You are on page 1of 10

‫المحاضرة الثالثة‬

‫مدارس األدب المقارن‪ :‬المدرسة الفرنسّية‬

‫تعتبر المدرسة الفرنسّية التقليدّية أّو ل مدرسة منهجّي ة في األدب المقارن‪ ،‬وأقدمها‬
‫وأشهرها‪ ،‬و«يعد العصر الرومنطيقي في فرنسا‪ ،‬هو األكثر إلحاحا لهذه الحاجة‪ ،‬كان هو‬
‫ال ذي ش هد والدة األدب المق ارن‪ .‬وك ذا الب دء م ع س انت ب وف ال ذي تبناه ا من ج ان ج اك‬
‫أمب ير ال ذي وض ع دروس ا لتالمذت ه تحت عن وان "ت اريخ األدب المق ارن"»‪ .1‬فالرومانس ية‬
‫إذن ق د س اهمت في ظه ور المدرس ة الفرنس ّية‪ ،‬كم ا نج د أيض ا أن الفض اء االس تراتيجي‬
‫الفرنس ي‪ ،‬والت اريخ التوس عي لمس تعمراتها‪ ،‬وجه ود "فردينان د برونتيير" "‪Ferdinan‬‬
‫‪ "Brenetier‬ال ذي ك ان يلقي محاض راته من من بر المدرس ة العليا لألس اتذة (‪Ecole‬‬
‫‪ ) Superieur Normal‬وجهود تلميذه "جوزيف تكست" "‪ ..."Josef Text‬قد ساعد في‬
‫بروز هذه المدرسة‪.2‬‬

‫وتوضح اتجاه هذه المدرسة مع ظهور أّو ل كرسي للدراسات المقارنة وأّو ل مجلة‬
‫لألدب المقارن‪ ،‬وذلك سنة ‪ 1921‬حين كتب "فرديناند بالدينسبرجر" مقاال بعنوان "الكلمة‬
‫‪ "Le‬الذي يعد أّو ل عمل تنظيرّي وتاريخّي للمدرسة‬ ‫والشيء" ‪mot et la chose‬‬
‫الفرنس ّية‪ ،‬وهو يرى أن األدب المقارن قائم على فكرة االنتشار‪ ،‬يتعدى الحدود الوطنّي ة‬
‫والّلسانّية متبنيا تلك العالقات التي خلفها التاريخ األدبّي ‪.3...‬‬

‫كم ا نج د أيض ا ب ول ف ان ت ييغم ( ‪ )Paul Van Tieghem‬ال ذي يرى أن األدب‬


‫المق ارن يدرس الّلمس ات المش تركة لع ّد ة آداب‪ 4‬فظ ل يق دم م دخال للدراس ات المقارن ة في‬
‫كتابه "األدب المقارن" (‪ .)1931‬كما ساهمت مجلة "األدب المقارن" وكتب سلسلة "خزانة‬

‫‪ -1‬ماريوس فرنسوا غويار‪ :‬األدب المقارن‪ ،‬ص ‪.11‬‬


‫‪ -22‬ينظ ر‪ - :‬س عيد عل وش‪ :‬م دارس األدب المق ارن‪ -‬دراس ة منهجية‪ ،‬ط‪ ،1‬المرك ز الثق افي الع ربي‪،1987 ،‬‬
‫ص‪.55‬‬
‫‪ -‬ص غور أحالم‪ :‬واق ع الدراس ات المقارن ة في المغ رب الع ربي‪ ،‬إش راف‪ :‬ش ريفي عب د الواح د‪،‬‬
‫أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة وهران السانية‪ ،‬الجزائر‪ ،2009 – 2008 ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪ -33‬ينظر‪ - :‬سعيد علوش‪ :‬م‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.59 – 56‬‬
‫‪ -‬يوسف بكار وخليل الشيخ‪ :‬األدب المقارن‪ ،‬ص‪.80‬‬
‫‪ -44‬ينظر‪ :‬ماريوس فرنسوا غويار‪ :‬م‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.07‬‬
‫‪1‬‬
‫مجلة األدب المقارن" في نشر مبادئ وأهداف بالدينسبرجر ورفاقه مع اختالف وجهات‬
‫نظرهم المبدئّية والمنهجّية‪.5‬‬

‫ونجد أيضا "فرنسوا غويار" في كتابه "األدب المقارن" الذي يمّثل الكلمة األخيرة‬
‫في المنهج الفرنسي عند الجيل األّو ل من رواده‪ ،‬ألّن ه صدر بعد أن تح ّد دت معالم المنهج‬
‫األمريكي في األدب المقارن‪.1‬‬

‫و«خالص ة م ا دع ا إليه أولئ ك ال رواد – وج ان ماريه كاريه فيهم‪ -‬أن األدب‬


‫المق ارن ه و دراس ة عالق ات الت أثر بين األدب الفرنس ي واآلداب األوروبّي ة األخ رى‪،‬‬
‫ودراسة الصالت بين اآلداب القومّية المختلفة دراسة تاريخّي ة مؤيدة بالوثائق والمصادر‪،‬‬
‫وكأن األدب المقارن – والحال هذه‪ -‬فرع من فروع تاريخ األدب‪ .‬وهذا هو الذي يطلق‬
‫عليه "التّيار التقليدّي " أو "التّيار التاريخّي " في المنهج الفرنسّي ‪ ،‬أي تّيار الجيل األّو ل جيل‬
‫ال رواد»‪ 2‬ل ذلك س ميت المدرس ة الفرنس ّية بالمدرس ة التقليدّي ة‪ ،‬والمدرس ة التاريخّي ة‪ ،‬وبم ا‬
‫أنها تركز على التاريخ فهذا يعني أنها تركز على كّل ما هو خارجي لتحديد عملية التأثر‬
‫والتأثير‪ ،‬أي أنها تنطلق من خارج النص وليس من داخله‪...‬‬

‫لق د وض عت المدرس ة الفرنس ية «أس س البحث الم تين‪ :‬فتبنت ض رورة التسلس ل‬
‫الزمني الدقيق‪ ،‬بطريقة مثلى قبل أي تفسير‪ ،‬حيث ال تكمن الصعوبة األساسية في وضع‬
‫الت واريخ‪ ،‬وإ نم ا تكمن في اختياره ا‪ ،‬وتبنت ض رورة التنقيب ف وق الح دود القومية‬
‫باالعتماد على معارف لغوية جّيدة (مع تفضيل الّلجوء إلى النصوص األصلّية دوما بدال‬
‫من االعتماد على الترجمات) وتبنت أخيرا ضرورة تجميع جملة من األحداث متصلة –‬
‫مس تمدة من حض ارة‪ -‬غالب ا م ا تك ون مهمل ة»‪ .3‬أي اختيار الت واريخ ودراس ة النص وص‬
‫في لغاته ا األص لية‪ ،‬فق د «رب ط الفرنس يون الدراس ة المقارن ة وفق ا له ذا بت واريخ اآلداب‬
‫وبالص الت التاريخّي ة واألدبّي ة بين اآلداب المدروس ة مش ددين في ذل ك م ع ش رط وق وع‬
‫الص الت في م ا بين ه ذه اآلداب أّو ال‪ ،‬وأن تك ون لغ ة ه ذه اآلداب مختلف ة ثانيا‪ ،‬ووق ع‬

‫‪ -55‬ينظر‪ :‬سعيد علوش‪ :‬م‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.61‬‬


‫‪ -11‬يوسف بكار وخليل الشيخ‪ :‬األدب المقارن‪ ،‬ص‪.80‬‬
‫‪ -22‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪ .‬ن‪.‬‬
‫‪ -33‬بير برونيل وأ‪ .‬م روسو وآخرون‪ :‬ما األدب المقارن؟ ص‪.103‬‬
‫‪2‬‬
‫الت أثير والت أثر فيم ا بينه ا ثالث ا»‪ 4‬فالمدرس ة الفرنس ّية تش ترط – إذن‪ -‬اختالف الّلغ ة‪،‬‬
‫ووجود صّلة تاريخّية بين اآلداب المدروسة‪ ،‬والتركيز على ثنائّية التأثر والتأثير‪.‬‬

‫وق د راف ق انتش ار النزع ة التاريخّي ة في الّد راس ات األدبّي ة المقارنة نزع ة أخ رى‪،‬‬
‫متمّثلة في النزعة الوضعّية «وقد عبرت النزعة الوضعية عن نفسها في األدب المقارن‬
‫من خالل دع وة "المدرس ة الفرنس ية التقليدية" إلى اعتم اد المنهج التجريبي في دراس ات‬
‫الت أثير والت أثر‪ ،‬ب ل البرهن ة على وج وده باألدل ة والوث ائق الملموس ة ال تي ال ت دع مج اال‬
‫للش ك‪ .‬ش كل ه ذا الت واؤم بين النزع تين التاريخّي ة والوض عّية أساس ا نظريا لم ا يع رف‬
‫بالمدرس ة الفرنس ّية»‪ .1‬فالمعرف ة الص حيحة –حس ب المدرس ة الفرنس ّية‪ -‬هي ال تي تس تند‬
‫إلى قاع دة تجريبّي ة‪ ،‬وليس ت تل ك ال تي تق وم على الح دس والتخمين‪ ،‬ل ذلك فق د دع وا إلى‬
‫تط بيق المنهج التجريبّي على األدب المق ارن‪ ،‬من خالل البرهن ة على وج ود الـتأثر‬
‫والتأثير بمختلف األدلة والوثائق التاريخّية الملموسة‪...‬‬

‫وقد «وسعت المدرسة الفرنسية متسلحة بمنهجيتها هذه دائرة ال تراث األدبي القابل‬
‫لالس تغالل‪ ،‬وح تى الش ائع من ه‪ ،‬فاس تخرجت ب ذلك من المب االة البحث المغل ق كال من‬
‫المراسالت‪ ...‬والنصوص المنشورة خارج الحدود القومية وذكريات الترحال أو شهادات‬
‫اللق اءات واألح اديث‪ ،‬على ال رغم من أن ه ذه الوث ائق ال ت رقى إلى مس توى الروائ ع‬
‫األدبية‪ ،‬إال أنها سدت نقائص عديدة‪ ،‬وعمقت بعددها وتنوعها الرؤية التي عادة ما تفتقر‬
‫إليها األبحاث القومية‪ ،‬فكان يكفي أن يمتد حب االستطالع إلى الخارج بانتظام بدال من‬
‫االحتش ام ال ذي يتقوق ع فيه»‪ .2‬فهي إذن تهتم بك ّل األعم ال األدبّي ة‪ ...‬ال تي من ش أنها أن‬
‫تخدم األدب المقارن‪.‬‬

‫وعموم ا‪ ،‬يمكن لن ا تلخيص مب ادئ المدرس ة الفرنس ّية لألدب المق ارن في النق اط‬
‫التالّية‪:‬‬

‫‪ -44‬نجم عبد اهلل كاظم‪ :‬في األدب المقارن – مقدمات للتطبيق‪ ،‬ط‪ ،1‬عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع‪ ،‬إربد‪،‬‬
‫األردن‪ ،2008 ،‬ص ‪.09‬‬
‫‪ - 11‬عبده عّبود‪ :‬األدب المق ارن – مش كالت وآف اق‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬من منش ورات اتح اد الكت اب الع رب‪ ،1999 ،‬ص‬
‫‪.27‬‬
‫‪ -22‬بير برونيل وأ‪ .‬م روسو وآخرون‪ :‬ما األدب المقارن؟ ص ‪.103‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬التركيز على منهج التاريخ األدبي‪ ،‬فاألدب المق ارن هو الذي يدرس العالقات‬
‫التاريخّية بين مختلف اآلداب؛‬

‫‪ -‬االهتمام بثنائية التأثر والتأثير؛‬

‫‪ -‬المقارنة تكون بين أدبين مختلفين في الّلغة أو أكثر‪ ،‬أي شرط اختالف الّلغة‪.‬‬

‫ويؤخذ على المدرسة الفرنسّية‪:‬‬

‫‪-‬غياب الوضوح في تحديد موضوع األدب المقارن ومناهجه؛‬

‫‪ -‬اهتمت بالت اريخ ع وض االهتم ام ب اآلداب‪ ،‬فتح ول الب احث في األدب المق ارن‬
‫إلى م ؤرخ يجم ع الوث ائق والمص ادر‪ ...‬وليس إلى أديب مق ارن نتيج ة اس تبعاد المدرس ة‬
‫للج وانب الجمالّي ة والذوقّي ة من مض مار الّد راس ات المقارن ة‪ ،‬أي أنه ا أق امت ج دارا‬
‫مص طنعا بين الج وانب التاريخّي ة وبين الج وانب الجمالّي ة‪ .1...‬أي أنه ا أهملت األبع اد‬
‫الداخلية لألدب‪ ،‬ومن ثم فهي تعم ل على إقص اء المقارن ات ال تي ال تحتكم إلى مرجعية‬
‫تاريخّي ة تدل على التأثير المتبادل بين اآلداب حتى وإ ن كانت هناك تشابهات كثيرة بين‬
‫النصوص التي يراد مقارنتها‪.‬‬

‫‪ -‬أنه ا ب الغت في رب ط األس باب بالمس ببات‪ ،‬ذل ك أن اآلداب مختلف ة عن العل وم‬
‫التجريبّية‪ ،‬لذلك فقد هاجم النقاد الجدد مقولة السببية «بعنف فهم يرون أن السببية الحتمية‬
‫ال تي تق ول أن ه ل وال الفواص ل أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج ( المحيط األدبي) لم ا ظه ر العم ل األدبي (س)‬
‫على هذه الصورة شكال ومضمونا يمكن تطبيقها على العلوم الطبيعية وال يمكن تطبيقها‬
‫على الفن األدبي‪ ،‬ففي العل وم الطبيعية يمكن تج ريب ه ذه العوام ل م ع تع ديلها وتب ديلها‬
‫على الظاهرة الطبيعية في حين ال يمكن تجريب العوامل مع الظاهرة الفنية األدبية»‪.2‬‬

‫‪ -11‬ينظر‪ - :‬يوسف بكار وخليل الشيخ‪ :‬األدب المقارن‪ ،‬ص ‪.81‬‬


‫‪ -‬عبده عّبود‪ :‬األدب المقارن – مشكالت وآفاق‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫‪ -‬أحم د ش وقي رض وان‪ :‬م دخل إلى ال درس األدبي المق ارن‪ ،‬ط‪ ،1‬دار العل وم العربية‪ ،‬ب يروت‪ ،‬لبن ان‪،‬‬ ‫‪22‬‬

‫‪ ،1990‬ص ‪.35‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬إن المدرس ة الفرنس ية تتس م بالتع الي‪ ،‬إذ «خ دمت دراس ات الـتأثير نزع ة‬
‫"المركزية األوروبية" وهي نزعة متعالية توسعية‪ ،‬شكلت مكونا هاما من مكونات العقلية‬
‫االستعمارية األوروبية‪ ،‬وما زالت إلى اليوم تخدم مساعي الهيمنة الثقافية األوروبية‪ ،‬لقد‬
‫ع ززت دراس ات الت أثير نزع ة المركزية والتف وق ل دى الفرنس ّيين واألوروبّيين على ح د‬
‫سواء»‪.3‬‬

‫ولعل كّل هذه النقائص واالنتقادات المّو جهة للمدرسة الفرنس ّية هو الذي أدى إلى‬
‫ظهور مدارس أخرى‪ ،‬من بينها المدرسة األمريكّية‪.‬‬

‫‪ -4‬مدارس األدب المقارن‪ :‬المدرسة األمريكّية‬

‫تع ود البداية الفعلية للمدرس ة األمريكية إلى س نة ‪ ،1958‬حين ألقى الناق د‬


‫األم ريكي "رينيه ويليك" محاض رته المعنون ة "أزم ة األدب المق ارن" في الم ؤتمر الث اني‬
‫للرابط ة العالمية لألدب المق ارن‪ ،‬ال ذي ُأنعق د بجامع ة "تش ابل هيل" األمريكّي ة‪ ،‬وق د انتق د‬
‫فيها بشّد ة المدرسة الفرنسّية من خالل‪:‬‬

‫أ‪ -‬افتقادها إلى تحديد موضوع األدب المقارن ومناهجه؛‬

‫ب‪ -‬تغليب العناصر القومية على العمل األدبي في الدراسة؛‬

‫ج‪ -‬المبالغة في إثبات مظاهر التأثر والتأثير‪.‬‬

‫تبنى دعوته هذه المقارنون األمريكيون‪ ،‬فشكلوا المدرسة األمريكية‪ ،‬التي تهدف‬
‫إلى دراس ة الظ اهرة األدبية في ش موليتها دون مراع اة للح واجز السياس ية واللس انية‪.1...‬‬
‫فالشيء الذي مّيز المنظور األمريكي عن المنظور الفرنسي هو عزل الّد راسات المقارنة‬
‫عن السياسة‪.‬‬

‫وق د تأسس ت المدرس ة األمريكّي ة على مب دأين‪ :‬المب دأ األخالقي ال ذي يق وم على‬


‫اعتب ارات تاريخّي ة تحيل إلى حداث ة الحض ارة األمريكية ال تي هي م زيج من الجنس يات‬
‫والثقاف ات األوروبية‪ ،‬ه ذا م ا دفعه ا إلى االنفت اح عن الع الم‪ ،‬ومن ثم اح ترام االنج ازات‬

‫‪ -33‬عبده عّبود‪ :‬م‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.30‬‬


‫‪ -11‬ينظر‪ - :‬سعيد علوش‪ :‬مدارس األدب المقارن ‪ -‬دراسة منهجية‪ ،‬ص ‪. 100 -94‬‬
‫‪ -‬يوسف بكار وخليل الشيخ‪ :‬األدب المقارن‪ ،‬ص‪.83‬‬
‫‪5‬‬
‫األدبّية األجنبّية‪ .‬والمبدأ الثاني هو المبدأ الثقافي الذي يتمّثل في بحث المدرسة األمريكّي ة‬
‫عن هوية ثقافية ذات طابع منهجي ومعرفي يدور في حلقة القرن العشرين متخلصة من‬
‫وضعية وتاريخية القرن التاسع عشر‪.2‬‬

‫ومن أبرز رواد المنهج األمريكي بعد "رينيه ويليك" نجد "هنري ريماك" و"هاري‬
‫ليفين" و"ج ون فليتش ر" و"أول ريش فايسش تاين"‪ ...‬وق د ع رف لن ا الرائ د "ه نري ريم اك"‬
‫األدب المقارن‪ ،‬فقال بأنه دراسة األدب فيما وراء حدود بلد معين‪ ،‬ودراسة العالقات بين‬
‫اآلداب والمج االت األخ رى للمعرف ة واالعتق اد ك الفنون (الرس م والنحت والمعم ار‬
‫والموس يقى مثال) والفلس فة والت اريخ والعل وم االجتماعية (السياس ة واالقتص اد واالجتم اع‬
‫والعل وم بأنواعه ا وال ديانات) باختص ار ه و مقارن ة أدب ب أدب آخ ر أو آداب أخ رى‪،‬‬
‫ومقارن ة األدب بمج االت التعب ير اإلنس اني األخ رى‪ .1‬أي رب ط األدب بمختل ف الفن ون‬
‫ما‬ ‫والعل وم «معتم دة في ذل ك على المزاوج ة بين األدبي والف ني‪ ،‬وهي مزاوج ة كث يرا‬
‫تف ترض ت داخال لالختصاص ات والثقاف ات‪ ،‬ب ل ومعالج ة ال تم يز بين األدبي والموس يقى‪/‬‬
‫الغن ائي والش عري‪ /‬الم اتحت – أدبي واألدبي‪ ،‬في تحطيم مس تمر للح واجز ال تي تفص ل‬
‫ع ادة بين اللغ وي والتش كيلي‪ ،‬بين العالق ات التاريخية األكيدة والعالق ات الغائب ة عن‬
‫األعمال والنصوص‪ ،‬مادام الهدف األساسي ليس هو إثبات التأثير والتأثر‪ ،‬بقدر ما هو‬
‫بلوغ البنية الجمالية والتش كيلية للنص ر المق ارن»‪ .2‬به ذا أص بح «األدب المق ارن بمفهوم ه‬
‫النقدي الذي يعرف بالمدرسة األمريكية ذلك المفهوم الذي يدرس األدب المقارن بموجبه‬
‫الظ واهر األدبية في جوهره ا الجم الي بص ورة تتج اوز الح دود اللغوية والقومية لآلداب‬
‫من جه ة‪ ،‬ويق ارن األدب ب الفنون ومج االت ال وعي اإلنس اني األخ رى من جه ة ثانية»‪.3‬‬
‫فاألدب المقارن إذن هو الذي يدرس جمالية األدب‪ ،‬ويقارن بين األدب ومختلف الفنون‬
‫والعل وم‪ .‬وه ذا م ا أك ده دانييل‪ ،‬يق ول «األدب المق ارن ه و الفن المنهجي ال ذي يبحث في‬
‫عالق ات التش ابه والتق ارب والت أثير‪ ،‬وتق ريب األدب من مج االت التعب ير والمعرف ة‬

‫‪ -22‬ينظر‪ :‬سعيد علوش‪ :‬م‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.94‬‬


‫‪ -‬ينظر‪ :‬يوسف بكار وخليل الشيخ‪ :‬األدب المقارن‪ ،‬ص‪.83‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪ -22‬سعيد علوش‪ :‬مدارس األدب المقارن ‪ -‬دراسة منهجية‪ ،‬ص ‪.95 – 94‬‬
‫–عبده عّب ود‪ :‬األدب المقارن – مشكالت وآفاق‪ ،‬ص ‪.63‬‬ ‫‪33‬‬

‫‪6‬‬
‫األخ رى‪ ...‬مثال يق رب نص ا أدبيا من اقتب اس س ينمائي أو لوح ة أو قطع ة موس يقية‪ ،‬أو‬
‫عندما يقارن بين األدب والتاريخ واألدب والتحليل النفسي»‪.4‬‬

‫وتكمن جمالية األدب في الظ واهر الفنية الداخلية للنص األدبي‪ ،‬إذ «تنب ع جمالية‬
‫المنهج األم ريكي من ترك يزه على "داخ ل األدب" أي ش بكة العالق ات الداخلية في‬
‫النص وص‪ ،‬وه و م ا يع رف عن دهم وفي من اهج النق د الح ديث الش كالنية ﺑ "أدبية األدب"‬
‫بعيدا عن العوامل الخارجية»‪ 5‬فالمدرسة األمريكية تهتم إذن بالعناصر الداخلّية الجوهرية‬
‫للعم ل األدبّي المتمّثل ة في بنيت ه الفنّي ة والجمالّي ة‪ ،‬أي أنه ا تنطل ق من داخ ل النص‬
‫اإلبداعّي ‪ ،‬لذلك ُس ميت هذه المدرسة ﺑ "مدرسة النصيب" أو "المدرسة الفنّي ة"‪ .‬وبناء عل‬
‫ذل ك فق د «رفض رينيه ويليك المنهج الفرنس ي التقليدي في األدب المق ارن‪ ،‬ودع ا إلى‬
‫منهج يتعام ل م ع ج وهر األدب‪ ،‬أي إلى منهج نق دي في األدب المق ارن‪ .‬إن ه منهج ب ات‬
‫يع رف "بالمدرس ة األمريكية أو "المدرس ة النقدية"»‪ 1‬ل ذلك س ميت ه ذه المدرس ة أيض ا‬
‫"بالمدرسة النقدّية" أو "النقد الجديد" الهتمامها بالنقد‪.‬‬

‫وق د تس اءل عب ده عّب ود‪ ،‬فق ال‪ :‬أال يؤدي ذل ك إلى إذاب ة األدب المق ارن في النق د‬
‫األدبي؟ يجيب فيق ول‪« :‬فالنق د األدبي يجب أن يك ون مقارن ا يتج اوز الح دود الّلغوية‬
‫والقومّي ة لآلداب‪ ،‬واألدب المق ارن يجب أن يك ون نق ديا يق ارب النص وص األدبّي ة كب نى‬
‫جمالّية‪ ،‬ال كمؤثرات ووسائط‪ .‬عندئذ يصبح األدب المقارن نقدا ويصبح النقد أدبا مقارن ا‪،‬‬
‫وتزول تلك الحواجز المصطنعة التي أقيمت بين األدب المقارن والنقد األدبي»‪.2‬‬

‫وإ ذا ك انت المدرس ة الفرنس ّية تعت بر أن ثنائية الـتأثير والت أثر ش رطا للّد راس ات‬
‫المقارن ة‪ ،‬ف إن المدرس ة األمريكّي ة ال تع ده ش رطا‪ ،‬فه و غ ير أساس ي عن دها‪ ،‬لكن ال‬
‫ترفض ه‪ ،‬إذ «من الخط أ فهم المدرس ة األمريكية ت رفض أو تس تبعد الص الت والت أثير‬
‫والتأثر من اهتمامها ودراساتها‪ ،‬بل هي ال تشرط ذلك‪ ،‬وبين هذا وذاك فرق»‪.3‬‬

‫‪ - 44‬دانييل – هنري باجو‪ :‬األدب العام المقارن‪ ،‬ص ‪.19 – 18‬‬


‫– يوسف بكار وخليل الشيخ‪ :‬م‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.94‬‬ ‫‪55‬‬

‫‪ -‬عبده عّبود‪ :‬األدب المقارن – مشكالت وآفاق‪ ،‬ص ‪.46‬‬ ‫‪11‬‬

‫– م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.47‬‬ ‫‪22‬‬

‫– نجم عبد اهلل كاظم‪ :‬في األدب المقارن – مقدمات للتطبيق‪ ،‬ص ‪.09‬‬ ‫‪33‬‬

‫‪7‬‬
‫وعدم تركيز المدرسة األمريكّي ة على ثنائية التأثير والتأثر في الّد راسات األدبّي ة‬
‫المقارنة‪ ،‬دفعها إلى االهتمام بمجاالت أخرى‪ ،‬كاهتمامها بنظرية "التوازي" أو "التشابه" أو‬
‫"القراب ة" "‪ " Paralellism‬ويقص د ب ه الكش ف عن وج ود التماث ل في البيئ ة أو الفك رة أو‬
‫الم زاج أو األس لوب بين أعم ال مختلف ة ال يرب ط بينهم ا أي راب ط من حيث الص الت‬
‫التاريخّي ة أو عالق ات الت أثر والت أثير‪ ،‬أي دراس ة نص ين أدبّيين متش ابهين دون أن تك ون‬
‫بينهم ا أية عالق ة فعلّي ة س البة ك انت أم موجب ة‪ 4‬أي أن تش ابه الظ روف المحيط ة بالكت اب‬
‫واألدباء يؤدي إلى تشابه إبداعهم األدبي‪...‬‬

‫ويمكن إرجاع "التوازي" إلى العوامل التالّية‪:5‬‬

‫‪ -1‬العام ل االجتم اعّي ‪ :‬ك أن يص ل مجتمع ان من المجتمع ات إلى مرحل ة متماثل ة‬


‫من التطور‪ ،‬أو أن يواجه مشكالت متماثلة‪.‬‬

‫‪ -2‬العامل األدبّي ‪ :‬فقد ينمو في مجتمعين – أو أكثر‪ -‬في إحدى مراحل التطور‬
‫جنس أدبّي معين نموا تلقائيا يؤدي إلى تطور مماثل لنماذج أجنبّية‪.‬‬

‫‪ -3‬العام ل النفس ّي ‪ :‬فالعق ل اإلنس انّي ل ه أش كال اس تجابة مش تركة للتجرب ة‬


‫المش تركة‪ ،‬ويدخل في ه ذا م ا ق د يك ون لم ؤلفين أو أك ثر من س جايا وس مات‬
‫متماثلة‪.‬‬

‫ومن سمات المدرسة األمريكّية نجد‪:1‬‬

‫أ‪ -‬تف ادي المآخ ذ ال تي أخ ذت على المنهج الفرنس ي كم ا تجلت في مق ال "ويليك" (أزم ة‬
‫األدب المقارن)؛‬

‫ب‪ -‬توسيع مجال األدب المقارن بتقديم مفهوم أوسع للعالقات األدبية ومّد آفاق المقارن ة‬
‫لتشمل العالقة بين األدب وأنماط التعبير اإلنساني األخرى؛‬

‫ج‪ -‬مالحقة العالقات المتشابهة بين اآلداب المختلفة وفقا لمفهوم "التوازي" أو "التشابه"‬
‫أو "القرابة"‪.‬‬

‫‪ -‬ينظر‪ :‬يوسف بكار وخليل الشيخ‪ :‬األدب المقارن‪ ،‬ص ‪.67‬‬ ‫‪44‬‬

‫‪5‬‬

‫‪ -11‬يوسف بكار وخليل الشيخ‪ :‬األدب المقارن‪ ،‬ص ‪.83‬‬


‫‪8‬‬
‫ومن مآخذ المدرسة األمريكية‪:2‬‬

‫أ‪-‬ع دم التمّي يز بين األدب المق ارن واألدب الع ام‪ ،‬نتيج ة ارتب اط االث نين بموض وع‬
‫واحد "األدب"؛‬

‫ب‪ -‬تن وع تع اريف المق ارنين األم ريكّيين ال تي تتس م باالزدواجية ال تي ت ؤدي إلى‬
‫مفه ومين وليس مفه وم واح د‪ ،‬ف األدب المق ارن عن دهم ه و المقارن ة بين اآلداب‪ ،‬وبين‬
‫اآلداب وغيرها من وسائل التعبير اإلنساني؛‬

‫ج‪ -‬اس تنكاره للنزع ة القومية ال تي اعتم دتها المدرس ة الفرنس ية‪ ،‬في حين أنهم‬
‫تورطوا في تلك النزعة‪ .‬أي النظرة الخاصة إلى األدب الغربي كفضاء متمّي ز‪ ،‬فنظرتها‬
‫هي نظرة استعالئية‪...‬‬

‫‪5‬‬

‫– ينظر‪ - :‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.84‬‬ ‫‪22‬‬

‫‪ -‬سعيد علوش‪ :‬مدارس األدب المقارن ‪ -‬دراسة منهجية‪ ،‬ص ‪.105‬‬


‫‪9‬‬
10

You might also like