You are on page 1of 21

‫ماستر علوم الترجمة واللسانيات‬

‫عرض تحت عنوان‪ :‬النظرية الغائية‬


‫عند هانس جوزيف فيرمير وكاتارينا رايس وكريستيان‬
‫نورد‬

‫مادة‪ :‬الترجمة والتواصل'‬


‫الدورة الربيعية‬

‫من إعداد الطلبة‪:‬‬ ‫تحت إشراف األستاذ الدكتور‪:‬‬


‫بالمهدي أميمة‬ ‫الطيب بوتبقالت‬
‫بن لحسن أمينة‬
‫المتنبي نورالدين‬
‫السنة الدراسية‪2020-2019 :‬‬

‫خطة' البحث‬
‫‪ -I‬مقدمة‬
‫‪ -II‬النظرية الغائية‬
‫‪ -1‬مفهوم النظرية الغائية‬
‫‪ -2‬النشأة والتطور‬
‫النظرية الغائية من منظور هانس فيرمير‬ ‫‪-III‬‬
‫تقييم الترجمة حسب النظرية الغائية‬ ‫‪-1‬‬
‫‪ -IV‬إسهامات كاتارينا رايس في نظرية الهدف‬
‫‪ -1‬نظرية أنماط النصوص لكاتارينا رايس‬
‫‪ -2‬المعايير التوجيهية اللسانية الداخلية و الخارجية‬
‫‪  -3‬نقد نظرية أنماط النصوص‬
‫‪ -V‬أنموذج تحليل النص لكريستيان نورد‬
‫‪ -1‬وظائف اللغة‪:‬‬
‫‪ -2‬أنماط الترجمة‬
‫‪ -3‬عملية تدريب المترجم‬
‫‪ -3-1‬أهمية موجز الترجمة‬
‫‪ -3-2‬دور تحليل نص األصل‬
‫‪ -3-3‬المقاربة المنهجية لمشكالت الترجمة‬
‫‪ -4‬وحدة الترجمة‬
‫‪ -5‬أخطاء الترجمة‬
‫‪ -VI‬إشكالية التكافؤ والتطابق والمالئمة في النظرية الغائية‬
‫بعض االنتقادات الموجهة لنظرية الهدف‬ ‫‪-VII‬‬
‫‪ -VIII‬خاتمة‬
‫‪ -I‬مقدمة‪:‬‬
‫تعد نظرية الهدف أو نظرية الغائية إلى جانب العديد من النظريات والنماذج الترجمية والعلمية‪ ،‬من‬
‫النظريات األكثر إثارة للجدل في تاريخ الترجمة المعاصر‪ .‬إن النقاشات التي أثارتها و الدور الذي أدته‬
‫هذه النظرية داخل دراسات الترجمة ال يمكن تتبعهم من دون إلقاء نظرة على تاريخ ظهورها‪ .‬يركز هذا‬
‫العرض في المقام األول على تاريخ دراسات الترجمة عامة ونظرية الغائية خاصة وتطورها في ألمانيا‪،‬‬
‫ثم على بعض المقاربات المحددة و كذلك تقديم لمساهمة كل من هانس فيرمير وكاتارينا رايس‬
‫وكريستيان نورد في تطوير هذه النظرية‪ ،‬كما سيقدم شرح للمفاهيم والقواعد العلمية والجوانب المحورية‬
‫لهذه النظرية‪ ،‬مع محاولة العمل على إبراز مواقف فيرمير ورايس بوضوح‪ ،‬وربطها بآراء باقي الباحثين‪.‬‬
‫وفي النهاية سيتطرق هذا العرض لآلراء المنتقدة لنظرية الغائية‪ .‬ويبقى الهدف من هذا العرض إعطاء‬
‫لمحة شاملة عن نظرية الغائية التي قد تكون مفيدة لتصبح مدخال لهذا الموضوع ومحفزا على االهتمام‬
‫بميدان دراسات الترجمة‪.‬‬

‫‪ -II‬نظرية الغائية‬

‫مفهوم نظرية الهدف‪:‬‬ ‫‪)1‬‬


‫تسعى النظرية الغائية باألساس الى الوصول إلى ترجمة ذات توجه وظيفي واجتماعي وثقافي ‪ .‬وقد‬
‫استلهم فيرمير هذه الرؤية من نظرية الفعل االجتماعي والنظرية التواصلية والنظرية السياقية‪ .‬وترى‬
‫النظرية الغائية أن العوامل المؤثرة في الفعل االجتماعي عوامل مهمة خاصة عند ترجمة النصوص غير‬
‫األدبية كالنصوص القانونية والعلمية والصحفية حيث ال يمكن إغفال السياقات التي تحيط عملية ترجمتها‪.‬‬
‫كما تشمل هذه العوامل ثقافة متلقي النص الهدف والزبون الذي قام برعايته وخاصة ماهية الوظيفة التي‬
‫يراد ان يؤديها النص المترجم داخل ثقافة المتلقي حيث تعد هذه الوظيفة أساسية في النظرية الغائية‪.‬‬

‫ال تنظر النظرية الغائية للترجمة باعتبارها عميلة إعادة إنتاج رموز في لغة ما إلى رموز في لغة‬
‫أخرى‪ ،‬بل بصفتها تمثال للفعل االنساني حيث يكون للترجمة هدف معين‪ .‬أي أن الترجمة تصير فعال و‬
‫الذي ال بد له من غاية او هدف‪ .‬فكلمة‪ Skopos‬والتي تعني الغاية في اللغة اليونانية تحيل على فكرة‬
‫الغاية من الترجمة و التي يجب تحديدها قبل الشروع في الترجمة على خالف النظريات األخرى التي‬
‫تركز على هدف ووظيفة النص المصدر‪ .‬كما ينصب االهتمام باإلضافة الى الهدف من الترجمة على مدى‬
‫قبولية النص المترجم لدى المتلقي ‪.‬‬

‫‪ )2‬النشأة والتطور‪ :‬نبذة عن تاريخ دراسات الترجمة في ألمانيا‬


‫تعد دراسات الترجمة عموما من الفروع الناشئة التي بدأت الظهور منذ منتصف القرن العشرين‪.‬‬
‫ولكن قبل هذا الوقت بكثير‪ ،‬لم يكن المترجمون ينشغلون بعمل الترجمة فحسب بل كانوا أيضا‬
‫يكتبون أطروحات يتناولون من خاللها جوانب الترجمة المختلفة بالدراسة والبحث‪ .‬ويمكن تقسيم تاريخ‬
‫تطور دراسات الترجمة إلى المرحلة ما قبل العلمية‪ ،‬والتي أفرزت مفكرين أمثال المفكر الروماني‬
‫شيشيرون والذي يعتبر من أهم المترجمين في تلك الفترة‪ .‬باإلضافة إلى سان جيروم مؤلف الفولغاتا‬
‫ومارتن لوثر الذي قدم ترجمة خاصة به للكتاب المقدس بلغته المحلية بدال من اللغة الالتينية التي كانت‬
‫اللغة الوحيدة التي سمحت الكنيسة الرومانية باستخدامها لقراءة الكتاب المقدس‪ ،‬مما أثر بشكل كبير على‬
‫الكنيسة و الثقافة األلمانية عموما‪ ،‬حيث عززت ترجمته اللغة األلمانية و طورت بذلك مبادئ الترجمة في‬
‫تلك اآلونة‪ .‬ومن المترجمين األلمان الذين أسسوا لدراسات الترجمة نذكر الفيلسوف والمترجم فريدريش‬
‫شليرماخر الذي خاض في عالقة التأويل بالترجمة‪ .‬فرأى أن عملية فهم النصوص قصد الترجمة هو‬
‫ضرب من التقمص العاطفي والتحليل اللغوي الحدسي موضحا أن التأويل يتكون من عمليتين االولى‬
‫نحوية أو لغوية واألخرى سيكولوجية‪ .‬وما دام هناك دراسات للتاريخ القديم يجب أن يكون هناك بالتأكيد‬
‫دراسات للترجمة وقد استغرق األمر قرابة مئة وخمسي سنة بعد مطالبة شليرماخر بذلك‪ ،‬لكي تبدأ مرحلة‬
‫الدراسة العلمية للترجمة‪.‬‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬كانت الدراسات اللسانية في الغرب تعد مرجعا أساسيا في الترجمة ما بين‬
‫الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين‪ .‬لذلك‪ ،‬كانت نظريات الترجمة في غالبيتها تركز على مبدأ‬
‫التكافؤ اللغوي والذي كان له تأثير كبير في ذلك الوقت‪ .‬فكانت الترجمة بمثابة عملية نقل لغوية بحتة أو‬
‫كما وصفها نيومارك ب"عملية تناوب لغوي"‪ .‬هذا يعني أن عملية الترجمة تتمثل في إعادة إنتاج النظير‬
‫الطبيعي األقرب في اللغة الهدف لرسالة اللغة األصل ( تابر و نايدا ‪ .)1969:12‬و بالتالي فإن هذا المنهج‬
‫القائم على التكافؤ اللغوي في الترجمات يصب جل اهتمامه على مدى وفاء النص الهدف للنص المصدر‬
‫حيث أن النص المصدر يمتلك أفضلية تامة على النص الهدف‪ .‬ال شك أن تأثير اللسانيات في الترجمة له‬
‫العديد من المحاسن التي ال يمكن إنكارها ولكنه في نفس الوقت تعتريه الكثير من السلبيات حيث أنه من‬
‫خالل الممارسة العملية للترجمة‪ ،‬وجد العلماء أن اعتماد الترجمة كلمة بكلمة أو الحرص الزائد على الوفاء‬
‫للنص االصلي هو اختيار غير موفق و هذا مرده الى أن عملية الترجمة ال يمكن حصرها داخل البناء‬
‫الشكلي للغة وأن منهج التكافؤ اللغوي ال يمكنه حل جميع مشكالت الترجمة وبالتالي كان لزاما على‬
‫المختصين التفكير في مقاربات أخرى بديلة تمكن الترجمة من تحقيق الغاية المنوطة بها وإيجاد الحلول‬
‫لهذه المشكالت‪.‬‬

‫إن الحديث عن نظرية الغائية يحيلنا مبدئيا للحديث عن مقاربة شاملة لها وهي المقاربة الوظيفية في‬
‫الترجمة والتي ظهرت في ألمانيا أوائل القرن العشرين‪ .‬وتعني المقاربة الوظيفية في الترجمة التركيز على‬
‫وظيفة النص ووظيفة الترجمة بدال من النص في حد ذاته‪ .‬ومنذ ذلك الوقت أدت المقاربة الوظيفية‬
‫للترجمة خاصة في ألمانيا دورا رئيسا في بلورة و تطوير دراسات الترجمة‪ .‬ومن خالل دراسة تاريخ‬
‫الترجمة‪ ،‬نجد أن جذور النزعة الوظيفية للترجمة تعود إلى الممارسات األولى للترجمة خاصة في‬
‫ترجمات النصوص األدبية وترجمة الكتاب المقدس‪" .‬عرفت فترة الستينات و الثمانيات من القرن‬
‫العشرين تحوال محوريا في منهجيات الترجمة وظهور المقاربة الوظيفية التواصلية للترجمة" ( مانداي‬
‫‪( .)2001:73‬الترجمة لنا) ذلك أن االستراتيجية المستعملة في ترجمة النص ال يجب ان يحددها النص في‬
‫حد ذاته وال المترجم نفسه بل تقررها الغاية أو الهدف من الترجمة‪ .‬شكل هذا المنهج القائم على غاية‬
‫الترجمة أهم األفكار التي جاءت بها المقاربة الوظيفية في الترجمة‪ .‬ويذكر أن المقاربة الوظيفية ال تشمل‬
‫فقط نظرية الغائية التي طورها األلمان والتي أدت دورا هاما في دراسات الترجمة بل تشمل أيضا نظرية‬
‫التكافؤ الدينامي التي طرحها اللغوي و المترجم األمريكي يوجين نايدا ونظرية أنواع النصوص لبيتر‬
‫نيومارك‪.‬‬
‫النظرية الغائية من منظور فيرمير‬ ‫‪-III‬‬
‫يركز فيرمير حسب كتابه " تأسيس نظرية عامة للترجمة " ( ‪ )1984:100‬أن الغاية من النص الهدف‬
‫يجب أن تكون هي المحدد الوحيد للمقاربة أو االستراتجية التي ستتم من خاللها الترجمة‪ .‬ثم يأتي التركيز‬
‫على مجموعة من القواعد و التي يسميها ب " قواعد الغائية " التي ترتبط بالفعل اإلنساني الذي يعطي‬
‫للترجمة خاصية الهدف المنوط بها‪.‬‬

‫يرى فيرمير أن الغاية من الترجمة ال يتم تحديدها من خالل النص المصدر او النص الهدف و ال من‬
‫طرف مؤلف النص األصلي نفسه‪ ,‬بل يحددها الزبون "‪ ."The initiatior‬و بالتالي فإن الغاية من‬
‫الترجمة مرتبطة بمستعمل النص الهدف وخلفيته االجتماعية والثقافية‪ .‬إن اختيار الهدف يخضع بطبيعة‬
‫الحال لقيود إذ يجب أن يكون الهدف المختار مبررا وذا معنى قوي‪ ,‬أي أن يكون مالئما من حيث وضعيته‬
‫ومكانته داخل ثقافة ما‪ .‬وبالنسبة إلى تحديد الهدف‪ ,‬فإن من الواجب أن يكون المتلقي معروفا‪ .‬إذ ال يمكن‬
‫أن نضمن تناسب وضعية ما داخل إطار ثقافة أصلية أو ثقافة فرعية بمتلق مجهول وغير محدد‪.‬‬

‫ترتبط نظرية الغائية عند فيرمير بقاعدتين أساسيتين و هما قاعدة اإلخالص"‪ " Fidelity Rule‬و‬
‫قاعدة الترابط "‪ ." Coherence Rule‬و تعني قاعدة الترابط أنه يشترط في النص الهدف أن يتسم‬
‫بالترابط والتماسك والتناسق بين أجزائه وفقراته‪ ،‬ليتمكن المستعمل الهدف من فهمه واستيعابه‪ .‬ويشير‬
‫فيرمير إلى أن قاعدة االخالص تنبني على نوع من االتساق و الذي يرمز إلى المتلقي ونعني بذلك هنا‬
‫«االتساق الداخل نصي» أي أن هذا النوع من االتساق يستهدف العالقة بين النص المترجم والنص‬
‫المصدر وهو مرتبط بهدف النص وفهمه وتأويله من جهة المترجم‪ .‬كما أن من الواجب وجود اتساق بين‬
‫الرسالة المدرجة من منتج النص المصدر والرسالة التي أولها المترجم باعتباره متلقيا وأخيرا مع الرسالة‬
‫التي أدمجها المترجم في النص المترجم بصفته مساعدا للمؤلف‪.‬‬

‫قد يخلط البعض بين قاعدتي الترابط واإلخالص وبين مفهوم التكافؤ في إطار الترجمة اللغوية‪.‬‬

‫لقد أعطى فيرمير تعريفا جديدا لمفهوم التكافؤ باعتباره "العالقة بين النص المصدر والنص الهدف‬
‫والتي تقوم في ثقافة معينة وعلى مستوى محدد وبالوظيفة التواصلية نفسها ( رايس و فيرمير ‪:1984‬‬
‫‪ ،)112-109‬حيث عمل فيرمير على تفادي استعمال عبارة التكافؤ بل استعمل عبارة التطابق حيث يرتبط‬
‫هذا األخير بالنص الهدف ويصف العالقة بين وسائل التعبير اللغوي والهدف‪ ,‬ويشمل هذا التعريف‬
‫إمكانية تغيير وظيفة النص أيضا‪ .‬ولقد أعيد تعريف التكافؤ كنوع خاص من التطابق وخاصة باعتبار‬
‫االتساق الوظيفي بين النص المصدر والهدف‪.‬‬

‫‪ )1‬تقييم الترجمة حسب النظرية الغائية‪:‬‬


‫تعتبر النظرية الغائية الترجمة كونها فعال و الذي بدوره تنتج عنه ردة الفعل حيث أن المتلقي يقوم من‬
‫خالل ردة الفعل الصادرة عنه بما يدل على أنه تلقى الرسالة‪ .‬إن نوع ردة الفعل يبين طريقة وصول‬
‫الرسالة إذ يمكن اعتبار الفعل «ناجحا» إذا لم يالقي ردة فعل سلبية لدى المتلقي‪ .‬يمكن القول بأنه من أجل‬
‫استجابة مالئمة‪ ،‬يجب أن يفهم المتلقي ما قصده المرسل‪ .‬وبالتالي فإن الشروط األساسية لفهم رسالة ما‬
‫هي‪:‬‬
‫‪ -‬وجود تجربة أو تجارب متماثلة و‪/‬أو متكاملة بين المتلقي ومرسل الرسالة‪.‬‬
‫‪ -‬وجود ثقافة أو ثقافات متماثلة بين المتلقي و مرسل الرسالة‪.‬‬
‫‪ -‬التمثل في االستعداد بين المرسل والمتلقي‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬يجب أن تكون الرسالة متناسبة مع وضعية المتلقي نفسه؛ إذ ال بد أن يكون قادرا على‬
‫تصنيف الرسالة في وضعيته وأن تكون الرسالة مرتبطة مباشرة بمستواه المعرفي‪.‬‬

‫يعتبر النص المصدر بحسب التقديرات اللسانية مقياسا لألمور‪ ،‬وبذلك يمكن اتخاده معيارا لتقييم‬
‫الترجمة‪ .‬وبحسب فيرمير ورايس‪ ،‬فإن «تطابق الهدف» مع النص األصلي يقوم بهذا الدور‪ .‬و يرى‬
‫فيرمير أن الترجمة ال يمكن أن تكون إما صحيحة أو مغلوطة فهي تختلف باختالف األشخاص كما تختلف‬
‫األهداف باختالف األحوال االجتماعية والثقافية للمترجم والمتلقي‪.‬‬

‫يعتبر فيرمير أن تعدد وظائف النص المصدر والتوجه الوظيفي لنظرية الغائية يوسعان مجال مسؤولية‬
‫المترجم‪ .‬فالمترجم ليس ناقالّ للغة ومشفرا للرموز فقط‪ ،‬بل يعتبر مؤلفا مساعد ا أيضا‪ ،‬و خبيرا مستقال‬
‫من واجبه إخبار رب الترجمة بنظرته المحتملة بشأن قيمة العمل وميزته وهدفه‪ .‬وعلى الرغم من إصرار‬
‫زبون الترجمة على إبداء اعتراضاته على المترجم‪ ،‬فإن مسؤولية اتخاذ قرار ما إذا كان المترجم سيقبل‬
‫هذا التكليف أم ال تقع على عاتق المترجم نفسه‪ .‬إذ يجب عليه‪ ،‬باعتباره خبيرا‪ ،‬أن يكون قادرا على تحمل‬
‫مسؤولية قرارته‪ .‬كما أن المترجم يأخذ‪ ،‬بحسب رايس في «نموذجها للعوامل المؤثرة في الترجمة»‪ ،‬الدور‬
‫المحوري والحاسم في العملية الترجمية‪.‬‬

‫يعتبر فهم النص المصدر واستراتيجية الترجمة المتبعة وتصورات الجودة وما إلى ذلك‪ ،‬من مهارات‬
‫المترجم‪ ،‬ولكنها أكبر متغير في كل ترجمة‪ ،‬ألنها تتأثر بالصفات الشخصية للمترجم ومهاراته‪ ،‬فالمترجم‬
‫ليس مترجما فقط‪ ،‬بل هو متلق للنص المصدر أيضا‪.‬‬
‫يعبر منتج النص المصدر عن نفسه بطريقة معينة‪ ،‬بحيث يتمكن متلقي النص أن يفهم بالضبط ما يريد‬
‫منتج النص أن يفهمه‪ .‬ويمكن لمنتج النص أن يزن بطريقة مشروطة تأثير عباراته في المتلقي غير‬
‫المقصود؛ إذ يمكن المترجم بصفته متلقيا‪ ،‬أن يكون جزءا من المتلقي المقصود‪ .‬ولكن هذا األمر ليس‬
‫إلزاميا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يظل المترجم خبيرا‪ ،‬يطلب منه تلقي النص المصدر بالطريقة التي أرادها منتج النص‬
‫أو رب الترجمة‪ ،‬كما أن مهاراته تحدد ما إذا كان يمكنه ذلك‪.‬‬
‫وبحسب فيرمير‪ ،‬يجب على المترجم بصفته خبيرا‪ ،‬أن يكون قادر ا على معرفة المجموعة التي ستوجه‬
‫إليها ترجمته وفي أي وضع يوجد المتلقي المقصود‪ .‬والبد للمترجم من الخوض في عالمه وعالم المنتج‬
‫والمتلقي‪ .‬وهذا يتطلب‪ ،‬كشرط‪ ،‬توفر المترجم على مستوى عال من المعرفة اللغوية والثقافية‪ ،‬وأن يكون‬
‫ثنائي اللغات و متعدد الثقافات‪.‬‬

‫مند ظهور كتاب تأسيس نظرية عامة للترجمة سنة ‪ 1984،‬جرى تناول مقاربة فيرمير ورايس بشكل‬
‫مستفيض في دراسات الترجمة‪ .‬فقد اصطدم إدخال المفاهيم واآلفاق الجديدة والمظاهر والتعاريف في‬
‫نظرية الترجمة انتقادات شديدة‪ ،‬ولكنه منح مع ذلك دراسات الترجمة دوافع جديدة وحاسمة أيضا‪ .‬مما‬
‫أدى الى ظهور نظريات وظيفية أخرى والسيما نظرية " الفعل الترجمي ليوستا هولزمينتيري و«الترجمة‬
‫الوظيفية» لكريستيان نوردس‪.‬‬

‫إن الهدف الذي توخاه فيرمير في نظريته منذ ثالثين سنة هو ترسيخ مبدأ أنه عندما نترجم‪ ،‬فإن األمر‬
‫ال يتعلق بترجمة الكلمات‪ ،‬بل يجب على المترجم أن يسأل نفسه‪ :‬لماذا أترجم وماذا أترجم ولمن أترجم؟‬
‫إسهامات كاتارينا رايس في النظرية الغائية‬ ‫‪-IV‬‬
‫تقدم العالمة األلمانية كاتارينا رايس تعريفا لعملية الترجمة على أنها تواصل بين لغتين تكون الغاية منها في‬
‫غالب األحيان خلق نص هدف مكافئ لنص اللغة المصدر‪ ،‬مكافئ يشمل الناحية الوظيفية لهذا النص‪ .‬وتعد الوسيلة‬
‫أهم مقتضيات هذه العملية‪ ،‬وهي النص المصدر والنص الهدف والوسيط‪ ،‬أي المترجم الذي يضحى مرسال ثانيا‪،‬‬
‫وبالتالي تصبح الترجمة تواصال ثانيا‪.‬‬

‫تحظى أعمال هذه العالمة بتقدير كبير في دراسات الترجمة‪ ،‬إذ يرجع أول عمل لها في هذا المجال إلى‬
‫الستينات‪ ،‬حيث ركزت فيه على نظريات الترجمة وقدمت تحديدا نموذجا يعتمد على الوظيفة الثابتة للعمل‬
‫الترجمي‪ ،‬مما يعني أنه على النص المترجم أن يحافظ على نفس الوظيفة التي يؤديها النص المصدر‪ .‬وبهذا‬
‫العمل‪ ،‬كانت رايس واحدة من السباقين إلى اعتماد مقاربة شاملة ال تكتفي بالنظر في المشاكل التي يصادفها جل‬
‫المترجمون‪ ،‬كالغموض والمشاكل المتعلقة باالختالفات المعجمية والتركيبية بين اللغات‪ ،‬بل تتعدى ذلك إلى ما‬
‫هو أوسع لتشمل عملية ترجمة تهدف إلى إدراك الوظيفة العامة للنص المصدر وإعادة تجسيدها في النص الهدف‬
‫باعتبارها أساسا تبنى عليه خيارات وقرارات المترجم‪ .‬وبهذا الصدد‪ ،‬فإن تحديد نمط النص يعد شرطا أساسيا ال‬
‫غنى عنه بالنسبة لرايس في النظرية الوظيفية التي تعتمد كلية على وظيفة النص المترجم‪.‬‬

‫يحدد المترجم أو حتى المرسل هذه الوظيفة‪ ،‬فهذا األخير يقرر حسب متلقي النص‪ ،‬فيمكن أن يقرر‪ ،‬على سبيل‬
‫المثال‪ ،‬مدمجا مكونات ثقافية غريبة من لغة الهدف‪ ،‬أن نصه يستهدف إثراء ثقافة هذه اللغة‪ ،‬مرفقا في نفس الوقت‬
‫معلومات تساعد المتلقي فهمها‪ .‬وبالعكس إذا كانت مهمة الترجمة نفسها‪ ،‬فال بد أن يلجأ المترجم إلى نص ينشأ‬
‫نفس التأثير على المتلقي في اللغة الهدف‪ .‬والنظرية التي تأخذ بغين االعتبار هذه العوامل المختلفة هي نظرية‬
‫الهدف لفيرمير ورايس‪ .‬وسنلجأ في ما يلي إلى إبراز إسهامات عمل رايس على ضوء هذه النظرية‪.‬‬

‫نظرية أنماط النصوص لكاتارينا رايس‪:‬‬ ‫‪)1‬‬

‫وكتذكير لما سبق‪ ،‬فإن نظرية الهدف ظهرت على يد المنظر األلماني هانس فيرمير‪ ،‬ويعد الكتاب الذي‬
‫أنجزه هذا األخير بمعية رايس‪ ) )Towards a General Theory of Translational Action‬أهم إنجاز‬
‫قدمه االثنان فيما يخص النظرية الغائية‪ ،‬ويطمح فيرمير ورايس في كتابهما إلى وضع نظرية عامة لكل‬
‫النصوص أال وهي نظرية الهدف‪ ،‬ومفادها أن تحقيق الوظيفة أو الغرض هو أساس كل ترجمة‪ ،‬وأن كل ترجمة‬
‫يجب أن تكون لها غاية تحددها الجهة التي تكلف بالترجمة‪ .‬إال أن المترجم هو الذي يحدد االستراتيجيات التي‬
‫سيتبعها للوصول إلى هذا الغرض‪ ،‬باعتباره الخبير بعملية الترجمة والمسؤول الوحيد عن إنجاز هذه المهمة‬
‫وعن نتاجها‪ .‬ولهذا فإنه بمجرد تعرف المترجم على وظيفة النص المصدر‪ ،‬يصبح النص الهدف جزء من‬
‫مهمته‪ ،‬فيختار إلى أي مدى يتمسك بالنص المصدر أو يبتعد عنه‪.‬‬

‫وجدير باإلشارة أنه داخل نظرية الغائية‪ ،‬قد يختلف الهدف أو الغرض من النص الهدف عن النص المصدر‪،‬‬
‫بحيث يكون النص المترجم موجها إلى ثقافة هدف‪ ،‬وبالتالي فإنه حري به أن يخدم هذه الثقافة ولهذا قد يختلف‬
‫اختالفا كبيرا عن النص األصلي حسب الغرض المقصود منه‪ .‬وما يمكن مالحظته من خالل هذه النظرية هو‬
‫المكانة الجديدة التي توليها للنص المصدر‪ ،‬لكونه نقطة االنطالق إلنتاج النص الهدف‪ ،‬غير أن الحصول عليه‬
‫يعتمد بشكل كلي على الوظيفة أو الغرض الذي سيمتلكه في الثقافة المستقبلة‪.‬‬
‫وهناك ثالثة طرق محتملة لتطبيق مبدأ الغرض وبذلك يمكن |أن يكون له ثالثة أبعاد‪ ،‬إذ يمكن أن يطبق‬
‫على مسار عملية الترجمة وبالتالي على الغرض من هذه العملية‪ ،‬كما يمكن تطبيقه على نتيجة الترجمة‪ ،‬وبالتالي‬
‫على الوظيفة التي يتوالها النص الهدف‪ ،‬ومن الممكن كذلك أن يطبق على نوع الترجمة وبالتالي على الغرض‬
‫من هذا النوع‪ ،‬وهذا ما جاءت به نظرية أنماط أو أنواع النصوص لكاتارينا رايس‪.‬‬

‫تعد رايس رائدة من رواد النظرية الغائية بجانب هانس فيرمير القتراحها فئة وظيفية )‪functional‬‬
‫‪( category‬في نموذجها كاستثناء من القاعدة التي تنص بأن العالقة العامة بين النص المصدر والنص الهدف‬
‫يجب أن تكون واحدة من التكافؤ الوظيفي‪ .‬ويجب تطبيق هذه الفئة الوظيفية في الحاالت التي يقصد بالنص‬
‫الهدف فيها خدمة وظيفة غير وظيفة النص المصدر‪.‬‬

‫ترتكز نظرية أنواع النصوص على علم اللغة النصي متمثلة مناهج تحليل الخطاب والمنهج السيميائي‪،‬‬
‫ولتطبيق المبادئ النظرية لهذه العلوم‪ ،‬يجب على متعلم الترجمة أن يكون مدركا لمفاهيم البنية والترابط واالتساق‬
‫وااللتحام النسيجي للنص‪ .‬ولمصطلح أنماط النصوص (‪ )Text typology‬دور أساس في هذه النظرية‪ ،‬إذ‬
‫تختلف طريقة الترجمة وهدفها طبقا ً لنوع ونمط النص المراد ترجمته‪.‬‬

‫ظهرت هذه النظرية مع بدايات السبعينات‪ ،‬واقترنت باسم رايس التي اقترحت مصطلح التكافؤ‬
‫(‪ )Equivalence‬غير أنها كانت ترتكز على النص بدال من النظر إلى الكلمة أو الجملة‪ ،‬ولقد كانت نظرتها‬
‫الوظيفية تهدف رئيسيا إلى تنسيق تقويمي للترجمة إذ أنها تعطي ثالثة رتب لوظيفة اللغة وتربط كل واحدة منها‬
‫باللغة المناسبة لها أو بعدها وإلى نوع النص أو إلى المجال التواصلي الذي استعملت فيه‪.‬‬

‫استندت رايس في نظريتها عن أنماط أو أنواع النصوص على األعمال التي قام بها العالم األلماني كارل بوهلر‬
‫في هذا المجال‪ ،‬والذي حدد بدقة وظائف اللغة‪ .‬وفي البداية‪ ،‬قدمت رايس تصنيفا توجيهيا يعتمد بدوره على نموذج‬
‫أوراغون لوظائف اللغة الذي طوره بوهلر سنة ‪ ،1934‬حيث انتهت إلى األنماط التالية‪:‬‬

‫النصوص اإلخبارية ‪ :))Informative Texts‬وتبين رايس أن النصوص اإلخبارية تنماز عن غيرها‬ ‫‪)1-1‬‬
‫من النصوص بالتوصيل المبسط للحقائق‪ ،‬ووظيفة اللغة في النصوص اإلخبارية هي وظيفة إخبارية‪ ،‬أي تقتصر‬
‫على نقل الحقائق وتتمثل هذه الحقائق في المعلومات والآراء‪ .‬والبعد اللغوي المستعمل لنقل هذه المعلومات هو‬
‫البعد المنطقي‪))Logical Dimension‬؛ ويركز النص اإلخباري على المضمون‪ ،‬ولهذا يجب أن يقتصر النص‬
‫المترجم على المضمون اإلحالي (‪ ،)Referential Content‬وأن يكون أسلوب الترجمة هو النثر البسيط مع‬
‫اإليضاح التصريحي إن اقتضى األمر ذلك‪.‬‬
‫النصوص التعبيرية ‪ :))Expressive texts‬وتتميز بالتأليف اإلبداعي‪ ،‬ووظيفة اللغة في النص‬ ‫‪)1-2‬‬
‫التعبيري تعبيرية‪ ،‬أي تعبر عن موقف المرسل‪ ،‬والبعد اللغوي لها جمالي‪ ،‬وتركيز النص يكون على الشكل‪ ،‬كما‬
‫يستعمل المؤلف في النصوص التعبيرية البعد الجمالي للغة ‪ ،))Aesthetic Language Dimension‬يحتل فيه‬
‫المؤلف المحور‪ .‬ويشكل الجانب الجمالي وشكل النص العناصر التي يجب إعادة إنتاجها لضمان نجاح الحصول‬
‫على التكافؤ‪ ،‬بعبارة أخرى يجب أن يقوم النص المترجم بنقل الشكل الجمالي وأن تتسم طريقة الترجمة بمحاكاة‬
‫منهج النص واتخاذ وجهة نظر النص المصدر‪.‬‬
‫النصوص الدعائية (‪ :)Operative Texts‬وتتميز النصوص الدعائية بطلب االستجابة السلوكية‪ ،‬أي‬ ‫‪)1-3‬‬
‫أنها تبحث عن إحداث رد فعل أو تصرف‪ ،‬وينصب تركيزها على الدعوة‪ ،‬ولهذا يلجأ المترجم إلى اللغة الحوارية‬
‫‪ .))Dialogic‬وشكل النص حواري ينصب على الدعوة‪ ،‬وهو النص الداعي للعمل‪ ،‬ويعتمد على اإلقناع‪.‬‬
‫وأضافت فيما بعد النصوص السمعية الوسائطية ‪ :))Audio-mediale Texts‬يشمل هذا النوع األفالم‬ ‫‪)1-4‬‬
‫واإلعالنات السمعية والسمعية البصرية واألشرطة الوثائقية والبرامج التعليمية التلفزيونية واإلذاعية وغيرها‪،‬‬
‫ويتطلب إنجاز هذا النوع من النصوص وسائل إضافية سمعية بصرية تضاف إلى أنماط النصوص الثالثة السالفة‬
‫الذكر‪.‬‬

‫كما تحدثت رايس عن النص الهجين ‪ ))Hybrid Text‬وهو نص يجمع عدة أنماط نصية بمعنى تتعدد فيه‬
‫وظائف اللغة بشكل قد يربك المترجم ويتركه في حيرة من أمره كأن يصادف المترجم شريطا وثائقيا تاريخيا‬
‫يعرض على التلفزيون والذي قد يجمع بين النقل البسيط للحقائق والتأليف اإلبداعي باإلضافة إلى الوسائط السمعية‬
‫البصرية‪ ،‬إال أن رايس وجدت حال لهذا التحدي الذي قد يصادفه المترجم وذلك بتأكيدها أن النص الهجين يجمع‬
‫أنماطا متعددة ولكن يغلب عليه نمط معين أكثر من األنماط األخرى ومهمة المترجم هنا هي إدراك هذا النمط‬
‫الغالب على النص‪.‬‬

‫لهذا التقسيم أهمية كبيرة في مجال التحليل والترجمة‪ ،‬إذ أن لكل نص آلياته الخاصة المختلفة عن غيرها‪،‬‬
‫والنوع المتعامل به في تعليمية الترجمة في الجامعة على سبيل المثال هو األول‪ ،‬ألن طبيعة النصوص المختارة‬
‫إخبارية تقتصر على تقديم الحقائق‪ ،‬والبعد اللغوي منطقي وأسلوب الترجمة فيه هو النثري البسيط مع اإليضاح‬
‫والتفسير إذا اقتضت الضرورة التي تفترض صعوبة المقابل اللغوي‪ ،‬على عكس النوع الثاني الذي يتطلب مقدرة‬
‫جمالية إبداعية‪ ،‬ويبين هذا الشكل أنواع النصوص من وجهة نظر رايس‪.‬‬

‫يتجلى هدف رايس من وراء تحديد أنماط النصوص في وضع استراتيجيات‪ ،‬يمكن انطالقا منها‪ ،‬تطبيق نظرية‬
‫عامة على جميع أنواع النصوص في إطار المنهج الوظيفي‪ .‬ولكن السؤال المطروح‪ :‬إلى أي مدى يمكن أن يحدد‬
‫نوع النص طريقة الترجمة؟‬

‫من بين أهداف تحديد نمط النص ونوعه إرشاد المترجم وتوجيهه أثناء التحليل المسبق للنص المترجم ورصد‬
‫اإلشكاليات المرتبطة بنوع النص وكذا تحديد معايير اختيار المنهجية واالستراتيجية المناسبتين للترجمة‪ .‬يحدد‬
‫المترجم االستراتيجية التي سيتبعها من خالل األنماط النصية التي ذكرناها آنفا وذلك بتحليل النص من خالل تحديد‬
‫نمطه أي هل غرض النص هو توصيل الحقائق أم الغرض منه هو طلب االستجابة السلوكية أم هو نص إبداعي؟‬
‫وتحديد أيضا ما إذا كان نصا سمعيا أو سمعيا بصريا أي تحديد قناة التوصيل‪ .‬وكذا تحديد نوعيته‪ ،‬هذه الخطوة‬
‫حسب رايس تصنيف للنص وفق األنماط االجتماعية الثقافية والتواصلية الخاصة بكل مجتمع‪ .‬وأخيرا تحليل‬
‫المظاهر األسلوبية في النص وتحديد الخصائص التي تميزه‪ ،‬أي تحديد خصائصه األسلوبية المميزة بصرف النظر‬
‫عن النمط الذي ينتمي إليه‪ .‬وتقود عملية تحليل النصوص ال محالة إلى تفكيك الصعوبات اللغوية في مستوى الشكل‬
‫والمضمون‪.‬‬

‫إن نظرية أنواع النصوص إذا ما قورنت بغيرها من النظريات‪ ،‬فإننا نقول إن منهجها مالئم إلى حد كبير‬
‫لعملية تعليم الترجمة وتطبيقها؛ فمن وجهة نظر التعليمية هي أكثر النظريات فعالية؛ ألنها تنتقي النوع وتتعامل‬
‫معه وفق أبعاد معينة‪ ،‬ألن المبادئ التي تقوم عليها أكثر انتظاما من النظريات التأويلية‪ ،‬فهي تساعد المبتدئ في‬
‫الترجمة على التدرب في طرق حل الصعوبات‪ .‬ومن خالل تعرضنا لنظريات الترجمة يمكننا أن نستنتج أنه ال‬
‫يمكن أن تبنى نظرية واحدة لتطبيقها في مجال تعليم الترجمة‪ .‬ورغم ميلنا لنظرية أنواع النصوص لنجاعتها من‬
‫الناحية العملية‪ ،‬إال أن تعليم الترجمة على أسس صحيحة هو مزيج من نظريات الترجمة مجملة‪.‬‬

‫المعايير التوجيهية' اللسانية الداخلية و الخارجية‪: ‬‬ ‫‪)2‬‬


‫‪:The Intralinguistic and Extralinguistic Instruction Criteria‬‬

‫تعطي كاتارينا رايس قائمة لمعايير توجيهية لسانية خارجية وداخلية تقييما من حيثها الترجمة‪.‬‬

‫يتضمن المعيار داخل اللساني الخاصية النحوية والصرفية والجمالية‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫ويتضمن السياق‪ ،‬الموضوع والميدان والزمن والمكان والمتلقي والمرسل والمواقف‬ ‫‪‬‬
‫التأثيرية‪ ،‬كالمزاح والسخرية والمشاعر‪...‬إلخ‪.‬‬

‫يتفاوت تأثير هذه المعايير حسب نوع النص فهناك بعض الحاالت حسب رايس يختلف فيها هدف‬
‫النص المترجم من النص األصلي‪ ،‬وتذكر عن ذلك على سبيل المثال كتاب جوناثان سويفت "رحلة‬
‫جوليفر"‪ ))Gulliver’s travel‬فهو كتاب عبارة عن هجائية تهاجم حكومة تلك الحقبة الزمنية (نص‬
‫عملي) والذي أصبح اليوم عبارة عن قصة عادية مقروءة ومترجمة كقصة مسلية (نص تعبيري)‪.‬‬

‫كما تضيف رايس أنه يجب على النص الهدف أن يخدم وظيفة تواصلية مختلفة من النص األصلي‪،‬‬
‫فخطاب سياسي عملي في لغة ما ال بد أن يترجمه المترجمون للمحللين سياسيين في بلد اخر واضعين نصب‬
‫أعينهم المعلومات والقرارات السياسة المتخذة وهذا حسب تقديم هذه األخبار وطريقة عرض هذه المعلومات‬
‫وبالتالي يصبح النص إعالمي تعبيري‪.‬‬
‫يظهر كل هذا أهمية عمل رايس فهو يحمل النظرية الترجمية ما وراء االعتبارات القديمة ويهتم‬
‫بالجانب التواصلي للترجمة‪.‬‬

‫نقد نظرية أنماط النصوص‪:‬‬ ‫‪)3‬‬

‫وجهت انتقادات عديدة لنظرية النصوص لرايس‪ ،‬وكان أولها هو أن النظرية تعد إطارا عاما لمعالجة‬
‫وتجاوز مشاكل الترجمة بطريقة ممنهجة إال أنها تعجز في كل نمط عن تقديم طرق فعالة لحل مشاكل الترجمة‪.‬‬
‫أما االنتقاد اآلخر فكان أن مثل هذه التصنيفات ال تنطبق دائما مع ما يواجهه المترجم فعلى سبيل المثال هناك‬
‫حاالت ال يكون فيها الهدف هو إعادة تجسيد وظيفة النص المصدر في النص الهدف‪ .‬وكذا أن المترجم قد‬
‫يصادف نصوصا يصعب تحديد نمطها بدقة‪ .‬باإلضافة إلى أن رايس لم تتطرق بشكل كاف للحاالت الخاصة‬
‫بحيث أنها تحدثت عن بعضها وتركت البعض االخر‪.‬‬

‫أنموذج كريستيان نورد لتحليل النص األصل‬ ‫‪-V‬‬


‫كما سبق‪ ‬وتطرقنا آنفا‪ ،‬تعنى النظرية الغائية أو نظرية الهدف في الترجمة بغرض أو وظيفة الترجمة وليس‬
‫بالمكافئ كما هو حال المقاربات اللسانية للترجمة‪ .‬على اعتبار أن الترجمة‪ ،‬حالها كحال أي فعل يصدر عن‬
‫االنسان‪ ،‬تعد تفاعال بشريا يثيره قصد أو غرض معين‪ ،‬ووجب التذكير هنا أن الغرض وفقا لهذه النظرية يحدده‬
‫صاحب المبادرة (‪ )initiator‬الذي يكلف المترجم بالقيام بترجمة تفي بالغرض الذي يرغب به‪ ،‬إذ يسلمه‬
‫موجز المهمة والذي يشكل األساس الذي يرتكز عليه المترجم قبل الشروع في الترجمة‪ .‬يضع موجز مهمة‬
‫الترجمة (‪ )translation brief‬شروط الترجمة ويقدم معلومات من قبيل الغرض والمتلقي المفترض‪ .‬هذا‬
‫يقودنا إلى التساؤل عن الدور الذي يؤديه النص المصدر في ظل تركيز نظرية القصد علي النص الهدف‬
‫ووظيفته؟ يعد النص المصدر نقطة االنطالق في الترجمة من حيث أنه يقدم عرضا للمعلومات الذي يتشكل‬
‫على أساسه عرض المعلومات في اللغة الهدف‪.‬‬

‫ترى كريستيان نورد أن غرض الترجمة يتأتى من خالل تحليل النص المصدر‪ .‬تبعا لذلك تقدم نورد أنموذجا‬
‫لتحليل النص المصدر يمكن تطبيقه على جميع أنماط النصوص وعلى مشاكل الترجمة كذلك‪ .‬وقد أُسس هذا‬
‫األنموذج على مفاهيم وظيفية‪ ،‬تمكن من فهم واستيعاب وظيفة النص المصدر واختيار استراتيجيات ترجمة‬
‫مناسبة للغرض المقصود من الترجمة (مانداي ‪ .)2018‬اآلن سنستهل هذا الجزء من الورقة بتعريف وظائف‬
‫اللغة حسب كريستيان نورد‪:‬‬

‫وظائف اللغة‪:‬‬ ‫‪)1‬‬

‫تتبنى كريستيان نورد‪ ،‬في أنموذجها‪ ،‬النموذج المنطقي لكارل بوهلر‪ ،‬والذي شكل أيضا حجر األساس لدراسة‬
‫التصنيف النوعي للنصوص لرايس‪ .‬وقد اقترح بوهلر من خالل نموذجه ثالث وظائف رئيسة للغة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫الوظيفة اإلحالية‪ :‬ترتبط هذه الوظيفة بالمرجع‪ ،‬وتعني استخدام اللغة لإلحالة على حدث أو ظاهرة في‬ ‫‪)1‬‬
‫العالم الواقعي أو المجازي‪.‬‬
‫الوظيفة التعبيرية‪ :‬ترتبط هذه الوظيفة بالمرسل‪ ،‬وتعني استخدام اللغة للتعبير عن مشاعره وأحاسيسه‬ ‫‪)2‬‬
‫اتجاه أحداث العالم وظواهره‪.‬‬
‫الوظيفة ال َد َع ِوية‪ :‬ترتبط هذه الوظيفة بالمخاطب‪ ،‬وتعني استخدام اللغة بغرض دعوة المتلقي وتحفيزه‬ ‫‪)3‬‬
‫على عمل شيء ما‪.‬‬
‫وأضافت نورد وظيفة أخرى‪ ،‬استعارتها من أنموذج رومان جاكبسون لوظائف اللغة (جاكبسون ‪،)1960‬‬
‫وهي‪:‬‬
‫وظيفة اللغو االجتماعي‪ :‬استخدام اللغة إلقامة التواصل أو الحفاظ عليه أو إنهائه‪.‬‬ ‫‪)4‬‬
‫وسنعمل‪ ،‬أسفله‪ ،‬على التفصيل في هذه الوظائف الرئيسة‪ ،‬والتي تتفرع عنها وظائف ثانوية متعددة‪،‬‬
‫وسنحاول تبيان عالقاتها بمشكالت معينة في الترجمة‪.‬‬
‫الوظيفة اإلحالية في الترجمة‪ : The referentional function in translation‬تتضمن‬ ‫‪‬‬
‫الوظيفة اإلحالية في الترجمة لمقولة (‪ )utterance‬اإلحالة على حدث وظاهرة ترتبط بعالم حقيقي‬
‫أو مجازي‪ .‬ويمكن تحليل هذه الظواهر وفقا لطبيعة الحدث المنشود أو المحال عليه (‪.)referent‬‬
‫حيث أنه‪:‬‬
‫إذا كان المحال عليه حقيقة أو حالة ما مبهمة بالنسبة للملقي‪ ،‬حينئذ تكمن وظيفة النص في إخبار‬ ‫‪‬‬
‫القارئ وامداده بالمعلومات الضرورية (مثال حادثة السير)‪.‬‬
‫وإذا كان المحال عليه لغة أو استخدام خاص للغة‪ ،‬حينئذ تكون وظيفة اللغة ''ميتا لغوية''‪ ،‬أي بمعنى‬ ‫‪‬‬
‫تتحدث عن اللغة‪ .‬مثال تعلم اللغات األجنبية‪.‬‬
‫أما إذا كان المحال عليه تعريفا بالطريقة الصحيحة للتعامل مع آلة ما‪ ،‬مثال كيفية إصالح غسالة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫تصير وظيفة النص توجيهية‪ :‬توجه المتلقي إلى االستعمال الصحيح لآللة‪.‬‬
‫وإذا كان المحال عليه مجاال يتعلم منه المتلقي‪ ،‬حينئذ تكون وظيفة النص تعليمية‪ .‬على سبيل المثال‬ ‫‪‬‬
‫تعلم مجال أو ميدان معين كالجغرافيا مثال‪.‬‬
‫وجب االشارة هنا إلى أن الوظيفة اإلحالية تفترض وجود نوع من األلفة بين هذه اإلحاالت والمتلقي‪ .‬وتعنى‬
‫الوظيفة اإلحالية بالموضوعات الحقيقية والمجازية‪ .‬وحتى يتسنى تجسد هذه الوظيفة‪ ،‬وجب على المتلقي أن‬
‫يكون قادرا على ربط الرسالة المنشودة بنموذجها داخل العالم الخاص الذي تتجسد فيه‪ ،‬وإال لن يكتمل التواصل‬
‫بفعل عدم قدرة المتلقي على ربط المقولة مع ظاهرة أو عالم معين‪.‬‬

‫الوظيفة التعبيرية في الترجمة‪ : The expressive function in translation‬تحيل هذه‬ ‫‪‬‬


‫الوظيفة على موقف المرسل اتجاه أحداث العالم وظواهره‪ .‬ويمكن تقسيم هذه الوظيفة إلى وظائف‬
‫ثانوية وفقا لل ُمعبَر عنه‪:‬‬
‫فإذا كان المتلقي يعبر عن أحاسيسه ومشاعره الفردية (في صيغ التعجب)‪ ،‬هنا نتحدث عن وظيفة‬ ‫‪‬‬
‫ثانوية وجدانية ‪. emotive‬‬
‫وإذا كان المعبر عنه تقييما لهذه األحداث والظواهر (على سبيل المثال القرارات الحكومية)‪ ،‬فالوظيفة‬ ‫‪‬‬
‫الثانوية تكون تقييمية ‪.evaluative‬‬
‫أما إذا كان المعبر عنه يهدف السخرية والتهكم على األحداث والظواهر‪ ،‬تكون الوظيفة الثانوية‬ ‫‪‬‬
‫السخرية ‪.Irony‬‬
‫وجب االشارة هنا أن ليس ممكنا حصر جميع الوظائف الثانوية هنا‪ .‬كما نذكر أن النص الواحد قد يتضمن‬
‫مجموعة عديدة من الوظائف الرئيسة والثانوية‪.‬‬

‫الوظيفة الدعوية في الترجمة‪ : The appellative function in translation‬هي وظيفة‬ ‫‪‬‬


‫موجهة نحو استجابة المتلقي وتحفزه للقيام بعمل ما‪ .‬وهي تهدف إلى تحفيزه لالستجابة وفقا لطريقة‬
‫معينة‪.‬‬
‫فإننا إذا أردنا أن يدرك القارئ أشياء معروفة أو مألوفة لدى الجميع‪ ،‬فإننا نخاطب خبرته وخلفياته‬ ‫‪‬‬
‫السابقة‪.‬‬
‫وإذا أردنا أن نقنع شخصا ما أن يقوم بعمل معين أو يشاركنا وجهة نظر معينة‪ ،‬فإننا حينئذ نخاطب‬ ‫‪‬‬
‫أحاسيسه ورغباته الخفية‪.‬‬
‫أما إذا أردنا أن نقنع هذا الشخص بشراء منتوج معين‪ ،‬فإننا نخاطب حينها احتياجاته الحقيقية أو‬ ‫‪‬‬
‫المجازية‪ .‬كما يحدث في االشهارات‪.‬‬
‫وإذا أردنا أن نعلمه شيئا ما‪ ،‬فإننا عندئذ نخاطب مدى تقبله للمبادئ األخالقية والخلقية‪ .‬كما يحدث في‬ ‫‪‬‬
‫المؤسسات التعليمية والتأهيلية‪.‬‬

‫وظيفة اللغو االجتماعي في الترجمة ‪ :The phatic function in translation‬تهدف هذه‬ ‫‪‬‬
‫الوظيفة إلى أن ترسي دعامات التواصل بين المرسل والمتلقي أو أن تبقي عليها أو أن تنهيها‪ .‬وتعتمد‬
‫هذه الوظيفة على عرفية (‪ )conventionality‬الوسائل اللغوية والغير لغوية ووسائل االتصال شبه‬
‫اللغوية(‪ )para-linguistic‬المستعملة في موقف معين‪ .‬مثل األحاديث المختصرة الخاصة بالطقس‪.‬‬
‫والهدف منها هو خلق جو يسوده المرح واأللفة‪ .‬كما أنها تحدد نوع العالقات القائمة بين المرسلين‬
‫والمتلقين‪.‬‬
‫إن وظيفة النص الهدف قد تختلف عن نظيرتها في النص المصدر ألنها تخضع لمعايير الثقافة الهدف‪ ،‬حيث‬
‫يجري تكييفها مع هذه المعايير وفقا لما تفرضه النظرية الغائية‪ .‬ويمكن تحليل وظيفة الترجمة انطالقا من‬
‫منظور مزدوج‪ ،‬يركز على‪ )1 :‬العالقة القائمة بين النص الهدف ومتلقيه‪ ،‬وعلى ‪ )2‬العالقة بين النص الهدف‬
‫والنص المصدر المماثل‪.‬‬

‫أنماط الترجمة‪:‬‬ ‫‪)2‬‬


‫تميز كريستيان نورد بين نمطين من عمليات الترجمة‪ ،‬لكل نمط أهدافه‪:‬‬
‫ترجمة وثائقية ‪ :Documentary translation‬تهدف هذه الترجمة إلى أن تنتج وثيقة للتفاعل‬ ‫‪-1‬‬
‫التواصلي في اللغة الهدف (‪ )communicative interaction‬يتواصل من خاللها مرسل الثقافة‬
‫المصدر مع متلقي هذه الثقافة بواسطة النص المصدر الذي يخضع لشروط الثقافة المصدر‪ .‬وينتج عن‬
‫هذه الترجمة الوثائقية نص شارح للنص المصدر (‪ ،)meta-textual‬بمعنى آخر‪ ،‬يصير النص الهدف‬
‫نصا حول نص آخر (النص المصدر) أو حول بعض جوانب هذا النص‪ .‬مع هذا النمط من الترجمة‪،‬‬
‫يتولد لدى المتلقي انطباع أنه بصدد التعامل مع ترجمة وليس نص أصلي‪ ،‬حيث أن المترجم يلتزم بلغة‬
‫ومحتوى اللغة الهدف‪ .‬ويمكن تقسيم الترجمة الوثائقية إلى عدة أقسام‪:‬‬
‫ترجمة سطر بسطر (‪ :)interlinear translation‬ينتج هذا النمط من الترجمة عندما يكون الهدف‬ ‫‪-2‬‬
‫من الترجمة عرض الخصائص البنائية للغة من خالل لغة أخرى‪ .‬يستعمل هذا النمط في علم اللغة‬
‫المقارن أو في الموسوعات‪.‬‬
‫الترجمة الحرفية (‪ : )literal translation‬يهدف هذا النمط من الترجمة إلى إعادة انتاج كلمات‬ ‫‪-3‬‬
‫النص المصدر من خالل إعادة صياغة التراكيب النحوية واالصطالحية للمفردات تبعا لقواعد اللغة‬
‫الهدف‪ .‬تستخدم هذه الترجمة في نقل كالم الساسة األجانب في الصحف أو في ترجمة االستشهادات في‬
‫األعمال األدبية مثال‪.‬‬
‫الترجمة الفقهية (‪ :)philological translation‬يعيد هذا النمط انتاج النص المصدر بطريقة‬ ‫‪-4‬‬
‫حرفية‪ ،‬وقد تتضمن شرحا للثقافة المصدر وخصائص لغتها‪ .‬تستخدم هذه الترجمة في ترجمة‬
‫النصوص القديمة أو ترجمة الكتاب المقدس‪.‬‬
‫ترجمة ذات طابع تغريبي (‪ :)exoticising translation‬يُبقي هذا النمط من الترجمة على‬ ‫‪-5‬‬
‫خصائص النص المصدر كما هي وال يكيفه مع خصائص اللغة الهدف مما يولد نوعا من الغرابة لدى‬
‫متلقي اللغة الهدف‪ .‬كما أشار إليه شاليرمارخر بمصطلح «‪ » Foreignization‬وهي أقرب ما تكون‬
‫للترجمة كلمة بكلمة التي تعنى باللغة المصدر على حساب اللغة الهدف‪ .‬‬
‫ترجمة أداتية ‪ : Instrumental translation‬يهدف هذا النمط من الترجمة إلى انتاج أداة لتفاعل‬ ‫‪-6‬‬
‫تواصلي جديد في اللغة الهدف بين مرسل الثقافة المصدر ومتلقي الثقافة الهدف باستخدام النص‬
‫المصدر كأنموذج‪ .‬فتكون المحصلة في نهاية هذه العملية نص تكون وظيفته هي نفسها وظيفة النص‬
‫المصدر‪ .‬مع هذه الترجمة‪ ،‬ال يفترض أن يشعر المتلقون أنهم بصدد التعامل مع ترجمة وإنما مع‬
‫النص المصدر‪ ،‬حيث يجري تكييف النص مع معايير الثقافة المصدر‪ ،‬وأعراف أنماط النص‪ ،‬والجنس‬
‫األدبي (‪ ،)genre‬واالستعمال اللغوي (‪ ،)register‬ومجرى الخطاب (‪ .)tenor‬ويمكن تقسيم الترجمة‬
‫األداتية إلى عدة أقسام‪:‬‬
‫ترجمة مماثلة وظيفيا ‪ :Equifunctional translation‬تنتج هذه الترجمة إذا ما كانت وظيفة‬ ‫‪‬‬
‫النص الهدف هي نفسها وظيفة النص المصدر‪ .‬وهو الحال في النصوص التقنية وكتيبات الحاسوب والكتيبات‬
‫التي تتضمن معلومات عن المنتوجات‪.‬‬
‫ترجمة مغايرة وظيفيا ‪ :Hetero-functional translation‬تنتج هذه الترجمة في حالة التباين‬ ‫‪‬‬
‫بين وظائف النص المصدر والنص الهدف‪ ،‬ومرد هذا التباين هو التباعد الثقافي والزمني بين النصين‪ ،‬أي أن‬
‫هناك اختالف بين مقامات‪ ) )situation‬هذه النصوص‪.‬‬
‫ترجمة مماثلة ‪ :Homologous translation‬يتأتى هذا النوع من الترجمة في حالة توافق المقام‬ ‫‪‬‬
‫األدبي للنص الهدف داخل مجموعة نصوص الثقافة الهدف مع المقام األدبي للنص المصدر داخل مجموعة‬
‫نصوص الثقافة المصدر‪ .‬بمعنى أن القيمة األدبية للنصين تتوافقان داخل مجموع نصوص الثقافتين‪ .‬فال تنماز‬
‫قيمة نص عن آخر‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫عملية تدريب المترجم‪:‬‬ ‫‪)3‬‬

‫شددت كريسيان نورد في كتابها "الترجمة بوصفها نشاطا هادفا" على ثالث جوانب بالغة األهمية في عملية‬
‫تدريب المترجم‪ ،‬والتي وجب التركيز عليها لما لها من أهمية بالغة حسب االتجاه الوظيفي والنظرية الغائية‪،‬‬
‫تساعد في تحقيق الغرض من الترجمة‪ .‬قد يتساءل قارئنا العزيز ما عالقة هذا الموضوع بالنظرية الغائية التي‬
‫تشكل المادة األساس في ورقتنا هذه؟ في الحقيقة‪ ،‬هذه الجوانب الثالثة تساعدنا في تحقيق الغرض من الترجمة‪.‬‬
‫وحتى يتأتى أجرأة هذا األنموذج وتفعيله على أرض الواقع‪ ،‬وجب تدريب المترجمين وفقا لذلك‪.‬‬
‫‪ )3.1‬أهمية موجز مهمة الترجمة‪ :‬تكمن أهمية موجز مهمة الترجمة في أنها تحدد الشروط التي بموجبها‬
‫يؤدي النص الغرض أو الوظيفة المنوطة به‪ .‬يحدد هذا الموجز الغرض من الترجمة ويسلمه صاحب‬
‫المبادرة أو الزبون للمترجم الذي يتوجب عليه أن يستحضره في أي عملية نقل من لغة إلى أخرى‪.‬‬
‫ويحتوي معلومات‪ ،‬قد تكون خفية أو معلنة‪ ،‬حول‪:‬‬
‫وظيفة ‪ /‬وظائف النص المنشودة‬ ‫‪‬‬
‫مخاطب ‪ /‬مخاطبي النص الهدف‬ ‫‪‬‬
‫الزمان والمكان المرتقب للتلقي‬ ‫‪‬‬
‫الوسيلة التي ينتقل من خاللها النص‬ ‫‪‬‬
‫الدافع من وراء إنتاج أو تلقي النص‬ ‫‪‬‬
‫‪ )3.2‬دور تحليل النص األصل‪ :‬يرى االتجاه الوظيفي أن نمط الترجمة يتحدد بواسطة الغرض من الترجمة‪،‬‬
‫وليس بواسطة النص المصدر‪ .‬وعليه يبرز التساؤل التالي‪ :‬ما الدور الذي يؤديه تحليل النص‬
‫المصدر في هذا السياق؟‬
‫ال تبتغي فكرة أسبقية غرض النص على النص المصدر نزع صفة األهمية عنه‪ ،‬بل يعد النص المصدر بالغ‬
‫األهمية من حيث أنه يمدنا بعرض للمعلومات الذي يشكل نقطة االنطالق لتشكيل عرض لمعلومات مصاغة في‬
‫النص الهدف‪ .‬يقود هذا التحليل عملية الترجمة من حيث أنه يمثل نقطة االنطالق واللبنة األساس التي ترتكز‬
‫عليها القرارات الخاصة بالنقط التالية‪:‬‬
‫قابلية مهمة الترجمة للتنفيذ‬ ‫‪‬‬
‫تحديد وحدات النص األصل ذات الصلة بالترجمة الوظيفية‬ ‫‪‬‬
‫تحديد استراتيجيات الترجمة التي ستجعل من النص يفي بمتطلبات موجز مهمة الترجمة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫المقاربة المنهجية لمشكالت الترجمة‪ :‬تمكننا هذه المقاربة من تحديد المشكالت وتبيان نوعيتها‪.‬‬ ‫‪)3.3‬‬
‫وجدير بالذكر هنا أن مشكالت الترجمة تبقى موضوعية أو ذات بينية‪ ، intersubjective‬أي يتفق‬
‫عليها أفراد مختلفون‪ .‬وهكذا‪ ،‬فالمشكالت ال تكمن في الصعوبات الذاتية التي تعترض كل مترجم‪،‬‬
‫والتي ترجع أساسا إلى عجزه اللغوي أو عدم كفاءته في الترجمة‪ .‬وعليه‪ ،‬يمكن تصنيف مشاكل‬
‫الترجمة وفق ما يلي‪:‬‬
‫مشكالت الترجمة البراغماتية ‪ :Pragmatic translation problems‬تنبع هذه المشاكل من‬ ‫‪‬‬
‫االختالفات بين مقامات النص المصدر والنص الهدف‪ .‬ويمكن التعرف عليها عبر تفحص عوامل خارج‬
‫النص‪ ،‬والتي تتلخص في‪ :‬المرسل والمتلقي والوسيلة والزمن والمكان والدافع ووظيفة النص‪.‬‬
‫مشكالت الترجمة الثقافية ‪ :Cultural translation problems‬تنتج هذه األخطاء عن‬ ‫‪‬‬
‫االختالفات في المعايير واألعراف للسلوكيات اللغوية وغير اللغوية في الثقافتين المصدر والهدف معا‪.‬‬
‫مشكالت الترجمة اللسانية ‪ :Linguistic translation problems‬تحدث هذه األخطاء بفعل‬ ‫‪‬‬
‫االختالفات في المفردات والتركيب للغتين‪.‬‬
‫مشكالت الترجمة الخاصة ‪ :Specific translation problems‬ترتهن هذه األخطاء بنص‬ ‫‪‬‬
‫مصدر معين‪ ،‬كما هو الحال لبعض األساليب الخطابية والكلمات المستحدثة والتالعب اللفظي‪ .‬فنرى أنها‬
‫تحضر في نص بعينه وتغيب في نصوص أخرى‪.‬‬

‫وحدة الترجمة‪:‬‬ ‫‪)4‬‬

‫لطالما شكل مفهوم الترجمة موضع جدل على امتداد تاريخ الترجمة‪ ،‬فاختلفت تعريفاته حسب مقاربة الترجمة‪.‬‬
‫وقد عرف فيناي وداربلينه في كتابيهما سنة ‪ ،1958‬الذي يحمل عنوان "‪stylistique comparée du‬‬
‫‪ " francais et de l’anglaid‬وحدة الترجمة بأنها وحدة فكرية "‪ "unite de pensée‬توصف لغويا بأنها‬
‫أصغر مقطع لفظي تترابط فيها العالمات وتتماسك بصورة تحول دون ترجمة أيا منها على حدة‪.‬‬
‫على الجانب اآلخر‪ ،‬تتنوع وحدة الترجمة وفق منظور المقاربة اللسانية بين المورفيم أو الكلمات أو العبارات‬
‫أو الجمل لتصل إلى النص في كليته‪ .‬أما االتجاه الوظيفي فيركز على أن النص وحدة شعبية "‪"hyper-unit‬‬
‫تتألف من وحدات وظيفية تظهر جنبا إلى جنب مع كل وحدة من العناصر اللغوية أو غير اللغوية‪ ،‬التي يمكن‬
‫أن تظهر في أي مستوى وفي أي وقت داخل النص‪ .‬أي أن وحدة الترجمة وفقا لالتجاه الوظيفي تحدد في‬
‫الوظائف التي سبق أن تطرقنا إليها أعاله والتي تكون اللغة وسيلة للتعبير عنها أو حاملة لها‪ ،‬كما أنها يمكن أن‬
‫تظهر في أي موضع من النص‪.‬‬

‫أخطاء الترجمة‪:‬‬ ‫‪)5‬‬

‫سنستهل هذا الجزء بتعريف مفهوم الخطأ وفق االتجاه الوظيفي‪ .‬ونشير هنا أن تحديد نوع المشاكل ووحدة‬
‫الترجمة يساعدنا في التعرف على الخطأ وتبيان نوعه‪ .‬وبالتالي يساعدنا في اختيار االستراتيجية المالءمة‬
‫لتجاوزه‪ .‬ويعرف سيجرد كوبش‪ -‬لوزريت أخطاء الترجمة على أنها‪:‬‬
‫" انتهاك ل (‪ )1‬وظيفة الترجمة و(‪ )2‬االنسجام النصي و(‪ )3‬نمط النص أو شكله و(‪ )4‬األعراف اللغوية و(‪)5‬‬
‫األعراف الخاصة بالثقافة والمقام والشروط‪ ،‬و(‪ )6‬منظومة اللغة‪".‬‬
‫إن تعبيرا أو مقولة معينة ال تصير غير مناسبة من تلقاء نفسها‪ ،‬بل تصير كذلك في عالقتها بالوظيفة التواصلية‬
‫التي كان من المفترض منها تحقيقها‪.‬‬
‫وتعرف نورد خطأ الترجمة على أنه فشل في تنفيد التعليمات المتضمنة في موجز مهمة الترجمة‪ ،‬وأنه حل‬
‫غير موفق لمشكالت الترجمة‪ .‬ووفقا لذلك‪ ،‬تصنف نورد مشكالت الترجمة إلى أربع فئات‪:‬‬
‫أخطاء الترجمة البراغماتية ‪ :Pragmatic translation errors‬هي أخطاء مقامية نتجت عن‬ ‫‪-1‬‬
‫حلول غير مالئمة لمشكالت الترجمة البراغماتية ومنها االفتقار إلى توجيه المتلقي‪.‬‬
‫أخطاء الترجمة الثقافية ‪ :Cultural translation errors‬تنشأ هذه األخطاء عن القرارات الغير‬ ‫‪-2‬‬
‫الصائبة فيما يتعلق بإعادة إنتاج أو تبني األعراف الخاصة بالثقافة‪.‬‬
‫أخطاء الترجمة اللغوية ‪ :Linguistic translation errors‬تنتج هذه األخطاء في الترجمة من‬ ‫‪-3‬‬
‫خالل االختيارات اللغوية الغير موفقة‪ ،‬خاصة عندما يكون التركيز على التراكيب اللغوية‪ ،‬كما هو الحال مع‬
‫فصول اللغة األجنبية‪.‬‬
‫أخطاء الترجمة الخاصة بالنص ‪ :Specific translation errors‬تنشأ هذه األخطاء عن‬ ‫‪-4‬‬
‫مشكالت الترجمة الخاصة بالنص‪.‬‬
‫إن الغرض من فعل الترجمة يشكل المبدأ األساس لتحديد أو الشروع في أي عملية للترجمة وفقا للنظرية‬
‫الغائية التي بلورها فيرمير‪ .‬وتعد كريستيان نورد من أبرز المساهمين في هذه النظرية من خالل أنموذجها‬
‫لتحليل النص المصدر‪ ،‬حيث ترى أننا نتحصل على الغرض من الترجمة انطالقا من تحليل النص المصدر‪.‬‬
‫حاولنا خالل هذا الجزء من الورقة إبراز خصائص هذا األنموذج وأنماط الترجمة التي تنتج عنه‪ ،‬كما سلطنا‬
‫الضوء أيضا على وظائف اللغة وأهمية عملية التدريب بالنسبة لهذه النظرية كما أبرزنا نوعية المشاكل التي‬
‫يصادفها المترجم وأبرزنا كذلك نوعية األخطاء التي تحدث في الترجمة‪.‬‬

‫‪ -VI‬إشكالية التكافؤ والتطابق والمالئمة في النظرية الغائية‬

‫سنستهل هذا الجزء من البحث ببيان معنى التكافؤ بكونه جزءا من القضايا األساسية التي أثارت جدال واسعا‬
‫في نظرية الترجمة‪ ،‬وسنستعرض فيما بعد تصنيفات المنظرين لهذا المفهوم مختصرة ومبسطة‪ ،‬وفي األخير‬
‫سنسلط الضوء على اإلشكاالت التي طرحتها نظرية الهدف بخصوص هذا الموضوع‪.‬‬

‫تباينت اآلراء وتعددت حول مفهوم التكافؤ نظرا لصعوبة تحديد نوعه (أهو تكافؤ ألجزاء الجمل أي‬
‫المفردات‪ ،‬أم للجمل نفسها‪ ،‬أم ألجزاء النص‪ ،‬أم للنص ككل)‪ ،‬وتوحدت بأنه مرتبط بالمعنى وتعذر الترجمة‪،‬‬
‫فعندما تصعب الترجمة يلجأ المترجم إلى أسلوب التكافؤ بغرض أن يصبح النص سهل المأخذ جلي المعنى‪،‬‬
‫بإيراد تعبير مستساغ يجري على منوال اللغة‪ .‬وبالرغم من كثرة وتعدد التصنيفات التي أمددنا بها المنظرون‬
‫فيما يتعلق بهذا المفهوم إال أن الموضوع ال يتعدى االختالف بين ترجمة المعنى بمعنى مكافئ له والترجمة‬
‫الحرفية‪ ،‬وفيما يلي ذكر موجز ألنواعه األشهر واألكثر شيوعا في دراسات الترجمة‪:‬‬
‫‪ ‬التكافؤ الوظيفي ‪ : Functional equivalence‬وهو عملية تقود المترجم إلى العناصر السياقية‬
‫واللغوية والثقافية في اللغة الهدف‪ ،‬ويتمكن من خاللها من إعادة صياغة نص يشتبه به أن يكون‬
‫وظيفيا في الثقافة الهدف‪ ،‬خير مثال عن هذا هو ترجمة العبارات االصطالحية واألمثال‪.‬‬
‫التكافؤ التدولي ‪ :Pragmatic equivalence‬شأن هذا النوع من شأن التكافؤ الدينامي‪ ،‬فكالهما‬ ‫‪‬‬
‫يشتركان في العديد من الخصائص‪ ،‬ويهدفان إلى إحداث نفس األثر وردود األفعال لدى القارئ‬
‫المستهدف‪ ،‬تماما كتلك التي أحدثها النص المصدر في قارئه‪.‬‬
‫التكافؤ المرجعي ‪ :Referential equivalence‬في هذا النوع‪ ،‬يحرص المترجم على معالجة‬ ‫‪‬‬
‫النص المصدر والنص الهدف للموضوع نفسه‪ ،‬وأن يكون لهما نفس المرجعية‪ ،‬ويحيل كالهما على‬
‫الحقائق ذاتها‪.‬‬
‫التكافؤ الداللي ‪ :Semantic equivalence‬يتحقق هذا التكافؤ بتحقق نفس المحتوى الداللي في‬ ‫‪‬‬
‫النص المصدر والنص الهدف‪ ،‬ويفترض أن المفرد في النص المصدر وما يكافئه في النص الهدف‬
‫يتقاسمان نفس الحقل الداللي‪ ،‬وتكون الترجمة الحرفية الحل األنسب واإلستراتيجية الفضلى في هذه‬
‫الحالة‪.‬‬
‫التكافؤ التبادلي ‪ :Paradigmatic equivalence‬يفرض هذا النوع من التكافؤ نوعا من التقابل‬ ‫‪‬‬
‫بين النص المصدر والنص الهدف‪ ،‬تقابل على المستوى النحوي‪ ،‬مما يعني أن بعض العناصر‬
‫النحوية يمكن أن تكون قابلة للتعويض دون أن يتم تعديل على مستوى المعنى الملفوظ‪ ،‬ويتم الحصول‬
‫على هذا التكافؤ عن طريق النقل في أغلب األحيان‪.‬‬
‫التكافؤ األسلوبي ‪ :Stylistic equivalence‬يرتبط هذا النوع بالعالقة الوظيفية بين العناصر‬ ‫‪‬‬
‫األسلوبية في النص المصدر والنص الهدف‪ ،‬وهذا بغرض الحصول على تطابق من الناحية التعبيرية‬
‫أو التأثيرية بين النص المصدر وترجمته‪ ،‬دون تعديل في المعنى الملفوظ‪.‬‬
‫التكافؤ اللغوي ‪ :Linguistic equivalence‬يقدم هذا التكافؤ تجانسا على المستوى اللساني بين‬ ‫‪‬‬
‫النص المصدر والنص الهدف‪ ،‬ويتم هذا التكافؤ عن طريق الترجمة الحرفية‪.‬‬

‫بعد اإلسهامات العديدة التي قدمها يوجين ألبرت نيدا في ميدان التكافؤ في الترجمة‪ ،‬وهو أحد المنظرين‬
‫الذين تطرقوا إلى الترجمة ذات التكافؤ الشكلي (‪ )Formal equivalence‬والتي تحاول توليد عدة عناصر‬
‫شكلية تتضمن الوحدات النحوية والتمسك باستعمال الكلمات والمعاني فيما يتعلق بسياق المصدر‪ ،‬والترجمة ذات‬
‫التكافؤ الدينامي أو الديناميكي ‪ ) )Dynamic equivalence‬التي تستند على مبدأ التأثير المكافئ أو مبدأ‬
‫االستجابة الذي يسعى إلى إيجاد أقرب مكافئ طبيعي للرسالة في اللغة المصدر؛ طفى على السطح مصطلح‬
‫التطابق في الترجمة‪ ،‬واستعمل لفترة طويلة من الزمن‪ ،‬وتوالت السنوات واألبحاث إلى أن أضحى متجاوزا‬
‫خصوصا بعد اكتشاف أن التطابق ليس ممكنا حتى ضمن لغة واحدة‪ .‬كان مصطلح التطابق في الدرجة األولى‬
‫قبل مصطلح التكافؤ‪ ،‬إلى أن أعطي تعريف حديث لمصطلح التكافؤ باعتباره العالقة القائمة بين النص المصدر‬
‫والنص الهدف في ثقافة ما وعلى مستوى معروف وباستعمال نفس الوظيفة التواصلية‪ .‬وقدم هانس فيرمير في‬
‫نظرية الغائية خاصته مصطلح التكافؤ أو المالئمة‪ ،‬فمن منظور النظرية الغائية فإن النص الهدف يكون مالئما‬
‫إذا حقق األهداف التواصلية التي طرحها الزبون‪ .‬ويأخذ معظم الدارسين في حقل الترجمة بالقول نفسه‬
‫ويعتبرون التطابق كمصطلح فضفاض ال يمكن تحقيقه في الترجمة‪ .‬وبهذا الصدد فإن التوجه الجديد أي النظرية‬
‫الغائية ترى بأحقية التكافؤ على التطابق‪.‬‬

‫‪ -VII‬بعض االنتقادات الموجهة لنظرية الهدف‬


‫واجه كل من رايس وفيرمير انتقادات الذعة من زمالئهما‪ ،‬فقد الم كوهلر كال المنظرين على إعطاء‬
‫أولوية كبرى للنص المصدر مع نزعها عن المترجم ذاته‪ ،‬فهذا األخير يقدم المترجم بصفته المهيمن الوحيد الذي‬
‫يتمسك باختيار هدف الترجمة‪ ،‬وإال فإنه يراعيه ويديره حسب الرغبة‪ .‬وارتبطت انتقادات كوهلر أيضا بمسألة‬
‫من يحدد هدف الترجمة‪ ،‬وتظل من وجهة النظر اللغوية مفهومة‪ ،‬بحيث أن المترجم يقدر على تحديد هدف‬
‫الترجمة في كل األحوال ويقف جنبا إلى جنب كاتب النص الهدف‪ .‬وانتقدت أفكار فيرمير المرتبطة بالثقافة‪ ،‬ألن‬
‫مقدمته وتعريفه لثقافة التصور والطبقية واإليديولوجية تنزل من قيمة الفرد إلى كائن سلبي‪.‬‬

‫وتوالى الهجوم على الدور المهيمن الذي تتواله الثقافة في النظرية الغائية‪ ،‬بحيث عارض شرايبر هذه الفكرة‬
‫معبرا عن أن النقل أو التحويل الثقافي هو جزء من مشكلة محددة ألنواع الترجمة‪ ،‬وقدم كوهلر أيضا انتقاده‬
‫عندما صرح فيرمير أن كل ما له عالقة بالترجمة محدد بما هو ثقافي‪ ،‬في حين أن تصنيف شرايبر وكوهلر‬
‫تجلى في أن الثقافة نفسها هي أحد العوامل المحددة للترجمة فقط وليس العامل الوحيد‪.‬‬

‫منحت مساحة هجوم إضافية لكل من انتقد النظرية الغائية من خالل أسلوبي الكتابة والتقديم‪ ،‬وهي صالحة‬
‫كذلك النتقاد دراسات الترجمة بصفة عامة "في كثير من األحيان يكفي ظهور واحدة من العادات المتخصصة‬
‫المختلفة لكي توقظ التحيز تجاه األفكار المعروضة"‪ ،‬وهكذا مارس كلتيات بمساهمته نقدا قاسيا لهيكل العمل‬
‫وأسلوبه‪ .‬واستغنى فيرمير ورايس عن الصرامة في طرح األفكار والوضوح في إعطاء المفاهيم‪.‬‬

‫ويمكن تلخيص االنتقادات األخرى الموجهة لنظرية الهدف فيما يلي‪:‬‬

‫النظرية الغائية ال تأخذ بعين االعتبار ال الطبيعة اللغوية للنص المصدر وال إعادة إنتاج الخصائص‬ ‫‪‬‬
‫الدقيقة في النص الهدف‪.‬‬
‫كونها صالحة للنصوص غير األدبية لكن األدب ينظر إليه على أنه ال وجود لهدف محدد له‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫نهج رايس ونظرية الهدف تعالجان ظواهر مختلفة وال يمكن دمجها معا‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫بعض مصطلحات فيرمير مثل «‪ » Translatum ‬ال تشرح كثيرا عن الترجمة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫خاتمة‬ ‫‪-VIII‬‬

‫حاولنا في هذا البحث المتواضع أن نضع الدراسات التي أجراها كل من فيرمير ورايس ونورد على‬
‫محك نظرية نخالها نظرية قدمت للمترجم وسائل عمل أسهمت في التقليل من الهوة بين نص االنطالق‬
‫ونص الوصول‪ ،‬وهذه النظرية هي النظرية الغائية أو نظرية الهدف‪ .‬سعت هذه النظرية جاهدة في إبراز‬
‫النص الهدف انطالقا من مبدأ أن الترجمة ال يمكن تحديدها من خالل النص المصدر في حد ذاته ولكن من‬
‫خالل الغاية من انتاجه‪ .‬وتتعارض هذه المقاربة مع المعايير التقليدية كالتكافؤ اللغوي أو التطابق مع النص‬
‫المصدر حيث توصف عملية الترجمة على أنها سيرورة من القرارات التي يتم اتخاذها بالنظر إلى غاياتها‪.‬‬
‫أسهمت النظرية الغائية في تجديد نظرية ترجمة تهتم بالنص الهدف بدال عن االهتمام بإعادة إنتاج النص‬
‫المصدر والتركيز على القرارات المتخذة‪ ،‬مما ساعد على إظهار الدور المحوري الذي يتوخاه المترجم في‬
‫ترجمة نص ما‪ ،‬ومسؤوليته األخالقية اتجاه النص المترجم‪ .‬فلم يتخلص المترجم من اإلكراهات التي‬
‫يفرضها النص المصدر فحسب‪ ،‬بل أصبح مؤلفا للنص الهدف‪.‬‬

‫طور فيرمير نظرية الهدف بشكل مستمر وفعال وخاصة من الناحية المعرفية والثقافية‪ ،‬وشاركته في‬
‫ذلك كاتارينا رايس التي أمددتنا بتصنيف للنصوص وفقا لنظرية أنماط النصوص مستندة في ذلك على‬
‫أعمال كارل بوهلر بحيث انتهت إلى أربعة أنماط من النصوص‪ :‬نصوص إخبارية وتعبيرية ودعائية‬
‫وسمعية وسائطية‪ ،‬وتحدثت كذلك عن النص الهجين الذي يجمع عدة أنماط نصية وأعطت قائمة لمعايير‬
‫توجيهية لسانية داخلية وخارجية بحيث تتضمن المعايير الداخلية الخاصية النحوية والصرفية والجمالية‪ ،‬أما‬
‫المعايير الخارجية فتتضمن السياق‪ ،‬الموضوع والميدان والزمن والمكان والمتلقي والمرسل إلخ‪ .‬كما‬
‫أضافت أن النص الهدف يجب أن يخدم وظيفة تواصلية مختلفة من النص األصلي‪ ،‬ورغم أهمية هذا العمل‬
‫الذي قدمته رايس إال أنه تعرض للعديد من االنتقادات من بينها أنها تعجز في كل نمط عن تقديم طرق فعالة‬
‫لحل مشاكل الترجمة‪ ،‬وأن التصنيفات التي قدمتها ال تنطبق دائما مع ما يواجهه المترجم وأنها لم تتطرق‬
‫بشكل كاف للحاالت الخاصة‪ .‬تعير نظرية أنماط النصوص اهتماما كبيرا للمعنى السياقي في تفسير النص‬
‫وتبرز أهمية العوامل السياقية في نشر عناصر البنية والربط واللحمة‪ ،‬وهذا التصنيف الذي قدمت رايس‬
‫يساعد بشكل كبير المترجم على إدراك خبايا النص المترجم والتحضير للمشاكل المرتبطة بنوعه حتى تكون‬
‫له القدرة على إيجاد حلول مناسبة لهذه المشاكل‪.‬‬

‫وقدمت نورد كذلك أنموذجا لتحليل النص المصدر الذي يعد من أبرز مساهماتها في النظرية الغائية‬
‫التي بلورها فيرمير‪ .‬حيث ترى أن الغرض من الترجمة يتأتى عبر تحليل للنص المصدر‪ ،‬وهي بذلك أبقت‬
‫على قيمة النص المصدر الذي نزعته إياه مقاربات معينة للترجمة‪ .‬حسب نورد‪ ،‬يشكل النص المصدر‬
‫أساس االنطالق في الترجمة‪ ،‬فهو يقدم عرضا للمعلومات في اللغة المصدر على أساسه يتشكل عرض اخر‬
‫للمعلومات في اللغة الهدف‪ .‬كما أبرزت في أنموذجها أن وحدة الترجمة تتحدد في وظائف اللغة ال في الكلمة‬
‫أو العبارة أو الجملة وال حتى في النص كما ترى المقاربات اللسانية‪ ،‬وهذه الوظائف هي كالتالي‪ :‬الوظيفية‬
‫اإلحالية والوظيفة التعبيرية والوظيفة الدعوية ووظيفة اللغو االجتماعي‪ ،‬وتتفرع عن هذه الوظائف األساسية‬
‫وظائفا ثانوية‪ .‬كما أبرزت صلة هذه الوظائف بالترجمة وكيف يتعين على المترجم تجسيدها في نقله‪ .‬كما‬
‫صنفت نورد الترجمة إلى نمطين‪ ،‬ترجمة وثائقية تنتج وثيقة تتخذ من النص المصدر وسيلة لها للتواصل مع‬
‫متلقي الثقافة الهدف‪ ،‬هنا يشعر المتلقي أنه بصدد التعامل مع ترجمة‪ .‬بعكس الترجمة األداتية‪ ،‬أين ال يحس‬
‫المتلقي أنه يتعامل مع ترجمة وإنما يتولد له االنطباع أنه يتعامل مع النص المصدر مباشرة‪ ،‬بحيث يجري‬
‫تكييف النص المصدر مع المعايير الثقافية للغة الهدف فتدرئ بذلك أي غرابة قد تعتمر المتلقي حال قراءته‬
‫للنص بين يديه‪ .‬وأبرزت نورد أيضا أهمية عملية تدريب المترجم‪ ،‬والتي ركزت فيها على ثالث عناصر‬
‫مهمة وفقا لالتجاه الوظيفي‪ ،‬وهي أهمية موجز مهمة الترجمة الذي يحدد الشروط والمعلومات التي تسلم‬
‫للمترجم ووفقا لها ينجز هذا األخير ترجمته‪ .‬ثانيا‪ ،‬دور تحليل النص المصدر وثالثا مقاربة منهجية‬
‫لمشكالت الترجمة‪ ،‬والتي تتنوع بين مشاكل براغماتية وثقافية ولغوية وخاصة‪ .‬في األخير تطرقنا إلى كيف‬
‫تقارب نورد‪ ،‬ومعها االتجاه الوظيفي‪ ،‬الخطأ في الترجمة والذي ربطته بانتهاك وظيفة النص وفشل في‬
‫االلتزام وتجسيد موجز مهمة الترجمة‪ ،‬وقسمتها إلى أخطاء براغماتية وثقافية ولغوية وخاصة‪.‬‬
‫أخيرا وليس اخرا‪ ،‬نخلص إلى أن الترجمة مهما بلغت قدرا كبيرا من الدقة‪ ،‬إال أنها ال تخلو من العيوب‬
‫والنقائص وال يمكن أن تؤدي إلى إحداث تكافئ تام بينها وبين النص األصلي سواء كان نصا أدبيا أو‬
‫إشهاريا‪ ،‬أو علميا‪ ،‬ذلك ألن المترجم في حين عمله ال يسعه إال القيام بخيارات معينة‪ ،‬فهو يتقصى عادة في‬
‫إجراءاته الفردية الحلول األمثل للمصاعب التي تعترضه حين الترجمة‪ ،‬وبالتالي فالمترجم الجيد هو القادر‬
‫على إيجاد حلول أمثل لإلشكاالت العارضة خالل مساره الترجمي‪.‬‬

‫وبعد كل ما تم التطرق إليه‪ ،‬يمكن أن نختم بأنه عند الترجمة‪ ،‬ال يقترن األمر بترجمة الكلمات فقط‪ ،‬بل‬
‫يحتاج المترجم مثلما قيل سابقا في هذه الورقة‪ ،‬أن يطرح هذا السؤال على نفسه مرات عدة‪ :‬لماذا أترجم‬
‫وماذا أترجم ولمن أترجم؟‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬


‫• نظريات الترجمة بحث في الماهية والدراسة‪ ،‬د‪ .‬سعيدة كحيلف‪.‬‬
‫‪Albercht, J. (1978). linguistik und Ubersetzung. Tubingen: Niemeyer.‬‬

‫‪Diller, H and J. Korneluis. (1978). Linguistische Probleme der Ubersetzung .‬‬


‫‪Tubingen : Niemeyer .‬‬
Jakobson, R. l. (1960). linguistics and poetics. In T. A. Sebeok, style in language
(pp. 350-377). Cambridge, MA: MIT Press.

Khatarina Reiss and Hans J. Vermeer . (2014). Towards a General Theory of


Translation Action, skopos theory explained . London & New York :
Routledge.

Koller, W. (1992). Einfuhrung in die Ubersetzungswissenxchaft (4 ed.).


Heidelberg: Quelle & Meyer.

Kupsch-Losereit, S. (1985). 'The problem of translation error evaluation'. In C.


T. Heike, Translation in Foreign Language teaching and Testing (pp. 169-
179). Tubingen: Narr.

Munday, J. (2008). introducing translation studies . London & New York :


Routledge .

Vinay, J. – P. and Jean Darbelnet . (1958). Stylistique comparée du francais et fe .


Paris : Didier.

‫المراجع اإللكترونية‬
Retrieved from .‫ نظريات الترجمة‬: ‫ منقول‬.)April 18 ,2018( ‫ نقوس‬,‫المهدي‬
/http://alantologia.com/blogs/8408
Retrieved from .‫ األوهام الداللية و وهم التكافؤ‬: ‫ ما ال يترجم‬.).n.d( .‫ محي‬، ‫الدين محسب‬
https://platform.almanhal.com/reader/2/54841

You might also like