Professional Documents
Culture Documents
التجربة العربية
التجربة العربية
مقدمة
المبحث االول :األدب المقارن والتراث العربي
المطلب االول :بداية الدراسات المقارنة عند العرب
المطلب االول :خصائص االتجاه العربي في األدب المقارن والتأليف المهجي فيه
المطلب الثاني :التأليف المنهجي في األدب المقارن "" جهود محمد غنيمي هالل في االدب المقارن""
خاتمة
مقدمة:
ظهر األدب المقارن في أوروبا منذ الثلث األول من الق رن التاس ع عش ر واكتم ل في أوائ ل
القرن العشرين على يد رواد المدرس ة التاريخي ة في فرنس ا .وظ ل المنهج الت اريخي س ائدا
وح ده ل دى المق ارنين ألك ثر من نص ف ق رن إلى أن ظه رت أزم ة األدب المق ارن في
الخمس ينيات من الق رن الماض ي ال تي فجره ا الدارس ون األمريك ان ،مم ا أدى إلى ب زوغ
مدارس أخرى تنافس المدرسة الفرنس ية أو تجاوره ا ،منه ا المدرس ة األمريكي ة والس الفية
واأللمانية وغيرها .لـكن ال أح د فك ر وقتئ ذ في تأس يس منهج ع ربي في الدراس ات األدبي ة
المقارنة .وبالرجوع إلى تاريخ الدراسات األدبية المقارن ة عن د الع رب يت بين لن ا أن ه ؤالء
وخاصة رواد النهضة ،ق د س بقوا غ يرهم في مث ل ه ذه الدراس ات ،ح تى وإن ك انت بعض
األحكام ذاتية.
-األدب المقارن والتراث العربي:
()1
ويمكن اعتبار رواد النهضة العربي ة هم أص حاب الب دايات األولى لألدب المق ارن في الع الم
الع ربي ،لق د رك زوا على دراس ة التش ابه واالختالف بين األدب الع ربي واآلداب الغربي ة
الحديثة ،ولم يتطرقوا إلى دراسة التأثير والتأثر ،ألن فضل أدب أم ة على أدب أم ة أخ رى لم
يكن من اهتماماتهم ،عكس ما ذهبت إليه المدرسة الفرنسية عند اشتراطها للصالت التاريخي ة
بين اآلداب .
ورغم ارتباط دراسات الرواد الع رب األوائ ل بالنهض ة العربي ة رغب ة منهم في اإلف ادة من
اآلداب الغربي ة ،إال أن اعتم ادهم على دراس ة التش ابهات والت وازي بين آداب األمم وع دم
)( 1محمد عباسة ،المدرسة العربية في األدب المقارن ،مجلة حوليات التراث ،جامعة مستغانم ،الجزائر ،2017 ،ص8
تطرقهم إلى ظاهرة التأثير والتأثر ،يدل على أنهم قد سبقوا االتج اه النق دي األم ريكي ب أكثر
من نصف قرن .ومع ذل ك ف إن المق ارنين ال ذين ج اءوا من بع دهم لم يتبع وا رواد النهض ة
العربية في دراسة التشابهات ضمن األدب المقارن ،وانساقوا وراء مب ادئ االتج اه الفرنس ي
أو األمريكي .وكان رفاعة الطهطاوي وعلي مبارك وأديب إسحاق وأحم د ف ارس الش دياق
ويعقوب صروف وغيرهم ،قد قاموا بمقارنة بعض مظ اهر الثقاف ة العربي ة بالثقاف ة الغربي ة
ودرسوا جوانب من التش ابه واالختالف بينهم ا .وه ذه الدراس ات ال تي ظه رت على امت داد
()2
النصف الثاني من القرن التاسع عشر تعتبر البدايات األولى لألدب المقارن عند العرب
الدراس*ات المقارن*ة في بداي*ة الق*رن العش*رين :ازده رت حرك ة الترجم ة واالقتب اس في
أوائ ل الق رن العش رين بع د االنفت اح نح و الغ رب ،ف زاد اهتم ام الدارس ين الع رب بالمقارن ة،
وظه رت دراس ات في ه ذا الحق ل المع رفي األدبي .لق د تن اول س عيد الخ وري الش رتوني
التشابه واالختالف بين البيان العربي والبيان اإلفرنجي ،دون التطرق إلى التأثير أو التأثر،
في مقال ة بعن وان "البي ان الع ربي والبي ان اإلف رنجي" نش رت في مجل ة "المقتط ف" ع ام
1902م .وك ان يه دف من خالل ه ذه المقارن ة ،إظه ار محاس ن وعي وب البي ان الع ربي
واإلف رنجي ومعرفة القوي من الضعيف وأول من تناول ظ اهرة الت أثير والت أثر إلى ج انب
التشابه والتوازي بين عدد من النماذج األدبية المختلفة ،هو روحي الخالدي في كتابه "تاريخ
علم األدب عند اإلفرنج والعرب وفيكتور هوجو" الذي صدر ألول مرة ع ام 1904م ،ومن
خالل عنوان الكتاب ،يكون الخالدي أول من اس تخدم مص طلح "علم األدب" .وبه ذا ،تك ون
دراس ة روحي الخال دي أش مل وأوس ع من االتج اه الت اريخي التقلي دي ال ذي اقتص ر على
( )
المقارنة بين أدبين فقط وحصرها بين التأثير والتأثر
3
مرحل ة النض ج واالزده ار :أم ا في الثمانيني ات ،وبع د ظه ور اتجاه ات أخ رى في األدب
المقارن ،ظهر جي ل جدي د من المق ارنين الع رب تن اولوا الدراس ات المقارن ة األكاديمي ة م ع
مراعاة النسق األدبي العربي .فباإلضافة إلى الـكتب ،تخصص بعض طالب الدراسات العلي ا
في األدب المقارن وأنجزوا مذكرات وأطاريح في ه ذا المج ال ،ك ان معظمه ا ح ول ظ اهرة
التأثير والتأثر بين األدب العربي واآلداب األوروبية وعلى وجه الخصوص ،الصالت األدبية
بين الحضارة العربية اإلسالمية والحض ارة الغربي ة في العص ور الوس طى .وك ان للمجالت
العلمية المتخصص ة في اآلداب العالمي ة واألجنبي ة ال تي ظه رت في المش رق وفي المغ رب
العربيېن األثر الـكبير في اندفاع الطالب والباحثين نحو ه ذا الحق ل المع رفي األدبي .ورغم
)( 2علي مجيد داود البديري ،االدب العربي المقارن في ضوء "جمالية التلقي" اطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في فلسفة
اللغة العربية وادابها ،جامعة البصرة ،2009 ،ص68
() أحمد كامل :بالغة العرب واإلفرنج ،مجلة المقتطف ،القاهرة ،المجلد ، 24يناير 1900م ،ج، 1ص 38 3
أن بعض الدراسات لم تلتزم بالمنهج الفرنسي ،إال أن البعض اآلخ ر اخت ار ه ذا المنهج ،ليس
تقلي دا ،وإنم ا رأى في ه النم وذج األمث ل ل رد االعتب ار لألدب الع ربي ال ذي تجاهل ه بعض
()4
الدارسين الغربيېن وعلى رأسهم رواد المدرسة التاريخية تعصبا للمركزية األورو بية
خصائص االتجاه العربي في األدب المق*ارن :لق د رك ز ال رواد الع رب األوائ ل على دراس ة
التش ابه واالختالف ولم يتطرق وا إلى دراس ة الت أثير والت أثر ،ألن فض ل أدب أم ة على أدب
أم ة أخ رى لم يكن من اهتمام اتهم ،واعتم ادهم على دراس ة التش ابهات والت وازي بين آداب
األمم وعدم تطرقهم إلى ظاهرة التأثير والتأثر ،يدل على أنهم قد سبقوا االتجاه األمريكي
بأكثر من نصف قرن .ومن إسهاماتهم ،توسيع البحث المقارن إلى آداب العصور الوسطى
واآلداب القديم ة ،ومنه ا آداب اليون ان والف رس وال ترك والهن د وغيره ا .ولم يقتص روا في
المقارنة على أدبين فقط ،بل وسعوا الدراسة إلى آداب عدة .وحتى ال تقع الدراسة ضمن
الموازنات يشترط أن تكون اآلداب موضوع الدراسة ألمم مختلفة .ولم يكن شرط اللغة أو
القومي ة ض من اهتمام اتهم ،فاالتج اه الع ربي في األدب المق ارن يف رق بين القومي ة واألم ة.
فالمغ اربي ال ذي يكتب بالعربي ة أو الفرنس ية ،والش امي ال ذي يكتب بالعربي ة أو الـكردية،
واألديب المهج ري ال ذي يكتب بلغ ات أجنبي ة ،ال يص ح المقارن ة بينهم ،ألنهم ينتم ون إلى
فض اء سياس ي وجغ رافي واح د ،وه و الع الم الع ربي ال ذي يعت بر بمثاب ة أم ة واح دة ،مهم ا
بعدت حدودهم أو اختلفت مذاهبهم العقائدية أو لغاتهم أو قومياتهم .في حين يمكن المقارنة
بين ع ربي مهم ا ك انت اللغ ة ال تي يكتب به ا وبين أديب فارس ي أو ت ركي ح تى وإ ن كتب
ه ؤالء األع اجم باللغ ة العربي ة ،ألنهم ال ينتم ون إلى الع الم الع ربي .ل ذا ،يص عب علين ا
تص ور مدرس ة إس المية في األدب المق ارن ،ألن األدب اإلس المي المق ارن ش يء واالتج اه
()5
اإلسالمي في األدب المقارن شيء آخر
https://www.startimes.com)( 4نقال عن موقع الكتروني اطلع عليه يوم ،2022-10-23على الساعة 14:05
)( 5محمد عباسة ،مرجع سابق ،ص ص23-22
المقارن ألكثر من عقدين في الجامعات العربية ،ثم أصدر كتبا أخرى وكانت في مجملها ،عبارة عن
تكرار لما جاء في كتابه األول.
ك ان محم د غ نيمي هالل ال ذي درس في فرنس ا ال ي رى في كتب ه من األدب المق ارن إال االتج اه
التاريخي ،ولم نر أثرا لجهود الباحثين العرب الذين سبقوه؛ لقد ألغى من دراساته حتى الذين جاء بع دهم
بزمن قصير .فبدال من أن يساهم في تحديد مالمح االتجاه العربي في هذا المجال ،راح ينقل حرفيا ما
ورد في كتب ف ان تيجم ( )P. Van Tieghemوكاري ه ( )J.M. Carréوجوي ار ()M.F. Guyard
وغ يرهم ممن عمل وا على ت رويج مب ادئ االتج اه الت اريخي ،وك ان في الكث ير من األحي ان ال ي ذكر
المصادر الفرنسية التي اعتمد عليها.
وم ع ذل ك ،يرج ع الفض ل إلى محم د غ نيمي هالل في إرس اء علم األدب المق ارن النظ ري عن د الع رب
وال يزال الكثير من الباحثين العرب يعتمدون على كتابه األول الذي نال به درجة الدكتوراه من فرنسا،
()6
فبواسطته تعرف الدارسون العرب على ميادين األدب المقارن وموضوعاته وأعالمه
)( 6حيدر محمود غيالن ،األدب المقارن ومتطلبات العصر ،مركز عبادي للدراسات والنشر ،صنعاء.2006 ،ص74
بمشروع مقارن جدير بالتثمين والتزكية .ومن القضايا المعرفية التي أولتها عناية خاصة نجد:
أ -المصادر العربية لنص خ.ل.بورجس.
ب -عنتر وبيرس عشيقين خائبين.
ج-الجاحظ واألدب المقارن
د -قضية المصادر اإلسالمية في الكوميديا اإللهية
ه -أصالة الخرافة اإليطالية حول صالح الدين”) (.
وقد اتجه بعض المقارنين العرب إلى النهل من النظرية األمريكية في مجال االدب المقارن وذلك بربط
االدب المقارن باألدب العام ،ذلك أن األدب المقارن في عرف األمريكيين شديد الصلة باألدب العام الذي
ينضوي تحته ويمده بالمصداقية وبالشرعية العلمية .إضافة إلى ذلك فقد أنجز هؤالء المقارنون دراسات
خصبة وهامة تقوم على التراسل يين اآلداب والفنون وعلى تبيان تعالق اآلداب بألوان المعرفة المختلفة،
()7
مثل العلوم اإلنسانية واالجتماعية واألنتروبولوجية والتاريخية
)( 7ياسين بن عبيد ،مدخل الى االدب المقارن ،كلية االداب واللغات ،لمين دباغين-سطيف ،2017-2016 ،ص34
خاتمة
لقد شهدت األربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي ،جاءت مرحلة سن الرشد حيث أصبح
األدب المقارن جزءا ال يتجزأ من المشهد الثقافي والفكري في العالم العربي ،إذ أدمج كلية في
برامج التدريس الجامعي وفي كل أقسام اللغة العربية وآدابها .وقد نوقشت مئات رسائل
الماجستير والدكتوراه في موضوعات شتى من األدب المقارن ،كما وثقت الصالت بين األدب
المقارن من جهة ،وحقول معرفية استراتيجية أخرى من جهة أخرى ،مثل نظرية األدب والنقد
األدبي وتاريخ األدب ،وتبين بما ال يدع مجاال للشك أن الترجمة واختالف المرجعيات الثقافية
العربية هي من العوامل الحاسمة التي أسهمت في التشتت والتشرذم والفوضى المصطلحية
والمفهومية التي تعيشها الساحة الثقافية العربية .فالعالم العربي مفتوح على الرياح األربعة،
فهو بمثابة ريشة في مهب الريح تذروها الرياح كيفما تشاء ،في غياب مشروع ثقافي وحدوي
وفي غياب أفق نهضوي حضاري.