Professional Documents
Culture Documents
بِ ْ
إعداد:
أ .عبدالحميد الفراني د .رياض محمود قاسم
ماجستير 0تاريخ – كلية اآلداب أستاذ مساعد في قسم العقيدة – كلية
الجامعة اإلسالمية أصول الدين – الجامعة اإلسالمية
أبريل2007 /
ملخص البحث:
تعد اللغة العربية من اللغات الحية التي ما تزال تحتفظ بكثير من الخصائص ،من
حيث قوة األلفاظ ،ورصانة المعاني ،ويعود ذلك إلي كونها لغة القرآن الكريم "كالم اهلل عز
التحديات التي تواجه اللغة العربية ودور القرآن الكريم في التصدي لها
وجل الذي أنزله على قلب الرسول الكريم محمد " المحفوظ إلي يوم الدين إِ َّنا َن ْح ُن
اط ُل ِم ْن َب ْي ِن يه ا ْلب ِ
ِ ِ
ون[ سورة الحجر ،اآلية ،]9 :والذي اَل َيأْت َ افظُ َ الذ ْكر وإِ َّنا لَ ُه لَح ِ
َ ِّ
َنَّز ْل َناَ َ 0
ي َد ْي ِه واَل ِم ْن َخ ْل ِف ِه تَ ْن ِزي ٌل ِم ْن ح ِك ٍيم ح ِم ٍ
يد[ سورة فصلت ،اآلية.]42 : َ َ َ َ
وقد اشتدت في السنوات األخيرة الحملة على اإلسالم وخاصة في ظل النظام
العالمي الجديد ،وزاد من ضراوتها وسائل البث واإلعالم الحديثة في عصر تدفق
المعلومات والفضائيات المفتوحة ،واستغل خصوم اإلسالم هذه المستجدات فاتخذوها منافذ
لالنقضاض على قيم اإلسالم ومبادئه ،بغية تشويه حقائقه أو القضاء عليه إن أمكن ،ألنه
أصبح المنافس الوحيد لحضارة أوروبا بعد سقوط االتحاد السوفيتي.
ودأب الغرب على إثارة الشبهات ضد اإلسالم إما على شبكة االنترنت ،أو على
مطبوعات مجهولة المصدر.
ومن بين تلك الشبهات ما أثير حول لغة القرآن الكريم ،ويأتي هذا البحث في
سياق عرض ألهم التحديات والشبهات التي أثيرت وتثار حول اللغة العربية ،وما تتعرض
له هذه اللغة من قبل أعداء اإلسالم بصفتها اللغة التي نزل بها القرآن الكريم الذي أنزل
دستورا للمسلمين إلي يوم الدين ،ودور القرآن الكريم في التصدي لها.
Arabic language is considered a vital language it has many
characteristics like the strongly in meaning, This because it
considered quranic language, latly years non-moslem attaked Islam
by internet. The amis of the to give the people bad understanding for
Islam.
This research paper serves to present these main challenges
and suspicions which were raised on the Arabic language and what
this language is exposed to by the opponents of Islam classified as
the language which the quran was descended in and was also
descended as a constitution for muslims till judgment day, and the
role of the Holy Quran for intercepting these challenges.
المقدمة:
الحمد هلل رب العالمين ،والصالت والسالم على رسوله األمين وعلى من اتبعه
بإحسان إلى يوم الدين ،أما بعد.
310
د .رياض محمود قاسم Mوأ .عبدالحميد الفراني
بحث متواضعٌ بذل فيه الباحثان جهدهما من أجل بيان التحديات التي تواجه
فهذا ٌ
اللغة العربية لغة القرآن الكريم ودور القرآن الكريم في التصدي لهذه التحديات.
واشتمل هذا البحث على تمهيد وثالثة مباحث وختمه الباحثان بالتوصيات.
التمهيد :اللغة العربية 0لغة القرآن الكريم وأصالتها ،ويشتمل على مطلبين:
المطلب األول :أصالة اللغة العربية.
المطلب الثاني :اللغة العربية لغة القرآن الكريم.
المبحث األول :التحديات التي تواجه اللغة العربية.
التبشير باللغة االنجليزية على أنها العالمية التي هي لغة التحدي األول:
البشرية.
قصور اللغة العربية عن استيعاب علوم العصر. التحدي الثاني:
كتابة العربية بالحروف الالتينية. التحدي الثالث:
التحديات التي يواجهها الحرف العربي في اللغات غير التحدي الرابع:
العربية.
التحدي الخامس :الدعوة إلى العامية.
المبحث الثاني :طرق مهاجمة اللغة العربية في العصر الحاضر0.
المبحث الثالث 0:التحديات 0التي تواجه اللغة العربية في فلسطين.
المبحث الرابع 0:دور القرآن الكريم في التصدي للتحديات التي تواجه اللغة العربية.
التوصيات.
التمهيد
اللغة العربية لغة القرآن الكريم وأصالتها ،ويشتمل على مطلبين
311
التحديات التي تواجه اللغة العربية ودور القرآن الكريم في التصدي لها
تعود اللغة العربية في أصولها إلي أصل واحد ،فقد أكدت أحدث الدراسات
األثرية والتاريخية واللسانية ،ظهور لغة ساميَّة مشتركة بين شعوب ممالك الهالل
الخصيب ومصر ،منذ القرن الرابع عشر قبل الميالد .واللغة العربية الفصحى -التي
أصبحت اللغة األدبية للجزيرة العربية -منبثقة عن تلك اللغة ..والخالف بين لهجاتها،
كان خالفاً في لفظ الكلمات المكتوبة(.)1
ومن ذلك ما جاء في كتاب تاريخ اللغات السامية(( )2إلسرائيل ولفنسون):
"والواقع أنه ليس أمامنا كتلة من األمم ترتبط لغاتها بعضها ببعض ،كاالرتباط الذي كان
بين اللغات السامية "( ،)3وهذا يدلنا على كثرة الجذور اللغوية المشتركة بين عائلة اللغات
السامية ..فإذا علمت أن العربية والعبرية من أشدهما تشابهاً -إن لم يكونا أشدهم -على
اإلطالق ،علمت كثرة الجذور اللغوية التي تشتركان فيها.
)(1ينظر كتاب :في الشعر الجاهلي واللغة العربية ،أحمد عثمان ،ص .74والكتاب كله في الرد باألدلة العلمية
على ما أثاره المستشرق (مرجليوث) وتلميذه طه حسين ،ومن بعدهما لويس عوض ،من شبهات حول أصالة
مفردات اللغة العربية ..يريدون منها إثبات أن " :اللغة العربية ليست عربية!! " .وخلص بعد تلك األدلة إلى النتيجة
التالية ،ص " :93العبرانية والسريانية والكلدانية ولهجات اآلراميين كلها عربية ..ويمكننا القول ـ نتيجة لالكتشافات
(ساميَّة) هنا تعني( :عربية)" .ص .10 -9ثم ذكر في ص : 13بأن " ِ
العالم أولسهوزن األثرية الحديثة ـ بأن كلمة ِ
( )Olshausenيقول في مقدمة كتابه عن اللغة العبرية :إن العربية هي أقرب لغات الساميين إلى اللغة السامية
القديمة ،وأيد رأيه هذا بجملة أدلة ،ارتاح لها كثير من علماء اإلفرنج" الشبكة العالمية ،شبكة تفسير:
.http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=4832وينظر :عاقل ،نبيه ،تاريخ العرب القديم وعصر
الرسول ،دار الفكر -بيروت ،ص .11
)(2اللغات السامية أطلقها العلماء اصطالحا على مجموعة اللغات الني تشمل األكادية والكنعانية و اآلرامية
والعربية ،لغات األقوام الذين استوطنوا في القسم الغربي من آسيا وبعض النواحي المتاخمة له من أفريقيا ،وأول
من استعمل هذه التسمية ،العالم األلماني شلوزر عام 1787م معتمدا على التوراة التي تقسم البشرية إلي ثالث
مجموعات ،تنسب كل مجموعة إلى أحد أبناء نوح الثالثة :سام ،وحام ،ويافث .عبد القادر ،عابد ،األمم السامية،
مصادر تاريخها وحضارتها ،دار نهضة مصر ،القاهرة ،ص .26األبراشي ،محمد عطية ،اآلداب السامية،
مطبعة عيسى البابي الحلبي ،الطبعة األولى1946 ،م ،ص 17وما بعدها .عبد الرحيم ،عبد الجليل ،لغة القرآن
الكريم ،مكتبة الرسالة الحديثة ،عمان -األردن ،الطبعة األولى1981 ،م ،ص .33 -30عاقل ،تاريخ ،ص .12
)(3الشبكة العالمية ،شبكة تفسير.http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=4832 :
312
د .رياض محمود قاسم Mوأ .عبدالحميد الفراني
)(1بورتر ،هارفي ،موسوعة مختصر التاريخ القديم ،مكتبة مدبولي ،القاهرة ،ط1991 ،1م ،ص.69
عاقل ،تاريخ ،ص.11
313
التحديات التي تواجه اللغة العربية ودور القرآن الكريم في التصدي لها
صلَ ْ0ت
اب فُ ِّ ِ قُرآ ًنا َع َر ِب ًّياَ 0غ ْي َر ِذي ِع َو ٍج لَّ َعلَّ ُه ْم َيتَّقُ َ
ون( الزمر ،)28 :ويقول كتَ ٌ
ون( فصلت ،)3 :وقوله إِ َّنا َج َع ْل َناهُ قُْرآ ًنا َع َر ِب ًّيا 0لَّ َعلَّ ُك ْم آياتُ ُه قُْرآ ًنا َع َر ِبيًّا لِّقَ ْوٍم َي ْعلَ ُم َ
َ
ان قَ ْو ِم ِه ِل ُي َب ِّي َن لَ ُه ْم
سِ ون( الزخرف ،)3:وقوله :وما أَرس ْل َنا ِمن َّرس ٍ َّ ِ
ول إِال ِبل َ ُ ََ ْ َ تَ ْع ِقلُ َ
(إبراهيم.)4:
()1
ومن هذا المنطلق نجد الثعالبي يعبر عن هذه اللغة أبلغ تعبير فيقول" :من أحب اهلل
تعالى ،أحب رسوله محمدًا ،ومن أحب الرسول العربي أحب العرب ،ومن أحب العرب
أحب العربية ،ومن أحب العربية عني بها ،وثابر عليها ،وصرف همته إليها ،ومن هداه اهلل
لإلسالم وشرح صدره لإليمان ،وآتاه حسن سريرة فيه ،واعتقد أن محمدًا خير الرسل،
والعرب خير األمم ،والعربية خير اللغات واأللسنة ،واإلقبال على تفهمها من الديانة ،إذ هي
أداة العلم ،ومفتاح التفقه في الدين ،وسبب إصالح المعاش والمعاد ،ولو لم يكن في اإلحاطة
بخصائصها ،والوقوف على مجاريها ومصارفها ،والتبحر في جالئلها ودقائقها إال قوة اليقين
في معرفة إعجاز القرآن ،وزيادة البصيرة في إثبات النبوة التي هي عمدة اإليمان ،لكفى بها
ال يحسن أثره ،ويطيب في الدارين ثمره".
فض ً
ومن المعروف أن كل مسلم مطالب بتالوة القرآن الكريم ،ومعنى هذا أن كافة
المسلمين في العالم مطالبون بتعلم اللغة العربية ،ومن هنا اكتسبت اللغة العربية القداسة
ون( الحجر9: الذْكَر َوإَِّنا َل ُه َل َح ِاف ُ
ظ َ النورانية والخلود السرمدي ،قال اهلل تعالىِ :إَّنا َن ْح ُن َنَّزْلَنا ِّ
) ،فبحفظ اهلل تعالى كتابه يحفظ اللغة العربية ،فهي باقية ببقائه إلى يوم الدين ،ولوال القرآن
الكريم الندثرت هذه اللغة أوعلي األقل انزوت وقل من يتكلمونها وانهارت أصولها(.)2
إذ السر الكامن وراء خلود اللغة والحفاظ عليها من االندثار هو القرآن الكريم بما
كان له من أثر بالغ في حياة األمة العربية ،وتحويلها من أمة تائهة إلى أمة عزيزة قوية
بتمسكها بهذا الكتاب ،فقد كان القرآن الكريم وال يزال كالطود الشامخ يتحدى كل
المؤثرات والمؤامرات التي حيكت وتحاك ضد لغة القرآن ،يدافع عنها ،ويذود عن
حياضها ،يقرع أسماعهم صباح مساء ،وليل نهار بقوله تعالىَ :وإِن ُكنتُ ْم ِفي َر ْي ٍب ِّم َّما
)(2غنيم ،كارم السيد ،اللغة العربية والصحوة العلمية الحديثة ،مكتبة الساعي ،الرياض1990 ،م ،ص.40
314
د .رياض محمود قاسم Mوأ .عبدالحميد الفراني
ص ِاد ِق َ
ين شه َداء ُكم ِّمن ُد ِ ِ
ون اللّه إِ ْن ُك ْنتُ ْم َ
ِِ
ور ٍة ِّمن ِّم ْثله َو ْاد ُعواْ ُ َ س َ
ِ
َنَّز ْل َناَ 0علَى َع ْبد َنا َفأْتُواْ ِب ُ
َّت ِل ْل َك ِ
اف ِر َ
ين ُعد ْاس وا ْل ِحجارةُ أ ِ ود َها َّالن َ0ار الَِّتي َوقُ ُ
فَِإن لَّ ْم تَ ْف َعلُواْ َولَن تَ ْف َعلُواْ فَاتَّقُواْ َّ
الن َُ َ َ 0
نس َوا ْل ِج ُّن َعلَى أَن اجتَ َم َع ِت ِ
اإل ُ (سورة البقرة ،اآلية ،)24 -23 :وقوله تعالىُ :قل لَِّئ ِن ْ
يرا( سورة اإلسراء، ظ ِه ً
ض َ ض ُه ْم ِل َب ْع ٍ ون ِب ِمثِْل ِه َولَ ْو َك َ
ان َب ْع ُ آن الَ َيأْتُ ََيأْتُواْ ِب ِمثْ ِل َه َذا ا ْلقُْر ِ
اآلية.)88 :
فلما كان القرآن الكريم بهذه المنزلة ال جرم أن المسلمين أقبلوا عليه ودافعوا عنه،
واعتبروا أن كل عدوان على القرآن هو عدوان على اللغة العربية ،وأن النيل من اللغة
العربية هو نيل من القرآن ،ولذلك فإن بقاء اللغة العربية إلى اليوم وإ لى ما شاء اهلل راجع
إلى الدفاع عن القرآن ،ألن الدفاع عنه –لكونه أصل الدين ومستقى العقيدة -يستتبع الدفاع
عنها ألنها السبيل إلى فهمه ،بل ألنها السبيل إلى اإليمان بأن اإلسالم دين اهلل ،وأن القرآن
من عند اهلل ال من وضع أحد(.)1
()2
يقول الباقوري " :ولو فرضت أنه نزل كما نزل غيره من الكتب المقدسة ،حكماً
وأحكاماً ،وأمراً ونهياً ،ووعداً ووعيداً ،ولم يتحر هذا األسلوب الذي جاء به ،فلم يعن
الناس بلفظه ولم ينظروا إليه قوالً فصالً ،وبياناً شافياً ،وبالغة معجزة ،لكان من الممكن
أن تزول هذه اللغة بعد أن يضعف العنصر الذي يتعصب لها على أنها لغة قومية ،ومن
ذلك تضعف هي وتتراجع حتى تعود لغة أثرية .وفي اللغة العبرية ما يؤكد هذا ،فإنها –
وهي لغة كتاب مقدس –صارت إلى ذمة التاريخ ،ولو أن التوراة جاءت كما جاء القرآن
فتحدت اليهود على النحو القرآني الحتفظوا بلغتهم ألن في ذلك احتفاظاً بمعجزة نبيهم،
فكان ممكناً أن نرى لغة موسى عليه السالم".
)(1حول أثر القرآن الكريم في اللغة العربية ،ينظر بالتفصيل ما كتبه عبد الرحيم ،لغة القرآن ،ص -582
.596وزرزور ،عدنان محمد ،علوم القرآن ،المكتب اإلسالمي ،ص .27-13القرضاوي ،يوسف،
هموم المسلم المعاصر ،إعداد وحوار ياسر فرحات ،مكتبة التراث اإلسالمي ،القاهرة.99-96 ،
)(2أثر القرآن الكريم في اللغة العربية ،ط .دار المعارف ،مصر1969 : ،
315
التحديات التي تواجه اللغة العربية ودور القرآن الكريم في التصدي لها
ويبدو هذا األمر واضحاً لمن تتبع اللغات وما تعرضت له من انقسام وانشطار
واندثار بعد أن كانت لغة عالمية محكية وصناعية ،وليست اللغة الالتينية عنا ببعيدة فقد
كانت لغة حضارة وسطوة وقوة فبقيت أثراً بعد عين.
وعلى العكس من ذلك فإن اللغة العربية لم تكن لها هذه القوة وهذه المنعة ،وليست
لغة حضارة وصناعة ،إنما كانت لغة صحراء وأمية ،بكل ما تفرضه بيئة الصحراء من
بساطة وضيق عيش ،وبعد عن العلوم والمعارف ،ثم إن العرب قد تعرضوا للحروب
والدمار كغيرهم ،ولكن ما زالت لغتهم قوية ساطعة تنبض بالحيوية والنشاط ،وما ذلك إال
بفضل القرآن الكريم ،الذي تكفل اهلل بحفظه ،فحفظ به اللغة التي نزلت به ،ولم يتكفل بحفظ
غيره من الكتب المقدسة فبادت اللغة التي نزلت بها واندثرت(.)1
)(1الشربجي ،محمد يوسف ،أثر القرآن الكريم في اللغة العربية والتحديات المعاصرة ،مجلة التراث
العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد - 90السنة الثالثة والعشرون -
حزيران "يونيو" - 2003ربيع اآلخر 1424هـ ،ص.2
316
د .رياض محمود قاسم Mوأ .عبدالحميد الفراني
المبحث األول
التحديات التي تواجه اللغة العربية
واجهت اللغة العربية منذ القديم وما زالت تحديات كثيرة ،وما ذلك إال ألنها لغة
القرآن الكريم ،ومن المعلوم أن اللغة( )1والدين هما العنصران المركزيان ألي ثقافة أو
حضارة يكتب لها البقاء( ،)2ومن هذا المنطلق فإن أي ٍ
تحد لثقافة ما ،ينطوي على تحد
للغتها ،واللغة العربية إحدى اللغات التي تواجه تحديات كبيرة من قبل قوى العولمة
المختلفة ،المتمثلة في المصالح المادية ،الناجمة عن االتصال األجنبي ،والتأثير اإلعالميـ
القائم على الصخب والضجيج.
ولقد بدأت الحملة على اللغة العربية في أوائل القرن التاسع عشر الميالدي تقريبا،
وكانت على أيدي عدد من المستشرقين( )3والمفكرين األجانب ،ثم حمل لواءها كتاب من
()4
الذين ال يصح لنا إال أن نسميهم مستغربين. البالد العربية
)(1يقول همبولت " اللغة هي المظهر الحسي للناحية الروحية للناس ،وهي القوة التي تؤثر في أنماط
تفكيرهم" نقال عن عمايرة ،اسماعيل أحمد ،المستشرقون ونظرياتهم في نشأة الدراسات اللغوية ،دار حنين،
عمان -األردن ،ط1992 ،2م ،ص.16
)(2هنتغتون ،صامويل ،صدام الحضارات ،من كتاب اللغة العربية في عصر العولمة د .أحمد الضبيب،
(ط ،1مكتبة العبيكان ،الرياض 1422 :ه 2001/م) ص .13وينظر :ديتريش ،البرت ،الدراساتـ
العربية في ألمانيا -تطورها التاريخي ووضعها الحالي ،-فرانز شتاينر ،فيسبادن1962 ،م ،ص.16
)(3يذكر عمايرة ،المستشرقون ،ص ،35-16بأن هناك دوافع عديدة حذت بالمستشرقين لالهتمام باللغة
العربية ،ومن هذه الدوافع الحضارية ،واالقتصادية ،والالهوتية ،والتنصيرية ،والعلمية.
)(4غنيم ،اللغة ،ص .25من هؤالء المفكرين على سبيل المثال :طه حسين الذي يعد من أهم الذين عادوا
الفصحى ،وهو الذي دعا إلي قطع الصلة بين اللغة العربية واإلسالم حتى يمكن لها أن تتطور وتتحرر من
القرآن .عن آراء طه حسين في اللغة العربية وتفنيدها ،ينظر :الجندي ،أنور ،محاكمة فكر طه حسين ،دار
االعتصام1984 ،م ،ص.102-93
317
التحديات التي تواجه اللغة العربية ودور القرآن الكريم في التصدي لها
التحدي األول :التبشير باللغة االنجليزية على أنها العالمية التي هي لغة البشرية:.
يقول حمدان في مقدمة بحثه( ")1اللغة اإلنجليزية التي ربطت مشرق العالم مع
مغربه ،وشماله مع جنوبه ،فهي تعتبر اللغة العالمية األولى ،كما أن تعلمها مهم
وضروري جدا".
وهذه دعوى باطلة ال تصمد أمام المحك العلمي الصحيح ،حتى الناطقون باللغة
الانجليزية أنفسهم يثبتون ذلك ،فهذا صمويل هنتغتون يثبت في كتابه "صدام الحضارات"
أن القول بعالمية اللغة اإلنكليزية ما هو إال وهم كبير ،وخلص إلى القول "إن لغة تعد
أجنبية لدى %92من سكان األرض ال يمكن أن تكون عالمية"(.)2
إن هذا التحدي الذي يواجه اللغة العربية اليوم ويدعو إلى إقصائها كونها لغة
جامدة ال تصلح لغة للعلم والعصر ،مرده إلى الشعور المبالغ فيه بأهمية اللغة االنجليزية
الناتج غالباً عن االنبهار بكل ما هو أجنبي ،والظن بأن التقدم ال يأتي إال عن طريق إتقان
اللغة األجنبية للجميع ،بل والتحدث بها بين العرب أنفسهم ،ومن المعروف أن هذا ما
يسمى في علم النفس بـ (عقدة النقص) فيحاول البعض أن يضفي على شخصيته شيئاً من
الرقي والتطور عن طريق النطق باللغة األجنبية بين العرب ،فبدالً من أن يقول لك حسناً،
أو جيد ،يقول لك (.)OK()3
إن هذا الشعور يأتي من اإلحساس بالهزيمة النفسية التي يعاني منها اإلنسان
العربي في هذا العصر ،واإلعجاب المتنامي بصانع الحضارة المعاصرة الذي يمثل
المنتصر والغالب ،ومن البدهي أن يقلد المغلوب الغالب ،في شعاره وزيه وسائر أحواله
وعوائده .ومن المعلوم أن اللغة العربية هي أكثر اللغات وفرة في المعاني واأللفاظ
)(1حمدان ،محمد عبد الفتاح ،فاعلية برنامج إعداد معلم المرحلة األساسيةـ بجامعةـ األقصى في تنمية
المهارات اللغوية في اللغة االنجليزية لدى طلبتها ،المؤتمر العلمي األول لكلية التربية ( التجربة الفلسطينية
في إعداد المناهج -الواقع والتطلعات) من 10-9يناير 2007م( ،عدد خاص) جامعة األقصى -غزة
فلسطين ،المجلد الثاني ،ص.684
)(2الضبيب ،اللغة ،ص.15
)(3غنيم ،اللغة ،ص .28وينظر ،الشربجي ،أثر ،ص .8
318
د .رياض محمود قاسم Mوأ .عبدالحميد الفراني
واالشتقاق ،ويوجد فيها من الحروف ما ال يوجد في غيرها ،ومع ذلك فقد دخلت علينا
ألفاظ ومصطلحات ألفنا النطق بها رغم أنها في األصل غير عربية ،مثل كلمة (سيدا)
و(بند) للتعبير عن اإلغالق ،و ( )GLASSللتعبير عنللتعبير عن السير باتجاه األمامّ ،
الكأس ،وهكذا الكثير من المفردات المتداولة بين الشعوب العربية على الرغم من أن هذه
الكلمات واأللفاظ غير عربية ،مع العلم أنه يوجد في لغتنا ما هو أسهل وأجمل ،فبدلا من
كلمة (تلفون) كلمة هاتف ،وبدلا من كلمة (موبايل) نقال أو جوال أو المحمول أو الخلوي،
وكلها ألفاظ عربية فصيحة لطيفة وخفيفة(.)1
وكان من نتيجة ذلك أن ارتفعت األصوات التي تنادي بتعليم اللغة األجنبية
لألطفال منذ نعومة أظفارهم بادعاء أن إتقان اللغة األجنبية إنما يتم في هذه المرحلة ،حتى
إن بعض المدارس أخذت تعلم بعض المواد العلمية لألطفال باللغة األجنبية ،على أساس
أن يتعرف الطالب عليها منذ نعومة أظفاره لتسهل عليه دراستها في المراحل المتقدمة(.)2
وذكر الدكتور الضبيب أن دراسات أجريت على طالب فلبينيين يستخدمون اللغة
الفلبينية في دراسة العلوم ،تبين أنهم قادرون على فهم التعابير العلمية بشكل أفضل من
()3
الطالب الذين يستخدمون اللغة اإلنكليزية.
وقد أثبتت الدراسات أن الطالب السوريين الذين تعلموا العلوم الطبية والهندسية
باللغة العربية هم أقدر من غيرهم من الطالب الذين تعلموا العلوم نفسها ولكن بغير لغتهم
األم(.)4
ولقد قام بعض أساتذة الرياضيات في جامعة إربد األردنية بترجمة الكتب
المختصة في هذه المادة المقررة على طالب السنة األولى ،وأخذوا يلقون منها دروسهم
عليهم ،وكانت النتائج إيجابية جدا ألن استيعابهم لهذه المادة كان قويا ،وعندما تغير عميد
)(1المرجع نفسه.
)(2الشربجي ،أثر ،ص.9
)(3اللغة ،ص.26
)(4المرجع السابق.
319
التحديات التي تواجه اللغة العربية ودور القرآن الكريم في التصدي لها
الكلية ،أمر العميد الجديد بإلغاء الكتب المترجمة إلى اللغة العربية( ،)1وأن توضع مكانها
كتب باللغة اإلنجليزية مما أدى إلى ارتباك الطالب وتراجعهم.
ويقول الدكتور محمد هيثم الخياط نائب مدير المكتب اإلقليمي لشرق البحر
المتوسط " :لقد دفعني عملي الذي أضطلع به حالياً إلى اإلطالع عن كثب على تعليم
الطب في الجامعات المصرية (وسواها) فرأيت أستاذاً يستعمل لغة ال يعرفها لينقل العلم
إلى طالب ال يعرف هذه اللغة أيضاً" ويقول" :وأوراق االمتحانات التي اطلعت عليها في
بعض جامعاتنا التي تدرس بلغة أجنبية وينجح كاتبوها ،لو أنها صححت في البلد األصلي
لهذه اللغة األجنبية لكان إعطاؤها واحداً على عشرة صدقة من الصدقات"(.)2
320
د .رياض محمود قاسم Mوأ .عبدالحميد الفراني
يقتصر اعتماده واتباعه على طائفة معينة من الطلبة ،في مجال معين من التخصص ،دون
سواه ،وإ ّنما يجب اعتماده وتعميمه على مختلف التخصصات ،ومن بينها ،وربما في بدايتها،
التخصص في الدرس اللغوي للعربية.
أما األمر اآلخر ،فيتمثل في أن إلصاق تهمة الصعوبة والتعقيد بلغتنا العربية،
األعم األغلب عن إحدى جهتين:
َّ على وجه خاص ،كان يصدر في
جهة مشبوهة تبتغي من وراء دعوتها تشويه الوجه المشرق للغة العربية ،التي
تمكنت من تجسيد الفكر،كانت أيام قوة أبنائها وعزتهم عبر قرون ممتدة ،لغة حضارة َّ
والوجدان اإلنساني في أسمى صورة ،وأدق تعبير ،وهم بدعوتهم التي يلبسونها أثواباً
براقة خادعة ،يهدفون إلى دفع أبناء هذه األمة إلى العزوف عن لغتهم الغنية ،التي وسموها
بالصعوبة والتعقيد ،واللجوء إلى اللهجات العامية الفقيرة ،التي يسمونها بالسالسة
والسهولة ،والتي تؤدي -كما يخططون -إلى تفتيت األمة عقدياً ،وفكرياً ،وسياسياً .وهذه
الجهة يعرفها كثيرون من أبناء هذه األمة ،ممن شرفوا بأمانة حراسة هذه اللغة ،والدفاع
عنها بأفكارهم ،ودراساتهم ،وممارساتهم.
أما الجهة األُخرى فتحمل لواءها فئة من أبناء جلدتنا ،ممن أقبلوا على دراسة اللغة
العربية ،دون أن تهيئهم ظروفهم العلمية والفكرية والنفسية إلتقان هذا النوع من الدرس،
وما يحتاج إليه من إشراق ذهني ،وقدرات علمية تمكنهم من ولوج هذا التخصص الذي
يحتاج ،دونما شك ،إلى ٍ
همة ،وعزيمة ،وصفاء.
ولكن كالمنا هذا ال يعني ٍ
بحال من األحوال االستسالم إلى الواقع اللغوي الذي
تشوبه ،أو يمكن أن تشوبه ،وتشوهه ،بعض الهنات ،أو النقائص ،أو التعقيدات ،كما
يسميها بعضهم ،التي يمكن تدار ُكها ،واالرتقاء بها إلى حيث نرجو ونأمل بإخالص
النيات ،وانبراء ذوي الكفاية الضليعين من اللغة لها ،فهناك وسائل متعددة لتخطي ما
يعترض الدرس اللغوي للعربية من صعوبات أو تعقيدات.
وقد نسي أو تناسى من يدعي جمود اللغة العربية عن مواكبة العصر ،أن اللغة أي
لغة ال تجمد بنفسها ،وال تتخلف بطبيعتها ،كما أنها في المقابل ال تنمو وتزدهر منعزلة عن
مجتمعها وما يجري فيه من أحداث.
321
التحديات التي تواجه اللغة العربية ودور القرآن الكريم في التصدي لها
يقول الدكتور كمال بشر" :إن جمود اللغة وتخلفها ،ونموها وازدهارها ،كل أولئك
يرجع أوالً وآخراً إلى وضع أهليها ،وإ لى نصيبهم من التعامل والتفاعل مع الحياة ،وما
يجري ،في العالم من أفكار وثقافات ومعارف جديدة ومتنامية ،فإن كان لهم من ذلك كله
حظ موفور انعكس أثره على اللغة ،وإ ن قل هذا النصيب أو انعدم ،بقيت اللغة على حالها
دون حراك أو تقدم ،اللغة ال تحيا وال تموت بنفسها ،وإ نما يلحقها هذا الوجه أو ذاك بحسب
الظروف والمالبسات التي تحيط بها ،فإن كانت الظروف فاعلة غنية بالنشاط العلمي
والثقافي والفكري ،كان للغة استجابتها الفورية ورد فعلها القوي تعبيراً عن هذه الظروف
وأمارة ما يموج به المجتمع من ألوان النشاط اإلنساني ،وإ ن حرمت اللغة من هذا التفاعل
ظلت على حالها وقدمت للجاهلين فرصة وصمها بالتخلف والجمود ،في حين أن قومها هم
الجامدون المتخلفون"(.)1
ويرد على هذه الشبهة أيضاً الدكتور عبدالرحمن رأفت الباشا فيقول" :وأما قضية
جمود اللغة وعدم تطورها مع الزمن كما يرجف المرجفون فتلك قضية باطلة ودعوة على
ظاهرها مالمح الرحمة ،وتكمن في باطنها صنوف العذاب ،فلقد أقض مضاجع الأعداء أن
تكون اللغة العربية هي الوحيدة بين لغات األرض التي اتصل تليد تراثها بطريفه خالل
خمسة عشر قرناً امتدت منذ النابغة في الجاهلية إلى شوقي في العصر الحديث ،والتي
يستطيع الماليين من أبنائنا في العصر الحاضر تالوة القرآن الكريم والحديث الشريف وأن
يفقهوا معانيهما ،وأن يدركوا هديهما ،وأن يستشعروا عظمتها ،وأن يتملوا مما حفال به
صالح وإ صالح"(.)2
وتشير طبيعة اللغة العربية في ألفاظها وتراكيبها ودالالتها وظاللها إلى حضور
القيم الدينية والروحية المستمدة من الدين اإلسالمي فيها ،فللعربية أبعاد دينية وثقافية
واجتماعية تجعلها محل تقديس عند أبنائها ،فهي العروة الوثقى التي شكلت ذلك االنسجام
)(1اللغة العربية بين الوهم وسوء الفهم ،ط .دار غريب ،القاهرة1999 ،م ،ص.54
)(2الشربجي ،أثر ،ص .11وللمزيد حول الرد على هذه الشبهة ينظر ،عبد التواب ،رمضان ،الفصحى
وتحديات العصر ،بحث ضمن كتاب بحوث ومقاالت في اللغة ،مكتبة الخانجي ،القاهرة ،ص.172-167
غنيم ،اللغة ،ص 36 ،-30وما بعدها.
322
د .رياض محمود قاسم Mوأ .عبدالحميد الفراني
والتجانس بين أبناء األمة الواحدة في الماضي ،وهي التي مازالت محافظة على
خصوصياتها الحضارية بالرغم من ضعف أبنائها وعجزهم في العصر الراهن ،وتشير
الدالئل إلى أنه إذا نهضت األمة من جديد ،وتكاثرت عناصرها ،قويت اللغة العربية
وانتشرت واتسعت لها اآلفاق ،ورضيت بها النفوس.
إن ما ذكرته عن اللغة األجنبية ال يعني عدم فائدتها أو أهميتها ثقافياً وعلمياً ،أو
الدعوة إلى عدم تعلم اللغات األجنبية ،بل على العكس هذا شيء طيب ،دعا إليه اإلسالم،
ولكن المهم أن تبقى اللغة األجنبية في مكانها الطبيعي دون المبالغة بها ،بحيث تنازع لغتنا
األم وتفرض نفسها عليها.
)(1الصاوي ،محمد سعيد ،كتابة العربية بالحروف الالتينية( األبعاد التربوية والسياسية ( ،الشبكة العالمية
(اإلنترنت) ،على موقع مكتبة مشكاةـ اإلسالميةwww.almeshkat.net/books/list.php?cat=16 - ،
.132kص .4
)(2المرجع السابق.
)(3المرجع نفسه.
323
التحديات التي تواجه اللغة العربية ودور القرآن الكريم في التصدي لها
أما في المشرق العربي فقد تأخر الهجوم الجريء على لغة القرآن الكريم والخط
العربي إلى أن دب الضعف في الدولة العثمانية .ففي سنة 1896نشرت مجلة المقتطف
اقتراحا لجميل صدقي الزهاوي أسماه "الخط الجديد"( )1ومن الغريب أن الزهاوي كان
مدركا تماما أن " القرآن الكريم وكتب الحديث مكتوبة بخطنا القديم ،فإذا تبدل الخط
اقتضى أن يبدل خط القرآن وكتب الحديث" .كما أنه كان مدركا أنه إذا شاع اقتراحه
بتبديل الخط فإنه لن يبق أحد يقرأ الخط العربي؛ " فتعطل كل كتبنا العلمية واألدبية كأن لم
تكن شيئا مسطورا" .ولم يجد الزهاوي كالما يدفع به المخاوف ،سوى أن يقول إنها
()2
اعتراضات بمعزل عن الصواب.
أما كارل فولرس K. Vollersالذي تولى إدارة دار الكتب المصرية خلفاً لولهلم
سبيتا ،Wilhelm Spittaفقد طالب بنبذ العربية الفصحى وبضرورة الكتابة بالعامية،
ووضع كتاباً أسماه «اللهجة العربية الحديثة» طالب فيه بإحالل العامية محل الفصحى
وكتابتها بالحروف الالتينية(.)3
وقد حذا المستشرق اإلنجليزي سلدون ويلمور Seldon Willmoreالذي تولى
القضاء بالمحاكم األهلية بالقاهرة إبان االحتالل البريطاني لمصر ،حذو كارل فولرس K.
.)4(Vollers
وفي باريس (كوليدج دي فرانس) ألقى المستشرق الفرنسي لويس ماسينون
) Louis Massignon (1883-1963محاضرة في جمع من الشباب العربي عام
1929م ،جاء فيها" :إنه ال حياة للغة العربية إال إن كتبت بحروف التينية"(.)5
وفي العام نفسه 1929م نشرت مجلة " لغة العرب" السؤال اآلتي " :ما رأيكم في
تبديل الحروف العربية بالحروف الالتينية"؟ .وأردف صاحب السؤال أنه من القائلين
)(1القزاز،عبد الجبار جعفر وهيب ،الدراسات اللغوية في العراق ،دار الرشيد للنشر ،وزارة الثقافة
واإلعالم ،العراق1981 ،م ،ص.190
)(2المرجع السابق.
)(3الصاوي ،كتابة ،ص.5
)(4المرجع السابق ،ص .5غنيم ،اللغة ،ص.25
)(5القزاز ،الدراسات،ـ ص .196غنيم ،اللغة ،ص.25
324
د .رياض محمود قاسم Mوأ .عبدالحميد الفراني
بتبديلها ألنها في نظره "عقبة كأداء في سبيل تطورنا األدبي واالجتماعي" ،وقد أجاب على
هذا السؤال من األب أنستاس الكرملي بقول :أن " في تصوير كالمنا العربي بحروف
التينية منافع ومضار" .لكن من أهم ما جاء في رد الكرملي أنه كان واعيا بدور القوة
القاهرة في فرض الهيمنة الثقافية لنمط بعينه ،فقال " :ونحن نرى أنه سيأتي يوم تشيع لغة
واحدة في العالم كله ،وهذه اللغة تكون لسان األمة القهارة الجبارة ..إذن البد من كتابة
العربية بحروف التينية ،شئنا أم أبينا"(.)1
وقد ناقش حسين( )2جذور الفكرة مناقشة مفصلة وضحض ما جاء فيها.
ويعد عبدالعزيز فهمي من أبرز المتحمسين لهذه الفكرة؛ فقد تبناها ودعا إلى
(إحالل) الحروف الالتينية محل الحروف العربية ،وطرح فكرته هذه في الجلسة التي
عقدها مجمع اللغة العربية في 3مايو سنة 1943م"(.)3
وقد قدم إلى مؤتمر المجمع في جلستي 24و 31يناير سنة 1944م ورقة
بعنوان" :اقتراح اتخاذ الحروف الالتينية لرسم الكتابة العربية" .وطبعت الورقة بالمطابع
سود في الدفاع عن االقتراح 136
األميرية في فبراير 1944م في 39صفحة ،لكنه َّ
صفحة(.)4
ويبدو أن صورة كمال أتاتورك -الذي ألغى سنة 1924الخالفة والحروف
العربية واألذان -قد صارت مرادفا للعداء الصريح لإلسالم والعروبة .فقد صدم اقتراح
فهمي الكثيرين ،إذ كيف يجرؤ شخص على اقتفاء آثار أتاتورك في إحالل الحرف الالتيني
محل الحرف العربي؟ .وإ ذا كانت المسألة خاصة بحروف الكتابة فلماذا منع صوت األذان
بالعربية؟!(.)5
)(1المرجع السابق.
)(2حسين ،محمد محمد ،االتجاهات الوطنية في األدب المعاصر ،مكتبة اآلداب ،القاهرة1956 ،م ،ج،2
ص .363-357ص )363 -357
)(3زكريا ،نفوسة سعيد ،تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها في مصر ،دار المعارف بمصر ،1964 ،ص
208
)(4أمين ،محمد شوقي ،الكتابة العربية ،سلسلة كتابك ،عدد ،52دار المعارف بمصر1977 ،م ،ص..28
325
التحديات التي تواجه اللغة العربية ودور القرآن الكريم في التصدي لها
ويعد محمد كرد علي ،وإ سعاف النشاشيبي ،وإ سماعيل مظهر ،من أبرز الذين
تصدوا للرد على الفكرة التي جهر بها فهمي ،وتفنيدها( ،)1كذلك ناقش الفكرة وأبان
عوراتها "عباس محمود العقاد" عضو مجمع اللغة العربية آنذاك( ،)2كما أثبت محمود
محمد شاكر( )3أن الدعوة إلى الحروف الالتينية إنما تأتي بعكس ما يراد من التيسير.
ورفض الفكرة كذلك "متى العقراوي" سنة ،1945ونعتها بأنها "انقالب"( ،)4كما
رفضها أيضا "منير القاضي" سنة 1958ووصف األسباب والعلل الداعية إلى استبعاد
الرسم المعمول به وإ حالل الحروف الالتينية محله بأنها أسباب " تافهة كل التفاهة ،وعلل
هي علل وأمراض انتابت قلوب الذاهبين إلى هذا الرأي"(.)5
أما عبدالعزيز الصويحي( )6فقد خلص إلى القول إن مشروع كتابة اللغة العربية
بالحروف الالتينية "مشروع ال يستسيغه العقل وال يقبله المنطق ،وال يصلح حتى لمجرد
النقاش".
وكما كان لدعوة فهمي معارضين فإن دعوته لم تخل من المؤيدين ،ولكن كان
لكل واحد منهم ابتكاره وطريقته ،بمعنى أن دعوة (فهمي)ـ لقيت أصداء في ظل غيبة حاكم
مسلم يقف في وجه مثل تلك الدعوات الباطلة التي لم تكن إال تحديات جسيمة واجهتها لغة
326
د .رياض محمود قاسم Mوأ .عبدالحميد الفراني
القرآن الكريم التي حفظت من عبث العابثين بفضل حفظ اهلل عزوجل للقرآن الكريم ،ومن
بين هؤالء المستغربين الذين ساهموا في محاولة النيل من اللغة العربية:
" -1إبراهيم حمودي المال سنة 1956م " وكتابه "طباعة اللغة العربية بالحروف
الالتينية"( ،)1وقد تحمس حمودي القتراح الكتابة بالحرف الالتيني ،وهو يعتبره
الحل (الوحيد) لمشكلة الخط العربي! ويعدد مزاياه في أنه حرف (جميل)! شائع
عالميا ،وأنه (مثالي) ،يحل مشكلة الحركات ،وييسر االقتباس من اللغات
األجنبية ،ومن الجلي أن حمودي قد أغفل أن جمال الحروف العربية ال يضارعه
جمال أية حروف معروفة .وربما لم يشأ أن يعترف أن الحرف العربي حرف
عالمي ،كتبت به لغات البلقان وبلدان في آسيا ومعظم أفريقيا( .)2وأن اقتراح
الكتابة بالحرف الالتيني يعقد مسألة الحركات.)3(.
" -2عثمان صبري سنة 1964م ،وكتابه " نحو أبجدية جديدة" الذي وصفه بأنه:
"دراسة عامة لتاريخ الكتابة وعيوبها ،تنتهي باقتراح أبجديتين صوتيتين مثاليتين،
مطلوب من القارئ أن يختار إحداهما لتستعمل بدال من األبجدية الحالية التي
ساعدت على تفشي األمية ،وتعوق سير العلم والحضارة في العالم العربي"( .)4ثم
أعلن عن خطته التي تتلخص في استصدار أمر من رئيس الدولة على غرار قرار
أتاتورك( ،)5ويؤكد على أنه "إن لم تستبدل األبجدية العربي الحالية اليوم ()1964
فالبد أنها ستستبدل غدا ،فإن ساعتها آتية ال ريب فيها"(.)6
درس بالزيتونة
-3الجنيدي خليفة :نحو عربية أفضل :وقد ردد الجنيدي خليفة َ -
في تونس -كالم سابقيه عن معايب الحروف العربية ،لكنه برغم ذلك يرى أن
327
التحديات التي تواجه اللغة العربية ودور القرآن الكريم في التصدي لها
الدعوة إلى إحالل الحرف الالتيني محل الحرف العربي " دعوة مخالفة تماما
ومناقضة لكياننا القومي والحضاري"( ،)1غير أنه أفصح عن رغبته في األخذ
باألرقام المستخدمة في أوربا( ،)2واقترح أن يبقى الحرف العربي ،مع التعبير
عن الحركات بأرقام يوضع في عقب كل حرف للداللة على الحركة ،كما
()3
يأتي :
ح1ب للضمة رقم ( )1فتكتب كلمة ُحب
ف2هم للفتحة رقم ( )2فتكتب كلمة فَهم
مكر3م للكسرة رقم ( )3فتكتب كلمة ِ
مكرم
سك 4ر للتضعيف رقم ( )4فتكتب كلمة َّ
سكر
بي 5ت للسكون رقم ( )5فتكتب كلمة بيت
" -4سعيد عقل" :على خالف السابقين فقد نفذ سعيد عقل اقتراحا لكتابة اللغة العربية
بالحروف الالتينية ،فكتب بالحروف الالتينية المعدلة كتابا أسماه "يارا" صدر سنة
1961م .ولكنه فشل في إثبات ما يريد ،ألنه اصطدم بحقيقة استحالة كتابة
العربية باألحرف الالتينية ،وهذا ما دعاه إلي التخلي عن اقتراحه ،وعاد يكتب
بالعربية وبأبجديتها األصيلة( .)4وخير تعليق على ما اقترحه هؤالء ما قاله
العقاد( :)5بأنه " ال خير في دعوة يتوالها العجز العقيم والضغينة النكراء".
ولقد فشلت بفضل اهلل كل المحاوالت السابقة ،ألن مثل تلك المسائل اللغوية
الشائكة كانت تعرض على مجمع اللغة العربية ووزارة المعارف ،لكننا اليوم نواجه خطرا
وتحديا يواجه العربية ال يمكن معه أن ننتظر قرارا من أحد ،وهو أن مستخدمي اإلنترنت
أصبح من المألوف عندهم في (غرف الدردشة) استخدام لوحة المفاتيح الالتينية في كتابة
)(1خليفة ،نحو عربية أفضل ،منشورات دار مكتبة الحياة ،بيروت ،د.ت ،ص.32
)(2المرجع السابق ،ص.42
)(3نفس المرجع ،ص .67-57 ،54
)(4الصاوي ،كتابة ،ص.19
)(5اللغة ،ص .45
328
د .رياض محمود قاسم Mوأ .عبدالحميد الفراني
329
التحديات التي تواجه اللغة العربية ودور القرآن الكريم في التصدي لها
ويمكن تلخيص بعض اآلثار التي تنشأ عن كتابة العربية بالحرف الالتيني فيما
يأتي(:)5
-1قطع الصلة بالميراث الثقافي.
-2تعسير الكتابة على الكاتب.
-3الفوضى في التطبيق ،ونشوء الحاجة مجددا إلى قواعد إمالء معقدة .بل سيصبح
لكل قوم طريقتهم في التهجئة بالحرف الالتيني.
-4زوال فنون الخط العربي وزخارفه التي تمثل الفن التجريدي للحضارة اإلسالمية.
-5لن تختفي الشكوى من مصاعب اإلمالء ،وستبقى الحاجة إلى النقط والشكل قائمة
برغم االقتراحات الكثيرة.
()2
-6سيتم تكريس اللهجات العامية وتأكيدها بشكل دائم ،نتيجة لتدوينها .
كتابة القرآن بالحروف الالتينية:0
يقول الشيخ عطية صقر بشأن ذلك " :أثير هذا الموضوع عندما أثير موضوع
ترجمة القرآن الكريم ،وحاول بعض المجددين أن يجيز كتابة القرآن بحروف غير
الحروف العربية ،ولكن عارضه أهل الذكر من علماء الدين ،وصدرت بذلك فتوى رسمية
من لجنة الفتوى باألزهر الشريف ،بتوقيع الشيخ حسين والي رئيس اللجنة وهذا نصها:
"الشك أن الحروف الالتينية المعروفة خالية من عدة حروف توافق العربية ،فال
تؤدي جميع ما تؤديه الحروف العربية ،فلو كتب القرآن الكريم بها على طريقة النظم
العربي – كما يفهم من االستفتاء – لوقع اإلخالل والتحريف في لفظه ،وتبعهما تغير
المعنى وفساده .وقد قضت نصوص الشريعة بأن يصان القرآن الكريم من كل ما يعرضه
للتبديل أو التحريف ،وأجمع علماء اإلسالم سلفاً وخلفاً على أن كل تصرف في القرآن
الكريم يؤدي إلى تحريف في لفظه أو تغيير في معناه ممنوع منعاً باتاً ،ومحرم تحريماً
قاطعاً ،وقد التزم الصحابة رضي اهلل عنهم ومن بعدهم إلى يومنا هذا ،كتابة القرآن الكريم
330
د .رياض محمود قاسم Mوأ .عبدالحميد الفراني
بالحروف العربية ومن هذا يتبين أن كتابة القرآن العظيم بالحروف الالتينية المعروفة ال
تجوز .انتهى.
هذا ويقاس على تحريم كتابة القرآن الكريم بالحروف الالتينية التي صدرت بها
الفتوى تحريم كتابته بأية حروف أخرى غير عربية ،لالتحاد في العلة كما هو الشرط في
القياس ".انتهى كالم الشيخ صقر(.)1
ويبدو أن هذه الفتوى لم تجد لها آذانا صاغية لدى كثير من الناس في وقتنا
الحاضر فكثير من المحطات الفضائية ،والمواقع االلكترونية قد قامت بكتابة القرآن الكريم
باألحرف الالتينية وغيرها من الحروف.
التحدي الرابع :التحديات التي يواجهها الحرف العربي في اللغات غير العربية:
في ماليزيا كتبت المالوية بالحروف العربية زمنا ،لكن اإلنجليز حاربوا الحرف
العربي ،ونشروا الحرف الالتيني في ماليزيا وإ ندونيسيا ،كما في كثير من البالد اإلفريقية
التي استولوا عليها(.)2
وفي البلقان كانت األلبانية من أبرز اللغات التي تعتمد الحرف العربي للكتابة ،إلى
أن جاء سامي فراشري ( )1904-1850فكان أول من دعا إلى كتابة األلبانية والتركية
بحروف التينية ،ونشر في سنة 1879م أول كتاب لتعليم اللغة األلبانية ،وبعد خمسين
عاما فرض أتاتورك الحروف الالتينية على اللغة التركية(.)3
وقد يعجب الناس في أيامنا هذه إذا عرفوا أن منطقة البلقان كانت تدون لغاتها
باألبجدية العربية ،وربما ال يتصور القارئ غير المتخصص أن األدب األلباني كتب
بعضا من روائعه بالحروف العربية .منها ملحمة في 13ألف بيت تحكي واقعة كربالء،
وأخرى في 56ألف بيت مكتوبة كذلك بالحروف العربية ،ويسجل التاريخ بكل األسى أن
آخر كتاب طبع في اللغة األلبانية بالحروف العربية قد صدر سنة 1970م ،وتعج منطقة
)(1مجلة األزهر المجلد السابع ص 45عن :الشبكة العالمية :من موقع )islamonline
)(2الصاوي ،كتابة ،ص .27
)(3موفاكو ،محمد ،الثقافة األلبانية في األبجدية العربية ،عالم المعرفة ،الكويت1983 ،م ،ص.193
331
التحديات التي تواجه اللغة العربية ودور القرآن الكريم في التصدي لها
البلقان بآالف المخطوطات التي تعاني اإلهمال والتجاهل واالزدراء ،ال لشيء إال ألنها
دونت باألبجدية العربية(.)1
يقول الدكتور "جمال الدين التيتش" أستاذ التاريخ في جامعة سراييفو" :إن مسلمي
البوسنة ظلوا يستعملون لغة البوسانشيتسا – الغنية بالمفردات العربية األصل -حتى
مجيء االحتالل النمساوي للبوسنة؛ حيث ألغى االحتالل استعمال الحروف العربية ،وأحل
محلها الحروف الالتينية ،وأصبح البوسنيون في يوم وليلة أميين؛ ألنهم لم يكونوا على
معرفة بالحروف الالتينية"(.)2
وكانت الجمهوريات اإلسالمية التي فرض ستالين عليها األبجدية الروسية ،قد
حاولت الرجوع إلى الحرف العربي بعد انهيار االتحاد السوفيتي ،لكن " جرت محاوالت
لفرض الحرف الالتيني عليها أسوة بما وقع في تركيا ،بحجة أن األبجدية الالتينية
ضرورية لالنفتاح على العالم والتقانة المتطورة .وقد تبنت فعال كل من "كازاخستان"
و"أوزبكستان" و"تركمانستان" و"قرقيزيا" و"أذربيجان" الحرف الالتيني ،بينما رجعت
"طاجكستان" إلى الحرف العربي".
وهكذا فإن الجمهوريات اإلسالمية في آسيا التي استقلت عن االتحاد السوفيتي قد
حرمت من العودة إلى الحرف العربي ،الذي كانت تكتب به لغاتها قبل االحتالل الروسي.
وتقرر في مؤتمر أنقرة سنة 1993أن تكتب لغاتها بحروف التينية معدلة ( 34حرفا)،
وبذلك تكون قد أدارت ظهرها لتراثها قبل أن تقطع روابطها المحتملة مع العرب والثقافة
العربية ،وقد ترتب على ذلك القرار أن " مئات الشعراء والفالسفة الذين كتبوا نصوصا
تركية بالحروف العربية على مدى قرون ،باتوا في موقع هامشي" .والحاصل أن "تبني
الحروف الالتينية قد جعل كثيراً من األتراك أميين داخل عالمهم الثقافي بالذات"(.)3
332
د .رياض محمود قاسم Mوأ .عبدالحميد الفراني
ويروي ماهر عبداهلل من قناة الجزيرة :عن بعض األكاديميين المتخصصين في
اللغة العربية ،أن األمم المتحدة واليونسكو في بعض األحيان يسمون باألمية من يكتب
ويقرأ بالعربية في جنوب السودان( .)1وبرغم مما في هذا الكالم من طرافة ،فإنه ال يخلو
من داللة؛ إذ كيف يقع مثل ذلك في الوقت الذي تمثل فيه اللغة العربية واحدة من لغات
العمل في األمم المتحدة؟! فهل من المحتمل القريب أن تتراجع المنظمة الدولية عن قرار
اعتماد اللغة العربية لغة عمل؟(.)2
وفي تجربة اللغة اليوغورية نموذج جلي لهذا الصراع .لقد تم اقتطاع تركستان
الشرقية من التركستان الغربية وإ لحاقها بالصين الشعبية وسميت مقاطعة (شينغ جيانغ).
وكانت كتابة اللغة اليوغورية تتم بالحرف العربي إلى حدود الستينيات ،عندما قامت الثورة
الثقافية ،ففرضت كتابتها بالحرف الالتيني من بين إجراءات تستهدف الهوية القومية
واإلسالمية .وكان من بينها إغالق المساجد ومنع مظاهر التدين ...وبعد موت (ماو تسي
تونغ) ،ثم القضاء على العصابة الرباعية التي تتزعمها زوجته وإ نهاء الثورة الثقافية ،سمحت
السلطات بكتابة اللغة اليوغورية بالحرف العربي .لكن عاد المنع مرة أخرى في فترة
التسعينات مع االنتهاكات الجسيمة لحقوق اإلنسان .وهو ما سجله تقرير خاص لمنظمة العفو
الدولية في أبريل .1999يقول التقرير حرفيا :لقد "أغلقت عدة مساجد ومدارس دينية منذ ذلك
الوقت ،كما توقف استخدام الحرف العربي في الكتابة ،وفرضت قيود شديدة على رجال الدين
المسلمين ،وطرد أو ألقي القبض على الفقهاء المسلمين الذين اعتبرتهم الحكومة من
"المشاغبين" أو ممن ال يبدون امتثاال كافيا ألوامرها .وحظر على المسلمين الذين يعملون في
الدوائر الحكومية والمؤسسات الحكومية األخرى إقامة شعائر دينهم ،كما أنهم يفقدون وظائفهم
إذا لم يمتثلوا لألوامر"(.)3
إن التحدي الذي تواجهه اللغة العربية ليس تحديا لها فحسب بل تحدي يواجه
المسلمين ووحدتهم في مختلف بقاع العالم ،فقد نقل سعد الدين العثماني عن باحثين
333
التحديات التي تواجه اللغة العربية ودور القرآن الكريم في التصدي لها
فرنسيين ،ومنهم (دومونبين) في أطروحته (عمل فرنسا بالمغرب فيما يخص التعليم)
عنها بقوله" :من الخطر أن نترك كتلة ملتحمة من المغاربة تتكون ،ولغتها واحدة،
وأنظمتها واحدة ،ال بد أن نستعمل لفائدتنا العبارة القديمة فرق تسد .إن وجود العنصر
البربري هو آلة مفيدة لموازنة العنصر العربي ،ويمكننا أن نستعمله لتحقيق الهدف
نفسه"( .)1وكتب (موريس بو كالي) أحد موظفي اإلقامة العامة الفرنسية في مقال بعنوان
(المدرسة الفرنسية لدى البربر)" :يجب أن نحذف تعليم الديانة اإلسالمية واللغة العربية
في مدارس البربر ،وأن تكتب اللهجات البربرية بحروف التينية" ،وختم مقاله بقوله:
"يجب أن نعلم البربر كل شيء ما عدا اإلسالم"(.)2
ومن منشور خاص ينقل سعد الدين العثماني " :يجب بادئ ذي بدء أن نتجنب
تعليم العربية ألناس دأبوا على االستغناء عنها ،إن اللغة العربية تجر إلى اإلسالم ،ألن هذه
اللغة تتعلم في القرآن .في حين أن مصلحتنا تحتم علينا العمل على جعل البربر يتطورون
خارج إطار اإلسالم ،ومن الناحية اللغوية يجب أن نعمل على االنتقال مباشرة من
البربرية إلى الفرنسية"(.)3
أما أوضح ما قيل في الموضوع فهو ما نقلته مجلة "عالم المسلمين"" :لقد قام
المنصرون األلمان في شرقي أفريقيا باستبدال الحرف العربي الذي تكتب به اللغة
السواحيلية إلى الحرف الالتيني ،وذلك كوسيلة لوقف الزحف اإلسالمي المستمر في هذه
البالد .ويعتبر هذا التغيير ضربة قاسية لإلسالم في شرقي أفريقيا"(.)4
وفي إقليم عفر بإثيوبيا قامت بعض الهيئات (الخيرية) بكتابة اإلنجيل باللغة
العفرية بحروف التينية؛ وهذا ما يجعل المنطقة التي يتحدث كثير من سكانها المسلمين
العربية ،ويتعلمونها في بعض المساجد والكتاتيب -ألن مدارس الدولة ال تعلم العربية
)(1المرجع السابق.
)(2نفس المرجع.
)(3النمري ،عمر ،مقال منشور على الشبكة في موقع::
)http://www.algeria- voice.org/Raii/Raii2/R13/hauptteil_r13.html
)(4أبريل 1911ص ،218نقال عن :الطويل ،السيد رزق " ،اللسان العربي واإلسالم" ،رابطة العالم
اإلسالمي ،مكة المكرمة1986 ،م ،ص..103
334
د .رياض محمود قاسم Mوأ .عبدالحميد الفراني
هناك ،-ولهم لهجة محكية ال يكتبونها ،ألنهم يكتبون بالعربية؛ مؤهلة للتحول إلى
المسيحية(.)1
ومهما يكن من أمر فإن من الثابت أن هناك جهود استعمارية لبعث المشاعر
العرقية في بلدان عربية متجانسة سكانيا وثقافيا كمصر ،فأهل النوبة الذين ال يعانون من
أي شكل من أشكال التمييز ضدهم ،قد ابتلوا بمن يثير الغبار في غير ما معركة .برغم
أنهم مسلمون يتحدثون العربية مع لغتهم النوبية الشفهية ،كما برز اهتمام باللغة القبطية،
وهو أمر ينطوي على االهتمام بالتراث الثقافي ،لكن يبقى هناك خوف مبرر من أن يستغل
ذلك في محاوالت خلق قطيعة مجتمعية يرسخها جدار لغوي عازل.
وبتلك الطرق يتم تقطيع أوصال الوطن العربي واإلسالمي من أطرافه – ومن
أعماقه – في العراق والمغرب والسودان ،والقضية مرشحة لالشتعال في مناطق التداخل
اللغوي في تشاد وما يماثلها .أما في إريتريا فقد حسم السياسيون األمر منذ يوم االستقالل.
واألمر في جيبوتي وجزر القمر ليس بأفضل منه في إريتريا(.)2
335
التحديات التي تواجه اللغة العربية ودور القرآن الكريم في التصدي لها
وليس من شك في أن هؤالء القوم يتخدون هذه الدعوة الخبيثة وسيلة خفية للهجوم
على اإلسالم ،وصرف أهله عن مصدر دينهم الرئيس المتمثل بالقرآن الكريم ،الذي أنزله
اهلل بهذه اللغة الشريفة التي بها يتكلمون ويتفاهمون،ـ إضافة إلى هدف آخر ال يقل خطورة
وتفتيت الروابط التي تجمع
ُ ُّ
وشق صفها، عن سابقه ،وهو تمزيق وحدة هذه األمة الواحدة،
أهم آصر ٍة بينهم ،وهي اللغة الواحدة ،التي هي اآلن ُّ
كل ما أبقى لنا هذا بين ْأبنائها في َّ
الزمان من صالت ووشائج.
ولعل من نافلة القول أن نذكر ،في هذا المجال ،أن الصعوبة المزعومة ،التي تتسم
بها اللغة العربية في مستوياتها المختلفة ،ال تخلو منها اللهجات العامية ،فهي ،أي هذه
اللهجات ،تخضع لقوانين وقواعد صارمة يعرفها دارسو اللهجات والباحثون فيها ،وقد
تبين لنا ذلك ،بوضوح وجالء ،في أثناء دراستنا إلحدى اللهجات العربية الفلسطينية،
هون أمر
بمستوياتها الصوتية ،والصرفية ،والنحوية ،وهي لهجة مدينة نابلس ،ولكن الذي َّ
هذه اللهجات على الناطقين بها ،وجعلها في متناول أيديهم ،سيرورتها ،على ألسنتهم،
ودفء ألفتهم لها منذ حداثتهم .فهم بدعواهم ال يستبدلون سهالً بصعب ،وال قريب تناول
ُ
ببعيد منال ،وإ نما يشترون بدعوتهم المشبوهة الضاللة بالهدى ،ويضعون َّ
الغث موضع
السمين.
وإ ذا كنا ال نستطيع التغاضي عن بعض الصعوبات التي اكتنفت جوانب من قواعد
ثم ،بجهودهم
لغتنا ،والتي يتحدث عنها أبناء هذه اللغة الشريفة العظيمة ،ويحاولون ،من َّ
رده ،أو ُّ
رد الفكرية ،ومقترحاتهم العملية ،تخفيفها ،أو السيطرة عليها ،فإن األمر كله يمكن ُّ
معظمه ،إلى الصراع المدرسي والمذهبي الذي كان يحتدم بين أنصار المدارس اللغوية
وأتباعها ،فضالً على إدخال المنطق العقلي الجاف ،واستعماله في محاكمة النصوص
اللغوية ،واستنباط القواعد منها ولها.
نقر بوجودها من ناحية ،ونعترف بأنها قد ِ
الصعوبات اآلنفة الذكر ،التي ُّ إن تلك
َّلسة الميسورة ،من ناحية أخرى ،ال يمكن
انعطفت بعربيتنا ،أو جانب ٍ منها ،عن الجادة الس َ
التغلب عليها بإلغاء اللغة ،والتحول عنها إلى العاميات ،أو استغالل الدعوة إلى تيسير اللغة
وقواعدها ،عن طريق تجاوز العزائم في اللغة إلى الرخص ،ثم تيسير تلك الرخص
336
د .رياض محمود قاسم Mوأ .عبدالحميد الفراني
بتجاوزها إلى اللحن وهكذا .إن الدعوة إلى التيسير ال يمكن أن تتحقِّق بوساطة إهمال
تمس جوهرها ،أو اللجو ِء إلى التمرد
األمور الرئيسة في اللغة ،والقضايا األساسية التي ُّ
الغض من شأن األساسيات َّ ٍ
صعب سهالً هيناً ،يقوم على والعصيان التربوي ،بجعل َّ
كل
اللغوية في ميادين الصوت ،والصرف ،والنحو ،والداللة ،وأساليب اللغة الرفيعة في
التعبير .إن التيسير يتحقق ،أو يمكن أن يتحقق ،عن طريق دأب الطالب وجده ،إضافة إلى
جودة عمل المدرس ،ناهيك عن الطبيعة النوعية للمنهاج .كما يمكن لهذا األمر أن يتحقق
أيضا بتكاتف جهود أبناء هذه اللغة ومحبيها ،ونهوضهم معاً بدراسة اللغة وتنقيتها من كل
ولوثتها منهجاً ،وأسلوباً ،وتمثيالً.
الشوائب التي علقت بها َّ
نعمَّ ،
إن القضية الرئيسة ،التي يواجهها معلمو اللغة العربية ومتعلموها أيضاً،
تكمن في تدريس قواعد هذه اللغة ،والطريقة التي يسير عليها طرفا عملية التعليم ،فهذه
القواعد ألبنائنا الطلبة في الجامعات ،والمدارس أيضا،
ُ الطريقة ،التي تُقَ َّد ُم من خاللها تلك
األعم األغلب ،من الصنعة ،والتكلف ،والتلقين األصم ،من جانب المدرس،
َّ ال تخلو ،في
ومن الحفظ الخالص ،من جانب المتعلم ،دونما محاكمة للنصوص ،أو محاورة معها بهدف
ِ
المستكنة فيها .وإ ضافة إلى ذلك ،فهناك اعتماد مطلق، تذوقها ،واستجالء عناصر الجمال
في معظم الحاالت ،على اجترار التراث اللغوي ،كما جاءنا في مصادره القديمة ،دون أن
يتعرض ،على أيدي مقرريه ومدرسيه ،إلى عملية خلق وإ بداع ،وتفجير طاقات وملكات
تجعله في حالة تكيف ،وتأقلم ،وتعايش مع الواقع المعاصر الذي تحياه العربية وأبناؤها.
فاألمثلةُ ما زالت ،في دروس النحو ،تدور حول عالقة زيد بعمرو ،كما َّ
أن اجتماع فاعلين
لفعل واحد ما زال يتخذ من "أكلوني البراغيث" فلكاً يدور حوله في هذا الزمان الذي خال
أو كاد يخلو من البراغيث.
وعلمي خالق،
ّ وإ ذا كنا نقف أمام تراثنا العظيم ،وما أفرزه لنا من فكر لغوي
اللغوي موقعاً متقدماً في المسيرة الحضارية
َّ ونعده زاداً ثرياً منح تاريخنا
بجالل واحترامّ ،
اإلنسانية ،إال أننا ،وبحكم التطور الذي تشهده البشرية ،مدعوون إلى االنتقال في تعلم تلك
القواعد ،أو ،لنقل ،تلك القوالب الموروثة ،وتعليمها ،إلى آفاق جديدة رحبة نرتفع إليها
بلغتنا ذوقاً وأسلوباً ،مسايرين ،في ذلك ،روح العصر بكل ما يشهده من تفجر في المعرفة
337
التحديات التي تواجه اللغة العربية ودور القرآن الكريم في التصدي لها
والمعلومات ،ومستفيدين ،في الوقت نفسه ،من التقدم العلمي الكبير الذي حققته الدراسات
اللغوية في اللغة اإلنجليزية ،وغيرها من اللغات العالمية ،واإلفادة كذلك من الدراسات
اللغوية العربية التي قامت بها مجامع اللغة العربية المنتشرة في الوطن العربي ،إضافة
إلى تلك الدراسات واألبحاث اللغوية الناجحة التي قام بها نفر مبدع من أبناء الضاد في
عصرنا الحاضر ،والتي دارت حول تشخيص واقع اللغة العربية ،ومحاولة إيجاد الحلول
العملية لها.
إن المشكلة ال تكمن في اللغة في ذاتها ،وإ نما تكمن في ذواتنا والطرائق التي تلقينا
فيها اللغة ،والطرائق نفسها أو المشابهة لها التي ِّ
نقدم من خاللها لآلخرين هذه اللغة .لقد
كانت لغتنا مشرقة ،في ماضيها ،عندما اتخذها األجداد وسيلة سهلة ومرنة لتجسيد كل ما
كان يختلج في نفوسهم ،وعقولهم من مشاعر وأفكار ،ولكنها تعرضت ،على أيدينا ،إلى
التراجع ،عندما أردنا لها أن تكون ،وهي تتقلب في أحضان الحاضر تتزيا بثوب الماضي،
ما نعين أنفسنا ،ومانعين عنها أيضاً ،إمكانات التطور المتاحة لتمكينها من التعبير المرن
عن الحياة الجديدة والمتجددة بكل ما تشتمل عليه لغتنا في أعماقها من اقتدار.
إن الضوابط والقواعد التي تحكم األنظمة الصوتية ،والصرفية ،والنحوية،
والداللية ،واألسلوبية لعربيتنا ،ليست حكراً عليها ،أو خاصة بها وحدها ،في حين يكون
غيرها من اللغات بمنأى عنها؛ إن اللغات األجنبية ،كاإلنجليزية واأللمانية ،على سبيل
المثال تمتلئ الواحدة منها بالقواعد والضوابط التي يعد الخروج على جانب أو جزء منها
خلالً يسيء إلى بنائها اللغوي ،وعيباً ال يغتفر لمن يقع فيه ،أما نحن ،وعندما يقع الواحد
ٍ
وتعقد في ٍ
صعوبة في اللغة، رد ّ ذلك إلى
منا في خطأً ،أو خلل لغوي ،فإنه يسرع في َ ّ
أنظمتها الصوتية ،والصرفية ،والنحوية ،والداللية ،واألسلوبية(.)1
إن وجود الضوابط والقواعد الوظيفية ،التي تحكم النظام اللغوي ألية لغة ،يشير
ِ
والحرص عليها من االبتذال ،وما يستتبعه ذلك من إلى الدقة التي تتمتع بها تلك اللغة،
استهتار وتحلل.
338
د .رياض محمود قاسم Mوأ .عبدالحميد الفراني
المبحث الثاني
طرق مهاجمة اللغة العربية في العصر الحاضر
339
التحديات التي تواجه اللغة العربية ودور القرآن الكريم في التصدي لها
340
د .رياض محمود قاسم Mوأ .عبدالحميد الفراني
ومعنى ،ووصالً ووقفاً وضبطاً والتزاماً بالمعجم الذي يشير إلى الجائز والممتنع ،مع عدم
تجاهل ما أوصت به المجامع العربية اللغوية.
والقرآن الكريم هو دستور اللغة الفصحى المعاصرة ،والسيما في أدائه المتميز،
فيما عدا االلتزام بأحكام تجويده.
ونحن بهذا التعريف ال نشق على الناطقين بالفصحى ،ألن حفظ القرآن يطلق
األلسنة الحافظة (العربية) بنمط األداء القرآني دون أدنى مشقة .وللقرآن -كما نعلم -
دور في الحفاظ على الفصحى ،واإلبقاء عليها رغم كل عوامل اإلحباط التي تحوطها،
حتى لقد كادت أن تتحول إلى لغة خاصة ،أو باألحرى :لغة أرستقراطية ،ال يستعملها إال
من تتوفر فيهم مواصفات أدبية وعقدية معينة.
ولعل من عجائب القرآن أن تقوم بحفظ وإ تقان أدائه ألسنة أعجمية لم تذق حرفاً
عربياً ،ومع ذلك نجد أطفاالً وشباباً ،ذكوراً وإ ناثاً يحفظون عن ظهر قلب ،بل ويجيدون
أداءه بأحكام التجويد ،وهم ال يفهمون جملة واحدة من جمله ،أو آية من آياته.
ولقد مرت على الشعوب اإلسالمية في آسيا قرون ال تعرف لها لساناً تتخاطب به
غير العربية ،على حين توارت اللغات القومية كاألردية ،واألفغانية ،والتركستانية
واإلندونيسية ،وغيرها ،وسادت رموز الكتابة العربية.
ولقد أدرك أعداء اإلسالم أن حربهم ضده يجب أن تعتمد على محاربة اللغة
العربية ،وإ حياء اللغات القومية ،سعياً إلى تقليص وجود القرآن ،وتهميش عقيدته.
وهذا ما حدث فعال منذ القديم ،فبمجرد أن " ملك التتر والمغول بالمشرق ولم
يكونوا على دين اإلسالم فسدت اللغة العربية على اإلطالق ولم يبق لها رسم في الممالك
اإلسالمية بالعراق وخراسان وبالد فارس وأرض الهند والسند وما وراء النهر وبالد
الشمال وبالد الروم وذهبت أساليب اللغة العربية من الشعر والكالم إال قليال يقع تعليمه
صناعيا بالقوانين المتدارسة من كالم العرب وحفظ كالمهم لمن يسره اهلل تعالى لذلك
وربما بقيت اللغة العربية المضرية بمصر والشام واألندلس والمغرب لبقاء الدين طلبا لها
فانخفضت بعض الشيء ،وأما في ممالك العراق وما وراءه فلم يبق له أثر وال عين حتى
إن كتب العلوم صارت تكتب باللسان العجمي وكذا تدريسه في المجالس"(.)1
341
التحديات التي تواجه اللغة العربية ودور القرآن الكريم في التصدي لها
وفي التاريخ الحديث إبان العهد االستعماري ،والمرحلة الشيوعية ،ارتدت أغلبية
الشعوب اإلسالمية إلى أحالمها القومية ،وانتشرت فيها لغات المستعمرين ،كاإلنجليزية
والروسية وتوارت العربية وضعف شأنها تبعاً لضعف شأن العرب في أقطارهم.
342
د .رياض محمود قاسم Mوأ .عبدالحميد الفراني
اللغة والثياب العربية .وهو قانون ال يجاريه في القسوة والعداوة لإلسالم سوى قانون
القيافة وقانون تحريم اللغة العربية الذي أصدره أتاتورك.
كما أصدر الملك فيليب قانونا يقضي بأن " :يمنح الموريسكيون ثالثة أعوام لتعلم
اللغة القشتالية ،ثم ال يسمح بعد ذلك ألحد أن يتكلم أو يكتب أو يقرأ العربية أو يتخاطب
بها ،سواء بصفة عامة أو بصفة خاصة ،وكل معامالت أو عقود تجري بالعربية تكون
باطلة وال يعتد بها لدى القضاء أو غيره" ،)1("...وكان إحراز الكتب واألوراق العربية،
وال سيما القرآن ،يعتبر في نظر السلطات من أقوى األدلة على الردة (عن النصرانية)
ويعرض المتهم ألقسى أنواع العذاب والعقاب"(.)2
هكذا " كانت السياسة األسبانية تضيق ذرعا بالعربية ،وتزداد منها توجسا؛ فعادت
في عهد فيليب الثاني لتتخذ خطوتها الحاسمة في القضاء عليها .وصدر في سنة 1566
قانون جديد صارم يحرم على الموريسكيين التخاطب بالعربية أو التعامل بها ..وطبق
القانون بمنتهى الشدة .وكانت العربية قد أخذت تغيض شيئا فشيئا في غمرة العسف
واالضطهاد"(.)3
وإ ذ ذاك "لم تمض فترة قصيرة على تطبيق القانون الجديد بتحريم العربية نهائيا،
وفرض القشتالية لغةً للتخاطب والتعامل على الموريسكيين ،حتى اختفت المظاهر واآلثار
األخيرة للعربية ،ومع ذلك فقد وجد الموريسكيون في القشتالية ذاتها متنفس تفكيرهم
وأدبهم القديم ،فكانوا يكتبون القشتالية سرا بأحرف عربية"(.)4
وبيت القصيد في الموضوع برمته كما يذكر الصاوي هو استمرار قدرة
الموريسكيين على كتابة المصحف الشريف ،الذي ال يمكن كتابته بغير الحرف القرآني.
343
التحديات التي تواجه اللغة العربية ودور القرآن الكريم في التصدي لها
وفي هذه النقطة بالتحديد تكمن الغاية األولى لمخطط فرض الحروف الالتينية ،باألمس
واليوم والغد(.)1
وفي الزمن المعاصر قد تم الربط بين اإلسالم واإلرهاب ،كما تم الربط بين
التعريب واألسلمة ،وهذا الرأي هو " أحد اآلراء األكثر انتشارا اليوم ،ومفاده َّ
أن التعريب
يقود الجزائر إلى النزعة اإلسالمية" ،وهذا االرتباط بين التعريب واألسلمة قائم في أذهان
الباحثين الغربيين والعرب وفي أذهان اإلسالميين أيضا ،حيث " الذهنية الشعبية التي تخلط
بين مدرس العربية والفقيه واإلمام "( ،)2ويصرح غرانغيوم برأيه "إنه يمكن فهم سياسة
التعريب باعتبارها محاولة لنقل شرعية اإلسالم إلى الدولة ،بواسطة اللغة العربية" ،ومع
تصاعد الهجمة الحالية على التوجهات اإلسالمية تصاعدت الهجمة على التعريب وعلى
اللغة العربية.
ومع الشروع في التعريب في الجزائر أثيرت التساؤالت عن جودة التعليم .وكأن
الرقي مرتبط دوما بالتغريب .وقد كانت "أغلبية كبرى من الرأي ترى أن اللغة الفرنسية
ظلت لغة للنجاح االجتماعي على الرغم من التعريب".
ومن جهة أخرى " فمنذ السنوات األولى لالستقالل ،وبالخصوص إبان االنتفاضة
القبائلية في عام .1963أحست األوساط البربرية بسياسة التعريب كأنها خطر" أو هكذا
صور الناشطون البربر األمر .ونفخ الباحثون في النار ،كما عبرت " فاني كولونا" عن
تم اعتبارها بواكير للحركة الوطنية
نشاط ابن باديس بأنه "الحركة اإلصالحية التي طالما َّ
الجزائرية لم تكن في الواقع سوى قمع عنيف للثقافة الجزائرية العميقة".
وبعد أن ينسب غرانغيوم إلى ثقافة اللغة العربية العنف والنكوص والجمود ،فإنه
ال يفوته أن يعرج على الحرف العربي ،فيذكر أن "حروف الكتابة الالمكتملة التي أتاحت
احتفظت الكتابة العربية
ْ تدوين القرآن كانت في األصل مجرد ُم َساعدات للذاكرة .وقد
344
د .رياض محمود قاسم Mوأ .عبدالحميد الفراني
فالنص يتألف فقط من الصوامت (السواكن)،ـ وال يمكن قراءته والعثور على
ّ بشيء منها:
معناه إال بإضافة صوائت (حركات) ال تظهر عادة إال في القراءة الجهرية"(.)1
إن من بين المؤشرات على أن هناك حربا معلنة ضد اللغة العربية هو أنها " لم
تدرج ضمن اللغات المعتمدة في اتفاقية الجات ،بكل ما يترتب على ذلك من أعباء إضافية
على صعيد األنشطة االقتصادية والتجارية ،والتقليل من فرص العمل أمام من هم خارج
النخبة اللغوية العالمية"(.)2
كما يحلم فريق من العرب المستغربة أن تحذف من الدساتير العربية كل عبارة
تنص على إن اللغة الرسمية للبالد هي العربية ،وأن دينها هو اإلسالم .والتالزم بين
األمرين أو المطلبين مفهوم لمن أراد أن يفهم.
345
التحديات التي تواجه اللغة العربية ودور القرآن الكريم في التصدي لها
المبحث الثالث
التحديات التي تواجه اللغة العربية في فلسطين
() 1
تعاني اللغة العربية في فلسطين ،شأنها في ذلك شأن سائر البلدان العربية ،من
ضعف في مستوى األداء لدى دارسيها ،ومن ضعف ال يقل عن سابقه ،لدى نفر ال يستهان
به من مدرسيها والقائمين عليها ،وذلك على الرغم من ارتباط هذه اللغة الشريفة ،كما
كفل اهلل لها به الحراسة والحماية ،ولكن هذه اللغة ،التي
ذكرنا آنفاً ،بالقرآن الكريم ،الذي َ
ارتبطت بالدين ،وما له في نفوس أبنائه من قداسة ،تتعرض اآلن إلى االنحدار والتراجع،
إلى ًّ
حد أصبحنا نخشى أن تتف ّشى فيه األمية اللغوية حتى بين الجمهور من حملة الدرجات
العلمية.
وإ ذا ما حاولنا تلمس األسباب ،وتحسُّس العوامل التي أدت باللغة وأبنائها إلى هذا
َّ
الد ْرك ،فلعلنا نجد ذلك ،أو بعضه ،راجعاً إلى أمور من أهمها:
أن لنا في فلسطين ،على كل المستويات السياسية ،واالقتصادية ،واالجتماعية،
والفكرية ،والتربوية ،والتعليمية ،خصوصية ننفرد بها عن اإلخوة األشقاء في
العالم العربي ،ذلك أننا نعيش تحت وطأة احتالل ظالم ،يعتقد كثير من الناس غير
دقيقين ،أنه مجرد اغتصاب لمساحات من األرض وما يغطيها من سماء ،وما
يستكن في أعماقها من مياه ِ
وركاز فقط ،ولكن الحقيقة هي أن هذا االحتالل ،هو،
إضافة إلى ما سبق ،محاولة احتالل لكل مساحة يستطيع العدو أن يمتلكها من عقل
كل مواطن فلسطيني ،وفكره ،وثقافته ،ولغته .إن الواقع الذي تحياه لغتنا العربية
في فلسطين ،هو واقع ال يبشر بمستقبل طيب ،خاصة إذا لم تتكاتف جهود أبناء
األمة العربية ،مع جهود أبناء هذا الوطن في حماية هذه اللغة ،والذود عن
حياضها.
)(1النوري ،محمد جواد ،اللغة العربية في القرن الحادي والعشرين ،في المؤسساتـ التعليمية في فلسطين
الواقع والتحديات واستشراف المستقبل ،الثالثاء 22ربيع اآلخر 1426هـ 31 -أيار 2005م ،المصدر:
مجمع اللغة العربية األردني /المواسم الثقافية..
346
د .رياض محمود قاسم Mوأ .عبدالحميد الفراني
أن الوضع العام لإلعالم في بالدنا ،بجوانبه الثقافية ،والفنية ،والفكرية ،تغلفه
الركاكة ،والضعف ،والجنوح ،نحو اللهجات العامية .فالقارئ للصحف ونشرات
األخبار ،والمستمع إلى محطات اإلذاعة ،والمشاهد المستمع للمسلسالت
القصصية ونشرات األخبار في التلفاز ،عندنا هنا في فلسطين ،وفي األقطار
العربية الشقيقة أيضا ،يشعر بمدى االنحدار والوهن الذي تعانيه عربيتنا
المستعملة فيها .إن باستطاعة وسائل اإلعالم المختلفة ،التي تدخل بيوتنا ،وأماكن
عملنا ،ومرافق حياتنا المختلفة ،في كل وقت ،دونما استئذان – باستطاعتها أن
تنهض بواقع هذه اللغة من َّ
الد ْرك الذي وصلت إليه ،إلى الدرجة التي نطمح إليها،
فهي أكثر الوسائل والوسائط الممكنة والمتاحة تواصالً وتعامالً وتفاعالً مع
اإلنسان ،كما أنها ذات تأثير بالغ في تشكيل عقل هذا اإلنسان ،وفكره ،إضافة إلى
ضبط لسانه وصياغته.
بيد أن وسائل اإلعالم ،في وضعها الحالي ،لم توظَّف على نحو ناجع ومنتج ،فهي
اآلن أقرب إلى المتعة الرخيصة ،واللهو غير البريء ،وإ ضاعة الوقت ،ونشر
رطانة اللسان ،وإ شاعة القيم الهابطة ،منها إلى حياة الجد والبناء ،وإ صالح ما
ٍ
مواصفات مختلفةً أفسدته قوى الهيمنة اإلعالمية ،التي تشترط في اإلعالمي
ومتعددة ومتنوعة ليس من بينها ،في األعم األغلب ،مراعاةٌ للقيم والمبادئ
العالية ،أو لقيمة األداء اللغوي ،وسالمة النطق والقراءة ،وذلك على الرغم من
إجماع العرب على أن لغتنا العربية ،تمثل خط الدفاع األخير الذي يمكننا ،من
خالله ،حماية أنفسنا من الهجمة الشرسة لألعداء ،كما أنها تعد آخر ما تبقى لنا
وتجمعهم معاً على صعيد
َ من وسيلة يمكن أن تؤلف بين قلوب أبناء هذه األمة،
واحد مشترك.
والغيرة في أن يبذلوا ما لديهم
ْ وعلى هذا ،فإن األمل معقود على أصحاب القرار
من إمكانات ،ويسخروا ما بوسعهم من قدرات ،لدعم المؤسسات اإلعالمية المختلفة،
وتزويدها بالمتخصصين ذوي الكفاية العلمية والثقافية ،كي يكونوا وسائل رفع وإ سناد
لمؤسسات التربية والتعليم في مهمتها المتمثلة في تحسين مستوى األداء اللغوي ،الذي
347
التحديات التي تواجه اللغة العربية ودور القرآن الكريم في التصدي لها
يمكن أن يتخذ طريقاً سليماً وسوياً على ألسنة الجمهور العربي بعامة ،وألسنة أبنائنا الطلبة
تم َ توظيف الوسائل
وأدائهم اللغوي العام في المدارس ،والجامعات بخاصة ،إذا ما ّ
والفكري من
َّ الرقي النفسي
ّ اإلعالمية المختلفة توظيفاً إيجابياً ،يقدم للمرء ما يحقَّق له
جهة ،ويحفظ له فصاحة اللسان ،وجودة األداء من جهة أخرى.
ويرتبط بحديثنا عن اإلعالم العام ،وما يشكله ،في كثير من ظواهره ومظاهره،
تحد كبير وخطير للغة العربية في فلسطين ،حديث آخر ال ُّ
يقل ،في خطورة من ٍّ
تحديه للغة العربية ،عن التحدي السابق ،ونعني به ،ما تواجهه العربية ،على
ألسنة جمهور كبير جداً من الخطباء والوعاظ في بيوت اهلل ،وعلى منابر رسوله
الكريم.
إن الكثيرين ممن يتصدون إللقاء الخطب والدروس ،في المناسبات الدينية
المختلفة ،وعلى رأسها تلك المناسبة الدينية المتكررة أيام الجمع ،ال يتقنون العربية ،وال
يجيدون أداءها على النحو الذي تقتضيه قواعدها صرفاً ،ونحواً ،وأسلوباً .وهذا من شأنه
أن يضيف إلى المتاعب ،التي تواجهها لغتنا في فلسطين ،هماًّ آخر ،ما كان له أن يكون في
ُّ
ويذب عنها ،وهي أكثر األمكنة التي يفترض فيها أن تكون حصناً يدافع عن اللغة،
المساجد.
إن الدرس األسبوعي،ـ الذي يلقيه نفر ليس بقليل من أولئك الخطباء والوعاظ على
منابر تلك المساجد ،تتعرض فيه اللغة ،على ألسنة هؤالء ،إلى الكثير من التشويه واللحن
الذي يدخل األلم واألذى إلى النفوس واآلذان ،والخلل والخطل إلى المعاني والدالالت.
وهذا يعني أن ما تتعرض له لغتنا في المؤسسات التعليمية ،في هذه الديار المقدسة ،ال تجد
له عربيتنا عاصماً يحميها ،ويدافع عنها ،ويخفف من َّ
حدة تراجعها حتى في هذه األماكن
المقدسة التي يفترض فيها أن تكون قلعة حماية ودفاع عن اللغة ،باعتبارها الوسيلة والقناة
التي يتجسد من خاللها اإلسالم العظيم ،بقرآنه الكريم.
إن هذا التحدي الذي تواجهه لغتنا على هذه الجبهة اإلضافية ،يفرض علينا أن
نقرع الجرس ،ونذكر بما نعده أمراً بدهياً ،وهو أن الشريعة واللغة وجهان لشيء واحد
متكامل .وإ ذا كانت العلوم الشرعية تمثل دينامية هذا الدين الحنيف ،وعقيدته السمحة ،فإن
348
د .رياض محمود قاسم Mوأ .عبدالحميد الفراني
349
التحديات التي تواجه اللغة العربية ودور القرآن الكريم في التصدي لها
المبحث الرابع
دور القرآن الكريم في التصدي للتحديات التي تواجه اللغة العربية
للقرآن الكريم فضائل كبيرة على اللغة العربية وبقائها وقوتها ،ومن هذه الفضائل
أن القرآن الكريم حمى اللغة العربية من االنقراض في كثير من األقطار التي وقعت تحت
االحتالل أو السيطرة العرقية وعلى سبيل المثال فقد وقع المغرب العربي تحت االحتالل
الفرنسي قرابة القرن ،وكانت فرنسا قد منعت اللغة العربية في رياض األطفال والمدارس
والجامعات وفرضت اللغة الفرنسية .ومر قرابة القرن الكامل على ذلك وذهب جيل وأتى
جيل ،لكن هل انقرضت اللغة العربية؟ ال ،ألن المسلمين ظلوا مرتبطين بالقرآن الكريم
يقرؤونه ويعلمونه أبناءهم فاهلل سبحانه وتعالي تعبدنا بقراءة القرآن ،ثم إن الديانة
اإلسالمية تفرض على جميع المسلمين حفظ طائفة من آيات القرآن الكريم وتالوتها كل
يوم عدة مرات خالل الصلوات.
وكذلك فإن من فضائل القرآن على العربية أنه وسع من دائرة الشعوب
والمساحات الناطقة بالعربية.
فقد كانت اللغة العربية في بداية الدعوة اإلسالمية محصورة في الجزيرة العربية
وبعض األقطار المحيطة ،وبفضل القرآن انتشرت اللغة العربية بعد أن كانت " معظم
أقسام العراق والشام ،وجميع أنحاء إفريقية الشمالية -من مصر والسودان إلى المغرب
األقصى -كانت غير عربية ،ولم تستعرب إال بعد اإلسالم ،وليس معني ذلك أن العرب
بقوا منطويين على أنفسهم في جزيرتهم على كر األزمان ،بل إنهم كانوا ينزحون من
الجزيرة إلى البالد المجاورة إال أن قبائلهم التي نزحت قبل حمل رسالة القرآن كانت تفقد
صالتها مع موطنها األصلي وتتعرض إلى سلسلة من األحداث والتطورات التي تنسيها
ماضيها وتؤدي إلى اندماجها بسكان البالد التي تستوطنها"(.)1
350
د .رياض محمود قاسم Mوأ .عبدالحميد الفراني
يرا ِ لقد كانت رسالة القرآن عالمية وما أَرس ْل َنا َك إِاَّل َكافَّ ًة لِّ َّلن ِ ِ
يرا َو َنذ ً
اس َبش ً ََ ْ َ
(سورة سبأ ،اآلية.)28 :
وانتشر دعاة اإلسالم في أقطار األرض فدخل الناس في دين اهلل أفواجا ،وأحبوا
اإلسالم ولغته وتعلموا اللغة العربية حتى يتمكنوا من أداء الشعائر ،لذلك انتشرت اللغة
العربية في مواطنها الجديدة وانتهت إلى تعريب سكان أقطار واسعة من البالد المفتوحة
تعريباً تاماً.
وقد شهد التاريخ إبان زحف الفتح اإلسالمي ألقطار آسيا من أدناها إلى أقصاها،
شهد جهوداً بذلها المجاهدون الذين حملوا اإلسالم إلى تلكم األقطار ،ونشروا راية القرآن،
وعلموا تلك الشعوب خصائص اللسان العربي ،حتى استبدلته بلغاتها األصلية " فصار
استعمال اللسان العربي من شعائر اإلسالم وطاعة العرب ،وهجرت األمم لغاتهم وألسنتهم
في جميع األمصار والممالك ،وصار اللسان العربي لسانهم حتى رسخ ذلك لغة في جميع
أمصارهم ومدنهم وصارت األلسنة العجمية دخيلة فيها وغريبة ،وبرزت جماعات العلماء
من أبناء تلكم األقطار البعيدة ،وقد نبغوا في فنون العربية ،وصاروا أئمتها ،الذين يفتون
في مشكالتها ،كسيبويه ،وابن سينا ،والفارابي ،والبيروني ،والرازي ،والخوارزمي،
وغيرهم ،آالف من العلماء العباقرة ،تنطق آثارهم بعظمة ما استكن في قلوبهم من حب
للعربية ،ووالء للقرآن
" لقد وقف القرآن وخصوصاً في الزمن الذي انقسمت فيه الدولة العربية
اإلسالمية إلى مدن ودويالت حائالً وسداً دون سريان اللهجات المحلية وانتشارها ،وبفضل
هذا الكتاب الخالد بقيت الوحدة اللسانية والفكرية قائمة بين شعوب األقطار العربية،
وبفضله كذلك نقرأ اليوم أدب العربية من عصر الجاهلية إلى العصر الحديث"(.)1
351
التحديات التي تواجه اللغة العربية ودور القرآن الكريم في التصدي لها
لقد حرص المسلمون على حفظ القرآن الكريم وتنافسوا في حفظه وتعليمه
لآلخرين ،ففي كل عام يحفظ مئات اآللف من المسلمين كتاب اهلل .وهذا اإلقبال الشديد
على كتاب اهلل هو صمام أمان للغة العربية وبقائها وقوتها.
ونستطيع أن نقول أن الدعوات المشبوهة للعامية ومحاوالت األعداء للقضاء على
اللغة العربية ستبوء كلها بالفشل ما دام القرآن موجوداً يعلن خلوده خلود لغته.
الذ ْكر وإِ َّنا لَ ُه لَح ِ
ِّ
ون( سورة الحجر ،اآلية)9 :
افظُ َ َ قال تعالى :إِ َّنا َن ْح ُن َنَّز ْل َناَ َ 0
352
د .رياض محمود قاسم Mوأ .عبدالحميد الفراني
التوصيات
حاولنا ،فيما مضى من صفحات ،تصوير الواقع الذي تحياه اللغة العربية في
العالم اإلسالمي ،كما حاولنا ،أيضا ،وصف التحديات التي تواجه هذه اللغة الشريفة في
هذا الجزء المقدس من الوطن العربي ،وبينا دور القرآن الكريم في التصدي لها .وهذه
خالصة التوصيات:
-1ضرورة وضع معايير أكاديمية وشخصية دقيقة للطلبة الذين يتم اختيارهم في
الجامعات للتخصص في اللغة العربية وآدابها ،بحيث ينبني هذا االختيار على
نوعي للطلبة من ذوي المواهب
ًّ ٍ
انتقاء ضوابط وقواعد تؤدي في النهاية ،إلى
والميول اللغوية واألدبية ،كي يكونوا ،في الغد المنظورَّ ،
عدة هذا الوطن وأمله
في حمل أمانة التعليم في المدارس.
-2إعادة النظر في البرامج األكاديمية التي تقدم في مجال دراسة اللغة العربية في
المدارس والجامعات الفلسطينية ،من حيث الكم والنوع .بهدف رفع مستوى
وظيفي
ًّ عملي
ًّ علمي
ًّ التدريس بالمواد اللغوية واألدبية ،بحيث يأتي ذلك على ٍ
نحو
متدرج يرتبط بالواقع ،ويلتحم به ،ويعبر عنه ،دونما إغفال ،أو إهمال ،أو تجاهل
ما للتراث في هذا السياق ،من أهمية قصوى في ربط حاضر هذه األمة،
ومستقبلها الواعد ،بماضيها العريق الزاخر.
حث جميع المدرسين ،في مراحل التعليم المختلفة ،وتدريبهم أيضاً ،على أن تكون
ّ -3
لغة التدريس لديهم هي اللغة العربية السليمة الخالية من الشوائب واألخطاء؛
ألنهم ،بذلك ،سيكونون المثا َل الذي يحتذيه الطلبة ،والقدوة التي يتأسون بها.
-4عقد دورات لغوية وتربوية منظمة ،لمعلمي اللغة العربية في مراحل التعليم قبل
الجامعي،ـ بإشراف نخبة من ذوي الخبرة والكفاية اللغوية من األساتذة الجامعيين،
وذلك من أجل إطالع زمالئهم وإ خوانهم ،المشتركين في هذه الدورات على أحدث
ما توصل إليه الفكر التربوي في مجال فهم القضايا اللغوية ،واألدبية ،والنقدية
وإ فهامها .ويرتبط بهذا الجانب اإلصالحي للواقع اللغوي عندنا ،أمر آخر ال يقل
أهمية عن سابقه ،وهو أن هناك ضرورة لعقد دورات لغوية مماثلة ألولئك
353
التحديات التي تواجه اللغة العربية ودور القرآن الكريم في التصدي لها
354
د .رياض محمود قاسم Mوأ .عبدالحميد الفراني
وطني وقومي كبير ،إذا ما علمنا أن هذه اللغة العريقة تزاحمها ،في شؤون الحياة،
ّ ذا ُب ْع ٍد
ومناهج التعليم ،لغتان رئيستان هما:
اللغة العبرية التي زحفت وسيطرت ،إلى ًّ
حد كبير ،على الواقع اللغوي الذي يحيا
فيه فلسطينيو نكبة 1948م ،وها هي ذي تزحف اآلن بهدوء ،ودونما ضجيج ،إلى الواقع
الذي يعيش فيه فلسطينيو نكسة 1967م.
اللغة اإلنجليزية التي سيطرت منذ أمد طويل ،وما تزال تُحكم سيطرتها ،على
كثير من مناهج التعليم لدينا ،وبخاصة مناهج التعليم العلمي والتقني.
355