You are on page 1of 3

‫جامعة وهران‪ 1‬أحمد بن بلة‬

‫كلية اآلداب والفنون‬

‫قسم اللغة العربية‬

‫المستوى‪ :‬السنة األولى ليسانس فوج (ي)‬

‫المقياس‪ :‬فقه اللغة (أعمال موجهة)‬

‫األستاذ‪ :‬إبراهيم يحيى‬

‫نظريات نشأة اللغة اإلنسانية‬


‫لقد شغلت قضية نشأة اللغة اإلنسانية المفكرين على مر العصور‪ ،‬وتصدى لها عبر‬
‫العصور الكثير من العلماء‪ ،‬الفالسفة‪ ،‬المتكلمين‪ ،‬واللغويين‪.‬‬
‫وكان هناك صعوبة وتعذر في الوصول إلى رأي يرضى به الباحثون‪ ،‬وال يجدون فيه‬
‫نقصا ً وال عليه اعتراضاً‪ ،‬إال أنه ال بد من اإلشارة إلى تلك النظريات التي سيقت حول تفسير‬
‫نشأة الكالم اإلنساني‪ ،‬وذلك ألسباب عديدة منها‪:‬‬
‫‪ .1‬معرفة عناية العلماء في هذا البحث‪.‬‬
‫‪ .2‬أن هذه القضية شغلت حيزا ً من التفكير‪ ،‬ونالت قدراً وافراً من الجهد‪.‬‬
‫أن علماء المسلمين‪ ،‬قد شاركوا في هذا الموضوع‪ ،‬وعرضوا آرا ًء ال تقل‬ ‫‪ .3‬بيان ّ‬
‫جدية واستدالالً عما قدّمه غيرهم قديما ً وحديثاً‪ ،‬بل ربما فاقوا غيرهم‪ ،‬وسبقوه‪.‬‬
‫لم يجمع علماء اللغة على رأي واحد في مسألة نشأة اللغة‪ ،‬ذهبوا في بحوثهم إلى‬
‫مذاهب شتى‪ ،‬وتوصلوا إلى نظريات عديدة وأه ّمها ما يلي‪:‬‬
‫‪ _1‬نظرية المحاكاة(التقليد)‬
‫بأن نشأة اللغة بدأت بمحاكاة لألصوات الطبيعية‪ ،‬تقليداً لألصوات‬
‫تتلخص هذه النظرية ّ‬
‫المسموعة من الحيوانات واألشجار‪ ،‬وصوت الرعد وغيرها‪.‬‬
‫ومن الذين مالوا إلى هذه النظرية ابن جني‪ ،‬فقال في كتابه الخصائص‪" :‬ذهب بعضهم‬
‫أن أصل اللغات كلها إنما هو من األصوات المسموعات كدوي الرياح‪ ،‬وحنين الرعد‪،‬‬ ‫إلى ّ‬
‫وخرير المياه‪ ،‬وشحيج الحمار‪ ،‬ونعيق الغراب‪ ،‬وصهيل الفرس‪ ،‬ونزيب الظبي‪ ،‬ونحو ذلك‪،‬‬
‫ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد‪ ،‬وهذا عندي وجه صالح ومذهب متقبل"‪.‬‬
‫كذلك يميل كثير من الباحثين المعاصرين إلى هذه النظرية‪ ،‬ويرون أنها تساير طبيعة‬
‫األشياء التي تبدو بسيطة ثم تنمو وتطور‪ ،‬واستند هؤالء أيضا ً إلى لغة الطفل التي تبدأ تقليدا ً‬

‫‪1‬‬
‫وأن كثيراً من األمم البدائية يستخدمون اإلشارات اليدوية‪ ،‬والجسمية‬
‫ّ‬ ‫ثم تنمو وتستقيم‪،‬‬
‫للمساعدة في التعبير‪.‬‬
‫ولقد وجهت نقودٌ واعتراضات على هذه النظرية‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪1‬ــــ أنها تُنزل باإلنسان إلى ما هو أقل منه‪ ،‬فليس من المعقول عند المعترضين أن يقلد‬
‫اإلنسان صوت الحيوان واألصوات المسموعة األخرى‪.‬‬
‫‪2‬ــــ ّ‬
‫أن اللغات الراهنة ال تشتمل إال على قدر ضئيل من الكلمات التي تضح فيها الصلة بين‬
‫اللفظ والمعنى‪.‬‬
‫أن كثيراً من األمم البدائية يتكلمون بلغات ال يظهرون فيها أثر المحاكاة والتقليد للطبيعة‪.‬‬
‫‪3‬ــــ ّ‬

‫‪ _2‬نظرية التواضع واالصطالح (المواضعة)‬


‫أن اللغة مواضعة واتفاق بين الناس‪ ،‬بحيث يصطلحون على كذا‬ ‫تتلخص هذه النظرية ّ‬
‫"أن قوما ً‬
‫وكذا من األلفاظ‪ .‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا مصوراً هذه النظرية‪ّ :‬‬
‫اجتمعوا‪ ،‬واصطلحوا على أن يسموا هذا بكذا‪ ،‬وهذا بكذا‪ ،‬ويجعل هذا عاما ً في جميع‬
‫اللغات"‪ .‬وقد صور ابن جني هذه النظرية بقوله‪" :‬وذلك أنّهم ذهبوا إلى ّ‬
‫أن أصل اللغات ال بد‬
‫فيه من المواضعة"‪ .‬وقالوا‪ :‬وذلك كأن يجتمع حكيمان أو ثالثة فصاعداً‪ ،‬فيحتاجون إلى‬
‫اإلبانة عن األشياء والمعلومات‪ ،‬فيضعوا لكل واحد منها سمةً ولفظا ً إذا ذُكر عُ ِرف به ما‬
‫سماه‪ ،‬ليمتاز عن غيره‪ ،‬وليُغني بذكره عن إحضاره إلى مرآة العين‪.‬‬
‫أن التواضع يمكن أن ينتقل إلى لغة أخرى‪ ،‬وجعل ما يشاهده‬ ‫بعد أن وضّح ذلك ذكر ّ‬
‫من اختراع الصنّاع آلالت صنائعهم من األسماء‪ ،‬كالنجار‪ ،‬والصائغ والحائك دليالً على هذا‬
‫الرأي‪.‬‬
‫وتلقت هذه النظرية العديد من االنتقادات االعتراضات منها‪:‬‬
‫‪1‬ــــ ّ‬
‫أن التواضع يحتاج إلى لغة سابقة يُتفاهم بها‪.‬‬
‫‪2‬ــــ أن ال يكون حكماء يتواضعون بدون لغة‪ ،‬فهذه النظرية إذا ً ال تحل المشكلة‪ ،‬وال تخلو‬
‫من المآخذ‪.‬‬
‫‪3‬ــــ أن هذا القول مجرد دعوى تفتقر إلى دليل‪ ،‬يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية‪" :‬فال يمكن‬
‫ألحد ن ينقل عن العرب‪ ،‬بل وال عن أمة من األمم أنه اجمع جماعة فوضعوا هذه األسماء‬
‫الموجودة في اللغة‪ ،‬ثم استعملوها بعد الوضع"‪.‬‬
‫‪ _3‬نظرية التوقيف واإللهام‬

‫‪2‬‬
‫تقول هذه النظرية أن اللغة إلهام ووحي من عند هللا عز وجل ال يد لإلنسان في‬
‫وضعها‪ ،‬فهو أعجز من ذلك‪ ،‬فهي توقيفية ال مجال لالجتهاد فيها‪ .‬ولهذه النظرية أنصار منذ‬
‫أقدم العصور‪ ،‬أمثال الفيلسوف اليوناني هيرالكيت(‪480‬ق‪.‬م)‪ ،‬وفي العصر الحديث ذهب‬
‫إليها الفيلسوف المي‪1711( ،‬م)‪ ،‬كذلك تبنى علماء المسلمين هذه النظرية‪ ،‬فقال ابن فارس‪:‬‬
‫أن آدم تعلّم األسماء كلها"‪.‬‬
‫"أقوال إن لغة العرب توقيف‪ ،‬ودليل ذلك في ّ‬

‫ي الفارسي الذي يرى بأن اللغة هي من عند هللا‪،‬‬ ‫ينق ُل لنا ابن جني تأويله لقول أبي عل ّ‬
‫وجمع السيوطي كدأبه في كتابه المزهر آراء القائلين بتلك النظرية أعني التوقيف واإللهام‪،‬‬
‫كابن فارس وابن جني مع تردده في ذلك ثم أورد أقوال األصوليين الذي يرون هذا الرأي‪،‬‬
‫وأورد حججهم والنصوص التي استدلوا بها إضافة إلى اآلية الكريمة السابقة‪ ،‬حيث استدلوا‬
‫ِي ِإ اال أَ ْس َما ٌء َ‬
‫س ام ْيت ُ ُموهَا(‪.‬‬ ‫بقوله تعالى‪ِ ( :‬إ ْن ه َ‬
‫ال تخلو هذه النظرية من االعتراضات ومنها‪:‬‬
‫الت فيه إشعارا ً ّ‬
‫بأن آدم عليه‬ ‫‪1‬ــــ أن نص التوارة يضعف دليلهم‪ ،‬وأنه حجة عليهم ال لهم‪ّ ،‬‬
‫السالم هو الذي وضع األسماء‪.‬‬
‫أن اآلية التي أحت ّج بها علماء المسلمين ليست دليالً قاطعاً؛ فقد اختلف المفسرون في‬
‫‪2‬ـــ ّ‬
‫المراد باألسماء‪.‬‬
‫‪3‬ــــ أنّه لو كانت اللغة توقيفية لما جاز لنا أن ندخل فيها شيء‪ ،‬أال ترى لغتنا العربية اليوم‬
‫ونحن ندخل فيها مصطلحات العلوم والفنون الشيء الكثير؟ أال ترى أنّنا ننقل دالالت بعض‬
‫وإن حدوث الترادف‪ ،‬واالشتراك‪ ،‬والتضاد في اللفة‬ ‫األلفاظ كالسيارة‪ ،‬والدراجة وغيرها؟ ّ‬
‫دليل على ّ‬
‫أن اللغة ليست كلها توقيف من عند هللا تعالى‪.‬‬
‫نستنتج أنه ال توجد نظرية واحدة يمكن تفسير نشأة اللغة اإلنسانية‪ ،‬وأن الثالث نظريات‬
‫متكاملة‪ ،‬يمكن أن تفسر ذلك‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعالى أ ّهل اإلنسان فألهمه لكي ينطق وينشئ‬
‫اللغة‪ ،‬وبهذه القدرة استطاع اإلنسان تكوين الجمل األولى‪ ،‬عن طريق المالحظة والتقليد‪ ،‬وبدأ‬
‫بوضع كلمات جديدة بالتواطؤ واالصطالح الذي ال زال مستمرا ً إلى يومنا هذا حتى قيام‬
‫الساعة‪.‬‬

‫‪3‬‬

You might also like