You are on page 1of 11

‫َ‬

‫التلقي بين ياوس وآيزر‬

‫‪Reception between Yaws and Izer‬‬


‫م‪ .‬م‪ .‬علي حسن هذيلي‬
‫كلية اآلداب ‪ /‬جامعة ذي قار‬
‫دواة‪ /‬مجلة فصلية محكمة تعنى بالبحوث والدراسات اللغوية والتربوية‬

‫‪The college of arts-Dhi Qar University‬‬

‫‪153‬‬
‫ملخص البحث‬
‫التلقي ببن ياوس وآيزر‬
ْ
،‫كانت نظرية التلقي تتح ّدث عن الطريقة التي يتلقى فيها القارئ النص على اختالف بين ياوس وآيزر‬ ‫إذا‬
‫ السيما‬،‫ لذا فإنّ الفارق لن يكون كبيرا‬،‫فإنّ نظرية التأويل تتح ّدث عن الطريقة التي يؤوّ ل بها القارئ النص‬
‫ ربما على حساب‬،‫ كل ما هناك أنهم يعلون من شأن القارئ‬،‫وأنّ رواد التلقي ال يخفون مرجعياتهم التأويلية‬
‫ لقد جاءت «نظرية التلقي» مؤسسة على مجموعة من المفاهيم التي تحاول أنْ تجيب على أسئلة‬.‫النص‬
‫ مواقع‬،‫ فراغات النص‬،‫ تاريخية األدب‬،‫ أفق التوقع‬:‫ وبدمج مفاهيم ياوس بمفاهيم آيزر ينتج اآلتي‬،‫النظرية‬
‫ منطق‬،‫ اجتماعية األدب‬،‫ ذخيرة النص‬،‫ وجهة النظر الجوّ الة‬،‫ المسافة الجمالية‬،‫ القارئ الضمني‬،‫الالتحديد‬
‫ وصوال‬،‫ ونحن نعرّ ف بها من وجهة نظر أصحابها‬،‫ التي سنتناولها‬،‫ إلى آخر هذه المفاهيم‬...‫السؤال والجواب‬
‫ بقدر ما هو إضافة للجهد التأويلي الذي‬،‫إلى قضية البحث التي ت ّدعي أنّ التلقي ليس منهجا جديدا في القراءة‬
.‫بدأ منذ أنْ قرأ اإلنسان النصوص وتورّ ط في تأويلها‬

Abstract

If the theory of reception theory tackles the way through which a reader

‫ مجلة فصلية محكمة تعنى بالبحوث والدراسات اللغوية والتربوية‬/‫دواة‬


receives a text differently according to the two trends of Yaws and Izer, the
theory of interpretation tackles the way through which a reader interprets
a text. So, the difference would not be that much, specially that reception
pioneers do not conceal their interpretive references. All of what the do is to
praise readers may be on the account of the text itself. The theory of recep-
tion has been established on the base of a set of concepts that try to answer
the question that have been aroused by the theory in question. By integrating
Yaws’s concepts to Izers’s ones one can conclude the following:
The horizon of anticipation, the historicism of literature, text-blanks, infinite-
ness locations, implicit reader, aesthetic space, mobile viewpoint, the text’s
reservoir, the socialism of literature, the logic of question and answer, etc…
we will tackle all of the above-mentioned concepts. They are to be defined in
terms of their coiners going towards the conclusion which claims that recep-
tion is not a new methodology in reading but an addition to the interpretive 154
effort that started first when human being read texts and got involved in in-
terpreting it.
‫المقدمة‬
‫مجموع القرّ اء الذين سيستقبلون ذلك النص استقباالً‬ ‫إذا كان (المصطلح) أي مصطلح‪ ،‬يعني ما‬
‫أفقيا ً أو عمودياً‪ .‬واألفقية‪ ،‬هنا‪ ،‬تعني التفاعل بين‬ ‫ا ُتف َِق عليه بين مجموعة من األفراد‪ ،‬ثم ُع ِّم َم‪ ،‬ألسباب‬
‫النص ومتلقيه‪ ،‬أمّا العمودية‪ ،‬فتعني األزمان المختلفة‬ ‫قد تخفى علينا‪ ،‬عندما القى قبوالً من آخرين‪ ،‬فإنّ‬
‫لعملية التفاعل واالستقبال هذه‪.‬‬ ‫(المفهوم) أي مفهوم‪ ،‬يتمرّ د على هذا االتفاق‪ ،‬ليعيد‬
‫أمّا (ياوس)‪ ،‬فسيتح ّدث عن التلقي العمودي‪،‬‬ ‫الدوال إلى سيرتها األولى‪ ،‬أي االعتباط‪ ،‬بوصفه‬
‫أي آفاق الماضي‪ ،‬وعالقتها باألفق الحاضر‪ ،‬بعد‬ ‫حركة يبحث فيها الدال عن مدلول‪ ،‬فتكتسب الدوال‬
‫أنْ يستجمع نصوصه كلها‪ ،‬أو تاريخ الجنس الذي‬ ‫حيوية أخرى خارج نطاق االتفاق‪ ،‬ومن دون سطوته‪.‬‬
‫يمثلها‪ ،‬وهو يريد لهذه اآلفاق أنْ تتالقى‪ ،‬ألنّ صياغة‬ ‫فعندما ن ّدعي أنّ «الخراف المهضومة» هي‬
‫تاريخ لألدب متوّ قف على ذلك التالقي‪ ،‬وقيمة األثر‬ ‫مجموعة النصوص التي انتجت نصا ً «ما»‪ ،‬وهذه‬
‫ال تأتي من موقعه المتميّز بين النصوص‪ ،‬ولكن من‬ ‫النصوص ُت َم ِّثل التاريخ الشخصي‪ ،‬أو المزاج‬
‫الوقع الذي ينتجه‪ ،‬والتأثير الذي يحدثه‪ .‬أمّا (آيزر)‬ ‫ت مبدع ٍة مرّ ت عليها كلها‪ ،‬قرأت‬
‫الشخصي لذا ٍ‬
‫فسيتح ّدث عن التلقي األفقي‪ ،‬أي طبيعة القراءة‬ ‫بعضها‪ ،‬وسمعت اآلخر‪ ،‬هضمت بعضها‪ ،‬وتعسّر‬
‫بغضّ النظر عن تاريخها‪ ،‬وهي طبيعة تفاعلية ذات‬ ‫هضم اآلخر‪ ،‬عندما ن ّدعي ذلك‪ ،‬فإنّ هذه النصوص‬
‫طرفين‪ :‬القارئ والنص‪ ،‬واألولوية ليست ألحدهما‪،‬‬ ‫عينها قد تكون مرّ ْ‬
‫ت على ذوات مبدعة أخرى‪،‬‬
‫دواة‪ /‬مجلة فصلية محكمة تعنى بالبحوث والدراسات اللغوية والتربوية‬

‫بل لالثنين معا‪.‬‬ ‫وعملية التمثل‪ ،‬أو التمثيل الذاتي‪ ،‬لهذه النصوص‪،‬‬
‫ونحن سنتعامل مع مفردات نظرية التلقي‪،‬‬ ‫لن تكون متشابهة من هذه الذوات‪ ،‬ألنّ عسر الهضم‬
‫بوصفها مفاهي َم‪ ،‬أمّا أل ّنها كذلك فعالً‪ ،‬أو أل ّننا نريد‬ ‫أو سهولته‪ ،‬سيتكرّ ر معها‪ ،‬على اختالف‪ ،‬طبعاً‪ ،‬بين‬
‫لها أنْ تكون كذلك‪ ،‬أو ألنّ هناك اختالفا ً بين ّ‬
‫منظريها‬ ‫المقادير التي هضمت‪ ،‬والمقادير التي لم تهضم ‪.‬‬
‫حول أبسط مصطلحاتها‪ ،‬بصورة يبدو معها التأويل‬ ‫إنّ مجموع هذه النصوص‪ ،‬أو النص المتكوِّ ن‬
‫الذي تقترحه النظرية للتعامل مع النصوص‪ ،‬قد‬ ‫منها‪ ،‬ال يشبه النصوص األخرى‪ ،‬وإنْ كان يشترك‬
‫أصاب مصطلحات النظرية عينها‪ ،‬فأصبحت ذاتية‬ ‫معها في المرجعيات‪ ،‬فهو نص له خصوصيته‬
‫جداً‪ ،‬وشخصية جدا‪ ،‬وال ضير في ذلك‪ ،‬ما دام‬ ‫المتأتية من خصوصية الذات المبدعة‪ .‬ومن ث ّم‪ ،‬فإنّ‬
‫القارئ‪ ،‬أو المتلقي‪ ،‬هو الذي يح ّدد األشياء‪ ،‬ويعيد‬ ‫ّ‬
‫يتوزع على النصوص التي‬ ‫النص‪ ،‬هذه المرة‪ ،‬لن‬
‫ترتيبها وفقا ً ألولوياته‪ .‬ولع ّل أه ّم تلك األولويات‬ ‫ّ‬
‫سيتوزع على القرّ اء المفترضين‪ ،‬الذين‬ ‫انتجته‪ ،‬بل‬
‫‪155‬‬ ‫الحفاظ على الطابع المفهومي لألشياء والكلمات‪ ،‬ألنّ‬ ‫سيتلقون هذا النص ويعيدون تمثيله‪ .‬والتناص‪ ،‬بنا ًء‬
‫حصرها في المصطلح‪ ،‬سيعيدنا إلى لغة االتفاق أو‬ ‫على هذا‪ ،‬ليس النصوص السابقة التي َت َم َّث َلها مؤلفٌ‬
‫المطابقة‪ ،‬تلك اللغة التي ترفضها مناهج (الما بعد)‪،‬‬ ‫«ما»‪ ،‬ثم أعاد صياغتها بطريقة «ما»‪ ،‬بقدر ما هو‬
‫واحد‪ ،‬فال يمكن للقارئ «إنطاق» نص ما‪ ،‬أي تفعيل‬ ‫انحيازاً للغة االختالف واإلرجاء والالمطابقة‪.‬‬
‫معناه الكامن في داللة راهنة‪ ،‬إالّ بقدر ما يندرج فهمه‬ ‫وعندما يفعل القارئ ذلك‪ ،‬فإنه ال يطالب اآلخرين‬
‫للعالم وللحياة في إطار السند األدبي الذي يستتبعه هذا‬ ‫بأنْ يتتبعوا خطواته وآثاره‪ ،‬بقدر ما يريد أنْ تكون‬
‫النص (‪. )1‬‬ ‫لآلخرين خطواتهم‪ ،‬وآثارهم المميزة هم أيضاً‪.‬‬
‫تاريخ األدب‪ :‬ال ينهض تاريخ األدب على‬ ‫مفردات نظرية التلقي‬
‫عالقة التماسك بين الظواهر األدبية‪ ،‬بل على تمرّ س‬ ‫ّ‬
‫ويمثل قطب الرحى‪ ،‬أو المركز الذي‬ ‫أفق التوقع‪:‬‬
‫القرّ اء بهذه األعمال‪ ،‬فتاريخ األدب ليس التسلسل‬ ‫تدور حوله بقية مفاهيم النظرية‪ .‬فالنص ال ينبثق من‬
‫الموجود بين النتاجات األدبية‪ ،‬بل التجربة الجمالية‬ ‫فراغ‪ ،‬وال يؤول إلى فراغ‪ .‬وكل كاتب ينطلق من أفق‬
‫التي تم ّدنا بها القراءة أو النصوص النقدية‪ .‬هذا‬ ‫فكري وجمالي‪ ،‬ويكيّف تصرفه في األفكار‪ ،‬وسياسته‬
‫المعطى يفرض على مؤرّ خ األدب أنْ يكون قارئاً‪،‬‬ ‫لألساليب‪ ،‬وتمرسّها الجمالي بالجنس األدبي الذي‬
‫ليتم ّكن من فهم العمل‪ ،‬وتحديده تاريخياً‪ ،‬لهذا أكد‬ ‫يبدع فيه‪ ،‬ومن تصوّ ره الخاص للكتابة‪ ،‬ومن ذخيرة‬
‫(آيزر) على ضرورة الربط بين الواقع والتلقي‪ ،‬ألنّ‬ ‫قراءاته‪ .‬وبالمقابل فإنّ كل قارئ‪ ،‬السيما إذا كان‬
‫التلقي منتوج ينشئه النص في القارئ‪ ،‬وال بد لتقديره‬ ‫ناقداً‪ ،‬يمتلك أفقا ً فكريا ً وجمالياً‪ ،‬يتح ّكم في تل ّقي ذلك‬
‫من اختيار ُب َنى النص التي تستدعي استجابة «ما»‪،‬‬ ‫النص‪ ،‬ويتألّف ذلك األفق من خبرة القارئ بالجنس‬

‫دواة‪ /‬مجلة فصلية محكمة تعنى بالبحوث والدراسات اللغوية والتربوية‬


‫لنرى المقدار الذي اختاره القارئ منها (‪.)2‬‬ ‫األدبي الذي ينتمي إليه النص المقروء‪ ،‬ومن وعيه‬
‫الفجوات أو الفراغات‪ :‬النص‪ ،‬في نظرية‬ ‫بالعالقة التي تربطه بنصوص أخرى‪ ،‬ومن معرفته‬
‫التلقي‪ ،‬يق ّدم خطاطات أو فراغات‪ ،‬تبقى في حاجة‬ ‫بالفرق الجوهري بين التجربة النصية‪ ،‬والتجربة‬
‫إلى التحقق من المتلقي‪ ،‬فلو أنّ أحدنا رأى الجبل‪،‬‬ ‫الواقعية التي تميّز الخطابات غير األدبية‪ .‬فال براءة‬
‫ك أ ّنه ال يستطيع أنْ يتخيّله‪ ،‬ولهذا فإنّ حدث‬
‫فال ش ّ‬ ‫وال حياد إذن في كل من القراءة والكتابة‪ ،‬وحين‬
‫تمثيل الجبل في الذهن يفترض غيابه‪ .‬وعلى هذا‪،‬‬ ‫تتحرّ ك آلية القراءة‪ ،‬ينشأ حوار خاص بين األفقين‪،‬‬
‫فإنّ الجزء المكتوب من النص يمنحنا المعرفة‪ ،‬لكن‬ ‫ّ‬
‫سيتمخض عن تماهي أفق النص مع أفق القارئ أو‬
‫الجزء غير المكتوب هو الذي يعطينا الفرصة ّ‬
‫لتمثل‬ ‫تخييب هذا لهذا‪ ،‬أو تغييره له‪ .‬لذلك على الناقد أن‬
‫األشياء أو اإلحساس بها‪ ،‬وبالفعل فإ ّننا بدون فراغات‬ ‫يحلّل نوعية االستجابة هذه بجمع تلقيات قراء ذلك‬
‫النص‪ ،‬قد ال نستطيع أنْ نتملك القدرة على استخدام‬ ‫النص المتعاقبين‪ .‬إنّ القارئ يشرع في فهم العمل‬
‫مخيلّتنا‪ ،‬ما يجعل العمل األدبي ال يحمل أهمية في‬ ‫الجديد‪ ،‬بمقدار ما يعيد تشكيل أفقه األدبي النوعي‬ ‫‪156‬‬
‫ذاته‪ ،‬بل من خالل فعل التلقي‬
‫(‪)3‬‬
‫من خالل إدراك االفتراضات التي وجّ هت فهمه‪ .‬بيد‬
‫مواقع الالتحديد‪ :‬قد تكون اإلسم المرادف‬ ‫أنّ التعاطي مع النص هو دائما منفعل وفاعل في آن‬
‫وثقافية‪ ،‬وتكرارها في النصوص‪ ،‬داخل فضاء ثقافي‬ ‫لفراغات النص‪ ،‬ويمكن أنْ يتضح أمر «مواقع‬
‫ما‪ ،‬فهذا يتضمّن شيئين‪ :‬األول‪ ،‬يشير إلى أنّ القراءة‬ ‫الالتحديد» عمليا ً في أثناء المقارنة بين التواصل‬
‫ليست فردية‪ ،‬وإ ّنما هي ال وعي جمعي‪ ،‬مادام القرّ اء‬ ‫اليومي والتواصل الفني‪ ،‬ففي النوع األول تكون‬
‫يصدرون عن سياقات وأعراف متشابهة‪ .‬والثاني‪:‬‬ ‫الرسالة تامة‪ -‬في أغلب األحيان‪ -‬ألنّ ذلك شرط‬
‫يعني أنّ هذه النصوص ذات الذخيرة الواحدة تعكس‬ ‫فاعليتها‪ ،‬أمّا التواصل الفني‪ ،‬فهو ال يكتفي بإلغاء‬
‫أنظمة داللية تحيل على واقع زمني أفرزها‪ ،‬وأنّ هذه‬ ‫السياق األصلي‪ ،‬إنمّا يتجاوزه إلى إلغاء اكتمال‬
‫األنظمة تظ ّل مستمرة ومتم ّددة داخل ثقافتها‪ ،‬ويتفاعل‬ ‫النص‪ ،‬ويقتصر في المقابل على ما هو ضروري‬
‫معها أكبر عدد من القراء (‪.)6‬‬ ‫لبنائه‪ ،‬أمّا بقية الفراغات والالتحديدات‪ ،‬فيناط‬
‫المسافة الجمالية‪ :‬الطريقة التي يُتل َقى بها العمل‬ ‫بالقارئ مهمة ملئها وتحديدها‪ ،‬وهذا ما يفسّر نفور‬
‫األدبي‪ ،‬هي التي ستش ّكل معياراً للحكم على قيمته‬ ‫القراء من األعمال الواضحة التي ّ‬
‫تنظم بنيتها تنظيما ً‬
‫الفنية‪ .‬فإذا استجاب أفق النص ألفق القارئ‪ ،‬كان‬ ‫صريحا ً محكما ً (‪.)4‬‬
‫النص عادياً‪ ،‬وال يقدم حساسية فنية جديدة‪ ،‬بل يعيد‬ ‫القارئ الضمني‪ :‬وهو قارئ يخلقه النص لنفسه‪،‬‬
‫استنساخ المعايير الجمالية السائدة وتكريسها‪ ،‬في‬ ‫أو قل المؤلف عندما يرى ضرورة مراجعة ما كتبه‪،‬‬
‫حين أ ّنه إذا كان مخيّبا ً ألفق انتظار القارئ‪ ،‬ومنزاحا ً‬ ‫فيغير هذه الكلمة أو تلك‪ .‬والمؤلف‪ ،‬بناء على هذا‪،‬‬
‫دواة‪ /‬مجلة فصلية محكمة تعنى بالبحوث والدراسات اللغوية والتربوية‬

‫عن معاييره‪ ،‬ش ّكل عمالً فنيا ً ذا قيمة عالية‪ ،‬ويسمّي‬ ‫هو أول قارئ لنصه‪ ،‬لذا فإنّ الكتابة تتضمّن القراءة‬
‫(ياوس) المسافة بين أفق الكتابة وأفق القراءة بـ‬ ‫الزما ً منطقيا ً لها‪ ،‬وتعاون المؤلف والقارئ الموجود‬
‫«المسافة الجمالية» التي يمكن قياسها بردود أفعال‬ ‫فيه‪ ،‬هو الذي يخرج األثر إلى الوجود‪ ،‬بتعبير أوضح‪:‬‬
‫القراء وبأحكام النقاد‪ ،‬لتش ّكل وحدة القياس للتوتر بين‬ ‫متلق‬
‫ٍ‬ ‫فإنّ النص ينطوي في بنياته األساسية على‬
‫أفق النص وأفق انتظار جمهوره األول (‪.)7‬‬ ‫افترضه المؤلف بصورة ال شعورية‪ ،‬وهو متضمن‬
‫وجهة النظر الجوّ الة‪ :‬إنّ النص األدبي مثل‬ ‫في النص‪ ،‬في شكله وتوجهاته وأسلوبه‪ .‬وهذه الفكرة‬
‫القطعة الموسيقية‪ ،‬ال يمكن إدراكه دفعة واحدة‪،‬‬ ‫جعلت القارئ الحقيقي معنيا ً بتلمّس المفاتيح الموجّ هة‬
‫ّ‬
‫الخطية الزمنية المباينة لثبات‬ ‫نظراً إلى طبيعته‬ ‫إلى القارئ الضمني‪ ،‬وتوظيفها بوصفها آليات‬
‫الموضوعات المعطاة في الواقع‪ ،‬مثل النحت‪،‬‬ ‫خاصة به‪ ،‬من الممكن أنْ يستثمرها في تأويل معنى‬
‫ومن ثم ال يمكن إدراك معاني النص إالّ عبر قراءة‬ ‫الوصول إلى مقاصد النص (‪.)5‬‬
‫‪157‬‬ ‫متتابعة‪ ،‬ألنّ مرحلة معينة‪ ،‬ال تمنح ك ّل شيء‪ ،‬وإ ّنما‬ ‫ذخيرة النص‪ :‬السلسلة التي تربط النص‬
‫تق ّدم مظاهر معينة من الموضوع الذي ينبغي تشكيله‬ ‫بنصوص سابقة‪ ،‬تؤسّس فضاءه وتمنحه وجوده‪ .‬وإذا‬
‫على ضوء كلية النص‪ ،‬فقد تمنحنا اللحظات األولى‬ ‫كانت الذخيرة تفسّر من خالل حضور قيم اجتماعية‬
‫معنى ليس منزال من أول وهلة‪ ،‬بل معنى يفعل من‬ ‫من الرواية صورة معينة عن البطل‪ ،‬لكن سرعان ما‬
‫خالل تلقيّاته المتعاقبة (‪.)10‬‬ ‫نفاجأ بصفات غير متوقعة‪ ،‬ومن ثم ال تستطيع أي‬
‫مناقشة النظرية‬ ‫مرحلة أنْ ت ّدعي أ ّنها تطابق معنى النص (‪.)8‬‬
‫ك أنّ ما ت ّم إنجازه لحد اآلن يبدو كبيراً‪،‬‬
‫ال ش ّ‬ ‫اجتماعية األدب‪ :‬إنّ وظيفة األدب تعمل حين‬
‫حتى لقد صرّ ح (ياوس)‪ :‬إنّ انقالبا ً جذريا ً سيحدث‬ ‫يأخذ القارئ على عاتقه افتراضيا ً بعض المعايير‬
‫في النقد األدبي (‪ ،)11‬بل قد تصل النوبة إلى الدرجة‬ ‫والتوقعات ويتعلّم بـ «التطابق الجمالي»‪ ،‬ما الذي‬
‫التي يُع َلن فيها نهاية «نظرية األدب»‪ ،‬أو موتها‪،‬‬ ‫يمكن أنْ تكونه تجربة اآلخرين وسيرتهم‪ ،‬بحيث‬
‫إضافة إلى سلسلة الميتات السابقة‪ -‬المؤلف‪ ،‬اإلنسان‪،‬‬ ‫يستطيع تحديد سلوكه باتجاه التحفيز الواعي لتجربته‬
‫هللا‪ -‬وبداية عصر «تاريخ االدب» من وجهة نظر‬ ‫المقبلة وتغييرها‪ .‬إنّ نمط العالقة الذي تؤسّسه‬
‫«جمالية التلقي»‪ ،‬فنظرية األدب كانت تتح ّدث عن‬ ‫«جمالية التلقي» بين األدب والمجتمع‪ ،‬تتجاوز عملية‬
‫المؤلف‪ ،‬ث ّم تمرّ على نصوصه‪ ،‬أمّا «تاريخ األدب»‬ ‫االنعكاس أو التصوير إلى مستوى تدخل التجربة‬
‫بصورته الجديدة‪ ،‬فيتح ّدث عن المتلقي‪ ،‬ونصّه‬ ‫األدبية للقارئ في أفق تو ّقع حياته اليومية‪ ،‬فتوجّ ه‬
‫النقدي‪ ،‬وألنّ المتلقي هو خالق النص‪ ،‬أو هكذا هم‬ ‫تؤثر في سلوكه‬ ‫رؤيته للعالم‪ ،‬أو تعدلها‪ ،‬ومن ث ّم ّ‬
‫ي ّدعون‪ ،‬فإنّ االنقالب واقع ال محالة‪.‬‬ ‫االجتماعي‪ .‬من هنا جاء تأكيد (ياوس) أنّ الوظيفة‬

‫دواة‪ /‬مجلة فصلية محكمة تعنى بالبحوث والدراسات اللغوية والتربوية‬


‫وهي مبالغات‪ ،‬تبيّن األنانية المفرطة‪ ،‬واالعتداد‬ ‫االجتماعية لألدب ليست التعبير عن المجتمع‪ ،‬بل‬
‫غير الطبيعي بالذات‪ ،‬ونفي اآلخر الذي تأسست‬ ‫هي إبداعه (‪.)9‬‬
‫«نظرية األدب» وتاريخها على يديه‪ ،‬ال سيما أنّ‬ ‫السؤال والجواب‪ :‬إنّ إعادة تشكيل أفق التوقع‬
‫«جمالية التلقي» بحسب ياوس عينه «ليست نظرية‬ ‫بالصورة التي كان عليها قديماً‪ ،‬أثناء إبداع األثر‬
‫مستقلة قائمة على بديهيات تسمح لها بأنْ تح ّل بمفردها‬ ‫األدبي‪ ،‬تم ّكن من طرح أسئلة أجاب عنها األثر في‬
‫المشكالت التي تواجهها‪ ،‬وإنمّا هي مشروع منهجي‬ ‫الماضي‪ ،‬ومن ثمة اكتشاف الكيفية التي أجاب بها‬
‫جزئي يحتمل أنْ يقترن بمشاريع أخرى‪ ،‬وأنْ تكتمل‬ ‫قارئ ذلك العصر‪ .‬بهذه الطريقة ندرك االختالف‬
‫حصائله بواسطة هذه المشاريع‪ .‬وأنا ْإذ أقرّ بذلك‪،‬‬ ‫التأويلي بين الماضي والحاضر‪ ،‬وندرك نوع الصلة‬
‫أترك لغيري عناية تقرير ما إذا كان‪ ..‬هذا االعتراف‬ ‫بين األفقين‪ ،‬فنعيد بذلك مسألة تلك البداهة الخاطئة‬
‫بالنقص‪ ،‬من لدن منهج ما‪ ،‬عالمة على ضعفه أو‬ ‫ّ‬
‫المتمثلة في االعتقاد الميتافيزيقي المؤمن بوجود‬
‫على قوته» (‪.)12‬‬ ‫جوهر شعري خالد‪ ،‬ومعنى موضوعي مح ّدد بشكل‬ ‫‪158‬‬
‫ونحن ْإذ نقرّ بأنّ هذا االعتراف عالمة قوة‪ ،‬أل ّنه‬ ‫نهائي‪ .‬فالنص ليس مدونة أحكام سماوية تق ّدم مسبقا ً‬
‫يتح ّدث عن نظرية ال تدين لنفسها بالسبق‪ ،‬وال ت ّدعي‬ ‫أجوبة‪ ،‬بل هو بنية مفتوحة تقتضي أنْ ينمو فيها‬
‫أنْ توسّع نظريتهما‪ ،‬لم تأ ِ‬
‫ت بجديد على مستوى قراءة‬ ‫ذلك‪ ،‬بل هي تنسب الفضل إلى مشاريع سابقة‪ ،‬ومن‬
‫النص‪ ،‬بل إنّ بعض عباراتها تكاد تكون زائفة‪ ،‬وليس‬ ‫ث ّم فهي نتيجة وليست سبباً‪ ،‬أو قل‪ :‬هي إعادة لجهود‬
‫لها معنى‪ ،‬ولعلها ستحيلنا إلى «الوضعية المنطقية»‪،‬‬ ‫سابقة‪ ،‬أو تلخيص لها‪ ،‬إال أ ّننا نقرّ ‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬أ ّنه‬
‫التي تتح ّدث عن قضايا حقيقية كالرياضيات وأخرى‬ ‫عالمة ضعف عندما يتح ّدث‪ ،‬في نصوص أخرى‪،‬‬
‫زائفة كالميتافيزيقا (‪ .)14‬وبغضّ النظر عن اتفاقنا‬ ‫عن انقالب في نظرية األدب أو تاريخها‪ .‬ناسياً‪ ،‬أو‬
‫أو اختالفنا مع هذه «الوضعية»‪ ،‬فإنّ هذا التقسيم‬ ‫متناسياً‪ ،‬أنّ أية نظرية‪ ،‬أدبية أو علمية‪ ،‬إنْ هي إالّ‬
‫يكتسب مصداقيته عندما نقرأ عبارات من قبيل‪:‬‬ ‫نتيجة تراكم معرفي‪ ،‬سيكون للتاريخ دور كبير فيه‪،‬‬
‫«ولكن كيف يمكن أنْ توصف عملية القراءة‬ ‫ولفظ التراكمية هذا يصف الطريقة التي يتطوّ ر بها‬
‫بدقة؟ يبدأ القارئ بالجمل التي يقرّ ر كال منها على‬ ‫العلم‪ ،‬ويعلو صرحه‪ .‬وال شكّ‪ ،‬فإ ّننا عندما نتح ّدث عن‬
‫حدة شيئاً‪ ...‬ولكن الجمل بعد ذلك تعد أجزاء من‬ ‫تاريخ لألدب‪ ،‬فإ ّنما نتح ّدث عن علم‪ ،‬مع فارق بين‬
‫المحتوى الكلي‪ ،‬وعندئذ تقتضي القراءة الربط‬ ‫علم لألدب وعلم للفيزياء‪ ،‬مثال‪ ،‬فاألول علم يدرس‬
‫المتعّمد بين الجمل بهدف الكشف عن العالقات التي‬ ‫ظواهر إنسانية يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي‪ ،‬على‬
‫ال تكتسب معانيها الحقيقية إالّ من خالل التفاعل‬ ‫اختالف بين المناهج في تغليب هذا أو ذاك‪ ،‬أمّا العلم‬
‫بينها‪ ،‬وهذا التفاعل بدوره هو الذي يبرز خصوصية‬ ‫المحض فال وجود فيه للذاتي‪ ،‬القضية موضوعية‬
‫دواة‪ /‬مجلة فصلية محكمة تعنى بالبحوث والدراسات اللغوية والتربوية‬

‫النص» (‪.)15‬‬ ‫كلها‪ .‬الفارق الثاني‪ :‬إنّ نظريات العلم المحض أشبه‬
‫المقتبس السابق باختصار يقول‪« :‬إنّ النص‬ ‫بالبناء العمودي‪ ،‬وعلى الساكنين أنْ ينتقلوا دوما ً إلى‬
‫هو مجموع ُج َملِ ِه وتفاعلها»‪ .‬ولكن هل ثمة من يقول‬ ‫الطابق األعلى‪ ،‬أمّا «علم األدب» فلن يكون كذلك‪،‬‬
‫غير ذلك؟! هذا هو الذي دعا آيزر إلى القول‪« :‬أحب‬ ‫هو أشبه بالبناء األفقي‪ ،‬وسكان هذا البناء ال يتركون‬
‫أنْ أصحّ ح الفكرة القائلة بأنّ القارئ‪ ،‬عليه أنْ يتابع ما‬ ‫بيوته القديمة‪ ،‬بل يظلون مقيمين فيها‪ ،‬وبطبيعة‬
‫رسمته‪ ،‬بوصفه النماذج األساسية لعملية القراءة‪ .‬إنّ‬ ‫الحال‪ ،‬فإنّ النموّ األفقي ال يعني أنّ أي اتجاه جديد في‬
‫ما قصدت أنْ أفعله ال يعدو أنْ يكون وصفا ً ظاهريا ً‬ ‫الفن واألدب كان يمكن أنْ يظهر في عصر سابق‪ْ ،‬إذ‬
‫لما يحدث أثناء القراءة‪ ،‬بل إ ّنني لم أتق ّدم بأية تعليمات‬ ‫أنّ ظهور االتجاهات الفنية مرتبط بمجموع األوضاع‬
‫لما ينبغي أنْ يكون عليه القارئ» (‪.)16‬‬ ‫اإلنسانية‪ :‬االجتماعية والثقافية والروحية والمادية‪،‬‬
‫التلقي والتأويل‬ ‫بحيث ال يمكن أنْ يفهم هذا االتجاه إالّ في سياقه‬
‫‪159‬‬ ‫مما سبق يتبيّن لنا أنّ التلقي إنْ هو إالّ تأويل‬ ‫التاريخي الذي ظهر فيه (‪.)13‬‬
‫للنص وآلفاق تلقيه‪ ،‬لذا فإ ّنه وإنْ كان مفتوحا ً على‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬فأنّ نظرية التلقي‪ ،‬قدر تعلّق‬
‫التراث التأويلي‪ ،‬إال أ ّنه مشغول بإشكاليته الرئيسة‪:‬‬ ‫األمر بما كتبه ياوس وآيزر‪ ،‬أو الكتابات التي حاولت‬
‫عن الفراغات سيأتي مع «الدائرة التأويلية» بقضّه‬ ‫الفراغات والقارئ الضمني من جهة‪ ،‬وأفق التوّ قع من‬
‫وقضيضه‪ ،‬مع زيادات هنا وهناك‪ ،‬ألنّ فلسفة االثنين‬ ‫جهة أخرى‪ .‬األول يتح ّدث عن نص يرسم خريطة‬
‫تكاد تكون واحدة‪ ،‬ا ّنها عملية ملء فراغ «ما»‪ ،‬كان‬ ‫تلقيه‪ ،‬أو يقترحها‪ ،‬والثاني يتح ّدث عن قراءات‬
‫مالك المطلبي قد عبّر عنه بهذه الطريقة‪« :‬الفراغ هنا‬ ‫نقدية متعاقبة ستش ّكل تاريخا ً لألدب وأفقا للقراءة‪،‬‬
‫هو (عرصة)‪ ،‬أي فراغ يقوم حوله بناء‪ .‬لكن لننظر‬ ‫أو بتعبير (آيزر) إنّ مفهوم التلقي «يستلزم تيارين‬
‫بعمق إلى فراغ العرصة‪ :‬أال نحسّ بالبناء فيها‪ ،‬أكثر‬ ‫أساسيين من التفكير‪ ،‬يمكن تمييز أحدهما عن اآلخر‪،‬‬
‫مما نحسّ به حولها‪ ،‬أعني أنّ (العرصة) ترفع الفتة‬ ‫رغم تداخلهما‪ ،‬فالتل ّقي ير ّكز على السيرورة التوثيقية‬
‫أ ّنها ستكون بيتاً‪ ،‬أو أي شكل عمراني آخر‪ ،‬أكثر‬ ‫للنصوص‪ ،‬ويرتبط أساسا بردود األفعال والمواقف‬
‫مما ترفع الفتة أ ّنها خالية‪ .‬إنّ الفراغ ليس الالشيء‪،‬‬ ‫التي تكيّف استجابات القارئ‪ ،‬ولكن النص نفسه شكل‬
‫بل هو الالشيء الذي يقف دائما ً على أهبّة االستعداد‬ ‫مسبق لتلك االستجابات» (‪.)17‬‬
‫ليكون شيئاً‪ ،‬أي شيء» (‪.)18‬‬ ‫إذن فنحن إزاء نسختين من التلقي‪ :‬أمّا التلقي في‬
‫للدائرة التأويلية معنيان‪ :‬األول‪ :‬إنّ معرفة الكل‬ ‫(نسخة آيزر) فهو شكل من أشكال التأويل‪ ،‬وهو شكل‬
‫متوّ قفة على معرفة األجزاء‪ ،‬ومعرفة األجزاء متوّ قفة‬ ‫ال يكاد يختلف عن أشكال التأويل التي سبقته‪ ،‬ال سيما‬
‫كذلك على معرفة الكل (‪ .)19‬وهذا ليس دوراً فلسفياً‪،‬‬ ‫وهو مأخوذ من (انكاردن) و(هوسرل)‪ ،‬والباحث ال‬

‫دواة‪ /‬مجلة فصلية محكمة تعنى بالبحوث والدراسات اللغوية والتربوية‬


‫بقدر ما هو حاجة ألنْ نقرأ النص مرتين‪ :‬األولى‪،‬‬ ‫يرى مسوغا ً ألنْ يطلق على هذه الطريقة في قراءة‬
‫ألجل تكوين رؤية كلية للنص‪ ،‬أو مقاصده الكبرى‪،‬‬ ‫النص تلقيا‪ -‬وإنْ كان ال يمانع ذلك إذا اُسْ ُت ْخ ِد َم مفهوم‬
‫والثانية‪ ،‬ألجل تأويل تفاصيله‪ ،‬بما ينسجم وتلك الرؤية‬ ‫«التلقي» بمعناه العام الذي ينطبق على هذه القراءة‬
‫الكلية‪ .‬وهذا يعني أنْ نبدأ من األجزاء إلدراك الكل‪،‬‬ ‫أو تلك‪ -‬أل ّنها ال تختلف في قليل أو كثير عن نظريات‬
‫وهي قضية بديهية‪ ،‬ثم نعيد قراءة األجزاء عينها‪،‬‬ ‫القراءة األخرى‪ ،‬وليس لها خصوصية تستحق أنْ‬
‫استنادا لذاك الكل الكائن خلفها‪ ،‬بوصفه اإلطار الذي‬ ‫تعزل على أساسها‪ ،‬السيما وهي تعلن عن أصولها‬
‫سيمنع التأويل من أنْ يتقوّ ل‪ ،‬أو يخرج عن المعاني‬ ‫ومرجعياتها‪ ،‬وال تخفي ذلك‪ ،‬وال تتسّتر عليه‪ ،‬انطالقا‬
‫المحتملة له‪.‬‬ ‫من فرضية تكاد تكون بديهية‪ ،‬هي أ ّنه ليس ثمة قراءة‬
‫وهذا ما يقودنا إلى المعنى الثاني للدائرة التأويلية‪،‬‬ ‫بكر‪ ،‬السيما أنّ النقد منذ كان إنْ هو إالّ حفر في‬
‫أي الثابت والمت ّغير‪ ،‬فالثابت هو الرؤية الكلية التي‬ ‫النص وبحث في فراغاته‪.‬‬
‫تح ّدثنا عنها‪ ،‬والتي ستأتي بعد االنتهاء من قراءة‬ ‫فالقارئ الضمني‪ ،‬مثالً‪ ،‬أو الفراغات التي‬ ‫‪160‬‬
‫النص‪ ،‬ما يعني أ ّنه ثابت يقوله النص‪ ،‬وليس هو‬ ‫يتح ّدث عنها آيزر‪ ،‬ستحيلنا إلى «الدائرة التأويلية»‪-‬‬
‫مقولة سابقة على النص‪ ،‬لذا فالقارئ عندما يقرأ‬ ‫التي سبق وجودها وجود آيزر‪ -‬لذا فإنّ ما قلناه‬
‫الذي أنتجه‪ ،‬وهذا االنسجام دائرته متسعة‪ ،‬بسعة ما‬ ‫المتغيّر‪ ،‬أو األجزاء‪ ،‬هو ال يف ّكر خارج النص‪ ،‬بل‬
‫يريد النص قوله‪ .‬كذلك هي الدائرة التأويلية تحتوي‬ ‫هو يف ّكر بالنص‪ ،‬ذلك أنّ كل تأويل ي َ‬
‫ُعطى لجزئية‬
‫«منطقة فراغ» ال يمكن أنْ تمأل إالّ بما ينسجم وحدود‬ ‫ما‪ ،‬يجب أنْ يثبته جزء آخر من النص نفسه‪ ،‬وإالّ‬
‫تلك الدائرة‪ ،‬أو إمكاناتها‪ .‬مع مراعاة اإلمكانات التي‬ ‫«فإنّ التأويل ال قيمة له (‪ ،)20‬إذا كانت االجزاء مكتفية‬
‫قد تكون مفتوحة‪ ،‬أحياناً‪ ،‬وهذا يعتمد على النص‬ ‫بنفسها‪ ،‬وبهذا المعنى فإنّ االنسجام الداخلي للنص‬
‫عينه‪ ،‬أو درجة ثرائه وغناه‪.‬‬ ‫هو الرقيب على مسيرات القارئ‪ ،‬فأنت ال تستطيع‬
‫أنْ تمأل فراغاً‪ ،‬من دون أنْ يكون منسجما ً مع السياق‬
‫دواة‪ /‬مجلة فصلية محكمة تعنى بالبحوث والدراسات اللغوية والتربوية‬

‫‪161‬‬
‫الهوامش‬
‫‪ -1‬ينظر‪ :‬جمالية التلقي‪ ،‬ص‪ .135 ،11‬نحو جمالية للتلقي‪ ،‬ص‪68 -63‬‬
‫‪ -2‬ينظر‪ :‬نحو جمالية للتلقي‪ ،‬ص‪.59 ،28‬‬
‫‪ -3‬ينظر‪ :‬فعل القراءة‪ ،‬ص ‪ / 187‬الخطاب والقارئ‪ ،‬ص‪123‬‬
‫‪ -4‬مفاهيم هيكلية في نظرية التلقي‪ ،‬د‪ .‬محمد اقبال عروي‪ ،‬مجلة عالم الفكر‪ ،‬ص‪58 -57‬‬
‫‪ -5‬ينظر ‪ :‬جمالية التلقي‪ ،‬ص‪ / 88‬فعل القراءة‪ ،‬ص ‪ / 40‬إشكالية التلقي والتأويل‪ ،‬ص‪141‬‬
‫‪ -6‬ينظر‪ :‬نظرية التلقي في السياق العربي‪ ،‬د‪ .‬أبو اليزيد إبراهيم‪ ،‬مجلة علوم اللغة‪ ،‬ص‪24 -23‬‬
‫‪ -7‬ينظر‪ :‬جمالية التلقي‪ ،‬ص‪11‬‬
‫‪ -8‬ينظر‪ :‬فعل القراءة‪ ،‬ص‪.116‬‬
‫‪ -9‬ينظر‪ :‬جمالية التلقي‪ ،‬ص‪.136‬‬
‫‪ -10‬ينظر‪ :‬نحو جمالية للتلقي‪ ،‬ص‪.125 ،75‬‬
‫‪ -11‬ينظر‪ :‬جمالية التلقي‪ ،‬ص‪.121 ،106 ،35 ،8‬‬
‫‪ -12‬جمالية التلقي‪ ،‬ص‪122‬‬
‫‪ -13‬ينظر‪ :‬التفكير العلمي‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫‪ -14‬ينظر‪ :‬دراسات في الفلسفة المعاصرة‪ ،‬ص‪.270‬‬

‫دواة‪ /‬مجلة فصلية محكمة تعنى بالبحوث والدراسات اللغوية والتربوية‬


‫‪ -15‬القارئ في النص‪ ،‬نبيلة ابراهيم‪ ،‬مجلة فصول‪ ،‬ص‪103‬‬
‫‪ -16‬حديث مع ولفجانج آيزر‪ ،‬حاورته نبيلة إبراهيم‪ ،‬مجلة فصول‪ ،‬ص‪107‬‬
‫‪ -17‬آفاق استجابة القارئ‪ ،‬ص ‪211‬‬
‫‪ -18‬مرآة السرد‪ ،‬ص‪10‬‬
‫‪ -19‬ينظر‪ :‬الحلقة النقدية‪ ،‬األدب والتاريخ والهرمنيوطيقا الفلسفية‪ ،‬ص‪5‬‬
‫‪ -20‬ينظر‪ :‬التأويل بين السيميائيات والتفكيكية‪ ،‬ص‪79‬‬

‫‪162‬‬
‫المصادر والمراجع‬
‫‪ .8‬دراسات في الفلسفة المعاصرة‪ ،‬د‪ .‬زكريا إبراهيم‪،‬‬ ‫‪ .1‬إشكالية التلقي والتأويل‪ ،‬دراسة في الشعر العربي‬
‫دار مصر للطباعة‪ -‬سعيد جودة السحار وشركاه‪،‬‬ ‫الحديث‪ ،‬د‪ .‬سامح الرواشدة‪ ،‬جامعة مؤتة‪ -‬األردن‪،‬‬
‫ط‪1968 -1‬‬ ‫ط‪2001 -1‬‬
‫‪ .9‬فعل القراءة‪ ،‬نظرية في االستجابة الجمالية‪،‬‬ ‫‪ .2‬آفاق استجابة القارئ‪ ،‬فولفجانج آيزر‪ ،‬تر‪ :‬أحمد‬
‫فولفجانج آيزر‪ ،‬ت‪ :‬د‪ .‬عبد الوهاب علوب‪ ،‬المجلس‬ ‫بو حسن‪ ،‬ومحمد مفتاح‪ ،‬منشورات كلية اآلداب‬
‫األعلى للثقافة‪ -‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪2000 -1‬‬ ‫والعلوم االنسانية‪ -‬المغرب‪. 1995 ،‬‬
‫‪ .10‬القارئ في النص‪ ،‬نظرية التأثير واالتصال‪،‬‬ ‫‪ .3‬التفكير العلمي‪ ،‬الدكتور فؤاد زكريا‪ ،‬سلسلة عالم‬
‫نبيلة إبراهيم‪ ،‬مجلة فصول‪ ،‬العدد‪1984 -1‬م‬ ‫المعرفة‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪-‬‬
‫‪ .11‬مرآة السرد‪ ،‬قراءة في أدب محمد خضير‪ ،‬د‪.‬‬ ‫الكويت‪ ،‬ط‪1988 -3‬‬
‫مالك المطلبي‪ ،‬وعبد الرحمن طهمازي‪ ،‬دار الخريف‬ ‫‪ .4‬جمالية التلقي‪ ،‬هانس روبرت ياوس‪ ،‬ت‪ :‬رشيد‬
‫للطباعة والنشر‪ -‬العراق‪ ،‬بغداد‪ ،‬ط‪1990 -1‬‬ ‫بنحدو‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ -‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪-1‬‬
‫‪ .12‬مفاهيم هيكلية في نظرية التلقي‪ ،‬د‪ .‬محمد اقبال‬ ‫‪2004‬‬
‫عروي‪ ،‬مجلة عالم الفكر‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة‬ ‫‪ .5‬حديث مع ولفجانج آيزر‪ ،‬حاورته د‪ .‬نبيلة إبراهيم‪،‬‬
‫والفنون‪ -‬الكويت‪ ،‬العدد‪ ،3‬المجلد‪2009 -37‬‬ ‫مجلة فصول‪ ،‬العدد‪1984 -1‬م‬
‫دواة‪ /‬مجلة فصلية محكمة تعنى بالبحوث والدراسات اللغوية والتربوية‬

‫‪ .13‬نحو جمالية للتلقي‪ ،‬هانس روبرت ياوس‪ ،‬تر‪:‬‬ ‫‪ .6‬الحلقة النقدية‪ ،‬األدب والتاريخ والهرمنيوطيقا‬
‫د‪ .‬محمد مساعدي‪ ،‬النايا للدراسات والنشر‪ -‬سوريا‪،‬‬ ‫الفلسفية‪ ،‬ديفيد كوزنز هوي‪ ،‬تر‪ :‬خالدة حامد‪،‬‬
‫ط‪2014 -1‬‬ ‫منشورات الجمل‪ -‬كولونيا‪ ،‬المانيا‪ -‬بغداد ‪2007‬‬
‫‪ .14‬نظرية التلقي في السياق العربي‪ ،‬د‪ .‬أبو اليزيد‬ ‫‪ .7‬الخطاب والقارئ‪ ،‬نظريات التلقي وتحليل‬
‫إبراهيم الشرقاوي‪ ،‬مجلة علوم اللغة‪ ،‬دار غريب‪-‬‬ ‫الخطاب وما بعد الحداثة‪ :‬د‪ .‬حامد أبو أحمد‪ ،‬كتاب‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬المجلد العاشر‪ ،‬العدد ‪2007 -4‬‬ ‫الرياض‪ ،‬العدد‪ -30‬يونيو ‪1996‬‬

‫‪163‬‬

You might also like