You are on page 1of 136

‫اجلمهوريـة اجلزائريـة الدميقراطيـة الشعبيـة‬

‫وزارة التعليم العايل والبحث العلمي‬


‫جامعة د‪ .‬موالي الطاهر ‪-‬سعيدة ‪-‬‬
‫كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬

‫قسم العلوم االجتماعية‬

‫ختصص‪ :‬فلسفة عامة‬

‫مذكرة خترج لنيل شهادة ماسرت ‪ LMD‬ختصص فلسفة عامة املوسومة‪:‬‬

‫إشكالية املنهج العلمي عند كارل بوبر‬

‫إشراف االستاذ‪:‬‬ ‫إعداد الطالبة‪:‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬شاذلي هواري‬ ‫‪-‬أسد فاطيمة الزهراء‬

‫لجنة المناقشة‬

‫األستاذ‪....................................................‬رئيسا‬
‫األستاذ‪....................................... .............‬مشرفا ومقررا‬
‫األستاذ‪....................................................‬مناقشا‬

‫السنة الجامعية ‪ 7102‬ـ ‪7102‬م‬


‫كلمة شكر‬
‫الشكر األول للذي علم بالقلم علم اإلنسان ما لم يعلم‪ ،‬فنحمده سبحانه وتعالى على‬
‫إعانته لي إلتمام هذه الرسالة فاحمده حمدا مباركا كثيرا‪.‬‬

‫أتقدم بالشكر الجزيل لكل من ساعدني في إنجاز هذا العمل المتواضع سواءا من قريب‬
‫أو بعيد وأخص بالذكر‪:‬‬

‫األستاذ المؤطر الفاضل "شاذلي هواري" الذي أنارني بتوجيهاته القيمة ونصائحه الثمينة‬
‫التي ستكون نبراسا أسير على دربه في حياته العملية والعلمية أدامه هللا فخ ار للجامعة‬
‫وللبحث العلمي‪.‬‬

‫وأتقدم بالشكر والتقدير إلى سادة أساتذة أعضاء لجنة المناقشة على تفضلهم بقبول‬
‫مناقشة هذا البحث وتقييمه‪.‬‬
‫إهــداء‬
‫إليك يا من منحت حياتك آلخر لحظة فيها من أجل حمايتي يا من تمنيت أن‬
‫تكون بجانبي في أروع لحظة من حياتي لكن قدر هللا أن تنتقل إلى رحمته أهدي‬
‫هذا إلى روحك طاهرة إليك يا أبي‪.‬‬

‫بحروف من ذهب وكلمات من صميم أهدي رحيق دراستي إلى من وهبتني الحياة‬
‫وسقتني من دقات قلبها ودموعها وأالمها وآمالها حبا‪ ،‬إلى من تتلخص فيها كل‬
‫كلمات الحب والحنان إلى من أرشدتني في طريق الحياة وسهر على تربيتي‬
‫ورعايتي إليك يا أمي‪.‬‬

‫إلى من شاركوني طفولتي وحياتي‪ ،‬لن أنساكم يا بسمة حياتي ويا زهرة غرست في‬
‫قلبي إلى إخوتي " سعدية ـ أسماء ـ أبوبكر ـ خولة ـ أية "‪.‬‬

‫إلى كل من شاركني لحظة من لحظات حياتي إلى كل صديقاتي‪.‬‬

‫والى كل طلبة سنة الثانية ماستر فلسفة عامة‪.‬‬


‫قبس‪:‬‬

‫ولما كان من المستحيل أن نعرف شيئا بيقين‪ ،‬فليس ثمة‬

‫ما نجنيه من البحث عن اليقين؛ أما البحث عن الحقيقة‬

‫فهو أمر يستحق؛ ونحن نقوم بذلك‪ ،‬في المقام األول‪،‬‬

‫بالبحث عن األخطاء‪ ،‬حتى يمكننا إصالحها‪.‬‬

‫" بحثا عن عالم أفضل"‬

‫كارل بوبر‬
‫مقدم ــة‬
‫مقدم ـ ـ ـ ـة‬
‫مقدم ـة‪:‬‬

‫يعد القرن العشرين نقطة تحول فكري وفلسفي لتمي هز بتعدد التيارات الفكرية واالتجاهات الفلسفية‬

‫والتي تجسدت في خصوبة اإلنتاج الفلسفي الذي عرفته فلسفة العلوم المعاصرة‪ ،‬بحيث احتلت مكانة‬

‫مرموقة في الدراسات الفلسفية بشكل عام والعلمية بشكل خاص‪ ،‬وهذا نتيجة إلهتمام العلماء بالدراسات‬

‫اإلبستيمولوجية التي جعلت العلم موضوع فلسفي بامتياز‪ .‬فا هتموا بإشكاليات محورية عالجوا من خاللها‬

‫كيفية تطور العلم وما هو المنهج المتبع في ذلك‪ ،‬بحيث تعد هذه اإلشكالية أساس اإلختالف اإلبستيمي‬

‫بين فالسفة العلم المعاصرين‪ ،‬بدءا بأنصار الوضعية المنطقية مرو ار بكارل بوبر ووصوال إلى توجهات‬

‫النسبية مع كل من توماس كون وامري الكاتوس وبول فيرابند‪ ،‬فلقد حاول العديد من الفالسفة إيجاد حل‬

‫فكري وفلسفي وعلمي مالئم لكل النظريات والقضايا العلمية‪ ،‬ومن بين أهم الفالسفة العلميين الذين‬

‫اشتغلوا على هذه المسألة الفيلسوف النمساوي اإلبستيمولوجي كارل بوبر الذي حرص حرصا شديدا على‬

‫تقدم العلم وتطوره‪ .‬فهو قد اشتغل من أجل تطوير معارف اإلنسان ونموها‪ .‬حيث أنه بنى أعماله الفلسفية‬

‫والفكرية والعلمية من أجل تطوير مكاسب العلم على أسس منطقية والتي نقد بها نظ ةر الفالسفة العلميين‬

‫الذين سبقوه في محاولة إيجاد منهج مناسب‪ ،‬فلقد كانت نظرته للعلم نظرة متميزة عن اآلخرين‪ .‬وذلك‬

‫ألنه لم يربط المسائل الفلسفية بمشاكل العلمية معتب ار أن العلم له مشاكله الخاصة وليس له أي صلة‬

‫بالفلسفة‪ .‬ولهذا فهو نقد ووجه اعتراض كبير لفالسفة الوضعية المنطقية حينما بنوا نقدهم للمعارف على‬

‫مفهوم ضيق للحقيقة‪ .‬أي أنهم ربطوا هذه المعارف بحقيقة األجسام والحركات واألصوات وقاموا بتحليله‬

‫وذلك إلدراكهم المباشر لهذه الحقائق ‪ .‬وهذا بالنسبة له ليس بشيء الجديد‪ .‬وهم لم يضيفوا للعلم أي‬

‫معارف جديدة بل قاموا بوصف الظواهر من منطلق التجربة فقط وباعتماد المنهج االستقرائي في حين‬

‫تعرف المعرفية العلمية قضايا متشعبة تعود كلها إلى كيفية التعامل مع المنهج العلمي بمفهومه المتعدد‪،‬‬

‫من هنا دفعتنا ضرورة البحث للكشف عن المنهج المتبع في العلم بمنظار الذي يقدمه بوبر‪ .‬فلقد كان‬
‫أ‬
‫مقدم ـ ـ ـ ـة‬
‫السؤال يتضمن خطوات وقواعد لمنهج معين الذي يمكن الباحث العلمي اعتماد عليه في حقائق علمية‬

‫يقينية‪ ،‬فإن هذه إشكالية شغلت ذهن العديد من العلميين وفالسفة العلم‪ .‬ولكن الحلول المقترحة حيال‬

‫ذلك لم تقنع ولم تشفي غليل كارل بوبر‪ ،‬وذلك ألنها لم تكن كافية لبناء أي مشروع علمي‪ ،‬فهو قد‬

‫اشتغل وأسس منهج عل مي الذي يمكن للباحثين العمل به‪ ،‬وذلك انطالقا من انتقادات التي وجهها إلى‬

‫الفالسفة الوضعيين‪ .‬حيث أنه ألغى كل الوسائل والطرق والقواعد والمبادئ التي اقترحها هؤالء الفالسفة‪،‬‬

‫وهذا االنتقاد كان بمثابة بداية أو تحول فكري وعلمي لكل أعماله التي أقامها من أجل وضع منهج مالئم‬

‫لجميع الدراسات العلمية التي تؤدي إلى تطور العلم ونمو معارف اإلنسان‪.‬‬

‫فهو يرى بأن كل النظريات والقضايا العلمية يجب أن تمر بمنهج علمي محدد يسعى ويهدف إلى‬

‫تحقيق كل اهتمامات الباحثين‪ .‬حيث أنه اعتقد أن المنهج الذي يستطيع تمييز النظريات العلمية من‬

‫ال نظريات العلمية الخاطئة‪ ،‬والذي يبحث في صيرورة المعارف اإلنسانية واهتمام بتطويرها ونموها هو‬

‫منهج النقدي القائم على االستنباط ‪ .‬فإن أعماله العلمية وأفكاره المنهجية مبنية على انتقاداته للفالسفة‬

‫الوضعية المنطقية‪ .‬وعليه ارتأينا أن نعالج هذا الموضوع بطرح اإلشكالية التالية‪:‬‬

‫‪ )1‬ما هو المنهج العلمي الذي يحقق لنا تطور العلمي ونمو معرفي بالنسبة لكارل بوبر‪ ،‬وما هو‬

‫المعيار المتبع لديه في التمييز بين المعرفة العلمية وغيرها؟‬

‫وا نطالقا من اإلشكالية الرئيسية انطوت ضمنها مجموعة من التساؤالت الفرعية‪:‬‬

‫‪ )1‬ما هي أهم سمات وخصائص التي تميز منهج بوبر عن باقي المناهج العلمية األخرى؟‬

‫يجب على أي باحث اعتماد على منهج علمي محدد واتباع األسس والمبادئ والقواعد التي وضعت لهذا‬

‫المنهج‪.‬‬

‫ب‬
‫مقدم ـ ـ ـ ـة‬
‫‪ )2‬فما هي القواعد التي وضعها بوبر لمنهجه النقدي للعلوم؟ وما هي أهم أسسه؟‬

‫‪ )3‬ماذا يعني بوبر بمعيار التكذيب؟ وما هي مميزات ال تي اختلف فيها مع معيار التحقق؟‬

‫‪ )4‬وبما أن بوبر يسعى دائما إلى تقدم العلم والمعرفة فماذا يقدم هذا المعيار إلى العلوم والمعارف؟‬

‫وعلى أثر اإلشكالية الرئيسية والتساؤالت الفرعية اعتمدنا المنهج التحليلي النقدي من أجل توضيح‬

‫وتفسير مفهوم المنهج العلمي لدى كارل بوبر وارتأينا أن تكون هيكلة البحث كالتالي‪ ،‬قسمت الرسالة على‬

‫فصلين الفصل األول يندرج تحته مبحثين‪ ،‬المبحث األول يتضمن شبكة مفاهيمية تحتوي على مصطلحات‬

‫أساسية في الرسالة والتي هي‪ :‬المنهج‪ ،‬العلم والمنهج العلمي وذلك من أجل تسهيل وتوضيح الغموض‬

‫وتبسيط الموضوع ‪ ،‬كما أنني تطرقت إلى الخلفية العلمية التي بواسطتها كون بوبر فكرته عن المنهج‪،‬‬

‫والمتمثلة في الوضعية المنطقية بمختلف توجهاتها‪ ،‬وبعد ذلك تطرقنا إلى أهم االنتقادات التي جاء بها كارل‬

‫بوبر مبينا التجاوزات واالنحرافات التي وقع فيها أ نصار الوضعية المنطقية‪ ،‬أما في الفصل الثاني من‬

‫البحث تطرقنا إلى إشكالية المنهج العلمي عند كارل بوبر‪ .‬فهو يربط مفهوم المنهج دائما بنمو المعرفة‬

‫والعلم‪ .‬وذلك من خالل إ تباع قواعد المنهج اال ستنباطي أما في المبحث الثاني من الفصل تطرقنا إلى‬

‫حدود المنهج البوبري‪.‬‬

‫أما فيما يخص الدراسات السابقة فهي متعددة ومتنوعة وخصبة‪ ،‬وكانت زادا معرفيا لنا مكنتنا من فهم‬

‫الموضوع وازالت الكثير من الغموض ومن بين هذه الدراسات‪ " :‬دراسة الباحث بن ناحي زكرياء تحت‬

‫عنوان" مشكلة االستقراء وأزمة المنهج العلمي كارل بوبر ـ أنموذجا ـ " و" دراسة الباحث خوني ضيف هللا‬

‫تحت عنوان المنهج النقدي عند كارل بوبر" وأيضا " دراسة الباحث علي هري لنيل شهادة ماجستير تحت‬

‫عنوان "برنمجة عند إمري الكاتوس"‪ ،‬كما اعتمدنا على بعض المراجع التي جاءت فيها فلسفة بوبر في‬

‫فصول أو مباحث والتي من بينها‪ :‬كتاب ل يمنى طريف خولي " فلسفة كارل بوبر منهج العلم ‪...‬منطق‬

‫ج‬
‫مقدم ـ ـ ـ ـة‬
‫العلم" وكتاب "فلسفة العلم في القرن العشرين"‪ ،‬وكتاب ولد يوسف نعيمة "مشكلة االستقراء في اإلبستيمولوجيا‬

‫كارل بوبر" وكتاب " فؤاد كامل أعالم الفكر الفلسفي المعاصر" وكتاب محمد محمد قاسم كارل بوبر نظرية‬

‫تمكنا من اإلطالع عليها‪.‬‬


‫المعرفة في ضوء المنهج العلمي‪ ،‬فهذه أبرز الدراسات التي ّ‬

‫ولقد كان من دواعي ميلي إلى هذا النوع العلمي من الفلسفة انشغاالت فالسفة العلم في السؤال الفلسفي‬

‫شاغل أذهان جميع‪ .‬فلما قرأت كتاب بحثا عن عالم أفضل للفيلسوف كارل بوبر أذهلت ببساطة لغته‬

‫وسهولة فهم معنى الذي يرمي إليه ‪ ،‬وذلك ألنني كنت عندما أق أر نص فلسفي بلغة الفيلسوف لم أفهم ماذا‬

‫يقصد‪ .‬وما هي غايته من تلك النصوص‪ .‬ولكن كارل بوبر كان كتاباته سهلة الممتنع‪ .‬وهذه السمة التي‬

‫تشدني إلى هذا النوع من الدراسات العلمية‪ ،‬أما من الناحية الموضوعية فلقد إتسمت جميع كتاباته‬

‫بالموضوعية من ناحية آرائه نحو فالسفة العلميين وما قالوه في مجال العلوم‪ّ .‬إال أن من أهم الصعوبات‬

‫التي واجهتها أثناء هذه الرسالة صعوبة الفهم أفكار منطلقات وحدود المنهج البوبري‪ ،‬خاصة وأن هذه‬

‫المواضيع تحتاج إلى تكوين علمي‪ ،‬على جانب ذلك عدم قدرتي على ترجمة كتب كارل بوبر العلمية باللغة‬

‫األجنبية‪ ،‬حتى أنني طلبت مساعدة عديد من زميالت وأساتذة اللغة األجنبية وكذلك أستاذ مؤطر حتى‬

‫تمكنت من توظيف نصوص مترجمة في العمل ‪ .‬وهذا الذي يؤسفني وذلك ألن كانت رغبتي أن أتمكن‬

‫بنفسي ودون أي مساعدة في ترجمة نصوصه الفلسفية األجنبية العلمية بخصوص هذه اإلشكالية‪ ،‬وذلك ألن‬

‫هذا النوع من إشكاليات الفلسفية يشدني إليه‪ .‬ولكن حاولت أن أوظف طريقتي في التحليل أفكارهم المقدمة‬

‫لنا كترجمة لنصوصه األجنبية ‪ .‬وهذا البحث كغيره من البحوث العلمية جاء لتقديم فكرة كارل بوبر حول‬

‫المنهج العلمي وهذا الذي سوف نتطرق إليه في المضمون‪.‬‬

‫د‬
‫الفصل األول ‪:‬‬

‫فلسفة كارل بوبر‬

‫" المنطلقات والحدود "‬

‫ب‬
‫المبحث األول‪ :‬جينالوجيا المفاهيم‬

‫العلم‬ ‫ـ‬
‫ـ المنهج‬
‫ـ المنهج العلمي‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الخلفية الفكرية لفلسفة كارل بوبر منطلق وتجاوز‬

‫الوضعية المنطقية وأهم مبادئها‪.‬‬ ‫ـ‬


‫ـ إنتقادات كارل بوبر للوضعية المنطقية‪.‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫مدخل‪:‬‬

‫السعي إلى بلوغ العلم هو غاية كل إنسان‪ ،‬وخصوصا الباحثين الذين يعملون من أجل الوصول‬

‫إليه من أجل تقدمه وتطوره‪ ،‬فالع لم هو الذي يضيء حياة البشرية‪ ،‬ويقدم لنا المعارف والتطبيقات‬

‫والنظريات العلمية التي تعمل من أجل راحة اإلنسان‪ ،‬فهو ظاه ةر إيجابية وعنوان لكل تطور وازدهار وال‬

‫يمكن الحديث عن موضوع هذا األخير دون اإلشارة إلى منهجه‪ ،‬إذ يمثل المنهج الطريق والسبيل الذي‬

‫نصل بواسطته إلى العلم‪ ،‬ولقد استخدم كارل بوبر هذه المصطلحات لما لها من أهمية في أي بحث‬

‫معرفي فلسفي‪ ،‬لذلك سوف نحاول في هذا الفصل تقريب المفاهيم وتفكيكها من أجل توضيحها‪ ،‬وتقريب‬

‫آراء الفالسفة واتجاهاتهم‪ ،‬حيث تدفعنا ضرورة البحث إلى معرفة الخلفيات الفكرية لفلسفة كارل بوبر‬

‫ونشير هنا بالتحديد إلى أراء رواد الوضعية المنطقية‪ .‬وتبيان حدودها وكيفية تجاوزها في فلسفته‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬جينالوجيا المفاهيم‬

‫من بين أهم المفاهيم األساسية التي تعالجها فلسفة العلم المعاصرة بصفة عامة وفلسفة‬
‫كارل بوبر بصفة خاصة مفهوم العلم والمنهج والعالقة بينهما‪ ،‬لذلك ارتأينا في هذا المبحث‬
‫تبيان جينيالوجيا هذه المفاهيم‪.‬‬

‫‪ )1‬العلم " ‪:"Science‬‬

‫للعلم معاني كثيرة ومتنوعة‪ ،‬حيث ال يمكن حصره في مجال ضيق‪ ،‬حيث يتضمن العديد من‬

‫المجاالت التي ترمي إلى البحث والفهم من أجل اكتساب المعارف بطرق علمية صحيحة‪ ،‬التي تمي هز‬

‫عن باقي الدراسات‪.‬‬

‫طلب العلم وسيلة تنير الطريق وهذا ما دعانا إليه هللا عز وجل ورسوله‪ ،‬وقد ورد مفهومه في العديد‬

‫من اآليات القرآنية‪ ،‬التي تحث على طلبه‪ .‬فمن واجب كل مسلم تعلمه‪ ،‬فأول آية نزلت على الرسول‬

‫في لسان العرب " من صفات هللا ‪‬صلى هللا عليه وسلم تحث عليه هي قاق أر )‪ .‬وهذا ما ذكره ابن منظور‬

‫عز وجل العليم والعالم والعالّم‪ ،‬فهو هللا عالم بما كان وما يكون قبل كونه وبما يكون ول ّما يكن بعد قبل‬
‫ّ‬

‫أن يكون وال يخفى عليه خافية في األرض وال في السماء سبحانه وتعالى‪ .‬وأحاط بجميع األشياء باطنها‬

‫وظاهرها‪ ،‬دقيقها وجليلها‪ ،‬والعلم نقيض الجهل‪ُ ،‬عِلَم ِعْلمًا ‪ ...،‬فقالوا جهالء كالعلماء وصار العلماء‬

‫كالحلماء ألن العلم محلمة لصاحبه وعلى ذلك جاء عنهم فاحش وفحشاء ّلما كان الفحش من الضروب‬

‫الجهل ونقيضا للحلم‪ 1 ".‬وقد اعتبره مرتبط بالوحي السماوي‪ ،‬ألن هللا عالم العلم قبل كونه‪ ،‬وهو من صفاته‪،‬‬

‫ألنه سبيل إلكتشاف حقائق األشياء بظاهرها وباطنها‪.‬‬

‫‪ ‬ابن منظور‪2121( :‬م ـ ‪2222‬م) (‪ 026‬ه ـ ‪ 122‬ه) هو أديب ومؤرخ وعالم في الفقه اإلسالمي واللغة العربية‪.‬‬
‫‪ 1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ط ‪ ،‬المجلد الرابع‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت ‪1991 ،‬م‪ ،‬ص‪.414‬‬

‫‪11‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫إن العلم كاشف جهل الحوادث‪ ،‬وله العديد من التعريفات نظ ار ألهميته في الحياة البشرية‪ ،‬حيث‬

‫يعرف بأنه مجموعة من المبادئ والنظريات التي تزيل الغموض‪ ،‬وجاء في هذا الصدد " إن العلم‬

‫بمفهومه الشامل هو كل نوع من المعارف والتطبيقات وهو مجموع المسائل واألصول الكلية تدور حول‬

‫الموضوع أو الظاهرة المحددة‪ ،‬وتعالج بمنهج معين وينتهي إلى النظريات والقوانين‪ 1 " .‬حيث يعتبر‬

‫ظاهرة معقدة ومجهولة ‪ ،‬ويعتمد في حله للمواضيع على منهج معين يساعد على تبسيط وفهم المعارف‬

‫دون تعقيد‪.‬‬

‫فالعلم هو إدراك لألشياء ودراسة للذات بطرق علمية معينة ‪ ،‬حيث يعرف على أنه " هو معرفة‬

‫وادراك الشيء على ما هو عليه‪ 2 ".‬بوجه عام أي اكتشاف حقائق األشياء كما هي‪ .‬أما بوجه خاص فهو‬

‫" دراسة ذات الموضوع المحدد وطريقة ثابتة توصل إلى طائفة من المبادئ والقوانين وينصب على‬

‫القضايا الكلية المستمدة من الوقائع والجزئيات‪ ،‬فهو يحاول تفسير الظواهر ويبين القوانين التي نحكمها‬

‫كالطبيعة والرياض ة وعملي يرمي إلى تطبيق قوانين النظرية الوقائع والحاالت الجزئية‪ 3 ".‬حيث يقوم‬

‫بدراسة موضوع معين بغية الوصول إلى المبادئ والقوانين المتعلقة به‪ ،‬انطالقا من جزئياته التي تفسر‬

‫الحقائق‪.‬‬

‫العلم هو إدراك للشيء بطرق يقينية أو غير يقينية ومن هنا ّ‬


‫عرف بأنه " إدراكا مطلقا أو تصو ار‬

‫كان أو تصديقا يقينيا كان أو غير يقيني ولقد أطلق على التعقل أو على حصول صو ةر الشيء أو على‬

‫اإل دراك الكلي مفهوما كان أو حكما أو اإلعتقاد الجازم المطابق للوقائع أو على إدراك الشيء على ما‬

‫‪1‬‬
‫مصطفى حسيبة‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬ط‪ ،‬دار أسامة لنشر والتوزيع‪ ،‬األردن ـ عمان‪2001 ،‬م‪ ،‬ص‪.339‬‬
‫‪2‬‬
‫إبراهيم مذكور‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬الهيئة العامة لشتون مطابع األميرية‪ ،‬القاهرة‪1403 ،‬هـ ـ ‪1993‬م‪ ،‬ص ‪.123‬‬
‫‪3‬‬
‫جميل صليبا‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬الجزء الثاني من قط) إلى قي)‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪1912 ،‬م‪،‬‬
‫ص ‪.124‬‬

‫‪12‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫هو به أو على إدراك حقائق األشياء وعللها‪ 1 " .‬هو تصور مطلق واعتقاد جازم أو غير جازم وذلك‬

‫للحصول على اإلدراك الكلي ومعرفة العلل المتعلقة به ‪ .‬ويكون ذلك بطرق عكسية تفسر األحكام أو‬

‫اإلعتقادات أو المفاهيم‪.‬‬

‫إدراك الشيء‬ ‫"‬ ‫العلم إدراك للشيء عن حقيقته وعكس للجهل‪ ،‬ويعني المعرفة كما عرف بأنه‬

‫بحقيقته ونقيضه الجهل فيقال " فالن على علم باألمر أي يعرفه" فإن المعرفة تص ب عادة في بعض‬

‫السياقات اإلدراك الجزئي أو البسيط ال للمفاهيم الكلية والمركبة فيقال "عرفت هللا" وال يقال " علمت‬

‫فالمعرفة هي إدراك جزئي ومبسط لألشياء‪ .‬وليس إدراك كلي لها كما أنها مرادفة لمعناه‪ .‬ورافض‬ ‫‪2‬‬
‫هللا"‪".‬‬

‫للشك ويبحث عن الحقائق اليقينية‪.‬‬

‫العلم يكشف عن الحقائق اليقي نية وذلك من أجل فهم المعاني واإلدراكات‪ .‬كما يعتبر نقيض للظن‪.‬‬

‫ومرادف ل لمعرفة‪ ،‬ويسعى في البحث عن حقائق األشياء والتأكد من صحتها‪ ،‬وحث القرآن الكريم على‬

‫مرتبة العلم‪ ،‬وما له من أهمية كبيرة في حياة اإلنسان‪ .‬كما ورد في قوله تعالى‪َ ":‬ك اال َل ْو َي ْعَل ُمو َن ِعْلَم‬

‫ين* َل َتَرْو ان اْل َج ِح ْيم سورة التكاثر ق آية ‪ 4‬ـ‪ . )6‬وهذا ما يثبت أهميته بالنسبة لإلنسان‪ ،‬ويعمل على الكشف‬
‫اْلَيِق ْ‬

‫عن الحقائق‪ ،‬والبحث في المجهول من أجل الوصول إلى الغاية المعلومة‪ .‬فبواسطته تتطور المجتمعات‪،‬‬

‫عن طريق التساؤالت واال نشغاالت التي يطرحها‪.‬‬

‫العلم اليقيني هو البحث في المجهول من أجل كشف الستار المغطى‪ " ،‬يقال اليقين هو بلوغ‬

‫اإليمان في قلب مرتبة العلم والمعرفة التامة وتنافي الشك والريب عنها‪ 3 ".‬ومن هنا ندرك أن اليقين هو‬

‫إحدى خطواته األساسية‪ ،‬وهذا ما يثبت تمتعه بمعرفة ال يتخللها شك‪ ،‬إذ نجد العديد من الدراسات التي‬

‫‪1‬جميل صليبا‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬


‫‪2‬‬
‫مصطفى حسيبة‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.339‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع األسبق‪ ،‬ص ‪.340‬‬

‫‪13‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫تخت لف عن سابقتها وهذا يرجع إلى االخ تالف الحاصل في التعاريف من فيلسوف آلخر‪ .‬ذلك حسب‬

‫طبيعة تفكيرهم والوسط االجتماعي المتواجدون فيه‪ ،‬ففي الحضارة اليونانية اختلفت التعاريف‪ ،‬فأرسطو‬

‫يرى بأن العلم هو إدراك كلي أو معرفة بالكليات وال يشمل الجزئيات " إدراك كلي وانه ال علم ّإال‬

‫بالكليات‪ ،‬أدركنا إن غاية العلم هي الكشف عن العالقات الضرورية بين ظواهر األشياء‪ ،‬وهي غاية‬

‫نظرية بخالف المعرفة العامية التي تتقيد بالنتائج العلمية‪...‬ومعنى ذلك كله‪ ،‬إن من شرط العلم أن‬

‫يتضمن درجة كافية من الوحدة والتعميم وأن يكون بحيث يستطيع الناس أن يتفقوا في الحكم على‬

‫المسائلة‪ 1 ".‬فهو يرى أنه إدراك وغايته الوحيدة معرفة الكليات‪ ،‬والكشف عن العالقات بين الظواهر‪،‬‬

‫ويجب على العلم أن يتضمن الوحدة والتعميم‪ ،‬أي دراية الكليات وليس الجزئيات‪.‬‬

‫ففي ا لفكر الفلسفي العربي اإلسالمي يرى العلم بطريقة مخالفة لتعريف أرسطو وأفالطون‪،‬‬

‫ففالسفة اإلسالم ربطوه باإلنسان المتخصص في دراسة الشريعة‪ ،‬أي العلم الدنيوي‪ " .‬يراد به في‬

‫الحضارة العلم الشرعي إقتصا ار دون العلم الدنيوي‪ ،‬ويطلق العالم على الفقه والمجتهد في الشريعة‬

‫وأصول العقيدة اإلسالمية‪ 2 ".‬فإنه بالنسبة لهم دراسة للفقه والشريعة‪ ،‬ويتعلق بكل صفات اإلنسان الدارس‬

‫لعلوم الشريعة‪ ،‬وله درجة عالية ألن اإلسالم حث على طلبه‪ ،‬ويقول الرسول صلى هللا عليه وسلم " إن‬

‫العلماء ورثة األنبياء‪ ،‬إن األنبياء لم يورثوا درهما وال دينا ار وانما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر‪".‬‬

‫‪3‬‬
‫وان من تعاليم السنة النبوية هو تبادل العلم وانتفاع األشخاص ببعضهم البعض في العلوم ‪.‬‬

‫ورد في القرآن الكريم العديد من اآليات التي تدل على مدى أهمية العلم في اإلسالم‪ ،‬وفضله‬

‫ين أُوتُوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫آم ُنوا م ْن ُك ْم َواْلذ َ‬
‫لْلا اْلذين َ‬
‫وثنائه على أهله وما يعود على صاحبه بالنفع‪ ،‬في قوله تعالى" َي ْرَف ُع َْْ‬

‫‪ 1‬جميل صليبا‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬


‫‪2‬‬
‫مصطفى حسيبة‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.340‬‬
‫‪ 3‬أنظر‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫لْلاُ ِب َما َت ْعَل ُمو َن َخِب ْير" مجادلة‪ . 11/‬وهذا يدل على أنه يدفع باإلنسان إلى السعي وراءه لما له‬ ‫اْل ِعْلَم َدَرَج ْ‬
‫ات َو َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َي ْعَل ُمو ْن والذ َ‬
‫ين الَ‬ ‫عز وجل " َه ْل َي ْس َتِوي اْلذ َ‬
‫من درجات عالية عن باقي الدراسات‪ .‬كما ورد في قوله ّ‬

‫َي ْعَل ُمو ْن ِإَن َما َي َت َذ َك ُر أُولُوا األَْلَب ْ‬


‫اب" زمر‪ .10/‬حيث يختلف طالب العلم من إنسان آلخر‪ ،‬وذلك من خالل‬

‫درجة اإلستعاب والتعلم‪.‬‬

‫إن العلم ورد في آيات عديدة من القرآن الكريم واألحاديث النبوية التي تدعو إلى تعلمه وتبليغه‬

‫والعمل به‪ ،‬وتحدث الرسول صلى هللا عليه وسلم عن فضله في قوله " فضل العالم على العابد كفضلي‬

‫على أدناكم"‪ .‬وقال أيضا " إن هللا ومالئكته وأهل السماوات واألرض حتى النملة في حجرها وحتى‬

‫الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير"‪ .‬وفي هذا الحديث ندرك مدى أهمية العلم والتعلم‪ .‬فربطه‬

‫المسلمون بالقرآن الكريم‪ ،‬وذلك لما له من دور كبير في حياتنا‪ ،‬وقد كان للعالم أكبر درجة عن العادي‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫فله أهمية كبي ةر لدرجة أن هللا يخاف من عباده العلماء‪.‬‬

‫ومن بين الفالسفة المسلمين الذين اهتموا بدراسة العلم نجد ابن سينا والغزالي‪ ،‬حيث ربطوه باهلل‬

‫عز وجل وذلك بطاعته وتجنب األمور التي نهى عنها‪ .‬فالعلم عند ابن سينا هو ضروري وواجب علينا‬

‫تعلمه واألخذ به " العلم موضوعه ضروري"‪ 2 .‬وهذا ما يعكس ضرورة وأهمية إكتسابه‪ .‬أما عند الغزالي‬

‫هو اإلعتقاد باهلل واإللتزام باألمر وتجنب النواهي والمعاصي حيث " يعرفه على أنه ضربين‪ ،‬الضرب‬

‫األول‪ ،‬وهي فرض العين‪ ،‬والعلم هو فرض العين على كل مسلم إعتقاد وفعل وترك‪ ،‬أي إعتقاد باهلل‬

‫والفعل بما أمر هللا وترك ما نهي عنه‪ ،‬أما الضرب الثاني هو فرض كفاية والعلم الذي هو فرض كفاية‬

‫وهو كل علم ال يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب فهو ضروري البقاء البدن والحساب الضروري‬

‫‪ 1‬أنظر‪ ،‬مصطفى حسيبة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.340‬‬


‫‪2‬‬
‫مراد وهبة‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.341‬‬

‫‪15‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫للمعامالت والمواريث"‪ 1 .‬يعتبره فرض كفاية وعين‪ ،‬فالفرض العين هو اإلعتقاد هللا‪ ،‬أي فعل ما يرضاه‬

‫هللا عز وجل وترك ما نهى عنه‪ ،‬وفرض كفاية هو كل علم ال نستطيع اإلستغناء عنه في شتى مجاالت‬

‫الحياة بأنواعها ق مجال الطب‪ ،‬مجال الحساب‪...‬إلخ)‪.‬‬

‫العلم عند فالسفة المحدثين هو عملية تفكير بطريقة علمية‪ ،‬وذلك بتتبع خطوات معينة بطرق‬

‫محددة‪ ،‬أي يجب على الباحث أن ينطلق في بحثه باإلعتماد على الخطوات التي تسهل عليه معرفة‬

‫األشياء‪ ،‬ومن بين الذين أعطوا للعلم أهمية وقاموا بدراسته الفيلسوف الفرنسي رونيه ديكارت الذي يرى‬

‫بأنه مجموعة من المعارف التي بواسطتها يتوصل إلى النتائج‪ .‬أي يحقق منفعة ذاتية‪ ،‬وذلك بواسطة‬

‫منهج معين‪ " ،‬ليس بإمكاننا أن تكون لدينا معرفة يقينية من غير أن نعرف أوال إن هللا موجود‪ .‬فالعلم‬

‫عنده هو مجموعة المعارف التي تتسم بالوحدة والعمومية وقاد ةر على إيصال البشر إلى نتائج خالية من‬

‫الموضوعات واألمزجة والمنافع الذاتية والناشئة من العالقات الموضوعية نتأكد من صحتها بمناهج‬

‫التحقيق"‪ 2 .‬فال يمكن أن نتوصل إلى المعارف ال يقينية ّإال إذا كنا ندرك وجود هللا‪ ،‬وهنا يمكننا أن ندرك‬

‫فتكون معرفتنا معرفة‬ ‫الحقائق الكلية دون أي شك وجهل بالمعارف‪ ،‬فأي جهل أو شك لهذه األخيرة‬

‫غير كلية ويقينية ‪.‬‬

‫وفي نفس السياق نجد أندريه الالند ‪ ‬الذي اعتبر العلم عملية تفكير وكلمة مرادفة للمعرفة‪ ،‬إذ‬

‫يقول" علم مرادف كلمة " ‪ "Savoir‬والتي هي تعني المعرفة‪ ،‬في محل ثالث حيث قلت إننا ال نستطيع‬

‫فهو مرادف للمعرفة‪ ،‬كما أن اليقين جزء مهم‬ ‫‪3‬‬


‫أن نتعلم شيئا باليقين‪ ،‬ما لم تعرف أوال أنه موجود‪".‬‬

‫‪1‬‬
‫مراد وهبة‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.341‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫أندريه الالند‪ :‬فيلسوف فرنسي ق ‪ 1916‬ـ ‪ )1963‬أستاذ بالجامعة المصرية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪3‬‬
‫أندريه الالند‪ ،‬موسوعة الالند الفلسفية‪ ،‬ط‪ ،2‬المجلد األول ‪ ، A-G‬منشورات عويدات‪ ،‬بيروت ـ باريس‪2001 ،‬م‪،‬‬
‫ص ‪.1249‬‬

‫‪16‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫فيها ‪ .‬فيجب علينا معرفة األشياء ومن ثم ال تأكد من صحتها أو يقينها‪ .‬وال يمكن تعلم شيء يقيني ما لم‬

‫نعرفه أوال‪ ،‬فهو يربط المعرفة بالعلم ارتباطا وثيقا أي ال نستطيع تعلم األشياء ما لم نعرفها‪.‬‬

‫حيث أن العلم يشكل وعي اإلنسان بمجتمعه‪ ،‬ويدفعه إلى التطور والمعرفة بخبراته العملية والعلمية‬

‫ولهذا نجد في موسوعة روزنتال ‪ ‬أن " العلم شكل الوعي اإلجتماعي يمثل نسقا متطو ار تاريخيا من‬

‫المعرفة التي يصبر التحقق من صدقها وتحديدها على نحو أكثر دقة خالل خبرة المجتمع العملية‬

‫وتكمن قوة المعرفة العلمية من طابعها العام وكليتها وضروريتها وصدقها الموضوعي‪ 1 ".‬فهو يؤدي إلى‬

‫التطور النسقي في المج تمع‪ ،‬وذلك من أجل تحديد الخبرة ألنه يمثل قوة المعارف العلمية من خالل‬

‫طابعها العام‪ ،‬فيعتبر نقيض الفن فهو يعكس صورته الفنية‪ .‬ويدرك المفاهيم وذلك من خالل التفكير‬

‫المنطقي‪ ،‬وتكمن قوته في تعميماته كما يدرس القوانين الموضوعية والتي بدونها يكون من المستحيل‬

‫تحقيق النشاط العملي الواعي‪ ،‬وذلك للتمييز بين الخصائص التي بواسطتها يحقق نتائج علمية‪ ،‬واذا‬

‫نقص عنصر منها أصبح الالعلم‪ .‬حيث من المستحيل أن يكون له تعريف محدد‪ ،‬وقد تحدث رينيه ديبو‬

‫عن صعوبة تعريفه له " أنني أجد عس ار بالغا يدخل في باب اإلستحالة‪ ،‬أن أحدد العلم وأن أرسم المزايا‬

‫والخصائص التي تميزه عن سائر وجوه النشاط اإلنساني‪ 2 ".‬يعتبر من أرقى الوسائل التي توصلنا إلى‬

‫األهداف‪ ،‬ويكون بطريقة منهجية خاصة به‪ .‬حيث أنه فرع من فروع المعرفة البشرية ويجرى على نهج‬

‫ونظام معين‪ ،‬وله موضوعه ومنهجه اللذان يميزانه عن غيره‪ ،‬وهو نشاط عقلي يقوم به بعض الباحثين‬

‫والعلميين لتحقيق الطابع الالشخصي‪.‬‬

‫روزنتال‪ 13 :‬أغسطس ‪ 1914‬أحد قادة و مؤسسي الحزب الشيوعي المصري‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪1‬‬
‫روزنتال ويودين‪ ،‬وآخرين‪ ،‬الموسوعة الفلسفية‪ ،‬تر‪ :‬سمير كرم‪ ،‬دار طليعة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬س‪،‬‬
‫ص ‪.200‬‬
‫‪2‬‬
‫سناء خضر‪ ،‬الفلسفة الخلقية والعلم نظرة نقدية‪ ،‬ط‪ ،‬دار الوفاء الدنيا للطباعة والنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪2009 ،‬م‪ ،‬ص‪.103‬‬

‫‪17‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫قد تطابق ظهور العلم مع نشأة اإلنسانية‪ ،‬كما تم التعرف من خالل تاريخه سلسلة من الثورات‬

‫عدة علوم‪ ،‬وكل علم‬


‫والتطورات‪ ،‬وأبرزها ما شهدتها فترة الحرب العالمية الثانية‪ ،‬مما جعله ينقسم إلى ّ‬

‫يدرس مجال معين وله طرقه وغاياته ومواضيعه ومناهجه المحددة التي تمي هز عن غيره‪ ،‬والتي يستطيع‬

‫بواسطتها بلوغ أهدافه‪ ،‬وهذه الطرق هي التي تجعل العلوم تتميز عن بعضها البعض وعن باقي‬

‫الدراسات‪ ،‬فلقد صنفت العلوم القديمة حسب تصنيف الفالسفة لها‪ ،‬فنجد تصنيف ابن سينا والذي صنفها‬

‫إلى صنفين علوم نظرية وعلوم عملية " إن العلوم النظرية والعملية‪ ،‬وان كل قسم من هذين القسمين‬

‫ينقسم إلى ثالث أقسام فأقسام العلوم النظرية وهي العلم الرياضي والعلم الطبيعي والعلم اإللهي‪ ،‬وأقسام‬

‫العلوم العملية هي األخالق وتدبير المنزل وتدبير المدينة" ‪ .1‬فهو قسم العلوم إلى قسمين وكل فرع منها‬

‫قسمه إلى ثال ثة أقسام‪ ،‬فهي العلوم النظرية والعلمية‪ .‬والنظرية قسمها إلى األخالق وتدبير المنزل وتدبير‬

‫المدينة‪ .‬أما العملية فقد صنفها إلى علوم رياضية وطبيعية‪.‬‬

‫وقد صنفت العلوم أيضا في العصر الحديث‪ ،‬حيث قسمها الفالسفة المحدثين بناءا على تصنيف‬

‫الفالسفة األوائل‪ ،‬ونجد أوغست كونت الذي قسم العلوم إلى ستة أقسام وهي علوم الرياضية وعلم الفلك‬

‫وعلم الفيزياء‪ ،‬علم الكيمياء وعلم الحياة وعلم اإلجتماع‪ ،‬وذلك حسب مبادئها التي تقوم عليها " ولقد‬

‫رتبت هذه العلوم على هذا النحو عمال بالمبادئ التالية وهي مسألة إزدياد التعقيد وتناقض التعميم‪ ،‬مبدأ‬

‫تعلق اإلستقالل النسبيين‪ ،‬المبدأ التاريخي‪ ،‬مبدأ النشوء التاريخي ومبدأ التعميم"‪ 2 .‬فالعلوم عنده قسمت‬

‫على أساس ستة مبادئ والتي تتمثل في‪ :‬مبدأ إزدياد التعقيد وتناقض التعميم‪ ،‬مبدأ االستقالل‪ ،‬مبدأ‬

‫التعميم‪ ،‬المبدأ التاريخي ونشوءه‪ ،‬حيث تعتبر محاور مهمة للعلوم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫جميل صليبا‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.100‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫وقد حددها مراد وهبه على أنها العلوم التطبيقية وذلك من أجل تحقيق غايته العملية‪ " ،‬تصنيف‬

‫العلوم التطبيقية يهدف إلى إستخدام القوانين لتحقيق غاية عملية ‪ ....‬بأن هذه العلوم والتي هي‬

‫ق ‪ ) Science Appliquee‬يطلق هذا اإلصطالح على العلوم التي تطبق قوانين العلم النظري لبلوغ‬

‫غايات عملية معينة‪ ،‬فالعلم الكهرابائية الصناعية وعلم اإلقتصاد الزراعي‪ ،‬فهما علمان فرعيان يطبقان‬

‫فهذا التصنيف هو عملي لبلوغ غاية علمية‪ ،‬حيث أن العلوم‬ ‫‪1‬‬


‫قوانين العلوم النظرية المقابلة لها"‪.‬‬

‫التطبيقية لها قوانينها الخاصة حتى يتسنى له تطبيقها والتي تطبق قواعد وقوانين نظرية من أجل غاية‬

‫عملية‪ّ ،‬أما العلوم اإلنسانية فهي العلوم التي موضوعها دراسة اإلنسان ومعرفة خصائصه إذ يقول" هي‬

‫أن موضوعها اإلنسان من حيث كائن يتميز عن غيره من الموجودات األخرى ولهذا يستبعد منها علم‬

‫التشريح وعلم وظائف األعضاء"‪ 2 .‬فاإلنسان هو موضوع العلوم اإلنسانية ووظائفه تعتبر جزء منها‪ ،‬كما‬

‫أنها تدرس اإلنسان فقط‪.‬‬

‫‪ )2‬المنهج ‪:Methode‬‬

‫للمنهج مفاهيم متعددة من خالل ما حدده لنا الفالسفة‪ ،‬حيث أنه الطريق الذي يقودنا إلى معرفة‬

‫األشياء والوصول إلى النتائج المطلوبة‪ ،‬وهو السبيل الذي يقود اإلنسان إلى بلوغ غاية معينة "هو وسيلة‬

‫محددة توصل إلى غاية معينة"‪ 3 .‬فإنه غاية لكل باحث‪ ،‬ولذا يجب إيجاد منهج يتالئم مع طبيعة بحث‬

‫الدارسين‪ ،‬للوصول إلى أهدافه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫جميل صليبا‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫‪2‬‬
‫مراد وهبة‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.431‬‬
‫‪3‬‬
‫إبراهيم مذكور‪ :‬المعجم الفلسفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.194‬‬

‫‪19‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫فهو الطريق الواضح الذي يرسم لنا النتيجة اليقينية ولبلوغ الغاية المجهولة "هو الطريق الواضح‬

‫البين الذي يستطيع أي باحث أن يعمل به واتخاذه كمادة‬


‫البين والسبيل المستقيم" إنه السلوك ّ‬
‫‪1‬‬
‫والسلوك ّ‬

‫تعليمية يجب أن يكون من المواد الرئيسية من أجل تحقيق هدف تربوي‪ ،‬فالمنهج يشمل مجموعتين‪،‬‬

‫األولى إتخاذ المعلومات التي تستمد من التراث الثقافي‪ ،‬حيث ترى هذه األخيرة يجب على الباحث أن‬

‫يستمد أفكاره من تراثه الثقافي الذي عاش به‪ ،‬وذلك من حيث قيمة الذات الموضوعية‪ ،‬أما الثانية هي‬

‫مجموعة الخبرات التي يكتسبها اإلنسان بنفسه‪ ،‬أي بفعل من ذاته‪.‬‬

‫فإن سؤال المنهج ظهر منذ القدم وتحدث عنه الفالسفة اليونانيون أمثال أرسطو‪ ،‬ففي القرن‬

‫السابع عشر تحدث عنه الفالسفة المحدثين ومن بينهم فرانسيس بيكون‪ .‬أما أندريه الالند له رأي آخر‬

‫بهذا الخصوص حيث يعتب هر المجهود الذي يقوم به الباحث وذلك من أجل الوصول إلى غاية ما‪ ،‬ويذكر‬

‫أن " المنهج إشتقاقا" المتابعة" وتاليا المجهود لبلوغ غاية بحث دراسة" ‪ .2‬هو المجهود المبذول من أجل‬

‫مختار بصفة إرادية ومتروية دون أي‬


‫ا‬ ‫الوصول إلى نتيجة‪ .‬ويراه الطريق الذي يوصل إلى الغاية ويكون‬

‫ضغوطات " إسم ترتيب على فعل الفكر الذي يكون له حول موضوع واحد‪ ...‬عدة أفكار‪ ،‬وعدة أدلة‪،‬‬

‫وعدة أحكام‪ ،‬فيرتبها على أفضل وجه لجعل الموضوع معروفا‪ .‬وهذا ما يسمى أيضا منهجا كل ما يجري‬

‫بنحو طبيعي"‪ 3 .‬المنهج هو األداة التي يرتب بها اإلنسان األدلة واألحكام واألفكار إتجاه الموضوع‬

‫المحدد‪ .‬وبهذا الترتيب يصل إلى النتيجة المطلوبة‪.‬‬

‫يعتبر المنهج برنامج منظم لألفكار يقوم بتنظيم العمليات واقصاء األخطاء بغية الوصول إلى‬

‫نتيجة معينة‪ .‬ويعتبر أداة الباحث لزيادة معرفته بموضوع بحثه‪ ،‬ويتوصل بواسطتها شيئا فشيئا إلى‬

‫‪1‬‬
‫مراد وهبة‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.434‬‬
‫‪2‬‬
‫أندريه الالند‪ ،‬موسوعة الالند الفلسفية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.903‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫النتيجة المعينة‪ .‬فديكارت يرى بأنه مجموعة من القواعد التي يجب أن يرعاها الباحث في دراسته التي‬

‫تعصمه من الوقوع في األخطاء " المنهج عبارة عن القواعد المؤكدة وال بسيطة إذا راعاها اإلنسان مراعاة‬

‫دقيقة كان في مأمن من أن يحسب صوابها ما هو الخطأ"‪ 1 .‬هو مجموعة من القواعد التي تسهل على‬

‫الباحث ا تخاذها ومراعاتها مراعاة بشكل دقيق‪ ،‬من أجل الوصول إلى نتيجة يقينية‪ ،‬ويستحيل أن يؤدي‬

‫به إلى إرتكاب األخطاء إتجاه بحثه‪.‬‬

‫ف المنهج هو مجموعة من القواعد التي يجب علينا إتباعها من أجل تبسيط موضوع البحث‪ ،‬ومعرفة‬

‫خطواته خطوة تلوى أخرى‪ ،‬وبأدق ال تفاصيل من أجل الوصول إلى نتيجة مرتضية‪ ،‬فإن أندريه الالند‬

‫ينظر إليه على أنه تصور مسبق لوضع خطة البحث‪ ،‬وهو عبارة عن التصورات التي يضعها الباحث‬

‫منهجيا تتضمنان تصو ار فكريا مسبق‬


‫ّ‬ ‫منهجي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫في بداية بحثه لوضع برنامج مناسب له " تكاد دوما كلمتا‬

‫للخطة إتباعها وبنحو أخص الطريقة التقنية للحساب أو التجريب‪ ،‬طريقة أدنى المربعات طريقة‬

‫"بوغندورف‪  "Poggendorff‬وأيضا علم النبات أي نسق تصنيفي طبيعي"‪ 2 .‬فهو يريد أن يوضح لنا أن‬

‫ومنهجيا هما تصور فكري مسبق‪ ،‬أي على الباحث أن يحدد الطرق واألفكار والتصورات‬
‫ّ‬ ‫منهجي‬
‫ّ‬

‫المسبقة للخطة التي تستلزم عليه إتباعها للوصول إلى غايته وهدفه‪.‬‬

‫فإنه الوسيلة التي بواسطتها يستطيع أي باحث تحقيق الشيء المراد الوصول إليه في دراسته‬

‫العلمية‪ ،‬لتحقيق مبتغاه وتنظيم نشاطه اإلنساني‪ " :‬وسيلة لتحقيق الهدف‪ ،‬وطريقة محددة لتنظيم النشاط‬

‫وبالمعنى الفلسفي الخاص‪ ،‬كوسيلة معرفة‪ .‬المنهج طريقة للحصول على ترديد ذهني للموضوع قيد‬

‫‪1‬‬
‫مراد وهبة‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.629‬‬
‫طريقة يوغندورف ‪ :Poggendorff‬وهي إستعمال المرآة المتحركة لقياس الزوايا‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪2‬‬
‫أندريه الالند‪ ،‬موسوعة الالند الفلسفية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.904‬‬

‫‪21‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫الدراسة ويمكن أكثر الشروط جوهرية للتطور الناجح للمعرفة في التطبيق الواعي للمنهج العلمي"‪.‬‬

‫فيعتبر الوسيلة التي يحقق بها اإلنسان أهدافه حيث يتخذ دراسة معينة للحصول إلى المعلومات‪.‬‬

‫‪ )3‬المنهج العلمي‪:‬‬

‫المنهج والعلم يكمالن بعضها البعض في كل الدراسات والمجاالت‪ .‬فالمنهج طريقة‪ ،‬والعلم‬

‫مجموعة من الم بادئ والحقائق التي يجب على الباحث إدراكها‪ ،‬وبالتالي فهما مترابطان ارتباطا وثيقا‪،‬‬

‫فالمنهج العلمي طريقة تسير وتنظم المبادئ من أجل الوصول إلى نتيجة يقينية‪ ،‬كما أنه مجموعة من‬

‫األساليب تحرك فكر اإلنسان وتوجهه إلى إدراك الحقائق‪ ،‬وهو من األساليب الذهنية الموصلة إلى إدراك‬

‫المعارف بإختالف طبيعة العلم " هو مجموع أساليب الذهنية والحسية الموصلة إلى الحقيقة أو الصالحة‬

‫للبرهنة عليها‪ ،‬وهي تختلف بإختالف موضوع العلم‪ .‬فإذا كان مجردا فتكون الطريقة استنتاجية عقلية واذا‬

‫كان محسوسا فتكون الطريقة استقرائية وتجريبية"‪ 2 .‬فإنه أسلوب ذهني وحسي يقودنا إلى الحقيقة‪ .‬كما أنه‬

‫نسق فكري مبني على مجموعة من األسس والقواعد والخطوات المحددة التي تقودنا إلى اإلدراكات التي‬

‫نبحث عنها‪ ،‬فيقول عن المنهج" هو نسق نظري مقترح لكي يوصلنا إلى ما نظن أنه حقيقة وهذا النسق‬

‫مبني على أسس وقواعد عامة واجراءات وخطوات محددة تحديدا صارما ومرتبة ترتيبا دقيقا علينا اإللتزام‬

‫بكل ذلك في كافة الدراسات التي نجريها على مواضيع هذا العلم أو ذاك‪ ،‬دون اإلهتمام بماهية‬

‫الموضوع"‪ 3 .‬هو طريق يوصلنا إلى ال نتيجة‪ ،‬حيث يكون مبني على أسس وقواعد وخطوات وخصائص‬

‫‪1‬‬
‫روزنتال ويودين‪ ،‬وآخرين‪ ،‬الموسوعة الفلسفية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.403‬‬
‫‪2‬‬
‫سناء خضر‪ ،‬الفلسفة الخلقية والعلم نظرة نقدية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.143‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.140‬‬

‫‪22‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫تستلزم على الباحث األخذ بها‪ .‬فالمنهج بمثابة المكون األساسي للعلم‪ ،‬فإن العلم بدونه ال يحقق أي‬

‫‪1‬‬
‫شيء‪ ،‬ولذلك يرى دكتور فؤاد زكريا ‪ ‬أن المنهج هو العنصر الثابت في العلم وال يوجد أي علم بدونه‪.‬‬

‫وهناك العديد من المناهج العلمية ومن بينها المنهج االستقرائي ق ‪)Methode Inductive‬‬

‫واالستنباطي ق ‪ )Methode deductive‬وهما من أهم المناهج العلمية المستخدمة‪ ،‬فالمنهج االستقرائي‬

‫هو الحكم الكلي إنطالقا من الحكم الجزئي‪ ،‬حين نثبت أن القضية الجزئية صادقة فنعمم هذا الحكم على‬

‫جميع القضايا‪ ،‬فاال ستقراء في اللغة وهو عملية تتبع شيء من بدايته إلى نهايته‪ ،‬وفي اإلصطالح هو‬

‫الحكم الكلي على الجزئي فيقول مراد وهبة في معجمه الفلسفي أن " االستقراء في لغة هو تتبع من‬

‫استقراء األمر إذا تتبعه لمعرفة أحواله‪ ،‬واصطالحا الحكم الكلي لثبوت ذلك الحكم في الجزئي"‪ 2 .‬حيث‬

‫أنه م نهج تتبع العملية منذ البداية إلى النهاية‪ ،‬كما أنه يعمم الحكم الجزئي على الكلي‪.‬‬

‫فالمنهج االستقرائي هو أحد أنواع االستدالل‪ ،‬وتطور مع تطور العلم الطبيعي التجريبي‪ ،‬وذلك‬

‫تطور في العصر‬
‫ه‬ ‫في القرنين السابع والثامن عشر وظهر في الفت ةر اليونانية عند أرسطو كما توسع في‬

‫الحديث مع فرانسيس بيكون وجاليلوا ونيوتن وهيرشيرل وميل‪ ،‬وذلك من أجل إيضاح مشكالت االستقراء‬

‫وجعله أحد أشكال االستنتاج االستداللي‪ ،‬من أجل اإلنتقال من الحقائق المفردة إلى القضايا العامة‪،‬‬

‫حيث قسم إلى‪ :‬استقراء كامل وناقص‪ ،‬فاألول هو قضية عامة لدراسة الفئة بأكملها من أجل االستنتاج‬

‫على أساس فحص كل ما يتعلق بعناصرها للخروج بنتيجة يقينية‪ ،‬ومجاله محدود ألنه ال يدرس وال‬

‫ينطبق على جميع الفئات وبالخصوص الفئة التي من السهل دراستها ومالحظة كل عناصرها‪ ،‬حيث أنه‬

‫فؤاد زكريا‪ :‬قديسمبر ‪ 1921‬ـ ‪ 11‬مارس ‪ 24 /2010‬ربيع األول ‪ 1431‬ه) أكاديمي وأستاذ جامعي مصري متخصص‬ ‫‪‬‬

‫في فلسفة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫أنظر‪ :‬روزنتال ويودين‪ ،‬وآخرين‪ ،‬الموسوعة الفلسفية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 144‬ـ ‪.146‬‬
‫‪2‬‬
‫مراد وهبة‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.43‬‬

‫‪23‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫ينطبق على الفئة غير المحدودة وليس من السهل مالحظتها‪ .‬أما النوع الثاني اإلستقراء الناقص وهو‬

‫سمة المتواجدة في أي عنصر من العناصر ومجاله غير محدود وتكون نتائجه إحتمالية ال تحتاج إلى‬

‫‪1‬‬
‫برهان‪.‬‬

‫منهج االستقراء هو منهج علمي استنتاجي استداللي‪ ،‬عرفه أرسطو على أنه الحكم الكلي على‬

‫الجزئي " هو الحكم على الكلي بما يوجد في جزئياته جميعها وهو االستقراء الصوري والذي ذهب إليه‬

‫أرسطو وحده سماه اإليباجوجيا‪ ،‬أو الحكم على الكلي بما يوجد في بعض أجزاءه وهو االستقراء القائم‬

‫بالنسبة ألرسطو هو اإل نتقال من الجزء إلى الكل‬ ‫‪2‬‬


‫على التعميم وهذا األخير إعتمد المنهج التجريبي"‪.‬‬

‫ومن المعلوم إلى المجهول‪ ،‬وأساس المعرفة العلمية وهذا النوع من االستقراء ليس قياسا وانما نوعا من‬

‫الحدس وتعميم الجزئيات‪.‬‬

‫ففي الحضارة اإلسالمية عرفه ابن سينا بنفس تعريف أرسطو بأنه الحكم الكلي لما هو في الحكم‬

‫الجزئي‪ ،‬إذ قال " هو حكم كلي لوجود ذلك الحكم في جزئيات ذلك الكلي إما كلها"‪ 3 .‬فاالستقراء عند ابن‬

‫سينا ال حكم الكلي على الجزئي‪ ،‬فإن الحكم الكلي يتحقق فقط بحكم أحد أجزاءه‪.‬‬

‫فاالستقراء هو منهج علمي تقر به جميع العلوم‪ ،‬حيث أخذ به العديد من الفالسفة اليونانيين‬

‫والمحدثين في عمليات بحثهم‪ ،‬كما يراه سمير كرم بنفس رؤية بيكون وميل فيقول" وجوب التفرقة بين‬

‫االستقراء المشهور أي االستق ارء الناقص وبينما يسمى بالمنهج االستقرائي المفصل بقواعد فرانسيس‬

‫بيكون وستيوارت ميل‪ ،‬فإنه أولى به أنه يحاول حصر علة الظاهرة ما في ظاهرة أخرى معينة فإذا‬

‫أفلحت المحاولة عرفت العلة من هذا الطريق ا لمعرفة محققة وأما ما نقصد من االستقراء الناقص فهو‬

‫‪1‬‬
‫أنظر‪ :‬روزنتال ويودين‪ ،‬وآخرين‪ ،‬الموسوعة الفلسفية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 24‬ـ ‪.24‬‬
‫‪2‬‬
‫إبراهيم مذكور‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪3‬‬
‫مراد وهبة‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.43‬‬

‫‪24‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫اال ستدالل المتأدي من جزئيات عدة إلى الكلي الذي ننسبها إليه"‪ 1 .‬فقد فرق بين المنهج االستقرائي‬

‫واالستقراء الناقص‪ ،‬فاألول له قواعده مثله مثل جميع المناهج‪ ،‬أما الثاني هو تعميم الحكم الجزئي على‬

‫الكلي‪.‬‬

‫فالمنهج االستقرائي يعتمد على مبدأ واحد لتحقيق غاياته‪ ،‬فهو يتخذ من هذا المبدأ مادة أساسية‬

‫لكل عملية علمية‪ ،‬فمبدأ التحقيق يقوم على تحديد القضايا الصادقة من الكاذبة‪ ،‬كما يراه مراد وهبة في‬

‫معجمه الفلسفي" هو معيار يحدد إذا ما كانت الجملة ذات معنى أم ال‪ ،‬ويصاغ هكذا إن الجملة تكون‬

‫ذات معنى إذا كانت القضية التي تعبر عنها هذه الجملة التحليلية أو المحققة تجريبا"‪ 2 .‬حيث يعتب هر‬

‫معيار يحدد به إن كان للقضية معنى أو ال‪ ،‬فهناك نوعين من التحقيق‪ :‬القوي حين يكون صدق القضية‬

‫مدعما بالتجربة تدعيما حاسما ‪ ،‬والضعيف حين يكون صدق القضية مدعما ب تدعيم إحتمالي‪ ،‬ويتخذه‬

‫كل باحث من أجل أن يتأكد من صحة القول وواقعه‪ ،‬وعلى أساس هذا المعيار تصبح النتيجة يقينية أو‬

‫غير يقينية‪ .‬ولهذا إتخذه الفالسفة الوضعيون المنطقيون‪.‬‬

‫ويوجد هناك منهج آخر ظهر في العصر المعاصر‪ ،‬وهو المنهج االستنباطي الذي تناوله‬

‫الفالسفة المعاصرون وخصوصا إيموند كارل بوبر‪ ،‬فهو عكس المنهج االستقرائي‪ ،‬وذلك بدال من أن‬

‫يتخذ بمبدأ التحقق أخذ بمبدأ التكذيب‪ ،‬فهو نوع من البرهان واالستدالل الذي نخرج به بنتيجة‪ ،‬ومماثل‬

‫للمنهج االستقرائي ّإال أنه ا ستنباط من مقدمة أو مقدمتين نتيجة البحث العلمي‪،‬كما نجده في دليل‬

‫أكسفورد يعني" نوع من البرهان أو اال ستدالل تلزم فيه النتيجة ضرورة عن فئة معطاة من المقدمات مثال‬

‫ذلك يمكن أن يستنبط من المقدمتين س‪ ،‬ص النتيجة س وص الفئة المكونة وسلب فئة غير متسقة‬

‫البرهان الذي يطرح بوصفه استنباط برهان غير سليم إذا كانت تلك الفئة متسقة إذا قامت عالقة قابلية‬

‫‪1‬‬
‫مراد وهبة‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.43‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.110‬‬

‫‪25‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫لال ستنباط بين النتيجة والمقدمات فإن النتيجة توصف أيضا بأنها مترتبة منطقية عن المقدمات"‪.‬‬

‫فالمنهج االستنباطي االستداللي البرهاني يستمد نتيجته من المقدمات المعطاة له بطريقة منطقية‪.‬‬

‫فالمنهج االستنباطي هو منهج لالستدالل العلمي‪ ،‬يقوم على بحوث علمية بصفة خاصة‪ ،‬وينفي‬

‫عملية التجربة‪ ،‬ويعتمد على معيار آخر وهو معيار التكذيب أو قابلية التكذيب‪ ،‬وهو المنهج الذي‬

‫وضعه الفيلسوف العلمي كارل بوبر الذي كان ينظر إليه نظرة خاصة مغا يرة عن النظرات السابقة‪،‬‬

‫حيث أسسه وهو يعي بأنه النسق العلمي المناسب في كل دراسة علمية‪ ،‬وحاول تكذيب المعطيات بدال‬

‫من تصديقها‪ ،‬وذلك من أجل الخروج بنتيجة صحيحة‪ ،‬كما نجد مراد وهبة يقول بهذا الشأن أنه نسق‬

‫علمي يقوم على تكذيب التجا رب بدال من التحقق منها‪ ،‬وبهذه الطريقة نصل إلى النتيجة اليقينية‪ ،‬فيقول"‬

‫يعني النسق العلمي هو كذلك إذا كان من الممكن تكذيبه بالتجربة وليس إذا كان من الممكن التحقق‬

‫فه و يرى من الواجب علينا أن نأخذ مبدأ التكذيب مبدأ أساسي ويكون ذلك‬ ‫‪2‬‬
‫منه إيجابيا بالتجربة"‪.‬‬

‫بتكذيب تجربة بتجربة أخرى‪ ،‬بدال من تصديقها وانتهاك الوقت في التحقق منها‪ .‬فعندما تكذب تستنبط‬

‫نتيجة يقينية‪.‬‬

‫فالمنهج االستنباطي هو عبا ةر عن عملية إنتقال الذ هن من قضية إلى قضية أخرى‪ ،‬وفقا للقواعد‬

‫والمبادئ المنطقية وذلك بغية الخروج بنتيجة واحدة صحيحة‪ ،‬وذلك بتسليم صدقها بصفة نهائية‪ " ،‬إن‬

‫البراهين االستنباطية تصنف إلى نمطين‪ ،‬براهين استنباطية سليمة يضمن صدق مقدماتها صدق النتائج‬

‫‪3‬‬
‫التي تفضي إليها‪ ،‬وبراهين ا ستنباطية فاسدة ال يضمن صدق مقدماتها صدق النتائج المستقاة إليها"‪.‬‬

‫فهذا النوع من المناهج له نمطين‪ ،‬األول هو المنهج االستنباطي السليم وتكون مقدماته صادقة ّ‬
‫مما يؤدي‬

‫‪1‬‬
‫تدهوندرتش‪ ،‬دليل أكسفورد للفلسفة‪ ،‬تر‪ :‬نجيب حصادي‪ ،‬الج زء األول من حرف أ إلى حرف ط‪ ،‬المكتب الوطني للبحث‬
‫وتطوير‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪ .‬س‪ ،‬ص ‪ 463‬ـ ‪.464‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 209‬ـ ‪.210‬‬
‫‪3‬‬
‫نجيب حصادي‪ ،‬أسس المنطق الرمزي المعاصر‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬س‪ ،‬ص ‪.311‬‬

‫‪26‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫أيضا إلى صدق النتيجة‪ .‬أما المنهج االستنباطي الفاسد تكون المقدمات المعطاة إليه مضمون صدقها‪،‬‬

‫كما ال نضمن صدق نتائجها ولهذا تكون النتيجة فاسدة‪.‬‬

‫فكل من المنهج االستنباطي واالستقرائي منهجان علميان يقومان بدراسة البحوث العلمية‪ ،‬وهما‬

‫نتيجة الجهد العملي والمعرفي‪ ،‬وربما يكون المنهج االستنباطي بديهي‪ ،‬ألنه أحد المناهج الصحيحة التي‬

‫يتبعها الباحثون في ا ستداللهم العلمي‪ ،‬ويقوم بتنظيم المعطيات التجريبية المقدمة له بطريقة منظمة‬

‫تفسير نظريا‪ ،‬ويقوم على مجموعة من القواعد أولها أن إستلزام الباحث بالعمل بها‬
‫ا‬ ‫منهجيا ويقوم بتفسيرها‬

‫وتكون لديه مقدمات نسبية أي مجموع حدود وقضايا رئيسية صحيحة‪ ،‬أما ثانيها معرفة الباحث للقواعد‬

‫التي يجب عليه إتخاذها في دراسته للمقدمات المعطاة إليه‪ ،‬وهي قواعد أولية في البحث تستلزم عليه‬

‫‪1‬‬
‫التقيد بها‪ ،‬وذلك من أجل الخروج بنتيجة علمية استنباطية صحيحة‪. .‬‬

‫إن المنهج االستنباطي هو منهج ا ستداللي‪ ،‬يستنبط نتائجه من المقدمات المعطاة إليه‪ ،‬أما‬

‫المنهج االستقرائي يعتبر منهج استداللي يستنتج نتائجه من قضية واحدة من بين القضايا المعطاة إليه‪،‬‬

‫أي يعمم نتيجة عنصر واحد على كل العناصر‪ ،‬وهنا تكون النتائج احتمالية‪ ،‬كما يعتبران من أهم‬

‫المنا هج العلمية‪ .‬حيث يتميز المنهج االستنباطي بأنه منهج قوي‪ ،‬ينتقل من المقدمات الكلية إلى‬

‫المقدمات الجزئية‪ ،‬أما المنهج االستقرائي يعتبر منهجا ضعيفا‪ ،‬ال نتقاله من المقدمات الجزئية إلى الكلية‪،‬‬

‫" البرهان اال ستنباطي إنتقال من قضية قأو قضايا) كلية إلى قضية جزئية ق أو إنتقال من العام إلى‬

‫الخاص)‪ ،‬البرهان االستقرائي إنتقال من قضية قأو قضايا) جزئية إلى قضية كليةقأو اإلنتقال من‬

‫الخاص إلى العام)"‪ 2 .‬هذا ما يعكس وجود فروق بين البراهين االستنباطية واالستقرائية‪ ،‬حيث تعتبر‬

‫‪1‬‬
‫أنظر‪ :‬روزنتال ويودين‪ ،‬وآخرين‪ ،‬الموسوعة الفلسفية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.403‬‬
‫‪2‬‬
‫نجيب حصادي‪ ،‬أسس المنطق الرمزي المعاصر‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.311‬‬

‫‪27‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫األولى اإلنتقال من القضايا الكلية إلى القضايا الجزئية‪ّ ،‬أما الثانية فهي اإلنتقال من القضايا الجزئية إلى‬

‫القضايا الكلية‪.‬‬

‫هناك فارق جوهري بين النوعين‪ .‬حيث أن البراهين االستنباطية تكون مقدماتها ونتائجها صادقة‪،‬‬

‫أما البراهين االستقرائية تكون مقدماتها صادقة ولكن ال نضمن صدق نتائجها وتكون إحتمالية‪ " ،‬في‬

‫البرهان االستنباطي السليم صدق المقدمات يضمن ضمانا مطلقا صدق النتيجة‪ ،‬وفي البرهان االستقرائي‬

‫صدق المقدمات ال يضمن ضمانا مطلقا صدق النتيجة لكنه يجعلها محتملة"‪ 1 .‬أي أن المي ةز الثانية التي‬

‫يتميز بها البرهان االس تنباطي هي أن مقدماته ونتائجه يقينية‪ ،‬أما البرهان االستقرائي فمقدماته صادقة‬

‫ونتائجه تكون محتملة الصدق‪.‬‬

‫فكل من المنهج االستنباطي واالستقرائي منهجان علميان‪ ،‬لكل منهما طرقه وأساليبه وقواعده‬

‫الخاصة التي يرتكز عليها‪ ،‬كما يستخدمان ل لدراسات العلمية‪ ،‬فلكل فيلسوف رؤيته الخاصة بهما‪ ،‬فهناك‬

‫بعض الفالسفة يعتمدون على المنهج االستقرائي في بحوثهم العلمية‪ ،‬على أساس أنه المنهج المناسب‬

‫لكل دراسة علمية‪ ،‬ويطالبون بالعمل به كمنهج علمي وحيد يصلح لكل الدراسات في شتى المجاالت‬

‫العلمية‪ ،‬أما البعض اآلخر يعتبر المنهج االستنباطي منهج علمي جدير بكل الدراسات العلمية‪،‬‬

‫ويعتمدون عليه في أبحاثهم‪ ،‬ألنه منهج وحيد يتم بواسطته الوصول إلى نتائج يقينية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫نجيب حصادي‪ ،‬أسس المنطق الرمزي المعاصر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.311‬‬

‫‪28‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الخلفية الفكرية لفلسفة كارل بوبر منطلق وتجاوز‪:‬‬

‫من متعارف عليه عن أي فلسفة لها منطلقات ومبادئ تشكل الجانب المعرفي لفلسفته‪،‬‬

‫لذلك حاولنا في هذا المبحث أن نكشف النقاط عن الخلفيات الفلسفية لكارل بوبر‪ ،‬فما هي‬

‫هذه الخلفيات والمنطلقات؟‬

‫‪ )1‬الوضعية المنطقية وأهم مبادئها‪:‬‬

‫إن المنهج العلمي هو الطريق الذي لم يتمكن الفالسفة من توحيده‪ ،‬وذلك لإلختالف الحاصل بين‬

‫الفالسفة من حيث الفترات الزمنية والمجموعات الفلسفية‪ ،‬فكل فت ةر زمنية أسست المنهج العلمي الذي تراه‬

‫مناسبا لها‪ .‬وذلك يرجع لألسباب التي كانت تواجهها أنذاك‪ ،‬ولهذا كانت تختلف النظرات نحو ذلك‪ ،‬ففي‬

‫القرن العشرين ظهرت حركة الوضعية المنطقية المغا ي ةر للمنهج الذي كان قبلها‪ .‬بإعتبارها حركة فلسفية‬

‫إصالحية نشأت في فيينا وقدمت العديد من االنتقادات للفترة التي سبقتها وقامت بإصالحا‪ ،‬والمراد بها‬

‫التجربة العلمية‪ ،‬كما غ يرت في فلسفة العلوم وادعت أنها جاءت للتغيير‪ ،‬وهذه الحركة ترفض الفلسفة‬

‫التقليدية‪ ،‬إذ ذكر فؤاد كامل بأنها حركة علمية إصالحية‪ ،‬حيث قال بأنها" حركة فلسفية تركزت في فيينا‬

‫ادعت لنفسها صفة إصالحية وا تجهت إلى تأسيس نوع من الفلسفة العلمية يخلو من القضايا الزائفة أو‬

‫األشباه التي تحتفل بها الميتافيزيقا التقليدية"‪ 1 .‬حيث نجد أن الوضعية المنطقية هي حركة فكرية جاءت‬

‫لرفض الفلسفة القديمة قالميتافيزيقا)‪ ،‬وهي صفة إصالحية جاءت لتأسيس الفلسفة العلمية الجديدة‪ ،‬التي‬

‫تخلو من القضايا الزائفة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫فؤاد كامل‪ ،‬أعالم الفكر الفلسفي المعاصر‪ ،‬ط‪ ،‬دار جيل‪ ،‬بيروت‪1413 ،‬هـ ـ ‪1993‬م‪ ،‬ص ‪.93‬‬

‫‪29‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫إن الوضعية المنطقية هي حركة فكرية فلسفية علمية‪ ،‬تدرس العلوم بمختلف مناهجها‪ ،‬وتعتمد على‬

‫الحواس في أبحاثها باعتبارها الطريق المؤدي إلى العلم والمعرفة‪ ،‬حيث يعرفها محمد جواد فعنية بأنها‬

‫تجربة علمية‪ ،‬ومعيار للحق والحقيقة‪ ،‬إذ يقول" المراد بالوضعية المنطقية هنا التجربة العلمية وهي تتخذ‬

‫من شهادة الحواس وحدها طريقا للعلم والمعرفة ومعيا ار للتحقق والحقيقة‪ ،‬وتنكر وجود العقل بالمعنى‬

‫الذي نعرفه في مقابل من يتخذون من العقل وحده أداة ووسيلة للعلم والمعرفة وال يثقون بالحواس كطريق‬

‫إلى المعرفة الصحيحة"‪ 1 .‬فيراها تجربة علمية تستمد قوتها من شهادة الحواس‪ ،‬واعتبرها الطريق المؤدي‬

‫إلى العلم والمعرفة‪ ،‬ومعيار للصدق‪ ،‬وهذه الحركة تنكر وجود العقل بالشكل الذي نعرفه ونتخذه كأداة‬

‫للعلم والمعرفة‪ ،‬وهم ال يثقون في الحواس ثقة عمياء‪ ،‬ألنها ال يؤدي إلى المعرفة الصحيحة‪ ،‬فالقضية‬

‫المنطقية هي حركة مرتكزة في فيينا‪ ،‬حيث إتخذتها مرك از لها‪ ،‬وذلك ألنها كانت مناسبة لها في عدة‬

‫أسباب‪ ،‬حيث أنه نشأ كرسي الفلسفة العلمية بها ومعظم الفالسفة العلميون كانوا يقيمون بها‪ " .‬ففي عام‬

‫‪ 1994‬أنشئ في جامعة فيينا كرسي فلسفة العلوم االستقرائية ليشغله أرنست ماخ"‪ 2 .‬فقد نشأ بها كرسي‬

‫فلسفة العلوم الذي جاء من أجل إثبات شيء واحد وهو أن الميتافيزيقا لغو وكالم فارغ ‪ ،‬وال تتخذ أي‬

‫طابع علمي‪ ،‬حيث تعتبرها يمنى طريف الخولي ‪ ‬بأن الهدف األساسي الذي جاءت من أجله هو رفض‬

‫الميتافيزيقا‪ ،‬فت قول " الهدف اإلستراتيجي لدائرة فيينا هو إثبات الميتافيزيقا لغو" ‪ "Nonsence‬ما دامت‬

‫قضاياها ال هي تحليلية وال هي تركيبية بذلك التحديد المنطقي الدقيق"‪ 3 .‬فهي ترى أن رفض الميتافيزيقا‬

‫هو الهدف اإلستراتيجي‬

‫‪1‬‬
‫محمد جواد فعنية‪ ،‬مذاهب فلسفية وقاموس المصطلحات‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬دار مكتبة الهالل‪ ،‬دار الجواد‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪ ،‬د‪.‬‬
‫س‪،‬ص ‪.131‬‬
‫‪2‬‬
‫فؤاد كامل‪ ،‬أعالم الفكر الفلسفي المعاصر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.93‬‬
‫يمنى طريف الخولي‪:‬ق ‪ 31‬أغسطس ‪ ) 1944‬أستاذ فلسفة العلوم ورئيس قسم بكلية اآلداب بجامعة القاهرة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪3‬‬
‫يمنى طريف الخولي‪ ،‬فلسفة العلم في القرن العشرينقاألصول‪ ،‬الحصاد‪ ،‬األفاق المستقبلية)‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬كويت‪،‬‬
‫ديسمبر‪2000‬م‪ ،‬ص ‪.291‬‬

‫‪30‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫لهذه الحركة‪ ،‬باعتبارها ال تحتوي على قضايا تحليلية وال تركيبية‪ ،‬التي كانت تنادي بها هذه الحركة‪.‬‬

‫وقد كان للوضعية المنطقية بيانات تحتوي على األشياء التي تنادي بها‪ ،‬وكانت تنشر كل المواقف‬

‫الفلسفية لهذه الحركة من حيث وجهة نظرهم إتجاه المشكالت الفلسفية التي واجهتها أنذاك‪ " .‬وفي عام‬

‫‪ 1929‬أصدرت الجماعة بيانا تحت عنوان "ال نظرية العلمية الشاملة للعالم‪ :‬عند جماعة فيينا" قدم شرحا‬

‫لموقف الجماعة الفلسفية ووجهة نظرهم إتجاه المشكالت التي تتعلق بفلسفة الرياضيات وبالعلوم الطبيعية‬

‫واالجتماعية بغرض إيجاد حل لتلك المشكالت"‪ 1 .‬فهذه الحركة بدأت بالتحرك ونشر وجهة نظرهم إتجاه‬

‫المشاكل التي كانت تواجهها في تلك الفترة الزمنية‪ ،‬أي القرن العشرين‪ ،‬وتعطي لها حلول‪ .‬حيث أنها‬

‫تجاوزت كل الحركات التي سبقتها من أجل صنع رأي مغاير لها‪ ،‬وهي ال تضيف أي شيء جديد إلى‬

‫معارفنا إنما اعتبرت الميتافيزيقا خالية من أي معنى وهي لغو فقط‪.‬‬

‫إن الوضعية المنطقية جاءت لرفض القضايا وربطت مهمة الفلسفة العلمية بشيء واحد وهو تحليل‬

‫الكالم الذي يفرق بين الكالم ذا معنى والكالم الفارغ‪ ،‬كما جاءت لرفض الميتافيزيقا بإعتبارها خالية من‬

‫المعنى بأسس منطقية ل توضيح اللغة المستخدمة‪ ،‬حيث أنها جاءت لتحليل العلوم وتوحيدها‪ " .‬هكذا‬

‫جعل الوضعيون المنطقيون العلم هو النشاط العقلي‪ ،‬الذي ينقسم إلى فئتين ال ثالثة لهما‪ ،‬فئة العلماء‬

‫الذين يقومون بجميع المعلومات ووضع النظريات ثم فئة فالسفة العلم الذين يقومون بتحليالت منطقية‬

‫تساعد على تقدم العلم‪ ،‬وا زدهاره بالمفهوم الوضعي المنطقي للفلسفة يعني المطابقة بينها وبين التحليل‬

‫المنطقي للعلم"‪ 2 .‬فهي نشاط عقلي جاء لتوحيد العلم‪ ،‬حيث قسمت العلم إلى قسمين‪ ،‬األول ربطته بفئة‬

‫العلماء الذين يقومون بجمع المعلومات ويضعون النظريات‪ ،‬أما الثاني ربطته بفئة الفالسفة العلميين‬

‫الذين يقومون بال تحليل المنطقي لهذا العلم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫فؤاد كامل‪ ،‬أعالم الفكر الفلسفي المعاصر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.94‬‬
‫‪2‬‬
‫يمنى طريف الخولي‪ ،‬فلسفة العلم في القرن العشرينق األصول‪ ،‬الحصاد‪ ،‬األفاق المستقبلية)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.294‬‬

‫‪31‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫فالوضعية المنطقية جاءت من أجل التحل يل المنطقي للعلم‪ ،‬ونادت بتوحيده‪ ،‬كما حررت العديد من‬

‫المجالت العلمية التي نادت بتوحيد العلم " أصدرت جماعة مجلة بإسم " المعرفة" للتعبير عن آرائها‬

‫وتتابعت أعدادها في الفترة من ‪ 1930‬إلى ‪ ،1939‬كما أصدرت مجلة أخرى بعنوان "مجلة العلم‬

‫الموحد" ا بتداءا من عام ‪ ، 1939‬وشرع نويرات وكارناب وتشارلس موريس في تحرير "الدولية للعلم‬

‫الموحد" وكان "معهد العلم الموحد" أنشئ في الهاي في ‪ 1 ."1936‬حيث اعتمدت على مجموعة من‬

‫المجالت لنشر األسس المنطقية والمبادئ التي اعتمدت عليها في توحيد العلم لما له من أهمية‪ ،‬كما‬
‫ّ‬

‫أ نشأت هذه المجموعة مجلة خاصة بهذا الشأن تحت عنوان "الموسوعة الدولية للعلم الموحد" التي كانت‬

‫تبرز مدى تطرفهم في إفتتانهم بمجال العلوم والمشكالت العلمية‪.‬‬

‫حيث أن الوضعية المنطقية قسمت القضايا إلى قسمين‪ ،‬األول قضايا رياضية التي يكون فيها‬

‫المحمول فيها عين الموضوع‪ ،‬أما الثاني قضايا طبيعية التي تصدق من مجرد نطقها باعتبارها قضية‬

‫تحليلية‪ " ،‬القضية الرياضية وهي التي يكون المحمول فيها عين الموضوع بحيث يصدقها السامع بمجرد‬

‫النطق بها من غير فإن هذه الق شاهد من خارجها كقولنا‪ :‬اإلثنان عدد فردي ال زوجي‪ ،‬وتسمى هذه‬

‫القضية تحليلية"‪ 2 .‬وتعتبر من أهم القضايا التي تدرسها هذه الحركة الفلسفية العلمية‪ ،‬كما تقوم بتحليل‬

‫المواضيع المدروسة والمشكالت والخروج بنتيجة‪ .‬حيث أنها تصدق عن طريق سمعها مباشرة‪.‬‬

‫أما النوع الثاني هو القضايا التركيبية‪ ،‬التي تثبت بنفسها عن صدقها أو كذبها‪ ،‬كما يطلق عليها‬

‫أيضا " القضية الطبيعية وهي ال تدل بنفسها على صدقها أو كذبها ألن الموضوع فيها غير محمول‬

‫ولكن السامع يستطيع أن يتحقق ويثبت هل هي صادقة أو كاذبة بمعونة الحس والتجربة كقولنا الحديد‬

‫يتمدد بالح اررة‪ ،‬فهذه الجملة صادقة بالمالحظة والمشاهدة‪ ،‬وعندما نقول الحديد ال يتمدد بالح اررة فيعد‬

‫‪1‬‬
‫فؤاد كامل‪ ،‬أعالم الفكر الفلسفي المعاصر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.94‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد جواد فعنية‪ ،‬مذاهب الفلسفية وقاموس المصطلحات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.132‬‬

‫‪32‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫هذا القول كاذبا‪ ،‬ألنه خالف الواقع المحسوس‪ ،‬وتسمى هذه القضية تركيبية"‪ 1 .‬فهي نوع من القضايا تدل‬

‫على نفسها بنفسها‪ ،‬وعن صدقها أو كذبها‪ ،‬وتقوم على الحس والتجربة‪ ،‬كما تسمى بالقضايا التركيبية‪.‬‬

‫إن الوضعية المنطقية ال تضيف أية معلومات جديدة للع لم الوضعي بقدر ما تلقي الضوء عليه‪ ،‬فهي‬

‫تهتم بتوضيح معنى التصورات والمفاهيم العلمية والمناهج المنطقية‪ .‬فهذا هو التقسيم التي وضعته‬

‫للقضايا والذي شمل القضايا التركيبية قالطبيعية) التي تثبت بنفسها عن صدقها أو كذبها‪ .‬والقضايا‬

‫التحليلية قالرياضية) التي تصدق مباش ةر بعد سماعها‪.‬‬

‫‪ )2‬أهم رواد الوضعية المنطقية‪:‬‬

‫‪ 2‬ـ ‪ -1‬لودفيج فتجنشتين‪:‬‬

‫ه ناك العديد من الفالسفة الوضعيين المنطقيين كان لهم الفضل في تأسيس هذه الحركة ونشر كل‬

‫ما يتعلق بق ارراتها‪ ،‬حيث نجد لودفيج فتجنشتين في الصبغة المنطقية‪ " .‬بوصفه صاحب األثر الواسع‬

‫والعميق في صبغ فلسفة القرن العشرين بالصبغة المنطقية‪ ،‬تقنينا وتنضيدا للغة واألحكام وضبط التفكير‬

‫بواسطة قصر اللغة على صياغة العبارات التجريبية والعالقات المنطقية"‪ 2 .‬حيث يعتبر صاحب األحكام‬

‫والتقنية وذلك بضبط ه للتفكير بواسطة قصر اللغة‪ ،‬كما يرى أن المعرفة التي نكتسبها هي نسخة عن‬

‫الواقع الفعلي‪ " ،‬فإن معرفتنا حسبه هي نسخة من هذه الوقائ ع الفعلية وأن الجمل هي جميعا قدالالت‬

‫حقيقية) للجدل الجزئية أي أنها تتكون من هذه الجمل الجزئية عن طريق العالقات المنطقية"‪ 3 .‬إن‬

‫المعرفة عنده هي نسخة من الواقع الفعلي وتتكون من الجمل الجزئية عن طريق العالقات المنطقية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫فؤاد كامل‪ ،‬أعالم الفكر الفلسفي المعاصر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.132‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 244‬ـ ‪.244‬‬
‫‪3‬‬
‫إ‪ .‬م‪ .‬بوشنسكي‪ ،‬الفلسفة المعاصرة في أوربا‪ ،‬تر‪ :‬د‪ .‬عزت قرني‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬د‪.‬ط‪1992 ،‬م‪ ،‬ص ‪.91‬‬

‫‪33‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫فلقد بدأ عمله الفلسفي عن طريق الرياضيات وبالتحليل الذي يعطينا الصيغة المنطقية‪".‬التحليل‬

‫هو الذي يعطينا صيغة منطقية صحيحة"‪ 1 .‬فهو يرى أن التحليل ينتج لنا الصيغ المنطقية الصحيحة‪،‬‬

‫فالعلة الفلسفية التي تخرج من اللغة المستعملة والعادية‪ ،‬هي لغة غير منطقية‪ ،‬فالفلسفة هي التي ال‬

‫تجعل للقضايا أي معنى لها‪ .‬وهذا ما يستلزم علينا إصالحها‪ " .‬هو يعتبر أن العلة في الفلسفة تأنق من‬

‫اللغة المستعملة‪ ،‬وذلك أن اللغة العادية غير منطقية‪ ،‬وهي تنتقل إلى الفلسفة فتجعل القضايا التي‬

‫‪2‬‬
‫تطرحها ال معنى لها ومن هنا كان البد إصالح اللغة‪ ،‬أن شئنا التوصل إلى فلسفة تحليلية لها معنى"‪.‬‬

‫فاللغة أساس الفلسفة وهذا ما يستوجب تميزها باألناقة‪ ،‬فاللغة العادية هي غير منطقية ويستلزم‬

‫إصالحها‪ ،‬وهذا ما يؤدي بنا إلى الذهاب إلى الفلسفة التحليلية والتي ال معنى لها‪ .‬وذلك ألن العلة‬

‫الفلسفية موجودة في اللغة المستعملة‪.‬‬

‫حيث يرى أن العبارات اللغوية تكشف عن وقائع العالم الخارجي‪ ،‬كما أنها تستلزم بقواعد الصرف‬

‫والنحو المقصود بها التحليل المنطقي لدالالت واأللفاظ وبنية اللغة والتراكيب اللغوية‪ " .‬ليس المقصود‬

‫بقواعد اللغة هنا النحو والصرف واإلشتقاق التي يعني بها علماء اللغويات‪ ،‬القواعد اللغوية التي هي‬

‫موضوع الفلسفة المنطقية هي قواعد السيمانطيقا أي التحليل المنطقي لدالالت األلفاظ‪ ،‬والقواعد‬

‫السينتاطيقا أي التحليل المنطقي لبنية اللغة والتراكيب اللغوية‪ 3 ."..‬ليس المقصود هنا لغة علماء‬

‫اللغويات ألن القواعد السيمانطيقا تدل على دالالت األلفاظ‪ ،‬أما القواعد السينتاطيقا تدل على التحليل‬

‫المنطقي لبنية اللغة والتراكيب اللغوية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عبد الفتاح الديدى‪ ،‬اإلتجاهات المعاصرة في الفلسفة‪ ،‬ط‪ ،2‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬مصر‪1994 ،‬م‪ ،‬ص ‪.211‬‬
‫‪ 2‬جورج زيناتي‪ ،‬رحالت داخل الفلسفة الغربية‪ ،‬ط ‪ ،‬دار المنتخب العربي‪ ،‬لبنان ـ بيروت‪1413 ،‬هـ ـ ‪1993‬م‪ ،‬ص ‪.143‬‬
‫‪3‬‬
‫يمنى طريف الخولي‪ ،‬فلسفة العلم في القرن العشرينق األصول‪ ،‬الحصاد‪ ،‬األفاق المستقبلية)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.241‬‬

‫‪34‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫إنطلق فتجنشتين من أصول الرياضيات‪ ،‬وفلسفته التي تقوم على أن لغة القضية تقبل تحليل‪ ،‬وهذا‬

‫يكون في حدود ال قضايا األولية والذرية‪" .‬حيث تقوم هذه الفلسفة على أن اللغة هي مجموعة قضايا تقبل‬

‫التحليل في حدود قضايا أولية أو قضايا ذرية‪ ،‬إن القضية األولية هي أبسط وحدة تؤدي معنى يصل‬

‫إليها التحليل‪ ،‬فالقضية األولية هي األكثر بساطة في نسق القضايا‪ ،‬ولكنها ليست بسيطة بساطة‬

‫مطلقة"‪ 1 .‬حيث نجد أن فلسفته تقوم على اللغة التي تحتوي على مجموعة من القضايا التي تتحلل بدون‬

‫حد‪ .‬كما يوجد التحليل بحدود ‪ ،‬ويكون ذلك في القضايا األولية والذرية‪ ،‬وهما أبسط وحدة تؤدي إلى‬

‫المعنى عند تحليلها‪ .‬حيث بدأ عمله بتصوير المالمح الفعلية عن طريق الحديث اليومي‪ ،‬وعن طريق‬

‫منهج ألعاب اللغة‪ ،‬وفي هذا األخير يوضح كيفية إستخدام اللغة‪" .‬بدأ فتج نشتاين بتصوير المالمح‬

‫الفعلية للحديث اليومي خالل المنهج المعروف اليوم بإسم "منهج ألعاب اللغة" وقد أوضح من كيف‬

‫تستخدم اللغة في ا ستعماالتها من قبل المتكلمين العاديين بها"‪ 2 .‬فإستخدم منهج ألعاب اللغة من أجل‬

‫توضيح كيفية استعمال اللغة العادية من خالل الحديث اليومي‪.‬‬

‫حيث أنه تحدث عن تحليل القضية بقضية أخرى التي ال تقبل التحليل م ةر ثانية‪ ،‬أي أن القضايا‬

‫تحلل مرة واحدة وال نستطيع تحليلها مرة أخرى " للقضية تحليل كامل واحد وواحد فحسب وتحليل القضية‬

‫معناه الوصول إلى قضية ال تقبل مزيدا من التحليل"‪ 3 .‬وذلك إن كل قضايا اللغة العادية تقبل الرجوع‬

‫إلى القضية األولية التي لها حد في التحليل‪ ،‬أي أن القضية المحللة ال تقبل المزيد من التحليل‪.‬‬

‫‪ 1‬جمال حمود‪ ،‬فلسفة اللغة عند لودفيغ فتغنشتاين‪ ،‬ط‪ ،‬دار العربية للعلوم ومنشورات اإلختالف‪1430 ،‬هـ ـ ‪2009‬م‪،‬‬
‫ص ‪.144 .144‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد مهران رشوان‪ ،‬مدخل إلى دراسة الفلسفة المعاصرة‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪1404 ،‬هـ ـ ‪1994‬م‪،‬‬
‫ص ‪.161‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع األسبق‪ ،‬ص ‪.140‬‬

‫‪35‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫لقد كانت وظيفة اللغة في تصوير العالم وأصبحت وظيفتها عملية ال تواصل مع اآلخرين‪ .‬فإن‬

‫فلسفته تكشف عن المعاني والعبارات والكلمات دا خل لغتنا العادية‪ " .‬تنحصر فلسفة فتجنشتين في‬

‫الكشف عن المعاني الدفينة للعبارات والكلمات من خالل استعماالتها في صميم ق اللغة العادية) وتنشأ‬

‫الحيرة الفلسفية أو اإلرتباك الفلسفي عندما نسيء الفهم بعض أدواتنا الذهنية إساءة تامة"‪ 1 .‬حيث أنه‬

‫حاول الكشف عن المعاني والكلمات والعبارات من خالل إستعمالها الداخلي للفلسفة العادية‪ .‬واذا أسأنا‬

‫فهمها ال تستطيع تحليل القضايا‪ ،‬إذ يوجد تناظر بين بناء العبا ةر والبناء الواقعي ويكون ذلك حسب الفهم‬

‫الصحيح للعبارات التي تحدد لنا فهم بناء الواقع الموضوعي‪" .‬يوجد ضربين التناظر بين "بناء العبارة"‬

‫و"بناء الواقعة" ومعنى ذلك أن فهمنا الصحيح للغة سيحدد فهمنا لبناء الواقع الموضوعي ذاته بشكل‬

‫عام"‪ 2 .‬فإذا فهمنا بناء العبارة نفهم ال بناء الواقعي الموضوعي‪ .‬حيث أنه قسم العبارات إلى فئتين‪ ،‬األولى‬

‫ذات معنى وهي عبارات تحليلية وتركيبية‪ ،‬والثانية خالية من المعنى وهي كل ما يخرج من النوعين‬

‫السابقين وخصوصا ال قضايا الميتافيزيقية‪ " .‬العبارات ذات المعنى وهي العبارات التحليلية أي قضايا‬

‫العلوم الصورية وا ّما القضايا التركيبية التجريبية‪ ،‬العبارات الخالية من المعنى وهي كل ما يخرج من‬

‫النوعين السابقين وخصوصا القضايا الميتافيزيقية"‪ 3 .‬حيث صنف العبارات إلى صنفين‪ :‬الصنف األول‬

‫يضم العبارات التحليلية والتركيبية ذات معنى أما الصنف الثاني هو العبارات الخالية من المعنى وهذا‬

‫النوع هو القضايا الميتافيزيقية والتي اعتبرها لغو‪.‬‬

‫حيث أنه قسم القضايا ذات معنى إلى نوعين‪ ،‬األول القضايا التحليلية التي تتضمن المنطق‬

‫والرياضيات ويصفها بأنها تحصيل حاصل‪ " .‬قضايا المنطق والرياضيات وهي القضايا التي يصفها‬

‫فتجنشتين بأنها تحصيالت الحاصل فهي القضايا ال تحليلية‪ ،‬وكان فتجنشتين هو أول من استخدم‬

‫‪1‬‬
‫فؤاد كامل‪ ،‬أعالم الفكر الفلسفي المعاصر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد مهران رشوان‪ ،‬مدخل إلى دراسة الفلسفة المعاصرة ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.116‬‬
‫‪3‬‬
‫يمنى طريف الخولي‪ ،‬فلسفة العلم في القرن العشرينقاألصول‪ ،‬الحصاد‪ ،‬األفاق المستقبلية)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.296‬‬

‫‪36‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫مصطلح تحصيل حاصل والقضايا هنا صادقة بالضرورة أل نها تتالئم مع كل اإلمكانيات"‪ 1 .‬فهذا النوع‬

‫من القضايا التحليلية ي تضمن المنطق والرياضيات إذ أنه يصفها بتحصيل حاصل وهي صادقة ألنها‬

‫تتالئم مع ك ل اإلمكانيات‪ ،‬أما النوع الثاني فهو القضايا الواقعية التي تستبعد اإلمكانيات وتضع فاصل‬

‫حول اإلمكانيات الفعلية‪ " .‬القضايا الواقعية وهي تستبعد إمكانيات معينة وهي اع تبارها كذلك تضع‬

‫فاصال حول اإلمكانيات الفعلية وهي القضايا" ‪ "Synthetic‬وهي الصور الممكنة للوقائع ولكنها ليست‬

‫بحال القضايا الضرورية"‪ 2 .‬إذ أن هذا النوع من القضايا يستبعد اإلمكانيات الفعلية ويضع فاصال لها‪.‬‬

‫فقد حدد فتجنشتين موقفه من مبدأ التحقيق‪ ،‬وذلك من خالل العالقة التي يقيمها بين القضية‬

‫األولية والواقعة الذرية‪ " .‬ذلك أنه يحدد لنا موقفه من مبدأ التحقيق في العالقة التي يقيمها بين القضية‬

‫األولية والواقعة الذرية"‪ 3 .‬إذ أنه يقيم العالقة بين القضية األولية والواقعة الذرية في مبدأ التحقيق عن‬

‫طريق فكرة الرسم المنطقي التي يمكن بها وصف العالم‪ " .‬يحدد فتجنشتين عالقة القضية األولية‬

‫بالواقعة الذرية عن طريق فكرة الرسم"‪ 4 .‬فقد حدد العالقة بين القضية األولية بالواقعة الذرية عن طريق‬

‫فكرة الرسم‪ .‬حيث بين أن للقضية والرسم عالقة ترادف‪ .‬فهو لم يكن يفكر في مبدأ التحقيق‪ ،‬ويكفي أن‬

‫نفهم القضية‪ " .‬ولذلك يمكننا أن نفهم القضية بدون أن تعرف ما إذا كانت صادقة أو كاذبة وأننا لنفهمها‬

‫إذا فهمنا لألجزاء التي تتألف منها"‪ 5 .‬أي ليس علينا أن نتحقق من القضية بل بفهمها وذلك عن طريق‬

‫فهم الكلمات التي تتألف منها‪ ،‬وهذا ما يثبت صدقها أو كذبها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد مهران ومحمد مدين‪ ،‬مقدمة في الفلسفة المعاصرة‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار قباء‪ ،‬القاهرة‪2009 ،‬م‪ ،‬ص ‪.191‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.192‬‬
‫‪3‬‬
‫ماهر عبد القادر محمد علي‪ ،‬فلسفة التحليل المعاصر‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪1404 ،‬هـ ـ ‪1994‬م‪،‬‬
‫ص ‪.214‬‬
‫‪4‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.214‬‬
‫‪ 5‬محمد مهران ومحمد مدين‪ ،‬مقدمة في الفلسفة المعاصرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬

‫‪37‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫وكانت المرحلة ال ثانية من تفكيره ذكر الماهوية ‪ ،‬التي ترى األشياء ماهيات وتكون ذات معنى‬

‫واحد‪ " .‬فهو وجه ضربة ثانية إلى الماهوية وهي الفلسفة التي ترى لألشياء ماهيات معينة بأن يقول‬

‫تفشل في أن تكون ذات لفظ محدد كذلك تتعرض مجموعة الخصائص المرتبطة باللفظ التعبير"‪ 1 .‬فكان‬

‫اإلتجاه الثاني في فلسفته هي الماهوية‪ ،‬والتي ترى األشياء ماهيات معينة كما أنها تفشل في تحديد لفظ‬

‫واحد له‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ ‪ - 2‬رودولف كارناب‪:‬‬

‫إن الوضعية المنطقية كانت تطلق على نفسها إسم فلسفة التحليل‪ ،‬وكان يطلق أنصارها إسم‬

‫فالسفة اللغة على أنفسهم‪،‬ومن بينهم رودولف كارناب‪ .‬الذي كان يؤكد منذ بداية بحثه على تحليل‬

‫المشكل الفلسفة عن طريق تحليل المشاكل اللغوية ‪ " .‬المشاكل الفلسفية هي في نهاية التحليل مشاكل‬

‫لغوية‪ ،‬بمعنى أن اللغة الطبيعية أو العادية التي تستعملها ليست منطقية على اإلطالق‪ ،‬بل يشوبها دوما‬

‫الغموض واال لتباس‪ ،‬لذا فإن الشرط األساسي للوصول إلى وضوح فلسفي هو تغيير اللغة التي‬

‫تستعملها"‪ 2 .‬فهو يرد كل المشاكل الفلسفية إلى عدم ال تحليل الصحيح للمشاكل اللغوية النائجة عن‬

‫االستخدامات للغة العادية‪ ،‬حيث يجب علينا استبدالها بلغة مثالية خالية من المشاكل اللغوية‪ .‬كما أنه‬

‫يوصي با ستخدام مبدأ التحقيق وذلك بإقامة اللغة التي تستبعد كل التوكيدات غير قابلة للتحقق‪ ،‬وذلك‬

‫يرجع إلى أن مبدأ التحقق ينبغي أن يصاغ بطريقة مغايرة‪ " .‬إنه يوصي بإقامة لغة تستغني عن‬

‫التوكيدا ت التي ال تقبل التحقق أي لغة شيئية‪ .‬ال تكون قضاياها ذات معنى ّإال إذا ترتب عليها نتائج‬

‫تجريبية وهنا يسقط كارناب بذلك إلى أن مبدأ التحقق ينبغي أن يصاغ بطريقة مختلفة‪ ،‬فنحن نستطيع‬

‫‪1‬‬
‫عبد الفتاح الديدى‪ ،‬اإلتجاهات المعاصرة في الفلسفة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.214‬‬
‫‪ 2‬جورج زيناتي‪ ،‬رحالت داخل الفلسفة الغربية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.143‬‬

‫‪38‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫القول بأن ع با ةر من العبارات هي ذات معنى‪ ،‬إذا كان من استطاع تحديده درجة احتمالها"‪ 1 .‬فهو يوصي‬

‫بإقامة لغة تستغني عن كل التوكيدات الموجودة في اللغة الشيئية والتي ال تقبل التحقق‪ ،‬وتكون قضاياها‬

‫ذات معنى إذا ترتب عليها ال نتائج التجريبية‪،‬كما يجب إستخدام مبدأ التحقق بطريقة مغايرة‪.‬‬

‫ففلسفة كارناب هي عبارة عن فاعلية ونشاط وليست معتقدات وأ نساق ونظم متكاملة‪ ،‬غير أنه‬

‫نما نحن يجب أن نفرض هذه األسئلة سواء كانت تتعلق‬


‫يقول بعدم اإلجابة عن األسئلة الفلسفية‪ ،‬وا ّ‬
‫بالميتافيزيقا أو غيرها‪ .‬فيجب أن نركز إهتمامنا في التحليل المنطقي‪ " .‬بأننا ال نجيب عن األسئلة‬

‫الفلسفية‪ ،‬وبدال من ذلك فنحن نرفض جميع األسئلة سواء تتعلق بالميتافيزيقا أو نظرية المعرفة أو‬

‫األخالق ألن اهتمامنا هو بالتحليل المنطقي"‪ 2 .‬فهو رافض لإلجابة عند كل األسئلة الفلسفية سواء كانت‬

‫في الميتافيزيقا أو في األخالق‪ ،‬ويجب أن يولي اهتماماته في التحليل المنطقي‪.‬‬

‫حيث أن ب نائه المنطقي للعلم خصصه فقط باال هتمام والتعامل مع الخصائص البنائية‪ ،‬كما وضع‬

‫قواعد اللغة‪ ،‬وهما قاعدتان‪ :‬األولى تشكيل وصياغة اللغة‪ ،‬والثانية هي استنباط الجمل من الجمل أخرى‪.‬‬

‫" في ال بناء المنطقي للغة العلم على أساس أن العلم يتعامل فقط مع وصف الخصائص البنائية لألشياء‬

‫في الزمان والمكان والعالقات التي تربطها ببعضها البعض‪ ،‬ووضع كارناب قواعد هذه اللغة على نوعين‬

‫هما‪ :‬قواعد تشكيل وصياغة الجمل والتعبيرات الفيزيائية ثم قواعد استنباط الجملة من األخرى"‪ 3 .‬فإن‬

‫البناء المنطقي للعلم يقوم فقط على الخصائص البنائية لألشياء‪ ،‬وذلك في الزمان والمكان والعالقات‬

‫ال تي تربطها ببعضها البعض‪ ،‬كما وضع قاعدتين للغة‪ ،‬األولى تشكيل وصياغة الجمل‪ ،‬والثانية استنباط‬

‫الجمل من جمل أخرى‪ ،‬وبين أن المنهج الذي اعتمده في معالجة المشكالت الفلسفية والتي سماها‬

‫‪1‬‬
‫فؤاد كامل‪ ،‬أعالم الفكر الفلسفي المعاصر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد مهران ومحمد مدين‪ ،‬مقدمة في الفلسفة المعاصرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.200‬‬
‫‪3‬‬
‫يمنى طريف الخولي‪ ،‬فلسفة العلم في القرن العشرينق األصول‪،‬الحصاد‪ ،‬األفاق المستقبلية)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 294‬ـ‬
‫‪.294‬‬

‫‪39‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫مشكالت المنطق العلمي التي تقوم على مسألة الدقة والتي نقصد بها الصياغة الدقيقة للمشكالت‬

‫النظمية‪ " .‬إن منهج كارناب في المشكالت الفلسفية‪ ،‬والتي يسميها مشكالت منطق العلم‪ .‬إنما تقوم على‬

‫أن المسألة هي مسألة الدقة في الصياغة‪ ،‬فإذا ما صيغت تلك المشكالت‪ ،‬بما فيها مشكلة الصمت في‬

‫الرسالة صياغة دقيقة فإنه يتبين أنها مشكالت نظمية حيث المسألة كما يرى ما ال رب هي مسألة‬

‫مواضعة"‪ 1 .‬فإن المنهج الذي اعتمده في حل مشكالت منطق العلم يقوم على مسألة الصياغة الدقيقة‬

‫للمشكالت النظمية‪ ،‬التي تهتم بمسألة توحيد العلم‪.‬‬

‫ف قد تحدث عن األسس التجريبية التي تعتمد عليها لغة العلم حيث أنه يسمي الجمل بالبروتوكول‬

‫على أنها الجمل التي تشير مباشرة إلى الخبرات الحسية‪ ،‬فهي المحك الذي يبدأ في قياس واختبار بقية‬

‫جمل اللغة العلمية‪ .‬حيث تعتبر جمل أساسية غير قابلة للتعديل‪ " .‬األسس التجريبية التي ترتكز عليها‬

‫لغة العلم فهي ما يسمى بجمل البروتوكول ويعرفها كارناب بأنها الجمل التي تشير مباشرة إلى خبرات‬

‫حسية متاحة‪ ،‬جمل البروتوكول هي المحك الذي نبدأ منه قياس واختبار بقية الجمل اللغة العلمية بغير‬

‫أن تكون هي ذا تها بحاجة إلى قياس واختبار أو تبرير وهي جمل أساسية غير قابلة لل تعديل‪ ،‬وعلى هذا‬

‫األسس تكون لغة العلم المنطقية"‪ 2 .‬فيرى أن األسس ا لتجريبية هي لغة العلم‪ ،‬ويطلق عليها إسم‬

‫البروتوكول‪ ،‬ويقول عنه بأنه الجمل التي تشير إلى خبرات حسية‪ ،‬كما أنها المحك الذي يبدأ منه قياس‬

‫واختبار القضية بالجمل اللغوية العلمية‪ ،‬و تكون بحاجة إلى قياس أو اختبار أو تبرير‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫يمنى طريف الخولي‪ ،‬فلسفة العلم في القرن العشرين ق األصول‪،‬الحصاد‪ ،‬األفاق المستقبلية )‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪ 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.294‬‬

‫‪40‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫‪ 2‬ـ ‪ - 3‬موريس شليك‪:‬‬

‫يرى موريس شليك الفلسفة برؤية مغايرة على أنها ليست علما بل هي نشاط‪ ،‬الذي يوجد في‬

‫كل علم باستمرار‪ ،‬وعلى العلوم قبل أن تكشف صحة القضية أو بطالنها أن تعرف المعنى الذي‬

‫نقصده‪ " .‬الفكرة األساسية في فلسفة موريس شليك هي أنها ليست علما بل هي نشاط‪ ،‬وهذا النشاط أو‬

‫الفعالية تعمل في كل علم باستمرار‪ ،‬ألنه يقبل أن تستطيع العلوم اكتشاف صحة القضية أو بطالنها‬

‫فالبد أوال من معرفة معناها فموضوع الفلسفة هو معنى"‪ 1 .‬فالفك ةر األساسية في فلسفته هي ليست علما‬

‫بل هي نشاط يوجد في كل علم‪ ،‬ويقبل باكتشاف صحة القضية أو بطالنها‪ ،‬ولكن قبل ذلك يجب عليه‬

‫أوال معرفة معناها‪ ،‬ألن موضوع الفلسفة هو المعنى في حد ذاته‪ .‬حيث ينظر إلى الفلسفة إلى أن مهمتها‬

‫الوحيدة هي إيضاح المعنى باعتباره خطوة ضرورية في كل بحث علمي ومهمتها الكشف عن المنطق‬

‫العلمي من جهة وتنقية لغة الفلسفة من الغموض من جهة أخرى‪ " .‬ومهمتها هي إيضاح المعنى‬

‫وايضاح المعنى خطوة ضرورية في كل بحث علمي‪ ،‬وبعبارة أخرى نستطيع أن نقول إن المهمة الرئيسية‬

‫للفلسفة هي اكتشاف منطق العلم من ناحية‪ ،‬وتنقية اللغة الفلسفية في استعماالتها التقليدية من ألوان‬

‫الخلط والغموض من ناحية أخرى"‪ 2 .‬يرى شليك أن مهمة الفلسفة هي إيضاح المعنى واعتبره خطوة‬

‫ضرورية في كل بحث علمي‪ ،‬وذلك للكشف عن منطق العلم من جهة‪ ،‬وتنقية اللغة الفلسفة المستعملة‬

‫من الغموض والخلط من جهة أخرى‪.‬‬

‫فهو أول من قام بصياغة مبدأ التحقيق قبل فهم القضية التي يجب علينا التدقيق في حاالتها‬

‫الفردية التي تجعلها صادقة أو كاذبة‪ ،‬فالخبرة تكشف لنا عن مدى صدقها أو كذبها‪ ".‬قدم شليك أول‬

‫صياغة محددة لمبدأ التحقق وفي عبارته المشهورة التي يقول فيها إنه حتى نفهم القضية ما ينبغي أن‬

‫‪1‬‬
‫فؤاد كامل‪ ،‬أعالم الفكر الفلسفي المعاصر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫تكون قادرين على أن نشير بدقة للحاالت الفردية التي تجعل القضية صادقة‪ ،‬وكذلك الحاال ت التي‬

‫تجعلها كاذبة‪ ،‬وهذه الحاالت هي وقائع الخبرة‪ ،‬فالخبرة هي التي تقرر صدق القضايا أو كذبها"‪ 1 .‬نجد‬

‫شليك قام بصياغة مبدأ التحقيق بغية فهم القضية لتمكن على القد ةر لإلشا ةر إلى الحاالت الفردية بدقة‪،‬‬

‫وهذه األخي ةر تجعل منها صادقة أو كاذبة‪.‬‬

‫فهو ينظر إلى المعرفة العلمية من حيث هيكلها وبنيتها التي تميزها الخبرة‪ .‬كما حاول نفي ذات‬

‫الخبرة وقال بأن تسميتها هي العلمية‪ ،‬ألنها ال تهتم بالمضمون بل بالشكل فقط‪ ،‬ألن العلم ال يهتم ّإال‬

‫بالشكل‪ " .‬فقد حاول شليك أن ينفي كل ما هو ذاتي عن الخبرة التي يمكن أن نسميها علمية‬

‫وا لموضوعي في الخبرة هو الصورة أو اإلطار أو الهيكل‪ ،‬وليس المضمون أو المحتوى‪ ،‬فالعلم ال يهتم‬

‫ّإال بال بنية أو هيكل تجربتنا"‪ 2 .‬فحاول الفصل بين الذاتية والموضوعية في الخبرة‪ ،‬ألنها موضوعية تهتم‬

‫فقط باإلطار والهيكل والصورة وليس بالمحتوى والمضمون‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ ‪ – 4‬آلفريد آير‪:‬‬

‫يرى آير أن الفلسفة ليست صياغة الوقائع‪ ،‬وانما هي ذات طابع لغوي‪ ،‬كما هي ليست حقائق‬

‫تأملية‪ ،‬بل هي مبادئ أولية‪ ،‬كما تبحث عنها وعن كل ما يصدر عنها من أحكام أوالنية نتيجة اعتقداتنا‬

‫التجريبية‪ ،‬ويجب على الفيلسوف أن يحصر نفسه في أعمال التحليل والتوضيح‪ " .‬ويؤكد آير فيما يتعلق‬

‫بوظيفة الفلسفة على أنه ينبغي على الفيلسوف ّأال يحاول صياغة حقائق تأملية أو يبحث عن مبادئ‬

‫أولى‪ ،‬أو أن يصدر أحكاما أوالنية ق‪ )Apriori‬تتعلق بصحة اعتقداتنا التجريبية‪ ،‬وانما يجب عليه أن‬

‫يحصر نفسه في أعمال " التوضيح" و"التحليل" "‪ 3 .‬نجد وظيفة الفلسفة والفيلسوف بالنسبة له هي أعمال‬

‫‪ 1‬ماهر عبد القادر محمد علي‪ ،‬فلسفة التحليل المعاصر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.290‬‬
‫‪2‬‬
‫فؤاد كامل‪ ،‬أعالم الفكر الفلسفي المعاصر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد مهران ومحمد مدين‪ ،‬مقدمة في الفلسفة المعاصرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.203‬‬

‫‪42‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫التحليل والتوضيح‪ ،‬وليس صياغة حقائق تأملية والبحث في المبادئ األولية‪ .‬حيث يرى بأن للتحليل‬

‫أربعة أنواع‪ ،‬وأهمها التحليل المباشر الذي يحل المشاكل الفلسفية بحدود " التحليل المباشر ولكن هذا‬

‫التحليل يلعب فيما يرى آير دور محدود في حل المشكالت الفلسفية وان كانت فائدته ال تظهر بوضوح‬

‫في مجال فلسفة القانون"‪ 1 .‬إن التحليل المباشر له حدود في حل المشكالت الفلسفية‪ ،‬وفائدته ال تظهر‬

‫ّإال في فلسفة القانون‪.‬‬

‫فقد ميز بين نوعين من التحقيق الذي يعود إلى تص نيفه للقضايا القبلية والتجريبية‪ ،‬فالنوع األول‬

‫هو ال تحقيق القوي الذي يصف القضية إذا كان من الممكن إثبات صدقها‪ ،‬ويكون هذا اإلثبات حاسما‪،‬‬

‫أما النوع الثاني هو التحقيق الضعيف الذي يعتمد على الخبرة لتحقيق صدقه ويكون احتمالي‪ " .‬التحقيق‬

‫بالمعنى القوي توصف به القضية إذا كان من الممكن إثبات صدقها إثباتا حاسما‪ .‬وهذا المعنى للتحقيق‬

‫تتمتع به القضايا القبلية‪ .‬أما القضية التي تتصف بأنها ممكنة التحقيق بالمعنى الضعيف فهي إذا كان‬

‫من الممكن للخبرة أن تجعل تلك القضية صدقا احتماليا‪ ،‬بمعنى الميل للتصديق‪ ،‬وهذا المعنى ينسحب‬

‫على قضايا العلوم التجريبية"‪ 2 .‬حيث صنف التحقيق إلى نوعين‪،‬األول التحقيق القوي الذي كان بإمكانه‬

‫تحقيق صدقه تحقيقا حاسما إذ تتمتع به القضايا القبلية‪ ،‬أما الثاني فهو التحقيق الضعيف‪ ،‬الذي يتحقق‬

‫عن طريق الخبرة ويكون فيه احتمالية الصدق‪ ،‬إذ تتمتع قضايا العلوم التجريبية‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ ‪ - 5‬كارل هيمبل‪:‬‬

‫نجد كارل هيمبل من بين الفالسفة الوضعيين الذي كانوا ضمن حلقة فيينا‪ ،‬ومن معارضي‬

‫مبدأ التحقيق الذي جاء به بقية الفالسفة‪ ،‬كما أنه ليس حال للمشاكل المنطقية‪ ،‬فإن تاريخ العلم ال يوجد‬

‫‪1‬‬
‫محمد مهران ومحمد مدين‪ ،‬مقدمة في الفلسفة المعاصرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.204‬‬
‫‪2‬‬
‫ماهر عبد القادر محمد علي‪ ،‬فلسفة التحليل المعاصر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.193‬‬

‫‪43‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫فيه شيء نسميه بمعيار التحقق‪ ،‬فالعلوم كلها تسعى إلى التأييد‪ ،‬ف يعتبر أن التحقيق التام يستحيل وذلك‬

‫ألنه مرتبط باال ستقراء‪ " .‬فقد وجد هيمبل أن مبدأ التحقيق يفضي إلى مشكالت منطقية ال يمكن الخروج‬

‫منها‪ ،‬فضال على أن تاريخ العلم ال يدلنا بصورة واضحة على ما يمكن أن نسميه بالتحقيق فالعلوم‬

‫نسعى لدرجة في التأييد‪ ،‬ألن التحقيق التام أم ار مستحيال إلرتباطه باالستقراء‪ ،‬فإذا كنا نبحث عن‬

‫التحقيق للفروض التي يضعها العالم وهو بصدد تفسير الظواهر‪ ،‬فإن هذا اإلجراء يتطلب منا " أن‬

‫ننتظر نهاية العالم" حتى يمكن أن نتحقق بالمعنى الدقيق لكلمة التحقيق""‪ 1 .‬فنجد مبدأ التحقيق يؤدي‬

‫إلى مشكالت منطقية ال يوجد لها حل‪ ،‬وان تاريخ العلم ال يذكره‪ ،‬فالعلوم تسعى من أجل التأييد‪ ،‬وذلك‬

‫ألن التحقيق التام يبقى أم ار مستحيال وذلك إلرتباطه باالستقراء‪.‬‬

‫إذ أنه كان من منتقدي معيار التحقيق‪ ،‬كما أنه قال بمعيار آخر سماه معيار قابلية التأييد‬

‫واالختبار‪ ،‬فهو المبدأ الوحيد الذي يفيد العلم ومنهجه‪ ،‬كما يعتبر معيار التحقق أنه يؤدي إلى مشكالت‬

‫منطقية‪ ،‬ومعيار تأييد يقوم بتمييز النظريات العلمية‪ " .‬لهذا تمسك بمعيار القابلية للتأييد واالختبار‬

‫بصورة نجعله معيار الوضعيين الوحيد الذي يفيد العلم ومنهجه‪ ،‬إذ يمكن بواسطته تمييز النظرية‬

‫العلمية‪ ،‬وأيضا المفاضلة بينها وبين النظريات العلمية األخرى عن طريق ما أسماه بدرجات قابلية للتأييد‬

‫واختبار"‪ 2 .‬فإنه ينادي بمعيار التأييد واالختبار الذي يقوم بتمييز النظرية العلميـة عن باقـي‬

‫النظريات األخرى‪.‬‬

‫رفض هيمبل معيار التحقيق الذي جاء به أنصار الوضعية المنطقية في مقابل إعطاء معيار‬

‫آخر‪ ،‬وهو معيار التأييد الذي يرى أن معيار التحقق أنه ال يقدم لنا نتائج حاسمة‪ ،‬بل يجب التأكيد على‬

‫البيانات مبينا دورها الهام في عملية تأييد الفروض أو رفضها‪ " .‬قيام الباحث بصياغة الفروض والعمل‬

‫‪1‬‬
‫ماهر عبد القادر محمد علي‪ ،‬فلسفة التحليل المعاصر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.294‬‬
‫‪2‬‬
‫يمنى طريف الخولي‪ ،‬فلسفة العلم في القرن العشرينق األصول‪ ،‬الحصاد‪ ،‬األفاق المستقبلية)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.294‬‬

‫‪44‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫على اختبارها‪ .‬ولكن هذا اال ختبار ال يقدم له تحقيقا حاسما‪ ،‬بل تأكيد مؤسسا على بعض البيانات‪،‬‬

‫فالبينة تؤدي دو ار هاما ألنها الدعامة التي يستند إليها الباحث في تأييد فروضه أو رفضها"‪ 1 .‬فإن مبدأ‬

‫التأييد يقوم باالختبار إذ ال يقدم أي تحقيق واذا قدم لنا يكون بطريقة غير حاسمة‪ ،‬وان هذا المعيار يقوم‬

‫دور هاما للباحث في إستناده‬


‫بصياغة الفروض من خالل البيانات ويعمل على اختبارها‪ ،‬فالبينة لها ا‬

‫ل تأييد أي فرض أو رفضه‪.‬‬

‫‪ )3‬انتقادات كارل بوبر للوضعية المنطقية‪:‬‬

‫لقد وجهه بوبر مجموعة من اال نتقادات للفالسفة الوضعيين المنطقيين‪ّ ،‬إال أنه في بداية أعماله كان‬

‫من بين الذين كانوا يكتبون في الجريدة العلمية التي أسستها الوضعية المنطقية‪ ،‬كما أنه أحد أعضاء حلقة‬

‫فيينا‪ ،‬ومشكك معاصر‪ .‬فكان يدعو إلى الالمعقول‪ ،‬حيث تتميز فلسفته باألصالة‪" .‬نعتقد أن القراءة الكاملة‬

‫ألعمال كارل بوبر هي وحدها الكفيلة بإزالة اللبس الذي يعتور تصنيفه‪ ،‬فهو عضو من أعضاء جماعة‬

‫فيينا‪ ،‬تجريبي منطقي مقتنع أحيانا وهو منشق عنها‪ ،‬أو واحد من الشكاك المعاصرين‪ ،‬أو واحد من الداعين‬

‫الالمعقول أحيانا أخرى‪ ،‬وما يمكننا قوله حول المسألة هو أن الفلسفة خليق بنا أن نتناولها‪ ،‬في تمييزها‬

‫وأصالتها‪ ،‬وان تقاطعت أ طروحاتها منهجيا وقيمتها مع الكثير من الفلسفات المعاص ةر األخرى"‪ 2 .‬كان كارل‬

‫بوبر من المشككين المعاصرين والمنتقدين للوضعية المنطقية‪ ،‬وأحد دعات الالمعقول‪ ،‬فإن فلسفته تختلف‬

‫من حيث النتاول والتميز واألصالة‪.‬‬

‫فهو منتقد للوضعية المنطقية وذلك من خالل المنهج الذي اتخذته كمبدأ أساسي لدراستها للمشاكل‬

‫العلمية‪ ،‬فاعتمدته من أجل الوصول إلى حلول‪ .‬ويعود هذا اإلنتقاد إلى المبدأ الذي اعتمدوه في المنهج ليس‬

‫‪1‬‬
‫ماهر اختيار‪ ،‬إشكالية معيار قابلية التكذيب عند كارل بوبرق بين النظرية و التطبيق)‪ ،‬ط‪ ،‬منشورات الهيئة العامة‬
‫السورية للكتاب‪ ،‬دمشق ـ سوريا‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪.93‬‬
‫‪2‬‬
‫لخضر مذبوح‪ ،‬فلسفة كارل بوبر‪ ،‬ط‪ ،‬دار األلمعية للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪2011 ،‬م‪ ،‬ص‪.29‬‬

‫‪45‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫مبدءا صحيحا إليجاد الحل للمشاكل العلمية‪ .‬حيث أنه رفض اإلتجاه الوضعي الذي كان يفسر كل‬

‫المشاكل الفلسفية باللغوية‪ .‬وذلك ألنها ليست مشاكل لغة‪ ،‬كما رفض كل الفلسفات التحليلية ألن اللغة‬

‫ليست مهمة‪ .‬وانما تعد مشاكل لغوية ال ينبغي أن تدخل في المتاهات اللفظية‪ "،‬أما عن منحاها اللغوي‪،‬‬

‫فهو أيضا ليس بجديد اإلهتمام بالكلمات ومعانيها واحد من أقدم المشاكل الفلسفية فهو يرفض الفلسفات‬

‫التحليلية اللغوية بتع بير موجز يقول فيه‪ ":‬ما زلت على اعتقادي بأن أقصر طريق إلى الخسران العقلي‬

‫المبين هو هجران المشاكل الحقيقية من أجل المشاكل اللغوية" ليس معنى هذا أن بوبر ال يعتبر اللغة‬

‫مهمة‪ ،‬إنها في نظره أخطر مكونات العالم اإلنساني لكن ال ينبغي أن تدور فلسفة اللغة في متاهات‬

‫لفظية"‪ 1 .‬فهو ارفض للمنحى اللغوي الذي ا تخذته الوضعية المنطقية‪ .‬ألنها لم تأتي بشيء جديد‪ ،‬وذلك‬

‫الهتمامها بالكلمات ومعانيها‪ ،‬وهي من أقدم المشاكل الفلسفية‪ ،‬كما أنه يرفض الفلسفات التحليلية واللغوية‬

‫بتعبير قال فيه بأنه سوف يخسر العقل المبين وذلك بسبب هجران المشاكل الحق يقية من أجل المشاكل‬

‫اللفظية‪ .‬فاللغة ليست مهمة وانما ال ينبغي أن تدور في متاهات لفظية‪.‬‬

‫حيث أنه كان مص ار على أن المشاكل اللغوية لم تكن أبدا مشاكل فلسفية‪ ،‬فالمشكلة الفلسفية الوحيدة‬

‫بالنسبة له هي المشكلة العلمية‪ ،‬والتي تتمثل في مشكلة الكوزمولوجية أي فهم العالم بما فيه أنفسنا‪.‬‬

‫" واص ارره أن المشاكل اللغوية لم تكن أبدا مشكلة فلسفية ‪...‬يؤكد بوبر أن المشكلة الفلسفية الوحيدة هي‬

‫عينها المشكلة العلمية الوحيدة‪ ،‬المشكلة الكوزمولوجية أي مشكلة فهم العالم بما في ذلك أنفسنا كجزء من‬

‫العالم "‪ 2 .‬كما أصر على أن المشكلة اللغوية ليست من المشاكل الفلسفية‪ ،‬فالمشكلة الوحيدة هي مشكلة‬

‫الكوزمولوجية‪ ،‬وت تمثل في فهم العالم‪ ،‬ونحن جزء منه‪ ،‬كما اعتبر أنه ال يوجد أصال شيء نسميه بالمشكلة‬

‫‪1‬‬
‫يمنى طريف الخولي‪ ،‬فلسفة العلم في القرن العشرين ق األصول‪ ،‬الحصاد‪ ،‬األفاق المستقبلية)‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 326‬ـ‬
‫‪.321‬‬
‫‪2‬‬
‫يمنى طريف الخولي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.321‬‬

‫‪46‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫اللغوية‪ " .‬غير أن بوبر ال يرى أن هناك شيئا إسمه الفلسفة اللغوية أصال"‪ 1 .‬فلم تكن توجد لديه مشاكل‬

‫لغوية كما أنها غير موجودة أصال‪.‬‬

‫فبالرغم من رفضه للوضعية المنطقية يرى أن المنهج التحليلي اللغوي يمكن أن نسميه منهج الفلسفة‪،‬‬

‫ولكنه ال يلتزم بالفلسفة فقط وانما يشكل كل نقاش عقلي فيكون منهجا للعلوم والفلسفة معا‪ ".‬رغم هذا فإنا‬

‫على إستعداد لتسليم بأن هناك منهج يمكن وصفه " منهج الفلسفة" لكنه ليس صفة للفلسفة وحدها بل إنه‬

‫باألحرى منهج كل نقاش عقالني واذن منهجا للعلوم الطبيعية وللفلسفة أيضا إذ المنهج الذي يدور في ذهني‬

‫يتمثل في طرح المشكالت بوضوح وطرح مختلف الحلول المقترحة حولها بالروح نقدية"‪ 2 .‬فقد كان على‬

‫إستعداد أن يصف المنهج التحليلي اللغوي بالمنهج الفلسفي‪ ،‬ولكنه يجب أن ال يكون صفة للفلسفة فقط‬

‫وانما يجب أن يكون منهج شامال لها وللعلوم الطبيعية في نفس الوقت‪ .‬كما بادر في ذهنه منهج آخر لطرح‬

‫المشكالت بالوضوح‪ ،‬وايجاد حلول لهذه المشكالت بروح نقدية‪.‬‬

‫نقد بوبر الوضعية باعتبار أن المنهج الذي إ تخدته في دراساتها هو المنهج التحليلي المنطقي‪ ،‬حيث ال‬

‫يوجد سواه في دراسة المشاكل الفلسفية‪ ،‬وذلك ألن الفلسفة ليس لها منهج محدد خاص بها‪ ،‬غير أنها‬

‫إتخذت منهج عقيم لم يأتي بأي معرفة جديدة يضيفها إلى الفلسفة‪ ،‬وانما هو يدرس تطور النظريات‬

‫وتغيرها‪ ،‬فإن هذا التعامل الديناميكي ‪ ‬مع النظرية العلمية وذلك بالبحث عن صيرورتها فهو يؤدي إلى فهم‬

‫عقيم لم يساهم في نمو المعرفة‪ ".‬لنعترف جدال بالحاجة إلى ال تحليل المنطقي يحث للنظريات التحليل ال‬

‫يأخذ في اعتباره كيف تتغير ا لنظرية وتتطور فإن هذا التحليل لن يجد في تنقيح أوجه معينة في العلوم‬

‫التجريبية وبعبا ةر أوضح منهج التحليل لن يجدي في نمو المعرفة‪ 3 ".‬إن المنهج التحليل المنطقي يبحث في‬

‫‪1‬‬
‫يمنى طريف الخولي‪ ،‬فلسفة كارل بوبر منهج العلم‪ ...‬منطق العلم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.260‬‬
‫‪2‬‬
‫لخضر مذبوح‪ ،‬فلسفة كارل بوبر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫الديناميكي‪ :‬هو النشط الفعال المتحرك‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪3‬‬
‫المرجع األسبق‪ ،‬ص ‪.216‬‬

‫‪47‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫النظريا ت ويدرس تغيراتها وتطوراتها‪ ،‬فهذا ال تحليل للنظريات ال يجدي أي تنقيح في أوجه معينة فيها‬

‫وخاصة في العلوم التجريبية‪،‬وذلك لعدم مساهمته في بناء المعارف العلمية‪.‬‬

‫يرى بوبر أن المسعى الذي توجه إليه كارناب ليس هو المسعى الحقيقي وانما هو ميتافيزيقي‪ ،‬إذ‬

‫أنه يساهم في بناء الميتافيزيقا بدال من هدمها‪ .‬فإن حصر منهج الفلسفة في منهج التحليل اللغوي ليس‬

‫صفة علمية‪ ،‬كما يرى محللو اللغة أنه يوجد منهج خاص بالفلسفة‪ ،‬فالبحث عن الحقيقة يكون بمناهج‬

‫مختلفة غير محددة ‪ " .‬ومسعى مثل مسعى كارناب هو مسعى ميتافيزيقي مؤسس عما يسمونه " الكيانات‬

‫المزيفة" ومسعى كهذا يحتوي بالتالي على ال تنافس فهو يؤسس للميتافيزيقا أكثر مما يهدمها ولهذا كان‬

‫حصر منهج الفلسفة في منهج تحليل اللغة ليس إج ارءا علميا‪ ":‬يعتقد محللو اللغة‪ ،‬أنهم مطبقون لمنهج‬

‫خاص بالفلسفة‪ .‬أعتقد أنهم على خطأ إذ أنني أعتقد في األطروحة التالية‪ :‬الفالسفة أحرار كاآلخرين في‬

‫البحث عن الحقيقة بأي منهج ال يوجد م نهج خاص بالفلسفة‪ ،‬المشكل الرئيسي لإلبستيمولوجيا كان‬

‫وسيبقى مشكلة نمو المعرفة‪ 1 ".‬إذ يعتبر كارل بوبر بأن كارناب يسعى لإلتجاه الميتافيزيقي أكثر من‬

‫اإلتجاه الحقيقي‪ ،‬رغم أنه كان منتقدا للميتافيزيقا ويسعى إلى تهديمها‪ ،‬حيث ساهم في بنائها‪ ،‬ولهذا‬

‫حصر الفلسفة بمنهج واحد وهو منهج التحليل اللغوي‪ ،‬وان هذا الحصر ليس إجراءا علميا‪ ،‬فالبحث عن‬

‫الحقيقة يكون بأي منهج‪ ،‬وال يوجد منهج خاص بالفلسفة‪ ،‬فالمشكل الرئيسي في معرفته هو عقمها‪ ،‬أي‬

‫ال يوجد نمو في المعرفة لديه‪.‬‬

‫إذ أنه ينتقد الوضعية المنطقية في إتخاذها للماهية بوجود الكليات باعتبارها ذات أهمية كبي ةر بالنسبة‬

‫للعلم‪ ،‬حيث يرى كارل بوبر بأن األشياء الجزئية هي صفات عرضية‪ ".‬ولكن المذهب الماهوي ال يعتقد فقط‬

‫بوجود الكليات‪ .‬بل إنه يؤكد أيضا أهميتها بالنسبة للعلم‪ ،‬فهو يقول إن األشياء الجزئية يظهر فيها الكثير‬

‫‪1‬‬
‫لخضر مذبوح‪ ،‬فلسفة كارل بوبر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.91‬‬

‫‪48‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫من الصفات ال تهم العلم في الشيء‪ 1 ".‬كما ينقد اإلتجاه الماهوي الذي إتخذ ته الوضعية المنطقية في‬

‫الكليات التي اعتبرتها ذات أهمية كبي ةر بالنسبة للعالم‪ ،‬وهي مجرد صفات عرضية بالنسبة له‪.‬‬

‫فكارل بوبر رافض للمنهج الذي إتخذته الوضعية المنطقية في دراساتها وهو منهج التحليل‬

‫المنطقي‪ ،‬والع تبارهم أن اللغة هي مبدأ الذي نقوم من خالله بتحليل المشاكل العلمية ومناقشتها‪ ،‬فالفلسفة‬

‫ليس لها حدود معينة بغية ارتباطها بمنهج واحد‪ " .‬إن التحليل إذا طرح أصال‪ ،‬فال يكون للغة‪ ،‬ولكن تحليال‬

‫لموقف مشكلة العلمية وللمناقشات العلمية‪ ،‬وفضال عن هذا فالفلسفة ليس لها منهج محدد خاص بها‪ ،‬لقد‬

‫رأينا مسألة المنهج غير ذات أهمية في توصل إلى نظريات العلم‪ ،‬غير ذات أهمية بالنسبة للفلسفة‪ ،‬وهي‬

‫متميزة عن العلم بأنها مبحث ال تحده حدود وال تقيده قيود كل مناهج مشروعة طالما ستفضي إلى نتائج ال‬

‫فيعتبر أن التحليل ليس مرتبط فقط باللغة وانما مرتبط أيضا بالمواقف العلمية والحد من‬ ‫‪2‬‬
‫يمكن مناقشتها‪".‬‬

‫مشاكلها ومناقشتها‪ ،‬وذلك ألن الفلسفة ليس لها منهج خاص بها من حيث النظريات العلمية التي ال تحدها‬

‫حدود وال تقيدها قيود‪ ،‬فكل المناهج تدرس من أجل بلوغ غاية و نتيجة معينة ‪.‬‬

‫كما يرى أيضا أن الفلسفة ال تعمل على حل األلغاز اللغوية‪ ،‬التي كانوا يرمون إليها‪ ،‬وانما تدعوا‬

‫دائما إلى إزالة سوء الفهم‪ ،‬وقد جعلت هذه األخيرة مهمتها األولى والضرورية‪ " .‬أنا ال أرى أن الفلسفة‬

‫هي حل األلغاز اللغوية‪ ،‬ولو أن إزالة سوء الفهم تكون أحيانا مهمة أولى ضرورية"‪ 3 .‬فإن مهمة األولى‬

‫والضرورية ال تي يجب على الفلسفة القيام بها هي محاولة إزالة سوء الفهم‪ ،‬بدال من محاولة حل األلغاز‬

‫اللغوية كما ذهب إليها أنصار الوضعية المنطقية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫كارل بوبر‪ ،‬عقم مذهب التاريخيقدراسة في مناهج العلوم اإلجتماعية) ‪ ،‬تر‪ :‬عبد الحميد صبره ‪ ،‬اإلسكندرية ـ مصر‪ ،‬د‪.‬‬
‫ط‪1949 ،‬م‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪2‬‬
‫يمنى طريف الخولي‪ ،‬فلسفة كارل بوبر منهج العلم ‪ ...‬منطق العلم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 266‬ـ ‪.261‬‬
‫‪3‬‬
‫كارل بوبر‪ ،‬بحثا عن عالم أفضل‪ ،‬تر‪ :‬أحمد مستجير‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪ .‬ط‪1999 ،‬م‪،‬‬
‫ص ‪.216‬‬

‫‪49‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫فبوبر ال يعتبر كل األفكار الميتافيزيقية هي لغو وخالية من المعنى‪ ،‬بل توجد هناك فلسفة‬

‫ميتافيزيقية تؤثر على مخ تلف العلوم‪ .‬وفي مختلف الحقبات الزمنية‪ ،‬ومن بينها الحقبة المعاصرة‪.‬‬

‫" ليست جميع اآلراء الميتافيزيقية هي لغو أو كالم يخلو من المعنى ‪ ،Nonsense‬وهناك من الفلسفات‬

‫الميتافيزقية لها أثر كبير على العلوم في مختلف العصور‪ ،‬منها العلم المعاصر‪ ،‬وهناك أمثلة كثيرة‪" ،‬إن‬

‫الميتافيزيقية يستحيل أن تكون لغو‪ ،‬فإذا كانت بعض األفكار الميتافيزيقية القليلة قد عاقت التقدم العلمي‪،‬‬

‫وأبرزها فكرة أفالطون بتحقير المادة ‪...‬هناك أفكار ميتافيزيقية أخرى ساعدت على تقدم العلم بل وكانت‬

‫ضرورية له"‪ 1 ".‬حيث يرى بوبر أن األفكار الميتافيزيقية ليست كلها لغو وكالم ليس له أي معنى‪ ،‬بل‬

‫توجد بعض الفلسفات الميتافيزيقية لها أهمية وأثر كبير بالنسبة للعلوم المعاصرة‪.‬‬

‫حيث أصر إص ار ار قاطعا لمحاولة إيجاد حلول فلسفية‪ ،‬ومحاولة التفلسف‪ ،‬وكان يرفض التحليلية‬

‫والوضعية المنطقية‪ ،‬وهذا راجع لطريقتهم حول استعمال قواعد اللغة واهمال المشاكل الفلسفية الصحيحة‬

‫واعتبارها لغو‪ " .‬يصر إص ار ار قاطعا على حقيقة المشاكل الفلسفية وعلى ضرورة التفلسف‪ ،‬ويرفض كل‬

‫جهود التحليلية والوضعية إلذابة هذه المشاكل ويرفض أسلوبهم‪ ،‬حول قواعد استعمال اللغة يرفض بوبر‬

‫محاولة اعتبار المشاكل الفلسفية الحقيقية لغوا‪ ،‬ويعتبر مشاكلهم هي لغو فإنه يرفض حتى محاولتهم‬

‫العتبارها عنص ار مكونا للمشاكل العلمية‪ ،‬أو حتى اعتبارها مشاكل منطقية على أساس أن حلها يمكن فقط‬

‫لقد كان يصر على ضرورة التفلسف وحل المشاكل الفلسفية الحقيقية التي‬ ‫‪2‬‬
‫بواسطة األساليب المنطقية‪".‬‬

‫طالما اعتبرتها الوضعية لغوا‪ ،‬ويعتبر أن مشاكلهم هي لغو‪ ،‬ورفض محاولتهم باعتبارها عنص ار مكونا في‬

‫المشاكل العلمية وحتى المنطقية‪ ،‬فهو رفض طريقتهم في استخدام قواعد اللغة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫حنان علي عواضة‪ ،‬النزعة العلمية في فلسفة كارل بوبر ق بين التجربة والميتافيزيقيا)‪ ،‬ط‪ ،‬دار الهادي‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪،‬‬
‫‪1422‬هـ ـ ‪2002‬م‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪2‬‬
‫يمنى طريف الخولي‪ ،‬فلسفة كارل بوبر منهج العلم ‪ ...‬منطق العلم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 214‬ـ ‪.214‬‬

‫‪50‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫رفض بوبر الفكرة التي اعتبرت أن كل القضايا والمسائل الميتافيزيقية هي لغو وليس لها معنى‪،‬‬

‫وذلك باعتبار أن بعض القضايا الميتافيزيقا هي ذات فائدة كبيرة بالنسبة للعلم وليست كلها زائفة‪ " .‬ألن‬

‫بوبر يعتقد أن بعض القضايا الميتافيزيقية ذات فائدة للعلم‪ ،‬وليس كل الميتافيزيقا زائفة‪ 1 ".‬فهو يعتقد أن‬

‫القضايا الميتافيزيقية ليست زائفة وخالية من المعنى‪ .‬ويعتبر أن الفلسفة ليست محاولة توضيح وتحليل‬

‫وتفسير الكلمات واللغات والقضايا‪ ،‬حيث اعتبر المفاهيم والكلمات مجرد وسائل نقوم بواسطتها صياغة‬

‫القضايا واالفتراضات‪ ،‬ويمكن أن تكون غير صحيحة في ذاتها‪ ،‬فالمفاهيم تخدم فقط لغتنا الوصفية وال‬

‫يجب أن يكون هدفها التحليل‪ " .‬إن المفاهيم أو الكلمات هي مجرد أدوات لصياغة القضايا واالفتراضات‬

‫الحدسية والنظريات‪ .‬فالمفاهيم أو الكلمات ال يمكن أن تكون صحيحة في ذاتها‪ ،‬إنما هي تخدم لغتنا‬

‫الوصفية والجدلية‪ ،‬ال يجوز أن يكون هدفنا هو تحليل المعاني‪ ،‬وانما البحث عن الحقائق مثيرة وهامة‪،‬‬

‫ونعنى عن نظريات حقيقية‪ 2 ".‬لقد اعتبر المفردات اللغة الوصفية والجدلية التي نستخدمها بصفة عفوية‪،‬‬

‫وال يجب أن تكون هدفها تحليل المعاني‪ ،‬وبدال من تحليل اللغات والنظريات واالفتراضات والقضايا التي‬

‫هي ليست صحيحة في ذاتها‪ ،‬يجب البحث عن الحقائق الهامة أي نظريات حقيقية‪.‬‬

‫إن المعرفة تحتاج دائما إلى التقدم واالزدهار‪ ،‬فهدف اإلبستيمولوجيا يسعى دائما إلى البحث‬

‫والمساهمة في التقدم‪ ،‬حتى جاء الوضعيون أفقدوها نغمتها‪ ،‬ألنهم كانوا يحللون ما هو كائن دون أي‬

‫زيادة‪ ،‬فهم لم يساهموا في نمو المعرفة والعقم في إنتاج معارف جديدة‪ " .‬يرى بوبر أن هدف‬

‫اإلبستيمولوجيا هو المساهمة في تقدم المعرفة حتى جاء الوضعيون ليفقدوها هذه النغمة ويحترفون‬

‫ممارسة منهج مستحدث كموضة‪ ،‬فتغدو الفلسفة معهم تطبيقات وممارسات وليست بحثا وطرح أفكار‬

‫والفلسفة ليست احترافا أو تخصصا إنها اش تغال ومعاناة‪ ،‬إن بوبر التخصص االحترافي المتعلق حتى في‬

‫‪1‬‬
‫ياسين خليل‪ ،‬مقدمة في فلسفة المعاص رة ق دراسة تحليلية ونقدية لإلتجاهات العلمية في فلسفة القرن العشرين)‪ ،‬د‪ .‬ط‪،‬‬
‫منشورات الجامعة الليبية‪1990 ،‬م‪ ،‬ص ‪.291‬‬
‫‪2‬‬
‫كارل بوبر‪ ،‬بحثا عن عالم أفضل‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.211‬‬

‫‪51‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫العلم‪ .‬أما إذا كان التحليل من أجل هدف معروف وهو تحقيق الوضوح والدقة فإن الوضوح في حد ذاته‬

‫له قيمته العقلية الكبرى‪ .‬أما الدقة فليست هكذا‪ 1 ".‬فقد إنتقد الوضعية المنطقية في فقدها للنغمة‬

‫اإلبستيمولوجيا‪ ،‬وذلك ألنهم لم يستطيعوا إضافة معلومات‪ ،‬ولم يساهموا في تقدم المعرفة النشغالهم‬

‫بالتحليل‪ ،‬ففلسفتهم هي تطبيقات وممارسات وطرح األفكار‪ ،‬فإن التحليل هدفه هو الدقة والوضوح وله‬

‫قيمته العقلية ولكن الدقة ليست هكذا‪.‬‬

‫اعتبر المنهج الذي توجهت إليه الوضعية المنطقية والمعيار الذي ا تخذته لدراسة المشكالت‬

‫العلمية غير مناسب وال يطابق بين معنى القضية وصدقها‪ " .‬ثم كان خطأ التحقق العقيم‪ ،‬وهو مطابقة‬

‫بين معنى القضية وأسلوب تحققها وصدقها‪ ،‬ولما كان التحقق نهائيا‪ .‬طالما هو واقع وجب أن يكون‬

‫الصدق بدوره نهائيا غير أن الصدق النهائي أي اليقين وهو مرفوض تماما في العلم المعاصر‪ ،‬وأول من‬

‫يرفضه الوضعيون أنفسهم وهذه المطابقة ال تخرق أسس العلم ومنطقه فحسب بل تخرق حتى الحس‬

‫المشترك‪ .‬ألننا حين نريد التأكد من صدق المعلومة ال نبحث عن مصادرها وانما نحاول اختبارها هناك‬

‫ا ستثناءات لمعلومات نتأكد من صدقها بإرجاعها إلى مصادرها‪ 2 ".‬فقد عمل على تحقيق المطابقة بين‬

‫معنى القضية وأسلوب تحقيقها وصدقها‪ ،‬ويجب أن يكون التحقق نهائيا والصدق نهائي الذي يعتبر‬

‫اليقين المرفوض في العلم المعاصر‪ ،‬وكان أول من يرفضه هم الوضعيون وذلك بسبب المطابقة التي‬

‫تفقد حس المعلومة‪ ،‬ويجب اختبار المعلومات والتحقق من صدقها وذلك بإرجاعها إلى مصادرها‪.‬‬

‫فالخبرة الحسية ليست هي التي تعطي للمعلومة صدقها‪ ،‬ألن بعض الوقائع ليست بحاجة إلى الخبرات‬

‫الحسية ألنها ليس قابلة للمالحظة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫يمنى طريف الخولي‪ ،‬فلسفة العلم في القرن العشرينق األصول‪ ،‬الحصاد‪ ،‬األفاق المستقبلية)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 329‬ـ‬
‫‪.329‬‬
‫‪2‬‬
‫يمنى طريف الخولي‪ ،‬فلسفة كارل بوبر منهج العلم ‪ ...‬منطق العلم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.269‬‬

‫‪52‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫فقد اعتقد بوبر أن معيار التحقق الذي ا تخذته الوضعية المنطقية لحل جميع مشاكلها هو معيار‬

‫غير صحيح‪ ،‬ألنه يزيد المشاكل الفلسفية العلمية أكثر تعقيد مما هي عليه‪ .‬إذ أنه "عملية تعقب أية‬

‫معلومة إلى أسسها النهائية‪ ،‬حتى وان كانت معلومة تجريبية هي عملية مستحيلة‪ .‬فإذا حاولنا أن ندخل‬

‫في سلسلة من اإلجراءات المملة المعقدة الشاقية ونجد موضوع البحث في النهاية قد ازداد واتسع كك ةر‬

‫من الج ليد تتدحرج فوق الثلج هناك إستحالة نظرية في تطبيق المعيار ستتشعب بدال من أن ينحل كما‬

‫يظن الوضعيون إلى سلسة من المالحظات الحسية البسيطة‪ 1 ".‬فهذا المعيار يزيد المشاكل العلمية‬

‫تعقيدا‪ ،‬فكلما حاولوا حل تلك المشاكل الفلسفية به إزدادت أكثر صعوبة‪ ،‬مثل كرة من الجليد تتدحرج‬

‫فوق الثلج فتصبح كرة كبيرة هكذا هي المشاكل الفلسفية العلمية أمام معيار التحقق‪.‬‬

‫فبوبر يؤمن بأن الميتافيزيقا تساهم في تطوير العلوم‪ ،‬ويؤكد بأن بعضها تطور بسببها ‪ ،‬فهي تدفع‬

‫بالعلوم إلى البحث وايجاد الوسائل وطرح المنهج الصحيح إليجاد حلول‪ ،‬ولكن الوضعية المنطقية لقد‬

‫رفضت الميتافيزيقا واعتبرتها لغو‪ " .‬ويؤكد بوبر بأن الكشوف العلمية مستحيلة دون اإليمان بأفكار من‬

‫التنوع التأملي الخالص ‪ ...‬وهذا اعتقاد ميتافيزيقي‪ " .‬إن العلماء قد أمضوا ردحا طويال من الزمن آمنوا فيه‬

‫بالميتافيزيقا الحتميةق الجبرية) ‪ 2 ".‬فالكشوف العلمية ال يمكن دراستها دون وجود تنوع في األفكار التأملية‬

‫الخالصة‪ ،‬ألن الميتافيزيقا تؤدي إلى تطور العلوم‪ ،‬حي ث أن علماء الفيزياء قد تقدموا وازدهروا ألنهم كانوا‬

‫يؤمنون بالميتافيزيقا‪ ،‬ولهذا تطورت علوم الفيزياء ألنهم آمنوا بها‪.‬‬

‫بنى بوبر فلسفته على األخطاء التي قام بها الفالسفة الوضعيين باتخاذهم معيار التحقق‪ ،‬حيث‬

‫أنه حطم الركائز واألسس التي تبنته ا الوضعية المنطقية‪ " .‬إنتقد بوبر إحدى المبادئ التي أسست‬

‫للوضعانية أال وهي الميتافيزيقا‪ .‬هذا باإلضافة إلى نقد منحاهم اللغوي ومنحاهم التحليلي واألهم من هذا‬

‫‪1‬‬
‫يمنى طريف الخولي‪ ،‬فلسفة كارل بوبر منهج العلم ‪ ...‬منطق العلم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.294‬‬
‫‪2‬‬
‫حنان علي عواضة‪ ،‬النزعة العلمية في فلسفة كارل بوبر ق بين التجربة والميتافيزيقا)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.40‬‬

‫‪53‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫نقد المعايير التي أقام عليها الوضعانيون بنياهم ويتعلق األمر بمعيار التحقق ومعيار القابلية للتأييد‪،‬‬

‫حيث بدأ بوبر إنتقاده بمعيار في تصور الفيلسوف غير قابل للتحقق وهو أمر مرفوض بتة ألن هذا‬

‫المعيار بمثابة ظل المنطق االستقرائي وال فرق بين التحقق واالستقراء‪ 1 ".‬إنتقد المبادئ واألسس التي‬

‫أقامتها الوضعية المنطقية ألنها لم تؤسس بالشكل الصحيح‪ ،‬ويرجع ذلك لرفضها للميتافيزيقا‪ ،‬إضافة إلى‬

‫نقده للمنحن ى اللغوي والتحليلي الذي إتخذته مادة أساسية من أجل قيامها‪ .‬واعتبره الظل المطابق‬

‫لالستقراء‪ ،‬وال يوجد فرق بينهما‪.‬‬

‫فمعيار الوضعية المنطقية ال يميز بين المشاكل العلمية من غيرها‪ ،‬وال يجد حلوال لها‪ .‬وال يحقق‬

‫لنا غايات ألنه يزيد من تعقيد األمور‪ " .‬ولكن هذا معيار ال يحقق الغرض فلقد عرفنا عجزه بالنسبة‬

‫للقضية العامة التي ال يمكن التحقق من صدقها بفئة محدودة لقضايا أساسية‪ ،‬ألنها تضم فئة غير‬

‫محدودة وانها غير مشتقة كلها من التجربة‪ ،‬إن المشكلة األساسية التي أرادت التجريبية المنطقية‬

‫مواجهتها في بادئ األمر بشيء من التبسيط هي كيفية التمييز بين القضايا الميتافيزيقية والعلمية‪ ،‬ولكنها‬

‫وجدت نفسها من جديد أمام مشكلة جديدة هي محاولة إيجاد مبدأ و مع يار نستطيع بواسطته الحكم على‬

‫طبيعة القضية‪ 2 ".‬فمعيار التحقق يعجز عن معرفة حقائق األشياء‪ ،‬وال يحقق أي غرض‪ ،‬وال يمكنه‬

‫تحديد صدق القضايا ألن فئاته غير محدودة‪ ،‬وليست مشتقة من التجربة‪ ،‬إذ أنهم لم يحاولوا حل‬

‫المشاكل العلمية‪ ،‬بل حاولوا ال تمييز بين القضايا الميتافيزيقية والعلمية‪ ،‬ولذا سعوا من أجل إيجاد معيار‬

‫قدرته على حل المشاكل بل ازدادت‬


‫حكم على القضايا‪ ،‬فأسسوا معيار التحقق إذ لم يستطيعوا أن يثبتوا ا‬

‫تعقيدا‪ ،‬فجعلوا من القضايا العلمية قضايا ميتافيزيقية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أنس ناصري‪ ،‬كارل بوبر وانتقاده للوضعية المنطقية‪ ،‬مقال من الموقع االلكتروني ‪،www.tafalsouf.t35.com‬‬
‫‪.16:46 ،2019 /02 /11‬‬
‫‪2‬‬
‫ياسين خليل‪ ،‬مقدمة في الفلسفة المعاصرة ق دراسة تحليلية ونقدية لإلتجاهات العلمية في فلسفة القرن العشرين)‪ ،‬د‪ .‬ط‪،‬‬
‫عمان ـ األردن‪2001 ،‬م‪ ،‬ص ‪.239‬‬

‫‪54‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫فقد رفض معيار قابلية التحقق ذلك الرتكازهم على التمييز بين المعنى والالمعنى‪ ،‬فعلى القضية‬

‫المراد التحقق من صحتها تفكيكها أوال‪ ،‬فهو ينقل القضايا الصادقة الجزئية ويقوم بتعميمها على الكل‪ ،‬وهذا‬

‫ما رفضه كارل بوبر ألن الطريقة االستدالل ال تنتقل من الجزء إلى الكل بل العكس‪ " .‬ولكن يرى أن إنتقال‬

‫الصدق من القضية الجزئية إلى القضية الكلية باطل ألنه طريقة استقرائية واالستدالل االستقرائي عاجز عن‬

‫تقديم التسويغ المنهجي والعلمي لهذا اإلنتقال‪ ،‬يقول‪ ":‬إن هدفي األساسي لرفض المنطق اإلستقرائي بإيجاز‬

‫هو أنه ال يزودنا بعالمة تمييز مناسبة للخاصية اإلمبريقية للنسق النظري الالميتافيزقي‪ ،‬أو بعبا ةر أخرى‪،‬‬

‫إنه ال يزودنا بمعيار مالئم للتميز‪ 1 ".‬فرفض إنتقال الصدق من القضية الجزئية إلى القضية الكلية‪ ،‬وذلك‬

‫ألنهم ا شتغلوا على التمييز بين القضايا التي لها معنى عن غيرها‪ ،‬فالطريقة االستقرائية ال تستطيع تقديم‬

‫صياغة منهجية وعلمية صحيحة‪ ،‬وغير قاد ةر على تقديم المعايير المالئمة لتمييز بين القضايا‪.‬‬

‫لبوبر موقف وظيفي إتجاه اللغة باعتبارها أدوات لتحقيق غايات معينة فقط‪ ،‬وليس لها أبعاد أخرى‪.‬‬

‫" إن بوبر يقف من اللغة وألفاظها الموقف الوظيفي البحث هي أدوات لتحقيق وظائف معينة‪ ،‬وليس فيها‬

‫أية أبعاد أكثر من هذا‪ 2 ".‬فيرى وظيفة اللغة األساسية ووحيدة هي أداة لتحقيق وظائف معينة المطلوبة‬

‫منها‪ .‬وليس لها أي أبعاد أخرى‪.‬‬

‫رفض بوبر االستقراء ألنه يثير األسئلة التي ليس من الجواب إثارتها‪ ،‬وعدم اإلجابة عنها‬

‫بطريقة مناسبة‪ ،‬حيث أنه يؤدي إلى ظهور إشكاليات بدال من الخروج بحل‪ " .‬يرى بحق أن اإلستقراء‬

‫يجر معه تقهق ار ال نهاية له‪ ،‬أي سلسلة ال تنقطع من األسئلة تثيرها اإلجابات غير الشافية عن كل منها‬

‫‪ 1‬ماهر اختيار‪ ،‬إشكالية معيار قابلية التكذيب عند كارل بوبر في النظرية والتطبيق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.100‬‬
‫‪2‬‬
‫يمنى طريف الخولي‪ ،‬فلسفة كارل بوبر منهج العلم‪ ...‬منطق العلم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.264‬‬

‫‪55‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫بدءا بالسؤال األول‪ 1 ".‬فيرى االستقراء ليس مناسب لحل المشاكل‪ ،‬ألنه يثير سلسلة من األسئلة التي ال‬

‫نهاية لها واإلجابة عليها ال تكون بطريقة غير يقينية‪.‬‬

‫فإعتقد أن المحللي ن اللغويين لم يبحثوا في المشاكل الفلسفية الحقيقية ألنهم ربطوها بكيفية‬

‫إستخدام األلفاظ والكلمات البحث عن معناها‪ " .‬ال يعتقد محللون اللغويون بوجود مشاكل فلسفية حقيقية‬

‫ويرون أن المشاكل الفلسفة‪ ،‬إن وجدت‪ ،‬هي مشاكل إستعمال األلفاظ أو المسائل معنى الكلمات‪ ،‬أما أنا‬

‫فأعتقد بوجود مشكلة فلسفية واحدة على األقل تهم كل ذي فكر وهي مشكلة الكوسمولوجيا‪ :‬مشكلة فهم‬

‫العالم ـ بما ذلك فهم أنفسنا وفهم معرفتنا‪ 2 ".‬فهم ال يؤمنون بوجود مشاكل فلسفية حقيقية‪ ،‬واذا وجدت‬

‫تكون متمثلة في مشاكل كيفية إستعمال األلفاظ ومعرفة معنى الكلمات‪ .‬فالمشكلة الوحيدة في نظ هر التي‬

‫يجب أن يهتم بها العلم هي مشكلة كسمولوجية أي مشكلة فهم العالم‪ ،‬ومن بينه فهم أنفسنا أننا جزء منه‬

‫ويتوجب علينا فهم معارفنا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫كارل بوبر‪ ،‬منطق البحث العلمي‪ ،‬تر‪ :‬محمد بغدادي‪ ،‬المنظمة العربية للترجمة‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪ ،‬ط‪2006 ،‬م‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.34‬‬

‫‪56‬‬
‫فلسفة كارل بوبر " املنطلقات واحلدود "‬ ‫الفصـ ــل األول‪:‬‬

‫خالصة‪:‬‬

‫إن العلم وسيلة لبلوغ غايات وأهداف اإلنسان‪ ،‬والمنهج طريقه الذي يسيره في جميع أبحاثه‪ ،‬فهما‬

‫مرتبطان ببعضهما البعض‪ .‬والمنهج العلمي الطريقة العلمية التي بواسطتها يجتاز باحث الصعوبات التي‬

‫تواجهه في دراساته‪ .‬إذ يعتبرها وسيلة التي تنظم وتسير نشاطاته محددة‪ ،‬فالسؤال المنهج المطروح في كل‬

‫الفترات الزمنية كانت اإلجابة عنه مختلفة ‪ ،‬ففالسفة الوضعية المنطقية لهم وجهة نظر بخصوصه إذ‬

‫وظفوه في التحليل لفهم القضايا وتفسيرها‪ .‬كما اعتمدوا على مبدأ التحقيق لمعرفة القضايا إن كانت صادقة‬

‫أم كاذبة‪ ،‬ومحاولة تحقيق صدقها‪ ،‬فهذه الحركة مثلت الخلفية الفكرية والعلمية التي ارتكز عليها كارل‬

‫بوبر في صياغته للمنهج العلمي‪ ،‬فوجه لها مجموعة من االنتقادات التي رفض فيها معيار الذي قدموه‬

‫للتحقق من صدق القضايا ذلك الهتمامهم بالمشاكل الفلسفية الزائفة‪ .‬ففي دراساتهم الفلسفية معارضي‬

‫للميتافيزيقا باعتبارها لغو وخالية من المعاني‪ ،‬وهو يرى عكسهم على أن لها فائدة في مجال العلوم وتقدم‬

‫عدة معارف‪ ،‬فاإلبستيمولوجية تساهم على تقدم العلم والمعرفة حتى جاء الوضعيون فأفقدوها تلك النغمة‬
‫ّ‬

‫وأصبحت الفلسفة معهم مجرد تطبيقات وممارسات‪ ،‬ذلك ال عتمادهم على التحليل الذي هدفه األساسي‬

‫تقديم الوضوح والدقة لجميع النظريات‪ .‬فالعلم يتطلب السعي من أجل طرح األفكار والنظريات الجديدة‬

‫للمساهمة في تطور اإلبستيمولوجي وهذا ما دعى إليه بوبر‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫" إن العلم ببساطة ليس شيئا أكثر من منهجه‬

‫وليس منهجه شيئا أكثر مما قاله بوبر"‬

‫هيرمان بوندي‬

‫الفصل الثاين ‪:‬‬

‫المنهج العلمي عند كارل بوبر‬

‫بين التأسيس والنقد‬


‫المبحث األول‪ :‬المنهج العلمي عند كارل بوبر‬

‫مفهوم المنهج العلمي عند كارل بوبر‪.‬‬ ‫ـ‬

‫ـ قواعد المنهج العلمي وأهم خطواته عند بوبر‪.‬‬

‫ـ قابلية التكذيب في مقابل التحقق‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬اإلنتقادات الموجهة للمنهج البوبري‬

‫ـ فكرة البراد عند توماس كون‪.‬‬

‫ـ فكرة البرنامج البحث عند إمري الكاتوش‪.‬‬

‫ـ فكرة الفوضوية اإلبستيمولوجية عند بول فيرانبد‪.‬‬


‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫مدخل‪:‬‬

‫اهتم كارل بوبر كغيره من الفالسفة العلميين اإلبستيمولوجيين بطبيعة المنهج العلمي دارس للفلسفية‬

‫العلمية‪ ،‬ذلك من أجل كشف األخطاء والسعي لتصحيحها وتقديم األفضل للعلوم‪ ،‬فهو مهتم بإيجاد‬

‫طريقة علمية متميزة عن الطرق األخرى تسعى إلى نمو معارف اإلنسان‪ ،‬إذ كان بحثه عن المنهج‬

‫العلمي يقوم على أساس تمييز بين النظريات العلمية الصحيحة والنظريات العلمية الخاطئة‪ ،‬وايجاد‬

‫حلول لجميع المشاكل الفلسفية العلمية‪ ،‬بطريقة وأسلوب متميز عن جميع األساليب العلمية التي جاء‬

‫بها الفالسفة العلميين اآلخرين‪ ،‬فكان يربط بين العلم والمعرفة‪ ،‬ويعتقد أن المعارف العلمية هي تطور‬

‫للمعارف اإلعتقادية والبحث في صيرورة العلم والتقدم المستمر له‪ ،‬فالنسبة له النظريات العلمية ال‬

‫تهتم بتبرير بل بالبحث عن أسلوب الذي يقوم على البحث في صيرورة العلم وتقدمه‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬المنهج العلمي عند كارل بوبر بين التأسيس والنقد‬

‫تعد فلسفة كارل بوبر منعرج مهم في فلسفة العلم المعاصرة‪ ،‬بحيث خالف الوضعية المنطقية في‬

‫مبادئها ومنطلقات بناء النظرية العلمية فأسس لنظرية جديدة قائمة على المنهج االستنباطي‬

‫وباعتماد مبدأ التكذيب‪ ،‬فما هي يا ترى أسس نظريته وما هي أهم االنتقادات الموجهة إليها؟‬

‫المبحث األول‪ :‬المنهج عند كارل بوبر‬

‫من أهم المفاهيم التي تطرق إليها بوبر مفهوم المنهج العلمي‪ ،‬فما هي األبعاد الفلسفية‬

‫والعلمية لهذا المفهوم عند كارل بوبر؟‬

‫‪ )1‬مفهوم المنهج العلمي عند كارل بوبر‪:‬‬

‫كارل بوبر فيلسوف علمي معاصر رافض لكل الطرق العلمية التي سبقته معتب ار بأنها ليست‬

‫الطرق المناسبة لحل المشاكل العلمية‪ ،‬وذلك لعدم اهتمام الفالسفة قبله بالنمو المعرفي لإلنسان‪ ،‬وانما‬

‫اهتموا بالمشاكل اللغوية وتحليل الكلمات واأللفاظ الذي أدى إلى عقم إنتاج الفلسفي‪ ،‬فقد كان إهتمامه‬

‫مرتكز على إيجاد منهج علمي جديد مخالف لكل المناهج األخرى من أجل مساعدة اإلنسان على‬

‫اكتشاف أخطاءه وازالتها‪ ،‬فكان دوما يربط بين العلم والمعرفة‪ ،‬فالمنهج العلمي عنده مرتبط بنظرية‬

‫المعرفة‪ " .‬يرى بوبر أن معرفة على العموم والمعرفة العلمية على األخص الخصوص بناء صميم‬

‫طبيعة الصيرورة‪ ،‬التقدم المستمر‪ ،‬فال تكون نظرية العلم نظرية في تبريره‪ ،‬بل في أسلوب هذه‬

‫الصيرورة‪ .‬أو كيفية التقدم المستمر‪ ،‬األسلوب والكيفية هو ما يعرف بالمنهج العلمي"‪ 1 .‬فالمعارف‬

‫العلمية في حد ذاتها هي البحث في صيرورة العلم وتقدمه المستمر‪ ،‬وال تقوم على تبرير‪ ،‬فالمنهج‬

‫‪1‬‬
‫يمنى طريف الخولي‪ ،‬فلسفة العلم في القرن العشرين ق األصول‪ ،‬الحصاد‪ ،‬اآلفاق المستقبلية)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.316‬‬

‫‪61‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫العلمي عنده يقوم بالبحث عن األسلوب والكيفية التي نستطيع بواسطتها تحقيق استمرار في التقدم‬

‫العلمي ونمو المعرفي‪.‬‬

‫فيرتبط مفهوم المنهج العلمي عنده دائما بالنمو المعرفة والعلم‪ ،‬فأسس معيار قابلية التكذيب‬

‫كبديل لالستقراء من أجل تمييز بين النظريات العلمية والنظريات األخرى‪ .‬باعتماده على الحجج التي‬

‫ساقها ضد الوضعيين لبناء منهج جديد وهو المنهج االستنباطي الذي يقوم على أساس معيار‬

‫التكذيب‪ " .‬إرتباط مفهوم المنهج العلمي عنده بنمو العلم كما يتصوره‪ ،‬وارتباطه ـ لتمييز نظريات العلم‬

‫عن غيرها‪ .‬فبعد أن رفض االستقراء إعتمادا على الحجج التي ساقها‪ ،‬أشار إلى أنه لن أي نسق علمي‬

‫تناوال إيجابيا كما هو الحال في التحقيق ‪ VERIFICATION‬وانما يتحتم أن يكون تناوال له تناوال سلبيا‬

‫فالمنهج العلمي عند‬ ‫‪1‬‬


‫ويقصد بذلك منهجه في التكذيب ‪ FALSIFICATION‬في مقابل منهج التحقيق‪".‬‬

‫كارل بوبر يرتبط بنمو العلمي والمعرفي ويقوم بتمييز بين النظريات العلمية والنظريات غير العلمية‪،‬‬

‫فقد بناه على أساس الحجج التي نقد بها المنهج االستقرائي الذي تناول النسق العلمي تناوال إيجابيا‬

‫بعملية التحقيق‪ ،‬في مقابل تناوله السلبي في تكذيب القضايا من أجل الوصول للحلول‪.‬‬

‫كانت فلسفة بوبر كلها مبنية على أساس نقدي‪ ،‬فاعتمد نقد النظريات والمشاكل من أجل الخروج‬

‫بحلول المناسبة لها‪ ،‬فالمنهج العلمي الذي اتخذه مبني المناقشة النقدية‪ ،‬أي الفحص النقدي لجميع‬

‫الحدوس اإلفتراضية من أجل استبعاد األخطاء منها ومحاولة تصحيحها‪ ،‬فيكون النمو المعرفي قائم‬

‫على االستفادة والتعلم من األخطاء التي نقع فيها‪ " .‬إن المنهج العلمي أساسا منهج المناقشة النقدية‬

‫‪1‬‬
‫محمد محمد قاسم‪ ،‬في الفكر الفلسفي المعاصر ق رؤية العلمية)‪ ،‬ط‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪2001 ،‬م‪،‬‬
‫ص ‪.213‬‬

‫‪62‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫والفحص النقدي للحدوس اإلفتراضية أو الفروض المتنافسة"‪ 1 .‬فالمنهج العلمي هو منهج المناقشة‬

‫النقدية لكل النظريات العلمية والحدوس اإلفتراضية والفروض المتنافسة من أجل إستبعاد األخطاء‬

‫والتعلم منها‪.‬‬

‫حيث يرى أن المعرفة العلمية هي معرفة فرضية وحدسية فرضية‪ ،‬ويرتبط نمو المعرفة بالتعلم من‬

‫أخطاء ومحاولة تصحيحها‪ " .‬وما يمكن أن نسميه منهج العلم يتوقف على التعلم النظامي من أخطائنا‬

‫أوال عن طريق اإلضطالع بمخطرات‪ ،‬عن طريق إقدام على صنع األخطاء‪ .‬أي عن طريق الطرح‬

‫الجرئ للنظريات الجديدة‪ ،‬وثانيا عن طريق البحث النظامي عن أخطاء التي وقعنا فيها‪ ،‬أي عن طريق‬

‫فالمنهج الصحيح بالنسبة له هو المنهج الذي يمكن من‬ ‫‪2‬‬


‫المناقشة النقدية والفحص النقدي لنظرياتنا"‪.‬‬

‫خالله التعلم بطريقة منتظمة من أخطائنا‪ ،‬ويكون ذلك بصنع األخطاء عن طريق طرح النظريات‬

‫الجديدة‪ ،‬والبحث عن طريقة منتظمة لها والتي تتمثل في المناقشة النقدية والفحص النقدي لجميع‬

‫النظريات واكتشاف األخطاء ومحاولة إزالتها لطرح نظريات جديدة خالية من أخطاء‪.‬‬

‫ففلسفته كلها قائمة على النقد‪ ،‬فحاول إيجاد طريقة ال تختص فقط بالدراسات الفلسفية وحدها‬

‫وانما أيضا بقضايا العلوم الطبيعية فأشار إلى النقاش العقالني الذي يطرح المشاكل بصفة واضحة‬

‫ويتفحص جميع الحلول المرتبطة به فحصا نقديا‪ " .‬كما أنني مستعد لإلعتراف بوجود طريقة يمكن‬

‫وصفها بالطريقة الفلسفية‪ .‬إال أن هذه الطريقة ال تطبع الفلسفة وحدها‪ ،‬إنها باألحرى طريقة كل نقاش‬

‫عقالني وهي بالتالي طريقة العلوم الطبيعية بقدر ما هي طريقة الفلسفية‪ .‬وأعني بها الطريقة القائمة‬

‫‪1‬‬
‫كارل بوبر‪ ،‬أسطورة اإلطارق في دفاع عن العلم والعقالنية)‪ ،‬تح‪ :‬مارك‪ .‬أ‪ .‬نوترنو‪ ،‬تر‪ :‬يمنى طريف الخولي‪ ،‬عالم‬
‫المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬د‪ .‬ط‪2003 ،‬م‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.123‬‬

‫‪63‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫على صياغة المشكل بوضوح وبتفحص مختلف الحلول المقترحة تفحصا نقادا"‪ 1 .‬قد جاء بوبر بطريقة‬

‫خاصة بالقضايا العلمية والفلسفية معا‪ ،‬القائمة على صياغة المشكلة بشكل صحيح‪ ،‬وتفحص جميع‬

‫الحلول المقترحة لها تفحصا نقديا‪.‬‬

‫حيث أنه إعتمد على منهج االستنباطي الذي يقوم بالتوضيح والتمييز بين النظريات العلمية‬

‫والنظريات الالعلمية‪ ،‬ويعد هذا المنهج من األسس الهامة التي إستند عليها في حياته العلمية واعتبره‬

‫الوسيلة أو الطريقة الختبار النظريات على أساس طابع فرضي‪ ،‬ويعتقد بأنها اختبارات علمية‬

‫ومحاوالت تهدف إلى تكذيب النظريات‪ " .‬االستنباط هو وسيلة الختبار النظريات‪ ،‬وفي مقابل رفضه‬

‫لالستقراء المذهب االستنباطي في مقابل المذهب االستقرائي وان النظريات هي في األساس ذات طابع‬

‫فرضي‪ ،‬ذكر بوبر أن االختبارات العلمية هي محاوالت صادقة هدفها األساس تكذيب النظريات وهو‬

‫ما يسميه بـقمذهب الحذف) "‪ 2 .‬فيرى الوظيفة الحاسمة واألساسية في العلم تتمثل في المالحظة‬

‫والتجربة‪ ،‬إذ ال يؤسسا شيء بصفة نهائية بدون نقد‪ ،‬ذلك لوجود أخطاء‪ ،‬فهما يلعبان دو ار مهما‬

‫وأساسيا في المناقشة النقدية لجميع النظريات العلمية‪ ،‬وهذا النقد يساعد على إستبعاد النظريات‬

‫األضعف‪.‬‬

‫فاعتبر بوبر المعرفة العلمية هي أفضل المعارف التي نمتلكها‪ ،‬وتبدأ مالمحها بمشاكل علمية‬

‫ونظرية أيضا‪ " .‬أبدأ بالقول بأنني أعتبر أن المعرفة العلمية هي أفضل وأهم ما نمتلك من معارف‪ .‬وان‬

‫كنت أبدا ال أعتبرها النوع األوحد‪ ،‬والمالمح الرئيسية للمعرفة العلمية هي ما يلي‪ :‬أنها تبدأ بالمشاكل‬

‫‪ 1‬كا رل بوبر‪ ،‬منطق البحث العلمي‪ ،‬م صدر سابق‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫‪2‬‬
‫حنان علي عواضة‪ ،‬النزعة العلمية في فلسفة كارل بوبر ق بين التجربة والميتافيزيقا)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.93‬‬

‫‪64‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫عملية‪ ،‬ونظرية أيضا"‪ 1 .‬فالمعرفة العلمية هي أجمل وأفضل وأهم ما نمتلكه من المعارف وال تعتبر‬

‫العلم الوحيد أو المعرفة الوحيدة‪ ،‬إذ أبرز شيء يميزها هو ابتدائها بمشاكل عملية ونظرية‪.‬‬

‫فإن نظرية المعرفة والعلم عنده هما مترادفان‪ ،‬ألن المعرفة هي معرفة علمية والمنهج المناسب‬

‫لدراستها هو منهج البحث النقدي‪ ،‬الذي يقوم على استبعاد كل اإليديولوجيات والنظريات واألفكار التي‬

‫تثبت بأنها فاشلة‪ ،‬ويقوم بإعطاء فروض بديلة في إطار محاولة تعزيز واستبعاد األخطاء في نفس‬

‫الوقت‪ " .‬إن منهج البحث النقدي هو المبضع الذي نتناول به ما لدينا من النظريات واألفكار‬

‫واإليديولوجيات فتستبعد على الفور ما يثبت فشله وتطرح فروضا بديلة جديدة في إطار المحاولة‬

‫والخطأ‪ .‬إن العلم له طابع المباراة غير المحسوبة لنتائج سلفا مثله في التطور ذاته‪ ،‬واذا كان لنا من‬

‫دور هذه المباراة فإنه استخدم النقد‪ ،‬فالنقد هنا بعد الضمان الوحيد لكي تصبح مباراة العلم محكمة‬

‫األركان‪ ،‬وللنقد أدوات طالما أشرنا إليها من التجارب واالختبارات الحاسمة ووسائل التعزيز واالستبعاد‬

‫في نفس الوقت واألركان إلى المعرفة األساسية"‪ 2 .‬فمنهج البحث النقدي يقوم على استبعاد النظريات‬

‫واألفكار واإليديولوجيات التي تكون فاشلة وقيام بطرح فروض جديدة في اإلطار المحاولة والخطأ‪ ،‬ألن‬

‫للعلم طابع المباراة غير المحسوبة التي تتطور والتي تكون محكمة األركان‪ ،‬فعليه استخدام النقد الذي‬

‫يساعده على التحكيم‪ ،‬والذي له أدوات تساعده على تعزيز واستبعاد األخطاء من النظريات العلمية‪.‬‬

‫فبوبر اتخذ منهج يقوم على تفسير العلي االستنباطي أي الفرضي االستنباطي الذي ال يحقق‬

‫اليقين لكل القضايا العلمية المدروسة‪ ،‬ويقوم بإعطاء الفروض المؤقتة لها‪ ،‬والقضايا التي تجتاز‬

‫االختبارات القاسية هي قضايا صحيحة‪ " ،‬فهذه المناهج ترجع إلى تفسير العلى االستنباطي‪ ،‬والتنبؤ‬

‫‪ 1‬كا رل بوبر‪ ،‬بحثا عن عالم أفضل‪ ،‬م صدر سابق‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد محمد قاسم‪ ،‬كارل بوبر نظرية المعرفة في ضوء المنهج العلمي‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪1992‬م‪ ،‬ص ‪ 402‬ـ ‪.403‬‬

‫‪65‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫واالختبار‪ ...‬وهذا ما سمي في بعض األحيان بإسم المنهج الفرضي االستنباطي‪ ،‬وسمي في أكثر‬

‫األحيان بمنهج الفرض ألنه ال يحقق اليقين المطلق ألي من القضايا العلمية التي يختبرها وانما تحتفظ‬

‫هذه القضايا دائما بطابع الفروض المؤقتة‪ ،‬وان بدا أن هذا الطابع قد يذهب عنها بعد نجاحها في‬

‫الكثير من االختبارات القاسية"‪ 1 .‬فالمنهج الفرضي االستنباطي ال يحقق اليقين المطلق للقضايا العلمية‬

‫التي يقوم باختبارها‪ ،‬بل يطرح فروض مؤقتة لها‪ ،‬والنظريات التي تستطيع تجاوز كل االختبارات التي‬

‫يوجهها له عن طريق النقد هي نظريات علمية‪.‬‬

‫فإن النسق االستنباطي يتعامل مع كافة النظريات في العلوم‪ ،‬ألنه يحاول تفسير النظريات‬

‫ويفهمها ومن ثم يقوم بحل المشاكل العلمية المتواجدة بها‪ ،‬كما أنه يقوم بالنقد العقلي لجميع النتائج‬

‫المتحصل عليها بغية الخروج بنتائج يقينية‪ " .‬نحن نعمل في العلوم مع النظريات‪ ،‬نعنى مع أنساق‬

‫استنباطية‪ .‬وهناك سببان لهذا‪ .‬أولهما أن النظرية أو النسق االستنباطي هو محاولة للتفسير‪ ،‬ومن ثم‬

‫محاولة لحل مشكلة علمية‪ ،‬والثاني أن النظرية نعنى النسق االستنباطي‪ ،‬يمكن أن ينقد عقليا من‬

‫خالل نتائجه‪ ،‬فهو إذن حل تجريبي يخضع للنقد العقلي"‪ 2 .‬فيرى بوبر بأن نتعامل مع جميع النظريات‬

‫سوءا علمية أو فلسفية بنسق استنباطي ألنه يقوم بمحاولة تفسيرها من أجل حل لمشاكل العلم‪ ،‬كما أنه‬

‫يقوم على النقد العقلي للنتائج من أجل الوصول إلى حلول للمشاكل‪.‬‬

‫فالمنهج النقدي وحده يقوم بالتطور السريع للعلوم ألنه يسعى من أجل تقدم العلم ونمو‬

‫المعرفية‪،‬فالعلوم تتطور بصورة غير عادية ألنها تستخدمه بصورة واعية‪ ،‬ويقوم على استبعاد األخطاء‬

‫منها‪ " .‬تكمن خصوصية العلم في استخدام الواعي للمنهج النقدي‪ ،‬ففي المرحلة الثالثة لمنهجنا‪ ،‬في‬

‫استبعاد أخطائنا‪ ،‬نحن نقوم بمهمة نقدية واعية‪ .‬فالمنهج النقدي وحده هو ما يوضح التطور السريع‬

‫‪1‬‬
‫كارل بوبر‪ ،‬عقم المذهب التاريخي ق دراسة في مناهج العلوم اإلجتماعية)‪ ،‬م صدر سابق‪ ،‬ص ‪.149‬‬
‫‪2‬‬
‫كارل بوبر‪ ،‬بحثا عن عالم أفضل‪ ،‬م صدر سابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬

‫‪66‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫غير العادي للصورة العلمية للعلم والتقدم العلمي غير العادي‪ .‬فكل معرفة قبل علمية ـ سواء أكانت‬

‫‪1‬‬
‫حيوانية أو بشرية ـ معرفة إعتقادية وباكتشاف المنهج غير اإلعتقادي‪ .‬أي المنهج النقدي‪ ،‬يبدأ العلم"‪.‬‬

‫تميز العلم بخاصية استخدامه للمنهج النقدي بصورة واعية واستبعد جميع األخطاء في النظريات‪،‬‬

‫حيث بدأت المناقشة النقدية بالعلم‪ .‬وسعى بوبر من خالل منهجه الذي بواسطته أصبحت معارفنا‬

‫اإلعتقادية معارف علمية وراء تقدم العلوم ونموها‪.‬‬

‫يرى بوبر الطريقة الوحيدة التي نستطيع بواسطتها التعرف على المشكلة الرئيسية هي التعلم من‬

‫األخطاء‪ ،‬ويجب أن نكون على دراية بالمعارف العلمية وغير العلمية‪ ،‬ومنهج المحاولة واستبعاد‬

‫الخطأ يحقق لنا هذا اإلنتاج العلمي الذي نسعى وراءه‪ " .‬إن الطريقة الوحيدة للشروع في المعرفة‬

‫مشكلة هي أن نتعلم من أخطائنا‪ ،‬ينطبق هذا على المعرفة قبل العلمية وعلى المعرفة العلمية‬

‫وتنحصر نظرتي للمنهج العلم في أنه تقنين للمنهج قبل العلمي‪ ،‬منهج التعلم من أخطائنا‪ .‬وتفعل هذا‬

‫عن طريق حيلة تدعى المناقشة النقدية"‪ 2 .‬فالمناقشة النقدية الطريقة نستطيع بواسطتها معرفة كل‬

‫المشاكل العلمية من غيرها‪ .‬وكشف األخطاء والتعلم منها‪ ،‬فهي تقوم على تقنين المنهج وذلك قبل‬

‫العلم‪ ،‬فيصبح منهج التعلم من األخطاء‪.‬‬

‫االختبار االستنباطي الذي جاء به كارل بوبر يقوم على أساس التحليل الداخلي للنظريات العلمية‬

‫وعالقتها بالنظريات األخرى‪ ،‬حيث أنه يرجع دائما إلى الواقع الذي يكون سبب منطق للمعارف‪ ،‬فهو‬

‫ال يهتم بمصادر األفكار بقدر ما يهتم بمدى مالئمة األفكار بالواقع‪ " .‬عن طريق االختبار االستنباطي‬

‫للنظريات‪ ،‬وهذا يتضمن التحليل الداخلي للنظريات وعالقتها بالنظريات األخرى‪ .‬وخاصة عند اختبار‬

‫نظرية في مقابل حاالت األشياء المالحظة‪ ...‬ألن االختبار االستنباطي للنظرية يرد دائما إلى الواقع‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫كارل بوبر‪ ،‬الحياة بأسرها ‪ ...‬حلول لمشاكل‪ ،‬تر‪ :‬بهاء درويش‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬س‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪2‬‬
‫كارل بوبر‪ ،‬أسطورة اإلطارق في دفاع عن العلم والعقالنية)‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪ 131‬ـ ‪.132‬‬

‫‪67‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫ولهذا السبب فإن منطق المعرفة ال يهتم في رأي بوبر بمصدر األفكار وانما هو باألحرى يهتم بمدى‬

‫مالئمة األفكار للوقائع"‪ 1 .‬فاالختبار االستنباطي للنظريات يقوم بتحليل الداخلي لها وبعالقتها ببعضها‬

‫البعض‪ ،‬وخصوصا بحاالت األشياء مرتبطة بالمالحظة‪ ،‬حيث أنه يرتبط دوما بالواقع وباألشياء‬

‫الطبيعية‪ ،‬فإن المنطق المعرفة يهتم دائما بما هو مرتبط باألفكار الواقعية وال يهتم بمصادرها‪.‬‬

‫يرى بوبر االختبار الذي نقوم به للنظريات يجب أن يترقب المقارنة بين التنبؤات النظرية بقضايا‬

‫أولية‪ ،‬ويعني بذلك القضايا الموضوعية‪ ،‬ويجب أن تكون قابلة لالختبار بشكل متبادل‪ " .‬فإن اختبار‬

‫‪ ،BASIC‬أي بقضايا‬ ‫‪STATEMENTE‬‬ ‫نظرية ما يتضمن مقارنة تنبؤات تلك النظرية بقضايا أولية‬

‫شخصية وصفية هي في حد ذاتها قضايا موضوعية‪ .‬والقضايا األولى بدورها يجب أن تقبل االختبار‬

‫على النحو ذاتي المتبادل‪ ،‬يقول بوبر‪ " :‬توصلنا إذن لوجهة النظر التالية‪ :‬أنساق النظريات تختبر عن‬

‫طريق استنباط قضايا أخرى منها ذات مستوى أقل عمومية‪ .‬وهذه القضايا بدورها قابلة لالختبار الذاتي‬

‫المتبادل‪ ،‬ويجب أن تكون قابلة لالختبار"‪ 2 .‬فالنظريات يجب أن تختبر بالمقارنة مع التنبؤات نظرية‬

‫أولية‪ ،‬وهذا النوع يسمى بالقضايا الشخصية والموضوعية‪ .‬وتكون بدورها قابلة لالختبار‪ .‬فالنسق‬

‫النظري يختبر عن طريق استنباط قضية من قضية أخرى‪ ،‬والتي يمكننا االستنباط منها مرة ثانية‪.‬‬

‫تميز‬
‫إن المنهج االستنباطي له أهمية كبيرة في دراسة المشاكل العلمية ومحاولة حلها‪ ،‬ذلك ل ه‬

‫بالمرونة وقدرته على استيعابها‪ ،‬فمن خالله وظفت لغة الرموز في الفلسفة‪ ،‬حيث أصبحت الرياضيات‬

‫إحدى لغات التي اهتم بها الفكر العلمي المعاصر‪ " .‬بزعت أهمية المنهج العلمي الجديد المسمى "‬

‫بالمنهج الفرضي االستنباطي" كمنهج علمي قادر على تجاوز التصورات األرسطية في الطبيعة‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫ماهر عبد القادر محمد علي‪ ،‬فلسفة العلوم ق المشكالت المعرفية)‪ ،‬ج‪ ،2‬د‪ .‬ط‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪،‬‬
‫‪1404‬هـ ـ ‪1994‬م‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.40‬‬

‫‪68‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫والنيوتونية الميكانيكية في الزمان والمكان المطلقين‪ .‬كما لم يعد التفسير العلي قالسببي) األساس‬

‫الوحيد للبحث العلمي‪ ،‬بل أصبح واحدا من التفسيرات العلمية الممكنة في إطار هذا المنهج ‪ ...‬ومن‬

‫أهم خصائص هذا المنهج الجديد مرونته وقابليته الستيعاب مواضيع العالم الخارجي عبر صياغتها‬

‫في رموز رياضية دقيقة تختصر الكثير من اإلجراءات والعمليات التجريبية‪ 1 ".‬فالمنهج االستنباطي‬

‫منهج علمي تجاوز التصور العلي وتصورات أرسطو ونيوتن فهو يقوم على التفسير العلمي‪ ،‬فمرونته‬

‫عالية وقابلية الكبيرة لالستيعاب لمواضيع العالم الخارجي جعلت منه منهج مهم معتمد في الرياضيات‬

‫الختصار العديد من اإلجراءات والعمليات التجريبية بواسطة رموز رياضية دقيقة‪.‬‬

‫فالمنهج الذي يقدم المعارف الصحيحة ويؤدي إلى تطور العلم ونموه بالنسبة لكارل بوبر هو‬

‫المنهج النقدي‪ ،‬فيقوم بنقد القضايا العلمية من أجل اختبار صحتها‪ ،‬ويتميز عن األساطير والخرافات‪.‬‬

‫" المنهج العلمي هو المنهج النقدي‪ ،‬وذلك ألنه يدعو إلى العلم نفسه المتميز عن األساطير‬

‫والخرافات‪ ،‬وليس بسبب يعود إلى إختالف طبيعتهم‪ ،‬بل على أن رافق اإلصطالحات والتدبير والبحث‬

‫عن األسطورة والخرافة بطريقة نقد الجيد‪ ،‬وأنا مسرور بتلك اإلصطالحات‪ ،‬وفي نفس الوقت أنا نصير‬

‫لألرثودوكسية‪ ،‬وأنا على دراية على أن المذهب النصراني يميت المعارف العلمية‪ 2 ".‬يعتبر كارل بوبر‬

‫المنهج النقدي منهج مناسب لدراسة جميع النظريات ألنه يقوم بنقد المعارف‪ ،‬ويتميز عن األساطير‬

‫والخرافات وال يعود إلى الطبيعة‪ ،‬حيث أنه كان مناصر للمذهب النصراني أي األرثودوكسي‪ ،‬وهو على‬

‫دراية بأنه مذهب هو يميت المعارف العلمية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫حسام علي عبد الوهاب‪ ،‬المنهج العلمي بين تشارلز بيرس وكارل بوبر‪ ،‬مجلة جامعة تشرين للبحوث والدراسات العلمية‪،‬‬
‫دمشق ـ سورية‪ ،‬المجلد ‪ ،36‬العدد ‪2014 ،4‬م‪ ،‬ص ‪.321‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪Michal Dubost, article : Popper et la connaissance des sources de la connaissance et de‬‬
‫‪ Paris, 17/ 10/ 2003, p7.‬ـ ـ ‪l’ignorance, Maison De La phelosophie, Loulouse‬‬

‫‪69‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫‪ )2‬قواعد المنهج العلمي‪:‬‬

‫لكل منهج قواعده الخاصة الذي يعمل بها من أجل وضع مبادئه وخطواته‪ ،‬فالمنهج االستنباطي‬

‫كغيره من المناهج له قواعد متعلقة به على وجه الخصوص والتي وضعها كارل بوبر‪ ،‬وهي بمثابة‬

‫معايير التي توجه الباحث في دراسة نظريات‪ ،‬وهي مختلفة تماما عن قواعد منطقية بحتة التي إتخذها‬

‫مجموعة من العلماء كسالح لخدمة دراساتهم وبحوثهم‪ ،‬كما أنه يطلق عليها إسم "لعبة العلم"‪ ،‬ونتائجها‬

‫العلمية تكون غير معروفة‪ ،‬كما أنها منسجمة مع بعضها البعض ومترابطة‪ ،‬وخصوصا مع معيار‬

‫التمييز الذي إتخذه كمبدأ أساسي للنظريات‪" .‬عرف بوبر قواعد المنهج بأنها المعايير التي تسترشد بها‬

‫العالم‪ ،‬في دراسته للنظريات‪ ...‬تختلف قواعد المنهج عند بوبر تماما عن القواعد المنطقية البحتة التي‬

‫إتخذها العلماء سبيال للدراسة في بحوثهم‪ ،‬وهم متفقون عليها بأنها تحكم ما يسميه بوبر" لعبة العلم‬

‫‪ "GAME‬ونتائجها غير معروفة في الكشف العلمي لكل نظرية‪ ،‬بل هي قواعد خاصة "‬ ‫‪OF SCIENCE‬‬

‫لمنطق الكشف العلمي"‪ .‬التي قال بأنها بوبر‪ ،‬وهذه القواعد المنهجية مترابطة ومنسجمة فيما بينها‪،‬‬

‫خاصة إنسجامها مع معيار التمييز"‪ 1 .‬يرى بوبر قواعد المنهج بمثابة المعايير التي تقوم بإسترشاد‬

‫العالم في دراسة النظريات‪ .‬حيث أنها تختلف تماما عن القواعد التي إتخذها المناطقة في دراساتهم‪،‬‬

‫حيث أنه سماها بقواعد لعبة العلم‪ .‬وهذه اللعبة نتائجها غير معروفة في كل النظريات‪ .‬وهي قواعد‬

‫مترابطة ومنسجمة ببعضها البعض‪ ،‬وخصوصا مع معيار التمييز‪.‬‬

‫وضع بوبر قواعد منهجه التي تقف أمام المناورات التي وضعتها الوضعية المنطقية‪ ،‬وتضع‬

‫التدابير الالزمة لمنعها‪ .‬فصرح بإيجاد قواعد المنهجية التي تناسب المنهج الذي إعتمده‪ " .‬ويجب علينا‬

‫إليجاد قواعد منهجية تقف أمام المناورات المواضعية التعرف على مختلف اإلمكانات التي تأخذها‬

‫اإلجراءات المواضعية واتخاذ التدابير المالئمة والمعادية لها وذلك لمنعها‪ .‬وعلينا كذلك وفي كل مرة‬

‫‪1‬‬
‫حنان علي عواضة‪ ،‬النزعة العلمية في فلسفة كارل بوبر ق بين التجربة والميتافيزيقا)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.96‬‬

‫‪70‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫تثبت لدينا هذه اإلجراءات المواضعية تجديد العزم على إعادة مراقبة النظمة وعلى رفضها إذا إقتضى‬

‫األمر"‪ 1 .‬فهو يرى أن قواعده المنهجية تقف على المناورات التي وضعها المناطقة‪ ،‬وتتخذ التدابير‬

‫المالئمة لها‪ ،‬وتتميز بدقة والتركيز و تشبه لعبة الشطرنج‪.‬‬

‫قواعد المنهج االستنباطي‬

‫هذه القاعدة الرابعة بمثابة‬ ‫النظرية العلمية تقبل‬ ‫إقتراح فروض‪ ،‬وهذه‬ ‫إن العلم خطة ال نهاية‬
‫بديل لمبدأ العلية‪ ،‬وبوبر‬ ‫اإلختبار‪ ،‬وذلك للتأكد‬ ‫الفروض تخضع‬ ‫لها‪ ،‬وذلك من حيث‬
‫ال يقبله وال يرفضه‪.‬‬ ‫بأنها هي األصدق‬ ‫لإلختبار بحيث يقدم‬ ‫المبدأ‪.‬‬
‫سبب إلثبات صدقها‬
‫وتجعلها تتقدم خطوة‬
‫في العلم‪.‬‬ ‫ونجاحها‪.‬‬

‫الشكل األول يوضح قواعد المنهج العلمي االستنباطي‬

‫هذا المخطط يوضح القواعد التي وضعها بوبر من أجل التقدم العلمي والنمو المعرفي‪ ،‬فهي‬

‫مترابطة ومنسجمة مع بعضها البعض‪ .‬وهي بمثابة الخطوة اإليجابية في العلم‪ .‬ألنها تسعى إلى نمو‬

‫المعرفة‪ .‬وسوف نقوم بشرح هذه الخطوات لتوضيحها‪ ،‬وتتمثل في أربعة خطوات وهي كالتالي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬ففي القاعدة األولى يرى من الواجب علينا أن نضع للعلم خطة ال نهاية لها وخصوصا من‬

‫حيث المبدأ‪ ،‬إذ تكون العملية البحثية مستمرة ال إنقطاع لها وليس لها حد من أجل أن يكون العلم‬

‫مفتوح ويشمل كافة النقاط‪ ،‬والسعي إلى تقدم خطوة نحو تحقيق الصدق‪ " .‬مبدئيا‪ ،‬خطة العلم ال نهاية‬

‫لها‪ .‬ومن يقرر أن القضايا العلمية ليست قابلة لالختبار وأنها تخضع فقط لتحقق وبصورة نهائية‪ ،‬فهذا‬

‫‪1‬‬
‫كارل بوبر‪ ،‬منطق البحث العلمي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬

‫‪71‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫األمر مستبعد من الخطة العلمية‪ 1 " .‬فهذه القاعدة هي بغاية األهمية ألنها توضح لنا بأن ال وجود‬

‫للصدق الراسخ ألن جميع المناهج ال تستطيع تحقيقه‪ ،‬وال يمكننا القول بأن القضايا العلمية تقف عند‬

‫حد معين ألن المناهج ال يمكنها أن تعطينا صدقا يقينيا‪ .‬فعلينا تكذيب القضايا المعطاة إلينا والبحث‬

‫عن األخرى تكون أكثر صدقا‪ .‬كما أنه ذكر في كتابه منطق الكشف العلمي هاذين المثالين فقال‪ ".‬إن‬

‫خطة العلم ال نهاية لها‪ ،‬من حيث المبدأ‪ ،‬ومن ثم فإن الذي يقرر في يوم ما أن القضايا العلمية ال‬

‫‪2‬‬
‫تدعو ألي اختبار آخر‪ ،‬وانه يمكن النظر إليها على أنها تحققت بصورة نهائية‪ ،‬مستبعد من الخطة‪".‬‬

‫من الواجب أن يكون للعلم خطة دائمة من أجل اختبار القضايا العلمية من حيث المبدأ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬فالقاعدة الثانية للمنهج االستنباطي عند بوبر تقوم على إعطاء الفروض واختبارها واثبات‬

‫صالبتها وجدارتها‪ ،‬وتخضع إلى االختبارات‪ ،‬ونقوم بتكذيبها بفروض أخرى‪ ،‬وتكون بتقديم سبب جيد‬

‫الذي يجعلنا نتخلى عن الفروض المقساة " إذا ما افترضنا فرضا ما وتم اختبا هر وتثبت صالبته أو جدارته‬

‫فال يمكن التخلي عنه دون تقديم سبب جيد لذلك‪ ،‬وعلى سبيل المثال فقد يكون السبب الجيد‪ ،‬أن نستبدل‬

‫فرضا أكثر قابلية لالختبار بفرض آخر أو بتكذيب إحدى نتائج الفرض موضع البحث‪ " .‬واذا أقترح فرض‬

‫واختبر وأثبت جدارته‪ ،‬فال ينبغي طرحه من دون تقديم" سبب جيد"‪ 3 .‬فيرى من الواجب وضع الفروض ثم‬

‫القيام باختبارها واثبات صدقها وجدارتها بتقديم سبب جيد من أجل إقصاء الفروض الضعيفة التي لم‬

‫تستطع مقاومة االختبارات‪ .‬هذه األخيرة إن لم تثبت جدارتها من أجل قبولها‪ ،‬ف يستبدله بفرض آخر أكثر‬

‫قابلية لالختبار‪ ،‬وذلك بتكذيب نتائج الفروض‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Karl Popper, The Logic of Scientific Discovery ,Routiledge Classic, Ladaon and New York, p66 .‬‬

‫‪2‬‬
‫كارل بوبر‪ ،‬منطق الكشف العلمي‪ ،‬تر‪ :‬ماهر عبد القادر محمد علي‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‬
‫‪.‬ط‪ ،‬د‪ .‬س‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪3‬‬
‫خوني ضيف هللا‪ ،‬المنهج النقدي عند كارل بوبر‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬تحت إشراف أستاذ لخضر شريط‪ ،‬جامعة الجزائر‪،‬‬
‫‪2004‬م ـ ‪2006‬م‪ ،‬ص ‪.29‬‬

‫‪72‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫ثالثا‪ :‬فهذه القاعدة ال تقبل النظريات العلمية التي تقوم على التبرير والتحقيق‪ ،‬بل قيامها على‬

‫معيار قابلية االختبار وهو مبدأ موضوعيتها‪ ،‬حيث يرى بأننا يجب أن نواجه الفروض بمالحظات‬

‫الكثيرة‪ .‬إلكتشاف مدى قدرتها على تحمل االختبارات‪ ،‬فكلما كانت النظرية أفضل من سابقتها في قبولها‬

‫لالختبار واجتيازه‪ ،‬كلما نحن نتقدم نحو تطور العلم‪ " .‬ال تقبل النظرية العلمية التبرير وال التحقيق‪ ،‬وانما‬

‫أهم خصائص النظرية العلمية أنها قابلة االختبار ‪ Testable‬وهذا هو معيار موضوعيتها ‪ ...‬والبديل‬

‫البوبري هو أن نواجهه فروضنا الجسورة ‪ Ball‬بمزيد من المالحظات إلكتشاف مدى قابليتها لالختبار‪،‬‬

‫وكلما كانت النظرية أفضل من سابقتها في قابلية اال ختبار كان ذلك إشارة على أننا نسير على درب‬

‫العلم"‪ 1 .‬فهو يرفض خضوع النظرية العلمية إلى معيار التحقيق أو التبرير‪ ،‬بل يجب أن تخضع لمبدأ‬

‫االختبار ألنه معيار لموضوعيتها‪ ،‬فجاء ببديل له ويتمثل بمواجهة الفروض لعديد من المالحظات من‬

‫أجل معرفة مدى قدرتها وقابليتها لمعيار االختبار‪ ،‬وبهذا األخير يمكننا أن نتأكد من صدق النظريات‬

‫عن غيرها‪ ،‬وبتقديم تفسير جديد‪ ،‬وبه نكون قد حققنا خطوة أخرى جديدة وايجابية نحو تقدم العلمي‬

‫والنمو المعرفي‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬القاعدة الرابعة هي بمثابة بديل لمبدأ العلية‪ ،‬فالفالسفة والعلماء المعاصرين يرون بأنه‬

‫مصادرة األولى التي تقوم بتسليم بها قبل البدء بالتجربة‪ ،‬ولم يشك بها أحد أو رفضها‪ ،‬ولكن بوبر‬

‫لم يقبلها ولم يرفضها أيضا‪ ،‬فقام بإستبعاده ألنه يعتبره مبدأ ميتافيزيقي‪ ،‬وبهذه القاعدة يدفع الباحث‬

‫العلمي إلى التوجه إلى عمل‪ ،‬ويرفض التخلي عن البحث من أجل القوانين الكلية‪ " .‬هذه القاعدة هي‬

‫كبديل لمبدأ العلية‪" ،‬حيث يرى أغلب العلماء المعاصرين أن هذا المبدأ هو مصادرة أولى وفكرة قبلية‬

‫يسلم بها تسليما قبل القيام بالتجربة‪ ،‬لذلك ال أحد يشك فيها أو يرفضها‪ .‬وبوبر لم يقبل هذا المبدأ ولم‬

‫يرفضه‪ ،‬إنما اكتفى بإستبعاده كمبدأ ميتافيزيقي" ومضمون هذه القاعدة هي‪ :‬علينا أن نتخلى عن البحث‬

‫‪1‬‬
‫محمد محمد قاسم‪ ،‬في فكر الفلسفي المعاصر ق رؤية علمية)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.291‬‬

‫‪73‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫عن الكلية‪ ،‬كذلك علينا أن ال نتوقف عن تفسير أي نوع من الحوادث التي تخضع للوصف" ‪ 1‬ففي هذه‬

‫القاعدة لم يرفض مبدأ العلية ولم يقبله‪ ،‬بل اعتبره مبدأ ميتافيزيقي واستبعده‪ ،‬على عكس العلماء‬

‫المعاصرين الذين اعتبروا من الواجب تسليم به قبل البدء في التجربة‪ .‬وال يجب أن نشك به أو نرفضه‪،‬‬

‫فاقترح القاعدة المي تدولوجية التي تناظر مبدأ العلية‪ .‬ومن الواجب علينا ال تخلي عن القوانين الكلية‪ ،‬يجب‬

‫علينا التوقف عن المحاولة التفسير العلي للحوادث الذي يقوم على الوصف‪ .‬فهذه القاعدة توجه الباحث‬

‫العلمي إلى القيام بعمله‪.‬‬

‫فالقواعد التي وضعها بوبر لمنهجه العلمي االستنباطي االستداللي مترابطة ببعضها البعض‬

‫ومنسجمة‪ ،‬ذلك ألنها تستنبط قاعدة من قاعدة أخرى‪ .‬وهذه األسس بمثابة تمهيد لمرور العمليات‬

‫والنظريات والقضايا بخطوات علمية من أجل تحقيق تطور العلمي والنمو المعرفي‪ ،‬فاعتبر أن المعارف‬

‫العلمية ال تصل إلى درجة اليقين ألن ليس هناك ما نسميه باليقين‪ ،‬فعلى النظريات العلمية أن تتصارع‬

‫مع بعضها البعض من أجل االستمرار والبقاء‪.‬‬

‫‪ )2‬خطوات المنهج العلمي‪:‬‬

‫فمنهج إستبعاد الخطأ والمحاولة يقوم على رفض األخطاء واقصاءها عن طريق العقل الذي له‬

‫دور كبير داخل المنهج الذي يسعى إلى تحصيل المعارف وتخليصها من الشوائب الميتافيزيقية بالنقد‬

‫العقلي الذي يقوم باختيار الحلول المناسبة للمشاكل العلمية بإستبعاد النظريات الفاشلة بنظريات أخرى‬

‫قابلة لالختب ار‪ " .‬بوبر يعطي للعقل أكبر دور في تحصيل المعرفة‪ .‬وقد بدأ هذا الدور يتعاظم عندما‬

‫تخلص العقل من الشوائب الميتافيزيقية وأجل محلها إتجاها نقديا تمثل في اختيار الحلول أو النظريات‬

‫البديلة للنظريات الفاشلة بإستخدام منهج المحاولة والخطأ ‪ Method Trial and Eerror‬الذي يستبعد‬

‫‪1‬‬
‫حنان علي عواضة‪ ،‬النزعة العلمية في فلسفة كارل بوبر ق بين التجربة والميتافيزيقيا)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.91‬‬

‫‪74‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫الخطأ بإحدى وسيلتين إما اإلستبعاد التام للرفض بتعديله بحث يأخذ صيغة جديدة‪ ،‬وأيا كان الحل‬

‫المؤقت الذي نتوصل إليه بعد رفض الحل السابق فإنه هو اآلخر قابل للرفض أو التعديل"‪ 1 .‬فالسمة‬

‫تكمنه من تخليص العقل من الشوائب الميتافيزيقية عن طريق النقد‪ ،‬والبحث‬


‫العلمية في منهج البوبري ّ‬

‫عن النظريات الصحيحة واستبعاد النظريات الفاشلة‪ .‬فهو يعطي للعقل دور كبير في تقديم المعارف‬

‫وتطور العلم‪ ،‬ألنه يستبعد النظريات بوسيلتين‪ ،‬األول يكون إستبعاد تام يعني رفض النظريات أو تعديلها‬

‫بصيغة جديدة‪ ،‬واعطائها حال مؤقتا الذي نتوصل بواسطته إلى حل المشاكل العلمية والتقدم المعرفي‪.‬‬

‫فالمنهج االستنباطي يقوم على مجموعة من الخطوات من أجل تسهيل عملية رفض األخطاء‬

‫واقصائها من النظريات العلمية أو تعديلها‪ .‬فالصيغة المنهجية للخطوات العلمية التي وضعها بوبر في‬

‫‪ P1‬فهذه الصيغة الرمزية‬ ‫‪TT‬‬ ‫‪EE‬‬ ‫في لمنهج االستنباطي هي قائمة كالتالي‪P2 :‬‬

‫للخطوات المنهج البوبري‪ ،‬وسنضع مخطط لها من أجل تسهيل وفهم أكثر لهذه الخطوات‪:‬‬

‫خطوات المنهج العلمي االستنباطي‬

‫المشكلة ‪2‬‬ ‫إستبعاد الخطأ‬ ‫حل المؤقت وغير‬ ‫المشكلة ‪ 1‬ق‬


‫‪(Error-‬‬ ‫نهائيق ‪Tentative‬‬
‫)‪( Problem 2‬‬ ‫‪)Problem1‬‬
‫)‪Elumination‬‬ ‫‪)theory‬‬

‫الشكل الثاني يوضح خطوات المنهج العلمي االستنباطي‬

‫‪1‬‬
‫محمد محمد قاسم‪ ،‬في الفكر الفلسفي المعاصر ق رؤية علمية)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 216‬ـ ‪.211‬‬

‫‪75‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫فهذا المخطط يوضح خطوات المنهج االستنباطي التي تقوم على النقد العقلي للنظريات الفاشلة‬

‫ولم تستطع تجاوز االختبارات النقدية‪ ،‬فمن خالل هذه الخطوات نقوم بإقصاء النظريات الضعيفة أو‬

‫بتعديلها‪ ،‬فبواسطتها ينجح العلم وينمو وتتقدم المعرفة وهذا هدف بوبر من وضعه للمنهج‪ ،‬ألن الفلسفة‬

‫العلمية البوبرية قائمة على التطور العلم وتقدم المعرفة من أجل بناء مستقبل زاهر‪ .‬واآلن سنشرح‬

‫الخطوات والصيغة الرمزية التي وضعها بوبر‪:‬‬

‫أوال‪ :)PROBLEM 1( P1 :‬وتعني المشكلة األولى للخطة العلمية‪ ،‬فهي المسألة التي تعطينا إشارة‬

‫البدء في العمل‪ .‬وهو بمثابة نقطة بداية للتطور العلمي‪ ،‬ألن العلم ال يتطور إن لم تكن هناك مشاكل‬

‫علمية بحتة‪ .‬فالمشكلة األولى تساعدنا على المالحظة والتجربة‪ ،‬فقد أعطى بوبر للمشاهدة والتجربة‬

‫دو ار وأهمية كبيرة‪ ،‬ألنهما يساعداننا في االختبار النقدي للنظريات وسيستبعد كل من لم يثبت صحته‪.‬‬

‫علمية أو نظرية إفتراضية يصعب حلها‪ ،‬فعادة‬


‫" حيث أن العالم يبدأ البحث عن المشكلة سواء كانت ّ‬

‫نجد العالم يختار مشكلة ما يتوقع إيجاد حل سريع لها مما يستوجب عليه أن يبدأ بحثه بمشكلة وليس‬

‫بالمالحظة‪ ،‬و بالتالي ال يمكن اعتبار هذه المشكلة نتيجة المالحظة أو التجربة بل هي عبارة عن‬

‫مجموعة معارف سابقة"‪ 1 .‬فهو يرى أن العالم يبدأ بمشكالت التي تنتج عن نشاط اإلنساني عن طريق‬

‫اإلبداع‪ ،‬فالباحث يقوم بالكشف عن المشكالت سواء كانت علمية واقعية أو نظرية فرضية فيصعب‬

‫حلها‪ ،‬ويحضر كل ما يتوقعه من أجل محاولة حل حلها‪ ،‬ومن الواجب أن يبدأ بمشكلة وليس‬

‫بمالحظة‪ ،‬وتكون عبارة عن مجموعة من المعارف التي سبق وان عرفناها‪ .‬فالمشكلة تنتج عن طريق‬

‫فشل اإلنسان في توقعاته للحلول‪ ،‬وتكون بمثابة نقطة بداية لكل عملية بحث‪ ،‬وأولى الخطوات التي‬

‫يقوم بها الباحث في تطبيق المنهج االستنباطي‪ ،‬ويحاول حلها وذلك باقتراح فرضيات واختبارها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عمران جودي‪ ،‬داروينية المعرفة عند كارل بوبر وميتافيزيقا العوالم الثالث ق إشكالية المنهجية وسؤال القيمة)‪ ،‬مجلة جيل‬
‫العلوم اإلنسانية واإلجتماعية‪ ،‬مركز جيل البحث العلمي‪ ،‬الجزائر‪ ،‬العام الرابع‪ ،‬العدد ‪ ،31‬ديسمبر ‪2011‬م‪ ،‬ص ‪.99‬‬

‫‪76‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫ثانيا‪ :)TENTATIVE THEORY( TT :‬تعني الحل المؤقت أو المقترح ق غير نهائي)‪ ،‬وتمثل أول‬

‫نقطة في المنهج االستنباطي وتهدف إلى اقتراح الفروض واختبارها التي يمكن أن تكون حلول‬

‫للمشاكل‪ ،‬وخصوصا إذا كانت غامضة‪ " .‬فرض أحد فروض المحتملة‪ ،‬فالنظرية أو الفرض جزء من‬

‫محاولة مؤقتة‪ .‬يضع بوبر الفرض بجانب المالحظة ـ حسب رأيه ـ أن نبدأ بفرض دون المالحظة‪ ،‬في‬

‫الوقت نفسه ال يمكن للمالحظة أن تتحرك ّإال ضمن إطار الفرض العام"‪ 1 .‬فإن اقتراح الفروض يكون‬

‫إحتمال وجود حل للمشاكل العلمية‪ ،‬وتكون خطوتنا األولى نحو األمام بإيجاد حلول مؤقتة‪ ،‬فبوبر‬

‫وضع الفروض بجانب المالحظات وتكون فرضا أو حدسا سابقا عليها‪ .‬ألن أصحاب المناهج التقليدية‬

‫يضعون المالحظة نقطة بداية لكل بحث علمي على عكسه الذي وضع التخمين قبلها‪.‬‬

‫ثالثا‪ :)ERROR-ELIMINATION( EE :‬استبعاد الخطأ‪ ،‬وهو الخطوة الثالثة في المنهج‬

‫االستنباطي‪ ،‬ويقصد به استنباط القضايا القابلة لالختبار من النظريات المعطاة إليه‪ ،‬فيقوم بالتكذيب‬

‫والصراع الدائم بين النظريات باستمرار‪ ،‬ويقوم باستنباط قضية من قضية أخرى‪ ،‬ففي هذه النقطة‬

‫يحاول الباحث نقد الفروض المؤقتة عن طريق تفنيده لها أي تكذيبها‪ ،‬وربما تستبعد هذه الفروض أو‬

‫تبقى في حالة إذا صمدت أمام االختبارات النقدية‪ " .‬فهي من جهة تحتاج إليها لتقرير قابلية النظرية‬

‫للتكذيب والبحث عن صورتها التجريبية‪ ،‬ومن جهة أخرى فهي األساس لتعزيز الفروض أو تكذيبها "‬

‫إذن فنحن نأخذها كأسس كافية التكذيب النظرية فحسب إذا عززت فرضا مكذبا في نفس الوقت"‪ .‬وهذه‬

‫القضايا لن يمكنها تبرير القضايا الكلية‪ ،‬والبحث عن القضايا صادقة تتقدم من خالل حذف القضايا‬

‫فهذه الخطوة تقوم على تكذيب الفروض المقترحة والبحث عن صورتها التجريبية‪ ،‬وأخذ‬ ‫‪2‬‬
‫الكاذبة‪".‬‬

‫األس س الكافية لتكذيب نظرية ما‪ ،‬والقضايا التي تتحمل االختبارات‪ .‬والقاعدة األساسية لهذه الخطوة‬

‫‪1‬‬
‫حنان علي عواضة‪ ،‬النزعة العلمية في فلسفة كارل بوبرق بين التجربة والميتافيزيقيا)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪2‬‬
‫خوني ضيف هللا‪ ،‬المنهج النقدي عند كارل بوبر‪ ،‬رسالة سابقة‪ ،‬ص ‪.39‬‬

‫‪77‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫يجب أن تكون حدسية قابلة لالختبار حيث أنها خطوة أساسية التي بواسطتها يتم اختبار النظريات أو‬

‫الفروض المؤقتة‪:‬‬

‫‪ ‬المقارنة المنطقية بين بعضها البعض‪ ،‬والتي بمقتضاها يختبر االتساق الداخلي للنسق‪.‬‬

‫‪ ‬البحث عن الصورة المنطقية للنظرية مع تحديد ما كان لها خاصية النظرية اإلمبريقية‬

‫العلمية أو ما كان لها على سبيل المثال تحصيل الحاصل‪.‬‬

‫‪ ‬المقارنة بالنظريات األخرى وهي تلتقي أساسا مع هدف تقرير ما إذا كانت النظرية تشكل‬

‫تقدما علميا يخدم أغراض اختباراتنا المختلفة‪.‬‬

‫‪ ‬وهناك أخي ار اختبار النظرية عن طريق التطبيقات اإلمبريقية للنتائج التي يمكن أن تشق‬

‫‪1‬‬
‫منها‪".‬‬

‫فإن الهدف من منهج بوبر هو السعي وراء استعداد النظريات من أجل إستجابتها مع‬

‫االختبارات التطبيقية‪ .‬ومن خاللها تكون النظرية صادقة إذا اجتازتها ويمكن أن نستنبط منها النظرية‬

‫أخرى‪ ،‬واذا كانت كاذبة وضعيفة ال يمكن استنباط منها قضايا ألنها سالبة‪ ،‬فال نتيجة من قضية‬

‫سالبة‪ .‬أما عن شروط قيام هذه الخطوة قد أشار إلى ضرورة مقارنة القضايا المنطقية مع بعضها‬

‫البعض ثم إخضاعها إلى اختبار األنساق الداخلية وهي أول ما يقوم به الباحث في هذه الخطوة ‪ ،‬أما‬

‫الخطوة الثانية تقوم على ضرورة فحص النظريات بطريقة منطقية من أجل معرفتها إن كانت تندرج‬

‫ضمن نطاق العلم التجريبي أو طبق عليها مبدأ التكذيب أو هي مجرد تحصيل حاصل‪ ،‬أي البحث عن‬

‫صورة المنطقية لهذه النظريات‪ .‬أما الخطوة الثالثة تقوم على مقارنة النظريات بنظريات أخرى‪ ،‬من‬

‫حيث إسهاماتها في تقدم المعرفي‪ ،‬ومدى اتساقها مع بعضها البعض‪ .‬أي أنها تتصارع مع بعضها‬

‫‪1‬‬
‫كارل بوبر‪ ،‬منطق الكشف العلمي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.69‬‬

‫‪78‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫البعض من أجل البقاء وتقديم معارف جديدة للعلم‪ ،‬أما الخطوة الرابعة يتم بها اختبار النظريات بطريقة‬

‫تجريبية‪ ،‬وذلك بواسطة تطبيقات تجريبية من أجل استنباط النتائج‪.‬‬

‫رابعا‪ :)Problem 2( :‬وهي الخطوة األخ يرة للمنهج االستنباطي البوبري‪ ،‬التي تدل الباحث إلى‬

‫وصوله لمشكلة جديدة‪ ،‬وتمر بنفس المراحل التي مرت بها المشكلة األولى‪ " .‬ولما كان من المستحيل‬

‫أن نعرف شيئا بيقين‪ ،‬فليس ثمة ما نجنيه من البحث عن اليقين‪ ،‬أما البحث عن الحقيقة فهو أمر‬

‫يستحق‪ ،‬ونحن نقوم بذلك في المقام األول بالبحث عن األخطاء‪ ،‬حتى يمكننا إصالحها‪ 1 ".‬فيجب أن‬

‫نعرف بشيء يقيني‪ ،‬معتب ار بأن ليس هناك ما نسميه باليقين في المعارف العلمية‪ ،‬أما البحث عن‬

‫الحقيقة يكون بالبحث عن األخطاء ومحاولة إصالحها‪ .‬فهذه النقطة األخيرة تمثل نقطة بداية للطريقة‬

‫نفسها التي إتبعناها في المشكلة األولى‪ ".‬أما المرحلة األخيرة في صياغة فهي قم‪ )2‬التي تدل على‬

‫الوصول إلى مشكلة جديدة يصل إليها العالم ليبدأ منها بالطريقة نفسها التي إتبعها في المشكلة األولى‬

‫وهكذا‪ ...‬ولكنه ال يستطيع الوصول إلى اليقين في المعرفة‪ 2 ".‬ففي هذه المرحلة تنتج عنها مشكلة أخرى‬

‫تكون بمثابة نقطة بداية للباحث من أجل أن يتبع نفس الطريقة للخروج بمشكلة أخرى جديدة‪.‬‬

‫فإن الخطوات العلمية التي وضعها بوبر من أجل الوصول إلى نظريات جديدة تعتمد على المعيار‬

‫الذي وضعه في منهجه وهو مبدأ التكذيب ولهذا فإن النظريات هي دائما في صراع من أجل البقاء‪،‬‬

‫والبقاء هنا يكون للنظريات األقوى‪ ،‬وهو ارفض لكل نظرية ال تستطيع المرور باختبارات وذلك ألنها ال‬

‫تحقق لنا أي شيء في تقدم العلم‪ ،‬وهو لطالما بحث عن تطور العلمي والنمو المعرفي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫كارل بوبر‪ ،‬بحثا عن عالم أفضل‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪2‬‬
‫حنان علي عواضة‪ ،‬النزعة العلمية في فلسفة كارل بوبرق بين التجربة والميتافيزيقيا)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.211‬‬

‫‪79‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫‪ )4‬قابلية التكذيب في مقابل التحقق‪:‬‬

‫إن مفهوم قابلية التكذيب ظهر مع بوبر كمعيار للتمييز جاء به كبديل لمبدأ التحقق الذي رفضه‬

‫وانتقده للوضعية المنطقية‪ ،‬فمعيار قابلية التكذيب يعطي للنظريات العلمية القدرة لمحاولة اجتيازه ‪ ،‬فهو‬

‫يحاول التمييز ب ين النظريات العلمية والنظريات غير العلمية‪ ،‬و تحديد ماهيتها‪ " .‬قدم لنا بوبر المعيار‬

‫وهي "معيار التمييز" بينما ما هو علمي وما هو غير علمي‪ ،‬وبهذا يكون قد حدد لنا هذه النظريات‬

‫والقضايا العلمية‪ 1 ".‬بواسطة معيار التكذيب يمكن تحديد النظريات العلمية عن غيرها‪ ،‬وذلك‬

‫من خالل تمييزها عن طريق االختبارات التي وضعها لها‪.‬‬

‫فمعيار التكذيب ظهر كخاصية بديلة لالستقراء‪ ،‬وهو يقوم بالتمييز القضية العلمية عن غيرها من‬

‫القضايا‪ .‬فأعطى ل لبنيات اإليجابية دور سلبي قائم على إستبعاد الفروض ورفضها وتكذيبها‪ ،‬فالنظريات‬

‫العلمية كلما كانت قابلة لالختبار كانت معرضة للدحض‪ .‬فهذا المعيار جاء كبديل لمبدأ التحقق عند‬

‫االستقرائيين وجعل منه كارل بوبر معيا ار أساسيا للتميز بين النظريات العلمية من غيرها فكل فرض‬

‫يقاوم الدحض يبقى قائم وبمجرد أن يظهر سالب واحد يؤدي إلى انهياره‪ .‬فطرح بوبر معيار قابلية‬

‫التكذيب كبديل لالستقراء الذي رفضه وألغاه‪ ،‬ويحول البنيات التي تقوم بتدعيم الفروض وتعتبرها إيجابية‬

‫إلى بنيات سلبية تقوم برفضها وتكذيبها واستبعادها‪ ،‬فالنظريات التي تكون أكثر قابلية لالختبار تكون‬

‫أكثر إستهدافا للدحض‪ ،‬فاجتيازها لالختبارات يكون أكثر مخاطرة التي تحقق لنا المعارف العلمية‪.‬‬

‫فبوبر يرى أن المعارف العلمية تتراكم وال يكون لها أي معنى عن طريق تأييد الفرضيات من أجل‬

‫تحقيقها‪ ،‬فيجعلها ال تتقدم وال تتطور‪ ،‬فرفض ال نظريات التي لم تمر بهذا المعيار‪ ،‬ألنها ليست جدي ةر‬

‫بالقبول‪ " .‬كان بوبر مناوئا لفكرة أن المعرفة العلمية تتراكم عن طريق التأييد الفرضيات تحقيقها‪ ،‬وفي‬

‫تصور شديد لالختالف والجدة الدينامية‪ ،‬العلم ذهب بوبر إلى أن الفرضيات ال تكون جديرة بالقبول ما‬

‫‪ 1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.112‬‬

‫‪80‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫تكن قابلة للتكذيب‪ 1 ".‬فهو رفض النظريات التي ال تمر بمعيار قابلية التكذيب واعتبرها غير مقبولة ألنها‬

‫ال تؤدي إلى تقدم العلم ونمو المعرفة‪ ،‬فتصبح المعارف تتراكم بغير معنى عن طريق مبدأ التأييد‬

‫والتحقيق‪ ،‬الذي يسعى إلى تحقيق الفرضيات بدون فحصها ودحضها‪ ،‬وبدون مرورها بأي اختبار وهذا‬

‫الذي رفضه‪.‬‬

‫فمبدأ التكذيب يعتبره بوبر معيار الوحيد الذي يميز القضايا العلمية عن غيرها‪ .‬ويتميز النسق‬

‫النظري بمدى قابليتها للتكذيب والدحض والتفنيد‪ ،‬ف قابلية التكذيب هي سمة البار ةز في النظريات العلمية‪.‬‬

‫" يذهب بوبر إلى أن قابلية التكذيب هي المعيار األصيل والمميز للقضايا العلمية عن غيرها وليس قابلة‬

‫التحقق ‪ .Verfiability‬وفإن أهم سمات النظرية العلم ية أو أي نسق نظري هو مدى قابليته للتكذيب أو‬

‫‪2‬‬
‫قابليته للدحض أو التفنيد والقابلية للتكذيب كسمة أساسية للنظرية العلمية من سمات الفرعية أخرى‪".‬‬

‫فهو اعتبر معيار قابلية التكذيب أنه المبدأ األصيل الذي يقوم بتمييز النظريات العلمية من غيرها وتكون‬

‫غير قابلة للتحقق‪ ،‬ف إن السمة البارزة فيها أو النسق النظري المميز فيها وهي مدى قدرتها على قبول‬

‫التكذيب والدحض والتفنيد‪ ،‬فإن هذه القضايا العلمية تقبل االختبار التكذيبي لها وتتجاوزه‪.‬‬

‫فينظر لقابلية التكذيب بأنها الخاصية المميزة للعلوم التي تتخذه‪ .‬وقابلية االختبار في لنظريات‬

‫تقوم على كشف نقاط ضعفها‪ ،‬فإن هذا المعيار يقوم بنفي القضايا العلمية غير قابلة للتكذيب ألنها‬

‫ضعيفة‪ " .‬قابلية التكذيب خاصية ممي ةز للنظرية العلمية‪ ،‬فكذلك قابلية االختبار‪ ،‬فالنظرية التي ال يمكن‬

‫اختبارها وكشف نقاط الضعف في أنساقها وتنبؤاتها ال تدعى نظرية علمية‪ ،‬بل ما ورائية عقيدية مطلقة‬

‫الصدق‪ ...،‬وبالتالي ‪ ،‬فإن النظرية التي نعرف مقدما أنه ال يمكن تبيان العيب فيها أو تفنيدها هي‬

‫‪1‬‬
‫عادل مصطفى‪ ،‬كارل بوبر مائة عام من التنوير ونضرة العقل‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار النهضة العربية‪2002 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 69‬ـ ‪.69‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد محمد قاسم‪ ،‬في الفكر الفلسفي المعاصر ق رؤية علمية)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.299‬‬

‫‪81‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫نظرية غير قابلة لالختبار‪ 1 ".‬يعتبر بوبر هذا المعيار كخاصية التي تميز العلوم عن غيرها‪ ،‬كما يرى أن‬

‫النظريات التي ال يمكن اختبارها وكشف نقاط ضعفها في كل أنساقها النظرية ال يمكن قبولها‪ ،‬ألن هذا‬

‫المبدأ ال يقبل النظريات الضعيفة‪ ،‬فالنظرية التي ال يمكن أن نبين العيب فيها وال يمكن دحضها هي‬

‫نظرية غير مقبولة‪.‬‬

‫فهذا المعيار يعتبره الطريقة التي تؤدي إلى نمو المعرفة والعلم‪ ،‬والتي تجعلنا نفرق بين النظريات‬

‫واختيار فيما بينها‪ ،‬وهو يتيح لنا الفرص برفض واستبعاد القضايا واقتراح األفضل‪ " .‬فطريقة نمو العلم‬

‫هي التي تجعل العالم يميز بين النظريات التي لديه ويختار أفضلها‪ ،‬كما تتيح له الفرصة إلبداء‬

‫األسباب لرفض النظريات واقتراح الشروط التي البد من توافرها‪ ،‬حتى يمكن القول عن أية نظرية أنها‬

‫مقنعة‪ ،‬ومفهوم النمو ال يعني مزيدا من المالحظات والتجارب‪ ،‬بل يتمثل في التكذيب المتكرر للنظريات‬

‫العلمية‪ ،‬واحالل نظريات أخرى أكثر إقناعا ألن‪.‬قمنهج العلم هو ذلك المنهج القائم على التخمينات‬

‫الجسورة‪ ،‬والمحاوالت المتكرر لرفض هذه التخمينات‪ 2 ".)..‬فالمعيار التكذيب يؤدي إلى تطور العلم‬

‫والمعرفة‪ ،‬غير أنه يقوم بتمييز النظريات ويختار األفضل من بينها‪ ،‬ويقدم األسباب لرفضه النظريات‬

‫الضعيفة التي لم تستطع تجاوز االختبارات‪ ،‬والنمو المعرفي ال يعني أن نقوم بتقديم المزيد من الفرضيات‬

‫والتجارب والمالحظات بل نقوم بالتكذيب المتكرر للنظريات العلمية‪ .‬ويضع في مكانها نظرية أخرى‬

‫أكثر قابلية‪ .‬ألن منهج العلم يقوم على التخمينات‪ ،‬ومحاوالت الرفض المتكر ةر لها‪.‬‬

‫‪ ) 5‬قابلية التكذيب والتكذيب‪:‬‬

‫إن مفهوم قابلية التكذيب والتكذيب يقصد باألولى بأنها المعيار الذي وضعه بوبر من أجل أن‬

‫يكون خاصية تجريبية التي تقوم عليها القضايا‪ ،‬أما الثاني يشير به إلى القواعد التي وضعها من أجل‬

‫‪1‬‬
‫ماهر اختيار‪ ،‬إشاكلية معيار قابلية التكذ يب عند كارل بوبر ق في النظرية والتطبيق)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 121‬ـ ‪.129‬‬
‫‪2‬‬
‫ماهر عبد القادر محمد علي‪ ،‬فلسفة العلوم ق المشكالت المعرفية)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 41‬ـ ‪.49‬‬

‫‪82‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫تبيين شروطه لتكذيبها واقتراح فروض أخرى لتكوين نظريات علمية‪ " .‬فقابلية للتكذيب ‪Falsifiability‬‬

‫هي معيار يشير إلى الخاصية التجريبية لنسق من القضايا العلمية أو لقضية واحدة‪ ،‬بينما يشير التكذيب‬

‫‪ Falsification‬إلى القواعد الخاصة الواجب إتخاذها لتعيين شروط تكذيب هذا النسق‪ ...‬أما تكذيب‬

‫النظرية فيتم عندما تقبل القضايا األساسية التي تناقضها‪ ،‬ورغم أن هذا شرط ضروري ّإال أنه غير كاف‬

‫في نظر بوبر‪ 1 ".‬فقابلية التكذيب والتكذيب هما كلمتين متشابهتين ّإال أن لكل واحدة منهما لها معناها‬

‫الخاصة بها‪ ،‬فاألولى خاصية تجريبية التي تشير إلى أنساق القضايا العلمية بينما يقصد بالثانية هي‬

‫القواعد التي أقامها ل تعيين شروط هذا المعيار والنسق النظري‪ .‬فإن تكذيب النظرية يقوم على قبولها‪.‬‬

‫معيار التكذيب والتكذيب قدم من أجل التمييز بين ال نظريات العلمية والالعلمية‪ ،‬واستعمله بوبر‬

‫كمنهج علمي يبحث في األخطاء ويستبعدها باعتبارها تؤدي للوصول إلى اليقين‪ ،‬ويقصد به الصراع بين‬

‫النظريات من أجل البقاء‪ ،‬حيث يرى أن من الضروري التمييز بين قابلية التكذيب والتكذيب‪ ،‬وذلك ألن‬

‫األولى تعني معيار الذي قدمه كخاصية للنظريات أما الثانية هي تقديم القواعد الخاصة لشروطه‬

‫النسقية‪ " .‬يجب علينا أن نميز بوضوح بين قابلية التكذيب والتكذيب‪ ،‬لقد سبق أن قدمنا قابلية لتكذيب‬

‫ك معيار للخاصية اإلمبريقية لنسق من القضايا‪ ،‬أما بالنسبة للتكذيب يجب علينا أن نقدم قواعد خاصة‬

‫تحدد لنا تحت أي الشروط ننظر للنسق على أنه مكذب‪ 2 ".‬يرى بوبر بأن يجب علينا التفريق بين‬

‫التكذيب األولى والثانية‪ ،‬ف يقصد بها معيار الذي يحدد الخاصية اإلمبريقية النسقية للنظريات‪ ،‬وتحديد‬

‫القواعد العلمية التي تقدم الشروط ألنساق النظريات من أجل البرهنة عليها بأنها كاذبة‪ ،‬فالنظريات‬

‫العلمية يجب أن تتصارع فيما بينها من أجل البقاء‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد محمد قاسم‪ ،‬في الفكر الفلسفي المعاصر قرؤية علمية)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.300‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد بوحجلة‪ ،‬أطروحة وحدة المنهج بين العلوم اإلجتماعية والعلوم الطبيعية عند كارل بوبر‪ ،‬مجلة الحوار الثقافي‬
‫قدفاتر المخبرية)‪ ،‬مخبر حوار الحضارات ولفلسفة السلم‪ ،‬مستغانم ـ الجزائر‪ ،‬عدد ربيع و صيف ‪2014‬م‪ ،‬ص ‪.14‬‬

‫‪83‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫فبوبر اعتبر تكذيب القضايا شرط ضروري‪ّ ،‬إال أنه إقترح نوعا آخر من الفروض وأعطاه إسم‬

‫الفرض التكذيبي ويقصد به القضية ذات مستوى منخفض من التجريبية والتي تكون قابلة للتكذيب‪،‬‬

‫إنتصار للفرض‬
‫ا‬ ‫فيكون هناك فرضا يعززها شيئا فشيئا‪ .‬وذلك باجتيازها لالختبارات‪ ،‬وهذا االجتياز يحقق‬

‫ومؤشر الستبعاد النظريات وتحل محلها نظريات أخرى‪ " .‬يسميه الفرض التكذيبي ‪Falsifying‬‬
‫ا‬ ‫التكذيبي‬

‫‪ Hypothesis‬هو بمثابة قضية ذات مستوى منخفض من التجريبية والقابلية للتكذيب إال أنه إذا تم‬

‫تعزيزه شيئا فشيئا باجتيازه مزيدا من اال ختبارات‪ ،‬فإن كل إنتصار يحققه هذا الفرض التكذيب يصبح‬

‫مؤش ار إلى مزيد من التدهور واالستبعاد للنظرية القائمة‪ ،‬حتى يحل محلها في نهاية األمر‪ 1 ".‬فالفرض‬

‫المقترح من قبل بوبر هو الفرضي التكذيبي الذي بمثابة القضية الضعيفة التي تقبل التكذيب وتعزز شيئا‬

‫فشيئا‪ ،‬ألنها اجتازت االختبارات‪ ،‬فكلما اجتاز اختبار حقق انتصا ار‪ ،‬بهذا اإلنتصار تستبعد النظريات‬

‫التي قبله وتحل محلها في األخير‪.‬‬

‫فهناك فرق بين مفهوم قابلية للتكذيب والتكذيب‪ ،‬فاقترحه من أجل تمييز النظريات العلمية عن‬

‫غيرها‪ ،‬ويعتقد أن مصطلح قابلية التكذيب يحدد الشروط والقواعد النسقية التي يجب إتباعها أثناء عملية‬

‫الدحض والتفنيذ‪ ،‬أما مصطلح التكذيب يقصد به نقد الطبيعة التجريبية‪ " .‬هناك فرق بين التكذيب وقابلية‬

‫التكذيب‪ ،‬بحيث يعرف التكذيب على أنه ذلك النقد لطبيعة اإلمبريقية ونسقية البحث‪ ،‬بينما قابلية التكذيب‬

‫يتم من خاللها تحديد شروط وقواعد النسقية التي يجب النظر إليها أثناء عملية التفنيذ‪ 2 ".‬يوجد فرق بين‬

‫مصطلحي قابلية التكذيب والتكذيب‪ ،‬فيقصد با لتكذيب نقد الطبيعة التجريبية والنسق البحثي‪ ،‬أما قابلية‬

‫‪1‬‬
‫محمد محمد قاسم‪ ،‬في الفكر الفلسفي المعاصر ق رؤية علمية)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.300‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Karl Popper, The Logic of Scientific Discovery, Op Cit, p66.‬‬

‫‪84‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫التكذيب ف يقصد بها تحديد القواعد والخطوات النسقية التي تتم خاللها عملية التفنيذ‪ .‬فالحديث عن هذا‬

‫المعيار يقوم على العديد من الموضوعات ومن بينها‪:‬‬

‫‪ 5‬ـ ‪ - 1‬القابلية التكذيب ونمو المعرفة‪:‬‬

‫سعى بوبر من أجل نمو المعرفة العلمية حيث أنه ربطها بمفهوم قابلية التكذيب من أجل استمرار‬

‫معارفنا بطريقة دائمة بحيث ال يكون هناك نقطة للنهاية‪ .‬ف قابلية التكذيب تنطبق مع نظرية المعرفة‬

‫العلمية ألنها تتطور بشكل مستمر‪ ،‬فمبدأ التكذيب في حد ذا ته يبحث عن التطور والتقدم‪ .‬فربط بوبر‬

‫مفهوم نمو المعرفة بالتكذيب ألنها تخضع إليه باستمرار‪ ،‬ف نمو المعرفة هو أمر حدسي مؤقت‪ " .‬يرى‬

‫بوبر أن مبدأ التكذيب يعتمد على نمو المعرفة العلمية‪ ،‬و فكرة النمو هي في حقيقتها نوع من أنواع‬

‫التقدم‪ ،‬فلو كانت لدينا نظرية ثم اختبارها‪ .‬واجتازت هذا التكذيب‪ ،‬فإن هذه النظرية تصبح أفضل من‬

‫النظريات األخرى التي لم تخضع لال ختبار‪ .‬ولهذا لنا أن نطبق معيار قابلية التكذيب على نمو المعرفة‬

‫العلمية ألنه حدسي مؤقت‪ .‬وهذا مما جعل بوبر يبني عالقة أساسية بين معيار التقدم والتكذيب المتكرر‬

‫في النظريات العلمية‪ ،‬فالنظرية العلمية المتماسكة منطقيا هي تلك التي تجتاز مراحل االختبار‪ 1 ".‬فبوبر‬

‫جعل عالقة بين معيار قابلية التكذيب والتقدم تكمن في االختبار المتكرر للنظريات‪ ،‬الذي يجعله‬

‫متماسكا منطقيا من أجل إجتياز جميع المراحل‪ ،‬فنمو المعرفة العلمية هو أمر حدسي مؤقت‪ .‬فيرى فك ةر‬

‫نمو المعرفة في الح قيقة نوع من أنواع التقدم فكلما إجتازت نظرية علمية عدد من االختبارات كلما زاد‬

‫تماسكها منطقي‪ ،‬ولهذا يرمز بوبر إلى نمو المعرفة بالتعبير الرمزي وهو كالتالي‪:‬‬

‫المشكلة ‪ 2‬فبهذه‬ ‫استبعاد الخطأ‬ ‫نظرية مؤقتة‬ ‫‪ p1‬تعني المشكلة‪1‬‬ ‫‪TT‬‬ ‫‪EE‬‬ ‫‪P2‬‬

‫الطريقة يمكن للمعرفة أن تنمو وتتطور وتستبعد العديد من القضايا الضعيفة ب تكذيبها ودحضها وتفنيدها‬

‫‪1‬‬
‫حنان علي عواضة‪ ،‬النزعة العلمية في فلسفة كارل بوبر ق بين التجربة والميتافيزيقيا)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.134‬‬

‫‪85‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫فكل قضية ناجحة تساهم في تطوير المعرفة ونموها‪ " .‬إن تطور العلم ونموه من خالل منهج المحاولة‬

‫والخطأ ال يكون وفق المسار تكراري أو تجميعي‪ ،‬بل يكون وفق مسار نقدي يرتكز أساسا على استبعاد‬

‫الخطأ والتقدم العلم إلى األمام‪ 1 ".‬فالتطور والنمو المعرفي يرتبط بمنهج المحاولة والخطأ الذي يقوم على‬

‫اكتشاف األخطاء واستعبادها من النظريات العلمية‪.‬‬

‫يرى بوبر أن المعرفة العلمية تنمو وتتطور بالعملية التي تبدأ بمشكلة أولية التي يتم اكتشافها ثم‬

‫اقتراح حلول مؤقتة لها ثم الكشف عن أخطائها بالمناقشة النقدية حتى نصل إلى مشكلة جديدة‪ " .‬بحيث‬

‫تبدأ بمشكل أساسي نعرفه ونكتشفه‪ ،‬مخالف لمعطيات المعرفة المسيطرة‪ ،‬فنقترح حلوال مؤقتة للمشاكل‪،‬‬

‫مما يدفعنا إلى اكتشاف األخطاء بفضل عملية النقدية‪ ،‬وهكذا دواليه حتى يصادفنا مشكل آخر‪ ،‬بحيث‬

‫يتطور العلم بهذه الطريقة‪ 2 " .‬ف تطور العلم يتم بالطريقة ا بتداءا بمشكل أولي ضروري حيث يقوم بدراسة‬

‫واكتشاف أخطاءه ثم اقتراح فرضيات وحلول مؤقتة‪ ،‬فينقدها عن طريق التكذيب واالختبار النظريات‬

‫حتى يظهر مشكل من نوع آخر وهكذا تتم عملية تطور المعرفة ونموها‪.‬‬

‫فالصيغة الرمزية تبين طريقة توليد المعارف‪ ،‬بتقديم مجموعة من الفرضيات كحل مؤقت ثم‬

‫تخضعها للفحوص ال نقدية‪ " .‬إن هذا المخطط يبين لنا الطريقة التي يمارسها علماء في توليد المعارف‬

‫بحيث يقدمون مجموعة من النظريات لحل المشكل المطروح بفضل الفحص النقدي والذي يعطينا‬

‫مجموعة من الحلول لنصل في األخير إلى مواجهة مشكل جديد‪ ،‬وبهذه الطريقة يتطور وينمو‪ 3 ".‬فيرى‬

‫أن العملية التطورية للمعارف والعلوم تقوم على توليد المعارف عن طريق البحث عن المشاكل األولية‬

‫‪1‬‬
‫نعيمة ولد يوسف‪ ،‬مشكلة اإلستقراء في إبستيمولوجيا كارل بوبر‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الروافد االثقافية‪ ،‬بيروت ـ ـ لبنان‪2014 ،‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.143‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪Fabien Blanchot, Article : La Connaissance Objective de Karl popper, Université de Paris‬‬
‫‪IX Dauphine, Paris, Septembre 1999, p 28.‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪Karl Popper, Objective Knowledge ( A Realist View of Logic, physice and history), 1996,‬‬
‫‪p4.‬‬

‫‪86‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫ودراستها واكتشاف أخطائها‪ ،‬ثم يقدمون الحلول والفرضيات المؤقتة التي يتم اختبارها عن طريق التكذيب‬

‫والتفنيذ والدحض‪ ،‬حتى نصل إلى مواجهة مشاكل جديدة ومن نوع آخر‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ ‪ - 2‬قابلية التكذيب والمحتوى المعرفي‪ ،‬اإلحتمال‪:‬‬

‫يرى بوبر بأن هناك عالقة وثيقة بين عنصر التكذيب والمحتوى المعرفي واالحتمال‪ ،‬فكل هذه‬

‫الع ناصر تؤدي إلى تطور العلم إلكتساب خبرات أكثر بالعالم‪ ،‬فالنظريات ذات محتوى معرفي تزودنا‬

‫بالمعلومات إضافية عن البقية‪ ،‬فقابلية التكذيب تحكم القضايا لدراستها وتعرف مدى احتمالها المنطقي‪،‬‬

‫فيرى القضايا ذات مستوى عالي تكون أقل احتمال منطقي‪ ،‬وكلما كان قبولها للتكذيب أقل كان احتمالها‬

‫أكثر منطقيا‪ " .‬ترتبط القابلية للتكذيب من جهة أخرى‪ ،‬بعالقة طردية مع المحتوى المعرفي للنظرية‪،‬‬

‫فقابلية للتكذيب تزداد با تساع محتواها المعرفي‪ ،‬الذي يؤدي بدو هر إلى درجة قليلة من االحتمال المنطقي‬

‫للنظرية‪ ،‬وبالتالي تكون العالقة بينهما عالقة عكسية‪ ،‬وألن نمو المعرفة يعني صياغة النظريات ذات‬

‫محتوى معرفي واسع‪ ،‬فسيعني كذلك أنها ذات درجة قليلة من االحتما ل‪ ،‬ألن محتوى معرفي واسعا‬

‫ودرجة احتمال عالية مطلبان متعارضان‪ 1 ".‬يرى بوبر بأن هناك عالقة عكسية بين قابلية التكذيب‬

‫والمحتوى المعرفي‪ ،‬واذا كانت النظريات تقبل اختبارات من أجل تكذيبها يكون احتمالها المنطقي قليل أما‬

‫إذا كانت غير قابلة للخضوع لها فهي ذات احتمال منطقي أكثر‪ ،‬فالعالقة بينهما طردية‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ ‪ - 3‬المحتوى التجريبي والمنطقي للنظرية‪:‬‬

‫يرى أن كل النظريات ذات محتوى معرفي والمنطقي ولكنها تتفاوت مع بعضها البعض‪ ،‬فقد‬

‫تكون هناك قضايا علمية ذات محتوى معرفي والمنطقي أعلى من غيرها‪ ،‬ويقصد بالمحتوى التجريبي‬

‫مجموعة من نظريات التي تتصارع مع بعضها البعض وتواجه إختبارات وتكذيبات‪ ،‬فالقضايا التي‬

‫‪1‬‬
‫بن نحي زكرياء‪ ،‬مشكلة اإلستقراء وأزمة المنهج العلمي كارل بوبر أنموذجا‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬دراس شهرزاد‪ ،‬وهران‪،‬‬
‫‪2010‬م ـ ‪2011‬م‪ ،‬ص ‪.142‬‬

‫‪87‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫تعطينا وقائع المشاهدة نقوم بدحضها وتفنيدها وتكذ يبها فإذا صدقت إحدى هذه الوقائع كذبت نظريات‬

‫أخرى وأستبعدت‪ " .‬المحتوى التجريبي ‪ Empirical content‬الذي يشير إلى مجموعة من القضايا‬

‫التي تعارض هذه النظرية‪ ،‬والمعارضة هنا ليست قائمة بالفعل وانما محتملة‪ ،‬وا ّال أصبح كل ما ينادي‬

‫به بوبر مجرد لغو‪ ،‬فكيف تحتوى نظرية وهي قائمة على عناصر في داخلها ال تتسق مع منطوقها‪ ،‬أو‬

‫مناهضة لها إن ما يقصده بوبر بالمحتوى التجريبي للنظرية هي فئة المكذبات المحتملة لها‪ 1 ".‬فالمحتوى‬

‫التجريبي مجموعة من النظريات التي تتعارض فيما بينها‪ ،‬حيث تكون المعارضة أو الصراع غير قائم‬

‫على الفعل وانما على اإلحتمال‪ .‬ويجب أن يكون للقضايا عناصر متسقة ومنسجمة بشكل منطقي‪،‬‬

‫ويقصد بالمحتوى التجريبي مجموعة من اختبارات التكذيبية المحتملة لها‪ .‬إن نظريات العلمية كلما‬

‫إستبعدت وقوع في الحوادث المعينة كلما زاد محتواها التجريبي حول ظواهر معينة‪ " .‬كل الغربان سوداء‬

‫اللون ذات محتوى إمبيريقي ضخم‪ ،‬فهي ال تمنع فقط وجود غربان بيضاء ولكن أيضا غربان زرقاء‬

‫وخضراء وحمراء‪ .‬ففئة القضايا الممنوعة أكبر بكثير‪ 2 ".‬كلما توسعت معارفنا إتجاه الحوادث المعينة زاد‬

‫محتوانا التجريبي الذي يسمح بإضافة وقائع أخرى متعرضة إلى اختبارات تكذيبية‪ ،‬ويقصد بالمحتوى‬

‫المنطقي مجموعة من ال نتائج أي تحصيل الحاصل‪ .‬فإن المحتوى التجريبي والمنطقي مترابطان فإذا زاد‬

‫أحدهما زاد اآلخر واذا نقص أحدهما نقص اآلخر‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ ‪ - 4‬ال نهاية للمحتوى‪:‬‬

‫إن النظريات المعرفة قابلة للتكذيب ترتبط بالمحتوى سواء كان تجريبي أو منطقي‪ ،‬فبوبر يسعى‬

‫من أجل تحقيق التقدم العلمي والنمو المعرفي الذي يتحقق عن طريق المحتوى الواسع للنظريات‪ ،‬الذي‬

‫ال يمكن حصره ألنه ذا أهمية بالغة وغير محدود ويتشكل وينمو في ضوء النظريات العلمية‪ " .‬فالمحتوى‬

‫‪1‬‬
‫محمد محمد قاسم‪ ،‬في الفكر الفلسفي المعاصر ق رؤية نقدية)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.294‬‬
‫‪2‬‬
‫كارل بوبر‪ ،‬الحياة بأسرها حلول لمشاكل‪ ،‬م صدر سابق‪ ،‬ص ‪.49‬‬

‫‪88‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫المعرفي ألي نظرية حاليا غير حدود‪ ،‬طالما أنه يتشكل وينمو في ضوء النظريات التي تتعارض معها‬

‫حاليا ناهيك عن النظريات التي قد تتخطاها في المستقبل‪ .‬وهنا يصل بوبر إلى نتيجة منهجية ومعرفية‬

‫في نفس الوقت نود التوقف عندها‪ .‬حيث يقول‪ ":‬إننا ال نستطيع أن نعرف وال أن نقيم هذه النظريات‬

‫مقدما‪ ،‬و الدليل على ذلك أن قنيوتن) لم يكن ليتنبدأ بأنشتين أو بأحد من أتباعه"‪ .‬وهذه عبا ةر متخمة‬

‫بالمعاني البوبرية ولنبدأ من نهايتها‪ :‬التنبؤ صعب بل أنه ليس من عمل العلم‪ 1 ".‬إن النظريات العلمية‬

‫تنمو وتتقدم في ظل الصراع‪ ،‬إذ ال يمكننا تعرف على محتواها المعرفي غير المحدود الذي يندرج تحت‬

‫محتوى نظرية أخرى‪ ،‬ألن كل قضية لها محتوى معرفي خاص بها‪ ،‬وليس له نهائية‪ ،‬ألنه يقوم على فهم‬

‫وادراك النظريات أكثر فأكثر‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ ‪ - 5‬قابلية االختبار‪:‬‬

‫يرتبط مفهوم قابلية التكذيب عند بوبر بمفهوم قابلية االختبار‪ ،‬فالنظريات العلمية كلما كانت‬

‫قابلي تها لمبدأ التكذيب أعلى كلما زاد محتواها المعرفي الذي هو مجموعة من اختبارات التكذيبية احتمالية‬

‫في النظريات‪ ،‬فمنهج قابلية االختبار للنظريات يقوم على طريقة استنباطية ويمر بمجموعة من الخطوات‬

‫من أجل تحقيقه والتي هي نفسها مذكورة في المرحلة الثالثة في المنهج االستنباطي‪ .‬فيمر بهذه المراحل‬

‫من أجل تكذيب القضايا واستبعاد الخطأ منها ومحاولة تصحيحه أو رفضه بصفة نهائية‪ ،‬وذلك بعد‬

‫مرورها بمجموعة من اختبارات تبين بأن ا لقضايا ال تضيف أي محتوى معرفي ولهذا تستبعد نهائيا‪.‬‬

‫"ترتبط القابلية للتكذيب عند بوبر بقابلية لالختبار‪ ،‬فقد أشارنا إلى أنه كلما زادت قابلية النظرية للتكذيب‬

‫زاد محتواها المعرفي‪ .‬واألخير ليس سوى فئة المكذبات الممكنة أو المحتملة للقضية باإلضافة إلى‬

‫القضايا المشتقة منها والقابلية لالختبار‪ ،‬وزاد بالتالي احتمال تعرضها لالختبار‪ 2 ".‬فربط بوبر قابلية‬

‫‪1‬‬
‫محمد محمد قاسم‪ ،‬كارل بوبر نظرية المعرفة في ضوء المنهج العلمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد محمد قاسم‪ ،‬في الفكر الفلسفي المعاصر ق رؤية علمية)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.299‬‬

‫‪89‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫التكذيب مع قابلية االختبار ألن النظريات العلمية كلما زادت قابليتها للتكذيب زاد احتمال تعرضها‬

‫لالختبارات‪ ،‬فهي عبارة عن مجموعة المكذبات التي تخضع لها النظرية من أجل معرفة إن كانت قاد ةر‬

‫على صمود أمامها أو ال‪.‬‬

‫فاالختبار يسعى قبل كل شيء إلى بلوغ التقدم واالزدهار‪ ،‬وله عدة خطوات التي يجب إتباعها‪،‬‬

‫فأولها يجب على الباحث أن يختار النظريات من أجل قيام باختبارها‪ " .‬االختبار يسعى قبل كل شيء‬

‫إلى بلوغ التقدم‪ ،‬فهو يقوم على عدة خطوات‪ ،‬أوال هي اختيار النظرية من أجل اختبارها‪ ،‬وثانيا اتساق‬

‫مع كل أنواع احتماالت لشروط اال بتدائيةق األولية) المغايرة للنظريات‪ ،‬ثالثا مقارنة نتائج الفرضيات مع‬

‫الواقع‪ 1 " .‬فاالختبار هدفه األولي تحقيق تقدم العلمي ونمو المعرفي‪ ،‬فأول خطوة التي يجب على الباحث‬

‫اعتمادها فيه هي تحديد النظريات العلمية من أجل إخضاعها لالختبار‪ ،‬أما الخطوة الثانية هي االتساق‬

‫بين أنواع اإلمكانيات واالحتماالت للشروط األولية مغاي ةر لتلك النظريات التي تخضع له‪ ،‬أما الخطوة‬

‫الثالثة هي القيام بمقارنة نتائج الفرضيات المعطاة له مع الواقع‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪Extrait, Karl Popper, La Connaissance Objective « Appendice 1», 1979 de p141, p3‬‬

‫‪90‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬حدود المنهج البوبري‬

‫عرفت فلسفة كارل بوبر مجموعة من االنتقادات من طرف تالميذته كل من توماس كون‬

‫وايمري الكاتوس وبول فيرابند‪ ،‬حيث شكلت هذه االنتقادات بدائل ابستيمولوجية لمنهجه‬

‫التكذيبي‪ ،‬فما هي هذه البدائل االبستيمولوجية؟‬

‫‪ ) 1‬البرادايم عند توماس كون‪:‬‬

‫توماس كون من بين الفالسفة الذين نقدوا كارل بوبر في معيار الذي طرحه من أجل تمييز بين‬

‫علم والعلم‪ ،‬إذ وافقه في بعض األفكار التي ت تعلق بسير ديناميكي للعلوم من أجل إعطاء معارف علمية‬

‫في التركيب المنطقي‪ ،‬فكان ينظر إليه نظرة متميزة وشاطره في بعض األفكار ونقده في بعض اآلخر‬

‫ولكن نقده نقد بناء‪ " .‬عندما نعالج بوضوح نفس المشكالت ترى أن آراء سير كارل في العلوم وآرائي‬

‫تقريبا متشابه‪ .‬فكالنا يهتم بالمسار الديناميكي الذي اكتسب به المعرفة العلمية أكثر من التركيب‬

‫المنطقي لنتائج البحث العلمي‪ 1 ".‬فهناك تشابه في األفكار وطريقة المعالجة بينهما‪ ،‬فكالهما كان يهتم‬

‫بمسار العلم الديناميكي الذي نكتسب من خالله المعارف العلمية ذات تركيب منطقي من أجل الخروج‬

‫ب نتائج تقيد البحث العلمي‪.‬‬

‫فأفرد كتابه " بنية الثورات العلمية " من أجل توضيح فكرته المتعلقة بالعمل العلمي الذي يقوم به‬

‫أي باحث في مجال العلوم‪ ،‬فلكل عالم نظرته الخاصة به في عمل العلمي وقواعده المنطقية والمنهج‬

‫الذي اتبعه‪ ،‬ف ينظر إلى نتائج العلم على أنها مهمة وكل المعارف العلمية تستحق أن تكون ذات قيمة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫توماس كون‪ ،‬تركيب الثورات العلمية‪ ،‬تر‪ :‬ماهر عبد القادر محمد علي‪ ،‬دار المعارف الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬‬
‫س‪ ،‬ص ‪.42‬‬

‫‪91‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫فاالفتراض ال يمكن إثبات صحته بوسائل العلمية حتى نستطيع تفسي هر تفسي ار علميا‪ " .‬كل العمل العلمي‬

‫يفترض أن القواعد الم نطق والمنهج الصحيحة‪ ،‬ويفترض أن نتائج العلم مهمة‪ ،‬وبمعنى أنها تستحق‬

‫المعرفة فهي ذات قيمة‪ ،‬علما بأن هذا اال فتراض ال يمكن إثباته بوسائل العلم جل ما نستطيع عمله‬

‫تفسيري‪ ،‬أي إننا نفسر اال فتراض بإسناده إلى معناه األخير الذي قد نقبله أو نرفضه وفقا لموقفنا النهائي‬

‫يرى كون بأن العمل العلمي يفترض قواعد منطقية ومنهج صحيح‪ ،‬فنتائجه مهمة وذات‬ ‫‪1‬‬
‫من الحياة‪".‬‬

‫قيمة كبيرة ألنها تنتج لنا معارف جديدة‪ ،‬واالفتراض ال يمكن إثبات صدقه حتى يفسر بطريقة علمية‪،‬‬

‫ويعود قبوله أو رفضه إلى الموقف النهائي‪.‬‬

‫يرى كون بأن بوبر لم يخدم العلم ولم يقدم منطقا للمعرفة بل قدم شيء غير منطقي‪ ،‬ألنه وضع‬

‫شعارات إجرائية بدال من تقديم قواعد منهجية التي بواسطتها نستطيع خدمة العلم وتقديم المعارف‪ .‬فقد‬

‫قدم لنا شيء عقائدي ألنه اعتقد أن معيار الذي قدمه سيعطي للعلم نغمة ولكنه بواسطته فقد العلم تلك‬

‫نغمة في اكتشاف معارف جديدة‪ " .‬اعتقد توماس كون أن ما يقدمه بوبر ليس منطق للمعرفة‪ ،‬بل شيئا‬

‫آخر بدال من المنطق‪ ،‬قدم بوبر عقائدية‪ ،‬وبدال من القواعد المنهجية‪ ،‬قدم شعارات إجرائية‪ 2 " .‬فبوبر لم‬

‫يقدم شيئا يفيد المعارف وانما ما قدمه هو شيء عقائدي‪ ،‬ألنه يعتقد بأن معياره التكذيبي هو مبدأ‬

‫الصحيح الذي يجب على النظريات العلمية القيام عليه‪ ،‬بينما كون يرى هذه اإلضافة ليست منطقية‬

‫للمعارف‪ .،‬ولم يقدم بوبر قواعد منهجية التي تفيد العلوم‪.‬‬

‫فكون يرى تقدم العلمي ونمو المعرفي يقوم على حل األلغاز‪ ،‬حيث ال وجود للعلم دون أن تكون‬

‫هناك نظريات متناقضة فيما بينها‪ ،‬فالشواهد المتناقضة ال تعني تكذيب نظريات وقضايا معينة وانما هي‬

‫‪1‬‬
‫توماس س‪ .‬كون‪ ،‬بنية الثورات العلمية‪ ،‬تر‪ :‬حيدر حاج إسماعيل‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪ ،‬ط‪،‬‬
‫أيلول ‪ ،2001‬ص ‪.11‬‬
‫‪2‬‬
‫عادل عوض‪ ،‬منطق النظرية العلمية المعاصرة وعالقتها بالواقع التجريبي‪ ،‬ط‪ ،‬دار الواقع لدنيا الطباعة والنشر‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪2006 ،‬م‪ ،‬ص ‪.294‬‬

‫‪92‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫إعادة تعديل وتركيب مراحل العلم السوي‪ .‬الذي يحتوي على مجموعة القضايا تقوم على ألغاز‪ ،‬التي‬

‫البعض منها يمكن حله واآلخر يبقى لفترة طويلة حتى نكتشف حال له‪ " .‬ال يوجد بحث علمي بدون‬

‫شواهد مناقضة ـ إذ ما الذي يفرق بين العلم القياسي ق السوي) وبين العلم في حالة أزمة؟ ليس السبب‬

‫يقينا أن األول ال يواجه شواهد مناقضة‪ .‬بل على العكس تماما‪ ،‬إن ما سميناه قبل ذلك األلغاز التي‬

‫تؤلف العلم القياسي وانما توجد فقط ألن أي نموذج إرشادي معتمد لدى الباح ثين كأساس البحث العلمي‬

‫ال يمكن أبدا أن يحل بشكل كامل وتام جميع مشكالت هذا العلم‪ 1 " .‬فالشواهد أو القضايا العلمية‬

‫المتناقضة مع بعضها البعض ال تعني أن هناك نظريات مكذبة ويجب استبعادها وانما تعد ضمن‬

‫تركيب العلم السوي الذي يقوم بحل األلغاز وال يمكنه حلها جميعا‪ ،‬ألن هناك بعض منها نجد له حل‬

‫والبعض اآلخر يستعصي حله ويمكن أن يبقى فترة زمنية طويلة حتى يمكننا حله‪ ،‬فوجود الشواهد‬

‫المتناقضة ليس يعني تكذيب النظريا ت وتفنيدها واستبعادها وانما محاولة حل األلغاز الموجودة فيها‪.‬‬

‫يرفض كون معيار التكذيب الذي جاء به بوبر ألنه ليس معيار عادل بين النظريات ألنه يفقدها‬

‫وجودها‪ .‬واختلف معه في أمرين وهما‪ :‬االلتزام كون بالتراث ومعيار التكذيب الذي التزم به بوبر‪ّ " .‬إال‬

‫أنهم كانوا يناقشون فقط قضيتين الثانويتين نسبيا اللتين كان االختالف بيني وبين سير كارل فيهما‬

‫‪2‬‬
‫واضحا‪ ،‬وهما‪ :‬تأكيدي أهمية االلتزام العميق بالتراث‪ ،‬وعدم رضائي عما يعنيه مصطلح التكذيب‪".‬‬

‫فاالختالف بين بوبر وكون كان ثانوي في القضايا الذين تناقشوا فيها‪ ،‬فتمثل في تأكيد كون الهتمامه‬

‫الكبير لالل تزام بالتراث بشكل عميق‪ ،‬وعدم رضائه لما يعنيه مصطلح مبدأ التكذيب الذي إعتمده بوبر‬

‫في معالجته للقضايا واختبارها واستبعاد األخطاء منها‪ .‬فيراه فشل في محاولة تطبيقه في النظريات‬

‫العلمية‪ ،‬واعتب هر تعبير لفظي شاذ‪ ،‬أنه ال يجدي نفعا في التقدم العلمي والنمو المعرفي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫توماس كون‪ ،‬بنية الثورات العلمية‪ ،‬تر‪ :‬شوقي جالل‪ ،‬مجلة عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد ‪ ،169‬د‪.‬ط‪1992 ،‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.129‬‬
‫‪2‬‬
‫توماس كون‪ ،‬تركيب الثورات العلمية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.43‬‬

‫‪93‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫فمبدأ االختبار ليس مهما وليس من الضرورة إخضاعه للنظريات ألنه يقوم باستبعادها ويكذبها‬

‫ويفندها‪ ،‬فهناك العديد من القضايا استبدلت قبل أن يتم اختبارها‪ " .‬بمعنى أنه إذا كانت النظريات تستبعد‬

‫عند "بوبر" إذ ما كذبت وفندت‪ ،‬فإن "كون" يعترض على ذلك مؤكدا أن هناك نظريات كثيرة استبدلت‬

‫قبل أن تختبر ـ بطليموس ـ ولكن قبل أن تبدو كنظرية مالئمة ل تأييد حل معضالت وبالتالي ليس‬

‫االختبار مهما بالضرورة أيضا‪ 1 ".‬فرفض مبدأ االخ تبار والتكذيب الذي جاء به بوبر معتب ار على أنه ليس‬

‫من الضرورة استخدامه في دراسة النظريات ألنه يستبعدها قبل مرورها بأي اختبار لقبوله النظريات التي‬

‫سبقتها‪.‬‬

‫إن بوبر لم يقدم منطقا للمعرفة العتقاده بأن ال وجود للنظريات الصحيحة والصادقة بدون مرورها‬

‫تجاوز ضعيفة وليس لها فائدة في تقدم‬


‫ه‬ ‫بمجموعة من التكذيبات‪ ،‬كما يرى بأن القضايا التي لم تستطع‬

‫العلمي والنمو المعرفي‪ ،‬ويجب إقصائها واستبعادها‪ ،‬على عكس كون الذي يرى النظريات يجب أن ال‬

‫تفقد وجودها ألن لها دور مهم‪ ،‬فإذا عملنا على تعديلها ونجحنا في ذلك س تنمو المعارف العلمية‪ " .‬وكل‬

‫النظريات يمكن أن تعدل بواسطة أنواع عديدة من التعديالت دون أن تفقد وجودها‪ ،‬وخطوطها الرئيسية‪،‬‬

‫كنفس النظريات‪ .‬فمن المهم أكثر من ذلك‪ ،‬أن يحدث هذا ألنه بهذ ا التحدي الناتج عن المالحظة‬

‫فالقضايا العلمية يجب أن تعدل بتعديالت‬ ‫‪2‬‬


‫والتعديالت التي تحدث للنظريات تنمو المعرفة العلمية‪" .‬‬

‫جديدة ويجب أن ال تفقد وجودها بسبب عدم اجتيازها لالختبارات‪ ،‬وذلك من أجل تقديم معارف جديدة‪.‬‬

‫لقد رفض فالسفة العلم المنهج العقالني ألنه يسعى إلى تحقيق أهداف العلوم ويكون ذلك من‬

‫خالل تقديم تفسيرات وتنبؤات التي تتعلق بالقضايا‪ ،‬كما يسعى إلى إنتاج صراع وتنافس دائم بين‬

‫النظريات من أجل البقاء وتقديم معارف جديدة للعلوم‪ " .‬هناك من فالسفة العلوم من رفض مثل كون‬

‫‪ 1‬عادل عوض‪ ،‬منطق النظرية العلمية المعاصرة وعالقتها بالواقع التجريبيي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.299‬‬
‫‪2‬‬
‫توماس كون‪ ،‬تركيب الثورات العلمية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.61‬‬

‫‪94‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫‪ Kunn‬وفيرابند ‪ Fegeband‬المنهج العقلي أو األنموذج العقلي‪ .‬واألنموذج العقلي يتكون من شيئين‪:‬‬

‫تحديد هدف العلوم‪ ،‬أي كونها تهدف إلى إنتاج نظريات تفسيرية أو نظريات التنبؤ‪ .‬والثاني تحديد مبادئ‬

‫لمقارنة النظريات المتنافسة حسب قاعدة من األدلة المعينة‪ .‬وهذه المبادئ تمثل التي بموجبها نتخلى عن‬

‫النظرية ونعمل بنظرية أخرى منافسة لها‪ 1 " .‬فرفض المنهج العقلي ألنه يسعى إلى تحقيق هدفين فاألول‬

‫يتمثل في تحقيق أهداف العلوم بتقديم تفسيرات وتنبؤات للقضايا العلمية‪ ،‬أما الثاني يقوم بتحديد مبادئه‬

‫ونتائجه من خالل خلق تنافس شديد وصراع الدائم فهذه المبادئ هي بمثابة معايير التي تجعل الباحث‬

‫يتخلى عن ضميره ومبادئه ويلغي نظريات من أجل تحقيق أهداف وغايات نظريات أخرى‪ ،‬ولهذا الذي‬

‫رفضه‪ ،‬ويرى من الواجب تعديل القضايا بواسطة العديد من الوسائل العلمية التي تحقق نتائج علمية‪.‬‬

‫وبعد رفضه لمعيار التكذيب إقترح معيار آخر مناسب لدراسة الظواهر العلمية وهو مبدأ النشاط‪،‬‬

‫الذي يقوم على حل األلغاز التي نجدها فيها ويسميها بالمعضلة وهي نوع خاص من المشكالت فبواسطة‬

‫ال يمكن إستبعاد نظريات إلى أن تظهر نظرية أخرى تحل محلها‪ " .‬وبعد أن رفض كون معيار القابلية‬

‫للتكذيب عند "بوبر" إقترح معيار آخر يفضله هو معيار نشاط حل المعضلة ـ والمعضالت هنا ذلك‬

‫النوع الخاص من المشكالت ـ ورأى أيضا أن النظرية ال تستبعد ّإال بعد أن تظهر نظرية جديدة تحل‬

‫محلها‪ 2 " .‬رفض مبدأ قابلية التكذيب واقترح معيار آخر وهو مبدأ نشاط الذي يقوم على ضرورة حل‬

‫المعضالت وتعد نوع خاص من المشكالت العلمية‪ ،‬إذ أنه ال يستبعد النظريات العلمية ّإال إذا ظهرت‬

‫قضايا أخرى وحلت محلها‪ ،‬ف تكلم عن العلم في الكثير من دراساته في مجال العلوم‪ ،‬حي ث أنه تحدث‬

‫عن فكرة البرادايم ويقصد بها العلم السوي ويعني البحث العلمي الذي يعتمد على إنجاز علمي سابق‬

‫عليه أي الدراسات التي عرفها المجتمع العلمي في فترة زمنية معينة‪ " .‬إن العلم السوي يعني البحث‬

‫‪1‬‬
‫عبد هللا حسن زروق‪ ،‬مناهج الدراسات الفلسفية في الفكر الغربي‪ ،‬إسالمية المعرفة‪ ،‬السنة الرابعة‪ ،‬العدد الرابع عشر‪،‬‬
‫ص ‪.49‬‬
‫‪2‬‬
‫ماهر عبد القادر‪ ،‬نظرية المعرفة العلمية‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪1994 ،‬م‪ ،‬ص ‪.19‬‬

‫‪95‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫الذي يعتمد على أحد اإلنجازات العلمية السابقة‪ ،‬أو األكثر‪ ،‬أي اإلنجازات التي يعرفها مجتمع علمي‬

‫معين لفترة ما بأنها هي التي تمده باألساس لممارساته‪ 1 ".‬فالعلم السوي يقوم على الدراسات العلمية‬

‫عتبر بحث من‬


‫السابقة له التي ظهرت في فترة زمنية معينة التي تساعده في تحقيق أبحاثه العلمية‪ .‬وي ه‬

‫أجل وجود حلول لكل المعضالت ويسعى نحو التقدم واالزدهار والتطور غير أنه إعتمد على التاريخانية‬

‫التي بناها بوبر طيلة دراسته للعلوم‪ " .‬العلم عند كون مبرر بأصوله البرادايمية أكثر منه مبر ار‬

‫بتطالعاته التقدمية‪ ،‬غير أن هذا يعني أن كون يتبنى ذات التاريخانية التي أمضى بوبر عمره يتناوئها‬

‫التاريخانية بمعناها الخاص الذي عن ي به كولنجوود‪ ،‬مذهب يقول بتفرد الظواهر التاريخية ويدعو إلى‬

‫توسل مناهج علمية خاصة لدراستها‪ 2 ".‬فينظر للعلم على أنه وسيلة للبحث وليس وسيلة للتقدم‪ ،‬فهو‬

‫نموذج والبنية التي تقوم عليها الثو ةر العلمية‪ .‬وتبنى عليها التاريخانية التي يقصد بها إيجاد منهج علمي‬

‫يقوم بدراسة الظواهر التاريخية بإنفراد‪ ،‬وهذا نفسه الذي كان يعتمد عليه بوبر وشاركه في الفكرة‪.‬‬

‫فالتصور اإل بستيمولوجي لتاريخ العلم في فلسفة كون هو مرحلة ظهرت قبل نضج العلم في حد‬

‫ذاته‪ ،‬ف تحدث في كتابه بنية الثورات العلمية عن النموذج أو الثو ةر العلمية‪ ،‬الذي يسميه بالعلم المطابق‬

‫الذي يقدم كل وسائل البحث وتتكون من قوانين معينة وتقنيات ضرورية التي يتبناها العالم من أجل‬

‫مواجهة الصعوبات والمشاكل والتي في األخير يجد لها حال ويتجاوزها بكشفه لبعض العناصر والتي‬

‫يحاول أن يضعها في وحدة متكاملة‪ " .‬حيث يقوم النموذج ـ الموجه بتقديم مختلف أدوات البحث‬

‫والحساب والتقويم‪ ،‬إذ يتكون من فرضيات‪ ،‬ومن قوانين وتقنيات ضرورية لتطبيقه من طرف أعضاء‬

‫جماعة علمية معينة‪ .‬فتبني هذه الجماعة العلمية النموذج ـ موجه‪ ،‬عن طريق ما نسميه ب "العلم‬

‫المطابق" ويواجه بصعوبات ومشاكل‪ ،‬يحاول هؤالء حلها وتجاوزها بتوسيع النموذج ـ الموجه والكشف‬

‫‪1‬‬
‫توماس كون‪ ،‬تركيب الثورات العلمية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 2‬ستيف فولر‪ ،‬كون ضد بوبر ق صراع من أجل روح العلم)‪ ،‬تر‪ :‬نجيب حصادي‪ ،‬المركز القومي للترجمة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪،‬‬
‫‪2012‬م‪ ،‬ص ‪.9‬‬

‫‪96‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫عن بعض العناصر األخرى‪ ،‬ودمجها في وحدة متكاملة واذا لم يتغلب على تلك الصعوبات تنشأ أزمة‪،‬‬

‫وحينما تنمو وتتطور تجد حلها في نموذج ـ موجه جديد‪ ...‬هو ما يسمى بالثورة‪ 1 ".‬ف ينظر إلى العلم على‬

‫أنه النموذج السوي الذي يقدم العديد من األدوات والحساب والتقويم التي تتكون من الفرضيات وتعطي‬

‫القوانين والتقنيات التي يحتاجها العالم في عمله‪ ،‬ويطلق عليه أيضا العلم المطابق الذي يحاول من‬

‫خالله تقديم حلول وتوسيع دائرة النموذج ويحاول تجاوز الصعوبات والمشاكل العلمية التي تواجه‬

‫النظريات ويحاول إيجاد لها حلول بكشف عن العناصر الموجودة فيها‪ ،‬ويحاول دمجها في وحدة‬

‫متكاملة‪ ،‬ويرى من الواجب إيجاد حلول لتلك الصعوبات وا ّال تنشأ أزمة وهذا ما يطلق عليه إسم الثورة‪.‬‬

‫إن نموذج البحث العلمي يقصد به مجموعة من القواعد والقوانين والنظريات متسقة ومنسجمة التي‬

‫يستخدمها الباحثون من أجل خدمة العلم‪ ،‬فالنظرية تعتبر لب الجوهري للعلوم‪ ،‬ويعتبر وسيلة لتفكير‬

‫والممارسة التي تتخذها مجموعة علمية من أجل إيجاد حلول لمشاكلها‪ " .‬أو هو بصفة عامة شبكة قوية‬

‫من التصورات والنظريات والمنهج واألدوات‪ ،‬أي أنه يمثل المجتمع العلمي في خضوعه لنظرية واحدة‬

‫وقيم المشتركة‪ ،‬فالنموذج هو المنظم لنشاط العلماء والموجه لعلمهم أثناء قيامهم بحل المشكالت‬

‫المختلفة‪ 2 ".‬فيقصد بالنموذج شبكة قوية التي تحتوي على مجموعة من التصورات والنظريات والمنهج‬

‫واألدوات التي يستخدمه المجتمع العلمي من أجل صياغة النظريات العلمية المتسقة‪ ،‬ويضع كل‬

‫عناصرها في إطار واحد ومحدد‪ ،‬ووظيفته األساسية هي تقديم نسق محدد من النظريات‪.‬‬

‫فالنموذج هو القاعدة والقانون الذي يقاس به من طرف الجماعة العلمية‪ ،‬ويكون ذلك عن طريق‬

‫العلم المطابق الذي يسعى إلى تعميق معارفنا بالنظريات التي أطرها وذلك يكون بتعزيزها وتأكيدها‪ " .‬إن‬

‫‪1‬‬
‫حسن حريري‪ ،‬التأويل اإلبستيمولوجي الالوضعاني بين براديغم توماس كون وبرنامج بحث إيمر الكاتوس‪ ،‬مجلة قسم‬
‫الفلسفة والعلوم اإلنسانية‪ ،‬مؤمنون بال حدود‪ ،‬مؤسسة دراسات وأبحاث‪ 21 ،‬يناير ‪2016‬م‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫‪2‬‬
‫عادل عوض‪ ،‬منطق النظرية العلمية المعاصرة و عالقتها بالواقع التجريبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.291‬‬

‫‪97‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫النموذج ـ الموجه قانون أ و قاعدة يقاس عليها‪ ،‬من طرف الجماعة العلمية عن طريق العلم المطابق‬

‫الذي يهدف إلى تعميق المعرفة بالظواهر والنظريات التي يؤطرها النموذج ـ الموجه مسبقا‪ .‬ويعمل العلم‬

‫المطابق على تعزيزها وتأكيدها‪ ،‬بغية تدقيق النموذج‪ ...‬واإلنتقال من نموذج ـ موجه إلى آخر مختلف‪.‬‬

‫وي بقى دور الباحث هو اإلشتغال تحت "المظلة" أي النموذج ـ الموجه‪ ،‬والعمل على حل ألغازه التي‬

‫يؤطرها‪ ،‬واإلنخراط فيه قصد فهم أفضل لطبيعة الممارسة العلمية‪ 1 ".‬إن النموذج هو مجموعة من‬

‫القوانين العلمية التي يستخدمها العلماء في بحوثهم ويهدفون إلى تعميق معارفهم بالظواهر‪ ،‬ويتمثل دور‬

‫الباحث في انشغاله بالنموذج واكتشاف ألغاز ومحاولة حلها‪ ،‬وينخرط في فهم الطبيعة والممارسة‬

‫العلمية‪.‬‬

‫‪ )2‬البرنامج البحث عند إمري الكاتوش‪:‬‬

‫تميز الفيلسوف ا لعلمي اإلبستيمولوجي إمري الكاتوش في دراساته وبحوثه العلمية التي طرح فيها‬

‫فكرة برنامجه البحثي من أجل الوصول إلى الحقائق‪ .‬وكان إقتراحه مبني على االنتقادات التي وجهها‬

‫إلى بوبر‪ ،‬فهو يرفض معياره الذي يقوم بتمييز النظريات العلمية بوجود األشياء قبل االختبارات الحاسمة‬

‫التي تكذب وتعزز‪ " .‬ترتكز نظرية التمييز عند بوبر إرتكا از أساسيا على وجود أشياء من قبيل "‬

‫االختبارات الحاسمة ‪ "Critieal Tests‬التي إما أن تكذب النظرية تكذيبا حاسما أو تمنحها درجة عالية‬

‫من التعزيز" ‪ 2‬فال نظريات العلمية عند بوبر تتميز بارتكازها على البحث عن األشياء قبل خضوعها إلى‬

‫االختبا ارت والتي تعتمد على تكذيب وتعزيز النظريات بدرجة عالية‪ ،‬وهذا في نظ هر غير مقبول في دراسة‬

‫النظريات العلمية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫حسن حريري‪ ،‬التأويل اإلبستيمولوجي الالوضعاني بين براديغم توماس كون و برنامج بحث إيمر الكاتوس‪ ،‬مجلة سابقة‪،‬‬
‫ص ‪.4‬‬
‫‪2‬‬
‫عادل مصطفى‪ ،‬كارل بوبر مائة عام من التنوير و نضرة العقل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.212‬‬

‫‪98‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫رفض الكاتوش إخضاع النظريات ألي اختبار ألنها ليست خاصيته‪ ،‬ويقترح برنامجه البحثي بدال‬

‫من اختبارات التي تجتازها النظريات من أجل أن تثبت نفسها‪ " .‬المشكلة هنا هي أن الفصل الذي قدمه‬

‫بوبر بين التكذيب والتعزيز الدقيق منطقيا بدرجة مفرطة‪ ،‬إن عدم التعزيز ال يعني التكذيب بالضرورة‪.‬‬

‫وتكذيب النظريات العالية المستوى ال يمكن أن يتأتى بمالحظات معزولة وبمجموعة من المالحظات‪.‬‬

‫ومن المتفق عليه اآلن هذه النظريات عصية جدا على التكذيب‪ .‬إنها إن أمكن أن تكذب على اإلطالق‬

‫فإنما يتم ذ لك ال بإختبارات بوبر الفاصلة بل داخل سياق المعقد‪ .‬البرامج البحث مرتبطة بها إذ يالحظ‬

‫أنها تترك بعسر حتى تتوقف‪ ،‬األمر الذي يخلق فجوة تتسع بإستمرار بين الوقائع المطلوب تفسيرها وبين‬

‫برامج البحث نفسها‪ 1 ".‬فمشكلة بوبر أنه قدم بين التكذيب والتعزيز تفسير منطقي ودقيق الذي فصل‬

‫بينهما‪ ،‬إذ أن التعزيز ال يعني التكذيب‪ ،‬ألن التكذيب ال يمكنه معالجة النظريات المستعصية ألنه يقدم‬

‫مالحظات معزولة عن المالحظات التي ال يمكن تفسيرها ّإال عن طريق برنامج البحث‪.‬‬

‫فإخضاع النظريات العلمية لهذا المعيار ال يجدي نفعا ألنه يقوم بإقصاء القضايا األكثر أهمية‪ ،‬حتى‬

‫وان إستطاعت إثبات تقارير للتجارب اإلمبريقية‪ ،‬فستظل تقيد قوتها التفنيد‪ " .‬فإن التكذيب سيظل غير‬

‫مجد في إقصاء أكثر فئة مما نعده عادة كنظريات علمية هامة‪ ،‬ألنه حتى إستطاعت التجارب إثبات‬

‫التقارير اإلمبيريقية‪ ،‬فإن قوتها في التفنيد سوف تظل مقيدة بشكل بائس‪ ،‬ألن أكثر النظريات العلمية‬

‫التي تثير اإلعجاب ال تستطيع بكل بساطة أن تمنع وجود أية حالة من الحاالت المالحظة‪ 2 ".‬إن‬

‫التكذيب الذي إقترحه بوبر ليس مجدي ألنه يستبعد مجموعة من النظريات العلمية التي لها أهمية بالغة‬

‫في تقدم العلوم حتى وان إستطاعت ال تجارب إثبات تقاريرها اإلمبيريقية‪ ،‬فهي ستظل تقيد قوتها في‬

‫التفنيد واالختبار‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عادل مصطفى‪ ،‬كارل بوبر مائة عام من التنوير و نضرة العقل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.213‬‬
‫‪ 2‬علي هري‪ ،‬البرمجة عند "إمري الكاتوس"‪ ،‬رسالة الماجستير‪ ،‬جمال مفرج‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة‪2001 ،‬م ـ ‪2009‬م‪،‬‬
‫ص ‪.144‬‬

‫‪99‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫فقد أيد الكاتوش فكرة بوبر في إكتشاف األخطاء ولكنه رفض فكرة استبعادها كنظريات ضعيفة‬

‫غير قادرة على تحقيق أي نتائج‪ ،‬فالقضايا بدال من إقصائها يجب دمجها ألنه يعتقد أن التخلص من‬

‫األخطاء عوضا من إقصائها يحقق خبرة حقيقية في التعلم‪ " .‬إعتقد الكاتوش أن حسن من تصور بوبر‬

‫بتبيان كيف أن اكتشاف الخطأ ـ في البحث الرياضي‪ .‬يعقبه شيء مغاير الستبعاد النظرية المدحوضة‪،‬‬

‫عوضا عن ذلك في العملية التي يسميها الكاتوش "دمج الالزمة" يصبح مثل المخالف على النظرية‬

‫شرطا حديا لتطبيق صيغة الحقة من النظرية‪ ،‬هكذا يصبح التخلص من األخطاء خبرة تعلم حقيقية‪،‬‬

‫حيث يصبح ما يبدو في ظاهرة واقعة سلبية في تاريخ النظرية جانبا من بنيتها المنطقية‪ 1 ".‬فتصور بوبر‬

‫في اكتشاف األخطاء في البحث العلمي الرياضي يتبعه شيء مختلف في العلوم وهو استبعاد النظرية‬

‫المدحوضة والتي يسميها بعملية الدمج الالزمة‪ ،‬حيث يرى بأن التخلص من أخطاء دون إقصاء‬

‫النظريات هو خب ةر لتعلم الحقائق بشكل الصحيح‪ ،‬وتعطي للظواهر وقائع سلبية‪ ،‬بل يجب أن يكون لها‬

‫واقع إيجابي إضافة إلى بنيتها المنطقية‪.‬‬

‫إن النقد الهدام ال يعطي للعلوم أي نتيجة وال يحرز أي تقدم ألنه يقوم بتهديم نظريات التي يمكن‬

‫أن تكون لها أهمية بالغة في تقديم معارف جديدة للمجتمع العلمي‪ ،‬فالتكذيب يجعل البرامج العلمية أكثر‬

‫إحباطا‪ ،‬ويرى في المقابل بأن النقد البناء للقضايا يحقق نجاحا كبي ار‪ ،‬فالنظريات العلمية تولد من‬

‫تناقضات‪ ،‬ولوال وجود هذه األخيرة فيها لكان العلم زال منذ القدم‪ " .‬فإن النقد ال يلغي النظريات بسرعة‬

‫التي تخيلها "بوبر"‪ ،‬فالتكذيب كما سبق ـ ال يستبعد برنامجا‪،‬ألن نقد برنامج البحث عملية محبطة‬

‫وطويلة‪ّ ،‬إال أن النقد البناء يمكن أن يحقق نجاحا حقيقيا‪ .‬ويعتقد الكاتوش أيضا أن كل النظريات‬

‫العلمية تولد في بحر من التناقضات‪ ،‬ومعنى ذلك أنه ال توجد نظرية علمية متفقة مع كل الوقائع‪ ،‬ولو‬

‫‪ 1‬ستيف فولر‪ ،‬كون ضد بوبرق صراع من أجل روح العلم)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬

‫‪100‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫آخذنا بآراء "بوبر" أللقينا هذه النظريات جمعيا من النافذة‪ 1 ".‬فهو يرى بوبر أنه على خطأ حينما ألغى‬

‫النظريات بسرعة كبيرة‪ ،‬فالتكذيب ال ينبغي أن يستبعد البرامج العلمية ويقوم بنقدها ألنه بهذا اإلنتقاد‬

‫ستكون محبطة وال يمكنها تحقيق نتائج علمية‪ .‬وفي المقابل النقد البناء سيقدم للعلم نجاحا حقيقيا ويتمثل‬

‫في توليد التناقضات قأي نتاقض بين النظريات) ومعنى ذلك أنه ال يوجد نظرية علمية تتفق مع جميع‬

‫الوقائع العلمية الطبيعية‪.‬‬

‫فتمي يز بوبر بين منطق التكذيب ومنهجه لم يتوصل إلى حقيقة أن جميع القضايا العلمية هي‬

‫ذات مستوى عالي تتقدم وتتطور بالرغم من كل الشذوذات التي يخضعها لها بوبر ألنه ال يقدم دليال‬

‫على كذبها‪ ،‬وهذا ما جعلهم يقدمون فروضا أخرى مساعدة لهم على ذلك‪ ،‬فالقضايا العلمية هي قابلة‬

‫للتعديل‪ " .‬إن التميي ز بوبر من منطق التكذيب ومنهجه ال يقدم في نهاية المطاف تفسي ار شافيا لحقيقة أن‬

‫جميع النظريات العالية المستوى تنمو وتعيش برغم وجود شذاذات ال يؤخذ عادة من جانب العلماء كدليل‬

‫على كذب النظرية‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬إنهم سيفترضون دائما وبالضرورة أن الفروض المساعدة‬

‫‪ Auxiliary Hy Potheses‬المقترنة بالنظرية يمكن أن تعدل بحيث تستوعب الشذوذات الموجودة‬

‫وتفسرها‪ 2 " .‬على الرغم من تمييز بوبر بين قابلية التكذيب والمنهج العلمي لم يقدم تفسير مناسب لهذه‬

‫اإلقصاءات التي أجراها في بحوثه العلمية‪ .‬ففي نهاية النظريات العلمية تنمو وتتقدم بمستوى عالي برغم‬

‫من وجود كل الشذاذات‪.‬‬

‫إن النظريات العلمية ليست فروض منعزلة وانما هي برامج بحثية مثمرة للعلوم‪ ،‬وال يمكن ألي‬

‫نظرية أن تحذف أو تستبعد من أجل اكتشاف تنبؤات غير متوقعة‪ ،‬ف يجب علينا أن نحتفظ بجوهر‬

‫النظريات وليس بتكذيبها‪ " .‬إن اإلنجازات الكبرى ليست فروضا منعزلة‪ ،‬وانما برامج للبحث المثمر وحين‬

‫‪ 1‬عادل عوض‪ ،‬منطق النظرية العلمية المعاصرة وعالقتها بالواقع التجريبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.301‬‬
‫‪ 2‬عادل مصطفى‪ ،‬كارل بوبر مائة عام من التنوير ونضرة العقل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.214‬‬

‫‪101‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫تظهر نظرية ما فمن غير المعقول أن نحذف البرنامج على أثر إكتشاف تنبؤات غير متوقعة‪ ،‬بحيث‬

‫فمن الواجب اإلحتفاظ بالنظريات وليس تكذيبها واقصائها ألنها‬ ‫‪1‬‬


‫اإلحتفاظ بجوهر البرنامج وال نكذبه‪".‬‬

‫ليست فروض منعزلة وانما هي برنامج للبحث‪ ،‬وليس من المعقول أن نقوم بحذفها على أثر إكتشاف‬

‫تنبؤات غير متوقعة‪ ،‬ولهذا يجب اإلحتفاظ بجوهرها‪.‬‬

‫وضع الكاتوش برنامج البحث إلنتقاد بوبر والذي يتكون من قواعد منهجية التي توضح مسار‬

‫البحث الذي يجب تجنبه وليس السير وفقه‪ " .‬يتكون برنامج البحث عند الكاتوش ‪ Lakatos‬من‬

‫مجموعة قواعد منهجية علمية‪ ،‬توضح مسارات البحث التي ينبغي أن نتجنبها‪ ،‬والمسارات التي ينبغي أن‬

‫نسلكها‪ ...‬يعتبر الكاتوش النظريات العلمية كلها برامج بحث‪ ،‬ويتشكل كل برنامج بحيث من " نواة‬

‫صلبة" ‪ ،Hard Core‬وكشاف سلبي للبرنامج ‪ Négative Heuristic‬يمنعنا من توجيه التنفيد إلى هذه‬

‫النواة الصلبة‪ ،‬كما أن الفرضيات المساعدة تشكل "حزام الواقي" ‪ Protective Pelt‬للنواة الصلبة‪ ،‬أما‬

‫الكشاف اإليجابي ‪ The Positive Heuristic‬فيعترف بالمشكالت ويوجه الباحثين نحو التنمية برنامج‬

‫البحث‪ 2 ".‬فقد طرح فك ةر برنامج البحث التي هي مجموعة من قواعد منهجية علمية‪ ،‬والتي توضح طريق‬

‫الذي ينبغي تجنبه‪ ،‬والطريق الذي يجب علينا المرور به‪ .‬ويعتبر النظريات العلمية أنها برامج البحث‬

‫والتي تتشكل من النواة الصلبة وكشاف سلبي الذي يمنعنا من توجيه الدحض إلى هذه النواة الصلبة التي‬

‫يعتبرها وقاية أما بالنسبة إلى الكشاف اإليجابي فهو مجموعة من المشكالت التي يجب على الباحث أن‬

‫يقوم بتنميتها في برنامجه البحثي‪.‬‬

‫‪ 1‬عادل عوض‪ ،‬منطق النظرية العلمية المعاصرة وعالقتها بالواقع التجريبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.300‬‬
‫‪ 2‬حسن حريري‪ ،‬التأويل اإلبستيمولوجي الالوضعاني بين براديغم توماس كون وبرنامج بحث إيمر الكاتوس‪ ،‬مجلة سابقة‪،‬‬
‫ص‪.11‬‬

‫‪102‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫ف يقصد بالنواة الصلبة الحزام الواقي الذي هو عبارة عن مجموعة من الفرضيات التي تساعد‬

‫البرنامج على تجاوز حدة االختبارات حتى وان كذبت‪ " .‬إن الحزام الواقي يتشكل من الفرضيات‬

‫المساعدة التي يجب أن تتحمل حدة اإلختبارات‪ ،‬ويجب أن تتعدل م ار ار لكي تحمي وتقي النواة الصلبة‬

‫من كل التكذيبات‪ ،‬التي تهدد ليس فقط النواة الصلبة بل البرنامج ككل‪ ،‬ألن تكذيب النواة الصلبة يعني‬

‫بالض رورة القضاء على البرنامج‪ ،‬وأي عدم تطابق بين برنامج من برامج البحث وبين المعطيات‬

‫المالحظة ينبغي أن ينسب ال إلى الفرضيات التي تشكل نواته األصلية‪ ،‬بل إلى جزء آخر من أجزاء‬

‫البنية النظرية‪ 1 ".‬فالنواة الصلبة هي مجموعة من الفرضيا ت التي تقوم بمساعدة برامج البحث إلى على‬

‫تحمل االختبارات وتجاوزها‪ ،‬فهذه الفروض تحمي النواة الصلبة من كل التكذيبات وال تهددها‪ ،‬وبرامج‬

‫البحثية تكذب وال يعني القضاء على البرنامج وانما يؤدي إلى عدم تطابقه مع معطيات المالحظة والتي‬

‫ينتسب إليها‪ ،‬والنواة الصلبة هي جزء من أجزاء بنية النظرية‪.‬‬

‫ف برنامج البحث هو النظريات التي لها محتوى تجريبي أكثر سابقاتها‪ ،‬وال تكذب ألن ال وجود‬

‫للحاالت المعارضة لها‪ ،‬كما أنها تزيدها في المحتوى‪ " .‬يرى "الكاتوش" أن النظرية أو "البرنامج" على‬

‫حد إستخدامه يكون مقبوال ألنه ذو محتوى تجريبي أكثر من المحتوى الخاص بالبرنامج السابق عليه‪ ،‬وال‬

‫يكذب "البرنامج" لوجود حاالت معارضة له ـ كما عند "بوبر" ـ بل يكذب عندما يقترح برنامجا آخر يزيد‬

‫عنه في المحتوى‪ ،‬أي أنه ال يعبر الحاالت المعارضة إهتمام‪ ،‬فمعيار التكذيب والقبول هو وجود محتوى‬

‫تجريبي متزايد‪ ،‬وبذلك تكون البرامج وضع تقدمي‪ 2 ".‬فبرنامج يكون ضمن التقدم واالزدهار‪ ،‬ألنه ذا‬

‫محتوى التجريبي واسع‪ ،‬وال نقوم بإعطاء أهمية للحاالت المعارضة له‪ ،‬فهو يراه على أنه النظرية التي‬

‫تكون مقبولة وذات محتوى تجريبي أكبر من محتوى نظريات السابقة عليها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫حسن حريري‪ ،‬التأويل اإلبستيمولوجي الالوضعاني بين براديغم توماس كون وبرنامج بحث إيمر الكاتوس‪ ،‬مجلة نفسها‪،‬‬
‫ص ‪.13‬‬
‫‪ 2‬عادل عوض‪ ،‬منطق النظرية العلمية المعاصرة وعالقتها بالواقع التجريبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.301‬‬

‫‪103‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫أكد الكاتوش على ضرورة تعديل النظريات العلمية بدال من إستبعادها‪ ،‬وتكون لها أهمية كبيرة إذ‬

‫زودناها بموجه إيجابي بدال من السلبي‪ ،‬فإن النقد السلبي ألي نظرية يأخذ بفك ةر الرفض والذي يشكل‬

‫قاعدة ذات إحتمال وجوهر صلب وال ينبغي أن تقصى‪ " .‬يذكر "الكاتوش" أن أكثر التعديالت أهمية في‬

‫النظريات تلك التي تكون مزودة "بموجه ‪ Heuristic‬إيجابي" لبرنامج البحث أكثر مما تكون مزودة‬

‫بشواذ‪ ،‬أو "بموجه سلبي" فالموجه السلبي في برنامج ما يقوم على أن االفروض التي تشكل القاعدة التي‬

‫تحمله وجوه هر الصلب ‪ The Hard Core‬ال ينبغي أن تقصى وال أن تعدل‪ .‬فهو محمي من التكذيبات‬

‫بحزام أمان من االفتراضات المساعدة ومن الشروط االبتدائية‪ 1 ".‬فهو يعطي للتعديالت أهمية كبي ةر ألنها‬

‫تزود النظريات العلمية بطاقة إيجابية أكثر مما تزودها بطاقة سلبية‪ ،‬فالنقد السلبي للقضية يقوم على‬

‫أساس الفروض التي تشكل القواعد التي تحملها وذات جوهر صلب‪ ،‬ولهذا ينبغي أن تعدل وتكون‬

‫محمية من االخت بارات والتكذيبات وذلك بواسطة االفتراضات القديمة والمساعدة لها وهي من الشروط‬

‫االبتدائية لها‪.‬‬

‫‪ ) 3‬الفوضوية اإلبستيمولوجية عند بول فيرابند‪:‬‬

‫ففيرابند كغيره من الفالسفة الذين رفضوا معيار التكذيب الذي جاء به بوبر‪ ،‬ألنه يعتبر منهجه واحد‬

‫من المناهج الم تعددة؛ وله أهمية نفسها التي في معيار قابلية التحقق‪ ،‬واعتبره منهج ساذج ألنه يرفض‬

‫استبعاد النظريات غير القابلة لالختبار بدال من إبقائها في ميدان العلوم‪ ،‬ألنها تساهم في نمو المعرفة‬

‫وتقدم العلم‪ ،‬ومازالت قادرة على منافسة القضايا األخرى‪ " .‬وبعكس بوبر الذي يطالب برفض واستبعاد‬

‫النظريات غير القابلة للتكذيب في ميدان العلم‪ ،‬يؤكد فيرابند على ضرو ةر إبقائها ضمن دائ ةر العلم‪ ،‬ألنها‬

‫تسهم بفعالية في نمو العلم وتقدمه من خالل المنافسة بين األفكار والنظريات‪ ،‬فمبدأ القابلية للتكذيب في‬

‫‪1‬‬
‫عادل عوض‪ ،‬اإل بستيمولوجيا بين نسبية فيرابند وموضوعية شالمرز‪ ،‬ط‪ ،‬دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪2003‬م‪ ،‬ص ‪ 149‬ـ ‪.149‬‬

‫‪104‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫نظر فيرابند هو خطوة واحدة ذات نفع تقع ضمن خطوات عديدة يتضمنها البحث العلمي‪ ،‬وال تمثل دو ار‬

‫حاسما في تاريخ العلم‪ 1 ".‬فالنظريات غير قابلة للتكذيب ال يجب أن تستبعد من ميدان العلمي ويؤكد‬

‫على ضرورة بقائها ضمنه ألنها تقوم بمساهمة وبكل فعالية في تقدم العلوم والمعارف‪ ،‬ويكون ذلك من‬

‫خالل الصراع والتنافس مع األفكار والنظريات األخرى؛ فهو يعتبر أن هذا المعيار هو خطوة من بين‬

‫الخطوات التي لها نفع في البحث العلمي وال يمثل دور حاسم في تاريخ العلم‪.‬‬

‫فكان الكاتوش في بداياته متأث ار بكارل بوبر‪ ،‬وتحدث عن مبدأ التكذيب كفكرة محورية في فلسفته‬

‫وسلم بها‪ ،‬ولكن فيما بعد إنتقده ودحضه حتى وصل به األمر وقال بأن فلسفته شكلت أكبر عائق أمام‬

‫تطور العلوم ونموها‪ " .‬وقد إنبهر فيرابند بكارل بوبر منذ أن قابلة أول م ةر عام ‪ ،1949‬وهو يخبرنا أن‬

‫فكرة أو مبدأ القابلية للتكذيب ‪ ،Falsifiability Principle‬وهي فكرة محورية في فلسفة بوبر‪ ،‬وكانت‬

‫تؤخذ في دائرة كرافت‪ ،‬التي أسسها فيرابند‪ ،‬كفكرة مسلم بها دون أي نقاش‪ ،‬غير أن هذا اإلنبهار بفلسفة‬

‫بوبر لم يستمر طويال بل تعرض لتغير دراسي فيما بعد‪ ،‬حتى أننا نستطيع أن نقول أن جانبا كبي ار من‬

‫فلسفة فيرابند أضحى يتعلق بدحض أفكار بوبر حتى وصل به األمر إلى إعتبار تلك الفلسفة أكبر عائق‬

‫أمام تقدم العلم‪ 2 ".‬لقد كان في بداياته متأث ار بفكر بوبر إال أن بعد ذلك إنتقده‪ ،‬فاعتبر فكرة قابلية التكذيب‬

‫فكرة محورية‪ ،‬حيث أسسها كفكرة مسلم بها وبدون أي نقاش في دائرة كرافت‪ ،‬غير أن إنبهاره بفلسفته‬

‫سرعان ما إنهار‪ ،‬وأصبح منتقدا له حتى أنه إعت برها أكبر عائق أمام تطور تاريخ العلم‪.‬‬

‫فنحن لسنا معصومين عن الخطأ؛ فكل إنسان هو خطاء ألن ال يوجد قضية ما صحيحة تماما أو‬

‫خاطئة تماما‪ ،‬ألنها هي من إنتاج البشر وهم ليسوا معصومين من الخطأ‪ ،‬فيرى حتى إن كانت‬

‫‪1‬‬
‫السيد محمد أحمد‪ ،‬التميز بين العلم والالعلم قدراسة في مشكلة المنهج العلمي)‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪1996‬م‪ ،‬ص ‪.123‬‬
‫‪2‬‬
‫ص ‪.1‬‬ ‫بول فيرابند‪ ،‬ثال ث محاورات في المعرفة‪ ،‬تر‪ :‬محمد أحمد السيد‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬د‪.‬ط‪1991 ،‬م‬

‫‪105‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫عناصرها خاطئة البد أن تبقى من أجل تعديلها‪ ،‬فال تزال قادرة على صراع والحرب من أجل البقاء‬

‫وتقديم المعارف العلمية‪ " .‬إننا لسنا معصومين عن الخطأ‪ ،‬لذلك فإن النظريات التي ال تتفق مع‬

‫النظريات المقبولة لدينا قد تكون صحيحة‪ ،‬ويضيف أنه ينبغي أن يتاح لكل نظرية‪ ،‬بما في ذلك نظريات‬

‫المنجمين والسحرة‪ ،‬أن تأخذ نصيبها من م صادر الدولة حتى تتمكن من تطوير مقوالتها بإجراء البحوث‬

‫الالزمة‪ ،‬فقد تكون مفيدا كل نظرية الفرصة إلثبات صدق ما تقول‪ ،‬وقد يكون مفيدا لو أعطيت بعض‬

‫النظريات التي في طور اإلختبار نصيبا من مصادر الدولة‪ 1 ".‬فجميع البشر ليسوا معصومين من‬

‫الخطأ‪ ،‬وان النظريات هي من صنع اإلنسان فمن الطبيعي أن تكون فيها بعض األخطاء في عناصرها‪،‬‬

‫ولهذا ال يستلزم إبعادها ألنها قد تكون صحيحة‪ ،‬ف يجب على كل النظريات سواءا كانت علمية أو غير‬

‫العلمية أن تضاف إلى مصادر الدولة‪ .‬وذلك بإمكانية تطويرها من خالل اإلجراءات الالزمة‪ ،‬ومن‬

‫الواجب إعطاء كل نظرية فرصة إلثبات صدق ما تقول‪.‬‬

‫لقد هدم فيرابند المنهج العلمي ألنه ينادي بضرو ةر تحرير اإلنسان من كل القيود المنهجية سواءا‬

‫كانت في الرياضيات أو الطبيعة أو اإلنسانية فهو مهاجم له‪ .‬حيث أنه ألف كتاب سماه "ضد المنهج"‬

‫يتحدث فيه عن ذلك "يهاجم "فيرابند" المنهج الع لمي‪ ،‬مناديا بضرورة تحرير اإلنسان من هذا المنهج سواء‬

‫أفي العلوم الرياضية أم الطبيعية أم اإلنسانية‪ ،‬إنه هادم للمنهج مهاجم له‪ ،‬حتى إن أهم مؤلفاته يحمل‬

‫عنوان "ضد المنهج ‪ " Against Method‬فهو يصر على أن كل القواعد المنهجية التي يتشدق بها‬

‫فالسفة العلم سواء أكان االستقرائيون أم التكذيبيون تتعارض تماما مع مصلحة العلم بمعنى أنه يجب‬

‫إسقاطها وتطبيق قواعد عكسية ‪ Counterrules‬محددة‪ 2 ".‬فقد هاجم المنهج العلمي بدعوة اإلنسان‬

‫بتحرر من جميع القيود في العلوم الرياضية أو الطبيعية أو اإلنسانية‪ ،‬واعتبر القواعد المنهجية التي‬

‫‪1‬‬
‫عبد هللا حسن زروق‪ ،‬مناهج دراسات الفلسفية في الفكر الغربي‪ ،‬مجلة سابقة‪ ،‬ص‪.49‬‬
‫‪ 2‬عادل عوض‪ ،‬منطق النظرية العلمية المعاصرة وعالقتها بالواقع التجريبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.309‬‬

‫‪106‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫تحدث عنها فالسفة العلوم سواء أنصار االستقراء أو التكذيب تتعارض مع مصلحة العلم‪ ،‬ويجب‬

‫إسقاطها وتطبيق القواعد عليها‪.‬‬

‫فالطريقة ضد المنهج التي تحدث عنها لها وجها إيجابيا ألنها تدافع عن المواقف اإلنسانية‪ ،‬حيث‬

‫يرى أن الكائنا ت الحية العامة والبشرية الخاصة هي حرة‪ ،‬ويدافع عن رغبته في زيادة حرية اإلنسان‬

‫ل تعدد األفكار واألنماط الحياة هي ضرورة في البحث العقلي‪ " .‬ضد المنهج العلمي ـ وجها إيجابيا‪ ،‬إذ أنه‬

‫يدافع عما يسميه "الموقف اإلنسي" فقد رأى أن الكائنات البشرية حرة بالمعنى الموجود عند "ميل" ـ في‬

‫مقال حول الحرية ـ وهو يزكي الرغبة في الزيادة في الحرية‪ ،‬وفي الحياة ممتلئة وغنية‪ ،‬إذ ينادي بحرية‬

‫الفرد‪ :‬بحيث ينبغي لكل إنسان أن يتبع ميوله الشخصية وينجز ما عليه أن يفعله‪ ،‬فهو يرى أن آراء‬

‫"مل" تعكس قناعته بأن تعددية األفكار وأنماط الحياة هي ضرورة ألي بحث عقلي يهتم بطبيعة‬

‫ففكرة ضد المنهج لها وجه إيجابي ألنها تساهم في الدفاع عن الموقف اإلنساني‪ .‬ألن‬ ‫‪1‬‬
‫األشياء‪".‬‬

‫الكائ نات البشرية هي كائنات حرة‪ ،‬وترغب في زيادة حريته وتكون ممتلئة وغنية وينبغي أن يتبع ميوالته‬

‫الشخصية وال يتقيد بأي منهج صادر من أي شخص آخر‪ ،‬وأن ال يتماشى مع القواعد التي أسسها‬

‫إنسان آخر وال يتقيد بأفكارهم‪.‬‬

‫فقد هاجم بوبر بطريقة مبالغ بها في بعض األحيان في نقده لجميع أفكا هر العلمية وأطروحاته وبما‬

‫فيها رؤيته للمنهج العلمي‪ ،‬إذ أنه قال بأن العلماء يجب أن ال ي تخلوا عن نظرياتهم العلمية‪ ،‬ويدعوا إلى‬

‫ضرورة أن تبقى كل القضايا ألنها تساعد في نمو العلم‪ " .‬فالعلماء ال يتخلون عن نظرياتهم لمجرد‬

‫تعارض الوقائع معها‪ .‬كما يزعم بوبر‪ .‬فإذا كان بوبر يؤكد على رفض أو إستبعاد النظريات فإن فك ةر‬

‫فيرابند األساسية هي إستبقاء النظريات واإلكثار منها‪ .‬واذا كان ال يتحدث عن "النموذج" كما يتحدث‬

‫‪ 1‬عادل عوض‪ ،‬منطق النظرية العلمية المعاصرة وعالقتها بالواقع التجريبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.311‬‬

‫‪107‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫توماس كون فإنه يشير إلى أن النظرية قد تطوق بعدد كبير من النظريات المساعدة القديمة أو المفندة‬

‫التي يدعونا بوبر للتخلي عنها‪ ،‬ومن هنا قد تبدوا لنا نظرية معينة كاذبة‪ .‬بينما يتضح لنا بعد فت ةر من‬

‫خالل النظريات األخرى المساعدة أنها ليست كذلك‪ 1 ".‬فيجب على العلماء أن ال يتخلوا عن نظرياتهم‬

‫لمجرد تعارضها مع الوقائع‪ ،‬كما يزعم ألنه يقوم برفض واستبعاد النظريات ويدعوا إلى ضرورة بقاء‬

‫النظريات واإلكثار منها ألنها تساهم في إضافة المعارف إلى العلوم ألنها ترتكز على القضايا التي‬

‫سبقتها من أجل مساعدتها‪.‬‬

‫خاض فيرابند معركة ضد الميثودولوجيات التي طرحها العديد من الفالسفة من قبله‪ ،‬حيث أنه‬

‫إعتبر الكاتوش أبا له ألنه ساهم في بناء الفوضوية‪ " .‬إن دعوى فيرابند ضد المنهج تدخل في معركة‬

‫ضد الميثودولوجيات المفروض فيها أنها تقدم قواعد العمل أو السلوك للمنشغلين بالعلم‪ ،‬وعلى هذا يجد‬

‫فيرابند في الكاتوش أبا آخر‪ ،‬مشاركا لهفي الفوضوية‪ ،‬ألن ميثودولوجيا الكاتوش ال تعطى قواعد‬

‫لإلختيار لصالح نظرية أو برنامج ما ألن ميثودولوجيا برامج معايير تساعد المشتغل بالعلم على تقييم‬

‫‪2‬‬
‫الحالة التاريخية‪ ،‬التي يتحد ضمنها ق ارراته‪ ،‬ولكنها ال ت تضمن القواعد التي تقول له ما ينبغي فعله‪".‬‬

‫فهو إتخذ حربا ضد الميثودولوجيات األخرى التي تفترض قواعد خاصة في العمل‪ ،‬حيث أن الكاتوش‬

‫كان بمثابة أب له ألنه ساهم في بناء الفوضوية ألن ميثودولوجيا ال تقوم على القواعد بل هي عبارة عن‬

‫معايير وأسس تساعد المشتغلين على العلم‪ ،‬والتي تتخذ ضمنها ق ارراته ولكنها ال تتضمن أي قواعد‪.‬‬

‫فقام بنقد القواعد المنهجية التي وضعها بوبر ألنها ال تساهم في نمو المعارف وتطور العلمي‪،‬‬

‫وانما تقوم بإعاقة هذا النمو وتعتبر هذه القواعد ليس لها فائدة في مجال العلوم‪ " .‬وينتهي فيرابند من نقده‬

‫لبوبر إلى القول بأن قواعد بوبر المنهجية ال تساهم في نمو المعرفة وانما في الواقع األمر تعوق هذا‬

‫‪1‬‬
‫بول فيرابند‪ ،‬ثالث محاوالت في المعرفة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪2‬‬
‫عادل عوض‪ ،‬اإلبستيمولوجيا بين نسبية فيرابند وموضوعية شالمرز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬

‫‪108‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫النمو‪ .‬وهذه القواعد بإختصار ال فائدة لها بالنسبة للعلم‪ ،‬ويدل على حجته السابقة بالقول بأنه‪ ":‬لو تخيلنا‬

‫أن كال من كوبرنيقس وجاليلو طبقا‪ ،‬بصورة متسقة أمينة‪ ،‬قواعد بوبر المنهجية لكنا ال نزال في مرحلة‬

‫الفيزياء األرسطية حتى اآلن‪ 1 .‬فنقد القواعد المنهجية التي صاغها بوبر أل نها ال تساهم في تطور العلم‬

‫ونمو المعرفة‪ ،‬إنما هي تقوم بإعاقة هذا األخير وليس لها أي فائدة‪.‬‬

‫ف نظر إلى العلم على أنه مليء بالمصادفات وعشوائي في بعض األحيان‪ ،‬وغير منطقي في بعض‬

‫األحيان‪ ،‬وهذا ال يعني بأنه فوضوي للغاية‪ ،‬ألنه ال يدعوا إلى الفوضى الشاملة بل إلى فوضى منتظمة‬

‫إلى درجة كبيرة‪ ،‬فإن أطروحته الفوضوية هي األداة التي يستطيع بواسطتها تقديم نمو وتقدم‪ " .‬فالعلم‬

‫مليء بمصادفات أحيانا‪ ،‬عشوائي في أحيان أخرى‪ ،‬وغير منطقي في بعض األحيان أيضا‪ ،‬وهذا ال‬

‫يعني الفوضى الكاملة بطبيعة الحال‪،‬يقول "فيرابند" إن ما يطرحه من رفض للمنهج لن يؤدي إلى‬

‫الفوضى الشاملة ‪ Chaos‬التي تختلف عن الفوضى المنظمة ‪ Anarchy‬إلى حد كبير‪ 2 ".‬فالعلم ممتلئ‬

‫بالمصادفات وعشوائي في بعض األحيان وغير منطقي في بعض األحيان األخرى‪ ،‬فهو ال يقصد به‬

‫الفوضى الشاملة وانما تكون منتظمة بحد كبير‪ ،‬ألنها أداة التي نستطيع بواسطتها تحقيق التقدم بغية‬

‫الوصول إلى الحرية‪ ،‬ويكون ذلك داخل أسرار العلوم‪ ،‬ألن برنامج البحث ال يتبع خطوات وقواعد معينة‪.‬‬

‫"إن األطروحة "فيرابند" هي الفوضوية‪ ،‬فهي اآلداة التي يتسنى عن طريقها إحراز التقدم بأي معنى تشاء‪.‬‬

‫فكأن "فيرابند" يود أن يصل إلى ضرورة إتاحة الحرية حتى داخل أسرار العلم‪ .‬فالبحث الناجح ال يسير‬

‫على شريط قطاع وال يتبع معا يير عامة‪ ،‬كما أنه توجد أنواع شتى من العلم؟ فاألشخاص الذين يبدأون‬

‫من خلفيات إجتماعية سيتناولون العالم بطرق شتى ويتعلمون أشياء مختلفة عنه وترتبط هذه النتيجة‬

‫‪1‬‬
‫ب ول فيرابند‪ ،‬ثالث محاورات في المعرفة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫‪2‬‬
‫عادل عوض‪ ،‬منطق النظرية العلمية المعاصرة وعالقتها بالواقع التجريبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.312‬‬

‫‪109‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫بفكرة التعددية‪ .‬معنى هذا أن التقدم عند "فيرابند" مرهون بالفوضى والتعددية المنهجية‪ 1 ".‬فإن التقدم‬

‫العلمي يرتبط بالفوضى والتعددية أي تعدد المناهج العلمية‪ ،‬فا لفوضوية تعتبر بأنها اآلداة التي يتسنى لنا‬

‫من خاللها تحقيق التطور‪ .‬أل نه يسعى من أجل أن تقديم الحرية التامة للباحثين‪.‬‬

‫ف يعتبر الفوضوية بأنها العالج الممتاز لجميع النظريات العلمية التي تواجه مشاكل خاصة ولفلسفة‬

‫العلوم عامة‪ ،‬فهو يرى بأن نظرية المعرفة هي المريض وتحتاج إلى معالجة وهذا العالج يتمثل في‬

‫الفوضى المنتظمة‪ " .‬أن الفوضوية المعرفية ليست سوى عالجا ممتا از لنظرية المعرفة العليلة ولفلسفة‬

‫العلم على وجه العموم‪ ،‬فنظرية المعرفة في رأيه مريض يحتاج إلى العالج‪ ،‬وهذا العالج‪ ،‬وهذا العالج‬

‫يتمثل في الفوضوية المعرفية‪ ،‬وبعد أن يستجيب المريض للدواء ويب أر من أسقامه فقد ينتهي عندها‬

‫المرض وتنتهي الحاجة إلى العالج ـ من هنا فهو ال يعني أن تصبح فلسفة العلم فوضوية بال قيد أو‬

‫شرط‪ .‬إذ بعد مرحلة العالج والشفاء يمكن أن تعود فلسفة العلم إلى لون من ألوان العقالنية األكثر تنو ار‬

‫وتحررا‪ 2 ".‬ففلسفة العلم هي ال تنطوي ضمن أي نوع من أنواع العقالنية ألنها أكثر تحرر وتنوع يعني‬

‫أنها فوضوية بشكل مريب وانما تكون منتظمة‪ ،‬وهي مجرد عالج لكل القضايا التي تعاني من مشاكل‪.‬‬

‫واسعة وال يمكن تحديدها ألن كل فيلسوف علمي له رؤيته الخاصة بهذه‬ ‫إن دائرة المنهج‬

‫المسألة‪ ،‬إذ أن كارل بوبر يرى المنهج العلمي سالح الذي ندافع به عن العلم ويسعى ويهدف إلى تقدمه‬

‫وتطوره‪ .‬فالمنهج العلمي عنده يقوم على نقد النظريات وتكذيبها من أجل اختبارها إن كانت نظريات‬

‫علمية أم غير علمية‪ ،‬ف المنهج االستنباطي يقوم على المناقشة النقدية والفحص النقدي لكل النظريات‬

‫والفروض المتنافسة من أجل بقاءها‪ ،‬حيث وضع لها القواعد والخطوات ويطلق عليها تسمية قواعد‬

‫اللعبة‪ ،‬وفي ضمن هذه الخطوات تحدث عن مبدأ التكذيب الذي يقوم على دحض النظريات وتفنيدها‬

‫‪1‬‬
‫عادل عوض‪ ،‬منطق النظرية العلمية المعاصرة وعالقتها بالواقع التجريبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 312‬ـ ‪.313‬‬
‫‪2‬‬
‫بول فيرابند‪ ،‬ثالث محاورات في المعرفة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 24‬ـ ‪.24‬‬

‫‪110‬‬
‫املنهج العلمي عند كارل بوبر بني التأسيس والنقد‬ ‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫بغية التمييز بين العلم والالعلم‪ ،‬والذي بواسطته يستطيع أن يحقق هدفه في جميع دراساته العلمية‬

‫القائمة عليه‪ ،‬والسعي من أجل التقدم العلمي ونمو المعرفي‪ .‬حيث وضع مفهوم قابلية التكذيب التي هي‬

‫الشروط والقواعد التي يتم تطبيقها أثناء عملية التكذيب‪ ،‬والتكذيب هو نسقية القضايا العلمية ونقد الطبيعة‬

‫التجريبية أو اإلمبريقية‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫خامتــة‬
‫خاتمــة ‪:‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫تعتبر فلسفة العلوم فرع أساسي من الفروع التي تناولتها الفلسفة‪ ،‬حيث أصبحت مشكالتها من أكثر‬

‫المشكالت التي لقيت اهتمام كبير من طرف العديد من الفالسفة العلميين‪ ،‬ومن أهم مشكالتها؛ المشكلة‬

‫التي نحن بصدد دراستها في موضوع الرسالةو التي تتمثل في "مشكلة المنهج العلمي عند كارل بوبر"‪،‬‬

‫ومن خالل دراستنا لهذا النوع من المشاكل العلمية يمكننا القول بأن بوبر تمكن من إعطائنا طريقة واضحة‬

‫التي بواسطتها نستطيع اكتشاف األخطاء العلمية وتمكن من تصحيحها أو إزالتها‪ .‬فالمنهج العلمي الذي‬

‫يحقق لنا تطور علمي ونمو معرفي بالنسبة له هو المنهج االستنباطي الذي يرى بأنه يقوم بالتوضيح‬

‫والتمي يز النظريات العلمية عن غيرها‪ ،‬ويكشف عن الحقائق العلمية الحقيقية‪ ،‬فينتقل من مقدمات إلى‬

‫نتائج كانت مجهولة‪ ،‬فلقد اعتمد على النقد الذي يعني به النقاش العقالني وهي الطريقة التي تقوم بطرح‬

‫اإلشكالية بصفة واضحة‪ ،‬ويتفحص الحلول المتعلقة بها فحصا نقديا‪ ،‬وأهم ميزاته أنه منهج عقلي يقوم‬

‫على النقاش النقدي للقضايا وي طرح مجموعة من االختبارات الصارمة التي يجب على النظريات العلمية‬

‫اجتيازها وان لم تستطع ذلك فيقوم بإقصائها مباشرة‪ ،‬ويقوم أيضا بتمييز بين النظريات العلمية والنظريات‬

‫غير العلمية‪ ،‬فقد وضع أربعة قواعد أساسية له التي يجب على أي باحث االعتماد عليها في دراساته‬

‫العلمية‪ ،‬حيث كانت أول قاعدة من قواعده تتحدث عن واجب وضع خطة في العلم ال نهاية لها‪ ،‬وذلك‬

‫من حيث المبدأ‪ .‬أما القاعدة الثانية ف يجب عليه اقتراح فروض مؤقتة لها ويجب أن تخضع إلى مجموعة‬

‫من االختبارات من أجل إثبا ت صدقها‪ ،‬أما القاعدة الثالثة تقتضي بأن النظريات العلمية التي تقبل كل‬

‫االختبارات وتجتازها وال تقبل أن تقوم على مبدأ التبرير والتحقيق‪ ،‬أما القاعدة الرابعة كانت بمثابة بديل‬

‫لمبدأ العلية الذي لم يقبله ولم يرفضه أيضا‪ ،‬فهو قام باستبعاده ألنه اعتب هر بمثابة مبدأ ميتافيزيقي‪ ،‬وكما أن‬

‫له أربعة خطوات والتي تتمثل في الخطوة األولى التي تنطلق منها عملية التطورية للعلم‪ ،‬وتمثل نقطة‬

‫بداية البحث وهي مشكلة ‪ ،‬أما الخطوة الثانية هي حل المؤقت غير نهائي‪ ،‬وتمثل الفروض التي من‬

‫‪113‬‬
‫خاتمــة ‪:‬‬

‫الممكن أن تكون حال لمشاكل النظريات العلمية‪ ،‬أما الخطوة الثالثة هي استبعاد الخطأ ويكون ذلك بعد‬

‫اكتشافه ولم يتمكن م ن اجتياز االختبارات‪ ،‬فهنا يقوم بإقصاءه خارج النظريات العلمية معتب ار على أنه ليس‬

‫علمي‪ .‬أما الخطوة الرابعة تمثل ظهور مشكلة جديدة والتي تمر بنفس المراحل التي مرت بها المشكلة‬

‫األولى‪ .‬فإن هذه الخطوات العلمية تسعى إلى تطوير العلم ونموه‪ ،‬حيث أنه في هذه العملية اعتمد على‬

‫مبدأ جديد وضعه من أجل منهجه‪ ،‬وهو مبدأ التكذيب الذي يقوم ب تمييز بين النظريات العلمية من غيرها‪،‬‬

‫وجاء كبديل لمعيار التحقق‪ ،‬حيث أنه وضع مفهومين‪ :‬قابلية للتكذيب والتكذيب‪ ،‬فهو يقصد باألولى‬

‫معيار الذي وضعه من أجل القضايا العلمية‪ ،‬أما الثانية يشير بها إلى القواعد التي وضعها من أجل تبيين‬

‫شروط لتكذيب القضايا العلمية‪ ،‬التي ت قوم بإقصاء النظريات الضعيفة ألنها نظريات غير علمية‪ ،‬وتبقى‬

‫النظريا ت العلمية التي تستطيع اجتياز كل االختبارات الصارمة من أجل تطور العلم والمعارف‪ .‬إالّ أنه لم‬

‫يعطي المنهج المناسب لدراسة جميع المشاكل العلمية‪ ،‬فهو قدم بعض النقاط المهمة التي يمكنها مساعدة‬

‫الباحثين في دراساتهم والخروج بالحلول المناسبة‪ ،‬فالمنهج االستنباطي منهج استداللي يقوم بتمييز‬

‫النظريات العلمية من غير العلمية‪ ،‬ولكنه يقصي بعض النظريات التي يمكنها أن تحقق لنا تطور علمي‪،‬‬

‫فالمنهج الذي أقامه بوبر في الحقيقة ال يساهم في التطو ارت العلمية التي طالما تحدث عنها ألنه يستبعد‬

‫النظريات لما يوجد فيها من األخطاء‪ ،‬فالخطأ ضروري في جميع الدراسات والنظريات واإلشكاليات‬

‫العلمية ‪ ،‬وحينما يتم تصحيحه هو أكبر نجاح علمي أنجزه الباحث خالل دراساته العلمية وليس من‬

‫المنطقي أبدا استبعاده من جميع النظريات‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫المالحق ‪:‬‬

‫المالحــق‬

‫‪115‬‬
‫المالحق ‪:‬‬

‫السيرة الذاتية لكارل بوبر‪:‬‬

‫‪ ‬في ‪ 29‬سبتمبر ‪ 1902‬ولد كارل ريموند بوبر بضاحية هملهوف بالعاصمة النمساوية فيينا‪ ،‬من‬
‫أبوين ينحدران من أصول يهودية‪ ،‬إعتنقا المسيحية البروتستانية اللوثية‪ ،‬وحققا اندماجا موفقا في المجتمع‬
‫النمساوي‪.‬‬
‫‪ 1914 ‬أول إتصال لبوبر باإلشتراكية و بأفكارها‪.‬‬
‫‪ 1911 ‬يصاب بمرض يبعده عن الدراسة‪.‬‬
‫‪ 1919 ‬يغادر المدرسة ليلتحق بالجامعة كطالب غير مسجل رسميا‪.‬‬
‫‪ 1919 ‬ينخرط في جمعية مدرسة الطلبة اإلشتراكيين الشيوعية يستمع إلى محاضراته بجامعة فيينا‪.‬‬
‫‪ 1920 ‬يغادر منزل العائلة في الشتاء ليقيم في إقامة للطلبة و يمتهن عدة أعمال‪.‬‬
‫‪ 1924 ‬ـ ‪ 1922‬يجتاز إمتحان التأهيل للدراسة الجامعية بنجاح‪.‬‬
‫‪ 1924 ‬ـ ‪ 1924‬يتحصل على شهادة التدريس بالطور اإلبتدائي‪ ،‬و يقوم بأعمال بالجمعيات الخيرية‪.‬‬
‫‪ 1924 ‬يسجل بالمعهد البيداغوجي بفيينا‪ ،‬ويلتقي هناك ألول م ةر المرأة التي ستصبح زوجته‪.‬‬
‫‪ 1929 ‬يتحصل على شهادة الدكتوراه بإمتياز تحت إشراف أستاذه كارل بوهلز ‪.‬‬
‫‪ 1929 ‬يتحصل على إجا ةز التدريس بالتعليم الثانوي كأستاذ للرياضيات و الفيزياء‪،‬‬
‫‪ 1930 ‬اإللتحاق الفعلي بالتعليم الثانوي كأستاذ للرياضيات و الفيزياء‪ ،‬و يلتقي فايجل الذي شجعه‬
‫على تأليف كتاب يعرض فيه أفكاره العلمية و الفلسفية الثورية و يتزوج رسميا باآلنسة ‪Josephina‬‬
‫‪.Anna Henningor‬‬
‫‪ 1932 ‬يكمل تحرير كتابه " مشكلتان رئيسيتان في نظرية المعرفة"‪.‬‬
‫‪ 1934 ‬صدور كتابه " المنطق الكشف العلمي"‪ .‬باللغة األلمانية‬
‫‪ 1936 ‬ـ ‪ 1934‬يقوم بسفريتين طويلتين إلى انجلترا‪.‬‬
‫‪ 1931 ‬يضطر الهروب من النازية إلى الهج ةر إلى نيوزيلندا‪ ،‬ودرس بجامعة كريستيان شورتش‪.‬‬
‫‪ 1939 ‬يبدأ في كتابه نصوصه السياسية‪.‬‬
‫‪ 1942 ‬يمارس نشاطات السياسية إلى جانب مواصلته ألهتماماته العلمية‪.‬‬
‫‪ 1943 ‬ينتهي في تحرير " مجتمع مفتوح و أعداؤه "‪.‬‬
‫‪ 1944 ‬ينشر كتابه " بؤس التاريخانية "‪.‬‬
‫‪ 1944 ‬ينشر " المجتمع المفتوح و أعداؤه " في جزأين ضخمين‪ ،‬و تمنحه جامعة لندن درجة القارئية‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫المالحق ‪:‬‬

‫‪ 1941 ‬ـ ‪ 1946‬يعود إلى أوروبا ويقيم بلندن ويبدأ العمل بكلية لندن‪ ،‬يعين بها أستاذ للمنطق‬
‫ومناهج العلم بقسم الفلسفة‪.‬‬
‫‪ 1940‬يقوم بأول سفر له إلى أمريكا ويسجل أول ل قاء له شخصي ببطله أينشتاين الذي جمعته به مناقشة‬
‫علمية حول الحتمية والالحتمية‪.‬‬
‫‪ 1943 ‬ـ ‪ 1941‬يلخص ويراجع أعماله التي كان ينوي نشرها إحتفاال وتخليدا لذكرى مرور عشرين‬
‫سنه على صدور كتابه منطق الكشف العلمي ‪ .1934‬بعنوان " الضميمة‪ :‬بعد عشرون عاما"‪ .‬وشارك‬
‫بمحاضرات عديدة حول فلسفة العلوم‪.‬‬
‫‪ 1949 ‬ـ ‪ 1946‬ينهي النسخة التجريبية لضميمة منطق الكشف العلمي‪،‬‬
‫‪ 1949 ‬ظهور الترجمة اإلنجليزية لمنطق الكشف العلمي‪.‬‬
‫‪ 1961 ‬مساجلة فكرية حول علومية العلوم اإلجتماعية‪ ،‬ترجمه هو وتلميذه هانس ألبرت ‪ 1963‬ـ‬
‫‪ 1962‬ينشر مجموعة مقاالت تحت عنوان‪ " :‬تخمينات و تفنيدات "‪.‬‬
‫‪ 1964 ‬تمنحه ملكة بريطانيا لقب " سير ‪ " Sir‬لقب النبالء‪.‬‬
‫‪ 1961 ‬يلقي بمؤتمر امستردام بهولندا محاضراته الشهيرة ابستيمولوجيا بدون ذات عارفة‪.‬‬
‫‪ 1969 ‬يتقاعد ويتوقف عن التدريس بجامعة لندن لكنه يواصل كتاباته ومحاضراته‪.‬‬
‫‪ 1911 ‬يسجل حوارات إذاعية وصحف ية فيها عن العقالنية النقدية‪ ،‬وينتقد النظرية النقدية لمدرسة‬
‫فرانكفورت‪ ،‬و علم إجتماعها الجدلي و تأويلها في مقالته الشهير " العقل أم الثورة "‪ " ،‬الثورة أم‬
‫اإلصالح "‪.‬‬
‫‪ 1912 ‬ينشر كتابه " المعرفة الموضوعية " و فيه يتعرض نظرية العوالم الثالث‪.‬‬
‫‪ 1913 ‬ـ ‪ 1912‬تتم ترجمة منطق الكشف العلمي إلى الفرنسية‪.‬‬
‫‪ 1911 ‬ينشر كتابا مشتركا مع عالم الدماغ واألعصاب كتاب " النفس ودماغها "‪ .‬دفاع عن التفاعل‬
‫المتبادل‪.‬‬
‫‪ 1919 ‬يعيد نشر كتابه األول " مشكلتان رئيسيتان في نظرية المعرفة "‪.‬‬
‫‪ 1991 ‬انعقاد أول مؤتمر دولي بفرنسا حول فكر بوبر بعنوان " كارل بوبر وعلم اليوم "‪.‬‬
‫‪ 1992 ‬ظهور طبعة األولى إلجراء ضميمة بمنطق الكشف العلمي‪ ،‬الواقعية وهدف العلم الكون‬
‫المفتوح‪ " :‬دفاع عن الالحتمية " و" الكوانتا واإلختالف في الفيزياء " نشر تالميذه ويليام بارتلي‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫المالحق ‪:‬‬

‫‪ 1893 ‬ندوة بفيينا جمعت في كتاب بعنوان " المستقبل المفتوح " باإلشتراك مع لورتر كونراد صديق‬
‫طفولته عالم اإليثولوجيا المشهور‪.‬‬
‫‪ 1992 ‬ينشر كتابه " درس هذا القرن "‪.‬‬
‫‪ 1994 ‬ينشر آخر عمل له كتيبا بعنوان " التلفزيون خطر على الديمقراطية "‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ 11 ‬سبتمبر وفاة كارل ريموند بوبر بعد عمر طويل عاشه كما قال أسعد فيلسوف‪.‬‬

‫ملحق الفالسفة‪:‬‬

‫ق‪ 394‬ق‪.‬م ـ ‪ 366‬ق‪ .‬م) أعظم نوابغ النظر العقلي في التاريخ الفكر اليوناني‪ ،‬وهو مؤسس‬ ‫أرسطو‬
‫المنطق‪ ،‬ألف كتاب األروغانون ـ كتاب الشعر ـ كتاب الخطابة‪.‬‬
‫) أعظم فيلسوف في العصور القديمة‪ ،‬من أسرة أستقراطية‪ ،‬أشتهر‬ ‫ق ‪ 421‬ق‪ .‬م ـ ـ‬ ‫أفالطون‬
‫بكتاب الجمهورية ومحاورة السياسي‪.‬‬
‫ق‪1910‬م ـ ‪1999‬م) فيلسوف إنجليزي‪ ،‬من رواد الوضعية المنطقية وأتباع حلقة فيينا‪ .‬صاحب‬ ‫آمبر ألفرد‬
‫كتاب اللغة‪ ،‬الحقيقة‪ ،‬المنطق‪ .‬الذي إنتقد فيه الميتافيزيقا‪.‬‬
‫ق ‪11‬كانون الثاني ‪1199‬م ـ ‪ 4‬أيلول ‪1949‬م) كان نائب أستاذ في تعليم الرياضيات ثم درس‬ ‫أوغست‬
‫الطب ومن أشهر كتبه مذهب السياسة الوضعية و دروس الفلسفة الوضعية‪.‬‬ ‫كونت‬
‫ق‪1922‬م ـ ‪1914‬م) فيلسوف ومنطيق وابستيمولوجي‪ ،‬لم ينشر في حياته أي كتاب ولكن‬ ‫إيمري‬
‫نشرت كتبه بعد وفاته ومن أبرزها البراهين والدحوض ومنهجية البحث العلمي‪.‬‬ ‫الكاتوش‬
‫ق ‪1901‬م ـ ‪1919‬م) فيلسوف وعالم داللي أمريكي‪ ،‬ومن ممثلي الوضعية المحدثة في الواليات‬ ‫تشارلس‬
‫المتحدة‪ ،‬وصاغ مفهوم السيموطيقا أو علم دالالت ومن أبرز كتبه أسس نظرية العالمات‪.‬‬ ‫موريس‬
‫ق ‪1922‬م ـ ‪ 1991‬م) فيلسوف ومؤرخ أمريكي للعلوم‪ ،‬ميز بين العلم االستوائي والعلم‬ ‫توماس‬
‫االستثنائي يتقدم بالتراكم المعرفي‪ ،‬أشتهر بكتاب الكوبرنيقية ثم بنية الثورات العلمية‪.‬‬ ‫كون‬
‫ق‪ 31‬آذار ‪1496‬م ـ ‪ 11‬شباط ‪ )1640‬أول فيلسوف محدث‪ ،‬وواحد من أعظم الرياضيين في‬ ‫رونيه‬
‫أزمان قاطبة ولقد أشتهر بنظريته المنهجية في كتاب المقال في المنهج‪.‬‬ ‫ديكارت‬
‫ق ‪ 14‬فبراير‪1464‬م ـ ‪ 9‬يناير ‪1642‬م) عالم فلكي وفيلسوف وفيزيائي إيطالي‪ ،‬ولقد كان له‬ ‫غاليلو‬
‫العديد من األعمال ومن بينها صنع منظار‪.‬‬ ‫جاليلي‬

‫‪1‬‬
‫أنظر‪ :‬لخضر مذبوح‪ ،‬فلسفة كارل بوبر‪ ،‬ط‪ ،‬دار األلمعية للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪2011 ،‬م‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫المالحق ‪:‬‬

‫) فيلسوف من أصل نمساوي مختص في العلوم واإلبستيمولوجيا‪ ،‬أشتهر بكتاب‬ ‫ق‪1924‬م ـ‬ ‫فايرانبد‬
‫ضد المنهج‪ ،‬والذي أرسى فيه فينومينولوجيا الفوضوية‪ ،‬ومن بين مؤلفاته ثالث محاوالت‬ ‫بول‬
‫المعرفة‪.‬‬
‫‪ 26‬نيسان ‪1999‬م ـ ‪ 29‬نيسان ‪1941‬م) منطيق وفيلسوف نمساوي‪ ،‬رائد الفلسفة التحليلية‬ ‫(‬ ‫فتجنشتين‬
‫الحديثة‪ ،‬ولم ينشر في حياته مؤلف بالالتينية بعنوان الرسالة‪ ،‬المنطقية‪ ،‬الفلسفية‪.‬‬ ‫لودفيغ‬
‫ق‪ 22‬كانون الثاني‪1461‬م ـ ‪ 9‬نيسان ‪ )1626‬وضع دارة معرف واسعة بنيت على أساس‬ ‫فرانسيس‬
‫المالحظة التجريبية والمنهج‪ ،‬ألف كتاب التجديد األكبر ـ مقدمات للتاريخ الطبيعي والتجريبي‪.‬‬ ‫بيكون‬
‫ق ‪1991‬م ـ ‪1910‬م) فيلسوف ومنطيق ألماني‪ ،‬ارتبط اسمه بحلقة فيينا ورمي مشروعها إلى‬ ‫كارناب‬
‫توحيد المعرفة العلمية ومن أهم مؤلفاته البنية المنطقية للعالم ـ المدخل إلى المنطق الرمزي‪.‬‬
‫قبرلين ‪1992‬م ـ فيينا ‪1936‬م) فيلسوف ألماني‪ ،‬أسس حلقة فيينا‪ ،‬عرض نظرته العامة‬ ‫موريس‬
‫للوضعية المنطقية في المعرفة‪ ،‬وجعل أساسها التمييز بين المنطوقات التجريبية وقضايا العلم‬ ‫شليك‬
‫المنطقية ومن مؤلفاته نظرية العامة للمعرفة‪.‬‬
‫جون (‪1906‬م ـ ‪1913‬م) هو فيلسوف واقتصادي بريطاني‪ ،‬أحد كبار أهل العلم والمعرفة في القرن‬ ‫ميل‬
‫الثامن عشر ومن بين مبادئ اإلقتصاد السياسي ونظام المنطق‪.‬‬ ‫ستيوارت‬
‫ق ‪ 24‬كانون األول ‪1642‬م ـ ‪ 20‬آذار ‪1121‬م) عالم وفيلسوف‪ ،‬صاحب نظرية الجاذبية‪ ،‬لقد‬ ‫نيوتن‬
‫نشر كتابه األول تحت عنوان دروس في بصريات ومن ثم البصريات وانعكاسات الضوء‬ ‫إسحاق‬
‫وانعكاساته وانحرافاته وألوانه‪.‬‬

‫ملحق فالسفة المسلمين‪:‬‬


‫ق ‪310‬هـ ـ ‪990‬م ‪421 /‬هـ ـ ‪1031‬م) عالم وطبيب مسلم من بخارى‪ ،‬اشتهر‬ ‫ابن سينا‬

‫بالطب والفلسفة واشتغل بهما ومن أهم مؤلفاته كتاب الشفاء والنجاة في المنطق‬
‫واإللهيات‪.‬‬
‫( ‪ 4‬ذو الحجة ‪1334‬ه ـ ‪ 22‬سبتمبر ‪1911‬م‪ 20 /‬شوال ‪1416‬ه‪ 9 /‬مارس ‪1996‬م)‬ ‫الغزالي‬
‫عالم ومفكر إسالمي مصري‪ ،‬ومن أهم مؤلفاته كتاب سر تأخر العرب والمسلمين‪،‬وكتاب‬
‫عقيدة اإلسالم‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫المالحق ‪:‬‬

‫أنظر‪ :‬جورج الطرابيشي‪ ،‬معجم الفالسفة ق الفالسفة‪ ،‬المناطقة‪ ،‬المتكلمون‪ ،‬الالهوتيون‪ ،‬المتصوفون)‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫دار الطليعة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪.2006 ،‬‬

‫المصطلحات‪:‬‬ ‫ملحق‬

‫فرع من فروع الفلسفة يبحث في أصل المعرفة وبنيتها ومناهجها ومصداقيتها‪.‬‬ ‫ابستيمولوجي‬
‫ق ‪)Epistemology‬‬
‫جملة من تجارب لتحديد النسبة المئوية لسمات معينة عند شخص معين أو فريق من‬ ‫إختبار ق‪)Test‬‬
‫الناس‪.‬‬
‫إتساق فكرة في ذاتها بحيث يكون مدلولها ال تناقض فيه وال تكلف‪ ،‬وهومقياس‬ ‫إتساق‬
‫ق ‪ )Consistency‬الصواب والخطأ في العلوم الصورية‪.‬‬
‫فعل الذهن الذي يلمح عالقة مبدأ أو نتيجة بين القضية وأخرى أو بين عدة قضايا‪،‬‬ ‫إستدالل‬
‫وينتهي إلى حكم بالصدق أو بالكذب‪.‬‬ ‫ق ‪)Reasoning‬‬
‫إنسجام ق ‪ )Harmony‬إتساق العناصر المختلفة اتساقا موفقا‪ ،‬ينتهي إلى أثر موحد‪.‬‬
‫تحصيل الحاصل) ق ‪ )Tautology‬وهي تكرار الشيء الواحد بألفاظ مختلفة قد ال تخلوا من مغالطة‬
‫أحيانا‪.‬‬
‫اتجاه يقابل الميكانيكية‪ ،‬ويفسر جميع الظواهر بردها إلى قوى‪.‬‬ ‫ديناميكيةق‬
‫‪)Dynamism‬‬
‫ما يطابق الحقيقة وحقه أن يصدق‪.‬‬ ‫صحيح ق ‪)True‬‬
‫مبدأ عقلي‪ ،‬يراد به أن لكل ظاه ةر سببا يحدثها‪.‬‬ ‫مبدالسببية‬
‫ق ‪)Causalite‬‬
‫مذهب يقوم على أن الحس باب المعرفة الوحيد‪ .‬وليس في العقل شيء لم يمر‬ ‫مذهب التجريبي‬
‫بالحس أوال‪.‬‬ ‫ق ‪)Empiricim‬‬
‫مشكلة ق‪ )Problem‬مسألة عملية أو نظرية ال يوجد لها مباش ةر حل مطابق‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫المالحق ‪:‬‬

‫ثمرة التقابل واإلتصال بين الذات مدركة وموضوع مدرك‪.‬‬ ‫معرفة‬


‫ق ‪)Knowledge‬‬
‫نموذج أو مقياس مادي أو معنوي لما ينبغي أن يكون عليه الشيء‪.‬‬ ‫معيار ق‪)Norm‬‬
‫نظرية ق ‪ )Theory‬هي قضية تثبت ببرهان‪ ،‬وهي عند الفالسفة تركيب عملي‪ ،‬مؤلف من تصورات‬
‫منسقة‪ ،‬تهدف إلى ربط النتائج بالمبادئ‪.‬‬
‫هي البحث في طبيعة المعرفة وأصلها وقيمتها ووسائلها وحدودها‪.‬‬ ‫نظرية المعرفة‬
‫ق ‪)Gnosiology‬‬
‫أنظر‪ :‬إبراهيم مذكور‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬الهيئة العامة لشتون المطابع األميرية‪ ،‬القاهرة‪ 1403 ،‬ه ـ‬
‫‪1993‬م‪.‬‬

‫أنظر‪ :‬جميل صليبا‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬جزء ‪ 2‬من قط) إلى قي)‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪،‬‬
‫‪1912‬م‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع‬

‫‪ ‬القرآن الكريمقورش عن نافع)‬

‫‪122‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع ‪:‬‬

‫قائمة المصادر‪:‬‬

‫‪ ‬القرآن الكريم‪ ،‬عن رواية ورش‪.‬‬

‫باللغة األجنبية‪:‬‬
‫‪1 Karl Popper, The Logic Of Scientific Discovery, Routiledge‬‬
‫‪Classics, London and New York.‬‬
‫‪2 Karl Popper, Objective Knowledge ( A Realist View of Logic,‬‬
‫‪physice and history), 1996.‬‬
‫باللغة العربية‪:‬‬

‫‪ )1‬كارل بوبر‪ ،‬أسطورة اإلطارقفي دفاع عن العلم والعقالنية)‪ ،‬تح‪ :‬مارك‪ .‬أ‪ .‬نوترنو‪ ،‬تر‪ :‬يمنى‬

‫طريف الخولي‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬د‪.‬ط‪2003 ،‬م‪.‬‬

‫‪ )2‬كارل بوبر‪ ،‬الحياة بأسرها‪ ...‬حلول لمشاكل‪ ،‬تر‪ :‬بهاء درويش‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬د‪.‬‬

‫ط‪ ،‬د‪ .‬س‪.‬‬

‫‪ )3‬كارل بوبر‪ ،‬بحثا عن عالم أفضل‪ ،‬تر‪ :‬أحمد مستجير‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪.‬‬

‫ط‪1999 ،‬م‪.‬‬

‫‪ )4‬كارل بوبر‪ ،‬منطق البحث العلمي‪ ،‬تر‪ :‬محمد بغدادي‪ ،‬المنظمة العربية للترجمة‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪،‬‬

‫ط‪2006 ،1‬م‪.‬‬

‫‪ )4‬كارل بوبر‪ ،‬منطق الكشف العلمي‪ ،‬تر‪ :‬ماهر عبد القادر محمد علي‪ ،‬دار النهضة العربية‬

‫للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪ .‬س‪.‬‬

‫‪ )6‬كارل بوبر‪ ،‬عقم المذهب التاريخي قدراسة في مناهج اإلجتماعية)‪ ،‬تر‪ :‬عبد الحميد بصرة‪،‬‬

‫اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪ .‬ط‪1949 ،‬م‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع ‪:‬‬

‫قائمة المراجع‪:‬‬

‫‪ )1‬اختيار ماهر‪ ،‬إشكالية قابلية التكذيب عند كارل بوبر قبين النظرية وتطبيق)‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات الهيئة‬

‫العامة السورية للكتاب‪ ،‬دمشق ـ سوريا‪2010 ،‬م‪.‬‬

‫‪ )2‬السيد محمد أحمد‪ ،‬التمييز بين العلم والالعلم قدراسة في مشكلة المنهج العلمي)‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬منشأة‬

‫المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪1996 ،‬م‪.‬‬

‫‪ )3‬الديدي عبد الفتاح‪ ،‬االتجاهات المعاصرة في الفلسفة‪ ،‬ط‪ ،2‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬مصر‪،‬‬

‫‪1992‬م‪.‬‬

‫‪ )4‬إمري الكاتوس‪ ،‬فلسفة العلوم برامج األبحاث العلمية‪ ،‬ج‪ ،6‬ماهر عبد القادر عبد القادر‪ ،‬نهضة‬

‫ط‪1991 ،1‬م‪.‬‬ ‫العربية‪ ،‬بيروت‪،‬‬

‫‪ )4‬إ‪ .‬م‪ .‬بوشينسكي‪ ،‬الفلسفة المعاصرة في أوروبا‪ ،‬تر‪ :‬قرني عزت‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬

‫‪1992‬م‪.‬‬

‫‪ )6‬بول فيرابند‪ ،‬ثالث محاورات في المعرفة‪ ،‬تر‪ :‬محمد أحمد السيد‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬د‪ .‬ط‪،‬‬

‫‪1991‬م‪.‬‬

‫‪ )1‬جالل شمس الدين‪ ،‬البنية التكوينية لفلسفة العلومق مدخل إلى األصناف العلوم)‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬مؤسسة الثقافة‬

‫الجمعية للنشر والتوزيع‪ ،‬اإلسكندرية‪2009 ،‬م‪.‬‬

‫‪ )9‬ولد يوسف نعيمة‪ ،‬مشكلة اإلستقراء في اإلبستيمولوجيا كارل بوبر‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الروافد الثقافية‪ ،‬بيروت ـ‬

‫لبنان‪2014 ،‬م‪.‬‬

‫‪ )9‬زيناتي جورج‪ ،‬رحالت داخل الفلسفة الغربية‪ ،‬ط‪ ،1‬دار المنتخب العربي‪ ،‬لبنان ـ بيروت‪1443 ،‬ه ـ‬

‫‪1993‬م‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع ‪:‬‬

‫‪ )10‬حصادي نجيب‪ ،‬أسس المنطق الرمزي المعاصر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬س‪.‬‬

‫‪ )11‬حمود جمال‪ ،‬فلسفة عند لودفيغ فتغشتاين‪ ،‬ط‪ ،1‬دار العربية للعلوم ومنشورات االختالف‪1430 ،‬‬

‫ه ـ ‪2009‬م‪.‬‬

‫‪ )12‬يمنى طريف الخولي‪ ،‬فلسفة العلم في القرن العشرين ق األصول‪ ،‬الحصاد‪ ،‬األفاق المستقبلية)‪،‬‬

‫د‪ .‬ط‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬كويت‪ ،‬ديسمبر ‪2000‬م‪.‬‬

‫‪ )13‬يمنى طريف الخولي‪ ،‬فلسفة كارل بوبر منهج العلم‪ ...‬منطق العلم‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬الهيئة المصرية العامة‬

‫للكتاب‪1999 ،‬م‪.‬‬

‫‪ )14‬كامل فؤاد‪ ،‬أعالم الفكر الفلسفي المعاصر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ 1413 ،‬ه ـ ‪1993‬م‪.‬‬

‫‪ )14‬ماهر عبد القادر‪ ،‬نظرية المعرفة العلمية‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪1994 ،‬م‪.‬‬

‫‪ )16‬ماهر عبد القادر محمد علي‪ ،‬فلسفة التحليل المعاصر‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬النهضة العربية‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪،‬‬

‫‪1404‬ه ـ ‪1994‬م‪.‬‬

‫‪ )11‬ماهر عبد القادر محمد علي‪ ،‬فلسفة العلومق المشكالت المعرفية)‪ ،‬ج‪ ،2‬د‪ .‬ط‪ ،‬دار النهضة العربية‬

‫‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪1404 ،‬ه ـ ‪1994‬م‪.‬‬

‫‪ )19‬مهران رشوان مح مد‪ ،‬مدخل إلى دراسة الفلسفة المعاصرة‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬دار الثقافية للنشر والتوزيع‪،‬‬

‫القاهرة‪1404 ،‬ه ـ ‪1994‬م‪.‬‬

‫‪ )19‬مهران محمد ومدين محمد‪ ،‬مقدمة في الفلسفة المعاصرة‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬دار القباء‪ ،‬القاهرة‪2009 ،‬م‪.‬‬

‫‪ )20‬عادل مصطفى‪ ،‬كارل بوبر مائة عام من التنوير ونضرة العقل‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬

‫‪2002‬م‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع ‪:‬‬

‫‪ )21‬عواضة علي حنان‪ ،‬النزعة‪ ،‬النزعة العلمية في فلسفة كارل بوبرق بين التجربة والميتافيزيقا)‪ ،‬ط‪،1‬‬

‫دار الهادي‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪ 1422 ،‬ه ـ ‪ 2002‬م‪.‬‬

‫‪ )22‬عوض عادل‪ ،‬اإلبستيمولوجيا بين نسبية فيرابند وموضوعية شالمرز‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الوفاء الطباعة‬

‫والنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪2003 ،‬م‪.‬‬

‫‪ )23‬عوض عادل‪ ،‬منطق النظرية العلمية المعاصرة وعالقتها بالواقع التجريبي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الواقع لدنيا‬

‫الطباعة والنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪2006 ،‬م‪.‬‬

‫‪ )24‬فعنية محمد جواد‪ ،‬مذاهب فلسفية وقاموس المصطلحات‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار المكتبة الهالل ودار الجواد‪،‬‬

‫بيروت ـ لبنان‪ ،‬د‪.‬س‪.‬‬

‫‪ )24‬فولر ستيف‪ ،‬كون ضد بوبر قصراع من أجل روح العلم)‪ ،‬تر‪ :‬حصادي نجيب‪ ،‬المركز القومي‬

‫للترجمة‪ ،‬للقاهرة‪ ،‬ط‪2012 ،1‬م‪.‬‬

‫‪ )26‬قاسم محمد محمد‪ ،‬في الفكر الفلسفي المعاصر "الرؤية العلمية"‪ ،‬ط‪ ،1‬دار النهضة العربية ‪،‬‬

‫بيروت ـ لبنان ‪ ،‬د‪ .‬س‪.‬‬

‫‪ )21‬قاسم محمد محمد‪ ،‬كارل بوبر المعرفة العلمية في ضوء المنهج العلمي‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار المعرفة‬

‫الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪.1992 ،‬‬

‫‪ )29‬توماس‪ .‬س‪ .‬كون‪ ،‬بنية الثورات العلمية‪ ،‬تر‪ :‬حيدر حاج إسماعيل‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬‬

‫بيروت ـ لبنان‪ ،‬ط‪ ،1‬أيلول ‪2001‬م‪.‬‬

‫‪ )29‬توماس كون‪ ،‬بنية الثورات العلمية‪ ،‬تر‪ :‬شوقي جالل‪ ،‬مجلة عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد‪ ،169‬د‪.‬‬

‫ط‪1992 ،‬م‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع ‪:‬‬

‫‪ )30‬توماس كون‪ ،‬تركيب الثورات العلمية‪ ،‬تر‪ :‬ماهر عبد القادر محمد علي‪ ،‬دار المعارف الجامعية‪،‬‬

‫اإلسكندرية‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪ .‬س‪.‬‬

‫‪ )31‬خضر سناء‪ ،‬الفلسفة الخلقية والعلم نظ ةر نقدية‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الوفاء الدنيا للطباعة والنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬

‫‪1009‬م‪.‬‬

‫‪ )32‬خليل ياسين‪ ،‬مقدمة في فلسفة المعاصرةق دراسة التحليلية ونقدية لإلتجاهات العلمية في القرن‬

‫العشرين)‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬عمان ـ األردن‪2001 ،‬م‪.‬‬

‫‪ )33‬خليل ياسين‪ ،‬مقدمة في فلسفة المعاصرة ق دراسة تحليلية نقدية لإلتجاهات العلمية في فلسفة القرن‬

‫العشرين)‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬منشورات الجامعة الليبية‪1990 ،‬م‪.‬‬

‫معاجم وقواميس‪:‬‬

‫‪ )1‬أندريه الالند‪ ،‬موسوعة الالند الفلسفية‪ ،‬ط‪ ،2‬منشورات عويدات‪ ،‬بيروت ـ باريس‪2001 ،‬م‪.‬‬

‫‪ )2‬إبن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ط‪ ،1‬المجلد الرابع‪ ،‬دار الصادر‪ ،‬بيروت‪1991 ،‬م‪.‬‬

‫‪ )3‬وهبة مراد‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار قباء الحديثة‪ ،‬القاهرة‪2001 ،‬م‪.‬‬

‫‪ )4‬مصطفى حسيبة‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار أسامة لنشر والتوزيع‪ ،‬األردن ـ عمان‪2001 ،‬م‪.‬‬

‫‪ )4‬مذكور إبراهيم‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬الهيئة العامة لشتون مطابع األميرية‪ ،‬القاهرة‪ 1403 ،‬ه ـ‬

‫‪1993‬م‪.‬‬

‫‪ )6‬صليبا جميل‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬الجزء الثاني من قط) إلى قي)‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬بيروت‬

‫ـ لبنان‪1912 ،‬م‪.‬‬

‫‪ )1‬روزنتال ويودين‪ ،‬وآخرين‪ ،‬الموسوعة الفلسفية‪ ،‬تر‪ :‬سمير كرم‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنشر‪،‬‬

‫بيروت‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪ .‬س‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع ‪:‬‬

‫‪ )9‬تدهوندرتش‪ ،‬دليل أكسفورد للفلسفة‪ ،‬تر‪ :‬نجيب حصادي‪ ،‬الجزء األول من حرف أ إلى حرف ط‪،‬‬

‫المكتب الوطني للبحث والتطوير‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪ .‬س‪.‬‬

‫المجالت والمقاالت‪:‬‬

‫باللغة العربية‪:‬‬

‫‪ )1‬بوحجلة محمد‪ ،‬أطروحة وحدة المنهج بين العلوم االجتماعية والعلوم الطبيعية عند كارل بوبر‪،‬‬

‫مجلة الحوار الثقافي ق دفاتر المخبرية)‪ ،‬مخبر حوار الحضارات والفلسفة السلم‪ ،‬مستغانم ـ الجزائر‪،‬‬

‫عدد ربيع وصيف ‪2014‬م‪.‬‬

‫‪ )2‬جودي عمران‪ ،‬داروينية المعرفة عند كارل بوبر وميتافيزيقا العوالم الثالثق إشكالية المنهجية وسؤال‬

‫القيمة)‪ ،‬مجلة جيل العلوم اإلنسانية واإلجتماعية‪ ،‬مركز جيل البحث العلمي‪ ،‬الجزائر‪ ،‬العام الرابع‪،‬‬

‫العدد ‪ ،31‬ديسمبر ‪2011‬م‪.‬‬

‫‪ )3‬زروق عبد هللا حسن‪ ،‬مناهج الدراسات الفلسفية في الفكر الغربي‪ ،‬إسالمية المعرفة‪ ،‬السنة الرابعة‪،‬‬

‫العدد الرابع عشر‪.‬‬

‫‪ )4‬حسام علي عبد الوهاب‪ ،‬المنهج العلمي بين تشارلز بيرس وكارل بوبر‪ ،‬مجلة جامعة تشرين‬

‫للبحوث والدراسات العلمية‪ ،‬دمشق ـ سورية‪ ،‬المجلد ‪ ،36‬العدد ‪2014 ،4‬م‪.‬‬

‫‪ )4‬حريري حسن‪ ،‬التأويل االبستيمولوجي الالوضعاني ق بين براديغم توماس كون وبرنامج بحث إيمر‬

‫الكاتوس)‪ ،‬بحث عام لقسم الفلسفة والعلوم اإلنسانية‪ ،‬مؤمنون بال حدود‪ ،‬مؤسسة دراسات وأبحاث‪21 ،‬‬

‫يناير ‪2016‬م‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع ‪:‬‬

‫باللغة األجنبية‪:‬‬

‫‪1 Fabien Blanchot, La Connaissance Objective de Karl Popper, Université de‬‬

‫‪Paris IX Dauphine, Paris, Septembre 1999 .‬‬

‫‪2 Article, Karl Popper, La Connaissance Objective « Appenctive1 » 1979.‬‬

‫‪3 Michal Dubost, Popper et La Connaissance des sources de la Connaissance‬‬

‫‪et de l’ignorance, Maison De Philosophie, Toulouse, Paris, 17/ 10/ 2003.‬‬

‫الرسائل‪:‬‬

‫‪ )1‬بن نحي زكرياء‪ ،‬مشكلة اإلستقراء وأزمة ا لمنهج العلمي كارل بوبر أنموذجا‪ ،‬رسالة ماجستير‪،‬‬

‫دراس شهرزاد‪ ،‬وهران‪2010 ،‬م ـ ‪2011‬م‪.‬‬

‫‪ )2‬علي هري‪ ،‬برنمجة عند إمري الكاتوس‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جمال مفرح‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة‪،‬‬

‫‪2001‬م ـ ‪2009‬م‪.‬‬

‫‪ )3‬خوني ضيف هللا‪ ،‬المنهج النقدي عند كارل بوبر‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬لخضر شريط‪ ،‬الجزائر‪،‬‬

‫‪2004‬م ـ ‪2006‬م‪.‬‬

‫المواقع اإللكترونية‪:‬‬

‫‪www.arabicmagazine.com )1‬‬

‫‪129‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع ‪:‬‬

‫فهرس احملتوايت‬

‫‪130‬‬
‫فهرس المحتويات‬

‫الصفحة‬ ‫فهرس المحتويات‬


‫قبس ‪..............................................................................‬‬
‫شكر وتقدير‪........................................................................‬‬
‫إهداء ‪.............................................................................‬‬
‫أ‬ ‫مقدمة‪..............................................................................‬‬
‫الفصل األول‪:‬‬
‫جينالوجيا المفاهيم‬
‫‪10‬‬ ‫مدخل عام‪........................................................................‬‬
‫‪11‬‬ ‫ـ العلم ‪........................................................................‬‬
‫‪19‬‬ ‫ـ ـ المنهج‪..........................................................................‬‬
‫‪22‬‬ ‫ـ المنهج العلمي‪...................................................................‬‬
‫الخلفية الفكرية لفلسفة كارل بوبر منطلق وتجاوز‬
‫‪29‬‬ ‫ـ الوضعية المنطقية وأهم مبادئها‪....................................................‬‬
‫أهم رواد الوضعية المنطقية‬
‫‪33‬‬ ‫ـ لودفيج فيتجنشتين‪...............................................................‬‬
‫‪39‬‬ ‫ـ رودولف كارناب‪..................................................................‬‬
‫‪41‬‬ ‫ـ موريس شليك‪....................................................................‬‬
‫‪42‬‬ ‫ـ آير‪...............................................................................‬‬
‫‪43‬‬ ‫ـ كارل هيمبل‪......................................................................‬‬
‫‪44‬‬ ‫انتقادات كارل بوبر للوضعية المنطقية‪..............................................‬‬
‫‪41‬‬ ‫خالصة‪............................................................................‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫‪60‬‬ ‫مدخل ‪...........................................................................,.‬‬
‫‪61‬‬ ‫ـ مفهوم المنهج العلمي عند كارل بوبر‪...............................................‬‬
‫‪10‬‬ ‫ـ قواعد المنهج العلمي‪..............................................................‬‬
‫‪14‬‬ ‫ـ خطوات المنهج العلمي‪............................................................‬‬
‫‪90‬‬ ‫ـ قابلية التكذيب في مقابل التحقق‪...................................................‬‬
‫ـ قابلية التكذيب والتكذيب‪92 ............................................................‬‬

‫‪131‬‬
‫فهرس المحتويات‬

‫‪94‬‬ ‫ـ قابلية التكذيب ونمو المعرفة‪......................................................‬‬


‫‪91‬‬ ‫ـ قابلية التكذيب والمحتوى المعرفي‪ ،‬االحتمال‪.......................................‬‬
‫‪91‬‬ ‫ـ المحتوى التجريبي والمنطقي للنظرية‪...............................................‬‬
‫‪99‬‬ ‫ـ ال نهاية للمحتوى‪................. ..............................................‬‬
‫‪99‬‬ ‫ـ قابلية االختبار‪...................................................................‬‬
‫االنتقادات الموجهة لكارل بوبر‬
‫‪91‬‬ ‫ـ فكرة البرادايم عند توماس كون‪...................................................‬‬
‫‪99‬‬ ‫ـ فكرة البرنامج البحث عند إمري الكاتوش‪.........................................‬‬
‫‪104‬‬ ‫ـ فكرة الفوضوية اإلبستيمولوجية عند بول فيرابند‪....................................‬‬
‫‪113‬‬ ‫خاتمة ‪...........................................................................‬‬
‫‪116‬‬ ‫مالحق‪...........................................................................‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ‪.........................................................‬‬

‫‪132‬‬
:‫ملخص‬

‫ إذ أنها شغلت ذهن فالسفة العلم‬،‫تمكنت إشكالية المنهج العلمي أن تحتل مساحة هامة في فلسفة العلوم‬
‫ ولقد‬،‫الذين حاولوا دراستها من الناحية اإلبستيمولوجية العلمية وذلك من أجل تطور العلم في حد ذاته‬
‫كان كارل بوبر أحد فالسفة العلميين اإلبستيمولوجيين الذي ساهم من أجل تقدم المعارف اإلنسانية‬
‫ وذلك من خالل نقده الموجه إلى‬.‫ فهو ربط المنهج العلمي باالستدالل االستنباطي النقدي‬،‫العلمية‬
‫ معتمدا على مبدأ التكذيب الذي بواسطته‬،‫الوضعية المنطقية محاوال تقديم منهج إبستيمولوجي بديل‬
‫ حيث أنه وضع قواعد لمنهجه معتب ار على أنها‬،‫استطاع التمييز بين العلم والالعلم أي بين النظريات‬
‫ فإن طرح بوبر اإلبستيمولوجي للمنهج العلمي ساعد‬،‫عملية علمية تساعد في التطور العلمي ونموه‬
.‫العديد من الباحثين في دراساتهم العلمية‬

Abstarct :

The problematic of the scientific method has been able to occupy an


important space in the philosophy of science, as it took place in the minds of
philosophers of science who tried to study it from the epistemological scientific
side, in order to develop the science itself. Karl popper was among the
philosopher of both epistemological science who contributed to the progress
of the human scientific knowledge, Popper linked the scientific approach with
the Critical deductive inference, through criticizing the logical position, he was
trying to offer to the world a new alternative epistemological me thod based on
the principal of denial, which could distinguish between the theories, where he
put new rules to his method, he considered it as a scientific process helps in
the development and progress of science. The epistemological study of
scientific method of Popper helped many researches in their scientific studies.

133

You might also like