You are on page 1of 4

‫في المناهج النقدية المعاصرة‬

‫شعيب حليفي‬
‫يسير النقد المغربي في اتجاهات عدة وبخطى ثابتة‪ ،‬وذلك بفضل اجتهادات البحث العلمي‬
‫ومجهودات فردية أو جماعية لباحثين يستحقون هذا اللقب األكاديمي‪ ،‬كما ساهمت الحلقات‬
‫الدراسية والندوات العلمية المتخصصة والمشاركات في المناظرات واللقاءات الدولية من‬
‫إكساب األداة النقدية القدرة على التطويع والفهم والتفكيك‪ .‬ويعتبر الدكتور أحمد أبو حسن من‬
‫الباحثين والنقاد الذين يعملون في االتجاه النقدي‪ ،‬نظريا ومنهجيا عبر حلقات دراسية علمية‬
‫أطرها رفقة الدكتور محمد مفتاح‪ ،‬أو مساهمات في ندوات محكمة‪ .‬مما جعل من مساهماته‬
‫النقدية واألكاديمية نموذجا الشتغال الباحث والناقد الذي يستثمر لغاته والمناهج النقدية‬
‫األوروبية وتصوراتها لخدمة النقد العربي والنصوص اإلبداعية قديما وحديثا‪.‬‬
‫وقد عكس مؤلفه(في المناهج النقدية المعاصرة) هذا البحث واالجتهاد من خالل سبع‬
‫دراسات أساسية في مسار الدراسات النقدية‪ ،‬حيث جاءت مواكبة للمنجز النقدي‪ ،‬النظري‬
‫والمنهجي‪ ،‬في الدراسات األجنبية – األوروبية – مستخدما منهجا حفريا يستقصي األثر النقدي‬
‫في مظانه األصلية وضمن صيرورته التاريخية والثقافية‪ ،‬وفي امتداداتها القبلية والبعدية مرجعا‬
‫وتلقيا‪ ،‬إنها عملية البحث في مصادر وفي أصول ومرجعيات كل تصور نظري أو منهجي‬
‫لإلمساك بالمكونات والمفاهيم األساسية الدالة لكل ممارسة نظرية أو منهجية‪.‬‬
‫*نظرية المرجع بين النص والقارئ‬
‫عمد المؤلف إلى تقديم قراءات مزوجة وكاشفة لبعض التصورات وكذا النصوص‬
‫والمرجعيات‪ ،‬حيث عالج عبر الدراسات السبع‪ ،‬وعلى التوالي‪ ،‬المرجع بين النص والقارئ‪،‬‬
‫من حيث هو تصور أوال‪ ،‬وثانيا من حيث انتقاله في النص والقارئ‪ ،‬منطلقا من أرضية "نظرية‬
‫المرجع" كما قاربها الفالسفة والمناطقة واللسانيون وفي السيميائيات األدبية وفلسفة التأويل‬
‫"وذلك في إطار البحث عن العالقة بين الذات والموضوع‪" :‬الكلمة والشيء‪ ،‬العالمة ومدلولها‬
‫ومعناها"‪( ،‬ص ‪ ،)10‬أي البحث في الكلمة والجملة والخطاب والنص‪ .‬وقد محص أبو حسن‬
‫مختلف هذه المستويات عبر تدرج منهجي متناوال‪:‬‬
‫‪ 3‬المرجع المباشر وغير المباشر‪ ،‬من خالل اإلحاالت واستعماالت اللغة‪ ،‬كما اهتم بها‬
‫علماء التربية في إبرازهم إلواليات العملية المرجعية في لغة الطفل األولى‪.‬‬
‫‪ 4‬المرجع والمدلول والمعنى‪ ،‬ويحيل على التمييز الذي تحيل عليه اللغة وتحدده‪ ،‬واقعيا أو‬
‫خياليا‪ ،‬وقد حدد أبو حسن هذا المبحث بتحديدات ومالحظات سوسير‪ ،‬بنفنيست وفريج‬
‫وهوسرل وبرتراند راسل‪ ...‬التي أغنت أدواته ورؤيته باقي المحاور األخرى‪.‬‬
‫‪ 5‬المرجع األدبي‪ ،‬وتأتي مناقشته في إطار ما توصل إليه الباحث من خالصات وأفكار‬
‫باعتماد تصور امبرتوايكو‪ ،‬ثم االنتقال إلى محور مرجع النص وكيف أطرته الشكالنية‬
‫والبنيوية فضال عن اجتهادات بول ريكور‪ ،‬ليخلص في النهاية إلى سؤالين محركين ‪:‬‬
‫‪ 6‬هل هناك نص بدون مرجع ؟ وعالقة النص والقارئ بالمرجع‪ ،‬من يصنع اآلخر‬
‫ويؤسسه ؟‬
‫وقد ختم أحمد أبو حسن هذه الدراسة بالبحث في مرجع النص الشعري المغربي وعالقته‬
‫بالمرجع الثقافي‪.‬في الدراسة السادسة (األدب الشعبي والرواية المغربية) يقارب الكاتب العالقة‬
‫المرجعية بين النص الروائي المغربي‪ ،‬وبعض المكونات الشعبية‪ ،‬فكل ما يلجأ إلى النص‬
‫الروائي يصبح مرجعا داخل النسق‪ ،‬وقد نحا المؤلف منحى تحديد المفاهيم‪ ،‬خصوصا األدب‬
‫الشعبي من منظور موسع ومنهجي‪ ،‬ثم ينتقل للحديث عن التراث الشعبي في الرواية المغربية‬
‫اشتغاله كمرجعية في عدد من النصوص السردية التي وظفت اإلرث الشعبي بخصوصيات‬
‫أسلوبية وداللية وإ يديولوجية مختلفة‪.‬‬
‫*التلقي ‪ :‬األصول واالختبار واالنتقال في الدراسة الثانية (نظرية التلقي والنقد األدبي‬
‫العربي الحديث) بحث الكاتب في مختلف أصول نظرية التلقي مع أعالمها ومكوناتها‪ ،‬وتتبع‬
‫ممارستها ونتائجها والنقاشات التي رافقتها في ألمانيا وخارجها‪ ،‬وذلك بمنهجية تتبنى البعد‬
‫االبستمولوجي المقارن‪ .‬وهكذا فقد استهل البحث في مستوى التداول لمصطلح التلقي معجما‬
‫(المعاجم العربية القديمة‪ ،‬والفرنسية واألمريكية والمعاجم األلمانية ثم الموسوعات‬
‫البريطانية‪ )....‬لينتقل إلى بدايات ظهور نظرية التلقي ضمن اهتمامات نظريات األدب‬
‫واالنشغاالت التي ميزت االتجاه البنيوي‪ ،‬متوقفا عند مدرسة كونستانس وأهم أعالمها ثم‬
‫مدرسة جنيف واجتهاداتها الهامة رغم عدم توسعهاوقد حفر المؤلف طويال في أصول النظرية‬
‫مع المدرسة األلمانية بتصورها االجتماعي والتاريخي للفن واألدب ورد فعلها على التصورات‬
‫ياوس وإ يزر بخصوص جماليات التلقي وكذلك في الطريقة التي فصلوا فيها في العالقة الجدلية‬
‫القائمة بين اإلنتاج واالستهالك‪.‬‬
‫وفي تفكيكه لطروحات مدرسة كونستانس التي أعادت بناء تصور جديد لمفهوم العملية‬
‫اإلبداعية‪ ،‬وطرق اشتغال القراءة‪ ،‬ودور القارئ في إنتاج هذه العملية أو النص (ص‪ ،)35‬ناقش‬
‫فرضيات أهم ممثلي هذه المدرسة وأولهم هانس روبيرت ياوس ومفاهيمه األساسية‪ ،‬مثل مفهوم‬
‫أفق االنتظار ومفهوم تغيير هذا األفق‪ ،‬ومفهوم اندماجه وأخيرا مفهوم المنعطف التاريخي‪.‬‬
‫ثم تناول القطب الثاني‪ ،‬في هذه المدرسة‪ ،‬إيزر‪ ،‬ممهدا له بتصور الفيلسوف البولندي‬
‫رومان انجاردن‪ ،‬مع التركيز على وصف دقيق للممتلكات النصية‪ ،‬وصيرورة القراءة‪.‬‬
‫وخلص الكاتب إلى خالصات حول امتدادات نظرية التلقي وتطورها‪ .‬ولعل هذه الدراسة‬
‫الموسعة كانت تمهيدا أساسيا للبحث في اختبار التلقي والقراءة حول نص مغربي يعود إلى سنة‬
‫(‪ )1938‬وهو موضوع الدراسة الثالثة ‪( :‬النص بين التلقي والتأويل ‪ :‬نص الدكتور طه حسين‬
‫في (إلغ) لمحمد مختار السوسي) متبعا في الدراسة ما أنجزته نظرية التلقي‪ ،‬عامة في مجال‬
‫القراءة‪ ،‬وفي مجال النص النقدي وذلك بهدف الوصول إلى "الكشف عن مختلف مستويات تلقي‬
‫النص األدبي النقدي‪ ،‬وتحديد الشروط التي تتحكم في صيرورة هذا التلقي ثم النظر إلى الطرق‬
‫التي يتولد بها التأويل الذي يقوم على أنساق معرفية وجمالية تقليدية (ص ‪ ،)49‬وقد توصل‬
‫الباحث إلى أن قراءة محمد مختار السوسي بمرجعياته تقوم على تقديم المعرفة أكثر من قدرتها‬
‫على إنتاجها (ولربما تأتي دراسة احمد أبو حسن هذه والنتائج المتوصل إليها لتعيد صياغة‬
‫الجملة بحيث يستطيع نص مختار السوسي أن ينتج المعرفة بعد نصف قرن من كتابة مقالته)‬
‫ولم يتوقف الباحث عند اختبار نظرية التلقي والقراءة على نص مغربي بل عاد في الدراسة‬
‫الرابعة إلى البحث في انتقال النظرية (نقل المفاهيم بين الترجمة والتأويل ‪ :‬نقل مفاهيم نظرية‬
‫التلقي) من النسق األوروبي إلى النسق العربي معتمدا المقاربة النسقية ومنطلقا من فرضية أن‬
‫مفاهيم األنساق األدبية األوروبية تتعرض لكثير من التحوالت والتشكالت التي قد ال تكتسب‬
‫تداوال سريعا أو سليما في النسق األدبي العربي (ص ‪.)75‬‬
‫وقد حصر نقل مفهوم التلقي عبر الترجمة في النقد المغربي واستعماالته والتأويالت‬
‫المتفرعة‪ ،‬ودور البحث الجامعي في تطوير هذا المبحث‪.‬‬
‫وفي ارتباط بتلقي النقد المغربي الحديث للتصورات والمناهج‪ ،‬جاءت الدراسة الخامسة‬
‫(الشكالنيون الروس والنقد المغربي الحديث) لتعرف بهذه المدرسة وتصنيفاتها وكيف تمثلهم‬
‫الخطاب النقدي األوروبي المعاصر قبل االنتقال إلى حضور الشكالنيين الروس في النقد‬
‫العربي وتحديدا في النقد المغربي ومع ابراهيم الخطيب وترجمته المبكرة ألهم نصوص هذه‬
‫المدرسة عبر الترجمة الفرنسية‪.‬‬
‫ويوسع أحمد أبو حسن حقل التلقي الثقافي في الدراسة السابعة من الكتاب (تشييد اآلخر في‬
‫الثقافة العربية اإلسالمية) حيث رمى إلى االنتقال من تلقي النصوص إلى تشييد اآلخر عبر‬
‫تلقياته المختلفة ومن خالل الكشف عن تلك المكونات التي ساهمت في بناء صورة اآلخر عن‬
‫طريق بناء األنا لذاتها‪ ،‬ثم الوقوف عند بعض المفاصل التاريخية التي تجعل األنا تنفتح على‬
‫تصورات أخرى جديدة تغذي تصورها عن اآلخر‪.‬‬
‫يستحق الدكتور احمد أبو حسن صفة الباحث األكاديمي المنقب الذي ينتمي إلى مدرسة‬
‫نقدية مغربية وعربية من أهم أعالمها أحمد اليبوري محمد برادة ومحمد مفتاح وغيرهم ممن‬
‫يؤسسون القواعد واألسس والمفاهيم‪.‬‬
‫وقد حقق بمؤلفه (في المناهج النقدية المعاصر ة) منجزا اشتغل على مباحثه النقدية ألزيد‬
‫من عقد ونصف العقد‪ ،‬وبموازاة ذلك يفتح ملفات نقدية أخرى تهم السرد العربي القديم (كتاب‬
‫األغاني ونصوص الرحالت والحكايات) وملفات تحقق في المفاهيم والعالقات النصية‪.‬‬

You might also like