You are on page 1of 10

2021/03/16/‫خ‬2‫ع‬10‫ المجلد‬/2‫)جوهران‬JournalofSocialandHumanScienceStudies(‫مجلةدراساتإنسانيةواجتماعية‬

ISNN:2253-0592EISSN : 2588-199X/Prefix:10.46315
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫بلاغة الاستعارة ودلالتها في فلسفة بول ر يكور‬
Rhetoric of the metaphor and its significance
in the philosophy of PaulRicoeur
.‫مختبر األبعاد القيمية للتحوالت الفكرية والسياسية بالجزائرـ‬ ‫فلسفة‬ *Menia Hanene ‫منيع حنان‬

.‫ الجزائر‬،2‫كليةالعلوم اإلنسانية واالجتماعية جامعة وهران‬ meniahanene41@gmail.com


DOI : 10.46315/1714-010-002-016
2021/03/16 :‫النشر‬2020/10/10:‫القبول‬2020/01/06 :‫اإلرسال‬
Abstract: The French philosopher «Paul Ricoeur» observed the metaphor rough his chronological point, and
tried to bring changes to its style, meaning, and action. It thus represents a symbolic style that acts as an and
actor that refers to a connotation, namely the meanings, these connotations derivate from the lived
experience, and all the carried ontological, psychological and intellectual experience that what makes it
subject to the interpretive practice for the achievement of the process of comprehension, because it reflects
the reality and its reformulates it, the fact that led Paul Ricoeur to describe it as the "living metaphor", and the
metaphor is not constituted by the similar relationship, but rather the tension occurring between the
figurative sense and original sense, namely the manner to enable oneself to gather between discordant and
divergent indicator in one context and this tension happens only if the metaphor fulfil all it criteria, and it has
the connection (the metaphorical sense fits the original context) and the cohesion (what does create the
coherence between the two senses is the though similarity between them) and the definition (the
achievement of the goal from this metaphor). This composition will create a system of new meanings and
concepts that enriches the semantic field.
Key-words: metaphor; symbol; Interpretive; Comprehension; lived experience.
:‫ملخص باللغة العربية‬
‫تتبع الفيلسوف الفرنس ي بول ريكور االستعارة عبر محطاتها الكرونولوجية؛ وحاول أن يحدث تغييرا حول نمطها ومفهومها‬ ّ ‫لقد‬
‫ فهي تمثل نمط رمزي يعمل كدال يحيل إلى مدلول أي معاني أخرى؛ وهذه املدلوالت مستنبطة من الخبرة املعاشة؛ وما‬.‫وعملها‬
‫تحمله من تجارب أنطولوجية؛ سيكولوجية؛ فكرية وهذا ما يخضعها للممارسة التأويلية لتحقيق عملية الفهم ألنها تعكس‬
ّ
‫الواقع وتعيد صياغته من جديد؛ األمر الذي جعل بول ريكور يصفها باالستعارات الحية؛ والذي يشكل االستعارة ليس عالقة‬
‫املشابهة؛ بل عالقة التوتر الحاصلة بين املعنى املجازي واملعنى األصلي؛ أي كيفية تمكن الذات من الجمع بين دالالت متنافرة‬
‫ومتباعدة في سياق واحد وال يحصل هذا التوتر إال إذا استوفت االستعارة معاييرها وهي املناسبة ( املعنى املستعار يناسب‬
‫السياق األصلي) والتماسك ( الذي يخلق التماسك بين املعنيين هو املشابهة القوية بينهما) والوضوح ( بلوغ الهدف من هذه‬
.‫ إن هذا التركيب سيخلق شبكة من املعاني واملفاهيم الجديدة التي تثري الحقل الداللي‬.)‫االستعارة‬
ّ ‫ االستعارة؛‬:‫الكلمات املفتاحية‬
.‫الرمز؛ التأويل؛ الفهم؛ الخبرة املعاشة‬

ُ
mohamed.bendjelti@univ-biskra.dz :‫ الباحث املرسل‬-*

189
‫مجلةدراساتإنسانيةواجتماعية(‪)JournalofSocialandHumanScienceStudies‬جوهران‪ /2‬المجلد‪10‬ع‪2‬خ‪2021/03/16/‬‬
‫‪ISNN:2253-0592EISSN : 2588-199X/Prefix:10.46315‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫ّ‬
‫لطاملا مثل اإلنسان تلك الذات العارفة‪ ،‬التي تسعى للبحث واملعرفة سعيا وراء الحقيقة بمختلف‬
‫أبعادها‪ ،‬لكن سرعان ما تحولت هذه الذات إلى موضوع للمعرفة بسبب تطور الحياة وازدياد‬
‫تعقيداتها‪ ،‬األمر الذي دفع بهذه الذات إلى محاولة إثبات هويتها والتعبير عن حياتها السيكولوجية‬
‫والفكرية واألنطولوجية‪ ،‬ويظهر أن اللغة وحدها أصبحت عاجزة أو قاصرة عن التعبير عن هذه‬
‫الهوية ونقلها لآلخر‪.‬‬
‫فوجدت الذات حاجتها في الفن بمختلف أنماطه‪ ،‬فتذوق اإلنسان الفن ووجد فيه فسحة ومجاال‬
‫خصبا للتعبير والتأويل‪ ،‬ويظهر أن اللغة تحولت إلى فن والذي أكسبها هذا الطابع‪ ،‬هو ماتزخر به‬
‫من صور بيانية ومحسنات بديعية أضفت عليها أسلوبا جماليا ينقل للقارئ إبداعية صانعها‪.‬‬
‫عدة إشكاليات منها‪ :‬عالم الحياة والتعبير والفهم والتأويل ّ‬ ‫اللغة انطوت تحتها ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والرمز‬ ‫إن إشكالية‬
‫إن مثل هذه املوضوعات تعكس واقع من‬ ‫واملعنى‪ ...‬وغيرها من اإلشكاليات املرتبطة فيما بينها‪ّ ،‬‬
‫االغتراب وأزمة تعيشها الذات اإلنسانية بسبب تحوالت العصر‪ ،‬لهذا سعت الدراسات على‬
‫مستوى الفلسفة والعلوم اإلنسانية إلى محاولة تخطي هذه األزمة بتأسيسها ملناهج تتناسب‬
‫ّ‬
‫وطبيعة الطرح‪ .‬وإن كانت منطلقات الفالسفة واملفكرين مختلفة حول األدوات واألساليب املناسبة‬
‫لهذا اإلشكال‪ ،‬فإن هدفها واحد وهو فهم الكينونة اإلنسانية‪.‬‬
‫ولقد كان "بول ريكور" أحد اإلرهاصات التي خاضت إشكالية الفهم ليس فقط من خالل كتاباته‬
‫حول املنهج التأويلي أو من خالل طرحه إلشكالية الذات وعالقتها باآلخر‪ ...‬بل من خالل دراسته‬
‫لنمط لغوي بالغي وهو " االستعارة "‪ .‬وتندرج هذه الدراسة ضمن حقل فلسفة اللغة‪ ،‬وسنحاول‬
‫نحدد االستعارة؟ وماهي أغراضها وبالغتها؟ وكيف‬ ‫من خاللها اإلحاطة باإلستفهامات التالية‪ :‬كييف ّ‬
‫تموقعت في فلسفة بول ريكور(لم يكن بول ريكور‪ ،‬أول من طرح إشكالية االستعارة‪ ،‬بل سبقه في‬
‫ويعرفها في قوله‪ ":‬هي نقل اسم يدل على ش يء ما إلى ش يء‬ ‫ذلك "أرسطو" من خالل كتابه الشعر‪ّ ،‬‬
‫آخر" وهذا النقل أنواع قد يتم من جنس إلى نوع‪ ،‬أو من نوع إلى جنس‪ ،‬أو من نوع إلى نوع أو‬
‫باعتماد املماثلة) ( إيكو‪ ،‬أ ‪ ،‬سنة ‪ ، 2005 ،‬ص ‪ .) 246‬فهل هي مجرد صورة بالغية جمالية؟ أم ّأنها‬
‫تتجاوز ذلك؟ وإن كانت كذلك فكيف تخدم هذه الصورة إشكالية الفهم؟‬
‫‪ 1‬ـ ـ املناهج املعتمدة في الدراسة‪:‬‬
‫أ ـ ـ املنهج الجينيالوجي في ضبط مفهوم االستعارة‪.‬‬
‫ب ـ ـ املنهج التحليلي‪ :‬في تحليل إشكالية االستعارة وآلية عملها وعالقتها بإشكالية الفهم‪.‬‬
‫جـ ـ ـ املنهج املقارن‪ :‬اختالف الفالسفة في طرحهم إلشكالية االستعارة‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫مجلةدراساتإنسانيةواجتماعية(‪)JournalofSocialandHumanScienceStudies‬جوهران‪ /2‬المجلد‪10‬ع‪2‬خ‪2021/03/16/‬‬
‫‪ISNN:2253-0592EISSN : 2588-199X/Prefix:10.46315‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫في تحديد املجاز‪:‬‬
‫ّ‬
‫املجاز هو اللفظ املستعمل في غير ما وضع له في اصطالح التخاطب لعالقة مع قرينةلفظية أو‬
‫معنوية‪ ،‬تمنع من إرادة املعنى الحقيقي( ألتوجي‪ ،‬م ‪ ،‬سنة ‪ ، 2012‬ص ‪) 165‬فاملجاز بهذا املعنى هو‬
‫ّ‬
‫استعمال اللفظ في غير سياقه األصلي‪.‬‬
‫ّ‬
‫والعالقة بين اللفظ الحقيقي واملعنى املجازي‪ ،‬قد تكون املشابهة أو غير املشابهة‪ ،‬فإن كانت‬
‫ّ‬ ‫العالقة مشابهة فاملجاز استعارة‪ ،‬وإن كانت غير ذلك كان املجاز املرسل‪ّ .‬‬
‫إن في نقل اللفظ من‬
‫سياق إلى سياق آخر هناك ابتكاروإبداع وتكتمل جمالية الصورة‪ .‬وبالتالي فإن االستعارة في أصلها‬
‫هي تشبيه حذف فيه املشبه وذكر فقط املشبه به‪ ،‬ولقد جاء في تحديد االستعارة‪:‬‬
‫لغة‪ :‬االستعارة من اإلعارة‪ ،‬فنقول استعار املال أي طلبه ‪ (.‬الهاشمي‪ ،‬أ‪ ،‬سنة ‪ ،2011‬ص‪) 258‬‬
‫ّ‬
‫اصطالح البيانين‪ :‬هي استعمال اللفظ في غير ما وضع له‪ ،‬لعالقة املشابهة بين املعنى املنقول‬
‫واملعنى املستعمل فيه‪ (.‬الهاشمي‪ ،‬أ‪ ،‬سنة ‪ ، 2011‬ص‪) 258‬فاالستعارة بهذا املعنى تحويل اللفظ‬
‫من سياق وإقحامه في سياق آخر لوجود عالقة مشابهة بينهما‪ ،‬وإذا ما تساءلنا ملاذا هذا النقل‬
‫والتحويل؟ فنقول إليضاح املعنى وقوة التبليغ‪ ،‬فالقول إن فالن شجاع وفالن أسد‪ ،‬فالفرق بين‬
‫العبارتين واضح فالثانية ّأدت املعنى بشكل أبلغ وأقوى‪.‬‬
‫من الناحيةالسيميائية‪ :‬تتضمن االستعارة مدلوال يعمل كدال يرجع إلى مدلول آخر( تشالز‪ ،‬د‪،‬‬
‫سنة ‪ ، 2008‬ص ‪) 220‬بمعنى أن االستعارة ال تشير إلى املعنى الحرفي بل إلى معاني أخرى‪ ،‬هذا‬
‫عدة أغراض قد تكون التوكيد أو اإليضاح أو أبعاد جمالية‪.‬‬ ‫االستعمااللالمباشر للمعاني‪ ،‬له ّ‬
‫أجزاء االستعارة(أركانها)‪:‬‬
‫ّ‬
‫وهو املشبه به‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـ مستعار منه‬
‫وهو ّ‬
‫املشبه‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ مستعار له‬
‫ّ‬
‫اللفظ املنقول‪ (.‬الهاشمي‪ ،‬أ‪ ،‬سنة ‪ ، 2011‬ص ‪) 258‬‬ ‫‪ 3‬ـ مستعار‬
‫إن غياب أحد طرفي االستعارة املشبه أو املشبه به هو الذي يحدد نوع االستعارة‪:‬‬
‫صرح بها في ّ‬ ‫ّ‬
‫ألنه ّ‬
‫املشبه به‪ ،‬ولقد ورد في املثال التالي‪:‬‬ ‫أ ـ االستعارة التصريحية‪ :‬سميت تصريحية‪،‬‬
‫فأمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت وردا وعضت على العناب بالبرد‪ (.‬الهاشمي‪ ،‬أ ‪ ،‬سنة ‪، 2011‬‬
‫ص ‪)258‬‬
‫وصرح باملشبه به‪ ،‬فاللؤلؤ يدل‬ ‫ّ‬ ‫فهذا نموذج عن االستعارة التصريحية‪ ،‬حيث حذف املشبه‬
‫الدموع‪ ،‬والنرجس على العيون‪ ،‬والورد على الخدود‪ ،‬العناب يدل على األنامل‪ ،‬والبرد يدل على‬
‫األسنان‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫مجلةدراساتإنسانيةواجتماعية(‪)JournalofSocialandHumanScienceStudies‬جوهران‪ /2‬المجلد‪10‬ع‪2‬خ‪2021/03/16/‬‬
‫‪ISNN:2253-0592EISSN : 2588-199X/Prefix:10.46315‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ب ـاالستعارةاملكنية‪ :‬على خالف االستعارة التصريحية يتم فيها ذكر املشبه ويحذف املشبه به‪،‬‬
‫لكن يتم اإلشارة إليه بأحد لوازمه‪ ،‬كما ورد في املثال التالي‪:‬‬
‫وإذا املنية أنشبت أظافرها ألقيت كل تميمة ال تنفع( الهاشمي‪ ،‬أ‪ ،‬سنة ‪ ، 2011‬ص ‪) 258‬‬
‫فهنا شبهت املنية(املوت) باألسد (املشبه به) الذي حذف لكنه ّتمت اإلشارة إليه بأحد لوازمه وهي‬
‫األظفار‪.‬‬
‫ج ـ االستعارة التمثيلية‪ :‬هي تركيب أستعمل في غير ما وضع له لعالقة املشابهة مع قرينة مانعة من‬
‫إرادة املعنى األصلي‪ ،‬وسميت بالتمثيلية ألنها مبنية على تشبيه التمثيل‪ ،‬لكن االستعارة التمثيلية‬
‫هي نوع من املجاز‪ ،‬يحذف منها املشبه واألداة‪ ،‬ويبقى منها فقط املشبه به‪ (.‬ألتوجي‪ ،‬م‪ ،‬سنة ‪،2008‬‬
‫ص ‪ .) 182‬مثال‪ :‬ومن ملك البالد بغير حرب يهون عليه تسليم البالد‪ (.‬ألتوجي‪ ،‬م‪ ،‬سنة ‪ ،2008‬ص‬
‫‪.) 183‬‬
‫مشقة‪ ،‬بالوريث الذي يرث الثروة ّ‬ ‫في هذا البيت مثل الشاعر الذي استولى على بلد بدون ّ‬ ‫ّ‬
‫ويبدرها‬
‫هباء ألنه لم يشقى في تحصيلها‪.‬‬
‫الدارس لالستعارة يالحظ أنها اتخذت عدة صور وأنماط‪ ،‬فنصادفها في الكتابات األدبية‬ ‫ّ‬ ‫ـ إن ّ‬
‫بربهم عذاب ّ‬ ‫وللذين كفروا ّ‬ ‫ّ‬
‫جهنم‬ ‫الشعرية‪ ،‬وحتى في النصوص الدينية‪ ،‬فقد جاء في قوله تعالى‪":‬‬
‫وبأس املصير‪ ،‬إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور‪ ،‬تكاد تميز من الغيظ"( إبن عبد هللا‪ ،‬ش‪،‬‬
‫شدة الغليان‪ ،‬فهذه االستعارةتجعل القارئ‬ ‫سنة ‪ ، 2004‬ص‪ .) 183‬فاستعارة الغيظ تدل على ّ‬
‫جهنم‪.‬‬ ‫شدة هول ّ‬ ‫يتصور ّ‬
‫واقتحمت االستعارة مجال السينما واإلعالنات أو مايعرفباستعارةالصورة مثل تتابع لقطتين‬
‫في فيلم كلقطة الطائرة التي تتبعها لقطة عصفور يطير‪ ،‬فالطائرة كالعصفور فوظيفة االستعارات‬
‫الصفات من إشارة إلى أخرى (تشالز‪،‬د‪ ،‬سنة ‪ ،2008‬ص ‪ .) 220‬أما في مجال‬ ‫املرئية هي نقل ّ‬
‫قدمت "جوديتويليامسون"‪ ،‬في كتابها [فك ترميز اإلعالنات] معتبرة أن اإلعالن يعتمد في‬ ‫اإلعالن‪ّ ،‬‬
‫تعبيره عن منتوج على مدلوالت متعددة‪ ،‬وتقدم مثاال واضحا عن إعالن لعطر فرنس ي( تشالز‪ ،‬د‪،‬‬
‫سنة ‪ ، 2008‬ص ‪ ،)220‬فاإلعالن ينقل صورة لرأس وأكتافاملمثلة الفرنسية "كاثرين دونوف" يظهر‬
‫اسمها بحروف صغيرة‪ ،‬وفي الجزء األيمن واألسفل من اإلعالن صورة لقنينة [عطر شانيل‪]5‬‬
‫أن الجمال واألناقة واألنوثة مرتبطة بعطر ّ‬
‫محدد وهو‬ ‫‪ Chanel‬فاإلعالن هو دال يحمل مدلوال وهو ّ‬
‫أن هذا اإلعالن يجعل املتلقي ينقل مواصفات الجمال إلى‬ ‫[شانيل]‪ ،‬ووظيفة النقل هنا تتجلى في ّ‬
‫منتوج العطر‪.‬‬
‫ّ‬
‫مما تقدم يمكن أن نستنتج أن االستعارة ليست مجرد صورة بالغية جمالية‪ ،‬بل تتعدى ذلك‬ ‫ّ‬
‫لتحقق أغراض وأهداف أخرى‪ ،‬فهي تشرح املعنى وتبين عنه‪ ،‬وهذا ما أوضحه عبد القادر‬
‫‪192‬‬
‫مجلةدراساتإنسانيةواجتماعية(‪)JournalofSocialandHumanScienceStudies‬جوهران‪ /2‬المجلد‪10‬ع‪2‬خ‪2021/03/16/‬‬
‫‪ISNN:2253-0592EISSN : 2588-199X/Prefix:10.46315‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫جلية"( إبن عبد هللا‪ ،‬ش‪ ،‬سنة ‪،2004‬‬ ‫الجرجاني حينما قال‪ ":‬في االستعارة نرى املعانيالخفية بادية ّ‬
‫ّ‬
‫ص ‪ ،) 183‬بمعنى أن االستعارة تجعل املعنى أكثر وضوحا وقوة مقارنة مع اللغة العادية لهذا‬
‫نجدها في الكثير من اآليات والنصوص القرآنية‪ ،‬من حيث ّأنها توصل املعنى للقارئ بصورة ّ‬
‫جلية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تجعله يتصور الواقعة في ذهنه وكأنه يعيشها‪ ،‬وتكمن بالغة االستعارة أيضا في اللفظ واالبتكار‪،‬‬
‫فاملشتغل باالستعارة يمكنه التركيب بين ألفاظ متباعدة وبين سياقات مختلفة في عبارة واحدة‪،‬‬
‫إلدراكه لعالقة املشابهة بين هذه األلفاظ ‪.‬‬
‫إن في عملية التركيب هذه هناك إبداع وتجاوز للمألوف‪ ،‬إنه قدرة على الربط بين الصور واأللفاظ‬
‫املختلفة‪ ،‬وأثر ما يحدثه هذا الربط في ذهنية ونفسية القارئ من تأثير وش ّد لالنتباه وتقريب‬
‫للمعنى‪ ،‬ومن هنا كان اإلبداع االستعاري إبداعا خاصا وليس عاما‪.‬‬
‫داللة االستعارة في فلسفة بول ريكور‪:‬‬
‫تؤديها االستعارة‪ ،‬جعل منها محل دراسات واهتمامات فلسفية‬ ‫إن هذه امليزات واألغراض التي ّ‬ ‫ّ‬
‫كثيرة‪ ،‬ويعتبر بول ريكور(‪ 1913‬ـ ‪ ) 2005‬أحد هذه النماذج الفلسفية‪ ،‬من خالل طرحه إلشكالية‬
‫إن املعنى بالنسبة لهيتخذ طابعا رمزيا‪ ،‬لكن توظيفه ل ّلرمز يختلف عن توظيف سابقيه له‪،‬‬ ‫الرمز‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫أن كلما أنتجه اإلنسان من‬ ‫"فأرنست كاسيرر"(‪ 1874‬ـ ـ ‪ ) 1945‬من خالل فلسفته الرمزية اعتبر ّ‬
‫ّ‬ ‫لغة وفن وأسطورة ودين رموزا أبدعها اإلنسان ّ‬
‫ليعبر من خاللها عن نفسه وعن تجاربه‪ ،‬فالرمز‬
‫ّ‬
‫مهما كان نمطه هو فقط الذي ينقل اإلنسان من حالة الغياب إل الحضور‪ ،‬فاللغة على سبيل‬
‫فإنها ليست في األخير سوى عملية‬ ‫املثال وإن كانت وسيلة الفرد في التواصل مع أفراد مجتمعه‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫رمزية‪ّ .‬أما "بول ريكور"‪ ،‬فقد اعتبر أن الرمز هو كل بنية دالة‪ ،‬يشير فيها املعنى املباشر واألولي إلى‬
‫معنى آخر غير مباشر( ريكور‪ ،‬ب ‪ ،‬سنة ‪ ، 2006‬ص ‪ ،) 44‬وهذا املعنى املختفي وراء املعنى الظاهر‬
‫حدين أساسيان‪ ،‬ويتخذ‬ ‫فإن الرمز واملعنى يشكالن ّ‬ ‫يتم الكشف عنه من خالل التأويل‪ ،‬وهكذا ّ‬
‫متعددة[ أسطورة‪ ،‬مجاز‪ ،‬استعارة‪ ،‬الشعر‪ ]...‬وتحمل هذه الصور في طياتها معاني‬ ‫الرمز صورا ّ‬ ‫ّ‬
‫محايثة للخبرات املعايشة‪ّ ،‬إنها انعكاس للوجود اإلنساني وعالقة الذات باآلخر وبالوجود أيضا‪.‬‬
‫فسر "بول‬ ‫(ريكور‪ ،‬ب‪ ،‬سنة ‪ ، 2006‬ص ‪ ) 50‬وبالتالي فإن االستعارة هي صورة رمزية‪ ،‬فكيف ّ‬
‫ريكور" هذه الصورة وما موقعها من إشكالية الفهم؟‬
‫لقد ّميز "بول ريكور" بين نوعين من الخطاب‪ :‬الخطاب التأملي والخطاب الشعري‪ ،‬يهدف‬
‫الخطاب ا لتأملي إلى إقامة عالقة مطابقة بين العالقات اللغوية الداخلية ومطابقتها مع الواقع‬
‫الخارجي‪ ،‬في حين أن الخطاب الشعري يكتفي باملعنى وحده وإحالته تكون في العالقات اللغوية‬
‫الداخلية‪ ،‬وهنا يكمن دور االستعارة ألنها تحيل املعنى إلى معنى آخر‪ ،‬فاملعنى املجازي يتحول إلى‬
‫دال له مدلول آخر‪.‬‬
‫‪193‬‬
‫مجلةدراساتإنسانيةواجتماعية(‪)JournalofSocialandHumanScienceStudies‬جوهران‪ /2‬المجلد‪10‬ع‪2‬خ‪2021/03/16/‬‬
‫‪ISNN:2253-0592EISSN : 2588-199X/Prefix:10.46315‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫بالنسبة "لبول ريكور"‪ ،‬الخطاب التأملي في األصل بدأ خطابا شعريا‪ ،‬ألن السؤال الذي طرحه‬
‫حد تعبير جاك‬ ‫"أرسطو" (‪ 384‬ـ ‪322‬ق‪ .‬م) ما الوجود؟ تخطى الواقع فهو مدلول متعالي على ّ‬
‫دريدا( ريكور‪ ،‬ب‪ ،‬سنة ‪ ،1999‬ص ‪ ،) 14‬ضف إلى هذا فإن أرسطو وجد معاني كثيرة تحيط‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التعدد للمعاني ومحاولة إقامة عالقة إحالة فيما بينها تتشكل‬ ‫بمفهوم الوجود‪ ،‬في هذا‬
‫ّ‬
‫االستعارة(االستعارة في اللغات األوروبية ‪ Métaphore‬ومعناها ما وراء املعنى= ما وراء الظاهر‪،‬‬
‫وهذا ما أكده هيدخر حين اعتبر أن االستعاري يوجد في قلب امليتافيزيقا‪ ،‬فما وراء املعنى هو ما وراء‬
‫الطبيعة بالنسبة لهيدخر) (ريكور‪ ،‬ب‪ ،‬سنة ‪ ،1999‬ص ‪ ) 13‬في هذه اإلحالة هناك مستويين‪:‬‬
‫مستوى املعنى اللغوي ألن االستعارة تحيل إلى معاني أخرى‪ ،‬وهناك مستوى ما وراء الطبيعة ألن‬
‫مدلوالت االستعارة قائمة على املماثلة املتعالية‪.‬‬
‫وضح "بول ريكور" فاعلية االستعارة في صياغة املفاهيم‪ ،‬فاالنتقال من املعنى الحرفي إلى‬ ‫ولقد ّ‬
‫املعنى املجازي‪ ،‬يعني اختفاء معنى األول وإظهار معنى آخر بديل هو املفهوم (ريكور‪ ،‬ب‪ ،‬سنة‬
‫‪ ،1999‬ص ‪) 22‬وهكذا فإن املفهوم الفلسفي هو هذه الحركة التي بدأت باستعارة أي بعملية‬
‫انتقال من مستوى لغوي إلى آخر‪ ،‬لتنتهي عند معنى واحد‪.‬‬
‫إن الخطاب الفلسفي يلجأ لالستعارات ألجل الحصول على دالالت جديدة‪ ،‬وفسح املجال ملعرفة‬
‫مظاهر جديدة للواقع بواسطة هذا التجديد‪ ،‬ولهذا تحظى االستعارة بأهمية في فلسفة "بول‬
‫ريكور"‪ ،‬على نحو ما يحظاه الشعر من أهمية في فكر "الهيدخري"(‪ 1889‬ـ ‪ ،) 1976‬فماهو الشعر‬
‫ّ‬
‫الحقيقي بالنسبة له؟‪ ،‬إنه ذلك الذي يحقق الرؤية األكثر اتساعا‪ ،‬الذي يجعل الكالم يعيد‬
‫الصعود انطالقا من أصله‪ ،‬الذي يجعل العالم يظهر( ريكور‪ ،‬ب‪ ،‬سنة ‪ ، 2016‬ص ‪ ،) 443‬وهذا ما‬
‫"حية" ّإنها تظهر العالم وتعكس الواقع وتعيد صياغته‪.‬‬ ‫يجعل االستعارة ّ‬
‫ّ‬
‫وهو نفس األمر الذي ذهب إليه "أمسترونغ ريتشارد"(‪ 1893‬ـ ‪ ،)1979‬حين اعتبر ّأن اللغة األدبية‬
‫التعدد‪ ،‬فالكلمة تدل على أكثر من معنى‪ ،‬هنا يأتي دور البالغة‪ ،‬فإذا كانت البالغة كما‬ ‫ّ‬ ‫هي لغة‬
‫عرفها ريتشارد‪":‬دراسة سوء الفهم و الوصفات التي يمكن وصفها له"( ريكور‪ ،‬ب‪ ،‬سنة ‪ ،2016‬ص‬ ‫ّ‬
‫فإن الوصف بهذا املعنى هو القدرة على التحكم في التحوالت الداللية‪ ،‬ومن التحوالت التي‬ ‫‪ّ ،)151‬‬
‫إن أعظم ش يء‬ ‫تنظر فيها البالغة " االستعارة"‪ ،‬حيث يقول في ترجمته لكتاب الشعرية ألرسطو‪ّ ":‬‬
‫هو القدرة على صياغة االستعارة وهذا وحده ال يمكن أن ينتقل لآلخر ألنه عالمة العبقرية‪ّ ،‬‬
‫ألن‬
‫صياغة استعارات جيدة يعني القدرة على رؤية التشابهات"( ريكور‪ ،‬ب‪ ،‬سنة ‪ ، 2016‬ص ‪)151‬‬
‫فاالستعارة بالنسبة له ليست مجرد صورة جمالية تضفي على اللغة زخرفة جمالية أو إمتاع‪ ،‬بل‬
‫هي أبعد من ذلك إنها نمط لغوي تواصلي‪ ،‬ويتجلى هذا في آلية عملها فهي تجمع بين فكرتين‬

‫‪194‬‬
‫مجلةدراساتإنسانيةواجتماعية(‪)JournalofSocialandHumanScienceStudies‬جوهران‪ /2‬المجلد‪10‬ع‪2‬خ‪2021/03/16/‬‬
‫‪ISNN:2253-0592EISSN : 2588-199X/Prefix:10.46315‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مختلفتين الشتراكهمافي التفاعل‪ ،‬وبالتالي فهي كما يقول بول ريكور‪ ":‬ليست مجرد نقل للكلمات بل‬
‫تواصل بين األفكار"(ريكور‪ ،‬ب‪ ،‬سنة ‪ ، 2016‬ص ‪).152‬‬
‫وهكذا فإن املقاربة بين "ريتشارد “و"بولريكور"‪ ،‬تكمن في أن كالهما تجاوزا النظرة األحادية‬
‫لالستعارة من حيث أنها مجرد صورة بالغية جمالية‪ ،‬بل هي نمط لغوي رمزي يتميز بقدرته على‬
‫متعددة وعلى خاصية الربط بين مختلف الدالالت والسياقات لوجود عالقة مشابهة‬ ‫صياغة معاني ّ‬
‫بينها‪ ،‬وإن آلية عمل هذا النمط الرمزي (االستعارة) يفتح املجال على إشكالية التأويل نظرا ملا‬
‫تحمله هذه الصورة من حمولة أنطولوجية‪ ،‬ألنها تنقل عاملا بصورة أكثر وضوحا وقوة مقارنة بما‬
‫تقدمه اللغة العادية‪ ،‬وهذا ما لخصته عبارة ريتشارد القائلة‪ ":‬إن التمكن من االستعارة هو التمكن‬ ‫ّ‬
‫من العالم الذي نصنعه كي نعيش فيه"( ريكور‪ ،‬ب‪ ،‬سنة ‪ ، 2016‬ص ‪ ،) 157‬أي كيف تساهم‬
‫االستعارة في فهم الكينونة‪.‬‬
‫ّ ّ‬ ‫وهكذا فإن االستعارة ّ‬
‫والرمز يشكالن وجهين لعملة واحدة‪ ،‬فاالستعارة تزود اللغة بعلم داللي‬
‫تؤدي لتجديد وخلق داللي‪ ،‬ومن جهة أخرى فاالستعارة هي‬ ‫ضمني للرمز‪ ،‬ألن آلية عمل االستعارة ّ‬
‫تخزن في داخله قوة رمزية( ريكور‪ ،‬أ‪ ،‬سنة ‪ ، 2006‬ص ص ‪ 115‬ـ ـ ‪،) 116‬‬ ‫شكل من أشكال اإلسناد ّ‬
‫فاملعنى املجازي أو املستعار يعمل كدال رمزي يحمل مدلول آخر محايث‪.‬‬
‫ّ‬
‫قدمه بول ريكورلالستعارة‪ ،‬يخالف تماما لنظرية التبادلية‬ ‫الطرح الذي ّ‬ ‫إن من املالحظ ّأن هذا‬
‫تعوض عبارة حرفية‪ ،‬أي بدل أن يستخدم‬ ‫"ملاكس بالك"(‪ 1909‬ـ ـ ‪ ،) 1988‬فاالستعارة هي عبارة ّ‬
‫املتحدث هذه العبارة يستبدلها بعبارة أخرى لوجود قواسم مشتركة بين املعنى األصلي واملعنى‬ ‫ّ‬
‫املستعار‪ ،‬وبالتالي فإن هتين العبارتين على حساب "ماكس بالك" متعادلتان (ريكور‪ ،‬أ‪ ،‬سنة ‪2006‬‬
‫ص ‪ ) 160‬وكأن االستعارة هنا تشرح وتترجم‪ ،‬وعليه فهي ال تحمل حمولة معرفية بل هي ّ‬
‫مجرد‬
‫زخرفة وصورة جمالية وهنا يكمن أثرها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أما الفيلسوف اإليطالي" أمبرتو إيكو"( ‪ 1932‬ـ ‪ )2016‬يصف االستعارة ّ‬
‫بأنها حيلة تمكن من‬
‫الحديث مجازيا( إيكو‪ ،‬أ‪ ،‬سنة ‪ ،2005‬ص ‪ ،) 235‬فهي ال تقول الصدق وال يمكن للمتلقي أن يقبلها‬
‫حرفيا‪ ،‬فهي نوع من أكذوبة( إعتبرأمبرتو إيكو أن اإلستعارةأكدوبة‪ ،‬ألنها تخالف قواعد املحادثة‬
‫فهي ليست صادقة‪ ،‬وليست إخبارية‪ ،‬وليست واضحة) ( إيكو‪ ،‬أ‪ ،‬سنة ‪ ،2005‬ص ‪) 238‬فاملرأة‬
‫ليست بجعة واملحارب ليس أسدا‪ ،‬كما ورد في التعبيرات االستعارية‪ ،‬وهذا ما يفتحها على التأويل‬
‫ّ‬
‫الذي بدوره يرتبط بدرجة الحمولة الثقافية للمؤولين بمعنى أن املعاني املتولدة عن املمارسة‬
‫االستعارية‪ ،‬يجب أن تتالءم مع ثقافة العصر حتى ال تنتج حلقة مفتوحة من التأويالت‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫مجلةدراساتإنسانيةواجتماعية(‪)JournalofSocialandHumanScienceStudies‬جوهران‪ /2‬المجلد‪10‬ع‪2‬خ‪2021/03/16/‬‬
‫‪ISNN:2253-0592EISSN : 2588-199X/Prefix:10.46315‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫توضح اختالفات الفالسفة حول االستعارة‪ ،‬فهناك من اعتبرها مجردّ‬ ‫إن هذه املقاربة الفلسفية ّ‬ ‫ّ‬
‫ترادف للعبارتين األصلية واملجازية (ماكس بالك)‪ ،‬وهناك من اعتبرها صورة كاذبة وتحريف للمعنى‬
‫(أمبرتو إيكو)‪.‬‬
‫يميز من خاللها بين االستعارة‬ ‫ـ ـ في كتاب االستعارة الحية (‪ )1975‬يقدم بول ريكور دراسة مقارنة ّ‬
‫حسن‪" ،‬فاالستعارة" تحتوي جميع أصناف الكلمة‪ ،‬فليس االسم فقط مجالها بل حتى‬ ‫والكناية وامل ّ‬
‫الصفة‪ ،‬والفاعل وكل أصناف الكلمة‪ ،‬في حين أن الكناية واملجاز ال تمس إال األسماء"( ريكور‪ ،‬ب‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫سنة ‪ ،2016‬ص ‪ ،)122‬وهذه األصناف كلها تصلح لالستعماالالستعاري‪ ،‬ألنها كلها تدخل في تركيب‬
‫جملة متكونة من كلمتين أحدهما أصلية والثانية مستعارة‪ ،‬والكلمة املستعارة تؤدي وظيفة‬
‫التخصص(ريكور‪ ،‬ب‪ ،‬سنة ‪ ،2016‬ص ‪ ،) 123‬بمعنى الذات تستعير تلك املفردات التي فقط‬ ‫ّ‬
‫املسمى بشكل أكثر عمقا وأشد إثارة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تخص وتصف‬ ‫ّ‬
‫وتقتبس االستعارة من كل ما يحيط بنا من املوضوعات الذهنية أو املعنوية أو املادية‪ ،‬ويصف‬
‫ّ‬
‫"نيلسون غودمان"‪ )Nilsongoodman1906‬ـ‪ ) 1989‬ـهذا املجال أي الواقع بأنه مجموعة من‬
‫البطاقات ‪ ،‬فتصبح االستعارة حسب تعريفه" إعادة وصف بواسطة هجرة البطاقات"( ريكور‪ ،‬ب‪،‬‬
‫سنة ‪ ، 2016‬ص ‪ ،) 125‬أي كيفية استعارة املوجودات سواء كانت ذهنية‪ ،‬معنوية‪ ،‬مادية‪...‬‬
‫إلقامة املشابهة بينها وبين املستعار له‪ ،‬وهذا اإلسناد ال يتم في شكل اعتباطي بل لوجود عالقة‬
‫قدم نيلسون غودمان صورة واضحة عن وظيفة االستعارة‬ ‫مشابهة قوية وواضحة بينهما‪ .‬لقد ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عندما مثلها باللوحة‪ ،‬فلما كان الهدف من اللوحة كإبداع فني هو نقل فكرة أكثر حيوية وواقعية‬
‫من خالل حركة التالعب باألشكال واأللوان وهذا بالضبط ما تفعله االستعارة‪ .‬في حين أن "بول‬
‫ّ‬
‫ريكور" يصف العالقة بين املتشابهات بأنها عالقة توثر‪ ،‬وليس الجمع بين املفردات والسياقات‬
‫املتباعدة هو ما يشكل االستعارة‪ ،‬بل هي حاصل التوتر بين مفردتين في قول استعاري( ريكور‪ ،‬ب‪،‬‬
‫جراء تركيب بين‬ ‫سنة ‪ ،2006‬ص ‪ ،)90‬واملقصود بالتوتر هنا هو لحظة االنفعال التي تتولد ّ‬
‫نتفطن له إن ّ‬‫ّ‬
‫صح‬ ‫املوجودات واملفردات متباعدة وهذا التركيب يخرج عن نطاق املألوف‪ ،‬أو لم‬
‫التعبير‪،‬واالستعارة توجد في التأويل الذي من خالله نستطيع إدراك املعنى املحايث لهذا الجمع أو‬
‫حل لغز"( ريكور‪ ،‬ب‪ ،‬سنة ‪ ، 2006‬ص ‪ّ ،) 93‬‬
‫ألنها‬ ‫التركيب‪ ،‬لهذا يصف بول ريكوراالستعارة بأنها " ّ‬
‫قائمة على التنافر الداللي‪ ،‬أي الجمع بين الدالالت املتنافرة واملتباعدة‪ ،‬إلدراك عالقة املشابهة‬
‫فيما بينها‪،‬ومن جهة أخرى فإن في لحظة التفاعل بين املتشابهات املختلفة‪ ،‬تقدم االستعارة وصفا‬
‫جديدا للواقع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـ والذي ّ‬
‫يميز االستعارة عن املحسن‪ ،‬هو على مستوى اللغة‪ ،‬يقول بول ريكور‪ ":‬يكمن املجاز‬
‫يختص أيضا بفكرة جديدة لم تكن‬ ‫ّ‬ ‫الضروري على وجه اإلجمال في كون دليل اختص بفكرة أولى‪،‬‬
‫‪196‬‬
‫مجلةدراساتإنسانيةواجتماعية(‪)JournalofSocialandHumanScienceStudies‬جوهران‪ /2‬المجلد‪10‬ع‪2‬خ‪2021/03/16/‬‬
‫‪ISNN:2253-0592EISSN : 2588-199X/Prefix:10.46315‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ّ‬
‫له أو ليس لها دليل خاص في اللغة"( ريكور‪ ،‬ب‪ ،‬سنة ‪ ، 2006‬ص ‪ ،) 128‬فاملجاز بهذا املعنى يقدم‬
‫قرينة خاصة بالفكرة األولى أي املعنى األصلي ويربطها بفكرة ثانية أي املعنى املجازي‪ ،‬في حين أن‬
‫تقدم دائما فكرتين إثنين ّإما مقترنتين أو إحدى الفكرتين تحت صورة فكرة أخرى‪.‬‬ ‫املحسنات ّ‬
‫ّ‬
‫الجيدة وهي املناسبة‪ ،‬الوضوح‪ ،‬والتماسك‪.‬‬ ‫إن هذا التمييز يقودنا إلى تحديد معايير االستعارة ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫إن املستعار يكون (مناسبا) أي في محله ويؤدي املعنى املطلوب‪ ،‬وإن كان كذلك فهو يخلق ترابطا‬
‫سيتحقق الهدف وهو (الوضوح) أي نقل معنى‬ ‫ّ‬ ‫(تماسكا) بين املعنى األصلي واملعنى املجازي‪ ،‬هنا‬
‫شد وضوحا وقوة‪.‬‬ ‫أ ّ‬
‫إن اإلمتاع والتشويق الذي يحفل به الخطاب‪ ،‬ما هو‬ ‫املحسن في عنصر اإلمتاع‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ويتميز املجاز عن‬
‫ّ‬
‫في الحقيقة إال تجلي من تجليات اإلبداع الذي تحفل به لغة الشاعر‪ ،‬وإن كنا نجد هذه املتعة في‬
‫فإنها تحتل وظيفة ثانوية بعد الوضوح (الوضوح بالدرجة األولى ثم اإلمتاع)‪.‬‬ ‫املجازات‪ّ ،‬‬
‫‪ -2‬النتائج‪:‬‬
‫أ ـ االستعارة كإنتاج نحوي‪ ،‬وظفت في البالغة الكالسيكية كصورة جمالية‪.‬‬
‫ب ـ تحقق االستعارة عدة وضائف‪ :‬توضيح املعنى‪ ،‬قوة املعنى‪ ،‬تأكيد املعنى‪.‬‬
‫ج ـ مجاالت االستعارة متعددة‪ :‬الكتابات الشعرية‪ ،‬النصوص الدينية‪ ،‬الصورة السينمائية‪.‬‬
‫د ـ االستعارة إنتاج إبداعي‪ :‬ألن صانعها جمع بين سياقات متباعدة إلدراكه عالقة املشابهة القوية‬
‫بينها‪.‬‬
‫ه ـ االستعارة في فلسفة بول ريكور تتحول إلى نمط رمزي يحتاج إلى ممارسة تأويلية‪ ،‬لتحقيق عملية‬
‫الفهم‪.‬واالستعارة تثري الحقل الداللي‪ ،‬ألنها تولد شبكة من املفاهيم الجديدة‪.‬‬
‫‪ -3‬مناقشة النتائج‪:‬‬
‫أ ـ البالغة الكالسيكية اعتمدتاالستعارة في النمط الشعري‪.‬‬
‫ب ـ توظف االستعارة في الخطاب الفلسفي كأسلوب حجاجي‪.‬‬
‫ج ـ تحولت االستعارة من مجال الكتابة إلى مجال الصورة اإلشهارية‪ ،‬فكلما كانت االستعارة اإلشهارية قوية‬
‫كلما كان التسويق جيد‪.‬‬
‫د ـ تعتبر االستعارة إنتاج خاص وليس عام‪.‬‬
‫ه ـ تجاوز بول ريكور في طرحه إلشكالية االستعارة النظرة األحادية لها أي مجرد زخرفة جمالية‪ ،‬فهي تعمل‬
‫كرمز تأويله يكشف عن الخبرات األنطولوجية‪ .‬وتجسد االستعارة النظرية التوليدية‪،‬أي قدرتها على إنتاج‬
‫مفاهيم جديدة‪.‬‬
‫الخالصة‪:‬‬
‫اللغة وما تسخر به من ّ‬‫ّ‬
‫تعدد الحقل الداللي‪ ،‬ويمكن‬ ‫ـ ّإن االستعارة كإنتاج نحوي بالغي‪ ،‬هي تجسيد لثراء‬
‫القول ّأنها بصورة أخرى إثبات إلمكانية اإلنسان من حيث أنه حيوان رمزي‪ ،‬إنها القدرة على إحالة املعنى‬
‫‪197‬‬
‫مجلةدراساتإنسانيةواجتماعية(‪)JournalofSocialandHumanScienceStudies‬جوهران‪ /2‬المجلد‪10‬ع‪2‬خ‪2021/03/16/‬‬
‫‪ISNN:2253-0592EISSN : 2588-199X/Prefix:10.46315‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫األصلي على معاني جديدة‪ ،‬بهدف تبليغ ونقل الفكرة بشكل أكثر قوة ووضوحا‪ ،‬إن في هذه اإلحالة قدرات‬
‫تخيلية خصبة ألن مبدعها استطاع الربط بين موضوعات مختلفة وسياقات متباعدة‪ ،‬فقط ألنه أدرك‬
‫عالقات املشابهة بينها‪.‬‬
‫ـ ـ لقد استطاع بول ريكور‪ ،‬من خالل دراسته لالستعارة أن يتجاوز النظرة األحادية لها‪ ،‬فهي أبعد من أن‬
‫مجرد صورة جمالية كما تصورتها البالغة الكالسيكية‪ ،‬بل هي خلق وإبداع يعيد صياغة العالم بعد‬ ‫تكون ّ‬
‫أن تكون قد عكست واقعه من خالل معاني جديدة ّ‬
‫ولعل هذا ما عبرت عنه دراسة القواعد التوليدية‬
‫ل"تشومسكي"‪ ،‬حول قدرة الذات على خلق عدد غير متناهي من املعاني والجمل في ظروف مناسبة قائال‪" :‬‬
‫ّ‬
‫اللسانية‪ ،‬متكلمين ّ‬
‫كنا أم مستمعين يتجلى في جمل جديدة‪ ،‬فنحن ما إن‬ ‫إن الجزء األعظم من تجربتنا‬
‫ّ‬
‫نتمكن من اكتساب اللغة‪ ،‬حتى نجد أن طبقة الجمل التي نستطيع أن نتعامل معها اعتياديا واسعة إلى‬
‫درجة نستطيع معها أن ننظر إليها بأنها ال تتناها على كل األصعدة"( ريكور‪ ،‬ب‪ ،‬سنة ‪ ، 2005‬ص ‪،) 127‬‬
‫كما أن هذه االستعارات تتحول إلى رموز تفتح املجال نحو املمارسة التأويلية‪ ،‬ألنها تحمل خبرات معاشة‬
‫وتجارب أنطولوجية وسيكولوجية‪ ،‬األمر الذي جعل االستعارة تتقاطع مع الفلسفة والسيمائيات‬
‫والسيكولوجيا‪.‬‬
‫********‬
‫قائمة املصادرواملراجع‬
‫املصادر‪:‬‬
‫ـ ريكور بول‪ ،)2006( ،‬االستعارة الحية‪ ،‬تر‪ :‬محمد الولي‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬دار الكتاب الجديدة املتحدة‪.‬‬
‫ـ ريكوربول‪ ،)1999( ،‬الوجود والزمان والسرد‪ ،‬تر‪ :‬سعيد الغانمي‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬الناشر املركز الثقافي العربي‪.‬‬
‫ـ ريكوربول‪ ،)2006( ،‬بعد طول تأمل‪ ،‬تر‪ :‬فؤاد مليت‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪.‬‬
‫ـ ـ ريكور بول‪ ،)2005( ،‬صراع التأويالت ـ دراسات هيرمونيطيقيةــ‪ ،‬تر‪ :‬منذر العياش ي‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬دار الكتاب‬
‫الجديدة املتحدة‪.‬‬
‫ـ ـ ريكور بول‪ ،)2006( ،‬نظرية التأويل‪ ،‬الخطاب وفائض املعنى‪ ،‬تر‪ :‬سعيد الغانمي‪ ،‬ط‪ ،2‬املغرب‪ ،‬الناشر‪ :‬املركز‬
‫الثقافي العربي‪.‬‬
‫املراجع‪:‬‬
‫ّ‬
‫ـ ابن عبد ّللا شعيب‪ ،)2004( ،‬بحوث منهجية في عوم البالغة العربية‪ ،‬ط‪ ،1‬ابن خلدون للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫ـ أحمد الهاشمي‪ ،)2011( ،‬جوهر البالغة في املعاني والبيان والبديع‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬شركة أبناء شريف األنصاري‬
‫للطباعة والنشر‪.‬‬
‫ـ ألتوجي محمد‪ ،)2012( ،‬الجامعة في علوم البالغة ـ املعاني‪ ،‬البيان‪ ،‬البديع ــ‪ ،‬ط‪ ،1‬الجزائر‪ ،‬دار العزة والكرامة‪.‬‬
‫ـ إيكو امبيرتو‪ ،)2005( ،‬السيميائية وفلسفة اللغة‪ ،‬تر‪ :‬أحمد الصمعي‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬توزيع مركز دراسات الوحدة‬
‫العربية‪.‬‬
‫ـ تشاندلزدانيال‪ ،)2008( ،‬أسس السيميائية‪ ،‬تر‪ :‬طالل وهبة‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬املنظمة العربية للترجمة‪.‬‬

‫‪198‬‬

You might also like