Professional Documents
Culture Documents
.مقدمة
لقد شهدت الساحة األدبية والنقدية في العقود األخيرة األربعة نقلة نوعية تجاوزت الدراسات السابقة التي
عكفت على مقاربة النصوص بعيدا عن سياقاتها الخارجية التي أنتجتها ،ونظرت الى الجملة على أنها
مجرد كلمات؛ ففصلتها عن وظيفتها ،إذ نظر إليها من تبنوا الطرح الجديد على أنها فعل لغوي وموقف
إزاء
حدث معين ،ونقل لتجارب طرفي العملية التواصلية من المتكلم وقصده والمخاطب ،ومدى استجابته
وإ دراكه للرسالة والسياق.
فكانت جديرة أن يطلق عليها :مصطلح التداولية " ," pragmaticsوالتي تعني في أبسط مفاهيمها دراسة
اللغة أثناء االستعمال ،وترجع البدايات األولى للدرس التداولي إلى أعمال "بيرس"الالفلسفية والسيميائية،
حيث قام ببناء نظرية عامة للعالمات وجعل من العالمة أساسا للنشاط السيميائي ،ورأى أن للعالمة
اللسانية عالقة بظروف استعمالها ومحيطها الذي أنتجت فيه ،والباحث المتتبع للدرس العربي القديم يجد
امتدادا للدرس التداولي ،فنجد أن النحاة اعتمدوا في تقعيداتهم وتوجيهاتهم النحوية على جميع عناصر
العملية التواصلية وأولوا اهتماما كبيرا ،بطرفيها (المخاِط ب والمخاطب)و شكل حضورهما ضرورة في
التعامل مع مسائلهم النحوية وكذا اهتمامهم بالسياق اللغوي والحال) الموقف) ولم يغّيب البالغيون عناصر
التواصل حينما ذهبوا إلى تفسير الظواهر اللغوية واآلليات التي يعتمد عليها المتكلم (البليغ) للتأثير على
المتلقي .و منه
إن هذا التقارب بين الدراسات الغربية الحديثة والدراسات العربية كان دافعا للقيام بهذا البحث ومحاولة
الكشف عن أهم القضايا واألفكار مع محاولة تسليط الضوء على تخريجات وتنظيرات علماء العرب التي
حملت في طياتها أبعادا وأفكارا تداولية وهو األمر الذي يدفع بنا إلى
التساؤالت االتية:
أوال مفهوم التداولية :تشير مادة )د ،و ،ل( في المعجم العربي بفتح الدال أو بضمها إلى معنى جامع هو
االنتقال من حال إلى حال فيقال :تداولنا األمر أي أخذناه بالتنقل ،وتداولت األيام دارت وتنقلت وتداولته
األيادي أي تناقلته هذه مرة وهذه مرة) ،(2وهكذا يتحقق معنى )االنتقال( في استعماالت الجذر )د ،و ،ل(
ويشير المعنى اللغوي إلى تداول اللغة بين المتكلم والمخاطب.
أما التداولية في االصطالح فقد ُع رفت تعريفات كثيرة لكنها متقاربة ال تختلف كثي ا ر كما هو الحال
عند تعريف النص أو الخطاب ،من تلك التعريفات:
إن التداولية جانب من جوانب اللغة يهتم بمالمح استعمالها) :نفسية المتكلمين ،رد فعل المستمعين
الطابع االجتماعي للخطاب ،موضوع الخطاب( بمقابل الجانب التركيبي :الميزات الشكلية لألبنية
1
اللغوية( والداللي (العالقة بين الوحدات اللسانية والعالم)
التداولية هي د راسة العوامل التي تؤثر في كيفية اختيار الشخص للغة ثم ينتقل تأثير هذا االختيار
2
إلى اآلخرين عن طريق التواصل والتفاعل بين المرسل والمتلقي
3
التداولية هي د راسة أفعال الكالم
إن التداولية ليست علما محضا بالمعنى التقليدي يكتفي بالوصف والتفسير ،وإ نما هي علم جديد
4
للتواصل يدرس الظواهر اللغوية في مجال االستعمال
التداولية هي المبحث الذي يدرس استخدام اللغة والسمات المميزة التي تؤسس وجهته الخطابية داخل
صلب
1يسمينة عبد السالم ،نظرية األفعال الكالمية في ظل جهود أوستين ،مجلة المحبر ،العدد العاشر 2011 ،م ،جامعة بسكرة الج ا زئر (
.ص 99
2نقس المقال .ص 100
3نفس المرجع السابق ،ص 103
.4مسعود صح ا روي ،التداولية عند العلماء العرب ،ص 11
1
اللغة
التداولية هي ذلك المجال الذي يركز مقارباته على الشروط الالزمة لكي تكون األقوال اللغوية
2
مقبولة وناجحة ومالئمة في الموقف التواصلي الذي يتحدث فيه المتكلم.
التداولية هي دراسة المعنى التواصلي أو معنى المرسل ،في كيفية قدرته على إفهام المرسل إليه،
3
بدرجة تتجاوز معنى مقاله
التداولية فرع من علم اللغة يبحث في كيفية اكتشاف السامع مقاصد المتكلم أو هو دراسة معنى
المتكلم 4تشابهت مفاهيم التداولية عند الدارسين إلى حد كبير ،وتكررت في تعريفهم لها مفردات
بعينها مما يؤكد إجماعهم على المفهوم من غير اختالف يذكر ،وعليه فإن سمات التداولية من
خالل تلك المفاهيم تتمثل في اآلتي:
تهتم التداولية بثالثة أركان أساسية في التداول الكالمي :المرسل والمتلقي ،المقام ،االستعمال
العادي )العفوي( للكالم.
فهم المعايير التي توجه المنتج ،وما االستراتيجيات التي يستخدمها في عملية اإلنتاج.
معرفة المرسل والمتلقي والسياق المحدد الذي يرتبط بإنتاج وفهم الخطاب.
إن المعنى ال يكمن في الكلمات وحدها ،وال يرتبط بالمنتج وحده ،وال المتلقي وحده ،إنما يكمن في
الفعل التداولي بين المنتج والمتلقي في سياق محدد.
ننتهي إلى أن التداولية تجمع بين كل أط ا رف الحدث اللغوي لتصل إلى المعنى ،فتبدأ بأفعال اللغة ثم
تنتقل إلى المتكلم وقصده وثقافته وشخصيته وكذلك المستمع ،وتضيف المعرفة المشتركة بينهما وعالقتهما
االجتماعية ،وأخيرا ظروف إنتاج الخطاب المقامية كلها بما في ذلك الزمن والمكان ،لتكون المحصلة
5
النهائية فهم اللغة ودراستها في االستعمال أو التواصل.
1أحمد المتوكل ،قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية البنية التحتية أو التمثيل الداللي التداولي ،دار األمان ،الرباط( ،
1995 .م ص 19
1991 . 2م ،ص (1 ، 25صالح فضل ،بالغة الخطاب وعلم النص ،لونجمان ،القاهرة ،ط ( 1
2001 . 3م ،ص (5 ، 22عبد الهادي الشهري ،است ا رتيجيات الخطاب مقاربة لغوية تداولية ،بيروت ،دار الكتاب الجديد ،ط ( 1
(1 . 4محمود أحمد نحلة ،آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر ،ص ( 1
2001 . 5م ،ص (1 ، 120عبد الحميد مصطفى ،د ا رسات في اللسانيات العربية ،دار الحامد ،عمان ،ط ( 1
وعليه فإن المنهج التداولي هو مستوى تصنيف إج ا رئي في الد راسات اللغوية يتجاوز المستوى الداللي
ويبحث في عالقة العالمات اللغوية بمؤوليها ،مما يبرز أهمية دراسة اللغة عند استعمالها ،وبالتالي فإنه
1
ُيعنى دراسة مقاصد المرِس ل وكيفية تبليغها وكيفية توظيف المرِس ل للمستويات اللغوية في سياق معين
في منظورنا هو la pragmatiqueإن أقرب حقل معرفي إلى التداولیة اللسانیات" وٕا ذا كان األمر كذلك
فإنه من المشروع البحث في صلة هذا العلم التواصلي الجدید ،باللسانیات وبغیر اللسانیات من الحقول
المعرفیة األخرى ،إما ألنها قریبة منه أو ألنه یشترك معها في بعض األسس العلمیة ،نظریة كانت أو إج ا
رئیة ،وذلك قبل وضع تعریف للتداولیة ،أو تحدید مفهومها ،ومن ثم نرى أنه من الالئق التساؤل عن
المعیار الذي یصلح أن یكون ضابطا في تحدید " مفهوم التداولیة" فعلى أي معیار نحدد هذا المفهوم؟ هل
نحدده بناء على معیار البنیة اللغویة؟ إن هذا الصنیع ،یجعلها مساویة للسانیات البنیویة ،فال یكون أي فرق
بینهما ،ولیس هذا هو ما تقدمه البحوث التداولیة! هل نحدده على معیار االستعمال اللغوي وحده؟ إن
تحدیده على الضابط فیه ،إق ا رر بأن ال صلة تذكر بینه وبین البنیة اللغویة ،وهو ما یخالف أیضا النتائج
التي انتهت إلیها آخر األبحاث والد ا رسات التداولیة ،هل نحدده بناء على تعالق البنیة اللغویة بمجال
استعمالها؟ إن هذا الصنیع یبدو مبر ا ر لكنه – إذا ذكر إجماال دون تفصیل -قد ُیغفل بعض الِص الت ال ا
ربطة بین العلوم المتشابكة والمتكاملة مفاهیمیا ،خاصة مجاالت :الفلسفة والتداولیات اللغویة وعلم النفس
2
المعرفي وعلوم االتصال
فالتداولیة لیست علما لغویا محضا ،بالمعنى التقلیدي ،علما یكتفي بوصف وتفسیر ،ولكنها علم جدید
للتواصل ،یدرس الظواهر اللغویة في مجال االستعمال ،ویدمج ،ومن ثم مشاریع معرفیة متعددة في دراسة
ظاهرة " التواصل اللغوي وتفسیره" ،وعلیه فإن الحدیث عن " التداولیة" وعن شبكتها المفاهیمیة یقتضي
اإلشارة إلى العالقات القائمة بینها وبین الحقول المختلفة ،ألنها تشي بانتمائها إلى حقول مفاهیمیة
تضم مستویات متداخلة ،كالبنیة اللغویة ،وقواعد التخاطب ،واالستدالالت التداولیة ،والعملیات الذهنیة
المتحكمة في اإلنتاج والفهم اللغویین ،وعالقة البنیة اللغویة بظروف االستعمال ...الخ ،فنحن نرى أن
). 1المرِس ل وكيفية تبليغها وكيفية توظيف المرِس ل للمستويات اللغوية في سياق معين) 2
1- 2حافظ اسماعیلي علوي :التداولیات علم استعمال اللغة ،عالم الكتب الحدیث – إربد -األردن ،ط 1
2010 .م ،ص
التداولیة تمثل حلقة وصل هامة بین حقول معرفیة عدیدة منها :الفلسفة التحلیلیة ،ممثلة في" نظریة المالئمة
1
على الخصوص ،ومنها اللسانیات بطبیعة الحال
ومن جملة التعریفات التي قدمت للتداولیة – وبعد تفحص للعدید منها -ارتأیناتبني تلك التي ترتبط
بموضوعها ووظیفتها:إنه تخصص لساني یدرس كیفیة استخدام الناس لألدلة
یقول دالش :اللغویة ،في صلب أحادیثهم وخطاباتهم ،كما یعني من جهة أخرى بكیفیة تأویلهم لتلك
الخطابات واألحادیث.2
ونجد أیضا تعریفا عند آن ماري دییر كالتالي :التداولیة هي " د ا رسة استعمال اللغة في (François
3
)Récanatiریكاناتي الخطاب ،شاهدة في ذلك على مقدرتها الخطابیة"
كما نجد أیضا التداولیة هي ":د ا رسة للغة بوصفها ظاهرة خطابیة ،وتواصلیة واجتماعیة ،في نفس
الوقت"
4
وبناء على ما تقدم ،یمكننا القول كذلك بأن اللسانیات التداولیة إنما هي لسانیاتالحوار ،أو الملكة التبلیغیة
وعلى الرغم من اختالف وجهات النظر بین الدارسین حول" التداولیة" ،وتساؤالتهم عن القیمة العلمیة
للبحوث التداولیة وتشكیكهم في جدواها ....فإن معظمهم یقر بأن قضیة التداولیة هي " إیجاد" القوانین
الكلیة لالستعمال اللغوي والتعر ف على القدرات اإلنسانیة للتواصل اللغوي ،وتصیر" التداولیة" ،من ثم،
5
جدیرة بأن تسمى ":علم االستعماالللغوي"
1مسعود صح ا روي :التداولیة عند العلماء العرب ،دراسة تداولیة لظاهرة " األفعال الكالمیة" في
2005 .م ،ص ، 17التراث اللساني العربي ،دار الطلیعة ،بیروت ،لبنان ،ط 1
2الجیاللي دالش :مدخل إلى اللسانیات التداولیة لطلبة معاهد اللغة العربیة وآدابها ،تر :محمدیحیاتن ،دیوان المطبوعات الجامعیة ،الج ا زئر ،د.ط،
د.ت ،ص 1
3فیلیب بالنشیه :التداولیة من أوستین إلى غوفمان ،تر :صابر الحباشة ،دار الحوار للنشر
2007 .م ،ص ، 19والتوزیع ،الالذقیة ،سوریة ،ط 1
- . 4الجیاللي دالش :مدخل إلى اللسانیات التداولیة لطلبة معاهد اللغة العربیة وآدابها ،ص 1
- 5مسعود صح ا روي :التداولیة عند العلماء العرب ،دراسة تداولیة لظاهرة " أفعال كالمیة"،ص 18_17
التداولية ،و المقامية ،والوظيفية ،والسياقية ،والذرائعية ،و النفعية ...ولكن مصطلح التداولية الذي استخدمه
أحمد المتوكل ...هو الذي صار مهيمنا على استعماالت الدارسين" " . 14ويعود الفضل في ذلك إلى
الباحث والفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن ،عندما استعمله عام 1970م أي بعد حوالي اثنتين وثالثين
سنة من أول تعريف وضع لها في الغرب على يد موريس سنة 1938م ،في مؤلفه الشهير
1
FOUNDATION S OF THE THEORY OF SIGNحيث عد التداولية جزءا من السيميائية"
سارع الباحثون العرب المحدثون إلى نقل وترجمة ما جادت به قرائح الغرب في المجال التداولي اللساني،
وأقول اللساني ألن تركيزهم كان منصبا على كل ما يتعلق بالتداولية كمنهج لساني حديث ،يروم سد
الثغرات التي ظهرت في المناهج المتقدمة ،مقصيا ما تعلق منها بالمذهب الذرائعي النفعي الذي كان سائدا
آنذاك في الواليات المتحدة األمريكية ،وبعبارة أدق حاولوا س ل التداولية اللسانية من بقية التداوليات،
والتي نشأت
كلها في أحضان الفلسفة ،والمتأمل لكتاباتهم في الدرس اللساني يجدها قد صارت تشتمل على خمسة
مستويات بدل أربعة في القديم وهي :المستوى الصوتي ،ثم المستوى الصرفي ،ثم المستوى النحوي ،ثم
المستوى الداللي ،ثم المستوى التداولي ،وذلك طبعا إذا تسامحنا في إطالق كلمة مستوى على الجانب
التداولي ،ألن المستوى "هو مجموعة من وحدات المستوى السابق ،أو مرِك بة لوحدات المس مرك توى
التالي 2؛ والتداولية ليست كذلك كما مر معنا سابقا .
تشكل التداولیة درسا جدیدا وغزی ا ر لم یمتلك بعد حدودا واضحة ،انبثق من التفكیر الفلسفي في اللغة،
بید أنه سرعان ما تجاوزه لیعمل على صقل أدوات تحلیلیة ،وبخاصة التداولیة اللسانیة موضوع حدیثنا،
ومدار بحثنا في " مفتاح العلوم".
1خليفة بوجادي :خصائص التركيب اللغوي في "بوابات النور " للشاعر الجزائري عبد القادر بن محمد القاض ي -دراسة في الوظيفة التداولية -
بحث مقدم لنيل شهادة الدكتوراه في اللغويات 2006 ،م،ص32
2مصطفى حركات :الصوتيات والفونولوجيا ،دار اآلفاق ،األبيار ،الجزائر ،ص 80
إن اللسانیات التداولیة اسم جدید لطریقة قدیمة في التفكیر ،بدأت على ید "سقراط" ،ثم تبعه " أرسطو"،
والرواقیون من بعده ،بید أنها لم تظهر إلى الوجود ،باعتبارها نظریة للفلسفة إال على ید " باركلي" ،تغذیها
طائفة من العلوم ،على أ رسها " الفلسفة ،واللسانیات ،واألنتربولوجیا ،وعلم النفس ،وعلم االجتماع".3
یعترف(كارناب) التداولیة درس غريز وجدید ،بل إنها قاعدة اللسانیات ،تحاول البحث عن حل العدید من
األسئلة المطروحة في البحث العلمي ،التي لم تجب علیها مناهج أخرى ،و-حسب رأي لیتش -أنها عملت
على حل بعض المشكالت من وجهة نظر المرسل والمرسل إلیه ،كالهما یحاوالن الوصول إلى مقصد
معین واضح.2
التداولیة لم تصبح مجاال یعتد به في الدرس اللغوي المعاصر ،إال في العقد السابع من القرن العشرین ،بعد
أن قام على تطویرها ثالثة من فالسفة اللغة المنتمین وسیرل J.L.Austin،إلى الت ا رث الفلسفي
لجامعة أكسفورد ،هم :أوستین مع أن سیرل وج ا ریس أنما تعلیمهما في ) Hp Griceوج ا ریس
،J.R.Searle naturalكالیفورنیا) ،وقد كان هؤالء الثالثة من مدرسة فلسفة اللغة الطبیعیة
وكانت بدایة تطور اللسانیات التداولیة بنظریة أفعال الكالم التي ظهرت مع language،جون أوستین،
وتطورت على ید " جون سیرل" وبعض فالسفة اللغة من بعده ،لتظهر بعدها جملة من المفاهیم،
والنظریات التي تشكل مجتمعة ما یعرف باللسانیات التداولیة(،أفعال الكالم ،واالستلزام التخاطبي،
3
واإلشاریات ،والحجاج ،والقصدیة )...
والحق أن " جون أوستین" حینما ألقى محاض ا رت ویلیام جیمس عام 1955م ،لم یكن یهدف إلى
وضع اختصاص جدید للسانیات ،أو فرع جدید لها ،وٕا نما كان یرمي إلى وضع اختصاص فلسفي جدید،
4
هو (فلسفة اللغة) ،بید أن تلك المحاض ا رت صارت فیما بعد بوتقة للسانیات التداولية
وانطلق أوستین من مالحظة بسیطة ،مفادها أن كثی ا ر من الجمل التي ال یمكن أن نحكم علیها بالصدق
أو الكذب ":ال تستعمل لوصف الواقع بل لتغییره فهي ال تقول شیئا عن حالة الكون ال ا رهنة ،إنما تغیرها
2- 3نعمان بوقرة :اللسانیات العامة اتجاهاتها وقضایاها ال ا رهنة ،علم المكتبة الحدیثة ،إربد ،األردن،
1430 .ه 2009 -م ،ص ، 163ط
2ینظر :عبد الهادي بن ظافر الشهري ،استراتیجیات الخطاب مقاربة لغویة تداولیة ،دار الكتاب
2000 -24.م ،ص ، 23الجدید ،بیروت ،لبنان ،ط 1
3ینظر :محمود أحمد نحلة ،آفاق جدیدة في البحث اللغوي المعاصر ،دار المعرفة الجامعیة ،اإلسكندریة ،د .ط 2002 ،م ،ص .9وبادیس لهویمل:
التداولیة والبالغة العربیة ،مجلة المخبر ،العدد السابع 2011 ،م ،جامعة محمد خیضر ،بسكرة ،ص 160
4المرجع نفسه ،الصفحة نفسها.
أو تسعى إلى تغییرها" فجملة من قبیل :آمرك بالصمت ال تصف واقعا ،بل تسعى لتغییر حالة الضجیج
إلى الصمت.1
الجمل إلى :جمل " Austineوبناء على هذه المالحظات قسم " أوستین وصفیة ،یمكن الحكم علیها
بالصدق أو الكذب ،وجمل إنشائیة ،ال ینطبق علیها ذلك الحكم ،وتقابل في الثقافة اللغویة العربیة الجمل
الخبریة ،والجمل اإلنشائیة ،مثلما نجدهاعند علماء النحو والبالغة وكذا علماء التفسیر وأصول الفقه في
أبحاثهم.2
ويتمثل اإلسهام الثاني لسیرل في تحدیده للشروط التي بمقتضاها ُیكِلُل عمل متضمن في القول بالنجاح.
فیمیز بین القواعد التحضیریة ذات الصلة بمقام التواصل یتحدث المتخاطبون اللغة نفسها ،ویتحدثون"
بنزاهة ...إلخ) ،وقاعدة المحتوى القضوي یقتضي الوعد من القائل أن یسند إلى نفسه إنجاز عمل في
المستقبل) ،والقواعد األولیة المتعلقة باعتقادات تمثل خلفیة ( یتمنى من تلفظ بأمر أن ینَج َز العمُل الذي أمر
به ،)...وقاعدة الن ا زهة ذات الصلة بالحالة الذهنیة للقائل ( ینبغي علیه أن یكون عند اإلثبات أو الوعد
نزیها) ،والقاعدة الجوهریة التي تحدد نوع التعهد الذي قدمه أحد المتخاطبین (یقتضي الوعد أو التقریر
الت ا زم القائل بخصوص مقاصده أو اعتقاداته) وقواعد المقصد والمواضعة التي تحدد مقاصد المتكلم
والكیفیة التي ینفذ بها هذه المقاصد بفضل المواضعات اللغوية ومكن هذا التحدید سیرل من تقدیم تصنیف
جدید لألعمال اللغوية . 3
تعریفات وخلفیات:
دراسة المعنى الذي یقصده المتكلم :د ا رسة المعنى كما یوصله المتكلم ،أو الكاتب ویفسره .1
المستمع ( أو القارئ) لذا فإنها مرتبطة بتحلیل ما یعنیه الناس بألفاظهم أكثر من ارتباطها بما
یمكن أن تعنیه كلم التداولیة هي دراسة المعنى السیاقي :یتضمن میدان الدراسة هذا بالضرورة
التداولیة هي دراسة المعنى السیاقي :یتضمن میدان الدراسة هذا بالضرورة تفسیر ما یعنیه الناس .2
في سیاق معین وكیفیة تأثیر السیاق في ما یقال ،كما یتطلب أیضا التمعن في اآللیة التي ینظم من
خاللها المتكلمون ما یریدون قوله وفقا لهویة الذي یتكلمون إلیه ،وأین ،ومتى ،وتحت أیة ظروف.
1آن روبول جاك موشالر :التداولیة الیوم علم جدید في التواصل ،تر :سیف الدین دغفوس ،محمد الشیباني ،المنظمة العربیة دار الطلیعة ،بیروت،
لبنان ،ط ،1یولیو 2003م ،ص
. 2بادیس لهویمل :التداولیة والبالغة العربیة ،ص 160
3آن روبول جاك موشالر :التداولیة الیوم علم جدید في التواصل ،ص 74
د ا رسة كیفیة ایصال أكثر مما یقال :یدرس هذا المنهاج أیضا الكیفیة التي یصوغ من خاللها .3
المستمعون استدالالت حول ما یقال ،للوصول إلى تفسیر المعنى الذي یقصده المتكلم ،ویبحث نوع
الدراسة هذا في كیفیة إد ا رك قدر كبیر مما لم یتم قوله على أنه جزء مما یتم ایصاله ،بإمكاننا
1
القول أنه دراسة المعنى الغير invisible meaning.
دراسة التعبیر عن التباعد النسبي :یثیر هذا المنظار التساؤل حول ما یمكن أن یحدد ما یقال وما .4
لم یتم قوله .ویرتبط الجواب الرئیس بمفهوم التباعد ینطوي القرب المادي أو االجتماعي أو
المفاهیمي على خبرة distance.مشتركة ،حیث یحدد المتكلمون مقدار ما یحتاجون قوله بناء
2
على اافتراض قرب المستمع او بعده
(دال شك أن الدرس التداولي يدرس المنجز اللغوي في إطار التواصل وليس بمعزل عنه ،ألن اللغة ال
تؤدي وظائفها اال فيه ،فليست وظائف مجردة ،وبما أن الكالم يحدث في سياقات اجتماعية فمن المهم
معرفة تأثير هذه السياقات على نظام الخطاب المنجز ،ومراعاة السياق ودراسته من جانب ،أو تحليله في
ذهن المرسل من جانب آخر ،وذلك ليس باألمر اليسير ألهميته ودقته " ،لذلك يعتقد كارناب أن التداولية
هي قاعدة اللسانيات).
و من األسئلة التي يثيرها الباحثون في هذا المجال ويحاولون اإلجابة عنها هي :ماذا نصنع حين نتكلم؟
ماذا نقول بالضبط حين نتكلم؟ لماذا نطلب من اآلخر أن يمدنا بذلك رغم قدرتنا عليه؟ من يتكلم إذن؟ إلى
من نتكلم؟ من يتكلم ومع من؟ ألجل من نتكلم؟ ماذا يعني العهد؟ هل يمكننا تحقيق القصد؟
ویجدر في بحثنا هذا أن نشیر على الفكر العربي التداولي وذلك من باب اإلنصاف والوالء على األعمال
العربیة القدیمة التي تمثل قاعدة لنا العرب في البحث .فلو تأملنا الت ا رث العربي القدیم لوجدنا أنهم كانوا
یتمیزون بفكر تداولي ،حیث أن جل مبادئ التداولیة الحدیثة حاضرة في ت ا رثنا العربي ،ولو
1ينظر :جورج يول ،التداولية ، pragmaticsتر :قصي العتابي ،الدار العربية ناشرون ،بيروت ،لبنان ، 2010 _ 1431 ،ص 19
2ينظر المرجع السابق ،ص 20
بمصطلحات مغایرة أحیانا أو غیر منضبطة أحیانا أخرى وذلك من بدایة طالئع الدرس اللغوي مع سیبویه
1
وصوال إلى النقاد والبالغیین المتأخرین"
" وعن أسبقیة العرب لمعرفة أصول هذا االتجاه یقول (سدیرتي) ":إن النحاة والفالسفة المسلمین،
والبالغیین والمفكرین مارسوا المنهج التداولي قبل أن یضیع صیته بصفته فلسفة وعلما ،رؤیة واتجاها
2
أمریكیا وأ وروبیا ،فقد وظف المنهج التداولي بوعي في تحلیل الظواهر والعالقات المتنوعة
فالعر ب هم السباقون في ممارسة المنهج التداولي قبل ظهوره كمنهج لألمریكیین واألوروبیین ،فجل
مبادئ التداولیة تجدها مبثوثة في الفكر العربي األصیل.
" ...فدراسة اللغة في الت ا رث العربي ،میزتها بعض السمات التي هي من أهم المبادئ التداولیة
الحدیثة ،فقد تناول الدارسون مثال:
أن التكلم یتم لغایات وأهداف أو إشباع حاجات أو الحصول على فائدة.
تستعمل اللغة ألغ ا رض والمآرب ذاتها.
3
.یضفي المتحاورون على الملفوظات دالالت أخرى غیر ظاهرة"
مثال ذلك :االستعارات والتشبیهات والكنایات ،حیث یتلفظ المتكلم بألفاظ ویقصد معاني خفیة غیر الظاهر
ة لتلك األلفاظ.
4
"ال تغفل البالغة العربیة ذلك بل إنها تعتمد مبدأ ( لكل مقام مقال)
تشكل التداولية درسا جديدا لم يمتلك بعد حدودا واضحة ،انبثقت من التفكير الفلسفي في اللغة ،وهي اسم
جديد لطريقة قديمة بدأت على "يد سقراط" ثم تبعه "أرسطو" والرواقيون عن بعده ،بيد أنها لم تظهر إلى
. 1نواري سعودي أبو زید :في تداولیة الخطاب األدبي ،المبادئ واإلجراءات ،بیت الحكمة ،العلمة 2009 -32.،م ،ص ، 31الج ا زئر ،ط 1
2خلیفة بوجادي :في اللسانیات التداولیة مع محاولة تأصیلیة للدرس العربي القدیم ،ص 114
- 1 -114. 3خلیفة بوجادي :المرجع السابق ،ص 113
- 2 .4المرجع نفسه ،ص 114
الوجود باعتبارها نظرية للفلسفة إال على يد "باركلي" تغديها طائفة من العلوم على رأسها :الفلسفة "
phelosophi
.1أهم نظريات الحجاج في التقاليد العربية من أرسطو إلى اليوم :حمادي صمود وآخرون
. 2كتاب عبد الهادي بن ظافر الشهري -استراتيجيات الخطاب :مقاربة لغوية تداولية -دار الكتاب
الجديد المتحدة 2004 -
.4أصول تحليل الخطاب في النظرية النحوية العربية ،تأسيس (نحو النص) محمد الشاوش جامعة
منوبة ،المؤسسة العربية للتوزيع2001 ،
. 27مدخل إلى اللسانيات التداولية :الجياللي دالش ،ترجمة:محمد يحياتن(ديوان المطبوعات الجامعية –
الجزائر 1992
. 35النص والسياق :استقصاء البحث في الخطاب الداللي والتداولي :فان دايك تج:عبد القادر قنيني
. 42في اللسانيات التداولية؛ مع محاوزلة تأصيلية في الدرس العربي القديم :د.خليفة بوجادي
.45تحليل الخطاب :ج .ب .براون ،وج.يول :ترجمة :د.محمد الزليطني ود.منبر التريكي
.47اإلطار التداولي في اللسانيات المعاصرة /عبد اإلله بوغابة ،بشرى العروصي2006 ,
.5التداولية؛ محاولة لضبط الدرس اللساني تجريبيًا :فالح حسن ،مجلة أقالم ،ع.5
. 6تقديم عام لالتجاه البراغماتي؛ محمد صالح الدين الشريف (ضمن أهم المدارس اللسانية :عبد القادر
المهيري وآخرون).
. 8في التداولية؛ إشكالية المصطلح بين المفهوم والترجمة والتعريب :د.عيد بلبع ،مجلة أقالم ،ع.5السنة
األولى
. 9اللغة ودالالتها ،تقريب تداولي للمصطلح البالغي (مقال) ،محمد سويرتي مجلة عالم الفكر ،المجلس
الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،دولة الكويت ،مجـ ،28ع، 3يناير /مارس .2000
.10التداولية امتداد شرعي للسيميائية :أ.عبد الحكيم سحالية ،الملتقى الدولي الخامس (السيمياء والنص
األدبي
. 11تصنيف األغراض التكلمية عند سورل :عبد الرحيم الحلوي ،مجلة دراسات ؛ تصدر عن كلية اآلداب
والعلوم اإلنسانية جامعة ابن زهر -أكادير – المغرب ،ع.1991 ،5
.15المفاهيم التداولية و أثرها في اللسانيين العرب تمام حسان نموذجًا د .فهد اللهيبي جامعة جازان
المملكة العربية السعودية
كتب
.2عندما نتواصل نغير ،مقاربة تداولية معرفية آلليات التواصل والحجاج ،د.عبد السالم عشير.
. 3الفلسفة والبالغة ،مقاربة حجاجية للخطاب الفلسفي :د.عمارة ناصر ،الدار العربية للعلوم ناشرون-
بيروت ،ومنشورات االختالف،ط.2009 ،1
.4في أصول الحوار وتجديد علم الكالم ،د .طه عبد الرحمن؛ المركز الثقافي العربي -المغرب ،ط،3
.2007
. 6نظرية األفعال الكالمية بين فالسفة اللغة المعاصرين والبالغيين العرب ،مطبوعات الجامعة-الكويت ،
1994
.7المشيرات المقامية في اللغة العربية :نرجس باديس ،مركز النشر الجامعي.2009 ،
- 1القصد ودوره في تفسير النص ،رسالة دكتوراه (غير مطبوعة) من جامعة القاهرة للباحث :صالح
الدين شعبان عبد العاطي ،بإشراف :أ.د.محمد حماسة عبد اللطيف2009 ،م.
التداولية_من_أوستن_إلى_غوفمان
جون أوستين نظرية أفعال الكالم العامة كيف ننجز األشياء بالكالم
13التداولية والشعر
. 2في الخطاب التداولي؛ صورة المغرب في المجلة األلمانية :سعيد علوش ،مجلة العرب والفكر العالمي
.4البراغماتية؛ ألي شيء تصلح األفكار :جون فالانسوا دورتييه ،مجلة نوافذ
. 5التصور التداولي للخطاب اللساني عند ابن خلدون :قراءة في المفاهيم والمنطلقات :نعمان بوقرة ،مجلة
الرافد
.6الخطاب السردي الجديد؛ مرجعيات التداول اللساني :محمد دخاي ،مجلة الرافد
. 7عالقة الضمير الغائب بمفسره؛ بيت التبعية في المنوال النحوي والتسلط في المنوال التداولي العرفاني:
نرجس باديس ،حوليات الجامعة التونسية
.8تداولية الخطاب المسرحي (مسرحية عصفور من الشرق) لتوفيق الحكيم أنموذجًا :فطومة الحمادي،
مجلة الحياة الثقافية
. 9سياسة القول ونجاعة الخطاب عند العرب؛ في ضوء التداولية :مراد بن عياد ،مجلة القلم
.10اللسانيات والتداولية :جون سيرفوني ،ترجمة :حمو الحاج ذهبية ،مجلة التبيين
.12الوظائف التداولية والحجاجية لالستشهاد من خالل بعض أعمال الصحافة الجزائرية المكتوبة :عمر
بلخير ،مجلة التبيين
. 13المتكلم وتداوليات الحوار؛ قراءة تحليلية نقدية :عبد الحكيم فرحات ،مجلة الجامعة األسمرية