Professional Documents
Culture Documents
* -جامعة عبد احلميد بن باديس ،مستغاًل وعضو مبخرب األنساق ،البنيات ،النماذج وادلمارسات .جامعة وىران.اجلزائر.
-1بول ريكور ،صراع التأويبلت ،تررتة منذر عياشي ،مراجعة جورج زينايت ،دار الكتاب اجلديد ادلتحدة لبنان ،ط ،2005 ،1ص .44
2
-ادلصدر نفسو ،ص .64
-3زلمد شوقي الزين ،تأويبلت وتفكيكات –فصول يف الفكر الغريب ادلعاصر ، -ادلركز الثقايف العريب بًنوت ،ط ،2002 ،1ص .68
ريكور يف سياق إرساء مفاىيمو اخلاصة حول الذات والغًنية يعود دوما إىل الكوجيتو ،إىل الذات اليت
جعل منها ديكارت زلور احلقيقة يف ىذا الوجود ،أو سر ارتباطو هبذا الوجود ،فاألنا الديكارتية لطادلا سعت ألن
تبلغ التأسيس ادلطلق والنهائي ما جيعل األنا أفكر مغالية يف العظمة إىل أقصى حد شلكن ،وىذا التعايل لؤلنا مل
يقتصر حسب ريكور على ديكارت وحده بل امتد إىل كانط ومن ذتة إىل فختو ليصل إىل ىوسرل من خبلل
مؤلفو تأمبلت ديكارتية.
غًن أن أزمة الكوجيتو ال جيب مطالعتها بعيدا عن أصل انبعاثها ،فما تبله ال يعدو أن يكون تبعات
مفهومة احلدوث ،إذ يقول" :يكفي أن ضلاول أن نتحقق من ىذا الطموح يف مكان والدتو ،أي عند ديكارت
نفسو ،كي نرى أن فلسفتو تشهد بأن أزمة الكوجيتو كانت متزامنة مع تأكيد الكوجيتو".4
حلظة تأكيد الكوجيتو كانت حلظة راديكالية ،حينما وظف ديكارت شك ال ديكن فهمو وتوظيفو
خارج ادليتافزيقا .مصحوبا بصورة خرافية تتومهها ىذه األنا وىي شيطان وروح خبيث تضلل أرائي .غًن أن ىذا
الكوجيتو ستتعقبو مطرقة نتشو ،والذي أراد توظيفها ليحطم بعدميتو إرثا فلسفيا يف فهم الذات وعبلقاهتا ادلتشعبة.
فبلغ الكوجيتو ذروة نقده مع نتشو ،الذي يسميو ريكور بادلناوئ األكرب لديكارت .ف "نعرف جيدا أن نتشو
انتقد بشدة ادلفاىيم التقليدية للوعي ،للذات والروح ،فرفض االختبلف ادلفرتض بٌن ما ىو داخلي وما ىو
خارجي ،ليمثل حلظة أساسية يف ىذا النقد".5
لكن مل حتطم ىذه التفكيكية النتشوية ىذا الكوجيتو بشكل كامل ،ألن الذات مل دتت حسب ريكور بل
أضحى ىذا الكوجيتو رلروحا ،بسبب نتشو أوال ،وبسبب إلغاء اآلخر ،وجعل التفكًن ينصب بشكل مطلق حول
الذات الفاعلة.
وأمام ىذا التصور السليب للكوجيتو ،وادلنظور إليو من زاوية إرتيابية ،ترتاءى من خبلذلا الذات على أهنا
أكثر تشاؤمية ،وأمام غياب تصور فلسفي لغوي كمعيار يضبط وفقو مغزى الوجود اإلنساين وكوسيلة للتعامل مع
ادلعاين ادلتعددة للذات واآلخر ،سيختار ريكور فكرة التوسطية بٌن الذات واآلخر ،أي إلزامية استحضار ىذا
اآلخر واإلنصات إليو ،ألن وجوده ضروري يف بعث ذات فاعلة ترتحل يف بوتقة نسق يدعى الغًنية ،ديكننا من
خبللو أن ن ّكمد جراح ىذه الذات اجملروحة ،وجعلها أكثر انفتاحا على ىذا العامل وعلى كل ما ىو سلتلف فيو،
مدركة يف اآلن ذاتو ادلسافات الزمنية بٌن ماضيها وحاضرىا ومستقبلها ،وبالتايل فإن "ىذا الفعل يسعى لتيسًن
احلوار بٌن ما كل ىو سلتلف ،ويبحث يف ادلسافة الفعلية داخل العبلقة القائمة بٌن األنا واآلخر ،القريب والبعيد،
مبساعدة التقسيم ادلوجود للوجود الكلي ادلنبث بٌن ثقافات متعددة".6
وىا ىنا سبقحم ريكور اللغة لفهم ىذه ادلعاين وإزالة اللبس الذي أضفتو التفسًنات على ادلعىن األصلي لؤلشياء.
-4بول ريكور ،الذات عينها كآخر ،تررتة وتقدمي وتعليق جورج زينايت ،ادلنظمة العربية للرترتة لبنان ،ط .2005 ،01ص.74
5
- Tamas Ullmann, Identité et intériorité, in, Le même et l’autre – identité et différence- actes
d’un congrès international, Budapest 2006, ASPLF, p 345.
6
- François Dosse, Paul Riceour, les sens d’une vie. Edition revue et augmentée, paris, p586.
-نحو نشريح لغوي لسؤال الذات واآلخر:
لعل البداية التأسيسية لدراسة الذات واآلخر لدى ريكور تتماىى بطريقة تفكيكية ،وذلك عقب
النكسات اليت شهدىا مفهومي الذات واألنا ،لذا ستكون أول مرحلة ريكورية يف ضبط ادلفاىيم تتمثل يف حتديد
اإلطار ادلنهجي لسؤال الذات واآلخر" ،فنحن نسأل عن الذات بالقدر الذي هنم فيو باإلجابة عن سؤال من؟
وليس عن السؤال ماذا؟ أو دلاذا؟ على ىذا النحو فإن مقوالت القول والقائل ،مث القدرة على الفعل والفاعل ،مث
السرد والراوي ،وأخًنا مسؤولية األفعال والذات احلاملة للمسؤولية ختضع كلها لبلستقصاء الفينومينولوجي".7
ىذا االستقصاء الفينومين ولوجي سيدفع ببول ريكور إىل إقامة نوع من الفصل بٌن ىذين ادلفهومٌن ،فعلى
ادلستوى ادلعجمي فإن ىذا التباعد سيتخذ أشكاال سلتلفة حبسب "اخلصوصيات الصرفية النحوية اخلاصة بكل
لغة .ومن وراء ىذا الرتابط اإلرتايل القائم بٌن الكلمة الفرنسية » « soiوالكلمة اإلصلليزية » « selfواألدلانية
» « selbstواإليطالية » « seواإلسبانية » ، « semismoفإن قواعد ىذه اللغات تتباعد .غًن أن ىذه
معربة حٌن تضيء كل خاصية ضلوية صرفية جزءا من ادلعىن األساسي ادلنشود".8 التباعدات نفسها ّ
ىذا التباعد اللغوي بٌن عدد من اللغات على ادلستوى النحوي والصريف ديس بشكل كبًن ادلعىن العام
للمفاىيم ويؤثر يف وظيفتها ،وديكن ىنا مقاربة التعبًن » « soiبالفرنسية مع التعبًن بااليطالية» " :« seففيما
خيص اللغة الفرنسية فإن كلمة » « soiحتدد منذ البداية كضمًن منفصل يصاحب الفعل الذي يصرف مع
ضمًن منفصل يصاحب الفعل ا لذي يصرف مع ضمًن الفاعل ( )..إال أن ىذا احلظر يرفع إن ضلن قاربنا التعبًن
» « soiمن التعبًن » « seالذي يتعلق بأفعال بصيغة ادلصدر".9
بعض التعابًن وادلفردات تتمأسس مفاىيمها من خبلل احليز اللغوي الذي نشأت فيو ،فكل لغة تقبل
مفاىيم لتعابًن معينة أكثر شلا تقبلو لغة أخرى.
وقبالة ىذا ادلشكل اللغوي ستتماىى مفاىيم الذات واآلخر لدى ريكور من خبلل مقاربة ىذه التباعدات
اللغوية ،وإقامة إسرتاتيجية لغوية تعمل أساسا على تذليل ادلسافات القائمة خلف ىذا التعدد اللغوي ،فكان ال بد
على ريكور قبل اخلوض يف مسألة الذات واآلخر كقضية أخبلقية أن يؤسس دلفاىيمو اخلاصة ودتييزىا عن باقي
أشكال الفهم ،ليخلق نسقا تشكلو بىن من ادلفاىيم يؤثر بعضها يف اآلخر بصفة تركيبية أو حتليلية ،بنائية أو
تضمنية ،والنسق العام الذي يبتغيو ريكور مدخبل ذلذه اإلشكالية يتمثل يف اعتماد صيغ لغوية واضحة ال لبس
فيها كي يتمكن الحقا من ضبطها فلسفيا ،وأوىل ىذه الصيغ اليت ضبطها ريكور ىي للذات ،فالقول "اإلشارة
-7بول ريكور ،بعد طول تأمل –السًنة الذاتية ،-تررتة فؤاد مليت ،مراجعة وتقدمي عمر مهيبل ،الدار العربية للعلوم ،بًنوت ،ط ، 2006 ،1ص
ص .126،127
-8بول ريكور ،الذات عينها كآخر ،مصدر سابق ،ص .68
-9ادلصدر نفسو ،ص .68
للذات )..( ،مشتق ىو نفسو من قلب إىل إسم للمصدر" ،أن يشًن ادلرء إىل نفسو" .إن ىذه الصيغة ىي اليت
سنعتمدىا بعد اآلن كصيغة صحيحة متماشية مع القواعد".10
عقب ىذا الضبط اللغوي سينتقل ريكور إىل ادلفاىيم ادلؤسسة لسؤال الغًنية بغية استشراف النصوص
احلاملة ذلا ،إذ يرى أن زلاولة توضيح معامل ىذا السؤال وكشف امتداداتو الوجودية ال بد أن يتولد عن وعي زمين
عقبلين يتدارك اغرتاب ىذه ادلفاىيم وبالتايل اغرتاب الفكر يف التاريخ .ألن الغًنية باتت دتثل جوىر حركة التاريخ،
وأن مستقبل الذات داخل ىذا العامل منوط برتتيب مسبق يرزح حتت العبلقات اليت تتحدد داخل نسق الغًنية.
إن ىذه ادلساءلة اللغوية والوظيفية حيال مفهوم الغًنية ال ديثل إال زلاولة لنبش ما وراء ىذا ادلفهوم من
شلكنات ،فالذات بوصف أمر وجودىا حقيقة حتمية ،فلن تتأتى إكتشافيتو واستيعاب طبيعة ومعطيات ىذا
الوجود إال من خبلل اآلخر ،باعتبار أن الغًنية دتثل النموذج اإلجرائي ادلوجو حلركية وتغًنات الذات واآلخر على
حد سواء.
وعليو فبل مناص من تطويق ىذه ادلفاىيم يف رلاذلا التداويل مث الفلسفي ،مع التأكيد على ضرورة التحرر
من قيد ىذه ادلفاىيم وإجياد تقاربات إجرائية بٌن بعضها على رتيع الصعد .ولعل أىم مقاربة سيقيمها ريكور
داخل ثنايا ىذا اإلشكال والذي حيمل الكثًن من اللبس يف توظيفو سواء على ادلستوى اإلجرائي أو الفلسفي،
تتمثل يف إقحامو دلفهوم اذلوية كمفهوم مركزي يتماىى بناء عليو حدود فهم ادليكانزمات اليت دتثل أصلع ادلسالك
لولوج نسق الغًنية ،وبالتايل ولوج العامل بذات واعية ،وآخر فاعل حيقق التواصل –ولو بشكل نسيب -بٌن الذات
والعامل.
-ريكور وسؤال الهوية :
اذلوية مبنظور ريكوري ىي إسرتاتيجية تغيًنية تتجاوز ادلساءالت ادليتافزيقية لتتجو صوب الصور والنماذج
اليت تتمثل من خبلذلا الذات ،وتشكل رلموعة دتثبلهتا داخل العامل ،فقد حاول ريكور أن دينح تصورا جديدا
للهوية ودلفهوم الزمن ،تتحدد وفق ىذا التصور عبلقة اإلنسان بنفسو ،وعبلقتو بالعامل أي باآلخر ،فترتاءى بناء
على ىذه العبلقات مصًن اإلنسان وغايتو يف احلياة.
لكن قد ال ديكن حتديد معىن اذلوية بعيدا عن التصورات ادليتافزيقية وعن سلطة براديغم الذات الديكارتية،
إال مع تأويلية الذات ،وإعادة البحث عن تصور فلسفي دلفاىيم الذات واذلوية والشخص ،تكون كمعيار يضبط
وفقو مغزى وجود اإلنسان من خبلل ضبط أشكالو اذلوياتية ،وكوسيلة أيضا للتعامل الفعال مع الزمن.
وعليو فإن سؤال اذلوية لدى ريكور سيتخذ مستويات ثبلث ،تؤطرىا تساؤالت ثبلث:
* -ماذا أكون أنا؟ :ىذا السؤال يناظر ويرمي إىل حتديد ميزة وخصوصية ىذه الذات ،وىذا التساؤل
يدرجو ريكور ضمن ما يسميو باذلوية ادلتطابقة . l’identité-idem
-14نيتشو فريدريك ،أفول األصنام ،ت:حسان بورقيو.زلمد التاجي ،إفريقيا الشرق ،بًنوت ،1966 ،ص.07
-15زلمد شوقي الزين ،تأويبلت وتفكيكات – فصول يف الفكر الغريب ادلعاصر ، -ادلركز الثقايف العريب بًنوت ،ط ،2002 ،1ص .68
-16بول ريكور ،صراع التأويبلت ،دراسات ىًنمينوطيقية ،مصدر سابق ،ص .137
-17ادلصدر نفسو ،ص .193
غًن أن "ىؤالء الثبلثة بعيدون عن أن يشنعوا بالوعي ،إذ يتطلعون إىل توسيعو .فما يريده ماركس ىو حترير
التطبيق العملي ) (praxisعن طريق معرفة بالضرورة .ولكن ىذا التحرير ال ينفصل عن امتبلك "الوعي" الذي يرد
بانتصار على خداع الوعي الزائف ،وما يريده نتشو ىو زيادة قدرة اإلنسان وإنشاء قوتو ( ،)..وأما ما يريده فرويد
فهو أن احمللّل إذ يتبىن ادلعىن الذي كان غريبا عنو ،فإنو يوسع حقل وعيو".18
إذن يطرح ريكور تصورا فينومينولوجيا لعمل الذات أال وىي توسيع مساحة الوعي لتشمل البلوعي كذلك،
ولكن عن طريق التأويل .وادلثًن يف ىذا التفسًن الريكوري ىو اعرتافو حتت تأثًن فرويد بوجود البلوعي ،ولكن
كامتداد للوعي ال كمناقض لو.
وىذا ادلنحى أراده ريكور منهجا منذ كتابو حول فرويد ،فقد تساءل "كيف جيب علي أن أعيد التفكًن
مبفهوم الوعي وأن أعيد تأسيسو ،وذلك بشكل يستطيع معو البلوعي أن يكون آخره ،وكذلك بشكل يكون فيو
الوعي قادرا على ىذا اآلخر الذي نسميو البلوعي؟".19
يتعامل ريكور مع مفهوم ا لبلوعي باعتباره وعيا ينتظر ادلمارسة التأويلية ليصبح وعيا حقيقيا .وهبذا سيفجر
ىو بنفسو الكوجيتو الديكاريت وسيحرك الشكل الثابت لفينومينولوجيا ىوسرل اليت جعلت من الوعي بطلها الذي
ال ينهزم ،وىو ما جيعل من الذاتية ادلتعالية منفتحة بشكل جوىري على اآلخر.
غًن أن ريكور سيطرح قضية التحام الوعي بالبلوعي إلجياد الصورة احلقيقية للواقع ،فالذات ال ديكن أن
تدرك ذاهتا بشكل مباشر إال من خبلل اآلخر ،لكن ىذا اآلخر الفينومينولوجي لدى ريكور ،سيمثلو إرادة القوة
والبلوعي والنشاط االقتصادي .وىذه عبارة عن وسائط جتعل من الذات مرتبطة أوثق ارتباط بالعامل ،وىا ىنا يربز
"أن ىذه ادلقاربة غًن ادلباشرة ،والوسيطة للوعي ال عبلقة ذلا باحلضور ادلباشر للوعي بذاتو ،مع يقٌن ريكور
مباشر للذات بذاهتا نفسها".20
لكن أال يتجاوز ريكور باستحضاره لبلوعي ودرلو يف عملية إدراك الذات لتمثبلت العامل ،أستاذه ىوسرل
الذي يؤكد "أن الشيء الوحيد الذي جيب ذكره حقيقة ىو عبارة :أنا موجود ،وكل "ال أنا" ىو ظاىرة تفتقد إىل
21
عبلقات ظاىرية"
فاستحضار "البلوعي" و "الؤلنا" ،يعين تغييب الذات ادلتعالية ومنح السيطرة للمحايث ،وىو ما جيعلنا
نتحدث عن أزمة للذات وبالتايل أزمة لئل نسان ككل ،فلم تعد الذات تكفي نفسها بنفسها كما كان التاريخ مع
ىيغل ،فكان شعار الذات ادلتعالية ىو "أدخل إىل ذاتك عميقا وتعرف أوال كيف تعرف نفسك". 22