You are on page 1of 17

99-38‫ ص‬/0100 ‫السنة‬/10‫العدد‬/07‫املجلد‬ ‫مجلـة النص‬

-‫نماذج تطبيقية من وصايا النثر الجاهلي‬-‫املقاربة التداولية في فن الوصية‬


A pragmatic approach to the post-islamic commandments-
application on the samples from post-islamic pose

*‫علية بيبية‬
‫تبسة‬-‫جامعة العربي التبس ي‬
Oulaya.bibia@univ-tebessa.dz
0100-10-81‫تاريخ القبول‬ 0100-10-00‫تاريخ التقييم‬ 0100-10-08‫تاريخ االرسال‬
‫امللخص‬
‫نسعى من خالل هذه الورقة البحثية أن نكشف عن اآلليات التداولية ومدى تطبيقها‬
‫على فن من فنون النثر الجاهلي أال وهو الوصية وذلك من خالل مجموعة من املرتكزات‬
‫وذلك باعتبار ارتباط‬، ‫التي تهتم بها التداولية وهي الحجاج وأفعال الكالم واإلشاريات‬
‫ذو منحى تواصلي بتحليل النص أو الخطاب والكشف عن‬، ‫التداولية كمنهج لساني حديث‬
‫أوجه السياق واالستعمال فيه‬
‫ تداولية؛وصية ؛حجاج؛استعمال؛نص‬:‫كلمات مفتاحية‬
Abstract
The aim of this research is to try to explore the pragmatic mechanisms used in
one of the post-islamic literary arts in the art of commandments.our analysis id
based on some theoretical pragmatics assumption such as argumzntation,speech
act and deictics.Pragmatics is conceived as a recent linguistic criticism approach
with a communicative tendency whose purpose is to analyse texts and discourses
taking into acconnt context and use.
keywords pragmatic, art, speech.

.‫*املؤلف املراسل‬

83
‫‪.1‬مقدمة‪:‬‬
‫يعد االشتغال على التداولية باعتبارها منهجا لسانيا تواصليا من أهم القضايا التي‬
‫يتم التطرق إليها من أجل كشف وقراءة نصوص أو خطابات عدة‪ ،‬بمقاربات تعتمد على‬
‫بيان آليات املنهج التداولي الذي يهتم بمباحث كاإلقناع‪ ،‬والحجاج‪ ،‬وأفعال الكالم‬
‫واإلشاريات وغيرها‪.‬‬
‫ونهدف من خالل هذه املقاربات أن نستثمرها في نصوص من النثر الجاهلي‪ ،‬فوقع‬
‫اختيارنا على فن الوصية كنوع منه‪ ،‬ويطرح هذا البحث جملة من اإلشكاليات مفادها ‪:‬‬
‫كيف يمكننا تطبيق املنهج التداولي على هذا النوع من الخطابات السردية؟ وإلى أي مدى‬
‫تحقق هذه الخطابات األبعاد التداولية التي تهدف إلى التأثير واإلقناع ‪ ،‬وبخاصة في العصر‬
‫الجاهلي الذي تتميز كتاباته باللغة القوية الجزلة؟‬
‫وللوصول إلى هذا الهدف‪ ،‬حاولنا انتقاء مجموعة من الوصايا الجاهلية قصد‬
‫الوقوف على هذه األبعاد التي تتمثل في اإلقناع والتواصل‪ ،‬مما يحقق التأثير بين طرفي‬
‫الخطاب ومعرفة الخلفيات الثقافية واالجتماعية لفن الوصية في ذلك العصر‪.‬‬
‫‪ .0‬املصطلحات املفتاحية‬
‫التداولية‪:‬‬ ‫‪0.0‬‬
‫لقد قدم املنهج التداولي لألدب والنقد منفذا جديدا وتحوال معرفيا للنصوص‬
‫األدبية‪ ،‬وجدت من خالله التداولية كمقاربة نقدية حديثة ذات منحى لساني بالغي تقود‬
‫عملية القراءة والتحليل للبنى النصية بمختلف تمفصالتها وتوجهاتها الفلسفية‪.‬‬
‫وقد كان ميالد التداولية نتيجة إرهاصات فلسفية ‪،‬كالفلسفة التحليلية وفلسفة‬
‫اللغة العادية ‪،‬وكال من الفلسفتين أعطت أبعادا أخرى لفلسفة اللغة وأضحت العالقة‬
‫بين مقاصد املتكلم وأدائه اللغوي محور اهتمام هؤالء ‪،‬وبغض النظر عن املفهوم اللغوي‬
‫للتداولية الذي يعني االنتقال من حال إلى حال‪ ،‬فإنها كمصطلح تعني‪« :‬استعمال اللغة‬
‫مقابل دراسة النظام اللساني الذي نعني به تحديدا اللسانيات ‪،‬وإذا تحدثنا عن استعمال‬
‫اللغة فألن هذا االستعمال ليس محايدا من حيث تأثيراته في عملية التواصل وال في النظام‬
‫اللغوي في حد ذاته‪ ،‬فمن نافل القول فعال أن نشير إلى أن بعض الكلمات (املشيرات الدالة‬

‫‪8‬‬
‫‪4‬‬
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪99-38‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫على الزمان واملكان أو األشخاص من قبيل األن وهنا وأنا )‪،‬ال يمكن تأويلها إال في سياق قولها‬
‫»‪1‬‬

‫والتداولية في االصطالح اللساني هي ‪ «:‬ذلك االهتمام املنصب على مستوى لساني‬


‫خاص يهتم بدراسة اللغة في عالقتها بالسياق التواصلي لعملية التخاطب ‪،‬وباألفراد الذين‬
‫تجري بينهم تلك العملية التواصلية ‪،‬وبعبارة أخرى فهي تركز اهتمامها على مجموعة‬
‫الضوابط واملبادئ التي تحكم عملية تأويل الرموز واإلشارات اللغوية في إطار التواصل‬
‫البشري»‪.2‬‬
‫ويشير هذا التعريف إلى خصائص تتميز بها التداولية وهي ‪:‬‬
‫‪-‬إن التداولية ال تستغني عن اللسانيات‪ ،‬فهي املنبع الذي تستمد منها مبادئها‬
‫وخاصة في مجال التركيب الذي يعنى بوصف العالقات الشكلية بين الجمل‪ ،‬فالتداوليات‬
‫مرتبطة باللسانيات « ومرد هذا االرتباط اهتمامها بدراسة عالقة النشاط اللغوي‬
‫بمستعمليه ‪ ،‬وطرق وكيفيات استخدام العالمات اللغوية بنجاح والسياقات والطبقات‬
‫املقامية املختلفة التي ينجز فيها الخطاب والبحث عن العوامل التي تجعل الخطاب رسالة‬
‫تواصلية واضحة وناجحة»‪.3‬‬
‫‪-‬تعتمد التداولية على السياق التواصلي الذي يعنى باستعمال اللغة في مواقف‬
‫معينة ‪،‬فدراسة اللغة في االستعمال هو محور هذا العلم ‪.‬‬
‫‪-‬تتداخل التداولية مع علوم أخرى كعلم الداللة الذي يهتم بتفسير املعنى وعالقة‬
‫الرموز بمفسريها ‪،‬وعلم اللغة االجتماعي الذي يهتم بالتواصل اللغوي ومحيطه االجتماعي‬
‫وعلم اللغة النفس ي الذي يهتم بالظروف النفسية التي تحيط بالحدث الكالمي‪.‬‬
‫وتتميز املقاربة التداولية بما يلي ‪:‬‬
‫‪-‬دراسة النص أو الخطاب األدبي في عالقته بالسياق التواصلي والتركيز على أفعال‬
‫الكالم واستكشاف العالقات املنطقية الحجاجية ‪،‬واالهتمام بالسياق التواصلي والتلفظي‪.‬‬
‫‪-‬اعتمادها على النظرة الثالثية بين املبدع والنص واملتلقي ‪،‬فاللغة في هذا املنهج‬
‫ثالثة مظاهر مظهر خطابي ومظهر تواصلي ومظهر اجتماعي‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫‪-‬استنادها على حقول معرفية متعددة ‪،‬كحقل اللسانيات والبالغة واملنطق‬
‫وفلسفة اللغة وغيرها من امليادين املعرفية اإلنسانية ‪.‬‬
‫‪ 0.0‬مفهوم الوصية ‪:‬‬
‫الوصية "من وص ى وهي من وص ى كوعى خس بعد رفعه واتزن بعد خفة‪ ،‬واتصل‬
‫ووصل األرض وصيا ووصاءة اتصل بشأنها ‪،‬واالسم الوصاة والوصاية والوصية وهو‬
‫املوص ى به أيضا ‪،‬قال تعالى "يوصيكم هللا" أي يفرض عليكم وقوله تعالى " تواصوا به" أي‬
‫أوص ى أولهم آخرهم »‪.4‬‬
‫والوصية أنواع منها الوصية األدبية وهي ما يقدمه انسان إلنسان من نصائح‬
‫ومواعظ ضمن مجموعة من األوامر والنواهي ‪،‬وقد تأتي على شكل شعر أو نثر وهي نوع من‬
‫األدب غايته التوجيه واإلرشاد والحث على اكتساب املحامد أو الدعوة إلى مكارم األخالق‪.‬‬
‫والتواصل بين املوص ي واملوص ى إليه لن يكون إال عن طريق النصح واإلرشاد والوعظ‬
‫وذلك بالدعوة إلى االستفادة من التجارب السابقة واالقتداء بها ‪.‬‬
‫كما تندرج الوصية ضمن منظومة الخطابات الشخصية ألنها صادرة بتوجيه‬
‫شخص إلى شخص آخر ‪" .‬وتتعدد الوصايا على اختالف مضامينها‪ ،‬فهناك وصايا من‬
‫القرآن الكريم ووصايا من األنبياء عليهم السالم ووصايا الخلفاء ووصايا العلماء والفقهاء‬
‫والشعراء‪5".‬‬ ‫ووصايا الكتاب‬
‫ويراد بالوصية أيضا الترغيب فيما ينفع وعما يغير ‪،‬وهي موجهة لقوم معينين في‬
‫ألهله‪6.‬‬ ‫زمن معين كوصية الرجل‬
‫وتختلف كل وصية تبعا الختالف عصرها وما تتميز به لغتها فوصايا النثر الجاهلي‬
‫لها خصوصيتها االجتماعية والثقافية‪ ،‬باعتبار أن النثر الجاهلي "يمتاز بجريانه مع الطبع‬
‫فليس فيه تكلف وال زخرف وال غلو فهو يسير مع أخالق البدوي وبيئته‪ ،‬فهو قوي اللفظ‬
‫الفكرة"‪7‬‬ ‫متين التركيب‪ ،‬قصير الجملة ‪،‬قريب اإلشارة ‪ ،‬قليل االستعارة‪ ،‬سطحي‬
‫وعلى هذا األساس فإن وصايا النثر الجاهلي تتخذ أسلوبا بسيطا وهو على بساطته‬
‫موجه قائم على األمر و النهي ‪،‬وفي الوقت نفسه يقوم على قصدية التأثير واإلقناع وهذا ما‬
‫يتجلى في الوصايا التي بين أيدينا ‪.‬‬
‫‪ .8‬املقاربة التداولية في الوصايا النثرية الجاهلية ‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫‪6‬‬
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪99-38‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫سبق اإلشارة إلى أن التداولية هي استعمال للغة في موقف تواصلي معين ‪ ،‬وليس املقصود‬
‫بالتواصل الجانب اآللي أو الفيزيائي بل السياق العام الذي ينتج عنه التأثير والتفاعل بين‬
‫املتكلم والسامع ‪ ،‬وفي ذلك يقول عبد السالم عشير ‪":‬إذا كانت نظرية التواصل اللساني‬
‫تنطلق أساسا من معرفة كيف يتم التواصل أكثر من معرفة ما يتم إيصاله‪ ،‬فهي رغم ذلك‬
‫تفتح بابا مهما ملعرفة الطرائق واآلليات التي تتم بها صياغة األقوال ‪،‬ومن ثم فهي تطل‬
‫على الكيفية التي يشتغل بها الذهن البشري ‪ ،‬لترتيب األفكار والتعبير بها عن املشاعر‬
‫واملعتقدات ‪،‬والتأثير بها في اآلخرين ‪ ،‬وإذا كانت هذه الوظائف في غالبها ترتبط باملعنى‬
‫الضمني وليس باملعنى الحرفي الذي هو مجال النظريات التواصلية العلمية اآللية ‪،‬فإن‬
‫النظريات املعاصرة انفتحت على معطيات تجاوزت النقل الحرفي إلى البحث في الخلفيات‬
‫املعرفية والسياقية‪ ،‬التي تحكم التواصل التفاعلي اإليجابي بين املتكلمين واملستمعين وهي‬
‫معطيات تداولية تؤسس الفضاء التواصلي العام بمختلف العوامل املعرفية والسياقية‬
‫واالعتقادية"‪8.‬‬ ‫والنفسية‬
‫و حديثنا عن الفضاء التواصلي يقتض ي منا إبراز آليات الحجاج واإلقناع التي تهدف إلى‬
‫استمالة املتلقي والتأثير فيه ‪،‬فالوصية في طبيعتها تتسم بحجاجية السرد ‪،‬وتعد من أهم‬
‫األنواع األدبية التي تتخذ الحجاج مسارا لها ألنها تقوم على التفاعل بين املوص ي واملوص ى‬
‫إليه‪.‬‬
‫‪ 0.8‬آلية الحجاج‪:‬‬
‫يعد الحجاج وسيلة من وسائل التخاطب وأساسه اإلقناع والتحاور والتأثير‬
‫واستمالة اآلخر‪ ،‬فكل من املرسل واملرسل إليه يدلي بدلوه قصد التأثير في اآلخر بأي شكل‬
‫من األشكال‪.‬‬
‫والحجاج هو جهاز لساني ومبحث من مباحث التداولية والتي تهتم بموضوعه‬
‫لسببين‪ ":‬األول أن األشكال اللفظية التي يتم إنتاجها في االستعمال اللغوي ال تخلوا من‬
‫قصد الحجاج مهما كانت الوظيفة الغالبة على امللفوظات املنطوق بها ‪ ،‬وهو ما يعرف في‬
‫التداولية بالتوجيه الحجاجي للملفوظات ‪.‬والسبب الثاني أن الحجاج يفترض طرفي تواصل‬

‫‪87‬‬
‫يقصد أحدهما إلى التأثير في الطرف اآلخر بوجه من الوجوه ‪،‬وهذا االعتبار ما هو إال تأمل في‬
‫التواصل"‪9.‬‬ ‫اللغة من خالل العناصر الشكلية لعملية‬
‫وعلى هذا األساس فإن مفاهيم الحجاج متعددة تبعا لتعدد املشارب الفلسفية‬
‫واللغوية ‪.‬‬
‫فالشريف الجرجاني يعرفه بقوله‪« :‬الحجة ما دل على صحة الدعوى وقيل الحجة‬
‫والدليل واحد»‪.10‬‬
‫ويعرفه أبو بكر العزاوي بأنه «تقديم الحجج واألدلة املؤدية إلى نتيجة معينة وهو‬
‫يتمثل في إنجاز متواليات من األقوال بعضها بمثابة الحجج اللغوية ‪،‬وبعضها اآلخر بمثابة‬
‫النتائج الذي تنتج منها»‪.11،‬فهذه التعريفات تبين أن الحجاج هو مقدمات ونتائج توجهها‬
‫استدالالت وبراهين وآلياتها لغوية ومنطقية وبالغية‪.‬‬
‫ويتميز الخطاب الحجاجي بسمات منها‪:‬‬
‫‪-‬القصد املعلن‪ :‬أي إحداث أثر ما في املتلقي أي إقناعه بفكرة معينة وهو مايعبر عنه‬
‫بالطريقة اإليحائية‪.‬‬
‫‪-‬التناغم‪ :‬أي يوظف التسلسل الذي يحكم ما يحدثه الكالم من تأثيرات سواء‬
‫تعلق األمر بالهدوء أو االنفعال وتكون له معرفة لنفسية املتلقي وقدراته‪.‬‬
‫‪-‬االستدالل ‪:‬وهو سياقه العقلي أي تطوره املنطقي ‪،‬فالنص الحجاجي قائم على‬
‫البرهنة ‪،‬وإذا أعدنا الحجاج إلى أبسط صوره وجدنا ترتيبا عقليا للعناصر اللغوية تستجيب‬
‫لنية اإلقناع‪.‬‬
‫‪-‬البرهنة ‪:‬وإليها ترد األمثلة والحجج وكل آليات اإلقناع مرورا بأبلغ إحصاء وأوضح‬
‫استدالل‪12.‬‬

‫فالخطاب الحجاجي قناة تواصل جوهره اللغة ومحوره مرسل ومتلقي أو مؤثر‬
‫ومتأثر‪ ،‬فاملرسل يستعمل كل آليات اإلقناع من أجل توصيل الفكرة واستمالة املتلقي‬
‫وتوجيهه إلى مسارات متعددة ‪،‬تؤدي نتيجة واحدة وهذه النتيجة قائمة على عالقات التمثيل‬
‫واالستدالل‪.‬‬
‫و بين أيدينا وصية من وصايا النثر الجاهلي وهي وصية زهير بن جناب الكلبي حيث‬
‫قال مخاطبا إياهم‪ «: :‬يا بني قد كبرت سني وبلغت حرسا من دهري فأحكمتني التجارب‬

‫‪8‬‬
‫‪8‬‬
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪99-38‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫واألمور تجربة واختبارا فاحفظوا عني ما أقول وعوه ‪،‬إياكم والخور عند املصائب والتواكل‬
‫عند النوائب فإن ذلك داعية للغم وشماتة للعدو ‪ ،‬وسوء الظن بالرب وإياكم أن تكونوا‬
‫باألحداث مغترين ولها آمنين ومنها ساخرين فإنه ما سخر قوم قط إال ابتلوا ولكن توقعوها‬
‫‪،‬فإنما اإلنسان في الدنيا غرض تعاوره الرماة فمقصر دونه ومجاوز ملوضعه وواقع عن‬
‫يمينه وشماله ثم ال بد أنه مصيبه»‪.13‬‬
‫يمكننا تطبيق عناصر الخطاب الحجاجي التي تقوم على املقدمات والروابط‬
‫الحجاجية بين املقدمات والنتائج‪ ،‬ذلك ألن الوصايا تشكل خطابا حجاجيا يؤدي غرضه‬
‫التأثيري اإلقناعي في النص "وهو خطاب ذو تفكير حجاجي يهدف إلى التأثير واإلقناع بإقامة‬
‫الحجة عبر تقنياته وطرائقه اللغوية وصوره البالغية وكيفية انتظام مواده ‪،‬وعلى ذلك‬
‫املتلقي"‪14.‬‬ ‫فاإلقناع واالسلوب ولغة االستعمال وترتيب أجزاء القول من منطلقات التأثير في‬
‫أوال‪:‬املقدمات‪:‬‬
‫تمثل املقدمات عنصرا فعاال في الخطاب الحجاجي ‪،‬لكونها تمثل منطلق الحجاج‬
‫سواء أكانت املحاجة منطقية أو لغوية ‪،‬ولعل الغلبة في املناظرات والجداالت والخصومات‬
‫الناس"‪15.‬‬ ‫تتوقف على مقدرة املتكلم على رصف الحجج وسوقها على مسامع‬
‫وتفتتح الوصية بمقدمة هي بمثابة حجة لبنيه وهي قائمة على الوصف والتفسير‬
‫وذلك في قوله ‪":‬يا بني قد كبرت سني ‪ "...‬وهي في بنيتها العميقة تهدف إلى غاية واحدة وهي‬
‫بيان تجارب هذا األب في مساره الحياتي‪ ،‬وقد عبر عنها بهذه املقدمة التي تقوم على‬
‫مجموعة من االستدالالت وهي كبر السن وخوض غمار تجارب الحياة وغيرها ‪,‬واملتأمل في‬
‫البنية الحجاجية لهذه الوصية يجد في ثناياها ذلك األسلوب اإلقناعي الذي يوجه‬
‫السامع ويوجه مساره التوجيهي بمقدمات محتملة "فكبر السن وخوض التجارب تحمل في‬
‫معناها الضمني توجيهات وأوامر من قائد مجرب خبير بخبايا األمور ‪،‬كما أن هذا الوصف‬
‫الذي استعمله املوص ي هو فكرة حجاجية تدفع بمخيلة املتلقي أو املوص ى إلى إدراك األمور‬
‫وفهمها والسير على درب املوص ي‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الروابط الحجاجية‪:‬‬

‫‪89‬‬
‫وهي الروابط التي تجمع بين املقدمات والنتائج وهي روابط يغلب عليها أن تكون‬
‫سببية " وقد تنوعت الروابط في هذه الوصية مثال ذلك استعمال الرابط الفاء الدال على‬
‫الوصل والسببية في قوله "قد كبرت سني وبلغت حرسا من دهري فأحكمتني التجارب"‪...‬‬
‫كما نجد رابط العطف الواو الذي يتحول إلى رابط حجاجي بين جملتي "قد كبرت‬
‫سني وبلغت حرسا من دهري" وقد أدى هذا الترابط النص ي إلى االنتقال من العموم إلى‬
‫الخصوص حتى يبين للموص ى إليه هيبة وحنكة املوص ي وحالته التي مر عليها ‪،‬وحتى يكون‬
‫املوص ى مستعدا تمام االستعداد لتنفيذ الوصية والسير على ركب املوص ي‪.‬‬
‫وتنطلق الوصية من مسلمات متتابعة تعقبها حجج منطقية بواسطة الرابط "إن"‬
‫وهو رابط توكيدي يؤكد فيه املوص ي على عدم االستسالم والخضوع والفشل عند املصائب‬
‫وذلك في قوله ‪":‬إياكم والخور عند املصائب والتواكل عند النوائب فإن ذلك داعية للغم‬
‫وشماتة للعدو " فهذه النتيجة حتمية‪ ،‬يريد املوص ي إثباتها من خالل القضايا السابقة التي‬
‫أسداها ألبنائه ليهدف من خاللها إلى بيان قوة الطرح والوصول إلى مستوى من التأثير‬
‫واإلقناع الذي يبنى على مبررات منطقية ‪.‬‬
‫‪ 0.8‬أفعال الكالم‪:‬‬
‫تعد نظرية أفعال الكالم مبحثا من مباحث التداولية وهذه النظرية تنطلق من مسلمة‬
‫مفادها « أن األقوال الصادرة ضمن وضعيات محددة تتحول إلى أفعال ذات أبعاد‬
‫اجتماعية ‪ ،‬وتطرح األفعال الكالمية السؤال اآلتي ‪:‬هل يمكن أن ينجز الفعل دون أن‬
‫حقا؟‪16‬‬ ‫ينطق بكالم ما ؟وهل يمكن أن ينجز الفعل طوع إرادتنا ؟ وهل ننوي أن ننجز الفعل‬
‫معنى ذلك أن هذه النظرية « تدرس األفعال التي تعبر عن فعل وال يحكم عليها بصدق أو‬
‫كذب وقد ال تصف شيئا من وقائع العالم الخارجي‪ ،‬وليس من الضروري أن تعبر عن حقيقة‬
‫واقعية تهدف إلى إرساء قواعد نظرية لألفعال الكالمية من األنماط املجردة أو األصناف‬
‫التي تمثل األفعال املحسوسة والشخصية التي تنجز أثناء الكالم ‪،‬فاملتكلم عندما يتحدث‬
‫يخبر عن شيئ أو يصرح بش يء أو يأمر أو ينهى أو يلتمس‪.17»...‬‬
‫وتبنى نظرية أفعال الكالم على القدرة واإلنجاز ‪،‬فكل اتصال لغوي يقتض ي فعال كالميا‬
‫"فوحدة التواصل اللغوي هي ليست ما كان مفترضا بأنها الرمز واملفردة والجملة وال في‬

‫‪9‬‬
‫‪0‬‬
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪99-38‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫عالمة على الرمز أو املفردة أو الجملة‪ ،‬بل هي باألحرى إنتاج أو إصدار ذلك الرمز أو‬
‫الكالم"‪18.‬‬ ‫املفردة أو الجملة في تأدية فعل‬
‫ويرتبط الفعل الكالمي بصيغة الخطاب الذي ينتجه املتكلم ‪ ،‬وقد اشار اوستن إلى أن‬
‫اإلنشائيات تتأسس غالبا على أساس فعل مبني للمعلوم ومسند إلى ضمير املتكلم ‪،‬فالفعل‬
‫األدائي ال يتعلق بالصيغة الصرفية وال البنية النحوية وحدها ‪،‬بل يتعلق بالداللة املعجمية‬
‫التي للفعل ألن الداللة املعجمية هي التي تكشف عن كون القول إخبارا عن ش يء ما أو‬
‫"‪19.‬‬ ‫أداء له‬
‫وتتجلى أفعال الكالم في وصية من وصايا النثر الجاهلي أال وهي وصية ذو األصبع العدواني‬
‫لولده ‪،‬وقد كانت هذه الوصية حال احتضاره ‪،‬يقول فيها ‪:‬‬
‫« يا بني إن أباك قد فني وهو حي وعاش حتى سئم العيش وإني موصيك بما إن حفظته‬
‫بلغت في قومك ما بلغته‪ ،‬فاحفظ عني ‪ :‬ألن جانبك لقومك يحبوك وتواضع لهم يرفعوك‬
‫وأبسط لهم وجهك يطيعوك وال تستأثر عليهم بشيئ يسودوك وأكرم صغارهم كما تكرم‬
‫كبارهم ‪،‬يكرمك كبارهم ويكبر على مودتك صغارهم ‪،‬واسمح بمالك واحم حريمك واعزز‬
‫جارك ‪،‬وأعن من استعان بك وأكرم ضيفك‪ ،‬واسر النهضة في الصريخ فإن لك أجرا ال‬
‫يعدوك وصن وجهك عن مسألة أجد شيئا فبذلك يتم سؤددك»‪.20‬‬
‫واملالحظ أن هذه الوصية تحمل أفعاال كثيرة من حيث الزمن وداللتها واضحة وجلية فهي‬
‫تنم عن حركة وحدث ‪،‬كما تهدف هذه الحركية إلى توجيه وتعديل في السلوك للمتلقي‬
‫‪،‬ومن ثم الوصول إلى نتيجة مفادها أن السيادة تورث ولها أسسها وشروطها‪ .‬وقد تجلت‬
‫األفعال الكالمية في هذه الوصية بأنواعها وأغراضها ونذكر منها‪:‬‬
‫‪-1‬األفعال التوجيهية ‪:‬‬
‫وغرضها اإلنجازي محاولة املتكلم توجيه املخاطب إلى فعل معين ويبدأ األمر بالتبليغ به‬
‫وينتهي بالتصريح على وجه اإللزام واالستعالء ‪ ،‬واتجاه املطابقة فيها من العالم إلى‬
‫الكلمات ويربط اإلخالص في الرغبة الخالصة (النية) في التأثير في املتلقي وإقناعه ويدخل‬
‫والتشجيع"‪21‬‬ ‫فيها النصح واإلرشاد واإلصالح واالستعطاف‬

‫‪91‬‬
‫والنقطة التمريرية في التوجيهيات هي محاولة جعل املستمع يتصرف بطريقة تجعل من‬
‫تصرفه متالئما مع املحتوى الخبري للتوجيه وتتوفر النماذج على التوجيهيات في األوامر‬
‫"‪22.‬‬ ‫والنواهي والطلبات واتجاه املالءمة هو دائما من العالم إلى الكلمة‬
‫أ‪-‬النداء‪:‬‬
‫افتتح ذو األصبع العدواني وصيته بصيغة النداء وهي صيغة توجيهية طلبية قائال له ‪":‬يا‬
‫بني" وهذا طلب افتتح بنداء املخاطب املوص ى إليه وإنزال مرتبته إلى مرتبة ابنه ألن‬
‫مقتض ى الحدث جاء في سياق النصيحة ‪،‬فالبد إذن من أن يلفت انتباهه وبذلك يصبح‬
‫تصرفه مطابقا لفحوى الوصية ‪،‬فأسلوب النداء تحقيق فعلي غرضه اإلنجازي جعل‬
‫املخاطب مستئنسا له ومقبال عليه خاصة وأنه حرف النداء التي تستعمل لنداء القريب‪.‬‬
‫ب‪ -‬األمر‪:‬‬
‫األمر عند اللغويين هو طلب وقوع الحدث في املستقبل ‪،‬وعند البالغيين هو الصيغة اللفظية‬
‫‪،‬وفي ذلك يقول السكاكي‪":‬األمر في لغة العرب عبارة عن استعمالها ‪،‬أعني استعمال نحو‬
‫لينزل ‪،‬انزل وصه على سبيل االستعالء ممن هو أعلى رتبة واملراد باالستعالء أن يعد اآلمر‬
‫ال "‪23.‬‬ ‫نفسه أعلى من املخاطب وأرفع منه شأنا سواء أكان عاملا في الواقع أم‬
‫فاالستعالء مرتبط بمكانة اآلمر ‪ ،‬إذ يفرض نفسه على املأمور بالطلب على جهة اإللزام‬
‫ويتميز بخصائص أهمها ‪:‬‬
‫‪-‬كونه مفيد للمستقبل ولكنه محدد ينتهي بانتهاء وقت الطلب ‪.‬‬
‫‪-‬كونه طلب الفعل سواء أكان واجبا أم خارجا عن الوجوب واإللزام إلى سياقات أخرى ‪.‬‬
‫ويعد األمر من عناصر األفعال الكالمية التوجيهية التي تعج بها الوصية بحكم أنها صادرة‬
‫من أب قائد ‪،‬وقد وردت أفعال األمر متتابعة مسترسلة وهي على التوالي(ألن‪ ،‬تواضع‬
‫‪،‬ابسط ‪ ،‬أكرم ‪ ،‬اسمح ‪،‬احم‪ ،‬اعزز ) والهدف منها هو اإلصرار وإثبات حضور املتلقي‬
‫وتمكينه من أداء الفعل‪ .‬كما أن توالي هذه األفعال التوجيهية تعزز من طبيعة العالقة‬
‫بين املرسل واملتلقي ‪،‬فكلما قويت العالقة بينهما كلما كانت األفعال أكثر حضورا وأكثر‬
‫تأثيرا في املتلقي‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪2‬‬
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪99-38‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫وما دام املرسل أو املوص ي هو األب القائد في اآلن نفسه فعلى املتلقي اإلذعان له بالسمع‬
‫والطاعة ‪،‬بما تفرضه تلك املطالب من مصداقية ونوايا حسنة ومكانة أرفع يحظى بها‬
‫املرسل من تأثر وقبول‪.‬‬
‫وقد اقترنت األفعال الطلبية الدالة على األمر بالنتائج املترتب عنها ‪،‬فهي لم تكن أفعاال‬
‫إلزامية بقدر ما كانت تهدف إلى ترغيب املتلقي ‪ ،‬وتمثل الترغيب في تلك النتائج اإليجابية‬
‫املقترنة باإللزام ‪،‬والتي من شأنها أن ترفع من مكانة املتلقي إلى درجات رفيعة وذلك في قوله‬
‫‪:‬ألن جانبك لقومك يحبوك‪ ،‬وتواضع لهم يرفعوك وابسط لهم وجهك يطيعوك‪".‬كل هذه‬
‫النتائج تزيد من قوة التأثير وترفع من شأن املوص ى إليه بين أبناء قومه ‪.‬‬
‫‪ -2‬األفعال التأكيدية ‪:‬‬
‫وهي أن تطابق األفعال الواقع ‪،‬وأن يكون املتكلم مقتنعا بها ‪،‬وأن يكون الغرض اإلنجازي‬
‫فيها وصف واقعة معينة من خالل قضية ال تحتمل أفعالها الكذب‪ ،‬وأن يكون اتجاه‬
‫‪24‬‬ ‫املطابقة فيها من الكلمات إلى العالم ‪.‬‬
‫واملالحظ في الوصية أن ذا األصبع العدواني يحاول إثبات قضية ويقرر ويؤكد أنه بلغ ذروة‬
‫الكبر وأنه خاض معارك الحياة وسخر حياته بركوب الصعب ‪،‬ولكي يؤكد هذه القضايا‬
‫استعمل جملة "إني موصيك" التي تمثل منعطفا حاسما وبداية استهالل مناسبة للموضوع‬
‫‪،‬والغرض منها هو توجيه رسالة إلى املتلقي يوضح فيها معاناته وجاء ذلك عن طريق التأكيد‬
‫الذي يدل على تقوية الخبر وتمكنه في النفس بإزالة الشك والشبهة عنه‪.‬‬
‫‪ 3-3‬اإلشاريات‪:‬‬
‫تعتمد االستراتيجية التواصلية على مراعاة كل أشكال املقام الذي يتم فيه الخطاب‪،‬‬
‫ويستدعي ذلك الربط بين أسلوب الخطاب وما يتضمنه من آليات تصنعها اللغة اعتمادا‬
‫على العالقة بين املرسل واملتلقي اللذان يشكالن محور العملية االتصالية فعملية التواصل‬
‫اإلنساني تخضع لجملة من هذه اآلليات التي ال تنفصل عن بعضها البعض ‪ ،‬وهي آلية‬
‫اإلنتاج وآلية التبليغ وآلية التلقي‪.‬‬
‫وتعد اإلشاريات الرابط الرئيس بين هذه اآلليات ‪،‬وهي أحد مباحث التداولية ‪،‬وهي بناء‬
‫لغوي تجتمع فيه البنيات النصية ‪،‬إضافة إلى توجيه من متكلم إلى متلق في زمان ومكان‬

‫‪93‬‬
‫معينيين‪ ،‬وتعتمد اإلشاريات على التواصل والسياق الذي قيل فيه النص ‪،‬وتعرف بأنها ‪«:‬‬
‫تلك األشكال اإلحالية التي ترتبط بسياق املتكلم مع التفريق األساس بين التعبيرات‬
‫اإلشارية القريبة من املتكلم مقابل التعبيرات اإلشارية البعيدة عنه»‪.25‬‬
‫معنى ذلك أن هناك مرجعية بين املتكلم واملتلقي بشأن قصدية العبارة وتوجيهها وإحالتها‬
‫وتعرف أيضا بأنها « الروابط الداخلية التي تربطه بعامله الخارجي وهي اإلحالة التي تتحدد‬
‫من خالل العنصر اللغوي والسياق الوجودي أو الخارجي ومن ثم تمثل دراسة البعد‬
‫اإلشاري للعالمة اللغوية التي هي جزء من مقاصد الخطاب‪ ،‬فاإلشارة في "أنا وأنت وهنا‬
‫االستعمال»‪26.‬‬ ‫تفهم من سياقها الخارجي وال تتحقق إال من خالل‬
‫يتبين لنا من خالل هذا التعريف أن خصائص اإلشاريات هي ‪:‬‬
‫‪-‬أنها رابطة بين وحدات النص وهي التي تحقق االتساق واالنسجام في النص‪.‬‬
‫‪-‬أنها تحيل إلى املقام الخارجي الذي يقع فيه الحدث الكالمي‪.‬‬
‫‪-‬يفرضها االستعمال بين طرفي الخطاب ووظيفتها متصلة بالسياق املخصوص لها وذلك‬
‫لتوضيح غاية املتكلم ‪.‬‬
‫‪-‬أنها عناصر مغيرة للخطاب وتفيد التأكيد واالختصار‪.‬‬
‫‪-‬وظيفتها إشراك طرفي الخطاب في سياق التلفظ ذاته ‪.‬‬
‫وبناء على ذلك نحاول أن نقف على أبعادها في هذه الوصية املوجهة من أم إلى ابنتها‬
‫اعتمادا على أنواع اإلشاريات‪.‬‬
‫تقول أمامة بنت الحارث موصية ابنتها‪« :‬أي بنية إنك فارقت الجو الذي منه خرجت‪،‬‬
‫وخلفت العش الذي فيه درجت إلى وكر لم تعرفيه وقرين لم تألفيه فأصبح بملكه عليك‬
‫رقيبا ومليكا ‪،‬فكوني له أمة يكن لك عبدا وشيكا‪ .‬يا بنية احملي عني عشر خصال تكن لك‬
‫ذخرا وذكرا ‪:‬الصحبة بالقناعة واملعاشرة بحسن السمع والطاعة والتعهد ملوقع عينه‬
‫والتفقد ملوضع أنفه‪ ،‬فال تقع عينه منك على قبيح وال يشم منك إال طيب ريح والكحل‬
‫أحسن الحسن املوجود واملاء أطيب الطيب املفقود والتعهد لوقت طعامه والهدوء عنه عند‬
‫منامه‪ ،‬فإن حرارة الجوع ملهبة وتنغيص النوم مبغضة‪ ،‬واالحتفاظ ببيته وماله واإلرعاء على‬
‫نفسه وحشمه وعياله ‪،‬فإن االحتفاظ باملال حسن التقدير واإلرعاء على العيال والحشم‬
‫جميل حسن التدبير وال تفش ي له سرا وال تعص ي له أمرا ‪،‬فإنك إن أفشيت سره لم تأمني‬

‫‪9‬‬
‫‪4‬‬
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪99-38‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫غدره وإن عصيت أمره‪ ،‬أوغرت صدره ثم اتقي مع ذلك الفرح إن كان ترحا واالكتئاب عنده‬
‫إن كان فرحا ‪،‬فإن الخصلة األولى من التقصير والثانية من التكدير وكوني أشد ما تكونين‬
‫له إعظاما‪ ،‬يكن أشد ما يكون لك إكراما وأشد ما تكونين له موافقة ‪ ،‬يكن أطول ما‬
‫تكونين له مرافقة‪ ،‬واعلمي أنك ال تصلين إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك وهواه‬
‫على هواك فيما أحببت وكرهت وهللا يخير لك »‪.27‬‬
‫اإلشاريات الشخصية في الوصية ‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫و املقصود بها تلك اإلشاريات الدالة على املتكلم أو املخاطب أو الغائب فالذات املتلفظة‬
‫تدل على املرسل في السياق‪ ،‬فقد تصدر خطابات متعددة عن شخص واحد فذاته املتلفظة‬
‫تتغير بتغير السياق الذي تلفظ فيه وهذه الذات هي محور التلفظ في الخطاب تداوليا ألن‬
‫‪28...‬‬ ‫األنا قد تحيل على املتلفظ ‪،‬اإلنسان أو املعلم أو األب وهكذا‬
‫ويمكن القول من خالل هذه الوصية أن حضور املتكلم واملخاطب واملتمثل في األم والبنت‬
‫‪،‬فهما يمثالن طرفان أساسيان في عملية توجيه وسير الخطاب من خالل تجارب وخبرات‬
‫السابقة لألم ‪،‬والتي ترغب نقلها إلى ابنتها و تباعها والعمل بها "والخطاب في هذا السياق‬
‫يتشكل أساسا من تواجد شخصين على األقل يتبادالن املعارف والخبرات بينهما ‪،‬وبواسطة‬
‫متعددة"‪29.‬‬ ‫اللغة يتمكن املتكلم من أداء أفعال‬
‫أ‪-‬ضمير املتكلم‪:‬‬
‫يعبر عن ضمير املتكلم في اللغة العربية ب "أنا" وهو يتصرف من حيث العدد ال من حيث‬
‫الجنس إلى ضمير دال على املثنى والجمع معا نحو "نحن"‪ ،‬والتعبير به منحصر في املتكلم‬
‫واملخاطب ‪،‬أما الغائب فيمكن أن يعبر عنه إما بالضمير مثل املتكلم واملخاطب أو باالسم‬
‫‪،‬الوسيمة)"‪30.‬‬ ‫املضمر كاسم الجنس (الرجل ‪،‬املرأة ) والعلم (زيد ‪،‬هند) والصفة (الوسيم‬
‫وتعد الذات املتكلم في هذه الوصية واملتمثلة في شخص "األم " محور التلفظ في الخطاب‬
‫حيث يشير تصور األنا في ذهن املرسل إليه ‪،‬األمر الذي يجعله يقوم بدور املوجه للخطاب‬
‫‪،‬وهذا املوجه "ليس بإمكانه قول "أنا" في النص ألن النصوص السردية على اختالف‬
‫مستوياتها ‪ ،‬تقدم أشخاصا يتلفظون ويتخاطبون في صيغة مباشرة ويتموضعون باعتبارهم‬
‫"‪31.‬‬ ‫مسؤولين عن تلفظهم‬

‫‪95‬‬
‫وقد استهلت الوصية بأداة النداء "أي بنية " وذلك لقرب املسافة االجتماعية بينهما ‪،‬وهذه‬
‫الذات املسيطرة شكلت دورا فعاال في التنبيه والوعظ واإلرشاد ‪،‬وتغيير مسار ابنتها إلى‬
‫كيفية التصرف في حياتها الجديدة ‪.‬‬
‫فحضور املتكلم في هذه التوجيهات عكس تلك الصورة املثالية لألم وتمثل ذلك في قولها‬
‫"احملي عني عشر خصال ‪"...‬فضمير املتكلم املتصل حاضر في هذا املقام الذي يستوجب منه‬
‫توجيه املتلقي لتنفيذ ما سبق له من تجارب والعمل بها ‪،‬فحضور األنا ظاهر في موضع‬
‫واحد والذي يمثله لفظ "عني" ‪،‬وهذا ال يعني غياب األنا بل تجسد حضوره في كل أجزاء‬
‫الوصية وهو حضور الهدف منه هو إثبات استجابة املرسل إليه وكفاءته‪.‬‬
‫ب‪-‬ضمير املخاطب املتصل‪:‬‬
‫يعد الضمير "أنت" مقابال ضروريا لضمير املتكلم "فهما يحيالن في املقام على شخصين‬
‫متصفين بثقافة ومواقف وتجارب ومعارف ومنزلة ومتوفرين على معرفة مضمونة بقواعد‬
‫اللغة التي بني عليها الخطاب وطرق استعمالها‪ ،‬وهذه املعرفة هي إثبات القدرة على‬
‫التواصل‪.‬‬
‫واملالحظ في هذه الوصية أن ضمائر املخاطب املتصلة موجودة بكثرة ‪،‬ألن املخاطب هنا‬
‫يمثل صدى للمتكلم يتتبعه ويسير على نهجه ‪،‬ألن املتكلم يتفرد عن املخاطب بكونه منجزا‬
‫ماثال داخله مما يجعل منزلته بالنسبة إلى املخاطب أرفع‪. 32‬‬
‫وقد طغت ضمائر املخاطب املتصلة في قولها‪" :‬فارقت ‪،‬خلفت ‪،‬كوني ‪ "...‬وذلك لإلشارة إلى‬
‫مقام اجتماعي يتطلب سرد معطيات معينة استدعتها ظروف ما‪.‬‬
‫ج‪-‬ضمير الغائب املتصل‪:‬‬
‫من املعلوم أن ضمائر املخاطب املتصلة تحيل إلى مفسر متقدم الذكر "‪،‬واملفسر هو العنصر‬
‫اللغوي الذي يعود عليه الضمير فيشرحه ويرفع إبهامه ‪،‬ويشترك هذان العنصران في‬
‫اإلحالي"‪33.‬‬ ‫اإلحالة على متصور مرجعي واحد محققين بذلك ما يسمى بالتقارن‬
‫وقد توزعت ضمائر الغائب املتصلة في أجزاء الوصية لتعود على شخص الرجل الذي يمثل‬
‫عنصرا إشاريا داخل النص ‪،‬وفي الوقت نفسه يمثل محور القضية املطروحة ‪،‬ومن أمثلة‬
‫ذلك "عينه‪ ،‬طعامه ‪،‬منامه ‪،‬عياله"‪ ،‬واملالحظ في هذا السياق أن اإلشاريات الشخصية‬
‫املتمثلة في الذات املحورية "األنا "قد امتدت لتوصل بين املخاطب والغائب عن طريق‬

‫‪9‬‬
‫‪6‬‬
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪99-38‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫تقريب املسافة بين الزوجة والزوج ‪،‬وقد شكلت هذه الضمائر مرجعا مهما ومفسرا يحيل‬
‫إلى الزوج الغائب‪/‬الحاضر الذي كان محور الحديث وموضوع الوصية‪.‬‬
‫‪-2-3‬اإلشاريات املكانية في الوصية‪:‬‬
‫وهي التي تحيل إلى املواضع التي يتفاعل معها الخطاب ويمثل املكان بعدا أساسيا يحس به‬
‫اإلنسان ويؤثر في وجوده وكينونته ‪،‬ومن اإلشارات املكانية هذا ‪،‬ذاك ‪،‬الظروف هنا ‪،‬هنالك‬
‫‪،‬فوق‪ ،‬تحت ويدخل فيها اسم األماكن وهي تدل على أشياء في العالم الخارجي‪ .‬وهي كذلك‬
‫"عناصر إشارية إلى أماكن يعتمد استعمالها وتفسيرها على معرفة مكان املتكلم وقت التكلم‬
‫أو على مكان آخر معروف للمخاطب أو السامع ‪،‬ويكون لتحديد املكان أثره في اختيار‬
‫‪34.‬‬ ‫العناصر التي تشير إليه قربا أو بعدا أو جهة"‬
‫وتوزعت اإلشاريات املكانية في الوصية ‪،‬منها ما تعلق بالبنت املقبلة على الزواج وتجلى ذلك‬
‫في ألفاظ ‪":‬الجو ‪،‬العش‪ ،‬الوكر "‪،‬ومنها ما تعلق بالزوج ‪،‬وتجلى ذلك في ألفاظ "موضع‬
‫‪،‬موقع" وهي مرجع مكاني يبين لنا السياق الخارجي الذي تضمنه الخطاب ‪،‬كما يحدد اتجاه‬
‫سير املتلقي وحضوره كطرف فعال في تنفيذ الوصية ‪.‬‬
‫‪-8-8‬اإلشاريات الزمانية‪ :‬وهي التي تحيل إلى زمن وأحداث الخطاب والزمن نوعان زمن‬
‫نحوي وزمن كوني خارجي والنحوي زمن الجملة والكوني الظروف التي تحيل إلى العالم‬
‫الخارجي مثل الظروف وأسماء الوقت والزمن التي يكون تقديرها في العالم الخارجي ‪،35.‬كما‬
‫تعرف أيضا بأنها "كلمات تدل على زمان يحدده السياق بالقياس إلى زمان املتكلم او مركز‬
‫اإلشارة الزمانية في الكالم ‪،‬فإذا لم يعرف زمان التكلم أو مركز اإلشارة الزمانية التبس األمر‬
‫أو القارئ"‪36.‬‬ ‫على السامع‬
‫وقد وردت بعض اإلشاريات الزمانية في الوصية وتمثلت في قولها "وقت طعامه‪ ،‬عند منامه"‬
‫وهي تمثل لحظة التلفظ بالقول ولكنه ممتد إلى زمن املستقبل ‪،‬فاملرسل إليه ملزم بمعرفة‬
‫لحظة التلفظ كي يبني توقعه وفق مسارها ‪،‬كما تمثل هذه اإلشاريات امتدادا لخطاب‬
‫املوص ي الذي يهدف إلى بيان الترابط بين املخاطب املوجه إليها الكالم والغائب الزوج‬
‫املتضمن موضوع الوصية ‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫خاتمة‪:‬‬ ‫‪.0‬‬
‫يمكننا إجمال النتائج املتوخاة من هذه الدراسة الهادفة إلى بيان األبعاد التداولية‬
‫في فن الوصية في النقاط اآلتية‪:‬‬
‫‪-‬تركز التداولية على استعمال اللغة في موقف تواصلي معين ‪،‬مراعية في ذلك أنواع‬
‫السياق الذي يوجه مسار الخطاب‪.‬‬
‫‪-‬تطبيق املقوالت التداولية في تحليل النصوص أو ا لخطابات من شأنه أن يعزز من‬
‫الكشف عن تفاعل اللغة والوصول بالنص إلى مقاربة اساسها معرفة مكامنه الخفية ‪.‬‬
‫‪-‬يمتاز النص النثري وبخاصة الوصية بلغة محكمة قوية جزلة ‪،‬األمر الذي يدفعنا‬
‫إلعادته قراءته من منظور املقاربة التداولية التي تبرز لنا محطات كثيرة عن حضارة وثقافة‬
‫ذلك العصر ‪.‬‬
‫‪-‬أثبتت اآلليات التداولية من األساليب الحجاجية وأفعال الكالم واإلشاريات‬
‫كفاءتها في الكشف عن الدالالت الخفية لنصوص الوصية‪.‬‬
‫‪-‬اتضح لنا من خالل التحليل التداولي استراتجيات الخطاب التي تحققت في فن‬
‫الوصية والتي اعتمدت على تفاعل أطراف العملية التواصلية ‪ ،‬التي من خاللها نكشف‬
‫تأثير أحدهما على اآلخر‪.‬‬
‫‪ .5‬الهوامش‪:‬‬

‫‪1‬موشالر جاك‪، 2212،‬القاموس املوسوعي للتداولية ‪،‬دار تانزا تونس‬


‫‪2‬جبار كاظم مرتض ى‪، 2212،‬اللسانيات التداولية في الخطاب القانوني‪،‬دار األمان الرباط ‪،‬ص ‪143‬‬
‫‪3‬جعطيط نور الدين‪،2212،‬تداوليات الخطاب السياس ي‪،‬عالم الكتاب الحديث ‪،‬األردن ‪،‬ص‪11‬‬
‫‪4‬الفيروزآبادي ‪،1991،‬القاموس املحيط ‪،‬دار إحياء التراث ‪،‬القاهرة (مادة وص ي)‬
‫‪ 5‬ينظر ‪:‬العشي عبد هللا‪، 5002،‬زحام الخطابات‪،‬دار األمل للطباعة الجزائر ‪،‬ص‪841‬‬
‫‪6‬الزيات حسن‪،‬دت‪،‬تاريخ األدب العربي‪،‬دار نهضة مصر ‪،‬القاهرة ص ‪81‬‬
‫‪7‬المرجع نفسه ص ‪81‬‬
‫‪8‬عشير عبد السالم‪، 5002،‬عندما نتواصل نغير ‪،‬افريقيا الشرق ‪،‬المغرب‪ ،‬ص ‪81‬‬
‫‪ 9‬بوزغاية رزيق‪، 5050:‬كتاب التداوليات‪،‬دار نوران للنشر والتوزيع‪،‬ص‪882‬‬
‫‪10‬الجرجاني الشريف‪،‬دت‪،‬التعريفات ‪،‬مكتبة لبنان ص ‪52‬‬
‫‪11‬العزاوي أبو بكر ‪، 2221،‬اللغة والحجاج منتديات سور األزبكية القاهرة ص ‪11‬‬
‫‪12‬ينظر مثنى صادق ‪، 2212،‬أسلوبية الحجاج التداولي ‪،‬منشورات ضفاف ‪،‬لبنان ص ‪99‬‬
‫‪13‬احمد زكي صفوت‪، 1913،‬جمهرة خطب العرب في العصور الزاهرة ‪،‬مطبعة املصطفى ‪،‬ج‪، 1‬ص ‪259‬‬
‫‪14‬الغرايبة عالء الدين‪،‬العمري أمل ‪،5081:‬آليات الحجاج لوصايا الحكماء في العصر الجاهلي‪،‬مجلة الجامعة‬
‫اإلسالمية للدراسات اإلنسانية ‪،‬مج ‪ 52‬العدد ‪ 3‬ص ‪812‬‬

‫‪9‬‬
‫‪8‬‬
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪99-38‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫‪15‬بوزغاية رزيق‪:‬كتاب التداوليات ص ‪828‬‬


‫‪16‬اوستن‪، 1991،‬نظرية أفعال الكالم ‪،‬دار افريقيا الشرق ‪،‬املغرب ص ‪124‬‬
‫‪17‬عكاشة محمود‪، 2213،‬البراجمماتية اللسانية‪،‬مكتبة اآلداب ‪،‬القاهرة ص ‪91‬‬
‫‪18‬كاظم مرتضى جبار ‪، 5082،‬اللسانيات التداولية في الخطاب القانوني‪،‬منشورات االختالف‪،‬الجزائر ص ‪48‬‬
‫‪19‬بوزغاية رزيق‪:‬كتاب التداوليات ص ‪811‬‬
‫‪20‬احمد زكي صفوت‪، 1913،‬جمهرة خطب العرب ج‪، 2‬ص ‪291‬‬
‫‪21‬عكاشة محمود‪،،‬النظرية البرجماتية اللسانية التداولية‪ ،‬ص‪802‬‬
‫‪22‬بوزغاية رزيق‪:‬كتاب التداوليات ص ‪813‬‬
‫‪23‬السكاكي‪:‬مفتاح العلوم ص ‪451‬‬
‫‪24‬عكاشة محمود‪:‬البرجماتية اللسانية ص‪802‬‬
‫‪25‬الشهري ظافر‪ ، 2224،‬استراتيجبات الخطاب ‪،‬دار الكتاب الجديد املتحدة ص ‪51‬‬
‫‪26‬عكاشة محمود‪،‬البراجماتية اللسانية ص ‪54‬‬
‫‪27‬أحمد زكي صفوت‪:‬جمهرة خطب العرب‪،‬ج‪، 5‬ص‪512‬‬
‫‪28‬ينظر الشهري ظافر ‪:‬استراتجيات الخطاب ص ‪52‬‬
‫‪29‬حمو الحاج ذهبية‪،5082،‬التداولية واستراتجية التواصل‪،‬دار رؤية للنشر والتوزيع‪،‬ص‪14‬‬
‫‪30‬الهيشري الشاذلي‪،5003،‬الضمير بنيته ودوره في الجملة ‪،‬جامعة منوبة ‪،‬تونس ‪،،‬ص ‪34‬‬
‫‪31‬ينظر حمو الحاج ذهبية ‪،‬التداولية واستراتجية التواصل ص ‪12‬‬
‫‪32‬ينظر الشاذلي الهيشري‪ :‬الضميربنيته ودوره في الجملة ص ‪342‬‬
‫‪33‬المرجع نفسه ص ‪341‬‬
‫‪34‬نحلة أحمد محمود‪، 5005،‬آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر ‪،‬دار المعرفة الجامية ‪،‬القاهرة ص ‪58‬‬
‫‪ 35‬ينظر عكاشة محمود ‪،‬البرجماتية اللسانية ص ‪94‬‬
‫‪36‬نحلة أحمد محمود‪:‬آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر ص ‪81‬‬

‫‪99‬‬

You might also like