Professional Documents
Culture Documents
تعتبر المدرسة الفرنسّية التقليدّية أّو ل مدرسة منهجّي ة في األدب المقارن ،وأقدمها
وأشهرها ،و«يعد العصر الرومنطيقي في فرنسا ،هو األكثر إلحاحا لهذه الحاجة ،كان هو
ال ذي ش هد والدة األدب المق ارن .وك ذا الب دء م ع س انت ب وف ال ذي تبناه ا من ج ان ج اك
أمب ير ال ذي وض ع دروس ا لتالمذت ه تحت عن وان "ت اريخ األدب المق ارن"» .1فالرومانس ية
إذن ق د س اهمت في ظه ور المدرس ة الفرنس ّية ،كم ا نج د أيض ا أن الفض اء االس تراتيجي
الفرنس ي ،والت اريخ التوس عي لمس تعمراتها ،وجه ود "فردينان د برونتيير" "Ferdinan
"Brenetierال ذي ك ان يلقي محاض راته من من بر المدرس ة العليا لألس اتذة (Ecole
) Superieur Normalوجهود تلميذه "جوزيف تكست" " ..."Josef Textقد ساعد في
بروز هذه المدرسة.2
وتوضح اتجاه هذه المدرسة مع ظهور أّو ل كرسي للدراسات المقارنة وأّو ل مجلة
لألدب المقارن ،وذلك سنة 1921حين كتب "فرديناند بالدينسبرجر" مقاال بعنوان "الكلمة
"Leالذي يعد أّو ل عمل تنظيرّي وتاريخّي للمدرسة والشيء" mot et la chose
الفرنس ّية ،وهو يرى أن األدب المقارن قائم على فكرة االنتشار ،يتعدى الحدود الوطنّي ة
والّلسانّية متبنيا تلك العالقات التي خلفها التاريخ األدبّي .3...
ونجد أيضا "فرنسوا غويار" في كتابه "األدب المقارن" الذي يمّثل الكلمة األخيرة
في المنهج الفرنسي عند الجيل األّو ل من رواده ،ألّن ه صدر بعد أن تح ّد دت معالم المنهج
األمريكي في األدب المقارن.1
لق د وض عت المدرس ة الفرنس ية «أس س البحث الم تين :فتبنت ض رورة التسلس ل
الزمني الدقيق ،بطريقة مثلى قبل أي تفسير ،حيث ال تكمن الصعوبة األساسية في وضع
الت واريخ ،وإ نم ا تكمن في اختياره ا ،وتبنت ض رورة التنقيب ف وق الح دود القومية
باالعتماد على معارف لغوية جّيدة (مع تفضيل الّلجوء إلى النصوص األصلّية دوما بدال
من االعتماد على الترجمات) وتبنت أخيرا ضرورة تجميع جملة من األحداث متصلة –
مس تمدة من حض ارة -غالب ا م ا تك ون مهمل ة» .3أي اختيار الت واريخ ودراس ة النص وص
في لغاته ا األص لية ،فق د «رب ط الفرنس يون الدراس ة المقارن ة وفق ا له ذا بت واريخ اآلداب
وبالص الت التاريخّي ة واألدبّي ة بين اآلداب المدروس ة مش ددين في ذل ك م ع ش رط وق وع
الص الت في م ا بين ه ذه اآلداب أّو ال ،وأن تك ون لغ ة ه ذه اآلداب مختلف ة ثانيا ،ووق ع
وق د راف ق انتش ار النزع ة التاريخّي ة في الّد راس ات األدبّي ة المقارنة نزع ة أخ رى،
متمّثلة في النزعة الوضعّية «وقد عبرت النزعة الوضعية عن نفسها في األدب المقارن
من خالل دع وة "المدرس ة الفرنس ية التقليدية" إلى اعتم اد المنهج التجريبي في دراس ات
الت أثير والت أثر ،ب ل البرهن ة على وج وده باألدل ة والوث ائق الملموس ة ال تي ال ت دع مج اال
للش ك .ش كل ه ذا الت واؤم بين النزع تين التاريخّي ة والوض عّية أساس ا نظريا لم ا يع رف
بالمدرس ة الفرنس ّية» .1فالمعرف ة الص حيحة –حس ب المدرس ة الفرنس ّية -هي ال تي تس تند
إلى قاع دة تجريبّي ة ،وليس ت تل ك ال تي تق وم على الح دس والتخمين ،ل ذلك فق د دع وا إلى
تط بيق المنهج التجريبّي على األدب المق ارن ،من خالل البرهن ة على وج ود الـتأثر
والتأثير بمختلف األدلة والوثائق التاريخّية الملموسة...
وقد «وسعت المدرسة الفرنسية متسلحة بمنهجيتها هذه دائرة ال تراث األدبي القابل
لالس تغالل ،وح تى الش ائع من ه ،فاس تخرجت ب ذلك من المب االة البحث المغل ق كال من
المراسالت ...والنصوص المنشورة خارج الحدود القومية وذكريات الترحال أو شهادات
اللق اءات واألح اديث ،على ال رغم من أن ه ذه الوث ائق ال ت رقى إلى مس توى الروائ ع
األدبية ،إال أنها سدت نقائص عديدة ،وعمقت بعددها وتنوعها الرؤية التي عادة ما تفتقر
إليها األبحاث القومية ،فكان يكفي أن يمتد حب االستطالع إلى الخارج بانتظام بدال من
االحتش ام ال ذي يتقوق ع فيه» .2فهي إذن تهتم بك ّل األعم ال األدبّي ة ...ال تي من ش أنها أن
تخدم األدب المقارن.
وعموم ا ،يمكن لن ا تلخيص مب ادئ المدرس ة الفرنس ّية لألدب المق ارن في النق اط
التالّية:
-44نجم عبد اهلل كاظم :في األدب المقارن – مقدمات للتطبيق ،ط ،1عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع ،إربد،
األردن ،2008 ،ص .09
- 11عبده عّبود :األدب المق ارن – مش كالت وآف اق ،د .ط ،من منش ورات اتح اد الكت اب الع رب ،1999 ،ص
.27
-22بير برونيل وأ .م روسو وآخرون :ما األدب المقارن؟ ص .103
3
-التركيز على منهج التاريخ األدبي ،فاألدب المق ارن هو الذي يدرس العالقات
التاريخّية بين مختلف اآلداب؛
-المقارنة تكون بين أدبين مختلفين في الّلغة أو أكثر ،أي شرط اختالف الّلغة.
-اهتمت بالت اريخ ع وض االهتم ام ب اآلداب ،فتح ول الب احث في األدب المق ارن
إلى م ؤرخ يجم ع الوث ائق والمص ادر ...وليس إلى أديب مق ارن نتيج ة اس تبعاد المدرس ة
للج وانب الجمالّي ة والذوقّي ة من مض مار الّد راس ات المقارن ة ،أي أنه ا أق امت ج دارا
مص طنعا بين الج وانب التاريخّي ة وبين الج وانب الجمالّي ة .1...أي أنه ا أهملت األبع اد
الداخلية لألدب ،ومن ثم فهي تعم ل على إقص اء المقارن ات ال تي ال تحتكم إلى مرجعية
تاريخّي ة تدل على التأثير المتبادل بين اآلداب حتى وإ ن كانت هناك تشابهات كثيرة بين
النصوص التي يراد مقارنتها.
-أنه ا ب الغت في رب ط األس باب بالمس ببات ،ذل ك أن اآلداب مختلف ة عن العل وم
التجريبّية ،لذلك فقد هاجم النقاد الجدد مقولة السببية «بعنف فهم يرون أن السببية الحتمية
ال تي تق ول أن ه ل وال الفواص ل أ ،ب ،ج ( المحيط األدبي) لم ا ظه ر العم ل األدبي (س)
على هذه الصورة شكال ومضمونا يمكن تطبيقها على العلوم الطبيعية وال يمكن تطبيقها
على الفن األدبي ،ففي العل وم الطبيعية يمكن تج ريب ه ذه العوام ل م ع تع ديلها وتب ديلها
على الظاهرة الطبيعية في حين ال يمكن تجريب العوامل مع الظاهرة الفنية األدبية».2
،1990ص .35
4
-إن المدرس ة الفرنس ية تتس م بالتع الي ،إذ «خ دمت دراس ات الـتأثير نزع ة
"المركزية األوروبية" وهي نزعة متعالية توسعية ،شكلت مكونا هاما من مكونات العقلية
االستعمارية األوروبية ،وما زالت إلى اليوم تخدم مساعي الهيمنة الثقافية األوروبية ،لقد
ع ززت دراس ات الت أثير نزع ة المركزية والتف وق ل دى الفرنس ّيين واألوروبّيين على ح د
سواء».3
ولعل كّل هذه النقائص واالنتقادات المّو جهة للمدرسة الفرنس ّية هو الذي أدى إلى
ظهور مدارس أخرى ،من بينها المدرسة األمريكّية.
تبنى دعوته هذه المقارنون األمريكيون ،فشكلوا المدرسة األمريكية ،التي تهدف
إلى دراس ة الظ اهرة األدبية في ش موليتها دون مراع اة للح واجز السياس ية واللس انية.1...
فالشيء الذي مّيز المنظور األمريكي عن المنظور الفرنسي هو عزل الّد راسات المقارنة
عن السياسة.
ومن أبرز رواد المنهج األمريكي بعد "رينيه ويليك" نجد "هنري ريماك" و"هاري
ليفين" و"ج ون فليتش ر" و"أول ريش فايسش تاين" ...وق د ع رف لن ا الرائ د "ه نري ريم اك"
األدب المقارن ،فقال بأنه دراسة األدب فيما وراء حدود بلد معين ،ودراسة العالقات بين
اآلداب والمج االت األخ رى للمعرف ة واالعتق اد ك الفنون (الرس م والنحت والمعم ار
والموس يقى مثال) والفلس فة والت اريخ والعل وم االجتماعية (السياس ة واالقتص اد واالجتم اع
والعل وم بأنواعه ا وال ديانات) باختص ار ه و مقارن ة أدب ب أدب آخ ر أو آداب أخ رى،
ومقارن ة األدب بمج االت التعب ير اإلنس اني األخ رى .1أي رب ط األدب بمختل ف الفن ون
ما والعل وم «معتم دة في ذل ك على المزاوج ة بين األدبي والف ني ،وهي مزاوج ة كث يرا
تف ترض ت داخال لالختصاص ات والثقاف ات ،ب ل ومعالج ة ال تم يز بين األدبي والموس يقى/
الغن ائي والش عري /الم اتحت – أدبي واألدبي ،في تحطيم مس تمر للح واجز ال تي تفص ل
ع ادة بين اللغ وي والتش كيلي ،بين العالق ات التاريخية األكيدة والعالق ات الغائب ة عن
األعمال والنصوص ،مادام الهدف األساسي ليس هو إثبات التأثير والتأثر ،بقدر ما هو
بلوغ البنية الجمالية والتش كيلية للنص ر المق ارن» .2به ذا أص بح «األدب المق ارن بمفهوم ه
النقدي الذي يعرف بالمدرسة األمريكية ذلك المفهوم الذي يدرس األدب المقارن بموجبه
الظ واهر األدبية في جوهره ا الجم الي بص ورة تتج اوز الح دود اللغوية والقومية لآلداب
من جه ة ،ويق ارن األدب ب الفنون ومج االت ال وعي اإلنس اني األخ رى من جه ة ثانية».3
فاألدب المقارن إذن هو الذي يدرس جمالية األدب ،ويقارن بين األدب ومختلف الفنون
والعل وم .وه ذا م ا أك ده دانييل ،يق ول «األدب المق ارن ه و الفن المنهجي ال ذي يبحث في
عالق ات التش ابه والتق ارب والت أثير ،وتق ريب األدب من مج االت التعب ير والمعرف ة
-22سعيد علوش :مدارس األدب المقارن -دراسة منهجية ،ص .95 – 94
–عبده عّب ود :األدب المقارن – مشكالت وآفاق ،ص .63 33
6
األخ رى ...مثال يق رب نص ا أدبيا من اقتب اس س ينمائي أو لوح ة أو قطع ة موس يقية ،أو
عندما يقارن بين األدب والتاريخ واألدب والتحليل النفسي».4
وتكمن جمالية األدب في الظ واهر الفنية الداخلية للنص األدبي ،إذ «تنب ع جمالية
المنهج األم ريكي من ترك يزه على "داخ ل األدب" أي ش بكة العالق ات الداخلية في
النص وص ،وه و م ا يع رف عن دهم وفي من اهج النق د الح ديث الش كالنية ﺑ "أدبية األدب"
بعيدا عن العوامل الخارجية» 5فالمدرسة األمريكية تهتم إذن بالعناصر الداخلّية الجوهرية
للعم ل األدبّي المتمّثل ة في بنيت ه الفنّي ة والجمالّي ة ،أي أنه ا تنطل ق من داخ ل النص
اإلبداعّي ،لذلك ُس ميت هذه المدرسة ﺑ "مدرسة النصيب" أو "المدرسة الفنّي ة" .وبناء عل
ذل ك فق د «رفض رينيه ويليك المنهج الفرنس ي التقليدي في األدب المق ارن ،ودع ا إلى
منهج يتعام ل م ع ج وهر األدب ،أي إلى منهج نق دي في األدب المق ارن .إن ه منهج ب ات
يع رف "بالمدرس ة األمريكية أو "المدرس ة النقدية"» 1ل ذلك س ميت ه ذه المدرس ة أيض ا
"بالمدرسة النقدّية" أو "النقد الجديد" الهتمامها بالنقد.
وق د تس اءل عب ده عّب ود ،فق ال :أال يؤدي ذل ك إلى إذاب ة األدب المق ارن في النق د
األدبي؟ يجيب فيق ول« :فالنق د األدبي يجب أن يك ون مقارن ا يتج اوز الح دود الّلغوية
والقومّي ة لآلداب ،واألدب المق ارن يجب أن يك ون نق ديا يق ارب النص وص األدبّي ة كب نى
جمالّية ،ال كمؤثرات ووسائط .عندئذ يصبح األدب المقارن نقدا ويصبح النقد أدبا مقارن ا،
وتزول تلك الحواجز المصطنعة التي أقيمت بين األدب المقارن والنقد األدبي».2
وإ ذا ك انت المدرس ة الفرنس ّية تعت بر أن ثنائية الـتأثير والت أثر ش رطا للّد راس ات
المقارن ة ،ف إن المدرس ة األمريكّي ة ال تع ده ش رطا ،فه و غ ير أساس ي عن دها ،لكن ال
ترفض ه ،إذ «من الخط أ فهم المدرس ة األمريكية ت رفض أو تس تبعد الص الت والت أثير
والتأثر من اهتمامها ودراساتها ،بل هي ال تشرط ذلك ،وبين هذا وذاك فرق».3
– نجم عبد اهلل كاظم :في األدب المقارن – مقدمات للتطبيق ،ص .09 33
7
وعدم تركيز المدرسة األمريكّي ة على ثنائية التأثير والتأثر في الّد راسات األدبّي ة
المقارنة ،دفعها إلى االهتمام بمجاالت أخرى ،كاهتمامها بنظرية "التوازي" أو "التشابه" أو
"القراب ة" " " Paralellismويقص د ب ه الكش ف عن وج ود التماث ل في البيئ ة أو الفك رة أو
الم زاج أو األس لوب بين أعم ال مختلف ة ال يرب ط بينهم ا أي راب ط من حيث الص الت
التاريخّي ة أو عالق ات الت أثر والت أثير ،أي دراس ة نص ين أدبّيين متش ابهين دون أن تك ون
بينهم ا أية عالق ة فعلّي ة س البة ك انت أم موجب ة 4أي أن تش ابه الظ روف المحيط ة بالكت اب
واألدباء يؤدي إلى تشابه إبداعهم األدبي...
-2العامل األدبّي :فقد ينمو في مجتمعين – أو أكثر -في إحدى مراحل التطور
جنس أدبّي معين نموا تلقائيا يؤدي إلى تطور مماثل لنماذج أجنبّية.
أ -تف ادي المآخ ذ ال تي أخ ذت على المنهج الفرنس ي كم ا تجلت في مق ال "ويليك" (أزم ة
األدب المقارن)؛
ب -توسيع مجال األدب المقارن بتقديم مفهوم أوسع للعالقات األدبية ومّد آفاق المقارن ة
لتشمل العالقة بين األدب وأنماط التعبير اإلنساني األخرى؛
ج -مالحقة العالقات المتشابهة بين اآلداب المختلفة وفقا لمفهوم "التوازي" أو "التشابه"
أو "القرابة".
-ينظر :يوسف بكار وخليل الشيخ :األدب المقارن ،ص .67 44
5
أ-ع دم التمّي يز بين األدب المق ارن واألدب الع ام ،نتيج ة ارتب اط االث نين بموض وع
واحد "األدب"؛
ب -تن وع تع اريف المق ارنين األم ريكّيين ال تي تتس م باالزدواجية ال تي ت ؤدي إلى
مفه ومين وليس مفه وم واح د ،ف األدب المق ارن عن دهم ه و المقارن ة بين اآلداب ،وبين
اآلداب وغيرها من وسائل التعبير اإلنساني؛
ج -اس تنكاره للنزع ة القومية ال تي اعتم دتها المدرس ة الفرنس ية ،في حين أنهم
تورطوا في تلك النزعة .أي النظرة الخاصة إلى األدب الغربي كفضاء متمّي ز ،فنظرتها
هي نظرة استعالئية...
5