You are on page 1of 6

‫علم اللغة العام‬

‫المحاضرة األولى‬
‫تعريف علم اللغة والنشأة‬
‫التعريف‬
‫اللغة لغةً ‪ :‬ففي اللسان العربي نجد أنها مشتقة من اللغا و اللغو و تعني الكالم الغير‬
‫مفيد‪ ،‬وجاء في لسان العرب البن منظور ‪ :‬هي كلمات يعبر بها قوم عن أغراضهم ‪.‬‬
‫اصطال ًحا ‪ :‬اختلف العلماء في تعريف اللغة ومفهومها‪ ,‬ولم يتفقوا على مفهوم محدد‬
‫لها؛ ويرجع سبب كثرة التعريفات وتعددها إلى ارتباط اللغة بكثير من العلوم‪ ,‬فانتقاء‬
‫تعريف لها ليس بالعملية اليسيرة‪ ،‬منها على سبيل المثال ال الحصر‪:‬‬
‫‪ -1‬يقول ابن ِجنِِّي عن اللغة‪" :‬أ ِّما َحدُّها فإنها أصوات يُعَ ِب ُِّر بها كل قوم عن‬
‫أغراضهم"‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬يقول الدكتور خليل أحمد عمايرة اللغة‪ :‬نظام من الرموز الصوتية االعتباطية يتم‬
‫بواسطتها التعارف بين أفراد المجتمع‪ ،‬تخضع هذه األصوات للوصف من حيث‬
‫المخارج أو الحركات التي يقوم بها جهاز النطق‪ ،‬ومن حيث الصفات والظواهر‬
‫الصوتية المصاحبة لهذه الظواهر النطقية‪.‬‬
‫‪ -3‬يقول الدكتور جمعة سيد يوسف‪ :‬ظاهرة اجتماعية تستخدم لتحقيق التفاهم بين‬
‫الناس‪.‬‬
‫‪ -4‬يقول أوتو يسبرسن‪ :‬اللغة نشاط إنساني يَت َ َمثَّل من جانب في مجهود عضلي يقوم‬
‫به فرد من األفراد‪ ،‬ومن جانب آخر عملية إدراكية ينفعل بها فرد أو أفراد آخرون‪.‬‬
‫‪ -5‬يقول إدوارد سابيير‪ :‬اللغة وسيلة إنسانية خالصة‪ ,‬وغير غريزية إطالقًا؛ لتوصيل‬
‫األفكار واألفعال والرغبات عن طريق نظام من الرموز التي تصدر بطريقة إرادية‪.‬‬
‫‪ -6‬أنطوان ماييه‪ :‬إن كلمة (اللغة) تعني كل جهاز كامل من وسائل التفاهم بالنطق‬
‫المستعملة في مجموعة بعينها من بني اإلنسان‪ ،‬بصرف النظر عن الكثرة العددية‬
‫لهذه المجموعة البشرية أو قيمتها من الناحية الحضارية‪.‬‬

‫عرف القدماء اللغة بأنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم ولم تستطع‬
‫التعريفات الحديثة للغة أن تتجاوز هذا التعريف الموضوعي‪ ،‬غير أن تعريف اللغة‬
‫بوظيفتها يختلف عن تعريفها بحقيقتها وعالقتها باإلنسان فاللغة هي اإلنسان وهي‬
‫الوطن واألهل‪ ،‬واللغة التي هي نتيجة التفكير و هي ما يميز اإلنسان عن الحيوان‬
‫وهي ثمرة العقل والعقل كالكهرباء يعرف بأثره وال تري حقيقته‪.‬‬
‫واألصل في اللغة أن تكون مسموعة أي أن إنسانا ينطقها بلسانه وشفتيه فيسمعها‬
‫إنسان آخر بأذنيه‪ ،‬ولكن عندما عرفت الكتابة بالرسم أو بالحرف منقوشة علي الحجر‬
‫أو مكتوبة علي الورق أصبحت هناك لغة مقروءة أي أن اإلنسان يقرأها بعينيه‪.‬‬
‫وأصبحت هناك لغتان إحداهما سمعية واألخري بصرية‪.‬‬
‫إن نص ابن جني يورد تعريفا جامعا مانعا لمفهوم اللغة والذي يطلق عليه اسم "الحد"‬
‫‪ ،‬وهذا مصطلح استعمله القدماء وهو مرادف لمصطلح "تعريف" عندنا ‪ .‬كل‬
‫اللغويين المحدثين يقولوا بأن اللغة هي في المقام األول عبــــــــــــــــارة عن"‬
‫أصوات "كما سماها ابن جني ‪ ،‬أو حروف أو )‪. ( phonemes‬وتتجلى دقة التعبير‬
‫عند ابن جني حين يقول "كل قوم " وليس" القوم " علما منه بأن التواصل لن يتحقق‬
‫إذا كان كل من طرفي العملية الكالمية ‪:‬المتكلم و المتلقي ال ينتميان إلى‬
‫المجموعةاللغوية )‪ ( linguistic groupe‬نفسها ‪ .‬وهذا شرط أساس نص عليه جميع‬
‫اللغويين المحدثين ألن بدونه لن تؤدي اللغة وظيفتها ولن يتم التفاهم بين المتكلم و‬
‫المتلقي‪ .‬ينتقل النص بعد تعريف اللغة إلى الحديث عن وظيفتها األساسية وهي‬
‫التواصل )الذي سماه "التعبير عن األغراض "فالتعبير عن شعور ما أو إيصال‬
‫معلومة أوخبر أوفكرة أو‪...‬كلها أغراض نعبر عنها ونحن نتواصل باللغة ‪،‬ربما لم‬
‫توجد اللغة إال لتحقيق هذه الغرض األساس وهو التواصل بين بني البشر‪.‬‬
‫نشأة اللغة‬
‫في تعريف لفظة نشأة‪ :‬النشأة ‪ :‬تأتي بمعنى أول األمر ‪ ،‬وبدايته ‪ ،‬وحدوث الشيء‬
‫وتجدده ‪ ،‬يقال ‪ :‬أنشأ هللا الخلق ‪ ،‬أي ابتدأ خلقهم ‪ ،‬ونشأ الشيء نشأة ونشو ًءا ‪ ،‬إذا حدث‬
‫وتجدد ‪ ،‬ونشأ الشيء عن غيره ‪ ،‬أي تولد ‪ ،‬وأنشأ‬
‫الشيء ‪ :‬إذا أحدثه وأوجده ‪.‬فالمراد من نشأة اللغة ‪ :‬أول حدوثها وأصل بدايتها‪.‬‬
‫من آيات هللا التي لفت االنتباه إليها –سبحانه وتعالى‪ -‬في كتابه العزيز تعدد لغات‬
‫الناس وألسنتهم‪ ،‬رغم أن أصلهم واحد‪ ،‬وأبوهم آدم عليه السالم‪ .‬قال هللا تعالى‪:‬‬
‫(ومن آياته خلق السماوات واألرض واختالف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك آليات‬
‫للعا ِلمين)‬
‫فكيف نشأت تلك اللغات؟ وتفرعت كل ذلك التفرع؟ وماهي اللغة األم للبشرية؟ وكم‬
‫عددها اآلن الرئيسي منها وغير الرئيسي؟ وهل تتغير اللغات وتتطور؟ وهل‬
‫ينقرض البعض منها؟ وكيف يتعلم اإلنسان الكالم بلغته؟ وما أسباب التشابه في كثير‬
‫من الكلمات في بعض اللغات؟ كل هذه أسئلة تحتاج إلى اإلجابة عليها من خالل علم‬
‫الفيلولوجيا أو علم دراسة اللغات‪ ،‬والذي يتخصص فيه مئات الخبراء والدارسين‪،‬‬
‫يقدر علماء الفيلولوجيا عدد اللغات المنطوقة اآلن عند البشر بثالثة آالف لغة‪ ،‬كثير‬
‫منها لغات محدودة ينطق بها عدد قليل من الناس‪ ،‬واللغات الرئيسية التي يتكلم بها‬
‫أكثر من مليون شخص للغة الواحدة تزيد قليال على المائة لغة‪.‬‬
‫من تلك اللغات تسع عشرة لغة كبرى يزيد عدد المتكلمين بكل منها عن خمسين‬
‫مليون شخص‪ ،‬وهي‪ :‬في جنوب آسيا‪:‬الهندية‪ ،‬واألوردية‪ ،‬والبنغالية‪ ،‬والبنجابية‪،‬‬
‫والتاميلية‪ ،‬والماراثية‪ ،‬والتيلوجية‪ .‬وفي بقية آسيا‪ :‬الصينية‪ ،‬الماليوية‪-‬أندنوسية‪،‬‬
‫واليابانية‪ ،‬والكورية‪ .‬وفي أوروبا‪ :‬الروسية‪ ،‬واإليطالية‪ ،‬واأللمانية‪.‬‬
‫يضاف إليها الخمس لغات العابرة للحدود التي يتحدث بها سكان العديد من الدول‪،‬‬
‫وهي اللغات األهم في العالم‪ ،‬وهي‪ :‬العربية‪ ،‬واإلنجليزية‪ ،‬والفرنسية‪ ،‬واإلسبانية‪،‬‬
‫والبرتغالية‪.‬‬
‫اللغات اآلرية‪ :‬وتسمى اللغات (الهندوأوروبية)‪ ،‬وقد توصل العلماء بعد استقراء‬
‫طويل أن أصل كل تلك اللغات واحد وهو اللغة اآلرية المفقودة‪،‬والتي يذهب البعض‬
‫–وإن كانت فرضية لم تثبت‪ -‬إلى أنها كانت لغة قوم في شمال أوروبا في القرون‬
‫الغابرة قبيل الطوفان أو بعده‪ ،‬وربما كانوا من نسل يافث بن نوح عليه السالم‪.‬‬
‫وهذه اللغات اآلرية يتكلم بها حوالي نصف البشر وهم سكان جنوب آسيا (شبه القارة‬
‫الهندية)‪ ،‬وكذلك سكان أوروبا والسكان الجدد الحاليين لألمريكتين وأستراليا‪ .‬وهذه‬
‫اللغة قسمان‪:‬جنوبية وشمالية‪.‬‬
‫اللغات السامية‪ :‬وتسمى اللغات( األفروآسيوية) ‪ ،‬وهي لغات قديمة اندثر معظمها‪،‬‬
‫ولكنها كانت لغات الحضارة الكبرى عبر التاريخ‪ ،‬وهي أقسام ثالثة‪ :‬اآلرامية و‬
‫العبرانية و العربية‬
‫اللغة األم للبشرية‪ :‬كان اليهود قد أشاعوا عند الناس قبل االكتشافات األثرية أن لغتهم‬
‫العبرانية هي اللغة األم للناس‪ ،‬وأنها لغة آدم والقرون األولى‪ ،‬وانتشر هذا االعتقاد‬
‫في أوروبا في القرون الوسطى‪ .‬ولما جاءت االكتشافات األثرية وتشكل علم اللغات‬
‫لم تقو تلك الدعوى على الصمود‪ ،‬حيث اكتشفت كتابات بلغات أخرى قبل الزمن‬
‫الذي دونت فيه التوراة‪ ،‬وأرسل فيه موسى‪ ،‬بل قبل زمن إبراهيم عليه السالم‪ ،‬ولم‬
‫يعثر على كتابات أو آثار عبرية من تلك األزمان المتقدمة بتاتا‪.‬‬
‫فقد وجدت سجالت مكتوبة باللغة الصينية ترجع إلى قبل ثالثة آالف وخمسمائةسنة‪،‬‬
‫أي في حدود ‪ 1500‬ق‪.‬م‪ ،‬كما وجدت سجالت بالكتابة الهيروغليفية المصرية القديمة‬
‫قبل خمسة آالف عام‪ ,‬أما أقدم سجالت مكتوبة ومعروفة حتى اآلن فهي صور‬
‫الكلمات السومرية المكتوبة قبل حوالي خمسة آالف وخمسمائة عام‪ ،‬أي في حدود‬
‫‪ 3500‬ق‪.‬م‪ .‬وعلى هذا األساس؛ وعلى أساس دراسات التشابه اللغوي واالشتقاقات‬
‫اللغوية والصوتية في اللغات‪ ،‬وأسس علمية أخرى؛ يرى بعض علماء اللغات أن‬
‫اللغة البابلية هي اللغة األم للبشرية‪ .‬كما أن هناك فرضيات أخرى للغة األم منها‬
‫السريانية والعربية‪ .‬والراجح أن اللغة البابلية هي لغة الناس األم بعد الطوفان‪ ،‬في‬
‫حدود األلف الرابعة قبل الميالد‪.‬‬
‫كيف يتعلم الناس اللغة؟‪ :‬يتعلمونها بطريقة تلقائية‪ ،‬فيشعر الصغار بالحاجة للتعبير‬
‫عن احتياجاتهم الخاصة؛ ومن ثم يبدأون االستماع للكبار وتقليدهم‪ ،‬ثم يتعلمون‬
‫تدريجيا انتقاء ونطق األصوات المستخدمة في اللغة السائدة في مجتمعاتهم‪.‬‬
‫نظريات نشأة اللغة و آراء العلماء في نشأة اللغة‬
‫انقسم العلماء في نشأة اللغة ‪ ،‬أدِّى هذا االنقسام إلى ظهور عدة نظريِّات منها‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬التوقيف واإللهام‬
‫أن أصل اللغة اإلنسانية يرجع إلى إلهام إلهي هبط على‬ ‫يرى أصحاب هذا القول ِّ‬
‫اإلنسان فعلِّمه النطق وأسماء األشياء ‪ ،‬وهذا ما ذهب إليه فالسفة اليونان‬
‫هيروقليطس وأفالطون في العصور القديمة ‪ ،‬وقال به أهل التوقيف من علماء‬
‫المسلمين احتجوا في قوله تعالى " ‪ :‬وعلِّم آدم األسماء كلِّها ثم عرضها على المالئكة‬
‫سروا هذه اآلية بقولهم ‪ :‬أن هللا علِّم آدم أسماء جميع‬ ‫" [ البقرة ‪ ، ] 30‬وقد ف ِّ‬
‫المخلوقات بجميع اللغات ؛العربيِّة و الفارسيِّة و السريانيِّة والعبرانيِّة والروميِّة‬
‫تفرقوا في أرجاء األرض نطق‬ ‫وغيرها ‪،‬فتكلِّم أبناء آدم هذه اللغات ‪ ،‬وبعد أن ِّ‬
‫تفرقوا في أرجاء‬ ‫كل ِّواحد منهم بلغة من هذه اللغات ‪ .‬وهذا يعني أن أبناء آدم الذين ِّ‬
‫األرض كانوا قد تعلِّموا كل الكلمات‪ ،‬وهم يعرفون أسماء كل ما كان وسيكون في‬
‫المستقبل ‪ ،‬دون وجود لهذه األشياء في الواقع ‪ ،‬وهذا ضرب من المستحيل ‪.‬‬
‫تصدِّى ألهل التوقيف من قالوا باالصطالح فحاججوهم بآرائهم وقالوا ‪ :‬إن األلفاظ ال‬
‫تنوع اللغات يشهد عدم وجود عالقة بين االسم‬ ‫تد ِّل بالضرورة على المس ِّمى ‪،‬كما ِّ‬
‫أن ِّ‬
‫والمس ِّمى ولو ثبت ما قاله أهل التوقيف‬
‫الهتدى ك ِّل إنسان إلى كل لغة ‪،‬ولما ص َّح وضع اللفظين للضدِّين ؛كالجون لألبيض‬
‫واألسود ‪.‬‬
‫من أبرز القائلين بالتوقيف من علماء المسلمين ابن فارس في كتابه الصاحبي ‪ ،‬أما‬
‫من علماء اللغة في العصر الحديث ‪،‬الذين اعتقدوا في إلهامية اللغة ؛ األب الفرنسي‬
‫المي والفيلسوف الفرنسي دو بونالد ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬االصطالح والمواضعة‬
‫يرى أصحاب هذا القول أن اللغة استحدثت بالتواضع واالتفاق ‪ ،‬صاحب هذا الرأي‬
‫الفيلسوف اليوناني ديموقريطس الذي عاش في القرن الخامس قبل الميالد ‪،‬وقد ذهب‬
‫مذهبه كوندياك وآدم سمث وريد ‪ ،‬اتفق معه من علماء العرب القدماء أهل‬
‫االصطالح فقالوا ‪ :‬كان يجتمع بعض الحكماء فيحتاجون إلى اإلبانة عن األشياء‬
‫عرف به ما س ِّماه ليمتاز به عن‬ ‫المعلومة ‪،‬فيضعوا لك ِِّل واحد سمة ولفظا ً إذا ذُكر ُ‬
‫غيره ‪،‬فكأنِّهم جاءوا إلى واحد من بني آدم فأومأوا إليه وقالوا إنسان ‪..‬إنسان ‪ ،‬فأي‬
‫علم أن المراد به هذا الضرب من المخلوقات ‪.‬‬ ‫سمع هذا اللفظ ‪ُ ،‬‬‫وقت ُ‬
‫تصدِّى لهم أهل التوقيف فقالوا ‪:‬لو أن اللغة كانت اصطالحا ً الحتاج المصطلحون‬
‫إلى لغة يع ِبِّرون بها ‪،‬والبدَّ من التوقيف في أصل اللغة الواحدة الستحالة وقوع‬
‫االصطالح على ِّأول اللغات من غير معرفة المصطلحين بعين ما اصطلحوا عليه ‪.‬‬
‫بين أهل االصطالح وأهل التوقيف من علماء المسلمين ظهر فريق ثالث اتخذ موقف‬
‫وسطا فقال ‪ :‬إن اللغة توقيفيِّة ‪،‬وهي بعد ذلك اصطالحيِّة في كل ما يستجدُّ من حياة‬
‫البشر ‪ ،‬حيث كانت اللغة األُولى مكتملة ولكنِّها أقل عددا ً في مخزون األلفاظ من‬
‫تتكون من كلمات تمثِّل جذور اللغات الحاليِّة ‪،‬ول ِّما احتاج‬ ‫لغات اليوم ‪،‬ألنها كانت ِّ‬
‫اإلنسان إلى مزيد من الكلمات لتسمية الموضوعات والمكتشفات واألحوال الجديدة‬
‫انبثق من تلك الجذور ما احتاج إليه من الكالم ‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬التقليد والمحاكاة‬
‫األول وأخذ‬
‫قال بعض العلماء إن أصل اللغات هو أصوات مسموعة سمعها اإلنسان ِّ‬
‫بتقليدها ‪ ،‬كدوي الريح وحنين الرعد وخرير الماء ونقيق الضفدع ونباح الكلب ‪.‬‬
‫صاحب هذا الرأي هو العلم العربي ابن جنِّي الذي قال ‪ :‬وهذا عندي وجه صالح‬
‫ومذهب متقبَّل ‪ .‬هذه األصوات سارت في الر ِقِّي والتقدُّم شيئا فشيئا تبعا ً لر ِقِّي وسمو‬
‫العمليات العقليِّة اإلنسانيِّة والتقدُّم الحضاري ‪ .‬وقد أيِّد هذه النظريِّة العالم اللغوي‬
‫األمريكي وتني ‪ ،‬ويرى الدكتور علي عبد الواحد إن هذه النظرية األقرب إلى‬
‫المعقول وأكثرها اتفاقا ً مع طبيعة األمور وسنن النشوء واالرتقاء ‪ .‬ويقول في ذلك‬
‫قوة النِّطق ‪ ،‬فسمع‬ ‫قوة السمع عند اإلنسان قبل ِّ‬ ‫الدكتور إبراهيم أنيس ‪ :‬نمت ِّ‬
‫يقلِّدها في هذه المرحلة ألن هذا يفترض له حينئذ‬ ‫األصوات الطبيعيِّة حوله ولكنَّه لم ِ‬
‫تصوروها لإلنسان في هذه المرحلة ‪،‬من األلفاظ‬ ‫قدرة عقليِّة لم يستطع المحدثون أن ي َّ‬
‫الدالِّة على الصوت ‪:‬القهقهة والنحنحة والدندنة والشخير‪ .‬ومن صوت األشياء‬
‫شخب ‪،‬وهو صوت اللبن عند‬ ‫‪:‬القرقرة ‪ ،‬وهو صوت اآلنية إذا خرج منها الماء ‪،‬وال َّ‬
‫حلبه ‪.‬ومن األصوات الدِّالة على األفعال ‪ :‬القطف والقضم والقطم والكسر‪.‬‬
‫يرى المعترضون على هذه النظرية أنها ال تشمل إال قدر ضئيل من الكلمات التي‬
‫لها عالقة في الصوت ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬الغريزة الكالميّة‬
‫لم يتوقِّف البحث في أصل اللغة ونشأتها ‪ ،‬فظهرت في القرن التاسع عشر الميالد‬
‫نظريات جديدة منها ‪:‬يرى أصحاب هذه النظرية أن أصل اللغة يرجع إلى غريزة‬
‫صة وبصورة‬ ‫صة تحمل اإلنسان على التعبير عن االنفعاالت أو األشياء بكلمة خا ِّ‬ ‫خا ِّ‬
‫عفويِّة ‪ .‬من أصحاب هذه النظريِّة العالم الفرنسي فندريس واأللماني مكس مولر‬
‫والفرنسي رينان‪ .‬يرى بعض العلماء أن اللغة بدأت بالشهقات أو ِّ‬
‫التأوهات التي‬
‫تصدر عن اإلنسان في حالة الحزن أو الفرح أو الدهشة ‪،‬مستندين على نظريِّة‬
‫بتطور الكائنات الحيِّة ‪.‬بينما يرى المعترضون أن هذه األصوات‬ ‫ِّ‬ ‫دارون التي تقول‬
‫ويرجع بعضهم نشأة اللغة كانت من خالل عمل‬ ‫ِ‬ ‫تتم بصورة فجائيِّة بعيدة عن الكالم‪.‬‬
‫جماعي لألفراد أثناء قيامهم‬
‫بعمل شاق تعاونوا على أدائه ‪،‬فهم يرون أن اإلنسان يجد الراحة أثناء قيامه بعمل‬
‫شاق إذا تنفِّس أو تن ِّهد من األعماق ‪،‬وربما تصدر عنهم أصوات أثناء العمل ترتبط‬
‫بالعمل نفسه وتصبح فيما بعد دالِّة عليه فينطقون بها كلِّما تكرر هذا العمل ‪.‬‬
‫سا ‪ :‬النظريّة الحديثة ‪:‬‬
‫خام ً‬
‫السابقة‪،‬فدونوا المالحظات والخبرات‬
‫ِّ‬ ‫درس أصحاب هذه النظريِّة مختلف النظريِّات‬
‫سموها إلى ثالثة أُسس هي؛ دراسة مراحل نمو‬ ‫والتجارب وأقاموا نظريِّتهم الجديدة وق ِّ‬
‫للتطور اللغوي ‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫اللغة عند الطفل ‪،‬ودراسة اللغة في األُمم البدائيِّة ودراسة تاريخيِّة‬
‫نالحظ أن النظريِّات الثالث األ ُولى تقوم على طريقة االستنباط ‪،‬بينما تقوم النظرية‬
‫الحديثة على الطريقة االستقرائيِّة ‪.‬‬

You might also like