Professional Documents
Culture Documents
عنوان البحث
1
م.د .رغد عبد أبو جاسم
1
وزارة التربية ,المديرية العامة لتربية النجف األشرف ,النجف االشرف ,العراق
بريد الكترونيali.alhameedawi@uokufa.edu.iq:
HNSJ, 2022, 3(3); https://doi.org/10.53796/hnsj3320
المستخلص
اللغة في ظاهرها أصوات تعبر عن معان ؛ لذا يقوم جوهر البحث اللغوي على دراسة العالقة بين عنصري اللفظ والمعنى ،ألن كل
كل معرفة ال تعدو أن تكون أفكا اًر أو معاني تحملها األلفاظ ،لذلك كانت محو اًر
متكلم أو سامع يدور في فلك األلفاظ ومعانيها ،وألن ّ
لدراسات شتى قام بها اللغويون واألدباء والنقاد والفقهاء والفالسفة والمناطقة وعلماء النفس وعلماء االجتماع واألنثروبولوجيا ورجال
السياسة والقانون واالقتصاد والصحافة ...؛ ألن هذه القضايا تقع في صلب دراسة العالقات وتبادل األفكار ،وال يختص بها الدرس اللغوي
وحده ،وال تنحصر بزمن دون آخر .وعلى هذا فاالهتمام بالمعنى من أقدم اهتمامات اإلنسان الفكرية ،ولكن دراسته تختلف باختالف
وجهات النظر إليه وتعدد المدارس اللسانية .
يوجد المعنى؟ هل يوجد في أذهان البشر ،أم في العالم المشترك بين المتكلمين؟ وهل يمكن للمعنى أن يكون خارَج المكوناتأين َ
التي تسهم في البناء اللغوي؟ وهل يمكن االستغناء عنه أو تجاوزه ؟
أسئلة عدة ،تقتضي اإلجابة عنها أن نضع في أذهاننا جملة من التصورات ،فاللغوي – مثال -يختزن لغة محكومة بقوانين ال
يمكن للفلكي أن يفهم أبعادها ،ألنها ال تصف عالمه وحتى يتم التجاذب بين اللغوي ،والعالم الذي يصفه في مجال عمله ،ينبغي
تأسيس عالقة خاصة تجمع بينهما ،وهي العالقة التي تقوم أساسا على ما يعرف باإلدراك ألن المعنى يخضع لما ندركه حسب ما تذهب
إليه النظريات الفلسفية واللسانية .
وعليه حاولنا في هذا البحث اإلجابة عن تلك األسئلة عن طريق البحث في نظرة المدارس اللسانية للمعنى .وتجدر اإلشارة إلى أن سرد
المدارس في تناولها للمعنى بشكل متواز قد يوحي باستقاللها التام عن بعضها ،واألمر ليس بهذا الشكل ؛ إذ تنعقد بينها صالت قد
تصل إلى حدود التداخل ،والتأثير والتأثر ،وال سيما في مسالة المعنى.
HNSJ Volume 3. Issue 3 المعنى عند المدارس اللسانية
RESEARCH TITLE
1
Ministry of Education, General Directorate of Education of Najaf, Najaf, Iraq.
Email: ali.alhameedawi@uokufa.edu.iq
Abstract
The Concept of meaning according to linguistic schools: A language is basically Sounds that
express meanings Given this, the core of the linguistic research is built upon studying the
relationship of words and their meaning and since know ledge in general is nothing but
thoughts and meanings accord by words. That is why it has been the focus of various studies
carried and by linguists, critics, jurists, philosophers, logicians. And psychologists. Such
linguistic and thoughts exchange studies. Moreover, studying meaning is not restricted to
language study alone and is not limited to a particular time. Thus, paying attention to
meaning is one of the oldest intellectual human concerns, though its study varies in
accordance with the different point of views and the different Lingui she schools.
Where does meaning lie? Is it in the human mind or in the society in which the speaker of
the language lives? Or could the meaning exist separately out of the components that
contribute to be dispensed or overpassed altogether?
In order to answer these questions, we need to bear in mind certain points. A linguist, for
instance, deal with a language which is governed by certain rules that an astronomer is
unable to understand its dimension, because does not describe his world. So in order to
combine the linguist and the world he describes it is necessary to establish a unique
relationship that connects them to gather. Sun a relation is based on what is known as
perception since meaning, according to philosophers and linguists, is subject to the way we
realize it thus, I have answered the a above mentioned questions through investigating the
view paths regarding meaning as that though, at the first, the linguistic in their approach to
meaning seem completely independent of each other. It is quite the opposite as there are
links between them to the extent of over lapping, influencing, and being influenced. A
specially when it comes to meaning.
www.hnjournal.net )3( ) العدد3( المجلد مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية 2022 مارس،رغد أبو جاسم 351 | صفحة
HNSJ Volume 3. Issue 3 المعنى عند المدارس اللسانية
التمهيد
مفهوم المعنى
يتوقف ابن فارس ( ت 395هـ ) في تعريفه للمعنى عند اشتقاقات عدة ،لعل أبرزها :المعنى من ( عنيت
بالكالم كذا ) أي قصدت وعمدت ،فيدل هنا على القصد .والمعنى من ( عنت القربة ) إذا لم تحفظ الماء و
أظهرته ،وعنوان الكتاب مأخوذ من هذا المعنى ،فداللته هنا اإلظهار .والمعنى من ( عنت األرض بنبات حسن
) ،أي أفادت بنبات حسن ،فالمعنى هنا بمعنى اإلفادة .وبناء على ذلك يرى أن المعنى هو ( القصد والمراد )
()1
" .فالصورة الحاصلة من حيث أنها تقصد باللفظ تسمى معنى ،ومن حيث حصولها من اللفظ في العقل
تسمى مفهوما ،ومن حيث أنها مقولة في جواب ما هو ؟ تسمى ماهية ،ومن حيث ثبوتها في الخارج تسمى
حقيقة ،ومن حيث امتيازها عن األعيان تسمى هوية " (.)2
كل شيء م ْح َنته وحاله التي يصير إليها أ َْمره وروى األَزهري عن أَحمد بن وجاء في لسان العرب َ ":م ْعنى ّ
وم ْعنيَّته َمْقصده
وم ْعناته َ
كل كال ٍم َ
وم ْع َنى ّ
وع َن ْيت بالقول كذا ،أَردت َ ، الم ْع َنى والتفسير والتَّأْويل و ٌ
احد َ يحيى قال َ :
َصحابك أَي ال
َ وم ْعناة كالمه وفي َم ْعني كالمه وال تعان أ
العناء يقال َ :ع َرْفت ذلك في َم ْع َنى كالمه َ ،واالسم َ
ّ
وعَّن ْيت
ونت َ الم ْع َنى وفيه لغات َع ْن ْ العناء ُّ
الض ُّر وع ْنوان الكتاب م ْشتَ ّق فيما ذكروا من َ تشاج ْرهم عن ثعلب ،و َ
اعنه " (. )3َخفش َع َن ْوت الكتاب و ْوعَّن ْنت وقال األ ْ
َ
أما في االصطالح فيعد مصطلح المعنى من أكثر المصطلحات التي اختلف في تعريفها ،ولعل ذلك راجع
إلى اختالف اهتمامات الدارسين له ،وتعدد ميادين بحوثهم ،فضال عن كثرة المصطلحات المستعملة في هذا
المجال والمرتبطة به .وقد وضع ( ريتشاردز وأوجدن ) في كتابهما ( معنى المعنى ) 1923ما ناهز ستة عشر
()4
. تعريفا للمعنى ،وأشا ار إلى أنها أشهر هذه التعريفات
ويستخلص من استعماالت اللغويين والبالغيين والنحويين لهذه اللفظة ثالثة أنواع :
– 1المعنى الذي يرتبط بالكلمة أصالة ،وهو ما وضع للفظ في األصل ،ويسمى المعنى الحقيقي .
– 2المعنى الذي يستجد للفظ ؛ أي يتولد له عن طريق االستعمال والتطور اللغوي ،وهو ما يختص
بدراسته علم البيان .
– 3المعنى المتكون من تركيب األلفاظ بإسناد أو إضافة ،وهو ما يصطلح عليه بالمعنى الوظيفي (.)5
وللمعنى في الدراسات اللغوية الحديثة تقسيمات عدة ،لعل ابرزها التقسيم االتي :
– 1المعنى األساسي أو األولي أو المركزي ،ويسمى التصوري والمفهومي ،ويراد به المعنى المتصل
بالوحدة المعجمية حينما ترد في أقل سياق ،أي منفردة .
) ينظر :الصاحبي في فقه اللغة ،ابن فارس . 199 – 198 : 1
) ينظر :معنى المعنى دراسة ألثر اللغة في الفكر والعلم والرمزية ،أوغدن وريتشاردز : 4
) ينظر :نظرية المعنى في الدراسات النحوية ،د .كريم حسين ناصح الخالدي . 12 – 11 : 5
www.hnjournal.net المجلد ( )3العدد ()3 مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية رغد أبو جاسم ،مارس 2022 صفحة | 352
HNSJ Volume 3. Issue 3 المعنى عند المدارس اللسانية
– 2المعنى اإلضافي أو العرضي أو الثانوي ،أو التضمني ،ويراد به المعنى الذي يملكه اللفظ عن طريق
ما يشير إليه إلى جانب معناه التصوري الخالص .وهذا النوع ،وليس له ثبات أو شمول ؛ فيتغير بتغير الثقافة
أو الزمن أو الخبرة .
– 3المعنى األسلوبي ،هو المعنى الذي تحمله قطعة من اللغة بالنسبة للظروف االجتماعية والمنطقة
الجغرافية .
– 4المعنى النفسي ،ويراد به الدالالت التي يتضمنها اللفظ عند الفرد ،فهو معنى فردي ذاتي .
- 5المعنى اإليحائي ،يشير إلى المعنى الذي يتعلق بكلمات ذات مقدرة خاصة على اإليحاء ،وحصر
اولمان تأثيراته في ثالثة ،التأثير الصوتي ( مباشر وغير مباشر ) ،والتأثير الصرفي ،والتأثير الداللي ،ويدخل
فيه ما سماه ليتش ( المعنى المنعكس ) .
ويعترف ليتش بوجود مشكلة تتمثل في رسم الحدود بين األنواع السابقة ؛ لذا يختلف المحللون اللغويون في
()6
. تسمية المعاني التي يستخلصونها
وبناء على ذلك هناك تقسيمات للمعنى عدة نابعة من تخصص منظريها ،فضال عن اختالف نظرتهم
ألهمية المعنى ؛ لذلك اختلفت نظرة المدارس اللسانية له .
اللسانيات البنيوية
يعد الربع األول من القرن العشرين بداية حقبة اللسانيات البنيوية في أوربا والواليات المتحدة معا .وشأن
البنيوية في اللسانيات شأنها في فروع الدرس العلمي األخرى ؛ إذ تعني مقاربة جديدة لحقائق معروفة يعاد النظر
فيها تبعا لوظيفتها في النظام " ،ويتضمن الموقف البنيوي ...إلحاحا على الوظيفة االجتماعية ،أي التواصلية
للغة ،وتميي از واضحا بين الظواهر التاريخية والخصائص المميزة للنظام اللغوي في لحظة زمنية بعينها "
( .)7فالبنيوية اللغوية -في أبسط صورة وأوجزها– هي :منهج عام يأخذ اللغة على أنها (بناء) أو (هيكل) ،أشبه
شيء بالهيكل الهندسي المتشابكة وحداته ذات االستقالل الداخلي ،والتي تتحد قيمها بالعالقات الداخلية بينها،
وذلك بمعزل عن أية عناصر خارجية ،كصاحب النص المنطوق أو المكتوب ،والسياق الخارجي أو غير اللغوي ؛
أن تحليل أي نص لغوي إذ إن هذين العنصرين ليسا من اختصاص علم اللغة في نظر البنيويين 0ومعنى ذلك ّ
يعتمد على نظرتين :األولى استقالليته عن أية مالبسات أو ظروف خارجية ،والثانية تشابك وحداته وترابطها
فيما بينها داخليا ،وعليه ،يدرس البنيوي اللغة في ذاتها ولذاتها .
وظهر رواد هذه الحقبة الجديدة بأماكن متفرقة ،وفي تاريخ يعود إلى القرن التاسع عشر ،إال إن تلك
المحاوالت المنعزلة لم تحظ باالهتمام من معاصريها ،إال أن الصوت الذي جعل من نفسه صوتا مسموعا مؤث ار
إلى درجة ما تزال أصداؤه تتردد حتى اليوم هو صوت ( فرديناند دي سوسير ) ؛ الذي يعد مؤسس اللسانيات
) ينظر :علم الداللة ،د .احمد مختار عمر ، 39 – 36 :وينظر :نظرية المعنى في الدراسات النحوية ،د .كريم حسين ناصح ، 13 : 6
وينظر :سيكولوجية اللغة والمرض العقلي ،د جمعة سيد يوسف . 110 – 109 :
) اتجاهات البحث اللساني ،ميلكا إفيتش. 193 : 7
www.hnjournal.net المجلد ( )3العدد ()3 مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية رغد أبو جاسم ،مارس 2022 صفحة | 353
HNSJ Volume 3. Issue 3 المعنى عند المدارس اللسانية
البنيوية ؛ إذ الهم معاصريه بقوة أفكاره ،حتى أن من لم يخضع لتأثيره خضوعا مباش ار ،بدأ من األسس النظرية
نفسها التي تضمنتها أفكاره .
بدأت البنيوية مع دي سوسير ثم تطورت في أوروبا وأمريكا في وقت واحد ،ولكن دون اتصال كبير بينهما.
وثمة ثالثة أنماط أساسية للبنيوية في أوروبا:
-1مدرسة جنيف ،وهي المدرسة البنيوية التقليدية كما يمثلها دي سوسير
-2المدرسة الوظيفية ،وتتمثل بأعمال حلقة براغ ،وتعرف باللسانيات الوظيفية .
– 3المدرسة الجلوسماتية ،ويطلق عليها – أحيانا -السويسرية المحدثة ؛ بسبب نزعتها إلى التجريد مما ينسجم
مع تفسير دي سوسير للعالمة اللساني .
أما المدرسة البنيوية األمريكية فقد أسسها بلومفيلد ،وتدعى المدرسة التوزيعية لمنهجها التوزيعي في التحليل
()8
. ،ومدرسة ييل
المدارس البنيوية األوربية
مدرسة سوسير :
بدأ فريدناند دي سوسير ( ) F.de. Saussureبتأكيد الطابع النظامي للغات ،وهذا النظام متصور أساساً
()9
محددة فيه باعتبارها وحدة طبيعية ذات وجهين ال بصفته نظاماً من العالمات ،والعالمة اللغوية " " signe
ينفصالن هما :الدال " " signifiantوهو الصورة الصوتية ،والمدلول " " signifieوهو الصورة المفهومية "
المتصور الذهني الذي يحيلنا إليه الدال ،وتتم الداللة " " significtionباقتران الصورتين
ّ تصور" ويعبر عن
الصوتية والذهنية ،و بحصولهما يتم الفهم واإلفهام )10(،وإن أي تغيير في الصورة السمعية ال بد أن يؤدي إلى
تغيير في التصور والعكس صحيح أيضاً .وتتسع العالمة عند دي سوسير لتشمل كل ما يمكن تمييزه كالجمل،
()11
والعبارات ،والكلمات ،والمورفيمات.. .
وهكذا يبدو النظام – وذلك في حالة لغة معينة – شبكة من االختالفات بين العالمات إذ " ال وجود للغة إال
()12
إن عالمة ما هي قبل كل شيء ما ال تكونه العالمات األخرى ،فاللغة منظومة ال قيمة باالختالفات ".
لمكوناتها إال بالعالقات القائمة فيما بينها ،أي ال يمكن لأللسني اعتبار مفردات اللغة كيانات مستقلة ،بل يجب
()14
،فقيمة الجمع عليه وصف العالقات التي تربط هذه المفردات ( )13ومن ثم يصبح المعنى تابعاً ( للقيمة )
مثال تتوقف على وجود المفرد ،أو المفرد والمثنى في ذلك النظام اللغوي ونحو ذلك ،فكلمة ( ) mouton
.
) 8ينظر :اتجاهات البحث اللساني ،ميلكا إفيتش 196 – 193 :
) محاضرات في األلسنية العامة ،فردينان دي سوسير . 89 – 87 : 9
) البنيوية و علم اإلشارة ،ترنس هوكز ، 113 :و ينظر :تاريخ علم اللغة منذ نشأتها وحتى القرن العشرين ،جورج مونان .225 : 10
) ينظر :المرجع نفسه ، 145 :وينظر :علم اللغة مقدمة للقارئ العربي ،د .محمود السعران . 303 : 12
) ينظر :مدخل إلى اللسانيات ،روالند إيلوار ، 60:وينظر :محاضرات في االلسنية العامة ،سوسير . 143 : 14
www.hnjournal.net المجلد ( )3العدد ()3 مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية رغد أبو جاسم ،مارس 2022 صفحة | 354
HNSJ Volume 3. Issue 3 المعنى عند المدارس اللسانية
الفرنسية ( خروف ،لحم ضأن ) لها المعنى ذاته للكلمة اإلنكليزية ( ، ) sheepلكن ليس لها القيمة ذاتها ؛
الن الفرنسية قد تعني قطعة اللحم المعدة على المائدة ،أما اإلنكليزية فال تعني سوى ( خروف ) ،فالفارق في
القيمة بين ( ) sheepو ( ) moutonيرجع إلى أن لألولى عنص ار ثانيا إلى جواره ،والحال ليست كذلك مع
الفرنسية (.)15
بين دي سوسير أن كل لغة ينبغي أن يتم تصورها ووصفها على أنها نظام من العناصر المترابطة على
المستويات الصوتية والصرفية والنحوية والداللية ،ال على أنها تراكم من كيانات قائمة بذاتها .وقد عبر عن نظريته
وعلى هذا الشكل البنيوي يقوم صرح علم اللغة " " Linguistique () 16
تلك بقوله " :إن اللغة شكل وليست مادة "،
المعاصر بأسره ،وهو الذي يسوغ دعوى دي سوسير باستقالل علم اللغة ليصبح علماً قائماً بذاته.
وعنده أن اللغة نظام من اإلشارات التي تشير للمقصود بنية التواصل ،واللساني ال يهتم بالمرجع ( المدلول
عليه ) الموجود في الواقع ،بل ينصب على المدلول ( المفهوم ) ،وعليه فالدليل اللساني عند سوسير ما ربط بين
المدلول ،والصورة التي تشير إليه .فهو بذلك يتكون من امرين :
– 1الدال ،ويراد به الصورة الصوتية ،أي مجموعة األصوات القابلة للتقطيع .
– 2المدلول ،ويراد به المفهوم ،أو المعنى الذي يشير للدال .
فهناك مفهوم يريد المتكلم إيصاله للمتلقي ،ويسمى المرجع أو المدلول عليه ،فيقوم المتكلم باستثارة
معلوماته المخزنة في ذاكرته ،أي تشغيل نظامه اللغوي الداخلي الذاتي الختيار مفهوم (مدلول ) مطابق لذلك
المرجع ،ومن ثم ربط المدلول بالصورة الصوتية المادية المجانسة له (المفهوم ) ،والتي ورثها من مجتمعه أي
.فالمنهج البنيوي يقوم على مفهومين اثنين -هما أساس المنهج ()17
التمثيل المخزون في ذاكرة الجماعة الناطقة
ثم يصف الوصفي : -الوصف والتصنيف .فيبدأ باستقراء (جمع) الصور اللفظية المختلفة داخل أية لغةّ ،
العالقات القائمة بين كلماتها في تراكيبها وصفا موضعيا ،ثم يصنف النتائج تصنيفا دقيقا ممي از بين المؤلفات
التي تتكون فيها التراكيب .ودراسة العالقات ذات القيم الفارقة بين التراكيب أو الوحدات اللغوية تتم في محورين:
-1المحور األفقي )syntagmatic( :ويعنى بتعيين طرائق تكوين العناصر اللغوية -كلمات أو لواصق -إلى
عناصر أكبر وأكثر تعقيدا أو جمل وعبارات وتراكيب ،وبيان العالقات بين هذه العناصر .وهنا يكون التركيز
على خواص التركيب من حيث موقعية عناصره المكونة له ونوع االرتباط الواقع بينهما؛ آخذين في الحسبان أن
قيمة كل عنصر إنما يتضح بنوع عالقته بصاحبه من العناصر األخرى في ذات التركيب.
-2المحور الرأسي ) paradigmatic ( :أو االستبدالي ،ويعنى بالعالقات بين العناصر اللغوية في النظام
اللغوي أو في الجدول الصرفي الذي يمد التراكيب بالوحدات المكونة له ،فهذا الجانب يركز على مبدأ جدولة
العالقات واستبدالها.
وعلى أساس المحور األفقي فإن اللغة ذات طابع خطي متتابع (ال يمكن أن ننطق عالمتين في وقت
واحد) ،وعلى أساس المحور الرأسي االستبدالي فإن اللغة تتأسس على التعارضات ( .)oppositionأما كونها
) ينظر :مناهج علم اللغة من هرمان باول حتى ناعوم تشومسكي ،بريجيته بارتشت . 122 – 121 : 15
) محاضرات في االلسنية العامة ،سوسير ، 138 :وينظر :المدخل إلى فقه اللغة ومناهج البحث اللغوي ،رمضان عبد التواب . 184 : 16
www.hnjournal.net المجلد ( )3العدد ()3 مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية رغد أبو جاسم ،مارس 2022 صفحة | 355
HNSJ Volume 3. Issue 3 المعنى عند المدارس اللسانية
تتأسس على التعارضات فمنطلقه أن العالمة اللغوية تكتسب معناها وقيمتها من موضعها في النظام (رجل /ليس
امرأة ،ليس صبيا) (أحمر ليس أخضر أو أصفر الخ) .وأكثر ما تتحقق التعارضات في النظام الصوتي على نحو
ما سنتبين في حينه (المستوى الصوتي) .ومن األمثلة الواضحة على ذلك نظام األلوان .فنظام األلوان في العربية
يعطي للونين األخضر واألزرق عالمتين مختلفتين (أخضر ،أزرق) ،في حين أن نظام األلوان في اليابانية يتوفر
على عالمة (كلمة) واحدة للتعبير عن هذين اللونين ،واإلحالة الواقعية هي التي تحدد المقصود من العالمة (هل
هي أخضر أم أزرق) ،وال يمكن أن نترجم الكلمة اليابانية إلى العربية .هذا يثبت أن المعنى في البنية اللغوية
مؤسس على االختالفات بين العالمات .وبهذا المنهج استطاع سوسير أن يضع المستويات اللغوية (الصوتية،
الصرفية ،النحوية ،الداللية) في إطار المحورين :الرأسي واألفقي .فالنظام اللغوي إن هو إال وقوع المحور الرأسي
على المحور األفقي .
ويفرق سوسير بين ما يسميه ( القيمة اللغوية ) للكلمة ،وبين ما يسميه ( المقصود من الكلمة ) ؛ إذ
يكفي لدراسة القيمة اللغوية – في رايه – دراسة عنصرين هما الفكرة والصورة السمعية ؛ لذا فالمعنى عنده هو
()18
. ارتباط متبادل أو عالقة متبادلة الكلمة ( الصورة السمعية ) وبين الفكرة
وبناء على ذلك نخلص إلى أن بنيوية سوسير تدرس المعنى بمعزل عن السياق ،وتختص بمفاهيم
الحقيقة والقيمة اإلخبارية ،وليست جردا لعدد من الكلمات توافقها عدد من المعاني ؛ ألن اللغة في تصوره نظام
تحدد عناصره بعضها بعضا ،وتضبط فيما بينها عالقات الوجود لها خارج ذلك النظام .
المدرسة الوظيفية
نشأت هذه المدرسة في أعمال العلماء التشيك الذين نشروا أعمالهم ضمن ما أسموه حلقة براغ 'Prague
' .Circleومن أبرز أعالمها رومان ياكبسون ،ونيكوالي تروبتسكوي ،ومنذ 1930ازداد توسع المدرسة بعد أن
هاجر ياكبسون إلى الواليات المتحدة وعمل في جامعة هارفارد ،واستقطب كثي ار من العلماء والباحثين الذين وقفوا
مقابل المدرسة التوزيعية في أمريكا .وانظم إليها بعض اللسانيين الفرنسين :أندريه مارتينيه ،واميل بنفست .وأدت
المدرسة عمال بار از في تطور اللسانيات البنيوية .وحددت منهجها باالنطالق من تصور اللغة باعتبارها نظاماً
وظيفياً يرمي إلى تمكين اإلنسان من التعبير والتواصل .فإذا كان دور اللغة هو توفير أسباب التواصل فإن دراسة
اللغة ينبغي أن تراعي ذلك ،وبذلك عد الوظيفيون أن دراسة اللغة هي البحث عن الوظائف التي تؤديها في
المجتمع عند تواصل إفراده ،وتولد هذا االتجاه عن األعمال التي اهتمت بدراسة الظواهر الصوتية في االتجاه
وطور على يد جاكبسون ومارتيني ،
الذي يعرف بـ ( االتجاه الفونولوجي ) الذي ظهر على يد تروبتسكوي ّ ،
وحلقة براغ (.)19
اعتمد أقطاب المدرسة على تصورات سوسير وأفكاره ،من أن اللغة ذات وظيفة اجتماعية ،وهي نظام من
العالمات أو الوحدات اللغوية .وعل هذا األساس أروا أن الوحدات الصوتية (الفونيمات) تقوم بدور الوحدات اللغوية
) ينظر :علم اللغة مقدمة للقارئ العربي ،د .محمود السعران . 303 : 18
www.hnjournal.net المجلد ( )3العدد ()3 مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية رغد أبو جاسم ،مارس 2022 صفحة | 356
HNSJ Volume 3. Issue 3 المعنى عند المدارس اللسانية
التي يتم من خاللها إنجاز التواصل ،فتناولوا األصوات بما يؤديه الصوت من وظيفة تواصلية في سلسلة الكالم ،
وانصب اهتمامهم في هذا المجال على النظام الصوتي المستدل عليه من دراسة األصوات المنطوقة ؛ أي ركزوا
على جانب اللغة ال الكالم ،بما أقره سوسير مجاال لعلم اللغة .وأسفرت دراسات ياكبسون وتروبتسكوي في هذا
المجال عن تطوير نظرية الفونيم ،وعلم األصوات ( )phoneticsوعلم النظم الصوتية ( .)phonologyونتج
عن دراساتهم في المجال الصوتي نشوء فرع خاص من فروع الدرس اللساني هو علم النظم الصوتية-الصرفية
(.)morpho-phonology
فأقام تروبتسكوي نظريته ( الصوتولوجية ) على اساس ان الصوتيم ينبغي أن ينظر إليه على انه عالمة
لغوية مهمتها حمل معنى الكلمة ،وعليه فإحالل الصوتيم مكان صوتيم سيؤدي إلى إحداث تغيير في المعنى ،
ففي اإلنكليزية / p /و / b /صوتيمين ،عند إحالل احدهما محل اآلخر يتغير المعنى ،نحو bull :ثور في
مقابل pullمقبض .ومن آرائهم التي ماتزال من أسس اللسانيات ،إذا وقع صوتان في مواقع صوتية واحدة دون
()20
أن يؤدي ذلك إلى تغيير المعنى ،فانهما عندئذ ليسا صوتيمين مختلفين ،بل تنوعات عرضية لصوتيم واحد
.
أما مارتيني فمن اهم المبادئ التي بنى أفكاره عليها هي ( التقطيع المزدوج ) ،فهي الميزة التي تباين
األنظمة اللسانية البشرية عن سواها من لغة الحيوان والطبيعة واإلشارات .فيرى أن تحليل الوحدات اللغوية يتم
على مستويين :
– 1التقطيع األولي :الذي يتكون من الكلمات الدالة المونيمات ،نحو :أحضر الولد الكتاب /← :
أحضر /ال /ولد /ال /كتاب .
– 2التقطيع الثانوي :وهو ينطلق من هذه النتيجة ليحلل تلك الوحدات المستقلة ذات المحتوى الصوتي
والداللي الى الفونيمات ( أصغر الوحدات الصوتية المجردة من المعنى ) .
ولهذا المبدأ قيمة لسانية تتمثل في منح اللغة القدرة على التعبير عن الالمتناهي من األفكار والمعاني
المجردة ،بواسطة عدد محصور من الفونيمات ( الحروف /األصوات اللغوية ) ،وهو وبذلك يؤسس لمفهوم
. ()21
االقتصاد اللغوي في اللسانيات
ولقبت حلقة براغ نفسها بـ ( علم اللغة الوظيفي ) ؛ لإلشارة إلى موقفهم المميز من موضوع علم اللغة
ومهامه .وال يفهم أعضاء هذه المجموعة الوظيفة بالمعنى الرياضي للعالقة بين الكيانات على نحو ما استعمله
هلمسليف ،بل المعنى اللغوي العادي له وظيفة ومهمة ،فاللغة عند البراغيين وسيلة إفهام ،فكتب ياكبسون سنة
( 1936إسهام في علم الحاالت اإلعرابية العام) ،وصارت المعاني الكلية للفصائل المورفولوجية موضوعا
جوهريا لحلقة براغ (.)22
كان المستوى المورفولوجي وعلم الداللة مترابطين في أبحاث رومان ياكبسون ؛ إذ " تعد المورفولوجيا
نموذجا النتقال مناهج من مستوى إلى مستوى آخر – في هذه الحال من الفونولوجيا – وينظر الى الفصائل
) ينظر :اتجاهات البحث اللساني ،ميلكا إفيتش . 238 – 236 : 20
) ينظر :مناهج علم اللغة ،بريجيته بارتشت . 145 – 138 : 22
www.hnjournal.net المجلد ( )3العدد ()3 مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية رغد أبو جاسم ،مارس 2022 صفحة | 357
HNSJ Volume 3. Issue 3 المعنى عند المدارس اللسانية
الموفولوجية على انها تعبير عن معان نحوية ،اما الدالالت المعجمية فلم يبحثها ياكبسون اال قليال " ( ،)23فعلم
األصوات الوظيفي ( الفونولوجيا ) يدرس الوحدات التي تعد أساسا لوحدات أكبر حاملة للمعنى ،لكنها في ذاتها
ال معنى لها ،بل تستثمر لتمييز المعنى ،وفي المورفولوجيا عني ياكبسون بالفصائل الموفولوجية للفعل واالسم
فدرس المورفيمات النحوية ،والسمات التي بحثها كانت ذات اصل داللي ؛ ألنها بالنسبة له تعبير عن معان
نحوية .
نخلص من ذلك إلى أن البراغيين طوروا الموضوعات التي تعالجها البنيوية ،والسيما المستوى الفونولوجي
،لما يؤديه من وظيفة للمورفولوجيا وعلم الداللة ،ومن ثم ما يؤديه ذلك في وظيفة اللغة األساسية ( التواصل ) .
) ينظر :معرفة اآلخر مدخل الى المناهج النقدية الحديثة ،عبد هللا ابراهيم وسعيد الغانمي وعواد علي . 21 : 24
www.hnjournal.net المجلد ( )3العدد ()3 مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية رغد أبو جاسم ،مارس 2022 صفحة | 358
HNSJ Volume 3. Issue 3 المعنى عند المدارس اللسانية
اجتماعي نحو منهج سوسير ،وإما وصفية منطقية نحو هلمسليف ،أما أصحاب مدرسة براغ فعبروا عن البنيوية
النموذجية على أساس وظيفي دون أن يصلوا إلى نظرية منهجية متماسكة .
www.hnjournal.net المجلد ( )3العدد ()3 مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية رغد أبو جاسم ،مارس 2022 صفحة | 359
HNSJ Volume 3. Issue 3 المعنى عند المدارس اللسانية
واتخذ بلومفيلد في دراسة اللغة موقفا مناظ ار لموقف السلوكيين ،من حيث الفحص الموضوعي المنضبط
للسوك اللغوي .وألن الجانب الفيزيائي من اللغة (الصوتي) هو األكثر مالئمة للفحص الموضوعي المنضبط فقد
ركز اهتمامه البحثي كلية على هذا الموضوع ،أي ارتكز على وصف سلوك الوحدات اللغوية الملموسة في سلسلة
الكالم .وعلى هذا األساس رأى بلومفيلد أن المنهج اللغوي ال بد أن يعالج جميع المواقع التي يمكن أن تحتلها
الوحدات اللغوية في نظام لغة معينة معالجة مبنية على المالحظة والوصف ،أي على تحديد توزيع الوحدات
()29
.ونتج عن ذلك أن انصب اللغوية ،فاعتمد ،لذلك ،منهج التوزيعية الذي أرسى دعائمه العالم األمريكي سابير
اهتمام بلومفيلد (ومن تبعه) ع لى الوحدات الصرفية والنحوية ألنها قابلة للمالحظة والوصف على نحو علمي
موضوعي دقيق ،واستبعد المعنى من الدرس اللغوي لعدم قابليته للوصف الموضوعي .فاستعمال المنهج التوزيعي
لكشف بنية اللغة يجري على المستويين الصرفي والنحوي(. )30
ويختزل بلومفيلد وجهة نظره في اللغة باالعتماد على طرفي المعادلة السلوكية في المثير واالستجابة
بالصورة اآلتية :
S →r ………s → R
يمثل S / sالمثير ،و R / rاالستجابة وردة الفعل ،فالحروف الصغيرة تعني وقائع لغوية ،والحروف
()31
. الكبيرة اعني وقائع عملية خارج اللغة
وقد انتقدت هذه المدرسة اعتمادها طريقة آلية في الدرس اللغوي قد ال تنطبق ( المثير واالستجابة ) على
()32
؛ ألن العناصر تتحدد مفردات اللغة جميعها ،فضال عن اتهامها باستبعادها المعنى والمعايير غير اللغوية
بعالقاتها داخل النظام ،أي بعالقاتها مع غيرها من العناصر اللغوية في التركيب الواحد ،وعملية التوزيع السليم
الذي تأخذ فيه الكلمة قيمتها وبالتالي عالقات منطقية ولغوية مع بعضها بعض هي التي تصل بنا إلى التركيب
السليم ،ومن هنا جاء اسم النظرية التوزيعية .لكن بلومفيلد لم يستبعد المعنى اللغوي ،وإنما عرفه متابعا سلوكية
واطسون بأنه :الموقف الذي ينطقه المتكلم ،ورد الفعل ( االستجابة ) الذي يستدعي قوة في السامع .فهدف
بلومفيلد استبعاد الحدس الذي ربط بالمعنى وعمليات الوعي التي تستوعبه – ما امكن ، -فالمعنى ليس موضوعا
مستقال لعلم فرعي ،بل هو ظاهرة غامضة ،فال يوجد معنى للكلمات في ذاتها ،بل ينتج عن طريق مالحظة
االستعمال اللغوي ،والمعنى ال يمكن فصله عن المعرفة غير اللغوية ؛ إذ اعتبرت المعاني موضوعا لدراسة علم
()33
" ،إن النتيجة النفس ،ورأت أنها وحدات عقلية أشبه باأللغاز ،تخرج تماما عن نطاق ( علم معقول )
المنطقية للتخلي عن المعنى عند اتباع مدرسة بلومفيلد هو االهتمام بالنماذج الصورية فقط ،أي الصياغة الشكلية
المجردة عن أي سياق أو تأويل .وعلى هذا فهم يعاملون الجمل المفرغة من المعنى والجمل الكاذبة – أو القضايا
الكاذبة ،كما يسميها المناطقة – على حد سواء مع الجمل الصحيحة معنى ومبنى .هكذا تستوي جملة ) إن
) ينظر :اللسانيات النشأة والتطور ،احمد مؤمن . 196 – 193 : 29
) ينظر :اتجاهات البحث اللساني ،ميلكا إفيتش . 279 – 278 : 30
) ينظر :مناهج علم اللغة ،بريجيته بارتشت ،245 :وينظر :اللسانيات النشأة والتطور ،احمد مؤمن .196 : 32
) ينظر :معرفة االخر ،عبد هللا ابراهيم واخرون ، 53 :وينظر :مناهج علم اللغة ،بريجيته بارتشت . 242 – 241 : 33
www.hnjournal.net المجلد ( )3العدد ()3 مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية رغد أبو جاسم ،مارس 2022 صفحة | 360
HNSJ Volume 3. Issue 3 المعنى عند المدارس اللسانية
النحو التَّوليدي نظرية لسانية وضعها تشومسكي مع علماء الّلسانيات فـي المعهد التكنولوجي بماساشوسيت َّ
النموذج التَّوزيعـي و َّ
النموذج البنيوي ؛ (الواليات المتحدة) فيما بين 1960م و1965م .وقامت تلك النظرية بانتقاد َّ
أن هذا التَّصـور ال يصف إالّ الجمل المنجزة بالفعل ،وال يمكنه أن يفسر
فـي مقوماتهما الوضعية المباشرة ؛ إذ َّ
كبير من المعطيات الّلسانيَّة ،نحو :االلتباس ،واألجزاء غير المتَّصلة ببعضها البعض ،فوضع هذه عددا ًاً
َّ
النظرية لتكون قادرًة على تفسير ظاهرة اإلبداع لدى المتكّلم ،وقدرته على إنشاء جمل لم يسبق أن وجدت أو
فهمت على ذلك الوجه الجديد ( . )37والنحو َّ
يتمثل في مجموع المحصول الّلساني الذي تراكم في ذهن المتكلم
باللغة ،أي الكفاءة ) (competenceالّلسانية ،واالستعمال الخاص الذي ينجزه المتكلم في حال من األحوال
الخاصة عند التخاطب والذي يرجع إلى القدرة ) (performanceالكالمية.
) ينظر :هامش المترجم د .سعيد بحيري على كتاب مناهج علم اللغة ،بريجيته بارتشت . 242 : 35
) ينظر :علم اللغة مقدمة للقارئ العربي ،د .محمود سعران ، 305 :وينظر :المعنى وظالل المعنى أنظمة الداللة في العربية ،د .محمد 36
www.hnjournal.net المجلد ( )3العدد ()3 مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية رغد أبو جاسم ،مارس 2022 صفحة | 361
HNSJ Volume 3. Issue 3 المعنى عند المدارس اللسانية
) ينظر :المدارس اللسانية في التراث العربي ،محمد الصغير بناني . 77 - 76 : 39
) ينظر :المدارس اللسانية في التراث العربي ،لمحمد الصغير بناني . 81 – 80 : 40
) من األنماط التحويلية في النحو العربي ،محمد حماسة عبد اللطيف .13 : 41
www.hnjournal.net المجلد ( )3العدد ()3 مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية رغد أبو جاسم ،مارس 2022 صفحة | 362
HNSJ Volume 3. Issue 3 المعنى عند المدارس اللسانية
لم تسلم نظرية " النحو التحويلي التوليدي " من االنتقاد بأنها لم تحفل -في بدايتها األولى وأصولها -
بالسياق ،واستبعدت عالقة اللغة بالمجتمع في أعمالها ،إذ قامت هذه النظرية على فكرة المتكلم -السامع المثالي،
()42
؛ إذ كان تشومسكي يسير في عمله على أسلوب الوصفيين ،بيد أنه كان أوضح وثنائية" :الطاقة" و " األداء "
من ناحية التجريد النظري ،ويتضح ذلك بشكل جلي في فرضيتيه األساسيتين اللتين اشترك بهما مع الوصفيين ،
األولى استبعاد المعنى من التحليل اللغوي ،والثانية تدعو إلى توزيع الصيغ بدال من التفكير بالمعنى ؛ ألنه يعد
()43
،ولعل ضعف جانب المعنى عند التحويليين المعنى من المفاهيم التي يصعب التثبت منها أو تحديدها بدقة
راجع إلى أنهم يدرسون اللغة " من خالل اللغة نفسها ،أي بغض النظر عن الموقف أو المقام الذي تقال فيه تلك
الجمل ،ليس ألن المقام غير ذي أهمية في تحديد معاني الجمل ،بل ألن هذا العنصر يضيف صعوبة إضافية
لمنهج التحليل اللغوي المنظم ،وهو عنصر تصعب دراسته بشكل علمي ؛ ولذلك فإن دراسته تترك لفئة أخرى من
. ()44
علماء اللغة هم الباحثون في الجانب االجتماعي منها ،أي فيها أصبح يسمى اآلن بعلم اللغة االجتماعي "
ولعل استبعاد جومسكي المعنى في التحليل اللغوي ،القاسم المشترك الذي جمع بينه وبين الوصفيين " إن كليهما
يشتركان في قناعة مفادها أن المعنى يشكل مفهوما يلفه الغموض المطلق ،أما التزامهم لضمان أن يكون علم
اللغة علما صارما ودقيقا ،فقد أدى إلى إجبارهم الستبعاد المعنى ؛ لكونه من الموضوعات التي يصعب إحالتها
()45
. إلى أشكال وصيغ تتسم بالدقة والموضوعية "
بناء على ما سبق نخلص إلى أن النظرية التوليدية التحويلية استبعدت المعنى لكنها قبلت دخول المكون
الداللي في البناء اللغوي ،وضمه إلى الشكل النظري النحوي ،لكن ثمة مشاكل متعلقة بالمعنى على مستوى
الجملة ،فالنظرية مناسبة لتوليد البنى النحوية وليس لتوضيح المعنى.
المدرسة اإلنجليزية
تعد " مدرسة لندن " من أهم المدارس التي سلطت الضوء في دراستها على المعنى ؛ إذ يصرح فيرث –
الذي يعد مؤسسها -أن المعنى ال ينكشف إال بتسييق الوحدة اللغوية ،أي وضعها في سياقات مختلفة ؛ لذلك
عرف منهجها بالمنهج السياقي ،الذي وضع تأكيدا كبي ار على الوظيفة االجتماعية للغة ( ،)46فأهمية هذه النظرية
الجديدة في علم الداللة راجعة إلى مراعاتها الوظيفة االجتماعية للغة ،ومعنى الكلمة فيها يحدده استعمالها في
اللغة ،والدور الذي تؤديه فيها .وقد ضمت باحثين سبقوا فيرث وعاصروه منهم ،الكسندر بال ،وهنري سويت ،
www.hnjournal.net المجلد ( )3العدد ()3 مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية رغد أبو جاسم ،مارس 2022 صفحة | 363
HNSJ Volume 3. Issue 3 المعنى عند المدارس اللسانية
ودانيال جونز ،وكانت دراساتهم تعنى بالجانب الصوتي ،أما جون فيرث وتلميذه مايكل هاليداي ،فضال عن
()47
. مالينوفسكي الذي تأثر بآرائه فيرث فاتجهت دراساتهم صوب المعنى
ترك عالم االجتماع البولندي مالينوفسكي أث ار في المدرستين اإلنجليزيتين األنثروبولوجية واللغوية ؛ إذ توصل
إلى أن اللغة ليست وسيلة لتوصيل األفكار واالنفعاالت فحسب ،بل هي نوع من السلوك يمارسه مستعملوها .
واستعمل مصطلح سياق الحال في دراسة المعنى اللغوي –قادته إليه الدراسات الميدانية على لغة البدائيين ، -
وكانت كلمة السياق متداولة بين اللغويين قبله ،لكنه أضفى عليها معنى خاصا هو الواقع الثقافي للمجتمع ،ثم
()48
. تطور هذا المصطلح عندما استعمله فيرث في دراسته اللغوية
وجاء بعده عالم اللغة الفرنسي فندريس الذي أهتم بسياق المقال دون سياق الحال ،إذ يرى أن القول بأن
إلحدى الكلمات أكثر من معنى واحد في وقت واحد نوع من االنخداع ؛ إذ ال يطفو في الشعور من المعاني
()49
فالكلمة ال تكتسب داللتها إال بموقعها في السياق .أما المختلفة للكلمة إال المعنى الذي يحدده سياق النص
فيرث فلم يكتف بسياق الحال ،بل تعداه إلى الدراسة اللغوية الصوتية ،والداللية ،أما الصرفية ،والنحوية ،
فضيق نطاق العمل بها حتى وسعها تلميذه هاليداي بعد وفاته .
ومن الجدير بالذكر تعدد المناهج اللغوية الغربية المختلفة لدراسة المعنى ،كالنظرية اإلشارية التي قامت على
يد كل من " أوجدن " و " ريتشاردز " ،اللذان ظهرت أفكارهما في كتابهما، The Meaning of Meaning
والنظرية التصورية أو العقلية للفيلسوف " جون لوك" ،والنظرية السلوكية التي ي ّ
عد (بلــومفيل ــد) المسئول عن تقديمها
إلى علم اللغة( . )50فقد لفت " بلومفيلد " االنتباه إلى أهمية الموقف واالستجابة التي تستدعى لدى السامع في تحديد
ٍ
لمثير معنى الصيغة اللغوية ،وتناول المتكلم و السامع بالتحليل ،فجعل الكالم بديال من استجابة عضوية
()51
تقدم لنا
معين .ولكن على الرغم من ذلك ،لم تستطع هذه المناهج -التي ظهرت قبل مدرسة " فيرث " -أن ّ
فكرة السياق بالمفهوم الذي تحدد على يديه وأصبح نظرية داللية متكاملة الجوانب إذ أخذ اللغويون االجتماعيون
على علم اللغة الحديث إغفاله للسياق الذي تستعمل فيه اللغة ،ويتطلعون من وراء ذلك إلى منهج في درس اللغة
يستشرفها من خالل ب ْعد أوسع ،ويحاول أن يتبين كيف تتفاعل اللغة مع محيطها(.)52
يرى ستيفن اولمان :أن " نظرية السياق "ـ إذا طبقت بحكمة -تمثل حجر األساس في علم المعنى ،فقد
قدمت لنا وسائل فنية حديثة لتحديد معاني الكلمات ،فكل كلماتنا تقريبا تحتاج على األقل إلى بعض اإليضاح
المستمد من السياق الحقيقي ،سواء أكان هذا السياق لفظيا أم غير لفظي ،فالحقائق اإلضافية المستمدة من
()53
وسع اولمان مفهوم
السياق تحدد الصور األسلوبية للكلمة ،كما تعد ضرورية في تفسير المشترك اللفظي .بل ّ
) ينظر :اللسانيات النشأة والتطور ،د .احمد المؤمن . 171 – 170 : 47
www.hnjournal.net المجلد ( )3العدد ()3 مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية رغد أبو جاسم ،مارس 2022 صفحة | 364
HNSJ Volume 3. Issue 3 المعنى عند المدارس اللسانية
السياق " :إن السياق على هذا التفسير ينبغي أن يشمل -ال الكلمات والجمل الحقيقية السابقة والالحقة فحسب
-بل و القطعة كلها والكتاب كله "( ،)54وهو ما يطلق عليه " سياق النص ".
رد (بالمر) على كل من رفض السياق أو استبعده من اللغويين قائال " :من السهل أن نسخر منولقد ّ
النظريات السياقية -مثلما فعل بعض العلماء -وأن نرفضها باعتبارها غير عملية .لكن من الصعب أن نرى
كيف يمكننا أن نرفضها دون إنكار الحقيقة الواضحة التي تقول بأن معنى الكلمات و الجمل يرتبط بعالم التطبيق
"(.)55
وأما عناصر سياق الحال أو "الماجري" ،فقد رأى " فيرث " أنها جزء من أدوات عالم اللغة ،فسياق الحال ،
هو جملة العناصر المكونة للموقف الكالمي "أو للحال الكالمية" ،ومن هذه العناصر المكونة للحال الكالمية :
- 1شخصية المتكلم والسامع ،وتكوينهما "الثقافي" وشخصيات من يشهد الكالم غير المتكلم والسامع -إن
وجدوا -وبيان ما لذلك من عالقة بالسلوك اللغوي .
- 2العوامل والظواهر االجتماعية ذات العالقة باللغة والسلوك اللغوي لمن يشارك في الموقف الكالمي
كحالة الجو إن كان لها دخل ،وكالوضع السياسي ،وكل ما يط أر أثناء الكالم ممن يشهد الموقف الكالمي من
انفعال أو أي ضروب من ضروب االستجابة ،وكل ما يتعلق بالموقف الكالمي أيا كانت درجة تعلقه .
- 3أثر النص الكالمي في المشتركين ،كاالقتناع ،أو األلم ،أو اإلغراء أو الضحك الخ (.)56
ولم تكن األنثربولوجيا وحدها من أيدت االتجاه السياقي ؛ إذ أيدته الفلسفة ،فيرى راسل أن الكلمة تحمل
معنى غامضا لدرجة ما ،لكن المعنى ينكشف من مالحظة استعماله ،وعد اللغويون أن المنهج السياقي خطوة
تمهيدية للمنهج التحليلي ؛ فبعد أن يجمع المعجمي عددا من السياقات التي ترد فيها كلمة معينة ،ويتوقف الجمع
عن إعطاء معلومات جديدة يأتي الجانب العملي إلى نهايته وبذلك يفتح المجال أمام المنهج التحليلي ؛ إذ يخفض
()57
. العدد الالمحدود من األحداث الكالمية الفردية إلى عدد محدود ثابت
أما مايكل هاليداي -تلميذ فيرث – فقد طوع فكرة السياق التي نادى بها أستاذه ،وجعلها أحد معاييره
المنهجية في نحوه النظامي ؛ فجعله معيا ار ضابطا يكشف العالقة بين التعبيرات اللغوية والوقائع غير اللغوية ،
ويربط بين المعاني الوظيفية التي تقدمها العناصر اللغوية ،والمعاني المقامية التي تالبس الحدث اللغوي ،وعليه
ميز هاليداي بين نوعين من المعاني للمبنى اللغوي هما :المعنى الشكلي وهو العالقة بين العنصر والعناصر
األخرى ،والمعنى السياقي الذي يمثل نتاج الربط بين النص والموقف ،أي بين النظام الوظيفي للغة ،والبيئة
()58
.وبذلك يمكننا عد هاليداي رائد المنهج الوظيفي ؛ إذ يحلل معنى االجتماعية والثقافية التي تحكم استعماله
) ينظر :مفهوم المعنى في مدرسة لندن اللغوية ،د .خالد توفيق مزعل . 318 : 58
www.hnjournal.net المجلد ( )3العدد ()3 مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية رغد أبو جاسم ،مارس 2022 صفحة | 365
HNSJ Volume 3. Issue 3 المعنى عند المدارس اللسانية
الكلمة في ضوء فكرة التساوق أو التسييق ،فيذهب إلى أن معنى التسييق يظهر من خالل تسييق المفردات
(الكلمات) مع بعضها ،و يندرج هذا البحث ضمن المستوى الداللي عموماً ،فيعالج كيفية تحليل معنى الكلمة ،
اتبع في تحليل معنى الكلمة المنهج الوصفي التجريدى و المنهج الوظيفي .
وقد َ
وعلى الرغم من أهمية نظرية فيرث في اللسانيات عامة ،والمعنى خاصة ،لكنه لم يعرض نظريته عرضا
متكامال ،فجاء تلميذه هاليداي فاستكمل وطور منهج أستاذه ،وضمنها أبعادا جديدة ،ومن ثم لم تعد قاصرة على
مستوى الجملة ،بل تجاوزتها إلى النص ،وبذلك فتح آفاقا كبيرة في اللسانيات .
وبناء على ما سبق نخلص إلى أن المدرسة اإلنجليزية عنت منذ نشأتها بالجانب االجتماعي للغة ،فجعلت
السياق حجر األساس الذي ابتنت عليه ،فقدمت فهما جديدا للمعنى جعله محور الدرس اللغوي بعد أن أقصته أو
أهملته المدارس األخرى ،وعدت الكالم نوعا من السلوك االجتماعي ذا عالقة بعناصر أخرى غير لغوية .
الخاتمة والنتائج
درست بنيوية سوسير المعنى بمعزل عن السياق ،واختصت بمفاهيم الحقيقة والقيمة اإلخبارية ،ولم يكن
عملها جردا لعدد من الكلمات توافقها عدد من المعاني ؛ ألن اللغة في تصورها نظام تحدد عناصره بعضها بعضا
،وتضبط فيما بينها عالقات الوجود لها خارج ذلك النظام .
طور البراغيون الموضوعات التي تعالجها البنيوية ،والسيما المستوى الفونولوجي ،لما يؤديه من وظيفة
للمورفولوجيا وعلم الداللة ،ومن ثم ما يؤديه ذلك في وظيفة اللغة األساسية (التواصل ) ،فكان المستوى
المورفولوجي وعلم الداللة مترابطين في أبحاث رومان ياكبسون ،فعلم األصوات الوظيفي ( الفونولوجيا ) يدرس
الوحدات التي تعد أساسا لوحدات أكبر حاملة للمعنى ،لكنها في ذاتها ال معنى لها ،بل تستثمر لتمييز المعنى ،
وفي المورفولوجيا عني ياكبسون بالفصائل الموفولوجية للفعل واالسم فدرس المورفيمات النحوية ،والسمات التي
بحثها كانت ذات اصل داللي ؛ ألنها بالنسبة له تعبير عن معان نحوية .
أما النظرية الجلوسماتية وبسبب احتضانها لألسس النظرية المنطقية ،فقد وصلت إلى نتيجة مفادها :أن
على الرغم من الشكلية الواضحة فيها إال أنها تتناول اللغة على أنها حقيقة معطاة " ،وهنا يتضح أن هلمسليف
يكمل هنا فرضيات سوسير .فقد استبعد من علم اللغة الذي يعده ( باطنيا /داخليا ) ؛ تلك المجاالت الفرعية
التي تتماس مع المادة اللغوية ،وهي بالنسبة للمادة الصوتية علم األصوات Phonetikوبالنسبة لمادة المضمون
علم الداللة ... Semantikفقد عد هلمسليف علم األصوات وعلم الداللة علمين معاونين لعلم اللغة ،وبذلك
استبعدت المادة -التي تضم المعنى – لكنها عدت ( علم األصوات وعلم الداللة ) معاونة لعلم اللغة .
أن النظريات السابقة اعتمدت على أسس منهجية في اطار المنهج البنيوي الوصفي دون إعطاء األهمية
للمعنى ،بل عدته ثانويا مساعدا لعلم اللغة ؛ فهي إما قائمة على أساس اجتماعي نحو منهج سوسير ،وأما
وصفية منطقية نحو هلمسليف ،أما أصحاب مدرسة براغ فعبروا عن البنيوية النموذجية على أساس وظيفي دون
أن يصلوا إلى نظرية منهجية متماسكة .
www.hnjournal.net المجلد ( )3العدد ()3 مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية رغد أبو جاسم ،مارس 2022 صفحة | 366
HNSJ Volume 3. Issue 3 المعنى عند المدارس اللسانية
ربط بلومفيلد المعنى باالستجابة ،وبذلك لم يخرج المعنى كما زعم بعض الباحثين ،وإنما عده نقطة ضعف
في الدراسات اللغوية ؛ الن المعرفة اإلنسانية غير مؤهلة كليا للخوض فيه واستكناهه .وبذلك فالبنيوية –
األمريكية خاصة -تبنت دراسة الظواهر حسب األولوية ؛ فاألشياء التي ال يمكن مشاهدتها ودراستها بطريقة
علمية موضوعية تؤجل دراستها إلى حين تطور المعرفة العلمية .فأولوا اهتماماتهم للفونولوجيا ومن ثم
للمورفولوجيا ،وقل اهتمامهم بالتركيب ،أما الداللة فقد تجاهلوها آلن المعاني – في رأيهم – غير خاضعة
للمشاهدة ،ومن ثمة ال يمكن دراستها دراسة علمية .
على الرغم من أن المدرسة البنيوية ،وبعدها السلوكية قد طرحتا المعنى نسبيا -بدعوى عدم إمكانية
دراسته موضوعيا ،وجعلته – السلوكية – تابعا لعلم النفس لعدم حاجته الى الصرامة المنطقية ،والمنهجية العلمية
المتوخاة في العلوم الطبيعية ،عاد المعنى ليطرح من جديد في سياق النحو التوليدي عند تشومسكي ،والوظائفية
عند هاليداي .فمع أن النظرية التوليدية التحويلية استبعدت المعنى في ظاهرها ،إال أنها قبلت دخول المكون
الداللي في البناء اللغوي ،وضمه إلى الشكل النظري النحوي ،لكن ثمة مشاكل متعلقة بالمعنى على مستوى
الجملة ؛ إذ أن النظرية مناسبة لتوليد البنى النحوية وليس لتوضيح المعنى .ولعل استبعاد تشومسكي المعنى في
التحليل اللغوي ،القاسم المشترك الذي جمع بينه وبين الوصفيين ؛ إذ أن كليهما يشتركان في قناعة مفادها أن
المعنى يشكل مفهوما يلفه الغموض المطلق ،أما التزامهم لضمان أن يكون علم اللغة علما صارما ودقيقا ،فقد
أدى إلى إجبارهم الستبعاد المعنى ؛ لكونه من الموضوعات التي يصعب إحالتها إلى أشكال وصيغ تتسم بالدقة
والموضوعية .
عنت المدرسة اإلنجليزية منذ نشأتها بالجانب االجتماعي للغة ،فجعلت السياق حجر األساس الذي ابتنت
عليه ،فقدمت فهما جديدا للمعنى جعله محور الدرس اللغوي بعد أن أقصته أو أهملته المدارس األخرى ،وعدت
الكالم نوعا من السلوك االجتماعي ذا عالقة بعناصر أخرى غير لغوية .وبذلك تعد " مدرسة لندن " من أهم
المدارس التي سلطت الضوء في دراستها على المعنى ؛ إذ يصرح فيرث – الذي يعد مؤسسها -أن المعنى ال
ينكشف إال بتسييق الوحدة اللغوية ،أي وضعها في سياقات مختلفة ؛ لذلك عرف منهجها بالمنهج السياقي ،الذي
وضع تأكيدا كبي ار على الوظيفة االجتماعية للغة ،فأهمية هذه النظرية الجديدة في علم الداللة راجعة إلى مراعاتها
الوظيفة االجتماعية للغة ،ومعنى الكلمة فيها يحدده استعمالها في اللغة ،وميز هاليداي بين نوعين من المعاني
للمبنى اللغوي هما :المعنى الشكلي وهو العالقة بين العنصر والعناصر األخرى ،والمعنى السياقي الذي يمثل
نتاج الربط بين النص والموقف ،أي بين النظام الوظيفي للغة ،والبيئة االجتماعية والثقافية التي تحكم استعماله .
www.hnjournal.net المجلد ( )3العدد ()3 مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية رغد أبو جاسم ،مارس 2022 صفحة | 367
HNSJ Volume 3. Issue 3 المعنى عند المدارس اللسانية
قائمة المراجع:
اتجاهات البحث اللساني ،ميلكا إفيتش ،ترجمة :سعد عبد العزيز مصلوح ،و وفاء كامل فايد ،ط ، 2
المشروع القومي للترجمة ،المجلس األعلى للثقافة ،المطابع األميرية ،مصر 2000 ،م .
أضواء على الدراسات اللغوية المعاصرة ،د .نايف خرما ،ط ، 2سلسلة عالم المعرفة ،الكويت ،
1997م .
البنيوية و علم اإلشارة ،ترنس هوكز ،ترجمة مجيد الماشطة ،ط ، 1بغداد1986 ،م .
تاج العروس من جواهر القاموس ،محمد مرتضى الزبيدي ،وزارة األعالم ،الكويت ،د ت .
تاريخ علم اللغة منذ نشأتها وحتى القرن العشرين ،جورج مونان ،ترجمة بدر الدين القاسم ،وزارة التعليم
العالي ،طبعة جامعة حلب1981 ،م .
دور الكلمة في اللغة ،ستيفن اولمان ،ترجمة :د .كمال بشر ،ط ، 10مكتبة الشباب 1986 ،م.
سيكولوجية اللغة والمرض العقلي ،د جمعة سيد يوسف ،سلسلة عالم المعرفة العدد ، 145الكويت ،
يناير . 1990
الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كالمها ،ابن فارس ،تحقيق :عمر فاروق
الطبّاع ،ط ، 1دار مكتبة المعارف ،بيروت – لبنان 1414 ،هـ 1993 -م .
علم الداللة ،د .احمد مختار عمر ،ط ، 6عالم الكتب ،القاهرة – مصر 2006 ،م.
علم الداللة ،بيار غيرو ،ترجمة أنطوان أبي زيد ،ط ،1منشورات عويدات ،بيروت ،باريس 1986 ،م
.
علم اللغة االجتماعي -مدخل ،د .كمال بشر ،دار الثقافة العربية 1994 ،م .
علم اللغة مقدمة للقارئ العربي ،د .محمود السعران ،دار النهضة ،بيروت – لبنان ،د ت .
فهم اللغة نحو علم لغة لما بعد مرحلة جومسكي ،تيرينس موور و كريستين كارلنغ ،ترجمة :د .حامد
حسين الحجاج ،مراجعة :د .سلمان داود الواسطي ،ط ، 1دار الشؤون الثقافية العامة ،بغداد – العراق
1998 ،م .
لسان العرب ،محمد بن مكرم بن منظور األفريقي المصري ،ط ، 1دار صادر -بيروت ،د ت.
اللسانيات النشأة والتطور ،احمد مؤمن ،ط ، 2ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر 2005 ،م .
اللغة ،ج فندريس ،ترجمة :عبد الحميد الدواخلي ،ومحمد القصاص ،مكتبة األنجلو ،القاهرة – مصر
1950 ،م .
محاضرات في األلسنية العامة ،فردينان دي سوسير ،ترجمة يوسف غازي ،ومجيد النصر ،دار نعمان
للثقافة ،جونيه ،لبنان1984 ،م .
محاضرات في المدارس اللسانية المعاصرة ،شفيقة العلوي ،ط ، 1أبحاث للترجمة والنشر ،بيروت –
لبنان 2004 ،م .
www.hnjournal.net المجلد ( )3العدد ()3 مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية رغد أبو جاسم ،مارس 2022 صفحة | 368
HNSJ Volume 3. Issue 3 المعنى عند المدارس اللسانية
المدارس اللسانية في التراث العربي وفي الدراسات الحديثة ،لمحمد الصغير بناني ،سلسلة الحكمة ،دار
الحكمة ،الجزائر 2001 ،م .
المدخل إلى فقه اللغة ومناهج البحث اللغوي ،رمضان عبد التواب ،الطبعة الثانية ،مكتبة الخانجي
بالقاهرة1985 ،م .
مدخل إلى اللسانيات ،روالند إيلوار ،ترجمة بدر الدين القاسم ،وزارة التعليم العالي ،مطبعة جامعة
دمشق1980 ،م .
معرفة اآلخر مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة ،عبد هللا إبراهيم وسعيد الغانمي وعواد علي ،ط ، 2
المركز الثقافي العربي ،بيروت – لبنان 1996 ،م .
معنى المعنى دراسة ألثر اللغة في الفكر والعلم والرمزية ،أوغدن وريتشاردز ،ترجمة :كيان احمد
يحيى ،ط ، 8بيروت – لبنان .
المعنى وظالل المعنى أنظمة الداللة في العربية ،د .محمد محمد يونس علي ،ط ، 2دار المدار
اإلسالمي ،ليبيا 2007 ،م .
مفهوم المعنى في مدرسة لندن اللغوية ،د .خالد توفيق مزعل ،بحث منشور في مجلة آداب الكوفة ،العدد
2015 ، 24م .
من األنماط التحويلية في النحو العربي ،محمد حماسة عبد اللطيف ،ط ،1مكتبة الخانجي ،القاهرة ،
1990م .
مناهج البحث في اللغة ،د .تمام حسان ،ط ، 2دار الثقافة ،الدار البيضاء – المغرب 1974 ،م.
مناهج علم اللغة من هرمان باول حتى ناعوم تشومسكي ،بريجيته بارتشت ،ترجمة :د .سعيد حسن
بحيري ،ط ، 2مؤسسة المختار ،القاهرة – مصر 2010 ،م .
نظرية تشومسكي اللغوية ،لجون ليونز ،ترجمة وتعليق :د .حلمي خليل ،ط ، 1دار المعرفة الجامعية ،
اإلسكندرية – مصر 1985 ،م .
نظرية المعنى في الدراسات النحوية ،د .كريم حسين ناصح الخالدي ،ط ، 1دار صفاء للنشر والتوزيع ،
عمان – األردن 2006 ،م .
نظرية النحو العربي في ضوء مناهج النظر اللغوي الحديث ،د .نهاد الموسى ،ط ،1المؤسسة العربية
للدراسات والنشر1400 ،هـ 1980م .
www.hnjournal.net المجلد ( )3العدد ()3 مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية رغد أبو جاسم ،مارس 2022 صفحة | 369