You are on page 1of 20

Aleph

‫ على‬:‫اللسانيات التداولية والترجمة‬


‫خط التوازي أم نحو مزاوجة نظرية؟‬
Pragmatique linguistique et traduction : sur les lignes parallèles fr

?ou vers un couplage théorique


Linguistic pragmatics and translation: On the parallel lines or en

?towards a theoretical coupling

‫كر يمة سالمي‬


‫كر يمة سالمي‬, « ‫ عىل خط التوازي أم نحو مزاوجة نظر ية؟‬:‫» اللسانيات التداولية والرتجمة‬, Aleph [], 9

(1) | 2022, 20 October 2021, 26 November 2023. URL : https://aleph.edinum.org/4685

This research seeks to discuss the questions raised by the link between the translation and

the linguistics, and to present some ideas that allow the hypothesis to be put forward to link

the translation to the linguistic pragmatics in particular, in practice and in theorizing. And this,

in view of their convergence around a fundamental question inherent in their treatment of

contents and communicative intentions. The results of the research showed the interactions

between the two fields, which, although they do not indicate an inclusive relation of one in the

other, due to the apparent parallel of their epistemological paths, they allow to evoke the

horizon of their theoretical coupling.


‫‪‬‬

‫‪MOTS-CLÉS‬‬

‫‪Pragmatique linguistique, traduction, systématicité de la langue, intention communicative, interprétation.‬‬

‫‪KEYWORDS‬‬

‫‪Pragmatic linguistics, translation, systematicity of the language, communicative intentions, interpretation.‬‬

‫فهرس الكلمات المفتاحية‬

‫اللسانيات التداولية‪ ،‬الرتجمة‪ ،‬نظامية اللغة‪ ،‬المقصد التواصيل‪ ،‬التأويل‪.‬‬

‫‪‬‬

‫مقدمة‬

‫‪ .1‬الرتجمة واللسانيات‬

‫‪ .1.1‬المظهر اللساني للرتجمة‬

‫‪ .2.1‬الرتجمة ونظامية اللغة‬

‫‪ .2‬اللسانيات التداولية والممارسة الرتجمية‬

‫‪ .1.2‬اللسانيات التداولية ‪ :‬من الّد الالت إىل المقاصد‬

‫‪ .2.2‬الرتجمة وإعادة إنتاج النص‬

‫‪ .3‬اللسانيات التداولية ونظر ية الرتجمة ‪ :‬تقارب إىل أّي حّد ؟‬

‫‪ .1.3‬توازي المسارات‬

‫‪ .2.3‬في اتجاه المزاوجة النظر ية؟‬

‫خاتمة‬

‫‪‬‬
‫مقدمة‬

‫يميل حقل الترجمة في إشكاالته واتجاهاته إلى االنغالق على نفسه محاوال التقيد بالحدود التي‬
‫‪1‬‬

‫يرسمها لنفسه مثل ما هو مفترض في أّي حقل معرفّي ‪ ،‬بيد أن هذه الحدود لم ُت ضبط بالشكل الذي‬
‫ُي ثِّب ت معالمه‪ ،‬وتنّم عن ذلك عالقته الممّي زة باللسانيات‪ .‬والزالت عالقة الترجمة باللسانيات تثير‬
‫مسائل جوهرية تحتاج إلى نظر‪ ،‬ولعّل من أهمها تلك التي تخّص إمكانية إلحاقها بالتنظير اللساني‪،‬‬
‫وذلك على فرضية أساسية مفادها أنه إْن كان تعالق المجالين في اشتغالهما على آليات اللغة‬
‫وتكريس مبدأ نظامية اللغة في لسانيات الترجمة أمرًا لم يفض إلى تسجيلها ضمن اللسانيات‬
‫الشكلية‪ ،‬وبقيت الممارسة الترجمية نشاطًا موازيًا للسانيات‪ ،‬فإّن ه قد نتصّو ر إمكانية ذلك في‬
‫عالقتها باللسانيات التداولية‪ ،‬وهذا بالنظر إلى ما تعِر ضه هذه األخيرة من مسالك لمقاربة اللغة‬
‫ليس من حيُث هي نظام‪ ،‬بل من حيُث تأديتها الفعلية في سياقات الكالم‪ ،‬وهي الفكرة ذاتها التي‬
‫تقترن باشتغال المترجم على اللغة بحثًا عن مقاصد النص المراد ترجمته‪ .‬وانطالقا من هذه‬
‫الفرضيات تهدف هذه الورقة البحثية إلى إعادة طرح هذه المسألة‪ ،‬وفق ما استجّد في نظرية‬
‫الترجمة والدرس اللساني المعاصر‪-‬التداولية بالتحديد‪ -‬وبلورة التصّو ر حول العالقة بين المجالين‪،‬‬
‫ونعتقد أّن من التساؤالت الجديرة بالطرح في هذا الموضوع ما يلي ‪:‬‬

‫كيف يمكن للترجمة أن تستفيد من اللسانيات التداولية لبلورة نظريتها؟ ما هي الجوانب التي‬ ‫‪2‬‬

‫يمكن أن ُت دّع م التقارب المنهجي بين المجالين؟ وهل يمكن أن يصل هذا التقارب إلى حّد المزاوجة‬
‫النظرية بينهما؟‬

‫وقصد اإلجابة عن هذه األسئلة المحورية في الموضوع‪ ،‬ارتأينا تتبع الخطوات المنهجية التي‬
‫‪3‬‬

‫ينقلها هيكل هذا البحث في عمومه وتفاصيله‪.‬‬

‫‪ .1‬الرتجمة واللسانيات‬

‫‪ .1.1‬المظهر اللساني للرتجمة‬

‫ظّلت عالقة الترجمة باللسانيات تثير قضية تقاطعهما في عديد الجوانب‪ ،‬وبالتحديد في ما يخّص‬
‫‪4‬‬

‫المنطلقات النظرية التي تعتمدها‪ ،‬والتي ال تسمح بالحديث عن استقاللهما عن بعضهما بشكل تاّم ‪،‬‬
‫وعلى خالف ما يمكن أن ُي عتقد فإن قضية تقاربهما لم تحسم بعد‪ ،‬وتجدر اإلشارة إلى أنه ‪:‬‬
‫«بعد سنة ‪ -1945‬وبعيدا عن نشاط المترجمين أنفسهم‪ -‬دخلت الترجمة في مجال اختصاص علماء‬
‫اللغة ألسباب تتعلق إما بالتطور المنطقي لترجمات الكتاب المقدس إلى مئات اللغات(الواليات المتحدة‬
‫األمريكية)‪ ،‬وإما بالمسائل الناشئة عن اإلدارة ذات اللغة المزدوجة(مثل كندا)‪ ،‬وإما باالهتمام النظري‬
‫الناشئ عن الكم الهائل من الترجمات الداخلية في بلد متعدد اللغات (كاالتحاد السوڤيتي)‪ ،‬وإما‬
‫ألسباب تتعلق بظهور الترجمة اآللية؛ حيث أدت األبحاث التي ُم ولْت بسخاء في البداية إلى استدعاء‬
‫علماء اللغة إللقاء الضوء عليها» (مونان ‪.)55 : 2002‬‬

‫وجاء في طرح (ج‪ .‬مونان‪ )G.Mounin-‬منذ زمن في كتابه ‪Problèmes théoriques de :‬‬
‫‪5‬‬

‫‪ la traduction‬التأكيد على البعد اللساني للترجمة في مظاهر كثيرة‪ ،‬لكّنه لم يتّم تحديد طبيعة‬
‫العالقة بين الترجمة واللسانيات من زوايا عّد ة‪ .‬وبات واضحًا أّن ه ال يمكن التغاضي عن دور‬
‫اللسانيات في قيام نظرية الترجمة‪ ،‬وفي ذلك يصّر ح م‪ .‬برنيي‪: M.Pergnier -‬‬

‫«ليس من العدل التقليل من شأن اإلسهامات التي قّد مها اللسانيون لنظرية الترجمة ابتداء من‬
‫الستينيات‪ ،‬ولن نذكر هنا إّال أهمها مثل كتاب كل من فيني‪ Vinay-‬ودربلنات‪Darbelnet-‬‬
‫« األسلوبية المقارنة في الفرنسية واإلنجليزية »‪ ،‬وكذا كتاب أ‪ .‬نيدا– ‪ « E .Nida‬نحو علم في‬
‫الترجمة »‪ .‬وقد رسم الكتابان‪ ،‬وكّل منهما بطريقته الخاّص ة‪ ،‬االتجاهات الجديدة التي ستنطلق فيها‬
‫نظرية الترجمة‪ .‬وألّو ل مّر ة كان أ‪ .‬نيدا يحاول بناء نظرية الترجمة باالستناد إلى أدوات تحليل صارمة‬
‫نابعة من النظريات اللغوية المتعلقة باللسان وإلى العلوم المجاورة في الوقت نفسه كنظرية اإلعالم‪،‬‬
‫بمعنى محاولة مّد الجسر بين اللسان والكالم»‪)Pergnier 1981: 258( .‬‬

‫ساد االعتقاد لفترة طويلة بأن عالقة الترجمة باللسانيات ُت حَص ر في ما يمكن أن ُي فيده المترجم‬
‫‪6‬‬

‫مّم ا يتحقق للنظرية اللسانية من معرفة لطبيعة األلسنة البشرية‪ ،‬وذلك على أساس ما يكشف عنه‬
‫التحليل اللساني من خصائص األنظمة اللغوية وأدواتها‪ ،‬والتي تمّكن كّل مترجم من تجاوز العقبات‬
‫اللغوية في اشتغاله على النصوص المراد ترجمتها ومن اكتساب كفاءة ترجمية‪ .‬ولكن بالنظر إلى ما‬
‫حققته كّل من الترجمة واللسانيات في اتجاه بعضهما‪ ،‬فإّن ه ليس من الجائز أن نتصّو ر اختزال‬
‫العالقة بينهما بهذا الشكل‪ ،‬حيث نعتبر أّن استثمار المفاهيم اللسانية من شأنه أن يفيد كذلك في‬
‫بلورة التفكير حول ماهية الفعل الترجمي‪ ،‬وهذا على اعتبار أّن ما قد ينتهي إليه البحث اللساني‬
‫في تطوير النظرية اللسانية ال يمكن أن تتجاهله نظرية الترجمة‪ ،‬وفي هذا الموضوع يجدر التذكير‬
‫بأن ‪:‬‬
‫«أوجين‪.‬أ‪ .‬نيدا‪ Eugène.A.Nida -‬هو أّو ل من حقق هذا اللقاء النظري بين علم اللغة والترجمة في‬
‫مقالة الهام بمجلة ‪(Word‬الكلمة) سنة ‪ ،1945‬وتبعه عّد ة أعمال أخرى‪ ..‬وقدم أ‪ .‬ف‪ .‬فيدوروف‪-‬‬
‫‪ A.V.Fédorov‬في كتابه بعنوان « مدخل إلى نظرية الترجمة » دراسة شاملة عن المبادئ والتقنيات‬
‫لألنواع المختلفة للترجمة ابتداء من التراث الروسي‪ .. ،‬وألول مرة ابتكر العالمان ج‪ .‬ب‪ .‬فيني‪-‬‬
‫‪ J.P.Vinay‬وج‪ .‬داربلنيه‪ J.Darbelnet -‬طريقة صحيحة للترجمة تعتمد أساسا على مساهمات علم‬
‫اللغة المعاصر» (مونان ‪.)55 : 2002‬‬

‫يقترن مفهوم الترجمة بالعملية اللغوية التي يتّم من خاللها االنتقال من نظام لغوي إلى آخر نقال‬
‫‪7‬‬

‫لمضامين النصوص المراد ترجمتها‪ ،‬األمر الذي ُي فترض معه قيام الترجمة على تلك المعرفة النظرية‬
‫بطريقة اشتغال األنظمة اللغوية‪ ،‬والتي من شأنها أن تؤهل المترجم مبدئيا للعمل الترجمي‪.‬‬

‫ومن هذه الناحية‪ُ ،‬ت عتمد الترجمة لدى كثير من الباحثين بوصفها شكًال من أشكال الممارسة‬ ‫‪8‬‬

‫اللغوية‪ ،‬ولئن كانت الكفاءة اللغوية شرطًا أساسيًا لتحقيق الكفاءة الترجمية فإنها بالتأكيد ال‬
‫تتوقف عليها‪ ،‬ولعّل ما ينبغي التنبيه إليه في هذه المسألة هو أنه ليس إتقان اللغات بالتحديد هو‬
‫الذي يؤهل للعمل الترجمي‪ ،‬وإْن كان إتقان أكثر من لغة من مقومات الممارسة الترجمية‪ ،‬وإنما هو‬
‫امتالك آليات إعادة إنتاج النص األصلي وفق نظام قواعدي آخر يخّص اللغة المترَج م إليها‪.‬‬

‫‪ .2.1‬الرتجمة ونظامية اللغة‬

‫وتبعًا لما أسلفنا ذكره‪ ،‬فإّن الترجمة في محض مظهرها اللساني ال تعدو أن تكون عملية ذهاب‬ ‫‪9‬‬

‫وإياب بين اللغة المترَج م منها (اللغة المصدر) واللغة المترَج م إليها (اللغة الهدف) بحثًا عن‬
‫المقابالت اللسانية بينهما‪ ،‬أو باألحرى عن التكافؤ الّد اللي‪ ،‬مّم ا ُي قِر نها بالعمل اللساني الّص رف‪ .‬ولقد‬
‫أدى ذلك إلى رسوخ فكرة مفادها أن الترجمة عملية لغوية بامتياز‪ ،‬وهو التصّو ر الذي يدافع عنه م‪.‬‬
‫برنيي‪ ،M.Pergnier -‬إذ يقول ‪:‬‬

‫«ال يسعنا تأييد فكرة أن الترجمة (مهما كانت الطريقة التي تمارس بها) ليست بعملية « لسانية » دون‬
‫إحداث مفارقة‪ ،‬ذلك أّن ها تنطلق من ملفوظ بلغة معينة للوصول إلى ملفوظ بلغة أخرى‪ ،‬ويتعلق األمر‬
‫هنا بالطريقة التي تعتمد في معالجة المادة اللغوية أثناء هذا التحويل» (‪.)Pergnier 2004 : 23‬‬
‫‪ 10‬ما يستوقف المترجم في هذه الحالة ليس بالضرورة الخصائص الممِّي زة لكل لغة على حدة‪،‬‬
‫إّن‬
‫بقدر ما هو التقاء اللغات التي يشتغل عليها في خاصية شاملة هي خاصية النظامية‪.‬‬

‫‪ّ11‬ن النظامية هي من أهم ما يمّي ز اللغات البشرية‪ ،‬ذلك أن‬


‫وإ‬

‫«الّلغة بناء منتظم‪ ،‬وعندما نتحّد ث عن نظامّي ة الّلغة فإّن نا نعني أّن ها تشّكل نظاما بكّل مقّو ماته الّث الثة‬
‫المعروفة وهي البساطة واالّت ساق والكمال‪ .‬ويعود الّس بب في نظامّي ة الّلغة إلى حقيقة كونها تتأّلف من‬
‫عناصر محدودة العدد تستخدمها للّت عبير عن ماهيات ومضمونات ال متناهية‪ ،‬ولهذا كان البّد أن تتكّر ر‬
‫تلك العناصر المّر ة تلو األخرى بصورة مّت سقة ومنتظمة دون أن تسّب ب إرباكا» (القاسمي ‪.)13 : 1979‬‬

‫ولعّل هذا ما يمثل الجانب األساس من ماهية اللغات‪ ،‬ويندرج ضمن ما يكشف عنه التحليل‬
‫‪12‬‬

‫اللساني من خصائص لغوية عامة تؤكد مفهوم الكليات اللغوية « ‪ » Les universaux‬الذي‬
‫يحيل على مجموع ما تشترك فيه اللغات البشرية من خصائص‪.‬‬

‫وتعّد نظامية اللغات إحدى الحقائق اللغوية التي يفيدها المترجم من اللسانيات‪ ،‬وتشّكل مفهومًا‬
‫‪13‬‬

‫محورّي ًا في حقل الترجمة‪ ،‬كما أّن ه ال تكمن مهمة المترجم في وصف البنى اللغوية صوتيا‪ ،‬صرفيا‪،‬‬
‫وتركيبيا‪ ،‬وإْن كان بإمكانه الكشف عن مدى اختالف األنظمة اللغوية على المستوى القواعدي فإّن ه‬
‫بالتأكيد يتجاوز هذا المظهر اللساني‪ .‬وال شك أنه من أعقد ما يمكن أن يواجهه ما يتصل بإعادة‬
‫صياغة النص األصلّي وفق نظام لغوي مغاير مراعاًة لبنيته الداللية األصلية ومضمونه الثقافي‪،‬‬
‫فيعمل على تجاوز كل العقبات على هذا المستوى‪ .‬وتبقى المسألة بطبيعة الحال وطيد الصلة‬
‫بالمؤهالت التي ينفرد بها كّل مترجم‪ ،‬وهو ما يفّس ر بشكل ما جانبًا من الطبيعة المرنة للممارسة‬
‫الترجمية‪ ،‬لذا‬

‫«فإّن الترجمة‪ ،‬بالنظر إلى طبيعتها‪ ،‬تختلف إذن عن العمليات اللسانية األخرى اختالفا جّم ا ‪ :‬فعلى‬
‫عكس اللساني‪ ،‬ال يسّخ ر المترجم إمكاناته لفهم ملفوظ ما وابتداع ملفوظ آخر‪ ،‬بل يفهم أوال لكي‬
‫يسخر امكاناته بوصفه مترجما ولكي يؤول ملفوظا موجودا سلفا» (رضوان ‪،)42 : 2010‬‬

‫وهو األمر الذي يعزى إلى متطلبات عملية التأويل التي يمّر منها تحويل المضامين إلى لغة أخرى‬
‫‪14‬‬

‫ليس بناًء على ما تمثله الّد الالت اللغوية في النص األصلي فحسب‪ ،‬وإنما وفق ما تحّد ده الثقافة‬
‫التي ينبع منها كذلك‪.‬‬
‫ويقّر اللسانيون أنفسهم بتعقد نظام اللغة في األساس‪ ،‬وبأّن تعّد د أشكال استخدام الدوال أمر‬‫‪15‬‬

‫يصعب معه تحديد الّد الالت تحديدًا دقيقًا‪ ،‬وأّن قيمتها تتحّد د وفق « مرجعية داللية »‪ ،‬إْن جاز‬
‫المصطلح‪ .‬وبالنسبة لألدلة اللغوية يشير (أ‪ .‬كليولي‪ )A. Culioli -‬إلى‬

‫«أّن كل دليل يمكن أن يستعمل للتعليق على األدلة األخرى أو لتعويضها أو لتحويرها‪ ،‬حيث إّن نا‬
‫نستطيع استخدام األدلة » في الدرجة الثانية »‪ ،‬وإعطاء تعريف قاموسي‪ ،‬وإنشاء استعارات أو‬
‫تلخيص الملفوظات وتأويلها الخ‪)Culioli 1969 :42-43( .»..‬‬

‫وعلى ذلك‪ ،‬فإّن ه ال يمكن اختزال الممارسة الترجمية في مجّر د عملية لغوية آلية وبسيطة تستبدل‬ ‫‪16‬‬

‫فيها أدوات لغوية بأخرى تنتمي إلى نظام آخر؛ في حين ال يسعنا إّال الحديث عن لسانيات الترجمة‬
‫في كونها إطارًا معرفّي ًا من شأنه أن يحّد د آليات الترجمة وطبيعتها اللسانية‪.‬‬

‫‪ .2‬اللسانيات التداولية والممارسة الرتجمية‬

‫‪ .1.2‬اللسانيات التداولية ‪ :‬من الّد الالت إىل المقاصد‬

‫بعد التحّو الت الهامة التي عرفتها مناهج البحث اللساني‪ ،‬أخذت الدراسات اللغوية منعرجًا جديدًا‬
‫‪17‬‬

‫تأّكدت معه ضرورة إعادة تعريف اللغة من حيث هي ظاهرة تواصلية بالّد رجة األولى‪ ،‬تتجّس د‬
‫بتفاعلها مع مجموعة من معطيات السياق الذي يكون فيه المتكلم عنصرًا فّع اًال يتحكم في‬
‫مجريات التواصل‪ .‬وقد شّكل ذلك الجانب األبرز في االنتقال اإلبستمولوجي الذي مثله الخروج من‬
‫لسانيات اللسان التي توقفت في تحليلها عند حدود الجملة‪ ،‬إلى لسانيات الكالم التي تعنى بأبعاد‬
‫الظاهرة اللغوية من حيث هي ظاهرة حّي ة‪ .‬ونشير إلى أّن ذلك ما تنبأ به إ‪ .‬بنفنيست‪-‬‬
‫‪ ،E.Benveniste‬حين قال ‪ « :‬يكون الخروج بعد الجملة من مجال اللغة كنظام من األّد لة‬
‫لدخول عالم آخر هو عالم اللغة كوسيلة التواصل‪ ،‬والخطاب هو الذي يمكنه التعبير عن ذلك»‬
‫(‪ ، )Benveniste 1966 : 130‬وهذا ما تعنى به لسانيات النص في تحليل النصوص الكالمية‬
‫مبنى ومعنى‪ ،‬واعتماد النص كوحدة لغوية تواصلية؛ وكذا اللسانيات التداولية في اشتغالها على‬
‫الخطابات وبحثها عن المقاصد التواصلية‪.‬‬

‫وفي إطار لسانيات النص‪ ،‬يؤخذ النص على أنه متتالية من الجمل‪ « ،‬وتكون هذه المتتالية عادة‬
‫‪18‬‬

‫منظمة وفق شكل خطي‪ ،‬لها خاصية تشكيل كلية تترابط فيها عناصر بدرجات متفاوتة من التعقيد‬
‫وفق عالقات تبعية متبادلة» ‪)Maingueneau et Charaudeau 2002 : 572(.‬‬
‫‪19‬ها عالقات تحكم قواعد بناء النّص وتسمح باالنتقال من أجزاء إلى أخرى؛ ومن مستويات إلى‬ ‫وإّن‬
‫أخرى؛ تحقيقًا لالتساق واالنسجام النصّي ْي ن‪ ،‬وهذا مع بلورة موضوع النص بما يضمن استمرارية‬
‫البناء النصّي والتدّر ج الموضوعي ليحقق النص غاياته‪ .‬كما يقوم بناء النص على مجموعة من‬
‫المعايير النفسية‪ ،‬وتقترن داللة النص بما يريد صاحبه إيصاله إلى الملتقي‪ ،‬ولذا ُي ؤخذ بعين‬
‫االعتبار في علم النص السياق الذي تتشكل فيه‪ ،‬و«تقام عالقة بين أجزاء النص و‪ /‬أو النص‬
‫بوصفه كال و« السياق االتصالي »‪ ،‬ويحاول الكشف عن أوجه التبعية بين تغييرات « السياق‬
‫االتصال »‪ ،‬وبنية النص» (هاينه مان وفيهقجر ‪.)48 : 2004‬‬

‫‪ّ20‬ن النظر في اللغة من حيث كيفية استخدامها هو المبدأ الذي تبّنته كذلك اللسانيات التداولية من‬
‫وإ‬
‫حيث‬

‫«إّن‬
‫‪ 21‬ها تبني المناويل التي تؤثر بشكل مباشر على استعماالت اللغة‪ ،‬وهي من هذه الناحية تتميز عن‬
‫اللسانيات التي تميل إلى وصف االستعمال اللساني‪ ،‬كما تتميز عنها كذلك من حيث األهمية التي‬
‫يوليها منظروها من البداية للتحديدات السياقية الخاّص ة بالتعبير»(‪،)Sarfati 2002 :23‬‬

‫ومنه التركيز على تجّليات اللغة كظاهرة كالمية تواصلية في سياقات استعمالها‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫وقد أدى هذا التصّو ر إلى دراسة اللغة خارج بنيتها الشكلية‪ ،‬وذلك بإدماج المكِّو ن التداولي الذي‬
‫‪23‬‬

‫يحيل على معطيات سياق القول أو إنتاج النص‪ ،‬وهي المعطيات التي تؤثر في بروز المعنى‬
‫المتعّلق بالمقصد‪ ،‬وتؤخذ بعين االعتبار في تحديد أبعاد الظاهرة اللغوية‪ .‬وإّن البعد التداولي هو‬
‫الذي يثير قضايا شائكة فيما يخص الّد الالت اللغوية المرتبطة بالتأويل‪ ،‬أي تلك التي ال تقع على‬
‫المستوى السطحي أو المباشر من المعنى‪ ،‬ولقد جرى االتفاق في األصل على أّن المعنى على أّي‬
‫مستوى كان يّت سم بالتعقيد‪ ،‬ذلك ألّن ه ال يمكن وصف المعنى في كل األحوال بأنه معنى مباشر‬
‫والخطاب بأّن ه ذو طبيعة شّف افة‪.‬‬

‫وفضال عن ذلك‪ ،‬فإّن المعاني أو الّد الالت ال يمكن أن تؤخذ على أنها أمر محّد د مسبقًا‪ ،‬أي مجّر د‬
‫‪24‬‬

‫أدوات لغوية جاهزة لالستعمال‪ ،‬إذ«إّن الداللة تتوّلد من العالقة بين المفهوم ومدى اندماجه في‬
‫نظام مرجعي معقد‪ ،‬ومنه وجود التعيينات و« اإليحاءات »‪ ،‬والقيم « الخاطفة » والتأويالت‬
‫الذاتية »(‪ ، )Culioli 1969 :42-43‬والتي تنجّر عن التحّو ل الذي يعتري الّد الالت حينما ُت درج‬
‫في النّص الكالمي لتنقل المعاني التي ُي حّم لها إّي اها مستعمل اللغة‪ ،‬إلى جانب الحموالت الفكرية‬
‫والثقافية التي تنقلها وفق مرجعية معينة‪ .‬وفي هذا السياق يتّم تجاوز الحديث عن الّد الالت‬
‫اللغوية أو المعجمية بوصفها عناصر لسانية ثابتة معطاة تنتمي إلى نظام اللغة إلى ما تتلّو ن به‬
‫وتوحي إليه على مستوى إنتاج النصوص الكالمية‪ ،‬وفي ما يخّص مفهوم الّد اللة يوّض ح روالند‪.‬‬
‫بارت‪ R. Barthes-‬أّن ه ‪:‬‬

‫«بمجّر د أن نتصّو ر النص كإنتاج (وليس كمنتوج) فإّن « الّد اللة » لن تكون مفهومًا مناسبًا‪ .‬وأصًال‪،‬‬
‫حينما ننظر إلى النص باعتباره فضاء متعّد د المعاني تتقاطع فيه عدة معان ممكنة‪ ،‬فإنه يكون من‬
‫الضروري تحرير الوضع األحادي والشرعي للّد اللة وجعلها تتعّد د ‪ :‬وإّن مفهوم اإليحاء قد أفاد في هذا‬
‫التحّر ر بالذات‪ ،‬كما أفاد فيه حجم المعاني الثواني المشتقة منها أو الملحقة‪ ،‬أو« الذبذبات » الّد اللية‬
‫اللصيقة بالرسالة المشفرة» (‪،)Barthes 1985 : 998‬‬

‫إلى غير ذلك من الظواهر التي تدّل على تعّد د مستويات المعنى‪ ،‬وتبّي ن في الوقت ذاته مدى‬‫‪25‬‬

‫صعوبة القبض على الّد الالت المشِّكلة لبنية النّص ككل من حيُث هو وحدة كلّي ة‪ ،‬فهي بهذا خير ما‬
‫يمكن أن يبرز التحّو ل التي يحدثها انتقال األدلة اللغوية من مستوى الوضع إلى مستوى‬
‫االستعمال‪.‬‬

‫‪ .2.2‬الرتجمة وإعادة إنتاج النص‬

‫تتمثل قضايا الّد اللة أهم ما يمكن أن يعترض المترجم في سعيه إلى إعادة إنتاج النص بلغة أخرى‪،‬‬
‫‪26‬‬

‫أي في نقله لمضامين النص األصلي في بنى جديدة خاّص ة باللغة المترَج م إليها واضعًا صوب العين‬
‫ثقافة اللغة المترَج م منها ومرجعيتها الفكرية‪ ،‬مّم ا يجعل من كل نشاط ترجمي عمًال إبداعيًا يمّر‬
‫حتما من كيفية تلقي المترجم للنص األصلي وقدرته على استجالء مقاصده وتأويله‪ ،‬وهو ما‬
‫يتطلب مجهود البحث عن العبارة األنسب لنقل المعنى أو باألحرى المقصد‪ ،‬ومحاولة ملء المواقع‬
‫الشاغرة ‪ Les cases vides‬في غياب التكافؤ اللغوي بين اللغة المترَج م منها واللغة المترَج م‬
‫إليها‪ ،‬وذلك باالستناد إلى التفسير وفق تقارب ثقافي معين بينهما‪.‬‬

‫وليس يخفى على المختّص ين أّن األساس في الترجمة هو الحفاظ على المعنى– المقصد‪ -‬الذي‬
‫‪27‬‬

‫يريد صاحب النص تمريره‪ ،‬وهو ما يستدعي التأويل‪ ،‬فال يمكن أن يقتصر األمر فيها على ترجمة‬
‫الّد الالت اللغوية فحسب‪ ،‬وعلى سبيل التوضيح نذكر المثال الموالي ‪:‬‬
‫«هذا نموذج تعبيري استعمل داللًي ا إلعطاء أمر « تعيد لي هذا العمل في خالل عشر دقائق؟ » زيادة‬
‫على ذلك فإننا نستعمل كثيًر ا الكالم ال ألجل التبليغ ولكن لكي نؤثر في الناس ونقنعهم فبعض الكلمات‬
‫مستخدمة ال لشيء سوى من أجل األثر الذي يمكن تحدثه‪ ...‬ويضاف إلى ذلك أو إلى الصعوبات‬
‫السخرية في استعماالت اللغة‪ ،‬فمثًال لو قلنا ألصلع‪ :‬من هو حالقك؟ كيف تكون معالجة اللغة في مثل‬
‫هذه االستعماالت اللغوية» (جرمان ولوبلون ‪.)34 : 1997‬‬

‫ومثل هذه التساؤالت وغيرها هي التي تطرحها التداولية على نفسها في بحثها عّم ا يقوله صاحب‬
‫‪28‬‬

‫الخطاب من خالل ما لم يقله‪.‬‬

‫لقد أبانت الممارسة الترجمية عن نوع آخر من اإلكراهات التي تفرض نفسها على المترجم‪ ،‬ويتعلق‬
‫‪29‬‬

‫األمر بحدود إبداعه في النّص المترجم‪ ،‬وباإلمكان تفسير ذلك باإلحالة على مسألة الحرية‬
‫اإلبداعية‪ ،‬إذ يرى المختصون أن ‪:‬‬

‫«عملية الكتابة نفُس ها عملية استكشاف لألفكار‪ ،‬ووضع الكلمات على الورق عملية إبداع فكرية ال‬
‫عملية تجسيد فكرّي ‪ ،‬بمعنى أن الكاتب يأتي بأفكار جديدة أثناء الكتابة (أيا كانت عالقتها بالموضوع‬
‫األصلي) وال يقتصر عمله على تجسيد أفكار ُم ْس َب َق ٍة في كلمات‪.‬‬
‫أما المترجم فهو محروم من هذه الحرية اإلبداعية أو الحرية الفكرّي ة؛ ألنه مقيد بنص تمَّت ع فيه صاحبه‬
‫بهذا الحق من قبل‪ ،‬وهو مكَّلف اآلن بنقل هذا السجل الحي للفكر من لغة لها أعراُف ها وتقاليدها وثقافتها‬
‫وحضارتها إلى لغة ربما اختلفت في كل ذلك‪ ...‬فهو مطالب بأن ُي خرج نّص ًا يوحي بأّن ه ُكِت ب أصًال باللغة‬
‫المترجم إليها» (عناني ‪.)7-6 : 2000‬‬

‫وهذا ما ُي فترض أن يحرص كّل مترجم على تحقيقه‪ ،‬وفي الوقت ذاته هو ما يمكن أن تعّلل به‬
‫‪30‬‬

‫صعوبة الممارسة الترجمية‪ ،‬مّم ا دفع البعض إلى القول‪ :‬إّن‬

‫«نقل أفكار الغير أعسر من الَّت عبير عن آراء المرء األصلية؛ فالكاتب الذي يصوغ أفكاره الخاصة يتمَّت ع‬
‫بالحرية في تطويع الُّلغة لتالئم هذه األفكار‪ ،‬بل وتطويع األفكار لتالئم اللغة ! » (عناني ‪.) 6 : 2000‬‬
‫وتلك هي المعادلة الصعبة التي تواجه المترجمين‪ ،‬وفي واقع األمر ترتبط المسألة بمهارة المترجم‬
‫‪31‬‬

‫وثقافته في اللغتين‪ ،‬والكّل يدرك أنه ال تتساوى الترجمات للنص نفسه من حيث وفاؤها لروح‬
‫النص وثقافته‪،‬‬

‫و «إّن الترجمة التي تسعى إلى أن تنسي القارئ النص األصلي بتعويضه (إن كانت الترجمة جيدة‪،‬‬
‫تصبح الترجمة عمال كامال‪ ،‬وإن كانت رديئة‪ ،‬سيشعر القارئ بالحاجة إلى العودة إلى النص األصلي‬
‫حتى يكون على بينة من األمر)‪ ،‬تطرح مشكلة هوية ‪ :‬إن الترجمة المزودة بهوية خاصة صقلها الفكر‬
‫وإكراهات اللغة‪-‬الهدف‪ ،‬يجب أن تكون مكافئة لهوية النص‪ -‬المصدر المصقول من قبل فكر آخر‬
‫وإكراهات أخرى تكافؤا صارما» (رضوان‪.)34 : 2010‬‬

‫وهذا من شأنه أن يكشف عن مظهر آخر من الممارسة الترجمية‪ ،‬فهي ال تقف فقط على اختالف‬ ‫‪32‬‬

‫اللغات في أدواتها وآلياتها‪ ،‬وإّن ما على اختالفها أيضا في الثقافة والمرجعيات التي تحيل عليها‪.‬‬

‫ومن المؤكد أن تحقيق الترجمة الوفية للنص األصلي منوط بفهم مضامينه في عالقتها بسياقات‬
‫‪33‬‬

‫إنتاجه‪ ،‬لكن يبقى أنه ‪:‬‬

‫«من الصعب معرفة ما يعنيه فهم النص‪ ،‬وإْن ُكّنا نعلم أن الفهم ليس بعملية خطية ألنّنا نبني تصّو را‬
‫عن أجزاء الخطاب‪ ،‬والتي يتّم تعديلها دومًا من خالل بناء تصّو ر عن األجزاء الموالية لها‪ .‬وعلى أساس‬
‫ذلك‪ ،‬يكون نسيان قسم هام من النص من حيث الكمية‪ ،‬سواء كان مقروءًا أم مسموعًا‪ ،‬شرطًا في حّد‬
‫ذاته إلرجاع الذاكرة‪ ،‬فإّن نا نقوم باستمرار بتحويل الجانب الداللي إلى متصّو رات‪ ،‬وهذا ما نفعله حينما‬
‫نلخص فيلمًا ‪ :‬فقد نكون قد نسينا كّل الكلمات المتعلقة بالفيلم‪ ،‬ومع ذلك يمكننا أن ُن جِم ل محتواه‬
‫بصورة ممتازة مع التوسع فيه بشكل ما» ( ‪.)Pottier 1974 :36‬‬

‫هذا‪ ،‬وإْن كانت الترجمة في حّد ذاتها ال تقوم إّال بشرط استيعاب المترجم لمضمون النص األصلي‪،‬‬
‫‪34‬‬

‫فأْن يتحقق له ذلك في العموم ال يعني دائمًا نجاحه في تقديم ترجمة وفّي ة لما أراد مؤلف النص‬
‫أن يمّر ره من مقاصد‪ ،‬وذلك لوجود احتماالت فيما يخّص بعض الجوانب التي قد تفلت منه‪ ،‬لكن‬
‫يبقى أّن ه بالوصول إلى ذلك يكون قد حقق الجزء األكبر مّم ا هو منتظر منه‪ .‬وليس هناك من داع‬
‫لالستدالل على أن استيفاء هذا الشرط هو الذي ُي جّنبه –المترجم‪ -‬الوقوع في الترجمة الحرفية أو‬
‫في التداخالت الّد اللية التي قد تخّل بالمعنى‪ ،‬لكن هو األمر الذي يستعصي عليه أحيانا‪ ،‬حيُث ‪:‬‬
‫« ينجز المترجم هكذا مهمة تكاد تكون مستحيلة ألنه يتعين عليه في اآلن نفسه أن يحافظ ويعكس‬
‫خصوصية الكالم وأن يضع مقابالت لبعض العناصر اللغوية‪ .‬يتعلق األمر هاهنا بتمرين عسير ألن الكالم‬
‫تصقله اللغة التي هي بدورها مصقولة من قبل عوامل غير لغوية هي من مشموالت علم االجتماع‬
‫وعلم النفس واإلتنولوجية‪ .‬فاللغة غير مفصولة عن السياق الثقافي الذي تضرب فيه بجذورها‪ .‬البّد من‬
‫تجاوز إطار اللسانيات الضيق لوضع اللغة فيما يسمى ب”‪( ”périlangue‬الذي يدعوها الدميرال‬
‫‪ langue-culture‬أي السياق العام للغة» (رضوان ‪.)38 : 2010‬‬

‫ويتعلق األمر باإلطار الفكري والثقافي الذي تنبع منه اللغة وتتحرك فيه‪ ،‬السيما أن النص في صلبه‬
‫‪35‬‬

‫هو نتاج إيديولوجيات وخلفيات فكرية‪،‬‬

‫«وإّن فكر المؤلف العميق المبثوث المختفي أحيانا بين السطور‪ ،‬المنشطر إلى عدة أوجه‪ ،‬يجب إعادة‬
‫بنائه وأحيانا يجب تضخيمه قليال وجعله قابال لإلدراك فورا أكثر مما هو عليه في النص األصلي‪.‬‬
‫بعبارة أخرى يجب اإلبانة عن هذا الفكر» (رضوان ‪.)39 : 2010‬‬

‫‪ .3‬اللسانيات التداولية ونظر ية الرتجمة ‪:‬‬

‫تقارب إىل أّي حّد ؟‬

‫‪ .1.3‬توازي المسارات‬

‫‪ 36‬االنتقال اإلبستمولوجي الذي عرفته اللسانيات‪ ،‬والتجديد الذي أحدثته التداولية في نطاق‬
‫مع‬
‫البحث في اللغة‪ -‬بإدراج المكّو ن التداولي في تحليل الخطابات وتأويلها‪ -‬تراءت للسانيين أهمية‬
‫تجاوز التحليل الداخلي للغة ومقاربتها من حيث هي خطاب‪ ،‬وانجّر عن ذلك تحّو ل في االهتمام‬
‫بالمعنى‪ ،‬أي االنتقال من مالمسة الّد الالت إلى استجالء المقاصد‪ ،‬ويمثل كل من التحليل النصّي‬
‫والتحليل التداولي أهم مظاهر هذا التجديد في تصّو ر الظاهرة اللغوية ومناهج دراستها‪ .‬أما في ما‬
‫يخّص قضية المعنى في حقل الترجمة فتجدر اإلحالة إلى حصافة الترجمة التأويلية التي تنطلق‬
‫من ثقافة النص وتتخذها محورا لنقل المضامين –المقاصد‪ -‬واالنتقال بها إلى نص آخر‪ ،‬ويبرز‬
‫العنصر الثقافي في هذه الحال في دور المصفاة التي تمّكن المترجم من تحقيق النقل األدق‬
‫واألوفى لمقاصد صاحب النص‪.‬‬
‫ومن هذه الزاوية‪ ،‬يسعنا الحديث عن المستوى التي تلتقي فيه كل من اللسانيات التداولية‬‫‪37‬‬

‫والترجمة‪ ،‬والذي يتصل بكون المعنى محور اهتمامهما‪ ،‬فإْن كانت األولى حقًال دراسّي ا يسعى إلى‬
‫مقاربة الخطابات في بعدها التواصلي تحليًال وتأويًال فإّن الثانية تتصل بحقل نظري وتجريبي‬
‫يشتغل على المعنى ويقترح اآلليات التي تسمح بتحويل مضامين الخطاب من لغة إلى أخرى (أو‬
‫باألحرى من ثقافة إلى أخرى)‪ ،‬وهو التحويل الذي يمّر حتما من عملية التأويل‪ ،‬وفي اعتقادنا‬
‫يندرج ذلك ضمن العناصر التي تسمح بافتراض إمكانية تقارب المجالين على مستوى نظرية‬
‫تأويلية عامة‪.‬‬

‫‪ 38‬ما يمكن أن نجزم به في هذه المسألة هو أّن المجالين يلتقيان مبدئيًا على مستوى اشتغالهما‬
‫إّن‬
‫على آليات اللغة وأبعادها التواصلية‪ ،‬ويبقى أّن ما يمكن أن ُي شكل موطن التباس في هذه القضية‬
‫هو الفكرة السائدة التي مفادها أّن اختالفهما في موضوع الّد راسة جعلهما يّت خذان مسلكين‬
‫مختلفين ومتقابلين‪ ،‬وذلك على أساس‬

‫«أّن إشكالية الترجمة تتصل بلسانيات الكالم بينما فيما يخّص اللسانيات فهي تبقى في عمومها‬
‫لسانيات اللسان (ما عدا بعض االستثناءات)‪ ،‬وبمعنى آخر فإّن الدراسات الترجمية تشتغل على‬
‫النصوص في حين تشتغل الدراسات اللسانية على أنظمة من األدلة» ‪)Pergnier 2004 :17-18(.‬‬

‫وفي ظّننا ما استجّد على ساحة الّد راسات اللسانية من إعادة االعتبار للظاهرة الكالمية واالهتمام‬
‫‪39‬‬

‫بالمعنى والتأويل–في المنظور التداولي‪ -‬من شأنه التأثير في الترجمة من حيث تحويل اتجاهها‬
‫نحو آليات تأويل المضامين وتوسيع آفاق التنظير فيها وفق ذلك‪ .‬وحتى وإْن سّلمنا بمبدأ قيام‬
‫نظرية الترجمة بشكل مستقل عن اللسانيات فإّن ه ال يمكن تصّو ر تجاهلها لما أفادته منها اللسانيات‬
‫بوجه عام‪ ،‬وال نقصد بذلك أن نجعل من الترجمة حقًال فرعّي ًا أو تابعًا للنظرية اللسانية‪-‬هذا وإْن‬
‫شغلت مجاًال تطبيقّي ًا فيها‪ -‬بل نفترض إمكانية حدوث مزاوجة نظرية بينهما‪ ،‬ونؤكد في هذا على‬
‫ما يمكن أن يفيده البحث في الترجمة من تقّد م النظريات في اللسانيات التداولية ونتائج األبحاث‬
‫فيها‪ ،‬السيما أّن هما لم تتعارضا في مسارهما اإلبستيمولوجي‪ ،‬وعلى حّد قول م‪ .‬برنيي‪« -‬فإّن‬
‫االتجاهات التي أخذها تطور البحث اللساني والبحث في الترجمة غالبا ما تتبع مسارات متوازية‬
‫أكثر مّم ا تتعارض »(‪ ، )Pergnier 1981 :259‬لذا فإّن عدم تعارضهما يمكن عّد ه بصورة ما‬
‫وجها من أوجه احتمال ارتباطهما‪ ،‬بمعنى أّن ه أمر يسمح بافتراض التقائهما في جوانب يحق أن‬
‫نتساءل عّم ا إذا كانت حصيفة في التأسيس للمزاوجة النظرية بينهما‪.‬‬

‫ومن الواضح أّن مسألة العالقة بينهما ال تطرح مسبقًا من منطق انفصالهما بشكل تام‪،‬‬
‫‪40‬‬
‫«فبمجرد القول إّن النظرية اللسانية ونظرية الترجمة ال تلتقيان أو إّن إحداهما ليست تطبيقًا حرفّي ًا‬

‫لألخرى‪ ،‬اليعني طبًع ا أّن نا أمام مجالين منفصلين‪ ،‬وال أّن نظرية الترجمة في غنى عن النظريات‬
‫اللسانية‪ ،‬وال أّن النظريات اللسانية ال يمكن أن ُت ثرى بإسهامات البحث في مجال‬
‫الترجمة» (‪،)Pergnier 1981 :255‬‬

‫وفي هذا ما يدعم فكرة أنه مع قيام اللسانيات التداولية أو لسانيات الكالم لم تعد هناك حجة‬
‫‪41‬‬

‫البتعاد الترجمة عن المجال اللساني‪ ،‬بل على عكس ذلك تمامًا يمكن أن نتصّو ر عالقة بينهما على‬
‫مستوى التنظير‪ ،‬وذلك بعد تقليص تلك المسافة التي خلقها فيما سبق االختالف في المادة اللغوية‬
‫أو موضوع الّد راسة في كال المجالين‪ ،‬بمعنى اللسان بالنسبة للسانيات والكالم بالنسبة للترجمة‪.‬‬

‫ويقوم منظور اللسانيات التداولية على اعتبار معطيين اثنين كما بيّنا سلفًا‪ ،‬يشّكالن جوهر الكالم‪،‬‬
‫‪42‬‬

‫وهما المعنى وسياق إنتاجه‪ ،‬ويتوقف األداء الكالمي على ملكة إنتاج النصوص الكالمية التي يمّر ر‬
‫الفرد من خاللها مقاصده المرتبطة بحاجات تواصلية تكون تلبيتها وفق معطيات السياق‪ ،‬والترجمة‬
‫هي كذلك عملية إنتاج النصوص مرورًا من لغة إلى أخرى‪ .‬وما يتم ترجمته هو الكالم وليس‬
‫اللسان‪ ،‬ويكون ذلك وفق ثقافة أخرى غير تلك التي تنتمي إليها النصوص األصلية‪ ،‬فال ُي كتفى في‬
‫ذلك بنقل مضامينها وفق نظام شكلّي خاص بلغة مختلفة عن لغتها األصلية‪ ،‬وإّن ما يكون المطلوب‬
‫الحفاظ على المعاني التي سبقت قولبتها في نسق فكري مختلف‪.‬‬

‫‪ .2.3‬في اتجاه المزاوجة النظر ية؟‬

‫‪ّ43‬كد عدد من الباحثين بأن العالقة بين نظرية الترجمة والنظرية اللسانية تتجّس د أيضا في االتجاه‬
‫يؤ‬
‫المعاكس‪ ،‬وذلك على اعتبار‬

‫«أن الترجمة ال يمكنها أن تقوم بعيدا عن اللسانيات (بما أنها قد تكون « موضوعها األساسي » !)‪ ،‬لكن‬
‫يمكن القول في الوقت ذاته إّن اللسانيات كذلك في سعيها إلى الوصف والتنظير الشامَلْي ن للغة‪ ،‬لن‬
‫يَس عها تجّنب « الزعزعة » التي قد تثيرها فيها المعطيات الناتجة عن البحث المتخّص ص في‬
‫الترجمة» (‪،)Pergnier 2004 :16‬‬
‫وبالنسبة لمن يعتقد بعدم استقاللية الترجمة عن اللسانيات‪ ،‬أو أكثر من ذلك باحتواء اللسانيات لها‬ ‫‪44‬‬

‫كفرع منها‪ ،‬فإّن نا نرى أّن إلحاق الترجمة بالتنظير اللساني قد يبدو أمرا مؤَّس سا‪ ،‬لكن مع ذلك يبقى‬
‫شيء من الضبابية يكتنف هذه العالقة‪ ،‬ويجعل أمر ارتباطهما على مستوى التنظير غير محسوم‪،‬‬
‫وهذا حتى وإْن بدت جّليا مظاهر تقاطعها‪ .‬ونجد في طرح م‪ .‬برنيي‪ M.Pergnier-‬ما يبّي ن ذلك‪،‬‬
‫فهو يرى أن النظرية الترجمية ينبغي أن تؤّس س بمعزل عن النظرية اللسانية‪ ،‬ويقّد م أسباب ذلك‬
‫من ثالث نواح نجمل الحديث عنها في ما يلي ‪:‬‬

‫«أّو ال ‪ :‬ليست الترجمة بحدث قاّر ‪ ،‬حدث خاص ب « البنى »‪ ،‬بل هي حدث حيوي متغير‪ ،‬وألنها عملية‬
‫بحث عن التكافؤات بين رسائل تتسم بالديناميكية فإّن ها ال تتعامل مع األنظمة اللغوية فقط‪ ،‬لكن تستند‬
‫كذلك إلى العمليات النفسية المتعلقة بالفهم والتعبير‪ ،‬إلى جانب عمليات تفعيل المعارف الخارجة عن‬
‫اللغة‪ ،‬فهي بالتالي ترتبط بعلم النفس وعلم النفس اللغوي مثلما ترتبط باللسانيات في الوقت نفسه‪ ،‬كما‬
‫تعتد بظواهر الثقافة والحضارة التي تلوج بها إلى علم االجتماع عن طريق اللسانيات االجتماعية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬يكون من األفيد للتنظير في الترجمة أن يعتمد على تجربة عملية‪ ،‬في حين أنه ليس كّل‬

‫اللسانيين بمترجمين‪ ،‬وليسوا على وعي بخصائص هذا النشاط‪ ،‬لذا فإن الذين يمارسون الترجمة هم‬
‫أقدر على األقل على طرح المسائل النظرية طرحًا سليمًا أو أكثر من ذلك حّلها‪ .‬ومن هذه الزاوية فإّن‬
‫انشغال المترجمين المحترفين حديثا بالتنظير لفّنهم بأنفسهم هو إسهام ذو أهمية كبرى‪ ،‬علمًا أنه إلى‬
‫وقت قريب‪ ،‬قد ترك أمر التنظير في الترجمة حصرّي ًا للسانيين وعلماء النفس‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬إّن الظروف التي تطورت فيها اللسانيات والكيفية التي طرحت بها إشكاليتها فيها نظر‪ ،‬ومن‬
‫مآخذ المترجمين على اللسانيات أنها تهتم باشتغال اللغات وبنيتها فحسب‪ ،‬وليس بالكالم الفعلّي ‪،‬‬
‫وصحيح أن اتجاه تطور اللسانيات عموما خالل الخمسين سنة األخيرة كان نحو وصف بنى اللغة أكثر‬
‫منه نحو وصف آليات الكالم» (‪.)Pergnier 1981 :256-257‬‬

‫ونعتقد أن مثل هذه المآخذ التي يقيم عليها البعض حجتهم ضد تعالق المجالين‪ -‬الترجمة‬
‫‪45‬‬

‫واللسانيات‪ -‬أو اتصالهما على مستوى التنظير‪ ،‬ينّم أكثر عّم ا يصبو إليه معظم المترجمين في أن‬
‫تستقل الترجمة بذاتها بوصفها مجاًال معرفّي ًا متمّي زًا ‪ ،‬وإّن الشرخ القائم بينهما اليوم لدليل واضح‬
‫على الصعوبة التي تجدها اللسانيات في احتواء الترجمة كممارسة لغوية بالّد رجة األولى‪ ،‬والتي‬
‫قد تفّس ر بعوائق نظرية ومنهجية‪ .‬وإضافة إلى ذلك فإّن اللسانيات قد استقامت في موضوعها‬
‫وغايتها بعيدا عن الترجمة‪ ،‬واستطاعت المدارس اللسانية المختلفة أن تبلور جهازا مفاهيميا‬
‫وإجرائيا لمعالجة القضايا المطروحة في مجالها‪ ،‬وهذا مع اإلشارة إلى أّن ها كانت في اتجاهها العام‬
‫دراسات نظرية‪ ،‬أما في ما يتعلق بالترجمة فإّن ها الزالت تمثل مجاال تطبيقيا ُي جرى فيه تجريب‬
‫النماذج النظرية التي تقترحها اللسانيات‪ ،‬وهي كما قال البعض‪« :‬فلئن كانت قد تبوأت منزلة‬
‫مشرفة في كتابات اللسانيات التطبيقية‪ ،‬فإن وجودها كان سابقا لهذه األخيرة‪ ،‬وكانت حينذاك‬
‫فرعا من األدب المقارن (بداية القرن ‪ )20‬أو األدب» (رضوان ‪.)31 : 2010‬‬

‫وعلى ذلك‪ ،‬فإّن عدم بروز مالمح التقارب بين الترجمة واللسانيات على المستوى اإلبستمولوجي‬ ‫‪46‬‬

‫قد يفّس ر الشرخ المنهجي بينهما‪ ،‬والذي اتسع رّبما أكثر مع احتالل اللسانيات البنيوية ردحًا من‬
‫الزمن الصدارة في مجال البحث اللساني‪« ،‬ولمن ينظر إلى األشياء من زاوية البحث األساسي فإنه‬
‫بالفعل ال يوجد أدنى شك في أن الصعوبة في إيجاد لغة مشتركة تنّم عن عجز إبستمولوجي يعيق‬
‫تطور نظرية الترجمة واللسانيات معًا« (‪ ،)Pergnier 2004 :17‬ومع ذلك فإن األمر الالفت‬
‫للنظر هو أنه بإمكان اتخاذ الترجمة مقاربة للغة ضمن المقاربات الممكنة‪ ،‬مثلما ُت عتمد في تعليم‬
‫اللغات‪ ،‬وهذا بالنظر إلى إفادتها من اللسانيات بالخلفية النظرية‪.‬‬

‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬يمكن أن تمثل الترجمة الصدى لما يتحقق كخطوات منهجية على مستوى التنظير‬
‫‪47‬‬

‫اللساني‪ ،‬مّم ا يمكن أن يبقيها على درجة من القرب من البحث اللساني‪ ،‬وفي هذا السياق يتساءل‬
‫م‪.‬برني‪ M.Pergnier -‬مستنكرا تصّو ر الفصل التام بين الترجمة واللسانيات ‪« :‬هل يمكن تقّب ل‬
‫فكرة أن ال تؤخذ بعين االعتبار مفاهيم نظرية عامة حول اللغة في حقل تجريب هام مثل‬
‫الترجمة؟ أو بعكس ذلك‪ ،‬أن تكون عناصر أساسية في بلورة نظرية الترجمة غير قابلة لالندماج‬
‫في نظرية اللسانيات العامة؟ »(‪ )Pergnier 2004 :17‬وعلى أهمية هذا المبدأ الذي يوحي‬
‫بوجود صلة نظرية على األقل بين الترجمة واللسانيات العامة‪ ،‬إّال أنه في الواقع ال يكفي ذلك‬
‫لتحديد جسور واضحة بينهما‪ ،‬كما ال يمكن الحديث عن احتمال وقوع ذلك ما لم ُت رفع مجموع‬
‫االلتباسات التي تشوب عالقتهما‪ ،‬وريثما يتحقق لهما ذلك فإن جهود التنظير في المجالين معا‬
‫تسير في اتجاهين متوازيين‪.‬‬

‫وعطفًا على ما تقّد م‪ ،‬نرى أنه باإلمكان في هذا السياق تفهم موقف المترجمين وتبرير انشغالهم‬
‫‪48‬‬

‫حصرّي ًا بالمسائل التي يطرحها العمل الترجمي بعيدًا عن اللسانيات‪ ،‬وسعيهم إلى االجتهاد ضمن‬
‫تخّص صهم تكريسًا لهوية حقل الترجمة قبل كل شيء على اعتباره مجاًال معرفّي ًّا مغايرًا للسانيات‪،‬‬
‫وبالتالي العمل على بلورة التفكير حول الترجمة دون أن تمثل النظرية اللسانية بالنسبة لهم‬
‫النظرية المرجع‪ ،‬إْن على مستوى الترجمة العملية أو على مستوى التنظير‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد يكون من اإلجحاف في حق هذا المجال الحيوي والواسع الذي تمثله الترجمة أن تختزل‬
‫‪49‬‬

‫طبيعته في البعد اللساني‪ ،‬والتركيز فيه عّم ا يصله باللسانيات فحسب‪ ،‬إذ ال ينبغي أن نتغاضى عن‬
‫حقيقة أخرى تتعلق بكون المترجم يتعامل أساسًا مع مضامين الرسائل التي يتم نقلها من ذوات‬
‫إلى أخرى‪ ،‬ومن ثقافة إلى أخرى‪ ،‬ومن لغة إلى أخرى‪ ،‬وهو ما يستدعي األخذ في االعتبار كل هذه‬
‫األبعاد في بناء نظرية شاملة خاّص ة بالترجمة‪ ،‬وللتذكير فإّن ‪:‬‬

‫«دراسة نظرية الترجمة‪ -‬التي ال تزال في بداياتها‪ -‬يجب أن تتجاوز النظريات اللسانية وتستدعي‬
‫تخصصات أخرى مثل علم النفس (أنظر مثال دراسات السيدة سليسكوفيتش حول الذاكرة في‬
‫الترجمة) أو الفلسفة والتحليل النفسي (أنظر مثال الدميرال الذي ترجم لفالسفة ألمان)‪ .‬إن الترجمة‬
‫التي توجد عند تخوم العديد من العلوم اإلنسانية أو الدقيقة التي تجاهلتها مدة طويلة‪ ،‬ما عدا‬
‫«اللسانيات التداولية» ‪ linguistique pragmatique‬أو« علم النص » ‪ textologie‬حديثا‪ ،‬ال‬
‫يمكن أن تقتصر على مقاربة واحدة» (رضوان ‪.)42 : 2010‬‬

‫‪ّ50‬ن الترجمة ال يمكن أن تكتفي بكونها ترجمة في اللغة ومن خالل اللغة‪ ،‬فهي في ممارستها ملتقى‬‫وإ‬
‫لمعارف أخرى غير المعرفة اللسانية‪ ،‬ولعّل هذا ما يضفي عليها طابعا ديناميكيا ويجعلها قادرة على‬
‫التصّر ف في أبعاد المضامين المتنوعة التي تشتغل عليها‪ ،‬وتقتضي الممارسة الترجمية بالتأكيد‬
‫معرفة الخلفيات الفكرية والثقافية التي ينطلق منها صاحب النص األصلي‪ .‬ولّم ا كان اإللمام بكل‬
‫المعارف أمرًا مستحيًال فإّن ه من الضروري اعتماد مبدأ التخّص ص في الترجمة‪ -‬وتتفرع مباحثها‬
‫بتفرع التخّص صات‪ -‬تحقيقًا للنجاعة المنشودة‪ ،‬بما يكفل لها تحقيق التواصل في أبعاده الواسعة‪،‬‬
‫ونقصد بذلك التواصل اإلنساني‪ .‬وبهذا الصدد يصّر ح المهتمون بقضايا التواصل اللغوي ‪:‬‬

‫«يمكننا اعتبار أّن ه من السخافة بمكان أن يبقى الجنس البشري‪ ،‬الذي يميل أكثر فأكثر إلى أن يكون‬
‫متضامنا‪ ،‬ومتجانسا و«متوافقا»‪ ،‬متقوقعًا في طبقات لسانية ال تحصى‪ ،‬كما يمكننا اعتبار من السخافة‬
‫أيضا أن تسعى اإلنسانية بكّل شغف إلى التوصيل اآلني للكالم عبر الفضاء دون أن تهتم حقيقة بجعل‬
‫هذا الكالم مفهوما من ِق بل الكّل (‪،»)Burney 1966 :125‬‬

‫ولعّل ذلك هو التحّد ي األكبر الذي ينبغي على المترجمين رفعه في الوقت الراهن الذي اقتحمت‬
‫‪51‬‬

‫فيه التكنولوجيات الحديثة حقل الترجمة السيما من خالل الترجمة اآللية‪.‬‬


‫خاتمة‬

‫سعت هذه الورقة البحثية إلى الوقوف على بعض الجوانب الرئيسية في المسألة التي تثيرها‬
‫‪52‬‬

‫عالقة الترجمة باللسانيات اليوم‪ ،‬وإلى بلورة التصّو ر حول إمكانية ربط الترجمة باللسانيات‬
‫التداولية‪ ،‬وقد انطلقنا في ذلك من أساسين اثنين ‪ :‬يخّص األّو ل ما تقوم عليه العالقة بين‬
‫الترجمة واللسانيات في المنطلق‪ ،‬أي من حيث اشتغالهما على آليات اللغة‪ ،‬والذي سمح بالتقائهما‬
‫على مستوى الممارسة الترجمية بالخصوص مع أّن هما سارا في اتجاهين متوازيين على المستوى‬
‫التنظيري؛ ويخّص الثاني ما ُي مكن أن ُت سهم به اللسانيات التداولية بشكل خاص في تطوير نظرية‬
‫الترجمة‪ ،‬وذلك على اعتبار التوّج ه الذي ارتأته لنفسها‪ ،‬والذي يمت بالصلة إلى مقاربة اللغة ليس‬
‫من حيث مكّو نها الّد اللي فحسب‪ ،‬وإنما في مكّو نها التداولي‪ -‬التواصلي‪.‬‬

‫لقد أفضى هذا البحث‪ -‬في طرح القضايا ومناقشتها‪ -‬إلى مجموعة من النتائج نوجز الحديث عنها‬
‫‪53‬‬

‫في ما يلي ‪:‬‬

‫‪ .1‬ال يمكن أن نتغاضى عّم ا َت حّق ق للترجمة من تقارب وتداخل مع اللسانيات‪ ،‬وفي الوقت نفسه ال يمكن‬
‫وصف العالقة بينهما بأّن ها عالقة احتواء– احتواء اللسانيات لها‪ -‬وهذا بالنظر إلى ما تبدو عليه الترجمة‬
‫في بعض مظاهرها كنشاط قائم في مسلك مواز لها‪ ،‬كما ينبغي اإلقرار بتوازي مساراتهما المعرفّي ة؛‬

‫‪ .2‬إّن البحث في عالقة اللسانيات التداولية بالترجمة يمكن أن يعرض مسالك جديدة في التفكير حول‬
‫إمكانية تقاربهما بدرجة أكبر وهذا بحكم تعالق المجالين في اشتغالهما على آليات اللغة من ناحية؛‬
‫وعلى المضامين قصد تأويلها من ناحية أخرى‪ ،‬إذ ما يسعى المترجم إلى نقله من لغة إلى أخرى هو‬
‫مضمون الكالم المؤدى وفق مقصد تواصلي محّد د؛‬

‫‪ .3‬وإّن اعتماد الترجمة على نتائج البحث اللساني التداولي من شأنه أن يسمح لها ببلورة نظرياتها‪ ،‬وهو‬
‫األمر الذي نتصّو ره كذلك من منظور تجريب النظريات التداولية في حقلها‪ ،‬ولعّله المجال األنسب لذلك‪،‬‬
‫وهو ما سيؤدي إلى قيام مباحث نظرية مشتركة بين الترجمة واللسانيات التداولية‪ ،‬وهذا في نظرنا‬
‫كفيل بتجّس يد نوع من التقارب المنهجي بين المجالين‪.‬‬

‫وتأسيسا على ما تقّد م‪ ،‬نرى أّن الترجمة يمكن أن تأخذ اتجاها جديدا إْن ُف تحت اآلفاق فيها على‬
‫‪54‬‬

‫البحث اللساني التداولي‪ ،‬ويمكن أن نلمح من عدة أوجه أفق المزاوجة النظرية بينهما‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ عمادة شؤون‬: ‫ الرياض‬.‫ اتجاهات حديثة في تعليم العربية للناطقين باللغات األخرى‬.1979 .‫ علي‬،‫القاسمي‬
.‫ جامعة الرياض‬،‫المكتبات‬

.‫ الطبعة األولى‬،‫ جامعة قان يونس‬: ‫ نور الهدى لوشن بنغازي‬: ‫ تر‬.‫ علم الداللة‬.1997 .‫ ريمون‬،‫ كلود ولوبلون‬،‫جرمان‬

،‫ مخبر الممارسات اللغوية في الجزائر‬: ‫ تيزي وزو‬،‫ محمد يحياتن‬: ‫ تر‬.‫ موسوعة الترجمة‬.2010 .‫ جوئيل‬،‫رضوان‬
.‫جامعة مولود معمري‬

.‫ الطبعة الخامسة‬،‫ لونجمان‬-‫ الشركة المصرية العالمية للنشر‬: ‫ القاهرة‬.‫ فن الترجمة‬.2000 .‫ محمد‬،‫عناني‬

‫ الطبعة‬،‫ المجلس األعلى للثقافة‬: ‫ القاهرة‬،‫ أحمد زكريا إبراهيم‬: ‫ تر‬.‫ علم اللغة والترجمة‬.2002 .‫ جورج‬،‫مونان‬
.‫األولى‬

‫ مكتبة زهراء‬: ‫ القاهرة‬،‫ سعيد حسن بحيري‬: ‫ تر‬.‫ علم لغة النص‬.2004 .‫ ديتر‬،‫ قولفجانج وفيهقجر‬،‫هاينه مان‬
.‫الشرق‬

Antoine Culioli.1969. « Terminologie culiolienne ». Alpha Encyclopédie. DRL.


Université Paris 7, pp 42-43.

Bernard Pottier. 1974. Linguistique générale. Théorie et description. Paris : Edition


Klincksieck.

Emile Benveniste. 1966. Problèmes de linguistique générale. T1. Paris : Gallimard.

Georges-Elia, Sarfati. 2002. Précis de pragmatique. Paris : Nathan/VUEF.

Maurice Pergnier.1981. « Théorie linguistique et théorie de la traduction ». Meta


263 (1981) : 255- 262. DOI : 10.7202 /003823 ar.

Maurice Pergnier. 2004. « Traduction et linguistique : sur quelques malentendus »,


La linguistique, 2004/1(Vol.40), pp. 15-24. Doi 10.3917/ling. 401.0015.
https://www.cairn.info/revue-la-linguistique-2004-1-page-15.htm.
(https://www.cairn.info/revue-la-linguistique-2004-1-page-15.htm.%20%20%20pp)

Patrick Charaudeau & Dominique Maingueneau. 2002. Dictionnaire d’analyse du


discours. Paris : Du Seuil.

Pierre Burney. 1966. Les langues internationales, Que Sais-Je ? PUF.

Roland Barthes.1985. « Théorie du texte ».EncyclopAedia Universalis France.


Soutine-Tirso : S.A .CORPUS 17.
‫‪‬‬

‫كر يمة سالمي‬

‫جامعة مولود معمري‪ ،‬تزيي وزو (الجزائر)‬

‫‪‬‬

‫‪© Tous droits réservés à l'auteur de l'article‬‬

You might also like