قسم اللغة واالدب العربي محاضرات في مقياس :لسانيات النص. السنة الثالثة تخصص :لغة المجموعة األولى. اعداد األستاذ :خيار نورالدين. المحاضرة الثانية :الطابع العلمي والشمولي لألسلوبية. أوال:علمية األسلوبية: األسلوبية محاولة منهجية تركز على فهم النص من خالل لفتها إلدراك عالقاته الداخلية ،وللكشف عن قيمة بنيته الفنية التي يتجلى فيها تحول الحقائق اللغوية إلى قيم جمالية ،وهي تنحو منحنى علميا من حيث أن معطيات موضوعها تتمحور حول مادة مجردة هي اللغة. فمفهوما التجريد والتنظيم التقني هذان اللذان يميزان العلم ،نلمسهما إذا تأملنا العالقات األسلوبية جيدا ،فهي تقوم على أساس دراسة األسلوب أو دراسة اإلبداع الفردي ،وتصنيف الظواهر الناجمة ،وتتبع المالمح المنبثقة ،حتى إذا بلغت عملية التصنيف درجة محددة في التجريد الذي يسم ُح برصد أشكال التعبير وقوانينه العامة استقر في الوعيّ المستخلصة من البحوث التجريبية المتوافقة أو المتخالفة مع ما النقدي من معطيات ،بدأت تتحسس االتساق واالنتظام المعرفي والتقني فيها. فهي تتعامل مع الخطاب قبل والدته (باستخدام خالصات دراستها للخطاب وبعدها ،فوجودها سابق لوجود األثر األدبي وتا ٍل عليه ،وهي ال تنطلق في بحثها من قوانين سابقة ،أو افتراضات جاهزة ،إذ ال تستند في حكمها إلى معايير ،ومقاييس معينة في صورة مسلّمات ...األسلوبية هي علم يدرس المتغيرات اللسانية إزاء المعيار القاعدي. فاألسلوبية وإن تحركت في مجال اكتشاف الخصائص الفردية المكونة للنص فهي تسعى إلى اكتشاف قوانين النص الذي تتعامل معه ،وهي قوانين وإن كانت تصور استخدامات فردية إال أنها مستمدة من نظام عا ّم تنظمه قوانين عامة. فاالستخدامات الفردية تتبع في سيرها تلك القوانين العامة المكتشفة أصال .وإنّا إذ نظرنا إلى األسلوبية وجدنا أنها تسعى في أحد ميادينها ،وهو (علم األسلوب العام إلى تقديم قوانين عامة لالستخدام اللغوي ،وهو في مثل تقديمه لمثل هذه القوانين إنما سبل االستخدام الخاص للغة. ينطلق من حاالت فردية تتجلى فيها ُ وعن علمية األسلوبية يرى المسدي أن التفاعل مع العقلنة التدريجية التي شهدتها العلوم األلسنية عامة والتفاعل مع مناهج البحث المعاصر المستمدة من اإللهام العلماني قد أكسب األسلوبية مشروعية العلم. إذن علمية األسلوبية قد جاءت بسبب تطور نظرية المعرفة في الفلسفة الم عاصرة ،وميل ونزوع العلوم اللسانية إلى العقلنة والعلمانية. ويذهب المذهب نفسه سعد مصلوح إذ يميل إلى اعتبار األسلوبية علما ،بل ويتفرع عنده إلى علوم ،مثل علم األسلوب التأثيري ،وعلم األسلوب الموضوعي. ويشير صالح فضل في كتابيه (علم األسلوب و (بالغة الخطاب وعلم النص إلى علمية األسلوبية أيضا ،ويضاف إلى ذلك أن المنظر األول لألسلوبية "بالي" يراها علما قائما بذاته. ويضع األسلوبية في الزاوية ذاتها من "ماروزو وكراسو" حيث نادى كل منهما بشرعية األسلوبية ،و عدّاها عل ًما له مقوماته وأدواته اإلجرائية وموضوعه ،و دَ َعم هذا الرأي جاكبسون وميشال ريفاتير وستيفن أولمان وباختين وهنريش بليث وسواهم ،من مثل عبد القادر المهيري وستاروبنسكي و عبده الراجحي وبرند شبلنر وفريد هوسن هولن وأحمد درويش وعدنان بن ذريل وشكري عياد وبيير جيرو ومنذر عياشي ومازن الوعر ورنيه ويلك و أستن وارين ومحمد عبد المطلب. وقد كانت عناوين من كتب في هذا المجال تحمل كلمة "علم" للفت النظر واالنتباه ،ولتوجيه األذهان إلى هذه المنهجية العلمية .نذكر مثال :علم األسلوب لصالح فضل" ،مدخل إلى علم األسلوب واللغة واإلبداع" و "مبادئ علم األسلوب العربي" و "البالغة العربية وعلم األسلوب" لشكري عياد. ومن الرافضين لعلمية األسلوبية كمال أبو ديب ،الذي يدعو إلى نزع العلمية من األسلوبية ،معتبرا أن القول بعلمية األسلوبية ،ومحاولة اكتشاف الخصائص الفردية في كل كيان لغوي يشكالن أمرا يصعب التوحيد بينهما .ويحدد كمال أبو ديب غاية العلم بسعيه إلى اكتشاف سلسلة من القوانين التي تحكم المادة موضوع العلم. كذلك يقول جوزيف ميشال( :وال تصبح األسلوبية علما القتباسها من علوم أخرى كاأللسنة واإلحصائية .نرد عليه بالقول إن مسيرة التجارب العلمية ،وطبيعة تكون العلوم تنفي ذلك ،فعلم الفيزياء عل ٌم مستقل غير أنه يستفيد من علم الرياضيات ّ ويعتمد عليه ،وينهل من علم الكيمياء واألحياء كذلك .وعليه ال مانع لألسلوبية من االستفادة من علم األصوات ودراسة األلفاظ والنحو المعياري والنحو التاريخي ،بل إنه يستعين كذلك بعلم النفس وعلم االجتماع وعلم الجمال والبالغة الجديدة. فليس على دارس األسلوب أن يأخذ موقفا معياريا من هذه العلوم المجاورة ،بل عليه أن يأخذ منها ما يناسب مهامه فيما يتعلق بدراسة األساليب وعلى العموم صار ما يسمى بتداخل العلوم " "interdisciplinaritéحقيقة ثابتة وملموسة ،خاصة في مجال الدراسات اللغوية. واألسلوبية عند غريماس وكورتيس ليست إال (حقال من األبحاث ينضوي تحت التقليد البالغي ،ولكونها استندت تارة إلى اللسانيات ،وطورا إلى الدراسات األدبية، فإن األسلوبية لن تنجح في أن تُنظم نفسها إلى داخل ٍ علم مستقل . رغم ما قدمه الباحثان غريماس وكورتيس في مجال الدراسات األدبية والسيميوطيقية إال أن نفي العلمية عن األسلوبية ال يستند إلى دليل علمي مقنع، فاألسلوبية استفادت من الحقول المعرفية ،وبخاصة من اللسانيات ،ولكنها استطاعت أن تحدّد شروط استقاللها علما ً قائما ً بذاته لدراسة المتغيرات اللسانية إزاء المعيار. ثانيا :شمولية األسلوبية: يتسع مجال األسلوبية وفائدتها لتدرس الخطاب األدبي من النواحي كلها دون أن تهمل شيئا من متعلقاته ،دراسته من حيث مستويات التحليل اللساني :النحوي والصرفي والصوتي والمعجمي وغيرها ،ومن حيث تركيب الخطاب اللغوي جميعه ،وتحليله ،في مستويات متنوعة :الصوت والكلمة والجملة والفقرة والنص والخطاب .وربما يكون هذا الشمول هو نفسه الذي أدى في النهاية إلى تنحية البالغة جانبا لتصبح جزءا صغيرا لكنه مهم في سياق األسلوبية العام ،فقصور البالغة وجمودها وعدم تجاوزها بعض اإلشكاالت المعرفية أتاح لألسلوبية أن تكون البديل، إذ لم يتبين للبالغة بالضرورة دراسة الهيكل البنائي للعمل األدبي ،وكان ذلك تمهيدا لحلول األسلوبية في مجال اإلبداع بديال يحاول تجاوز الدراسة الجزئية القديمة، وإقامة بناء عملي يبعد عن الشكلية البالغية ،والمصطلحات البالغية التي أرهقت النصوص و ّ غطت على قيمها الجمالية. وبهاتين الميزتين المهمتين قامت األسلوبية علما ألسنيا حديثا ،ولما استقرت قواعده ومناهجه ض َّم البالغة في لوائه ،وعدّها أداة مهمة ،حتى صارت األسلوبية- بتعبير صالح فضل (بالغة حديثة ذاتُ شك ٍل مضاعف أو مزدوج :إذ هي علم التعبير، فن للتعبير األدبي وقاعدة في الوقت نفسه،وهي نقد األساليب الفردية ،ومن ثمة فهي ٌ وهي أيضا أداة نقدية تُستخدم في تقويم فن كبار ال ُكتاب . ويشير هذا إلى أن األسلوبية ال تعني القطيعة الكاملة مع التراث البالغي، فأسلوبية التعبير عند شارل بالي مثال تنبع من البالغة القديمة ،وإن كانت تستخدم وسائل تحليلية حديثة ،كما أن كثيرا من البحوث التي قدمتها البالغة للصور واألشكال التعبيرية مازالت مصدرا جديرا بأن يؤخذ باالعتبار .كما نجد جملة من المالحظات والتعريفات ال يمكن ألي باحث أسلوبي تجاوزها أو إهمالها ،وقد حافظ جاكبسون على العديد من المصطلحات والمفاهيم من التراث البالغي القديم كالتشبيه واالستعارة والمجاز والكناية ،ليفسرها في ضوء مبادئ علم اللغة الحديث ،ويوضح كيفية توظيفها الفني في األدب ،األمر الطي يجعل المادة التصنيفية الهائلة التي تركها األقدمون صالحة لالستعمال لزمن طويل. مراجع المحاضرة: صالح فضل :علم األسلوب. - احمد درويش :دراسة األسلوب بين المعاصرة والتراث. - عبد السالم المسدي :األسلوب واالسلوبية. - محاضرات االسلوبية :أ .قطاف. -