You are on page 1of 28

‫مجلّة‬

‫المدوّنة‬ ‫ر‪ .‬د‪.‬م‪.‬د‪-ISSN 2437-0819 :‬رقم اإليداع القانوني‪2014-6068:‬‬

‫مقاربة تداولية للقصيدة التفاعلية‬


‫– النقائض أنموذجا‪-‬‬
‫خديجة ابراهيمي‬
‫طالبة دكتوراه‬
‫جامعة محمد خيضر‪ -‬بسكــرة ‪-‬‬
‫تاريخ القبول‪2018/06/11:‬‬ ‫تاريخ اإلرسال‪2018/04/30 :‬‬
‫امللخص‪:‬‬
‫يسعى هذا البحث إلى دراسة النقائض؛ بوصفها بنية شعرية مناظراتية جسدت‬
‫الصراع بين األنا واآلخر‪ ،‬فسارت مجرياتها وفق مسارب التناظر والنزاع والتناقض‪.‬‬
‫وانطالقا من مقاربة تداولية حاولنا استنطاق خطاب النقائض للكشف عن أبعاده‬
‫التداولية ضمن عالقاته التفاعلية وذلك بتتبع بعده الحجاجي واإلنجازي‪ ،‬ثم حاولت‬
‫الدراسة الكشف عن أهم االستراتيجيات واآلليات املتنوعة لصوغ وبناء هذا النموذج الفني‬
‫مدع وعارض لتكون القضايا املطروحة‬ ‫الذي يقوم على التفاعل أو التواصل الحجاجي بين ّ‬
‫محل مساءلة ونقاش‪.‬‬
‫‪Abstrat:‬‬
‫‪The present paper aims to explore contradictions being described as a‬‬
‫‪symmetrical poetical structure which personifies the struggle between the self‬‬
‫‪and the other. These contradictions accordingly manifest via symmetry,‬‬
‫‪struggle and paradox.‬‬
‫‪Based on a pragmatic approach, the researcher tries to interrogate contradiction‬‬
‫‪discourse and thus discover its pragmatic dimensions within interactive‬‬
‫‪relationships thereby tracing its argumentative and speech act aspects. The‬‬
‫‪study also tries to discover the different strategies and mechanisms to structure‬‬
‫‪this artistic model which is essentially built on interaction and argumentative‬‬
‫‪communication between claimer and opponent thereby the question being‬‬
‫‪proposed becomes a site of interrogation and debate.‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫ظهر في الدرس اللغوي والنقدي املعاصر مقاربات في تحليل الخطاب ‪ ،‬أعادت النظر في‬
‫الكثير من القضايا التي تجاوزها البحث اللساني في فهمه للخطاب وتأويله وذلك بعزله في‬

‫تاريخ النشر‪ 30 :‬جوان ‪2018‬‬ ‫‪11‬‬ ‫المجلد الخامس (العدد األول)‬


‫مجلّة‬
‫‪ISSN: 2437-0819, EISSN: 2602-6333‬‬ ‫المدوّنة‬
‫أقوال لغوية إلى فضاء أرحب هو فضاء التواصل والتفاعل وذلك بربط الخطابات بسياقاتها‬
‫التي أنتجت فيها ؛ ليلتحم النظامان اللساني والسياقي في خلق الخطاب ثم في عملية تلقيه‬
‫وتأويله‪.‬‬
‫اتخذت من التداولية وما تطرحه من آليات أداة إجرائية ومرتكزا جوهريا لتأويل‬ ‫ُ‬
‫القصيدة النقائضية بوصفها خطابا تفاعليا تختلف طبيعة تكوينه عن الخطاب الشعري‬
‫السائد يعتمد في أساسه على الحوار لكنه حوار عبر وسيط نوعي‪ -‬الشعر‪ ، -‬فكانت التداولية‬
‫وما تطرحه من أبعاد ملقاربة الخطابات التفاعلية املنهج والسبيل األمثل لسبر أغوار هذا‬
‫الخطاب والكشف عن أبعاده‪ ،‬فالتداولية وجهت بحثها لدراسة اللغة وهي تؤدي أدوارها‬
‫االجتماعية واستوعبت قضايا التفاعل وبحثت في آلياته وقوانينة والقواعد التي تضبطه‬
‫وتحقق نجاعته ليؤدي مقاصده وأهدافه‪.‬‬
‫املنهج التداولي وأبعاده‪:‬‬
‫عولج الخطاب الشعري وفق مناهج متنوعة ومتعددة في كثير من األبحاث والدراسات‪،‬‬
‫واآلن نريد مقاربته تداوليا‪ ،‬وهي املقاربة التي تعالج اللغة في االستعمال وتوجيه هذا‬
‫االستعمال في مواقف محددة (التواصل) للحصول على املقصد أو املعنى من القول؛ أي‬
‫البحث في مرجعيات اإلنتاج ومرجعيات التلقي أو هي « دراسة املعنى الذي يقصدة املتكلم‬
‫»(‪ )1‬وذلك بالتركيز على قصدية املرسل في التعبير عما يريده ‪ ،‬وقدرة املتلقي على الفهم‬
‫والتأويل للكشف عن هذا املقصد ‪ ،‬وهذا ما أقره بول غرايس "‪ "Paule.Grice‬حيث « شدد‬
‫في التواصل على نوايا القائل وعلى فهم املخاطب لهذه النوايا »(‪ ، )2‬ثم حاول إيجاد االختالف‬
‫القائم بين ما يقال(املعنى الحرفي) وما يقصد(املعنى املستلزم)‪ ،‬فربط املقاصد باملقامات‬
‫فوجدها تتغير بتغيرها‪ ،‬فالتواصل يقتض ي بدوره من املرسل أن يعقد إرساليته في متناول‬
‫املتلقي–حقيقيا أم مفترضا– ليستطيع هذا األخير فك سننها وإقامة التأويل؛ ألن كل خطاب‬
‫« كيفما كان نوعه يتم إنتاجه ضمن بنية اجتماعية محددة وتكمن إنتاجيته في كون‬
‫التفاعل يحصل معه في إطار البنية نفسها‪ ،‬وبانعدام هذا التفاعل تنعدم إنتاجية النص»(‪)3‬‬

‫‪ ،‬وإذا كان منطلق التفاعل أو التواصل يقدم من طرف املتكلم في اتجاه املتلقي‪ ،‬بوصفه‬
‫املسؤول عن اإلشارات والرموز التي يتم عقدها في اإلرسالية وفقا لكفاءاته وقواعده‬

‫‪12‬‬
‫مجلّة‬
‫المدوّنة‬ ‫ر‪ .‬د‪.‬م‪.‬د‪-ISSN 2437-0819 :‬رقم اإليداع القانوني‪2014-6068:‬‬

‫الخاصة‪ ،‬فإنه يتحقق كذلك في صورته العكسية ‪ ،‬فليس املرسل وحده من يقوم بإنشاء‬
‫خطابه وإنما يشاركه متلقيه يقينا منا أن املرسل وهو ينش ئ الخطاب يستدعي متلقيا قادرا‬
‫على أن يتلقى خطابه ‪ ،‬فيشترط األول التأثير في الثاني ويدعوه لالستجابة‪ .‬وهذه االستجابة‬
‫هي ما تحقق نجاعة الفعل التواصلي‪.‬‬
‫وإذا بحثنا عن العالقة بين التداولية والقصيدة النقائضية فنجد أن هذا النوع من‬
‫القصائد لها هدف وقصد تواصلي وبعد وظيفي ذو طابع نفعي‪ ،‬نتعامل معها على افتراض‬
‫مسبق أنها تقوم بين ذاتين يتبادالن األدوار واملواقع ‪ ،‬وأن عمليات إنتاج الخطاب واستقباله‬
‫يجمعها سياق تفاعلي محدد ومقام تواصلي معين ؛ أي أن األطراف املتخاطبة حاضرة في‬
‫زمان ومكان محددين يتم من خالله طرح املقاصد واألهداف‪ ،‬ونستطيع أن نمثل للفعل‬
‫التواصلي للقصيدة التفاعلية باملخطط التالي‪:‬‬
‫املتلقي (الشاعر الثاني ) الهدف (اإلنجاز‬ ‫القصيدة‬ ‫املرسل(الشاعر األول)‬
‫املرجع (سياق املوقف) ‪ ،‬القناة (املشافهة‪ /‬الكتابة)‪.‬‬ ‫املشترك‪ ،‬بناء ‪ /‬هدم )‬
‫األبعاد التداولية للقصيدة التفاعلية‪:‬‬
‫‪ -1‬البعد األول املقصدية ‪:‬‬
‫شكلت املقصدية الحجر األساس للمنهج التداولي فهي ترتبط بمقصد املتكلم ال تفهم‬
‫من التراكيب بل على ما تحمله هذه التراكيب أو ما يحاول السامع « أن ُيفهمه للمتلقي من‬
‫خالل أقواله اللغوية »(‪ ،)4‬فيحاول املتلقي التعرف على مقصدية املتكلم من القول نفسه‬
‫« كون أن العملية التواصلية القصدية تفرض طرفين إنسانين مرسل ومتلق‪ ،‬وأن املقاصد‬
‫أنواع‪ :‬مقصد أولي يتجلى في املعتقدات والرغبات التي تكون لدى املتكلم‪ ،‬ومقصد ثانوي‬
‫يكون فيما يعرفه املتلقي من مقاصد املتكلم ‪ ،‬ومقصد ثالث ينعكس في هدف املتكلم الذي‬
‫يريد أن يجعل املتلقي يعترف بأنه يريد منه جوابا مالئما»(‪ ، )5‬وإن لم يفهم القصد فال‬
‫ينجح الفعل وال يحصل تواصل‪ ،‬ويمكننا أن نسمي ما يعتمده الشاعر من استراتيجيات في‬
‫بناء قصيدته من صور وإيقاع وحدث « محورا أفقيا وهذا املحور غير قار ولكنه يتشكل‬
‫في هيآت مختلفة بحسب املقصدية – االجتماعية‪ -‬التي وراءه وهذه العلة األولى املتحكمة‬
‫هي ما يسميه بعض الفالسفة باملقصدية وإن شئنا دعوناه محورا عموديا»(‪ )6‬وأن« توجيه‬

‫تاريخ النشر‪ :‬جوان ‪2018‬‬ ‫‪13‬‬ ‫المجلد الخامس (العدد األول)‬


‫مجلّة‬
‫‪ISSN: 2437-0819, EISSN: 2602-6333‬‬ ‫المدوّنة‬
‫املتكلم أفكاره للسامع قائم على إيمان املتكلم بامتالك السامع معلومات تؤهله لفهم‬
‫قصدية املتكلم »(‪ ،)7‬إذا ال بد من دراسة القصيدة التفاعلية داخل سياقها التداولي أو‬
‫سياقها االجتماعي الذي قيلت فيه‪ ،‬فتتيح لنا العناصر املكونة للسياق التداولي الوقوف‬
‫على بنية القصيدة النقائضية لفك شفراتها أوال وللكشف عن جملة املقاصد واألهداف‬
‫التي يرومها هذا النوع من الخطابات لكي يتضح لنا املقصد والفعل الذي يرام منها ثانيا‪،‬‬
‫ألن شاعر النقائض يحدد متلقيه سلفا ويوجه إليه الخطاب مباشرة ‪ ،‬فيبدو أن فعل‬ ‫ّ‬
‫الكتابة اتفاق ضمني وتعاوني بين الشاعرين حول مقاصد فكرية مشتركة‪.‬‬
‫‪ -2‬البعد الثاني اإلقناع‪:‬‬
‫التفاعل وبنية الحجاج‪:‬‬
‫تطورت الدراسات الحجاجية مع الدرس التداولي الذي أولى اهتماما باللغة وهي تدور‬
‫على ألسنة مستعمليها؛ أي ضمن البعد التفاعلي االجتماعي – الحوار أو التخاطب فعملية‬
‫ّ‬
‫التخاطب ال تتم إال وفق سياق تفاعلي يجمع األطراف املتخاطبة‪ ،‬ويحدد طبيعة العالقة‬
‫التي تسمح للمتكلم الدخول في التخاطب مع اآلخر‪ ،‬ويجعله ينظم خطابه وفق آليات‬
‫يستعملها في بناء مقاصده من القول‪ ،‬فقد يكون املقصد من القول إقامة التواصل حيث‬
‫يتعلق القول باإلخبار والتبليغ‪ ،‬وقد يكون لإلقناع والتأثير‪ ،‬وقد يكون للتوجيه والقيام‬
‫بالعمل أو تركه‪ ،‬فيصنف الخطاب بحسب هاته املقاصد ‪ ،‬فقد يكون حوارا أو مونولوجا‬
‫أو محادثة أو مجادلة أو مساجلة أو مناظرة‪ ،‬وتختلف هذه الخطابات باختالف املنطلقات‬
‫واآلليات التي تضبطها وتتحكم في بنائها‪ ،‬فمثال يختلف الخطاب العادي عن الخطاب‬
‫السجالي أو الخطاب الجدلي الذي يقوم على مبدإ االختالف في طرح اآلراء والقضايا ‪،‬‬
‫فالخطابات التي تقوم على عدم االتفاق في طرح القضايا ووجهات النظر‪ ،‬تمثل مجاال‬
‫خصبا ينشط ويتطور فيه الحجاج ويكون التواصل الحجاجي من أهم املرتكزات التي يقوم‬
‫ُ‬
‫عليها هذا النوع من التفاعل بين الذوات املتحاجة ؛ أي بين املدعي والعارض وعبرها« ت َن ِظ ُم‬
‫أدوار الكالم و يتمظهر الطابع اإلشكالي للقضايا املطروحة ويسعى كل مشارك إلى بناء موقفه‬
‫وألن فهم الحوار املوجه للغير ال يتم‬‫حجاجيا إذا في غمرة األخذ والرد تتشكل األ اء »(‪ّ ،)8‬‬
‫ر‬

‫‪14‬‬
‫مجلّة‬
‫المدوّنة‬ ‫ر‪ .‬د‪.‬م‪.‬د‪-ISSN 2437-0819 :‬رقم اإليداع القانوني‪2014-6068:‬‬

‫فقط باستخراج مدلول العبارة؛ بل يتطلب جملة من العمليات األخرى التي تبنى على‬
‫االستنباط واستخراج املعنى املستلزم أو املضمر القابع خلف العبارة‪.‬‬
‫يتكىء الحجاج(‪ (Argumentation‬على مقوالت رئيسية‪ ،‬يجمع منظروه ّأنه عمل حواري‬
‫ينهض على فكرة استمالة املتلقي "‪ "Adherence‬عبر الخطاب ‪ ،‬أو هو حوار من أجل حصول‬
‫الوفاق بين األطراف املتحاورة ‪ ،‬أو من أجل حصول التسليم لرأي بعيد عن االعتباطية و‬
‫اآلمعقول(‪ ،)9‬فيعتبر الحجاج ممارسة دفاعية يستعملها املتكلم في مواقف معينة يكون فيها‬
‫« عارضا ألفكاره ومعتقداته أو مفندا محاورا أو مقنعا»(‪ ،)10‬وقد حدد "بيرمان" مجموعة‬
‫من املقومات والخصائص التي يقوم عليها الخطاب الحجاجي وينفرد بها على غيره من‬
‫الخطابات األخرى وهي (‪:)11‬‬
‫ّ‬
‫‪ -1‬أنه يتوجه إلى مستمع‬
‫ّ‬
‫‪ -2‬أنه ُيعبر عنه بلغة طبيعية‬
‫‪ -3‬مسلماته ال تعدو أو تكون احتمالية‬
‫‪ -4‬ال يفتقر تناميه‪ -‬إلى ضرورة منطقية بمعنى الكلمة‬
‫‪ -5‬نتائجه ملزمة‪.‬‬
‫أي ّ‬
‫أن التفاعل الحجاجي ظاهرة تواصلية يتم بواسطتها توجيه معتقدات اآلخر سواء‬
‫بإشراكه في الرأي أو إخباره على تعديله وفق ما يقتضيه املقام‪ ،‬فاملتكلم يحاول بناء خطابه‬
‫وفق معطيات معينة تالئم كفاءاته املعرفية واملنطقية والبالغية والتداولية تمكنه من‬
‫تحقيق فعله اإلقناعي وهدفه التواصلي فاإلقناع « شرط موجود بالقوة لدى املرسل بشكل‬
‫ّ‬
‫سابق عن اإلرسال الحواري‪ ،‬ويتمظهر في اإلرسالية بمكوناتها الظاهرة واملضمرة‪ ،‬إال أن‬
‫َ‬
‫تمظهر هذا الشرط لدى املتلقي يكون بعديا وذلك بواسطة التأثيرات االستجابية سواء‬
‫باإلذعان أو الرفض أو غيرهما»(‪ ،)12‬ثم يسعى املتلقي بدوره « إلى إعادة بناء قصد املتكلم‬
‫عبر تأويل كالمه‪ ،‬وبالتالي يمكن أن ينجح في ذلك أو يخفق»(‪ ،)13‬فأي اختالف في وجهات‬
‫النظر واألفكار والقضايا يتم ضمن بنية تواصلية حجاجية ويكون اإلقناع حسب الفعل‬
‫فمثال إذ حدث االقتناع لدى املتلقي حقق الحجاج نجاعته املطلوبة‪.‬‬

‫تاريخ النشر‪ :‬جوان ‪2018‬‬ ‫‪15‬‬ ‫المجلد الخامس (العدد األول)‬


‫مجلّة‬
‫‪ISSN: 2437-0819, EISSN: 2602-6333‬‬ ‫المدوّنة‬
‫النقائض ومنهج املناظرة‪:‬‬
‫ومن خالل مبحث الحجاج نروم دراسة خطاب النقائض‪ ،‬بوصفه تجربة شعرية قريبة‬
‫من الجدل واملحاججة‪ ،‬واعتبارها مناظرة شعرية تقوم على الحوار السجالي بين الشاعرين‪،‬‬
‫أقر "شوقي ضيف" و" طه عبد الرحمن"‬ ‫أو فعل كالمي مبني على مبدإ النفي‪/‬اإلثبات‪ ،‬وقد ّ‬
‫أن منهج النقائض مناظرة شعرية بكل ما تحمله هذه اللفظة من معنى التشارك واملبارزة‬ ‫ّ‬
‫واملنازعة واملقابلة‪ ،‬تتعلق بقضية أو دعوة واحدة يتنازع حولها الشاعران‪ ،‬أي ّأنها« حوار‬
‫يقدم خالله كل متناظر حججه لالستدالل على صحة موقفه من موضوع‬ ‫حجاجي ّ‬
‫فعل فيه الحجاج ‪ ،‬ويتجلى‬ ‫التناظر»(‪ ،)14‬وأن املجال املناظراتي أو الحوار االختالفي هو ما ُي ّ‬
‫فيه البعد التأثيري و اإلقناعي للخطاب‪.‬‬
‫فكانت النقائض تفاعال سجاليا يقوم على املنافرة واملعارضة وعلى مقارعة الحجة‬
‫بالحجة‪ ،‬حيث كان خطاب الرد ينقض ويهدم الخطاب األول من طرف الشاعر الثاني و‬
‫ُْ‬
‫يقوم ببناء خطاب جديد ينفي فيه كل ما أث ِبت في الخطاب األول‪ ،‬فيعتمد كل شاعر على‬
‫جملة من االستراتيجيات البالغية والتداولية لبناء خطابه اإلقناعي معتمدا في بناء حججه‬
‫على مجموعة من املعارف واملسلمات املشتركة بينهما تمكنهما من«إنجاز فعل التواصل‬
‫الحجاجي‪ ،‬محملين بكل انفعاالتهما ونوازعهما واعتقاداتهما وثقافتهما وكفاءاتهما[‪]...‬‬
‫متأهبان بشكل دائم الستنفار كل هذه املكونات ألجل تشغليها جزئيا أو كليا في العملية‬
‫الحجاجية»(‪ ،)15‬فمن خالل هذه املعارف املشتركة يتساجالن أو يتجادالن و بواسطتها يهدف‬
‫مدها‬ ‫كل شاعر إفحام خصمه ومحاولة إقناعه بقضيته‪ ،‬فكانت أول استراتيجية َي َ‬
‫عت ُ‬
‫الشاعر األول لكي يقيم تواصال مع اآلخر (الشاعر الثاني) االستراتيجية التوجيهية وهذا ما‬
‫ّ‬
‫خلق التعدد الصوتي داخل بنية القصيدة وجعلها قصيدة تفاعلية (أنا‪/‬أنت)‪ ،‬فمثلت‬
‫استراتيجية التوجيه البعد التفاعلي نستحضر من خاللها السياق التداولي الذي يحدد‬
‫هوية املتخاطبين حيث تحل «الذات املتلفظة في موازاة املكتوب [‪ ،]...‬فالكتابة تتيح‬
‫َ‬
‫تنصيص ذاته‪ ،‬وجعلها مرجعا تؤول له األدلة والحجج والبراهين واملقاصد »(‪ ،)16‬فكان‬
‫الشاعر األول يطالب الشاعر الثاني دائما باملحاورة ودعوته للرد عن طريق فعل التوجيه‬
‫مثل قول الفرزدق لجرير(‪)17‬‬

‫‪16‬‬
‫مجلّة‬
‫المدوّنة‬ ‫ر‪ .‬د‪.‬م‪.‬د‪-ISSN 2437-0819 :‬رقم اإليداع القانوني‪2014-6068:‬‬
‫َ ُ‬ ‫إن املَ َ‬
‫املراغة ٌب من املَوت ّ‬ ‫َ‬
‫وت ال َّبد نائل ْه‬ ‫ِ‬ ‫هار‬
‫ِ‬
‫فه ْل ٌ‬
‫أحد يا ابن‬ ‫َ‬
‫َ َ َ ُ ُ‬ ‫ّ َ َ َ َّ‬
‫حاول ْه‬
‫بنفسك فانظر كيف أنت م ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ذاه ٌب‬ ‫ُ‬
‫فإني أنا املوت ال ِذي هو ِ‬ ‫ِ‬
‫فيجيبه جرير(‪:)18‬‬
‫َ ُ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ ْ َ َّ‬
‫هر ش ًيئا ُيط ِاول ْه‬ ‫هر ٌ‬
‫خالد فاجئني ِبم ِثل الد ِ‬‫هر ي ِفني املوت والد ُ ِ‬
‫أنا َّ‬
‫الد ُ ُ‬
‫فعامل التوجيه (فعل األمر) هو ما طبع هذا الشعر بالطابع االزدواجي التفاعلي بين ذاتين«‬
‫مؤهلتين ثقافيا‪ ]...[ ،‬تمتلك الحجج والبراهين امتالكا مزدوجا يتشكل على هيئة ثنائيات‬
‫مركبة »(‪ ،)19‬وهو ما يضمن نجاح العملية التحاورية في موقف تواصلي معين‪ ،‬فكان املقام‬
‫أن املتلقي« خصائصه معروفة لدى املرسل‬ ‫مقام سجال يعتمد ثنائية [هدم‪/‬بناء]؛ أي ّ‬
‫ّ‬
‫مسبقا إن لم يحاجج إال من سبق أن فقه موقفه وعرف خصائصه بل واستحضرها في‬
‫ّ‬ ‫ذهنه قبل اإلنتاج ‪ّ ،‬‬
‫ألن من تأثيرات املرسل إليه أنه ينحو مسار الحجاج إلى جانب آخر‪،‬‬
‫أن الخطاب موجه إليه بالذات فقد‬ ‫وعليه فهو مرسل مخصوص‪ ،‬وتكمن خصوصيته في ّ‬
‫يؤيد املرسل بدليل أو أدلة حجاجية تارة ‪ ،‬وقد يغفلها تارة أخرى » (‪ ،)20‬فيلعب املتلقي‬
‫دورا مهما في عملية إنشاء الخطاب‪ ،‬فالشاعر يستدعي املتلقي املوجه إليه ثم يبني خطابه‬
‫وفق هذا املتلقي فيكون قارئا جيدا لكل ما يدور من حوله(عقيدة‪ ،‬نسب انتماء‪ ،‬ظروف‬
‫نفسية اجتماعية سياسية‪ ،‬وبكل ما له عالقة باألمور الفكرية والسلوكية) ليجعل منها‬
‫مكونات جوهرية يحتج بها أمام متلقيه‪ ،‬فتتدخل الكفاءة التداولية في بناء الخطاب«سواء‬
‫في اختيار املقدمات أو في توزيع الحجج أو في انتقاء الخواتم [‪ ]...‬تكفل للباث وصل املقدمات‬
‫بمستتبعاتها والنتائج بأسبابها واملواقف بخلفياتها‪ ،‬واملتلقي فكرة تسيطر على الباث يحاول‬ ‫ِ‬
‫بكل الحيل النفاذ إلى مناطق تفكيره وعوالم شعوره ليقنعه بغاية الخطاب»(‪ ،)21‬وهذا ما‬
‫طرحه " طه عبد الرحمن" باسم " الحجاج التقويمي" وذلك للوصول إلى الهدف الذي‬
‫يرمي إليه الخطاب‪.‬‬
‫اتخذت النقائض الشعرية من (الفخر‪ /‬الهجاء) بوصفهما نسقين متناقضين‪ ،‬مدخال‬
‫مهما لبناء هذه التجربة السجالية التي تقوم على الهدم؛أي التقابل والتناظر بالتناقض‪،‬‬
‫فربطت هذه التجربة موضوعاتها بأنساق معرفية معينة فكانت أكثر األنساق تداوال ما‬ ‫َ‬
‫ارتبط باألمورالفكرية كاملذاهب الدينية واالنقسامات الحزبية واملفاخرات القبلية والنظم‬

‫تاريخ النشر‪ :‬جوان ‪2018‬‬ ‫‪17‬‬ ‫المجلد الخامس (العدد األول)‬


‫مجلّة‬
‫‪ISSN: 2437-0819, EISSN: 2602-6333‬‬ ‫المدوّنة‬
‫االجتماعية ومجموعة القيم األخالقية‪ ،‬وقام هذا األخير(الجانب األخالقي) بتذكية السجال‬
‫وإثارة عواطف الغضب والتعصب‪ ،‬فكان مدار السجال بين الشاعرين حول هذه القضايا‪،‬‬
‫وصاغت النقائض الشعرية الهجاء صيغة "املناظرة "التي تعتمد الدفاع واالنتصار وتقديم‬
‫مجموعة من األدلة والحجج ُيدعم بها كل شاعر قوله ويحاول إقناع خصمه بها‪.‬‬
‫تقنيات اإلقناع‪:‬‬
‫يعتمد الخطاب الحجاجي على جملة من االستراتيجيات التي يستخدمها املتكلم يروم‬
‫من خاللها إقناع متلقيه‪ ،‬فهناك ما يتعلق بكفاءة خاصة باللغة أثناء استعمالها‪ ،‬أي أدلة‬
‫داخلية تتمثل في االختيارات األسلوبية وطرائق التعبير التي يعتمدها املرسل أثناء بناء‬
‫يتوسل بها إلى إقناع متلقيه‪ ،‬معتمدا في ذلك على‬‫خطابه الحجاجي‪ ،‬وهي أدوات وآليات ّ‬
‫مجموعة من الثوابت املشتركة وعلى مسلمات منطقية وخاصة في تلك الخطابات التي‬
‫تنطلق من اللغة إلى الواقع؛ تعتمد مبدإ الصدق لحصول املقبولية لدى املتلقي ولتحقيق‬
‫ُ‬
‫نجاعة الحجج مما يؤدي إلى اإلقناع إذا كان ما طرح تذعن له العقول‪ ،‬أي بطرح القضايا‬
‫والتدليل لها للوصول إلى الحقائق‪ ،‬وهناك كفاءة تواصلية ُيراعى فيها السياق التداولي الذي‬
‫يتعلق ببنية الواقع وبعوامل نفسية واجتماعية وثقافية (أدلة خارج اللغة)‪ ،‬فقامت قصيدة‬
‫النقائض على التواصل السجالي الذي يستند إلى « قوة دافعة تستمد نسغها من التواصل‬
‫الذي تشكل مسالكه ضمن أفق لساني لفظي‪ ،‬وأفق داللي تداولي‪ ،‬وأفق حجاجي منطقي‪،‬‬
‫وما بين هذه اآلفاق ظل الطرفان يتنازعان عن سلطة الرموز ورصيد العالقات وذخائر‬
‫التخييل ومنجزات التمثيل بعملية تواصلية شاقة‪ ،‬كان يهدف كل منهما إلى تشويه حق‬
‫اآلخر وإبطاله ودفعه لتراجع عن موقفه»(‪ ،)22‬فاعتمد اإلقناع نوعين من األدلة‪:‬‬
‫الدليل الداخلي‪:‬‬
‫يعتمد الدليل الداخلي على اللغة‪ ،‬أي البنية النصية التي تحكمها جملة الطرائق اللغوية‬
‫واالختيارات البنيوية التي من خاللها نقوم بإنجاز فعل لغوي إقناعي« تجعل املتكلم في‬
‫اللحظة التي يتكلم فيها يوجه قواه وجهة حجاجية ما»(‪ )23‬كاالعتماد على األدوات اللغوية‬
‫والبالغية (النفي‪ ،‬االستفهام‪ ،‬التكرار‪ ،‬السالم الحجاجية‪ ،‬أسماء التفضيل‪ ،‬صيغ املبالغة‪،‬‬
‫املجاز‪ ،‬التشبيه ‪ ،‬االستعارة ‪ ،‬الكناية)‪ ،‬وال تمثل هذه األدوات اللغوية حجة في ذاتها بل‬

‫‪18‬‬
‫مجلّة‬
‫المدوّنة‬ ‫ر‪ .‬د‪.‬م‪.‬د‪-ISSN 2437-0819 :‬رقم اإليداع القانوني‪2014-6068:‬‬

‫أدوات تساعد املتكلم على بناء خطابه الحجاجي‪ ،‬حيث تمنح الخطاب سمة التأثير في اآلخر‪،‬‬
‫سواء تعلق هذا التأثير‪ ،‬بالتأثير االنفعالي بإثارة األحاسيس واملشاعر‪ ،‬أم التأثير الفعلي‪-‬‬
‫يمس بعض السلوكات واألفعال كتغيير املعتقد مثال أو للقيام بفعل ما‪ُ ،‬‬
‫فتعد‬ ‫العملي‪ -‬الذي ّ‬
‫كل املقومات األدبية والجمالية في القصيدة غايات يروم من خاللها الشاعر التأثير في املتلقي‬
‫وإقناعه بغرضه الحجاجي‪.‬‬
‫أن خطاب النقائض حوار سجالي يهدف من خالله الشاعر األول طرح قضية ما ّ‬
‫ثم‬ ‫وبما ّ‬
‫يدعو الشاعر الثاني مشاركته فيها‪ ،‬اكتسب هذا الشعر السمة الجدلية التي تقام بين طرفين‬
‫يتجادالن حول مجموعة األفكار واآلراء‪ ،‬فيصبح الشاعر األول املدعي‪ -‬لقضية ما ثم يقوم‬
‫بالتدليل لها فيعتمد على جملة من الحجج ليثبتها ويؤكدها‪ ،‬ويكون الشاعر الثاني ‪-‬‬
‫املعترض‪ -‬على القضية فيقوم بدحضها ونقضها وبناء وتأسيس خطابه على أنقاضها‬
‫لتتبادل األدوار وليصبح بدوره املدعي واآلخر املعترض‪ ،‬فلجأ الشاعران معا إلى مجموعة من‬
‫األدلة اللغوية يحاول كل شاعر بواسطتها التدليل لقضيته محاوال إقناع خصمه بها (متلقيه‬
‫املقصود) أوال ثم إقناع الجمهور الحاضر واملعاصر له ‪ ،‬ثم املتلقي عامة لكل قارئ لها‪.‬‬
‫ما يلفتنا للوهلة األولى من القراءة وجود بعض الخصائص البارزة للقصائد ال يستطيع‬
‫القارئ تجاوزها؛ بل تشكل ظاهرة البد من أن يجد لها تسويغا وتأويال ذات بعد تداولي‬
‫وداللي له صلة وثيقة بمقصدية أراد الشاعر إثباتها سواء ما تعلق بالجانب العقائدي أو‬
‫النفس ي أو االجتماعي أو الثقافي أو السياس ي‪ ،‬وكان االعتماد على األدوات اللغوية بمثابة «‬
‫فينظم الخطاب الشعري‬ ‫قوالب لها أدوارها التي تنظم العالقات بين الحجج والنتائج»(‪ُ ،)24‬‬
‫وفق نسق لغوي معين وضمن سياقات بوصفها افتراضات مسبقة وخلفيات معرفية‬
‫مشتركة تحقق التواصل بين الطرفين وتضمن سير الحوار اإلقناعي وفق سيرورة تواصلية‬
‫حجاجية‪.‬‬
‫‪ -1‬التكرار‪:‬‬
‫وكانت أول هذه التقنيات هو االستعمال املكثف لظاهرة التكرار التي شكلت ملمحا بارزا‬
‫ومهيمنا بتشكالته املختلفة نحاول من خالله الولوج إلى عالم القصيدة باحثين فيه عن‬
‫أهم الدالالت التي بثها الشاعر من خالل اعتماده املكثف على دوال ومدلوالت محددة تبدو‬

‫تاريخ النشر‪ :‬جوان ‪2018‬‬ ‫‪19‬‬ ‫المجلد الخامس (العدد األول)‬


‫مجلّة‬
‫‪ISSN: 2437-0819, EISSN: 2602-6333‬‬ ‫المدوّنة‬
‫مؤشرات مفصلية في تشكيل القصيدة‪ ،‬ولعل ما يميز التكرار في شعر النقائض أنه يؤدي‬
‫حمل الشاعر الدوال مسؤولية الكشف عن‬ ‫ُ ّ‬
‫وظيفتين تتمثل األولى في خاصية التعبير حيث ي ِ‬
‫ّ‬
‫نواياه ومقاصده ‪ ،‬فيشحن خطابه بقيم شعورية وفكرية يلح الشاعر على طرحها من خالل‬
‫تركيزه على تكرارها‪ ،‬والثانية وظيفة التأثير في اآلخر‪/‬املتلقي املقصود ودفعه للرد‪ ،‬فيتجلى‬
‫البعد التفاعلي من خالل قصيدة الرد(الثانية)‪ ،‬فالشاعر الثاني في خطاب الرد يكرر تجربة‬
‫الشاعر األول مع االعتماد على تقنية النقض التي تعتمد على النفي مقابل اإلثبات‪ ،‬فإن‬
‫فإن الشاعر الثاني يقوم‬‫كان الشاعر األول أثبت مجموعة من القيم والوقائع واملسلمات‪ّ ،‬‬
‫في خطاب الرد على نفيها معترضا عليها‪ ،‬فالتكرار في القصيدة النقائضية ذو قيمة تداولية‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫وظيفية تساهم في بناء مقصدية الطرفين من هذا االستعمال‪ ،‬نروم من خالله‬ ‫ترتبط ِب ِبنية‬
‫« الكشف عن ذلك البعد االنفعالي حيث تكون فيه امللفوظات بمثابة الحجج التي ُيولي‬
‫عول عليها لتبرير انفعال بعينه»(‪ ، )25‬فيقوم ببناء االنفعاالت ً‬
‫بناء حجاجيا يقوم على النزاع‬ ‫ُوي ّ‬
‫والسجال ويصبح التكرار آلية بين الشاعرين يشتركان فيه انفعاال وقصدا من الشاعر األول‬
‫وإدراكا وفهما من املؤول الشاعر الثاني‪ ،‬فيلعب وظيفة إقناعية تتمثل في التأثير والفعل في‬
‫املتلقي وخاصة إذا كان هذا املتلقي موجودا بالفعل موجها بالخطاب‪ ،‬يريد أن يجعل منه‬
‫مقتنعا بالفكرة ال مجرد متلقيا‪ ،‬ومن خالل ذلك الحضور املكثف لدوال ومضامين معينة‬
‫يحاول شد ذهنه بالفكرة املراد إيصالها‪ ،‬فبقدر ما يعتمد الشاعر األول على تكرير مضامين‬
‫معينة يريد بها إقناع اآلخر‪ ،‬بقدر ما يعتمد الشاعر الثاني بدوره أيضا على تكرار مضامين‬
‫ومصرا على عدم االقتناع بها‪ ،‬فاعتمد‬ ‫معينة يعترض بواسطتها على دعوة الشاعر األول ّ‬
‫الشاعران على تكرار"الهجاء" وسمح سياق الهجاء بتبلور وتطور موضوعات هذه القصائد‪،‬‬
‫َ‬
‫فنجد كل شاعر ينهل من معجم لغوي ُي ِعينه على اإلثارة والتهجم مما يستفز املهجو ويثيره‬
‫على الرد‪ ،‬فيلجأ الشاعر إلى إعادة دعواه وقضاياه جاعال من تكرارها وظيفة إقناعية يثبت‬
‫بها مقصده‪.‬‬
‫أن " الفرزدق" جعل من "الفخر"‬ ‫عمد الشاعران إلى تكرار مضامين معينة ولذلك نجد ّ‬
‫منطلقه الذي بنى عليه تجربته الشعرية وهذا ما يتالءم مع مقامه على عكس "جرير" الذي‬

‫‪20‬‬
‫مجلّة‬
‫المدوّنة‬ ‫ر‪ .‬د‪.‬م‪.‬د‪-ISSN 2437-0819 :‬رقم اإليداع القانوني‪2014-6068:‬‬

‫اتخذ من "الهجاء" وسيلة للهجوم والدفاع فانقسمت املضامين التكرارية إلى اثنين كل‬
‫شاعر يحتج لعواطفه األول "للفخر" والثاني" للهجاء"‪:‬‬
‫الفخر‪ :‬يعتمد الشاعر على تكرار دوال ومضامين دالة على ثقافة القوة‬ ‫‪‬‬
‫واالستعالء‪.‬‬
‫الهجاء‪ :‬يعتمد الشاعر على تكرار دوال ومضامين دالة على القذف‬ ‫‪‬‬
‫والسب والتهكم للسخرية‪.‬‬
‫يستعمل الشاعران هذين النسقين استعماال حجاجيا يحاول كل شاعر إقناع خصمه عبر‬
‫ذلك الكم املتراكم واملكثف من القضايا التي تتعلق بإثبات املقصد الذي أراده سواء أن‬
‫ً‬
‫فضاء ذهنيا مشتركا بينهما‪،‬‬ ‫احتج لـ (القيم أو الوقائع أو األيام أو الحقائق) وهي ما تمثل‬
‫ومن خالل هذا املشترك يستطيع الشاعر الثاني أن يعارض دعوة الشاعر األول أو أن‬
‫يؤيدها‪ ،‬فيحاول الشاعران بواسطة التكرار ترسيخ ثقافة املعارضة التي تقوم على النقض‪،‬‬
‫لكل منهما منطلقه األساس ي فأراد " الفرزدق" بواسطة الفخر أن يجسد ثقافة الوالء التي‬
‫ظهر الذات في علوها واستطالتها‪ ،‬محاوال‬ ‫ُ‬
‫تمثل عالقة االتصال مع "نحن" ضد اآلخر أين ي ِ‬
‫إقناع خصمه بمعاني [القوة ‪ ،‬الغلبة] فنجده يكرر هذه املعاني ويصدح بها في كل قصيدة‬
‫محتجا لقوته الذاتية وملكانته االجتماعية جاعال منها حجة سلطوية يمارس من خاللها‬
‫سلطته على خصمه‪.‬‬
‫ولعل أول ما نلمحه من العناصر املكررة حضور ضمائر "املتكلم واملخاطب" بشكل‬ ‫ّ‬
‫مكثف داخل بنية القصيدة ‪ ،‬وشكل تكرار" أنا ‪ /‬الجماعية "نحن" عند "الفرزدق" قيمة‬
‫حجاجية أراد من خاللها إقناع "جرير" بشرعية قضية" النسب" التي كانت من أهم النظم‬
‫ُ‬
‫االجتماعية التي تقرتها الثقافة العربية آنذاك والتي تسعى إلى ترسيخها في أشعارها‪ ،‬فكان‬
‫على الشاعر لزاما أن ينخرط مع "نحن" ليجسد انتماءه ومكانته االجتماعية باعتباره أحد‬
‫وأن ال قيمة لألنا خارج الجماعة‪ ،‬فوجد "الفرزدق" في هذا االنتماء حجة سلطوية‬‫أفرادها‪ّ ،‬‬
‫يفتخر بها على "جرير"‪ ،‬فأراد من تكراره لهذا الفخر ترسيخ فكرة االنتماء وعراقة نسبه‬
‫بث من خاللها مقصدية التفاوت الطبقي (القوة ‪/‬الضعف)‪ ،‬ونجد "الفرزدق" يكرر في‬
‫الفخر مجموعة من القيم اإلنسانية النبيلة معتمدا في ذلك على املعجم‬

‫تاريخ النشر‪ :‬جوان ‪2018‬‬ ‫‪21‬‬ ‫المجلد الخامس (العدد األول)‬


‫مجلّة‬
‫‪ISSN: 2437-0819, EISSN: 2602-6333‬‬ ‫المدوّنة‬
‫الديني‪/‬األخالقي(العدل‪،‬الشجاعة‪ ،‬الكرم‪ ،‬السماحة‪ ،‬الحلم‪ ،‬األمن)‪ ،‬فتداول الشاعر هذه‬
‫القيم أمام مخاطبه سواء أكان ممدوحا أو مهجوا أو أراد به فخرا« فجمعها في الذات وتغنى‬
‫بها متخذا من تلك القيم حجة مركزية بها يستدل على ّ‬
‫تميز الذات وتفردها»(‪ ،)26‬فمثلت‬
‫ُ‬
‫هذه القيم أسسا يحتج بها خاصة أن السياق املرجعي يضبط صدقها‪ ،‬فكان التكرار مرتكزا‬
‫دالليا يؤكد ويرسخ هذه املعاني ُويكسبها وظيفة إقناعية داخل الخطاب‪ ،‬وشمل‪:‬‬
‫معان ومضامين وحوادث معينة محملها‬ ‫‪ 1-1‬تكرار فعل الكرم‪ :‬عمد "الفرزدق" إلى تكرار ٍ‬
‫مقصدا دالليا‪ ،‬يريد به ترسيخ هذه القيمة التي جعلها قضية وأقام عليها خطابه ككل‬
‫يحتج لها في كل قصيدة ‪ ،‬فاتخذ من تكرار "الزمن الليلي" لقرى األضياف وتكرار حادثة‬
‫جده "صعصعة" التي يؤكد من خاللها " لفعل الكرم" يريد أن ُيقنع بها مخاطبه الذي ُيقر‬
‫بصدقها ومشروعيتها ال يمكن نكرانها أو إبطال دعوته‪.‬‬
‫يقول الفرزدق في هذا املعنى(‪:)27‬‬
‫ُ‬ ‫ضوام ُن لألرزاق ّ‬
‫والر ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ّ ُ ََ‬ ‫َ‬
‫يح زفزف‬ ‫دورنا‬ ‫الجيران أن ق‬
‫وقد ع ِلم ِ‬
‫َ ُّ َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُون َع ّجل ّ‬
‫غرف‬ ‫بمعبوط تمد وت‬
‫ٍ‬ ‫لضيفان في امل َحل بالق َرى ق ُدورا‬ ‫ِ‬
‫ّ ّ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ى َ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ُّ‬
‫بالس ِم ترعف‬
‫وهي ِ‬
‫والي ِ‬ ‫وكنا إذا ما استكره الضيف بالقر أتته الع ِ‬
‫وجعل "الفرزدق" من واقعة "جده صعصعة" ودفع املال في سبيل وأد البنات‪ ،‬حجة‬
‫أن هذا املمدوح من‬ ‫سلطوية يهدف من خاللها إقناع "جرير" بمكانته االجتماعية وخاصة ّ‬
‫أنسابه وأسرته‪ ،‬وبإحالته إلى شخص"جده صعصعة" ذات وجود واقعي قاصدا من وراء‬
‫هذا التوظيف للشخصية حجة منطقية إلبراز مركزية وسلطة األنا مقابل اآلخر‪ ،‬وما تثيره‬
‫هذه الواقعة من أثر سلبي في مخاطبة "جرير" وخاصة أن هذا الحدث ال يشكك في صحته‬
‫فهو متداول ويعد من املعارف املشتركة واملتفق عليها بين طرفي الخطاب‪ ،‬فاعتمد‬
‫"الفرزدق" على توظيف هذه الحادثة كحجة ووجهها إلى "جرير"هذا املعنى الظاهر من‬
‫معينا ممدوحه‬ ‫القول‪ ،‬وكان املعنى الضمني هو إقرار بوضاعة ودونية اآلخر‪" /‬جرير"‪ّ ،‬‬
‫باسمه حيث يقول (‪:)28‬‬
‫وزاء َ‬
‫والن ْج ُم ُي ُ‬ ‫ف َ‬
‫الج ُ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َ َ َ َّ‬ ‫َ‬
‫مطر‬ ‫حل‬
‫أحد الغيثين صعصعة ال ِذي متى ت ِ‬ ‫إلى ِ‬

‫‪22‬‬
‫مجلّة‬
‫المدوّنة‬ ‫ر‪ .‬د‪.‬م‪.‬د‪-ISSN 2437-0819 :‬رقم اإليداع القانوني‪2014-6068:‬‬
‫ص َع َة َّالذي َغ َ‬
‫وصع َ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مر الب َ‬
‫حارا‬ ‫أت ْه ُجو باألق ِار ِع وابن ليلى‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ‬
‫بالك َواظم (‪)29‬‬ ‫أس ًيرا وال أجدافنا‬ ‫ثل أ ِس َيرنا‬ ‫وما َع ِلم األقوام ِم‬
‫ََ َ َ َ ََ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫األ ْح َي ُاء ْ‬
‫أن َي ْح ِملوا َد ًما أناخ إلى أجداثنا ك ُّل غارم‬ ‫ِإذا ع ِجز‬
‫َ ُ ُ َّ َ ْ َ ُّ َ‬ ‫ظلوم َإلينا ف ُ‬ ‫َ ّ َ ُ‬
‫كل ظ ِال ِم‬ ‫ويهرب ِمنا جهده‬ ‫راره‬ ‫ترى كل م ٍ‬
‫َ َ َ ُ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُّ‬ ‫َْ ُ َ‬
‫مل املغارم‬ ‫إذا أثق َل األعناق ح‬ ‫تل األ ْس َرى ول ِكن ن ُفك ُهم‬ ‫فال نق‬
‫‪ 2-1‬تكرار الفخر بالقبيلة‪ :‬يجسد الفخر بالقبيلة فكرة "االنتماء"« فالقبيلة من الرموز‬
‫املشتركة تتفق حول أهميتها كل العرب يؤمنون جميعا بقداستها إذ بها يتمسك العربي‬
‫باسمها يحارب ويهادن ويعقد األحالف وينقضها‪ ،‬فإذا أراد أحدهم إقناع املتلقي بفكرة ما‬
‫احتاج أن يحرك في ذاته قداسة هذا الرمز»(‪ ،)30‬فكانت القبيلة آنذاك رمزا للسلطة‬
‫السياسية واالجتماعية ورمزا للحماية وااللتجاء‪ ،‬فالشاعر يحمل القبيلة مجموعة من‬
‫القيم والدالالت النفسية والروحية واالجتماعية املرتبطة بالبطولة والتحدي والقوة ومن‬
‫ُ‬
‫خاللها تجسد فاعلية األنا‪ ،‬فنجد الشاعر يتداول كثيرا من الوقائع التاريخية ‪ ،‬فيكتسب‬
‫الفخر بالقبيلة مشروعية اإلقناع عندما تتطابق هذه األحداث مع الواقع فتغدو مسلمة‬
‫يحتج بها ويكررها متى شاء‪ ،‬وجعل"الفرزدق"من تكرار"النموذج الفخري"حجة سلطوية‬
‫ضد "جرير" مثبتا بها املكانة االجتماعية وقضية "االنتماء والنسب"‪ ،‬باإلضافة إلى املكانة‬
‫الثقافية التي تتمثل في وظيفة كونه شاعرا اختارته القبيلة ليكون لسانها واملدافع عنها‬
‫كقوله (‪: )31‬‬
‫وائم‬
‫ُ َ ُُ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َفلو ُك ْن َت ُ‬
‫منهم لم ت ِع ْب ِمدح ِتي ُله ْم ِ‬
‫ولكن ِحمار وشيه بالق ِ‬
‫ُ َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫نك ّأني َأنا ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ َ‬
‫ند امل َواسم‬ ‫ابن َها وراحل َها املعروف ع‬ ‫منعت ت ِم ًيما ِم ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫مار امل َح ِار ِم‬‫ميم وامل َحامي َو َر َاءها إذا أ ْسل َم الجاني ِذ‬
‫أنا ابن ت ٍ‬
‫‪ 3-1‬تكرار الهجاء‪:‬‬
‫قامت تجربة النقائض على الهجاء وفق سياقي تفاعلي سجالي‪ ،‬لهذا عمد الشاعران في‬
‫كثير من القصائد على تداول وتكرير "الهجاء"‪ ،‬وتشبيهه مرة بالسهم وتارة بالكأس املرة‪،‬‬
‫وتارة باملوت وتارة بالنار والوقود وتارة ّ‬
‫بالسم وتارة بالحرب‪ ،‬مما يعتمد على مبدإ اإلثارة‬
‫واالستفزاز‪ ،‬فيفخر الشاعر بملكته الشعرية ومقدرته على القول وإشعال نار الحروب‬

‫تاريخ النشر‪ :‬جوان ‪2018‬‬ ‫‪23‬‬ ‫المجلد الخامس (العدد األول)‬


‫مجلّة‬
‫‪ISSN: 2437-0819, EISSN: 2602-6333‬‬ ‫المدوّنة‬
‫اللسانية مسلطا لسانه كوسيلة للدفاع ووسيلة للمواجهة‪ ،‬ينهل من معجم شعري يشع‬
‫بمعاني التهكم والسخرية القائمة على الهدم واإلقصاء وما تخلقه كلماته من وقع وأثر في‬
‫نفس خصمه‪ ،‬مما يدفع مخاطبه للرد معترضا على تلك الصفات الهجائية ‪ ،‬ولهذا نجد ّ‬
‫أن‬
‫"الفرزدق" و"جرير" اعتمدا على تكرير نموذج معين وبشكل مكثف‪ ،‬ولنقول أن تجربة‬
‫النقائض دامت أربعين سنة تدور في مضمار هذه املضامين‪ ،‬فبدا خطاب النقائض خطابا‬
‫مكررا سواء الشاعر مع نصه أين يكرر مضامين معينة أو إعادة هذه املضامين في خطاب‬
‫الرد من طرف الشاعر الثاني تمثلت في تكرار‪:‬‬
‫‪ -1‬تكرار اسمي الشاعرين‪ :‬نجد تواتر اسم "الفرزدق" في خطاب "جرير"‪ ،‬وكذلك نجد‬
‫تواتر اسم "جرير" في خطاب "الفرزدق" سواء باالسم أو الكنية أو بنسبه نسبه أو إلى‬
‫قبيلته‪.‬‬
‫‪ -2‬تكرار اسم قبيلة الخصم في كال الخطابين" تميم"" دارم" " بنو كليب"" قيس عيالن"‬
‫‪ -3‬تكرار معاني القوة والغلبة والتفوق في شعر الفرزدق‬
‫‪ -4‬تكرار قيم وصفات الذل والخزي واللؤم‬
‫‪ -5‬تكرار وضاعة النسب بالنسبة لجرير في خطاب الفرزدق‬
‫‪ -6‬تكرار معاني البخل في شعر الفرزدق وينسبها إلى جرير‬
‫‪ -7‬تكرار جرير لحادثة قتل مجاشع" لزبير بن العوام" حواري الرسول صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -8‬تكرار جرير ملهنة الفرزدق" القين"‪.‬‬
‫‪ -9‬تكرار جرير معاني الفحش والقذف وما يرميه في أخته "جعثن"‪.‬‬
‫أن "الفرزدق" بنى خطابه اإلقناعي على جملة من القيم بل وأفرط في تكريرها‬ ‫ما نالحظه ّ‬
‫أن " كليب" " قيس عيالن" الدالة‬ ‫ليثبت هذه املعاني في كل قصيدة لفظا ومضمونا ‪ ،‬فنجد ّ‬
‫ّ‬
‫على قبيلة "جرير" وما يذكرها "الفرزدق" إال ونجده يستهزئ ويسخر منها ويجردها من كل‬
‫القيم‪ ،‬يريد إقناع الجمهور املتلقي بهاته املعاني؛ بل يدعوهم لنبذها والتشهير بلؤمها وخزيها‬
‫وهوانها‪ ،‬معتمدا على مجموعة من األدلة والبراهين يستمدها من السياق الخارجي (الواقع)‬

‫‪24‬‬
‫مجلّة‬
‫المدوّنة‬ ‫ر‪ .‬د‪.‬م‪.‬د‪-ISSN 2437-0819 :‬رقم اإليداع القانوني‪2014-6068:‬‬

‫ليؤسس بها خطابا إقناعيا ويقيم بها تواصال حجاجيا مع اآلخر يحتج بها في عالقته‬
‫التفاعلية السجالية التي تقوم على مبدإ النقض والنفي‪.‬‬
‫يقول الفرزدق في هذا املعنى (‪:)32‬‬
‫حت َ‬ ‫وض ْ‬ ‫الل ْيل ما َ‬ ‫ُ ُ ُ ّ‬ ‫َُ‬ ‫ولو ٌت َ‬
‫لس ِار‬ ‫نجوم ِ‬ ‫رمى بلؤم بني كلي ٍب‬
‫الن َه ِار‬ ‫س ُل ْؤ ُم ُه ْم َ‬
‫وض َح ّ‬ ‫َّ‬
‫لدن َ‬ ‫ْ َ َّ َ ُ ُ‬
‫بنو كلي ٍب‬ ‫ولو لبس النهار‬
‫حار‬ ‫َ َّ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫دو َع ُ‬ ‫ْ‬
‫يغ ُ‬
‫ليطلب حاجة إال ب ِ‬ ‫زيز بني كليب‬ ‫وما‬
‫ويقول أيضا (‪:)33‬‬
‫ض َابا‬‫فر َع اله َ‬‫وال َج َبلي ّالذي َ‬ ‫َ َ ُّ‬
‫مر الث َريا‬ ‫بنائل ق‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫وليست ِ‬
‫َ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ ُ‬
‫الرغ َابا‬
‫أتطلب يا حمار ببني كليب ‪..........‬اللهاميم ِ‬
‫ُ‬
‫الس َ‬ ‫فقئية ّ‬ ‫ُ ّ‬ ‫َ‬
‫بابا‬ ‫وتعد ُل بامل ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫كليب‬
‫وتعدل دارما ببني ٍ‬
‫أيت ُله اضطر َابا‬ ‫أتعدل َحومتي َببني ُك َليب إذا َب ْحري َ‬ ‫ُ‬
‫ِ ر‬
‫كعبا َ‬
‫ورثت وال ِكالبا‬ ‫ولم تزن الفوارس من نمير وال َ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫حظائرها الخبيثة والزرابا‬ ‫ولكن قد ورثت بني كليب‬
‫وطرح "جرير" في خطابه مجموعة من القيم السلبية ونسبها إلى اآلخر"الفرزدق"‪ ،‬مكررا مجموعة‬
‫من الدوال حيث ال تخلو قصيدة واحدة منها (مجاشع‪ ،‬كير‪ ،‬القين‪ ،‬جعثن)‪ ،‬وشكلت هذه‬
‫الدوال البنية أو النسق الداللي الكلي التي بنى عليها "جرير" خطابه التفاعلي مع‬
‫"الفرزدق"‪ ،‬وأقام بها محاورته الشعرية ليهدم ويعارض بها خطاب "الفرزدق"‪ ،‬يقول‬
‫"جرير" مكررا بعض املوضوعات ليهدم بها فخر "الفرزدق" وينقض حججه ودعواه (‪:)34‬‬
‫َْ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫نوار َف َ‬
‫زدق ل ْم ُيول ِد‬ ‫ض ْح َت القيون فليت الفر‬ ‫تقو ُل ُ‬
‫َ ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫دت ول َيت َك لم تش َه ِد‬ ‫والر َم ِاح ش ِه‬
‫ّ‬ ‫َ َ‬
‫وقالت ِب ِذي حوم ٍل ِ‬
‫وعدل من ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ ُ‬
‫الح َمم األس َود‬ ‫ِ ٍ‬ ‫زدق بالكل َبتين‬ ‫وفاز الفر‬
‫فس ِد‬
‫َ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫لج ّد َك َ‬
‫أكي َار ُه‬ ‫فر ّقع َ‬‫َ‬
‫وأص ِلح متاعك ال ت ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ووسع لكير َك في املق َعد‬
‫ّ‬ ‫الق َ‬
‫دوم‬ ‫ْ‬
‫وأد ِن العالة وأد ِن‬
‫ويقول مكررا املعنى نفسه ‪:‬‬

‫تاريخ النشر‪ :‬جوان ‪2018‬‬ ‫‪25‬‬ ‫المجلد الخامس (العدد األول)‬


‫مجلّة‬
‫‪ISSN: 2437-0819, EISSN: 2602-6333‬‬ ‫المدوّنة‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫فانفخ بكيرك يا ف َرزدق إن ِني في باذخ ِملح ِ ّل ب ِ‬
‫يتك ع ِال‬
‫وشكلت واقعة " مقتل الزبير" محورا مركزيا يهدم به "جرير" خطاب "الفرزدق" ويرد‬
‫عليه فخره و معانيه في قوله (‪:)35‬‬
‫باع بذي قار ُت ْم َنى َ‬
‫األم َ‬
‫انيا‬ ‫الزَبير َك َّأن ُك ْم ض ُ‬ ‫َ‬
‫اغ ْي ُتم َيوم ُّ‬‫تر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الزوا ِن َيا‬ ‫عد ُّ‬
‫الزَبير ّ‬ ‫فسم ًيتم َب َ‬‫بأسالب َجاركم ُ‬ ‫وآب ابن ّذيال ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ويكررها في قوله (‪:)36‬‬
‫ْ ُ َ‬ ‫عاقد حبوة َت ًبا ُ‬ ‫الزبير َ‬
‫لم ت ْحل ِل‬ ‫لح ْب َو ِت َك التي‬ ‫ٍ‬
‫وأنت ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قتل‬
‫َ َ‬ ‫َ َ ُّ َ َ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ُ َ ُُ‬
‫سل‬
‫ض لم تغت ِ‬ ‫وك فإنك ِم بعد الزب ِير كحا ِئ ِ‬ ‫ال تذكروا حل َل املل ِ‬
‫وما نجده أيضا مكررا وبشكل مكثف أسلوب النفي وهو ما يقابل اإلثبات‪ ،‬الذي‬
‫ّ‬
‫يستدعيه السياق التفاعلي الذي جمع الشاعرين "الهجاء"‪ ،‬فالشاعر ينفي على خصمه‬
‫ثم يجعل من هذا النفي حجة على الخصم‬ ‫جملة من القيم والصفات ويرميه بأخرى‪ّ ،‬‬
‫وحجة له ليثبت عكسها وينقض بها خصمه‪.‬‬
‫‪ -3‬البعد الثالث الفعل الكالمي‪:‬‬
‫ويقوم هذا االتجاة على فرضية أساسية مؤداها أن نخرج اللغة« من حيز العدم إلى الوجود‬
‫»(‪ )37‬وهو ما يعني أن «وظيفة اللغة األساسية ليست في إيصال املعلومات والتعبير عن‬
‫األفكار؛إنما هي مؤسسة تتكفل بتحويل األقوال التي تصدر ضمن معطيات سياقية إلى‬
‫أفعال ذات صبغة اجتماعية »(‪ )38‬ومن هذا املنظور لم تعد اللغة‪ /‬الكالم مجرد وسيلة‬
‫للتواصل واإلبالغ أو التعبير ‪-‬الوظيفة التعاملية‪ -‬فقط؛ بل أصبحت ذات وظيفة تفاعلية‬
‫تتمثل في التعبير عن العالقات االجتماعية واملواقف الشخصية ُينجز بواسطتها املتكلم‬
‫أحداثا وأفعاال اجتماعية يريد من خاللها أن يمارس تأثيرا ويحقق استجابة ويؤسس عالقة‬
‫بين اللغة والعالم الخارجي؛ أي دراسة العبارات والنصوص كمنجز بالفعل من خالل البحث‬
‫عن األهداف واملرامي العملية لها‪ ،‬حيث يصبح لكل ملفوظ أو قول عمال أو فعال ّ‬
‫يتضمه‬
‫وجعل كل من‬ ‫وصيغ أحداثه والتأثير فيه »(‪َ ،)39‬‬ ‫يهدف من خالله إلى« تغيير العالم َ‬
‫"ج‪.‬ل‪.‬أوستين"و "ج‪.‬سيرل" و"ب‪.‬غرايس" نقطة البدء واالنطالق إلنجاز الفعل الكالمي أو‬
‫تأويله هو االعتماد على السياق التداولي أو التفاعلي‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫مجلّة‬
‫المدوّنة‬ ‫ر‪ .‬د‪.‬م‪.‬د‪-ISSN 2437-0819 :‬رقم اإليداع القانوني‪2014-6068:‬‬

‫إذا فاللغة أو الكالم بحسب هذه النظرية لم يصبح مجرد «مظهرا لسانيا يقف عند‬
‫دور تسمية األشياء ووصفها والكشف عن مضمونها؛ بل الكالم عملية اتصالية به ُينشأ‬
‫الكون ويتجدد معناه‪ ،‬إذ يتمثل جوهره األساس ي في عملية تأويل العالم وفهمه على وجهه‬
‫الصحيح (»‪ ،)40‬أي أن وراء كل تفاعل أو تبادل حواري نسق اجتماعي يسيطر ويوجه‪.‬‬
‫‪ ‬السياق التفاعلي وإنجاز الفعل الكالمي‪:‬‬
‫يعد إنجاز الفعل ممارسة إجرائية ُيسند للمتكلم الدور األساس ي لتوقيعه داخل مواقف‬
‫وسياقات‪ ،‬يتم من خاللها تحديد األهداف واملقاصد التي يتم توجيهها إلى الطرف الذي‬
‫يشاركه الحوار أو الحديث‪ ،‬مع تعيين الفعل املشترك بينهما ومنها يستمد كل طرف سلطته‬
‫في إحداث التفاعل والتواصل مع الغير‪.‬‬
‫َ‬
‫يعد السياق التداولي أو التفاعلي من أهم الركائز التي تضمن للفعل الكالمي تحققه إما‬
‫ّ‬
‫بالنجاح أو الفشل‪ ،‬فالفعل الكالمي ال تتحدد إنجازيته إال ضمن وضعية تواصلية تحدد‬
‫طبيعة العالقة بين األطراف املتفاعلة أو الذوات املتخاطبة ّ‬
‫ألن املرامي واملقاصد التواصلية‬
‫ال تعتمد«على الداللة اللسانية للقول‪ ،‬بل ينطلق منها ويتجاوزها بتشغيل كل أنواع‬
‫املقدمات واملؤشرات والقرائن السياقية »(‪ ،)41‬فطرح "سيرل" إشكالية أساسية هي العالقة‬
‫بين القول والعالم أو بين القول واإلنسان‪ ،‬وبحث عن اآلثار التداولية للملفوظ الواحد في‬
‫سياقات مختلفة فربط نفس امللفوظ بإنجازات متباينة فعبارة « صباح الخير بالنسبة‬
‫ليبين كيف أن املتكلم حين قال صباح الخير لشخص ما‪ ،‬لم يقصد‬ ‫لسورل قول استعمل ّ‬
‫ّ‬
‫بهذا التعبير معناه الداللي‪ ،‬وإنما كان قصده إلى التحية أو محاولة الدخول في تواصل مع‬
‫أن العناصر السياقية تساهم في‬ ‫الغير» (‪ ، )42‬وقد ُتستعمل لتؤدي قصدا آخرا؛ لذلك وجد ّ‬
‫ُ‬
‫ضبط التفاعل من طرف املتكلم أوال حيث يختار االستراتيجيات الخطابية التي توفي‬
‫بمقاصده‪ ،‬وتساعد فيما بعد املتلقي على التأويل والوصول إلى املعنى املقصود‪ ،‬فكل ما‬
‫يحدث قبل انطالق التفاعل من مواضعات تداولية تساهم إسهاما كبيرا في إنتاج بنية‬
‫معينة لحظة إنجاز الفعل الكالمي‪ ،‬يبحث من خاللها املتلقي على املقاصد واألفعال املنجزة‪.‬‬
‫ومن خالل أفعال الكالم نتعرف على مقاصد املتكلمين العملية والقيم الفعلية لألقوال‬

‫تاريخ النشر‪ :‬جوان ‪2018‬‬ ‫‪27‬‬ ‫المجلد الخامس (العدد األول)‬


‫مجلّة‬
‫‪ISSN: 2437-0819, EISSN: 2602-6333‬‬ ‫المدوّنة‬
‫نتكلم يعني أننا نريد أن ننجز أفعاال بواسطة أقوالنا‪ ،‬فيتولى امللفوظ إنجاز وإنشاء الفعل‬
‫وتوقيع الحدث الذي يقصده املرسل‪.‬‬
‫إذن فالفعل الكالمي يقوم على ضرب من االشتراك املعرفي والثقافي أو عقد تعاوني بين‬
‫األطراف املتخاطبة يسمح لهم بالتفاعل ثم الفعل وهو ما يضمن قبوله ونجاحه‪.‬‬
‫وهذا ما أضافه "بول‪.‬غرايس" حيث طرح "مبدأ التعاون" في الحوار« وأكد على أهمية‬
‫طور محور التفاعل أكثر مما فعل"أوستين"‪ ،‬إذ ال‬ ‫قواعده في االستلزام الحواري‪ ،‬وبهذا ّ‬
‫منسق»(‪ ،)43‬ومحتوى ما أتى به أن‬‫تعاوني ّ‬
‫ّ‬ ‫يحصل التواصل‪ ،‬أو إدراك القصد دون تفاعل‬
‫تأويل قول ما يتعلق بالسياق املقالي واملقامي‪.‬فيمكن أن نقول أن مبدأ التعاون "الغرايس ي"‬
‫هو ما يعطي للسياق التفاعلي الحدود املعرفية والتواصلية الضامنة للتسيير الجيد ملجريات‬
‫التبادل الحواري أي« نطاق تتحرك في إطاره أنسقية األنا واألنت بين إرادة القول والقدرة‬
‫على الفهم»(‪.)44‬‬
‫ويتكون الفعل الكالمي بحسب "أوستين" من ثالثة أفعال ترتبط فيما بينها برابط‬
‫جوهري‪ ،‬ال يمكن الفصل بينهم يتحقق الثالثة بمجرد النطق بامللفوظ أو الفعل الكالمي‬
‫يطلق على األول‪:‬‬
‫فعل القول )‪ :(Iocutionary act‬وهو األداء الصوتي والتركيبي للملفوظات‪ ،‬وعلى الثاني‬
‫قوة فعل الكالم(القوة اإلنجازية))‪ (Illocutionary act‬ويطلق على الثالث الزم فعل‬
‫الكالم‪:‬الفعل التأثيري)‪ ،(Perlocutionary act‬فيعمل الفعل الكالمي بجزئياته إلى إبراز‬
‫املقصد التواصلي واألثر التداولي املرجو تحقيقه مثل حدوث االقتناع أو تغيير السلوك من‬
‫حزن إلى فرح أو التشجيع للقيام بعمل ما أو ترسيخ معتقد لديه ‪...‬الخ‪.‬‬
‫تصنيف األفعال الكالمية‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫تصنف األفعال الكالمية بحسب سياقاتها الوظيفية وأغراضها اإلنجازية‪ ،‬فتحدد هذه‬
‫املقاصد واألغراض التي يرومها املتكلم طرق بناء وتركيب الفعل الكالمي ثم تحدد أنواعه‪.‬‬
‫وقد ميز"أوستين" بين نوعين من األفعال الكالمية‪:‬‬
‫املنطوقات التقريرية )‪ :(constative‬التي تصف وقائع العالم الخارجي‪ ،‬وتكون صادقة أو‬
‫كاذبة‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫مجلّة‬
‫المدوّنة‬ ‫ر‪ .‬د‪.‬م‪.‬د‪-ISSN 2437-0819 :‬رقم اإليداع القانوني‪2014-6068:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫املنطوقات اآلدائية )‪ :(performative‬التي تنجز بها األفعال؛ أي تؤدى بها أعمال أثناء‬
‫نطقها‪ ،‬حيث يقترن فيها النطق أو القول بأداء الفعل أو إنجازه‪ ،‬وهي – لذلك – ال توصف‬
‫ّ‬
‫بكذب أو صدق وإنما تكون – بحسب شروط معينة – موفقة األداء أو غير موفقة(‪،)45‬‬
‫وبين "أوستين" كيف تنجز األفعال باألقوال فأخرجها من األداء اإلخباري ويمكننا بواسطتها‬ ‫ّ‬
‫أن« ننجز وعدا‪،‬أو تصريحا‪،‬أو زواجا‪ ،‬أو تعميدا‪ ،‬أو طالقا إلى غير ذلك من األفعال التي‬ ‫ْ‬
‫يقترن فيها القول بإنجاز الفعل »(‪.)46‬‬
‫َ‬
‫ولقد ق ِبل نقاد األدب فكرة اإلنجازية بوصفها« أحد األشياء التي تساعد على تمييز‬
‫أن اإلنجازية –باختصار‪-‬‬ ‫وأن املنطوق األدبي مثل اإلنجازي؛ أي ّ‬
‫خصائص الخطاب األدبي‪ّ ،‬‬
‫ُ‬
‫تركز االنتباه على استخدام اللغة بوصفها نشاطا وصناعة للعالم [‪ ،]...‬وتساعدنا على أن‬
‫نفكر في األدب بوصفه فعال أو حدثا‪ ،‬وليس مقوالت زائفة وتافهة‪ ،‬ولكي يأخذ موقعه بين‬
‫أفعال اللغة التي تحول العالم خالقة لألشياء التي تسميها»(‪ ،)47‬فنجد أن اإلنجاز األدبي‬
‫يرتبط كثيرا باألفعال الكالمية التعبيرية وخاصة الخطاب الشعري‪ ،‬ألن هذا النوع من‬
‫األفعال الكالمية يتساوق مع طبيعة املوقف فالشعري‪ ،‬فالشعر« األفق الذي يكشف فيه‬
‫اإلنسان عن نفسه‪ ،‬يفجر فيه رؤيته للوجود ورغبته العميقة في االتصال باألشياء‬
‫واالنفعال عنها في نفس اآلن وخارج العالم وكل الحدود التي تحول دون مغامرة الذات‬
‫وإلحاحها على تخطي الزمان واملكان»(‪ ،)48‬فيصبح الفعل التعبيري في الغالب فضاء للكشف‬
‫عن التجارب واملعاناة والتعبير عن أهواء النفس والتفجر بما ضاقت به النفس‪ ،‬فالفعل‬
‫الكالمي التعبيري يرتبط ويتبلور بحسب الغرض أو املقصد الذي يود الشاعر التعبير عنه‪،‬‬
‫فيستخدم ضمير املتكلم الذي يعكس انطباعات األنا أو نحن لإلخبار والتعبير عن حال األنا‬
‫والجماعة‪ ،‬فللغة في الشعر وظيفة تأثيرية جمالية سواء ما يتعلق منها بالجانب االنفعالي‬
‫الذي يثير الدهشة ويحرك العواطف‪ ،‬أو وظيفة عملية تثير إنجاز سلوك معين مثل سل‬
‫السخائم والعفو أو إثارة الحماس أو التحريض أو‪ ،...‬وقد نبه كثير من النقاد القدامى كـ‬
‫"ابن طباطبا"‪"،‬حازم القرطاجني إلى ذلك وربطوا بين الشعر والوظيفة بوصفه قادرا على‬
‫التأثير(االنفعال) والتوجيه(التغيير)‪.‬‬

‫تاريخ النشر‪ :‬جوان ‪2018‬‬ ‫‪29‬‬ ‫المجلد الخامس (العدد األول)‬


‫مجلّة‬
‫‪ISSN: 2437-0819, EISSN: 2602-6333‬‬ ‫المدوّنة‬
‫نتخذ من األفعال الكالمية «مدخال لدراسة عالمي الواقع واإلمكان»(‪ )49‬في الخطاب‬
‫الشعري النقائض ي لذلك نعتبر ماهيمن فيه من أفعال وصفية إخبارية أو أفعال أدائية‬
‫من األفعال التوجيهية كاألمر أو االستفهام‪ ،‬أو أفعال تعبيرية سواء أكانت أفعال مباشرة أو‬
‫غير مباشرة يعبر بها الشاعر عن إحساسه أو يعكس به ما يريد أن ينقله أو يتواصل به مع‬
‫املتلقي‪.‬‬
‫ولعل السؤال الذي نريد أن نطرحه هو‪ :‬كيف ساهمت األفعال الكالمية في الخطاب‬
‫النقائض ي من توجيه املتلقي نحو الفعل وتحقيق التفاعل؟‬
‫تمثل البنية الحوارية اللبنة األساسية املشكلة للتفاعل اللغوي‪ ،‬حيث يشكل الحوار‬
‫ثنائية هذه النصوص التي تقوم على الفعل ورد الفعل وعلى تبادل األدوار بين شاعرين أو‬
‫أكثر‪ ،‬ومطالبة كل شاعر للشاعر اآلخر الدخول معه في املحاورة وإقامة التواصل‪ ،‬ألن‬
‫ّ‬
‫الخطاب النقائض ي يحدد متلقيه ويوجه إليه الخطاب مباشرة‪ ،‬حيث أننا ال نستطيع تأويل‬
‫ّ‬
‫الخطاب الثاني إال بالرجوع إلى الخطاب األول‪ ،‬وأثناء هذا التفاعل والحوار يتم تشغيل‬
‫مجموعة من االستراتيجيات واآلليات التي تمكن األطراف املتحاورة من الدخول في التفاعل‬
‫التواصلي‪ ،‬شرط أن يكون هناك اتفاق ضمني ومشترك أدخلهم في هذه اللعبة اللغوية‬
‫لتحقيق أهدافهم من هذا الحوار‪.‬‬
‫تقوم القصيدة النقائضية أو التفاعلية بتعدد أغراضها ومقاصدها للتعبير عن املحتوي‬
‫القضوي الواحد وتحيل إلى اإلنجاز الواحد بمختلف أشكال األداء سواء باإلخبار وذلك‬
‫بتقديم معرفة أو معتقد أو بالتعبير عن أحوال الذات أو التوجيه باألمر أو اإللزام بالقيام‬
‫ّ‬
‫بالفعل‪ ،...‬فكان مدار التجربة يقوم على الوعي املعرفي الذي يثير مشكالت الصراع«‬
‫ومشكالت العالقة بين األنا واآلخر‪ ،‬بين الذات واملجتمع‪ ،‬ومشكالت استشراف مجتمع آخر‬
‫ينهض على قيم مغايرة »(‪ ،)50‬وتفعيل دور الحوار االختالفي في مجتمعات سادها التوتر‬
‫والصراع في الفكر على جميع املستويات‪.‬‬
‫فكان الفعل اإلنجازي لهذا النوع من الخطابات الحديث عن ‪ -‬النفس اإلنسانية‪ -‬وبكل‬
‫ما يتعلق بقيمها وبأفعالها وعلى جميع مستوياتها سواء على املستوى النفس ي وذلك بالتعبير‬
‫عن األهواء املتناقضة (كالحب‪/‬الكره) أو على املستوى االجتماعي بتجسيد الصراع‬

‫‪30‬‬
‫مجلّة‬
‫المدوّنة‬ ‫ر‪ .‬د‪.‬م‪.‬د‪-ISSN 2437-0819 :‬رقم اإليداع القانوني‪2014-6068:‬‬

‫الطبقي(الفوقية‪/‬الدونية(‪ ،‬أوعلى الجانب السياس ي( تعدد األحزاب)‪ ،‬والتعبير عن تناقضات‬


‫النفس واملجتمع‪ ،‬وحوار حول الفضائل واملساوئ وكشف العيوب وتجسيد الصراع بين‬
‫األنا‪ /‬اآلخر معتمدا الشاعر في إنجازه على االستعدادات العقلية واملنطقية و التدليلة التي‬
‫تعتمد سبل اإلقناع في الدفاع عن قيم وفكر األنا‪ ،‬تتالءم هذه القيم مع ما هو سائد من‬
‫تناقضات والتعبير عنها وعن ثقافة ذلك العصر الذي شهد تحوالت لم يشهد مثلها أي‬
‫عصر‪ ،‬فكان هذا املقصد من إنشاء وتداول هذا النوع من الخطابات التفاعلية بين‬
‫شاعرين يشتركان في املكان والزمان واألهداف واملعارف واألفكار والثقافة‪ ،‬ثم ُح ِينت جميع‬
‫هذه املمارسات إلى أقوال طرحت أسئلة العصر في بنية شعرية تفاعلية سجالية اإلنتاج‪،‬‬
‫تقترب أبعادها كثيرا من املوضوعية والواقعية‪.‬‬
‫حققت القصيدة النقائضة القبول بمبدإ التعاون الذي صيغته« ليكن إسهامك في‬
‫الحوار بالقدر الذي يتطلبه سياق الحوار‪ ،‬وبما يتوافق مع الغرض املتعارف عليه»(‪، )51‬‬
‫وبمبادئ الحوار الغرايسية بوصفها مبادئ تعاونية تضمن التواصل وتسهل عملية الفهم‬
‫للدخول في تفاعل شعري حواري اإلنشاء بين طرفين يجيدان قول الشعر يتبادالن املواقع‬
‫ّ‬
‫في القول «ازدواج في القصد‪ ،‬وازدواج في التكلم‪ ،‬وازدواج في االستماع‪ ،‬وازدواج في السياق‬
‫»(‪ ،)52‬منجزان لحدث كالمي سجالي يقوم في أساسه على التواجه أو التناظر الذي يمثل‬
‫مدخال مهما في فهمه وتأويله‪ ،‬والذي ارتبط بشكل مباشر بنفسية الشاعر ومقصديته من‬
‫جهة وبالثقافة التي أنتجته من جهة أخرى‪ ،‬حيث لفتت القصيدة النقائضية املتلقي إلى‬
‫ُ‬
‫البيئة الثقافية واالجتماعية التي أنتج فيها‪.‬‬
‫َ‬
‫قبل الشاعران الدخول في هذه املناظرة الشعرية‪ ،‬والقبول بشروط تمهيدية محددة‬
‫بينهما اتفقا من خاللها على إنجاز هذا الحدث الكالمي أو الفعل التواصلي في إطار موقف‬
‫ُ‬
‫كالمي محدد تراعى فيه مجموعة من املوضعات التداولية ‪ -‬الفضاء التناظري‪ -‬فكان‬
‫الطرفان موافقان على الدخول في املناقضة ويمتلكان سلطة قول الشعر ولهما تصور‬
‫ومعرفة مسبقة بالشاعر الخصم؛ أي تفاعل قصدي صيغته " اطلب منك الدخول معي‬
‫معاني إلنشاء خطاب سجالي"‪ُ ،‬‬
‫فب ِن َي هذا الحدث على‬ ‫ّ‬ ‫في التفاعل شرط أن تنقض‬
‫افتراضات مسبقة وفق شرط صوغ النقيضة على أداء شكلي معين االشتراك (في بحر‬

‫تاريخ النشر‪ :‬جوان ‪2018‬‬ ‫‪31‬‬ ‫المجلد الخامس (العدد األول)‬


‫مجلّة‬
‫‪ISSN: 2437-0819, EISSN: 2602-6333‬‬ ‫المدوّنة‬
‫وشكل هذان‬‫ّ‬ ‫َ‬
‫والقافية والروي الواحد)‪ ،‬والتعبير عن محتوى قضوي محددا سلفا‪،‬‬
‫الشرطان عتبة من عتبات تلقي القصيدة النقائضية‪ ،‬فجسدت بنية القصيدة الصراع‬
‫بين صوتين إديولوجيين متناحرين متعارضين‪ ،‬وكان تبادل األهاجي الحدث الكالمي الكلي‬
‫يقيم به كل شاعر تواصال جماليا مع اآلخر بواسطة اللغة فارتبط هذا اإلنجاز بسياق‬
‫السجال والهجاء وهو سياق إلثارة أهواء االستفزاز والغضب ليكون هدفها إثارة ردود فعل‬
‫بينهما عن طريق االستجابة‪ ،‬وتعتبر االستجابة فعال إرجاعيا وتواصال يهدف من خالله‬
‫نقض وتقويض الفعل األول وإقامة خطاب بديل عنه ينهض من أنقاضه و يسعى إلى‬
‫تجاوزه وهو ما أكسب هذا الفعل البعد التفاعلي الذي يعتمد على االستراتيجية التوجيهية‬
‫النابعة « من عالقة سلطوية بين طرفي الخطاب تتفاوت هذه العالقة من التباين الشديد‬
‫حتى التقارب امللموس»(‪ ، )53‬أي أن الشاعر األول ينجر حدثا كالميا ويثير قضية معينة‬
‫ويوجهها مباشرة إلى متلق مستهدف (الشاعر الثاني) راغبا في إثارة ردود فعل معينة لديه‬
‫حيث يجعل من« ملفوظاته ذات عالقة بأهدافه التخاطبية وبالتالي بأهدافهم الشخصية‬
‫»(‪ ، )54‬وهذا ما أطلق عليه "أوستين" الفعل التأثيري ‪ ،‬يريد من مخاطبه االنطالق منها لبناء‬
‫أفق توقع ملا يطرحه‪ ،‬فيقوم الشاعر الثاني برفضها واالعتراض عليها‪ ،‬فيكون رد الفعل‬
‫بمثابة الفعل التأويلي والوصول إلى املقصد التواصلي الذي رامه الشاعر األول‪.‬‬
‫يمثل إنجاز هذا الفعل السجالي أو الفعل االستفزازي الذي ارتبط بسياق الهجاء خرق‬
‫ملبدأ التأدب والتهذيب وعدم مراعاة حال اآلخر‪ ،‬بوصفه يمثل العالقة السلبية بين الشاعر‬
‫والشاعر داخل الخطاب الشعري‪ ،‬وهي عالقة تقوم على مبدإ االستهجان واملعارضة‪ ،‬يريد‬
‫به أن يخترق مجال اآلخر ويمس من وجهه وأن يحط من قدره‪ ،‬على عكس ما َيظهر في نسق‬
‫فتحكم الهجاء في إنجاز الفعل‬ ‫الغزل واملدح من عالقة تضامنية تأدبية بين الطرفين‪َ ،‬‬
‫َ َ‬
‫السجالي وفي وضع القانون الكلي لالتصال الشعري الذي قيل في سياق تفاعلي ‪ ،‬فأطرت‬
‫العالقة التنافرية واالختالفية بين الشاعرين القوة اإلنجازية لألفعال الكالمية وانعكس‬
‫هذا على بنية القصيدة لتنشطر إلى نسقين متناقضين (الفخر‪ /‬الهجاء) ‪ ،‬وعبر هذين‬
‫النسقين يظهر دور املكانة االجتماعية للفاعلين من خالل استعمال األلقاب والضمائر‬
‫ومصاحباتها اللفظية لتغليب عنصر الذاتية على القصيدة ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫مجلّة‬
‫المدوّنة‬ ‫ر‪ .‬د‪.‬م‪.‬د‪-ISSN 2437-0819 :‬رقم اإليداع القانوني‪2014-6068:‬‬

‫يتكون الفعل الكالمي للقصيدة النقائضية من‪:‬‬


‫فعل القول‪ :‬املتمثل في البنية التركيبية(القصيدة ككل)‪ :‬فكان شكل األداء للقصيدة‬
‫النقائضية متتالية جملية عمودية وفق وزن وقافية وروي معين ولغة تعتمد في أساسها‬
‫ّ‬
‫املجاز‪،‬ألن الفعل الكالمي الشعري ال ينجز إال عبر البنية اإليقاعية واملجازية التي تعتمد‬ ‫على‬
‫على اآلمباشرة وهي ما تحقق شعريته وتثير اللذة واملتعة لدى املتلقي‪ ،‬فالتجربة الشعرية‬
‫مكيفة بحسب مقصد مبدعها وعبر القرائن املقالية أو النظام‬ ‫تفرض إيقاعها وتشكيلها ّ‬
‫عقد الشاعر أقواله مقرونة بأفعال تحمل معان ومقاصد تواصلية بينه وبين‬ ‫َ‬
‫الشكلي ي ِ‬
‫الشاعر اآلخر تنجز لتحقيق الغاية والهدف من التواصل واملمثل في تجسيد البعد التفاعلي‬
‫لها ليكون تواصل قصد الهجاء في مشهد حواري صيغته (أنا‪/‬أنت)(الفرزدق‪ /‬جرير)‬
‫أو(جرير‪/‬الفرزدق)‪ ،‬فالشاعر يحدد مخاطبه سلفا «ويطوع كافة العناصر النصية‬
‫لخدمته»(‪.)55‬‬
‫فعل املتضمن في القول ( الفعل اإلنجازي)‪ُ :‬بنيت قصيدة النقائض أو السجال على‬
‫فعل كالمي كلي يعبر عن محتوى قضوي واحد وقصد واحد‪ ،‬حيث ُي َحول الشاعر كل‬
‫املمارسات واألفعال والطقوسات والسلوكات إلى نصوص مكتوبة أو أقوال منطوقة قد‬
‫تكون صريحة أو ضمنية املقاصد تنجز عبر الفعل الكالمي املباشر أو الفعل الكالمي غير‬
‫مباشر‪ ،‬يروم من خاللها تحقيق بعدا تداوليا بواسطة اإلنجاز األدبي الذي يختزن هوية‬
‫وحضارة أمة يعبر عن النسق االجتماعي السائد‪ ،‬حيث نجد أن« ما كان يفعله جرير مع‬
‫الفرزدق كل ضد اآلخر هو النسق الذهني والنموذجي الذي تتمثلة السلطة واملعارضة‬
‫معا‪ ،]...[،‬واملسألة هي في املوقف من اآلخر الذي يقوم على رفض هذا اآلخر املختلف سواء‬
‫فكريا أو سياسيا أو اجتماعيا‪ ،‬وعدم اعتبار أحد بإزاء الذات»(‪ ،)56‬ولتكون القوة اإلنجازية‬
‫للفعل السجالي هو الكشف عن الوظيفة واملكانة الكبرى للكلمة وذلك بتعبيرها عن الحياة‬
‫فسخرت اللغة ملعالجة قضية النسب‬ ‫االجتماعية والثقافية والسلوكات املتداولة آنذاك ‪ُ ،‬‬
‫واالنتماء وإعادة العصبية القبلية ليكون موضوعها الصراع الطبقي والحديث عن املكانة‬
‫االجتماعية في املجتمع األموي‪ ،‬فكانت جل األفعال الكالمية تصب لخدمة هذا املحتوى‬
‫القضوي والتي تزيد من شدة السجال في الدور الكالمي« فبدا موقف االنفعال واضحا‪،‬‬

‫تاريخ النشر‪ :‬جوان ‪2018‬‬ ‫‪33‬‬ ‫المجلد الخامس (العدد األول)‬


‫مجلّة‬
‫‪ISSN: 2437-0819, EISSN: 2602-6333‬‬ ‫المدوّنة‬
‫وتجلى في اللغة املستخدمة بوضوح ‪ ،‬وهو ما يعبر عن العالقة الصادقة بين محتوى القضية‬
‫ّ‬
‫وصيغتها اللفظية ‪ ،‬وهو يفيد أن القصدية هنا هي قصدية أصلية اتجه فيها العقل نحو‬
‫تحقيق املوقف الرافض للتبرير الذي زعمه املتكلم (أ)‪ ،‬أو لذلك جاء الرد عنيفا منفعال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قصد منه املتكلم(ب)‪ّ ،‬‬
‫أن املسألة ال تتعلق بفعل النسخ وإنما تتجاوز ذلك إلى اتخاذ موقف‬
‫إجرائي كشف عن طبيعة العالقة املتوترة أصال بينهما‪ ،‬هو ما جعلها تبرز عن طريق التلفظ‬
‫»(‪ ،)57‬وليكون الصراع الذي شكل بنية القصيدة انعكاسا « للصراع الذي يعيشه الشاعر‬
‫مع محيطه [‪ ]...‬وحل لغوي لتناقض عميق »(‪ ،)58‬ألن املبدع يتفاعل مع الواقع و يؤوله‬
‫عبر بنيات ذهنية تعكس تصوره تصورا فنيا فينتج نسقا لغويا يضمر أكثر مما يفصح‪،‬‬
‫وأثناء قراءتنا للنصوص نربطها بمجموعة من النظم و األعراف والقوانين االجتماعية نروم‬
‫من خاللها الكشف عن عالقة التفاعل بين النظامين (الشعري‪ /‬االجتماعي) وهي ما تجعل‬
‫منه عمال ممتدا ومستمرا ُيطرح للنقاش في كل فترة من فترات الزمن ‪ ،‬يرام به إنجاز أثر ما‬
‫أو تحقيق فعل ما‪.‬‬
‫وخالصة القول أن القصيدة التفاعلية – النقائض‪ -‬قدمت الخطاب بوصفه تواصال‬
‫تفاعليا جدليا حجاجيا بين مدع وعارض لتكون القضايا املطروحة محل مساءلة ونقاش‬
‫وال يتكلم إال بالحجة والدليل‪ ،‬فيحتج للذات ليثبت قوتها وفي املقابل يسعى إلى نفي هذا‬
‫على اآلخر‪ّ ،‬‬
‫فيسخر الشاعر لذلك كل االختيارات اللغوية واإلدراكية واملنطقية ليوجهها‬
‫توجيها إقناعيا وهو الهدف املرام من هذا التفاعل التواصلي الحجاجي‪.‬‬
‫‪ -‬أن القصيدة التفاعلية –النقائض‪ -‬قامت على الحوار املبني على التناوب في استعمال‬
‫األفعال الكالمية وعلى التبادل الكالمي االختالفي الذي يقوم على املعارضة‪ /‬النقض‬
‫وشكلت فعلها الكالمي عبر نسق لغوي ضدي لتنقل لنا عوالم الصراع بين صوتين‬
‫متعارضين‪ ،‬فتتضافر القصيدة ألفاظا ً‬
‫وبناء وأسلوبا وصورا وإيقاعا لتحقق الغرض املراد‬
‫وهذا ما ضمن للفعل الكالمي بالنجاعة والتحقق‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫مجلّة‬
‫المدوّنة‬ ‫ر‪ .‬د‪.‬م‪.‬د‪-ISSN 2437-0819 :‬رقم اإليداع القانوني‪2014-6068:‬‬

‫الهوامش‪:‬‬

‫جورج يول‪ :‬التداولية‪ ،‬تر‪ :‬قص ي العتابي‪ ،‬دار األمان‪،‬الدار العربيةللعلوم والناشرون ‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫لبنان‪،2010،‬ص‪.19‬‬
‫(‪ )2‬آن روبول‪ ،‬جاك موشالر‪:‬التداولية اليوم علم جديد في التواصل‪ ،‬تر‪:‬سيف الدين دغفوس ومحمد‬
‫الشيباني‪ ،‬املنظمة العربية للترجمة‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪،2003،‬ص‪.53‬‬
‫(‪ )3‬سعيد يقطين‪ :‬انفتاح النص الروائي‪ ،‬النص السياق‪،‬املركز الثقافي العربي‪ ،‬ط‪ ،3‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫‪ ،2006‬ص‪.134‬‬
‫نعيمة السعدية‪ :‬في إنتاج النص وتأويله‪ -‬مقاربة ابستيمولوجية‪ ،-‬حوليات املخبر‪،‬ع‪،3‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫بسكرة‪ ،2005،‬ص‪.94‬‬
‫(‪ )5‬محمد مفتاح‪ :‬تحليل الخطاب الشعري‪ ،‬استراتيجية التناص‪ ،‬ط‪ ،3‬املركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،1992،‬ص‪.164‬‬
‫(‪ )6‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص‪.163‬‬
‫ينظر‪ :‬صاحب رشيد موس ى وحسين عمران محمد‪ ،‬معلقة عنترة (قراءة تداولية) ‪،‬املؤتمر الدولي‬ ‫(‪)7‬‬

‫التاسع‪ ،‬جامعة واسط‪ ،‬ص‪. 53‬‬


‫(‪ )8‬عبد اللطيف عادل‪ :‬بالغة اإلقناع في املناظرة‪ ،‬منشورات ضفاف‪ /‬منشورات االختالف‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،‬ط‪ ، 1،2013‬ص‪.189‬‬
‫(‪ )9‬محمد عبد الباسط عيد‪ :‬في حجاج النص الشعري‪ ،‬إفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪،2013 ،1‬‬
‫ص‪.12‬‬
‫(‪ )10‬ينظر‪ :‬بنعيس ى أزابيط‪ :‬البعد التداولي في الحجاج اللساني‪ ،‬استثمار التداولية املدمجة‪ ،‬الحجاج‬
‫مفهومه ومجاالته‪ ،‬جمع حافظ اسماعيلي العلوي‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.297‬‬
‫(‪ )11‬محمد سالم ولد محمد األمين طلبة‪ :‬مفهوم الحجاج عند بيرملان وتطوره في البالغة املعاصرة‪،‬‬
‫ص‪.61‬‬
‫(‪ )12‬محمد نظيف‪ :‬الحوار وخصائص التواصل التفاعلي‪،‬إفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪،2010، 1‬‬
‫ص‪.57‬‬
‫(‪ )13‬ينظر‪ :‬حسان الباهي‪ ،‬الحوار ومنهجية التفكير النقدي‪ ،‬إفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪[،‬د‪.‬ط]‪،‬‬
‫‪ ،2004‬ص‪.50‬‬

‫تاريخ النشر‪ :‬جوان ‪2018‬‬ ‫‪35‬‬ ‫المجلد الخامس (العدد األول)‬


‫مجلّة‬
‫‪ISSN: 2437-0819, EISSN: 2602-6333‬‬ ‫المدوّنة‬

‫(‪ )14‬باشا العيادي‪ :‬فن املناظرة في األدب العربي دراسة أسلوبية تداولية ‪ ،‬كنوز املعرفة للنشر والتوزيع‬
‫‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪ ،2014 ،1‬ص ‪.55‬‬
‫محمد الولي‪ :‬الحجاج مدخل نظري‪ ،‬حافظ إسماعيلي العلوي‪ :‬الحجاج مفهومه‬ ‫(‪)15‬‬

‫ومجاالته(دراسات تطبيقية محطة في الخطابة الجديدة)‪،‬ج‪ ،1‬ص‪.62‬‬


‫(‪ )16‬هيثم سرحان‪ :‬بالغة الخطاب السجالي‪ ،‬مقاربة تداولية‪ ،‬مجلة األبحاث ‪ ،‬بيروت‪.2012،2013 ،‬‬
‫ص‪.64‬‬
‫(‪ )17‬أبو عبيدة(معمر بن املثنى البصري)‪ :‬ديوان النقائض نقائض جرير والفرزدق‪ ،‬ج‪ ،2‬دار صادر‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪ ،1998 ،1‬ص‪.46‬‬
‫(‪ )18‬املصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪80‬‬
‫(‪ )19‬هيثم سرحان ‪ :‬بالغة الخطاب السجالي‪ ،‬مقاربة تداولية‪ ،‬ص‪.50‬‬
‫(‪ )20‬عبد الهادي بن ظافر الشهري‪ :‬استراتيجيات الخطاب‪ ،‬مقاربة لغوية تداولية‪ ،‬دار الكتاب الجديدة‬
‫املتحدة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،2004 ،1‬ص‪.448‬‬
‫(‪ )21‬سامية الديريدي‪ :‬الحجاج في الشعر العربي القديم ‪ ،‬بنيته وأساليبه ‪ ،‬عالم الكتب الحديث‪،‬‬
‫األردن‪ ،‬ط‪ ،2011 ،2‬ص‪.278‬‬
‫(‪ )22‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.80‬‬
‫(‪ )23‬شكري املبخوت‪ :‬نظرية الحجاج في اللغة‪ ،‬أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو‬
‫إلى اليوم‪ ،‬إشراف (حمادي صمودي)‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬منوبة‪ ،‬تونس‪ ،‬ص‪.352‬‬
‫(‪ )24‬عبد الهادي بن ظافر الشهري‪ :‬استراتيجيات الخطاب‪ ،‬ص‪.477‬‬
‫(‪ )25‬حاتم عبيد ‪ :‬الباتوس‪ :‬من الخطابة إلى تحليل الخطاب من االحتجاج بالعواطف إلى االحتجاج‬
‫للعواطف‪ ،‬حافظ إسماعيلي العلوي‪ :‬الحجاج مفهومه ومجاالته‪ ،‬الحجاج واملراس‪،‬ج‪ ،4‬ص‪.78‬‬
‫سامية الدريري‪ :‬الحجاج في الشعر العربي القديم‪ ،‬ص‪.276‬‬ ‫(‪)26‬‬

‫(‪ )27‬أبو عبيدة ‪ :‬ديوان النقائض‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.15‬‬


‫(‪ )28‬املصدر نفسه‪،‬ج‪ ،2‬ص‪.294‬‬
‫(‪ )29‬املصدر نفسه‪،‬ج‪ ،1‬ص‪.318،321‬‬
‫(‪ )30‬سامية الدريري‪ :‬الحجاج في الشعر العربي القديم‪ ،‬ص‪.239 ،238‬‬
‫(‪ )31‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.318‬‬
‫(‪ )32‬أبو عبيدة ‪ :‬ديوان النقائض‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.203‬‬

‫‪36‬‬
‫مجلّة‬
‫المدوّنة‬ ‫ر‪ .‬د‪.‬م‪.‬د‪-ISSN 2437-0819 :‬رقم اإليداع القانوني‪2014-6068:‬‬

‫(‪ )33‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.385‬‬


‫(‪ )34‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.194‬‬
‫(‪ )35‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.159‬‬
‫(‪ )36‬املصدر نفسه‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.195، 194‬‬
‫جون ال نكشو أوسين‪ :‬نظرية أفعال الكالم العامة‪ ،‬كيف ننجز األشياء بالكالم‪ ،‬تر‪:‬عبد القادر‬ ‫(‪)37‬‬

‫قنيني‪ ،‬إفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪ ، 2008 ،2‬ص‪.11‬‬


‫عمر بلخير‪ :‬تحليل الخطاب املسرحي في ضوء النظرية التداولية‪،‬منشورات‬ ‫(‪)38‬‬

‫االختالف‪،‬ط‪،1‬الجزائر‪،2003،‬ص‪.155‬‬
‫مسعود صحراوي‪ :‬التداولية عند العلماء العرب‪ ،‬دراسة تداولية لظاهرة األفعال الكالمية في‬ ‫(‪)39‬‬

‫التراث اللساني العربي ‪ ،‬دار الطليعة ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪ ،2005 ،1‬ص‪.11‬‬


‫خليفة امليساوي‪ :‬الوصائل في تحليل املحادثة‪ ،‬ص‪.189‬‬ ‫(‪)40‬‬

‫(‪ )41‬عبد السالم عشير‪ :‬عندما نتواصل نغير‪ ،‬مقاربة تداولية معرفية آلليات التواصل والحجاج‪،‬‬
‫إفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪ ،2006 ، 1‬ص‪.55، 54‬‬
‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.102‬‬ ‫(‪)42‬‬

‫(‪ )43‬عبد الهادي ابن ظافر الشهري‪ :‬استراتيجيات الخطاب‪ ،‬ص‪.44 ،43‬‬
‫(‪ )44‬محمد نظيف‪ :‬الحوار وخصائص التفاعل التواصلي‪ ،‬إفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪،2010 ،1‬‬
‫ص‪.48‬‬
‫(‪ )45‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.69‬‬
‫(‪ )46‬ينظر‪ :‬علي محمود حجي الصراف‪ :‬في البرجماتية‪ ،‬األفعال اإلنجازية في العربية املعاصرة دراسة‬
‫داللية ومعجم سياقي مكتبة اآلداب ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ، 2010 ،1‬ص‪.30‬‬
‫(‪)47‬جوناثانكلر‪ :‬مدخل إلى النظرية األدبية‪ ،‬تر‪ ،‬مصطفى بيومي عبد السالم‪ ،‬املشروع القومي للترجمة‬
‫‪،‬القاهرة‪ 2003 ،‬ص‪.135‬‬
‫(‪ )48‬علي آيت أوشان‪ :‬السياق والنص الشعري من البنية إلى القراءة‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬ط‪ ،2000 1‬ص‪.133‬‬
‫(‪ )49‬جمال بندحمان‪:‬األنساق الذهنية في الخطاب الشعري‪ ،‬الشعب واالنسجام‪ ،‬رؤية للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫ط‪.262، 1،2011‬‬
‫أدونيس‪ :‬كالم البدايات ‪ ،‬دار اآلداب‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪ ،1989 ،1‬ص‪.88‬‬ ‫(‪)50‬‬

‫(‪ )51‬عبد الهادي بن ظافر الشهري‪ :‬استراتيجيات الخطاب‪ ،‬ص‪.96‬‬


‫تاريخ النشر‪ :‬جوان ‪2018‬‬ ‫‪37‬‬ ‫المجلد الخامس (العدد األول)‬
‫مجلّة‬
‫‪ISSN: 2437-0819, EISSN: 2602-6333‬‬ ‫المدوّنة‬

‫(‪ )52‬ينظر‪ :‬طه عبد الرحمن‪ :‬التواصل والحجاج ‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪1‬‬
‫‪ ،2000،‬ص‪.16‬‬
‫(‪ )53‬عبد الهادي بن ظافر الشهري‪ :‬استراتيجيات الخطاب‪ ،‬ص‪.325، 324‬‬
‫(‪ )54‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.159‬‬
‫رحيمة شيتر‪ :‬تداولية النص الشعري‪ ، ،‬دار الكتاب الحديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ 2016 ،1‬ص‪.113‬‬ ‫(‪)55‬‬

‫عبد هللا الغذامي‪ :‬النقد الثقافي‪ ،‬قراءة في األنساق الثقافية العربية‪ ،‬املركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار‬ ‫(‪)56‬‬

‫البيضاء‪ ،‬ط‪ ،2005 ،3‬ص‪.218 ،217‬‬


‫(‪ )57‬خليفة امليساوي‪ :‬القصدية في الخطاب السجالي‪ ،‬حافظ إسماعيلي العلوي‪ :‬التداوليات وتحليل‬
‫الخطاب‪ ،‬ص‪.304‬‬
‫(‪ )58‬محمد مفتاح‪ :‬النص من القراءة إلى التنظير‪ ،‬املدارس للنشر والتوزيع‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪،2000 ،1‬‬
‫ص‪.40‬‬
‫*** *** ***‬

‫‪38‬‬

You might also like