You are on page 1of 47

‫السّنة‪ّ:‬الثالثةّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّالتخصّص‪ّ:‬لسانياتّعامةّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّالفوجان‪ّّّ11ّّّّ+ّّّّ7ّّّ:‬‬

‫اسمّالمقياس‪ّ:‬أصولّالنحوّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّطبيعتهّ‪ّ:‬تطبيقّ‬

‫ّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّاسمّاألستاذّ ّوّلقبه‪ّ:‬عبدّالوهابّشيبانّّ‬

‫أصول النّحو‪ :‬مدخل إلى علم أصول النّحو‬


‫‪ - 1‬معنى األصول‪ :‬هي جمع أصل‪ ،‬و هو‪ :‬ما يُبنى عليه غيره‪.‬‬

‫و النّحو‪ :‬في اللّغة له معان عشرة‪ ،‬أشهرها ثالثة‪:‬‬


‫نحو قوله تعالى‪ ... :‬أي‪ :‬مثل قوله تعالى‪.‬‬ ‫أ‪ -‬المثل‪ ،‬كقولك و أنت تمثّل ألمر ما‪ُ :‬‬
‫ص َالةَ‬ ‫ص ِلّي َ‬‫سله َم يُ َ‬‫علَ ْي ِه َو َ‬ ‫صلهى ه‬
‫َّللاُ َ‬ ‫سو َل ه ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫ع ْن َها‪ « -‬أَنه َها لَ ْم ت ََر َر ُ‬ ‫َّللا َ‬
‫ي هُ‬ ‫ض َ‬ ‫شةُ أ ُ ُّم ْال ُمؤْ ِمنِينَ ‪َ -‬ر ِ‬ ‫ب‪ -‬المقدار‪ ،‬كإ ْخ َبار َ‬
‫عا ِئ َ‬
‫س هن فَ َكانَ يَ ْق َرأ ُ قَا ِعدًا َحتهى إِذَا أَ َرا َد أ َ ْن يَ ْر َك َع قَ َ‬
‫ام فَقَ َرأَ نَحْ ًوا ِم ْن ث َ َالثِينَ آيَةً أَ ْو أَ ْربَعِينَ آيَةً ث ُ هم‬ ‫ط َحتهى أ َ َ‬ ‫الله ْي ِل قَا ِعدًا قَ ُّ‬
‫َر َك َع(‪.»)1‬‬
‫نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة‬ ‫ج‪ -‬الجهة‪ ،‬كقول البراء رضي هللا عنه‪ « :‬ص ّلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم َ‬
‫شهرا(‪.»)2‬‬ ‫ً‬ ‫عشر‬

‫و النّحو في االصطالح هو‪ :‬علم بأصول يُعرف بها أحوال أواخر الكلم العربيّة إعرابا ً وبنا ًء وما يتبع ذلك‪.‬‬
‫ت كالم العرب ليلحق َم ْن ليس ِم ْن أهل العربية بأهلها في الفصاحة(‪.»)3‬‬ ‫عرفه ابن جنّي بقوله‪ « :‬هو انتحاء ْ‬
‫سم ِ‬ ‫و ّ‬
‫صحيح‪.‬‬‫نحوا‪ ،‬ألنّه الجهة الّتي يقصدها المتكلّم ليصل إلى كالم العرب الفصيح ال ّ‬‫لذا س ّمي هذا العلم ً‬

‫أ ّما أصول النّحو في االصطالح فهو‪ « :‬علم يُبحث فيه عن أدلّة النّحو اإلجمالية من حيث هي أدلّته‪ ،‬و كيفية االستدالل‬
‫بها‪ ،‬و حال المستدلّ بها(‪.»)4‬‬
‫أن أصول الفقه أد ّلة الفقه‬
‫تفرعت منها فروعه و فصوله‪ ،‬كما ّ‬ ‫ي‪ « :‬أصول النّحو أدلّة النّحو الّتي ّ‬‫كما قال ابن األنبار ّ‬
‫تنوعت عنها جملته و تفصيله(‪.»)5‬‬‫الّتي ّ‬
‫ي في " االقتراح "‪ « :‬هو بالنّسبة إلى النّحو‪ ،‬كأصول الفقه بالنّسبة إلى الفقه(‪.»)6‬‬‫سيوط ّ‬‫قال ال ّ‬

‫‪ -2‬معنى أدلّة ال ّنحو‪:‬‬


‫المراد بأدلّة النّحو األمور التّي يثبت بها النّحو‪ ،‬و هي‪ :‬ال ّ‬
‫سماع و اإلجماع و القياس‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري‪ :‬أبو عبد هللا مح ّمد بن إسماعيل البخاري‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬لبنان – بيروت ط ‪1423 ،1‬هـ ‪ 2002 -‬م‪:‬‬
‫صالة‪ :‬باب إذا صلّى قاعدًا ث ّم ص ّح ) الحديث رقم‪ 1118 :‬و أطرافه في ‪ 1119‬و ‪ 1148‬و ‪1161‬‬ ‫ص ‪ ( 271‬كتاب تصير ال ّ‬
‫و ‪.4837‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري‪.‬‬
‫(‪ )3‬الخصائص‪.34/1 :‬‬
‫سيوطي‪ ،‬تحقيق محمود سليمان ياقوت‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د ط‪،‬‬ ‫(‪ )4‬االقتراح في علم أصول النحو‪ :‬جالل الدّين ال ّ‬
‫‪ 1426‬هـ ‪2006 -‬م‪ :‬ص ‪.13‬‬
‫(‪ )5‬اإلغراب في جدل األعراب و لمع األدلة في أصول النحو‪ :‬أبو البركات بن األنباري‪ ،‬تحقيق سعيد األفغاني‪ ،‬مطبعة الجامعة‬
‫السورية‪ :1957 ،‬ص‪.8‬‬
‫ّ‬
‫(‪ )6‬االقتراح في علم أصول النحو‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫سماع‪:‬‬
‫أ – ال ّ‬
‫و المحتج به األول‪ :‬كالم العرب ‪ :‬و يحت ّج منه بما ثبت عن الفصحاء الموثوق بعربيتهم ‪ ،‬حت ّى و لو كانوا كفّارا ً‪.‬‬
‫الطائيين‪ .‬و ال يؤخذ‬‫و يحت ّج بكالم قبائل قلب الجزيرة ‪ :‬قريش و قيس و تميم و أسد و هذيل‪ ،‬و بعض كنانة‪ ،‬و بعض ّ‬
‫عمن جاور غير العرب لفساد ألسنتهم‪ ،‬و ال بكالم المولّدين و ال ُمح َدثِيْن‪.‬‬
‫متواترا‪ ،‬أو آحادا ً أو شاذا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الث ّاني‪ :‬هو القرآن‪ :‬فك ُّل ما ورد أنّه قرئ جاز االحتجاج به في العربية سوا ًء أكان‬
‫صحيح االحتجاج به‪ ،‬و يستد ّل منه بما ثبت عن النبي صلى هللا عليه وسلم نقله على اللّفظ المرو ّ‬
‫ي‬ ‫الث ّالث‪ :‬هو الحديث ال ّ‬
‫به‪ ،‬و سواء فيه المتواتر‪ ،‬و اآلحاد‪.‬‬

‫ب‪ -‬القياس‪:‬‬
‫و هو حمل غير المنقول على المنقول إذا كان في معناه و يع ّد هو نفسه معظم أدلّة النّحو‪ ،‬و الت ّعويل عليه في أغلب‬
‫المسائل النّحوية‪ .‬و ال يتح ّقـق إنكاره ألنّه أغلب النّحو‪ ،‬و إنكاره إنكار للنّحو‪.‬‬
‫و ينقسم إلى‪:‬‬
‫‪ -‬حمل أصل على فرع‪.‬‬ ‫‪ -‬حمل فرع على أصل‪.‬‬
‫‪ -‬حمل ض ّد على ض ّد‪.‬‬ ‫‪ -‬حمل نظير على نظير‪.‬‬

‫ج‪ -‬اإلجماع‪:‬‬
‫صرف في الكوفة و البصرة على مسألة أو حكم‪ ،‬و إجماع العرب ْ‬
‫إن وقف عليه‪ ،‬و هو‬ ‫و هو اتّفاق علماء النّحو و ال ّ‬
‫ح ّجة إذا لم يخالف المنصوص و المقيس على المنصوص‪ .‬و يعمل بالمجمع عليه عند تعارضه مع المختلف فيه‪.‬‬

‫د‪ -‬االستصحاب‪:‬‬
‫و هو استمرار الحكم و بقاء ما كان على ما كان‪ ،‬و هو من األدلة المعتبرة‪ ،‬و من أضعفها‪ .‬و ال يجوز التّمسك به‬
‫حال وجداننا لدليل‪ ،‬و إذا تعارض مع دلي ِل سماع أو قياس فال عبرة به‪.‬‬

‫‪ -3‬بين أصول الفقه و أصول النّحو‪:‬‬


‫أ ‪ -‬الفقه هو الفهم‪ ...‬و علم أصول الفقه‪ :‬هو علم األدلّة اإلجمالية‪.‬‬

‫شيء‪ ،‬أو ما يُـبتدأ ال ّشيء منه‪ ،‬و هو‬


‫سس منه ال ّ‬
‫لفظ أصول جمع أصل‪ ،‬و هو‪ :‬ما يكون األصل منه ‪ ،‬أو ما يتأ ّ‬
‫المنشأ‪ ،‬أو ما يحتاج إليه‪.‬‬
‫ضا هو ما يحتاج إليه‪ ،‬و هذا يشير إلى ّ‬
‫أن األصل يستوجب استحضار المقابل و هو الفرع و هو‬ ‫و األصل أي ً‬
‫المحتاج‪.‬‬

‫أن األصل ما يُبتنى عليه غيره‪ .‬و يضيف األصوليون‪ :‬عبارة " من‬‫و التّعريف المشترك بين اللّغة و األصول هو‪ّ :‬‬
‫حيث إنّه يُبتنى عليه غيره " و الذي يُبتنى عليه غيره هو الفرع‪.‬‬
‫صالة واجبة و ّ‬
‫الزكاة واجبة‪ ،‬األصل فيهما قول هللا‬ ‫و األصل في علم أصول الفقه يطلق على الدّليل‪ ،‬فقولنا‪ :‬ال ّ‬
‫الزكاة )‪ ،‬و كذلك الحديث النّبوي‪ ،‬فالدّليل ْ‬
‫إذن هو األصل‪.‬‬ ‫تعالى‪ ( :‬و أقيموا الصّالة و آتوا ّ‬

‫بالقوة أحكام جزئيات منضوية تحتها‪ ،‬هناك قضايا جزئية و أحكام‬


‫ّ‬ ‫و من معاني األصل القضيّة الكليّة التّي تتض ّمن‬
‫سية ال وجود لها في الواقع‪.‬‬ ‫كلّية‪ ،‬و هي قضايا عقلية أي اعتبارات عقلية ليست ِح ّ‬

‫‪2‬‬
‫ي شيء‪،‬‬‫و هنا ال ب ّد من التّوقف عند رؤية كانت سائدة عند المسلمين و هي نظريّة العلل‪ ،‬و هي ضرورية لصنع أ ّ‬
‫شكلية‪ ،‬و العلّة المادّية‪ ،‬و هي نظرية‬ ‫و لهذا جعلوها أربعة أنواع هي‪ :‬العلّة الفاعلة‪ ،‬و العلّة الغائية‪ ،‬و العلّة ال ّ‬
‫صوريّة ال ّ‬
‫قديمة مقتبسة من ثقافات أخرى‪.‬‬
‫و العلّة التّي تندرج في هذا التّعريف هي العلّة المادّية فقط ألنّها األصل‪.‬‬

‫و من معاني األصل كذلك المستصحب‪ ،‬و هو آخر األدلّة‪ ،‬فال يقدّم على القياس أو االستحسان‪ ،‬و ال يعتمد في‬
‫القطعيات‪ ،‬األصل في األشياء اإلباحة‪...‬‬
‫شرعية العملية الفرعية المكتسب عن أدلّتها التفصيليّة‪.‬‬
‫أصول الفقه‪ :‬هو العلم باألحكام ال ّ‬

‫ب ‪ -‬الت ّفاعل بين أصول النّحو و أصول الفقه‪:‬‬

‫كثيرا بعلم أصول الفقه بدليل الت ّشابه بينهما في المصطلحات‪ ،‬و في تحديد األد ّلة و في‬ ‫ً‬ ‫إ ّن علم أصول ال ّنحو تأث ّـر‬
‫كيفية االستدالل‪ ،‬و في صياغة القواعد األصولية‪ ،‬ث ّم في قواعد الت ّرجيح عند تعارض األدلّة‪ .‬و لقد أث ّـر النّحو في علوم‬
‫أن كتب الفروع الفقهيّة قد‬ ‫شريعة و منها‪ :‬الفقه و أصوله كما أنّه تأث ّـر ببعض مصطلحات الفقهاء و مذاهبهم‪ ،‬كما ّ‬ ‫ال ّ‬
‫الطالق و العتق‪.‬‬‫تأث ّرت بعلم النّحو و السيما في بابي ّ‬

‫الجر‪ ،‬و‬
‫ّ‬ ‫بأن أه ّم األبواب الت ّي أث ّـرت في الفقه هي أسلوب ال ّشرط‪ ،‬و االستثناء‪ ،‬و عطف النّسق‪ ،‬و حروف‬ ‫عل ًما ّ‬
‫أن النّحو و أصوله قد تفاعال مع الفقه‪ ،‬و كان بينهما تأثير متبادل‪.‬‬ ‫بعض ّ‬
‫الظروف‪ ،‬و بنا ًء على ذلك نستنتج ّ‬

‫أن أصول الفقه‬ ‫لكن تقريب أصول النّحو من أصول الفقه وتشبيهها بها فيه إجحاف بأصول ال ّنحو ألمر بسيط ‪ .‬و هو ّ‬ ‫ّ‬
‫ي وفكرة النّظام في مستوى‬ ‫ي التّصويت ّ‬
‫الحس في مستوى األداء النّطق ّ‬
‫ّ‬ ‫نقليّة وأصول النّحو عقليّة الستنادها إلى فكرة‬
‫وأول من تبيّن هذا الفارق وأعلن عنه هو ابن جنّي في خصائصه‬ ‫األبنية والعالقات النٌحويّة واألمارات الدّالّة عليها‪ّ .‬‬
‫أن علل‬ ‫وتحديدا في باب ذكر علل العربيّة أكالميّة هي أم فقهيّة ( وهو باب طويل ‪ 48‬ص) الذي يفتتحه بقوله‪" :‬اعلم ّ‬
‫النّحويّين ـ أعني بذلك حذّاقهم المتقنين‪ ،‬ال أفافهم المستضعفين ـ أقرب إلى علل المتكلّمين منها إلى علل المتفقّهين‪ .‬وذلك‬
‫الحس‪ ،‬ويحت ّجون فيه بثقل الحال أو خفّتها على النّفس‪ ،‬وليس كذلك حديث علل الفقه‪ .‬وذلك أنّها‬ ‫ّ‬ ‫أنّهم إنّما يحيلون على‬
‫أن ترتيب‬ ‫إنّما هي أعالم وأمارات‪ ،‬لوقوع األحكام‪ ،‬ووجوه الحكمة فيها خفيّة عنّا‪ ،‬غير بادية الصفحة لنا؛ أال ترى ّ‬
‫والطالق وغير ذلك‪ ،‬إنّما يُرجع في وجوبه إلى ورود األمر بعمله‪ .‬وال تعرف‬ ‫ّ‬ ‫صالة‬ ‫مناسك الح ّج وفرائض ّ‬
‫الطهور وال ّ‬
‫صلوات في اليوم واللّيلة خمسا دون غيرها من العدد‪ .‬وال يعلم أيضا حال الحكمة والمصلحة في عدد‬ ‫علّة جعل ال ّ‬
‫سبب‬ ‫الركعات‪ .‬وال في اختالف ما فيها من الت ّسبيح والتّالوات؛ إلى غير ذلك م ّما يطول ذكره وال تحلى النّفس بمعرفة ال ّ‬ ‫ّ‬
‫الذي كان من أجله‪ .‬وليس كذلك علل النّحويْين‪ .‬وسأذكر طرفا من ذلك لتص ّح الحال به‪( ".‬الخصائص ‪.)48/‬‬

‫ج ‪ -‬أو ّل من استعمل مصطلح أصول ال ّنحو‪:‬‬


‫السراج ( ت ‪ 316‬هـ) في كتابه أصول النّحو‪ .‬و‬ ‫ّ‬ ‫أو ّل من استعمل هذا المصطلح في عنوان كتاب هو أبو بكر بن‬
‫لكن النّاظر في محتوى هذا التّأليف يجد صاحبه قد قصد به قواعد النّحو المتداولة‪ .‬و هو ما أومأ إليه أبو الفتح عثمان‬
‫ّ‬
‫تعرض‬ ‫بن جنّي ( ت ‪ 392‬هـ) في مقدّمة كتابه الخصائص حيث يقول‪ « :‬و ذلك أنّا لم نر أحدا ً من علماء البلدين ّ‬
‫لعمل أصول النّحو‪ ،‬على مذهب أصول الكالم والفقه‪ .‬فأ ّما كتاب أصول أبي بكر فلم يلمم فيه بما نحن عليه‪ ،‬إال حرفًا‬
‫العامة للكتا‪ ،‬ط ‪ ،3‬القاهرة ‪ :1986‬ص ‪.)2 -1‬‬ ‫ّ‬ ‫أو حرفين في أوله»‪( .‬الخصائص‪ ،‬الهيئة المصريّة‬
‫لكن ابن جنّي و إن كان يُعَ ّد ّأول من ألّف في هذا العلم فإنّه لم يس ّم به كتابه الخصائص‪ .‬و لكنّه أشار في صدر‬
‫ّ‬
‫الجر و الجزم‪ّ ،‬‬
‫ألن هذا أمر‬ ‫ّ‬ ‫الرفع و النّصب و‬
‫الكتاب صراحة إلى مضمونه و روحه حين قال‪ « :‬ليس غرضنا فيه ّ‬

‫‪3‬‬
‫قد فُرغ في أكثر الكتب المص ّنفة فيه منه‪ ،‬و إ ّنما هذا الكتاب مبن ّ‬
‫ي على إثارة معادن المعاني‪ ،‬و تقرير حال األوضاع‬
‫و المبادئ و كيف سرت أحكامها في األحناء و الحواشي» ( نفسه ص ‪.)31‬‬

‫أصول النّحو في اقتراح ال ّ‬


‫سيوطي‬
‫أصول النحو ‪ :‬علم يبحث فيه عن أدلة النحو اإلجمالية ‪ ،‬من حيث هي أدلته ‪ ،‬وكيفية االستدالل بها ‪ ،‬وحال‬
‫المستدل ‪.‬‬

‫و أدلة النحو الغالبة أربعة‪.‬‬

‫قال ابن جني في الخصائص ‪ " :‬أدلة النحو ثالثة ‪ :‬السماع ‪ ،‬واإلجماع ‪ ،‬والقياس " ‪.‬‬

‫وقال ابن األنباري في أصوله ‪ ":‬أدلة النحو ثالثة ‪ :‬نقل ‪ ،‬وقياس ‪ ،‬واستصحاب حال " ‪.‬‬

‫فزاد االستصحاب و لم يذكر اإلجماع ‪ ،‬فكأنه لم ير االحتجاج به في العربية ‪ ،‬كما هو رأي قوم ‪.‬‬

‫وقد تحصل مما ذكراه أربعة ‪ ،‬وقد عقدت لها أربعة كتب ‪.‬‬

‫وكل من اإلجماع والقياس ال بد له من مستند من السماع كما هما في الفقه كذلك ‪ ،‬ودونها االستقراء واالستحسان ‪،‬‬
‫وعدم النظير ‪ ،‬وعدم الدليل ‪ ،‬المعقود لها الكتاب الخامس ‪.‬‬

‫القرآن بأنه حجة في النحو ‪ ،‬ألنه أفصح الكالم ‪ ،‬سواء كان متواترا أم آحادا ‪ ،‬و السنة كذلك‪ ،‬وعن كالم من يوثق‬
‫بعربيته كذلك وعن إجماع أهل البلين كذلك ‪ ،‬أي إن كال مما ذكر يجوز االحتجاج به دون غيره ‪ ،‬وعن القياس وما‬
‫يجوز من العلل فيه وما ال يجوز ‪.‬‬

‫وبعد أن حررت هذا الحد بفكري وشرحته ‪ ،‬وجدت ابن األنباري قال ‪ " :‬أصول النحو أدلة النحو التي تفرعت‬
‫منها فروعه وأصوله ‪ ،‬كما أن أصول الفقه أدلة الفقه التي تنوعت عنها جملته وتفصيله ‪.‬‬

‫وفائدته التعويل في إثبات الحكم على الحجة والتعليل واالرتفاع عن حضيض التقليد إلى يفاع االطالع على الديل ‪،‬‬
‫فإن المخلد إلى التقليد ال يعرف وجه الخطأ من الصواب ‪ ،‬والينفك في أكثر األمر عن عوارض الشك واالرتياب‬
‫"‪.‬‬

‫المسألة الثانية ( حدود النحو )‬

‫للنحو حدود شتى ‪ ،‬وأليقها بهذا الكتاب قول ابن جني ( في الخصائص ) ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫" هو انتحاء سمت كالم العرب في تصرفه من إعراب وغيره كالتثنية ‪ ،‬والجمع ‪ ،‬والتحقير ‪ ،‬والتكسير ‪ ،‬واإلضافة‬
‫‪ ،‬والنسب ‪ ،‬والتركيب ‪ ،‬وغير ذلك ليلحق من ليس من أهل اللغة العربية بأهلها في الفصاحة ‪ ،‬فينطق بها ‪ ،‬وإن لم‬
‫يكن منهم ‪ ،‬وإن شد بعضهم عنها رد به إليها ‪.‬‬

‫وهو في األصل مصدر شائع ‪ ،‬أي نحوت نحوا ‪ ،‬كقولك ‪ ،‬قصدت قصدا ثم خص به انتحاء هذا هذا القبيل من العلم‬
‫‪ ،‬كما أن الفقه ‪ ،‬في األصل مصدر فقهت الشيء ‪ ،‬أي عرفته ‪ ،‬ثم خص به علم الشريعة من التحليل والتحريم ‪...‬‬

‫وقال صاحب ( المستوف ى ) ‪ ":‬النحو صناعة علمية ينظر لها أصحابها في ألفاظ العرب من جهة ما يتألف بحسب‬
‫استعمالهم لتعرف النسبة بين صيغة النظم وصورة المعنى ‪ ،‬فيتوصل بإحداهما إلى األخرى "‪.‬‬

‫وقال الخضراوي ‪:‬‬

‫" النحو علم بأقيسة تغيير ذوات الكلم وأواخرها بالنسبة إلى لغة لسان العرب " ‪.‬‬

‫وقال ابن عصفور ‪:‬‬

‫وقال صاحب ( البديع ) ‪:‬‬

‫" النحو صناعة علمية يعرف بها أحوال كالم العرب من جهة ما يصح ويفسد في التأليف ليعرف الصحيح من‬
‫الفاسد " ‪.‬‬

‫وقال ابن السراج في ( األصول ) ‪ " :‬النحو علم استخرجه المتقدمون من استقراء كالم العرب "‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫سبع المتواترة‬
‫تراجـم أئ ّمة القراءات ال ّ‬
‫ِ‬
‫‪ -1‬تعريف القراءات‪:‬‬

‫تيسيرا عليها‪ ،‬و بعد اتّساع الفتوحات‬


‫ً‬ ‫إن هللا سبحانه و تعالى أنزل القرآن الكريم على سبعة أحرف تسهيالً لأل ّمة و‬
‫ّ‬
‫الطرق لضبط‬ ‫اإلسالمية ظهرت الحاجة إلى ضبط هذه األحرف‪ ،‬فظهر علم القراءات و اهت ّم العلماء ببيان ال ّروايات و ّ‬
‫النقول و تصفيتها من ك ّل شائبة‪ ،‬و قد حرص علماء القراءات على جمع ك ّل ما يتع ّلق بهذا العلم و ضبطه‪ ،‬حتّى إنّهم لم‬
‫الرواية و النّقل و ال ّ‬
‫سماع والمشافهة‪.‬‬ ‫يتركوا وج ًها من أوجه القراءات إالّ بيّـنوه‪ .‬و كان نهجهم في ذلك ّ‬
‫الرجوع إلى ّ‬

‫و لقد عرف عنهم خالل ذلك منهج االختيار‪ ،‬فقد كان كثير منهم يصطفي لنفسه من بين مروياته قراءة أو وجهـًا‪ ،‬و‬
‫لكثرة دوامه على قراءته و اإلقراء به أصبحت تنسب إليه‪ ،‬و هذه النّسبة هي نسبة اختيار في القراءة و ا ّ‬
‫لرواية‪ ،‬و ليس‬
‫في وضعها و اختراعها و ابتكارها‪ّ ،‬‬
‫ألن ذلك أمر يعود إلى الوحي‪ ،‬و بنا ًء على منهج االختيار في تاريخ القراءات نشأ‬
‫سبع أو العشر آو األربع عشرة‪.‬‬
‫عنه ما عرف بالقراءات ال ّ‬

‫و لهذا كان لعلماء القراءات تعريفات متعدّدة منها على سبيل الذّكر ال الحصر هذان التّعريفان‪:‬‬

‫الزركشي‪( :‬ت ‪794‬هـ) بأنّها « اختالف ألفاظ الوحي المذكور في كتبة الحروف‪ ،‬و كيفيتها‪ ،‬من تخفيف و‬
‫عرفها ّ‬
‫أ‪ّ -‬‬
‫تثقيل و غيرها»‪.‬‬

‫بعزو النّاقلة»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫عرفها ابن الجزري (ت ‪833‬هـ) بأنّها « علم بكيفية أداء كلمات القرآن و اختالفها‬
‫ب‪ -‬و ّ‬

‫إما أن تكون‬
‫المعزوة لناقلها ّ‬
‫ّ‬ ‫ألن القراءات‬ ‫و تعريف ابن الجزري يشمل القراءات المتواترة و المشهورة وال ّ‬
‫شاذة ‪ ،‬ذلك ّ‬
‫متواترة أو مشهورة أو شاذة‪.‬‬

‫تراجـم أئ ّمة القراءات المتواترة‪:‬‬


‫ِ‬ ‫‪-2‬‬

‫القراءة عن عثمان بن عفان و أبي الدّرداء‪ .‬اشتهر‬ ‫‪ -1‬عبد هللا بن عامر (ت‪118‬هـ) إمام أهل ال ّشام في ّ‬
‫القراءة‪ ،‬و قد اخذ ّ‬
‫من رواة قراءته اثنان‪ :‬هشام‪ ،‬و ابن ذكوان‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫صحابي‪ ،‬و مجاهد بن جبر‪ .‬و قد اشتهر‬
‫سايب ال ّ‬ ‫‪ -2‬عبد هللا بن كثير الم ّكي (ت‪120‬هـ) تابعي‪ ،‬أخذ ّ‬
‫القراءة عن ابن ال ّ‬
‫من رواته‪ّ :‬‬
‫البزي ‪ ،‬و قنبل‪.‬‬

‫ي‪ ،‬و عن ابن حبيش‬


‫سلمي‪ ،‬تلميذ اإلمام عل ّ‬ ‫‪ -3‬عاصم بن أبي ال ّنجود الكوفي (ت ‪127‬هـ) تابعي‪ ،‬أخذ ّ‬
‫القراءة عن ال ّ‬
‫تلميذ ابن مسعود‪ .‬و قد قرأ عليه أبو بكر شعبة‪ ،‬و حفص‪.‬‬

‫‪ -4‬أبو عمرو بن العالء (ت‪ 154‬هـ)‪ :‬هو من بني مازن‪ ،‬نشأ بالبصرة‪ .‬قرأ على ابن كثير‪ ،‬و مجاهد و سعيد بن جبير‪.‬‬
‫سوسي و اتصالها به بواسطة تلميذه‬
‫و قرأ عليه أبو عبيدة القاسم بن سالم‪ ،‬و األصمعي‪ .‬و راوياه هما‪ :‬الدّوري‪ ،‬و ال ّ‬
‫المباشر‪ :‬يحيى بن المبارك اليزيدي‪.‬‬

‫القراءة‬
‫صادق‪ ،‬و األعمش‪ ،‬و طلحة بن مصرف‪ .‬و أخذ ّ‬ ‫‪ -5‬حمزة الزيّات (ت‪156‬هـ)‪ :‬هو كوفي‪ ،‬قرأ على جعفر ال ّ‬
‫عنه‪ :‬الكسائي‪ ،‬و سفيان الثوري‪ .‬و اشتهر من رواته‪ :‬خلف و خالد‪ ،‬رويا قراءته بواسطة سليم بن عيسى‪.‬‬

‫لقراءة من سبعين من‬


‫المنورة‪ ،‬أخذ ا ّ‬
‫ّ‬ ‫الرحمن بن أبي نعيم‪ .‬مقرئ المدينة‬
‫‪ -6‬نافــــع (ت‪169‬هـ)‪ :‬هو أبو رويم بن عبد ّ‬
‫التّابعين و م ّمن قرأ عليهم‪ :‬األعرج و أبو جعفر المدني‪ ،‬و شيبة بن نصاح‪ .‬و راوياه‪ :‬قالون‪ ،‬و ورش‪.‬‬

‫ي بن حمزة الكوفي ال ّنحوي‪ .‬قرأ على حمزة‪ ،‬و ا بن أبي ليلى‪ ،‬و عيسى بن عمر‪ .‬و‬
‫‪ -7‬الكسائي (ت‪189‬هـ)‪ :‬هو عل ّ‬
‫راوياه أبو الحارث اللّيث‪ ،‬و أبو عمر حفص الدوري‪.‬‬

‫سبعة أصحاب القراءات ال ّسبع‪ ،‬كما حدّدهم ابن مجاهد‪ ،‬و جعل قراءة من عداهم غير متواترة‪ ،‬و لم‬ ‫هؤالء هم األئمة ال ّ‬
‫سبعة و حكموا ّ‬
‫بأن ثالثة أئ ّمة‬ ‫يوافق جمهور العلماء ابن مجاهد على حصر القراءات المتواترة في قراءة هؤالء األئ ّمة ال ّ‬
‫ضا‪ ،‬و هو‬ ‫القراءة المتواترة و لذا اعتبروا هذه القراءات الثالث متواترة أي ً‬ ‫آخرين‪ ،‬تنطبق على قراءاتهم شروط ّ‬
‫عشرا‪ ،‬ال ّسبع التي م ّرت ترجمة أئ ّمتها و‬‫ً‬ ‫الراجح عند أهل هذا ال ّ‬
‫شأن‪ ،‬و بذلك كانت القراءات المتواترة‬ ‫المعتمد و ّ‬
‫المدني‬
‫ّ‬ ‫قراءات هؤالء األئم ة الثالثة‪ ،‬و هم‪ :‬يعقوب البصري (ت ‪ 205‬هـ)‪ ،‬و راوياه هما‪ :‬روح و رويس‪ .‬و أبو جعفر‬
‫(ت‪130‬هـ)‪ ،‬و راوياه‪ :‬ابن َج هماز‪ ،‬وعيسى بن وردان‪ .‬و خلف الكوفي (ت ‪ 229‬هـ)‪ ،‬و راوياه هما‪ :‬إدريس و‬
‫إسحاق‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫المدونة اللّغوية‬
‫ّ‬ ‫موقف العلماء من‬
‫موقف النّحاة القدماء من القراءات القرآنية‬
‫النّحااة أو بعضاهم علاى األصا ّح لام يقفاوا ماع بعضاهم موقاف المعارضاة و الار ّد و التّضاعيف كماا وقفاوا حياال القااراءات‬
‫القرآنية‪ .‬فقد وجد منهم في أحيان كثيرة يتصيّدون القراءات نظارة حاذر و حيطاة‪ ،‬و ال يأخاذون بهاا إالّ نا ً‬
‫ادرا‪ ،‬بينماا نارى‬
‫كبيرا‪.‬‬
‫الكوفيين يعتمدون على القراءات اعتمادًا ً‬

‫أن القاراءات آراء‬ ‫و يبدو لي – و هللا أعلم – أن رد بعض النّحاة للقراءات و بخاصة ما أشاكل منهاا كاان بسابب اعتقاادهم ّ‬
‫تنبثق من أصحابها و ليست متواترة عن رسول هللا صلى هللا عليه و سالم‪ ،‬و يؤيّاد هاذا ماا قالاه ابان المنيار تعقيبًاا علاى ر ّد‬
‫الزمخشري لقراءة ابن عامر بالفصل بين المتضايفين في قوله تعالى ‪ ﴿ :‬و كذلل زيذن لكثيذر مذن المنذركين قتذل أوالد ذم‬ ‫ّ‬
‫جار " شاركائهم " علاى اإلضاافة إذ يقاول – أي ابان المنيار‪ " -‬فهاذا ّ‬
‫ظان‬ ‫نركاؤ م ﴾ [ األنعام‪ .] 138 :‬برفع " قتال " و ّ‬
‫من ّ‬
‫الزمخشري ‪ ،‬ابن عامر قرأ قراءته هذه رأيًا منه " (‪. )7‬‬

‫أن القراءات آراء تنبثق من أصحاب القراءات – ماا قالاه أو غاانم أحماد بان‬‫كما يؤيّده – أي ما ذهب إليه بعض النّحاة من ّ‬
‫إن قراءة ابن عامر هذه ال تجوز في العربية و هي زلّاة عاالم"(‪ ( .»)8‬و هاو بقولاه هاذا ياوحي ّ‬
‫باأن ابان عاامر‬ ‫حمدان ‪ّ « :‬‬
‫هااو صااانع هااذه القااراءات إذ لاام تقااف معارضااتهم فقااط عنااد القااراءات المشااكلة أو الشاااذة ‪ -‬فااي نظاارهم ‪ -‬باال تعاادتها إلااى‬
‫القراءات المتواترة (‪ .))9‬و إلاى جاناب أولئاك النّحااة الاذين عارضاوا القاراءات وضاعّوفها نجاد عاددًا غيار قليال مان النّحااة‬
‫كثيارا مان القاراءات فاي مجاال‬‫ً‬ ‫فإن كان معظم النّحاة البصريين مثالً يرفضون‬ ‫يأخذ بالقراءات و يستد ّل بها على ما يرى‪ْ ،‬‬
‫نحوهم فإ ّننا نجد نحاة الكوفة على عكسهم تما ًما فهم يستشهدون و يؤيّدون ما يرونه في ال ّنحو بالقراءات‪.‬‬

‫فاإن مانهم مان يقبال القاراءات و يساتد ّل بهاا‪ ،‬و إذا كاان الغالاب‬‫و إذا كان من البصريين من يعارض و يرفض القراءات ّ‬
‫اإن ماانهم ماان يعارضااها و يردّهااا‪ ،‬فااإذا كااان ساايبويه مااثالً ياارى ّ‬
‫أن‬ ‫علااى نحاااة الكوفااة االعتماااد علااى القااراءات و تأيياادها فا ّ‬
‫ِّ‬
‫يخطا‬ ‫ي‬
‫ي يارفض بعاض القاراءات و ال يتبعهاا ‪ ،‬و إذا كاان الماازني البصار ّ‬ ‫القراءة سا ّنة متّبعاة (‪ )10‬فهنااك ّ‬
‫الفاراء الكاوف ّ‬
‫المبارد ماث ً‬
‫ال ينكار علاى‬ ‫ّ‬ ‫قراء ما‪ ،‬فإنّك تجد الكسائي الكاوفي يحتضان قاراءة أخارى و يبناي عليهاا قواعاده‪ ،‬و إذا كنّاا نارى‬ ‫ّ‬
‫فإن هناك من أيّادها و دافاع عنهاا فإنّناا نارى ابان جنا ّ‬
‫ي يار ّد‬ ‫الزمخشري يضعّفها ّ‬ ‫بالجر‪ ،‬و الز ّجاج و ّ‬
‫ّ‬ ‫حمزة قراءة األرحام‬
‫شااناعة و الضّاعف علاى ماا رآه فيهااا‪ ،‬و‬ ‫المبارد إنكااره فيقااول‪ " :‬ليسات هاذه القاراءة عناادنا مان اإلبعااد و الفحاش و ال ّ‬
‫ّ‬ ‫علاى‬

‫‪ - 7‬ينظر‪ :‬ما قاله ابن المنير بهامش الكشاف للزمخشري‪.53 / 2 :‬‬


‫‪ - 8‬فتح القدير للشوكاني‪.165 / 2 :‬‬
‫‪ - 9‬ينظر‪ :‬النحو و القراءات للبدي‪ :‬ص ‪.322‬‬
‫‪ - 10‬ينظر‪ :‬الكتاب لسيبويه‪. 148 / 1 :‬‬
‫‪8‬‬
‫أخاف و ألطاف(‪ ،)11‬ثا ّم يمضاي موج ًهاا قاراءة حمازة بقولاه ‪" :‬‬
‫ّ‬ ‫ذهب إليه أباو العبّااس بال األمار فيهاا دون ذلاك و أقارب و‬
‫لحمزة أن يقول ألبي العبّاس‪ :‬إنّي لم أحمال األرحاام علاى العطاف علاى المجارور المضامر بال اعتقادت أن تكاون فياه بااء‬
‫و إذا كاان ّ‬
‫الزمخشاري يار ّد قاراءة ابان عاامر فااي‬ ‫ثانياة كاأني قلات‪ " :‬و باألرحاام " ثا ّم حاذفت البااء لتقادّم ذكرهاا(‪،)12‬‬
‫الفصل بين المتضايفين في قوله تعالى ‪ ﴿ :‬و كلل زين لكثير من المنركين قتذل أوالد ذم نذركاؤ م ﴾ [ األنعاام ‪،]137 :‬‬
‫ي ضاعيف فاي ال ّنحااو يار ّد علاى عربا ّ‬
‫ي‬ ‫اتنكرا علياه‪ " :‬أعجاب لعجما ّ‬
‫الزمخشاري فيقاول مسا ً‬‫فإنّناا نارى أبااا حيّاان ينادّد بفعاال ّ‬
‫ً‬
‫موجزا(‪. )14‬‬ ‫صريح محض قراءة متواترة"(‪ .)13‬و هذا هو موقف النّحاة من القراءات ذكرته لك‬

‫أ ّما موقف مذاهب النّحو من القراءات فإنّها ال تختلف عان مواقاف األفاراد التاي ذُكار بعضاها آنفًاا‪ّ ،‬‬
‫فاإن مان الماذاهب مان‬
‫أخذ بالقراءات و استنتج منها و اساتد ّل لهاا‪ ،‬و منهاا مان وقاف علاى النقايض يارفض القاراءات و يردّهاا و ّ‬
‫يؤولهاا ليجعلهاا‬
‫موافقااة لقواعااده و آرائااه (‪ .)15‬فالبصااريون وضااعوا مقاييسااهم اللّغويااة ماان القاارآن الكااريم بلهجااة قااريش و ماان النّصااوص‬
‫العربية الشعرية أو النثرية‪ ،‬و في ظالل هذه النصوص نمت قواعدهم ال ّنحوية‪ ،‬و الحقيقة ّ‬
‫أن المادّة التاي نساجوا منهاا هاذه‬
‫و نصاوص أخارى لام‬ ‫القواعد كانت مادّة قليلة م ّما جعل قواعدهم مضطربة فقد كانت تتعارض مع مقااييس أخارى ‪،‬‬
‫يطلع عليها البصريون و حكموا عقلهم فلام يساعفهم فاي كثيار مان األماور ‪ ،‬و مان أجال ذلاك تشاددوا عان العارب األقحااح‬
‫كااابن عااامر و حماازة و اباان كثياار ‪ ،‬و أبااي عماارو البصااري ‪ ،‬فقااد رفضااوا بعضااها ألنهااا ال تتوافااق و أصااولهم التااي كااان‬
‫يعوزها االستقرار و ألجل هذا فإن علماء القراءات عابوا على البصريين هذه األقيساة الناقصاة و لام يلزماوا القاراءات أن‬
‫تجري على موازينها ‪ ،‬ألن القراءات المنقولة عن العرب بأسانيد أقوى من أسانيد تلك النصوص التي جمعها البصريون‪.‬‬

‫قال اإلمام الدّاني‪ « :‬و أئمة القراءة ال تعمل في شيء من حروف القارآن علاى األفشاى فاي اللّغاة و األقايس فاي العربياة ‪،‬‬
‫بل على األثبت في األثر‪ ،‬و أص ّح في النقل‪ ،‬و إذا ثبتت الرواية لام يردهاا قيااس عربياة‪ ،‬و ال فشاو لغاة‪ ،‬الن القاراءة سانة‬
‫متبعة يلزم قبولها و المصير إليها (‪.»)16‬‬

‫و ما أحسب البصريين في صنيعهم هذا و تفضيل أقوال العرب علاى بعاض القاراءات المتاواترة أو غيار المتاواترة – ماا‬
‫جوزناا إثباات اللّغاة بشاعر مجهاول فجاواز إثبااتهم باالقرآن‬
‫الارازي إذ يقاول‪ « :‬إذا ّ‬
‫أحسبهم إال أنهم المعنيون بعجب اإلمام ّ‬
‫كثيرا ما نرى النحويين في تقرير األلفااظ الاواردة فاي القارآن‪ ،‬فاإذا استشاهدوا فاي تقريرهاا ببيات مجهاول‬ ‫العظيم أولى‪ ،‬و ً‬
‫ْ‬
‫فاألن يجعلاوا‬ ‫فرحوا به و أنا شديد التع ّجاب مانهمف فاإنّهم إذا جعلاوا ورود البيات المجهاول علاى وفقهاا دلايالً علاى صا ّحتها‬
‫ألن غير القراءات من القرآن لام يتركاه‬ ‫ورود القرآن دليالً على ص ّحتها كان أولى(‪ ،)17‬و هو هنا يقصد القراءات بالتّأكيد‪ّ ،‬‬
‫بعض النّحاة كما توحي عبارته‪ ،‬و هاذا ياد ّل داللاة واضاحة علاى اساتنكار العلمااء لصانيع النّحااة و ماوقفهم مان القاراءات‪،‬‬
‫غير أن هذا الحكم على موقف البصريين من القراءات ال ينبغي تعميمه فليس من المنطاق أن نغفال علاى ناحياة مهماة فاي‬

‫‪ -‬الخصائص‪ :‬ابن جني‪.285 / 1 :‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪ -‬الخصائص‪ :‬ابن جني‪.285 / 1 :‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪ -‬البحر المحيط‪.117 / 6 :‬‬ ‫‪13‬‬

‫‪ -‬ينظر‪ :‬تفصيل ذلك عند ‪ :‬مح ّمد سمير اللّبدي‪ :‬أثر القرآن و القراءات في النحو‪ :‬ص ‪.326 – 320‬‬ ‫‪14‬‬

‫‪ -‬ينظر‪ :‬أثر القرآن و القراءات‪ :‬اللبدي‪ :‬ص ‪.327‬‬ ‫‪15‬‬

‫‪ -‬ينظر‪ :‬النشر في القراءات العشر‪ ،11 – 10 / 1 :‬و اإلتقان في علوم القرآن‪ :‬السيوطي‪.237 / 1 :‬‬ ‫‪16‬‬

‫‪ -‬مفاتيح الغيب للرازي‪.193 / 3 :‬‬ ‫‪17‬‬

‫‪9‬‬
‫القراء المشهورين كاأبي عمارو ابان العاالء البصاري و‬ ‫سسين من كان من عداد ّ‬ ‫أن من نحاة البصرة المؤ ّ‬ ‫هذا األمر و هي ّ‬
‫القاراء العشارة‪ ،‬و عيساى بان عمار‪ ،‬و هاؤالء الثالثاة‬ ‫قاراء السابعة‪ ،‬و يعقاوب بان إساحاق الحضارمي و هاو مان ّ‬ ‫هو مان ال ّ‬
‫سسااي علاام ال ّنحااو الااذين وضااعوا أسسااه و أركانااه و هاام أساااتذة ألباارز علماااء ال ّنحااو كساايبويه و الخلياال‪،‬‬‫يعتباارون ماان مؤ ّ‬
‫القراء المشاهير و ال ّنحاة و في الوقت نفسه في صفوف البصريين و تتلمذُ نحويي البصرة عليهم ياد ّل داللاة‬ ‫فوجدوا بعض ّ‬
‫األول لام يكان نائ ًبااا عان القاراءات و االعتماااد عليهاا‪ ،‬أو علاى األقا ّل لام يكاان‬ ‫قاطعاة علاى ّ‬
‫أن المااذهب البصاري فاي عهااده ّ‬
‫موقفهم منهاا كموقاف المتاأ ّخرين مانهم إذ ال يعقال ماثالً أن يأخاذ الكوفياون بقاراءة أباي عمارو البصاري ببنماا تالمذتاه مان‬
‫البصريين يتحرزون عنها و يبتعدون‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫البيلي‪105 - 87 :‬‬ ‫مواقف لبعض العلماء من القراءات المتواترة‪:‬‬
‫لقلة من العلماء المسلمين‪ ،‬أحكام غير مسلمة‪ ،‬حول بعض القراءات المتواترة فمنهم من يخط قراءة متواترة‪ ،‬و‬
‫من يكره إحدى القراءات المتواترة‪ ،‬و من يصنف إحداها بأنها أولى من غيرها و هؤالء جميعا على غير الصواب‬
‫فيما ذهبوا إليه‪ .‬فالقراءات المتواترة جميعها سنة متبعة‪ ،‬نقلت بالتواتر عن النبي صلى هللا عليه و سلم و لذا فال‬
‫يقبل من أحد بالغ ما بلغ من العلم أن يقول عن إحدى القراءات المتواترة‪ :‬هذه قراءة خطأ و تلك قراءة مكروهة‪ ،‬و‬
‫نحو هاتين من الصفات و أذكر فيما يلي نماذج من أقوال الذين خطأوا و الذين كرهوا‪ ،‬و اللذين قالوا‪ :‬هذه أولى من‬
‫غيرها‪.‬‬

‫فهذا ابن جرير الطبري (‪310 -224‬هـ) و هو ممن وصفوا باالجتهاد في الفقه‪ ،‬و له باع طويل في القراءات و‬
‫التفسير‪ ،‬أعطى نفسه حرية واسعة في نقد القراءات‪ .‬و في كتابه «جامع البيان في تفسير القرآن» نماذج من‬
‫تخطئته بعض القراءات‪ ،‬ووصف بعضها بأنه أولى بالصواب من بعض فمن ذلك تخطئته قراءة قوله تعالى‪ِ « :‬إاله‬
‫اض َرة ً» (البقرة ‪ )282 /‬بنصب «تجارة» و هي قراءة «عاصم»‪ 18‬و قد اعترض عليها‬ ‫أ َ ْن تَكُونَ ِت َج َ‬
‫ارة ً َح ِ‬
‫الطبري فقال‪« :‬ال أستجيز القراءة بغير الرفع ووصف قراءة النصب بالشذوذ‪ ،19‬مع أن للنصب توجي ًها إعرابيًا‬
‫و هو اسم‬ ‫سلي ًما‪ ،‬فإن الضمير المستتر في «تكون» يعود على المعاملة التجاري المفهومة من المقام‪،‬‬
‫«تكون» و خبرها «تجارة» و «حاضرةً» نعت لتجارة‪ .‬و عندما تعرض لقوله تعالى‪« :‬و ما يُ َخ ِدعُونَ إاله‬
‫س ُه ْم» (البقرة ‪ )9 /‬و هي قراءة نافع و ابن كثير و أبي عمرو‪ .‬و فيها قراءة أخرى متواترة‪ ،‬و هي‪« :‬و ما‬ ‫أ َ ْنفُ َ‬
‫يَ ْخ َدعون» بفتح الياء و سكون الخاء‪ .‬قال الطبري‪ :‬هذه أولى بالصحة من قراءة «و ما يخادعون» و ساق برهانًا‬
‫على دعواه قوله‪« :‬إن هللا جل ثناؤه قد أخبر عنهم أنهم يخادعون هللا و المؤمنين في أول اآلية‪ ،‬فمحال أن ينفي‬
‫عنهم ما قد أثبت أنهم قد فعلوه‪ ،‬ألن ذلك تضاد في المعنى‪ .‬و ذلك غير جائز من هللا جل و عز»‪.20‬‬

‫أقول‪ :‬ال تضاد في المعنى‪ ،‬فاهلل تعالى أخبرنا في أول اآلية‪ ،‬بأن هؤالء المنافقين «يخادعون هللا و الذين‬
‫آمنوا» في الدنيا بحسب ما يتوهمون‪ ،‬ألنهم يتخيلون أن هللا ال يعلم ما يبطنون‪ ،‬و أخبرنا في آخر اآلية بقوله «و ما‬
‫يخادعون إال أنفسهم» في حقيقة األمر‪ ،‬ألنه تعالى ال تخفى عليه خافية‪.‬‬

‫و ظنونهم‪ ،‬و الذي نفاه في‬ ‫فالذي أثبته هللا في أول اآلية مخادعتهم هللا و المؤمنين بحسب أوهامهم‬
‫آخرها‪ ،‬مخادعتهم هللا و المؤمنين بحسب الحقيقة‪.‬‬

‫‪ - 18‬إتحاف فضالء البشر ص ‪ =166‬النشر ‪.446/2‬‬


‫‪ - 19‬جامع البيان ‪.80/6‬‬
‫‪ - 20‬جامع البيان ‪.277 / 1‬‬

‫‪11‬‬
‫و في قوله تعالى‪َ « :‬و ِإ ْن َيأْتُو ُك ْم أ ُ َ‬
‫س َرى ت ُ َفادُو ُه ْم (البقرة‪ )85/‬بضم الهمزة و فتح السين و بعده ألف‪ .‬قال‬
‫الطبري‪« :‬و أولى بالصواب في ذلك من قرأ‪« :‬و إن يَأتوكم أَس َْرى» بفتح الهمزة و سكون السين‪ .‬مع أن القراءة‬
‫ضا‪ ،‬فقد قرأ بها من عدا «حمزة» من األئمة العشرة‪.21‬‬
‫األولى متواترة أي ً‬

‫و من هؤالء المخطئين لبعض القراءات المتواترة ابن خالويه (ت‪370‬هـ) و هو من نحاة القرن الرابع‪ ،‬فقد‬
‫خطأ قراءة «حمزة» « َقا َل يئآ َد ُم أ َ ْن ِبئْ ُه ْم بِأَس َْمائِ ِه ْم» (البقرة ‪ )33 /‬على تأويل افترض أن حمزة بني قراءته عليه‪.‬‬
‫فإن «حمزة» يطرح في القراءة الهمزة الساكنة من «أنبئهم» عند الوقف‪ ،‬و يبدلها يا‪ ،‬فيقرأ «أ َ ْنبي ُه ْم» بياء ساكنة‬
‫بدل الهمزة‪ ،‬و بضم الهاء و بكسرها‪ .‬قال ابن خالويه‪« :‬فإذا كان جعله من «أنبي ينبي» غير مهموز‪ ،‬فَهو لحن‪ ،‬و‬
‫و جعلها ياء و هو يريدها كان وج ًها»‪.22‬‬ ‫عن لحن‪ ،‬و إن كان خفف الهمزة‬

‫فإن قوله‪« :‬فإن كان جعله من أنبى يبني إلخ» يشعر بأن قارئ القرىن الحجةَ كان يعتمد في قراءته على‬
‫معرفة وجه القراءة و مصدرها اللغوي‪ ،‬و الحق غير ذلك‪ ،‬فالقارئ المتقن‪ ،‬إنما كان يعتمد في قراءته على ما‬
‫سمعه من الشيوخ الضابطي ن‪ .‬و ما كان المتلقي للقرآن يسأل معلمه‪ :‬أهذا الوجه من القراءة من فعل كذا أم من فعل‬
‫كذا فف و إنما هي الرواية المتلقاة مشافهة‪ .‬على أن قراءة «حمزة» هذه جاءت على الكثير المسموع في اللسان‬
‫العربي‪ ،‬من ترك الهمزة الساكنة في الدرج و المتحركة عند الوقف‪ ،‬فإبدالها ياء من باب أولى‪.23‬‬

‫و لم يكن «الزمخشري» رحمه هللا (ت‪538‬هـ) أقل هجوما ً على بعض القراءات المتواترة من «الطبري»‬
‫و «ابن خالويه» فقد اعترض على قراءة «نافع» برواية «ورش» لقوله تعالى «أأنذرتهم» (البقرة‪ )/‬فإن‬
‫و طعن‬ ‫«ورشا» يبدل الهمزة الثانية ألفا‪ ،‬و يمدها مدًا الزماً‪ ،‬فتلتقي و هي ساكنة مع النون الساكنة‬
‫الزمخشري في قراءة اإلبدال هذه قائال‪« :‬ألنه يؤدي إلى التقاء الساكنين على غير َح ّدِة‪ 24‬و قد تصدى للرد عليه‬
‫‪25‬‬
‫السفاقسي بقوله‪ « :‬هذه القراءة نفسها أقوى شاهد‪ ،‬فهي قراءة صحيحة متواترة‪ ،‬فال تحتاج إلى شاهد آخر»‬

‫أما الذين روى عنهم كراهة إحدى القراءات المتواترة‪ ،‬فمنهم اإلمام أحمد بن حنبل رحمه هللا (ت‪241‬هـ)‬
‫فقد قال ابن قدامة‪ «:‬و لم يكره‪ -‬يعني أحمد بن حنبل‪ -‬قراءة أحد من العشرة‪ ،‬إال قراءة « حمزة» و «الكسائي»‬
‫لما فيهما من الكسر و اإلدغام و و التكلف و زيادة المد‪ .26.‬ووصف أبو بكر بن عياش قراءة «حمزة» بأنها بدعة‪.‬‬
‫و ذهب «بشر بن الحارث» أبعد منه فقال‪ :‬يعيد المأموم صالته إذا صلى خلف إمام يقرأ بها‪.27‬‬

‫و هذه األقوال‪ -‬و غيرها كثير‪ -‬يجدها القارئ في كتب بعض المفسرين و النحاة‪ ،‬فتراهم ال يتحرجون من‬
‫االعتراض على بعض كلمات في بعض القراءات المتواترة‪ ،‬اعتمادا ً على قياس اللغة و قواعد النحو تارة‪ ،‬و على‬

‫‪ - 21‬جامع البيان ‪.308/2‬‬


‫‪ - 22‬ابن خالويه‪ :‬الحجة ص ‪.75‬‬
‫‪ - 23‬إتحاف فضالء البشر ص ‪.133 ،64‬‬
‫‪ - 24‬الكشاف ‪.154/1‬‬
‫‪ - 25‬غيث النفع ص ‪.77‬‬
‫‪ - 26‬ابن قدامة‪ :‬الشرح الكبير على المغني ‪.534/1‬‬
‫‪ - 27‬ابن قدامة‪ :‬الشرح الكبير على المغني ‪.534/1‬‬

‫‪12‬‬
‫حجة عقلية تارة أخرى‪ .‬و قد أنصف ابن الحاجب أئمة القراءات الذين ثبتت قراءاتهم بالتواتر بقوله‪« :‬إذا اختلف‬
‫النحويون و القراء‪ ،‬كان المصير إلى القراء أولى‪ ،‬ألنهم ناقلون عمن ثبتت عصمته من الغلط‪ ،‬و ألن القراءة ثبتت‬
‫تواتراً‪ ،‬و ما نقله النحويون ثبت عن طريق اآلحاد‪ ...‬و ألن إجماع النحويين ال ينعقد بدون القراء‪ ،‬ألنهم شاركوهم‬
‫في نقل اللغة‪ ،‬و كثير منهم من النحويين‪. 28‬‬

‫و قد أعجبني قول أبي جعفر النحاس رحمه هللا‪«:‬السالمة عند أهل الدين‪ -‬إذا صحت القراءتان‪ -‬أال يقال‪:‬‬
‫إحداهما أجود‪ ،‬ألنهما جميعا ً عن النبي صلى هللا عليه و سلم‪ .‬فيأثم من قال ذلك‪ .‬و كان رؤساء الصحابة ينكرون‬
‫مثل هذا‪.29‬‬

‫و إني على قول أبي جعفر هذا من الموافقين‪ ،‬ألن كلتا القراءتين المتواترتين من كالم هللا تعالى‪ ،‬جاء بهما‬
‫جبريل األمين‪ ،‬و نقلهما الثقات إلينا من النبي صلى هللا عليه و سلم‪ ،‬فال حجة لمن يقول‪ :‬هذه أجود من األخرى‪.‬‬

‫و بالرغم من هذه الهفوات التي ندهت عن بعض العلماء حول بعض القراءات المتواترة‪ ،‬فإن جمهور علماء‬
‫المسلمين‪ ،‬من قراء و مفسرين و محدثين‪ ،‬وفقهاء و أصوليين و غيرهم‪ ،‬مجمعون على أن القراءات المتواترة كلها‬
‫في درجة واح دة من الصحة و االحتجاج بها في محيط الدراسات اللغوية‪ ،‬و األحكام الفقهية‪ ،‬و أنها وحدها التي‬
‫يتلى بها القرآن في الصالة و خارجها‪.‬‬

‫‪ -9‬موقف المستنرقين من القراءات‪:‬‬

‫و لبعض المستشرقين موقف آخر من القراءات القرآنية‪ ،‬سواء كانت متواترة أو شاذة و هو موقف نقد و‬
‫معارضة‪ ،‬حاولوا فيه التماس بعض الثغرات التي يمكن النفاذ منها إلى إحداث خلل في القرآن أساس اإلسالم‪ ،‬لكي‬
‫ينهار البناء كله‪ ،‬و ينطفىء النور الذي أراد هللا له أن يظل وها ًجا يهدي الحيارى حتى يطوي هللا بساط الدنيا‪ ،‬و‬
‫يبعث الناس ليوم الحساب‪ ،‬ثم يدعو بعضهم إلى النعيم المقيم‪ ،‬و يسوق بعضهم إلى عذاب الجحيم‪...‬‬

‫إن اليهود و النصارى و المشركين كافة‪ ،‬مجمعون على بغض اإلسالم و المسلمين و إن اختلفت عقائدهم فيما‬
‫بينهم و قد جربوا منازلته في ميادين القتال‪ ،‬و استشهد اآلالف من دعاته و حماته‪ ،‬و كان بعد كل حرب يزداد قوة‪،‬‬
‫و يجذب أفوا ًجا من المؤمنين‪ ،‬و إذا كانت المعارك القتالية لم تؤد النتيجة المرتجاة‪ ،‬فلماذا ال يحاول أعداء اإلسالم‬
‫حربا ً أخرى‪ ،‬ميدانها القرآن نفسه‪ ،‬و سالحهم فيها‪ ،‬العبث بالنصوص‪ .‬و تحميلها ما ال تحتمل‪ ،‬و التدليس فيها‪،‬‬
‫فلعلهم بعد هذا كله يصلون إلى ما يبتغون‪ ،‬فيرتد المؤمنون‪ ،‬و يحجم عن اعتناقه اآلخرون‪.‬‬

‫فمنذ أن اتجهت الدول االستعمارية‪ ،‬إلى األقطار اإلسالمية‪ ،‬غازية و حاكمة‪ ،‬و مطبقة على الشعوب قوانينها‬
‫الوضعية‪ ،‬ما انفكت كتائب االستشراق‪ ،‬تشرع أسلحتها الفكرية لهدم الدين اإلسالمي و تقويض أركانه‪ ،‬و لذا فتحوا‬
‫عدة جبهات‪ ،‬فتعرضوا لسيرة الرسول صلى هللا عليه و سلم‪ ،‬و هاجموا بعض األنظمة اإلسالمية‪ ،‬كتعدد‬
‫الزوجات‪ ،‬و إباحة الطالق‪ ،‬و عقوبتي الزنا و السرقة و نظام الرق و هلم جرا‪ .‬و من بعض جبهات القتال هذه‪،‬‬

‫‪ - 28‬غيث النفع ص ‪.152‬‬


‫‪ - 29‬السيوطي‪ :‬اإلتقان ‪.281 / 1‬‬

‫‪13‬‬
‫نظرا ألنها تتصل بالمصدر اإلسالمي األول‪ ،‬فقد توقعوا أن ينجحوا في هذه الجبهة إن كانوا‬
‫القراءات القرآنية‪ ،‬و ً‬
‫قد فشلوا في الجبهات األخرى‪ .‬و بذلك يصلون إلى ما يبتغون‪ .‬و يحققون باألقالم‪ ،‬ما فشلوا في الجبهات األخرى‪.‬‬
‫و بذلك يصلون إلى ما يبتغون و يحققون باألقالم‪ ،‬ما لم يتحقق بالحديد و النار و لذا رحلت كتائب المستشرقين إلى‬
‫الشرق اإلسالمي باحثة عن المصادر ما بين مخطوط و مطبوع‪ ،‬فجمعوا منها اآلالف و ظلوا ينقبون في المصادر‬
‫صا يشير إلى حفظ القرآن من التحريف و التبديل تركوه‪ ،‬و إذا عثروا‬ ‫المتصلة بالقرآن هنا و هناك‪ ،‬فإذا وجدوا ن ً‬
‫على قول يمكن أن يتخذ دليالً على ما يرومونه‪ ،‬نقلوه و هللوا له و كبروا ألنهم‪ -‬كما توهموا‪ -‬وجدوا الضالة التي‬
‫ينشدون فقد قال المبشر «جون تاكلي» ‪John Takle‬‬

‫« يجب أن نستخدم كتابهم (القرآن الكريم) و هو أمضى سالح في اإلسالم ضد اإلسالم نفسه‪ ،‬لنقضي عليه‬
‫تما ًما‪ ،‬يجب أن نري هؤالء الناس أن الصحيح في القرآن ليس جديداً‪ ،‬و ان الجديد فيه ليس صحي ًحا‪»30‬و لكن مع‬
‫ال و أوقاتاً‪ ،‬فقد رجع المستشرقون على أعقابهم خاسرين‪ ،‬فها هو ذا اإلسالم‬
‫هذه الجهود الضخمة التي كلفتهم أموا ً‬
‫يمد كل يوم بساطه على أرض جديدة‪ ،‬ال في قارتي آسيا و أفريقيا وحدهما‪ ،‬بل في أروبا موطن معظم المستشرقين‬
‫و في األمريكتين و أستراليا‪ ،‬فمرة يؤمن فيلسوف أوربي كان ماركسيًا‪ ،‬و مرة يسلم رئيس دولة أفريقية كان‬
‫مسيحياً‪ ،‬و مرة يخلع رداء الكهنوت قسيس أفريقي‪ ،‬و يقسم أن يدخل في اإلسالم اآلالف التي أدخلها في المسيحية‬
‫هللا ِإال أ َ ِن يُتِ هم ن َ‬
‫َورهُ‬ ‫هللا بِأ َ ْف َوا ِه ِه ْم َو يَأبَى ُ‬
‫ور ِ‬ ‫من الوثنيين و هكذا و صدق هللا العظيم في قوله‪« :‬ي ُِريدُونَ أ َ ْن ي ْ‬
‫ُط ِفئُوا نُ َ‬
‫َو َل ْو َك ِر َه ْال َكافِ ُرونَ » (التوبة ‪ )32 /‬و سيقف القارئ في الصفحات التالية على مدى اإلخفاق الذي منيوا به على‬
‫كثرة ما بذلوا من جهود فكرية و سطروا من أقوال‪ ،‬و صدق خبر القرآن « ِإ هن ا هلذِينَ َكفَ ُروا يُ ْن ِفقُونَ أ َ ْم َوا َل ُه ْم ِل َي ُ‬
‫صدُّوا‬
‫علَ ْي ِه ْم َحس َْرةً‪ ،‬ث ُ هم يُ ْغ َلبُونَ » (االنفال‪ )36/‬و في الصفحات التالية أورد بعض‬
‫سيُ ْن ِفقُونَ َها ث ُ هم تَكُونُ َ‬
‫سبِي ِل هللاِ فَ َ‬
‫ع ْن َ‬
‫َ‬
‫افتراءات «كولد صهر» و آثر جفري «حول القراءات‪ ،‬فرية إثر فرية ذاكرا ً حججهما‪ ،‬مبط ً‬
‫ال لها‪ ،‬و مظهر‬
‫ف بها من سوء الفهم للنص القرىني و كال الرجلين في افتراءتهما لم يفرقا بين القراءات المتواترة‬
‫عُوارها‪ ،‬و ما ُح ه‬
‫و القراءات الشاذة‪ ،‬و لذا فسيجدني القارئ في الصفحات التالية‪ ،‬أناقش و أدافع عن قراءة متواترة تارة و عن قراءة‬
‫شاذة تارة أخرى‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬مفتريات (أجناس كولد صهر)*‪:‬‬

‫و قد اخترت من مفتريات هذا المستشرق أربع فِرى‪.‬‬

‫إحدا ا‪ :‬زعمه بأنه كانت هناك حرية في تعديل النص القرآني‪ ،‬و استشهد ببعض اآليات‪ ،‬و فيما يلي‬
‫فريته و أدلته عليها‪ .‬قال‪ « :‬إنه فيما يتعلق بإقامة النص المقدس في اإلسالم األول كانت تسود حرية مطردة إلى حد‬
‫الحرية الفردية كأنما كان سواء لدى الناس أن يرووا النص على وجه ال يتفق بالكلية مع صورته األصلية»‪ .‬و‬
‫ساق أدلة على ذلك‪ :‬الدليل األول‪ :‬أن النبي صلى هللا عليه و سلم نفسه قد خالف النص المشهور في قوله تعالى‪:‬‬
‫سو ٌل ِم ْن أَ ْنفُ ِسكُ ْم» (التوبة‪ )128/‬بضم الفاء القراءة المقبولة‪ ،‬ذكرت قراءة بفتح الفاء «من أن َفسكم»‬
‫«لَ َق ْد َجا َءكُ ْم َر ُ‬

‫‪ - 30‬التبشير و االستعمار ص ‪Ignas Gold Ziher .40‬‬

‫‪14‬‬
‫على أنها قراءة رسول هللا صلى هللا عليه و سلم «و فاطمة و عائشة»‪ 31‬و جاء في مصادر القراءات و التفسير‬
‫عن هذه القراءة ما يلي‪:‬‬

‫و قرأ ابن عباس‪ ،‬و أبو العالية‪ ،‬و الضحاك‪ ،‬و ابن محيصن‪ ،‬و محبوب عن أبي عمرو‪ ،‬و عبد هللا بن‬
‫قسيط المكي‪ ،‬و يعقوب من بعض طرقه‪« :‬من أ ْنفَسكم» بفتح الفاء و هي قراءة شاذة‪ ،‬لم تنقل بالسند المتواتر‪. 32‬‬

‫لقد وقف القارئ في الفصل األول على معنى الحديث النبوي الصحيح «أنزل القرآن على سبعة أحرف» و‬
‫هناك فصلت القول و أوضحت أن اختالف القراءات مأذون به من هللا سبحانه و تعالى فإذا قرأ الرسول صلى هللا‬
‫عليه و سلم آية بوجهين أو أكثر‪ ،‬كانت الوجوه كلها من هللا تعالى‪ ،‬إ ْذ يستحيل شرعا ً أن يبتدع النبي عليه الصالة و‬
‫ط ْعنَا‬ ‫ض ْاألَقَا ِوي ِل َأل َ َخ ْذنَا ِم ْنهُ ِب ْاليَ ِم ِ‬
‫ين ث ُ هم َلقَ َ‬ ‫السالم شيئا ً لم ينزل عليه‪ ،‬و هو يتلو قوله تعالى‪َ « :‬و لَ ْو تَقَ هولَ َ‬
‫علَ ْينَا بَ ْع َ‬
‫ِم ْنهُ ْال َوتِينَ » (الحاقة‪ )46 -44 /‬و على هذا‪ ،‬فالقراءتان صحيحتان معنى‪ ،‬و موافقتان للغة و الرسم‪ ،‬و كل ما في‬
‫األمر أن إحداهما صارت متواترة‪ ،‬و األخرى لم تكن كذلك و أن القراءتين مكملتان بعضهما ففي القراءة األولى‬
‫نص على أن النبي صلى هللا عليه و سلم من جنس البشر ال من المالئكة و ال من الجن‪ ،‬هذا إذا تأولنا الخطاب في‬
‫«جاءكم» للناس كافة‪ .‬و إذا تأولنا الخطاب للعرب كان المعنى من قومكم و من إحدى قبائلكم‪ ،‬و أما القراءة الثانية‬
‫س» بضم الفاء‪ ،‬نَفَا َسة‪،‬‬‫«من أنفسكم» بفتح الفاء‪ ،‬فداللتها أنه من أشرفكم نسبًا و أعزكم مكانة فاللفظ مشتق من « َنفُ َ‬
‫عز ِع هزة و يقال فيه «أنفس» الرباعي و الصفة منه «منفس» و عليه قول الشاعر‪:33‬‬ ‫و المعنى ه‬

‫و إذا هلكت فعند ذلك فاجزعي‬ ‫ال تجزعي إن منفسا أهلكته‬

‫الدليل الثاني‪ :‬حول قراءة زيد بن ثابت‪:‬‬

‫و من الصحابة الذين منحوا أنفسهم حرية التعديل لبعض نصوص القرآن‪-‬كما يزعم‪« -‬كولد صهر» زيد‬
‫بن ثابت و قال عنه‪ :‬كذلك العضو األساسي الذي قام بتنفيذ الكتابة العثمانية‪ ،‬و يواجهنا ممثالً لقراءات تختلف عن‬
‫النص الذي أثبته بأمر الخليفة «فقد قرأ قوله تعالى «هو الذي ينشركم» بدال من «ه َُو الهذِي يُ َ‬
‫س ِّي ُركُ ِم» (يونس ‪/‬‬
‫‪.)22‬‬

‫لقد اقتصر كولد صهر هنا على الكشاف وحده (‪ )231 / 2‬ألن الزمخشري لم يذكر أنها قراءة متواترة و‬
‫س ِّي ُركُ ْم ِفي‬
‫من القراءات السبع ‪ ،‬و إليك ما قالته المصادر اإلسالمية األخرى‪ ،‬قال ابن الجزري‪ :‬و اختلفوا في «يُ َ‬
‫البَ ِ ّر َو ْالبَحْ ِر» (يونس‪ ) 22/‬فقرأ أبو جعفر و ابن عامر (ينشركم) بفتح الياء و نون ساكنة بعدها و شين معجمة‬
‫مضمومة من النشر‪ ،‬و كذلك هي في مصاحف أهل الشام و غيرها‪ .‬و قرأ الباقون (يسيركم) بضم الياء و سين‬
‫مهملة مفتوحة بعدها ياء مكسورة مشددة من التسيير و كذلك هي في مصاحفهم‪ 34‬و مما يدل على أن كلتا القراءتين‬
‫سواء في تواتر السند أنهما م ًعا قرئ بهما في القراءات العشر‪ ،‬و لما كانت القراءتان مرويتين بالتواتر عن النبي‬

‫‪ - 31‬مذاهب التفسير اإلسالمي ص ‪.51‬‬


‫‪ - 32‬أبو حيان‪ :‬البحر المحيط ‪ 188/5‬و فتح القدير ‪ 420/2‬و إتحاف فضالء البشر ص ‪ 246‬و مختصر في شواذ القرآن البن خالويه ص ‪.56‬‬
‫‪ - 33‬أساس البالغة (نفس)‪.‬‬
‫‪ - 34‬النشر في القراءات العشر‪-104/3 :‬ط‪/‬مكتبة القاهرة ‪1398‬هـ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫صلى هللا علي ه و سلم‪ ،‬صح لزيد أن يقرأ بأيهما شاء‪ ،‬و لما جاء عصر أئمة القراءات العشر اختار اثنان منهم‬
‫قراءة «ينشركم» و اختار الباقون قراءة «يسيركم» و المعنيان متقاربان فاهلل تعالى‪ ،‬ينشر عباده في البر و البحر‬
‫و يفرقهم عليهما و يمكنهم من السير في البر بالدواب و نحوها‪ ،‬و في البحر بالفلك على اختالفهما‪. 35‬‬

‫الدليل الثالث‪ :‬حول قراءة لـ «عبد هللا بن مسعود»‬

‫مغيرا اللفظ األول بمرادفه «أرشدنا‬


‫ً‬ ‫ط ْال ُم ْست َ ِق َ‬
‫يم»‬ ‫ص َرا َ‬
‫و قال عن عبد هللا بن مسعود‪ :‬إنه َبدّل «ا َ ْه ِدنَا ال ِ ّ‬
‫الصراط المستقيم» ثم قال «كولد صهر»‪« :‬و قد نسب إلى ابن مسعود نفسه هذا القول األساسي الداللة‪« :‬لقد‬
‫سمعت القراء ووجدت أنهم متقاربون» فاقرأوا كما علمتم فهو كقولكم «هلم و تعال»‪ 36‬فالذي يُخدع بقول هذا‬
‫المستشرق يظن أن ابن مسعود‪ ،‬كان قد قرأ «أرشدنا» من تلقاء نفسه‪ ،‬دون أن يتلقاها من النبي صلى هللا عليه و‬
‫سلم و إن مثل هذه القراءة التي حكم عليها بالشذوذ فيما بعد‪ ،‬كانت من القراءات المأذون بها قبل توحيد رسم‬
‫المصاحف و قد غفل «كولد صهر» من قول ابن مسعود الذي نقله‪ ،‬و هو «فاقرأوا كما علمتم» فإن فيه داللة‬
‫واضحة على أن الصحابة كانوا يقرأون كلمات القرآن كما سمعوها من النبي صلى هللا عليه و سلم و تعلموها منه‪.‬‬
‫و اختالف القراءات في مثل هذه الكلمة كان رخصة من هللا تعالى و توسعة على هذه األمة كما تقدم توضيح ذلك‬
‫بتوسع في الفصل األول عند مناقشة الحديث النبوي الصحيح «أنزل القرآن على سبعة أحرف»‪.‬‬

‫الفرية الثانية‪ :‬حول طبيعة الخط العربي‪:‬‬

‫قال «إن مرجع االختالف بين القراءات في بعض المواضع يعود إلى طبيعة الخط العربي‪ 37‬و لم يميز‬
‫«كولد صهر» في أقواله بين القراءات المتواترة و القراءات الشاذة‪ ،‬و لذا تراه يخبط خبط عشواء‪ ،‬فمرة يحاول‬
‫البرهنة على دعواه بما بين القراءات المتواترة من خالف و مرة بما بينها و بين شواذ القراءات من خالف‪ ،‬فقد‬
‫زعم أن االختالف بين القراء في «فتثبتوا» و «فتبينوا» مرجعه طبيعة الخط العربي‪ .38‬و لم يذكر لنا أن الشرط‬
‫األول و األهم في تلقي القراءات هو المشافهة‪.‬‬

‫و ردًا عليه أقول‪ :‬إن الفعل الذي استشهد به ورد في ثالثة مواضع من القرآن الكريم اثنان منهما في قوله تعالى‪:‬‬
‫ض‬‫ع َر َ‬ ‫سالَ َم لَ ْستُ ُمؤْ ِم ًنا ت َ ْبتَغُونَ َ‬‫ضر ْبت ُ ْم فِي َسبِيل هللاِ فَتَبَ هينُوا َو الَ تَقُولُوا ِل َم ْن أ َ ْلقَى إِلَ ْيكُ ُم ال ه‬ ‫«يَأَيُّها الهذِينَ آ َمنُ ‪,‬ا إِذَا َ‬
‫يرا»‬‫علَ ْي ُك ْم َفتَبَيهنُوا إِ هن هللا َكانَ بِ َما ت َ ْع َملُونَ َخبِ ً‬ ‫ْال َحيَاةِ ال ُّد ْنيَا َف ِع ْن َد هللاِ َمغَانِ ُم َكثِ َ‬
‫يرةٌ‪َ ،‬ك َذلِكَ ُك ْنت ُ ْم ِم ْن َق ْب ُل َف َم هن هللاُ َ‬
‫َب ه]نُوا أن تُصيبُوا قَ ْو ًما ِب َج َها َلة‬ ‫(النساء‪ )94/‬و الثالث في قوله تعالى‪َ « :‬يأَيُّ َها الهذِينَ آ َمنُوا ِإ ْن َجا َء ُك ْم فَا ِسق بنَ َبإ فَت َ‬
‫ع َلى َما فَ َع ْلت ُ ْم نَاد ِِمينَ » (الحجرات‪ .)6/‬و القراءتان متواترتان في المواضع الثالثة‪ ،‬فقد قرأ حمزة و‬ ‫ص ِب ُحوا َ‬ ‫فَت ُ ْ‬
‫الكسائي و َخلَف «فتثبتوا» بثاء مثلثة بعدها باء و تاء من «التثبت» ووافقهم الحسن و األعمش و قرأ الباقون‬
‫«فتبينوا» بباء موحدة‪ ،‬و ياء مثناة تحتية و نون‪ ،‬من «التبين»‪ .39‬فليست إحدى القراءتين أصالً و األخرى بدلت‬

‫‪ - 35‬الطبري‪ :‬جامع البيان ‪ 71/11‬و القرطبي‪ :‬الجامع ألحكام القرآن ‪.324/8‬‬


‫‪ - 36‬مذاهب التفسير اإلسالمي ص‪.50 ،49‬‬
‫‪ - 37‬انظر عبارته بنصها في مذاهب التفسير اإلسالمي ص‪.8‬‬
‫‪ - 38‬مذاهب التفسير اإلسالمي ص‪.11 ،10‬‬
‫‪ - 39‬النشر في القراءات العشر ‪ 33/3‬و إتحاف فضالء البشر ص‪.193‬‬

‫‪16‬‬
‫منها كما توهمه «كولد صهر» و معنى القراءتين واحد فالمتبين من يبذل جهدًا ليصل إلى البينة الواضحة و‬
‫المتثبت من يبذل جهدًا ليصل إلى الثبوت الواضح‪ .‬فالقراءتان دالتان على أن هللا تعالى‪ ،‬يأمر المؤمنين أن يقفوا‬
‫على الحقيقة قبل االقدام على عمل ما‪.‬‬

‫الفرية الثالثة‪ :‬ان المالحظات الموضوعية لبعض العلماء كان لها دخل في إيجاد بعض القراءات‪ .‬و ساق دليالً‬
‫ارئِكُ ْم فَا ْقتُلُوا أ َ ْنفُ َ‬
‫سكُ ْم ذَ ِلكُ ْم َخي ٌْر لَكُ ْم ِع ْن َد بَارئِكُ ْم‬ ‫سكُ ْم بِا ِت ّخَا ِذكُ ُم ْال ِعجْ َل فَتُوبُوا ِإلَى َب ِ‬
‫ظلَ ْمت ُ ْم أ َ ْنفُ َ‬
‫على هذا « َيا قَ ْو ُم ِإنَكُ ْم َ‬
‫الر ِحي ُم (البقرة‪.)54/‬‬
‫أب ه‬‫علَ ْيكُ ْم ِإنههُ ه َُو الته هو ُ‬ ‫فَت َ‬
‫َاب َ‬

‫فقد قال «كولد صهر» و ربما كان مفسرون قدماء معتد بهم (ذكر قتادة البصرة المتوفي ‪117‬هـ= ‪735‬م‬
‫أمرا شديد القسوة‪ ،‬و غير متناسب مع‬‫حجة على ذلك) قد وجد هذا األمر بقتل أنفسهم‪ ،‬أو بقتل اآلثمين منهم‪ً ،‬‬
‫الخطيئة‪ ،‬فآثروا تحلية الحرف الرابع من هيكل الحروف الصامتة «فاقتلوا» بنقطتين من أسفل‪ ،‬بدل التاء المثناة‬
‫قلت‪ :‬هذه قراءة شاذة لعدم تواتر سندها و لقتادة في هذا الموضع قراءة‬ ‫‪40‬‬
‫من أعلى‪ ،‬فقرأوا «فأقيلوا» «أنفسكم»‬
‫شاذة أخرى‪ ،‬هي «فاقتالو أنفسكم» و مما يدل على أن ما نسب إلى «قتادة» على أنه قراءة‪ ،‬ما هو إال قول ذكره‬
‫على وجه التفسير‪ ،‬أن في المراد من القتل في هذه اآلية ثالثة أقوال‪ :‬و أظهرها قتل النفس‪ ،‬بمعنى إزهاق روحها‬
‫فقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال‪« :‬أمر موسى قومه عن أمر ربه أن يقتلوا أنفسهم‪ ،‬و اختبأ الذين عكفوا‬
‫على العجل فجلسوا‪ ،‬و قام الذين لم يعكفوا على العجل‪ ،‬فأخذوا الخناجر بأيديهم‪ ،‬و أصابتهم ظلمة شديدة‪ ،‬فجعل‬
‫ضا‪ ،‬فانجلت الظلمة عنهم عن سبعين ألف قتيل كل من قُتل منهم كانت له توبة‪ ،‬و كل من بقي كانت‬ ‫يقتل بعضهم بع ً‬
‫له توبة»‪.41‬‬

‫و في ضوء هذا فيكون معنى القراءة الشاذة المعزوة لقتادة‪ :‬أن أنفسكم قد تورطت في عذاب هللا بعبادتكم‬
‫العجل‪ ،‬فأقيلوا عثرتكم هذه بالتوبة و لزوم الطاعة‪ .‬و أما قراءة «فاقتالو أنفسكم» فالفعل «افتعل» بمعنى‬
‫«استفعل» أي‪ :‬فاستقيلوها‪ ،‬بمعنى‪ :‬اطلبوا من هللا أن يقيل عثرتكم و يقبل توبتكم بقتل أنفسكم‪.42‬‬

‫ضا‪ 43‬و لكي يبرهن على ذلك استشهد‬ ‫الفرية الرابعة‪ :‬زعم «كولد صهر» أن بين بعض القراءات تناق ً‬
‫غ َل ِب ِه ْم‬ ‫الرو ُم فِي أ َ ْدنَى األ َ َر ِ‬
‫ض َوهُ ْم ِم ْن بَ ْع ِد َ‬ ‫ت ُّ‬‫باآليات األربع األولى من سورة الروم و هي قوله تعالى‪« :‬الم غُ ِل َب ِ‬
‫س َي ْغ ِلبُونَ ِفي ِبضْع سنِينَ ‪( »...‬الروم‪.)3-1/‬‬
‫َ‬

‫و في هذه اآليات قراءتان‪ ،‬إحداهما متواترة و األخرى شاذة‪ .‬أما القراءة المتواترة فهي التي يقرأ فيها‪:‬‬
‫س َيغلبون‪ »..‬ببناء الفعل في «غُلبت» للمفعول و في‬‫«غُلبت الروم في أدنى األرض و هم من بعد غلبهم َ‬

‫‪ - 40‬مذاهب التفسير اإلسالمي ص ‪.11‬‬


‫‪ - 41‬البحر المحيط ‪ 207/1‬و فتح القدير ‪.86/1‬‬
‫‪ - 42‬المحتسب ‪ 84/1‬و البحر المحيط ‪.208/1‬‬
‫‪ - 43‬مذاهب التفسير اإلسالمي ص‪.29‬‬

‫‪17‬‬
‫غلَبتِ الرو ُم في أدنى األرض‪.‬‬
‫س َيغ ِلبون» للفاعل‪ .‬و في القراءة الشاذة‪ ،‬يبني الفعل األول للمفعول‪ ،‬بحيث تقرأ « َ‬
‫« َ‬
‫و هم من بعد غلبهم سيُغلبون»‪.44‬‬

‫و قد نسبت هذه القراءة إلى‪ :‬علي بن أبي طالب‪ ،‬و عبد هللا بن عمر‪ ،‬و عبد هللا بن عباس‪ ،‬و أبي سعيد‬
‫الخدري‪ .‬و هؤالء صحابة و قرأ بها الحسن البصري و كرداب و أهل الشام‪ 45‬و بعد أن أشار «كولد صهر» إلى‬
‫أن في هذا الموضع قراءتين‪ ،‬عقب عليها بقوله‪« :‬و إذا فهما قراءتان و تأويالن لجملة واحدة من كالم هللا‬
‫متعارضتان إلى أبعد مدى»‪. 46‬‬

‫و سيتضح للقارئ عدم هذا التعارض أو التناقض المزعوم فإن نص اآليات موضع االختالف كاآلتي‪:‬‬

‫ض ِع ِسنِينَ هللِ األ َ ْم ُر ِم ْن قَ ْب ُل َو ِم ْن بَ ْع ُد‬ ‫غلَبِ ِه ْم َ‬


‫سيَ ْغ ِلبُونَ فِي بِ ْ‬ ‫ض َو هُ ْم ِم ْن بَ ْع ِد َ‬‫الرو ُم فِي أ َ ْدنَى األ َ ْر ِ‬
‫ت ُّ‬ ‫«الم غُ ِلبَ ِ‬
‫لر ِحي ُم» (خمس آيات)‪.‬‬ ‫ص ُر َم ْن يَشَا ُء َو ْه َو ْالعَ ِز ُ‬
‫يز ا ه‬ ‫هللا يَ ْن ُ‬
‫ص ِر ِ‬ ‫َو يَو َمئِذ َي ْف َر ُح ْال ُمؤْ ِمنُونَ بِ َن ْ‬

‫يحسن بي أن أعطي القارئ فكرة عن سبب نزول هذه اآليات و الوقائع الحربية التي تشير إليها القراءتان‪.‬‬

‫كان الفرس و الرومان قد دخال في معارك حربية قبل نزول هذه اآليات‪.‬‬

‫و انتصر الفرس على الروم‪ .‬و كان ذلك في سنة ‪616‬م فسر مشركو العرب لهزيمة الروم‪ ،‬و طفقوا‬
‫يقولون للمسلمين‪ :‬قد انتصر الفرس‪ -‬و هم ليسوا بأهل كتاب‪ -‬على الروم و هم أهل كتاب‪ .‬مما يجعلنا واثقين من‬
‫هزيمتكم على أيدينا و أنتم أهل كتاب و حزن المسلمون لما أصاب الروم‪ .‬و كانوا يحبون أن ينتصر الروم على‬
‫الفرس‪ .‬فأنزل هللا تعالى تلك اآليات‪ .‬فسر المسلمون لما في هذه اآليات من بشارة بانتصار الرومان على الفرس‬
‫في بضع سنين قادمة‪.‬‬

‫و قد نشبت الحرب بين الفريقين بعد نزول هذه اآلية بتسع سنوات و انتصر الرومان على الفرس‪ .‬و كان‬
‫ذلك في سنة ‪625‬م هذا ما تدل عليه القراءة المتواترة‪.‬‬

‫سيُ ْغلبون‪ ..‬إلخ» فإنها تدل على‬ ‫غلَب ِ‬


‫ت الرو ُم في أدنى األرض و هم من بعد غلبهم َ‬ ‫أما القراءة الشاذة‪« :‬الم َ‬
‫أن «الروم» الذين سيهزمون الفرس في حرب قادمة و يكونون غالبين‪ ،‬فإنهم في حرب قادمة بعد بضع سنين‬
‫ضا من تاريخ انتصارهم على الفرس سينقلبون مغلوبين ألمة أخرى‪.‬‬
‫أي ً‬

‫و قد حدث أن فكر الروم في قتال المسلمين‪ ،‬فجهزوا جي ً‬


‫شا عدته مئتا ألف‪ -‬كما تقول بعض الروايات‪ -‬من‬
‫جند الرومان و المحاربين من القبائل العربية التي كانت موالية للروم‪ .‬و لما علم النبي صلى هللا عليه و سلم بخبر‬
‫شا قوامه (‪ )30‬ثالثون ألفًا‪ ،‬و سار بجيشه حتى وصل «تبوك» و‬ ‫الروم و نصارى العرب و جموعهم‪ ،‬أعد جي ً‬
‫عسكر بها بضع عشرة ليلة‪ .‬و لما علم الروم بعدد الجيش و أنه بقيادة النبي صلى هللا عليه و سلم آثروا السالمة و‬
‫لم يصلوا إلى «تبوك» و اكتفى قيصر الروم بإرسال كتاب إلى النبي صلى هللا عليه و سلم مع رجل يدعى‬

‫‪ - 44‬الشوكاني‪ :‬فتح القدير ‪ 214/4‬و الطبري‪ :‬جامع البيان ‪.12 ،11/21‬‬


‫‪ - 45‬أبو حيان‪ :‬البحر المحيط ‪ 161/7‬و الكرماني‪ :‬شواذ القرآن ص ‪ 188‬و مختصر في شواذ القرآن ص‪.116‬‬
‫‪ - 46‬موضعا اإلحالة السابقة على الشوكاني و أبي حيان‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫ي الجزيرة ما كان من خبز الروم و خوفهم من عاقبة قتال‬‫«التنوخي» و تناقلت القبائل العربية القاطنة شمال ّ‬
‫المسلمين‪ ،‬فصالح بعضها المسلمين على البقاء على النصرانية و دفع الجزية‪ ،‬و أسلم بعض الزعماء ثم تتابعت‬
‫وفود القبائل العربية على المدينة المنورة تعلن إسالمها أو محالفتها‪ .‬و لهذا اعتبرت غزوة «تبوك» التي لم يلتحم‬
‫نصرا لإلسالم فرح به المؤمنون لآلثار التي ترتبت عليه‪. 47‬‬
‫ً‬ ‫فيها جيش المسلمين بجيش الرومان‪،‬‬

‫و في ضوء ما تقدم‪ ،‬يتضح للقارىء‪ ،‬أن الرومان لم يكونوا بعد بضع سنين‪ ،‬غالبين و مغلوبين ألمة‬
‫واحدة‪ ،‬و في وقت واحد‪ ،‬حتى تكون القراءتان متعارضتين إلى أبعد مدى كما قال «كولد صهر» فقد كان‬
‫«الرومان» مغلوبين للفرس في سنة (‪616‬م) ثم كانوا غالبين لهم بعد بضع سنوات‪ ،‬أي في سنة (‪625‬م) ثم كانوا‬
‫ضا من تاريخ انتصارهم على الفرس‪ ،‬و ذلك في حرب كادت أن تقع بين‬ ‫مغلوبين للمسلمين بعد بضع سنوات أي ً‬
‫المسلمين و الروم في سنة (‪629‬م) فأين التناقض بين مدلول القراءتين ف!‬

‫لقد غاب عن ذهن «كولد صهر»‪ -‬و هو تحت وطأة الرغبة الجامحة في مهاجمة القرآن‪ -‬معنى التناقض‬
‫في علم المنطق إذ هو‪ :‬اختالف القضيتين إيجابًا و سلبًا مع وحدة الزمان و المكان‪ ،‬بأن تكون إحداهما صادقة و‬
‫األخرى كاذبة كأن يقال «الخرطوم» عاصمة السودان في الوقت الحاضر (‪1404‬هـ ‪1984 -‬م) فنقيض هذه‬
‫القضية أن يقال‪ « :‬الخرطوم ليست عاصمة السودان في الوقت الحاضر»‪.‬‬

‫و عليه فال تناقض بين «الخرطوم عاصمة السودان في الوقت الحاضر» و «الخرطوم لم تكن عاصمة السودان‬
‫‪48‬‬
‫في القرن العاشر الهجري» الختالف الزمان في القضيتين‬

‫و ال يوجد تناقض بهذا المعنى بين القراءات المتواترة من جهة و القراءات الشاذة من جهة أخرى‪ ،‬إنما يوجد‬
‫تعدد‪ ،‬تارة في الصور اللفظية و تارة في وجوه المعاني أو الوقاع التاريخية‪ .‬و ليس بينها تنافر أو تضاد كما سيراه‬
‫القارئ مبسوطا ً في فصل (االختالف اللغوي) و الفصول التالية له‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬من مفتريات آرثر جفري االنجليزي‪:‬‬

‫و قد مضى «جفري» على طريق سلفه «كولد صهر» فافترى عدة مفتريات في المقدمة التي كتبها لـ (كتاب‬
‫المصاحف) البن األشعث السجستاني المتوفي سنة ‪316‬هـ و قد اخترت أن أعرض على القارئ واحدة من تلك‬
‫الفرى‪ .‬قال‪« :‬و كانت هذه المصاحف كلها‪ -‬يعني مصاحف عثمان التي بعث بها إلى األمصار‪ -‬خالية من النقط و‬
‫الشكل‪ ،‬فكان على القارئ نفسه أن ينقط و يشكل هذا النص على مقتضى معاني اآليات و مثال ذلك «يعلمه» كان‬
‫يقرؤها الواحد «يعلمه» و االخر «نعلمه» أو «تعلمه» أو «بعلمه» إلخ على حسب تأويله لآلية‪. 49‬‬

‫يدل كالم آرثر هذا على أن التلقي ال دخل له في إقامة النص القرآني‪ ،‬و قد غفل عن قوله صلى هللا عليه وسلم‬
‫عندما اختلف عمر بن الخطاب و هشام بن حكيم و ابن مسعود و صاحبه مثالً‪ ،‬فقد استقرأ كال منهم السورة‬
‫المختلف عليها فلما اطمأن على ه‬
‫أن قراءاتهم جمي ًعا متفقة مع الهيئة التي أوحاها هللا إليه‪ ،‬قال لكل واحد منهم‪:‬‬

‫‪ - 47‬سيرة ابن هشام ‪ 515/2‬و ابن األثير‪ :‬الكامل في التاريخ ‪ 274/2‬و ابن العماد‪ :‬شذرات الذهب ‪.13/1‬‬
‫‪ - 48‬أثير الدين األبهري‪ :‬إيساغوجي ص‪( 284‬ضمن مجموعة المتون)‪.‬‬
‫‪ - 49‬مقدمة «كتاب المصاحف» ص ‪.7‬‬

‫‪19‬‬
‫«هكذا أنزلت» و قد مر تفصيل هذا في الفصل األول‪ ،‬و تقدم في الفصل الثاني أن عثمان رضي هللا عنه كان قد‬
‫صا على الضبط المروي مشافهة‬‫قارا يتلقى الناس منه القرآن‪ ،‬حر ً‬
‫أرسل مع كل مصحف من مصاحف االمصار ً‬
‫من النبي صلى هللا عليه و سلم‪. 50‬‬

‫و لو كان «جفري» ملما ً بأساليب اللغة العربية و قواعد تراكيبها ألدرك أن الهيكل الكتابي الذي مثل به ال يخلو‬
‫عا مبدوءاً بالنون أو الياء أو التاء‪ ،‬و الحالة األخرى أن يكون‬
‫أمره من حالتين إحداهما‪ :‬أن يكون فعالً مضار ً‬
‫مجرورا بالباء مضافًا إلى ضمير المفرد الغاب و أول الفعل المضارع يحكمه السياق‪ ،‬فلو كان قلبه ضمير‬
‫ً‬ ‫مصدرا‬
‫ً‬
‫جماعة المتكلمين «نحن» أو «نا» المسبوق ب « ِإ هن» فسيكون التركيب «إنا أو نحن نعلمه» و إذا سبقه ضمير‬
‫الغائب المذكر فسيكون التركيب «هو يعلمه» و لو سبقه ضمير الغائب المؤنث فسيكون التركيب «هي تعلمه» و‬
‫هكذا في كل فعل مضارع مسند لجماعة المتكلمين‪ ،‬أو للمفرد المذكر مخاطبا ً أو غائباً‪ ،‬أو للمؤنثة الغابة‪.‬‬

‫و في الفقرة التالية‪ ،‬أورد الهيكل المرسوم الذي يمكن أن يكون أوله نونا ً أو يا ًء أو تا ًء أو با ًء في القرآن كله ليرى‬
‫القارئ بالبرهان االستقرائي فساد ما ذهب إليه آرثر جفري من أن القار في المصاحف العثمانية كان حرا ً في نقط‬
‫النص القرآني و شكله حسب تأويله لآلية‪.‬‬

‫فقد ورد هذا الهيكل الكتابي في تسعة مواضع من القرآن الكريم‪ ،‬جاء في خمسة منها فعالً مضار ً‬
‫عا‪ ،‬و جاء في‬
‫أربعة منها مصدرأ ً مجرورا ً بالباء مضافا ً إلى ضمير المفرد الغائب‪.‬‬

‫عا فهي كاآلتي‪ :‬الموضع األول في قوله تعالى‪َ « :‬و َما ت َ ْفعَلُوا ِم ْن َخيْر‬ ‫أما المواضع الخمسة التي جاء فيها مضار ً‬
‫َّللا يَ ْعلَ ُمهُ»‬ ‫يَ ْعلَ ْمهُ هللاُ» (البقرة ‪ )197 /‬و الموضع الثاني في قوله تعالى‪َ « :‬و َما أَ ْنفَ ْقت ُ ْم ِم ْن نَفَقَة أَ ْو نَذَ ْرت ُ ْم ِم ْن نَ ْذر فَإ ِ هن َ‬
‫َّللا» (آل‬ ‫ُوركُ ْم أو ت ُ ْبدُوهُ يَ ْعلَ ْمهُ َ‬‫صد ِ‬ ‫(البقرة‪ )270/‬و الموضع الثالث في قوله تعالى‪« :‬قُ ْل ِإ ْن ت َْخفَ ُوا َما فِي ُ‬
‫ةو ْال ِحك َم َة‬ ‫َاب َ‬ ‫ضى أ َ ْم ًرا َفإِ هن َما َيقُو ُل َلهُ ُك ْن َف َي ُكونُ َو يُ َع ِّل ُمهُ ْال ِكت َ‬
‫عمران‪ )29/‬و الموضع الرابع في قوله تعالى‪ِ « :‬إ َذا َق َ‬
‫اإل ْن ِجيلَ » (آل عمران‪ )48 -47/‬و الموضع الخامس في قوله تعالى‪« :‬أ َ َو لَ ْم يَكُ ْن لَ ُه ْم آيَةً أ َ ْن يَ ْعلَ َمهُ‬ ‫و الت ه ْو َراة َ َو ِ‬
‫عُلَ َما ُء بَنِي ِإس َْرائِي َل» (الشعراء‪.)197/‬‬

‫و تأمل األفعال المتصلة بضمير الغيبة في اآليات الثالثة الولى فقد أسند الفعل في ثالثتها إلى هللا تعالى‪ ،‬فكيف‬
‫يتأتى لقارئ أن يؤديه تأويله لمعنى من المعاني‪ ،‬بحيث ينقط و يشكل هذا الفعل في هذه اآليات كما يشاء‪ ،‬فإن‬
‫المعنى ال يستقيم في المواضع الثالثة األولى إال إذا كان الفعل مبدوءاً بياء المضارعة‪ ،‬و ال يصلح غيرها من‬
‫أحرف المضارعة كما ال تصلح باء الجر‪ .‬فتأمل كيف سيكون التركيب في المواضع الثالثة األولى إذا كان النص‬
‫«نعلمه هللا» أو «تعلمه هللا» أو «بعلمه هللا» ف! إنه ألمر مضحك و لكنه عند بعض المستشرقين برهان قاطع على‬
‫أن الحرية كانت سائدة في تعديل نصوص القرآن بحيث استطاع كل قارئ في المصاحف العثمانية أن ينقط النص‬
‫و يشكله بحيث يتناسب مع ما يراه من تأويل!! ‪.‬‬

‫أما الموضعان اآلخران فإن اللفظ المتواتر في الموضع الرابع «يعلمه الكتاب» بضم الياء و تشديد الالم‬
‫علهم» الرباعي‪ .‬و اللفظ المتواتر في الموضع الخامس «يعلمه» علماء إلخ‪.‬‬‫المكسورة من « َ‬

‫‪ - 50‬انظر الفصل الثاني ص ‪.63‬‬

‫‪20‬‬
‫و ال يختلف المعنى في الموضع الرابع إذا قرئت اآلية «و نعلمه الكتاب و الحكمة» بوضع نون مكان الياء‪ .‬كما‬
‫ال يختلف المعنى في الموضع الخامس إذا قرت اآلية «أن تعلمه علماء إلخ» بوضع التاء مكان الياء‪ ،‬و لكن مع‬
‫هذا لم يصل إلينا عن طريق النقل المتواتر إال «يعلمه» في الموضع الرابع «و يعلمه» في الموضع الخامس‪ ،‬و‬
‫هذا يدل على أن المعول عليه في تلقي القرآن المشافهة و السماع و ليست الكتابة إال عامالً مساعدا ً على الحفظ و‬
‫المراجعة‪ ،‬و لهذا قالوا قديما ً «ال تأخذوا القرآن من مصحفي و ال الحديث من صحفي»‪. 51‬‬

‫فالمسلمون‪ -‬لشدة عنايتهم بحفظ هذين المصدرين‪ :‬القرآن و السنة‪ -‬حرصوا على السماع من لفظ الشيخ ثم‬
‫العرض عليه‪ ،‬على نحو ما فصلته في مستهل هذا الفصل‪.‬‬

‫أما المواضع األربعة التي جاء فيها الهيكل المرسوم مصدرا ً مجرورا ً بالباء و مضافا ً إلى ضمير المفرد الغائب‬
‫َّللا َي ْش َه ُد ِب َما أ َ ْنزَ لَ إلَيْكَ أَ ْنزَ لَهُ ِب ِع ْل ِم ِه» (النساء‪ )166/‬و قوله تعالى‪:‬‬
‫ففي اآليات اآلتية و هي‪ :‬قوله تعالى‪« :‬لَ ِك هن ه‬
‫«بَ ْل َكذهبُوا بِ َما لَ ْم ي ُِحيطُوا بِ ِع ْل ِم ِه» (يونس‪ )39/‬و قوله تعالى‪َ « :‬و َما تَحْ ِم ُل ِم ْن أ ُ ْنثَى َوالَ ت َ َ‬
‫ض ُع إِاله بِ ِع ْل ِم ِه»‬
‫(فصلت‪ )47/‬و (فاطر‪)11/‬‬

‫و في جميع هذه المواضع األربعة ال يصح أن يقرأ هذا الهيكل «بعلمه» إال على أنه مصدر مجرور بالباء‪ .‬و‬
‫ليتأمل القارئ المعنى الذي يؤديه هذا الهيكل لو وضعنا نقطتين فوق الحرف األول منه في اآليتين الثالثة و الرابعة‬
‫مث ً‬
‫ال‪ ،‬فإنهما ستقرآن « و ما تحمل من أنثى و ال تضع إال تعلمه» سبحانك هذا بهتان عظيم!!‪.‬‬

‫و من هنا يدرك القارئ أن «جفري» باستدالله على دعواه بهذا الهيكل الكتابي الذي ذكره‪ ،‬خبط خبط العشواء‪ ،‬و‬
‫سار في الظلماء‪ ،‬و لو قد كان «جفري» رجع إلى مضارع علم و مصدره المجرور بالباء في القرآن الكريم‬
‫ألدرك فساد برهانه‪ ،‬و لم يكن في عالم الفكر و البحث من المتخبطين‪.‬‬

‫‪ - 51‬أحمد فارس الشدياق‪ :‬الجاسوس على القاموس ص‪.4‬‬

‫‪21‬‬
‫المدونة اللّغوية‬
‫ّ‬ ‫موقف العلماء من‬
‫الرسول صلّى هللا عليه وسلم‬
‫االستدالل بكالم ّ‬
‫نادرا جدا‪ ،‬إنّما‬
‫ي‪ ،‬و ذلك ً‬ ‫إن كالم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يُـستد ّل منه بما ثبت أنّه قاله على اللّفظ المرو ّ‬
‫ّ‬
‫و قد تداولتها األعاجم‬ ‫مروي بالمعنى‪،‬‬
‫ٌّ‬ ‫فإن غالب األحاديث‬‫ضا‪ّ ،‬‬ ‫يوجد في األحاديث القصار‪ ،‬على قلّة أي ً‬
‫و قدّموا و أ ّخـروا‪ ،‬و أبدلوا ألفا ً‬
‫ظا‬ ‫والمولدون قبل تدوينها‪ ،‬فرووها بما أدّت إليه عبارتهم فزادوا و نقصوا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫صة الواحدة مرويا على أوجه شتى بعبارت مختلفة‪ .‬و من ث ّم أنكر على‬ ‫بألفاظ‪ ،‬و لهذا ترى الحديث الواحد في الق ّ‬
‫ّ‬
‫ابن مالك إثباتُه القواعد النّحوية باأللفاظ الواردة في الحديث‪ .‬قال أبو حيّان في " شرح التسهيل "‪ « :‬قد أكثر هذا‬
‫المصنّف من االستدالل بما وقع في األحاديث على إثبات القواعد الكلّية في لسان العرب‪ ،‬و ما رأيت أحدًا من‬
‫المتقدّمين و المتأ ّخرين سلك هذه الطريقة غيره(‪.»)52‬‬
‫األولين لعلم ال ّنحو‪ ،‬المستقرئين لألحكام من لسان العرب كأبي عمرو بن العالء‪ ،‬و عيسى بن‬ ‫أن الواضعين ّ‬ ‫على ّ‬
‫ضرير‬‫ي بن المبارك األحمر‪ ،‬و هشام ال ّ‬ ‫والفراء‪ ،‬و عل ّ‬
‫ّ‬ ‫ي‪،‬‬
‫عمر‪ ،‬و الخليل‪ ،‬و سيبويه من أئ ّمة البصريّين‪ ،‬و الكسائ ّ‬
‫ّ‬
‫المتأخرون من الفريقين و غيرهم من نحاة األقاليم كنحاة‬ ‫من أئمة الكوفيين‪ ،‬لم يفعلوا ذلك‪ ،‬و تبعهم على هذا المسلك‬
‫بغداد‪ ،‬و أهل األندلس‪.‬‬
‫المتأخرين األذكياء‪ ،‬فقال‪ « :‬إ ّنما ترك العلماء ذلك‪ ،‬لعدم وثوقهم ّ‬
‫أن ذلك لفظ‬ ‫ّ‬ ‫و قد جرى الكالم في ذلك مع بعض‬
‫ّ‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬إذ لو وثقوا بذلك لجرى مجرى القرآن في إثبات القواعد الكلية‪ .‬و إنّما كان ذلك‬ ‫ّ‬
‫صة واحدة جرت في زمانه صلى هللا عليه وسلم لم تقل بتلك‬ ‫جوزا ال ّنقل بالمعنى‪ ،‬فتجد ق ّ‬
‫الرواة ّ‬
‫أن ّ‬‫ألمرين‪ :‬أحد ما‪ّ :‬‬
‫األلفاظ جميعها‪ ،‬نحو ما روي من قوله‪ « :‬زوجتكها بما معك من القرآن»‪ ،‬و « ملكتكها بما معك »‪ ،‬و « خذها بما‬
‫معك (‪.»)53‬‬
‫صة‪ ،‬فتعلم يقينًا أنّه صلى هللا عليه وسلم لم يلفظ بجميع هذه األلفاظ‪ ،‬بل‬ ‫و غير ذلك من األلفاظ الواردة في هذه الق ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ال تجزم بأنّه قال بعضها‪ ،‬إذ يحتمل أنّه قال لفظا مرادفا لهذه األلفاظ غيرها‪ ،‬فأتت ّ‬
‫الرواة بالمرادف و لم تأت بلفظه‪،‬‬
‫سماع‪ ،‬وعدم ضبطه بالكتابة‪ ،‬و االتكال على الحفظ و الضّابط منهم من‬ ‫إذ المعنى هو المطلوب و السيما مع تقادم ال ّ‬
‫ّ‬
‫ضبط المعنى‪ ،‬و أ ّما من ضبط اللّفظ فبعيد جدا‪ ،‬السيما في األحاديث الطوال‪.‬‬
‫و ال يعلمون‬ ‫الرواة كانوا غير عرب‪،‬‬ ‫كثيرا من ّ‬
‫ً‬ ‫كثيرا فيما روي من الحديث‪ّ ،‬‬
‫ألن‬ ‫ً‬ ‫األمر الثّاني‪ :‬أ ّنه وقع اللّحن‬
‫لسان العرب لصناعة النّحو‪ ،‬فوقع اللّحن في كالمهم‪ ،‬و هم ال يعلمون ذلك‪ ،‬و قد وقع في كالمهم و روايتهم ُ‬
‫غير‬
‫أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان أفصح النّاس‪ ،‬فلم يكن ليتكلّم إال‬ ‫الفصيح من لسان العرب‪ ،‬غير شكّ ‪ّ ،‬‬
‫بأفصح اللّغات و أحسن التّراكيب و أشهرها و أجزلها‪ ،‬و إذا تكلّم بلغة غير لغته فإنّما يتكلّم بذلك مع أهل تلك اللّغة‬
‫على طريق اإلعجاز و تعليم هللا ذلك له من غير معلم‪ .‬و المصنّف قد أكثر من االستدالل بما ورد في األثر متعقّبًا‬
‫بزعمه على النّحويين و ما أمعن النّظر في ذلك و ال صحب من له التّمييز‪ ،‬و قد قال لنا قاضي القضاة بدر ال ّدين‬
‫بن جماعة ( ت ‪ 733‬هـ ) و كان م ّمن أخذ عن ابن مالك‪ « :‬قلت له‪ :‬يا سيّدي هذا الحديث رواية األعاجم‪ ،‬و وقع‬
‫الرسول فلم يجب بشيء»‪.‬‬ ‫فيه من روايتهم ما يعلم أنّه ليس من لفظ ّ‬
‫قال أبو حيّان‪ « :‬و إنّما أمعنتُ الكالم في هذه المسألة لئال يقول مبتدئ‪ :‬ما بال النّحويين يستدلّون بقول العرب‪ ،‬و‬
‫فيهم المسلم و الكافر‪ ،‬و ال يستدلّون بما روي في الحديث بنقل العدول كالبخاري ( ت ‪ 256‬هـ )‪ ،‬و مسلم ( ت‬
‫سبب الذي ألجله لم يستدلّ النّحاة بالحديث»‪.‬‬
‫‪ 261‬هـ ) و أضرابهماف فمن طالع ما ذكرناه أدرك ال ّ‬

‫(‪ )52‬االقتراح في علم أصول النّحو‪ :‬جالل الديّن السيوطي‪ :‬تحقيق محمود سليمان ياقوت‪ 1426 ،‬هـ ‪2006 -‬م‪ ،‬دار المعرفة‬
‫الجامعية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ :‬ص ‪.90 ،89‬‬
‫(‪ )53‬االقتراح في علم أصول النّحو‪ :‬ص ‪.92‬‬

‫‪22‬‬
‫سبب عندي في‬ ‫الرواية بالمعنى هو ال ّ‬
‫و قال أبو الحسن بن الضّائع ( ت ‪ 680‬هـ ) في ( شرح الجمل )‪ « :‬تجويز ّ‬
‫ترك األئ ّمة‪ ،‬كسيبويه و غيره‪ ،‬االستشهاد على إثبات ال ّلغة بالحديث و اعتمدوا في ذلك على القرآن و صريح النّقل‬
‫ي صلى هللا‬‫عن العرب‪ ،‬و لوال تصريح العلماء بجواز النّقل بالمعنى لكان األولى في إثبات فصيح اللّغة كالم ال ّنب ّ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ألنّه أفصح العرب»‪.‬‬
‫و التبرك‬ ‫كثيرا‪ ،‬فإن كان على وجه االستظهار‬
‫ً‬ ‫و قال‪ « :‬و ابن خروف ( ت ‪ 609‬هـ ) يستشهد بالحديث‬
‫أن من قبله أغفل شيئًا وجب عليه استدراكه‪ ،‬فليس كما رأى »‪.‬‬
‫(‪)54‬‬ ‫ي فحسن‪ ،‬و إن كان يرى ّ‬
‫بالمرو ّ‬
‫و م ّما يد ّل على ص ّحة ما ذهب إليه ابن الضّائع ّ‬
‫أن ابن مالك استشهد على لغة " أكلوني البراغيث " بحديث‬
‫صحيحين‪ « :‬يتعاقبون فيكم مالئكة باللّيل و مالئكة بال ّنهار »‪ .‬و أكثر من ذلك حتّى صار ّ‬
‫يسميها " لغة يتعاقبون‬ ‫)‬ ‫‪55‬‬‫(‬
‫ال ّ‬
‫(‪.")56‬‬
‫إن الواو فيه عالمة إضمار‪ ،‬ألنّه حديث مختصر‬ ‫سهيلي ( ت ‪ 581‬هـ ) ث ّم قال‪ « :‬لكنّني أقول‪ّ :‬‬
‫و قد استدلّ به ال ّ‬
‫إن هلل مالئكة يتعاقبون فيكم‪ ،‬مالئكة باللّيل و‬
‫مجردًا فقال فيه‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫مطوالً‬
‫ّ‬ ‫رواه [ أبو بكر ] ّ‬
‫البزاز ( ت ‪ 292‬هـ )‬
‫مالئكة بالنّهار(‪.»)57‬‬
‫كفرا) فإنّه‬ ‫وقال ابن األنباري في " اإلنصاف " في منع ( ّ‬
‫أن ) في خبر كاد‪ « :‬و أ ّما حديث‪ ( :‬كاد الفقر أن يكون ً‬
‫(‪)58‬‬
‫الرواة ألنه أفصح من نطق بالضّاد »‪.‬‬
‫من تغييرات ّ‬
‫=======================‬
‫(‪ )1‬ما يتفق في االحتجاج به من األحاديث‬
‫من األحاديث ما ال ينبغي االختالف في االحتجاج به في اللغة‪ ،‬وهو ستة أنواع‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬ما يروى بقصد االستدالل على كمال فصاحته عليه الصالة والسالم‪ ،‬كقوله‪ :‬حمي الوطيس‪ ،‬وقوله‪ :‬مات حتف أنفه‪،‬‬
‫وقوله‪ :‬الظلم ظلمات يوم القيامة ‪ ...‬إلى نحو هذا من األحاديث القصار المشتملة على شيء من محاسن البيان كقوله‪:‬مأزورات‬
‫غير مأجورات‪ ،‬وقوله‪ :‬إن هللا ال يمل حتى تملوا‪.‬‬
‫ثانيها ‪ :‬ما يروى من األقوال التي كان يتعبد بها أو أمر بالتعبد بها‪ ،‬كألفاظ القنوت والتحيات وكثير من األذكار واألدعية التي‬
‫كان يدعو بها في أوقات خاصة‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬ما يروى شاهدًا على أنه كان يخاطب كل قوم من العرب بلغتهم‪.‬‬
‫ومما و ظا ر أن الرواة يقصدون في له األنواع الثالثة رواية الحديث بلفظه‪.‬‬
‫رابعها ‪:‬األحاديث التي وردت من طرق متعددة واتحدت ألفاظها؛ فإن اتحاد األلفاظ مع تعدد الطرق دليل على أن الرواة لم‬
‫يتصرفوا في ألفاظها‪.‬‬
‫والمراد أن تتعدد طرقها إلى النبي أو إلى الصحابة أو التابعين الذين ينطقون الكالم العربي فصي ًحا‪.‬‬
‫خامسها‪ :‬األحاديث التي دونها من نشأ في بيئة عربية لم ينتشر فيها فساد اللغة كمالك بن أنس‪ ،‬وعبد الملك بن جريج‪ ،‬واإلمام‬
‫الشافعي‪.‬‬
‫سادسها‪ :‬ما عرف من حال رواته أنهم ال يجيزون رواية الحديث بالمعنى مثل ابن سيرين‪ ،‬والقاسم بن محمد‪ ،‬ورجاء بن‬
‫حيوة‪ ،‬وعلي بن المديني‪.‬‬

‫(‪ )54‬االقتراح في علم أصول النّحو‪ :‬ص‪.95‬‬


‫صبح و العصر‪.‬‬
‫صالة‪ ،‬باب فضل صالتي ال ّ‬
‫(‪ )55‬صحيح مسلم‪ :‬أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري‪ ،‬كتاب المساجد و مواضع ال ّ‬
‫(‪ )56‬االقتراح في علم أصول النّحو‪ :‬ص‪.96‬‬
‫(‪ )57‬نتائج الفكر في النّحو‪ :‬أبو القسم بن عبد ّ‬
‫الرحمن بن عبد هللا السّهيلي‪ ،‬تحقيق مح ّمد إبراهيم البنا‪.‬‬
‫ستّة‪ ،‬بينما ذكره السّيوطي في اإلقتراح‪.‬‬
‫(‪ )58‬لم أعثر عليه في كتب الحديث ال ّ‬

‫‪23‬‬
‫(‪ -)2‬ما ال يختلف في عدم االحتجاج به‬
‫ومن األحاديث ما ال ينبغي االختالف في عدم االحتجاج به‪ ،‬وهي األحاديث التي لم تدون في الصدر األول‪ ،‬وإنما تروى في‬
‫ً‬
‫متصال؛ أما مقطوعة السند فوجه عدم‬ ‫عا أم‬
‫بعض كتب المتأخرين ‪ .‬وال يحتج بهذا النوع من األحاديث سواء أكان سندها مقطو ً‬
‫االحت جاج بها واضح‪ ،‬وأما متصلة السند فلبعد مدونها عن الطبقة التي يحتج بأقوالها‪ .‬وإذا أضيفت كثرة المولدين في رجال سند‬
‫الحديث إلى احتمال أن يكون بعضهم قد رواه بالمعنى أصبح احتمال أن تكون ألفاظه ألفاظ النبي عليه الصالة والسالم‪ ،‬أو ألفاظ‬
‫قاصرا عن درجة الظن الكافي إلثبات األلفاظ اللغوية أو وجوه استعمالها‪.‬‬
‫ً‬ ‫راويه الذي يحتج بكالمه‪-‬‬

‫(‪ )3‬ما يختلف حول االحتجاج به‬


‫والحديث الذي يصح أن تختلف األنظار في االستشهاد بألفاظه هو الحديث الذي دون في الصدر األول‪ ،‬ولم يكن من األنواع‬
‫الستة المنبه عليها آن ًفا‪ ،‬وهو على نوعين‪:‬‬
‫‪(*1‬حديث) يرد لفظه على وجه واحد‪ * 2 .‬و(حديث) اختلفت الرواية في بعض ألفاظه‪.‬‬
‫نظرا إلى أن األصل الرواية باللفظ‪ ،‬وإلى تشديدهم في‬ ‫أما الحديث الوارد على وجه واحد فالظاهر صحة االحتجاج به‪ً ،‬‬
‫الرواية بالمعنى‪ .‬ويضاف إلى هذا قلة عدد من يوجد في السند من الرواة الذين ال يحتج بأقوالهم؛ فقد يكون بين البخاري ومن‬
‫يحتج بأقواله من الرواة واحد أو اثنان وأقصاهم ثالثة‪.‬‬
‫ومثال هذا النوع أن الحريري أنكر على الناس قولهم قبل الزوال‪ :‬سهرنا البارحة‪ ،‬قال‪ :‬وإنما يقال‪ :‬سهرنا الليلة‪ ،‬ويقال بعد‬
‫الزوال‪ :‬سهرنا البارحة‪ .‬والشاهد على صحة ما يقوله الناس حديث أن النبي "كان إذا أصبح قال‪ :‬هل رأى أحد منكم البارحة‬
‫عمال‪ ،‬ثم يصبح وقد ستره هللا‪ ،‬فيقول عملت البارحة كذا‪ .‬ففي قوله‪:‬‬ ‫ً‬ ‫رؤياف وحديث‪ :‬وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل‬
‫إذا أصبح قال‪ :‬هل رأى أحد منكم البارحة‪ ،‬وقوله‪ :‬ثم يصبح فيقول‪ :‬عملت البارحة‪ -‬شاهد على صحة أن يقول الرجل متحدثًا‬
‫عن الليلة الماضية‪ .‬وهو في الصباح‪ :‬سهرنا البارحة‪ ،‬أو وقع البارحة كذا‪.‬‬
‫وأما األحاديث التي اختلفت فيها الرواية فإنا نرى من يستشهدون باألحاديث من اللغويين والنحاة ال يفرقون بين ما روي على‬
‫وجه واحد‪ ،‬وما روي على وجهين أو وجوه‪.‬‬
‫ويمكننا أن نفصل القول في هذا النوع؛ فنجيز االستشهاد بما جاء في رواية مشهورة لم يغمزها بعض المحدثين بأنها وهم من‬
‫ممثال أي منتصبًا‪ ،‬والمعروف في كالم العرب إنما هو ماثل‬ ‫ً‬ ‫الراوي مثل كلمة "ممثل" وردت في أشهر رواية الحديث قام النبي‬
‫من مثل كنصر وكرم‪.‬‬
‫وأما ما يجيء في رواية شاذة أو في رواية يقول فيها بعض المحدثين إنها غلط من الراوي فنقف دون االستشهاد بها‪ ،‬ومثال‬
‫هذا كلمة ناعوس وردت في إحدى روايات حديث "إن كلماته بلغت ناعوس البحر"‪ .‬ووردت في بقية الروايات قاموس البحر‬
‫أو وسطه ولجته‪.‬وكلمة ناعوس غير معروفة في كالم العرب‪.‬قال أبو موسى محمد بن أبي بكر األصفهاني أحد المؤلفين في‬
‫يجود كتب كلمة قاموس‪ .‬و أضعف من هذا أن تجيء الكلمة غير المعروفة في اللغة في صورة‬ ‫غريب الحديث‪ :‬فلعل الراوي لم ّ ِ‬
‫الشك من الراوي ككلمة خطيط‪ .‬وردت في حديث‪ :‬ثم نام حتى سمعت غطيطه أو خطيطه‪ .‬قال ابن بطال‪ :‬لم أجد كلمة خطيط‬
‫بالخاء عند أهل اللغة‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ال ّنقــــــــــــل ( ال ّ‬
‫سماع )‬
‫األول من حيث حجيته وأهميته عند النحاة وهو األساس في االستدالل على أحكام‬‫سماع وهو األصل ّ‬ ‫يس ّميه بعضهم ال ّ‬
‫النحو فال يص ّح حكم نحوي بدون دليل أو مستند من السماع أو النقل حتى ولو كان مقبوال في القياس وفي ذلك يقرر‬
‫النحاة أن السماع يبطل القياس فقولك مثال‪ " :‬استحاذ " جار على القياس مثله مثل استقام واستعاد واستدان تقلب فيه‬
‫عين الفعل ألفا قياسا فتقول‪ :‬استقام بدل استقوم ولكن العرب لم تنطق هذا الفعل أي "استحوذ" إال على هذه الصورة أي‬
‫صحيح العين ومن ثم فإن السماع يوجب استعماله هكذا حتى ولو كان مخالفا للقياس هذا وقد فضل ابن االنباري تسمية‬
‫هذا االصل بالنقل بدال من السماع ألنه أعم من السماع إذ يشمل المسموع من العرب مباشرة والمنقول عن طريق‬
‫الرواية مشافهة" فالنقل أهم بهذا المعنى وأشمل إذ يشمل السماع المباشر وغير المباشر"‪.‬‬

‫تعريف النقل ونروطه‪:‬‬

‫" النقل " ما ثبت في كالم من يوثق بفصاحته فشمل كالم هللا تعالى وهو القرآن‪ ،‬وكالم نبيّه ص ّلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫وكالم العرب قبل بعثته وفي زمنه الى زمن فسدت األلسنة بكثرة المولدين نظما ونثرا عن مسلم وكافر‪"...‬‬

‫ويشترط فيه‪:‬‬

‫الفصاحة‪ :‬وليست إال صفة من ترتضى عربيته ويوثق بها ويؤخذ بها اللغويون والنحويون وال يحصل ذلك إال بتوفر‬
‫السالمة اللغوية في الفصيح أي خلو كالمه مما ليس من لغتهم من اللحن والخطأ – و وضوحه بالنسبة ألفراد المجتمع‬
‫الفصيح – و أن يكون اكتسب اللغة بالسليقة ال بالتلقين وبصناعة النحو‪ ،‬اي تكون لغته األولى التي تعلمها بالسمع من‬
‫بيئته حيث الفصاحة وعدم انتشار اللحن ولذلك لم يؤخذ عن المولدين ألنهم عاشوا في زمان انتشر فيه اللحن بالحواضر‪.‬‬

‫وذهب ابن األنباري الى تقييد صحة النقل اشتراط بما هو مشروط في نقل الحديث ‪-‬من اتصال السند وعدم النقل من‬
‫مجهول أو فاسق‪ -‬ألن بها معرفة تفسيره وتأويله‪ .‬يقول‪ " :‬ويشترط في نقل اللغة ما يشترط في نقل الحديث عن الرسول‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ "..‬ويقول فإن كان ناقل اللغة فاسقا لم يقبل نقله" ولذلك يعرف النقل في االصطالح فيقول "هو‬
‫الكالم العربي الفصيح المنقول بالنقل الصحيح الخارج عن حد القلة الى حد الكثرة "‪.‬‬

‫فهل يشترط في نقل اللغة ما يشترط في نقل الحديث كما ذهب إلى ذلك ابن األنباريف‬

‫يقول الدكتور الحاج الصالح في هذا الصدد ‪:‬المبادئ العلمية لسماع علماء العرب لمعطيات اللغة وتوثيقها خاصة‬
‫مغايرة للمبادئ التي بنى عليها تدوين الحديث الشريف (من جرح وتعديل‪...)..‬وذلك الختالف الظروف واختالف‬
‫الزمان فسيبويه والنحاة الذين جاءوا من قبله عاشوا كلهم في زمان الفصاحة السليقية وعلى هذا فالسماع من فصحاء‬
‫العرب وحدهم إذا تحقق العلماء من فصاحتهم كافيا كحجة أي كمرجع علمي ويكفي أن ينسب العلماء –وهمم معروفون‪-‬‬
‫ما سمعوه إلى هؤالء لتثبت الرواية ويكون الثبوت مطلقا إذا أجمع العلماء على ذلك‪ ،‬و أصل األصول هنا هو ثبوت‬
‫فصاحة المنقول بثبوت فصاحة المنقول منه أو الناقل من العرب الفصحاء ولم يحتج النحوي منهم في ذلك الزمان الى‬
‫إسناد ألنه هو أو شيخه المصدر األول لما سمعه فإذا روى عن شيخه فيكون له إسناد الى عالم واحد فقط بينه وبين‬
‫إن ما نقله النحاة من شعر أو نثر كان‬‫العرب فهم بالنسبة لكالم العرب كالصحابة أو التابعين بالنسبة للحديث الشريف ثم ّ‬
‫في زمن الفصاحة وكان معروفا متداوال بين الناس والخطأ فيه أو الغلط ال يخفى عليهم و لم يعترض على صحة نقلوه‬
‫ما معترض ولذلك لم يعن سيبويه كثيرا بذكر اسم الشاعر وهو يحتج بشعره ‪ ،‬كما احتج أحيانا بروايتين مختلفتين ألن‬
‫الرواة المختلفين إنما أخذوا من أفواه العرب الذين ي حفظون األشعار فالتغيير في االنشاد واقع من جهتهم والشواهد في‬
‫كل رواية صحيحة‪ .‬ألن العربي الذي غيّر الشعر و أنشده على وجه دون وجه قوله ح ّجة‪ .‬ولو كان الشعر له لكان يحت ّج‬

‫‪25‬‬
‫به أال ترى أن الحطيئة رواية زهير‪ ،‬وكثّير رواية جميل‪ ،‬و الراوي والمروي عنه كالهما ح ّجة ولكن من النحويين بعد‬
‫سيبويه كالمبرد وابن النحاس من منع االحتجاج ببيت يجهل قائله‪ ،‬كذلك صرح بهذا أبو البركات االنباري في‬
‫اإلنصاف‪ .‬ويجاري في ذلك السيوطي ويقول وكأن علّة ذلك خوف أن يكون لمولّد أو من ال يوثق بفصاحته‪ ،‬ومن هذا‬
‫يعلم أنه يحتاج الى معرفة أسماء شعراء العرب وطبقاتهم فال يجوز عنده في المجهول ولكنّه في " همع الهوامع " ً‬
‫كثيرا‬
‫ما يتغاضى فيستشهد ببيت وال يذكر اسم قائله‪...‬‬

‫أن االحتجاج بكالم المجهول ليس مطعنة في منهج النحاة األوائل اذ كانوا في بيئة تسودها الفصاحة إذ سمعوا‬ ‫ّ‬
‫والحق ّ‬
‫عن عرب يوثق بعربيتهم ولم يحتاجوا إلى ذكر أسمائهم لتثبتهم من فصاحتهم‪.‬‬

‫أما معنى قول األنباري أن يكون المنقول خارجا عن ح ّد القلة الى ح ّد الكثرة هو استبعاد الشواذ وهي كثيرة يقول‬
‫سيبويه " والشواذ في كالمهم كثيرة" فهو ينظر إلى المنقول من جهة القياس عليه باعتباره ركنا من أركان القياس‪ ،‬إذ ّ‬
‫إن‬
‫الشاذ ال يصلح للقياس عليه‪ ،‬وفاته بذلك أن الشواذ الكثيرة الموجودة في اللغة العربية جزء من واقع هذه اللغة ال يمكن‬
‫التغافل عنه وهو جزء هام من المنقول " ألن كل ما ص ّح وروده عن العرب سواء أكان مطردا أم ال فهو من نقلهم‬
‫وكالمهم"‪.‬‬

‫مصادر النقل‪:‬‬

‫‪ -1‬القرآن الكريم‪:‬‬

‫يكاد النحاة يتفقون جميعا على أن القرآن الكريم هو االصل االول في االستشهاد في النحو ولذلك جعله السيوطي في‬
‫مقدمة المصادر في التعريف السالف الذكر لتواتره وقوة حجته‪ .‬فالنحاة مجمعون على االحتجاج به على اختالف‬
‫مآخذهم عن القراءات المخالفة لمجاري العربية وقياسها فمنهم من منع االحتجاج بها ومنهم من أجاز‪ .‬فالقراءات‬
‫تختلف في درجة الصحة والتواتر ولذلك وضع علماء األداء ضوابطا للقراءة الصحيحة التي يوثق بها وهي‪:‬‬

‫‪ -2‬موافقتها لرسم المصحف العثماني‬ ‫الرسول ص ّلى هللا عليه وسلم‬


‫سند إلى ّ‬
‫‪ -1‬ص ّحة ال ّ‬
‫‪ -3‬موافقتها العربية ولو بوجه ‪.‬‬

‫فقد مال بعض النحاة الى التشدّد في موافقة القراءة لمجاري العربية وقياسها فهذا الشرط األول عند أكثرهم لقبولها‬
‫واالستشهاد بها وإذا لم تكن على أي وجه من القياس ضعفوها أو خطأوا صاحبها وتحاملوا عليه أو حكموا عليها‬
‫بالشذوذ ولم يقيسوا عليها مع اعتدادهم بالشرطين اآلخرين وهذه أمثلة عنهم‪:‬‬

‫يقول المازني‪ :‬فأما قراءة من قرأ من أهل المدينة (معائش ) بالهزة فهي خطأ فال يلتفت إليها وإنما أخذت عن نافع ابن‬
‫يخط قراءة تواترت عن‬‫ّ‬ ‫نعيم ولم يكن يدري ما العربية وله أحرف يقرأها لحنا نحوا من ذلك" فها أنت ترى المازني‬
‫نافع المدني وابن عامر الدمشقي وهما من الق ّراء الثقات في قوله تعالى‪ ( :‬وجعلنا لكم فيها معائش ) على غير قراءة‬
‫الجمهور" معايش " والقياس عند النحاة يقتضي أن يقلب الحرف الثالث الزائد همزة في الجمع كما في صحيفة‬
‫صحائف‪ ،‬عجوز عجائز غنيمة غنائم أما الياء في معيشة فهي أصلية وال تقلب همزة في الجمع فكانت هذه القراءة‬
‫خطأ عنده و لح ًنا من ّ‬
‫القراء‪.‬‬

‫القراء ملتزما في ذلك الصمت عند مصادفتها و ربما تحاشى‬ ‫وفي المقابل نجد بعض النحاة من يتحرج في الطعن على ّ‬
‫ذكرها وإنما يعارضها ال مصرحا بتلك المعارضة الحترامه البالغ لها‪ ،‬ومنهم سيبويه الذي يصرح بأن القراءة القرآنية‬

‫‪26‬‬
‫سنة تتبع وال تصح مخالفتها‪ ،‬من ذلك أنه لم يتعرض لقراءة ابن عامر لقوله تعالى‪ ( :‬وكلل ُز ّين للمنركين قت ُل‬
‫أوال َد م نركائهم ) لعدم الفصل بين المتضايفين إالّ في الضرورة الشعرية‪.‬‬

‫غير أن المتأخرين شديدو التمسك باالحتجاج بالقراءة ولو خالفت مجاري العربية " ألن قراءاتهم ثابتة باألسانيد المتواترة‬
‫التي ال مطعن فيها و ثبوت ذلك دليل على جوازه في العربية وقد رد المتأخرون منهم ابن مالك على من عاب عليهم ذلك‬
‫بأبلغ ر ّد و اختاروا جواز ما وردت ب ه قراءاتهم في العربية وإن منعه األكثرون من ذلك احتجاجه على جواز‬
‫واألرحام )‬
‫ِ‬ ‫العطف على ضمير المجرور من غير إعادة بقراءة حمزة الزيات لقوله تعالى ( واتقوا هللا اللي تساءلون به‬
‫بجر األرحام عطفا على الضمير المتصل بالباء " وهذا مخالف للقياس الذي يقتضي عدم عطف االسم الظاهر على‬
‫الضمير المجرور إال بإعادة المجرور وتكراره ‪ -‬وقد ذكر سيبويه هذه القاعدة القياسية ولكنه لم يتعرض لتلك القراءة بل‬
‫تحاشى ذكرها لما يكـنّه من احترام لهذه القراءة المنقولة عن الثقات‪ -‬ومن ذلك جواز الفصل بين المتضايفين يقول فيه‬
‫ابن مالك‪ :‬وأقوى األدلة على ذلك قراءة ابن عامر‪ :‬وكلل ُزين للمنركين قت ُل أوال َد م نركائهم‪ ،‬ألنها ثابتة بالتواتر‪،‬‬
‫ومعزوة الى موثوق بعربيته‪"...‬‬

‫وقد كان أبو حيان األندلسي ينقد بشدة على من يعترض على القراءة المخالفة لمقاييس العربية ومن ذلك رده على‬
‫الزمخشري حين زعم أن تخفيف الهمزة الثانية في قوله تعالى " أأنذرتهم " لحن و ليس من كالم العرب قال أبو حيان‪:‬‬
‫" ‪ ...‬وقراءة ورش صحيحة النقل ال تدفع‪ ،‬ولكن عاد ة هذا الرجل إساءة األدب على أهل األداء ونقلة القرآن‪ .‬وقد دعا‬
‫محمد الخضر حسين الى استغالل حتى القراءات المخالفة للعربية والقياس عليها إلثراء اللغة وتوسيع استعماالتها إال أن‬
‫ذلك سيفضي إلى توسع في االستعمال تنكسر معه األصول وتضرب قواعد اللغة ‪ ،‬وربما كان السبب في ذلك أنه تركيب‬
‫يحتاج إلى جهد وتعمل ليمكن فهمه فضال عن أن يتذوق ويؤلف‪ ،‬ولذلك لم يستعمل في أبواب الفصيح على اختالف‬
‫العصور‪ ،‬والموقف السليم للغويين والنحاة من مث ل هذه القراءات أن يسلموا صحتها ويفسروا خروجها عن المعتاد كما‬
‫عومل الشاذ من كالم العرب فإنه لم يُخرج من دائرة العربية بل سُلّم بعربيته لصدوره ممن يوثق بعربيته ولم يقس عليه‬
‫بل فسر خروجه من أصل بابه وبهذه الكيفية نفسها يحسن التعامل مع القراءات المخالفة لمجاري العربية‪.‬‬

‫‪ -2‬الحديث النبوي النريف‪:‬‬

‫أ ‪ -‬المانعون الستنهاد بالحديث النبوي النريف‪:‬‬

‫فلما لجأ النحاة األولون الى االستشهاد بالحديث النبوي الشريف ويكفيك أن تتصفح كتاب سيبويه فعلى قلة ألحاديث‬
‫الذي ساقها فإنه ينسبها الى كالم العرب فيقول مثال " وأما قولهم كل مولود يولد على الفطرة‪ "...‬ونهجهم هذا كان‬
‫لسببين اثنين‪:‬‬

‫‪ .1‬العتقادهم أن غالب األحاديث مروية بالمعنى وعدم وثوقهم أن ذلك لفظ الرسول صلى هللا عليه وسلم إذ لو وثقوا‬
‫بذلك لجرى مجرى القرآن في إثبات القواعد الكلية‪.‬‬

‫‪ .2‬أن هذه األحاديث قفد تداولتها األعاجم والمولدون فرووها بما أدت إليه عباراتهم فزادوا ونقصوا وقدموا وأخروا‬
‫و أبدلوا ألفاظ بألفاظ ولهذا نرى الواحد في القصة مرويا على أوجه شتى بعبارت مختلفة‪.‬‬

‫فالحديث النبوي الذي يصح االحتجاج به إنما الحديث الذي نقل عن الرسول صلى هللا عليه وسلما وروي بلفظه ومعناه‬
‫وهذا نادر جدا ألن غالب االحاديث مروية بالمعنى ولفظها غير لفظها وإن لم تغير معانيها وسبب ذلك أنهم جوز النقل‬
‫بالمعنى لعنايتهم بما تضمنته من احكام وآداب ومعان سامية وحرصوا على نقلها حتى و لو كانت بألفاظ غير ألفاظ‬

‫‪27‬‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم وألن الحديث النبوي الشريف لم يدون في عهد الرسول صلى هللا عليه وسلم بل عني‬
‫بتدوينه كل للماء ومنهم علماء ال حديث في بداية القرن الثاني للهجرة فكان بعد الزمن عنه هو أيضا من دواعي رواية‬
‫الحديث بالمعنى ألن انتقال رواية قد يترتب عنه مثل عذا التغيير وألن تذكر اللفظ بحذافره إذا طال قد يتوعر أحيانا‬
‫على الذاكرة ‪ ،‬أما المعنى فال يسرع اليه النسيان كما يسرع الى اللفظ وليس أدل على ذلك من قول أحد الرواة وهو‬
‫سفيان الثوري إن قلت لكم إني أحدثكم باللفظ فال تصدقوني ‪ ،‬وإنما هو بالمعنى أضف إلى ذلك وقوع اللحن كثيرا‪-‬على‬
‫حد قول أبي حيان األندلسي‪ -‬فيما روي من الحديث ألن كثيرا من الرواة كانوا غير عرب بالطبع‪ ،‬وال يعلمون اللسان‬
‫العربي بصناعة النحو فوقع اللحن في كالمهم وهم ال يعلمون بذلك‪...‬‬

‫ب ‪ -‬المجيزون لالستنهاد بالحديث النبوي النريف‪:‬‬

‫وحجتهم في ذلك إجماع العلماء على أن الرسول صلى هللا عليه وسلم كان أفصح العرب وأن علماء الحديث اهتموا‬
‫بصحة إسناد الحديث أكثر من عنايتهم بالشعر ‪،‬ثم إن كثيرا من األحاديث التي نسب اليها اللحن قد ظهر لها وجه من‬
‫االستعمال في العربية الفصيحة أما ما قيل عن رواية الحديث أن ينقل بلفظه ومعناه فهو كذلك نُقل غالبا كما سُمع فإن‬
‫كثيرا من المحدثين شددوا في روايته بلفظه ومعناه‪ ،‬كما أن غلبة الظن بصحة روايته لفظا ومعنى كافية لالستشهاد به‬
‫أضف إلى ذلك أن تدوين الحديث الشريف وقع في الصدر األول قبل أن تفسد األلسنة فإذا وقع تبديل اللفظ من فصحاء‬
‫يوثق بعربيتهم فهم حجة أيضا لثبوت فصاحتهم ومن هؤالء الزمخشري ابن مالك ابن هشام السهيلي والرضي‬
‫األستراباذي‪...‬‬

‫ج ‪ -‬الموقف الوسط بين المنع واإلجازة‪:‬‬

‫وظهر فريق من المتأخرين توسطوا في هذا الشأن فلم يمنعوا االستشهاد بالحديث كما لم يجوزوه مطالقا دون قيد وشرط‬
‫ومنهم الشاطبي فقد رأى أن الحديث قسمان قسم يعتني ناقله بمعناه دون لفظه فهذا لم يقع به استشهاد أهل اللسان‪ ،‬وقسم‬
‫عرف اعتناء ناقله بلفظه لمقصود خاص كاألحاديث التي قصد بها بيان فصاحته صلى هللا عليه سلم ككتابه لهمدان وكتابه‬
‫لوائل بن حجر واألمثال النبوية فهذا يص ّح االستشهاد به في العربية وابن مالك لم يفصل هذا التفصيل الضروري الذي ال‬
‫ب ّد منه‪...‬‬

‫وقد عمق الشيخ محمد الخضر حسين هذا المنهج في كتابه دراسات العربية وتاريخها وذكر ستة أنواع رأى أنّها ال‬
‫ينبغي االختالف في االحتجاج بها‪:‬‬

‫‪ -1‬ما يروى بقصد االستدالل على كمال فصاحته صلى هللا عليه وسلم كقوله "حمي الوطيس"‬

‫وقوله " مات حتف أنفه " وقوله الظلم ظلمات يوم القيامة الى نحو هذا من األحاديث القصار المشتملة على شيء من‬
‫محاسن البيان كقوله‪" :‬ان هللا ال يمل حتى تملوا"‬

‫‪ -2‬ما روي من امره مما كان يتعبد به او امر بالتعبد به كألفاظ القنوت والتحيات وكثير من األذكار واألدعية التي كان‬
‫يدعو بها في اوقات خاصة‪.‬‬

‫‪ -3‬ما يروى شاهدا على انه كان يخاطب كل قوم من بلغتهم ذلك الن الرواة قصدوا هذه االحاديث بالذات روايتها بالفظ ال‬
‫بالمعنى‬

‫‪ -4‬األحاديث التي رويت من طرق متعددة ولفظها واحد فاتحادها في اللفظ مه تعدد طرقها دليل على صحتها لفظا ومعنى‬

‫‪ -5‬األحاديث التي دونها من نشأ في بيئة عربية لم تنتشر فيها اللحن وفساد اللغة كمالك بن أنس واالمام الشافعي‬
‫‪28‬‬
‫‪ -6‬ما روي عن رواة عرف عنهم أنهم ال يجيزون رواية الحديث بالمعنى مثل‪ :‬ابن سيرين والقاسم بن محمد ورجاء بن‬
‫حيوة‪.‬‬

‫‪ -3‬كالم العرب‪:‬‬

‫ال يشترط في الفصيح الذي تؤخذ عليه العربية أن يكون عربيا أصيال قُحا كما ذهب إليه األستاذ حلمي خليل في كتابه‬
‫مقدمة لدراسة علم اللغة بل كانت نشأته األولى وهو طفل في أول عمره في بيئة عربية وذكر منهم المنتجع بن نبهان وهو‬
‫ي صغيرا وكبر في وسط فصيح من بني تميم ولم يشترطوا فيه البلوغ وال السن بل تؤخذ عن الصبي‬ ‫سندي األصل سُ ِب َ‬
‫والمرأة والشيخ‪.‬‬

‫وممن عرفوا بتحرياتهم الواسعة في جمع المادة اللغوية أبو عمرو بن العالء والمفضل واألصمعي وأبو يزيد األنصاري‬
‫وأبو عبيدة والخليل بن أحمد الفراهيدي‪.‬‬

‫" وكان ابو عمرو بن العالء اول من ابتدع طريق السماع للغوي الميداني وقد تجول في البادية قرابة أربعين سنة‬

‫ومن طرقهم في التحري إلثبات الفصاحة أنهم كانوا يلجأون إلى مقاييس لغوية محظة السيما بعد ان اخذ اللحن يتسلل الى‬
‫العربية بفعل االختالط باألعاجم في الحواضر وقد استقرت لهم االصول والقواعد المطردة بعد استقائهم للمسموع كرفع‬
‫الفاعل والمبتدأ والخبر وجر المضاف اليه ونصب المفعول وصياغة اسم الفاعل ونحو ذلك فكانوا يختبرون العربي حتى‬
‫يثبتوا من فصاحته قبل أن ينقلوا عنه شيئا من ال مسموع فقد يطلبون منه ان ينشدهم شيئا من الشعر ليوروا مدى مطابقة‬
‫انشاده لتلك االصول والقواعد التي عرفوها مما اطرد من كالم العرب الفصحاء فإذا خالف بعض تلك األصول شككوا في‬
‫فصاحته و عزفوا عن أخذ اللغة منه ‪ ،‬وقد يحاولون أن يلقنوه بعض العبارات الملحونة فإذا فهمها ولم يعترض عليها‬
‫طعنوا في فصاحته وأعرضوا عنه‪.‬‬

‫ويعد أقدم شعر نقله اللغويون ورواه سيبويه عن شيوخه يعود الى ثالثة قرون ونصف القرن قبل الهجرة كشعر جذيمة‬
‫األبرش‪ ،‬والزباء أعصر بن سعد ولكن ما وصل الى اللّغويين من هذا العهد شيء قليل جدا ألنهم لم يقصدوا القصائد وإنما‬
‫كانت لهم أبيات يقولونها في حاجتهم‪.‬‬

‫وأما من قصد القصائد فأمثال المهلهل‪ ،‬وزهير بن جناب‪ ،‬وعبيد األبرص وسعد بن مالك وأقدمهم يسبق الهجرة النبوية‬
‫بقرنين على االكثر وامتد الشعر الذي نقله النحويون و استشهدوا به الى اواخر القرن الثاني للهجرة وكان شعر ابن هرمة (‬
‫ت ‪176‬هـ) آخر ما احتجوا به وقد وقفوا عنده لتفشي اللحن بعد ذلك في الحواضر‪.‬‬

‫أما بالنسبة للبادية فظلت فصيحة لعزلتها وسالمتها من االختالط باألعاجم إلى أن أخذ اللحن ينتشر بها بحلول القرن الرابع‬
‫و ما كاد هذا القرن ينقضي حتى خرجت الفصاحة من البادية ايضا فأعرض الن حويون عن االستشهاد بكالمهم هم أيضا‪.‬‬

‫ونخلص من ذلك أن الطبقات التي احتج بها النحويون هي‪:‬‬

‫‪ -1‬طبقة الجاهليين‪ :‬وهم الذين سبقوا ظهور االسالم كامرئ القيس واألعشى وطرفة بن العبد‬

‫‪ -2‬طبقة المخضرمين‪ :‬وهم الذين عاصروا الجاهلية واالسالم كحسان بن ثابت ولبيد وكعب بن زهير‬

‫‪ -3‬طبقة االسالميين كجرير واألخطل والفرزدق وتنتهي بابن هرمة (توفي ‪176‬هـ)‬

‫‪29‬‬
‫وامتنع النحويون عن االحتجاج بـالطبقة الرابعة لتفشي اللحن فيها وهي طبقة المولدين أو المحدثين وهم من جاء بعدهم إلى‬
‫زماننا هذا كبشار وأبي نواس والبحتري وأبي تمام والمتنبي وغيرهم‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫القيـــــــــــاس‬

‫مفهوم القياس‪:‬‬

‫يراد به التقدير ورد في لسان العرب أن قاس الشيء يقيسه قيسا قياسا واقتاسه وقيسه إذا قدره على أمثاله وجاء في المعجم‬
‫الوسيط أن القياس في اللغة هو رد الشيء الى نظيره‪.‬‬

‫و القياس أيضا هو التسوية بين شيئين ألن تقدير الشيء بمثاله تسوية بينهما يقال فالن يقاس بفالن بمعنى يساويه‪.‬‬

‫أ ّما في االصطالح‪:‬‬

‫هو حمل الشيء على الشيء بجامع وهو إلحاق الفرع باألصل بجامع‪ ،‬وهو إجراء حكم االصل على الفرع لجامع‪.‬‬

‫سـ ّم فاعله على الفاعل بجامع االسناد اذ ان كال منهما اسند الى الفعل فرفع نائب الفاعل قياسا على‬
‫ومثل ذلك حمل ما لم يُ َ‬
‫الفاعل بجامع االسناد‪ ،‬ويسمى هذا الجامع علة فالقياس جرى بحمل المقيس أو الفرع وهو نائب الفاعل على المقيس عليه أو‬
‫األصل وهو الفاعل في حكم االعراب وهو الرفع بجامع أو بعلة مشتركة هي اإلسناد‪.‬‬

‫إذن البد من توفر أربعة أركان في القياس المقيس عليه (األصل) والمقيس ( الفرع) والحكم‪ ،‬والجامع أو العلّة‪.‬‬

‫المقيس عليه‪:‬‬

‫وشرط في المقيس عليه أن يكون االكثر في بابه ألن القياس يقتضي الحمل على األكثر ولهذا فإنه ال يصح الحمل على النادر‬
‫والشاذ والمراد بالشاذ ما فارق القياس الذي عليه بابه يقول ابن جني‪ :‬فجعل اهل علم العرب ما استمر من الكالم في االعراب‬
‫وغيره من مواضع الصناعة مطردا‪ ،‬وجعلوا ما فارق ما عليه بقية بابه وانفرد عن ذلك إلى غيره شاذا‪.‬‬

‫والكثرة هاهنا غير مرتبطة بنسبة عددية فقد يكون القليل كثيرا في بابه وقد يكون الكثير قليال في بابه فال يقاس عليه من ذلك‬
‫قوله في النسبة ال ى شنوءة شنئي فلك أن تقول في ركوبة ركبي وفي حلوبة حلبي قياسا على شنئي وذلك أنهم أجروا (فعولة)‬
‫مجرى (فعيلة) لمشابهتها إياها من أوجه أن كال منها ثالثي وأن ثالثه حرف لين وأن آخره حرف تأنيث وأن "فعوال"‬
‫و"فعيال" يتوردان نحو أثيم وأثوم ورحيم ورحوم‪ ،‬فلما استمرت حال فعيلة وفعولة هذا االستمرار جرت واو شنوءة مجرى‬
‫ياء حنيفة فكما قالوا حنفي قالو شنئي ويرد األخفش على من يعترض على هذا القياس بأن شنئي هو العنصر الوحيد الذي جاء‬
‫في بابه على هذه الصورة من فعولة ثالثه واو وليس ياء فكيف يقاس على باب ليس يتكون اال من عنصر واحد قال‬
‫األخفش مجيبا " فإنه جميع ما جاء في بابه وقد استحسن ابن جني هذا القياس قائال ما ألطف هذا الجواب ‪ :‬ومعناه أن الذي‬
‫جاء في " فعولة " هو هذا الحرف والقياس قابله ‪ ،‬ولم يأت فيه شيء بنقضه ( أي من السماع) فإذا قاس االنسان على جميع‬
‫ما جاء وكان أيضا صحيحا في القياس مقبوال فال لوم‪.‬‬

‫المقيس‪:‬‬

‫وهو المحمول على كالم العرب وعلى سمته فقد يكون المقيس لفظا غير منقول وغير مستعمل عند المتكلم فيستحدثه‬
‫بحمله على ما يستعمله و يعرفه من نظائره من المنقول فهو لم يستعمل كل حال وال كل فاعل وال كل مفعول وال كل اسم‬

‫‪31‬‬
‫آلة يقول من الفعل صفا مصفاة قياس على نظائره مم ا هو مستعمل ومختزن في ذاكرته نحو مقالة ومكواة ومرآة وان لم‬
‫ينطق بها من قبل‪.‬‬

‫وهناك ضرب من المقيس يكون حكمه معلوما ثابتا بالنص وبدليل السماع ولكنه ال يستحق هذا الحكم باألصالة كحمل " ما‬
‫" الحجازية على " ليس " في العمل وأصلها أن ال تعمل ألنها غير مختصة بفعل أو باسم‪ ،‬وذلك لعلّة اشتراكها مع ليس‬
‫في معنى النفي فالنحوي يرى أن هذا القياس هو قياس المتكلم وليس قياسه هو ولذلك ينسبه الى المتكلم إذ ليس له فيه إال‬
‫فضل االكتشاف وفي ذلك يقول سيبويه " أ ّما أهل الحجاز فيشبهونها بليس إذا كان معناها كمعناها "‪.‬‬

‫ومما سبق نتبين أن شرط المقيس أن يربطه بالمقيس عليه جامع يسمى علة حتى يلحق المقيس بالمقيس عليه في الحكم‬
‫وهذا الجامع يرد على وجوه فقد يكون علة أوجبت حكما واحدا في المقيس والمقيس عليه وقد يكون ضربًا من الشبه‬
‫أوجب للمقيس حكم المقيس عليه‪...‬‬

‫أقسام القياس‪:‬‬

‫سماه بعض المحدثين‬‫إذا نطرنا الى األقيسة التي يجريها سيبويه في كتابه فإننا نستطيع ردّها الى قياسين‪ :‬قياس أصلي و ّ‬
‫وسماه أخرون القياس االستعمالي‪ ،‬كما س ّماه غيرهم قياس األنماط‪ .‬و قياس تعليلي وقد س ّماه بعضهم‬
‫ّ‬ ‫القياس االستقرائي‪،‬‬
‫قياس األحكام وس ّماه غيرهم القياس ال ّ‬
‫شكلي‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫قضية االحتجاج في اللغة‬ ‫للمطالعة‪:‬‬
‫د‪ .‬سيد مصطفى أبو طالب‬
‫قام العلماء بتقسيم هذا التراث إلى‪ :‬القرآن الكريم‪ ،‬والحديث الشريف‪ ،‬والشعر‪ ،‬والنثر‪ ،‬وسأتناول كل واحد منها على‬
‫حدة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬القرآن الكريم‪:‬‬ ‫ً‬


‫علَى‬
‫أما القرآن فال خالف بين جمهور العلماء في االستشهاد به‪ ،‬ولو بالشاذ منه؛ قال الفراء في قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َ‬
‫شعر[‪.]1‬‬‫أعرب وأقوى في الحجة من ال ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫ار ِه ْم ِغش ََاوة ٌ ﴾ [البقرة‪ :]7 :‬والكتاب‬
‫ص ِ‬‫أ َ ْب َ‬

‫وقال ابن جني في الشاذ من القراءات‪ :‬وضربًا تعدى ذلك[‪ ،]2‬فسماه أهل زماننا شاذا؛ أي خار ًجا عن قراءة القراء‬
‫السبعة المقدم ذكرها‪ ،‬إال أنه مع خروجه عنها نازع بالثقة إلى قرائه‪ ،‬محفوف بالروايات من أمامه وورائه‪ ...‬لكن‬
‫س ْمت العربية مهلة‬
‫بجرانه‪ ،‬آخذ من َ‬
‫غرضنا منه أن نرى وجه قوة ما يسمى اآلن شاذا‪ ،‬وأنه ضارب في صحة الرواية ِ‬
‫ميدانه[‪.]3‬‬

‫ترا‪ ،‬أم آحادًا‪ ،‬أم‬


‫وقال ال سيوطي‪ :‬أما القرآن فكل ما ورد أنه قرئ به جاز االحتجا ُج به في العربية‪ ،‬سواء أكان متوا ً‬
‫سا معلو ًما‪ ،‬بل ولو خالفته يحتج بها‬
‫الناس على االحتجاج بالقراءات الشاذة في العربية إذا لم تخالف قيا ً‬
‫ُ‬ ‫شاذا‪ ،‬وقد أطبق‬
‫في مثل ذلك الحرف بعينه‪ ،‬وإن لم ي ُج ِز القياس عليه‪ ،‬كما يحتج بالمجمع على وروده ومخالفته القياس في ذلك الوارد‬
‫بعينه‪ ،‬وال يقاس عليه‪ ،‬نحو‪ :‬استحوذ‪ ،‬ويأبى‪.‬‬

‫وما ذكرته من االحتجاج بالقراءة الشاذة ال أعلم فيه خالفًا بين النحاة‪ ،‬وإن اختلف في االحتجاج بها في الفقه‪ ،‬ومن ثَم‬
‫احتج على جواز إدخال الم األمر على المضارع المبدوء بتاء الخطاب بقراءة‪( :‬فَبِذَلِكَ فَ ْلت َ ْف َر ُحوا) [يونس‪ ،]58 :‬كما‬
‫طايَاكُ ْم ﴾ [العنكبوت‪.]12 :‬‬ ‫احتج على إدخالها على المبدوء بالنون بالقراءة المتواترة‪َ ﴿ :‬و ْلنَحْ ِم ْل َخ َ‬

‫اء َالهٌ َوفِي ْاألَ ْر ِ‬


‫ض َالهٌ)‬ ‫(وه َُو الهذِي فِي ال ه‬
‫س َم ِ‬ ‫واحتج على صحة قول من قال‪ :‬إن (هللا) أصله (اله) بما قُرئ شاذا‪َ :‬‬
‫[الزخرف‪.]4[]84 :‬‬

‫ثانيًا‪ :‬االحتجاج بالحديث الشريف‪:‬‬


‫أما الحديث فقد انقسموا فيه إلى فريقين‪ :‬فريق يمنع االستشهاد به في مسائل اللغة‪ ،‬وح هجتهم في ذلك أن األحاديث ي ُجوز‬
‫كثيرا من الرواة كانوا من المولهدين الذين عاشوا بعد عصور االحتجاج‪ ،‬وهؤالء يجوز عليهم‬‫ً‬ ‫روايتها بالمعنى‪ ،‬كما أن‬
‫اللحن[‪.]5‬‬

‫يجوزون االستشهاد بنصوص األحاديث في مسائل اللغة‪ ،‬فحجتهم أنه إذا جاز اللحن في رواية الحديث‪،‬‬ ‫أما القلة ممن ّ ِ‬
‫ع الديني يساعد على تذكر‬‫فكذلك يقال في رواية األشعار‪ ،‬بل إن احتمال اللحن في رواية األشعار أكثر؛ وذلك ألن الواز َ‬
‫نصوص األحاديث‪ ،‬ويعمل على صيانتها من أي انحراف[‪.]6‬‬
‫ع ِني بنقل ألفاظها‪.‬‬
‫فجوزوا االحتجاج باألحاديث التي ُ‬
‫على أنه توجد طائفة من العلماء قد توسطوا في ذلك‪ ،‬ه‬

‫أجالف‬
‫ِ‬ ‫قال الشاطبي‪ :‬لم نجد أحدًا من النهحْ ويين استشهد بحديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وهم يستشهدون بكالم‬
‫العرب وسفهائهم الذين يبولون على أعقابهم وأشعارهم التي فيها الفُحش والخَنا‪ ،‬ويتركون األحاديث الصحيحة؛ ألنها‬
‫تنقل بالمعنى[‪.]7‬‬

‫فالمانعون يحت ُّجون بأمرين‪:‬‬


‫األحاديث لم تُن َقل كما ُ‬
‫س ِمعت من النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وإنما ُرويت بالمعنى‪.‬‬ ‫َ‬ ‫‪-1‬أن‬
‫‪ -2‬وأن أئمةَ النحو المتقدمين من البصرة والكوفة لم يحت ُّجوا بشيء منه‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫جوزون على األمرين فقالوا‪:‬‬ ‫وقد رد ال ُم ّ ِ‬
‫• إن النقل بالمعنى إنما كان في الصدر األول قبل تدوينه في الكتب وهم م همن يُحتج بهم؛ ألنهم في عصور االحتجاج‪،‬‬
‫وغايته تبديل لفظ بلفظ‪ ،‬وهذا يص ُّح االحتجاج به‪.‬‬
‫• وأنه ال يلزم من عدم استدالل المتقدمين بالحديث عد ُم صحة االستدالل به‪.‬‬

‫ً‬
‫معتدال‪ ،‬فنقسم األحاديث قسمين‪ :‬قسم يستشهد بنصوصه‪ ،‬وقسم‬ ‫ويرى بعض الدارسين المح َدثين أننا يجب أن نقف موقفًا‬
‫ال يحتج به في مسائل اللغة‪.‬‬

‫فيستشهد باألحاديث اآلتية‪:‬‬


‫ي‬
‫حم َ‬
‫ف أنفه)[‪( ،]8‬اآلن ِ‬ ‫ْ‬
‫‪-1‬ما يروى بقصد االستدالل به على فصاحته صلى هللا عليه وسلم؛ مثل‪( :‬مات َحت َ‬
‫الوطيس)[‪ ،]9‬وككتابه إلى وائل بن حجر‪ ،‬واألمثال النبوية‪ ،‬فهذا يص ُّح االستشهاد به في العربية‪.‬‬
‫‪ -2‬ألفاظ القنوت والتحيات واألدعية وغيرها من أقوال التعبد‪.‬‬
‫مصادر متعددة وبلفظ واحد‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪ -3‬أحاديث من‬
‫‪ -4‬أحاديث يرويها أولئك الذين ُربُّوا في بيئة عربية؛ كأنس والشافعي‪.‬‬
‫‪ -5‬ما عُرف ِمن حال رواته أنهم ال ي ُِجيزون رواية الحديث بالمعنى؛ كابن سيرين‪ ،‬والقاسم بن محمد‪ ،‬ورجاء بن حيوة‪،‬‬
‫وعلي بن ال َمديني[‪.]10‬‬

‫متأخرا أو التي غُمزت في صحتها أو األحاديث التي شذهت روايتُها‪ ،‬فال يحتج بها[‪.]11‬‬
‫ً‬ ‫أما التي د ّ ُِونت‬

‫ينبني على تخريجه ودراسة أسانيده‬


‫َ‬ ‫ويمكن أن نخرج من هذا العرض برأي‪ :‬أن قَبو َل االستشها ِد بالحديث َ‬
‫وردهه يجب أن‬
‫وتتبُّع ألفاظه ورواياته‪ ،‬فإذا ظهر من خالل ذلك أنه محفوظٌ في الحديث عن النبي أو َمن دونه ممن يُحت َج بكالمه في‬
‫اللغة‪ ،‬كأن يتفقَ الرواة جميعهم أو أكثرهم على لفظه ‪ -‬فإنه يص ُّح أن يستشهد به‪.‬‬

‫مداره على راو متأخر ال يستشهد بكالمه في اللغة‪ ،‬فإن كان محفو ً‬
‫ظا عنه‪ ،‬وصح اإلسنا ُد منه إلى النبي‪ ،‬أو َمن‬ ‫ُ‬ ‫وإن كان‬
‫دونه ممن يحتج بكالمه في اللغة‪ ،‬وليس رواتُه ممن ُر ِمي باللحن في حديثه‪ ،‬ولم يظهر من خالل دراسته وقوعُ الخطأ‬
‫"أي التصحيف" في روايتِه ‪ -‬فإنه يصح أن يُستش َهد به‪.‬‬

‫غير محفوظ في الحديث عن النبي أو َمن دونه ممن‬


‫أما إذا ظهر ِمن خالل التخريج والدراسة أن اللفظ المستشهد به ُ‬
‫يحتج بكالمه في اللغة ‪ -‬فإنه ي َُردُّ‪ ،‬وال يصح االستشهاد به[‪.]12‬‬

‫شعر‪:‬‬‫ثالثًا‪ :‬االستشهاد بال ِ ّ‬


‫قسم العلماء الشعراء إلى طبقات[‪:]13‬‬
‫طرفة وامرئ القيس وعنترة والنابغة وغيرهم‪.‬‬ ‫كزهير و َ‬‫‪ -1‬طبقة الجاهليين‪ُ :‬‬
‫المخضرمين‪ ،‬وهم الذين ش ِهدوا الجاهلية واإلسالم‪ :‬كحسان ولَبيد والخنساء وكعب بن زهير‪.‬‬ ‫َ‬ ‫‪ -2‬طبقة‬
‫‪ -3‬اإلسالميين‪ ،‬وهم المتق ّدِمون الذين كانوا في صدر اإلسالم‪ :‬ك َجرير والفرزدق واألخطل‪.‬‬
‫‪ -4‬المولهدين‪ ،‬ويقال لهم ال ُمح َدثون‪ ،‬وهم َمن بعدهم إلى زماننا‪ :‬كب ه‬
‫شار وأبي نُواس‪.‬‬
‫فالطبقتان األُوليان يستشهد ب ِشعرهما إجما ً‬
‫عا‪ ،‬وأما الثالثة فالصحي ُح صحةُ االستشهاد بكالمها‪.‬‬ ‫ِ‬

‫سن البصري وعبدهللا بن شبرمة يُل ِ ّحنون الفرزدق وال ُكميت وذا‬
‫وقد كان أبو عمرو بن العالء وعبدهللا بن إسحاق والح َ‬
‫ظاهرا‪ ،‬وكانوا يعُدونهم من المولهدين؛ ألنهم كانوا في عصرهم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الرمة وأضرابهم في عدة أبيات أُخذت عليهم‬
‫والمعاصرة حجاب[‪.]14‬‬

‫‪34‬‬
‫قال ابن رشيق‪ :‬كلُّ قديم من الشعراء فهو ُمح َدث في زمانه باإلضافة إلى َمن كان قبله‪ .‬وكان أبو عمرو يقول‪ :‬لقد أحسن‬
‫جريرا والفرزدق ‪ -‬فجعله مولهدًا باإلضافة إلى‬
‫ً‬ ‫هذا المولهد‪ ،‬حتى لقد هممتُ أن آمر صبياننا برواية شعره ‪ -‬يعني بذلك‬
‫والمخضرمين‪ ،‬وكان ال يعُ ُّد الشعر إال من المتقدمين‪ ،‬قال األصمعي‪ :‬جلستُ إليه عشر ِح َجج فما سمعتُه‬
‫َ‬ ‫ِشعر الجاهلية‬
‫يحت ُّج ببيت إسالمي[‪.]15‬‬

‫وأما الطبقة الرابعة فالصحيح أنه ال يستشهد بكالمها مطلقًا‪ ،‬وقد يُستشهد بكالم َمن يوثق به منهم‪ ،‬واختاره الزمخشري؛‬
‫فإنه استشهد بشعر أبي تمام في عدة مواضع‪ ،‬وقال‪ :‬وهو وإن كان مح َدثًا ال يُستش َهد بشعره في اللغة‪ ،‬فهو ِمن علماء‬
‫العربية‪ ،‬فأجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه‪ ،‬أال ترى إلى قول العلماء‪ :‬الدلي ُل عليه بيت الحماسة‪ ،‬فيقتنعون بذلك بروايتِه‬
‫وإتقانه[‪.]16‬‬

‫يصرح بثقته في شعر أبي ت همام وأضرابه؛ ولذا فهو يستشهد به ‪ -‬فهناك من اللُّغويين َمن استشهد‬
‫ِّ‬ ‫وإذا كان الزمخشري‬
‫في استخفاء بشعرا َء ِمن هذه الطبقة‪.‬‬

‫ومن هؤالء‪ :‬الخليل بن أحمد‪ ،‬الذي استشهد في كتابه العين بحفص األموي‪ ،‬وبشار بن بُرد[‪.]17‬‬

‫واستش َهد سيبوي ِه في كتابه ببيت لبشار بعد أن توعهده بالهجاء‪ ،‬وأصحاب بشار يروون له هذا البيت[‪:]18‬‬
‫ب‬
‫نصحه بلبي ِ‬
‫َ‬ ‫وما ك ُّل ذي لبّ بمؤتيكَ نُص َحه ♦♦♦ وما ك ُّل ُمؤْ ت‬

‫نصف هذا البيت اآلخر‪ ،‬وهو في باب اإلدغام‪ ،‬لم يسم قائله[‪.]19‬‬
‫ُ‬ ‫وفي الكتاب‬

‫وفي االقتراح للسيوطي‪ :‬أو ُل الشعراء المح َدثين بشار بن برد‪ ،‬وقد احتج سيبويه في كتابه ببعض شعره تقربًا إليه؛ ألنه‬
‫كان هجاه لتركه االحتجا َج ب ِشعره[‪.]20‬‬
‫بعض النصوص التي لها داللتها في هذا الصدد‪.‬‬
‫َ‬ ‫إن ِمن اإلنصاف أن نورد‬

‫ص ِر هللاُ العلم والشعر والبالغة على زمن دون زمن‪ ،‬وال خص به قو ًما دون قوم‪ ،‬بل جعل ذلك‬
‫قال ابن قتيبة‪ :‬ولم يق ُ‬
‫ً‬
‫مشتر ًكا مقسو ًما بين عباده في كل دهر‪ ،‬وجعل ك هل قديم حديثا في عصره[‪.]21‬‬

‫ض ْعه عندنا تأ ُّخ ُر قائله أو فاعله‪ ،‬وال حداثةُ‬


‫سن ِمن قول أو فعل ذكرناه له‪ ،‬وأثنينا به عليه‪ ،‬ولم ي َ‬ ‫ثم قال‪ :‬فكل َمن أتى بح َ‬
‫شرف صاح ِبه وال تقدُّمه[‪.]22‬‬ ‫ُ‬ ‫سنِّه‪ ،‬كما أن الرديء إذا ورد علينا للمتق ّدِم أو الشريف لم يرفعه عندنا‬

‫وقال الجرجاني‪ :‬إن الشعر عل ٌم من علوم العرب‪ ،‬يشترك فيه الطب ُع والرواية والذكاء‪ ،‬ثم تكون الدربة مادةً له‪ ،‬وقوة لكل‬
‫واحد من أسبابه؛ ف َمن اجتمعت له هذه الخصا ُل فهو المح ِسن المبرز‪ ،‬وبقدر نصيبه منها تكون مرتبته من اإلحسان‪،‬‬
‫ضل في هذه القضية بين القديم والمح َدث‪ ،‬والجاهلي وال ُمخضرم‪ ،‬واألعرابي والمولهد[‪.]23‬‬ ‫ولست أف ِ ّ‬
‫المراجع‪:‬‬
‫[‪ ]1‬معاني القرآن للفراء ‪.14 /1‬‬
‫يقصد القراءات المتواترة‪.‬‬
‫[‪ِ ]2‬‬
‫[‪ ]3‬المحتسب ‪.33 ،32 /1‬‬
‫[‪ ]4‬االقتراح للسيوطي ص ‪.68 ،67‬‬
‫[‪ ]5‬خزانة األدب للبغدادي ‪.9 /1‬‬
‫[‪ ]6‬في اللهجات العربية إلبرا يم أنيس ص‪.50‬‬
‫[‪ ]7‬خزانة األدب ‪.12 /1‬‬
‫[‪ ]8‬المسند ‪.340 /26‬‬
‫[‪ ]9‬المسند ‪.298 /3‬‬

‫‪35‬‬
‫[‪ ]10‬االحتجاج بالنعر في اللغة د‪ /‬محمد حسن جبل ص ‪.74‬‬
‫[‪ ]11‬في اللهجات العربية ص‪ ،51‬ومجلة مجمع اللغة العربية بالقا رة ‪.197 /3‬‬
‫[‪ ]12‬مواقف النحاة من االستنهاد بالحديث؛ د‪ /‬ياسر بن عبدهلل الطريفي؛ نبكة األلوكة‪.‬‬
‫[‪ ]13‬ينظر‪ :‬العمدة في محاسن النعر ص‪.113‬‬
‫[‪ ]14‬خزانة األدب ‪.6 /1‬‬
‫[‪ ]15‬العمدة ص‪.90‬‬
‫[‪ ]16‬خزانة األدب ‪ ،7 /1‬والكناف ‪.208 ،207 /1‬‬
‫[‪ ]17‬ينظر‪ :‬العين ‪ ، 68 /5 ،25 /4 ،96 /2 ،236 /1‬البحث اللغوي عند العرب د‪ /‬أحمد مختار عمر‬
‫وتطورا د‪ /‬حسين نصار ص‪.265‬‬ ‫ً‬ ‫ص‪ ،49‬والمعجم العربي ننأة‬
‫[‪ ]18‬ديوان بنار ‪ ،23 /4‬في الملحقات‪.‬‬
‫[‪ ]19‬ينظر‪ :‬الكتاب لسيبويه ‪.441 /4‬‬
‫[‪ ]20‬االقتراح ص‪ ، 122‬وينظر‪ :‬بحوث ومقاالت في اللغة د‪ /‬رمضان عبدالتواب ص‪.99 ،98‬‬
‫[‪ ]21‬النعر والنعراء البن قتيبة ‪.64 /1‬‬
‫[‪ ]22‬السابق نفسه‪.‬‬
‫[‪ ]23‬الوساطة بين المتنبي وخصومه ص‪.15‬‬

‫‪36‬‬
‫االحتجاج في العربية‬
‫المصدر‪ :‬مجلة العرب‪ ،‬العدد ‪ ،5‬السنة ‪ ،23‬ص‪ ،355-342‬د‪ .‬محمود فجال‪.‬‬

‫تعريف االحتجاج والباعث عليه‪:‬‬

‫سليقة‪ ،‬وإنما‬
‫ي فصيح سليم ال ّ‬
‫االحتجاج و إثبات صحة قاعدة‪ ،‬أو استعمال كلمة أو تركيب بدليل ص ّح سنده إلى عرب ّ‬
‫احتاج القوم إلى االحتجاج ل ّما خافوا على سالمة اللغة العربية بعد أن اختلط أ لها باألعاجم‪ ،‬إثر الفتوح وسكنوا بالد م‬
‫وعاينو م‪ ،‬ننأ عن لل أخل وعطاء في اللغة‪ ،‬و إلى التفريط في صيانة الدين من جهة ثانية‪ ،‬إل كانت سالمة إحكامه‬
‫موقوفة على حسن فهم المستنبط لنصوص من القرآن الكريم والحديث النريف وكان في ضعف اللغة تضييع لهلا‬
‫الفهم ‪.‬‬

‫‪ -‬و يعد اللحن الباعث األول على تدوين اللغة وجمعها وعلى استنباط قواعد النحو وتصنيفها فقد كانت حوادثه المتتابعة‬
‫ب على صوته أولو الغيرة على العربية و اإلسالم‪.‬‬
‫نلير الخطر اللي ّ‬

‫مصدر من مصادر االحتجاج به في اللغة والنحو والصرف بعد كتاب هللا – تعالى – وحديث‬ ‫ٌ‬ ‫كالم العرب شعرا ً ونثراً‬
‫رسو ِله ومصطفاه صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫وجمي ُع العرب ول ُد إسماعيل – عليه الصالة والسالم – فقد أنطقه هللا – عزوجل – بالعربية ال ُمبِينَ ِة على غير التلقين‬
‫والتمرين‪ ،‬وعلى غير التدريب والتدريج‪.‬‬
‫َ‬
‫ففي ((طبقات فحول الشعراء)) – ‪( :– 9 :1‬قال يونس بن حبيب‪ :‬أ هو ُل من تكلم بالعربية‪ ،‬ونسي لسانَ أبيه إسماعيل بن‬
‫إبراهيم – صلوات هللا عليهما –)‪.‬‬
‫ويستثنى من ذلك قبائ ُل ِح ْميَ ِر‪ ،‬وبقايا ُج ْره َُم‪.‬‬
‫و في ((طبقات فحول الشعراء)) – ‪( – 11 :1‬قال أبو عمرو بن العالء‪ :‬ما لسانُ حمير وأقاصي اليمن اليوم بلساننا‪،‬‬
‫وال عربيتهم بعربيتنا‪ ،‬فكيف بما على عهد عاد وثمو َد مع تداعيه ووهبه)‪.‬‬
‫وكان العرب – قديما ً – يقطنون اليمن والحجاز وما جاورهما‪ ،‬ثم انتشروا في سائر البالد‪.‬‬
‫و في ((فقه اللسان)) – ‪( :– 3 :1‬قال يوسف داود الموصلي في كتابه في ((نحو العربية))‪ :‬إن اللغة التي ت ُ ْست َ ْع َمل في‬
‫معظم الغربية الجنوبية من آسيا‪ ،‬وفي مصر‪ ،‬وسائر البالد الشمالية من إفريقية‪ ،‬وفي غير ذلك من األمصار‪ ،‬تسمى اللغة‬
‫العربية نسبة إلى العرب الذين هم في األصل سكانُ اليمن والحجاز‪ ،‬وسائر ما يجاورها من البالد المعروفة بجزيرة‬
‫العرب‪ ،‬وسكان صحارى الشام‪ ،‬والجزيرة والعراق‪.‬‬
‫وكانت اللغة العربية على أنحاء شتى بسبب اختالف قبائل العرب وتوالدهم كما يختلف اآلن لسان البلد الواحد عن لسان‬
‫البلد اآلخر من بالد العرب أنفسهم)‪.‬‬
‫والعربي يحسن اختيار اللفظ للداللة على المعنى المقصود‪ ،‬في موضعه المنشود‪ ،‬وله عناية فائقة في النثر والشعر‪.‬‬
‫قال الشافعي – رحمه هللا – في ((الرسالة)) – ‪( – 42‬لسانُ العرب أوس ُع األلسنة مذهباً‪ ،‬وأكثرها ألفاظاً‪ ،‬وال نعلمه‬
‫يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي‪ ،‬ولكنه ال يذهب منه شيء على عامتها حتى ال يكون موجودا ً فيها من يعرفه)‪.‬‬
‫وهذا كالم حري أن يكون صحيحاً‪ ،‬ولم َيدهعِ أحد ممن مضى حفظ اللغة ك ِلّها‪.‬‬
‫والمراد بكالم العرب المستشهد به كال ُم القبائل العربية الموثوق بفصاحتها‪ ،‬وصفاء لغتها في الجاهلية واإلسالم إلى أن‬
‫فسدت األلسنةُ باالختالط مع األعاجم‪ ،‬وفنشو اللحن‪.‬‬
‫وأفصح العرب قبيلة قريش‪ ،‬ولهذا نزل القرآن الكريم بلغتها‪.‬‬
‫قال أبو نصر الفارابي في أول كتابه المسمى بـ((األلفاظ والحروف))‪( :‬كانت قريش أجود العرب انتقادا ً لألفصح من‬
‫األلفاظ‪ ،‬وأسهلها على اللسان عند النطق بها‪ ،‬وأحسنها مسموعا ً‪ ،‬وأبينها إبانةً ع هما في النفس‪ ،‬والذين عنهم نقلت اللغة‬
‫العربية‪ ،‬وبهم اقتدي‪ ،‬وعنهم أخذ اللسان العربي من بين قبائل العرب هم‪ :‬قيس‪ ،‬وتميم‪ ،‬وأسد‪ ،‬فإن هاؤالء هم الذين عنهم‬
‫أكثر ما أخذ ومعظمه‪ ،‬وعليهم اتكل في الغريب‪ ،‬وفي اإلعراب والتصريف‪ ،‬ثم هُذَيْل‪ ،‬وبعض كنانة‪ ،‬وبعض الطائِيِّينَ ‪،‬‬
‫ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم)‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫وقال أحمد بن فارس في ((الصاحبي)) – ‪ ...( – 34 – 33‬أجمع علماؤنا بكالم العرب‪ ،‬والرواة ألشعارهم‪ ،‬والعلماء‬
‫بلغاتهم وأيامهم ومحا ِلّهم‪ :‬أن قريشا ً أفصح العرب ألسنةً‪ ،‬وأصفاهم لغة‪ ،‬وذلك أن هللا – جل ثناؤه – اختارهم من جميع‬
‫ي الرحمة محمدا ً صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬ ‫العرب واصطفاهم‪ ،‬واختار منهم نب ه‬
‫ووالتَهُ‪ .‬فكانت وفود العرب من ُح هجاجها وغيرهم ي ِفدون إلى مكة للحج‪،‬‬ ‫طانَ حرمه‪ ،‬وجيران بيته الحرام‪ُ ،‬‬ ‫فجعل قريشا ً قُ ه‬
‫ويتحاكمون إلى قريش في أمورهم‪ .‬وكانت قريش تعلهمهم منا ِس َكهم‪ ،‬وتحكم بينهم‪...‬‬
‫ورقه ِة ألسنتها – إذا أتتهم الوفود من العرب‪ ،‬تخيهروا من كالمهم‬ ‫وكانت قريش – مع فصاحتها‪ ،‬وحسن لغاتها‪ِ .‬‬
‫سال ِئ ِق ِه ْم التي طبعوا عليها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وأشعارهم احسنَ لغاتهم‪ ،‬وأصفى كالمهم‪ ،‬فاجتمع ما تخيروا من تلك اللغات إلى نحا ِئ ِز ِه ْم و َ‬
‫فصاروا بذلك أفصح العرب‪.‬‬
‫َ‬
‫سة ربيعة‪ ،‬وال الكس َْر الذي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫جْرفِيهة قيس‪ ،‬وال كشكشَة أسد‪ ،‬وال ك ْسك َ‬ ‫َ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫عنعَنَة تميم‪ ،‬وال َ‬ ‫ْ‬ ‫أال ترى أنك ال تجد في كالمهم َ‬
‫تسمعه من أسد‪ ،‬وقيس مثل‪ :‬يِ ْعلَ ُمون ونِ ْعلم‪ ،‬ومثل‪ِ :‬شعير وبِعيرف)‪.‬‬
‫َ‬
‫والنحاة اعتمدوا في تقعيد القواعد‪ ،‬وتثبيتها على لغات هذه القبائل‪ ،‬فاعتمدوا على لغة قريش‪ ،‬وسموها‪ :‬اللغة الحجازية‪،‬‬
‫ويأتي بعدها في الفصاحة لغةُ تميم‪ ،‬وت ُ ْق َرنُ بكتب النحو والصرف بلغة الحجاز‪.‬‬
‫سد‪ ،‬وبلغة طيء‪.‬‬ ‫وللنُّحاة عانية بذكر لغة قيس‪ ،‬وقد تقرن بلغة الحجاز‪ ،‬وبلغة تميم‪ ،‬كما يعتنون بلغة بني أ َ َ‬
‫العرب المأخوذَ‬
‫َ‬ ‫وفي مقدمة ((فقه اللسان)) – ‪ :– 4 – 3 :1‬قال الشيخ يحيى في رسالته المسماة ((ارتقاء السيادة))‪ :‬إن‬
‫وبعض الطائيين‪ .‬اهـ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ي‪ ،‬الموثوقَ بعربيتهم هم‪ :‬بنو قيس‪ ،‬وتميم‪ ،‬وأسد وهُذَيْل‪،‬‬ ‫عنهم اللسانُ العرب ُّ‬
‫فكانت لغةُ هذه القبائل المذكورة أفص َح لغات العرب‪ ،‬وعليها المعتمد‪ ،‬وإليها المرجع‪ ،‬ومن هذه القبائل‪ :‬بنو قريش‪ ،‬وهم‬
‫بطون مضر ولد إسماعيل ولغتهم مفضلة على غيرهم؛ ألنه فيها نَزَ ل ((القرآن))‪.‬‬
‫أنساب قريش وقيس وهُذَيْل وغيرهم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ومضر هو ابن نزار بن معد بن عدنان وإليه تنتهي‬
‫ب – ‪ – 97 :6‬من‬ ‫ُ‬
‫ي في ((صحيحه)) في ((كتاب فضائل القرآن)) – باب نَزَ َل القرآن بلسان ق َريْش والعَ َر ِ‬ ‫أخرج البخار ُّ‬
‫حديث أنس بن مالك قال‪( :‬فأمر عثمان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبدهللا بن الزبير وعبدالرحمن بن الحارث بن‬
‫هشام أن ينسخوها في المصاحف‪ ،‬وقال لهم‪ :‬إذا اختلفتم أنتم‪ ،‬وزيد بن ثابت في عربية من عربية القرآن فاكتبوها بلسان‬
‫قريش‪ ،‬فإن القرآن أنزل بلسانهم ففعلوا)‪.‬‬
‫ي‪ :‬معنى قول عثمان‪ :‬نزل القرآنُ بلسان قريش‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫وفي ((فتح الباري)) – ‪ :9 :9‬قال القاضي أبو بكر بن الباقالن ُّ‬
‫ع َربِيا} أنه‬ ‫ْ‬
‫أن جمي َعه بلسان قريش‪ ،‬فإن ظاهر قوله – تعالى – { ِإنها َج َعلنَاهُ قُ ْرآنًا َ‬ ‫معظ ُمه‪ ،‬وأنه لم تقم داللة قاطعةُ على ه‬
‫نزل بجميع ألسنة العرب‪ ،‬ومن زعم أنه أراد مضر دون ربيعة‪ ،‬أو هما دون اليمن‪ ،‬أو قريشا ً دون غيره فعليه البيان‪ ،‬ألن‬
‫اسم العرب يتناول الجميع تناوالً واحداً‪.‬‬
‫َ‬
‫وقال أبو شامة‪ :‬يحتمل أن يكون قولُه‪ :‬نزل بلسان قريش أي‪ :‬ابتداء نزوله‪ ،‬ثم أبيح أن يُ ْق َرأ بلغة غيرهم‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫األحرف السبعة‪ ،‬ثم نزل باألحرف السبعة المأذون في قراءتها تسهيالً‬ ‫ِ‬ ‫وتكملته أن يقال‪ :‬إنه نزل أوالً بلسان قريش أح ُد‬
‫َ‬
‫أن الحرف الذي نزل القرآن هأوالً بلسانه أ ْولَى األحرف‪ ،‬فحمل‬ ‫وتيسيراً‪ .‬فلما جمع عثمانُ الناس على حرف واحد رأى ه‬
‫األو ِليهة المذكورة‪.)...‬‬
‫الناس عليه؛ لكونه لسان النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ول ِل َما له من ه‬
‫و((القرآن الكريم)) هو في أعلى مستويات الفصاحة باإلجماع‪.‬‬
‫القرآن فهي أفص ُح مما في غير‬ ‫ِ‬ ‫قال ابن خالويه في ((شرح الفصيح))‪( :‬قد أجمع الناس جميعا ً أن اللغة إذا َو َر َدت في‬
‫خالف في ذلك)‪.‬‬ ‫َ‬ ‫القرآن‪ ،‬ال‬
‫س هكان البراري‬ ‫ي قط‪ ،‬وال عن ُ‬ ‫ض ِر ّ‬
‫ي في ((األلفاظ والحروف))‪ ..( :‬وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن ح َ‬ ‫قال أبو نصر الفاراب ُّ‬
‫ممن كان يسكن أطراف بالدهم التي تجاور سا ِئ َر األمم الذين حولهم؛ فإنه لم يُؤْ َخ ْذ ال من لَ ْخم‪ ،‬وال من ُجذَام؛ لمجاورتهم‬
‫سان‪ ،‬وال من إياد؛ لمجاورتهم أهل الشام‪ ،‬وأكثرهم نصارى يقرأون في‬ ‫أهل مصر وال ِقبْط‪ ،‬وال من قضاعة‪ ،‬وال من غ ه‬
‫صالتهم بالعبرانية‪ ،‬وال من النه ِم ِر‪ ،‬فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونانية‪ ،‬وال من بكر لمجاورتهم للنه َب ِط والفرس‪ ،‬وال‬
‫أز ِد عمان‪ ،‬لمخالطتهم للهند والفرس‪ ،‬وال من أهل اليمن أصالً‪ ،‬لمخالطتهم للهند والحبشة‪ ،‬ولوالدة الحبشة فيهم‪ ،‬وال‬ ‫من ْ‬
‫من بني حنيفة‪ ،‬وسكان اليمامة‪ ،‬وال من ثقيف‪ ،‬وسكان الطائف‪ ،‬لمخالطتهم ت ُ هجار األمم المقيمين عندهم‪ ،‬وال من حاضرة‬
‫الحجاز؛ ألن الذين نقلوا اللغة صادفوهم حين ابتدأوا ينقلون لغة العرب قد خالطوا غيرهم من األمم‪ ،‬وفسدت ألسنتهم‪.‬‬
‫والذي نقل اللغة واللسان العربي عن هؤالء‪ ،‬وأثبتها في كتاب‪ ،‬وصيهرها علما ً وصناعة‪ ،‬هم أهل الكوفة والبصرة فقط‪،‬‬
‫من بين أمصار العرب‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫ونقل ذلك أبو حيان في ((شرح التسهيل)) معترضا ً به على ابن مالك حيث عني في كتبه بنقل لغة لَ ْخم وخزاعة‬
‫وقضاعة‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬وقال‪ :‬ليس ذلك من عادة أئمة هذا الشأن‪.‬‬
‫َت دواوينُ عن العرب ا ْل َع ْر ِ‬
‫باء‬ ‫ثم االعتماد على ما رواه الثقاتُ عنهم باألسانيد المعتبرة من نثرهم‪ ،‬ونظمهم وقد د ّ ُِون ْ‬
‫والط ِر هماح وزهير وجرير والفرزدق وغيرهم‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫كثيرة مشهورة‪ ،‬كـ((ديوان امريء القيس))‬
‫هذه موارد الشواهد النحوية والصرفية عند البصريين الذين كانوا يتشددون في األخذ والتحمل‪ ،‬وال يقبلون كالم من‬
‫اختلط بالحواضر‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫ففي ((طبقات فحول الشعراء)) – ‪( :– 12 :1‬كان ألهل البصرة في العربية ق ْد َمة‪ ،‬وبالنحو ولغات ال َع َرب والغريب‬
‫عناية)‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫أما الكوفيون فقد اعتمدوا على القبائل التي اعتمد عليها البصريون واعتمدوا على لغات أخرى أبى البصريون االستشهاد‬
‫ط البصريون لغتهم ولَ هحنُوها‪ ،‬واتهموا‬ ‫غله َ‬
‫بها‪ ،‬وهي لهجات سكان األرياف الذين وثقوا بهم‪ ،‬كأعراب الحطمية الذين َ‬
‫ُ‬
‫الكسائي بأنه أفسد النحو‪ ،‬أو بأنه أفسد ما كان أخذ بالبصرة‪ ،‬إذ وثق بهم‪ ،‬وأخذ عنهم‪ .‬واحْ ت هج على سيبويه في المناظرة‬
‫التي جرت بينهما بلغاتهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫أما الشعر من كالم العرب فكان النحاة ُ عامة ينظرون إليه بدقة وحذر وال يعتمدون إال على ما ثبت عندهم صحة نسبته‬
‫إلى قائله‪ ،‬وفصاحته‪ ،‬وصدق راويه‪ ،‬والوثوق فيه‪ ،‬وخلوه من الضرورات‪ ،‬لذلك اشتدت عنايتهم بالرواية وأنواعها‬
‫وطرقها‪ ،‬وبصفات الراوي‪ ،‬وما يجب عليه من األمانة والصدق‪ ،‬ونحوها‪.‬‬
‫ويعتمد في تقرير أحكام اللفظ على أشعار الجاهلية‪ ،‬وهم قبل اإلسالم كأمريء القيس وزهير واألعشى‪.‬‬
‫والمخضرمين‪ ،‬وهم الذين أدركوا الجاهلية واإلسالم‪ ،‬كحسان ولبيد واإلسالميين‪ ،‬وهم الذين نشأوا في صدر اإلسالم‪،‬‬
‫كالفرزدق وذي الرمة‪.‬‬
‫وأما المولهدون‪ ،‬ويقال لهم‪ :‬ال ُمحْ َدثون وهم من بعدهم إلى زماننا‪ ،‬وتبتديء طبقتهم ببشار بن برد المتوفى سنة ‪167‬هـ‪،‬‬
‫ُ‬
‫وأبي نواس‪ ،‬الحسن بن هان المتوفى سنة ‪198‬هـ‪ ،‬فال يحت ُّج بشيء من أشعارهم في أحكام اللسان‪.‬‬
‫األولَ َيان يستشهد بشعرهما إجماعاً‪ ،‬وأما الثالثة فالصحيح صحة االستشهاد بكالمها‪.‬‬ ‫فالطبقتان ْ‬
‫ليكف عنه‪.‬‬‫ه‬ ‫وكان بشار قد هجا األخفش‪ ،‬فأورد األخفش في كتبه شيئا ً من شعره‪،‬‬
‫شعر بشار؛ تَقَ ُّربا ً إليه‪ ،‬ألنه كان قد هجاه؛ لتركه االحتجاج بشعره‪.‬‬ ‫وكذلك سيبويه استشهد بشيء من ِ‬
‫واستشهد أبو علي الفارسي في ((اإليضاح))‪ ،102 :‬ببيت أبي تمام الطائي‪ ،‬المتوفى سنة ‪231‬هـ‪ ،‬وهو قوله‪:‬‬

‫ض األماني لم يَزَ ْل َم ْه ُزو‬


‫َر ْو ُ‬ ‫عى َع ْز ِم ِه َوهُ ُم ِ‬
‫وم ِه‬ ‫َم ْن كانَ َم ْر َ‬

‫ال‬
‫ألن أبا تمام يستشهد بشعره‪.‬‬ ‫ض َد الدولة كان يحبُّ هذا البيت‪ ،‬وينشده كثيراً‪ ،‬ال ه‬ ‫ع ُ‬ ‫ه‬
‫ألن َ‬
‫َ‬
‫وذهب بعض علماء العربية إلى صحة االستشهاد بكالم من يوثق به من ال ُمحْ َدثين‪.‬‬
‫ي‪ ،‬فقد استشهد ببيت ألبي تمام في أوائل سورة البقرة من ((الكشاف)) (‪ ،)43:1‬وقال‪:‬‬ ‫و َجنَ َح إلى هذا المذهب الزمخشر ُّ‬
‫َ‬
‫وهو وإن كان ُمحْ َدثا ً ال يستشهد بشعره في اللغة‪ ،‬فهو من علماء العربية‪ ،‬فأجْ عَ ُل ما يقولهُ بمنزلة ما يرويه‪ ،‬أال ترى إلى‬
‫قول العلماء‪ :‬الدليل عليه بيتُ الحماسة‪ ،‬فيقتنعون بذلك؛ لوثوقهم بروايته وإتقانه‪.‬‬
‫ي‪ ،‬فقد استشهد بشعر أبي ت همام في عدة مواع من شرحه لـ((كافية ابن الحاجب))‪.‬‬ ‫الرض ُّ‬
‫ونحا هذا النحو ه‬
‫ي فقال في ((شرح درة الغواص))‪ :‬أجعل ما يقوله المتنبي بمنزلة ما يرويه‪.‬‬ ‫الشهاب الخفاج ُّ‬
‫ُ‬ ‫وجرى على هذا المذهب‬
‫ارها على‬ ‫ُ‬
‫المذهب من ناحية أن الرواية تعتمد على الضبط والعدالة‪ .‬أما الثقة بصحة الكالم‪ ،‬أو فصاحتِه فمد ُ‬ ‫ُ‬ ‫ف هذا‬ ‫ض ِعّ َ‬
‫و ُ‬
‫َم ْن يتكلم بالعربية بمقتضى النشأة والفطرة‪.‬‬
‫وكيف يُحْ ت َ ُّج بأقوال هاؤالء الموله ِديْنَ وقد وقعوا في أغالط كثيرة‪ ،‬ال يستطيع أح ٌد تخريجها على وجه مقبول‪.‬‬
‫ت أقوالهم على سبيل االستئناس به‪ ،‬ولم تجعل دليالً فال بأس به‪.‬‬ ‫فإن ذُ ِك َر ْ‬
‫باب االحتجاج بأقوال الموله ِديْنَ ؛ كيال يلزم االستدالل بكل ما وقع في كالم المحدثين‪ ،‬كالحريري وأضرابه‪،‬‬ ‫وال يُ ْفت َ ُح ُ‬
‫خطأوا المتنبي وأبا تمام والبحتري في أشياء كثيرة‪ ،‬كما هو مسطور في شرح تلك‬ ‫والحجة فيما رووه‪ ،‬ال فيما رأوه‪ ،‬وقد ه‬
‫الدواوين‪ ،‬ويرى ذلك بوضوح في كتب النحو والصرف‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫ص ِ ّح َح بعض ال َك ِل ِم أو األساليب‪ ،‬استنادا ً على استعماالت العلماء في مصنفاتهم إن وردت مخالفة‬ ‫وليس بسديد أن ت ُ َ‬
‫ألساليب العرب في عصور االحتجاج‪ ،‬فلكل َج َواد َكب َْوةٌ‪ ،‬ولكل صارم نَب َْوةٌ‪.‬‬
‫فما يلفظ به رواة الشعر وعلما ُء العربية ال حجة فيه‪ ،‬إاله أن تذ َكره على وجه االستئناس‪ ،‬وأنت َماليء يدك بما هو حجة‪،‬‬
‫منتظر ألن تظفر بالحجة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫أو‬
‫ت الفتو ُح اإلسالمية العرب بالعجم‪.‬‬ ‫َ‬
‫صل ِ‬ ‫ْ‬
‫أبناء العرب‪ ،‬و َمن نشأ في بيئتهم منذ َو َ‬ ‫والفساد في اللغة أسرع إلى ألسنة ِ‬
‫وقد ظهر اللحن بجالء في أواخر عهد الدولة األموية‪ ،‬وكان انقراضها سنة ‪132‬هـ‪.‬‬
‫أما سكان الجزيرة فإنهم ما برحوا على فصاحة اللغة إلى أواسط القرن الرابع‪.‬‬
‫وأما الخاصة من سكان المدن فبقوا على فصاحة اللهجة إلى أوائل عهد الدولة العباسية‪.‬‬
‫ي ِ أنه قال‪ُ :‬ختم الشعر بإبراهيم بن ه َْرمة‪ ،‬وهو آخر َم ْن يُحْ ت ُّج بشعرهم‪ .‬وقد توفي في خالفة‬ ‫ونقل ثعلب عن األصمع ّ‬
‫الرشيد سنة ‪.176‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ينتشر فيها فسا ُد اللغة انتشارا يرفع الثقة بفصاحة لهجتها‪ ،‬يُوث ُق بأقوالهم‪ ،‬ولو كانوا في‬ ‫ْ‬ ‫والذين نشأوا في بيئة عربية لم‬
‫القرن الثالث‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫قال ابن جني في ((الخصائص)) – ‪( – 5 :2‬باب في ترك األخذ عن أهل ال َم َد ِر كما أ ِخذ عن أهل ال َو َب ِر) ِعلة امتناع‬
‫طل‪.‬‬ ‫ت الحاضرةِ وأهل ال َم َد ِر من االختالل والفساد وال َخ َ‬ ‫ض للغا ِ‬ ‫ع َر َ‬ ‫ذلك ما َ‬
‫ي ٌء من الفساد للغتهم‪ ،‬لوجب األخذ عنهم كما يؤخذ عن أهل‬ ‫ش ْ‬ ‫يعترض َ‬
‫ْ‬ ‫ولو عُ ِل َم أن أهل مدينة باقون على فصاحتهم‪ ،‬ولم‬
‫الوبر‪.‬‬
‫قاض عادةِ الفصاحة‬ ‫وكذلك أيضا لو فشا في أهل الوبر ما شاع في لغة أهل ال َم َد ِر من اضطراب األلسنة وخبالها‪ ،‬وانت ِ‬ ‫ً‬
‫وانتشارها‪ ،‬لوجب رفض لغتها‪ ،‬وترك تل ِقّي ما ت َِرد عنها‪ .‬وعلى ذلك العم ُل في وقتنا هذا؛ ألنا ال نكاد نرى بَ َد ِويا فصيحا‪ً.‬‬
‫ض عنه‪.‬‬ ‫وإن نحن آنسنا منه فصاحة في كالمه‪ ،‬لم نكد نع َدم ما يُ ْف ِس ُد ذلك ويقدح فيه‪ ،‬وينال ويَغُ ُّ‬
‫ي المتوفى سنة ‪204‬هـ‪ ،‬نشأ في بيئة عربية‪ ،‬وهي مكة المكرمة وهو حجة في كالمه وعباراته‪ ،‬يصح‬ ‫والشافع ُّ‬
‫االستشهاد بما يستعمله من األلفاظ؛ ألنه يكتب ويتكلم بلغته على سجيته‪ ،‬ويتخير من لغات العرب ما شاء‪.‬‬
‫ولقد كان الشافعي فصي َح اللسان‪ ،‬ناص َع البيان‪ ،‬في الذروة العليا من البالغة‪ ،‬تأدب بأدب البادية‪ ،‬وأخذ العلوم والمعارف‬
‫عن أهل الحضر‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ي ِ حجة في اللغة)‪.‬‬ ‫قال أحمد‪( :‬كال ُم الشافع ّ‬
‫ي))‪( :‬ألفاظ اإلمام الشافعي عربية محضة‪ ،‬ومن عجمة‬ ‫ُ‬ ‫ي في ((إيضاح ما استشكل من مختصر ال ُمزَ نِ ّ‬ ‫وقال األزهر ُّ‬
‫المولدين مصونة)‪.‬‬
‫وقال المازني‪( :‬كالم الشافعي عندنا حجة في النحو)‪.‬‬
‫ي لحن قط)‪.‬‬ ‫وأخرج الحاكم عن الزعفراني قال‪( :‬ما رأيت الشافع ه‬
‫ٌ‬
‫كالم مالك – رضي هللا عنه – المتوفى سنة ‪179‬هـ حجة ثبتُ به القواعد النحوية‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وقالوا‪ :‬إن‬
‫وإنني أعجب كل العجب من بعض النحاة الذين ت َ َبنهوا الص هد عن االحتجاج بكالم سيد الخلق محمد صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫أن الدواعي متوفرة لنقل كالمه صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬واالعتناء به أكثر من‬ ‫تعلالً بالرواية بالمعنى‪ ،‬ورواية العجم‪ ،‬مع ه‬
‫جميع الخلق‪.‬‬
‫وليت شعري‪َ ،‬م ْن أ َ ْولَى من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم باالحتجاج بكالمهف!‬
‫و َم ِن الشافعي و َم ْن مالكٌ – رحمهما هللا – بالنسبة لحامل لواء الرسالة للعالَ ِمينف!‬
‫فمهالً مهالً يا م ْفتُون‪.‬‬
‫وال يجوز االحتجاج بشعر أو نثر ال يُ ْعرف قائله‪ ،‬وعلة ذلك‪ :‬الخوف من أن يكون لمولهد‪ ،‬أو َم ْن ال يوثق بفصاحته‪ .‬فإن‬
‫شعر ُه لآلخر‪ ،‬فيرويه عنه كما‬ ‫َ‬ ‫ضهم‬‫ي ينطق بالعربيهة بمقتضى السليقة فيحت ُّج به‪ ،‬وكان العرب ينشُد بع ُ‬ ‫روى الش ْعر عرب ٌّ‬
‫سمعه‪ ،‬أو يتصرف فيه على مقتضى لغته‪ ،‬ولهذا تكث ُ ُر الرواياتُ في بعض األبيات‪ ،‬ويكون ك ٌل منها صالحا ً لالحتجاج‪،‬‬
‫ف قا ِئلُهُ‪ .‬وقد تلقهى علما ُء‬ ‫كما يُحْ ت َ ُّج بالشعر الذي يرويه من يوثق به في اللغة‪ ،‬واشتهر بالضبط واإلتقان وإن لم يُ ْع َر ْ‬
‫العربية شواهد كتاب ((سيبويه)) بالقبول‪ ،‬وفيها شواهد كثيرة ٌ لم يعرف أسماء قائليها‪ ،‬فإنما يكون الر ُّد وجيها ً إذا روى‬
‫الشعر من لم يكن عربيا ً فصيحاً‪ ،‬ولم يشتهر بالضبط واإلتقان فيما يسوقه من الشعر على أنه عربي فصيح‪.‬‬
‫خاص بما يُ ْست َ ْش َه ُد به في النحو والصرف واللغة‪.‬‬ ‫ٌّ‬ ‫موارد العربية‬
‫ِ‬ ‫أن ما نحنُ بصدده من‬ ‫وال َيغِبْ عنك ه‬

‫‪40‬‬
‫أما ما يتعلق بالشواهد في المعاني والبيان والبديع فإنه يُ ْست َ ْش َه ُد عليها بكالم الشعراء جميعاً‪ ،‬سواء أكانوا في عصر‬
‫االحتجاج أم في غيره‪.‬‬
‫ي في ((شرح بديعية ابن جابر))‪( :‬علوم األدب ستة‪ :‬اللغة‪ ،‬والصرف‪ ،‬والنحو‪ ،‬والمعاني‪ ،‬والبيان‪،‬‬ ‫وإليك ما قاله األندلس ُّ‬
‫والبديع‪ ،‬والثالثة األ ُ َو ُل ال يُستشهد عليها إال بكالم العرب‪ ،‬دون الثالثة األخيرة‪ ،‬فإنه يُستشهد فيها بكالم غيرهم من‬
‫المولدين؛ ألنها راجعة إلى المعاني‪ ،‬وال فرق في ذلك بين العرب وغيرهم؛ إذ هو أمر راجع إلى العقل‪ ،‬ولذلك قُ ِب َل من‬
‫أهل هذا الفن االستشهاد بكالم البحتري وأبي تمام وأبي الطيب وهلُ هم جرا)‪.‬‬
‫ويقول ابن ُجني في ((الخصائص)) – ‪ – 24 :1‬وقد استشهد ببيت للمتنبي‪" :‬وال تستنكر ذكر هذا الرجل – وإن كان‬
‫فإن المعاني يتناهبها المولهدون كما‬
‫متسربه(ف)‪ ،‬ه‬
‫ه‬ ‫مولهدا ً – في أثناء ما نحن عليه من هذا الموضع وغموضه‪ ،‬ولطف‬
‫يتناهبها المتقدمون‪ .‬وقد كان أبو العباس – وهو الكثير التعقب لجله ِة الناس – احت هج بشيء من شعر حبيب بن أوس الطائي‬
‫في كتابه في االشت َقاقَ ‪ ،‬لما كان غرضه فيه معناه دون لفظه"‪.‬‬
‫ضعفت نحيزته‪ ،‬وركت‬ ‫ْ‬ ‫ويقول أيضا ً في ((المحتسب)) – ‪ – 231 :1‬وقد استشهد ببيت للمتنبي‪" :‬وال تقل ما يقوله من‬
‫ث‪ ،‬وباألمس كان معنا‪ ،‬فكيف يجوز أن يحتج به في كتاب هللا – جل وعز – ف فإن المعاني ال‬ ‫طريقته‪ :‬هذا شاعر ُمحْ َد ٌ‬
‫يرفعها تق ُّد ٌم‪ ،‬وال ي ُْزري بها تأ ُّخ ٌر‪ .‬فأما األلفاظ فلعمري أني هذا الموضع معتبر فيها‪ ،‬وأما المعاني ففائتة بأنفسها إلى‬
‫مغرسها‪ ،‬وإذا جاز ألبي العباس أن يحتج بأبي تمام في اللغة كان االحتجاج في المعاني بالمولهد اآلخر أشبه"‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫دعوة الموحدين اللين كان ابن مضاء يميل إليها ي دعوة إلى األخل بمل ب الظا ر في الفقه‬
‫دعوة الموحدين الذين كان ابن مضاء يميل إليها هي دعوة إلى األخذ بمذهب الظاهر في الفقه‪ ،‬هذا المذهب كان ّأول من‬
‫مقاما األصبهاني أصالً‪ ،‬ولد سنة ‪ 200‬هـ‪ .‬درس على تالميذ الشافعي وكان‬‫ي بن خلف البغدادي ً‬ ‫نادى به داود بن عل ّ‬
‫يعجب به و بمذهبه أشد اإلعجاب‪ ،‬ثم خرج عنه‪ .‬قال‪ :‬إن المصادر الشرعية هي النصوص وحدها‪ .‬وال علم في االسالم إالّ‬
‫في النص و أبطل القياس و لم يأخذ به‪ ،‬فقيل له ‪ :‬كيف تبطل القياس وقد أخذ به الشافعيف فقال‪ :‬أخذت أدلة الشافعي في‬
‫إبطال االستحسان فوجدتها تبطل القياس‪ .‬وكان بإجماع العلماء أول من أوجد القول بالظاهر‪.‬‬

‫ي في بالد المشرق في القرنين ‪ 3‬و ‪ 4‬هـ حتى ع ّد رابع مذهب‪ ،‬بعد أن‬
‫انتشر المذهب الظاهري الذي جاء به داود بن عل ّ‬
‫لكن حملة العلماء اشتدّت عليه في ق ‪ 5‬هـ فأضعفته‪ .‬و جاء ابن أبي يعلى (ت‪458‬هـ)‬ ‫فاق مذهب ابن حنبل في االنتشار‪ّ ،‬‬
‫فجعل للمذهب الحنفي مكانة زحزحت المذهب الظاهري و حلّت محله‪ .‬و في الوقت الذي خبا فيه ضوء المذهب الظاهري‬
‫في المشرق كان يحيا حياة قوية في األندلس على يد ابن حزم الذي جعل من الظاهرية مذهبا له أصوله‪ ،‬و كان مذهبه فيه‬
‫يقوم على األخذ بظاهر النصوص‪.‬‬

‫أبطل ابن حزم القياس والقول بالعلل في جميع أحكام الدين ‪ .‬و لم يجز الحكم البتة في شيء من األشياء كلها إالّ بكالم‬
‫ي (صلى هللا عليه وسلّم) أو بما ص ّح عنه من فعل أو إقرار‪ ،‬أو أجماع من جميع علماء األمة كلها‪،‬‬ ‫هللا تعالى أو بكالم النب ّ‬
‫دون مخا لفة من أحد منهم‪ ،‬أو بدليل من النص أو من االجماع المذكور الذي ال يحتمل إالّ وجها واحدا‪ .‬و قال‪ :‬ال يح ّل‬
‫بأن هذا سبب الحكم إالّ أن يأتي به ّ‬
‫نص فقط‪.‬‬ ‫تعليل في الدّين‪ ،‬و ال القول ّ‬

‫شرد‪ّ .‬‬
‫لكن مذهبه لم يمت‪ ،‬فقد ازدهر في‬ ‫لقي ابن حزم األذى في سبيل مذهبه هذا‪ ،‬فأحرقت كتبه‪ ،‬و نفي و سجن و ّ‬
‫سابع الهجري‪ ،‬و ع ّم العمل به في شمالي إفريقية و بالد األندلس كلها‪ ،‬حيث اعتنقه‬‫أواخر القرن السادس و أوائل القرن ال ّ‬
‫حكام األندلس منهم ‪ :‬يوسف بن عبد المؤمن (ت ‪ 580‬هـ) و ابنه يعقوب (ت ‪ 585‬هـ) الذي أمر برفض فروع الفقه‬
‫كلها‪ ،‬كما أمر بأن ال يفتوا إالّ بالكتاب و السنّة و ال يقلدوا أحدا من األئمة المجتهدين القدماء‪ ،‬وأمر بحرق كتب المذاهب‪،‬‬
‫حتى قيل إنّه كان يؤتى باألحمال منها فتوضع وتطلق فيها النار‪ .‬يريد أن ير ّد فقه المشرق إلى المشرق‪ ،‬وجاء ابن مضاء‬
‫فألف كتاب ( الرد على النحاة )‪ ،‬يريد به أن ير ّد نحو المشرق على المشرق‪ .‬بعبارة أخرى يريد أن ير ّد بعض أصول هذا‬
‫النحو و يخ ّلصه من كثرة الفروع فيه وكثرة التأويل مست ّنا في ذلك بسنّة أميره يعقوب‪ ،‬إذ كان يعجب مثله بمذهب‬
‫الظاهرية‪ ،‬فحاول تطبيقه على النحو‪ ،‬وقد بدأ فرفض نظرية العامل التي جعلت النحاة يكثرون من التقدير‪ ،‬و ّ‬
‫ألن هذا يؤدي‬
‫إلى عدم التمسك بحرفية آي الذكر الحكيم تلك الحرفية التي كان يعت ّد بها أصحاب مذهب الظاهر‪ ،‬يضاف إلى هذا فقد أخذ‬
‫عنهم ما يذهبون إليه من رفض التعليل والقياس في الفقه و نادى بتعميم ذلك في النحو‪ ،‬حتى نتخلّص من كل ما يعوق‬
‫جريانه في العقول‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫الخصائص‪ / /‬باب لكر الفرق بين العلة الموجبة وبين العلة المجوزة‬

‫باب في الفرق بين العلة الموجبة وبين العلة المجوزة‬


‫اعلم أن أكثر العلل عندنا مبناها على اإليجاب بها كنصب الفضلة أو ما شابه في اللفظ الفضلة و رفع المبتدأ والخبر‬
‫والفاعل وجر المضاف إليه وغير ذلك‪ .‬فعلل هذه الداعية إليها موجبة لها غير مقتصر بها على تجويزها وعلى هذا‬
‫مقاد كالم العرب‪.‬‬
‫و ضرب آخر يسمى علة و إنما هو في الحقيقة سبب يجوز وال يوجب‪.‬‬
‫من ذلك األسباب الستة الداعية إلى اإلمالة هي علة الجواز ال علة الوجوب أال ترى أنه ليس في الدنيا أمر يوجب‬
‫اإلمالة ال بد منها وأن كل ممال لعلة من تلك األسباب الستة لك أن تترك إمالته مع وجودها فيه‪ .‬فهذه إذا ً علة الجواز‬
‫ال علة الوجوب‪.‬‬
‫ومن ذلك أن يقال لك‪ :‬ما علة قلب واو " أقتت " همزة فتقول‪ :‬علة ذلك أن الواو انضمت ضما ً الزما ً‪ .‬وأنت مع هذا‬
‫تجيز ظهورها واوا ً غير مبدلة فتقول‪ :‬وقتت‪ .‬فهذه علة الجواز إذا ً ال علة الوجوب‪ .‬وهذا وإن كان في ظاهر ما تراه فإنه‬
‫معنى صحيح وذلك أن الجواز معنى تعقله النفس كما أن الوجوب كذلك فكما أن هنا علة للوجوب فكذلك هنا علة‬
‫للجواز‪ .‬هذا ومن علل الجواز أن تقع النكرة بعد المعرفة التي يتم الكالم بها وتلك النكرة هي المعرفة في المعنى فتكون‬
‫حينئذ مخيّرا ً في جعلك تلك النكرة إن شئت حاالً و إن شئت بدالً فتقول على هذا‪ :‬مررت بزيد رجل صالح على البدل‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬مررت بزيد رجالً صالحا ً على الحال‪ .‬أفال ترى كيف كان وقوع النكرة عقيب المعرفة على هذا‬
‫الوصف علة لجواز كل واحد من األمرين العلة لوجوبه‪ .‬وكذلك كل ما جاز لك فيه من المسائل الجوابان والثالثة وأكثر‬
‫من ذلك على هذا الحد فوقوعه عليه علة لجواز ما جاز منه ال علة لوجوبه‪ .‬فال تستنكر هذا الموضع‪.‬‬
‫ال ما فيكون ذلك علة لجواز اسوداده ال لوجوبه قيل‪ :‬هذا في هذا ونحوه ال يجوز‬ ‫فإن قلت‪ :‬فهل تجيز أن يحل السواد مح ً‬
‫بل ال بد من اسوداده البتة وكذلك البياض والحركة والسكون ونحو ذلك متى حل شيء منها في محل لم يكن له بد من‬
‫وجود حكمه فيه ووجوبه البتة له ألن هناك أمرا ً ال بد من ظهور أثره‪ .‬وإذا تأملت ما قدمناه رأيته عائدا ً إلى هذا الموضع‬
‫غير مخالف له وال بعيد عنه وذلك أن وقوع النكرة تلية المعرفة ‪-‬على ما شرحناه من تلك الصفة‪ -‬سبب لجواز الحكمين‬
‫اللذين جازا فيه فصار مجموع األمرين في وجوب جوازهما كالمعنى المفرد الذي استبد به ما أريتناه‪ :‬من تمسك بكل‬
‫سكون‪.‬‬‫واحد من السواد والبياض والحركة و ال ّ‬
‫فقد زالت عنك إذا ً شناعة هذا الظاهر وآلت بك الحال إلى صحة معنى ما قدمته‪ :‬من كون الشيء علة للجواز ال‬
‫للوجوب‪ .‬فاعرف ذلك وقسه فإنه باب واسع‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫جني‬
‫ّ‬ ‫التّعليل النّحوي عند ابن‬
‫أ‪ .‬فاطمة دوحاجي‬
‫المركز الجامعي النعامة (الجزائر)‬

‫ألن آفاق الحياة العلمية‬‫الرابع الهجري أزهر عصور االبتكار في تأليف اللغة و ال ّنحو ‪ ،‬ذلك ّ‬ ‫يع ّد القرن ّ‬
‫كثيرا ‪،‬ونشطت الدّراسات اللغوية نشاطا ال نظير له بالعاصمة بغداد قاعدة الدولة اإلسالمية‪ ،‬وفي هذا‬ ‫ً‬ ‫اتّسعت‬
‫اهتموا بهذه المسألة‬
‫ّ‬ ‫العصر وصل التعليل النحوي إلى أو ّج مراحل ازدهاره‪ ،‬ونضوجه‪ ،‬ومن بين العلماء الذين‬
‫العالم الفذ أبو الفتح عثمان بن جني‪ .‬ونحن في هذا البحث سنحاول أن نتناول بعض القضايا المهمة المرتبطة‬
‫بالتعليل عنده‪ ،‬نحو قضية تصنيفه للعلل النّحوية‪ ،‬وبيان موقفه من العلل الثواني‪،‬مستهلّين هذا البحث بالحديث عن‬
‫تعريف التعليل‪.‬‬
‫أي م ِرض‪ ،‬فهو‬ ‫ّ‬
‫مرة بعد أخرى‪ ،‬والعلة المرض‪ ،‬علّ واعتلّ ْ‬ ‫ي الثمرة ّ‬ ‫ي بعد سقي‪ ،‬وجن ّ‬ ‫التعليل في اللغة‪ :‬سق ّ‬
‫كأن العلّة صارت شغالّ ثانيا منعه شغله األول ‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫عليل‪ ،‬والعلّة الحدث‪ :‬يشغل صاحبه عن حاجته ّ‬
‫أ ّما في االصطالح‪" :‬فالعلّة النحويّة هي الوصف الذي يكون مظنّة وجه الحكمة في اتخاذ االلحكم ‪ ،‬أو بعبارة‬
‫أن العرب الحظته حين اختارت في كالمها وجها معي ًنا من التعبير‬ ‫أوضح هي األمر الذي يزعم النحويّون ّ‬
‫والصياغة"‪.2‬‬
‫والتعليل في النحو في نظر الدكتور حسن خميس الملخ هو تفسير اقتراني لركنين‪ :‬العلة والمعلول‪ ،‬فالعلّة‬
‫سرة‪.3‬‬‫دليل يقترن بالمعلول لتفسيره نحويًا‪ ،‬ويس ّميها بعض النحاة سببًا‪ ،‬والمعلول مدلول عليه بالعلة المفَ ّ‬
‫ظاهرا بأمر التعليل النحوي‪ ،‬وأظهر حماسة ال نظير لها في الدفاع عنه‪ ،‬فقد‬ ‫ً‬ ‫أ ّما ابن جني فقد اهتم اهتما ًما‬
‫وقف أمام علل النحو وقفة طويلة يدرس ويصف‪ ،‬ويحلل ويصنّف فأتى من ذلك بما لم يسبق له من قبل وما لم‬
‫يلحق فيه من بعد‪ ،‬هو ذروة القياس وفلسفته‪ ،‬وأعلي علماء العربيّة كعبًا‪ ،‬في جميع عصورها‪ ،‬وأغوصهم عامة‬
‫على أسرار العربيّة‪ ،‬لقد كان ابن جنّي يعطي كل موضوع حقه من البحث والجهد‪ ،‬فقد أعطى موضوع التعليل‬
‫النحوي من كتاب (الخصائص)‪ ،‬ومن اهتمامه قسطا وافرا وحظا كبيرا فله من ذلك ما يقرب من عشرين بابا‬
‫تحت هذا العنوان ‪ ،‬فمنها‪:‬‬
‫باب ذكر علل العربيّة أكالميّة هي أم فقهيّةف‬ ‫‪-‬‬
‫باب في تخصيص العلّة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫باب في تعارض العلل‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ان العلل إذا لم تتع ّد لم تص ّح‪.‬‬ ‫بابا في ّ‬ ‫‪-‬‬
‫باب في إدراج العلّة واختصارها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫باب في َدور االعتالل‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الحس اللّغوي والشعور‪ ،‬ويستلهم الفطرة والذوق‪ ،‬غير‬ ‫ّ‬ ‫واعتمد ابن جنّي في تصنيفه العلل النحوية على‬
‫محتاج إلى الدّليل والبرهان‪.‬‬
‫ي على إشارات متناثرة‬ ‫وقد انتهج ابن جني منهج الفقهاء في استنباط العلل ‪،‬إذ وقع في استقرائه النّحو العرب ّ‬
‫أوتي دقّة النظر النحوي وثقافة كالميّة فقهيّة‪ ،‬إذ قال عقب تحريره‬ ‫َ‬ ‫في كتب النّحاة جمع بعضها إلى بعض بما‬
‫أن المواضيع التي ضممتها وعقدت العلّة على مجموعها ‪،‬فقد أرادها أصحابنا‬ ‫أبواب العلّة النحويّة ‪ ":‬واعلم ّ‬
‫نووا‪..‬فهذا الذي يرجعون إليه فيما بعد‬ ‫وعنَوها‪ ،‬وإن لم يكونوا جاءوا بها مقدّمة محروسة فإنهم لها أرادوا‪ ،‬وإيّاها َ‬
‫متَفَ ّرقا قدّمناه نحن مجتمعًا"‪.4‬‬

‫‪44‬‬
‫أن علل النحويين‬ ‫وقد بحث ابن ج ّني عن مكان لعلل النحويين بين علل المتكلمين وعلل الفقهاء‪ ،‬ورأى ّ‬
‫هي علل خاصة بالنحو العربي‪ ،‬أو علل أقرب إلى علل المتكلمين الذين يرتكزون على العقل في تبرير قضاياهم‪،‬‬
‫فال هي نفسها علل المتكلمين‪ ،‬وال هي نفسها علل الفقهاء‪ ،‬ألنها علل تخضع إلى منطق اللغة العربية‪ ،‬واللغة‬
‫العربية تجنح نحو الخفة‪ ،‬وتجنب الثقل‪ ،‬وهو مبتغى اللسان العربي‪.‬‬
‫فعلل الفقهاء هي أمارات لوقوع األحكام الشرعية‪ ،‬وقد تكون الحكمة من الحكم الشرعي خفية‪ ،‬ال يمكن‬
‫تبريرها عقال‪ ،‬فالصلوات الخمس‪ ،‬وعدد ركعاتها وسجداتها ال نعلم حكمتها‪ ،‬فالشرع يدعونا إلى اإليمان بها‬
‫وتطبيقها من غير حاجة إلى السؤال عن كنهها‪.‬‬
‫فالنحويون يعللون ياء "ميزان" وياء "ميعاد" بأنهما منقلبتان عن واو ساكنة لثقاللواو الساكنة بعد‬
‫الكسرة‪ ،‬وكذلك قلب الياء في "موسر" و"موقن" واوا ً لسكونها وانضمام ما قبلها‪،‬وال توقف في ثقل الياء الساكنة‬
‫بعد الضمة‪ ،‬ألن حالها في ذلك حااللواو الساكنة بعد الكسرة وهذا أمر يدعو الحس إليه وتطلبهخفة اللسان‪.‬‬
‫وهذا الذي نذكره عن علل النحو يصوره ابن جني في النص اآلتي‪« :‬باب ذكر علل العربية أكالمية هي أم‬
‫فقهية‪:5‬اعلم أن علل النحويين ‪ -‬وأعني بذلك حذاقهم ال ُمتْ ِقنِينَ ‪ ،‬ال ألفافهمالمستضعفين ‪ -‬أقرب إلى علل المتكلمين‬
‫منها إلى علل المتفقهين‪.‬وذلك أنهم إنما يحيلون على الحس‪ ،‬ويحتجون فيه بثقل الحال أو خفتهاعلى النفس‪ ،‬وليس‬
‫كذلك حديث علل الفقه‪،‬وذلك أنها إنما هي أعالم وأمارات لوقوع األحكام‪ ،‬ووجوه الحكمة فيهاخفية عنا‪ ،‬غير‬
‫بادية الصفحة لنا‪ ،‬أال ترى أن ترتيب مناسك الحج وفرائض الطهور والصالةوالطالق وغير ذلك‪ ،‬إنما يرجع في‬
‫وجوبه إلى ورود األمر بعمله‪ ،‬وال تعرف علة جعاللصلوات في اليوم والليلة خمسا ً دون غيرها من العدد‪ ،‬وال‬
‫يعلم أيضا ً حال الحكمةوالمصلحة في عدد الركعات‪ ،‬وال في اختالف ما فيها من التسبيح والتالوات‪ ،‬إلى غير‬
‫ذلكمما يطول ذكره‪ ،‬وال تحلى النفس بمعرفة السبب الذي كان له ومن أجله‪ ،‬وليس كذلك علاللنحويين"‪.6‬‬
‫ثم يواصل مستدركا فيقول‪ « :‬فأول ذلك أنا لسنا ندعي أن علل أهل العربية في سمت العلل الكالميةالبتة‬
‫بل ندعي أنها أقرب إليها من العلل الفقهية‪ ،‬وإذا َح هك ْمنا بديهة العقل‪ ،‬وترافعناإلى الطبيعة والحس‪ ،‬فقد وفهيْنا‬
‫أن علل النحو على ضربين‪:‬‬ ‫ور َبأْنا بها أفرع مشارفها"‪.7‬وقد رأى ابن جنّي ّ‬
‫الصنعة حقها‪َ ،‬‬
‫وج َبة والعلة ال ُم َج ّ ِوزة‪،‬‬
‫العلل الموجبة والعلل المجوزة‪ :‬يفرق ابن جني في باب من "الخصائص" بين العلة ال ُم ِ‬
‫والعلة الموجبة عنده أنها هي التي تلزم الحكم‪ ،‬وال خيار لك في أن تأخذ بهذا‪ ،‬أو بغيره‪ ،‬فالفاعل على سبيل‬
‫تجوز الوجهين‪ ،‬كأن تحتمل الرفع‪ ،‬أو النصب‪،‬‬ ‫جوزة ُ فهي ّ ِ‬
‫النصب‪ ،‬وأما العلة ال ُم ّ ِ‬
‫َ‬ ‫المثال مرفوع‪ ،‬وليس لك فيه‬
‫وهذا األمر واضح في نصه‪«:‬اعلم أن أكثر العلل عندنا مبناها على اإليجاب بها‪ ،‬كنصب الفضلة‪ ،‬أو ماشابه في‬
‫ورفع المبتدأ‪ ،‬والخبر‪ ،‬والفاعل‪ ،‬و َج ِ ّر المضاف إليه‪ ،‬وغير ذلك‪.‬فعلل هذه الداعية إليها موجبة لها‬ ‫ِ‬ ‫اللفظ الفضلةَ‪،‬‬
‫غير مقتصر بها على تجويزها‪ ،‬وعلىهذا َمقَا ُد كالم العرب‪.‬وضرب آخر يسمى علة‪ ،‬وإنما هو في الحقيقة سبب‬
‫ب‪.‬من ذلك األسباب الستة الداعية إلى اإلمالة هي علة الجواز‪ ،‬ال علةالوجوب‪ ،‬أال ترى أنه ليس‬ ‫يُ َج ّ ِو ُز‪ ،‬وال ي ِ‬
‫ُوج ُ‬
‫في الدنيا أمر يوجب اإلمالة ال بد منها‪ ،‬وأن كل ُم َمال لعلة منتلك األسباب الستة لك أن تترك إمالته مع وجودها‬
‫فيه‪.‬فهذه إذا ً علةُ الجواز‪ ،‬ال علة الوجوب‪.‬ومن ذلك أن يقال لك‪ :‬ما علة قلب واو "أ ُ ِقّتَت" همزة فتقول‪:‬علة ذلك أن‬
‫َت"‪.‬فهذه علة الجواز‪ ،‬إذا ً ال‬ ‫"و ِقّت ْ‬
‫"الواو" انضمت ضما ً الزما ً‪.‬وأنت مع هذا تجيز ظهورها واوا ً غير مبدلة فتقول‪ُ :‬‬
‫علة الوجوب‪.‬وهذا وإن كان في ظاهر ما تراه فإنه معنى صحيح‪ ،‬وذلك أن الجواز معنىتعقله النفس‪ ،‬كما أن‬
‫الوجوب كذلك‪ ،‬فكما أن هنا علة للوجوب‪ ،‬فكذلك هنا علة للجواز‪.‬‬
‫هذا ومن علل الجواز أن تقع النكرة بعد المعرفة التي يتم الكالم بهاوتلك النكرة هي المعرفة في المعنى‬
‫فتكون حينئذ مخيرا ً في جعلك تلك النكرة ‪ -‬إن شئت ‪ -‬حاالً و‪ -‬إن شئت – بدالً‪ ،‬فتقول على هذا‪" :‬مررت بزيد‬
‫ال صالحاً"‪ ،‬على الحال‪.‬أفال ترى كيف كان وقوع‬ ‫رجل صالح"‪ ،‬على البدل‪ ،‬وإن شئتقلت‪" :‬مررت بزيد رج ً‬
‫النكرة عقيب المعرفة على هذا الوصف علة لجوازكل واحد من األمرين‪ ،‬العلة لوجوبه‪.‬وكذلك كل ما جاز لك‬

‫‪45‬‬
‫فيه من المسائل الجوابان‪ ،‬والثالثة‪ ،‬وأكثر من ذلكعلى هذا الحد فوقوعه عليه علة لجواز ما جاز منه‪ ،‬ال علة‬
‫لوجوبه‪ ،‬فال تستنكر هذا الموضع"‪.8‬‬
‫السراج تقسيمه للعلل على‪ :‬األوائل‪ ،‬والثواني‪ ،‬والثوالث‪ ،‬وع ّد الثواني‬ ‫ّ‬ ‫أنكر ابن جنّي على أبي بكر بن‬
‫والثوالث متممة للعلل األول‪ ،‬وشرحا لها‪ ،‬فما هو المعروف عند بعض الدارسين بالعلة التعليمية‪ ،‬والعلة القياسية‪،‬‬
‫والعلة الجدلية النظرية‪ ،‬فما سمي بالعلة فقط فهي العلة التعليمية‪ ،‬وما سمي بعلة العلة فهي العلة القياسية‪ ،‬وما‬
‫سمي بعلة العلة فهي العلة الجدلية النظرية‪ ،‬يقول ابن جني‪" :‬ذكر أبو بكر في أول أصوله هذا ومثل منه برفع‬
‫الفاعل‪.‬قال‪ :‬فإذا سئلنا عن علة رفعه قلنا‪ :‬ارتفع بفعله فإذا قيل‪ :‬ولمصار الفاعل مرفوعا ً فهذا سؤال عن علة‬
‫العلة‪.‬وهذا موضع ينبغي أن تعلم منه أن هذا الذي سماه علة العلة إنما هوتجوز في اللفظ فأما في الحقيقة فإنه‬
‫شرح وتفسير وتتميم للعلة أال ترى أنه إذا قيلله‪ :‬فلم ارتفع الفاعل قال‪ :‬إلسناد الفعل إليه ولو شاء البتدأ هذا فقال‬
‫في جوابرفع زيد من قولنا‪" :‬قام زيد" إنما ارتفع إلسناد الفعل إليه‪ ،‬فكان مغنيا ً عن قوله‪:‬إنما ارتفع بفعله حتى‬
‫تسأله فيما بعد عن العلة التي ارتفع لها الفاعل‪،‬وهذا هو الذي أراده المجيب بقوله‪ :‬ارتفع بفعله‪ ،‬أي بإسناد‬
‫الفعإلليه‪.‬نعم ولو شاء لماطله فقال له‪ :‬ولم صار المسند إليه الفعل مرفوعاف فكان جوابه أن يقول‪ :‬إن صاحب‬
‫الحديث أقوى األسماء‪ ،‬والضمة أقوى الحركات‪ ،‬فجعالألقوى لألقوى‪،‬وكان يجب على ما رتهبَه "أبو بكر" أن‬
‫تكون هنا علة‪ ،‬وعلة العلة‪ ،‬وعلة علةالعلة‪.‬وأيضا ً فقد كان له أن يتجاوز هذا الموضع إلى ما وراءه فيقول ‪:‬‬
‫وهالعكسوا األمر فأعطوا االسم األقوى الحركة الضعيفة لئال يجمعوا بين ثقيلين‪ ،‬فإن تكلف متكلف جوابا ً عن‬
‫هذا تصاعدت عدة العلل‪ ،‬وأدى ذاك إلى هجنةالقول‪ ،‬وضعفة القائل به"‪.9‬‬
‫يتّضح من كالم ابن جنّي أنّه من األوائل النحاة الذين أنكروا هذا اإلسفاف في التعليل واإللحاح في تتبّع‬
‫ألن ذلك يؤدي إلى الضعف وبهذا هو سابق على ابن مضاء القرطبي (ت ‪593‬ه) الذي انكر العلل الثواني‬ ‫العلّل؛ ّ‬
‫والثوالث‪.‬‬
‫قد يختلف النحويون في تعليل الحكم اإلعرابي الواحد‪ ،‬فمنهم من يعلله بعلة‪ ،‬ومنهم من يرى فيه عل ًة‬
‫أخرى‪ ،‬ولكل منهما وجهة نظر‪ ،‬فابن جني يرى في عامل المبتدأ االبتداء‪ ،‬وهذا رأي يراه البصريون‪ ،‬بينما يرى‬
‫الكوفيون أن المبتدأ يرفعه الخبر‪ ،‬وقد نجد اللفظ الواحد يأخذ حكمين مختلفين‪ ،‬كإعمال أهل الحجاز "ما النافية"‬
‫للحال‪ ،‬وترك بني تميم إعمالها وإجرائهمإياها مجرى "هل" ونحوها‪ ،‬مما ال يعمل‪ .‬وهو ما يوضحه ابن جني في‬
‫كتابه الخصائص‪" :‬الكالم في هذا المعنى من موضعين‪ :‬أحدهما الحكم الواحد تتجاذب كونهالعلتان‪ ،‬أو أكثر‬
‫منهما‪ ،‬واآلخر‪ :‬الحكمان في الشيء الواحد المختلفان‪ ،‬دعت إليهما علتانمختلفتان‪.‬‬
‫األول‪ :‬منهما كرفع المبتدأ فإننا نحن نعتل لرفعه باالبتداء على ما قدبيناه وأوضحناه من شرحه وتلخيص‬
‫معناه‪.‬والكوفيون يرفعونه إما بالجزء الثاني الذي هو مرافعه عندهم‪ ،‬وإما بمايعود عليه من ذكره على حسب‬
‫ب‪،‬‬ ‫ب ما انتَ َ‬
‫ص َ‬ ‫ص ُ‬
‫مواقعه‪،‬وكذلك رفع الخبر‪ ،‬ورفع الفاعل‪ ،‬ورفع ما أقيم مقامه‪ ،‬ورفع خبر إنوأخواتها‪،‬وكذلك ن ْ‬
‫وجز ُم ما انجزَ َم‪ ،‬مما يتجاذب الخالففي علله‪.‬فكل واحد من هذه األشياء له حكم واحد تتنازعه‬ ‫ْ‬ ‫و َج ُّر ما ا ْن َج هر‪،‬‬
‫أن نُ ِري هنا ُج َملَهُ‪ ،‬ال أن َ‬
‫نشر َحهُ‪ ،‬وال أن نتكلم على‬ ‫العلل‪ ،‬على ما هو مشروحمن حاله في أماكنه‪.‬وإنما غرضنا ْ‬
‫تقوية ماقوي منه‪ ،‬وإضعاف ما ضعف منه‪.‬‬
‫الثاني منهما‪ :‬الحكمان في الشيء الواحد المختلفان‪ ،‬دعت إليهما علتانمختلفتان‪ ،‬وذلك كإعمال أهل الحجاز "ما‬
‫النافية" للحال‪ ،‬وترك بني تميم إعمالها وإجرائهمإياها مجرى "هل" ونحوها‪ ،‬مما ال يعمل‪ ،‬فكأن أهل الحجاز لما‬
‫رأوها داخلة علىالمبتدأ والخبر دخول "ليس" عليهما‪ ،‬ونافية للحال نفيها إياها أجروها في الرفع والنصبمجراها‪،‬‬
‫إذا اجتمع فيها الشبهان بها‪.‬وكأن بني تميم ل هما رأوها حرفا ً داخالً بمعناه على الجملة المستقلةبنفسها ومباشرة لكل‬
‫واحد من جزأيها كقولك‪" :‬ما زيد أخوك"‪ ،‬و"ما قام زيد"‪ ،‬أجروها مجرى"هل"‪ ،‬أال تراها داخلة على الجملة‬
‫لمعنى النفي دخول "هل" عليها لالستفهام‪ ،‬ولذلك كانت عند "سيبويه" لغة التميميين أقوى قياسا ً من لغة‬
‫الحجازيين"‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫الهوامش واالحاالت‪:‬‬
‫‪-1‬ينظر‪ :‬لسان العرب‪.467 /11 ،‬‬
‫‪ -2‬المبارك‪ :‬مازن‪ ،‬النحو العربي‪ ،‬ص‪.90:‬‬
‫‪ -3‬الملخ‪ :‬حسن خميس‪ ،‬التعليل النحوي‪ ،‬ص‪.29 :‬‬
‫‪ -4‬ابن جني‪ :‬الخصائص‪.161 /1،‬‬
‫‪ -5‬ابن جني‪ :‬الخصائص‪48/1 ،‬‬
‫‪ -6‬المصدر نفسه‪.48/1 ،‬‬
‫‪ -7‬ابن جني‪ :‬الخصائص‪.53 /1 ،‬‬
‫‪ -8‬ابن جني‪ :‬الخصائص‪.164/1 ،‬‬
‫‪ -9‬ابن جني‪ :‬الخصائص‪.173/1 ،‬‬
‫‪ -10‬ابن جني‪ :‬الخصائص‪.166/1 ،‬‬
‫مصادر ومراجع البحث‪:‬‬
‫‪ .1‬ابن جنّي‪ ،‬أبو الفتح عثمان‪ ،‬الخصائص‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الحديث‪.‬‬
‫‪ .2‬حسن خميس الملخ‪ ،‬نظرية التعليل النحوي‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬عمان‪.2000 ،‬‬
‫‪ .3‬ابن منظور د‪،‬ت ‪،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادرـ بيروت‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪.‬‬
‫‪ .4‬مازن المبارك ‪ ،‬النحو العربي‪ ،‬دار الفكر اإلسالمي الحديث‪.1981،‬‬

‫‪47‬‬

You might also like