ " والذي ال شك فيه أنه كان يبلغ بعفوه وق''وى بعف''وه وق''وى‬
‫كتابه العزيز' قل يا محمد َ‬
‫فطرته ما تنقطع دون رقاب البلغاء وقد وصف الجاحظ في خطابته أدق وص''ف فق''ال إن''ه ج''انب أص''حاب‬
‫التعقيب‪.112‬‬

‫وفي' الختام‪ ،‬وبعد هذا البحث الممتع والشيق' في دراسته "بنية تحليل الخطاب اللساني خطبة الوداع نموذجا‬
‫نصل إلى بحثنا هذا بخاتمة نخلص فيها إلى بعض النتائج ال'تي توص'لنا إليه'ا من خالل ه'ذه الدراس'ة وهي‬
‫كاآلتي‪:‬‬

‫‪ -1‬خطبة الرسول محمد صلي هللا عليه و سلم خطبة قيم''ة في معناه''ا ثقيل''ة في وزنه''ا راقي''ة في جودته''ا‪،‬‬
‫رفيعة في مكانتها فخي خطبة وإن كان معناها كبير فإن ه''دفها خطب''ة الن''بي األك''رم غ''ال فهي من الخطب‬
‫الجامعة ألنها تحتوي على تعاليم كثيرة ومواضيع' هامة خاصة ب'ديننا اإلس'المي فهي آخ'ر خطب'ة للرس'ول‬
‫صلى هللا عليه و سلم‪.‬‬

‫‪ -2‬خطبة الرسول صلي هللا عليه و سلم تعطينا تعاليم واضحة وإرشادات بينة وتهدي إلى مع''الم ودعام''ات‬
‫تق''وم على الحي''اة اإلجتماعي''ة المثالي''ة من أص''ول التراب''ط بين األف''راد' والمجتم''ع بين الق''وي والض''عيف'‬
‫والقصاص اإلسالمي‪.‬‬

‫‪ -3‬تتعرض الخطبة لحل المش'اكل اإلجتماعي'ة ال'تي تح'دث في ك'ل مجتم'ع وكم'ا تنص على اقتالع بعض‬
‫جذور' الفساد مثل إلغاء الربا‪.‬‬

‫‪ -4‬يؤكد الرسول الكريم على وجوب التمس''ك بكت''اب هللا وس''نة رس''وله ألنهم''ا الطري''ق ال''ذي ال يظ''ل من‬
‫تمسك به‪.‬‬

‫‪ -5‬أكد الرسول على الحفاظ على حقوق المرأة ووجوب رعايتها والتزام العالقة بين األفراد والحف''اظ على‬
‫األسرة من االنحراف' والفساد‪.‬‬

‫‪ 111‬المرجع نفسه ص‪44‬‬


‫‪ 112‬التعقيب‪ ،‬وهو التقعير' التكلم بأقصى قعر الفم‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫الفصل التطبيقي‬

‫‪ -6‬تمتاز خطبة الرسول بمتانة التركيب وهي وإن كانت قصيرة الجمل إال أنها كانت بمثاب''ة س''هلة األلف''اظ‬
‫إال أنها كانت واسعة في معانيها وشاملة في مفاهيمها وصائبة في دالالتها كما نرى في الخطبة من وضوح‬
‫المعاني في التراكيب أي أن المعاني وردت على قدر األلفاظ دون زيادة أو نقصان وهذه الصفة من صفات‬
‫الكمال والخلق رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫‪ -7‬للخطابة أصناف' عديدة تختلف بإختالف الموضوع الذي تعالجه‪.‬‬

‫‪ -8‬يعتبر النص أكبر وحدة لغوية في التحليل اللساني يسعى إلى تحقيق قواعد الجملة في اإلنتاج‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪42‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫قائمة المصادر والمراجع ‪:‬‬


‫*القرآن الكريم‪.‬‬

‫‪-1‬أحمد المتوكل اللسانيات الوظيفية المقارنة دراسة في التنميط و التطور ط ‪ 20121‬الدار العربية للعلوم‬
‫ناشرون ‪.‬‬

‫‪-2‬لسان العرب ابن منظور' دار صادر' بيروت مج‪ 1‬دار صادر' بيروت ‪.‬‬

‫‪ -3‬معجم اللسانيات الحديثة انجليزي عربي مكتبة لبنان ناشرون‪. 1997‬‬

‫‪ -4‬نظرية البنائية في النقد األدبي صالح فضل دار الشروق ط‪.1998 1‬‬

‫‪ -5‬مشكلة البنية زكريا ابراهيم مصر' دط‪.‬دت‪.‬‬

‫‪ -6‬المدخل اللغوي في نقد الشعر بنيوية مسطفى السعدني ‪.‬‬

‫‪ -7‬البنيوية في الفكر الفلسفي عمر مهيبل ديوان المطبوعات الجامعية ط‪. 1993 2‬‬

‫‪ -8‬مبادئ اللسانيات البنيوية دراسة في التحليل استمولوجية الطيب دبة دار القصبة للنشر ط‪. 2001 1‬‬

‫‪-9‬الفلسفة التحليلية ماهيتها مصادرها و مفكروها' احمد عبد الحليم عطية ط‪ 1‬بيروت لبنان ‪.‬‬

‫‪ -10‬محاضرات األستاذ دنوقة ‪.‬‬

‫‪ -11‬لسانيات النص مدخل إلى انسجام' الخطاب محمد خطابي المركز الثقافي العربي ط‪. 2006 2‬‬

‫‪ -12‬تحليل الخطاب و الدرس العربي _ قراءة لبعض الجهود العربية ‪.‬‬

‫‪ -13‬تحليل الخطاب مقدمة للقارئ العربي عبد القادر سالمي الشبكة العالمية للمعلومات ‪.‬‬

‫‪ - 14‬مدونة دروس' البكالوريا لمادة العلوم اإلسالمية ‪.‬‬

‫‪ -15‬إبو بكر جابر الجزائري' هذا ااحبيب محمد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪-16‬عبد العاطي محمد شلبي الخطابة اإلسالمية ط‪. 2006 1‬المكتب الجامعي الحديث ‪.‬‬

‫‪ -17‬صفي الرحمان المباركفوي' الرحيق المختوم د ط لبنان بيروت ‪.‬‬

‫‪ - 18‬محمد الغزالي فقه السيرة دار المعرفة باب الوادي( دط) ( دت) ‪.‬‬

‫الشروق‪'.‬‬ ‫‪ - 19‬فن الخطابة و اعداد الخطيب عبد الجليل شلبي ط‪ 1‬دار‬

‫‪43‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪ -20‬من بدائع العالم اإلسالمي دراسة نقدية لنصوص الخطابة و القصة و الشعر محمد بن سعد الدبل ‪.‬ط‪2‬‬
‫‪ 2010‬م‬

‫‪ -21‬الخطاب سارة مياز ‪.‬‬

‫‪ -22‬الخطاب وخصائص' اللغة العربية احمد متوكل ‪.‬‬

‫‪ -23‬المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب دومينيك' ماقونو‪'.‬‬

‫‪ -24‬لسان العرب ابن منظور' ج‪ 2003 4‬دار صادر' بيروت‪.‬‬

‫‪ -25‬لسانيات النص وتحليل الخطاب بين النظرية و التطبيق' جميل حمداوي‬

‫‪-26‬مقاالت في تحليل الخطاب هشام القلفاط دط‪.2008‬‬

‫‪ -27‬ابراهيم صحراوي' تحليل الخطاب ( دراسة تطبيقية) ط‪. 2003 2‬‬

‫‪ -28‬سعيد يقطين تحليل الخطاب الروائي ‪.‬‬

‫‪ -29‬معجم المصطلحات و الفروق' اللغوية الكفوى تح عدنان درويش' ط‪ 1992 1‬ط‪. 2‬‬

‫‪ -30‬التعريفات الجرجاني تحقيق ابراهيم األبياري دار الكتاب العربي بيروت ‪ 1992‬ط‪.2‬‬

‫‪ -31‬المصطلح اللساني و تأسيس المفهوم خليفة الميساوي ط‪1434 1‬ه‍ ‪ _.‬منشورات' اإلختالف ‪.‬‬

‫‪ -32‬بشرير ابرير' الخطاب اللساني العربي بين التراث والحداثة‬

‫‪ -33‬عبد السالم المسدي التفكير اللساني الحضارة العربية دار الكتاب الجديدة المتحدة ط‪. 2009 3‬‬

‫‪ -34‬نعيمة سعدية التحليل السيميائي و الخطاب عالم الكتب الحديث ط‪. 2016 1‬‬

‫‪ -35‬عمر بلخير مقاالت في التداولي''ة و الخط'اب ‪ ،‬دار األم''ل للطباع'ة و النش'ر و التوزي'ع' ط‪ 1‬الجزائر‬
‫‪ -36 . 2013‬فن الخطابة و إعداد الخطيب علي محفوظ‪.‬‬

‫المجالت و الدواوين‪:‬‬

‫‪-1‬مجلة كلية اآلداب واللغات العددان العاشر والحادي عشر بشير ابرير‬

‫‪ -2‬مجلة اللغة العربية و آدابها مفهوم البنية في اللسانيات محمد مداني ‪.‬‬

‫‪ -3‬ديوان مدوى' األيدي الطالب ام الخير بن عبيد‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪-4‬مجلة المصطلح مجلة علمية أكاديمية جامعة أبو بكر بكر بلقايد ‪.2006/2007‬‬

‫‪ -5‬مجلة المصطلح مجلة علمية تلمسان عدد‪.2006/2007 5‬‬

‫‪45‬‬
‫خاتمة‬

‫‪46‬‬
‫خاتمة‬

: ‫خاتمة‬

‫يعد هذا البحث الممتع والشيق في دراسة بنية تحليل الخطاب اللساني خطبة الوداع نموذج 'ا' دراس''ة لس''انية‬
‫تجعل من النص المتماسك' وتفكك''ه إلى بني''ات جزئي''ة أو فرعي''ة ش''كال أو دالل''ة بالنس''بة للمرجعي''ات ال''تي‬
:‫ساهمت في تشكيل البحث توصلنا إلى أهم النتائج من خالل هذه الدراسة تتمثل فيما يلي‬

.‫خطبة الرسول صلى هللا عليه وسلم' قيمة في معناها وهدفها واسع‬-1

.‫تتعرض الخطبة لحل مشاكل المجتمع والحث على القيم واألخالق الحسنة‬-2

.‫تنوع البنية في مختلف إركان الخطبة لما تحتويه من معاني هادفة في المجتمع‬-3

.‫تمتاز الخطبة بمتانة التركيب وانسجام' األفكار وشاملة في معانيها وصائبة في داللتها‬-4

‫ الخطاب اللساني‬،‫ التحليل‬،‫ النص‬،‫ البنية‬:‫الكلمات المفتاحية‬.

Les mots clés : structure, texte, analyse, discours linguistique.

Résumer: cette recherche intéressante et intéressante dans l'étude de la


structure de l'analyse du discours linguistique qui transforme le texte cohérent et
sa fragmentation en forme partielle ou sous structurées en forme et en
signification pour les références qui ont contribué à la formation de la
recherche . Nous avons atteint les résultats la plus importante grâce â cette
étude, comme suit :

1- Le sermon du messager a une grande valeur dans son sens et sa finalité.

2- Le sermon et exposé â la résolution de problèmes communautaires et à la


simulation de valeurs et de bonnes mœurs.

3- La diversité de la structure dans les différents piliers du sermon, car elle


contient des significations dans la société.

4- Le sermon se distingue par sa durabilité d'installation, l'harmonie des idées


compréhensif dans sa signification et correct dans sa signification

47
‫خاتمة‬

Sammary: Key words: stucture,text , analysis, linguistic discourse This research


intersting in studying the structure of the linguistic discourse analysis of the
farewell sppeche in a model for linguistic stydy that makes the choherent text
andits fragmentation into partiel or sub-structures in form and significance for
the reference that contributed to the formation of the research .We we reached
the most important results this study, as follows: 1_ The sermon of the
messenger is valuable in its meaning and purpose broad . 2_ T he sermon is
exposed to solving community problems and stimulating values and good
morals 3 _ The diversity of the sturcture in the various pillars of the sermon
because it contains meaningful meanings in society . 4_ The sermon is
distinguished by its durability of installation harmony of ideas ,comprehensive
in its meanings and correct in its significance.

48

You might also like