You are on page 1of 5

‫"البنيـة"(‪ )Structure‬واللسانيات البنيوية (*)‬

‫من علوم الرياضيات الى علوم اللغة‪ ..‬او من"نظريات المجموعات" (القرن ‪ )19‬الى لسانيات‬
‫دو سوسيرـ والشكالنييين الروس‬
‫(‪)1‬‬

‫ملخص‬
‫"البنية"‪ ..‬ال تعني‪ :‬مجموع كل العناصر‪ ،‬بل "كيفية إنشاء شبكة من العالقات"؛ حالة إنشاء دائم بدون بداي ة‬
‫او نهاية‪ ،‬كما ان "إنشــاء" ال تعني بداية إنشاء بناية‪ ،‬وقريبا سننتهي من تشييدها‪ ،‬او نظام في حالة إنشاء دائم‪.‬‬
‫كما ان "إنشــاء" ال تعني بداية إنشاء بناية‪ ،‬وقريبا سننتهي من تش ييدها‪ ،‬و به ذه المناس بة س يكون هن اك حف ل‬
‫تدشين للبناية‪ ،‬بل إنشاء بالمعنى الرياضي (للبنيـة ‪ ،)Structure‬او "كيفية إنشاء شــبكة من العالقــات"‪ ،‬س واء‬
‫كانت عالقات وصل(‪ ،)conjunction‬او عبر الفصل(‪ ،)disjunction‬او من خالل التضمين(‪.)implication‬‬

‫"البنيوية"‪ ..‬كمفهوم تم استعارته من علوم الرياضيات للق رن ‪ ،19‬نتيج ة للتط ورات المذهل ة في ذاك الق رن‬
‫تحديدا‪ ،‬اذ انتقل كث ير من مف اهيم عل وم التجريبي ة اوالبحت ة الى العل وم االجتماعي ة‪ ،‬كم ا ح دث في علم اللغ ة‬
‫التطوري او علم االجتماع التطوري(نسبة الى دارون)‪ ،‬وكذا فع ل (م وس) في علم الش كل االجتم اعي‪ ،‬وه و‬
‫كان احد الفروع العلمية لعوم الحيوان انذاك (علم الشكل)‪..‬‬

‫مدخل‬
‫كيف تم نقل مفهوم "البنيويـة" الى حقول اللسانيات و السيميائيات فيما بعد؟‬

‫يعت بر ليفي اش تراوس ه و رائ د "مدرس ة البنيوي ة الفرنس ية"؛ بنش ره سلس لة مق االت في مجل ة "االزمن ة‬
‫الحديثة"(سارتر) في نهاية أربعينيات الق رن الماض ي‪ ..‬عن دما رح ل اش تراوس الى امريك ا‪ ،‬بس بب االحتالل‬
‫النازي لفرنسا؛ تصادف انه درس بنفس الجامعة التي كان بها احد اهم رواد اللسانيات البنيوية (رائد الشكالنية‬
‫الروسية) رومان جاكبسون‪ ،‬و عن طريقه تعرف على اشغال بروب مؤسس علم السرد‪ ،‬ح تى قب ل ان يعرف ه‬
‫العالم االنجلو ساكسوني (ترجمت اعمال بروب الى االنقليزية والفرنسية في بدايات الستينيات)‪ .‬هذا باختص ار‬
‫مخل‪ ،‬بل واعتذر عنه ايضا‪.‬‬

‫(‪)2‬‬

‫مدخل ابستمولوجيـ‬
‫"ظهرت اكتشافات عديدة في علم الرياضيات في خالل القرن التاسع عشر الميالدي ‪ ،‬ولكن أكثرها ت اثيرا من‬
‫الناحية الفلسفية كانت االكتشافات الخاصة بالهندسة غير التقليدية ونظرية المجموعات ال تي ق ام به ا ك انتور (‬
‫‪1845-1918‬م)‪" ،‬مجموعة البورباكي" و "جبر بول"‪ ،‬فقد أظهر هذان االكتشافان أن ما كان يع د من قب ل ‪،‬‬
‫وبغير تردد ‪ ،‬مجرد افتراضات مسبقة ال يقوم علم الرياضيات إال عليها ‪ ،‬ما ه و في الواق ع إال قض ايا ليس ت‬
‫يقينية علي اإلطالق ‪ ،‬كما نبه هذان االكتش افان األنظ ار إلي ض رورة التحلي ل ال دقيق للمف اهيم ال تي تب دو في‬
‫الظاهر بسيطة ‪ ،‬وإلي تركيب النظم الرياضية ابتداء من المسلمات"‪.‬‬

‫فيما يخص نظرية المجموعات‪ ،‬فقد اكتشف الرياضيون‪ ،‬عند انتهاء الق رن التاس ع عش ر الميالدي‪ ،‬م ا يس مي‬
‫"بالمفارقات" (‪ ،)Paradoxes‬أي اس تنتاجات متناقض ة‪ ،‬ابت داء من مس لمات بس يطة وواض حة في الظ اهر‪،‬‬
‫رغم كون البراهين المستخدمة صحيحة‪ .‬وهكذا انتهي الحال إلي تهافت أسس علم الرياض يات ذات ه‪ .‬وق د ع اد‬
‫المنطق الصوري إلي النهوض من جديد‪ ،‬تحت أس ماء جدي دة‪ ،‬منه ا المنط ق الرم زي والمنط ق الرياض ي او‬
‫الفلسفة التحليلية‪ ،‬في ظل اتصال وثيق مع أزمة علم الرياضيات تلك‪( "...‬بوخونسكي‪ ،‬عبد الكريم الوافي)‬
‫‪................................‬‬

‫(بوخونسكي " الفلسفة المعاصرة في أوروبا "‪ ،‬ت عبد الكريم الوافي‪ ،‬جامعة قاريونس‪ ،‬بتصرف)‪ ،‬ترجمه ايضا عزت قرني‪،‬‬
‫عن سلســلة عــالم المعرفــة ‪ ،‬العــدد ‪ ، 165‬ص ‪ ،38‬لكن المالحــظ على هــذه الترجمــة‪ ،‬رغم الجهــد المخلص بهــا‪ ،‬انهــا كتبت‬
‫باستراتيجية ايديولوجيا "االنا القومية" في مواجهة "معرفة اآلخر"‪ ،‬اما ترجمة الوافي فيغلب عليهــا الشــغف المعــرفي ونقــل‬
‫العلوم الحديثة للطالب والدارسين‪ ،‬رغم المالحظات الكثيرة في ضبط المصــطلحات والمفــاهيم‪ ،‬ربمــا لحداثــة تجربتــه الفلســفية‬
‫والمناخ التعليم الفلسفي العربي انذاك عموما‪ ،‬مطلع سبعينيات القرن الماضي‪.‬‬

‫(‪)3‬‬

‫يقول (جان بياجيه‪ ،‬البنيوية؛ ص ‪64‬؛ بتصرف)‪:‬‬

‫"أم ا مفه وم البني ة‪ ،‬األك ثر ق دما ً والمعروف ة‪ ،‬ج اءت م ع المفه وم الرياض ي "بني ة المجموع ة" (أو بني ات‬
‫المجموعات)‪ ،‬التي تم اكتشافها بواسطة (غالوا)؛ وغزت رياضيات (القرن ‪ ... )19‬وفيما بع د م ع "مجموع ة‬
‫البورباكي" (اسم مستعار لمجموعة رياضيين فرنسيين)؛ التي كانت تسعى إللحاق الرياض يات بفك رة "البني ة"‬
‫أو حتى مع (منطق بول)‪ ،‬أحد أكبر مؤسسي المنطق الرمزي في ذلك القرن‪ ،‬حتى انه أسس جبراً "يدعى جبر‬
‫بول"؛ على قيمتين أو عمليتين‪ /‬بنيتين رئيسيتين؛ هما‪ " :‬صفر؛ واحد"‪..‬‬

‫"‪ ..‬حين بيّن (ف‪ .‬دي سوسير) بأن سياق اللغ ة ال يقتص ر على التع اقب الزم ني(الت اريخي‪/‬ال ديكروني)‪ ،‬وأن‬
‫تاريخ الكلمة مثالً‪ ،‬ال يعرض معناها الحالي‪ ،‬ويكمن السبب في وج ود النظ ام (لم يكن سوس ير يس تعمل لفظ ة‬
‫بنيه) باإلضافة إلى وجود التاريخ‪ ،‬وفي أن نظاما ً كهذا؛ يرتكز على قوانين توازن تؤثر على عناصره وترتهن‬
‫في كل حقبة من التاريخ بالنظام اللغوي المتزامن‪ ،‬اآلني‪/‬السيكروني"‪.‬‬

‫و الجدير بالذكر؛ فأن "دو سوسير" لم يستخدم لفظة "بنية" بتاتاً‪ ،‬بل ك ان يس تخدم لفظ ة (‪ ،)system‬رغم أن‬
‫(عبدالسالم المسدي) يترجمه إلى‪" :‬جهاز" ل داللتها على مع نى الحرك ة والعم ل واآللي ة‪ ،‬عكس كلم ة "نظ ام"‬
‫الذي تعني الترتيب الثابت القار"(األسلوبية واألسلوب؛ ‪.)1977‬‬

‫حتى أن (جورج مونان) األلسني الفرنسي الشهير له كتاب بعنوان‪( ،‬دي سوس يرا أو الب نيوي ال ذي ال يع رف‬
‫نفسه؛ ‪:)1968‬‬

‫"إن اهتمام سوسير بفهم عمل (أو وظيفة) الكالم؛ باعتباره مؤسسة اجتماعية في هذا المكان والزم ان بال ذات‪،‬‬
‫هو الذي قاده إلى التأكيد على مفهوم النظام (‪ ،)system‬فالكلم ة قديم ة في األلس نية‪ ،‬ترج ع إلى (الق رن ‪)18‬‬
‫على األقل‪ ،‬لكن (دي سوسير) منحها دقة جعلتها ت رادف تقريب ا ً "ق انون" كم ا ك ان يبحث عن الوح دات ال تي‬
‫تتركب منها السلسلة المنطوقة‪ ،‬بدون ما قبليات‪ .‬وهو ما يرجعنا إلى مفهوم التق نين (‪ )Encode‬رغم أن ه ك ان‬
‫ال يحب كلمة "بنيه"‪ ،‬فإنها تحاليل بنيوية"‪.‬‬

‫أما إذا رجعنا إلى كتاب (دي سوسير؛ ت محمد الشاوش؛ محمد عجينة؛ الدار العربية للكت اب؛‪ ،)1985‬س نجد‬
‫أن‪:‬‬
‫لفظه"بني ة"؛ ليس له ا وج ود‪ ،‬ذل ك ألن (سوس ير) اش تغل على البنيوي ه كـ"مفه وم"‪ ،‬بتش ديده الواض ح على‬
‫المحور اآلني(التزامني‪/‬السيكروني) للغة‪ ،‬وليس على المحور التعاقبي (الزم اني‪/‬ال ديكروني)‪ ،‬دون أهم ال أو‬
‫الغاء االخير ايضا‪ ،‬وتمثل ذلك في مقارنته الشهيرة بين اللغة ولعبة الشطرنج‪ ،‬اذ قال‪:‬‬

‫"الذي نالحظه أوالً‪ ،‬أن أية مرحلة من مراحل هذه اللعبة‪ ،‬توافق كل الموافقة حالة من حاالت اللغة‪ .‬فقيمة ك ل‬
‫قطعة بالنسبة إلى بقية القطع هي رهينة موقعها من الرقع ة‪ ،‬وإن ك ل عنص ر من عناص ر اللغ ة تتح دد قيمت ه‬
‫بتقابله مع جميع العناصر األخرى"‪ .‬أوكما علق (صالح القرمادي)‪" :‬أن بنيوية سوسير تتضح في تش ديده على‬
‫مهمة االلسني على المحور التزامني‪"...‬‬

‫الخالصة‪( :‬حسب تعبير شتراوس نفسه)؛‬

‫"أن البنيوية كمدرسة نظرية لسانية‪ ،‬امتد تأثيرها على مختلف العلوم اإلنسانية‪ ،‬اذ ك ان عليه ا أن تلقن ال درس‬
‫للعلوم االجتماعية"‪،‬‬

‫اما اذا نظرنا الى المسالة من زواية اخرى فأننا سنجد ثأثير "دور كايم" و"مرسيل م وس"(*)‪ ،‬غ ير المباش ر‪،‬‬
‫على (دي سوسير)‪ ،‬والمباشر والريادي على الشكالنيين الروس‪ ،‬لعل أب رزهم‪ :‬فالديم ير ب روب؛ جاكبس ون؛‬
‫تروبتس كوى‪ ،‬وفي أميرك ا (أدوارد س ابير؛‪ ،1922‬بلومفيل د؛‪ ،)1933‬الى (روالن ب ارت؛‪ ،1951‬فوكو‬
‫‪ ،)1962‬مرورا برائد المدرسة الفرنسية (ليفي شتراوس؛‪.)1949‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(*) في كتاب االخير خاصة (المورفولوجيا االجتماعية‪ ،‬أوعلم الشكل االجتماعي)‪ ،‬وذلك طبقا ً للتقاليد الخطابية(للقــرن ‪،)19‬‬
‫اى تأثير علوم األحياء(البيولوجيا)‪ ،‬وخاصة "التطورية الدارونية"‪ ،‬بـل وطغيـان وهيمنـة مفاهيمهـا ومصـطلحاتها‪ ،‬ليس على‬
‫حقول"العلوم االنسانية" فقط‪ ،‬بل علي العلوم التطبيقية‪/‬البحتة ايضاً‪.‬‬

‫(‪)4‬‬

‫ان الدخول الى علوم اللسانيات والسيميائيات‪ ،‬بدون معرفة المباديء االساسية للرياضيات الحديثة‪ ،‬يكاد يك ون‬
‫مستحيال‪ ،‬خاصة "نظرية المجموعات البنيوية"‪ ،‬االكسوماتية‪ .‬اذ ان مفهوم البنية تمت اس تعارته منه ا مباش رة‬
‫للمدرسة االنجل و سكس ونية (تش ارلز ب يرس) و المدرس ة الفرنكوفوني ة (دو سوس ير والش كالنيين ال روس)‪..‬‬
‫االستاذ عبد الرحمان الحاج صالح‪ ،‬احد رواد عل وم اللس انيات العربي ة القالئ ل‪ ،‬ل ه اراء اك ثر حزم ا في ه ذا‬
‫الصدد‪..‬‬

‫تتميز المدرسة االنجلو ساكس ون الس يميائية بانش اء الثالثي ات‪ ،‬عكس ثنائي ات المدرس ة الفرنكوفوني ة‪ ،‬او كم ا‬
‫يقرر "ت‪ .‬بورس" في ثالثية التجريد (او الفكرة ‪ )idea‬في كيفية انشاء العالمة من اجل تعقل العالم‪ ..‬للتعام ل‬
‫مع بيرس‪ ،‬البد من مرجعية رياضية‪ ،‬تحديدا نظري ات بني ة المجموع ات (من االنج ازات المذهل ة للق رن ‪19‬‬
‫للقطيعة مع االقليدية وثنائية القيمة الرسطو)‪ ،‬هو ما نتبينه بوضوح اكثر في انجازات فالس فة اللغ ة(او ت اريخ‬
‫االبستمولوجيا الكالسيكية للوضعية المنطقية منذ رسل حتى مورس‪ ،‬بوبر‪ ،‬باش الر‪..‬الخ)‪ ..‬ذل ك الن االص ول‬
‫المرجعية للسيميائيات االنجلوسكسونية خاصة لها عالقة مباشرة بالمنطق الرياضي‪ ،‬بل ربم ا ال نب الغ اذا قلن ا‬
‫ان التعامل بدون معرفة هذا االمر‪ ،‬سيكون السيميائيات و اللسانيات البنيوية عموما‪ ،‬سيكون تبع ات اجرائي ة و‬
‫منهجية تخل بالشروط العلمية لكيفية االستفادة من تلك االنجازات العلمية الك ثر من ق رن‪ ،‬او س يكون التعام ل‬
‫مع تلك العلوم الحديثة باستراتيجية مفاهيمية "اقليدية ارسطوية"‪ ،‬تل ك االنج ازات ال تي نش أت بفض ل القطيع ة‬
‫المعرفية معها‪ ،‬كما هو االمر في فهم النظرية "النسبية"(اينشتاين) باستراتيجية قوانين الميكانيكا‪..‬‬
‫تشارلز بورس‪ :‬رائد مدرسة "السيميائيات االنجلو سكسونية"‪ ،‬المفكر الفذ‪ ،‬الذي تع رض للغبن م رتين‪ :‬عن دما‬
‫لم تعترف به الجامعات االمريكية اال بعد عقدين تقريبا من وفات ه‪ ،‬بع د ش راء جامع ة ش يكاغو حق وق اعمال ه‬
‫الكاملة في ‪1933‬‬

‫ام ا الث اني‪ ،‬فه و م ترتب على الغبن االول‪ ،‬اذ ك ان على "مؤسس ة الخط اب" العلمي‪ ،‬ان ان ت دفع ثمن ذل ك‪،‬‬
‫بخسارتها ثمار تلك االبحاث العلمية في لغتها االصلية (االنقليزية)‪ ،‬وظلت تقت ات على بعض من دروس رواد‬
‫الدرس اللساني‪ ،‬للشكالنيين الروس المهاجرين‪ ،‬في فترة ما بين الحربين(رومان جاكبس ون وهجرت ه المريك ا‬
‫مثال فقط)‪ .‬وفيما بعد على المدرسة البنيوية الفرنسية‪ ،‬بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية‪ .‬دون ان ننسى دروس‬
‫ادوارد سابير وغيره من الباحثين‪ ،‬ولكنها ظلت في اطار االستثناءات الفذة‪ .‬بل اكثر من هذا لم تتفطن البح اث‬
‫تشارلز موريس السيميائية الباهرة اال عن دما تعلمت دروس ب ورس ايض ا‪ .‬و ذل ك بع د ان تم توحي د االش غال‬
‫العلمية لسيميائيات المدرستين‪ :‬االنقلوساكس ونية والفرنكوفوني ة (م ؤتمر تش كيل الرابط ة الدولي ة للس يميائيات‬
‫‪.)1969‬‬

‫اما في اللسان العربي فأن االمر ال يعدو اال ان يكون كارثة معرفية‪ ،‬اذ ظل يعتبر اح د الفالس فة البراغم اتيين‬
‫مع ديوي وجويس‪ ،‬وبصفات معياري ة ج د بائس ة(نفع يين‪ ،)!..‬ح تى ظه ور بعض اش غال وترجم ات اس اتذتنا‬
‫المثابرين‪ ،‬سبيل المث ال ال الحص ر‪ :‬من المغ رب(س عيد بنك راد)‪ ،‬الجزائ ر(عب د الق ادر بوزي دة)‪ ،‬ت ونس(عب د‬
‫الرزاق بنور) في بدايات االلفية الثالثة‪ .‬اذ لم يكن هناك فصل‪ ،‬فيما سبق‪ ،‬بين المنطق و الرياض يات‪ ،‬او ح تى‬
‫بينهما و النحو‪(!..‬هل يكون من كوارث تعليم النحو العربي هذا االنفصال‪..‬؟)‬

‫رغم التطورات االبستمولوجية المذهلة‪ ،‬منذ لبنتز على االقل‪ ،‬فأن الثمن كان باهظا على النحو والفلسفة نتيج ة‬
‫هذا الفصل‪ ،..‬بل قد يصبح كارثة معرفية و بيداغوجية ايضا‪ !..‬و هو ما نالحظه بوضوح ش ديد‪ ،‬ل دى الطلب ة‬
‫و الدارسين خاصة‪ ،‬في كيفية التعامل مع مرجعيات سيميائيات غريماص و ت‪ .‬س‪ .‬بورس تحديدا‪!..‬‬

‫(ان "السميوزيس"‪ ،‬او سيرورة) هي ما يشكل في نظرية بورس ما يطلق عليه السيميوز أي النشاط الترميزي‬
‫الذي يقود إلى إنت اج الدالل ة وت داولها‪ .‬يمكن تفس ير ه ذا التص ور من خالل خاص يتين تعت بران أساس يتين في‬
‫التصور البورسي الشتغال ووجود العالمة‪.‬‬

‫السميوز (السيرورة الداللية) باعتبارها الحجر األساس في كل فعل سميائي‪.‬‬

‫مفهوم العالمة‪ .‬إنها الوجه اآلخر إلواليات اإلدراك‪ .‬لذا ال يمكن تصور س ميائيات مفص ولة عن عملي ة إدراك‬
‫الذات وإدراك اآلخر‪ .‬وإدراك –األنا‪ -‬وإدراك العالم الذي تتحرك داخله هذه –األنا‪ -‬فالعالمة هي مأثول يحي ل‬
‫إلى موضوع عبر م ؤول ه ذه الحرك ة (سلس لة اإلح االت)‪ ،‬هي م ا يش كل في نظري ة ب يرس م ا يطل ق علي ه‬
‫السيميوز أي النش اط الترم يزي ال ذي يق ود إلى إنت اج الدالل ة وت داولها‪ .‬يمكن تفس ير ه ذا التص ور من خالل‬
‫خاصيتين تعتبران أساسيتين في التصور البورسي الشتغال ووجود العالمة‬

‫أ‪-‬الخاصية األولى ‪ :‬تعود إلى كون الس ميائيات عن د ب يرس ليس ت مرتبط ة باللس انيات فموض وع دراس تها ال‬
‫يختصر في اللسان ذلك أن التجربة اإلنسانية‪ ،‬واللسان جزء منها‪ ،‬هي موضوع السميائيات البيرسية‪.‬‬

‫إن السيميوز بتعبير بنكراد ( ليست تعيينا لش يء س ابق في الوج ود‪،‬وال رص دا لمع نى واح د ووحي د‪ ،‬إن على‬
‫العكس من ذلك إنتاج ‪،‬واإلنتاج معناه الخروج من الدائرة الضيقة (للوص ف الموض وعي ) إلى م ا يحي ل على‬
‫التأويل باعتباره سلسلة من اإلحاالت المتتالية الخالقة لسيقاتها الخاصة)‪21‬‬

‫(‪( )Coordinate system‬بالمعني العطالى ‪) Inertial‬‬


‫هذ النظام األحداثي القيمي المختلف ق د تم بالفع ل ‪ ..‬الى أن وص ل األم ر لـ "غريم اص"(‪ ،)1983‬باش تغاله‬
‫على الرياض يات الحديث ة (النس بية والمحتمل ة) وتخلص من بقاي ا االس تراتيجية البنيوي ة القديم ة (الثنائي ات‬
‫المطلقة)‪ ،‬وذلك باالشتغال المخلص والعمل الجاد المسؤول على مدى أكثر من عقد ونصف‪ ،‬المربع السيميائي‬
‫(‪.)1966،1971‬‬

‫(‪)5‬‬

‫"‪ ..‬أن إحدى أهم اإلنجازات العلمية (للقرن التاسع عشر)‪ ،‬على مستوى البحث والتطبيق في العل وم التجريبي ة‬
‫(البحتة)‪ ،‬هو التمييز اإلجرائي الواضح بين "الظاهرة" الفيزيائية؛ وكيفية مقاربتها نظري ا (األدوات والمع دات‬
‫واألجهزة)‪ ،‬باختص ار‪ :‬كيفي ة اختباره ا وتجريبه ا وتحليله ا‪ .‬ب دالً من الفص ل المتعس ف بين ثنائي ة‪ :‬النظري ة‬
‫والتطبيق‪ .‬ذلك ألن الظاهرة أكبر وأعمق من أي محاولة لضبط قوانينها وآلياتها بش كل نه ائي‪ .‬وبه ذا االنج از‬
‫االختب اري؛ فق د أنهى ه ذا الق رن آخ ر البقاي ا البائس ة للفك ر الت أملي المه ووس ب االختراع وعبقري ة "الطف ل‬
‫المعجزة"‪.‬‬

‫وبالتالي أصبح عدم التمييز اإلجرائي‪ ،‬بين الظاهرة وكيفية اختبارها‪ ،‬من شأنه أن ي ؤدي بالب احث إلى فوض ى‬
‫منهجية‪ ،‬قد ال تترك له إال هامش ج د ض ئيل من حري ة االختي ار‪ ،‬ب ل ق د يك ون مرغم ا ً على اللج وء "للحس‬
‫المشترك"(‪ ،)Common sense‬اى البحث عن أسئلة وهمية عبثية‪ ،‬تلك التي تجد إجاباتها الجاهزة في الكالم‬
‫الشائع والمكرر‪( .‬هل هناك معنى آخر لـ "االستراتيجيات الخطابي ة"؟)‪("..‬من كتابن ا‪ :‬س لطة الكالم‪ ..‬مش روع‬
‫بيان السيميائيات السردية)‬

‫‪........................................................‬‬

‫(*) من الدرس االفتتاحي لـ "مختبر بنغازي للسيميائيات وتحليل الخطاب" (‪)2005‬‬

You might also like