You are on page 1of 6

‫السميوزيس والقراءة والتأويل‬

‫سعيد بنَك راد‬

‫سنتناول في هذا المقال المقتضب بعض التحديدات الخاصة بمفهومين مركزيين في التلقي والتأويل؛ يخص‬
‫األمر في البداية مفهوم السميوزيس كما ورد في السميائيات‪ ،‬والسميائيات البورسية تحديدا‪ .‬وسنتناول هذا‬
‫المفهوم من زاوية مردوديته في تحديد أسس التأويل وتعدديته وكذا ميكانيزماته في االنطالق والنمو‬
‫واالضمحالل‪ .‬ويتعلق األمر في مرحلة ثانية بمفهوم الطوبيك (الفرضية أوالفرضيات األولى التي يكونها القارئ‬
‫عن المعنى) كما ورد عند إمبرتو إيكو في كتابات متعددة‪ .‬وسنحاول تحديد موقعه من استراتيجية فعل القراءة من‬
‫جهة‪ ،‬فكل قراءة يحكمها تصور مسبق ‪ -‬على شكل إرهاصات أولية ومبهمة ‪ -‬يحدد التحيينات المقبلة‪ ،‬وتحكمها‬
‫من جهة ثانية‪ ،‬غاية تأويلية تهدف إلى الوصول إلى نقطة داللية بعينها ضمن سيرورة تأويلية محددة بسياق‬
‫خاص‪.‬‬
‫السميوزيس ‪ :‬سيرورة إلنتاج الداللة‬
‫إن العالم الذي تحيل عليه النصوص ‪ -‬ما يتصل بالكائنات واألشياء واألهواء والرغبات واألحالم ‪ -‬عالم‬
‫ينمو ويكبر ويضمحل داخل نسيج السميوزيس ( ‪ .)1‬فهو‪ ،‬اعتبارا لهذا‪ ،‬محكوم بسلسة من اإلحاالت الذاتية التي‬
‫توضح نفسها بنفسها اعتمادا على قوانينها الداخلية فقط‪ ،‬واستنادا إلى منطق اإلحاالت ذاتها‪ .‬فما نطلق عليه‬
‫"الواقع" و"المرجع" و"الموضوع" و"الشيء في العالم الخارجي"‪" ،‬كيانات" ال يمكنها أن تلج عالم التدليل‪،‬‬
‫أي عالم النصوص‪ ،‬إال من خالل بوابة اإلحاالت الرمزية التي تقود إلى خلق تصورات متنوعة تتكفل السميوزيس‬
‫(السيرورة المؤدية إلى إنتاج داللة ما) بصياغة حدودها القصوى والدنيا‪ ،‬الحقيقية منها والوهمية‪.‬‬
‫فكل شيء يوجد داخل النص ‪ :‬فالنص بؤرة التمثيل وسند لمنطق اإلحالة وانسجام العناصر وتناظرها‪ .‬وكل‬
‫شيء يوجد خارجه‪ ،‬فعناصر النص تهاجر نحو أقاليم أخرى بحكم التجاور واإلحالة الرمزية والتذكر والتلميح ‪ :‬ال‬
‫يمكن صياغة خطاب عن "األبيض" دون إسقاط آخر يخص "األسود" ‪ ،‬وال يمكن الحديث عن "األفراح" دون‬
‫أن يلوح في األفق ما يحيل على "األحزان"‪ .‬من هنا‪ ،‬فإن الضمانة الوحيدة على تماسك النص وانسجامه هي‬
‫بالضبط هذا الفصل بين المتحقق والضمني‪ ،‬بين المعطى المباشر وبين ما يتسرب ‪ -‬في غفلة عن الكلمات ‪ -‬إلى‬
‫النص ليشكل ذاكرة الخطاب وذاكرة القارئ ويرسي قاعدة الحوار بينهما‪.‬‬
‫ولهذا‪ ،‬فإن األصل في التمثيل (بناء نص روائي أو صياغة قصيدة شعرية أو رسم معالم نص مسرحي ‪)...‬‬
‫هو القيام باقتطاع ما يصلح لبناء كون مستقل بذاته‪ ،‬يظل إدراكه وفهمه وتأويله مع ذلك مشروطا باستحضار‬
‫ذاكرته الكبرى‪ ،‬أي محيطه المباشر و غير المباشر‪.‬‬
‫وهكذا عوض البحث عن معادل "موضوعي" في عالم غير عالم النص بوجوهه المتحققة والضمنية‬
‫أوالمشار إليها‪ ،‬وجب البحث في أشكال اشتغال نسيج السميوزيس ودورها في نسج خيوط عوالم نطمئن إليها‬
‫ونتعامل معها باعتبارها جزءا من عالمنا الخاص‪ .‬فما هو مضمون مقولة السميوزيس وما هو موقعها ضمن‬
‫الفعل اإلنساني المتميز بقدرته على اإلنتاج الدائم للمعاني؟‪ .‬وما الرابط بين هذه السيرورة التدليلية وبين ما نطلق‬
‫عليه "فرضيات القراءة" (ما يطلق عليه إيكو الطوبيك ‪ )topic‬من جهة‪ ،‬وبينها وبين القارئ الذي يستدعيه‬
‫بناء معنى أو معاني نص ما‪.‬‬
‫تعد السميوزيس في معناها "العامي" والمباشر سيرورة متحركة إلنتاج الداللة وتداولها واستهالكها‪،‬‬
‫سيرورة ستنتهي إلى الذوبان في فعل يتقمص مظهرالعادة والقيم والتقاليد وكل أشكال السلوك التي تتحول مع‬
‫الزمن إلى معيار يبنى على أساسه العنصر المتحقق‪ .‬ويعد هذا الفعل من زاوية السميوزيس >عادة داخل اإلنسان‬
‫وقانونا داخل المجتمع< (‪.)2‬‬
‫ولقد كان شارل سندرس بورس (‪ )C. S. Peirce‬أول من أدخل مفهوم السميوزيس إلى ميدان‬
‫السميائيات‪ .‬بل لقد كان أول من أرسى دعائم نظام للتدليل وإنتاج الدالالت يمر عبر ميكانيزم خاص أطلق عليه‬
‫اسم السميوزيس‪ .‬والسميوزيس في نظره "سيرورة يشتغل من خاللها شيء ما كعالمة" وتستدعي‪ ،‬من أجل بناء‬

‫‪1‬‬
‫نظامها الداخلي‪ ،‬ثالثة عناصر هي ما يكون العالمة ويضمن استمرارها في الوجود ‪ :‬ما يقوم بالتمثيل (ماثول)‬
‫وما يشكل موضوع التمثيل (موضوع) وما يشتغل كمفهمة تقود إلى االمتالك الفكري " للتجربة الصافية "‬
‫( مؤول)‪.‬‬
‫استنادا إلى هذا التصور يقتضي إنتاج داللة ما استحضار سيرورة تدليلية تقود من أول عنصر إلى آخر‬
‫عنصر داخل سلسلة من اإلحاالت التي ال يمكن اإلخالل بتتابعها وانتظامها دون اإلخالل بنظام التدليل ذاته ‪ :‬فكلمة‬
‫" شجرة " تدل إلنني أستطيع التمييز داخلها بين ‪:‬‬
‫‪ - 1‬أداة للتمثيل ( يتعلق األمر بالمتوالية الصوتية التي نستعين بها من أجل استحضار عالم ذهني‪ ،‬وقد‬
‫يتعلق األمر بمادة أخرى للتمثيل )‪.‬‬
‫‪ - 2‬شيء ما موضوع للتمثيل‪ ( ،‬سواء كان الموضوع واقعيا أو متخيال أو قابال للتخيل)‪.‬‬
‫‪ - 3‬العالم الذهني الذي يربط رمزيا بين الموضوع وأداة التمثيل‪ .‬كما يبرر العالقة الموجودة بينهما‪.‬‬
‫إن غياب عنصر من هذه العناصر الثالثة سيؤدي إلى تدميرالعالمة ومن ثم إلى تحجيم قدرتها على إنتاج‬
‫داللة ما‪.‬‬
‫إن هذا الترابط بين العناصرالثالثة ( أشكال وجود التجربة في واقع األمر ) يفسر ما قلناه سابقا عن‬
‫الترابط بين الداخل والخارج في النص وفي التجربة الفنية ككل‪ .‬فما دمنا النستطيع تحديد كنه أي شيء خارج‬
‫أدوات التمثيل‪ ،‬فإن التجربة اإلنسانية في كليتها تحضر عبر وجهها الرمزي‪ ،‬وال يمكن إدراكها إال عبر هذا الوجه‪.‬‬
‫وفي هذه الحالة يمكن القول إن الداللة ليست معطى جاهزا يوجد خارج العالمات وخارج قدرتها في‬
‫التعريف والتمثيل‪ ،‬فالمعنى ال يوجد في الشيء وليس محايثا له‪ ،‬إنه يتسرب إليه عبر أدوات التمثيل‪ ،‬وهو ما‬
‫يشير إلى أن إدراك الكون ليس مباشرا‪ ،‬فالشيء ال يوجد في ذاته‪ ،‬بل مثواه الوعي الذي يدركه‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس يمكن فهم البناء النظري الذي تندرج ضمنه هذه المقولة‪ .‬فالتصور العام الذي يقدمه‬
‫بورس للسميوزيس يستند إلى مبدإ سميائي يقول بإمكانية وجود إحالة من المحتمل أال تتوقف عند حد بعينه‪.‬‬
‫فعندما يتم التمثيل وتنفلت الداللة من عقالها‪ ،‬فإن أمر إيقافها عند حد بعينه يصبح مستحيال‪ .‬فالتمثيل يحيل على‬
‫الشيء الممثل وفق مبدأ للتوسط‪ ،‬وال يقود التوسط إلى تعيين معنى وإنما يفتح السيرورة الداللية على كل‬
‫االحتماالت الممكنة‪ .‬وبعبارة أخرى فإن الفكر ال يمكن أن يترجم إال في فكر آخر‪ ،‬فمادام الشيء في حد ذاته‬
‫عالمة‪ ،‬فلن يكون مجديا البحث عن إحالة خارج ما يرسمه الفكر أي خارج ما ترسمه العالمات‪.‬‬
‫ورغم ذلك‪ ،‬إذا كنا ال نستطيع تصور نهاية بعينها للنفق التأويلي‪ ،‬فنحن قادرون‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬على رسم بداية‬
‫له‪ .‬فاألول محدد والنهائي محتمل‪ ،‬والبداية خطوة أما النهاية فدروب تسير في جميع االتجاهات وبال أفق وال‬
‫تخوم‪ .‬ولهذا يمكن القول إن فعل العالمة مرتبط بنشاطين مختلفين ومتكاملين يقود أحدهما إلى اآلخر ‪:‬‬
‫‪ - 1‬النشاط األول مرتبط بفعل إنتاج الداللة في مستواها األولي‪ ،‬أو مستواها التقريري الحرفي‪ .‬فالطابع "‬
‫الموضوعي" ( أولنقل الطابع البيذاتي) للمعنى يتحدد من خالل وجود مادة أولية منها تشتق كل المعاني "‬
‫النفعية" الموجهة نحو االستجابة لحاجات أولية‪ .‬فالعالمة تعين وتسمي وتشير‪ ،‬وفي هذه الحالة‪ ،‬فإنها ال تتجاوز‬
‫حدود اإلشارة إلى ما هو معطى من خالل حدود فعل التمثيل ذاته ‪ :‬أي ما يخص معنى العالمة ومعنى النص ومعنى‬
‫الواقعة وذلك ما تقتضيه عناصر التجربة المشتركة‪.‬‬
‫وبما أن الخروج من دائرة التعيين إلى ما يشكل بحق عالم التأويل بمفهومه الواسع يقتضي التخلص من‬
‫مقتضيات اإلحالة المباشرة ( اإلحالة األولى ) وإعادة ترتيب العناصر وتنظيمها وفق عالقات جديدة‪ ،‬فإن الضمانة‬
‫الوحيدة على سالمة هذه الحركة التدليلية وقدرتها على إنتاج الدالالت المتنوعة هو وجود هذا "الحد األدنى‬
‫المعنوي" المرتبط بتجربة حياتية ال تتجاوز حدود االستجابة للبعد النفعي فيها ( يمكن بالتأكيد في هذه الحالة‬
‫التساؤل عن فحوى النفعي ومتى تكون الحاجة نفعية أو مرتبطة بلذة‪ .‬وهنا أيضا يقتضي األمر تحديد السياق‬
‫المباشر لفعل العالمة)‪ .‬وبعبارة أخرى فإن التأويل الالمتناهي يقتضي وجود مدلول أولي ( كيفما كان وضعه) تبنى‬
‫على أساسه مجمل المعارف التي تنتجها حركة اإلحاالت الالحقة‪ .‬وهذا ما يقودنا إلى الحركة الثانية ضمن فعل‬
‫السميوزيس‪.‬‬
‫‪ - 2‬النشاط الثاني هو الذي يقذف بالعالمة من موقعها التعييني المباشر‪ ،‬إلى عالم جديد من الدالالت؛ وهذه‬
‫الدالالت ليست معطاة بطريقة مباشرة من خالل ما يبدو من ظاهرالعالمة‪ ،‬بل يشير إلى تجربة ضمنية‪ ،‬فـ >العالمة‬
‫تحتوي أو تشير إلى مجمل مكوناتها األكثر إيغاال في القدم< (‪ .)3‬فإذا كانت اإلحالة األولى ( أو اإلحاالت األولى )‬
‫(‪ ) 4‬تحدد منطلقا لسيرورة ما‪ ،‬فإن اإلحاالت الالحقة تخلق سلسلة من المسيرات التأويلية التي تدخل عبرها الذات‬
‫المؤولة ( القارئ) كعنصر أساس في عملية إنتاج الدالالت المتنوعة‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬ال وجود لفاصل بين النشاط األول والثاني‪ ،‬فال يمكن تصور واقعة تكتفي بإنتاج داللة واحدة‬
‫خاصة بالتعيين‪ ،‬وبالمثل ال يمكن تصور فعل تأويلي ال يسلم بوجود مادة ( نص) سابقة عنه‪ .‬إن النشاط التأويلي‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وفق الغايات السميوزيسية‪ ،‬المعلنة أو الضمنية‪ ،‬فعل كلي‪ ،‬إن كانت آثاره المباشرة هي تعيين داللة ما ( تعيين‬
‫ما ) فإن عمقه ال تحدده سوى اإلحاالت التي تجعل من أي نسق سميائي بؤرة للتوالد الداللي الالمتناهي‪ .‬و>‬
‫التأويل الالمتناهي أمر ممكن عند بورس‪ .‬فالواقع يمثل أمامنا باعتباره متصال (‪ ) continuum‬حيث ال وجود‬
‫لكيانات مطلقة< (‪.)5‬‬
‫ورغم إقرارنا المبدئي بأن السميوزيس المتناهية في الزمان وفي المكان‪ ،‬فإن ثقل الحاجات اإلنسانية‬
‫الدائمة ‪ -‬التواصلية منها أساسا ‪ -‬يقود إلى تحجيم هذه الطاقة الجبارة وتسييجها ضمن سياقات تمكن الذات من‬
‫االستقرار على داللة بعينها‪ .‬وبناء على ذلك فإن > غاياتنا المعرفية تقوم بتأطير وتنظيم وتكثيف هذه السلسلة‬
‫غير المحددة من اإلمكانات‪ .‬فمع السيرورة السميوزيسية ينصب اهتمامنا على معرفة ما هو أساس داخل كون‬
‫خطابي محدد< (‪ .) 6‬وهذا يعني أن السيرورة التأويلية ‪ -‬رغم كل ما قلناه ‪ -‬متناهية من حيث التجسيد العملي‪ ،‬أي‬
‫من حيث ارتباطها في التحقق الفعلي بسياقات خاصة تمنح وحداتها هوية خاصة‪.‬‬
‫وهذا ما يشكل الفاصل الحقيقي بين ما اصطلح عليه بالمتاهة التأويلية ( ‪)dérive interprétative‬‬
‫وبين السميوزيس في التصور الذي يقترحه بورس‪ .‬ففي المتاهة التأويلية تنبعث الداللة من فعل العالمة كسيرورة‬
‫بال رادع وال ضفاف وال حدود‪ .‬فما نحصل عليه من معرفة‪ ،‬بعد أن يستنفد الفعل التأويلي طاقاته‪ ،‬ال عالقة له‬
‫بالنقطة التي شكلت بداية التأويل؛ فبإمكان أية عالمة أن تحيل على أية عالمة أخرى‪ ،‬كما بإمكان أي شيء أن‬
‫يشير إلى شيء آخر‪ > .‬وفي هذه الحالة فإن اإليحاءات تنتشر بشكل سرطاني بحيث إننا كلما انتقلنا إلى مستوى‬
‫أعلى تم نسيان العالمة السابقة أو تم محوها‪ ،‬فجوهر اللذة التي تخلقها المتاهة تكمن كلية في االنتقال من عالمة‬
‫إلى أخرى‪ ،‬وال غاية لهذه الرحلة اللولبية بين العالمات واألشياء سوى هذه اللذة ذاتها < (‪.)7‬‬
‫ويقدم راستيي في كتابه " الداللة التأويلية " (‪ )8‬مثاال قد يصدق على الحالة التي نحاول تشخيصها‪ .‬يقول‬
‫المثال ‪ " :‬أنت مساعد ‪ ،‬ستظل الطماطم خضراء ( ‪Vous êtes assistant, les tomates resteront‬‬
‫‪ . )vertes‬إن الجملة تتكون من جزءين ال رابط بينهما من حيث الداللة المباشرة التي تحيل عليها الوحدات‬
‫المكونة للجملة‪ .‬فأن يربط مصير الطماطم بمصيراألساتاذ المساعد ‪ ،‬فذاك أمر في غاية الغرابة‪ ،‬ومع ذلك فإن‬
‫راستيي "ينبش" في ذاكرة الكلمات‪ ،‬و"يعدل" و"يرتب" و"يصوغ العالقات" ليكتشف في النهاية وجود رابط‬
‫بين الجزء األول من الجملة وجزئها الثاني‪ ،‬وهو ما يشكل ‪ ،‬في نظره ‪ ،‬انسجام الجملة وإمكانية تداولها باعتبارها‬
‫كونا دالليا "مقبوال" ‪ .‬وهذا الرابط يتحدد من خالل الفصل بين كيانين ‪:‬‬
‫‪ -1‬كيان المؤسسة الجامعية التي تحكمها هرمية في اإلطارات تجعل من األستاذ "المساعد" أدنى إطار‬
‫وأوله‪ ،‬فهو إذن يشكل مرحلة البداية في الحياة المهنية لألستاذ‪ ،‬وفي هذه الحالة نكون أمام المعنم ‪ /‬بدئي‪./‬‬
‫‪ -2‬حالة الطماطم التي تمر بمراحل لكي تصبح صالحة لالستهالك‪ .‬فهي تنتقل من الفجاجة إلى النضج من‬
‫خالل االنتقال من اللون األخضر إلى اللون األحمر‪ .‬وفي هذه الحالة فإن اللون األخضر يحيل على البداية ‪ ،‬أي‬
‫يشير إلى المعنم ‪ /‬بدئي‪./‬‬
‫والخالصة أن الجملة "تريد أن تقول" ‪ :‬أنت مساعد وستظل مساعدا‪ .‬فنحن في هذه الحالة ال نبحث عن‬
‫داللة للجملة‪ ،‬وإنما نبحث عما يجمع بين أجزائها المتنافرة ‪.‬‬
‫وعلى النقيض من ذلك فإن مفهوم السميوزيس ‪ -‬في تصور بورس على األقل ‪ -‬يشير إلى شيء مخالف‬
‫تماما لهذا‪ .‬فعلى عكس المتاهة‪ ،‬فإن اإلحاالت المتتالية ال تقطع صلة الالحق بالسابق‪ ،‬كما أنها ال تلغي الروابط‬
‫بين عناصرالشبكة التأويلية الواحدة‪ .‬فالعالمة تكتسب مزيدا من التحديدات كلما أوغلت في اإلحاالت واالنتقال من‬
‫مؤول إلى آخر‪ .‬من هنا‪ ،‬فإن الحلقات المشكلة ألي مسير تأويلي تقود إلى إنتاج معرفة أعمق وأوسع من تلك التي‬
‫تقدمها العالمة في بداية المسير‪ .‬وهكذا فإن ما نحصل عليه من معرفة في نهاية السلسة هو تعميق للمعرفة التي‬
‫تطرحها العالمة في حدها البدئي‪ .‬فما تقوم به اإلحاالت هو تعميق للمعرفة السابقة ال نفي لوجهها البدئي‪ ،‬فالعالمة‬
‫> هي شيء تفيد معرفته معرفة شيء آخر < كما يقول بورس‪.‬‬
‫ولتوضيح هذا التوالد ‪ ،‬نستعين بمثال يورده إيكو ‪ ،‬في سياق غير سياقنا‪ ،‬لكنه يصدق مع ذلك على حالتنا‪.‬‬
‫يقول المثال ‪ > :‬في مواجهة األضواء المنظمة للسير في مفترق طرق ما‪ ،‬أعرف أن " األحمر" يعني‪/‬التوقف‪،/‬‬
‫في حين يعني " األخضر" ‪/‬المرور‪ ./‬لكني أعرف أيضا أن األمر ‪ /‬توقف‪ /‬يعني ‪/‬إجبارية ‪ ،/‬في حين أن السماح بـ‬
‫‪/‬مرور‪ /‬تعني " اختيار حر" ( فبإمكاني عدم اجتيازالطريق )‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فأنا على علم بأن ‪/‬اإلجبارية‪/‬‬
‫تعني " ذعيرة نقدية "‪ ،‬في حين أن ‪ /‬االختيار الحر ‪ /‬يدل تقريبيا على " يجب اتخاذ قرار "‪)9( < .‬‬
‫ويقدم للمزيد من التوضيح الترسيمة التالية ‪:‬‬
‫ذعيرة دال دال قرار‬

‫‪3‬‬
‫وجوب دال دال اختيار حر‬
‫توقف أحمر أخضر مرور‬
‫مددم‬
‫وبالتأكيد ففي هذا المثال برهنة كافية على نوعية هذا التوالد الداللي وميكانيزماته المرتبطة باإلحاالت التي‬
‫تطلق عنان السميوزيس الرتياد مناطق داللية من كل األنواع واألحجام‪ .‬فداخل هذا التوالد هناك ‪:‬‬
‫‪ -1‬عالقة بين الوحدات قائمة على النمو التصاعدي لـ " الكمية المعنوية " التي تتوفرعليها النواة الداللية‬
‫المعطاة مع عملية التمثيل األولى‪ .‬فكل إحالة تضيف قدرا من الداللة إلى اإلحالة السابقة عنها‪.‬‬
‫‪ - 2‬إن نقطة "النهاية" ( إنها نهاية مفترضة‪ ،‬فهي كذلك ضمن سياق خاص فقط ) داخل هذه السيرورة‬
‫التدليلية تقوم بتعميق معرفتنا بما وضع للتداول في اإلحالة األولى‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن معرفتنا باألحمر قد ازدادت‬
‫وتنوعت دروبها دون أن تفقد‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬الصلة بالداللة التي منحت لها في بداية السلسة‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬فإن انتفاء الطابع المطلق عن الكيانات المشكلة للكون اإلنساني‪ ،‬هو ما َيُح د‪ ،‬من زاوية أخرى‪،‬‬
‫من سلسلة اإلحاالت وتكاثرها‪ .‬فالقول بنسبية الواقعة معناه القول إن ما يبدو صحيحا في هذا السياق ليس كذلك‬
‫في سياق آخر وضمن شروط أخرى‪ .‬وبناء على هذا‪ ،‬فإن > التأويل ليس وليد بنية الذهن البشري‪ ،‬وإنما هو نتاج‬
‫للواقع الذي تقيم دعائمه السميوزيس<(‪.)10‬‬
‫في ضوء كل ما سبق‪ ،‬فإن النص عندما يتحدد ككيان مستقل الوجود من حيث قدرته على االنفصال عن‬
‫المادة التي تؤثث الكون اإلنساني كله‪ -‬أي عما يشكل الوجه المتصل للكون‪ -‬فإن سلسلة المؤوالت تميل إلى‬
‫االنكفاء على نفسها وتبحث عن شكل داللي تستقر عليه‪ .‬إن النص‪ ،‬من هذه الزاوية إذن‪ ،‬ال يشتمل على معنى‪،‬‬
‫وال حتى على معاني‪ ،‬وال يضم بين دفتيه داللة نهائية كلية أو جزئية‪ ،‬بل هو خزان كبير لسياقات بالغة التنوع‬
‫والتعدد والتجدد‪ .‬وللذات المتلقية ( القارئ ) وحدها القدرة على تحيين هذه الداللة أو تلك ضمن هذا‬
‫المسيرالتأويلي أو ذاك ضمن شروط "االنتقاء السياقي" والظروف المقامية الخاصة بكل فعل قراءة‪.‬‬
‫وفي هذه الحالة كل شيء يقاس بالعالقة الموجودة بين النص والقارئ ( بين العالمة ومستهلكها )‪ ،‬فضمن‬
‫هذه العالقة تتحدد القراءات وتتناسل التأويالت‪ .‬وعلى هذا األساس‪ ،‬فإن االعتراف بوجود هذه العالقة‬
‫هواعتراف‪ -‬ضمني أو صريح ‪ -‬بكيان مستقل عن الذات التي تحاوره ‪ :‬إنه كذلك من حيث المادة والبناء ومقام‬
‫النشأة‪.‬‬
‫وتعد هذه االستقاللية‪ ،‬ربما على عكس ما يتصوره البعض‪ ،‬الضمانة الوحيدة على غنى التأويل وتعدديته‪.‬‬
‫وربما يتعلق األمر بطريقة أخرى للقول إننا ال نؤول ما بداخلنا‪ ،‬ولكننا نقوم‪ ،‬عكس ذلك‪ ،‬بوضع معرفتنا‬
‫( موسوعتنا على حد تعبير إيكو) في خدمة مادة هي منطلق التأويل وأصله‪ .‬من هنا‪ ،‬فإن كل قراءة هي خلق‬
‫لسياق جديد يستمد مشروعية وجوده من المادة الموضوعة للتأويل‪ .‬وبما أن "الوعي الخالق للعمل الفني" وعي‬
‫جزئي بالضرورة‪ ،‬فإن النشاط التأويلي ال يمكنه أن يكون إال من نفس الطبيعة‪ .‬لذا فإنه يصل في مرحلة ما إلى‬
‫استنفاد كل طاقاته اإلبداعية ليتوقف عن إنتاج دالالت جديدة‪ ،‬ليفسح المجال لوعي جديد ضمن شروط تاريخية‬
‫جديدة ولينتج دالالت تنسجم وحجم الموسوعة الجديدة‪.‬‬
‫الطوبيك ‪ :‬فرضية للقراءة والتأويل‬
‫ومن هذا المنطلق بالذات‪ ،‬ووفق غايات تأويلية محض‪ ،‬أدخل إيكو إلى التداول النقدي مفهوم الطوبيك (‬
‫‪ ) 11‬لينتشل التلقي من وهم التعدد التأويلي المطلق‪ ،‬ومن الفهم األحادي للنص في اآلن نفسه‪ .‬وكما سنرى الحقا‪،‬‬
‫فإن هذا المفهوم ليس مرتبطا بالمادة المضمونية وال محكوما بطبيعتها‪ ،‬بل هو رهين في وجوده واشتغاله بالذات‬
‫التي توجد في تماس مع هذه المادة‪ .‬وهو من هذه الزاوية‪ ،‬يعد تصورا أوليا و"حدسيا" للمعنى‪ .‬إنه يمثل‪ ،‬عند‬
‫القارئ‪ ،‬األشكال األولى لمقاربة المعنى وفق خطاطة يتبناها هذا القارئ ويباشر وفقها عمليات التأويل الالحقة‪.‬‬
‫ويعرف إيكو الطوبيك > بأنه فرضية مرتبطة بالقارئ الذي يقوم بصياغتها بطريقة بسيطة على شكل‬
‫أسئلة من نوع " ماذا يريد النص قوله ؟" لتترجم في أجوبة من نوع " ربما يتعلق األمر بالقضية الفالنية "‪.‬‬
‫ويعد من هذه الزاوية أداة سابقة على النص‪ .‬وال يقوم النص إال بافتراضها إما ضمنيا وإما باإلشارة إليها صراحة‬
‫من خالل مؤشرات مثل العنوان أوالعناوين الفرعية أو من خالل الكلمات ‪/‬المفاتيح‪ .‬وإلى هذه الفرضية يستند‬
‫القارئ في تفضيله لبعض الخصائص الداللية للوحدات المعجمية التي يتألف منها النص واستبعاده ألخرى بغية‬
‫الوصول إلى االنسجام التأويلي الذي ُيطلق عليه التناظر<‪)12(.‬‬
‫إن التوسط الذاتي الذي يشير إليه مفهوم الطوبيك يفترض القيام بفصل بين المضامين التي يحتضنها‬
‫النص وبين العمليات الذهنية المرافقة ألي نشاط تأويلي‪ .‬فما بين الذات القارئة التي تقوم بالتجسيد ( بمفهوم‬
‫جماليات التلقي )‪ ،‬أي تحيين مجمل معطيات الموسوعة الثقافية وفق حاجات يفترضها النص لكي يسلم مفاتيح‬
‫قراءاته‪ ،‬وبين المعرفة التي قد نحصل عليها من خالل فعل التأويل‪ ،‬يتسرب "االنتقاء السياقي" كحد فاصل بين‬
‫‪4‬‬
‫التأويل الذي ال تحكمه ضفاف وال حدود‪ ،‬وبين مفهوم " المسير التأويلي" ( ‪.)parcours interprétatif‬‬
‫ولهذا السبب جعل إيكو من مفهوم الطوبيك األداة المركزية في التحكم في دهاليز السميوزيس ‪ ،‬فـهو > يقوم‬
‫بتقليص حجمها وتكثيفها‪ ،‬كما يقوم أيضا بتحديد أوجه التحيين داخلها< ( ‪ ، )13‬أي تحديد مجمل الممكنات‬
‫التأويلية القابلة للتجسيد من خالل القراءت المتنوعة‪.‬‬
‫إن األسئلة التي يمكن أن يطرحها القارئ على النص‪ ،‬وكذا الدروب التي يحاول رسمها ليلج من خاللها‬
‫إلى عالم النص‪ ،‬تلقي المزيد من الضوء على هذا المفهوم‪ .‬فبما أن القراءة الشمولية للنص ( فعل تأويلي جامع‬
‫لكل السياقات) تدخل في باب المستحيالت ( إال في الحالة التي يقرر فيها القارئ تبني االختصار والتكثيف وبالتالي‬
‫التضحية بكل ما ال يستقيم داخل استراتيجيته التأويلية‪ ،‬وفي هذه الحالة نكون أمام قراءة جزئية أيضا )‪ ،‬فإن‬
‫التأويل ‪ -‬من خالل مفهوم الطوبيك ذاته‪ -‬يرتبط باالنتقاءالسياقي‪.‬‬
‫واالنتقاء السياقي معناه خلق مسير تأويلي تنظم وفقه عناصرالنص وتحين وفقه الترسيمة الثقافية‬
‫الخاصة بكل قارئ‪ > ،‬فما يشكل التناظرالداللي( ‪ )isotopie‬ليس تواتر المعانم ( ‪ )sèmes‬الموضوعة للتداول‪،‬‬
‫بل افتراض تناظر ما‪ ،‬هوالذي يقود إلى تحيين بعض المعانم‪ ،‬إن لم نقل كلها‪ .‬ويمكن التأكد من هذا األمر من خالل‬
‫الوقائع المحسوسة‪ .‬ويتعلق األمر هنا بتطبيق مبدإ عام ‪ :‬إن المعنى‪ ،‬حتى ولو تعلق األمر بأدني المستويات‬
‫الداللية‪ ،‬هو نتاج عمليات تأويلية محكومة باستراتيجية< (‪ ( )14‬التشديد من عندنا)‪.‬‬
‫وضمن هذا االنتقاءالسياقي تدخل كل "قواعد اإلحالة" التي يبنى النص ويؤول وفقها ‪ :‬اإلحالة المباشرة‬
‫على عناصره‪ ،‬اإلحالة على ما يقترحه االختيارالتأويلي‪ ،‬اإلحالة التي تقود إلي تحيين ممكنات داللية واستبعاد‬
‫أخرى ضمن نفس الواقعة‪ .‬وهذه اإلحاالت هي ما يشكل محيطه وما يشكل سياقاته وشروط إنتاجه وقراءته أيضا‪.‬‬
‫فكل هذه القواعد تساهم في بلورة كون داللي منسجم يصاغ انطالقا من إعادة تنظيم عناصر تنتمي إلى عالم يعج‬
‫بالممكنات المتنوعة التي تصل إلى حد التناقض أحيانا‪.‬‬
‫ويحضرنا في هذه اللحظة فيلم ظهر منذ سنوات بعنوان ‪Les dieux sont tombés sur la " :‬‬
‫‪ ." tête‬يصورالفيلم حياة أفراد قبيلة مهملة في أدغال إفريقيا حيث السكينة والهدوء‪ ،‬وحيث تغيب عن العالقات‬
‫اإلنسانية عقد التملك والتسلط‪ .‬في هذا الجو المثالي يلقي طيار من أعلى السماء بقنينة كوكاكوال فارغة لتسقط‬
‫وسط القبيلة لتشوش على كل شيء‪ ،‬وستفقد هذه القبيلة انسجامها ووحدتها وسلمها نتيجة للمحاوالت المتعددة لـ‬
‫‪ :‬تأويل" هذه القنينة وتحديد وظيفتها‪ .‬لقد ُقرئ هذا الفيلم من زوايا متعددة‪ .‬نكتفي هنا بذكر قراءتين متناقضتين‬
‫كليا‪ .‬فالقراءة األولى رأت في الفيلم قمة في تصوير الصفاء اإلنساني والنقاء الحضاري‪ ،‬إنه يحتفي ويمجد "‬
‫اإلنسان" الذي لم تستعبده اآللة والملكية بعد ‪ ،‬ومن ثم فهو دعوة إلى التشبث بهذا النمط من الحياة ورفض كل‬
‫ضروب التمدن والحضارة‪.‬‬
‫أما القراءة الثانية فهي نقيض لألولى‪ .‬فقد رأت في الفيلم عمال عنصريا مشينا‪ ،‬فهو يعمل بكل الوسائل‬
‫على تشويه صورة إفريقيا‪ ،‬إما من خالل التركيز على انقالباتها الدموية وعلى تخلفها في استعمال األسلحة التي‬
‫تستوردها من الغرب‪ ،‬وإما من خالل تصوير حياة كائنات بشرية تعيش خارج " الحضارة " وخارج" التاريخ"‪.‬‬
‫ومن ثم فهو دعوة مقنعة إلى اإلبقاء على "التخلف" ‪.‬‬
‫وما يهمنا في القراءتين معا ليس مضمونهما ‪ -‬فتلك حكاية أخرى قد تدفع بنا إلى تقديم قراءة ثالثة ال‬
‫عالقة لها بالقراءتين السابقتين‪ -‬وإنما الطريقة التي يستند إليه فعل التأويل‪ .‬فالقراءتان معا تنطلقان من نفس‬
‫العناصر‪ ،‬وهي العناصرالتي يراد لها أن تحيل على كون أو أكوان داللية خاصة‪ .‬إال أن كل قراءة من القراءتين‬
‫تدرج هذه العناصر ضمن موسوعة ثقافية سابقة‪ ،‬تتم وفقها عملية التأويل‪ .‬وهذا معناه أن التأويل ال يوجد في تلك‬
‫العناصر بل يبزغ من امتزاجه بهذه المعرفة التي توجد في محيط النص‪ .‬لذا يمكن القول بأن األمر يتعلق في‬
‫القراءة األولى كما في القراءة الثانية بمسيرتأويلي له قواعده ومنطقه ونتائجه الداللية ‪.‬‬
‫> فالسيناريوهات والتمثيالت المعنوية قائمة على أساس وجود سميوزيس ال متناهية‪ .‬وباعتبار طبيعتها‬
‫هذه‪ ،‬فإنها تستدعي انخراط القارئ الذي عليه أن يحدد متى سيقوم بتوسيع دائرة التأويل الالمتناهي هذا ومتى‬
‫عليه أن ينهيها < (‪ .)15‬إن هذه الحركة ال يمكن أن تتم إال من خالل افتراض وجود تصور مسبق عن المعنى‬
‫تختزنه الموسوعة الثقافية للقارئ ‪ .‬وفي هذه الحالة‪ ،‬فإن الطوبيك‪ ،‬المفهوم الذي يقترحه إيكو ‪ ،‬ال ينهض صمام‬
‫أمان على مصداقية القراءات وصحتها فتلك مسألة من طبيعة أخرى‪ ،‬وإنما على الطابع المنظم للفعل التأويلي‪ ،‬أي‬
‫تنظيم الداللة في مسيرات تأويلية‪.‬‬
‫إن كل قراءة هي خلق لسياقات وكل سياق ليس سوى تطبيق لفرضية الطوبيك‪ .‬وإلى حين تجسيدها في‬
‫سياق خاص تظل السميوزيس ال متناهية‪ > .‬فهي تغلق في كل لحظة وال تغلق أبدا‪ .‬ذلك أن نسق األنساق‬

‫‪5‬‬
‫السميائية الذي يبدو‪ ،‬بشكل مثالي‪ ،‬ككون ثقافي مفصول عن الواقع‪ ،‬يقود في الحقيقة إلى الفعل في العالم لتغييره‪.‬‬
‫إال أن كل فعل تغييري يتحول بدوره إلى عالمة تعلن عن ميالد سيرورة سميوزسيية جديدة < (‪)16‬‬
‫الهوامش‬
‫‪ -1‬يتحدث إليزيو فيرون عن السميوزيس بقوله ‪ " :‬إن العالم الذي تحيل عليه العالمات عالم ينمو ويضمحل‬
‫داخل نسيج السميوزيس " انظر ‪Eliseo Veron : La sémiosis et son monde , in Langages n! 58 , p :‬‬
‫‪.71‬‬
‫‪ -2‬دولودال تنبيه لقراء بورس ص ‪26‬‬
‫‪Umberto Eco : Les limites de l'interprétation , éd Grasset , Paris 1990 , p 371 -3‬‬
‫‪ -4‬أو اإلحاالت األولى‪ ،‬فبإمكان كلمة واحدة أن تدل من الناحية التقريرية البحت على مرجعين مختلفين ‪:‬‬
‫العين " العضو البصري " والعين "الماء الجاري" ‪.‬‬
‫‪ -5‬إيكو ‪les limites p 378‬‬
‫‪ -6‬نفسه ص ‪371‬‬
‫‪ -7‬نفسه ص ‪373‬‬
‫‪François Rastier : Sémantique interprétative , éd P U F , Paris 1987 -8‬‬
‫‪Umberto Eco: le signe, éd Labor, 1988, p102 -9‬‬
‫‪, les limites p 382 Eco -10‬‬
‫‪ -11‬يرفض إيكو استعمال الثيمة ويفضل استعمال الطوبيك‪ ،‬ألنه يرى في الطوبيك ظاهرة تدوالية لها عالقة‬
‫مباشرة بالفعل الذي ينجز القراءة‪ ،‬في حين أن الثيم أوالتناظر لهما عالقة بالمضمون الداللي للنص‬
‫أوالواقعة‪.‬‬
‫‪Umbero Eco : Lector in fabula , éd Grasset , 1985 p 119 -12‬‬
‫‪ -13‬نفسه ص ‪115‬‬
‫‪Rastier F : Sémantique interprétative , éd P U F , Paris 1987 , p 12 -14‬‬
‫‪Eco :Lector in Fabula p 113 -15‬‬
‫‪ -16‬نفسه ص ‪57‬‬
‫العدد ‪1998 10‬‬

‫‪6‬‬

You might also like