You are on page 1of 162

‫المحاضرة السابعة‬

‫الخطاب وعلم اللغة التداولي‬


‫‪203‬‬
‫الدكتور عاطف فضل‬

‫‪204‬‬
‫جامعة الزرقاء‬

‫‪205‬‬
‫األربعاء ‪ 16‬محرم ‪1435‬هـ‪ -‬الموافق ‪ 20‬تشرين الثاني ‪2013‬م‬

‫‪206‬‬
‫مقّد مة‬

‫اللغة وعاء الفكر‪ ،‬وأداة االتصال‪ ،‬ووسيلة التفاهم بين األفراد والجماعات‪،‬‬
‫وعن طريق اللغة يستطيع المرء أن ينقل أفكاره إلى غيره‪ ،‬وبها يستطيع التعبير عن‬
‫مشاعره‪ .‬وتواصلية اللغة ذكرها ابن جّني بقوله‪" :‬أّم ا حّد ها – اللغة – فإّنها أصوات‬

‫‪207‬‬
‫يعّبر بها كّل قوٍم عن أغراضهم"(‪ .)1‬وقد ورد هذا المفهوم نفسه؛ أعني التواصلية‬

‫‪208‬‬
‫عند كثير من الباحثين القدماء والمحدثين(‪.)1‬‬
‫وتعريف ابن جني يتضمن أركان عملية التواصل من متحدث أو منشئ‪/‬‬
‫مرسل‪ ،‬ورسالة‪ ،‬وسامع أو متلٍق ‪ /‬مرسل إليه؛ فاألصوات ممّيزة بالسمع‪ ،‬ووسيلة‬
‫السمع األذن‪ ،‬ثّم وفاء اللغة بحاجة أصحابها في كل الظروف والمناسبات‪ ،‬كما أّن‬
‫لها قدرة على األداء واالستمرار؛ وذلك بما لها من خصائص كامنة في عناصرها‪،‬‬

‫‪209‬‬
‫وبما لدى أصحابها من استعداد الستخدامها‪ ،‬ومعرفة بالتصرف بها قوًال وتعليمًا‪،‬‬
‫وأخيرًا احتواؤها على كل ألوان األداء التداولي‪ :‬في العلم‪ ،‬واألدب‪ ،‬والقانون‪،‬‬
‫والسياسة‪ ،‬والصحافة‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫واالتصال اللغوي يتم بين األفراد بطريقين‪:‬‬

‫‪210‬‬
‫األولى‪ :‬المستوى المنطوق‪ ،‬ويكون بين مرسل ومرسل إليه‪ ،‬فتنشأ عنه‬
‫مهارتا‪ :‬التحدث واالستماع‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬المستوى المكتوب‪ ،‬وهو ما ُيعرف بالنظام الكتابي‪ ،‬ويتكون من‬
‫كاتب وقارئ‪ ،‬فتنشأ عنها مهارتا‪ :‬القراءة والكتابة‪.‬‬

‫تحقيق محمد علي النجار‪ ،‬دار الهدى للطباعة‪،‬‬


‫‪211‬‬‫(?) ابن جني‪ ،‬أبو الفتح عثمان‪ ،‬الخصائص‪،‬‬ ‫‪1‬‬
‫ويحظى طرفا الخطاب في هذه الثنائيات ـ السابقة ـ‪ ،‬باهتمام بالغ في التحليل‬
‫اللغوي عند علماء العربية القدماء والمحدثين‪ ،‬منذ سيبويه‪ ،‬وعبد القاهر الجرجاني‪،‬‬
‫واإلستراباذي‪ ،‬وغيرهم إلى أعالم الدرس اللساني الحديث‪ ،‬مثل سوسير‪،‬‬
‫وياكبسون‪ ،‬وتشومسكي‪ ،‬وغيرهم وهو ما ُع رف أيضًا في الدراسات اللسانية‬
‫الحديثة بـ "التداولية"‪ ،‬وهي منهج لساني حديث يقوم على استعمال اللغة في الخطاب‪،‬‬
‫والعملية التخاطبية تبدأ بالمرسل‪ ،‬وبقدر ما يكون ناجحًا في إرساله خطابه‪ ،‬ومبّينًا‬
‫‪212‬‬
‫لمقاصده‪ ،‬وذلك باختيار األدوات اللسانية المناسبة للمقام‪ ،‬يتم فهم هذه المقاصد‪،‬‬
‫ومعرفة معاني خطابه‪ .‬فالتداولية‪ ،‬إذًا‪ ،‬تختص بتحليل عمليات الكالم بصفة خاصة‪،‬‬
‫ووظائف األفعال الكالمية‪ ،‬وخصائصها خالل إجراء عملية التواصل‪.‬‬
‫أما كيفية إجراء هذه العملية‪ ،‬فتتّم كاآلتي‪ :‬يقوم المخ عند إجراء عملية‬
‫التواصل بإنتاج األنظمة الصوتية‪ ،‬والداللية‪ ،‬والتركيبية معًا حتى يصبح لدى الفرد‬

‫‪213‬‬ ‫بيروت‪ ،‬ط‪1952 ،2‬م‪ ،‬ج‪ /1‬ص‪.32‬‬


‫المنشئ ‪ /‬المرسل تيار مستمر من الكالم عند إرادة التحدث‪ ،‬وعندما يستقبل المرسل‬
‫إليه الرسالة‪ ،‬يقوم المخ بتحليل عناصرها التي يسمعها‪ ،‬ثّم يستخلص المعنى‬
‫المقصود من الرسالة‪ ،‬مع األخذ بعين االعتبار أّن هناك فروقات فردية تظهر في‬

‫‪214‬‬
‫عملية الفهم‪ ،‬وعندما يختلف السياق؛ مّم ا يساعد على تفسير كثير من نتائج‬
‫المدخالت التي تظهر باختالف األفهام بين المتلقين(‪.)1‬‬
‫وفي تراثنا اللغوي والنحوي ما يؤكد اهتمام النحاة بالبعد التداولي للظاهرة‬
‫اللغوية‪ ،‬وذلك من خالل إشارات كثيرة وردت هنا وهناك مبثوثة في بطون‬

‫‪215‬‬
‫الكتب(‪ .)1‬كما أظهر كٌّل من عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬ورضي الدين اإلستراباذي عناية‬
‫كبيرة باالرتباط التداولي بين األسلوب – خبرًا كان أم إنشاًء – والمعنى البالغي‪،‬‬
‫ووظيفته التواصلية‪ ،‬مع حرصهما الكبير‪ ،‬والمتكرر على االهتمام بالمعاني‪،‬‬
‫واألغراض اإلبالغية المتوخاة من الخطاب‪ .‬كذلك سلك األصوليون منهجًا تداوليًا‬
‫في تحليل الظواهر التي ال تعدو أن تكون أغراضًا‪ ،‬وغايات تواصلية يسعى المتكلم‬
‫إلى تحقيقها‪.‬‬
‫‪216‬‬
‫وال ننسى السكاكي الذي لم يحصر ارتباط تعدد الوظيفة التداولية لألفعال‬
‫الطلبية في االستفهام‪ ،‬فقد درس األمر‪ ،‬والنهي‪ ،‬والتمني‪ ،‬والنداء‪ ،‬وغيره‪.‬‬

‫أّم ا ابن خلدون فيعد الشخصية المثلى في دراسة التصور التداولي العربي‪ ،‬فقد‬
‫نظر إلى الغاية من دراسة األدب‪ ،‬ورأى أّن امتالك اللغة يجب أن يكون لغاية‬

‫‪217‬محمد الشريف‪،‬التعريفات‪ ،‬مكتبة لبنان‪،‬طبعة‬


‫(?) لمزيد من التفصيل انظر‪ :‬الجرجاني‪،‬علي بن‬ ‫‪1‬‬
‫اإلبانة‪ ،‬واإلفهام‪ ،‬وهو هدف التداولية‪ .‬وقد مّيز ابن خلدون بين النحو العلمي والنحو‬
‫التعليمي؛ إذ دعا إلى أن ُتقتصر مهمة النحو على حصول الملكة اللسانية عند‬
‫المتعلم‪ ،‬مركزا على الوظيفة التداولية للنحو‪ ،‬يقول‪" :‬وهكذا العلم بقوانين اإلعراب‬
‫مع هذه الملكة في نفسها‪ ،‬فإّن العلم بقوانين اإلعراب‪ ،‬إنما هو علم بكيفية العمل بتلك‬
‫القوانين‪ ......‬فأصبحت صناعة العربية كأنها من جملة قوانين المنطق العقلية أو‬
‫‪218‬‬
‫الجدل‪ ،‬وَبُعدت عن مناحي اللسان وملكته‪ ،‬وما ذلك إال لعدولهم عن البحث في‬
‫شواهد اللسان وتراكيبه وتمييز أساليبه‪ ،‬وغفلتهم عن المران في ذلك للمتعلم‪ ،‬فهو‬
‫أحسن ما تفيده الملكة في اللسان‪ ،‬وتلك القوانين إنما هي وسائل للتعليم‪ ،‬لكنهم‬
‫(‪)1‬‬
‫أجروها على غير ما ُقصد بها‪ ،‬وأصاروها علما بحتا‪ ،‬وَبُعدوا عن ثمرتها "‬

‫‪ 219‬منشورات مؤسسة األعلمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،3‬‬


‫جديدة‪ / 1985،‬ابن خلدون‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬المقدمة‪،‬‬
‫وإ ّن تتبع مثل هذه اإلشارات عند القدماء ليؤكد اهتمام العرب من لغويين‪،‬‬

‫‪220‬‬
‫ونحويين‪ ،‬وبالغيين‪ ،‬وأصوليين باألبعاد التداولية للخطاب(‪.)1‬‬

‫إّن تطبيق مفهوم التداولية على اللغة العربية سيسهم في إبراز األبعاد التداولية‪،‬‬
‫ورصد خصائصها‪ ،‬وتفسير ظواهرها الخطابية التواصلية‪ .‬واللغة العربية كغيرها‬
‫من اللغات تشتمل على طائفة من الصيغ‪ ،‬واألدوات التي يستعملها المتكلم للداللة‬
‫على القوة اإلنجازية التي يريد تضمينها كالمه‪ .‬وإ ذا ما ذهبنا نتتبع أساليب كثيرة في‬

‫‪221‬‬
‫العربية كاالستفهام‪ ،‬والتعجب‪ ،‬والنفي‪ ،‬واإلثبات‪ ،‬والحذف‪ ،‬والزيادة‪ ،‬بل الحركة‬
‫اإلعرابية في بعض األساليب‪ ،‬فضًال عن النغمة الصوتية‪ ،‬فإننا سنجد عالقة لهذه‬
‫األساليب اللغوية بمستعمليها‪ ،‬وطرائق استخدامها‪ ،‬والسياقات التي قيلت فيها‪ ،‬وقد‬
‫جعلت الخطاب رسالة تواصلية ناجحة وواضحة‪.‬‬

‫‪222‬المسيرة‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪.2011 ،1‬‬


‫‪ /1982‬فضل‪ ،‬عاطف‪ ،‬مقدمة في اللسانيات‪ ،‬دار‬
‫وهنا ال بّد أن أشير إلى أنني سأبتعد عن التنظير التاريخي للتداولية – قدر‬
‫المستطاع –؛ فقد ُك تب عنها كتابات كثيرة من حيث‪ :‬مفهومها‪ ،‬وعالقتها بالداللة‪،‬‬
‫وموضوعها‪ ،‬ومصطلحاتها‪ ،‬ومنابعها‪ ،‬وغير ذلك‪ .‬وسأعتمد التطبيق؛ ألن التطبيق‬
‫عند من كتب عن التداولية – في حدود ما اطلعت عليه – لم يكن شافيًا كافيًا‪ ،‬وإ نما‬
‫هي أحاديث عن الخبر واإلنشاء‪ ،‬وغيرها أسقطت على التداولية إسقاطًا كما هي عند‬

‫‪223‬‬
‫البالغيين‪ ،‬أو نّص ًا دينيا كخطبة الرسول ‪-‬عليه السالم ‪ -‬التي ُح للت تحليال أقرب‬

‫‪224‬‬
‫إلى األسلوبية منها إلى التداولية(‪ .)1‬أما دراسة األربعين النووية‪ ،‬ودراسة خطب‬

‫‪225‬‬
‫بعض رجال السياسة لراضية بو بكري(‪ ،)1‬فإنها قد وّظفت التداولية فيهما توظيفا‬
‫يتجاوز حدود التحليالت الشكلية‪ ،‬والوصف الظاهري‪.‬‬

‫أما توظيف التداولية في قراءة التراث العربي تطبيقًا فعليًا إجرائيًا‪ ،‬فإنني أزعم‬
‫أنني لم أقف على بحث كاف شاف في ذلك‪ ،‬سوى الدراستين السابقتين‪ ،‬وهما‬
‫رسالتان علميتان‪ .‬وعليه فسأعمد إلى اعتماد التداولية في تحليل أمثلة‪ ،‬وشواهد من‬

‫دراسة السيكولوجيا والسلوك‪ ،‬ترجمة عاطف أحمد‪،‬‬


‫(?) كرستين‪ ،‬تمبل‪ ،‬المخ البشري مدخل إلى ‪226‬‬
‫‪1‬‬
‫اللغة والنحو الدارجة في االستعمال اليومي‪ ،‬تحليًال يتجاوز تلك التحليالت البنيوية‪،‬‬
‫والشكلية التي تقف عند حدود الوصف الظاهري لعناصر الملفوظ‪ ...‬منطلقًا إلى‬
‫منجز في سياق معّين يتلقاه المرسل إليه بإدراكه وشعوره‪ ،‬محاوًال فهم الخطاب بين‬
‫المرسل والمرسل إليه‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫بهذا المعنى يهتم البحث بدراسة اللغة في االستعمال الحاضر‪ ،‬بمعنى دراسة‬
‫اللغة في سياقاتها الواقعية‪ ،‬ال في حدودها المعجمية‪ ،‬أو تراكيبها النحوية المعيارية‪،‬‬
‫ندرس الكلمات‪ ،‬والجمل كما نستعملها‪ ،‬ونفهمها‪ ،‬ونقصد بها في ظروف ومواقع‬
‫معّينة‪ ،‬ال كما تصفها اللغة المعيارية‪ ،‬وال كما تقترحها معاجم اللغة‪ ،‬وال كما هي في‬

‫‪ ،2002‬ص‪.85‬‬
‫سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪،‬عدد‪ ،287‬سنة ‪228‬‬
‫كتب النحو في بعض قواعدها العقلية االفتراضية التأويلية التي تحدث عنها ابن‬
‫خلدون سابقا‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫تمهيد‬

‫نشطت الدراسات اللسانية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين‬
‫نشاطًا ملحوظًا‪ ،‬وامتدت بعد ذلك امتدادًا كبيرًا‪ ،‬نتج عنه تراكم كبير في مجال‬
‫الدراسات اللسانية‪ .‬وظهر في هذا المجال مدارس‪ ،‬وعلماء تعددت مناهجهم في‬

‫علماء العرب‪ :‬دراسة تداولية لظاهرة األفعال الكالمية‬


‫(?) انظر‪ :‬صحراوي‪ ،‬مسعود‪ ،‬التداولية عند‪230‬‬
‫‪1‬‬
‫دراسة وتحليل المواد اللسانية‪ .‬وانطالقًا من هذه المناهج المختلفة‪ ،‬والمدارس‬
‫المتعددة‪ ،‬يمكننا أن نمّيز بين ثالث منها‪ ،‬هي‪:‬‬

‫المدرسة الوصفية البنيوية‪.‬‬

‫المدرسة التوليدية التحويلية‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫المدرسة التداولية الوظيفية‪.‬‬

‫فالمدرسة الوصفية البنيوية قامت على تحليل العمل اإلبداعي على أساس أّنه‬
‫آلة لتصنيع األشكال اللغوية القابلة للتفكيك‪ ،‬ثّم إعادة التركيب والبناء‪ ،‬فالّنص‬
‫اإلبداعي – في نظرهم – هو بمثابة رقعة الشطرنج‪ ،‬قوامها المداخل المعجمية‬
‫المرموقة‪ ،‬وفق القوانين البنيوية؛ بمعنى أّن مفهوم البنيوية يقوم على البنية‬

‫‪232‬ط‪.2005 ،1‬‬
‫في التراث اللساني العربي‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫والعالقات التي تقوم بين العناصر اللسانية قبل أن يقوم على كيانات معزولة(‪.)1‬‬
‫وواصلت البنيوية حّد ها الذي بلغ منتهاه في تحليل النص األدبي‪ ،‬السّيما مع ظهور‬
‫التوجه الذي أعلى من قدر التحليل الوصفي‪ ،‬وتشدد في تطبيق إجراءات المنهج‬
‫الشكلي‪.‬‬

‫‪ 160233‬وص‪.561‬‬
‫(?) انظر‪:‬ابن خلدون‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬المقدمة‪ ،‬ص‬ ‫‪1‬‬
‫وأما التوليدية التحويلية فهي دراسة البنى والتراكيب اللغوية‪ ،‬والكشف عن‬
‫البنية السطحية (‪ ،).S.S‬والبنية العميقة (‪ .).D.S‬هذه النظرية التي نشرها‬
‫تشومسكي في كتابه التراكيب النحوية‪ ،‬تعّد حاليًا من أكثر النظريات اللغوية انتشارًا‬
‫في الجامعات األمريكية واألوروبية‪.‬‬

‫‪234‬‬
‫ومن الجدير بالذكر أن تشومسكي طرح أفكارًا عّد ة في كتابه‪ ،‬وطرح‬
‫تصوراته في مهام اللسانيات‪ ،‬ومناهج البحث اللساني‪ .‬ووجد في علم اللسانيات‬
‫الوصفي مناهج متطورة‪ ،‬يمكن أن يفيد منها‪ ،‬على أّنها نقطة انطالق للدرس‬
‫اللساني(‪.)1‬‬

‫‪235‬عند األصوليين‪ ،‬بحث منشور في مجلة إسالمية‬


‫(?) انظر‪ :‬بوقرة‪ ،‬نعمان‪ ،‬مالمح التفكير التداولي‬ ‫‪1‬‬
‫وأما التداولية الوظيفية فهي التي تهتم بدراسة الفعل الكالمي في عدٍد من‬
‫المجاالت‪ ،‬أو هي المذهب اللساني الذي يدرس عالقة النشاط اللغوي بمستعمليه‪،‬‬
‫وطرق وكيفيات استخدام العالمات اللغوية بنجاح‪ ،‬والسياقات‪ ،‬والطبقات المقامية‬

‫‪236‬‬
‫المختلفة التي ُينجز ضمنها الخطاب‪ ،‬والبحث عن العوامل التي تجعل من الخطاب‬

‫اإلسالمي‪ ،‬عدد ‪ ،54‬السنة الرابعة عشرة‪2008 ،‬م‪،‬‬


‫المعرفة الصادرة عن المعهد العالمي للفكر ‪237‬‬
‫رسالة تواصلية واضحة المعالم‪ ،‬وناجحة(‪.)1‬‬

‫جاء البحث‪ ،‬كي يتناول التداولية من حيث‪ :‬مفهومها لغًة واصطالحًا‪،‬‬


‫ونشأة التداولية‪ ،‬ومعالمها في المسألة اللغوية والنحوية‪ ،‬وغيرها من القضايا‪.‬‬
‫ولكنني أشير إلى أن تناول هذه القضايا كان بشكل موجز ومختصر؛ فليس من مهمة‬

‫‪238‬‬
‫البحث النظر التفصيلي فيها‪ ،‬فما ُك تب عنها كثير‪ ،‬وتركيزي سينصب على الجانب‬
‫االستعمالي كما أشرت في المقّد مة‪.‬‬

‫التداولية لغًة‬

‫‪239‬‬ ‫ص‪ 105‬وما بعدها‪.‬‬


‫جاء في اللسان قوله‪ :‬تداولنا األمر‪ :‬أخذناه بالُّد ول‪ .‬فقالوا‪َ :‬د واليك؛ أي مداَو َلًة‬
‫على األمر‪ .‬ودالت األيام؛ أي دارت‪ ،‬واهلل يداولها بين الناس‪ .‬وتداولته األيدي؛ أي‬
‫أخذته هذه مّر ًة‪ ،‬وهذه مّر ة‪ .‬والماشي يداول بين قدميه؛ أي يراوح بينهما(‪.)1‬‬

‫والملحوظة التي نخرج بها من هذا المعنى المعجمي لمادة "دول" هي‪ :‬أّن‬
‫المعاجم العربية ال تكاد تخرج في دالالتها للجذر "دول" عن معاني التحول‪،‬‬

‫‪240‬‬
‫والتبّد ل‪ ،‬واالنتقال من مكان إلى آخر‪ ،‬ومن حالة إلى أخرى؛ وهذا يقتضي‬
‫بالضرورة وجود أكثر من طرف في حقل التحول هذا‪ .‬وإ ذا ما ذهبنا نطبق هذا‬
‫المعنى على اللغة‪ ،‬فإنها – اللغة – متحولة من حال المتكلم إلى حال أخرى لدى‬
‫السامع‪ ،‬ثم هي متنقلة بين الناس‪ ،‬يتداولونها بينهم‪ .‬يقول طه عبد الرحمن في‬

‫التداولية من أفعال اللغة إلى بالغة الخطاب السياسي‪،‬‬


‫(?) انظر‪ :‬فريد‪ ،‬بهاء الدين محمد‪ ،‬تبسيط ‪241‬‬
‫‪1‬‬
‫توصيفه للفْع ل "تداول"(‪" :)1‬تداول الناس كذا بينهم" يفيد معنى تناقله الناس‪ ،‬وأداروه‬
‫فيما بينهم‪ ،‬ومن المعروف أيضًا أّن مفهومي "النقل‪ ،‬والدوران" مستعمالن في نطاق‬
‫اللغة الملفوظة‪ ،‬كما أنهما مستعمالن في نطاق التجربة المحسوسة‪ ،‬فيقال‪" :‬نقل‬
‫الكالم عن قائله"‪ ،‬بمعنى رواه عنه‪ ،‬ويقال‪" :‬دار على األلسن" بمعنى جرى عليها‪،‬‬
‫فالنقل والدوران يدالن في استخدامهما اللغوي على معنى التواصل بين الناطقين‪،‬‬

‫‪242‬‬
‫ويدالن في استخدامهما التجريبي على معنى الحركة بين الفاعلين‪ ،‬فيكون التداول‬
‫جامعًا بين اثنين هما‪ :‬التواصل‪ ،‬والتفاعل‪.‬‬

‫فالصيغة الصرفية التي جاء عليها المصطلح ( َتفاُع ل وَتفاُع لية) تفيد عند‬
‫الصرفيين معنى المشاركة بين طرفين ( المرسل‪ ،‬والمرسل إليه )‪ ،‬مّم ا ينقل النص‬
‫من فردية المبدع إلى ثنائية التفاعل بين المرسل والمرسل إليه‪ ،‬ويضفي عليه سمات‬

‫‪ 2010‬ص ‪ 132‬وما بعدها‪.‬‬


‫دار شمس للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1‬سنة‪243‬‬
‫تنغيمية‪ ،‬ووظيفية تداولية ما كانت لتتحقق لو كان النص مكتوبا بعيدا عن وظيفته‬
‫اإلبالغية‪.‬‬

‫التداولية اصطالحًا‪:‬‬

‫تعّد التداولية المقابل العربي للمصطلح اإلنجليزي (‪ ،)Pragmatics‬الذي‬


‫يعود إلى الفيلسوف تشارلز موريس‪ .‬وفي هذا المقام يجب أن نفّر ق بين مصطلحين‬
‫‪244‬‬
‫هما‪" :‬براجماتكس" الذي يستخدم في المجال اللساني ويشيع ترجمتها إلى العربية‬
‫بالتداولية؛ ألنها توفي المطلوب حّقه‪ ،‬بوصف داللته على معنيي االستعمال‬

‫‪245‬‬
‫والتفاعل معًا(‪ .)1‬و"براجماتيزم" الذي يستخدم في مجال الفلسفة‪ .‬ومن الترجمات‬
‫األخرى الذرائعية‪ ،‬والنفعية‪ ،‬والبراغماتية‪.‬‬

‫أما التداولية اصطالحًا فيصعب وضع تعريف شامل جامع لها؛ ألنها‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬لم تكن نشأتها لسانية خالصة‪ ،‬بل كان للفلسفة دور ملحوظ في نشأتها‬
‫وتطورها‪ ،‬كغيرها من المصطلحات التي نشأت في أحضان الفلسفة‪ ،‬ثّم ما فتئت أن‬
‫‪246‬‬
‫شاعت في الدراسات اللسانية‪ ،‬مثل السيميائية التي نشأت على يد الفيلسوف‬
‫األمريكي بيرس‪.‬‬

‫وثانيًا‪ :‬لم تكن فرعًا أو مستوى تحليليًا من مستويات التحليل اللساني‬


‫المعروفة‪.‬‬

‫‪247‬‬
‫وثالثًا‪ :‬إنها قد ال تنضوي تحت علم من العلوم التي لها عالقة باللغة‪ ،‬على‬
‫الرغم من تداخلها مع هذه العلوم في بعض الجوانب‪ .‬فهذه مجمل األسباب التي‬

‫نوقشتا بجامعة باجي مختار‪ ،‬عنابة‪ ،‬الجزائر‪،‬‬


‫‪248‬‬ ‫(?) انظر‪ :‬رسالتي الماجستير والدكتوراه اللتين‬ ‫‪1‬‬
‫يصعب معها وضع تعريف شامل جامع مانع للتداولية(‪.)1‬‬

‫‪249‬‬
‫وقد قام غير باحث بعمل إحصائي لتعريفات التداولية‪ ،‬ومفاهميها‪ ،‬منهم‬
‫نعمان بوقرة(‪ .)1‬ويمكن هنا عرض بعض تعريفات التداولية التي وردت‪:‬‬

‫هي دراسة األسس التي نستطيع بها أن نعرف ِلَم تكون مجموعة من الجمل‬
‫شاذة تداوليًا أو تعد في الكالم المحال‪ .‬وعلى الرغم من أن إيضاح الشذوذ في هذه‬

‫سنتي ‪ 2005‬و ‪ 2011‬للطالبة راضية بو بكري‪.‬‬


‫‪250‬‬
‫الجمل قد يكون سبيًال جيدًا للوصول إلى نوع من األسس التي تقوم عليها التداولية‪،‬‬
‫فهو ال يعّد تعريفًا شامًال لكل مجاالتها‪.‬‬

‫هي دراسة كل جوانب المعنى التي تهملها النظريات الداللية‪ ،‬فإذا اقتصر علم‬
‫الداللة على دراسة األقوال التي تنطبق على شروط الصدق‪ ،‬فإن التداولية تعنى بما‬
‫وراء ذلك مما ال تنطبق عليه هذه الشروط‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫هي دراسة اللغة في االستعمال أو في التواصل؛ ألنها تشير إلى أن المعنى ليس‬
‫شيئًا متصًال بالكلمات وحدها‪ ،‬وال يرتبط بالمتكلم وحده‪ ،‬وال المتلقي وحده‪،‬‬
‫فصناعة المعنى تتمثل في تداول اللغة بين المتكلم‪ /‬المرسل والمتلقي‪ /‬المرسل إليه‬
‫في سياق محدد (مادي‪ ،‬واجتماعي‪ ،‬ولغوي) وصوًال إلى المعنى الكامن في كالم‬
‫ما‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫هي العلم الذي يعنى بالشروط الالزمة‪ ،‬لكي تكون األقوال اللغوية مقبولة‪،‬‬
‫وناجحة‪ ،‬ومالئمة للموقف التواصلي الذي يتحدث فيه المتكلم‪.‬‬

‫هي دراسة السياقات المختلفة‪ ،‬والوسائل المستخدمة لغويًا للتعبير عن عمل‬


‫معين‪.‬‬

‫هي مجال استعمال اللغة في التواصل والمعرفة‪.‬‬


‫‪253‬‬
‫مذهب لساني يدرس عالقة النشاط اللغوي بمستعمليه‪ ،‬وطرائق وكيفيات‬
‫استخدام العالمات اللغوية بنجاح‪ ،‬والسياقات‪ ،‬والطبقات المقامية المختلفة التي ينجز‬
‫ضمنها الخطاب‪ ،‬والبحث عن العوامل التي تجعل من الخطاب رسالة تواصلية‬
‫واضحة‪ ،‬والبحث في أسباب الفشل في التواصل باللغات‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫لمنظومة اإلبداع ( مقاربة لسانية تداولية )‪ ،‬مجلة‬


‫(?) انظر‪ :‬حناش‪ ،‬محمد‪ ،‬األساس المعرفي ‪254‬‬
‫‪1‬‬
‫والذي أرتضيه من ذلك أن التداولية‪ ،‬هي دراسة اللغة في االستعمال‬
‫والتواصل‪ ،‬في سياقاتها الواقعية‪ ،‬ال في حدودها المعجمية‪ ،‬أو تراكيبها النحوية‪ ،‬أو‬
‫قل هي دراسة الكلمات والعبارات‪ ،‬والجمل كما نستعملها‪ ،‬ونفهممها‪ ،‬ونقصد بها في‬
‫ظروف ومواقف معّينة‪ ،‬ال كما نجدها في القواميس والمعاجم‪ ،‬وليس كما تقترحها‬
‫كتب النحو التقليدية‪ .‬ولنأخذ مثاًال كلمة (شكرًا) ففي لسان العرب تجد لها عددًا من‬

‫‪255‬‬
‫المعاني‪ ،‬كالعرفان باإلحسان وغيره‪ ،‬وتنشأ لها دالالت جديدة في االستعمال تتجاوز‬
‫حدودها المعجمية‪ ،‬فربما قصد بها المتكلم التهكم أو الضيق‪.‬‬

‫فالتداولية تعّد الضلع الثالث لمثلث يقوم ضلعه األول على النحو‪ ،‬والثاني على‬
‫الداللة؛ إذ ينشغل النحو بعالقة العالمات بعضها ببعض؛ أي عالقة المفردات‪،‬‬
‫واألدوات‪ ،‬والروابط في العبارة الواحدة‪ ،‬والجملة‪ ،‬والنص‪ .‬أّم ا علم الداللة فيتناول‬

‫‪256‬سنة ‪.2001‬‬
‫التواصل اللساني‪ ،‬المجلد العاشر‪ ،‬العددان ‪،2 ،1‬‬
‫تلك العالقات بما تشير إليه‪ ،‬مثال ذلك كلمة (عسل)‪ ،‬فقد تأخذ مواضع مختلفة‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫عسل النحل‪ ،‬العسل فيه شفاء‪ ،‬شراب العسل‪ ،‬وغيره‪ ،‬ومن ناحية المعنى تشير إلى‬
‫الصفاء‪ ،‬والشفاء‪ ،‬والمذاق الحلو‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫ومن الناحية التداولية‪ ،‬تكتسب المفردة دالالت متباينة‪ ،‬وربما متناقضة‪،‬‬
‫كالمرح‪ ،‬والوصف وغيره‪ ،‬وذلك بحسب السياق المقامي في االستعمال الواقعي‬
‫اليومي‪.‬‬

‫وتظهر وظيفة التداولية في ستة عناصر رئيسة‪ :‬المرسل‪ ،‬والمرسل إليه‪،‬‬


‫والرسالة‪ ،‬والقناة‪ ،‬والمرجع‪ ،‬واللغة؛ إذ يرسل المرسل رسالة إلى المرسل إليه‪،‬‬

‫بريجتيه‪ ،‬بارتشت‪ ،‬مناهج علم اللغة من هرمان باول‬


‫(?) للوقوف على نظرية تشومسكي انظر‪258 :‬‬
‫‪1‬‬
‫تتضمن موضوعا أو مرجعا معّينا‪ ،‬وُتكتب هذه الرسالة بلغة يفهمها كل من المرسل‬
‫والمتلقي‪ .‬ولكل رسالة قناة حافظة كالظرف بالنسبة للرسالة الورقية‪ ......‬واللغة‬

‫‪259‬‬
‫بالنسبة لمعاني النص اإلبداعي‪ .‬ويعني هذا أن اللغة ذات بعد لساني وظيفي‪ ،‬وأنها‬
‫(‪)1‬‬
‫ستة عناصر‪ ،‬وست وظائف‪ ،‬هي‪:‬‬

‫المرسل ووظيفته انفعالية تتضمن قيما‪ ،‬ومواقف عاطفية‪ ،‬ومشاعر وأحاسيس‬


‫يسقطها المتكلم‪ .‬والمرسل إليه‪ ،‬وهو المخاطب ووظيفته تأثيرية؛ إذ يتم التاثير عليه‬
‫بغية إقناعه‪ .‬وتكون العالقة بين المرسل والمتلقي إيجابية أو سلبية‪.‬‬

‫‪ 260‬المختار‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،2004 ،1‬ص‪ 270‬وما‬


‫إلى نعوم تشومسكي‪ ،‬ترجمة سعيد بحيري‪ ،‬مؤسسة‬
‫والرسالة التي تتجسد في وظيفة التواصل المعرفي‪.‬‬

‫والمرجع ووظيفته مرجعية‪ ،‬والوظيفة المرجعية ترتكز على وظيفة الرسالة‬


‫بوصفها مرجعا‪ ،‬وواقعا رئيسا تعبر عنه تلك الرسالة‪ .‬وهذه الوظيفة في الحقيقة‬
‫موضوعية ال وجود للذاتية فيها‪ ،‬نظرا لوجود المالحظة الواقعية‪ ،‬والنقل الصحيح‪،‬‬
‫واالنعكاس المباشر‪.‬‬

‫‪261‬‬
‫والقناة ووظيفتها حفاظية؛ أي الحفاظ على عملية التواصل واإلبالغ وعدم‬
‫انقطاعه‪.‬‬

‫وأخيرا اللغة ووظيفتها تفسيرية‪ ،‬وتقوم على الشرح والتفسير والتأويل‪،‬‬


‫للوصول إلى وصف الرسالة لغويا‪ ،‬باالستعانة بالمعجم‪ ،‬والقواعد اللغوية والنحوية‬
‫المشتركة بين المرسل والمرسل إليه‪.‬‬

‫الحديث‪ ،‬بيروت‪/ 1980 ،‬تشومسكي‪ ،‬جوانب من‬


‫بعدها‪ /‬ميشال زكريا‪ ،‬األلسنية في علم اللغة ‪262‬‬
‫ومن الالفت للنظر أن هذه الوظائف تقوم على عناصر‪ ،‬هي‪:‬‬

‫ـ عنصر ذاتي يتمثل في التعبير عن معتقدات المرسل‪ ،‬ومقاصده‪ ،‬واهتماماته‪.‬‬

‫ـ عنصر موضوعي يتمثل في غلبة كل وظيفة على نوع خاص من ألوان الرسائل‪.‬‬

‫ـ عنصر تواصلي بين المرسل‪ ،‬والمتلقي يدّل على معرفة مشتركة بينهما‪.‬‬

‫‪263‬‬
‫نشأة التداولية‬

‫يعود استعمال مصطلح التداولية إلى الفيلسوف تشارلز موريس انطالقًا من‬
‫عنايته بتحديد اإلطار العام لعلم العالمات‪ ،‬أو السيمائية من خالل تمييزه بين ثالثة‬
‫فروع‪ ،‬هي‪:‬‬

‫وزارة التعليم العالي‪ ،‬جامعة البصرة‪/ 1985 ،‬‬


‫نظرية النحو‪ ،‬ترجمة مرتضى باقر‪ ،‬منشورات‪264‬‬
‫الفرع األول‪ :‬النحو أو التركيب (‪ :)Syntax‬وهو دراسة العالقة الشكلية بين‬
‫العالمات بعضها ببعض‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الداللة (‪ :)Semantics‬وهي دراسة عالقة العالمات باألشياء‬


‫التي تؤول إليها هذه العالمات‪.‬‬

‫المعرفة‪ ،‬جدة‪ ،‬ط ‪.1984 ،1‬‬


‫عمايرة‪ ،‬خليل‪ ،‬في نحو اللغة وتراكيبها‪ ،‬عالم‪265‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬التداولية (‪ :)Pragmatics‬وهي دراسة عالقة العالمات‬
‫باألشياء بمستعمليها وبمؤوليها‪.‬‬
‫ويمكن القول‪ :‬إن مبتدع التداولية المفترض هو تشارلز بيرس إال أن تلميذه‬
‫موريس هو الذي أدخلها ضمن إطار نظري‪ ،‬يعني فيه هذا المصطلح "العالقة بين‬
‫العالمات ومستعمليها"‪.‬‬

‫‪ 266‬في ضوء الدراسات العربية‪ ،‬أحمد المتوكل‬


‫(?) انظر‪ :‬ابن عربية‪ ،‬راضية‪ ،‬اللسانيات التداولية‬ ‫‪1‬‬
‫أما عن نشأة التداولية‪ ،‬وظهورها في الفكر اللساني الغربي الحديث‪ ،‬بحيث‬
‫أصبحت تيارًا موازيًا لتيار البنيوية‪ ،‬وتيار التوليدية التحولية‪ ،‬فقد اتفق الدارسون‬
‫على أن التداولية لم تصبح مجاًال يعتد به في الدرس اللغوي المعاصر إال في العقد‬
‫السابع من القرن العشرين بعد أن قام على تطويرها ثالثة من فالسفة اللغة المنتمين‬
‫إلى التراث الفلسفي لجامعة أكسفورد؛ هم‪ :‬أوستن‪ ،‬وسيرل‪ ،‬وجرايس‪ ،‬وكانوا‬

‫‪267‬‬
‫جميعًا مهتمين بطريقة توصيل معنى اللغة اإلنسانية الطبيعية بإبالغ مرسل رسالة‬
‫إلى مرسل إليه يفسرها‪ ،‬وهذا من صميم التداولية‪.‬‬

‫‪268‬‬ ‫أنموذجا‪ ،‬الشابكة‪.‬‬


‫ويمكن إرجاع نشأة التداولية – بمفهومها اللغوي – إلى سنة ‪1955‬م عندما‬
‫ألقى أوستن محاضراته في جامعة (هارفارد)‪ ،‬ولم يكن يفكر في تأسيس اختصاص‬

‫‪269‬‬
‫فلسفي للسانيات‪ ،‬فقد كان هدفه تأسيس اختصاص فلسفي جديد هو فلسفة اللغة(‪.)1‬‬
‫تمثالت التداولية في اللغة والنحو‬

‫ظهر لدينا أن مبادئ التداولية الحديثة ماثلة في تراثنا اللغوي والنحوي‪ ،‬ولو‬
‫بمصطلحات مختلفة‪ ،‬وذلك من بداية طالئع الدرس اللساني‪ ،‬وصوًال إلى النقاد‬
‫والبالغيين المتأخرين‪ .‬كما وجدنا عند األصوليين اهتمامًا كبيرًا بأطراف العملية‬

‫‪270‬‬
‫التخاطبية أكثر من اهتمام اللغويين‪ ،‬والنحويين‪ ،‬والبالغيين‪ ،‬وذلك بقدر ما يعود إلى‬
‫اهتمام كل فريق‪ .‬فالنحويون صبوا اهتمامهم على وصف الطريقة األسلم للقول‪،‬‬
‫وأن يفهم المعنى العام للخطاب في جانبيه‪ :‬الداللي والمعجمي‪ .‬في حين انصب‬
‫اهتمام البالغيين على اإلنشاء والخبر‪ ،‬وأضرب الخبر‪ ،‬ومبدأ اإلفادة‪ ،‬ومراعاة‬
‫الغرض‪ ،‬وهذا هو الذي نشأت من أجله التداولية‪.‬‬

‫‪ 271‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬مادة "دول"‪ /.‬الزمخشري‪،‬‬


‫(?) انظر‪ :‬جمال الدين‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪،‬‬ ‫‪1‬‬
‫أّم ا علماء األصول فكانوا من أفضل من استثمر التداولية في ظاهرة الخبر‬
‫واإلنشاء معتمدين مقوالت ومبادئ سياق الحال‪ ،‬ووضع المتكلم وموقعه من العملية‬
‫التواصلية‪ ،‬وغرضه من الخطاب‪ ،‬وطبقوها على نصوص القرآن والسّنة‪ ،‬بغرض‬
‫دراسة المعاني الوظيفية لتلك النصوص؛ لتعلق تلك النصوص باألحكام الشرعية‬
‫التي تؤثر في حياة الناس‪ ،‬فنجدهم اهتموا بأطراف الحكم الشرعي‪ ،‬وهي‪ :‬الحاكم‬

‫‪272‬‬
‫وهو اهلل تعالى‪ ،‬والحكم وهو مضمون الخطاب للعباد المكلفين‪ ،‬ثم المحكوم فيه وهو‬
‫الشأن المتعلق به الحكم‪ ،‬وأخيرًا المحكوم عليه وهو المكلف‪ ،‬مع مراعاة حال‬
‫المخاطب‪ ،‬وسياق الموقف الذي قيل فيه‪.‬‬

‫هذا وتدرس التداولية اللغة عند استعمالها في طبقات مقامية مختلفة؛ أي‬
‫بوصفها كالمًا محددًا صادرًا عن مرسل محدد إلى مرسل إليه محدد‪ .‬وتتأسس‬

‫‪1979 273‬م‪ ،‬مادة "دول"‪.‬‬


‫جار اهلل محمود‪ ،‬أساس البالغة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫االستدالالت التداولية على "أعراف" اجتماعية‪ ،‬وإ ن كانت نسبية‪ ،‬فمثًال قولنا‪" :‬ال‬
‫شكرًا" لمن قّد م لنا شيئًا ال نريده‪ ،‬فالسياق المقامي يعّد مفهومًا تداوليًا راسخًا‪ ،‬ينظر‬
‫عادة إلى المقام على أنه معيار من معايير الحكم على العبارة بالقبول من ناحية‬
‫لغوية؛ إذ إّن العبارات غير المكتملة لغويًا قد تكون منسجمة مع المقام‪ ،‬فتصبح‬
‫صحيحة ومقبولة‪ ،‬والعبارة السابقة "ال شكرًا" غير مستقيمة لغويًا؛ ألّن المعيارية‬

‫‪274‬‬
‫النحوية ترفض هذا التركيب من ناحية المعنى‪ ،‬لكن الواقع االستعمالي أو السياق‬
‫المقامي يأخذ به‪ ،‬ومن ثّم يصبح مفهومًا‪ ،‬ومتداوًال‪ ،‬ومقبوًال‪.‬‬

‫وكذلك لو شاهدنا جنازة ُتحمل على األكتاف‪ ،‬ويسأل سائٌل ‪َ :‬م ْن المتوِّفي؟‬
‫فيجاب‪ :‬فالن‪ .‬فالمتداول كلمة المتوِّفي‪ ،‬تعني اإلنسان أو الكائن الحي‪ ،‬لكن‬
‫المنطوق اللغوي يخالف ذلك مخالفة كبيرة‪ ،‬إذ المتوِّفي هو اهلل‪ ،‬والمتوَّفى هو‬

‫‪275‬‬
‫اإلنسان‪ ،‬ولو أجيب السائل – عند سؤاله َم ْن المتوّفى – بالقول‪ :‬اهلل لقامت الدنيا ولم‬
‫تقعد على رأس المجيب‪ ،‬ووقع ما لم تحمد عقباه‪.‬‬

‫ومثله قول أحدهم آلخر "ال عافاك اهلل" ليس المقصود الدعوة عليه بعدم‬
‫المعافاة‪ ،‬بل الدعوة له‪ ،‬لكن منطوق العبارة التداولي هو‪ :‬ال عافاك اهلل‪ ،‬في حين أن‬
‫منطوقها اللغوي غير ذلك‪ ،‬ويفضي إلى الدعوة عليه‪.‬‬

‫التراث‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‬


‫(?) عبد الرحمن‪ ،‬طه‪ ،‬تجديد المنهج في تقويم‪276‬‬
‫‪1‬‬
‫ومثل ذلك كثير‪ ،‬وأحيانًا نسمع من بعض من لهم قليل من المعرفة اللغوية‪،‬‬
‫يقولون لمن يقول هذه الجملة وأمثالها‪ ،‬قل‪ :‬ال وعافاك اهلل‪ ،‬أو ال (ثم سكتة خفيفة)‬
‫عافاك اهلل‪.‬‬

‫وثّم ة أمثلة كثيرة من المتداول تخالف قواعد اللغة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫قرأت صفحة الوفّيات ← وصوابه الَو َفيات‪.‬‬

‫‪277‬‬
‫أقيمت دورة رياضية بإشراف خبراء أكّفاء ← والصواب أكفاء‪.‬‬

‫مدراء الدوائر مجازون ← مديرو الدوائر مجازون‪.‬‬

‫كلما زاد عدد الطلبة كلما زاد عدد المدارس ← كلما ال تكرر‪.‬‬

‫استبدلت السيارة القديمة بالجديدة ← الباء تكون مع المتروك؛ أي أنه أخذ‬


‫الجديدة وترك القديمة‪ ،‬لكن منطوق الجملة أنه أخذ القديمة وترك الجديدة‪.‬‬
‫‪278‬‬ ‫‪ ،1944 ،1‬ص‪.244‬‬
‫سحب شكواه ← استرّد شكواه‪.‬‬
‫وغير ذلك من الجمل والتراكيب التي فيها تجاوز لحدود الوضع اللغوي‬
‫األصلي‪ ،‬إذ الوضع األصلي لكل جملة مّم ا سبق هو معيار الصواب الذي ارتضاه‬
‫النحويون‪ ،‬واللغويون‪ ،‬ووضعوا له المسّو غات الناظمة له‪ ،‬وهو ما أطلقوا عليه‬
‫قواعد القياس الصرفي والنحوي‪ ،‬وهو وضع لغوي مجرد ال يمكن الوصول إليه إال‬

‫‪279‬‬
‫من فهم اللغة في سياق ما يرتضيه علم النحو الذي يقتصر على دراسة العالقات بين‬
‫العالمات‪.‬‬

‫أما االستعمال المتجدد الذي يتجدد بمقاصد المتكلمين‪ ،‬فهو غير ذلك‪ ،‬فما‬
‫دامت الرسالة قد وصلت واضحة ومفهومة‪ ،‬فال مجال للحكم على الكلمة أو الجملة‬
‫بالخطأ اللغوي أو النحوي‪ ،‬فكل الجمل السابقة أخذت بعدًا تداوليًا شائعًا في المجتمع‬

‫‪280‬‬
‫بين مرسل ومرسل إليه‪ ،‬بل إّن الخروج عن هذا المتداول خروج على أعراف‬
‫المجتمع اللغوية‪ ،‬فيما يتخاطبون به‪ .‬وفي هذا كله خطورة واضحة‪ ،‬وموضع‬
‫الخطورة أن تسود جمل وعبارات على ألسنة الناطقين‪ ،‬وتصبح شائعة مستساغة‪،‬‬
‫وبعد زمن تصبح وكأنها هي األصل على ما فيها من خطأ وتجاوز‪.‬‬

‫وتجديد علم الكالم‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار‬


‫(?) عبد الرحمن‪ ،‬طه‪ ،‬في أصول الحوار‪281‬‬
‫‪1‬‬
‫ومّم ا يعّد من التداولية أيضًا الحذف‪ ،‬والترتيب‪ ،‬والتنغيم‪ ،‬وبعض األساليب‬
‫كاالستفهام‪ ،‬والتعجب‪ ،‬والتحذير‪ ،‬واإلغراء‪ ،‬واالختصاص‪ ،‬وكم الخبرية‬
‫واالستفهامية‪ ،‬وغيره‪.‬‬

‫أّم ا الحذف فيعني أّي نقص في الجملة االسمية أو الفعلية‪ ،‬وال يكون إال‬
‫لغرض في المعنى‪ ،‬وتبقى الجملة معه تحمل معنًى يحسن السكون عليه‪ ،‬ومثاله‪ :‬إْن‬

‫‪282‬‬
‫سأل سائل قائًال‪َ :‬م ْن حضر؟ وأجيب‪ :‬محمد‪ ،‬فإّن كلمة (محمد) في سياقها المقامي‬
‫تحمل معنًى يحسن السكوت عليه؛ أي أنه مفهوم‪ ،‬وقد حذف الفعل هنا لقصد‬
‫اإليجاز‪ ،‬وهو من ثّم أمٌر متداول وشائع‪ ،‬وكثير‪.‬‬

‫وقد اهتم العرب بالحذف‪ ،‬لما له من دور في إغناء العربية‪ ،‬ولما عليه‬
‫جرت عادة العرب من حذف الجملة‪ ،‬والمفردات‪ ،‬والحروف‪ ،‬والحركات‪ ،‬كما قّر ر‬

‫‪283‬‬ ‫البيضاء‪ ،‬ط‪ ،2‬سنة ‪ ،2000‬ص ‪.28‬‬


‫ذلك المتقّد مون‪ ،‬منهم ابن جني‪ ،‬وما أّك ده سيبويه من حذفهم الكلم‪ ،‬واستغنائهم‬

‫‪284‬‬
‫بالشيء عن الذي من حّقه أن يستعمل‪ ،‬وأّنه لكثرة االستعمال صار مألوفًا في‬
‫أساليبهم معروفًا عند عامتهم(‪.)1‬‬

‫والحذف ال يكون إال إذا كان المخاطب عالمًا به‪ ،‬فيعتمد المتكلم على بديهة‬
‫السامع في فهم المحذوف‪.‬‬

‫‪285‬‬
‫وإ ذا ذهبنا نتتبع األثر الداللي والتداولي‪ ،‬فإننا نجده كثيرًا في كتاب اهلل‬
‫تعالى‪ ،‬وحديث رسول اهلل ‪ ‬وما هو متداول وشائع بين الناس‪ ،‬ومنه‪:‬‬

‫كيف االمتحان؟ جيٌد ‪ ،‬وكلمة (جيد) في سياقها التداولي تحمل معنًى يحسن‬
‫السكوت عليه‪.‬‬

‫‪286‬‬
‫وكذلك عند زيارتنا لمريض‪ ،‬نقول له‪ :‬كيف صحتك؟ أو كيف أصبحت؟‬

‫فيقول‪ :‬بخير‪ ،‬أي أنا بخير‪ ،‬أو صحتي بخير‪ ،‬وكلمة (بخير) في سياقها تحمل معنًى‬
‫يحسن السكوت عليه‪.‬‬

‫ويقول آخر‪ :‬حفظت القرآن الكريم‪ ،‬فيقال له‪ :‬نعم الحافظ والمحفوظ؛ أي نعم‬
‫الحافظ أنت‪ ،‬ونعم المحفوظ القرآن‪.‬‬

‫‪287‬‬
‫فهذه الجمل وغيرها مّم ا ورد له بعٌد داللي وتداولي‪ ،‬وله من األسرار ما ال‬
‫يخفى على الباحثين(‪.)1‬‬

‫والترتيب في عناصر الجملة يعّد من باب التداولية‪ ،‬فهو تغيير في تركيب‬


‫الجملة‪ ،‬يعمد فيه المرسل إلى ما حّقه التأخير فيقّد مه‪ ،‬أو إلى ما حّقه التقديم فيؤخره‬
‫كتقديم الفاعل على الفعل‪ ،‬أو المفعول على الفعل‪ ،‬أو تقديم الخبر على المبتدأ‪...‬‬

‫‪288‬‬ ‫(?) انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫إلخ‪ ،‬إلجراء تغيير في المعنى‪ ،‬وقد تناول القدماء هذا األسلوب‪ ،‬ودرسوه بعناية‪،‬‬
‫ويعّد فنا من الفنون التي يأخذ بها أصحاب البيان في األساليب يقول الجرجاني‪" :‬‬
‫هو باب كثير الفوائد‪ ،‬جّم المحاسن‪ ،‬واسع التصرف‪ ،‬بعيد الغاية‪ ،....‬ثّم تنظر فتجد‬
‫سبب أن راقك‪ ،‬ولطف عندك أن قّد م فيه شيء‪ ،‬وحّو ل اللفظ عن مكان إلى مكان‬

‫اللغوي المعاصر‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬ط‪،1‬‬


‫نخلة‪ ،‬محمود‪ ،‬آفاق جديدة في البحث ‪289‬‬ ‫‪-‬‬
‫"(‪ .)1‬وقال الزركشي‪ ...." :‬ويقع في الكالم في فصول من حيث المعنى " (‪ .)2‬وهو‬

‫‪290‬‬
‫عند سيبويه للعناية واالهتمام (‪ .)1‬وقد وضع النحاة الشروط الناظمة له‪ ،‬وتحدثوا‬
‫عّم ا يجوز‪ ،‬وما ال يجوز‪ ،‬ووجوهه‪ ،‬وأضربه‪ ،‬نجد ذلك بالتفصيل في كتب النحو‪.‬‬

‫والتقديم والتأخير عند النحويين يتعلق بالبنية الداخلية المرتبطة بالمعنى في‬
‫ذهن المتكلم‪ ،‬وهو الطرف األول في العملية التداولية‪ ،‬فإذا ما نظرنا إلى الجمل‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫‪291‬‬ ‫‪2002‬م‪.‬‬
‫احترم أبي عمي‪.‬‬

‫يكرم موسى عيسى‪.‬‬

‫ساعدت سلوى ليلى‪.‬‬

‫‪292‬‬
‫وهذه جمل متداولة هي وأمثالها‪ ،‬وهي جمل – ومن ثَّم – تقّد م فيها الفاعل‬
‫وجوبًا عند النحويين؛ لعدم وجود قرينة لفظية ( عالمة إعرابية ) تعّين أحدهما من‬
‫اآلخر‪.‬‬

‫ومن أمثلته المتداولة التي خرجت عن مقتضى قواعد النحويين‪ ،‬وأصبح لها‬
‫سيرورتها في المجتمع قولهم‪:‬‬

‫‪293‬‬
‫عذبٌة أنت‪.‬‬

‫ممّز ق أنا‪.‬‬

‫‪294‬‬
‫بل نجد مثل هذه التعبيرات‪ ،‬أو التراكيب في الشعر المعاصر‪ ،‬في قول‬
‫الشاعر أبي القاسم الشابي في قصيدته‪ :‬صلوات في هيكل الحب(‪:)1‬‬

‫كاللحـن‪ ،‬كالّص با الجديــد‬ ‫عذبٌة أنت كالطفولة‪ ،‬كاألحـالم‬

‫‪ 295‬سعيد علوش‪ ،‬المؤسسة الحديثة للنشر‪ ،‬ط‪،1‬‬


‫أرمينكو‪ ،‬فراسوا‪ ،‬المقاربة التداولية‪ ،‬ترجمة‬ ‫‪-‬‬
‫وقول محمد المرواني في قصيدته أنا وليلى‪.)1( :‬‬

‫ومعذورة أنت إْن أجهضت لي أملي‬ ‫ممـّز ق أنا ال جاه وال تـرف‬

‫‪296‬‬ ‫‪1987‬م‪.‬‬
‫األصل النحوي الذي يوافق القياس اللغوي قولهم‪ :‬أنت عذبٌة‪ ،‬وأنا ممّز ق‪،‬‬

‫‪297‬‬
‫وأنت معذورة (‪ ،)1‬لكّن الشاعرين قّد ما الخبر على المبتدأ الضمير الذي له صدر‬
‫الكالم‪ ،‬ليقينهما أّن لكل بنية تركيبية معناها‪ ،‬ومقصدها‪ ،‬وغايتها التداولية‪ ،‬ولهذا‬
‫الرأي ما يسنده‪ ،‬فقد نقل اإلستراباذي عن ابن الدهان قوله‪" :‬إذا حصلت الفائدة فأخبر‬
‫عن أي نكرة شئت؛ وذلك ألّن الغرض من الكالم إفادة المخاطب مضمون الكالم"(‪.)2‬‬

‫‪298‬‬
‫ويجعل عبد القاهر الجرجاني حصول الفائدة متوقفًا على مراعاة حال‬

‫‪299‬‬
‫المخاَطب‪ ،‬وحال المخاِط ب يعّد ضابطًا مؤثرًا في توجيه كالم المتكلم(‪.)1‬‬

‫وتأسيسًا على هذا التحليل التداولي‪ ،‬والفهم العميق لسياق المقام‪ ،‬يرى عبد‬
‫القاهر الجرجاني "أّنه ال تكون البداية بالفعل كالبداية باالسم"(‪ ،)2‬فقولنا‪ :‬الشعب يريد‪،‬‬
‫غير قولنا يريد الشعب‪ ،‬فالشعب فاعل تقّد م على فعله للعناية واالهتمام‪ ،‬فأصل‬

‫‪ 14300‬وما بعدها‪.‬‬
‫فريد‪ ،‬بهاء الدين محمد‪ ،‬تبسيط التداولية ص‬ ‫‪-‬‬
‫الجملة‪ :‬فعل ‪ +‬فاعل ‪ /‬وبالتقديم أصبحت الجملة فاعًال مقّد مًا لغرض العناية‬
‫واالهتمام ‪ +‬فعال‪ ،‬وال شيء فيها من االسمية (م ‪ +‬خ)‪.‬‬

‫والذي يبدو لي أن عبارة العناية واالهتمام التي جاءت على لسان القدماء‬
‫تتسم بالعمومية‪ ،‬واألولى أن نقول‪ :‬بأن التقديم والتأخير حصل ألسباب تداولية‪ ،‬إذ‬
‫يركز المرسل على تقديم الجزء المجهول من الكالم عند المرسل إليه‪ .‬فإذا كان‬

‫‪301‬‬
‫يعرف الفاعل ويجهل الفعل يقدم الفعل‪ ،‬وقد يحذف الفاعل؛ ألنه معلوم‪ .‬وهنا يكمن‬
‫الفرق بين التحليل التداولي والتحليل النحوي أو البالغي القديم‪.‬‬
‫وتظهر التداولية في أسلوب االختصاص الذي هو اسم ظاهر يأتي بعد ضمير‬
‫المتكلم أو المخاطب‪ ،‬لبيان المراد منه‪ ،‬كقولهم في المثال المتداول الشائع‪ :‬نحن‬
‫العرب نكرم الضيف‪ ،‬هكذا دون ضبط لكلمة العرب‪ ،‬فلو ُنطقت بـ "العرَب أو‬

‫‪302‬‬
‫العرُب " فإّن المقصود منها هو االختصاص في العرف اللغوي المتداول والشائع‪.‬‬
‫وأزعم أن ال أحد يمكن أن يقول‪ :‬نحن بنو الدنيا نتهافت عليها‪ ،‬ونحن محامو الدفاع‪،‬‬
‫ونحن مبعوثو الجامعة إلى المؤتمر‪ ،‬فكل من ينطق بهذه الجمل سواء أراد‬
‫االختصاص أم لم يرد فهو يريد بها االختصاص‪ ،‬ويقول‪ :‬نحن محامي الدفاع؛‬
‫ونحن مبعوثي الجامعة‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فهي جمل ملفوظة في مقام خطابي‪ ،‬وأّن هذا‬

‫‪303‬‬
‫الملفوظ يستلزم استعماًال لغويًا خاصًَا؛ أي قد تواضع عليه مستعملو اللغة‪ ،‬وأن هذا‬
‫االستعمال يؤدي داللة معّينة وفق سياق مقامي معّين‪ ،‬وعليه يكون‪:‬‬

‫مرسل ‪ +‬ملفوظ (سقطت حركته اإلعرابية) ‪ +‬مقام خطابي أو سياق مقامي ‪+‬‬
‫مرسل إليه مؤَّثر عليه ← معًنى‬

‫نعمان‪ ،‬مدخل إلى التحليل اللساني للخطاب‪ ،‬دار‬


‫‪304‬‬ ‫(?) انظر على سبيل المثال ال الحصر‪ :‬بوقرة‪،‬‬ ‫‪1‬‬
‫وفي النداء نجد جملة أو عبارة تقال أو تكتب على و في المؤسسات‪ ،‬هذه‬
‫الجملة هي‪" :‬عاش أبا الحسين"‪ ،‬أصبحت هذه الجملة بصورتها تمثل بعدًا تداوليًا بين‬
‫الناس‪ ،‬فعلى أية صورة إعرابية كانت رفعًا أو نصبًا أو جرًا تستعمل أبا الحسين‪.‬‬
‫وفي كل ذلك‪ ،‬فإّن معناها واضح ومعّبر لعالم اللغة وغيره‪ ،‬وأما النداء الشبيه‬
‫بالمضاف‪ ،‬أو النكرة بقسميها فالمتداول منها على صورة واحدة هي‪ :‬أداة نداء ‪+‬‬

‫‪305‬‬
‫منادى (شبيه بالمضاف أو نكرة مقصودة أو غير مقصودة) يأخذ حركة إعرابية‬
‫مختلفة‪ ،‬ضمة أو فتحة أو سكون ال قيمة لها عند المتحدث ‪ +‬جملة الجواب‪ ،‬بل في‬
‫حال جمع المذكر السالم‪ ،‬والمثنى‪ ،‬وجمع المؤنث السالم‪ُ ،‬يقال‪ :‬يا مزارعين‪ ،‬ويا‬
‫طالبْي ن‪ ،‬ويا مهندسات‪ ،‬وفي هذا كّله تكون المعلومة أو المفهومة قد وصلت إلى‬
‫السامع‪ ،‬وتمت عملية المحادثة أو التواصل‪.‬‬

‫‪306‬‬ ‫الكتب الحديث‪ ،‬إربد‪ ،‬ط‪ ،2‬سنة ‪.2008‬‬


‫وتتجلى التداولية في التحذير واإلغراء كذلك‪ ،‬فالتحذير هو تنبيه المخاطب‪،‬‬
‫وتخويفه من أمر مكروه أو قبيح ليجتنبه‪ ،‬واإلغراء هو ترغيب المخاطب أو حّثه‬
‫على أمر محمود ليفعله‪ ،‬فقول أحدهم لولده‪ :‬الصالَة الصالَة‪ ،‬أو السيارَة السيارَة‪،‬‬
‫وغيرها من التراكيب التي يقصد بها المتكلم تحذيرًا أو إغراًء ‪ ،‬دون أن يسّم ي ذلك‪،‬‬
‫لكن الُعرف واالستعمال التداولي يجعله ينطق بهذه التراكيب‪ ،‬والسامع يفهم ُبعدها‬

‫‪307‬‬
‫الداللي‪ ،‬فال يعقل أن يحذر الوالد ولده من الصالة أو الدراسة‪ ،‬أو يرغبه بالسيارة في‬
‫موقف مقامي ال يدل على الترغيب‪ ،‬بل التحذير من سيارة قادمة مسرعة‪ ،‬ومن ثَّم‬
‫عليه أن ال يقطع الشارع‪.‬‬

‫ويظهر البعد التداولي في هذا األسلوب في األدوات اللسانية التي يلجأ إليها‬
‫المرسل‪ .‬فباإلضافة إلى حذف الفعل‪ ،‬وترك المفعول به‪ ،‬وإ لى تكرار لفظ المفعول‬

‫‪308‬‬
‫به‪ ،‬فإن هناك تنغيما خاّص ًا يصاحب نطق الكلمتين‪ ،‬وهو الذي يفيد معنى التحذير أو‬
‫اإلغراء‪ .‬وهو أمر ال نجده إال في المستوى المنطوق من الخطاب‪.‬‬

‫وكذلك الحديث عن (كم) بقسميها‪ :‬االستفهامية والخبرية‪ ،‬فقد وضع النحاة لكل‬
‫منهما شروطًا خاصة‪ ،‬أظهرها أن كم االستفهامية يأتي االسم بعدها منصوبًا‪ ،‬نحو‪:‬‬
‫كم كتابًا قرأت؟ والخبرية يكون االسم بعدها مجرورًا‪ ،‬نحو‪ :‬كم كتاٍب قرأت؟ لكن‬

‫‪309‬‬
‫المتكلم أو المتداول فيهما حذف الحركة اإلعرابية‪ ،‬ومع هذا فإن المعنى مفهوم عند‬
‫طرفي العملية التواصلية‪ ،‬لكن األغلب أّن كم االستفهامية هي النمط الشائع في‬
‫العرف االستعمالي التداولي‪ .‬والمحاورة تمت بنجاح تام‪ ،‬وبذلك تحقق التواصل‪.‬‬

‫والذي يبدو لي أْن ال دور للحركة اإلعرابية في الدرس التداولي‪ ،‬تلك الحركة‬
‫التي بها يتم التفريق بين المعاني‪ ،‬قال ابن فارس‪" :‬من العلوم الجليلة التي اختصت‬

‫ياكبسون‪ ،‬رومان‪ ،‬اللسانيات والشعرية‪ ،‬ترجمة‬


‫(?) كما جاءت عند رومان ياكبسون‪ .‬انظر‪310 :‬‬
‫‪1‬‬
‫بها العرب اإلعراب الذي هو الفارق بين المعاني المتكافئة في اللفظ‪ ،‬وبه يعرف‬
‫الخبر الذي هو أصل الكالم‪ ،‬ولواله ما مّيز فاعل من مفعول‪ ،‬وال مضاف من‬

‫‪311‬‬
‫منعوت‪ ،‬وال تعجب من استفهام‪ ،‬وال نعت من تأكيد"(‪ .)1‬وقال أيضًا‪" :‬فإّن اإلعراب‬
‫هو الفارق بين المعاني أال ترى أّن القائل إذا قال‪" :‬ما أحسن زيدًا لم يفرق بين‬
‫التعجب واالستفهام والذم إال باإلعراب"(‪.)2‬‬
‫ففي اإلعراب تمّيز المعاني‪ ،‬ويوقف على أغراض المتكلمين‪ ،‬فلو قال قائل‪:‬‬
‫"ما أحسن زيد" غير معرب‪ ،‬و "ضرب زيد عمر" غير معرب لم يوقف على مراده‬

‫األدبية‪ ،‬ط‪ .1988 ،1‬الشابكة‪.‬‬


‫محمد الولي‪ ،‬ومبارك حنون‪ ،‬سلسلة المعرفة‪312‬‬
‫عند النحويين‪ ،‬لكنه يكون مفهومًا وواضح المعنى في المنظور التداولي‪ .‬فالشائع أن‬
‫األول ضارب‪ ،‬والثاني مضروب‪ ،‬فزيد ضارب وعمرو مضروب‪ ،‬وكذلك قولهم‪:‬‬
‫ما أحسن زيد‪ ،‬يقصد بها التعجب‪ ،‬كقولهم‪ :‬ما شاء اهلل‪ ،‬فعدم ظهور الحركة‬
‫اإلعرابية ليس دليًال على خطأ المتكلم أو المرسل‪ ،‬إنما هو مقصود ما دام المستقبل‬
‫قد فهم المراد أو الرسالة‪.‬‬

‫‪313‬‬
‫فالذي سمح للغة التخاطب اليومي بإسقاط الحركات مع ضمان حصول الفائدة‬
‫التواصلية هو السياق أو المقام الذي أنتج فيه الخطاب‪ ،‬فهو الذي أمن اللبس‪ ،‬وهو ما‬
‫ال يمكن أن يحققه النص المكتوب؛ إذ يكون مقطوعا عن سياقه‪ .‬فلو أسقطنا منه‬
‫الحركات اإلعرابية لتطّلب من المرسل وصف السياق بكالم طويل‪.‬‬

‫‪314‬‬
‫ويبدو كذلك أن قول قطرب قريب إلى حٍّد بعيد مما يتداوله الناس من جمل‬
‫وكلمات ال يعيرون اهتمامًا بها للحركة اإلعرابية‪ ،‬إذ يرى قطرب أن ال قيمة للعامل في‬
‫األثر اإلعرابي على أواخر الكلم في التركيب الجملي‪ ،‬وأّن هذه الحركات كانت بأثر‬
‫صوتي‪ ،‬ويمكن أن تعلل تعليًال صوتيًا‪ .‬يقول‪" :‬إّنما أعربت العرب كالمها؛ ألّن االسم‬
‫في حال الوقف يلزمه السكون للوقف‪ ،‬فلو جعلوا وصله بالسكون أيضًا لكان يلزمه‬

‫‪315‬‬
‫اإلسكان في الوقف والوصل‪ ،‬وكانوا يبطئون عند اإلدراج‪ ،‬فلما وصلوا‪ ،‬وأمكنهم‬
‫التحريك جعلوا التحريك معاقبًا لإلسكان؛ ليعتدل الكالم"(‪.)1‬‬

‫فاإلعراب‪ ،‬إذًا‪ ،‬هو الذي يكشف عن المعاني أو يفّر ق بينها على حّد تعبير عبد‬

‫القاهر الجرجاني ‪ ،‬ولكنه في المتداول ال يحمل هذه األهمية في المنطوق الشائع؛ ألّن‬
‫(‪) 2‬‬

‫السياق المقامي يعّد مفهومًا تداوليًا راسخًا‪ ،‬ومعيارًا محكمًا من معايير الحكم على‬

‫موقع إلكتروني ‪ /www.danoob.com‬فراسوا‬ ‫(?) انظر‪ :‬الثامري‪ ،‬عادل‪ ،‬التداولية واللسانيات‪،‬‬


‫‪316‬‬
‫‪1‬‬
‫العبارة بالمقبولية‪ ،‬فالعبارة غير المكتملة نحويًا من جهة التركيب‪ ،‬لكنها منسجمة مع‬
‫المقام؛ وتكون مقبولة تداوليًا‪.‬‬

‫‪317‬‬
‫وأّم ا التنغيم فهو‪ :‬مصطلح يدل على ارتفاع الصوت‪ ،‬وانخفاضه أثناء الكالم‪،‬‬
‫وهذا االرتفاع واالنخفاض ال يكون إال لمعنى(‪ ،)1‬ويكون مجاله في الجمل المنطوقة‪،‬‬
‫وال أثر له في كتب النحو العربي على مستوى التنظير؛ ألّن النحاة العرب اعتمدوا اللغة‬
‫المكتوبة عند التقعيد‪ ،‬ولم يعتمدوا النطق‪.‬‬

‫ص‪ /96‬صحراوي مسعود‪ ،‬التداولية عند علماء‬ ‫أرمينكو‪ ،‬المقاربة التداولية‪ ،‬ترجمة سعيد علوش‪،‬‬
‫‪318‬‬
‫وتطبيقًا لما جاء في الدراسات اللغوية المعاصرة‪ ،‬وبخاصة في الغرب‪ ،‬فإن‬
‫للتنغيم وظيفة نحوية وداللية مهّم ة‪ ،‬وال يكون – كما أسلفت – إال لمعنى‪ ،‬ومن ثَّم يعّد‬
‫العنصر الرئيس في التمييز بين الجمل‪ ،‬فالجملة "حضر خالد" جملة تقريرية خبرية إذا‬
‫نطقت بتنغيم مستٍو ‪ ،‬ولكنها جملة استفهامية إذا نطقت بتنغيم صاعد‪.‬‬

‫‪ 13319‬وما بعدها‪.‬‬
‫العرب دراسة تداولية لظاهرة األفعال الكالمية‪ ،‬ص‬
‫وله حضور بارز في المستوى التداولي‪ ،‬هب أّن ولدًا يقطع الشارع‪ ،‬فتريد أن‬
‫تحذره‪ ،‬فتقول له بصوت مرتفع وحاد‪ :‬السّيارة‪ ،‬لتنبيهه ويأخذ حذره‪ ،‬وكثيرة هي‬
‫األساليب التي تدخل باب التنغيم كاالستفهام‪ ،‬فمثًال لو رأيت طالبًا يقف منتظرًا حافلة‬
‫ليذهب إلى الجامعة‪ ،‬وأنت تقود سيارتك‪ ،‬وقد مررت به‪ ،‬وعندما دخلت المحاضرة‪،‬‬
‫وجدته أمامك‪ ،‬فتقول له‪ :‬كيف وصلت؟ بتنغيم صوتي مرتفع‪ ،‬أنت ال تسأله‪ ،‬إّنما‬
‫تتعجب من سرعة وصوله‪ ،‬على الرغم من أن تتابع الحدث يقضي بغير ذلك‪ ،‬وقد ورد‬
‫‪320‬‬
‫منه في القرآن الكريم‪" :‬كيف تكفرون باهلل وكنتم أمواتًا"(‪ ،)1‬فاهلل تعالى ال يسألهم وهو‬
‫العليم بحالهم‪ ،‬إّنما يتعجب من كفرهم على الرغم من وجود اآليات الدالة على‬
‫وحدانيته‪.‬‬

‫وكذلك لو قال القاضي لمتهم‪ :‬من أين حصلت على المخدر؟ هذا مجرد سؤال‪،‬‬
‫وليس الغرض منه أن يجيب المتهم من فالن أو عالن‪ ،‬إنما الغرض هو محاولة اإليقاع‬

‫‪321‬‬
‫بهذا المتهم‪ ،‬فإذا أجاب‪ ،‬وقال‪ :‬نعم‪ ،‬فهو بذلك يؤكد على إجرامه‪ ،‬وإ ذا أجاب بالنفي‪،‬‬
‫فإن هناك مالمح تظهر عليه توحي بالصواب‪ ،‬وهذا ما أشار إليه أوستن‪ ،‬وهو ما أطلق‬

‫‪322‬‬
‫عليه عمل التأثير بالقول(‪ ،)1‬أي العمل المتحقق نتيجة قولنا شيئًا ما‪ ،‬فالتنغيم في‬
‫اعتبارات كثيرة يكون الركيزة األولية في عملية التواصل في لغة الخطاب اليومي‪.‬‬

‫وإ ذا ما ذهبنا نتتبع أمثلة التداولية وتمثالتها في اللغة والنحو فإننا نجدها ماثلة في‬
‫كثير من األبواب التي تحتاج إلى مزيد من اإلحصاء أوًال‪ ،‬والوصف ثانيا‪ ،‬والتحليل‬
‫أخيرًا‪.‬‬

‫الكتاب‪ ،‬تحقيق عبد السالم هارون‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬ط‬


‫(?) انظر‪ :‬سيبويه‪ ،‬أبو بشر عمرو بن قنبر‪323 ،‬‬
‫‪1‬‬
‫الخالصة‬

‫يمكن القول‪ :‬إّن التداولية بمفاهيمها‪ ،‬كالسياق المقامي‪ ،‬وغرض المتكلم‪،‬‬


‫وإ فادة السامع‪ ،‬ومراعاة العالقة بين أطراف الخطاب‪ ،‬ومفهوم األحداث الكالمية‪،‬‬
‫يمكن أن تكون أداة رئيسة من أدوات النظر الجديد في قراءة التراث العربي اللغوي‪،‬‬
‫والنحوي‪ ،‬والبالغي‪ ،‬وغيره‪.‬‬

‫‪324‬‬
‫وهنا ال بّد من طرح سؤالين اثنين يشكالن استفزازًا لعقول الباحثين من أجل‬
‫البحث فيهما‪ ،‬األول‪ :‬هل يمكن أن تحل اللغة التداولية مكان اللغة المعيارية؟‬

‫والثاني‪ :‬هل هناك – في التداولية – فرق بين الُعرف اللغوي السائد في لغة‬
‫الخطاب اليومي‪ ،‬والقانون اللغوي الثابت؟‪.‬‬

‫‪ ،204‬ج‪ ،2‬ص‪ ،38‬ص‪ ،162‬ج‪ ،3‬ص‪ ،82‬ص‬


‫‪325‬‬‫‪1988 ،3‬م‪،‬ج‪ 1‬ص‪ ،24‬ص‪ ،38‬ص‪ ،74‬ص‬
‫أخيرا‪ ،‬والذي يبدو أن فكرة المعيار والقواعد غير صحيحة بشكل مطلق‪ ،‬سواء‬
‫من حيث الشكل ( القواعد الصوتية‪ ،‬والصرفية‪ ،‬والنحوية ) أم من حيث المعنى‬
‫( داللة الكلمات )‪ .‬فإذا كانت اللغات تحافظ على ثبوت نسبي‪ ،‬فإنها ال محالة تتغير‬
‫من عصر إلى عصر ( المحور العمودي )‪ ،‬ومن منطقة إلى منطقة ( المحور‬

‫‪326‬‬ ‫‪.271‬‬
‫األفقي )‪ ،‬وفقا لتغير أحوال المتكلمين‪ ،‬ووفقا للسياقات االجتماعية‪ ،‬والثقافية التي‬
‫يعيش فيها المرسل والمرسل إليه‪.‬‬

‫‪327‬‬
‫الخاتمة‬

‫موضوع التداولية موضوع غني‪ ،‬ويشكل حلقة متقّد مة في مسيرة الدرس‬


‫اللساني‪ ،‬ولكنه موضوع شائك مترامي األطراف‪ ،‬متداخل المسائل‪ ،‬فكثير مّم ن‬
‫كتب عنه‪ ،‬كتب تنظيرًا‪ ،‬وهو متلبس ببعض ما هو مكتوب فيه‪ ،‬فنسج على منواله‬
‫من غير أن يأخذ الُبعد التداولي الوظيفي في مسائله‪ ،‬لذا جاء هذا البحث يحمل بعدًا‬
‫‪328‬‬
‫تطبيقيًا في مسائل من اللغة والنحو‪ ،‬مّم ا يتواصل به الناس والباحثون في خطابهم‪،‬‬
‫عبر ثالث نقاط رئيسة‪ :‬األولى‪ ،‬وصف لهذه الظاهرة‪ .‬والثانية‪ ،‬تفسير وتحليل لهذا‬
‫الوصف‪ .‬والثالثة‪ ،‬نقد ما احتاج إلى نقد من هذه التمثالت‪.‬‬

‫وإ ّن ثبوت المعنى الداللي للملفوظ عند النحاة واللغويين ال يمكن أن يثبت‬
‫للجملة أو للكالم حتى يكون له معنى يفهمه السامع‪ ،‬وإ ال كان لغوًا‪ ،‬وكّل اختالف في‬

‫تحقيق عبد الخالق عضيمة‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪،‬‬


‫‪329‬‬‫المبرد‪ ،‬أبو العباس محمد بن يزيد‪ ،‬المقتضب‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫المبنى ال يقابله اختالف في المعنى‪ ،‬فهو عبث‪ .‬وهذا المعنى مشترك بين الناطقين‬
‫كلهم؛ ألّن فهمه هو هدف العملية التواصلية‪ ،‬وال يمكن أن يخضع لمنطق النحويين‪،‬‬
‫وقواعدهم‪ ،‬واصطالحاتهم؛ لذلك يقال للسائل‪َ :‬م ْن المتوَّفى؟ أو غيرها من األمثلة‬
‫التي سبق ذكرها ليس مخطئًا‪ ،‬وإ ن خالف قواعد اللغة والنحو‪ .‬فالمتداول أصبح هو‬
‫المعيار واألساس في العملية التواصلية‪ ،‬وإ ذا كان ذلك كذلك عندها يمكن القول‪ :‬إّن‬

‫‪330‬‬
‫التداولية ليست علمًا لسانيًا محضًا يقوم على تفسير البنى اللغوية‪ ،‬ويتوقف عند‬
‫حدودها‪ ،‬وأشكالها الظاهرة‪ ،‬ولكنها علم جديد يبحث في األدوات التي يختارها‬
‫المرسل‪ ،‬ليحقق أعلى درجات النجاح في تواصله مع المرسل إليه‪ .‬ولذلك فإن أعلى‬
‫مقامات التداولية في التراث العربي المقولة الشهيرة التي مفادها أن " لكل مقام مقال‬
‫"‪ ،‬وكذلك مقولة البالغيين " مطابقة الكالم لمقتضى الحال "‪.‬‬

‫‪331‬‬ ‫‪1963‬م‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.112‬‬


‫مصادر البحث ومراجعه‬

‫‪ -‬القرآن الكريم‪.‬‬

‫‪ -‬اإلستراباذي‪ ،‬محمد بن الحسن‪ ،‬شرح الكافية‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪1982‬م‪.‬‬

‫‪332‬‬
‫‪ -‬بارتشت‪ ،‬بريجتيه‪ ،‬مناهج علم اللغة من هرمان باول إلى نعوم تشومسكي‪،‬‬
‫ترجمة سعيد بحيري‪ ،‬مؤسسة المختار‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪2004 ،1‬م‪.‬‬

‫‪ -‬بوقرة‪ ،‬نعمان‪ ،‬مدخل إلى التحليل اللساني للخطاب‪،‬دار الكتب الحديث‪ ،‬إربد‪ ،‬ط‬
‫‪ ،2‬سنة ‪.2008‬‬

‫‪333‬‬
‫‪ -‬بوقرة‪ ،‬نعمان‪ ،‬مالمح التفكير التداولي البياني عند األصوليين‪ ،‬مجلة إسالمية‬
‫المعرفة‪ ،‬السنة الرابعة عشرة‪ ،‬العدد ‪2008 ،54‬م‪.‬‬

‫‪ -‬تشومسكي‪ ،‬نعوم‪ ،‬جوانب من نظرية النحو‪ ،‬ترجمة مرتضى جواد باقر‪،‬‬


‫منشورات وزارة التعليم العالي‪ ،‬جامعة البصرة‪1985 ،‬م‪.‬‬

‫‪334‬‬
‫‪ -‬الثامري‪ ،‬عادل‪ ،‬التداولية واللسانيات‪ ،‬الموقع اإللكتروني‪:‬‬
‫‪.www.doroob.com‬‬

‫‪ -‬الجرجاني‪ ،‬عبد القاهر‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬تصحيح محمد عبده ومحمد الشنقيطي‪،‬‬
‫دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪1982 ،‬م‪.‬‬

‫‪335‬‬ ‫ابن جني‪ ،‬الخصائص‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.360‬‬ ‫‪-‬‬


‫‪ -‬الجرجاني‪ ،‬علي بن محمد الشريف‪ ،‬التعريفات‪ ،‬مكتبة لبنان‪ ،‬طبعة جديدة‪،‬‬
‫‪.1985‬‬

‫‪ -‬ابن جني‪ ،‬أبو الفتح عثمان‪ ،‬الخصائص‪ ،‬تحقيق محمد علي النجار‪ ،‬دار الهدى‬
‫للطباعة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1952 ،2‬م‪.‬‬

‫‪336‬‬
‫‪ -‬حناش‪ ،‬محمد‪ ،‬األساس المعرفي لمنظومة اإلبداع‪ :‬مقاربة لسانية تداولية‪ ،‬مجلة‬
‫التواصل اللساني‪ ،‬المجلد العاشر‪ ،‬العددان ‪2001 ،2 ،1‬م‪.‬‬

‫‪ -‬ابن خلدون‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬المقّد مة‪ ،‬منشورات مؤسسة األعلمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪1982‬م‪.‬‬

‫‪337‬‬
‫‪ -‬الزركشي‪ ،‬بدر الدين بن محمد‪ ،‬البرهان في علوم القرآن‪ ،‬تحقيق محمد أبو‬
‫الفضل إبراهيم‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.2‬‬

‫‪ -‬زكريا‪ ،‬ميشال‪ ،‬األلسنية في علم اللغة الحديث‪ ،‬بيروت‪1980 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الزمخشري‪ ،‬جار اهلل محمود‪ ،‬أساس البالغة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬عمان‪1979 ،‬م‪.‬‬

‫‪338‬‬
‫‪ -‬ابن السراج‪ ،‬أبو بكر محمد بن سهل‪ ،‬األصول في النحو‪ ،‬تحقيق عبد الحسين‬
‫الفتلي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1985 ،1‬م‪.‬‬

‫‪ -‬سيبويه‪ ،‬أبو بشر عمرو بن قنبر‪ ،‬الكتاب‪ ،‬تحقيق عبد السالم هارون‪ ،‬مكتبة‬
‫الخانجي‪ ،‬ط‪1988 ،3‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الشابي‪ ،‬أبو القاسم‪ ،‬ديوان أبي القاسم‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيروت‪1972 ،‬م‪.‬‬
‫‪ 339‬فضل‪ ،‬عاطف‪ ،‬دراسات في الفكر اللغوي‬
‫(?) لمزيد من التفصيل في موضوع الحذف انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪ -‬طه‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬في أصول الحوار وتجديد علم الكالم‪ ،‬المؤسسة الحديثة‬
‫للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪1987 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬طه‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬تجديد المنهج في تقويم التراث‪،‬المركز العربي‪ ،‬الدار‬


‫البيضاء‪،‬ط‪ ،1‬سنة‪.1994‬‬

‫‪340‬‬
‫‪ -‬ابن عقيل‪ ،‬شرح ابن عقيل‪ ،‬بهاء الدين الحمداني المصري‪ ،‬تحقيق محمد محي‬
‫الدين عبد الحميد‪ ،‬دار الفكر‪.1979 ،‬‬

‫‪ -‬عمايرة‪ ،‬خليل‪ ،‬في نحو اللغة وتراكيبها‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬جدة‪ ،‬ط‪1984 ،1‬م‪.‬‬

‫‪ -‬ابن فارس‪ ،‬أحمد‪ ،‬الصاحبي‪ ،‬تحقيق مصطفى الشويمي‪ ،‬بيروت‪1964 ،‬م‪.‬‬

‫‪2013‬م‪ ،‬الفصل السادس‪.‬‬


‫والنحوي‪ ،‬دار ابن الجوزي‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪341 ،‬‬
‫‪ -‬الفراء‪ ،‬أبو زكريا يحيى بن زياد‪ ،‬معاني القرآن‪ ،‬تحقيق محمد أبو الفضل‬
‫إبراهيم‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬ط‪1920 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ -‬فراسوا‪ ،‬أرمينكو‪ ،‬المقاربة التداولية‪ ،‬ترجمة سعيد علوش‪،‬المؤسسة الحديثة‬
‫للنشر‪،‬ط‪ ،1‬سنة ‪.1987‬‬

‫‪342‬‬
‫‪ -‬فضل‪ ،‬عاطف‪ ،‬دراسات في الفكر اللغوي والنحوي‪ ،‬دار ابن الجوزي‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫ط‪2003 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬فضل‪ ،‬عاطف‪ ،‬مقّد مة في اللسانيات‪ ،‬دار المسيرة‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪2011 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬كريستين‪ ،‬تمبل‪ ،‬المخ البشري‪ :‬مدخل إلى دراسة السيكولوجيا والسلوك‪،‬‬
‫ترجمة عاطف أحمد‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪،‬عدد‪ 287 ،‬سنة ‪2002‬م‪.‬‬

‫‪343‬‬
‫‪ -‬الشين‪ ،‬عبد الفتاح‪ ،‬التراكيب النحوية من الوجهة البالغية عند عبد القاهر‬
‫الجرجاني‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬المبرد‪ ،‬أبو العباس محمد بن يزيد‪ ،‬المقتضب‪ ،‬تحقيق عبد الخالق عضيمة‪ ،‬عالم‬
‫الكتب‪ ،‬بيروت‪1963 ،‬م‪.‬‬

‫‪344‬‬
‫‪ -‬مسعود‪ ،‬صحراوي‪ ،‬التداولية عند علماء العرب‪ :‬دراسة تداولية لظاهرة‬
‫األفعال‪ :‬دراسة تداولية لظاهرة الفعال الكالمية‪ ،‬دار الطليعة‪،‬بيروت‬
‫‪ -‬ابن منظور‪ ،‬جمال الدين‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬نحلة‪ ،‬محمود‪ ،‬آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪،‬‬
‫ط‪2002 ،1‬م‪.‬‬

‫‪345‬‬
‫‪ -‬ابن هشام‪ ،‬أبو محمد عبد اهلل‪ ،‬مغني اللبيب‪ ،‬تحقيق محمد محيي الدين عبد‬
‫الحميد‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪.‬‬
‫التعليقات والمناقشات‬

‫‪ -‬د‪ .‬رائد عكاشة‬

‫‪346‬‬
‫يشير إلى خطورة القضية التي تحدث عنها د‪ .‬فضل‪ ،‬التي تكمن في أن يصبح‬
‫النمط التداولي ضابطًا للعرف اللغوي أو القاعدة اللغوية‪ ،‬وإ ن حدث هذا سيصبح‬
‫السياق والمقام هما اللذان يحددان طبيعة اللغة التي تتكلم بها‪ ،‬سواء قاربت أو خالفت‬
‫النمط اللغوي أو العرف اللغوي‪ .‬ويتساءل‪ :‬كيف يمكننا ضبط هذا النمط التداولي‬
‫بحيث يكون تحت مظلة العرف اللغوي أو القاعدة اللغوية؟‬
‫‪347‬‬
‫‪ -‬رد الدكتور عاطف فضل‬

‫فيما يخص ضبط النمط التداولي يرّد ‪ :‬المعنى الداللي للملفوظ عند النحويين‬
‫واللغويين ال يمكن أن يثبت للجملة حتى يكون له معنى يفهمه السامع بين الُم رِس ل‬
‫والُم رَس ل إليه‪ ،‬وهذا المعنى مشترٌك بينهما أو بين الناطقين كلهم؛ ألن فهمه هو هدف‬

‫‪348‬‬
‫العملية التواصلية كما قال ابن خلدون‪ :‬قضية الفزلكة النحوية أو المنطق الرياضي‬
‫النحوي يجب أن نبتعد عنهما‪.‬‬

‫‪349‬‬
‫وذلك ألن المعنى هو المشترك بين المرسل والمستقبل؛ فإن فهم المستقبل‬
‫المعنى وفهم الرسالة بصرف النظر عن بعض التفصيالت النحوية واللغوية فقد تَّم‬
‫األمر‪.‬‬

‫ويرى أنه بإمكاننا تجاوز خطورة هذه القضية عن طريق تغيير المناهج‬
‫والتعاطي بالفهم والوعي والمران والتدريس الجيد وتجاوز األخطاء اللغوية‪.‬‬
‫‪350‬‬
351
352
‫األصول في النحو‪ ،‬تحقيق عبد الحسين الفتلي‪ ،‬مؤسسة‬
‫‪ -‬ابن السراج‪ ،‬أبو بكر محمد بن سهل‪353 ،‬‬
354
‫الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1985 ،1‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪355 .22‬‬
‫ابن جني‪ ،‬الخصائص‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪356.382‬‬ ‫‪-‬‬
‫تحقيق محمد أبو الفضل‪،‬عالم الكتب‪ ،‬ط‪،1920 ،2‬‬
‫الفراء‪ ،‬أبو زكريا‪ ،‬يحيى بن زياد‪ ،‬معاني القرآن‪357،‬‬
358
‫‪359‬‬ ‫ج‪2‬ص‪.410 ،191 ،161‬‬
360
361
362
363
364

You might also like