Professional Documents
Culture Documents
مقدمة
خاتمة
مقدمة:
أوروب ا في القرن السادس عشر حركة تجديد واسعة في الفنون ،واآلداب ،والعلوم
ّ شهدت
األوروبي ة ،وق د امت ّدت ه ذه الحرك ة وك ان نتيجته ا ،تع ّدد الدراس ات األدبي ة في العص ر
ّ
الح ديث ،وك ان من بين ه ذه الدراس ات األدبي ة دراس ات األدب المق ارن ،ال تي ول دت في
فرنسا بداية القرن التاسع عشر؛ بتأثير عوامل سياسية وفلسفية واستعمارية ،ونمو النزعة
القومي ة المفتخ رة ب اآلداب الغربي ة ،وك ان الفرنس ي ف ان تيجيم ه و أول من اس تخدم ه ذا
المصطلح
أن ه ذا
تعري( ((ف األدب المق( ((ارن :قب ل االنطالق إلى تعري ف األدب المق ارن ،ال ب ّد من التنبي ه إلى ّ
قاصرا عن التعبير عن أبعاد الدراسات المقارنة ومدلوالتها،
ً عدة؛ لكونه
إشكاليات ّ
ّ المصطلح قد القى
ونظري ة ،فهو علم األدب
ّ مرجعيات هي :علم ،وتاريخ ،ونقد،
ّ عدة
فهو فيما هو مسكوت عنه ينطلق من ّ
المقارن حسب المدرسة األلمانية ،تاريخ األدب المقارن عند المدرسة الفرنسية ،والنقد األدبي المقارن
ضد العلم الذي قوانين صارمة لألدب كما
في المدرسة األمريكية ،أو نظرية األدب المقارن ،التي تقف ّ
الفرنسية- ،أول مدارس األدب
ّ ويعرف األدب المقارن حسب تعريف المدرسة
في المدرسة الفرنسيةُ .
بأن ه األدب الذي يدرس مواطن االلتقاء بين
فص له وشرحه الناقد محمد غنيمي هاللّ ،
المقارن ،-وكما ّ
جميع اآلداب بلغاتِها المختلفة ،وما بين هذه اآلداب من عالقات تاريخية معقدة ،في الماضي والحاضر،
ومظ اهر الت أثر والت أثير في ه ذه العالق ات ،س واء ك ان الت أثر والت أثير متعل ق بالرواب ط الفني ة العام ة
لألجناس األدبية ومذاهبها ،أو التيارات الفكرية ،أم طبيعة القضايا التي تعالجها تلك اآلداب ،أو مسائل
السمات األسلوبية واألفكار العامة والجزئية في العمل األدبي ،أم كان يخص صور البالد على اختالفها
كم ا انعكس ،وظه ر في آداب األمم المختلف ة بم ا يرب ط ه ذه األمم برواب ط مختلف ة .وتش ترطُ دراس ات
األدب المق ارن ،وموض وعات األدب المق ارن في دارس تها ،اللغ ة ،ح ّدا فاص ال بين اآلداب المختلف ة،
فلغات اآلداب هي المقصد األول لدارس األدب المقارن ،في دراسة التأثير والتأثر المتبادل بينهما .وهو
في دراس ته للت أثر والت أثير ال ي درس إال الت أثيرات األكي دة في موض وعات األدب المق ارن ،ويبتع د عن
()1
أي تأثير من التأثيرات
المتشابهات في موضوعات األدب المقارن ،التي ال يمكن نسبتها إلى ّ
)( 1محمد غنيمي هالل ،األدب المقارن ،ط ، 5دار العودة ودار الثقافة ،بيروت ،لبنان ، ، 1891 ،
ص6
)(2
مفهوم( التأثير والتأثر في األدب المقارن:
مفهوم التأثر والتأثير هو المفهوم األهم في األدب المقارن وموضوعات األدب المقارن ،بل هو أساس
موض وعات األدب المق ارن على اختالف مدارس ه ،وإ ن اختلفت ه ذه الم دارس على أس باب وقوع ه،
ووسائله ،والصالت التاريخية المنبثق عنها .ويرى الناقد الفرنسي سيمون جون في كتابه األدب العام
واألدب المقارن ،أن جوهو الدراسات المقارنة ،هو التأثر والتأثير الذي ُيمارس من مؤلف على آخر أو
من آداب على أخرى ،وانتشار هذه التأثيرات.
وال ُيسمح في أي مدرسة بأن تغيب القومية عن هذه الدراسات ،التي تتعمق في التفاصيل .بينما يرى
الناق د األم ريكي ريني ه ويل ك :أن ه من الض روري أن ي دخل التأم ل ض من الت أثيرات ل ذلك فه و في كتاب ه
تمي يزات ي دين المنهج الفرنس ي في دراسة العالق ات األدبية والت أثيرات .وق د ذهب الكثير من الدارسين
إلى التفري ق بين الت أثر والت أثير في موض وعات األدب المق ارن وع دم النظ ر إليهم ا كمس ار واح د ،فهم
الم ْر ِس ل .وتكون مصادر
الم ْر َس ل إليه اتجاه الرسالة التي بعثها ُ
يرون التأثر على أنه فعل إرادي من ُ
الم ْر َس ل إلي ه في ت أثره من كت اب ،أو ك اتِب أو أدب كام ل ،من آداب أجنبي ة مختلف ة عن أدب ه الق ومي،
ُ
()3
أدبية
أدبيا ،ولكن مصادره غير ّ
وقد يكون جنس النص الذي تأثر به ّ
ويأتي التأثر على نوعين :فهو إما أن يكون مباشرا من خالل التركيز على كاتب معين ،أو جنس أدبي
م ا ،أو مدرس ة أدبي ة ب ذاتها ،ويس هل معرفت ه وتحدي د مص ادره ،أو غ ير مباش ر من خالل اس تيعاب م ا
()4
سلف ،وصياغته بأسلوب جديد ليس من السهل تحديده وكشفه
أس ((باب الت ((أثر ض ((من موض ((وعات األدب المق ((ارن :ويمكن الكش ف عن الت أثّر في موض وعات األدب
المقارن من خالل نص المتأثِّر ،لتحديد مصادره التي اعتمدها المتأثِّر في أدبه بناء على سبقها ّ
زمني ا،
ِّ
المتأض ر عن مصادر ثقافته ،ويقع التأثر في موض وعات األدب المقارن لسبب ومن خالل تصريحات
)( 3نفسه ،ص58
)( 4
ص88
من األس باب التالي ة :الهج رات السياس ية أو االجتماعي ة أو الطبيعي ة ،فيت أثر األدب اء المه اجرون بثقاف ات
البلدان التي هاجوا إليها.
إعج اب أديب ب آخر أجن بي ،يع بر عن ذات م ا يج ول في خ اطره من أفك ار وقض ايا .رغب ة األدب اء في
التجدي د ،بع د انغالق األدب لف ترة طويل ة على نفس ه ،مث ل الرومانس ية ال تي ج اءت رغب ة في التجدي د
والخروج عن الكالسيكية.
رغبة عدد من األدباء في التخلص من هيمنة آداب معينة ،واالستفادة من غيرها من اآلداب .فقر األدب
()5
القومي ،الذي يلجأ آلداب أجنبية أخرى تساهم في نهضته
أسباب التأثير ضمن موضوعات األدب المقارن :أم ا الت أثير فتكون دراس ته من خالل انعكاس اته وآث اره
في آداب أجنبية أخرى ،كأن يؤثِّر كاتب في كاتب ما أو أدب أجنبي في أدب كاتب ما أو آداب أخرى.
أما أسباب التأثير فهي :أصالة أفكار األديب ومعانيه ،وما تضمه من طرافة وابتكار ،وقوة إبداعه من
ّ
خالل قدرته على التح ّكم بمادته األدبية ،والتركيز على موضوعات زاخرة يستوحيها من واقعه.
انتشار أدب ما أواسط أدب يعاني شعبه من تدهور األوضاع السياسية واالجتماعية واالقتصادية ،مما
()6
يدفع هذا الشعب إلى األخذ من األدب المنتشر
االبتكار والتفنن في النصوص واألشكال األدبية عند كاتب ما أو أداب من اآلداب .هيمنة ثقافة معينة،
ِ
المستعمر على ثقافة المستعمر. كثقافة
وللت أثير في موض وعات األدب المق ارن ع دد من الص ور ،ك أن يص در عن كت اب معين كت أثير كت اب
أل ف ليل ة وليل ة ومقدم ة ابن خل دون في آداب األمم األخ رى أو كت أثير جنس أدبي في اآلداب األخ رى،
كتأثير الموشحات في شعر التروبادور ،وهذا ما يدخل ضمن التأثير اإليجابي ،أما التأثير السلبي فيكون
بتغيير المتأثّر باألعمال التي تأثّر بها بقصد أو بغير قصد ،وأهم أسباب ذلك الترجمة الخاطئة ،أو من
)( 5
كلود بيشوا ،أندريه .م روسو ،األدب المقارن ،ترجمة :د .أحمد عبد العزيز ،ط ، 1مكتبة األنجلو المصرية ،القاهرة ،
جمهورية مصر العربية ، 9001 ،ص 35
()أحم د درويش ،نظري ة األدب المق ارن ،و تجلياته ا في ال وطن الع ربي ،دار غ ريب للطباع ة و النش ر و الت و 6
ان الت اثير والت اثر ه و مفه وم في ص لب األدب المق ارن بمناهج ه كاف ة ،وإ ن تف اوتت في
معنى وداللة تحديد آفاقه أو اختلفت فيه وتنازعت .وهو مساران مختلفان يمثل كل واحد
ً