You are on page 1of 4

‫محاضرة ال ثانية‬

‫نظريات نشـأة المغة اإلنسانية ‪:‬‬

‫إن المغة ىي أجد ر و أقوى وسيمة لالتصال بين بني البشر ‪ ،‬منذ أن جبل اإلنسان‬

‫الر ْحمَ ُن ( ‪ )1‬عََّممَ ا ْل ُق ْر َ‬


‫آن‬ ‫جل في عاله ‪َّ " :‬‬
‫َللا تعالى استنادا لقولو ه‬ ‫عمى تعمم المغات من عند ه‬
‫ان (‪ )3‬عََّممَوُ ا ْلبَيَ َ‬
‫ان (‪ "...)4‬سورة الرحمن‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫(‪َ )2‬خمَقَ ِْ‬
‫اإل ْن َ‬

‫إن مسألة نشأة المغة مسألة تداولتيا الكتب و األوراق ‪،‬و تعود جدلية وجودىا منذ مئات‬
‫ه‬
‫إلى جذر وىا‬ ‫أي كتابة أو مؤلف لو دليل قاطع إلى التوصل‬
‫السنين قبل الميالد ‪،‬ولم ترد ه‬
‫األولى‪.‬‬

‫فالمغة العربية إحدى المغات السامية ‪،‬نشأت في الجزيرة األولى مسقط الساميين األول‬

‫و قد جاء عند الجوىري في الصحاح ‪ ،‬ه‬


‫أن المغة العربية ىي أقرب المغات إلى المغة األم‬
‫و نسبت إلى أىميا " العرب " ‪،‬و العرب نسبة إلى يعرب بن قحطان و قد قيل هأنو أول من‬
‫تحدث و تكمم بالعربية ‪.‬‬

‫عدىا و نسبيا إلى إسماعيل بن إبراىيم‬


‫كما اختمفت األقوال في أول من نطق بيا ‪،‬فمنيم من ه‬
‫بأن آدم –عميو‬
‫– عمييما السالم – و ىذا ما ذىب إليو ابن سعد في طبقاتو‪ ،‬و هانك قول ه‬
‫السالم‪ -‬أول من تكمم بالمغة العربية ‪.‬‬

‫أصل المغة بين التوقيف و االصطالح و المحاكاة ‪:‬‬

‫إن العمماء و المفسرين و المتكممين أمع نوا كثي ار في نشأة المغة العربية ‪،‬و شغمت ىذه‬
‫ه‬
‫القضية باليم ‪،‬فخمصوا إلى أربع نظريات أشيرىا ‪:‬‬

‫‪ ‬النظرية التوقيفية ‪ :‬فترى ىذه النظرية ه‬


‫أن المغة العربية ىي وحي و إليام من‬
‫أول الفالسفة‬ ‫‪،‬فمن القدماء نجد‬ ‫عند هللا ‪،‬و ال يد لإلنسان في وضعيا‬
‫محاضرة ال ثانية‬
‫‪،‬و أقروا بيا الفيمسوف اليوناني‬ ‫اليونانيين الذي ناصروا و أيدوا ىذه النظرية‬
‫"ىيرقميطس" ( ت ‪ 480‬ق‪.‬م) ‪،‬ومن المسممين ابن عباس – رضي هللا عنو‪-‬‬
‫اء ُكَّم َيا ثُ َّم‬
‫َس َم َ‬ ‫مستندا في رأيو عمى اآلية الكريمة لقولو تعالى ‪َ ":‬و َعَّم َم َ‬
‫آد َم ْاْل ْ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫عر َ يم عَم اْلم َال ِ َك ِة َ َقاا أَْن ِبُ وِن ِأ ِ‬
‫ين " سورة‬ ‫َس َماء َى ُؤَالء ِإ ْن ُكْن ُت ْم َصادق َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ ْ َ‬
‫البقرة ‪ . -31-‬و قد ناصر ىذا الرأي ابن ارس حيث هأنو قال ‪ ":‬أقول ه‬
‫إن لغة‬
‫العرب توقيف " ‪، i‬و دليل ابن فارس – رحمو هللا‪ -‬في ذلك نفس رأي ابن عباس‬
‫ىو الرجوع إلى اآلية الكريمة السابقة الذكر ‪.‬‬
‫أن المغة من صنع‬ ‫‪ ‬نظرية التوا ع و االصطالح ‪ :‬و خالصة ىذه النظرية ىو ه‬
‫فيقال ِاصطمح الناس عمى شيء أي اتفقوا ‪ ,‬و‬
‫اإلنسان باالتفاق فيما بينيم ‪ُ ،‬‬
‫تفاىموا و السبب الذي جعل بني البشر يتفقوا سبب واحد ىو حاجتيم إلييا‪.‬‬

‫و من أنصار ىذا المذىب ‪،‬ابن جني الذي تحدث عن أصل المغة ىل ىي إليام أم‬
‫أن أكثر أىل النظر عمى‬ ‫ِ‬
‫اصطالح ‪ ،‬فقال ‪ ":‬ىذا موضع محوج إلى فضل تأمل‪ ،‬غير ه‬
‫أن أصل المغة هإنما ىو تواضع و ِاصطالح ال وحي و توقيف " ‪.ii‬‬

‫ف أري ابن جني ىنا واضح ‪،‬أي أن المغة تم نشوؤىا بالمواضعة و االتفاق بين الناس ‪,‬‬
‫فيو يرى أن المغة ليست ىبة من عند هللا بل باجتماع الناس عمى تسمية المسميات ‪,‬‬
‫فمو عدنا إلى عمماء العصور القديمة نجد من قال ىذا الرأي كالفيمسوف اليوناني‬
‫ديموكررطس )‪ (Democrite‬في (القرن الخامس قبل الم يالد) ‪،‬وقد نيج نيجو بعض‬
‫فالسفة العصر الحديث كاليفمسوف االنجميزي آدام سميث (‪. )A.Smith‬‬

‫‪ ‬نظرية المحاكاة و التقميد ‪ :‬و تقول أن آدم –عميو السالم –لما نزل من الجنة‬
‫‪،‬أخذ ىؤالء‬ ‫بيذه األسماء و التي عممو هللا إياىا ورزقو هللا عز و جل الذرية‬
‫محاضرة ال ثانية‬
‫األطفال الصغار يحاكون و يقمدون اآلباء و األميات في ىذه األلفاظ ‪ ،‬فنجد‬
‫‪ ،‬ما الذي يتكممو و‬ ‫الطفل عمى سبيل المثال الذي ولد في بيئة من البيئات‬
‫يتحدثو ىذا الطفل ؟ هإنما يحاكي لغة أبيو و أمو ‪ ،‬فمو أن ىذا الطفل العربي نشأ‬
‫في بيئة عربية صارت ألفاظو عربية فيقول مثال ‪ :‬أبي و أمي ‪ ،‬و إذا كان عمى‬
‫سبيل المثال ىذا الطفل نفسو ُولد في ذات المحظة في بيئة فارسية أو إنجميزية‬
‫ِ‬
‫أمو و أبيو و يحاكييما أي يقمدىما ‪.‬‬
‫أو تركية فنجدهيتجدث بمغة ّ‬

‫إذن صحيح أن المغة و التقميد فييا بدأ ببعض األلفاظ ‪ ،‬لكن األجيال توارثت ىذه المغة‬
‫عن طريق التقميد و المحاكاة لألصوات و األلفاظ و الجمل ‪.‬‬

‫‪ ،‬وىذا راجع لقول ابن جني في‬ ‫كما كان يحاكي اإلنسان فييا أصوات الطبيعة‬
‫كدور الريح و خرير المياه ‪...‬‬
‫خصائصو‪ ":‬أصل المغات من اْلصوات المسموعة َ‬
‫"‪.iii‬‬

‫فقد تأثر اإلنسان بيذه األصوات و أخذ يقمدىا شيئا فشيئا ‪ ،‬و ارتقت تبعا الرتقاء العقل‬
‫البشري إلى أن وصمت المغة إلى ما ىي عميو ‪ ،‬ولقد ذىب إلى ىذا الرأي كثير من‬
‫الباحثين أمثال الخميل بن أحمد الفراىيدر ( ت ‪ 170‬ه) ‪ ،‬و المحدثين مصطف‬
‫و غيرىم ‪.‬‬ ‫صادق ال ار ع و عبد الواحد الوا‬

‫و ىذه النظرية أخذت مبدأ الوسطية بين‬ ‫‪ ‬نظرية المغة توقيف و اصطالح ‪:‬‬
‫نظرية التوقيف و الثانية نظرية االصطالح و التواضع ‪.‬‬

‫و من الدارسين نذكر أ ا إسحاق اإلسفراين الذي قال بأن بداية المغة من عند هللا‬
‫‪،‬و التتمة من عند البشر عن طريق االصطالح ‪ ،‬و من الذين نيجوا ىذا النيج أيضا‬
‫أبو حامد الغزال ‪ ،‬و أبو كر ال اقالن ‪.‬‬
‫محاضرة ال ثانية‬

‫‪i‬‬
‫دمحم بن إبراىيم الحمد‪،‬فقو المغة مفيومو وموضوعاتو وقضاياه‪،‬دار ابن خزيمة‪،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ii‬‬
‫ابن جني‪،‬الخصائص‪"،‬باب القول عمى أصل المغة إليام ىي أم اصطالح"‪،‬ج‪.1‬‬
‫‪iii‬‬
‫ابن جني ‪ ،‬الخصائص‪،‬ج‪.1‬‬

You might also like