You are on page 1of 104

‫جامعة الشهيد حمه لخضر – الوادي‬

‫معهد العلوم اإلسالمية‬


‫قسم أصول الدين‬

‫مالمح الرؤية الكونية عند الشيخ محمد الغزالي‬

‫مذكرة تدخل ضمن متطلبات الحصول على شهادة الماستر في العلوم اإلسالمية‬
‫تخصص‪ :‬عقيدة إسالمية‪.‬‬
‫المشرف‪:‬‬ ‫من إعداد‪:‬‬
‫د‪ .‬باي أحمد عامر‬ ‫لمقدم سهيلة‬

‫نجعي وحيدة‬

‫لجنة المناقشة‪:‬‬

‫الصفة‬ ‫الجامعة‬ ‫الرتبة‬ ‫االسم واللقب‬


‫رئيسا‬ ‫جامعة الشهيد محة خلضر‪-‬الوادي‬ ‫أستاذ حماضر‪-‬أ‬ ‫األشراف مجال‬
‫مشرفا ومقررا‬ ‫جامعة الشهيد محة خلضر‪-‬الوادي‬ ‫د‪ .‬باي أمحد عامر أستاذ حماضر‪-‬أ‬
‫عضوا‬ ‫جامعة الشهيد محة خلضر‪-‬الوادي‬ ‫أستاذ حماضر‪-‬ب‬ ‫عمارة حممد‬

‫الموسم الجامعي‪0441 :‬ه‪0440-‬ه‪0101/‬م‪0101-‬م‪.‬‬


‫إهداء‪:‬‬

‫بدأنا بأكثر من يد‪ ،‬وها حنن اليوم واحلمد اهلل نطوى سهر الليايل وتعب األيام‪،‬‬

‫وخالصة مشوارنا بني دفيت هذا العمل‪.‬‬

‫هندي مثرة جهدنا العلمي‪ :‬إىل اليبوو الذي ا لمل العطاء‪ ،‬وإىل من حاكت سعادتي‬

‫خبيوط من قلوها؛ إىل أمي الغالية شفاها اهلل وأمدها بالصحة والعافية‪ ،‬إىل من سعى وتعب‬

‫ألنعم بالراحة واهلباء الذي مل يوخل بشيء من أجل دفعي إىل طريق البجاح‪ ،‬والذي علمين أن‬

‫أرتقي سلم احلياة حبكمة وصرب؛ إىل أبي الغايل ‪-‬حفظهما اهلل تعاىل‪.-‬‬

‫إىل من حوهم جيري يف عروقي ويلهج بذكراهم فؤادي إىل زوجي العزيز ‪ :‬زكور فرحات‬

‫نصر ‪-‬حفظه اهلل تعاىل‪ -‬وأمريي؛ ابين الغايل‪ :‬حممد غيث‪ ،‬وكل إخوتي‪ :‬حممد يس‪ ،‬وحممد‬

‫العيد‪ ،‬وأخواتي‪ :‬فريوز‪ ،‬ومسرية‪ ،‬وخولة‪ ،‬وخاليت حكيمة‪ ،‬وزميلتبا وريدة ميسة‪.‬‬

‫إىل من سرنا سويا وحنن نشق الطريق معا حنو البجاح واإلبدا ‪ ،‬إىل كل أصدقائي‪.‬‬

‫إىل من علمونا حروفا من ذهب ‪ ،‬وكلمات من درر‪ ،‬وعوارات من أمسى وأجلى القيم‬

‫ومن صاغوا لبا من علمهم حروفا‪ ،‬ومن فكرهم مبارات تبري لبا سويل العلم والبجاح؛ إىل‬

‫أساتذتي الكرام‪.‬‬

‫جنعي وحيدة؛ وسهيلة ملقدم‪.‬‬


‫شكر وعرفان‪:‬‬

‫احلمد هلل املتفضل علينا بنعمة العلم والسري يف سبيل حتصيله؛ القائل يف كتابه‬
‫العزيز‪َ ":‬وإِ ْذ تَأَذَّ َن َربُّ ُك ْم لَئِ ْن َش َك ْرتُ ْم ََلَ ِزي َدنَّ ُك ْم" سورة إبراهيم‪ :‬اآلية‪.7:‬‬

‫فالشكر كله هلل عز وجل؛ على وافر نعمه‪ ،‬وحنمد ععا ى على عونه وعيسري إاما‬
‫هذا البحث‪ ،‬ونسأله جل جالله أن يرزقنا صالح النية والسداد يف القول والعمل‪.‬‬

‫مث نثين الثناء اجلزيل للوالدين الكرميني على دعائهما وعشجيعهما املتواصل على طلب‬
‫العلم‪ ،‬فنسأل اهلل عز وجل أن يلبسهم لباس الصحة والعافية ويبارك يف أعمارهم‪.‬‬

‫والشكر املوصول ألستاذنا املشرف على البحث؛ لدكتور‪" :‬باي أحمد عامر" الذي‬
‫عفضل بقبول اإلشراف على مذكرعنا‪ ،‬والذي قد لنا جمهودا كبريا ‪ ،‬بإرشاداعه القيمة‬
‫ومالحظاعه الدقيقة‪ ،‬بارك اهلل له يف علمه وعمله‪.‬‬

‫وال يفوعنا أن نرفع برقيات الشكر والثناء إ ى كل من ساعدنا ولو بالقليل من األساعذة‬
‫الكرا ؛ يف سنوات الدراسية السابقة يف اجلامعة‪ ،‬واألصدقاء الذين وقفوا جبانبنا فجزاهم اهلل‬
‫عنا خري اجلزاء‪.‬‬
‫ملخص البحث‪:‬‬

‫عناولنا يف حبثنا لرسالة املاسرت املوسومة بعنوان‪ :‬مالمح الرؤية الكونية اإلسالمية عند الشيخ حممد‬
‫الغزايل (ت‪ ،) 7997‬حيث عطرقنا فيها للرؤية الكونية لشخصية مهمة يف العامل اإلسالم من خالل‬
‫أبرز مؤلفاعه اليت عاجلت هذا املوضوع بشكل مباشر كعقيدة املسلم‪ ،‬واحملاور اخلمسة للقرآن الكرمي‪،‬‬
‫ونظرات يف القرآن‪ ،‬واجلانب العاطف يف اإلسال ‪ ...‬وقد حاولنا ابرز علك الرؤية يف حماورها األساسية‬
‫الثالثة‪ :‬اهلل خالق الكون‪ ،‬واإلنسان‪ ،‬والكون‪.‬‬
‫أوالا‪ :‬فيما خيص رؤيته الكونية هلل ععا ى‪ ،‬فقد عمل مربهنا ومثبتا لوجود اهلل ععا ى‪ ،‬ورادا على‬
‫امللحدين ما زعموا من نف وجود ‪ .‬وقد األدلة العقلية والنقلية املثبتة لوحدانيته ونف الشريك عنه‪،‬‬
‫وعنزيهه عن كل صفات النقص‪ ،‬وإثبات كل صفات كمال‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬فيما خيص رؤيته الكونية لإلنسان؛ فقد عناولناها يف عالقته مع اهلل؛ وما يستوجب عليه من‬
‫عوحيد خالص‪ ،‬وختليصه فكر من املفاهيم الشركية الزائغة‪ ،‬والعقائد الزائفة اليت انتشرت يف الديانات‬
‫احملرفة والباطلة‪ ،‬والرد على الفلسفات مبا فيها املادية واجلدلية‪ ،‬وال يتأعى ذلك إال بامتثال األوامر الشرعية‬
‫واجتناب نواهيه‪ ،‬فقد كر اهلل اإلنسان وسخر له املخلوقات من أجل خدمته‪ ،‬باعتبار كائن مفضل‬
‫ومكر ‪ ،‬خلقه بيد وأعلى مقامه على سائر خلقه‪ ،‬كما خصه بأن نفخ فيه من روحه‪ ،‬وكلفه بالوظيفة‬
‫العظيمة اليت خلق من أجلها‪ ،‬أال وه عبادعه هلل ععا ى‪.‬‬

‫مث عطرقنا لعرضه ألصل خلقه‪ ،‬وحسن عقوميه من عراب‪ ،‬مث اإلجابة األسئلة الوجودية املتعلقة‬
‫باإلنسان؛ من أين وجد؟ وملاذا وجد؟ وإ ى أين مآله؟ ويف عالقته مع نفسه يف ثنائية الروح واجلسد‪،‬‬
‫ليؤدي وظيفته االستخالفية‪ ،‬وما يتبعها من حتقيق عمارة األرض معنويا وماديا‪.‬‬

‫ثالث ا‪ :‬مث نتناول الرؤية الكونية له للكون‪ ،‬القائمة على أن اهلل سبحانه خلقه وخلق ما فيه من حيوان‬
‫ونبات ومجاد‪ ،‬فالرؤية الكونية جتيب من وجهة نظر اإلما عن؛ خلق الكون ووظيفيته ومصري ‪ ،‬كما‬
‫أوضحته النصوص الشرعية اليت استقاها الغزايل من املصادر اإلسالمية املتمثلة أساسا يف القرآن الكرمي‬
‫واألحاديث النبوية الشريفة‪.‬‬

‫الكلمات المفتاحية‪ :‬الرؤية الكونية اإلسالمية‪ ،‬اهلل‪ ،‬اإلنسان‪ ،‬الكون‪ ،‬حممد الغزايل‪.‬‬
Abstract

In our research, we dealt with the Master’s Thesis entitled: Features of the
Islamic Cosmic Vision of Sheikh Muhammad al-Ghazali (d. 1997 CE), in which we
dealt with the cosmic vision of an important figure in the Islamic world through his
most prominent books that dealt with this topic directly, such as the Muslim’s creed,
the five axes of the Holy Qur’an, and looks at The Qur’an, and the emotional aspect in
Islam ... We have tried to highlight this vision in its three main axes: God is the
Creator of the universe, mankind, and the universe.
First: With regard to his cosmic vision of God Almighty, he worked as a proof
and proof of the existence of God Almighty, and as a reference to the atheists what
they claimed to deny his existence. And he provided the mental and mental evidence
proving his oneness and the exile of the partner from him, his distancing from all the
characteristics of deficiency, and the proof of all the qualities of perfection.
Second: With regard to his universal vision of man; We have dealt with it in his
relationship with God. And what is required of him from pure unification, and ridding
him of his thought from the erratic polytheistic concepts, the false doctrines that have
spread in distorted and invalid religions, and the response to philosophies, including
materialism and dialectic, and that does not happen except by obeying the Sharia
commands and avoiding his prohibitions, God honored man and mocked creatures for
him His service, as a preferred and honorable being, created him with his hand and
gave him the highest standing over the rest of his creation, as well as singled out him
by breathing into him his soul, and entrusting him with the great job for which he was
created, namely his worship of God Almighty.
Then we dealt with his presentation of the origin of his creation, and straightened
him well from dust, and then answered the existential questions related to man. Where
was it found? And why was he found? And where is its destination? And in his
relationship with himself in the dualism of soul and body, in order to perform its
deductive function, and what follows it in achieving the architecture of the earth,
morally and financially.
Third: Then we deal with his cosmic vision of the universe based on the fact that
God Almighty created him and created the animal, plant and inanimate objects in it,
so the cosmic vision answers from the Imam’s point of view: The creation, function
and destiny of the universe, as explained by the legal texts that Al-Ghazali gleaned
from the Islamic sources represented mainly in the Noble Qur’an and the noble
hadiths of the Prophet.
Key words: Islamic cosmic vision, God, man, universe, Muhammad al-
Ghazali.
‫قائمة المختصرات‬

‫المعنى‬ ‫الرمز‬
‫صفحة‬ ‫ص‬
‫جزء‬ ‫ج‬
‫هجري‬ ‫ه‬
‫ميالدي‬
‫دون طبعة‬ ‫دط‬
‫دون عاريخ‬ ‫دت‬
‫مقدمة‬
‫مقدمة‬
‫مقدمة‬

‫احلمد هلل رب العاملني الذي أرسل رسوله باهلدى ودين احلق‪ ،‬فجعله شاهدا ومبشرا‬
‫ونذيرا‪ ،‬وداعيا إ ى اهلل بإذنه وسراجا منريا‪ ،‬وجعل فيه األسوة احلسنة ملن كان يرجو اهلل واليو‬
‫اآلخر وذكر اهلل كثريا‪ ،‬وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا حممد‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن‬
‫عبعهم بإحسان إ ى يو الدين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫جاء القرآن الكرمي متضمنا ومبينا للرؤية الكونية اإلسالمية اليت غريت كليا نظرة‬
‫اإلنسان للوجود وأعطت حلياعه معىن جديد‪ ،‬يتمايز عن معتقداعه القدمية يف عصور اجلاهلية‪،‬‬
‫وما عبعها من امتداد للعصور احلالية‪ ،‬وقد امحور املنظور الكوين القرآين على عناصرها الثالثة‪:‬‬
‫اهلل‪ ،‬العامل أو الكون‪ ،‬اإلنسان‪.‬‬

‫التعريف بالموضوع‪:‬‬

‫إن الفطرة اإلنسانية جبلت على حب املعرفة واالطالع والبحث الدائم عن مصدر‬
‫وجودها‪ ،‬وطبيعة احلياة اليت عالئمها‪ ،‬والشغف مبعرفة مصريها‪ ،‬وليتمكن اإلنسان من وجود‬
‫هويته احلقيقة‪ ،‬وحل االستفها املعريف من أين؟ وإ ى أين؟ يف ظل الرؤية الكونية اإلسالمية‬
‫وعسهل عليه فهم ماهيته يف هذا الكون‪ ،‬وععطيه‬‫اليت جتيب عن كل عساؤالت اإلنسان‪ٌ ،‬‬
‫عصورا سليما عن مصدر وجود ‪ ،‬ومصري ‪ ،‬وعالقته باهلل والكون‪ ،‬ومن العلماء املعاصرين‬
‫الذين كان هلم اهتما بالعقيدة اإلسالمية ‪ ،‬وبيان جوانب الرؤية الكونية؛ اإلما حممد الغزايل‬
‫رمحه اهلل ععا ى (ت‪ ،) 7997‬وقد كان له اسها كبري يف إيضاحها يف مقابل الرؤى الكونية‬
‫املختلفة‪ ،‬والفلسفات املتعددة‪ ،‬وحبثنا هو حماولة للوقوف عند أبرز مالمح الرؤية الكونية‬
‫اإلسالمية من خالل آثار وكتابته الكثرية‪.‬‬

‫أهمية الموضوع‪:‬‬

‫يكتسب املوضوع أميته يف اجالء يف إيضاح الرؤية الكونية عند الشيخ الغزايل رمحه اهلل‬
‫ععا ى‪ ،‬وميكن إمجاهلا يف النقاط اآلعية‪:‬‬

‫أ‬
‫مقدمة‬

‫أ‪ -‬أمية بيان مالمح الرؤية الكونية لإلما حممد الغزايل‪ ،‬حيث أظهر من اآليات‬
‫واألحاديث املرعبطة ببداية الكون ونشأعه‪ ،‬وضبط العالقة بينه وبني اإلنسان املسلم ليحقق‬
‫عوحيد اهلل ععا ى‪ ،‬وبوجود ومكانته يف الكون لتسخري له وارعباطه به مصريا‪ ،‬جميبا على‬
‫األسئلة الوجودية من أين؟ وإ ى أين؟ وملاذا؟‬
‫ب‪ -‬الوقوف على الرؤية الكونية اإلسالمية من منظور عقائدي‪ ،‬عشريع ‪ ،‬عقل مظهرا‬
‫حماسنها وفضلها على سائر الرؤى الكونية املختلفة‪ ،‬ودعوة املسلمني للتمسك هبا‪ ،‬ودعوة‬
‫اآلخر غري املسلم للدخول يف اإلسال ‪ ،‬مع استثمار للعلو والفلسفات احلديثة‪ ،‬وجبعل‬
‫التحديات جماال للبحث والتفكر واإلبداع‪ ،‬وإلجياد حلول عاجلة ملا ععانيه البشرية اليو من‬
‫انتكاسة أخالقية‪ ،‬وفقر وجهل ومرض مبنهج علم ديين أصيل‪ ،‬ولتفتح آفاق علمية حبثية‬
‫جديدة من جتديد يف الدراسات العقدية‪.‬‬

‫ج‪ -‬العناية بإظهار اجلهود املعرفية واإلبداع الفكري للشيخ حممد الغزايل يف رؤيته للكون‪ ،‬ومبا‬
‫اميزت به إضافته للرؤية الكونية اإلسالمية‪ ،‬ومبا حتمله من دالالت إميانية وعربوية من األداء‬
‫الوظيف لإلنسان‪ ،‬والقيا بواجبه اإلستخاليف والتعمريي‪ ،‬فهو خليفة اهلل يف األرض حمققا‬
‫العبودية هلل عز وجل‪ ،‬مستثمرا طاقاعه املادية واملعنوية ألجل حتقيق وجود األمثل‪ ،‬مستفيدا‬
‫من خريات األرض يف ظاهرها وباطنها‪ ،‬يف طريق سري ومسؤوليته إ ى مصري يو امليعاد‪.‬‬

‫اإلشكالية‪:‬‬

‫يسعى البحث إ ى اإلجابة عن اإلشكالية اآلعية‪:‬‬

‫ما هي مالمح الرؤية الكونية اإلسالمية في فكر الشيخ محمد الغزالي؟‬

‫ويندرج حتت هذا السؤال الرئيس أسئلة فرعية وه ‪:‬‬

‫‪-‬فيما امثلت رؤية الشيخ حممد الغزايل لوجود اخلالق وصفاعه ؟‬

‫‪-‬ما ه الرؤية الكونية لإلنسان يف فكر الشيخ حممد الغزايل؟ وما أثرها على اإلنسان‬
‫وجودا ووظيفة ومصريا ؟‬
‫ب‬
‫مقدمة‬

‫‪-‬وماه رؤيته الكونية للكون خلقا ومصريا؟ ‪-‬ما أثرها على حياة اإلنسان وآفاقها؟‬

‫أهداف الموضوع‪:‬‬

‫نسعى إ ى حتقيق مجلة من األهداف أمها‪:‬‬

‫أ‪-‬الوقوف على أهم األثار املرجوة من الرؤية الكونية اإلسالمية وفق عصور حممد الغزايل‪،‬‬
‫وإبرازها كما طرحها‪.‬‬

‫ب‪-‬الوقوف على أهم مالمح الرؤية الكونية عند حممد الغزايل بكوهنا ختتلف عن الرؤى‬
‫املختلفة يف الديانات السماوية األخرى كاليهودية واملسيحية والفلسفات احلداثية والوجودية‪،‬‬
‫وإظهار أفضليتها وحفاظها على املراد اإلهل هلا يف إطار الفهم النبوي الشريف‪ ،‬مبنهج دعوي‬
‫علم معاصر‪ ،‬مع الوقوف على عصور يف أركاهنا‪ ،‬وأهم ميزاهتا وعالقته باهلل واإلنسان‬
‫والكون‪.‬‬

‫الدراسات السابقة‪:‬‬

‫لقد حظيت مؤلفات الشيخ حممد الغزايل رمحه اهلل ععا ى باهتمامات كثرية ودراسات‬
‫أكادميية ويف جمملها رسائل أو مذكرات قُدمت يف جامعات عاملية مرموقة منها جامعات‬
‫اجلزائر‪ ،‬لكن من خالل حبثنا على هذا املوضوع؛ مل نقف على حبث أكادمي فيما علمنا‪ ،‬وال‬
‫كتاب بعينه يتناوله فيما خصص له هبذا العنوان‪ ،‬ومل نقف إال يف بعض جزئياعه فيما يتعلق‬
‫مبالمح الرؤية الكونية اإلسالمية عند اإلما الغزايل‪ ،‬ولرمبا يكون حبثنا هو األول يف جامعة‬
‫الوادي‪.‬‬

‫لكن موضوع الرؤية الكونية بعمومه ‪ ،‬عناوله العديد من الباحثني املعاصرين منهم‪:‬‬

‫‪-7‬الكتب‪:‬‬

‫أ‪-‬الرؤية الكونية الحضارية القرآنية‪ ،‬املنطلق األساس لإلصالح اإلنساين‪ ،‬أ‪.‬د‪ .‬عبد‬
‫احلميد أبو سليمان‪ ،‬دط‪ ،‬دن‪7289 / 8002 ،‬ه‪.‬‬

‫ج‬
‫مقدمة‬

‫اعترب فيها أن قضية الرؤية الكونية قضية مصريية ألي إنسان ألهنا ذاعه وعرعبط بوجود ‪،‬‬
‫ومعىن هذا الوجود‪ ،‬وغايته ودافعيته‪ ،‬وبقدر سالمة هذ الرؤية وإجيابياهتا الروحانية‪ ،‬فه‬
‫ععطيه دافعية التعمري لبناء احلضارة وحتقيق معىن احلياة‪ ،‬والغاية الفطرية السامية منها‪ ،‬فه‬
‫سبب حتضر األمم وختلفها‪ ،‬فقد عتبع مسارها عارخييا وذكر ما ععانيه اليو من عشويش‬
‫للمفاهيم الستعادة األمة اإلسالمية جمدها من جديد‪ ،‬لكن ما يؤاخذ على هذ الدراسة‬
‫إماله احلديث عن التحديات الواقعية املعاصرة للمسلمني‪ ،‬من فلسفات غربية؛ كاحلداثة‬
‫وعأثرهم بأديان خمتلفة‪ ،‬ولالختالف احلاصل يف البيئات املتعددة‪.‬‬

‫ب‪-‬الرؤية الكونية التوحيدية‪ ،‬آية اهلل الشهيد مرعضى املطهري‪ ،‬عرمجة‪ :‬حممد عبد املنعم‬
‫اخلاقاين‪ ،‬ط‪ ،8‬نشر معاونية العالقات الدولية يف منظمة اإلعال اإلسالم ‪ ،‬طهران‪ ،‬إيران‪،‬‬
‫‪7209‬ه‪. 7929/‬‬

‫فه دراسة عقدية عناولت جوانب التعريف بأنواع الرؤى الكونية ؛ كالعلمية والفلسفية‬
‫والواقعية‪ ،‬وكذا الدينية‪ ،‬قد فصل املطهري رؤيته الكونية يف ظالل التوحيد‪.‬‬

‫‪-8‬الرسائل‪:‬‬

‫أ_ رسالة ماسرت يف العلو اإلسالمية‪ ،‬ختصص عقيدة‪ ،‬للطالبة‪ :‬بن موسى كرمية‪ ،‬الرؤية‬
‫الكونية عند توشيهيكيو إيزوتسو من خالل كتاب‪ :‬اهلل واإلنسان في القرآن‪ ،‬جامعة‬
‫الشهيد محه خلضر‪ ،‬معهد العلو اإلسالمية‪ ،‬الوادي‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬حتت إشراف‪ :‬د‪ .‬زهري بن‬
‫كتف ‪7220-7249/ 8079-8072 ،‬ه‪.‬‬

‫كانت الدراسة حول الفكر الياباين واهتمامه باإلسال ‪ ،‬مع عرمجة موجزة للمؤلف الذي‬
‫أسلم (ت‪ ،) 7994‬والوصف الداخل واخلارج للكتاب‪ ،‬وحتدثت عن رؤيته الكونية‬
‫القرآنية مفهومها ومبادئها‪ ،‬مسالكها وخصائصها مع ذكر ملفهومها وبعض إشكاالهتا‬
‫ومبادئها‪ ،‬وقد حوت على حدود الرؤية وأفاقها مع نقدها وعقييمها‪ ،‬فه املخرج ملا عتخبط‬
‫فيه اإلنسانية احلديثة‪ ،‬وحتدثت عن حماولته جتديد علم الكال ‪ ،‬فه دراسة معاصرة عرد‬

‫د‬
‫مقدمة‬

‫بشكل مباشر على الفكر الغريب من حداثة غربية برؤيتها الكونية اليت أدت إ ى انتكاسات‬
‫جسدهتا احلضارة املعاصرة من ختبط يف العدمية وفقدان للوجهة‪.‬‬

‫ب‪-‬رسالة ماسرت يف العلو اإلسالمية‪ ،‬ختصص عقيدة‪ ،‬للطالب‪ :‬بلخري عليل ‪ ،‬الرؤية‬
‫القرآنية لآليات الكونية " البحر أنموذجا"‪ ،‬جامعة الشهيد محه خلضر‪ ،‬معهد العلو‬
‫اإلسالمية‪ ،‬الوادي‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬حتت إشراف‪ :‬د‪ .‬خالد حباس ‪-7249/ 8079-8072 ،‬‬
‫‪7220‬ه‪.‬‬

‫لقد اميزت دراسته بعرض الرؤية القرآنية اليت جاء هبا البيان القرآين؛ بتناول األبعاد الستة‬
‫للبحر البُعد‪ :‬اللغوي‪ ،‬العقدي‪ ،‬التشريع ‪ ،‬التسخريي‪ ،‬الصويف واإلعجازي‪ ،‬مث عرج على ذكر‬
‫واجب اإلنسان مع البحر‪ ،‬وذكر كنهه وحقيقته؛ ليحسن واجب شكر التسخري يف التعامل‬
‫معه‪ ،‬باالستفادة املباحة‪ ،‬ومنع الفساد فيه‪ ،‬ويثمر حسن التدبر يف ذلك املخلوق الكوين‬
‫العظيم‪ ،‬ععظيم اخلالق وعوحيد ‪ ،‬ويرسخ مفهو الرؤية التوحيدية‪.‬‬

‫أما عن موضوع دراستنا فهو يتقاطع مع هذ الدراسات يف زوايا معينة‪ ،‬خمصصا الدراسة‬
‫يف آثار الشيخ حممد الغزايل‪ ،‬ومستفيدا مما سبق من لك الدراسات‪ ،‬ومدعما لرؤيتهم الكونية‬
‫اإلسالمية يف إنقاذها للبشرية مما عتخبط فيه‪.‬‬

‫أسباب اختيار الموضوع‪:‬‬

‫أذكر أمها بإمجال فه ععود إ ى جانبني جوهريني أوهلما‪:‬‬

‫الجانب الموضوعي‪ :‬ويتمثل يف كون الدراسات يف الرؤية الكونية لإلما الغزايل مما حتتاجه‬
‫الساحة العلمية‪ ،‬يف إطار البحوث املبذولة يف حمور الرؤية الكونية اإلسالمية‪ ،‬إلجابتها على‬
‫عساؤالت بشرية مقلقة طُرحت وال عزال ‪ ،‬حول وجود اإلنسان‪ ،‬وما يتطلبه الواجب‬
‫االستخاليف؛ من واجبات مع النفس بني أداء حلقوقها أو عفريط يف واجباهتا‪ ،‬وواجبات جتا‬
‫اخلالق بالبعد عن املعصية والتزا طاعته‪ ،‬ومع الكون بني عطور حضاري أو ختلف‪.‬‬

‫ه‬
‫مقدمة‬

‫وثانيهما الجانب الذاتي‪ :‬وهو االستفادة من اجلهد التجديدي للشيخ يف رؤيته الكونية‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وععبريا عن حمبتنا له ورغبتنا يف إطالع القارئ الكرمي ملذكرعنا عليه ومعرفة زاد‬
‫العلم وإرثه املعريف الذي عركه لنا‪.‬‬

‫منهج البحث‪:‬‬

‫لإلجابة على إشكالية حبثنا استوجب علينا االعتماد على مجلة من املناهج العلمية‬
‫األكادميية اليت فرضتها علينا طبيعة الدراسة وه كاآليت‪:‬‬

‫منها المنهج االستقرائي‪ :‬الذي استهدفنا من خالله مجع شتات املادة العلمية يف مظان‬
‫كتبه الكثرية‪ ،‬يف حماور الرؤية الكونية‪.‬‬

‫والمنهج الوصفي التحليلي‪ :‬استخدمنا للوقوف على إبراز أهم صفات ومالمح الرؤية‬
‫الكونية عند اإلما خاصة يف عرض اهتمامه بالكتاب والسنة‪ ،‬مث حتليل خمتلف اإلجتهادات‬
‫وبيان آثارها‪ .‬وإبراز النتائج احملصلة والتعليق عليها لنقف فهما وعفسريا واستنباطا‪.‬‬

‫ضوابط الدراسة‪:‬‬

‫فقد جلأنا إ ى عدد منها يف إيضاح مالح رؤية اإلما الكونية فقد كانت على النحو‬
‫التايل‪:‬‬

‫أ‪ -‬بالتعريف مبصطلحات العنوان مع التمهيد للمباحث واملطالب‪ ،‬وعوثيق املعاين اللغوية‬
‫من املعاجم املعتمدة‪ ،‬وبالرتمجة لبعض األعال ؛ اخلاد ععريفها ملوضوع البحث‪.‬‬
‫ب‪ -‬أما يف عدوين اآليات فقد اعتمدنا على رواية ورش بن نافع من مصحف املدينة بالرسم‬
‫العثماين‪ ،‬مع ذكر السورة وجبانبها رقم اآلية‪ .‬أما ختريج األحاديث النبوية فباإلحالة إ ى‬
‫مصادرها بذكر الراوي والسند والتعليقات‪.‬‬

‫و‬
‫مقدمة‬

‫ج‪ -‬وعمدنا إ ى عوثيق املصادر واملراجع يف احلاشية بذكر املؤلف‪ ،‬والعنوان مث رقم الطبعة‪،‬‬
‫واملكان‪ ،‬ودار النشر مث عارخيه‪ ،‬ويل ذلك رقم الصفحة‪ ،‬مع مراعاة الفروق واإلضافات‬
‫كالتحقيق واألجزاء‪.‬‬

‫صعوبات الموضوع‪:‬‬

‫نذكر من أهم الصعوبات اليت واجهتنا أثناء إعداد البحث ه ‪:‬‬

‫أ‪ -‬نظرا لقلة الدراسات األكادميية املتعلقة بدراسة الرؤية الكونية اإلسالمية عموما‪ ،‬وعند‬
‫الشيخ حممد الغزايل رمحه اهلل ععا ى خاصة حبيث مل يتطرق أحد إليها فيما علمنا ووصلنا‪ ،‬مما‬
‫جعل حبثنا يباشر هذا املوضوع ألول مرة‪.‬‬
‫ب‪ -‬شح املصادر واملراجع اليت ختد املوضوع مباشرة وعد عنوعها من مؤلفات الشيخ حممد‬
‫الغزايل وهذا ما شكل لنا صعوبة لكون الدراسة حديثة‪ ،‬مما جعلنا نعمد إ ى استقصاء أفكار‬
‫منها لكونه مل يفردها مبؤلف مباشر هلا‪ ،‬فكان حبثنا مجعا ملتفرق يف مؤلفاعه ومقاالعه‪.‬‬

‫ز‬
‫مقدمة‬

‫خطة البحث وحدوده‪:‬‬


‫لعرض معلومات الدراسة بشكل منهج وسليم فقد سرنا وفق خطة املنهجية املقسمة‬
‫كاآليت‪:‬‬

‫المبحث التمهيد‪ :‬تضمن مفهوم الرؤية الكونية اإلسالمية وحياة الشيخ محمد الغزالي‪.‬‬
‫المطلب اَلول‪ :‬مفهو الرؤية الكونية اإلسالمية‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬حياة حممد الغزايل الشخصية والعلمية‪.‬‬

‫المبحث اَلول‪ :‬الرؤية الكونية اإلسالمية في اهلل عز وجل عند الشيخ محمد الغزالي‪.‬‬
‫المطلب اَلول‪ :‬وجود اخلالق‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬وحدانية اخلالق‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬كمال اهلل وعنزيهه‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬أثر الرؤية الكونية هلل على اإلنسان‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الرؤية الكونية اإلسالمية في اإلنسان عند الشيخ محمد الغزالي‪.‬‬
‫المطلب اَلول‪ :‬بدء اإلنسان‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬طبيعة اإلنسان‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬وظيفة اإلنسان‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬مصري اإلنسان‪.‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬أثر الرؤية الكونية اإلنسان على حياعه‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬الرؤية الكونية في الكون عند الشيخ محمد الغزالي‪.‬‬


‫المطلب اَلول‪ :‬وجود الكون وخصائصه يف فكر الشيخ الغزايل‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬وظيفة الكون وخصائصه يف فكر الشيخ الغزايل‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬هناية الكون وخصائصه يف فكر الشيخ الغزايل‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬أثر الرؤية الكونية للكون عليه‪.‬‬

‫الخاتمة‪.‬‬
‫ح‬
‫المبحث التمهيدي‬

‫المبحث التمهيدي‪ :‬مفهوم الرؤية الكونية اإلسالمية‬


‫وحياة الشيخ محمد الغزالي‪.‬‬

‫المطلب اَلول‪ :‬مفهوم الرؤية الكونية اإلسالمية ومصطلحاتها‪.‬‬


‫الفرع اَلول‪ :‬مفهوم الرؤية لغة واصطالحا‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مفهوم الكون لغة واصطالحا‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬مفهوم الرؤية الكونية اإلسالمية‪.‬‬

‫الشخصية والعلمية‪.‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬حياة الشيخ محمد الغزالي‬


‫الفرع اَلول‪ :‬مولد ونشأة الشيخ محمد الغزالي‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬المسار العلمي للشيخ محمد الغزالي‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬اآلثار العلمية للشيخ محمد الغزالي‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫المبحث التمهيدي‬

‫المبحث التمهيدي‪ :‬مفهوم الرؤية الكونية اإلسالمية وحياة الشيخ محمد الغزالي‪.‬‬

‫إن كل مدرسة فكرية أو عقدية يتبناها الناس عقو حتما على أساس نظرة وعفسري‬
‫للكون وللعامل وللوجود واملصري للمبدأ واملنتهى‪ ،‬وهذا األساس يُصطلح عليه بعنوان " التصور‬
‫أو الرؤية الكونية "‪.‬‬
‫إن مجيع األديان واملذاهب وكل املدراس الفكرية والفلسفية واالجتماعية عستند إ ى رؤية‬
‫كونية خاصة هبا‪ ،‬واألهداف اليت عطرحها مدرسة معينة وعدعو إ ى حتقيقها والطريق الذي‬
‫عرمسه والواجبات واحملظورات اليت عضعها واملسؤوليات اليت عفرضها كلها نتائج التصور الذي‬
‫عتبنا علك املدرسة جتا الوجود واحلياة‪ ،‬بالرغم من أن مفهو الرؤية الكونية يتخلل خمتلف‬
‫حقول وأنساق املعرفة اإلنسانية من فلسفة وعلو اجتماعية وطبيعة وفنون ومجاليات وعلو‬
‫عطبيقية وغريها‪ ،‬يبد أن الدارس يلحظ املكانة املركزية اليت حيتلها الدين يف بلورة وبناء الرؤى‬
‫الكونية خاصة الدين اإلسالم ‪.‬‬
‫من هنا نسعى ضمن هذا املطلب إ ى عقدمي نظرة إمجالية حول مصطلح الرؤية الكونية‬
‫يف إطار عوظيفه الفلسف والعقدي‪ ،‬وخاصة الديين عند الشيخ حممد الغزايل رمحه اهلل ععا ى‪.‬‬

‫المطلب اَلول‪ :‬مفهوم الرؤية الكونية اإلسالمية ومصطلحاتها‪.‬‬

‫قبل التطرق إ ى هذ املسألة العلمية سنحاول التعريف مبفهومها من الناحية اللغوية‬


‫بتمييز كل لفظة لوحدها‪ ،‬مث نعرفها من الناحية االصطالحية‪ ،‬كما سنحاول عوضيح بعض‬
‫اإلشكاالت اليت عرعبط هبذا املفهو ‪ ،‬وامييز الرؤية الكونية اإلسالمية عن بقية الرؤى األخرى‪،‬‬
‫وسنالحظ من خالل عرضنا لتعريفاهتا‪ ،‬أهنا ختتلف باختالف املنطلقات والزوايا؛ املنظور من‬
‫خالهلا إليها‪.‬‬

‫الفرع اَلول‪ :‬مفهوم الرؤية‪.‬‬

‫الرؤية في اللغة‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬

‫الرؤية‪ ،‬بالضم‪ :‬إدراك املرئ ‪ ،‬وهلا أربعة معاين‪:‬‬


‫ُ‬

‫‪3‬‬
‫المبحث التمهيدي‬

‫اَلول‪ :‬النظر بالعني اليت ه احلاسة‪ ،‬وما جيري جمراها‪ ،‬قال اهلل ععا ى‪( :‬وقل اعملوا فسريى‬
‫اهلل عملكم ورسوله)‪ 1،‬وهو فإنه مما جيرى جمرى الرؤية باحلاسة‪ ،‬فإن احلاسة ال عصح على اهلل‬
‫‪2‬‬
‫ععا ى‪ ،‬ودليل على ذلك قوله ععا ى‪( :‬يراكم هو قبيه من حيث ال عروهنم)‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬الوهم والتخيل مثل‪ :‬أرى أ َن زيدا منطلق‪،‬‬

‫إين أرى ما ال عرون)‪. 3‬‬


‫الثالث‪ :‬بالتفكري مثل‪َ ( :‬‬
‫‪5‬‬
‫الرابع‪ :‬النظر بالقلب أي؛ بالعقل‪ 4،‬وعلى ذلك قوله ععا ى‪( :‬ما كذب ال َفؤ ُاد ما (رأى))‪،‬‬
‫يقال رأيته بعيين رؤية ورأيته رأي العني أي حيث يقع البصر عليه‪.6‬‬

‫رأى الرؤية بالعني عتعدى إ ى مفعول واحد ومبعىن العلم عتعدى إ ى مفعولني‪ :‬يقال رأى‬
‫زيدا عاملا ورأى رأيا ورؤية راية وقال ابن سيد ‪ :‬الرؤية النظر بالعني والقلب‪ 7،‬وه ما يُرى يف‬
‫النو ‪ ،‬وه املشاهدة بالبصر حيث كان‪ ،‬أي؛ يف الدنيا واآلخرة‪ 8،‬واحلاصل مما ذُكر أن‬
‫املدلول اللغوي هلا هو املشاهدة والنظر وحنوما سواء بالعني احلاسة املبصرة أو العقل أو‬
‫القلب أو ما كان من األوها ‪.‬‬

‫ب‪-‬الرؤية في االصطالح‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة التوبة‪ :‬اآلية ‪.701‬‬


‫‪ - 2‬سورة األعراف‪ :‬اآلية ‪.82‬‬
‫‪ - 3‬سورة األنفال‪ ،‬اآلية‪.22 :‬‬
‫حممد بن حممد أبو الفيض امللقب ب‪ :‬مرعضى الزبيدي‪ ،‬دط‪ ،‬دار اهلداية‪،‬‬
‫‪ - 4‬عاج العروس من جواهر القاموس‪َ ،‬‬
‫دت‪ ،‬ص‪ ،42‬ص‪.704‬‬
‫‪ - 5‬سورة النجم‪ :‬اآلية‪.74 :‬‬
‫‪ - 6‬أبو الفضل مجال الدين ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ج‪ ،72‬ط‪ ،4‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪7272 ،‬ه‪ ،‬ص‪.891‬‬
‫‪ - 7‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،72‬ص‪.899-897‬‬
‫‪ - 8‬عل بن حممد السيد الشريف اجلرجاين‪ ،‬معجم التعريفات‪ ،‬عح‪ :‬حممد الصديق املنشاوي‪ ،7 ،‬دط‪ ،‬د ‪ ،‬دار‬
‫الفضيلة‪ ،‬دت‪ ،‬ص‪.278‬‬
‫‪4‬‬
‫المبحث التمهيدي‬

‫من خالل عتبع املفهو اللغوي للرؤية فإنه من الواضح أ َن املدلول االصطالح لــها‬
‫خيتلف باختالف ما عتعلق به عارة وموطن حبثها عارة أخرى‪ ،‬وملا كانت حمل الدراسة فه يف‬
‫البعد الفكري والعلم بالنسبة لإلنسان – كما سيتضح – فإن املراد هبا‪ " :‬إدراك اإلنسان‬
‫اَلشياء على ما هي عليه في نظر المدرك "‪ 1،‬وه إدراك اإلنسان للمخلوقات وفق مراد‬
‫اخلالق‪ 2،‬وما نقصد يف هذا البحث من الرؤية‪ ،‬هو الرؤية الكونية من وجهة النظر اإلسالمية‬
‫هلل خالق الكون واإلنسان وعالقتهم ببعض‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مفهوم الكون‪.‬‬

‫أ‪-‬الكون في لغة‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫استقر "‪،‬‬
‫الكون‪ ،‬وهو" مصدر كان التامة؛ يقال‪ :‬كان يكون كونا؛ أي‪ :‬وجد و َ‬
‫وقيل‪ " :‬هو احلدث "‪ 4،‬كما يف لسان العرب وقيل‪" :‬هو مطلق الوجود العا "‪.5‬‬

‫الكون‪ :‬الكاف والواو والنون أصل يدل على اإلخبار عن حدوث ش ء‪ ،‬إما يف زمان‬
‫ماض‪ ،‬أو زمان راهن‪ ،‬يقولون‪ :‬كان الش ء يكون كونا "إذا وقع وحضر"‪ ،‬قال اهلل ععا ى‪:‬‬
‫(وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون)‪ 6‬أي؛‬
‫حضر وجاء‪ ،‬ويقولون قد كان الشتاء أي جاء وحضر‪ ،‬وأما املاض فقولنا "كان" زيدا أمريا‬

‫‪ -1‬عل العبود‪ ،‬الرؤية الكونية اإلهلية دراسة يف الدوافع واملناهج فلسفية كالمية عرفانية‪ ،‬نور للدراسات‪ ،‬ط‪،8‬‬
‫‪7244- 8078‬ه‪ ،‬ص‪.74‬‬
‫‪ - 2‬ععريف إجرائ ‪.‬‬
‫‪ - 3‬النهاية يف غريب احلديث واألثر‪ ،‬جمد الدين أبو السعادات املبارك بن حممد بن عبد الكرمي الشيباين اجلزري ابن‬
‫األثري‪ ،‬د ط‪ ،‬املكتبة العلمية‪ ،‬بريوت‪7499 ،‬ه‪ ،7929-‬ج ‪ ،2‬ص ‪.877‬‬
‫‪ - 4‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ط‪ ،2:‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ 7272 ،‬ه‪ ،‬ج‪ ،74‬ص‪.464‬‬
‫‪ -5‬إبراهيم مصطفى وأخرون‪ ،‬املعجم الوسط‪ ،‬حتقيق جممع للغة العربية‪ ،‬د ط‪ ،‬د ن‪ ،‬د ت‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.206‬‬
‫‪ - 6‬سورة البقرة‪ :‬اآلية ‪.820‬‬
‫‪5‬‬
‫المبحث التمهيدي‬

‫يريد أن ذلك كان يف زمان سالف‪ ،‬وقال قو ‪ :‬املكان اشتقاقه من كان يكون فلما كثر‬
‫‪1‬‬
‫عومت امليم أصلية فقيل امكن كما قالوا من املسكني امسكن‪.‬‬

‫والكون‪ :‬عند احلكماء مقابل الفساد‪ ،‬وقيل الكون والفساد يف عُرف احلكماء يطلقان‬
‫باالشرتاك على معنيني‪:2‬‬

‫اَلول‪ :‬حدوث صورة نوعية وزوال صورة نوعية أخرى‪ ،‬يعين أن احلدوث هو الكون‪،‬‬
‫والزوال هو الفساد‪،‬‬

‫والثاني‪ :‬الوجود بعد العد والعد بعد الوجود‪ ،‬وهذا املعىن أعم من األول‪.‬‬

‫والكون‪ :‬اسم ملا حدث ُدفعة كانقالب املاء هواء‪ ،‬فإن الصورة اهلوائية كانت ماء بالقوة‬
‫وخرجت منها إ ى الفعل دفعة‪ ،‬فإذا كان على التدرج فهو على احلركة‪ ،‬وقيل الكون‪ :‬حصول‬
‫الصورة يف املادة بعد أن مل عكن حاصلة فيها‪ ،‬وهو عبارة عن وجود العامل من حيث عامل‪ ،‬ال‬
‫من حيث أنه حق‪ ،‬وإن كان مرادفا للوجود املطلق العا عند أهل النظر‪ ،‬وهو مبعىن الكون‬
‫عندهم‪.3‬‬

‫وما يالحظ على املعاين اللغوية أنه يف جمملها عدل على احلدوث واخللق واإلجياد بعد‬
‫العد ‪.‬‬

‫ب‪-‬الكون في االصطالح‪:‬‬

‫‪ - 1‬أمحد فارس بن زكريا القزويين الرازي‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬عح‪ :‬عبد السال هارون‪ ،‬ج‪ ،1‬دط‪ ،‬د ‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫‪7499‬ه‪ ، 7979-‬ص ‪.722‬‬
‫‪ - 2‬حممد عل التهانوي‪ ،‬كشاف اصطالحات الفنون والعلو ‪ ،‬عح؛ رفيق العجم وعل دحروج‪ ،‬ج‪ ،8‬ط‪ ،7‬د ‪،‬‬
‫مكتبة لبنان‪ ، 7996 ،‬ص‪.7498‬‬
‫‪ -3‬عل بن حممد السيد الشريف اجلرجاين‪ ،‬معجم التعريفات‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.712‬‬
‫‪6‬‬
‫المبحث التمهيدي‬

‫عرفه عبد اجمليد النجار يف كتابه‪ :‬خالفة اإلنسان بني الوح والعقل إ ى ععريف مفردة‬
‫الكون على أنه‪" :‬هو ما سوى اهلل ععا ى من عناصر الكون مجيعا"‪ ، 1‬وعليه نقصد به كل‬
‫العناصر املادية واملعنوية لعامل الشهادة والغيب‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬مفهوم الرؤية الكونية اإلسالمية‪.‬‬

‫بناء على ما قدمنا من التعريفات اللغوية واالصطالحية فالبد من اإلشارة إ ى أن املراد‬


‫من "الرؤية" ليس "اإلحساس" بالكون أو العامل‪ ،‬بل املرادة هنا هو "املعرفة" فالرؤية الكونية‬
‫ليست رؤية بصرية ‪،‬بل ه إدراك عقل عميق متجذر؛ ويف ضوء هذا املعىن ستكون الرؤية‬
‫الكونية مرعبطة ارعباطا وثيقا مبشكلة "املعرفة"‪.‬‬

‫وهكذا أيضا بالنسبة إ ى مفردة "الكونية"‪ ،‬حيث ينبغ عد اخللط بينها وبني "الكوين"‬
‫وإن اشرتكا يف النسبة إ ى الكون؛ فالكوين يهتم بالبحث عن القوانني العامة للظواهر الكونية‬
‫على صعيد النشأة‪ ،‬وطبيعة العالقة بينها‪ ،‬وهو ما يعرف "بعلم الكون" بينما عرمز مفردة‬
‫‪2‬‬
‫"الكونية" إ ى عساؤل حول مبدأ وجود العامل‪.‬‬

‫وقد عُرب عنها بألفاظ متعددة كلها عدل على نفس املعىن عقريبا‪ :‬كالنظرة الشاملة‬
‫للعامل‪ ،‬والتصور الكل للوجود‪ ،‬أو النظرة إ ى العامل‪ ،‬والنظرة إ ى الكون‪ ،‬واملفهو الكل‬
‫للعامل‪ ،‬أو للوجود وهو ما يعرب عنه باأليديولوجيا‪.3‬‬

‫مصطلح رؤية كونية أو رؤية العامل مصطلح "بدأ يف الفلسفة األملانية‬


‫"‪ "welanschauuny‬ليدل على مفهو أساس مستخد يف هذ الفلسفة‪ ،‬ويشري إ ى‬

‫‪ - 1‬عبد اجمليد النجار‪ ،‬خالفة اإلنسان بني الوح والعقل‪ ،‬ط‪ ،8‬املعهد العامل للفكر اإلسالم ‪ ،‬الواليات املتحدة‬
‫األمريكية‪ ، 7994 ،‬ص‪.20‬‬
‫‪ -2‬مجيل صليبا‪ ،‬املعجم الفلسف ‪ ،‬دار الكتاب اللبناين‪ ،‬دط‪ ،‬بريوت لبنان‪ ،‬ج‪ ، 7928 ،8‬ج‪ ،8‬ص‪.822‬‬
‫‪ - 3‬حممد عق املصباح اليزدي‪ ،‬دروس يف العقيدة اإلسالمية‪ ،‬معرفة اهلل‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الرسول األكر ‪ ،‬بريوت لبنان‪،‬‬
‫‪7289- 8002‬ه‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.88‬‬
‫‪7‬‬
‫المبحث التمهيدي‬

‫طريقة اإلحساس وفهم العامل بأكمله‪ ،‬بالتايل ميثل اإلطار الذي يقو من خالله كل فرد‬
‫برؤية‪ ،‬عفسري العامل احمليط والتفاعل معه ومع مكوناعه ‪. 1 "...‬‬

‫األساس األول الذي عنطلق منه الصالت الوجودية املعطاة أما اإلنسان؛ إحساسه‬
‫بالظواهر احمليطة به‪ ،‬واخنراطه يف التعاط الطبيع معها‪ ،‬لكن كما هو معروف يف الوع‬
‫البشري‪ ،‬يستخد احلواس أكثر مما عفرض ه منطها عليه‪ ،‬وإال فبعض الفلسفات التجريبية‬
‫منطلقها وأصلها املعريف املولد‪ ،‬هو الواقع الذي يرتجم باحلواس املعرفية مهما ععمقت مصدرها‬
‫الطبيع املادي‪ ،‬يف حني أن املدرسة اميز بني اإلحساس بالكون ومعرفته‪.2‬‬

‫وما جيب أن نُنبه عليه ثانيا؛ هو أنه ال ينبغ أن خيتلط األمر علينا يف ععبري "الرؤية‬
‫الكونية " فنحملها على معىن " اإلحساس بالكون " وذلك بسبب استعمال كلمة " الرؤية"‬
‫املأخوذة من " النظر" الذي هو جزء من اإلحساس‪.‬‬

‫إمنا معىن "الرؤية الكونية" هو "معرفة الكون"‪ ،‬وهبذا املعىن فه عرعبط ارعباطا وثيقا‬
‫مبسألة املعرفة اليت ه من خمتصات اإلنسان‪ ،‬خبالف اإلحساس الذي يشرتك فيه اإلنسان‬
‫مع سائر األحياء‪ ،‬وهلذا كانت "معرفة الكون" من خمتصات اإلنسان ومن املواضع اليت عربط‬
‫بقوة العقل والتفكري‪ ،‬فكثري من احليوانات هلا إحساس عفوق فيها اإلنسان‪ ،‬مثل باصرة‬
‫العقاب وشامة الكلب والنملة‪ ،‬وسامعة الفأر‪ ،‬ولبعضها حواس يفتقدها اإلنسان‪ ،‬مثل حاسة‬
‫الرادار املوجودة يف بعض األحياء‪ .‬فاحليوانات حتس العامل فقط‪ ،‬أما اإلنسان فيحسه ويفسر‬
‫ويف واقعنا البشري قد ينظر جمموعة من األفراد إ ى ظاهرة معينة فيتلقوهنا عن طريق احلواس‬
‫لكن قسما منهم فقط يتجه إ ى عفسريها‪ ...‬عفسريا معينا أو عفسريات متنوعة‪.3‬‬

‫‪ - 1‬مقال على الشبكة‪ ،‬احلاج أومحنة دواق‪ ،‬يف مفهو الرؤية الكونية وضرورة مفهمة املعرفة املؤهلة نظريا‪ :‬الرابط‪:‬‬
‫‪ https : //www.mominoun.com/articles2305‬عاريخ الصفح‪ ،8080/2/47 :‬على الساعة‪:‬‬
‫‪ 72:40‬ظهرا‪.‬‬
‫‪ - 2‬املرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ -3‬مرعضى املطهري‪ ،‬الرؤية الكونية التوحيدية‪ ،‬ط ‪ ،8‬منظمة اإلعال اإلسالم ‪ ،‬معاونيه العالقات الدولية يف منظمة‬
‫االعال اإلسالم اجلمهورية اإلسالمية إيران‪ ،‬طهران‪7209 ،‬ه‪ ، 7929-‬ص‪( ،9‬بتصرف)‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫المبحث التمهيدي‬

‫ويف العامل العريب واإلسالم استخدمت العديد من االصطالحات اليت ععادل املصطلح‬
‫األملاين‪ "weltanschauung" :‬نظري "الرؤية الكونية" أو "النظرة إ ى العامل" أو "التصور‬
‫الكل للعامل" وغريها‪ ،‬وحنن يف هذا البحث سنعتمد مصطلح "الرؤية الكونية" ألنه األكثر‬
‫استعماال يف احملافل العلمية والفكرية‪ ،‬وبعد هذ املالحظات ميكننا أن نعرفها بأهنا‪ :‬التفسري‬
‫أو النظر إ ى العامل أو الكون أو الوجود فه ‪ :‬جمموعة من املعتقدات والنظريات الكونية‬
‫املتناسقة حول الكون واإلنسان جمموعة من سلوكه وأفعاله‪ ،‬بل الوجود بصورة عامة‪.1‬‬

‫ويعتمد كل واحد من األديان والشرائع واملبادئ والفلسفات االجتماعية على رؤية كونية‬
‫معينة‪ 2،‬إن مجيع األديان واملذاهب وكل املدارس الفكرية والفلسفية واالجتماعية عستند إ ى‬
‫رؤية كونية خاصة‪.3‬‬

‫مع أن هذا املصطلح حديث نسبيا بيد أن داللته ومفهومه قدميان‪ ،‬ومتجذران يف‬
‫العقلية اإلسالمية والفكر اإلنساين بشكل عا ‪.‬‬

‫إن أسئلة من قبيل‪ :‬من أنا؟ ومن أين جئت؟ وماذا أفعل يف هذا العامل؟ وإ ى أين‬
‫سأنته ؟ عسمى باألسئلة الكلية أو األسئلة الغائية أو األسئلة الكربى واملصريية‪ ،‬وه أسئلة‬
‫شغلت الفكر اإلنساين على مدى التاريخ‪ ،‬والسبب يف ذلك أن هذ اهلواجس عرعبط بالرغبة‬
‫العميقة واحلاجة األصلية من فطرة اإلنسان يف البحث عن إجابات لتلك األسئلة لكن أمر‬
‫هذ األسئلة ال يبقى جمرد إحساس فطري بل يتحول إ ى جهود عقالنية منطلقة عبىن عليها‬
‫نظريات ويلتز وفقها بأيديولوجيات‪ ،‬فاإلجابة عن علك األسئلة ه ‪" :‬الرؤية الكونية" وهذ‬
‫ه الداللة‪.‬‬

‫لكن املصطلح كان يستخد يف سياقات خمتلفة للداللة نفسها فف عراثنا اإلسالم‬
‫مثال‪ ،‬كانت ضمن قضايا اإلميان‪ ،‬وكان اإلميان باهلل ومالئكته وكتبه ورسله و‪ ...‬هو اإلجابة‬

‫‪ -1‬حممد عق املصباح اليزدي‪ ،‬دروس يف العقيدة اإلسالمية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪( .88‬بتصرف)‬
‫‪ -2‬مرعضى املطهري‪ ،‬الرؤية الكونية التوحيدية‪ ،‬دط‪ ،‬دار التيار اجلديد‪ ، 7921 ،‬ص‪.7‬‬
‫‪ -3‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1‬‬
‫‪9‬‬
‫المبحث التمهيدي‬

‫عن علك األسئلة‪ ،‬ومع عطور البحث الفكري والفقه استخدمت مصطلحات جديدة‬
‫فكانت العقيدة على سبيل املثال حبثا يف قضايا اإلميان‪ ،‬مث حتول البحث يف العقيدة إ ى علم‬
‫الكال ‪ ،‬حيث وظف علم الكال للعقيدة وهكذا بالنسبة للرؤية الكونية فقضايا اإلميان أو‬
‫قضايا العقيدة أو الرؤية الكونية ه مصطلحات سادت الفكر اإلسالم يف سياق ععبريها‬
‫عن إجابات األسئلة الكربى‪.‬‬

‫وكما قا مجع من العلماء بتقدمي عدة ععريفات هلا‪ ،‬نذكر أبرزها‪ :‬ما جاء يف املعجم‬
‫بأهنا‪ ":‬عصور عا عن العامل وعن مكانة اإلنسان يف هذا العامل وعفسري‬
‫الفلسف ملراد وهبة؛ َ‬
‫الكون واحلياة‪ ،‬والرؤية الكونية عفرتض نسقا من القيم"‪ ،1‬ومن موارد استعماهلا أهنا عبارة‬
‫عن‪ ":‬النظرة الفكرية اليت حيملها اإلنسان حول الوجود واألنسان"‪ 2،‬وعرفها مصباح يزدى‬
‫يف كتابه‪ :‬دروس يف العقيدة اإلسالمية بأهنا‪ ":‬جمموعة من املعتقدات والنظرات الكونية‬
‫املتناسقة حول الكون واألنسان‪ ،‬بل وحول الوجود بصورة عامة"‪ 3،‬أما عل العبود يف مؤلفه‬
‫الرؤية الكونية اإلهلية فقال يف مدلوهلا‪" :‬بأهنا النظرة الفكرية اليت حيملها اإلنسان حول الوجود‬
‫واإلنسان وعكون داخلة يف عكوين رؤيته االعتقادية"‪.4‬‬

‫فالكون وح منظور يوافقه ويفسر وح مسطور‪ ،‬وفق نزعة عوحيدية غائية أخالقية‬
‫حضارية‪ ،‬لذلك اميزت الرؤية الكونية اإلسالمية خبصائص أكسبتها عوامل البقاء والصالحية‬
‫منها‪ :‬أن للكون خالقا عاملا خلق الطبيعة لإلنسان ورسم منهجه‪ ،‬رافعا من شأنه‬
‫لالستخالف والتعمري‪ ،‬وأن هنايته ال عتوقف على موعه بل امتد لآلخرة‪ ،‬وأهنا واقعية وحقيقية‪،‬‬
‫واضحة ومنطقية‪ ،‬حتمل عوامل اإلقناع‪ ،‬حيث حترت وعؤسس للتكامل الوجودي (ععلق‬
‫بعضها على بعض يف البقاء والفناء)‪.5‬‬

‫‪ -1‬مراد وهبة‪ ،‬املعجم الفلسف ‪ ،‬د ط‪ ،‬دار قباء احلديثة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ، 8007 ،‬ص‪.441‬‬
‫‪ -2‬عل العبود‪ ،‬الرؤية الكونية اإلهلية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.72‬‬
‫‪ -3‬مصباح يزدى‪ ،‬دروس يف العقيدة اإلسالمية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫‪ - 4‬عل العبود‪ ،‬الرؤية الكونية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.72‬‬
‫‪ - 5‬عبد اجمليد النجار‪ ،‬خالفة اإلنسان بني الوح والعقل‪ ،‬ط‪ ،8‬د ‪ ،‬دار الغرب اإلسالم ‪ ، 7994 ،‬ص‪.17‬‬
‫‪01‬‬
‫المبحث التمهيدي‬

‫أما األستاذ مرعضى مطهري فيذهب إ ى أن الرؤية الكونية ه ‪ " :‬األساس واخللفية‬
‫الفكرية اليت يستند إليها اعتقاد معني ليصيغ هبا نظرعه إ ى الكون والوجود‪ ،‬ويقو بتفسري‬
‫وحتليله"‪ ،1‬فه رؤية عوحيدية عنظر إ ى الكون باعتبار أحد املخلوقات اليت حتفظ باإلرادة‬
‫والعناية اإلهلية‪ ،‬ولو ابتعدت عنها علك العناية اإلهلية ألسلمتها إ ى الفناء والعد عرى أن‬
‫‪2‬‬
‫الكون مل خيلق عبثا بل هناك أهداف وحكمة عكمن وراء خلق اإلنسان والكون‪.‬‬

‫وأنه مل خيلق ش ء يف غري موضعه وبدون حكمة وفائدة‪ ،‬فه رؤية عستمد مدخالهتا‬
‫من التعاليم الدينية السماوية أي؛ من مصدر غري الفكر البشري‪ ،‬الذي يُطلب فيها إعمال‬
‫العقل‪ ،‬وفهم الواقع وفق معطيات الوح ‪ ،‬فه الرؤية اليت جتمع الثبات؛ والعمو ؛ والشمول‬
‫من جهة‪ 3،‬فضال عن عنصر القداسة؛ والعصمة؛ واالستقاللية اليت عوافق الشريعة اإلسالمية‬
‫يف اليسر واملوازنة بني مصاحل العباد دنيا ودين‪ ،‬حيث عنم الوع يف االرعباط الكوين بالغاية‬
‫من وجود البشر‪.‬‬

‫‪ -1‬مرعضى املطهري‪ ،‬الرؤية الكونية التوحيدية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.2‬‬


‫‪ - 2‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫‪ - 3‬طالل فائق الكمايل‪ ،‬نظرية املعرفة يف سياقها اإلجرائ ‪ ،‬دط‪ ،‬د ‪ ،‬دن‪ ،‬دت‪ ،‬ص‪.42‬‬
‫‪00‬‬
‫المبحث التمهيدي‬

‫المطلب الثاني‪ :‬حياة الشيخ محمد الغزالي الشخصية والعلمية‪.‬‬


‫لقد عرفت األمة اإلسالمية عدة علماء خدموا اإلسال من أجل رفع راية احلق وإبطال‬
‫الباطل‪ ،‬ونصرة اإلسال من بينهم الشيخ حممد الغزايل رمحه اهلل ععا ى‪ ،‬الذي كرس حياعه‬
‫خلدمة الدين وبيان مضامينه السمحة‪ ،‬والذود عنه مما شابه من فهو خاطئة‪ ،‬واستجابة‬
‫للضرورة املنهجية يف دراستنا نقف على جانب من سريعه وبيئته االجتماعية والعلمية اليت‬
‫كانت سببا وعامال مؤثرا يف عكوين شخصيته‪.‬‬

‫الفرع اَلول‪ :‬مولد ونشأة الشيخ محمد الغزالي‪.‬‬

‫هو "الداعية اجملدد الشيخ حممد الغزايل بن أمحد موسى السقا‪ ،‬مصري املولد والنشأة‪،‬‬
‫ولد يف يو ‪ 01 :‬ذو احلجة ‪7441‬ه‪ ،‬املوافق ل‪ 88 :‬من سبتمرب ‪ 1، 7977‬من أسرة‬
‫ريفية فقرية ومتدينة‪ ،‬يف قرية "نكال العنب" حمافظة‪" :‬البحرية"‪ 2،‬اليت اجنبت العديد من كبار‬
‫أهل االدب والعلم‪ ،‬الذين خلقوا شهرة واسعة يف مصر والعامل اإلسالم منهم الشاعر اجملدد‬
‫حممود سام البارودي‪ ،‬وثالثة من أئمة األزهر يف العصر احلديث هم‪ :‬الشيخ سليم البشري‬
‫والشيخ إبراهيم محروش والشيخ حممد شلتوت‪ 3،‬والشيخ عبد العظيم الزرقاين و الشيخ حسن‬
‫البنا وغريهم من عظماء االمة‪ 4،‬ولقد اختار له والد اسم حممد الغزايل عيمنا حبجة اإلسال‬
‫أبو حامد الغزايل استجابة لنزعة صوفية لدى الوالد‪.5‬‬

‫‪ -1‬حممد عمارة‪ ،‬الشيخ الغزايل املوقع الفكري واملعارك الفكرية‪ ،‬ط‪ ،8‬القاهرة‪ ،‬دار السال ‪7240 ،‬ه ‪، 8009-‬‬
‫ص‪.89‬‬
‫‪ -2‬عمر بطيشة‪ ،‬الشيخ حممد الغزايل شاهد على العصر‪ ،‬دط‪ ،‬دار الفاروق‪ ،‬الرياض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪،‬‬
‫‪ ، 8070‬ص‪.77‬بتصرف‪.‬‬
‫‪ -3‬حممد شلتوت‪7470 ( :‬ه‪ ) 7294-7264 / 7424 -‬عامل مصري وشيخ اجلامع‪ ،‬نال إجازة العاملية سنة‬
‫‪ ، 7972‬عني مدرسا باملعاهد مث بأقسا التخصص‪ ،‬مث وكيال لكلية الشريعة‪ ،‬مث عضوا يف مجاعة كبار العلماء مث شيخا‬
‫لألزهر سنة‪ ،7912 :‬وكان عضو جممع اللغة العريب سنة ‪ ، 7926‬من أهم مؤلفاعه‪ " :‬فقه القرآن والسنة "‪ " ،‬مقارنة‬
‫املذاهب " أعال الزركل ‪ ،‬قاموس عراجم ألشهر الرجال والسناء من العرب واملستشرقني‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.774‬‬
‫‪ -4‬حممد الغزايل‪ ،‬حماضرات يف اصالح الفرد واجملتمع‪ ،‬دط‪ ،‬دن‪ ،‬دت‪ ،‬ص‪.77-70‬‬
‫‪ -5‬حممد عمارة‪ ،‬الشيخ الغزايل املوقع الفكر واملعارك الفكرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.89‬‬
‫‪02‬‬
‫المبحث التمهيدي‬

‫نشأ الغزايل يف اسرة عضم بني سبعة إخوة هو أكربهم‪ ،‬وكان والد يعتمد عليه يف رعاية‬
‫األسرة‪ ،‬ويقول يف حال مرضه مسليا لزوجته وأوالد ‪ :‬ال حتزنوا؛ عركت لكم بعدي حممد‬
‫الغزايل‪ ،‬وكان بارا بوالديه وعند حسن الظن بوالديه‪ ،‬قياما بالواجب حنو أسرعه‪ ،‬وكانت أمه‬
‫سيدة فاضلة بارة حمسنة حتب عقدمي اخلري ومد يد العون للناس‪ ،‬ودائمة احلث له على‬
‫اإلحسان ألهل القرية‪ ،‬وعقدمي العون ألرحامه واحملتاجني‪.1‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬المسار العلمي للشيخ الغزالي‪.‬‬

‫عدرج الشيخ الغزايل رمحه اهلل ععا ى يف مراحل التعليم‪ ،‬فبعد حفظه للقرآن الكرمي وععلم‬
‫القراءة وهو يف العاشرة من عمر ‪ ،‬التحق طالبا للعلم اإلسالم باملعهد الديين التابع لألزهر‬
‫الشريف مبدينة اإلسكندرية‪ ،‬فحصل على شهادة االبتدائية سنة‪ ، 7948 :‬ومن نفس‬
‫املعهد‪ -‬القسم الثانوي‪ -‬حصل على الشهادة الثانوية األزهرية سنة‪ ، 7947 :‬مث التحق‬
‫بالتعليم العايل األزهري كلية – أصول الدين – بالقاهرة‪ ،‬وفيها علقى العلم على كوكبة من‬
‫كبار العلماء منهم‪ :‬الشيخ عبد العظيم الزرقاين‪ 2،‬واإلما حممود شلتوت‪ ،‬والشيخ إبراهيم‬
‫الغرباوي‪ ،‬والشيخ عبد العزيز بالل ‪ ..‬وغريهم‪.‬‬

‫مث خترج من "كلية أصول الدين" فنال شهادة‪" :‬العاملية"‪ ،‬سنة‪ ، 7927:‬كما حتصل‬
‫من نفس الكلية على إجازة الدعوة واإلرشاد ‪ ،3 7924‬متخصصا يف الدعوة وحصل على‬
‫درجة التخصص يف التدريس وه ععادل درجة املاجستري حاليا سنة‪ ، 7924 :‬وعزوج وهو‬
‫طالب بكلية أصول الدين ورزق بتسعة أوالد‪.‬‬

‫‪ - 1‬عبد احلليم عوس ‪ ،‬الشيخ حممد الغزايل (عارخيه وجهود وأراء )‪ ،‬دط‪ ،‬دن‪ ،‬دت‪ ،‬ص‪ (.2‬بتصرف)‪.‬‬
‫‪ -2‬حممد عبد العظيم الزرقاين‪ :‬من علماء األزهر مبصر من أهايل اجلعفرية‪ ،‬ونسبه إ ى زرقان وه بلدة عابعة حملافظة‬
‫املنوفٌية‪ ،‬ولد يف مطلع القرن الرابع عشر اهلجري‪ ،‬خترج من كلية‪ ،‬أصول الدين‪ ،‬وعمل هبا مدرسا لعلو القرآن واحلديث‬
‫عويف بالقاهر يف عا ‪7467 :‬ه‪ 7922/‬من مؤلفاعه‪ :‬مناهج العرفان يف علو القرآن‪ ،‬أعال الزركل ‪ ( ،‬قاموس عراجم‬
‫ألشهر الرجال والنساء من العرب واملستشرقني‪ ،‬ج‪ ،6‬ط‪ ،1‬ص‪.870‬‬
‫‪ -3‬حممد عمارة‪ ،‬الشيخ الغزايل املوقع الفكر واملعارك الفكرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.89‬‬
‫‪03‬‬
‫المبحث التمهيدي‬

‫والتقى بالشيخ حسن البنا يف هناية مرحلة ععليمة الثانوي باألزهري باإلسكندرية سنة‪:‬‬
‫‪ 7924‬وكان له عأثري ظاهر على عكوينه‪ ،‬وقد ظهر أول مقال له وهو طالب يف السنة‬
‫الثالثة يف الكلية‪ ،1‬وبعد خترجه عمل إماما وخطيبا يف مسجد "العتبة خلضراء" مث عدرج يف‬
‫الوظائف حيث صار مفتشا على املساجد‪ ،‬مث عدرج يف الوظائف‪ ،‬مث أصبح واعضا مث وكيال‬
‫لقسم املساجد‪ ،‬مث مديرا للمساجد مث مديرا للتدريب فمدير للدعوة واإلرشاد‪.‬‬

‫ظل فرتة طويلة خطيبا ملسجد عمرو بن العاص بالقاهرة وقض يف معتقل الطور عاما‬
‫سنة‪ ، 7929 :‬كما قضى يف سجن طرة فرتة من الزمن‪ ،‬ويف سنة‪ ، 7927 :‬أعري للمملكة‬
‫العربية كأستاذ يف جامعة أ القرى مبكة املكرمة‪ ،‬مث اشتغل يف كلية الشريعة بقطر‪ ،‬وبعد‬
‫عودعه عني وكيال لوزارة األوقاف مبصر‪ ،‬كما عويل رئاسة اجمللس العلم يف جامعة األمري عبد‬
‫القادر اجلزائري باجلزائر ملدة سمس سنوات وكانت آخر مناصبه‪.2‬‬

‫عويف رمحه اهلل عليه يف الرياض يو ‪ ، 7997/04/09 :‬ونقل إ ى املدينة املنورة‪ ،‬حيث‬
‫دفن يف مقربة البقيع‪ ،‬وكان لصاحب السمو امللك األمري عبد اهلل بن عبد العزيز آل سعود‬
‫دور يف عقدير مكانة الرجل‪ ،‬وعكرميه يف حياعه وبعد مماعه‪ ،‬ومواساة أسرعه‪.3‬‬

‫رمحة اهلل على الشيخ اجلليل حممد الغزايل السقا‪ ،‬وجزا اهلل عن اإلسال واملسلمني خري‬
‫ما جيزى عباد الصاحلني‪ ،‬وحشرنا اهلل وإيا مع األنبياء والصديقني والشهداء‪ ،‬والصاحلني‬
‫وحسن أولئك رفيقا‪.‬‬

‫لقد استفاد شباب املسلمني من الشيخ حممد الغزايل من خالل اخلطب والدروس‬
‫والندوات والكتب واملقاالت‪ ...‬وخترج على يديه األالف من التالميذ والطالب من أحناء‬
‫العامل اإلسالم حاملني راية شيخهم يف عبليغ دعوة اهلل ونشر رسالة اإلسال ‪ ،‬حيث شهد‬
‫بذلك الكثري من العلماء والدعاة ؛ نذكر من أبرزهم‪:‬‬

‫‪ -1‬عمر بطيشة‪ ،‬الشيخ حممد الغزايل شاهد على العصر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.77‬‬
‫‪ -2‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.78‬‬
‫‪ - 3‬عبد اهلل العقل‪ ،‬من أعال الدعوة واحلركة اإلسالمية املعاصرة‪ ،‬دط‪ ،‬دن‪ ،‬دت‪7269 ،‬ه‪ ، 8007-‬ص‪.922‬‬
‫‪04‬‬
‫المبحث التمهيدي‬

‫‪ ‬الشيخ يوسف القرضاوي‪ :‬حيث كتب كتاب بعنون‪" :‬الغزايل كما عرفته رحلة نصف‬
‫قرن" حيث قال أثناء عنه يف كتابه قال " ولقد حتدث الكثريون عن الشيخ بعد أن خال‬
‫مكانه‪ ،‬وغاب عن الساحة وأغمد حسا طاملا ُسل يف سبيل وظل مصلتا حىت آخر حلظة يف‬
‫‪1‬‬
‫حياعه وسقط صاحبه‪ ،‬هو يف يد مدافعا عن اإلسال ‪."...‬‬
‫‪ ‬حيث قال عنه محمد عمارة‪" :‬مل يكن الشيخ الغزايل جمرد عقل جمهد وجمدد وال جمرد‬
‫داعية حامل مو االمة ومربط بفروسية‪ ،‬وعلى ثغور اإلسال على امتداد سمسني عاما‪ ،‬عرك‬
‫لنا فيها قرابة الستني كتابا‪ ،‬وغري ذلك من املقاالت واخلطب واحملاضرات واحلوارات اليت‬
‫‪2‬‬
‫ستبقى للجهاد الفكري يف سبيل النهضة"‪.‬‬
‫‪ ‬اثىن عليه الشيخ عمر بطيشة على الشيخ حممد الغزايل يف كتابه‪" :‬الشيخ حممد الغزايل‬
‫شاهد على العصر" حيث قال‪ :‬أنه عامل جليل ومن أبرز علماء مصر يف القرن العشرين –‬
‫حممد الغزايل – حيث سعا وراء احلق بكل جهد واضعا نصب عينيه منهج اإلسال ‪.3‬‬
‫‪ ‬قال عنه الشيخ أبو الحسن الندوي‪ ":‬كنت حريصا على االجتماع بالشيخ الغزايل فهو‬
‫من شخصيات اإلخوان املسلمني البارزة‪ ،‬وأحد كتاب النهضة الدينية مبصر"‪.4‬‬
‫‪ ‬وقال عبد الصبور شاهين‪ ":‬قرأت الدنيا له عشرات الكتب يف اإلسال ودعوعه‪ ،‬وعلقت‬
‫عنه مامل عتلق عن أحد من معاصريه حىت إن عصرنا هذا ميكن أن يطلق عليه يف جمال‬
‫الدعوة‪ :‬عصر األستاذ الغزايل"‪.5‬‬

‫‪ - 1‬يوسف القرضاوي‪ ،‬الشيخ حممد الغزايل كما عرفته‪ ،‬دط‪ ،‬دن‪ ،‬دت‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫‪ -2‬حممد عمارة‪ ،‬الشيخ حممد الغزايل املوقع الفكر واملعارك الفكري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.71‬‬
‫‪ - 3‬عمر بطيشة‪ ،‬الشيخ حممد الغزايل شاهد على العصر‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫‪ - 4‬أنظر‪ :‬راغب الرجاين‪ ،‬حممد الغزايل إما األئمة‪ ،‬مقال على الشبكة العنكبوعية‪ ،‬رابط املقال‪https :‬‬
‫‪ ، //www.ilamstory.com/articles22398‬عاريخ الصفح ‪. 8080/2/47:‬‬
‫‪ -5‬مرجع سابق‪ ،‬مقال حممد الغزايل إما األئمة‪.‬‬

‫‪05‬‬
‫المبحث التمهيدي‬

‫الفرع الثالث‪ :‬اآلثار العلمية للشيخ الغزالي‪.‬‬

‫لقد كان للشيخ حممد الغزايل كثري الكتابة غزير العطاء ألف خالل مسريعه العلمية‬
‫عشرات الكتب يف اجملاالت املختلف كالفقه والسياسة واالقتصاد‪ ،‬والتصوف والسياسة‬
‫والفقه‪ ...‬غريها‪.‬‬

‫بالنسبة جملال الرؤية الكونية اإلسالمية؛ مل يفرد الشيخ حممد الغزايل رمحه اهلل ععا ى‬
‫كتابا هبذا العنوان بشكل كامل‪ ،‬لكن كانت مؤلفاعه عصبغ هبا‪ ،‬فمما ألفه عن أركاهنا جند‪:‬‬

‫‪ -7‬عقيدة المسلم‪ :‬فكتاب عقيدة املسلم الذي اميز بتوسع كثري يف جانب اهلل ععا ى‬
‫يف إثبات وجود اهلل ععا ى ووحدانيته وكماله وعنزيهه‪ ،‬عكلم أيضا عن مصري اإلنسان والكون‪.‬‬

‫‪ -8‬المحاور الخمسة في القرآن الكريم‪ :‬عكلم فيه عن اهلل عوسع كثريا يف إثبات‬
‫وحدانية اهلل والرد على معتقدات املشركني‪.‬‬

‫الركن الثاني اإلنسان‪:‬‬

‫من أهم الكتب اليت عكلم عناولته‪:‬‬

‫‪- 0‬مقاالت الشيخ محمد الغزالي في مجلة الوعي اإلسالمي‪ :‬حتدث عن وظيفة‬
‫اإلنسان بشكل مفصل‪.‬‬

‫‪- 0‬الجانب العاطفي في اإلسالم‪ :‬اميز بتوسع يف عكلم عن بداية خلق اإلنسان‬
‫وطبيعته‪.‬‬

‫الركن الثالث الكون‪:‬‬

‫من أهم مؤلفاعه اليت عناولته‪:‬‬

‫‪-0‬نظرات في القرآن‪ :‬حتدث عن الكون على وظيفته ومصري ؛ لكن الكتاب الذي‬
‫عكلم فيه أكثر جانب الكون خاصة وجود الكون هو احملاور اخلمسة‪.‬‬

‫‪06‬‬
‫المبحث التمهيدي‬

‫‪-0‬من مقاالت الشيخ محمد الغزالي الجزاء الثالث‪.‬‬

‫ملخص المبحث التمهيدي‪:‬‬

‫يظهر من خالل هذ التعريفات للرؤية الكونية اإلسالمية –سابقة الذكر‪ -‬أن الكون مبا‬
‫حىب من الكائنات املتوزعة يف آفاق السماوات واألرض واجلبال واملخلوقات احليوانية والنباعية‪،‬‬
‫بذواهتا وصفاهتا وعالقاهتا ومنتهاها‪ ،‬وفيوض اهلل ععا ى عليها من حمسوسات ومعقوالت‬
‫معلومة‪ ،‬واليت ه فوق علم البشر يف عامل الغيب والشهادة‪ ،‬كلها آيات اهلل القرآنية الكونية‬
‫عتكرر باليو واملوسم وال ميكن حصرها‪ ،‬فه عتكون من عناصر مادية ومعنوية‪.‬‬

‫فالكون الذي يستمد وجود من اهلل ععا ى‪ ،‬قال ععا ى‪( :‬اهلل خالق كل ش ء وهو على‬
‫كل ش ء وكيل)‪ ، ،‬وقال أيضا‪( :‬إمنا أمر إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون)‪ ،‬وأنه وما‬
‫فيه خلق لغاية وه خدمة اإلنسان الذي خلق للعبادة اهلل فوجود يف هذ األرض ليس‬
‫عبثيا بل حلكمة يعلمها اهلل‪ ،‬أظهر من العد وحفظه ودبر شؤونه‪.‬‬

‫لذلك بعث اهلل األنبياء والرسل إلرشاد الناس إ ى عوحيد ‪ ،‬وأوجب عليهم االهتما به‬
‫لكونه احمليط الذي يأويهم‪ ،‬فارعبط هبم‪ ،‬وفهموا احلياة من خالله‪ ،‬بعد اكتشاف وحدة املنطق‬
‫العقل العا ‪ ،‬الذي عنتظم وفقه الطبيعة واجملتمع واحلياة‪ ،‬وعتم العناية باملفهو البعدي للكون‬
‫من خالل قراءة مكوناعه وفهم العالقة بني أجزائه وفق مراد التنزيل والعمل مبقتضا على أنه‬
‫حقائق ثابتة يوافقها ويؤكدها العلم املعاصر‪ ،‬كظاهرة الطفو ألرسميدس اليت ععرب عن العالقة‬
‫بني األجسا واملاء‪ ،‬لكن الفكر البشري بتدبر العقل يف فهم الواقع عجز عن اإلجابة عن‬
‫األسئلة الغائية النظرية فجاء الدين للرد عنها بالعقيدة حمافظا على كليات الدين اخلمس‪.‬‬

‫يعترب الشيخ حممد الغزايل رمحه اهلل من جمددي القرن العشرين حيث عُين بإثبات‬
‫وحدانية اهلل ععا ى وخلقه للكون من عد ‪ ،‬مستدال باآليات الكونية القرآنية واألحاديث‬
‫النبوية على صحة الرؤية الكونية اإلسالمية‪ ،‬من خالل مؤلفاعه العديدة وإن مل يفرد املوضوع‬
‫بدراسة خاصة‪.‬‬

‫‪07‬‬
‫المبحث اَلول‪ :‬الرؤية الكونية هلل عز وجل عند الشيخ محمد الغزالي‪.‬‬

‫المطلب اَلول‪ :‬وجود الخالق عز وجل‪.‬‬


‫الفرع األول‪ :‬الفالسفة والعلماء يربهنون على وجود ععا ى‪.‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬أدلة وجود ععا ى‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬وحدانية الخالق عز وجل‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬نف الشرك‪.‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬نف عبادة األوثان‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬نف أن يكون هلل األبناء‪.‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬نف أن يعبد اهلل بأي واسطة‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬كمال الخالق عز وجل وتنزيهه‪.‬‬


‫الفرع األول‪ :‬حاجة العامل إ ى اهلل‪.‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬ليس كمثله ش ء‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬الغىن املطلق‪.‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬األول ليس قبله ش ء‪.‬‬

‫الفرع اخلامس‪ :‬هو اآلخر ليس بعد ش ء‪.‬‬

‫ملخص‪:‬‬
‫الرؤية الكونية في هللا عز وجل‬ ‫المبحث األول‪:‬‬

‫المبحث اَلول‪ :‬الرؤية الكونية هلل عز وجل عند الشيخ محمد الغزالي‪.‬‬
‫التوحيد هو احملور األول من احملاور اليت دارت عليها سور القرآن الكرمي‪ ،‬كان الناس‬
‫قدميا يعرفون األلوهية معرفة ناقصة أو مشوهة فكانوا يضمون إ ى عبادة اهلل عبادة آهلة أخرى‬
‫من صنع أنفسهم‪ ،‬وكان ععصبهم هلذا اآلهلة املختلفة ععصبا شديدا‪ ،‬ورمبا كان حظها من‬
‫اإلقبال واخلشية أكثر من حظ اإلله احلق‪.‬‬

‫ومل عتوقف دعوة الرسل للتوحيد عليهم أفضل الصالة وأزكى التسليم‪ ،‬وإرشادهم إلفراد‬
‫اهلل بالعبودية‪ ،‬وجتنب الوثنية‪ ،‬فقوبلوا حبرب شعواء‪ ،‬عربت عنها مواقف عديدة لتلك االقوا ‪،‬‬
‫كقو هود عليه السال ؛ قال ععا ى‪( :‬أجئتنا لنعبد اهلل وحده ونذر‪ ،‬ما كان يعبد آباؤنا‬
‫فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين)‪1 ،‬وهكذا فعلت سائر األمم مع أنبيائها‪ ،‬وإ ى‬
‫جانب الشرك وجدت فئات ملحدة عنكر مبدأ األلوهية من األساس وعظن أن احلياة وجدت‬
‫صدفة من دون حكم وهدف‪ 2 ،‬كان هذا األمر يف القدمي‪ ،‬والزال مستمرا إ ى اليو ؛‬
‫والسؤال املطروح‪ :‬فماذا كان دور الشيخ حممد الغزايل بإزاء هؤالء وأولئك حسب النظرة‬
‫الكونية اإلسالمية؟‬

‫المطلب اَلول‪ :‬وجود الخالق عز وجل‪.‬‬


‫يرى الشيخ حممد الغزايل أن هذا الكون مل يأيت هكذا عشوائيا‪ ،‬أو وجد بالصدفة كما‬
‫يقول املالحدة الذين يستندون إ ى أن ما حيدث يف الكون هو فعل الطبيعة أو الصدفة‪،‬‬
‫فنشوء حياعنا هذ ودوامها يقومان على مجلة ضخمة من القوانني الدقيقة اليت حيكم العقل‬
‫باستحالة وجودها جزافا‪ ،‬فمثال حني ننظر ا ى الدقة اليت خلق هبا الكائنات‪ ،‬حبيث أن‬
‫األرض مثال عوجد على مسافة معينة حمددة‪ ،‬ولو نقصت أو ازداد قرهبا إ ى الشمس الحرتقت‬

‫‪ -1‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.70‬‬


‫‪ -2‬حممد الغزايل‪ ،‬احملاور اخلمسة للقرآن الكرمي‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪ ،‬ص‪.87‬‬
‫‪09‬‬
‫الرؤية الكونية في هللا عز وجل‬ ‫المبحث األول‪:‬‬

‫أنواع األحياء من نبات وحيوان‪ ،‬ولو بعدت املسافة لعم اجلليد والصقيع وجه األرض وهلك‬
‫الزرع والضرع؛ فهل إقامتها يف مكاهنا ذلك لتنعم حبرارة مناسبة جاءت عشوائيا؟‬

‫ومثال آخر عن ابداع اخللق ودقته صنعه جند أن حركة املد واجلزر‪ :‬اليت عرعبط بالقمر‪،‬‬
‫إذ لو يقرتب القمر من االرض أكثر مما هو عليه‪ ،‬لسحب أمواج احمليطات سحبا يغطى هبا‬
‫وجه اليابسة كلها مث ينحسر عنها‪ ،‬وقد عالشى كل ش ء فمن أقا القمر على هذا املدى‬
‫احملدود ليكون مصدر ضوء ال مصدر هالك‪.‬‬

‫ويضرب الشيخ حممد الغزايل رمحه اهلل ععا ى أبسط مثال على نف فكرة أن العامل وجد‬
‫صدفة حيث قال‪" :‬إين أحيانا أسرح الطرف يف زهرة خمططة بعشرات األلوان ألتقطها بأصبع‬
‫عابثة من بني مئات األزهار الطالعة يف إحدى احلدائق مث أسأل نفس ‪ :‬بأي ريشة نسقت‬
‫هذ األلوان؟ إهنا ليست ألوان الطيف وحدها‪ ،‬إهنا مزيج رائق ساحر من األلوان اليت عبدو‬
‫هنا خمففة وهنا مظللة وهنا خمططة وهنا منقطة‪.1‬‬

‫وأنظر إ ى أسفل الرتاب األعفر؛ مصدر هذ األلوان‪ ،‬إنه بيقني ليس راسم هذ األلوان‬
‫وال موزع أصباغها‪ ،‬فهل الصدفة ه اليت أشرفت على ذلك ؟ أي صدفة ؟ إن املرء يكون‬
‫غبيا جدا عندما يتصور األمور على هذا النحو‪.2‬‬

‫وهبذا املنهج القائم على النظر والتدبر يف النفس واآلفاق يستدل –اإلما حممد الغزايل‪-‬‬
‫على أن هنالك منظم هلذا العامل؛ هو الذي خلقه‪ ،‬وهو منشئ كل ما نرا ؛إنه‪ :‬اهلل سبحانه‪،‬‬
‫وهذا ما أكدعه االحباث العلمية املستقلة‪ ،‬والباحثون وعلماء الطبيعة املوضوعيني من علماء‬
‫الذرة والفلك‪ ،‬وعلم األحياء البيولوجية والرياضية‪ ،‬حيث أكدوا أن لديهم أدلة وقرائن كثرية‬
‫عثبت وجود كائن أعظم ينظم هذا الوجود ويرعا بعنايته ورمحته وعلمه الذى ال حد له‪.3‬‬

‫الفرع اَلول‪ :‬الفالسفة والعلماء يبرهنون على وجوده تعالى‪:‬‬

‫‪ - 1‬حممد الغزايل‪ ،‬عقيدة املسلم‪ ،‬ط‪ ،2‬دار هنضة‪ ،‬مصر‪ ، 8001 ،‬ص‪.77‬‬
‫‪ -2‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.77‬‬
‫‪ -3‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.86‬‬
‫‪21‬‬
‫الرؤية الكونية في هللا عز وجل‬ ‫المبحث األول‪:‬‬

‫معرفة اهلل ععا ى فطرة مركوز يف كل نفس وطبع‪ ،‬وامسه الكرمي معروف يف كل لغة مع‬
‫اختالف األجناس واأللسنة‪ ،‬مل يصرف األفئدة واألفكار عن هذ احلقيقة الواحدة‪ ،‬بيد أن‬
‫هذ املعرفة املتصلة برب العاملني مل عأخذ امتدادها الكامل ومساهتا الراشدة‪ ،‬إال عندما عتلقاها‬
‫الناس مصفاة من ينابيع الوح ‪ ،‬ومسعوا آياهتا عتلى من أفوا األنبياء الكرا عليهم السال ‪،‬‬
‫ولكن ذلك مل مينع الكثري ممن مل يدخلوا يف نطاق الرساالت األو ى‪ ،‬أو مل عبلغهم هدايات‬
‫القرآن الكرمي أن يفكروا يف اهلل ععا ى من علقاء أنفسهم وأن يطلقوا لعقوهلم عنان البحث‪،‬‬
‫والفلسفة اإلهلية حافلة بالكثري من هذ األفكار‪ ،‬كما أن علماء الكون يف العصر األخري قد‬
‫عكملوا عن اهلل يف حدود ما هداهم إليه البحث اجملرد يف آفاق الطبيعة وأسرارها وقوانينها‬
‫نذكر منهم‪:‬‬

‫الفيلسوف "هرشل" من فالسفة القرن الثامن عشر‪ ( :‬إنه كلما اعسع نطاق العلو‬
‫حتققت وكثرة األدلة على وجود حكمة خالقة قادرة مطلقة وعلماء األرضيات واهليئة‬
‫والطبيعيات والرياضية يهيئون مبساعيهم واكتشافاهتم كل ما يلز إلنشاء معبد العلو إعالء‬
‫‪1‬‬
‫لكلمة اخلالق)‪.‬‬

‫ما ُد َون من آراء لسقراط‪ 2‬عن علميذ أفالطون قوله أن‪ ( :‬هذا العامل يظهر لنا على‬
‫هذا النحو الذي مل يرتك فيه ش ء للمصادفة بل كل جزء من أجزائه متجه حنو غاية‪ ،‬وعلك‬
‫الغاية متجهة إ ى غاية أعلى منها وهكذا يتم الوصول إ ى غاية هنائية منفردة وحيدة)‪.‬‬

‫من أين نشأ هذا النظا الكامل يف عفرعاعه احملفوف بالعظمة واجلالل من نواحيه كافة؟‬
‫ليس من املمكن أن حيمل ذلك على املصادفة‪ ،‬فلو أمننا أن نقول‪ :‬إنه نشأ من علقاء نفسه‬
‫لصح لنا أن نقول‪ :‬إن ألواح (بوليكلت)‪ ،‬و(زونكريس) حدثت من علقاء نفسها‪.‬‬

‫‪ - 1‬حممد الغزايل‪ ،‬عقيدة املسلم‪ ،‬ص‪.80‬‬


‫‪ - 2‬سقراط‪ :‬أحد فالسفة اليونان وحكمائها مؤسس الفلسفة الغربية‪ ،‬علميذ أفالطون‪ ،‬عويف يف‪. 499 :‬‬
‫‪20‬‬
‫الرؤية الكونية في هللا عز وجل‬ ‫المبحث األول‪:‬‬

‫إذا ما نظرنا إ ى أن العناصر اليت حتتوى عليها الكائنات كثرية إ ى درجة ال ميكن أن‬
‫حيصرها العقل‪ ،‬كان من احملال أن حنمل وجود ذلك كله على املصادفة فال بد إذن من‬
‫وجود عقل أعلى هو الصانع الوحيد‪.‬‬

‫وقد شرح ( ال بالس ) دليل احلركة الكونية وأبان قوة الدليل يف حسم الشبهات اليت‬
‫يثريها اجلاحدون فقال‪ ( :‬أما القدرة الفاطرة فقد عنيت جسامة األجرا املوجودة يف اجملموعة‬
‫الشمسية وكثافتها وثبتت أقطار مداراهتا‪ ،‬ونظمت حركاهتا بقوانني بسيطة‪ ،‬ولكنها حكيمة‬
‫وعنيت مدة دوران السيارات حول الشمس والتوابع حول السيارة بأدق حساب‪ ،‬حبيث إن‬
‫هذا النظا املستمر إ ى ما شاء اهلل ال يعور خلل)‪ ،‬هذا النظا املستند إ ى حساب يقصر‬
‫عقل الفرد عن إدراكه والذي يضمن استمرار اجملموع إزاء ما ال يعد وال حيصى من املخاطر‬
‫احملتملة‪ ،‬ال ميكن أن حيمل على املصادفات يف نظر البالش إال باحتمال واحد يف أربع‬
‫‪1‬‬
‫عريليونات‪.‬‬

‫وقال سبنسر‪ ( :‬إننا مضطرون إ ى االعرتاف بأن احلادثات مظاهر قدرة مطلقة متعالية‬
‫عن اإلدراك‪ ،‬وأن األديان كانت أول من قبل هذ احلقيقة العلوية ولقنها ولكنها نشرت أول‬
‫األمر ممزوجة باألباطيل )‪.‬‬

‫ويقول أينشتاين‪ ( :‬إن جوهر الشعور الديين يف صميمه هو أن نعلم أن ذلك الذي ال‬
‫سبيل ملعرفة كنه ذاعه موجود حقا‪ ،‬ويتحلى بأمسى آيات احلكمة وأهبى أنوار اجلمال‪ ،‬وإنين ال‬
‫أستطيع أن أعصور عاملا حقا ال يدرك أن املبادئ الصحيحة لعامل الوجود مبنية على حكمة‬
‫جتعلنا مفهومه عند العقل فالعامل بال إميان ميش مشية األعرج واإلميان بال علم يتلمس‬
‫‪2‬‬
‫علمس األعمى)‪.‬‬

‫‪ -1‬حممد الغزايل‪ ،‬عقيدة املسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.80-79‬‬


‫‪ -2‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.87‬‬
‫‪22‬‬
‫الرؤية الكونية في هللا عز وجل‬ ‫المبحث األول‪:‬‬

‫فالفالسفة املوضوعيون يف دراساهتم واحباثهم يقرون بوجود اخلالق نتيجة مسلمة لكل‬
‫عفكري سليم قائم على بديهيات العقول‪ ،‬اليت يوكدها الشرع ‪ ،‬وهو ما بينه الغزايل وجنز فيما‬
‫الفرع اآليت‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أدلة وجوده تعالى‪.‬‬

‫فيؤكد اإلما حممد الغزايل على أن وجود اهلل ععا ى من البديهيات اليت يدركها اإلنسان‬
‫بفطرعه ويهتدى إليها بطبيعته‪ ،‬وليس من مسائل العلو املعقدة وال من حقائق التفكري‬
‫العويصة‪ ،‬وهذ بعض األدلة اليت عنبه العقل الغافل وجتعله يبصر احلقيقة حيث قال‪:‬‬
‫"اإلنسان مل خيلق نفسه‪ ،‬ومل خيلق أوالد ‪ ،‬ومل خيلق األرض اليت يدرج فوقها‪ ،‬وال املاء اليت‬
‫يعيش حتتها‪ ،‬ومن املقطوع به أن شيئا ال حتدث من علقاء نفسه فلم يبق إال اهلل‪ ،‬وقد قرر‬
‫ﭐﱡﭐ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ‬ ‫القرآن الكرمي هذا الدليل يف قوله سبحانه‪:‬‬
‫ﱥﱦﱧ ﱨﱩﱪﱫﱠ‪ ، 1‬ولقد لفت أنظار العرب إ ى مظاهر اإلبداع يف اجملتمع‬
‫الساذج الذي حييون فيه بقوله اهلل ععا ى‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ‬

‫ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﱠ‪ 2‬ويسمى‬
‫هذا الدليل‪ :‬دليل اإلبداع‪.‬‬

‫لو دخل املرء دارا فوجد هبا غرفة مهيأة للطعا وأخرى للمنا وأخرى للنظافة وأخرى‬
‫للضيافة ‪...‬إخل‪ ،‬جلز بأن هذا الرتعيب مل يتم وحد وأن هذا اإلعداد النافع البد أنه قد نشأ‬
‫عن عقدير وحكمة‪ ،‬أشرف عليها فاعل يعرف ما يفعل‪ ،‬والناظر يف الكون وآفاقه واملادة‬
‫وخصائصها‪ ،‬يعرف أهنا حمكومة بقوانني مضبوطة شرحت الكثري منها علو الطبيعة والكيمياء‬
‫والطب بطريقة أبعد كل شبهة عوهم أن هذا الكون قد وجد كيفما اعفق‪ ،‬قال اهلل ععا ى‪:‬‬
‫ﱡﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ‬

‫‪ -1‬سورة الطور‪ :‬اآلية ‪.41-46‬‬


‫‪ -2‬سورة الغاشية‪ :‬اآلية ‪.77-80‬‬
‫‪23‬‬
‫الرؤية الكونية في هللا عز وجل‬ ‫المبحث األول‪:‬‬

‫ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﱠ ‪ ،1‬ويسمى هذا الدليل‪:‬‬


‫دليل العناية‪.‬‬

‫هل فكرت يف هذ السيارات املنطلقة أعىن هذ الكواكب اليت خترتق أعماق اجلو‪،‬‬
‫واليت علتز مدار واحدا ال عنحرف عنه ميينا وال يسارا من الذي هيمن على نظامها‪ ،‬وأشر‬
‫على مدارها بل من الذى أمسك بأجرامها اهلائلة ودفعها جتري هبذ القوة الفائقة ؟ إهنا ال‬
‫عرعكز يف علومها إال على دعائم القدرة قال سبحانه‪ :‬ﱡﭐ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ‬

‫ﲆ ﲇﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﱠ ‪ 2.‬ويسمى هذا‬
‫‪3‬‬
‫الدليل دليل الحركة‪.‬‬

‫فيتضح أن معرفة اهلل ععا ى ه أعظم املعارف وأجلها واألساس الذي عنبين عليه‬
‫احلياة الروحية الصحيحة‪ ،‬ووجود اهلل عز وجل عشهد به الفطرة اإلنسانية الرشيدة‪ ،‬واألدلة‬
‫الكثرية واملتنوعة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬وحدانية اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬


‫بعد أن أمت اهلل عز وجل خلق الكون واإلنسان‪ ،‬مل جيعل وجود حيتمل الرد واإلنكار‬
‫والقيل والقال‪ ،‬وجعل آيات عديدة عقود إليه سبحانه وععا ى‪ ،‬من بينها‪ :‬الفطرة اإلنسانية؛‬
‫فاألنسان يولد على فطرة التوحيد مؤمن باهلل ععا ى‪ ،‬ومقرا بأنه اخلالق‪ ،‬وأنه اإلله الواحد ال‬
‫شريك له‪ ،‬لكن طرأت على هاعه الفطرة عدت عوامل منها البيئة الفاسدة‪ ،‬القائمة على‬
‫عقليد اآلباء‪ ،‬واغواء الشياطني ‪ ..‬وغريها من العوامل‪ ،‬مما أدى إ ى ظهور مجاعات من الناس‬
‫والفرق اليت جعلت هلل شركاء؛ منهم من جعل له أبناء وبنات‪ ،‬ومنهم من اختذ من األوثان‬
‫واحليوانات آهلة‪.‬‬

‫‪ -1‬سورة الفرقان‪ :‬اآلية ‪.68-67‬‬


‫‪ -2‬سورة فاطر‪ :‬اآلية ‪.27‬‬
‫‪ -3‬حممد الغزايل‪ ،‬عقيدة املسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.71‬‬

‫‪24‬‬
‫الرؤية الكونية في هللا عز وجل‬ ‫المبحث األول‪:‬‬

‫وأما بالنسبة للديانات السماوية فقد حرفت وبدلت‪ ،‬ويرى الشيخ حممد الغزايل أن‬
‫اإلسال وحد الباق على التوحيد اخلالص‪ ،‬من خالل نف مجيع مظاهر الشرك باهلل ععا ى؛‬
‫نذكر منها‪:‬‬

‫الفرع اَلول‪ :‬نفي الشرك‪.‬‬

‫قا العلماء ببحوث جدلية ليثبتوا أنه ليس مع اهلل إله آخر‪ ،‬وإن كان الواقع العلم‬
‫ينطق بذلك‪ ،‬فنحن يف عاملنا املادي مل جند هذا اآلخر املزعو ‪-‬وراء املادة‪ -‬واملرسلون مجيعا‬
‫عليهم السال أكدوا أهنم جاءوا من عند اهلل رب العاملني‪ ،‬قال سبحانه يف حمكم عنزيله‪:‬‬
‫ﭐﱡﭐﱁ ﱂﱃ ﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊ ﱋﱌ ﱍﱎﱏﱐﱠ ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وذكر العلماء مجلة الفروض لنف التعدد يف األلوهية‪ ،‬فه عؤكد على مجلة من احلقائق‪،‬‬
‫إذ لو كان هذا اإلله موجودا مع اهلل‪ ،‬فما موقفه منه؟ وما منزلته منه؟ إن كان دونه منزلة‬
‫ومكانة‪ :‬فليس بإله‪ ،‬وإن كان أعلى منه‪ :‬فهو أحق منه باأللوهية‪ ،‬وإن كان مثله‪ :‬فما احلدود‬
‫والفواصل بني عامليهما؟ واختصاصهما‪ ،‬وكيف ينفذ أمرما معا يف اإلحياء واإلماعة واالشقاء‬
‫واإلسعاد وغري ذلك‪ ،‬قال سبحانه‪:‬ﱡﭐ ﱇ ﱈ ﱉﱊﱋ ﱌ ﱍ ﱎﱏﱐﱑ ﱒ ﱓ‬
‫ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱠ‪ 2‬وقال أيضا‪:‬‬
‫ﱡﭐﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼ ﱠ‪.3‬‬
‫‪..‬‬

‫وبعض الدماء من اليهود والنصارى ضلوا يف فهم أنبيائهم ورفعوهم إ ى مصاف‬


‫(اآلهلة) مع أن هؤالء املرسلني ليسوا إال عبيدا موهوبني‪ ،‬فمن احلماقة أن عظن يف بشر مهما‬
‫عال شأنه أنه خلق كوكبا من الكواكب‪ ،‬وملاذا نذهب بعيدا؟ إن أحدهم مل خيلق ذبابة أو ما‬
‫دوهنا‪ ،‬فكيف يعد إهلا من يعجز عن خلق أبسط ش ء موجود‪.4‬‬

‫‪ -1‬سورة األنبياء‪ :‬اآلية ‪.81‬‬


‫‪ -2‬سورة املؤمنون‪ :‬اآلية ‪.97‬‬
‫‪ -3‬سورة األنبياء‪ :‬اآلية ‪.88‬‬
‫‪ -4‬حممد الغزايل‪ ،‬عقيدة املسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫‪25‬‬
‫الرؤية الكونية في هللا عز وجل‬ ‫المبحث األول‪:‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬نفي عبادة اَلوثان‪.‬‬

‫يؤكد الشيخ حممد الغزايل يف رؤيته الكونية أن اهلل واحد ال شريك له‪ ،‬وأنه باالستقراء ملا‬
‫عومه الناس من وجود الشريك هلل يف ألوهيته‪ ،‬مل جند أحدا من هؤالء الشركاء املزعومني‬
‫عرشحه حالته ليكون يف هذا الوجود شيئا طائال‪ ،‬لقد عبد القدماء أحجارا اقتطعوها من‬
‫سطح األرض‪ ،‬فهل يصح يف خلد عاقل أن حجرا من األرض‪ ،‬بل األرض كلها عصلح أن‬
‫عكون إهلا؟ وعبد آخرون أصنافا من احليوان وقدسوا نسله كما يفعل اهلندوس إ ى اليو ‪ ،‬فهل‬
‫هناك عجل مهما زاد حلمه وشحمه يصلح ملنصب األلوهية؟ فما الذي يوضع بعد يف‬
‫أطباق اآلكلني‪.1‬‬

‫وبني اهلل عز وجل سفه املشركني بأقدار اآلهلة اليت عبدوها من دونه‪ ،‬فمرد هذ‬
‫املعبودات املظلومة بني صنفني‪:‬‬

‫إما أن عكون‪ :‬من مجادات فالعبيد أوسع قدرة من هذ اآلهلة ألن هلم جوارح‬
‫يستخدموهنا فيما يشاءون‪ ،‬أما هذ األصنا املعبودة فماذا هلا؟ قال ععا ى‪:‬ﱡﭐ ﲽ ﲾ‬

‫ﲿ ﳀﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒﳓ‬

‫ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﱠ ‪ ،2‬واحلقيقة البينة أن ليس هلا من‬


‫ذلك ش ء‪.‬‬

‫وإما أن عكون‪ :‬هذ اآلهلة املزعومة املك ما ذكر من أدوات ومشاعر فماذا مينحها‬
‫ذلك من فضل؟ سيكون اآلهلة والعبيد سواء يف القوى الذاعية واملنزلة الكونية‪ ،‬فأي ألوهية‬
‫علك؟ قال اهلل ععا ى‪:‬ﭐﱡﭐ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴﲵ ﲶ‬

‫ﲷ ﲸﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﱠ‪3‬ﭐ‪ ،‬لذلك فإن من النقائص أن عتعلق النفس‬

‫‪ -1‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 17‬‬


‫‪ -2‬سورة األعراف‪ :‬اآلية ‪.791‬‬
‫‪ -3‬سورة األعراف‪ :‬اآلية ‪.792‬‬
‫‪26‬‬
‫الرؤية الكونية في هللا عز وجل‬ ‫المبحث األول‪:‬‬

‫البشرية هبذ األوها واألباطيل‪ ،‬وقد ععدد هذا البيان يف القرآن الكرمي؛ من ضرب األمثال‬
‫وسوق األدلة عارة‪ ،‬واستثارة االنتبا واستنهاض الكرامة اآلدمية عارة أخرى؛ حىت عقو من‬
‫هذ الوهدة اليت عذل فيها ملن هو دوهنا أو ملن هو مثلها‪.‬‬

‫وأفاض القرآن الكرمي يف استقصائه للمعاين اليت عصون العبد من دنس الشرك‪ ،‬يف‬
‫خماطبة العاطفة بأسلوب رائع يف رقته‪ ،‬وواضح يف غايته‪ ،‬من ذلك قوله ععا ى‪:‬ﱡﭐ ﱞ‬

‫ﱟﱠ ﱡﱢﱣﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱠ ‪ ،‬وقال ععا ى أيضا ‪:‬ﱡﭐﲺ‬


‫‪1‬‬

‫ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆﳇ ﳈ ﳉﳊ ﳋ‬

‫ﳌﳍ ﳎﳏﱠ ‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬نفي أن يكون هلل اَلبناء‪.‬‬

‫جند يف القرآن الكرمي نف األوها العالقة بأذهان اجلاهلني عن حقيقة األلوهية‪ ،‬وه‬
‫أوها ال سند هلا من العقل اجملرد؛ وال من الوحى املنزل‪ ،‬لقد احدثها القاصرون دون وع ‪،‬‬
‫وقبلها املقصرون دون نقد‪ ،‬مث شاعت بني اجلماهري على أهنا عقائد دينية‪ ،‬وه ليست إال‬
‫خرافات خابطني‪ ،‬وظنون مقلدين‪ ،‬فادعى البعض أن هلل بنات يشاركنه األلوهية‪ ،‬وعند‬
‫البعض اآلخر أنه أجنب ابنا أو بنات آهلة‪ 3،‬قال سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ‬

‫ﲹﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ‬

‫ﳉﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒﳓ ﳔ ﳕ ﳖﳗ ﳘ ﳙ ﳚ‬

‫‪ -1‬سورة يوسف‪ :‬اآلية ‪.49‬‬


‫‪ -2‬سورة الزمر‪ :‬اآلية ‪.89‬‬
‫‪ -3‬حممد الغزايل‪ ،‬نظرات يف القرآن‪ ،‬ط‪ ،6‬دار النهضة‪ ،‬مصر‪ ، 8004 ،‬ص‪.64‬‬
‫‪27‬‬
‫الرؤية الكونية في هللا عز وجل‬ ‫المبحث األول‪:‬‬

‫ﳛ ﳜ ﱁ ﱂ ﱃﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ‬

‫ﱓﱔﱠ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬نفي أن يعبد اهلل بأي واسطة‪.‬‬

‫مل يكن للمشركني عربير شرودهم بأهنم مل يذهبوا بعيدا يف عبوديتهم‪ ،‬وبأن أولئك الذين‬
‫اجتهوا إليهم من دون اهلل؛ إمنا هم مفاعيح لإلله األكرب؛ لتوصلهم إليه‪ ،‬وقالوا ما نستطيع أن‬
‫ننسب إ ى حجر أو بشر خلقا أو رزقا‪ ،‬وال أن جنحد عفرد اهلل هبذا العمل‪ ،‬ولكننا اختذنا‬
‫بناعه وبنيه وسطاء خري له‪ ،‬قال اهلل ععا ى ‪:‬ﱡﭐ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹﱺ ﱻ ﱼ ﱽ‬

‫ﱾﱿ ﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊ ﲋﲌﲍﲎ‬

‫ﲏﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﱠ‪ ، 2‬فليس بني اهلل وبني عباد‬


‫وسطاء وال شفعاء وكل البشر عليه أن يتقد بسؤاله مباشرة‪.3‬‬

‫ما ميكن أن نستخلصه أن ليس يف الرؤية الكونية من خالل القرآن الكرمي ‪-‬عند الشيخ‬
‫حممد الغزايل‪ -‬مع اهلل سبحانه مثيل‪ ،‬وال شبيه‪ ،‬وال شريك؛ بل من املستحيل أن يكون هلل‬
‫شريك‪ ،‬حبيث يكون لنا مكان الواحد عدة آهلة ألن الصفات من قبيل التثنية والتثليث وما‬
‫شابه‪ ،‬إمنا ه من خواص املوجودات احملدودة والنسبية‪ ،‬وال معىن إطالقا للتعدد والكثرة يف‬
‫حق املوجود الالحمدود‪ ،‬فهو سبحانه املتصف باإلطالق‪ ،‬واحمليط بكل األشياء‪ ،‬وال خيلو منه‬
‫مكان وال زمان‪ ،‬وهو أقرب إلينا من حبل الوريد‪ ،‬ويستحيل يف حقه أن يكون له مثل أو‬
‫نظري‪.‬‬

‫‪ -1‬سورة األنعا ‪ :‬اآلية ‪.708-700‬‬


‫‪ -2‬سورة الزمر‪ :‬اآلية ‪.4‬‬
‫‪ -3‬حممد الغزايل‪ ،‬عقيدة املسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.60‬‬
‫‪28‬‬
‫الرؤية الكونية في هللا عز وجل‬ ‫المبحث األول‪:‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬كمال اهلل وتنزيهه‪.‬‬


‫عقو الرؤية الكونية على اإلميان بكمال اهلل ععا ى يف صفاعه‪ ،‬واطالقها فيما ال هناية هلا‪،‬‬
‫أهل احلمد واجملد‬
‫فهو اخلالق الذي يستحق العبادة املخلصة له من دون كل املوجود‪ ،‬فهو ُ‬
‫وأهل التقوى واملغفرة ال حنصى عليه ثناء وال نبلغ حقه؛ عوقريا وإجالال‪.‬‬

‫لو أن البشر مجيعا منذ كتب هلم التاريخ وإ ى أن هتمد هلم على ظهر األرض حركة‪،‬‬
‫نسوا اهلل وكفروا به ما خدش ذلك شيئا من جالله‪ ،‬وال نقص ذرة من سلطانه‪ ،‬وال كف‬
‫شعاعا من ضيائه‪ ،‬وال غض بريقا من كربيائه‪ ،‬فهو سبحانه أغىن حبوله وأعظم بذاعه وصفاعه‪،‬‬
‫وأوسع يف ملكوعه وجربوعه من أن ينال منه وهم واهم أو جهل جاهل‪.1‬‬

‫الفرع اَلول‪ :‬حاجة العالم إلى اهلل عز وجل‪.‬‬

‫إن العامل يف وجود احتاج إ ى ربه‪ ،‬كما حيتاج إليه يف بقائه حلظة بعد حلظة‪ ،‬وال عوجد‬
‫ذرة يف األرض وال يف السماء عستمد وجودها من ذواهتا‪ ،‬حىت يتصور استغناؤها بنفسها‪ ،‬لن‬
‫يكون هنار إال مع الشمس ولن يكون عامل إال مع وجود اهلل قال سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱿ ﲀ‬

‫ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﲅ ﲆ ﲇ ﲈﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﱠ ‪ ، 2‬ﭐﱡﭐ ﲖ ﲗ‬

‫ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ‬

‫ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ‬

‫ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊﳋ‬

‫ﳌﳍﳎﳏﳐﳑﳒﳓﳔﳕﱠ ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬‬

‫‪ -1‬حممد الغزايل‪ ،‬عقيدة املسلم‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.77‬‬


‫‪ -2‬سورة النحل‪ :‬اآلية ‪.60‬‬
‫‪ -3‬سورة فاطر‪ :‬اآلية ‪.72-71‬‬
‫‪29‬‬
‫الرؤية الكونية في هللا عز وجل‬ ‫المبحث األول‪:‬‬

‫فالعقول وما يرتدد فيها من أفكار‪ ،‬والقلوب وما يتجدد فيها من مشاعر‪ ،‬واألجسا‬
‫وما يتدفق فيها من دماء وما يتحرك فيها من أجهزة وعضالت يف كل بلد‪ ،‬بل يف كل قارة‬
‫منذ بدء اخللق وإ ى قيا الساعة‪ ،‬ما نعرف وما ال نعرف إمنا يقو على وجود اهلل ععا ى قيو‬
‫السموات واألرض‪ ،‬ولو شاء عركه حلظة لزال وألصبحنا وملا وجدنا وقتا نفكر فيه بأننا فنينا‪،‬‬
‫ألننا سنكون فنينا فعال‪.‬‬

‫والفارق بني وجونا ووجود اهلل أن اهلل عبارك وععا ى وجود واجب له من ذاعه‪ ،‬أما حنن‬
‫فليس لنا من ذواعنا ش ء قط‪ ،‬فإن ُمنحنَا نعمة الوجود بقينا ما بقيت ُمعارة لنا وإال اختفينا‬
‫فلم ميسكنا ش ء‪ ،1‬ومن هنا نعرف أن هلل صفات كثرية عوضح معامل كماله نذكر منها ما‬
‫يل ‪:‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬ليس كمثله شيء‪.‬‬

‫قد وصف اهلل عز وجل نفسه بصفات كثرية من الصعب إدراك حقيقتها على النحو‬
‫الذى ندرك به أمورنا املعتادة‪ ،‬فنجد مثال إن النملة ال ععرف حقيقة اإلنسان يف حدود عاملها‬
‫الذي ععيش فيه عقفهه دون ذلك‪ ،‬أو الطفل يف املرحلة األو ى من عمر ال يعرف ما للرجولة‬
‫وال ما يصحبها من سعة عقل وإدراك‪ ،‬بل إن اإلنسان عاجز حىت اآلن عن إدراك حقيقة‬
‫الوجود املادي الذى يعيش فيه‪ ،‬فكيف يعرفون ما وراء من غيوب‪.‬‬

‫فإن قيل لك إن اهلل يسمع فليس بذلك أن له أذن كأذن اإلنسان‪ ،‬أو قيل أنه يرى‬
‫فليس بذلك أن له عني كأعني اإلنسان‪ ،‬وإذا قيل أن اهلل بىن السماء فليس على النحو‬
‫املألوف يف حياعنا باستخدا أدوات البناء‪ ،‬فشأن األلوهية أمسى مما عتصور أذهان البشر‬
‫والعقول القصر ‪ ،‬قال اهلل ععا ى‪:‬ﱡﭐ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ‬
‫‪2‬‬

‫ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ‬

‫‪ -1‬حممد الغزايل‪ ،‬عقيدة املسلم‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.41-42‬‬


‫‪ - 2‬حممد الغزايل‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.42-46‬‬
‫‪31‬‬
‫الرؤية الكونية في هللا عز وجل‬ ‫المبحث األول‪:‬‬

‫ﲠﲡﲢﲣ ﲤ ﲥﲦﲧﲨ ﲩ ﲪﲫﲬ ﲭﲮ ﲯﲰﲱ ﲲﲳ‬


‫‪1‬‬
‫ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﱠ‪.‬‬

‫وعلى ذلك فكل ما قطعنا بثبوعه يف كتاب اهلل وسنة رسوله مما وصف به نفسه وأسند‬
‫إ ى ذاعه قبلنا على العني والرأس ال نتعسف له عأويال‪ ،‬وال نقصد به جتسيما‪ ،‬وال عشبيها‪.‬‬

‫والذات اإلهلية ليست ذاعا مبهمة جمهلة كما أهنا ليست حمدودة جمسدة‪ ،‬ه ذات ال‬
‫كالذوات اليت يراها احلس أو يتخيلها الوهم‪ ،‬ألهنا لو وقعت يف دائرة اخليال مهما امتد‬
‫واعسع كانت هبذا املعىن حمدودة ومقيدة ‪...‬‬

‫وذات اهلل مع أنه فوق أن عدرك وفوق أن حتد قد وصفت يف القرآن بصفات كثرية‬
‫كاإلرادة والقدرة واحلكمة واحلياة والسمع والبصر والغين والكال والقدر ‪ ...‬وغريها من‬
‫الصفات وه صفات كمال املطلق‪.‬‬

‫مع هذا فالبد أال عضاف إ ى ذاعه كما عضاف هذ الصفات إ ى ذواعنا مع الفارق‬
‫البعيد يف كماهلا يف ذات اإلله‪ ،‬ونقصها يف ذات اإلنسان‪ ،‬وجاء يف القرآن الكرمي كثري من‬
‫هذ اآليات اليت عضيف إ ى صفات عاملة يف الوجود كقوله ععا ى‪ :‬ﱡﭐ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ‬
‫ﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑ ﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘ‬

‫فف اآليات ععريف بذات اهلل‪ ،‬وأنه اخلالق العليم‪ ،‬الذي عفضل‬ ‫‪2‬‬
‫ﲙﲚﲛﲜﲝﱠ‬

‫على عباد باخللق والتعليم‪ ،‬كقوله سبحانه‪:‬ﱡﭐ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊﲋﲌ ﲍ‬

‫ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘﲙ ﲚ‬

‫ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ‬

‫‪ -1‬سورة آل عمران‪ :‬اآلية ‪.7‬‬


‫‪ -2‬سورة العلق‪ :‬اآلية ‪.1-7‬‬
‫‪30‬‬
‫الرؤية الكونية في هللا عز وجل‬ ‫المبحث األول‪:‬‬

‫ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ‬

‫ﲵﲶﱠ‪.1‬‬

‫فاهلل سبحانه وععا ى مريد وبإرادعه عتعلق مصاير األمور‪ ،‬وكقوله جل شأنه‪:‬ﱡﭐ ﱪ ﱫ‬

‫ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ‬

‫ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ‪ ،2‬فاهلل ععا ى متصف بكل صفات الكمال‬


‫‪.‬‬

‫املطلق‪ 3،‬قال فيه أيضا ‪:‬ﱡﭐ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥﱦ ﱧ ﱨ‬

‫ﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱠ‪.4‬‬

‫المطلق‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬الغنى ُ‬
‫من صفات اهلل سبحانه وععا ى أنه واسع الغىن‪ ،‬وليست سعة غنا راجعة إ ى هذا العامل‬
‫مبساواعه وأرضه وما حوى من معادن نفسية وعناصر غالية‪ ،‬ال ألنه ال ميلك عددا ال حيصى‬
‫من اجلن واإلنس واملالئكة‪ ،‬ال‪ ،‬ال ‪ ،‬ال فالغىن أعظم من ذلك وأجمد‪ ،‬إننا قد نعترب الرجل‬
‫غنيا ألنه ميلك القناطري من الذهب والفضة‪ ،‬أو ألنه حيكم األلوف املؤلفة من الناس‪ ،‬فإذا‬
‫فقد ذلك مل يصح على ش ء من الغىن إذا اهنارت الدعائم اليت يقو عليها‪ ،‬وقد يكون‬
‫امللكوت الواجب الذي نعرف أقله‪ ،‬وجنهل أكثر مظهرا للغىن اإلهل العظيم‪.‬‬

‫لكن اهلل عزو جل يستطيع أن يفين ذلك أمجع وال ينقص غنا املطلق ش ء البتة‪،‬‬
‫ويبقى قائما بنفسه مستغنيا عن خلقه‪ ،‬ومستكمال نعوت قداسته‪ ،‬ومستعليا يف أنوار جاللته‪،‬‬
‫وقد جاء يف األحاديث القدسية‪( :‬يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا‬

‫‪ -1‬سورة البقرة‪ :‬اآلية ‪.721‬‬


‫‪ -2‬سورة الرعد‪ :‬اآلية ‪.2-9‬‬
‫‪ -3‬حممد الغزايل‪ ،‬عقيدة املسلم‪ ،‬مصدر السابق‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫‪ -4‬سورة الرو ‪ :‬اآلية ‪.87‬‬
‫‪32‬‬
‫الرؤية الكونية في هللا عز وجل‬ ‫المبحث األول‪:‬‬

‫على أعقى قلب رجل منكم‪ ،‬ما زاد ذلك يف ملك شيئا‪ ،‬يا عبادي لو أن أولكم وآخركم‬
‫وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملك شيئا )‪.‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬اَلول ليس قبله شيء‪.‬‬

‫وجود اهلل سبحانه وععا ى ممتد يف القد حبيث ال يتصور قبله وجود قط‪ ،‬وما دا كل‬
‫وجود قد نشأ عنه‪ ،‬فاهلل ععا ى أسبق منه‪ ،‬وحنن ال نعرف عن األول شيئا إذا عهدنا بالوجود‬
‫قد حدث بعد ميالدنا‪ ،‬عن أُيب بن كعب رض اهلل عنه أن املشركني قالوا لرسول اهلل صلى‬
‫ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ‬ ‫اهلل عليه وسلم‪ :‬انسب لنا ربك فنزل‪ ،‬قوله ععا ى‪:‬‬
‫ﱋﱌﱍﭐﱠ ‪ ، 1‬ألنه ليس ش ء يولد إال وسيموت‪ ،‬وليس ش ء ميوت إال سيورث‪ ،‬إن اهلل‬
‫‪2‬‬
‫‪ ،‬أي مل يكن له‬ ‫ﱡﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱠ‬ ‫ععا ى ال ميوت وال يورث‪ ،‬قال ععا ى‪:‬‬
‫شبيه وال عديل وليس كمثله ش ء‪.3‬‬

‫الفرع الخامس‪ :‬هو اآلخر ليس بعده شيء‪.‬‬

‫اهلل جل جالله متصف بالبقاء أبدا‪ ،‬فهو ليس جسما ك ميوت‪ ،‬وال مادة فتتحل‬
‫ععا ى‪:‬ﱡﭐ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿﲀ ﲁ ﲂ ﲃ‬ ‫وعذوي‪ ،‬إنه الدائم الذي يصري إليه كل ش ء‪ ،‬قال‬
‫ﲄﲅ ﲆﲇ ﲈﲉﲊﲋﲌ ﲍﲎ ﲏ ﲐ ﱠ‪ 4‬قال ععا ى‪:‬ﱡﭐ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ‬
‫‪.‬‬

‫ﱚ ﱛ ﱜ ﱝﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱠ‪ 5‬إن وجود اهلل عز‬


‫وجل واجب له من ذاعه ال ينفك عنه أبدا‪ ،‬أما ما عدا فهو صفر إن مل عدركه نعمة الوجود‬
‫املفاضة عليه من اخلالق جل عال ‪.6‬‬

‫‪ -1‬سورة اإلخالص‪ :‬اآلية ‪.4-7‬‬


‫‪ -2‬سورة اإلخالص‪ :‬اآلية ‪.2‬‬
‫‪ -3‬حممد الغزايل‪ ،‬عقيدة املسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.47‬‬
‫‪ -4‬سورة القصص‪ :‬اآلية ‪.22‬‬
‫‪ -5‬سورة الفرقان‪ :‬اآلية ‪.12‬‬
‫‪-6‬حممد الغزايل‪ ،‬عقيدة املسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫‪33‬‬
‫الرؤية الكونية في هللا عز وجل‬ ‫المبحث األول‪:‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مالمح الرؤية الكونية لنإنسان عند الشيخ‬


‫محمد الغزالي‪.‬‬
‫المطلب اَلول‪ :‬مبدأ الخلق‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬بداية الوجود اإلنساين بني نظرية التطور واألحباث العلمية املعاصرة‪.‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬بداية الوجود اإلنساين عند الشيخ الغزايل‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬طبيعة اإلنسان‪.‬‬


‫الفرع األول‪ :‬مكانة وقيمة اإلنسان‪.‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬اخللق حسن التقومي‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬وظيفة اإلنسان‪.‬‬


‫الفرع األول‪ :‬عبوديته هلل عز وجل‪.‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬االستخالف‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬مصير اإلنسان‪.‬‬


‫الفرع األول‪ :‬املوت‪.‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬البعث‪.‬‬

‫ملخص‪:‬‬
‫‪34‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مالمح الرؤية الكونية لإلنسان عند الشيخ محمد الغزالي‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مالمح الرؤية الكونية لنإنسان عند الشيخ محمد الغزالي‪.‬‬

‫ﭧ ﭐﭨ ﭐﱡﭐﲡﲢﲣﲤﲥﲦ ﲧﲨﲩﲪﲫﲬ ﲭﲮ‬


‫ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺﲻﲼ ﲽ‬
‫ﲾﲿﳀﳁﳂﳃ ﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌ ﳍ‬

‫ﳎﳏﳐﳑﳒﳓﳔﳕﳖﱠﭐ ‪.1‬‬

‫إن اإلنسان هو ذلك الكائن احل الذي اجتمعت فيه القوى اجلسمانية والقوى‬
‫الروحانية هو الكائن الغريب املتميز عن سائر املخلوقات‪ ،‬فهو غريب متميز يف عكوينه‪،‬‬
‫وعالقته ويف سلوكياعه وحضارعه‪ ،‬مث إنه الكائن الوحيد الذي أمسا اهلل ععا ى بوظيفته ومهمته‬
‫ف بَ َدأَ اخلَل َق ُمث اللهُ يـُنش ُئ النشأَةَ‬
‫يف الوجود قال ععا ى‪﴿ :‬قُل سريُوا يف األَرض فَانظُُروا َكي َ‬
‫اآلخَرَةإن اللهَ َعلَى ُكل َش ء قَد ٌير﴾‪.2‬‬

‫فاإلنسان يعيش يف هذ األرض معززا ومكرما باخلريات ونعيمها‪ ،‬مميزا عن غري من‬
‫الكائنات بالعقل‪ ،‬الذي جعله يتسأل نفسه عن أصله؟ وعن غاية وجو ؟ وإ ى أين مصري ؟‬
‫ورغم حماولته اإلجابة على هذ األسئلة إال أن علك اإلجابات عبقى نسبية ال حتتمل اليقني‬
‫لن يتمكن األنسان من على األجوبة اليت عريح قلبه وعقنع عقله إال يف ظل الرؤية الكونية‬
‫اإلسالم اليت عستمد مصدرها القرآن الكرمي الذي ال يأعيه من بني يديه وخلفه جميب على‬
‫عساؤالهتم ؟ عن أصله ؟ عن وظيفته وغايته ؟ وعن مصري احملتو ؟‬

‫المطلب اَلول‪ :‬مبدأ الخلق‪.‬‬


‫يرى الشيخ حممد الغزايل أن القرآن الكرمي يوضح كل ش ء عن بداية آد وذريته‪،‬‬
‫فمن جهة األصل هم من عراب‪ ،‬فقيمة اإلنسان املادية مشابة لقيمة أغلب األحياء من‬

‫‪ - 1‬سورة املؤمنون‪ :‬اآلية ‪.29-22‬‬


‫‪ -2‬سورة العنكبوت ‪ :‬اآلية ‪.80‬‬
‫‪35‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مالمح الرؤية الكونية لإلنسان عند الشيخ محمد الغزالي‬

‫الكائنات حيث قوله سبحانه‪:‬ﱡﭐ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ‬

‫ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﱠ‪ 1‬فاألنسان مل يستمد أي كرامة من‬


‫البداية األو ى‪ ،‬إمنا الكرامة اميزت يف املرحلة الثانية حيث نفخ اهلل فيه من روحه مث خلقه يف‬
‫أهبى وأحسن صورة‪ ،‬قال اهلل ععا ى ﭐﱡﭐ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮﲯ ﲰ ﲱ ﲲ‬
‫‪2‬‬
‫ﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﱠ‬
‫هبذ النفخة جعله كائن جديدا يعلوا وعسموا مكانته بني اخلالئق‪ ،‬وأخضع إليه‬
‫املخلوقات األخرى‪ ،‬وبعد أن مت خلق آد على هذ الصورة أمر اهلل املالئكة أن عسجد‬
‫ععظيما وعوقريا ال سجود عبادة‪ ،‬وقد أبدت املالئكة دهشتها إلجياد هذا اإلنسان‪ ،‬حيث قال‬
‫الشيخ حممد الغزايل "والنظرة األو ى يف خلق آد وبنيه كما ذكرها القرآن الكرمي عوضح كل‬
‫ش ء يف هذ الرسالة لقد بدأ هذا اخللق من عراب األرض وحدها والبشر مجيعا يف هذ‬
‫املرحلة من وجوهم ليس هلم فضل ميتازون به أو يعلى مكانتهم على غريهم من الكائنات‬
‫عساوي حفن الرتاب‪ ،‬بل أن القرآن الكرمي وصفهم يف هذ املرحلة مبا يدل على عفاهة الشأن‬
‫قال اهلل سبحانه واصفا إياهم‪( :‬الذي أحسن كل ش ء خلقه وبدأ خلق األنسان من طني‬
‫مث جعل نسله من سلسلة من ماء مهني)‪ ،‬فتلك املرحلة يف عاريخ الوجود اإلنساين ال يستمد‬
‫اإلنسان منها أي كرامة‪.‬‬

‫وإمنا يستمد هذ الكرامة من الطور اآلخر الذى يقول اهلل فيه للمالئكة‪:‬ﱡﭐ ﲻ‬

‫ﲼﲽﲾﲿ ﳀﳁﳂﳃﳄﱠ‬
‫‪3‬‬
‫يف هذ النفخة من روح اهلل‬
‫سرت يف كيان اإلنسان اخلصائص اليت استحق هبا أن يسمو وميجد وأن ختضع له صنوف‬
‫اخلالئق األخرى‪ ،‬فقبل نفخ الروح يف آد وذريته ما استحقوا سجودا وال عكرميا‪ ،‬فإن املالئكة‬

‫‪ -1‬سورة السجدة‪ :‬اآلية ‪.2-7‬‬


‫‪ -2‬سورة السجدة‪ :‬اآلية ‪.9‬‬
‫‪ -3‬سورة احلجر‪ :‬اآلية ‪.89‬‬
‫‪36‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مالمح الرؤية الكونية لإلنسان عند الشيخ محمد الغزالي‬

‫ومن دوهنم ال يكلفون بالسجود لساللة من الرتاب عافهة القيمة"‪ 1 ،‬فأصل األنسان أصله‬
‫شريف حيث خلقه اهلل بيد ‪ ،‬ونفخ فيه من روحه‪ ،‬فكان خلقه يف أحسن عقومي‪.‬‬

‫الفرع اَلول‪ :‬بداية الوجود اإلنساني بين نظرية التطور واَلبحاث العلمية المعاصرة‪.‬‬
‫حىت يكتمل عصور حقيقة اخللق املباشر لإلنسان ال بد من عرض مقولة التطور واالرعقاء يف‬
‫ضوء التطور العلم املعاصر‪ ،‬فكيف كانت بداية وجود اإلنسان بناء على هذ املقولة؟ وما‬
‫حقيقته؟‬

‫لقد كتب أحد الباحثني قائال‪ :‬اإلنسان هو نتاج عاريخ طويل بدأ منذ ثالث مليارات‬
‫سنة عندما ظهرت على األرض األشكال األو ى للحياة متمثلة يف كائنات جمهرية غري‬
‫مميزة‪...‬والتطور هو الذي جعل الكائنات احلية مشتقة من بعضها البعض بناء على قوانني‬
‫بدأنا نعرفها أكثر‪ ،‬وذلك يف خط متصل من اخللية األو ى ووصوال إلينا‪ ،‬فكل احليوانات احلية‬
‫عنحدر من حيوانات أخرى عاشت مدة طويلة نسبيا‪ ،‬ومل حيدث أي كائن ح بنفسه فنحن‬
‫‪3‬‬
‫مدينني بعض الش ء لدودة األرض‪ ،‬واجلعل‪ 2‬والكلكنتا‪.‬‬

‫فاإلنسان إذا ككل األحياء هو نتاج التطور ‪...‬ولكنه آخر حلقة‪ ،‬واملرحلة األكثر‬
‫ععقيدا يف عسلسل الثالث مليارات سنة‪ 4 ،‬والتطور كما عرفه دارون ‪ :‬هو "أسلوب يف نشوء‬
‫املوجودات احلية يقو على الرتق يف أشكال احلياة عرقيا يؤدي إ ى إنتاج أنواع حية أكثر‬
‫ععقيدا من سابقتها‪ ،‬كلها يرجع إ ى أصل واحد كما أنه ينطوي على فكريت التباين أو التنوع‬
‫والتكامل‪ ،‬ويقو على قانوين االنتخاب الطبيع واالنتخاب اجلنس عن طريق الصراع من‬
‫أجل البقاء لألصلح واألقدر على التكيف‪ .‬فالكائنات احلية كلها كثرية التغري وعديدة‬
‫الضروب والتنوع واالختالف وحاالت احلياة املتغايرة هذ واالختالف بني األفراد من أكرب‬

‫‪ -1‬حممد الغزايل‪ ،‬اجلانب العاطف من اإلسال ‪ ،‬ط‪ ،2‬مصر‪ ،‬دار هنضة‪ ، 8004 ،‬ص‪.27-22‬‬
‫‪ scarabee -2‬اجلعل جنس من اخلنافس يكثر يف املواضع الندية‪.‬‬
‫‪ le coclacantbe -3‬الكلكنتا ‪:‬نوع من األمساك القدمية جدا اكتشفت عا ‪. 7941‬‬
‫‪ - 4‬عشارلز داروين‪ ،‬أصل األنواع نظرية النشوء واالرعقاء‪ ،‬عرمجة ‪:‬إمساعيل مظهر‪ ،‬ن ‪ :‬دار التنوير للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع د‪ -‬ط‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪ ،864‬وراجع ‪.729,817‬‬
‫‪37‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مالمح الرؤية الكونية لإلنسان عند الشيخ محمد الغزالي‬

‫مقومات التحول‪ ،‬وه املقصود األول للتطور حيث يتغري احليوان مبا يالء احمليط البيئ‬
‫الذي نعيش فيه‪ ،‬وهذا التغري ال يشمل األعضاء فقط بل الصبغيات الوراثية للكائنات كما‬
‫يرى العلماء املعاصرون‪ ،‬والسجالت اجليولوجية والتحوالت الوراثية واللذان يوليهما التطورين‬
‫أمية كربى‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬بداية الوجود اإلنساني عند الشيخ الغزالي‪.‬‬

‫نقد الشيخ حممد الغزايل نظرية التطور‪ ،‬وقال‪ :‬إن اخللق يا أويل األلباب وظيفة هلا‬
‫مؤهالت‪ ،‬إن إجياد ش ء من عد أو من غري عد يقتض أوصافا معينة ال بد منها‪ ،‬وهم‬
‫يتصورون أن العامل املنسق الرعيب قد كونته مادة ال روح هلا وال وع ‪ ،‬ويواصل الشيخ حممد‬
‫الغزايل‪ :‬قال يل أحد هؤالء‪ :‬أعنكر نظرية التطور ؟؟ فقلت له‪ :‬لنفرض جدال أن نظرية التطور‬
‫أضحت حقيقة علمية ثابتة‪ ،‬وليست نظرية ميكن أن يعدل العلماء عنها إ ى عفسري أصدق‬
‫ألصل األنواع فماذا عفيد علك النظرية؟ هب أن اإلنسان كان أوال "أمبيا" مث ارعقى حىت‬
‫أصبح كما هو اآلن‪ ،‬أفمعىن ذلك أنه ال إله؟ كال إن الزعم بأن هذا التطور يتم من‬
‫علقاء نفسه ألن باألشياء خصائص جتعلها عتدحرج من فوق إ ى حتت أو عتدحرج‬
‫‪1‬‬
‫من حتت إ ى فوق‪ ،‬هكذا من غري مؤثر خارج ‪ ،‬زعم فارغ من العلم واملنطلق !!‪.‬‬
‫إذن من الذي خلق هذا احليوان وجعل يف كيانه الدقيق مشروع بناء إنسان؟ ليس إال‬
‫اهلل !! ﴿أَفَ َرأَيْ تُ ْم َما تُ ْمنُو َن‪ ،‬أَأَنْ تُ ْم تَ ْخلُ ُقونَهُ أ َْم نَ ْح ُن الْ َخالِ ُقو َن﴾‪ 2،‬إن هذا اخلالق الكبري‬
‫حيكم األسباب وال حتكمه األسباب‪ ،‬وهو مستطيع أن خيلق البشر بوسائط أخرى غري ما‬
‫يعرف يف النشأة األو ى‪.‬‬

‫ويستشهد الشيخ الغزايل رمحه اهلل بالقرآن الكرمي على أطوار خلق اإلنسان‪ ،‬وذلك يف‬
‫قوله اهلل ععا ى‪َ ﴿:‬ولََقد َخلَقنَا اإلن َسا َن من ُس َاللَة من طني‪ُ ،‬مث َج َعلنَا ُ نُط َفة يف قَـَرار َمكني‪،‬‬

‫‪ - 1‬الشيخ حممد الغزايل‪ ،‬اجلانب العاطف من اإلسال ‪ ،‬ط‪ ،4‬النهضة‪ ،‬مصر‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫‪ -2‬سورة الواقعة‪ :‬اآلية ‪.19-12‬‬
‫‪38‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مالمح الرؤية الكونية لإلنسان عند الشيخ محمد الغزالي‬

‫ُمث َخلَقنَا النُّط َفةَ َعلَ َقة فَ َخلَقنَا ال َعلَ َقةَ ُمضغَة فَ َخلَقنَا ال ُمضغَةَ عظَاما فَ َك َسونَا العظَا َ َحلما ُمث‬
‫‪1‬‬
‫ني﴾‪.‬‬ ‫آخَر فَـتَبَ َارَك اللهُ أَح َس ُن اخلَالق َ‬
‫أَن َشأنَا ُ َخلقا َ‬
‫وقول املو ى عز وجل‪ ﴿:‬الذي أَح َس َن ُكل َش ء َخلَ َقهُ َوبَ َدأَ َخل َق اإلن َسان من طني ‪ُ ،‬مث‬
‫َج َع َل نَسلَهُ من ُس َاللَة من َماء َمهني‪ُ ،‬مث َسوا ُ َونـَ َف َخ فيه من ُروحه َو َج َع َل لَ ُك ُم السم َع‬
‫ص َار َواألَفئ َد َة قَليال َما عَش ُك ُرو َن ﴾‪ 2.‬واإلنسان هبذ النفحة كائن جديد يعلو فوق ما‬ ‫َواألَب َ‬
‫يشبهه من ضروب احليوان‪ ،‬ولذلك قال جل شأنه‪ ﴿ :‬فَ َك َسونَا العظَا َ َحلما ُمث أَن َشأنَا ُ َخلقا‬
‫ني﴾‪ 3.‬إن أول ما خلق اهلل آد عليه السال كان على هذ‬ ‫آخَر فَـتَبَ َارَك اللهُ أَح َس ُن اخلَالق َ‬
‫َ‬
‫الصورة‪ ،‬مث أمر اهلل املالئكة أن عسجد له سجود ععظيم وعوقري ال سجود عبادة‪ ،‬والقرآن‬
‫الكرمي يلح يف طلب النظر‪ ،‬واستقصاء الفكر يف هذا الوجود ملعرفة البدء والعودة! إننا‬
‫موجودون يقينا فكيف وجدنا؟ واملتأمل يف النشأة األو ى يدرك سهولة النشأة اآلخرة‪ 4.‬قال‬
‫ف بَ َدأَ اخلَل َق ُمث اللهُ يـُنش ُئ النشأَةَ اآلخَرةَ إن اللهَ‬‫ععا ى‪﴿ :‬قُل سريُوا يف األَرض فَانظُُروا َكي َ‬
‫‪5‬‬
‫ب َمن يَ َشاءُ َويَـر َح ُم َمن يَ َشاءُ َوإلَيه عُـقلَبُو َن﴾‪.‬‬
‫َعلَى ُكل َش ء قَد ٌير‪ ،‬يـُ َعذ ُ‬
‫يد ُ َوُه َو أَه َو ُن َعلَيه﴾ ‪ ،6‬وليس‬
‫قال جل جالله‪﴿:‬وهو الذي يَـب َدأُ اخلَل َق ُمث يُع ُ‬
‫عند اهلل سهل وصعب وهني وأهون‪ ،‬ولذلك أعبع هذا التنزل بقوله ععا ى‪َ ﴿ :‬ولَهُ‬
‫يم﴾ ‪ 7‬وقد عكرر هذا الدليل‬ ‫ال َمثَ ُل األَعلَى يف الس َم َاوات َواألَرض َوُه َو ال َعز ُيز احلَك ُ‬
‫يف سور كثرية‪ ،‬وهو شأن بديه ال يرد إال مكبد بليد !﴿ َوقَالُوا أَإ َذا ُكنا عظَاما‬

‫‪ -1‬سورة املؤمنون‪ :‬اآلية ‪.72-78‬‬


‫‪ - 2‬سورة السجدة‪ :‬اآلية ‪.9-7‬‬
‫‪ -3‬سورة املؤمنون‪ :‬اآلية ‪.72‬‬
‫‪ -4‬الشيخ حممد الغزايل‪ ،‬احملاور اخلمسة‪ ،‬ص‪.717‬‬
‫‪ -5‬سورة العنكبوت‪ :‬اآلية ‪.87-80‬‬
‫‪ - 6‬سورة الرو ‪ :‬اآلية ‪.87‬‬
‫‪ - - 7‬سورة الرو ‪ :‬اآلية ‪.87‬‬
‫‪39‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مالمح الرؤية الكونية لإلنسان عند الشيخ محمد الغزالي‬

‫ج َارة أَو َحديدا‪ ،‬أَو َخلقا مما يَكبُـ ُر يف‬


‫َوُرفَاعا أَإنا لَ َمبـعُوثُو َن َخلقا َجديدا‪ ،‬قُل ُكونُوا ح َ‬
‫ص ُدورُكم فَ َسيَـ ُقولُو َن َمن يُع ُيدنَا قُل الذي فَطََرُكم أَوَل َمرة﴾‪.1‬‬
‫ُ‬
‫المطلب الثاني‪ :‬طبيعة اإلنسان‪.‬‬
‫ويرى أيضا الشيخ حممد الغزايل أن النزاع األبدي بني االنسان واحلياة على أساسني هم‬
‫عكوينه احليواين الرابض يف د األنسان‪ ،‬يتحرك بنزعات القسوة واألثر وحدها‪ ،‬أ اجلانب‬
‫األخر هو عكوينه للقلب اإلنساين املتطلع إ ى الكمال والسال واحلب واإلثار‪ ،‬وقد محلنا حنن‬
‫املسلمني حضارة أعلت قدر األنسان ولفتت نظر إ ى ملكوت السموات واألرض املمهد له‬
‫قال اهلل ععا ى‪ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ‬

‫ﱐ ﱑﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ‪ 2‬هذا‬
‫التسخري آلفاق السماء وفجاج األرض وجعلها يف خدمة اإلنسان يتضمن إشارة بينه إ ى أن‬
‫اإلنسان خلق ليكون سيدا ال ليكون مهانا وأن سجود املأل األعلى له يف السموات معنا أن‬
‫حييا على ظهر هذ األرض سيدا موفور احلرية‪ ،‬مدعو املكانة‪ ،‬إذ وظيفته أن خيلف اهلل يف‬
‫أرضة ولكن ال جيوز عند انشغال اإلنسان بأعباء العيش األرضية أن ينسى حقوق اهلل ربه‬
‫قال اهلل ععا ى‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ‬

‫ﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﱠ‪.3‬‬
‫وقد وازن اإلسال يف ععاليمه بني مطالب اجلسد وبني مطالب الروح‪ ،‬وليس يف‬
‫اإلسال عغليب للجسد على الروح وال للروح على اجلسد؛ إمنا فيه عنظيم دقيقة جيعل‬
‫معنويات اإلنسان ه اليت عتو ى قيادة وامسك بزمامه فال هو براهب يقتل نداء الطبيعة‬
‫ومييت هواعف الفطرة وال هو مادي يتجاهل سناء الروح وأشواقها إ ى الرفعة واخللود‪ ،‬قال‬
‫الشيخ حممد الغزايل‪ " :‬إن اإلسال يلح على كل إنسان فوق األرض أال ينسى نسبه‬

‫‪ -1‬سورة اإلسراء‪ :‬اآلية‪.17‬‬


‫‪ -2‬سورة لقمان‪ :‬اآلية ‪.80‬‬
‫‪ -3‬سورة املؤمنون‪ :‬اآلية ‪.776-771‬‬
‫‪41‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مالمح الرؤية الكونية لإلنسان عند الشيخ محمد الغزالي‬

‫السماوي و أال يتجاهل أصله املنبثق من روح اهلل‪ ،‬وللجسد حقوق مقدرة وقد قال اهلل يف‬
‫وصف أنبيائه قال ععا ى‪:‬ﭐﱡﭐ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﱠ‬
‫‪1‬‬

‫لكن عوفري هذ احلقوق ليس إال وسيلة لصيانة الفؤاد والفكر ومحاية القلب والعقل ما شابه‪.‬‬
‫هذا اجلسم بزجاجة املصباح الكهربائ إهنا ه اليت عصقل الضوء وامد الشعاع‪ ،‬فلو‬
‫انكسرت ذهب النور واحتبس التيار ومع ذلك فاحملافظة على هذ الزجاجة وعلميعها إزالة‬
‫الغبار من فوقها ش ء غري مقصود لذاعه بل مقصود لينطلق الضوء من خالهلا صافيا نقيا وقد‬
‫أمر اإلسال بتطهري البدن وعزكية الروح فقال‪( :‬إن اهلل يحب التوابين ويجب المتطهرين )‬
‫وطهارة الروح أساسها حسن الصلة باهلل‪ ،‬وطهارة البدن بإزالة القذارة الذى ال عليق مبكانة‬
‫‪2‬‬
‫إنسان كرمي على اهلل"‪.‬‬
‫إن عبادة اجلسد امرد على األساس اإلهل يف احلياة وآفة احلضارة املادية أهنا سخرت‬
‫العقول للشهوات‪ ،‬و أخرست نداء الروح وأطلقت نداء الطني‪ ،‬وجحدت أن اإلنسان نفخة‬
‫من روح اهلل‪ ،‬ورأت أنه نشأ من األرض فال جيوز أن يرفع رأسه إ ى أعلى‪ ،‬يذكر اهلل ويل‬
‫نعمته‪ ،‬وسر عظمته‪ ،‬وحنن نؤكد أن شرف اإلنسانية أوال وآخرا يف صلتها باهلل واستمدادها‬
‫منه وعقيدها بشرائعه ووصايا ‪ ،‬واحلرية احلقيقة ليست يف حق اإلنسان أن يتدنس إذا شاء‬
‫ويرعفع إذا شاء‪ ،‬بل احلرية أن خيضع لقيود الكمال‪ ،‬وأن يتصرف داخل نطاقها وحد ‪ :‬ﭐﱡﭐﱁ‬

‫ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐﱑ ﱒ ﱓ ﱔ‬

‫ﱕﱖ ﱗ ﱘ ﱙﱚ ﱠ ‪. 3‬‬
‫‪.‬‬

‫إنه حق البشر يف عأمني الوسائل اليت حييون هبا حياة وليست حق امرئ ما يف أن‬
‫ينسلخ عن طبيعته أو يتمرد على فطرعه‪ ،‬حيث قال الشيخ حممد الغزايل‪ " :‬إن احلرية ليست‬
‫حق اإلنسان أن يتحول حيوانا إذا شاء أجيحد نسبه الروح إ ى رب العاملني أو يقرتف من‬
‫األعمال ما يوه بالسماء ويقوى صلته بالرتاب‪ ،‬فإن احلرية هبذا املعىن ال ععدو قلب احلقائق‬
‫وإبعاد األمور عن جمراها العتيد‪ ،‬بل الوقع أنك لن جتد أعبد من رجل يدع أنه حر فإذا‬

‫‪ -1‬سورة األنبياء‪ :‬اآلية ‪.2‬‬


‫‪ -2‬حممد الغزايل‪ ،‬اجلانب العاطف من اإلسال ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫‪ -3‬سورة األحزاب‪ :‬اآلية ‪.48‬‬
‫‪40‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مالمح الرؤية الكونية لإلنسان عند الشيخ محمد الغزالي‬

‫فتشت يف نفسه وجدعه ذليال لشهواعه كلها‪ ،‬رمبا كان عبد بطنه أو فرجه ورمبا كان عبدا‬
‫للمظاهر اليت يرائ هبا الناس‪ ،‬فإذا فقد بعض هذ الرغائب رأيته أعفه ش ء ولو كان يل‬
‫أكرب املناصب‪ ،‬بل لو كان ملكا عدين له الرقاب واحلرية املطلقة ال عنبع إال من العبودية‬
‫الصحيحة هلل وحد "‪ ،‬ولذلك فنحن نكذب كل دعوة للحرية عزين للناس اعتداء حدود اهلل‬
‫أو ععطيل أحكامه أو اهلبوط باإلنسان عن املكانة السماوية اليت رشح هلا بأصل اخللقة‪.‬‬
‫كم يكون اإلنسان نازل املرعبة عافه القيمة إذ كانت وظيفته يف احلياة ال عتجاوز بضع‬
‫عشرات من السنني يقضيها على ظهر األرض‪ ،‬مث يقضى دون عودة وينته بذلك أمر كما‬
‫عنتهى آجال الذئاب يف الغاب أو الشيا يف احلقول‪ ،‬أهلذا خلق اإلنسان و استخلفه اهلل يف‬
‫هذا العامل‪ ،‬قال الشيخ حممد الغزايل‪" :‬أن اهلل امنت على األنسان هبذ املرعبة الرفيعة‪ ،‬مل يدعه‬
‫يف هذ احلياة وشأنه ( أحيسب اإلنسان أن يرتك سدى)‪ ،‬كال إن اهلل كما شرفه بالكثري من‬
‫النعم كلفه العديد من احلقوق‪ ،‬وه حقوق عدور يف مجلتا على رعاية مصاحلة وضمان اخلري‬
‫له يف عاجل أمر وآجله‪ ،‬و اإلسال كلمة اهلل األخري يف هذا اجملال‪ ،‬وهو دين حيرت طبائع‬
‫األشياء ألنه دين الفطر‪ ،‬ولذلك يستحيل أن يتضمن حكما علميا أو اجتماعيا يناقض‬
‫‪1‬‬
‫احلقائق املقررة‪ ،‬قال سبحانه‪( :‬وباحلق أنزلنا وباحلق نزل وما أرسلناك إال مبشرا ونذير)"‪.‬‬
‫يقول "يوخنز"‪:‬عميد العلماء املاديني يف العصر املاض ‪":‬إن اإلنسان حمصول املادة‬
‫وليست له خاصية فكرية على النحو الذي يصور الروحانيون "ويقول ماضيا يف إنكار الروح‪،‬‬
‫مصورا العقل اإلنساين بصورة مادية ‪":‬إن الكبد والكليتني عفرزان مادة مرئية دون أن نعلم‬
‫حنن بذلك‪ ،‬مث إهنم يقولون‪" :‬إن القوة ال عنفصل عن املادة‪،‬‬

‫هذ الصورة اليت يقدمها امللحدون لإلنسانية ومعنوياهتا وهذ ه أدلتهم على إنكار ما‬
‫وراء املادة‪ ،‬وعلى رفض اإلميان باهلل العل الكبري إنه من املقطوع به عقال أن العد ال يتحول‬
‫إ ى وجود وال خيلق وجودا‪ ،‬فإذا قيل أن العامل مفتقر يف إحداثه إ ى سبب‪ ،‬وإن اإلحياء‬
‫حمتاجة يف وجودها إ ى اخلالق؛ قيل‪ :‬بل جيوز ذلك من علقاء نفسه‪ ،‬يقول املشري أمحد عزت‬

‫‪ -1‬حممد الغزايل‪ ،‬اجلانب العاطف من اإلسال ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 98‬‬


‫‪42‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مالمح الرؤية الكونية لإلنسان عند الشيخ محمد الغزالي‬

‫باشا ‪":‬من حيث إنه ال روح وال نفس ناطقة‪ ،‬فمن الذي يشعر مبا عفرز احلركة الدماغية‬
‫‪1‬‬
‫؟ومن الذي ال يشعر هبا ؟وما معىن كلمة حنن الذي يستعملها ذلك املتكلم؟ يوخنز‪.‬‬

‫الفرع اَلول‪ :‬مكانة وقيمة اإلنسان‪.‬‬

‫إن اإلنسان يف القرآن الكرمي كائن مكر مفضل خمدو حمرت ‪ ،‬وذلك يف قوله ععا ى‪﴿:‬أَ َمل‬
‫عَـَروا أَن اللهَ َسخَر لَ ُكم َما يف الس َم َاوات َوَما يف األَرض َوأَسبَ َغ َعلَي ُكم ن َع َمهُ ظَاهَرة َوبَاطنَة‬
‫َوم َن الناس َمن ُجيَاد ُل يف الله بغَري علم َوَال ُهدى َوَال كتَاب ُمنري﴾ ‪ ،2‬هذ ناحية عتصل‬
‫بالتكرمي املادي لإلنسان‪ ،‬ومث ناحية عتصل بكيانه املعنوي ‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الخلق في أحسن التقويم‪.‬‬

‫فاإلنسان نفخة من روح اهلل األعلى‪ ،‬هكذا بدأ خلق آد ‪ ،‬إن احلياة يف شىت األجسا‬
‫املتحركة ش ء‪ ،‬وخصائص احلياة الرفيعة يف أبناء آد ش ء آخر‪ ،‬وقد أشاع اهلل نعمة اخللق‬
‫بني خالئق كثرية برزت من العد إ ى الوجود‪ ،‬بيد أن آد وحد هو الذي وصفه بقوله ععا ى‬
‫ين﴾ ‪ 3،‬واطرد هذا التكرمي يف ذريته‬ ‫ت فيه من ُروح فَـ َقعُوا لَهُ َساجد َ‬‫‪﴿ :‬فَإ َذا َسويـتُهُ َونَـ َفخ ُ‬
‫إ ى قيا الساعة‪ ،‬قوله ععا ى‪" :‬الذي أَح َس َن ُكل َش ء َخلَ َقهُ َوبَ َدأَ َخل َق اإلن َسان من طني‪ُ ،‬مث‬
‫َج َع َل نَسلَهُ من ُس َاللَة من َماء َمهني‪ُ ،‬مث َسوا ُ َونـَ َف َخ فيه من ُروحه َو َج َع َل لَ ُك ُم السم َع‬
‫ص َار َواألَفئ َد َة قَليال َما عَش ُك ُرو َن﴾‪.4‬‬
‫َواألَب َ‬
‫وناحية أخرى هلا األثر األكرب يف مستقبل اإلنسان ومستقبل الكوكب الذي أعد‬
‫لسكنا ‪ ،‬بل يف مستقبل اجملموعة الشمسية اليت ستنري عقدها‪ ،‬وينطفئ نورها مع انتهاء‬
‫الرسالة على ظهر األرض‪ .‬وه التكليف ؛فإن اهلل الذي زود اإلنسان بالسمو يف مواهبه ومل‬
‫يرتكه سدى‪ ،‬بل أمر وهنا ؛ إن أبانا آد وهو اإلنسان األول‪ ،‬كلف أال يأكل من شجرة‬

‫‪ - 1‬حممد الغزايل‪ ،‬عقيدة املسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.82‬‬


‫‪ - 2‬سورة لقمان ‪ :‬اآلية ‪.80‬‬
‫‪ -3‬سورة احلجر‪ :‬اآلية ‪.89‬‬
‫‪ -4‬سورة السجدة‪ :‬اآلية ‪.2-7‬‬
‫‪43‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مالمح الرؤية الكونية لإلنسان عند الشيخ محمد الغزالي‬

‫معينة‪ ،‬وكان جديرا به أن يعرف حق األمر‪ ،‬ولكنه بعد مرحلة من الذهول والضعف‪ ،‬عرضت‬
‫له ساعة اهنيار يف إرادعه فأكل من الشجرة احملرمة هو وزوجته فطردا مجيعا من اجلنة‪ ،‬وندما‬
‫وعابا فدعوا اهلل قائلني‪﴿ :‬قَ َاال َربـنَا ظَلَمنَا أَنـ ُف َسنَا َوإن َمل عَـغفر لَنَا َوعَـر َمحنَا لَنَ ُكونَن م َن‬
‫ض ُكم لبَـعض َع ُدو َولَ ُكم يف األَرض ُمستَـ َقر َوَمتَاعٌ إ َ ى حني‪ ،‬قَ َال‬ ‫ين‪ ،‬قَ َال اهبطُوا بَـع ُ‬
‫اخلَاسر َ‬
‫ف َيها َحتيَـو َن َوف َيها َامُوعُون َومنـ َها ُختَر ُجو َن﴾‪ ،1‬إن هذا السلوك من اإلنسان األول جيعلنا‬
‫نتساءل عن علته؟ إن العلة واضحة ألن اإلنسان بدأ حياعه بطبيعة مزدوجة‪ ،‬قبس من نور اهلل‬
‫داخل غالف من طني األرض! وقد نبه اهلل ععا ى إ ى هذا اخلليط يف التكوين البشري‪ 2،‬فقال‬
‫جل شأنه ﴿ إنا َخلَقنَا اإلن َسا َن من نُط َفة أَم َشاج نـَبتَليه فَ َج َعلنَا ُ َمسيعا بَصريا﴾‪.3‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬وظيفة اإلنسان‪.‬‬


‫يرى الشيخ حممد الغزايل أن األنسان كائن مكر مفضل حمرت ‪ ،‬ومن حق اهلل عبارك‬
‫امسه أن يعاعب البشر على سوء عقديرهم‪ ،‬ألنه قال‪:‬ﭐﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬

‫ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ‬

‫ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱠ‪ .4‬فالتكرمي والتسخري والنعم عقاهبا املسؤولية البشرية على اعبا اهلدي‬


‫اإلهل يف احلياة ك حتقق اإلنسان حقيقة وجود وغايتها‪.‬‬

‫الفرع اَلول‪ :‬العبودية هلل عز وجل‪.‬‬


‫هذ الناحية متصلة بالتكرمي املادي لإلنسان‪ ،‬وناحية ثانية عتصل بكيانه املعنوية‬
‫فاإلنسان نفخة من روح اهلل األعلى‪ ،‬هكذا كلتا الناحتني من التكرمي والتنعيم استتبعت‬
‫ناحية ثالثة كان هلا األثر األكرب يف مستقبل األنسان هذ الناحية ه التكليف فإن اهلل‬

‫‪ - 1‬سورة األعراف‪ :‬اآلية ‪.82-84‬‬


‫‪ - 2‬حممد الغزايل‪ ،‬علل وأدوية‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪ ،‬ص‪.77‬‬
‫‪ - 3‬سورة اإلنسان‪ :‬اآلية ‪.8‬‬
‫‪ -4‬سورة لقمان‪ :‬اآلية ‪.80‬‬
‫‪44‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مالمح الرؤية الكونية لإلنسان عند الشيخ محمد الغزالي‬

‫الذي زود اإلنسان هبذا السمو يف مواهبة مل يرتكه سدى بل أمر وطلب منه أن يفعل وأن‬
‫يرتك‪ ،‬ورمبا كلفه أن يفعل ما يثقله وأن يرتك ما يشتهيه‪ ،‬يظهر ذلك فيما كلف به أد عليه‬
‫السال ‪ ،‬حيث قال‪" :‬إن أبنا آد وهو األنسان األول كلف أال يأكل من شجرة معينة وكان‬
‫جديرا به أن يعرف حق اآلمر جل شأنه وأن يدع األكل من شجرة معينة‪ ،‬وكان جديرا به‬
‫يعرف حق األمر جل شأنه‪ ،‬وأن يدع األكل من هذ الشجرة أبدا‪ ،‬وكنه بعد مرحلة من‬
‫الذهول‪ ،‬وعرضت له ساعة اهنيار يف إرادعه وامتداد يف رغبته‪ ،‬فأكل من الشجرة احملرمة‬
‫وشاركته زوجته يف عصياعه فطردا مجيعا من اجلنة‪ ،‬وكانا قد أحسا باخلطأ الذي عورطا فيه‬
‫فدعوا اهلل نادمني‪ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ‬

‫ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ‬

‫ﱛﱠ ‪ ،"1‬ونزول أبونا إ ى األرض وشرع كثري من األبناء ميثلون القصة نفسها ويرعكبون اخلطأ‬
‫ذاعه ولكنه ليس أكال من شجرة بل اعباعا للشهوات اليت عقود إ ى العصيان واحلرمان؛‬
‫فالعنوان متغري واحلقيقة واحد‪.‬‬

‫إن هذا السلوك من اإلنسان األول جيعلنا نتساءل ما علته؟‬

‫العلة واضحة ذلك أن اإلنسان خلق من طبيعة مزدوجة‪ ،‬فهو قبس من نور اهلل داخل‬
‫غالف من طني‪ ،‬حيث حممد الغزايل قال الشيخ‪ :‬إن اهلل عبارك وععا ى بعدما صور اإلنسان‬
‫من الرتاب سوا نفخ فيه من روحه‪ ،‬فإذا كائن عجيب جيمع النقائص يف عركبيه‪ ،‬يقدر على‬
‫التسام وعلى اإلسفاف‪ ،‬يقدر على االستقامة وعلى االحنراف‪ ،‬وقد نبه القرآن الكرمي إ ى‬
‫هذا اخلليط يف التكوين البشرى فقال جل شأنه ‪ :‬ﱡﭐﲷﲸﲹ ﲺﲻ ﲼ ﲽ‬

‫ﲾﲿ ﳀﳁﱠ ‪.1 2‬‬

‫‪ 1‬سورة األعراف‪ :‬اآلية ‪84-81‬‬


‫‪ 2‬سورة اإلنسان ‪:‬اآلية ‪8‬‬
‫‪45‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مالمح الرؤية الكونية لإلنسان عند الشيخ محمد الغزالي‬

‫وكلتا النزعتني األرضية والسماوية جتد يف احلياة أو يف بيئة األنسان ما يضعفها أو يقويها‬
‫وقبل ذلك كله جند يف اإلنسان نفسه ما يرجح كفة على أخرى‪ ،‬وما يسلم زمامه للخري أو‬
‫الشر كما يريد هو لنفسه دون عدخل من أحد يف اجتاهه هنا أو هنا‪.‬‬

‫قال الشيخ حممد الغزايل‪" :‬وال بد من عأكيد هذ احلقيقة‪ ،‬حقيقة اإلرادة احلرة يف‬
‫الصعود واهلبوط‪ ،‬يف التقوى والفجور‪ ،‬يف إغضاب اهلل أو إرضائه‪ ،‬فإن الرمحن الرحيم يستحل‬
‫أن يظلم إنسانا سعى يف مرضاعه كما أنه ال يرضى عن إنسان سعى يف إغضابه‪ ،‬قال سبحانه‬
‫وععا ى‪ :‬ﱡﭐ ﲥﲦﲧﲨ ﲩ ﲪﲫ ﲬ ﲭﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳﲴ ﲵ‬

‫ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﱠ‪ ..2‬واهلل جل شأنه ينادي اإلنسان‬


‫ويذكر على اإلنسان أن يليب ويتذكر ويهتدي‪ ،‬فإذا أىب إال الشرود فهو وحد امللو من مث‬
‫عقررت هذ األحكا العادلة اليت عدركها من قوله ععا ى‪ :‬ﱡﭐ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ‬

‫ﱤﱥ ﱦ ﱧ ﱨﱩ ﱪ ﱫ ﱬﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱠ ‪ 3‬قال أيضا‬


‫ﱡﭐ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ‬

‫‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫ﱲﱳﱴﱠ‪...4‬‬

‫مث نتسأل من جديد‪ :‬ما قيمة الصوت املضلل الذي يستمع إليه اإلنسان فيزيغ ويشقى؟‬

‫إن اإلنسان يف هذ الدنيا هتيجه رغبة محقاء إ ى ش ء حمر ما إن يوقعه حىت حيس‬
‫الفراغ والضياع‪ ،‬هذا يعود إ ى أصل نشأعه بأنه له مصدرين‪ ،‬أوهلما نفس اإلنسان أو االيهاب‬

‫‪ 1‬حممد الغزايل ‪ ،‬مقاالت الشيخ حممد الغزايل يف جملة الوع اإلسالم ‪،‬ط‪ ،8‬دولة الكوين‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون‬
‫اإلسالمية ‪ 72246‬ه‪8077/‬ص ‪.498‬‬
‫‪ 2‬سورة النازعات‪ :‬اآلية ‪42-27‬‬
‫‪ 3‬سورة األنعا ‪ :‬اآلية ‪702‬‬
‫‪ 4‬سورة الشمس‪ :‬اآلية ‪70-7‬‬
‫‪5‬حممد الغزايل ‪ ،‬مقاالت الشيخ حممد الغزايل يف جملة الوع اإلسالم ‪،‬ط‪ ،8‬دولة الكوين‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون‬
‫اإلسالمية ‪7247 - -8079‬ه ص ‪494-.498‬‬
‫‪46‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مالمح الرؤية الكونية لإلنسان عند الشيخ محمد الغزالي‬

‫الرتايب الذي غلفت به واملصدر الثاين من كائن آخر خاصم اإلنسان من النشأة األو ى وهو‬
‫الشيطان الذي آال على نفسه استدامه هذا اخلصا يو النشور ويف املصدر الداخل‬
‫للمعصية‪ ،‬يقول اهلل ععا ى‪ :‬ﱡﭐﱕﱖ ﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱠ‬
‫‪1‬‬

‫فالنسيان والضعف يف العزمية رذائل وقع فيها اإلنسان األول ومع عولدها يف نفسه عتهيأ‬
‫اإلمكانيات للشيطان ك يوسوس وخيادع ويقول آلد وامراعه‪ :‬ﱡﭐ ﳅ ﳆﳇ ﳈ ﳉ‬
‫ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ‬
‫ﳚﳛﳜ ﳝﳞﳟﳠ ﳡﳢ ﳣ ﱠ ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫فالضعف النفس أوال مث الوسوسة الشيطانية ثانيا؛ وال عربة مبا يتعلل به املخطئون من‬
‫أن الشيطان هو السبب األول واألخري يف االحنراف؛ حيث يقول الشيخ حممد الغزايل‪" :‬إن‬
‫الشيطان حمطة إرسال يذيع منها فنون اإلغراء واإلغواء‪ ،‬واإلنسان هو الذي يهيئ أقطار‬
‫نفسه الستقبال هذ اإلذاعات والتجارب معها‪.‬‬

‫وأنت الذي عتخري ما عسمع من حمطات الراديو املختلفة ولو شئت أغلت للفور ما‬
‫ععاف مساعه وابتعدت عنه‪ ،‬حىت ال يصل صدا إ ى مسعك أو قاومته مشاعر النفور واملقت‬
‫‪3‬‬
‫حىت ال يستويل عليك‪ ،‬وقد منح الشيطان من أول يو قدرة على إغواء اإلنسان وخداعة‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬االستخالف‪.‬‬


‫عند عأملنا لآليات القرآنية فإننا ال نعد طفرا بوجه من الوجو ‪،‬احلكمة من خلق‬
‫اإلنسان‪ ،‬وإذا رجعنا إ ى قصة اخللق األو ى فإننا جند عصرحيا إليها لوجه من وجو احلكمة من‬
‫ك لل َم َالئ َكة إين َجاع ٌل يف األَرض َخلي َفة‬ ‫ععا ى‪﴿:‬وإذ قَ َال َربُّ َ‬
‫َ‬ ‫خلق اإلنسان‪ ،‬وذلك يف قوله‬
‫ك قَ َال إين‬
‫س لَ َ‬
‫ك الد َماءَ َوَحن ُن نُ َسب ُح حبَمد َك َونـُ َقد ُ‬ ‫قَالُوا أ ََجت َع ُل ف َيها َمن يـُفس ُد ف َيها َويَسف ُ‬

‫‪ 1‬سورة طه‪ :‬اآلية ‪771‬‬


‫‪ 2‬سورة األعراف‪ :‬اآلية ‪88-80‬‬
‫‪ -3‬حممد الغزايل‪ ،‬من مقاالت الشيخ حممد الغزايل‪ ،‬ص‪.491‬‬
‫‪47‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مالمح الرؤية الكونية لإلنسان عند الشيخ محمد الغزالي‬

‫أَعلَ ُم َما َال عَـعلَ ُمو َن ﴾‪ 1،‬فالتصريح باخلالفة مقرتن باخللق أي خلق اهلل ععا ى اإلنسان حلكمة‬
‫وغاية ه استخالفه يف األرض‪ ،‬وه وظيفته ومهمته الوجودية‪ ،‬فالعبادة ه األساس األول‬
‫الذي شرع اهلل أداءها وحتقيقها باعرتاف البشر بأن اهلل الذي خلقهم ورزقهم جيب أن يعبد‬
‫ويشكر‪ .‬ولكن أغلب الناس يف هذا العصر املادي حيسبون احلياة ال ععدو السنني اليت‬
‫يقضوهنا على ظهر هذ األرض‪.‬‬

‫‪-0‬العبادة‪ :‬شيئا يقصد لذاعه ويوثقون صلتهم باهلل ومن العبادات مثال الصالة –وه يف‬
‫لباهبا مناجاة عبد لربه‪-‬إن اإلسال مل يشرعها عمال فردي‪ ،‬بل نظاما مجاعيا عرتاص الصفوف‬
‫له‪ ،‬واإلسال يضف على أرجاء األمة روح اخلضوع هلل وجيعل من رسالتها اإلنسانية الكربى‬
‫–إذا مكنت يف األرض‪-‬أن عشرب اجلماهري عاطفة احلب للمسجد وإلف النداء املنبعث‬
‫‪2‬‬
‫اهم يف األَرض أَقَ ُاموا الص َالةَ َوآعَـ ُوا الزَكاةَ َوأ ََم ُروا بال َمع ُروف َونَـ َهوا َعن‬
‫ين إن َمكن ُ‬
‫منه‪﴿ .‬الذ َ‬
‫ال ُمن َكر َولله َعاقبَةُ األ ُُمور﴾‪ 3.‬لن يتم إسال املرء إال إذا قال من أعماق قلبه بإزاء كل ما‬
‫ك ال َمصريُ﴾‪ 4.‬إن العبادة عشمل نوعني من‬ ‫أوصى اهلل به‪َ ﴿ :‬مسعنَا َوأَطَعنَا غُفَرانَ َ‬
‫ك َربـنَا َوإلَي َ‬
‫األعمال‪:‬‬

‫األول‪ :‬الفروض العينية اليت ال خيلو منها مكلف‪ ،‬وه فروض عنظم الناس فردا فردا‪ ،‬ويعترب‬
‫كل أحد مسؤوال برأسه عن أدائها‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬الفروض اليت يسأل اجملتمع جبملته عنها‪ ،‬ويكلف بتوفريها يف نطاقه العا ‪ ،‬ويعد األفراد‬
‫قاطبة مقصرين إذا خال اجملتمع منها‪ ،‬وهذا ما يسمى الفرض الكفائية‪.5‬‬

‫‪ - 1‬سورة البقرة‪ :‬األية ‪.40‬‬


‫‪ - 2‬حممد الغزايل‪ ،‬اجلانب العاطف من اإلسال ‪ ،‬ج ‪7‬ص‪.17‬‬
‫‪ -3‬سورة احلج‪ :‬اآلية ‪.27‬‬
‫‪ - 4‬سورة البقرة‪.821 :‬‬
‫‪ -5‬حممد الغزايل‪ ،‬اجلانب العاطف من اإلسال ‪ ،‬ص‪12‬‬
‫‪48‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مالمح الرؤية الكونية لإلنسان عند الشيخ محمد الغزالي‬

‫‪-0‬العمارة‪ :‬فاحلق على أهل اإلميان أن يتمكنوا يف الدنيا ويقدروا عليها بسعة العلم وقوة‬
‫العمل ألن اهلل مل خيلق عباد ك يعيشوا على هامش احلياة‪ ،‬أو يضطرب يف أيديهم زمامها‬
‫‪1‬‬
‫ش قَليال َما عَش ُك ُرو َن﴾‪.‬‬
‫وهو القائل‪َ ﴿ :‬ولََقد َمكنا ُكم يف األَرض َو َج َعلنَا لَ ُكم ف َيها َم َعاي َ‬
‫وهلذا التمكن مثرعان‪ :‬األو ى حسن ارعقاء األرض‪ ،‬واستغالل خرياهتا يف رفاهية اإلنسان‬
‫ومتاعه إ ى حني‪ ...‬والثمرة الثانية عطويع ما يف األرض من قوى لدعم احلق‪ ،‬وإقامة نظا‬
‫‪2‬‬
‫حمكم جلعل األمور امش وفق ما شرع اهلل‪.‬‬

‫س َشدي ٌد َوَمنَاف ُع للناس َوليَـعلَ َم اللهُ َمن‬ ‫وهذا ما عنصح به اآلية الكرمية‪َ ﴿ :‬وأَنـَزلنَا احلَد َ‬
‫يد فيه بَأ ٌ‬
‫ص ُرُ َوُر ُسلَهُ بالغَيب إن اللهَ قَوي َعز ٌيز﴾‪ 3.‬إن إجادة األعمال كلها غاية من وجود اإلنسان‬
‫يَـن ُ‬
‫ك َوُه َو َعلَى ُكل َش ء قَد ٌير‪،‬‬ ‫على ظهر هذ األرض‪ ،‬قال ععا ى‪﴿ :‬عَـبَ َارَك الذي بيَد ال ُمل ُ‬
‫ور﴾‪ 4.‬وملا كان‬ ‫ت َواحلَيَاةَ ليَبـلَُوُكم أَيُّ ُكم أَح َس ُن َع َمال َوُه َو ال َعز ُيز الغَ ُف ُ‬
‫الذي َخلَ َق ال َمو َ‬
‫اإلنسان خليفة اهلل يف األرض كان عصرفه يف عناصرها من نفخة الروح األعلى فيه‪.5‬‬

‫إن ارعباط احلياة اإلنسانية وضروراهتا ورفهها بالكون‪ ،‬فأغذيتنا وأدويتنا ألبستنا من هذ‬
‫األرض‪ ،‬واألرض كما علمت جزء حمدود من العامل املمدود‪ ،‬إن هذا الكون كله خلق من‬
‫ُّجوُ‬
‫س َوال َق َمَر َوالن ُ‬ ‫أجل اإلنسان مصداقا لقوله ععا ى‪َ ﴿:‬و َسخَر لَ ُك ُم اللي َل َوالنـ َه َار َوالشم َ‬
‫ك َآليَات ل َقو يَـعقلُو َن‪َ ،‬وَما َذ َرأَ لَ ُكم يف األَرض ُخمتَلفا أَل َوانُهُ إن يف‬
‫ات بأَمر ‪ ،‬إن يف َذل َ‬
‫ُم َسخَر ٌ‬
‫ك َآليَة ل َقو يَذك ُرو َن﴾‪.6‬‬
‫َذل َ‬

‫‪ - 1‬سورة األعراف‪ :‬اآلية ‪.70‬‬


‫‪ -2‬حممد الغزايل‪ ،‬مائة سؤال عن اإلسال ‪ ،‬ط‪ ،1‬دت‪7281 ،‬ه‪ ، 8002 -‬دار املقطم القاهرة‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫‪ - 3‬سورة احلديد‪ :‬اآلية‪.81‬‬
‫‪ -4‬سورة امللك‪ :‬اآلية ‪.8-7‬‬
‫‪ - 5‬حممد الغزايل‪ ،‬اجلانب العاطف من اإلسال ‪ ،‬ص‪.68‬‬
‫‪ -6‬سورة إبراهيم‪ :‬اآلية ‪.42-44‬‬
‫‪49‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مالمح الرؤية الكونية لإلنسان عند الشيخ محمد الغزالي‬

‫المطلب الرابع‪ :‬مصير اإلنسان‪.‬‬


‫يعلم كل الناس أن مصريهم املوت‪ ،‬فهذ احلياة فرتة من الزمن يقيضونا فيه بعض من‬
‫الوقت‪ ،‬مث خيلفهم جيل آخر من البشر‪ ،‬واليزال جيري حىت إذا نال منه اإلعياء مات‬
‫ويٌسحب اجليل املنهوك فيلف يف األكفان ويوارى يف الرتاب‪ ،‬وينفر اجليل اجلديد حىت إذا‬
‫حلقه ما أصاب سلفه ُسحب كذلك وج ء بآخرين وهكذا دواليك‪.‬‬

‫الفرع اَلول‪ :‬الموت‪.‬‬

‫يعلم الناس مجيعا أن املوت هناية حامسة لكل ح ومصري البد أن عرد كل نفس‬
‫ولكن أكثرهم يأخذ عن املوت فكرة غامضة‪ ،‬ويكون له صورة مغلوطة مشوهة ينال اإلنسان‬
‫منها ما ينال الدواب حتت أكوا الرتاب أو األنعا املهضومة يف بطون اآلكلني مث ال ش ء‬
‫بعد ؟؟ هذا ضالل بعيد‪...‬فليس املوت فناء وال شبه فناء رمبا كان املوت نومه طويلة كما‬
‫أن النو الذي نعرفه وفاة قصرية‪.‬‬

‫ولئن كانت الروح عفارق اجلسد إ ى حني‪ ،‬إن ذلك ال يغري من حقيقة اإلنسان شيئا‪،‬‬
‫فاجلسد كالثوب يكتسى اإلنسان ويعرى منه وال مدخل له يف جوهرة‪ ،‬وال جيوز أن نعد‬
‫املوت إال انتقاال من مكان إ ى مكان ال ينقص فيه إدراك املرء حلقائق الوجود شيئا‪.1‬‬

‫ال يكاد املرء يرتك دنيانا هذ حىت يبدأ حسابه ويظهر ثوابه وأعقابه‪ ،‬وقد ساق لنا‬
‫القرآن الكرمي طرقا من أحوال الناس يف هذ املرحلة من حياهتم اآلخرة فهو يقول عن الكفار‬
‫من آل فرعون ﱡﭐ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ‬

‫ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﱠ‪ 2‬ويصف نعيم الشهداء وعرقبهم إلخواهنم ك يقوموا عليهم‬


‫ويشاركوهم يف السعادة اليت غمروا هبا‪ ،‬قال ععا ى‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ‬
‫ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ‬

‫‪ -1‬حممد الغزايل‪ ،‬عقيدة املسلم‪ ،‬ص ‪ (-879-872‬بتصرف )‪.‬‬


‫‪ -2‬سورة غافر‪ :‬اآلية ‪.26‬‬
‫‪51‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مالمح الرؤية الكونية لإلنسان عند الشيخ محمد الغزالي‬

‫ﲳ ﲴ ﲵﲶ ﲷ ﲸ ﲹﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ‬
‫ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ‬
‫ﳘﳙﳚ ﳛﳜﳝﳞﳟﳠﳡﳢﳣﳤ ﱠ‬
‫‪1‬‬

‫فقبل موت األنسان عظهر عليه بواكري اخلري و بوادر الشر يف اللحظة األخرية من عمر‬
‫اإلنسان فقد جاء يف السنة أنه يف عطمني املؤمن حني حيتضر نزل قوله ععا ى‪ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ‬

‫ﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉ ﱊﱋﱌﱍﱎﱏ‬

‫ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱠ‪. 2‬‬

‫الفساق والظلمة يف علك الساعة احلرجة‪ :‬قال اهلل‬


‫كما أن نُ ُذر العقاب األليم عواجه ٌ‬
‫ععا ى‪:‬ﱡﭐ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ‬

‫ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ‬

‫ﲭ ﲮﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ‬

‫ﲽ ﲾﱠ ‪ ،3‬وللعصاة من املؤمنني حظهم من املتاعب واالال جزاء عفرطيهم‬


‫يف الواجب‪.4‬‬

‫إذا كان للمؤمنني هلم نصيب من النار جزاء عصياهنم فما حديث الشفاعة نبينا حممد‬
‫الذي خيربن فيه‪ :‬أمة حممد خبري؟‬

‫يغلط عوا املسلمني بأحاديث واردة يف شفاعة النيب صلى اهلل عليه وسلم لبعض‬
‫العصاة وععلق أولئك العوا بأحاديث الشفاعة خييل إليك أن قوانني اجلزاء بالطلب‪ ،‬وأن نريان‬

‫‪ -1‬سورة آل عمران‪ :‬اآلية ‪.779-720‬‬


‫‪ -2‬سورة فصلت‪ :‬اآلية ‪.40‬‬
‫‪ -3‬سورة األنعا ‪ :‬اآلية ‪.94‬‬
‫‪ -4‬حممد الغزايل‪ ،‬عقيدة املسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ :‬ص ‪.887-880‬‬
‫‪50‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مالمح الرؤية الكونية لإلنسان عند الشيخ محمد الغزالي‬

‫اجلحيم عوشك أن عتحول بردا وسالما على عصاة املؤمنني‪ ،‬وكثريا ما يفرط هؤالء اجلهال يف‬
‫‪1‬‬
‫الفرائض‪ ،‬ويقعون يف أوخم الذنوب؛ مث يقولون‪ :‬أمة حممد خبري‪ .‬ذلك مسلك ساقط‪.‬‬

‫لسنا نرد ما صح من أحاديث الشفاعة بل نثبتها يف مواضعها اليت ال ععدوها حىت ال‬
‫حنرف الكلم عن موضعه‪ ،‬روى الشيخان‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬إن لكل نيب‬
‫دعوة مستجابة‪ ،‬وإين اختبأت دعويت شفاعة ألميت‪ ،‬فه نائلة منكم إن شاء اهلل من مات ال‬
‫يشرك باهلل شيئا)‪ ،2‬هل معىن هذا احلديث أن الشفاعة اليت يرجوها الرسول صلى اهلل عليه‬
‫سلم عنفذ مرعكيب الفواحش واملناكرة ممن ماعوا ال يشركون باهلل شيئا دون أن يستوفوا‬
‫جزاءهم؟‬

‫إن الرسول صلى اهلل عليه وسلم نفسه يرد هذا الزعم وقد روى البخاري حديثا يصف‬
‫فيه أهوال احلشر أهل النار قال النيب صلى اهلل عليه وسلم فيه‪ ( :‬يضرب الصراط بني ظهراين‬
‫جهنم فأكون أول من جيوز من الرسل بأمته‪ ،‬وال يتكلم يومئذ أحد إال الرسل وكال الرسل‬
‫يومئذ‪ :‬اللهم سلم‪ ،‬سلم‪ ،‬ويف جهنم كالليب مثل شوك السعدان هل رأيتم شواك السعدان؟‬
‫قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فإنه مثل شوك السعدان غري أنه ال يعلم قدر عظمها إال اهلل ختطف الناس‬
‫ردل‪ ،‬مث ينجو حىت إذا أراد اهلل رمحة من أراد‬
‫بأعماهلم فمنهم من ُيوبَق بعمله‪ ،‬منهم من ُخي َ‬
‫من أهل النار أمر اهلل املالئكة أن خيرجوا من كان يعبد اهلل‪ ،‬فيخرجوهنم ويعرفوهنم بآثار‬
‫السجود وحر اهلل على النار أن عأكل آثار السجود فيخرجون من النار فكل ابن آد عأكله‬
‫النار إال أثر السجود‪ ،‬فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصب عليهم ماء احلياة فينبتون كما‬
‫عنبت احلبة يف محيل السيل‪ ،3)..‬وهذا احلديث يفيد أن من املسلمني الذين يعبدون اهلل‬
‫وحد قوما سيدخلون النار وأن هلبها سينال مالحمهم فال يعرفون إال بآثار السجود‪.‬‬

‫‪ -1‬حممد الغزايل‪ ،‬عقيدة املسلم‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.888‬‬


‫‪ -2‬أبو الفضل أمحد بن عل ‪ ،‬إحتاف املهرة بالفوائد املبتكرة من أطراف العشرة‪ ،‬عح‪ :‬زهري بن ناصر الناصر‪ ،‬ط‪،7‬‬
‫‪ ، 7992‬ج‪ ،79‬ص‪ ،267‬رقم احلديث‪ ،4264:‬جممع امللك فهد‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪.‬‬
‫‪ -3‬البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬باب فضل السجود‪ ،‬عح‪ .‬حممد زهري بن ناصر الناصر‪ ،‬ج‪ ،9‬ط‪،7288 ،7‬‬
‫ص‪.760‬‬
‫‪52‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مالمح الرؤية الكونية لإلنسان عند الشيخ محمد الغزالي‬

‫وأن رمحة اهلل فحسب ه اليت عدركهم فتنقذهم مما يعانون من بالء‪..‬‬

‫قد بني اهلل سبحانه أن الشفاعة ال جتب على الكافر وال على فاسق مثقل باخلطايا؛‬
‫قال اهلل ععا ى ﭐﱡﭐ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ‬
‫‪1‬‬
‫ﳍﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﱠ‬
‫والظاهر أن الشفاعة اليت يرجوها النيب الكرمي صلى اهلل اهلل عليه وسلم‪ ،‬إمنا عدرك صنفا‬
‫من الناس عأرجحت موازين احلق والباطل يف أعماله فهو بني السقوط والنجاح نظرة رأفة‬
‫ومنيل إ ى منحهم درجة أو درجتني جربا لنقصهم‪.‬‬

‫أما الذين يبتعدون عن املستوى األدىن للنجاح مسافة بعيدة فإننا حنكم بسقوطهم فورا‬
‫فلعل الشفاعة املنسوبة للرسول الكرمي عنقذ أمثال هؤالء املقاربني للنجاة وهبذا التفسري يتم‬
‫اجلمع بني النصوص‪.‬‬

‫ما عالقة اإلنسان باهلل تعالى ؟؟‬

‫من خالل حبثنا حول اهلل واإلنسان يف املبحثني السابقني جعلنا نطرح عسأل‪ :‬ما ه‬
‫عالقته وكيف عكون عليه العالقات بني املخلوق واخلالق واملرزوق والرزق والتواب الغفور‬
‫والبائس الفقري واملنعم الكرمي ؟؟‬

‫إن الصورة الوحيدة املعقولة أن يعرتف األدىن باألعلى اعرتافا ماديا ومعنوية يظهر يف‬
‫النفس وعلى اجلوارح وخصوصا إذا كانت هذ العالقات ممتدة ال انقطاع هلا فقد يظن ظان‬
‫أن الصلة بني العبد وربه ميكن أن عشبه الصلة بني الوالد وأبويه حيتاج الطفل إليها صغريا فإذا‬
‫كرب استغىن ورمبا دفعة استغناؤ إ ى العقوق وجحد ما مضى‪.‬‬

‫كال إن حاجة العبد إ ى اهلل خالدة أمس من حاجة الرضيع إ ى أمه مهما عراخت األيا‬
‫وأمسى يف حاجة النبت إ ى الشعاع واملاء ك يزدهر وينمو‪ ،‬هذا يف قوله سبحانه وععا ى‪:‬‬

‫‪ -1‬سورة البقرة‪ :‬اآلية ‪22‬‬


‫‪53‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مالمح الرؤية الكونية لإلنسان عند الشيخ محمد الغزالي‬

‫ﱡﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ‬

‫ﲜﱠ‪.1‬‬
‫إن فقر البشر إ ى اهلل شديد وما يستمتعون به من مسع وبصر وأفئدة مواهب معارة منه‬
‫لو يشاء اسرتدها يف أية حلظة ووقف أعيت العتاة صفر اليدين ال جتد اهلباء بل علفظه يف‬
‫األرض والسماء ﱡﭐ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ‬

‫ﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠ ﱡﱢﱣﱠ‬
‫‪2‬‬

‫ولكن النفس اإلنسانية ق علجأ إيل اخلداع فرتى اإلنسان يؤثر الكربياء على التواضع‬
‫ويزعم أنه مستغن بنفسه عن عناية السماء وحياول إيها اآلخرين أنه من ذاعه ال من مصدر‬
‫آخر فريفض كل نصح يذكر بأنه أحد عبيد اهلل على األرض قال سبحانه‪ :‬ﱡﭐﱻ ﱼ‬

‫ﱽﱾﱿﲀ ﲁﲂ ﲃﲄﲅﲆ ﲇﲈ ﲉ ﲊﲋﲌ ﲍ‬

‫ﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗ ﲘﲙﲚﲛﱠ‬
‫‪3‬‬

‫فاهلل سبحانه ميقت من عباد أولئك الصنف الذين يعمون عن أنفسهم وعن رهبم لقد‬
‫خلق الناس ليعرفو وحيمدو وال جلهلو وجيحدو فإذا شردت األمم عن اجلادة صب عليها‬
‫سوط عذابه لتعرتف بعبوديتها وعثوب إ ى رشدها‪ .‬قال ععا ى‪ :‬ﱡﭐ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ‬

‫ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅﱠ ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫فإذا أبت إال املض يف غوايتها ومل ععترب مما مسها أمضى فيها عقوبته كاملة‪ :‬ﱡﭐ ﱂ‬
‫ﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋ ﱌ‪،‬ﱎﱏﱐﱑ‬
‫ﱒﱓ ﱔﱕ‪ ،‬ﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞ ﱟﱠﱡ‬

‫‪ -1‬سورة األنبياء‪ :‬اآلية ‪28‬‬


‫‪ -2‬سورة األنعا ‪ :‬اآلية ‪.26‬‬
‫‪ -3‬سورة فصلت‪ :‬اآلية ‪.10‬‬
‫‪ -4‬سورة األنعا ‪ :‬اآلية ‪.24‬‬
‫‪54‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مالمح الرؤية الكونية لإلنسان عند الشيخ محمد الغزالي‬

‫ﱢﱠ‪ 1‬إن اهلل يقرب برمحته ممن يقفون عند منازهلم اإلنسانية ويوقنون برهبم سرا‬
‫‪2‬‬
‫وعالنية‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬البعث‪.‬‬
‫َمثل الشيخ الغزايل للحياة بالفندق‪ ،‬حيث قال‪ :‬نظرت عن كثب إ ى الفندق الذي أنزل‬
‫به‪-‬وكنت يف أحد أسفاري‪ -‬مث دار يف نفس سؤال ‪:‬عرى كم شخص سكن غرفيت قبل أن‬
‫أسكن فيها‪ :‬وكم شخص سيحل مكاين بعد أن أغادرها‪ :‬أحسست أن الفندق كله شبيه‬
‫هبذ الدنيا عظهر هبا بغتة مث ختتف ‪.‬‬
‫إن أناسا كثريين قروا هنا مث ولوا‪ ،‬لقد رأى بعضهم بعضا كما يرى النزالء أنفسهم حينا‬
‫يف صالة الفندق وكل مشغول بشأنه يعيش يف وجو اخلاص فما عربطه بغري إال نظرة عابرة‬
‫وبسمة عارضة! هكذا التقى أبناء كل جيل بأعراهبم‪ ،‬مث انتهوا‪ .‬ويقول‪ :‬عذكرت اآلية اليت‬
‫‪3‬‬
‫اعة م َن النـ َهار يَـتَـ َع َارفُو َن بَـيـنَـ ُهم‬
‫﴿ويَـوَ َحي ُش ُرُهم َكأَن َمل يَـلبَثُوا إال َس َ‬
‫وصف هبا هذ احلياة‪َ .‬‬
‫ين﴾‪.4‬‬ ‫ين َكذبُوا بل َقاء الله َوَما َكانُوا ُمهتَد َ‬
‫قَد َخسَر الذ َ‬
‫فعندما خلق اهلل ععا ى أبناء آد مل يدعهم يعيشون يف األرض عدد سنني مث يفنون‪،‬‬
‫واملوت الذي يعرتض حمياهم على ظهر األرض هو رقدة مؤقتة أو نقطة فاصلة بني مرحلتني‬
‫من الوجود‪ ،‬كانت األو ى للغرس والثانية للحصاد‪ ،‬وخالل لغوب األحياء يف ميادين احلياة‬
‫وسكون املوعى حتت صفائح القبور‪ ،‬يقع حادث كوين عظيم إنه البعث‪ 5.‬كما وصفه اهلل‬
‫الصور فَإ َذا ُهم م َن األَج َداث إ َ ى َرهبم يَـنسلُو َن‪ ،‬قَالُوا يَا َويـلَنَا َمن بَـ َعثَـنَا من‬
‫ععا ى‪َ ﴿:‬ونُف َخ يف ُّ‬
‫يع‬
‫صي َحة َواح َدة فَإذَا ُهم َمج ٌ‬ ‫ص َد َق ال ُمر َسلُو َن‪ ،‬إن َكانَت إال َ‬ ‫َمرقَدنَا َه َذا َما َو َع َد الرمحَ ُن َو َ‬
‫‪6‬‬
‫ض ُرو َن﴾‪.‬‬
‫لَ َديـنَا ُحم َ‬
‫فما هو البعث وكيف عرفه الشيخ الغزايل؟ وهل هو روح أ مادي؟‬

‫‪ -1‬سورة املؤمنون‪ :‬اآلية ‪.71-77‬‬


‫‪ -2‬حممد الغزايل‪ ،‬اجلانب العاطف من اإلسال ‪ ،‬ص‪.742‬‬
‫‪ - 3‬حممد الغزايل‪ ،‬مائة سؤال عن اإلسال ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪ -4‬سورة يونس‪ :‬اآلية ‪.21‬‬
‫‪ - 5‬حممد الغزايل‪ ،‬احملاور اخلمسة للقرآن الكرمي‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.787‬‬
‫‪ - 6‬سورة يس‪ :‬اآلية ‪.18-17‬‬
‫‪55‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مالمح الرؤية الكونية لإلنسان عند الشيخ محمد الغزالي‬

‫من املعلو أن اإلنسان جسم وروح‪ ،‬ومنض يف شرح اجلزاء املادي لنقول‪ :‬إن مطالب‬
‫اجلسم حمدودة‪ ،‬وإجابتها قليلة الكلفة عندما ختتف رذائل الرتف والسرف! فهل ه فوق‬
‫اجلزاء املعنوي؟ نقول ال ‪...‬وعفاوت املواهب واهلمم واجلهود يلقى أجزية شىت بعضها أعلى‬
‫من بعض‪.‬‬
‫إن اإلنسان الذي هو مادة وروح ال يصلح إال بتعاليم ععرتف مبادعه وروحه معا‪ .‬فاجلنة‬
‫ه وعد اهلل لعباد فنعما ه ‪ ،‬وشكرا ملن أعدها للمتقني‪ ،‬وهنيئا ملن يصري إليها ميرح يف‬
‫حبوهتا ويسعد بربه الذي طاملا صلى وصا من أجلها‪ ،‬إنه يف هذ اجلنة يشهد من كان يعبد‬
‫بالغيب‪ ،‬ويتلقى فضله يف قلبه وعلى بدنه‪ ،‬لذات مادية معنوية متشابكة ال انفصا بينها‪،‬‬
‫اب ُسن ُدس ُخضٌر‬ ‫ت نَعيما َوُملكا َكبريا‪َ ،‬عاليَـ ُهم ثيَ ُ‬ ‫ت َمث َرأَي َ‬ ‫قال اهلل ععا ى‪َ ﴿:‬وإ َذا َرأَي َ‬
‫اهم َربـُّ ُهم َشَرابا طَ ُهورا‪ ،‬إن َه َذا َكا َن لَ ُكم َجَزاء َوَكا َن‬
‫َساوَر من فضة َو َس َق ُ‬ ‫َوإستَبـَر ٌق َو ُحلُّوا أ َ‬
‫ك َوَال عُطع منـ ُهم آمثا أَو‬ ‫ك ال ُقرآ َن عَـنزيال‪ ،‬فَاصرب حلُكم َرب َ‬‫َسعيُ ُكم َمش ُكورا‪ ،‬إنا َحن ُن نَـزلنَا َعلَي َ‬
‫‪1‬‬
‫َك ُفورا﴾‪ .‬أما الذين أحسنوا الغرس‪ ،‬واستعدوا للقاء يقولون ‪﴿:‬أَفَ َما َحن ُن مبَيت َ‬
‫ني‪ ،‬إال َموعَـتَـنَا‬
‫يم﴾‪. 2‬‬ ‫ني‪ ،‬إن َه َذا َهلَُو ال َفوُز ال َعظ ُ‬ ‫ُو ى َوَما َحن ُن مبَُعذب َ‬ ‫األ َ‬
‫ولقد أهاب اهلل خبلقه أن يسارعوا إ ى اجلنة‪ ،‬وذلك قوله ععا ى‪َ ﴿ :‬و َسارعُوا إ َ ى َمغفَرة من‬
‫ني﴾‪ 3،‬بالنار‪ :‬أما الذين ظنوا العيش بني‬ ‫ض أُعدت لل ُمتق َ‬ ‫ات َواألَر ُ‬
‫ض َها الس َم َاو ُ‬
‫َرب ُكم َو َجنة َعر ُ‬
‫ين َك َف ُروا‬‫املهد واللحد‪ ،‬هو الوجود األول واألخري‪ ،‬وجحدوا ما بعد فلهم شأن آخر؛ ﴿ َوللذ َ‬
‫اد َامَيـ ُز م َن‬ ‫س ال َمصريُ‪ ،‬إذَا أُل ُقوا ف َيها َمسعُوا َهلَا َشهيقا َوه َ عَـ ُف ُ‬
‫ور‪ ،‬عَ َك ُ‬ ‫اب َج َهن َم َوبئ َ‬
‫بَرهبم َع َذ ُ‬
‫الغَيظ ُكل َما أُلق َ ف َيها فَـو ٌج َسأَ َهلُم َخَزنَـتُـ َها أَ َمل يَأع ُكم نَذ ٌير﴾‪ ،4‬إن املوت فضح احلياة ‪،‬ومع‬
‫ذلك فحبنا للحياة يعمى ويصم ‪،‬وذهولنا عن اجلزاء املرعقب أدهى وأمر‪.5‬‬

‫‪ -1‬سورة اإلنسان‪ :‬اآلية ‪.82-80‬‬


‫‪ - 2‬سورة الصافات‪ :‬اآلية ‪.60-19-12‬‬
‫‪ - 3‬سورة آل عمران ‪:‬اآلية ‪.744‬‬
‫‪- 4‬سورة امللك ‪:‬اآلية ‪.2-7-6‬‬
‫‪ 5‬حممد الغزايل ‪،‬مائة سؤال عن اإلسال ج ‪7‬ص ‪.18‬‬
‫‪56‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مالمح الرؤية الكونية للكون عند‬
‫محمد الغزالي‬
‫المطلب اَلول‪ :‬وجود الكون وخصائصه في فكر الشيخ محمد الغزالي‬

‫المطلب الثاني‪ :‬وظيفة الكون في فكر الشيخ محمد الغزالي‬

‫المطلب الثالث‪ :‬مصير الكون في فكر الشيخ محمد الغزالي‬


‫مالمح الرؤية الكونية للكون عند محمد الغزالي‬ ‫المبحث الثالث‪:‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬مالمح الرؤية الكونية للكون عند محمد الغزالي‬


‫عندما يتأمل اإلنسان يف الكون جيعل يتسأل عنه؟ ملاذا وجد ما غايته؟ هل سيزول؟‬
‫ه أسئلة عدور يف فكر أي إنسان‪ ،‬ولن حيصل على اإلجابة اليت عقنع عقله وعريح قلبه إال‬
‫يف ظل الرؤية الكونية اإلسالمية‪.‬‬

‫المطلب اَلول‪ :‬وجود الكون وخصائصه في فكر الشيخ محمد الغزالي‬


‫عندما نتساءل يف أنفسنا عن هذا الكون من صانعه هبذ الدقية العجيبة؟ ‪ ،‬ونرى‬
‫مثال وضع األرض أما الشمس يف مسافة معينة لو نقصت الحرتقت أنواع األحياء من نبات‬
‫وحيوان‪ ،‬ولو بعدت املسافة َلعم اجلليد والصقيع وجه األرض‪ ،‬مث نتسأل من أقامها يف ذلك‬
‫املكان الذي نتنعم حبرارهتا بني احتمال االحرتاق او اجلمود؟‬

‫اإلجابة ه أن اهلل هو اخلالق واملالك األول لكل ش ء‪ ،‬ال يشركه أحد يف خالقه‪ ،‬ﭐ‬
‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ‬

‫ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ‬

‫ﳣ ﳤ ﱠ ‪.1‬وقال أيضا ‪ :‬ﱡﭐ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ‬


‫ﲩ ﲪ ﲫﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ‬
‫ﲸ ﲹﲺﲻﲼﲽﲾ ﲿ ﳀﳁﳂﳃ ﳄﳅ ﳆﳇ‬
‫ﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐﳑﳒﳓﳔﳕﳖﱠ‪ 2‬ﭐ‬
‫فاهلل عز وجل هو رب العاملني‪ ،‬وصاحب السلطان الواسع‪ ،‬خلق هذا الكون الضخم‬
‫كأنه قال بعد ما أامه‪ ،‬لقد يسرت كل هذا لكم فهل من منتفع‪ ،‬فاهلل خلق لنا هذا الكون‬
‫لوحدنا لك نستمتع به لقاء أن نعرف صاحبه فنسبحه ونشكر وحنمد ‪ ،‬والقرآن الكرمي‬

‫‪ - 1‬سورة اجلاثية‪ :‬اآلية ‪.74-78‬‬


‫‪- 2‬سورة املؤمنون‪ :‬اآلية‪.22- 29‬‬
‫‪58‬‬
‫مالمح الرؤية الكونية للكون عند محمد الغزالي‬ ‫المبحث الثالث‪:‬‬

‫مفعم باآليات الشارحة هلذ احلقيق اليت عدل اإلنسان على اخلري املتاح هنا وهنالك‪ ،‬حيث‬
‫قال الشيخ حممد الغزايل‪" :‬خلق اهلل الكون وسخر ما فيه ك يقود املرء الشريد إ ى قصر‬
‫مشيد‪ ،‬ويقول له‪ :‬هذا البناء العظيم لك‪ ،‬وهذى مفاعيح ابوابه بني يديك اقتيد البشر أمجعون‬
‫إ ى آفاق العلم‪ ،‬ووقفوا على برزخ بني الرب والبحر‪ ،‬مث قيل هلم‪ :‬ﭐﱡﭐ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ‬

‫ﳉﳊﳋ ﳌﳍ ﳎ ﳏ ﳐﳑﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖﳗ ﳘﳙ‬


‫‪1‬‬
‫ﳚﳛﳜﳝﳞﳟﳠﳡﳢﳣﳤﱠ‬

‫وقد أمجل القرآن عرض هذا الفضل املباح يف قوله‪:‬ﭐﱡﭐ ﲺ ﲻﲼﲽﲾﲿﳀ‬

‫ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈﳉ ﳊ ﳋ ﳌ‬

‫ﳍﱠ‪ ، 2‬مث فصل صنوف اليت هيئت ملرح اإلنسان يف حببوبة الغىن اإلهل املسخر له‪،‬‬
‫وفصل صنوفا يف سور شىت؛ قال سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬
‫ﱈﱉﱊ ﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒ ﱓ‬
‫ﱔﱕﱖ ﱗﱘﱙﱚ ﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡ‬
‫ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨﱩ ﱪ ﱫﱬ‬
‫‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ﱭ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱠ‬
‫ﱮ‬
‫واآليات املبينة لفضل اهلل كثرية يف كتابه العزيز‪ ،‬فالعامل املمتلئ باخلريات املشحون‬
‫بالقوى بني اإلنسان وحتت قميه‪ ،‬فيكون ملكا فيه وعبد هلل يف قت واحد‪.4‬‬

‫‪ - 1‬سورة اجلاثية‪ :‬اآلية‪.78- 74‬‬


‫‪ 2‬سورة البقرة‪ :‬اآلية ‪.89‬‬
‫‪ 3‬سورة النحل‪ :‬اآلية ‪.27-20‬‬
‫‪- 4‬حممد الغزايل‪ ،‬نظرات يف القرآن‪ ،‬ط‪ ،6‬مصر‪ ،‬دار هنضة‪.12-19، 8004،‬‬
‫‪59‬‬
‫مالمح الرؤية الكونية للكون عند محمد الغزالي‬ ‫المبحث الثالث‪:‬‬

‫خصائص الكون‪ :‬من أهم خصائص الكون ه ‪:‬‬

‫‪-0‬عظمة خلق الكون‪:‬‬

‫لفتنا القرآن الكرمي انظارنا إ ى عظمة اخلالق يف كونه ك نزداد به إميانا‪ ،‬وله إذعانا عدبرﭐ‬
‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ‬
‫‪1‬‬
‫ﱎﱠ‬
‫إن يقول العلماء‪ :‬إن أربعة أسماس األرض مغمور باملاء واألرض كرة كالقمر وعندما ما‬
‫نتصور أربعة أسماس السطح الدائر موارا باملاء مستقرا يف الفضاء ال ينسكب عن ميني وال‬
‫مشال مقوسا ال مستقيما‪ ،‬كما نألف يف مقادير امليا املستعملة بني أيدينا عندما نتصور‬
‫ذلك‪ ،‬نتساءل حتما كيف يقع هذا ومن ميسكه‪ ،‬إن اهلل هو الذي أسكنه يف األرض وكف‬
‫أموجه عن االنسياب هنا وهناك‪ ...‬ودورة امليا بني األحياء جدير بالنظر‪ ،‬فنحن ودوابنا‬
‫وزروعنا عشرب من األهنار والينابيع اليت جاء هبا السحب اهلامية القادمة من البحار الكربى‪،‬‬
‫مث عذوى األجسا والزروع‪ ،‬ويتسرب ما هبا من ماء عائدا من حيث جاء‪ ،‬سالكا ألف فج‬
‫ليتكون مرة أخرى سحبا وأمطارا وينابيع وأهنارا وهكذا دواليك عبقى احلياة مع قدر مضبوط‬
‫من املاء ال يزيد وال ينقص‪ ...‬وقد إشارة القرآن إ ى هذ الدورة املتجددة يف قوله‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱏﱐ‬
‫ﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱠ‪.2‬‬
‫ولنتجاوز حديث املاء إ ى حديث الظالل واألضواء‪ ،‬حيث يقول حممد الغزايل ‪ :‬إنين‬
‫عندما أمسع القرآن يتحدث يف هذا املوضوع أشعر كأن اهلل سبحانه يعلم روعة ما صنع –‬
‫هلل املثل األعلى‪ -‬وحيدثنا عنه لنعجب ونسبح‪ ،‬ﭧ ﭐﭨﭐﱡﭐ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ‬
‫‪3‬‬
‫ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨﱠ‬

‫‪- 1‬سورة املؤمنون‪ :‬اآلية ‪72:‬‬


‫‪- 2‬سورة احلجر‪ :‬اآلية ‪72:‬‬
‫‪- 3‬سورة الفرقان‪.21-26:‬‬
‫‪61‬‬
‫مالمح الرؤية الكونية للكون عند محمد الغزالي‬ ‫المبحث الثالث‪:‬‬

‫ويقول الشيخ حممد الغزايل متعجبا ومؤكدا على عظمة الكون‪" :‬عابعت ظالل األشياء يف‬
‫أوقات كثرية وأنا هابط من الطائرة‪ ،‬وه ملا عستقر على الثرى‪ ،‬وظلها يسابقها أو ه عسابق‬
‫ظلها قلت‪ :‬أين كان هذا الظل وحنن يف اجلو؟‬

‫لقد شاهدت ظالل اجلبال‪ ،‬وظالل السحب القريبة‪ ،‬أما السحب العالية فلم أشهد هلا ظال‬
‫يبدو أنه ليس هناك ما ميسك الظل املتمدد يف الفضاء‬

‫ولكن ظل األرض الساحبة يف جو السماء جيد ما ميسكه فوجه القمر يتشكل هالال وعربيعا‬
‫وبدرا حسب ما يستقبل من هذ الظالل ‪ ...‬وقرأت قوله ععا ى‪ :‬ﭐﱡﭐﱁﱂﱃﱄﱅ‬

‫ﱆ ﱇ ﱈﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱠ ‪ ،1‬ﭐﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﲏ ﲐ‬
‫ﲑﲒﲓﲔﲕﲖ ﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟ‬

‫ﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﱠ ‪.2‬‬

‫‪ -0‬التنوع في التكوين والفوائد واآلثار‪:‬‬

‫يف القرآن حيث عن آالء اهلل املبذولة لسكان األرض كلهم‪ ،‬يف مساكنهم ومأكلهم‬
‫وحلهم وعرحاهلم ه نعم ميرح فيها املؤمن والكافر‪ ،‬ﭧ ﭐﭨﭐﱡﭐ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﲳﲴ ﲵ‬
‫‪3‬‬
‫ﲶﲷﲸﲹﲺﲻﱠ‬
‫و ﭐﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ‬
‫ﱌﱍ ﱎﱏ ﱐ ﱑﱒ ﱓﱔﱕﱖ‬
‫ﱗ ﱘﱙ ‪ ،‬ﱛﱜ ﱝﱞﱟﱠﱡﱢ ﱣﱤﱥ‬
‫ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭﱮ ﱯ ﱰ‬

‫‪ -1‬سورة النحل‪ :‬اآلية ‪.24‬‬


‫‪ -2‬سورة ق‪ :‬اآلية ‪.77-9:‬‬
‫‪ -3‬سورة األسراء‪ :‬اآلية ‪،81‬‬
‫‪60‬‬
‫مالمح الرؤية الكونية للكون عند محمد الغزالي‬ ‫المبحث الثالث‪:‬‬

‫ﱱ ﱲﱳﱴﱠ‪ ،1‬وامسع قوله ععا ى‪ :‬ﭐﱡﭐﲎ ﲏ ﲐﲑ‬

‫ﲒﲓ ﲔﲕﲖ ﲗ ﲘﲙ ﲚﲛ ﲜﲝ ﲞﲟ‬

‫ﲠ ﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪ ﱠ‪ .. 2‬وغريها من اآليات الكرمية الدالة‬


‫على التنوع العجيب يف الكون ومثار ومقاصد ‪.3‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬وظيفة الكون في فكر الشيخ محمد الغزالي‬


‫يرى حممد الغزايل أن الوظيفة اليت خلق من أجلها الكون ه خدمة االنسان‪ ،‬ذلك من‬
‫خالل عوفري متطلبات العيش يف احلياة‪ ،‬وخدمة ما خيد اإلنسان‪ ،‬هذا عسخري من أجل‬
‫ﱡﭐ ﲺ ﲻ ﲼ‬ ‫اإلنسان منتشر كثريا يف القرآن الكرمي‪ ،‬يبني هذ الوظيفة قوله سبحانه‪:‬‬
‫ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈﳉ ﳊ ﳋ ﳌ‬

‫ﳍ ﳎ ﱠ‪ 4‬وقال ععا ى أيضا ‪ :‬ﱡﭐ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ‬


‫ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﱠ ‪ ، 5‬ونقرأ‬
‫قوله سبحانه‪ :‬ﱡﭐﲟﲠ ﲡﲢ ﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫ‬

‫ﲬﲭﲮ ﲯﲰﲱ ﲲ ﲳ ﲴﲵﲶﲷﲸﲹ‬

‫ﲺ ﲻﱠ‪ ،6‬وبني يدي عرضها يف سورة احلجر سرد للنعيم اليت حتف احلياة البشرية‬
‫نقرأ قوله ععا ى‪:‬ﭐﱡﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ‬
‫ﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒ ﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙ‬

‫‪- 1‬سورة النحل‪ :‬اآلية ‪.27-20‬‬


‫‪- 2‬سورة الرعد‪ :‬اآلية ‪2‬‬
‫‪- 3‬حممد الغزايل‪ ،‬احملاور اخلمسة للقرآن الكرمي‪ ،‬ص‪60.‬‬
‫‪ 4‬سورة البقرة‪ :‬اآلية ‪89‬‬
‫‪ 5‬سورة البقرة‪ :‬اآلية ‪88‬‬
‫‪ 6‬سورة األعراف‪ :‬اآلية ‪70-77‬‬
‫‪62‬‬
‫مالمح الرؤية الكونية للكون عند محمد الغزالي‬ ‫المبحث الثالث‪:‬‬

‫ﱚ ﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥ ﱦﱧﱨﱩ‬

‫ﱪﱫﱠ‪.1‬‬
‫والواقع أن الرغيف الذي يطعمه إنسان عشرتك يف إنباعه وإنضاجه فجاج األرض وآفاق‬
‫السماء فرتبه األرض والسحب اهلامية واألشعة العمودية أو املائلة اليت عتعرض هلا احلقول‬
‫خالل دوران األرض حول الشمس وآثر الضوء يف عكوين اخلضرة‪ ،‬وأشياء أخرى كثرية‬
‫عتعاون مجيعا على عكوين الغذاء وامللبس والدواء‪ ...‬الذي حيتاج إليه البشر‪ ،‬إن شبكة من‬
‫املواد الدقيقة جدا واجلسمية جدا‪ ،‬انتظمت يف خدمة اإلنسان وعأمني معايشه وختطيط‬
‫حاضر ومستقبله‪ ،‬كل يؤدي دور بوفاء وقدرة‪ ...‬الكوكب الساحبة يف الفضاء واجلرمي اليت ال‬
‫عراها العني‪.‬‬

‫ذاك سر األقسا الكثري اليت وردت يف القرآن الكرمي مشرية إ ى عظمة هذا العامل‪:‬‬
‫ﱡﭐﲣ ﲤ ﲥ ‪ ،‬ﲧ ﲨ ﲩ ‪ ،‬ﲫ ﲬ ﲭ ‪ ،‬ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ‪ ،‬ﲴ‬
‫ﲵﲶﲷﱠ ‪2‬ﭐﱡﭐ ﲴ ﲵ‪ ،‬ﲷﲸﲹ‪ ،‬ﲻﲼﲽ‪ ،‬ﲿﳀ ﳁﱠ ‪3‬وعدبر‬
‫القسم بالريح املثرية والسحب احلافلة وما يتبع ذلك من زرع وحصاد وجتارة احرتاف وخربات‬
‫نعم البشر‪ :‬ﱡﭐ ﲳ ﲴ ‪ ،‬ﲶ ﲷ ‪ ،‬ﲹ ﲺ ‪ ،‬ﲼ ﲽ ‪ ،‬ﲿ‬

‫ﳀﳁﱠ ‪ ،4‬إن رب العاملني أبدع الصنع اجلميل‪ ،‬لنعجب به ونتذوق مجاله‪.5‬‬

‫‪ 1‬سورة احلجر‪ :‬اآلية ‪76-80‬‬


‫‪- 2‬سورة االنشقاق‪ :‬اآلية ‪.80-76‬‬
‫‪- 3‬سورة املدثر‪ :‬اآلية ‪.41-48‬‬
‫‪- 4‬سورة الذاريات‪ :‬اآلية ‪.1-7‬‬
‫‪- 5‬حممد الغزايل‪ ،‬مقاالت الشيخ حممد الغزايل يف جملة الوع اإلسالم ‪ ،‬ط‪ ،8‬دولة الكوين‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون‬
‫اإلسالمية ‪ 72246‬ه‪8077/‬ص ‪.497-498‬‬
‫‪63‬‬
‫مالمح الرؤية الكونية للكون عند محمد الغزالي‬ ‫المبحث الثالث‪:‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬مصير الكون في فكر الشيخ محمد الغزالي‬


‫إن مصري الكون كمصري اإلنسان؛ هو الزوال والفناء احملتو ‪ ،‬حيث قال الشيخ حممد‬
‫الغزايل ‪:‬عرى القمر والليل ساج يرسل أشعة احلاملة مغربا كما يقول الشعراء بالقريض واحلب؟‬
‫أعرى الرب والبحر وما يعجان به من حياة وأحياء؟ ‪ ،‬ذلك كله سيزول؟‬

‫قال اهلل ععا ى‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱉ ﱊ ﱋ ‪ ،‬ﱍ ﱎ ﱏ ‪ ،‬ﱑ ﱒ ﱓ ‪ ،‬ﱕ‬


‫ﱖﱗ‪ ،‬ﱙﱚ ﱛ ‪ ،‬ﱝﱞﱟ‪ ،‬ﱡﱢﱣ‪ ،‬ﱥ‬
‫ﱦﱧ‪ ،‬ﱩﱪﱫ‪ ،‬ﱭﱮﱯ ‪ ،‬ﱱﱲﱳ‪ ،‬ﱵ ﱶ‬
‫ﱷ‪ ،‬ﱹﱺ ﱻ‪ ،‬ﱽﱾﱿﲀ ﱠ ‪ 1‬أي واهلل ولقد خاجلين شعور غريب‬
‫يف ليلة رائفة وأنا على شاطئ النيل يف قريبا الصغرية كنت أشعر بش ء من اإلعزاز هلذا العامل‬
‫األرض اخلصبة اليت هتتز بالزراعة وعزدان بالفاكهة وحب احلصيد والنهر املنساب يف صمت ال‬
‫يهدر له موج وال يسمع له مد وال جزر‪...‬‬
‫مث عذكرت بغتة أن ذلك املنظر سيختف حتما وأن السماء واملاء واهلواء واملزروع‬
‫واملصنوع ستبلغ أجلها مث عتالشى‪ ،‬لقد شعرت واحلق يقال بأهنا خسارة فادحة أن امحى كل‬
‫هاعيك املعامل اجلميلة‪.‬‬

‫بيد أن ذلك مل يلبث أن أعقبه شعور آخر شعور بأن الذي يطوى هذا العامل سوف‬
‫خيلق أمجل منه‪ ،‬وأحلى يف العني واملذاق‪ ،‬وسوف خيله ال عتغيض فيه وال لغو وال عأثيم‪،‬‬
‫وسوف ميرح فيه وال لغو وال عأثيم‪ ،‬وسوف ميرح فيه فحسب من يشكرون الصنع ويقدرون‬
‫صاحبه أعين املؤمنون الطيبون‪ ،‬قال ععا ى‪:‬ﱡﭐ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ‬

‫ﲿﳀ ﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉ‪،‬ﱁﱂ‬

‫‪- 1‬سورة التكوير‪ :‬اآلية ‪72-7‬‬


‫‪64‬‬
‫مالمح الرؤية الكونية للكون عند محمد الغزالي‬ ‫المبحث الثالث‪:‬‬

‫ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉﱊ ﱋ ﱌ ﱍﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ‬

‫ﱓﱠ‪.2 1‬‬

‫عشقق بعدها السماء‬


‫ُ‬ ‫والظاهر من نصوص الدين أن للدنيا هناية مقررة ال ععدوها‪،‬‬
‫وعنهد األرض وعغيض البحار ويهلك احلرث والنسل وعطرى الصفحة احلافل بتاريخ رهيب‬
‫من بدء اخللق إ ى فنائه‪.‬‬

‫وكما أن لإلنسان عادة أعراضا قبل أن حيني أجله عؤذن مبوعه من شيخوخة أو مرض أو‬
‫غريها أعرض إذا ظهرت عليها دل ذلك على أن مصري اقرتب‪ ،‬كذلك الكون له عالمات‬
‫عدل على هنايته كما أخربت به السنة النبوي والقرآن الكرمي أن للكون عالمات عدل على‬
‫اقرتاب وهناية العامل‪ ،‬نذكر منه انتشار الفساد بني الناس‪ ،‬فعن أنس عن النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم قال ‪ (:‬ال عقو الساعة على أحد يقول‪ :‬اهلل اهلل )‪ ،‬يف حديث أخر ( ال عقو الساعة‬
‫حىت يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع )‪ ،‬وعودة الوثنية إيل اجلزيرة مرة أخر ( ال عقو‬
‫الساعة حىت عضطرب أليات نساء دوس حول ذي اخلصلة) وهو صنم كان يعبدونه يف‬
‫اجلاهلية األو ى‪ ،‬وهتيج نريان احلرب يف األرض نتيجة سقوط الضمار وخراب الذمم ‪ ،‬وامحق‬
‫الربكة من األعمار فه مهما طالت قصرة امر ما يكاد أحد يشعر هبا ( ال عقو الساعة حىت‬
‫يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر كاجلمعة واجلمعة كاليو واليو كالساعة والساع كالضرمة‬
‫من النار )كإشعال عود من الثقاب‪ ...‬غري من عالمات‪.3‬‬

‫على أن هنالك عالمات حامسة عسبق اخلتا األخري هلذا العامل ذكر منه‪ :‬رجوع عيسى‬
‫بن مرمي إيل احلياة الدنيا مرة أخرى‪ ،‬وظهور الدجال‪ ،‬وشروق الشمس من حيث عغرب‬
‫وخروج الدابة‪.4‬‬

‫‪- 1‬سورة الزمر‪ :‬اآلية ‪72-71‬‬


‫‪- 2‬حممد الغزايل‪ ،‬نظرات يف القرآن‪ ،‬ص‪ ( 20-77‬بتصرف )‬
‫‪- 3‬حممد الغزايل‪ ،‬عقيدة ‪882،‬‬
‫‪- 4‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪889‬‬
‫‪65‬‬
‫مالمح الرؤية الكونية للكون عند محمد الغزالي‬ ‫المبحث الثالث‪:‬‬

‫ما عالقة اإلنسان بالكون؟‬

‫عالقة اإلنسان بالكون ه عالقة عسخري وعذليل خلق اهلل اإلنسان على سطح هذ‬
‫األرض ويسر له سبل العيش واحلياة فيها فجعل األرض وما فيها وما عليها لصاحل اإلنسان‬
‫وأحاطها بنظم كوين يالئم ظروف احلياة عليها فجعل عالقة الشمس والقمر واجلاذبية‬
‫والغالف‪...‬اخل؛ وه عالقة مناسبة للحياة األنسان على سطحها ويف باطنها كل مستلزمات‬
‫احلياة والتطور فيها فجعل النبات واحليوان والبحار واألهنار واملعادن كلها يف خدمة األنسان‬
‫من أجل عوفري مصاحله وعيسر حياعه وأحاطه بالنعم واخلريات‪ ،‬وآعا من كل ما حيتاج إليه يف‬
‫حياعه دوهنا نقص أو خلل يف نظا التكوين‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬آثار الرؤية الكونية اإلسالمية عند‬
‫محمد الغزالي‪:‬‬

‫المطلب االول‪ :‬آثر الرؤية الكونية اإلسالمية هلل على حياة اإلنسان‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬آثر الرؤية الكونية لنإنسان على حياة اإلنسان‬

‫المطلب الثالث‪ :‬آثر الرؤية الكونية للكون على اإلنسان‬


‫اثار الرؤية الكونية اإلسالمية عند محمد الغزالي‬ ‫المبحث الرابع‪:‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬آثار الرؤية الكونية اإلسالمية عند محمد الغزالي‪:‬‬


‫مما ال شك فيه إن للرؤية الكونية أثرا على حياة اإلنسان سواء كان فردا أو جمتمعا‪،‬‬
‫وه ما سنتناوله يف املطالب اآليت‪:‬‬

‫المطلب االول‪ :‬آثر الرؤية الكونية اإلسالمية هلل على حياة اإلنسان‪.‬‬
‫من بني آثار الرؤية الكونية هلل ععا ى‪:‬‬

‫‪ -7‬عندما يؤمن اإلنسان باهلل ععا ى حيرر نفسه من اخلضوع للمخلوقات اليت ال عنفع وال‬
‫عضر‪ ،‬حتريرا من عسلط الفراعنة واألرباب واملتأهلني؛ بأنه أحد خلق اهلل وعبيد ‪ ،‬وهو حترير‬
‫العقل من الغفلة واجلهل‪ ،‬ذاك من خالل حترير من ضالالت اإلحلاد وشرك‪.‬‬

‫‪ -8‬أن اإلميان باهلل يكون شخصية متميز ععلم طريقها وغايته فليس هلا إال اهلل عتجه له يف‬
‫الشد والرخاء يدعو يف السراء والضراء ععمل على ما يرضيه‪ ،‬خبالف املشرك الذي عوزعت‬
‫معبوداعه‪ ،‬فحينا يتجه إ ى اهلل‪ ،‬وأحيانا إ ى غري من اآلهلة الباطلة املعنوية واملادية‪.‬‬

‫‪ -4‬اليقني بكمال اهلل ععا ى يف أفعاله وصفاعه‪ ،‬ويثري سحر األعجاب واحلب واإلميان يف‬
‫قلب املؤمن‪ ،‬مما يزيد عقربا وخشية هلل ععا ى‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫اثار الرؤية الكونية اإلسالمية عند محمد الغزالي‬ ‫المبحث الرابع‪:‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬آثر الرؤية الكونية لنإنسان على حياة اإلنسان‪.‬‬


‫من بني أثار الرؤية الكونية لإلنسان نذكر منها‪:‬‬

‫‪ -7‬استقامة حياة اإلنسان‪ ،‬ذلك من خالل بيان غايته يف الوجود‪ ،‬أال وه عبادة اهلل‬
‫ععا ى واالمتثال إ ى أوامر ‪.‬‬

‫‪ -8‬خلق اإلنسان يف أحسن هيئة‪ ،‬وما مد من بصرية ومسع وعشريف عن سائر املخلوقات‬
‫ني م َن الدهر َمل يَ ُكن‬
‫يثري مشاعر احلب هلل عز وجل‪ ،‬قال ععا ى‪َ ( :‬هل أَعَى َعلَى اإلن َسان ح ٌ‬
‫َشيئا َمذ ُكورا ‪ ،‬إنا َخلَقنَا اإلن َسا َن من نُط َفة أَم َشاج نَـبتَليه فَ َج َعلنَا ُ َمسيعا بَصريا)‪.‬‬

‫‪ -4‬عبودية اهلل هلا آثر على الفرد‪ ،‬ذلك من خالل عزكية النفس وانتشار األلفة واحملبة بني‬
‫الناس‪ ،‬واماسك األسرة واجملتمع‪ ،‬وعقد األمم‪.‬‬

‫‪ -2‬عكلم على مصري اإلنسان يف اخلطب واحملاضرة له أثر يف إحياء ضمري اإلنسان من‬
‫غفلته‪ ،‬وختبطه يف شهواعه‪ ،‬حيث عكون أيضا سبب يف امتصاص اجلرا واآلفات االجتماعية‬
‫املنتشر يف أوساط اجملتمعات‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫اثار الرؤية الكونية اإلسالمية عند محمد الغزالي‬ ‫المبحث الرابع‪:‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬آثر الرؤية الكونية للكون على اإلنسان‬


‫من بني أثار الرؤية الكونية للكون نذكر منه‪:‬‬

‫‪ -7‬من أعظم األثار الكون هو حمب اهلل من خالل اخلريات اليت سخرها من أجل األنسان‬
‫ك يعيش يف رفا ‪ ،‬ذلك من خالل املناظر العظيم من البحار واالهنار واجلبال‪.‬‬

‫‪ -8‬من أثار زيادة األميان باهلل ععا ى‪ ،‬ذلك من خالل أن املظاهر الكونية كنزول األمطار‬
‫واإلنبات يف األرض‪...‬وغريها‪ ،‬كلها مطابقة اما جاء به القرآن الكرمي‪ ،‬ودليل قاطع على‬
‫صدق الكتاب‪ ،‬وصدق نبوة حممد صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫‪ -4‬عندما يعلم اإلنسان بأن خريات الكون بيد اهلل ععا ى‪ ،‬وأن اهلل هو املتصرف األوحد‬
‫على وجه احلقيقة‪ ،‬وأن خري سبحانه ال ينفذ‪ ،‬وغنائه مطلق‪ ،‬فأن ذلك يزرع الطمأنينة يف‬
‫قلب املؤمن عن رزقه‪.‬‬

‫‪ -2‬األعجاب والتعظيم وإجالل اخلالق بالنظر فيما إبداع يف خلقه ودقة صنعه‪ ،‬فال مصادفة‬
‫وال خلل وال نقص‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫اخلامت‬
‫خاتمة‬

‫احلمد اهلل الذي أنعم علينا بإاما هذا العمل وأسأله أن جيعله خالصا لوجهه الكرمي‪،‬‬
‫وأن جيعله العلم النافع الذي ينتفع به وبعد‪:‬‬

‫هذ دارسة عن الشيخ حممد الغزايل؛ وقفت على أهم ما قدمه من إضافات وملاسات‬
‫التجديد يف جانب الرؤية الكونية‪ ،‬من خالل طرحنا اإلشكال التايل‪:‬‬

‫ما ه مالمح الرؤية الكونية يف فكرة الشيخ حممد الغزايل؟‬

‫وميكن أن نستخلص بعض النتائج من هذ الدراسة‪:‬‬

‫‪ -‬أن الرؤية الكونية اإلسالمية ه الرؤية عوحيدية اخلالصة لتصور اهلل عز وجل يف أهبى‬
‫صور التوحيد واالستسال هلل عز وجل‪ ،‬وذلك من خالل نف كل مظاهر الشرك‪ ،‬والرد على‬
‫الشريكني واملنكرين على وجود اهلل بالدليل العقل والفطري والعلم ‪ ،‬الذي ليس فيه رد أو‬
‫هبتان‪.‬‬

‫‪-‬الرؤية الكونية اإلسالمية عظهر العناية اإلهلية بالكون‪ ،‬وعوجب هلل ععا ى احملبة واخلشية‬
‫والتعظيم‪.‬‬

‫‪ -‬الرؤية الكونية اإلسالمية عنظر للكون على أنه أية عظيمة عبني عظمة اخلالق من جهة‪ ،‬من‬
‫خالل عظمة خلقه‪ ،‬ويدل من جهة أخرى على رمحته من خالل ما بثهُ من خريات من أجل‬
‫خدمة اإلنسان‪.‬‬

‫‪-‬الرؤية الكونية اإلسالمية عنظر لإلنسان على أنه أفضل خلق اهلل من حيث أصله الشريف‬
‫أن نفخ من روح اهلل وخلقه يف أحسن هيئة دون إخالل أو عشويه‪.‬‬

‫‪-‬الرؤية الكونية اإلسالمية عنظر هلل عز وجل نظرة كمال وعنزيه‪ ،‬وعنف عنه مجيع مظاهر‬
‫النقص بأن اهلل ليس كمثله ش ء‪ ،‬خبالف الرؤى األخرى كاملسيحة اليت عصف اهلل جل شأنه‬
‫بصفات النقص كالغلب والتعب‪ ...‬وغريها‪ ،‬من الصفات املشابه لإلنسان‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫خاتمة‬

‫‪ -‬ذكر اهلل عز وجل ضمن الرؤية الكونية اإلسالمية ال يعين أنه جزء من هذا الوجود الكل‬
‫أو متحد معه بل هو خالق هذا الكون واملتصرف فيه‪ ،‬لك ععطى لنا صورة عن الكون؛‬
‫مبدأ وغايتة ومصريا‪ ،‬حيث عرفت لنا اهلل عز وجل الذي له مقاليد الكون‪ ،‬فجاءت الرؤية‬
‫اإلسالمية منفردة يف عرضها لتجيب عمن هو اهلل‪.‬‬

‫‪ -‬الرؤية الكونية اإلسالمية عنظر للكون واإلنسان على أهنم أحد خلق اهلل عستمد وجودها‬
‫واستمرارها يف حياة من اخلالق سبحانه ‪.‬‬

‫‪ .-‬عبادة اهلل ه غاية اليت خلق من أجلها األنسان‪ ،‬وه الغاية اليت عسببت يف عكرميه‬
‫وعفضل اإلنسان عن سائر خلق اهلل ععا ى‪ ،‬حيث خلقه اهلل بيد‪ ،‬ونفخ فيه من روحه سخر له‬
‫الكون ما فيه من أجله‪.‬‬

‫‪ -‬الرؤية الكونية اإلسالمية عرى إن الكون واإلنسان هلم نفس املصري هو املوت والزوال من‬
‫حياة ولكن وراء هذا موت والزوال حياة أخر ال هناية هلا‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫الفهارس العامة‬
‫فهرس اآليات‬
‫فهرس اَلعالم‬
‫فهرس الموضوعات‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫الفهارس‬

‫فهرس اآليات‬

‫الصفحة‬ ‫رقمها‬ ‫اآلية‬


‫البقرة‬
‫‪27‬‬ ‫‪88‬‬ ‫ﱡﭐ ﲘ ﲙ ﲚ ‪ .......................‬ﲯ ﲰ ﱠ‬
‫‪27‬‬ ‫‪89‬‬ ‫ﱡﭐ ﲺ ﲻ ﲼ ‪ ........‬ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﱠ‬
‫‪9‬‬ ‫‪22‬‬ ‫ﭐﱡﭐ ﲿ ﳀ ﳁ ‪ ..........................‬ﳑ ﳒ ﱠ‬
‫‪81‬‬ ‫‪721‬‬
‫ﭐ‬ ‫ﱡﭐ ﲇ ﲈ ﲉ ‪ ...... ...‬ﲵ ﲶ ﱠ‬
‫‪26‬‬ ‫ﭐ‪811‬‬ ‫ﱡﭐ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ‪ .........................‬ﳌ ﳍ ﱠ‬
‫آل عمران‬
‫‪82‬‬ ‫‪7‬ﭐ‬ ‫ﱡﭐ ﲇ ﲈ ﲉ ‪ .... ........‬ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﱠ‬
‫‪47 720-779‬‬
‫ﭐ‬ ‫ﱡﭐ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ‪ ....... ...‬ﳢ ﳣ ﳤ ﱠ‬
‫اَلنعام‬
‫‪20‬‬ ‫ﱡﭐﲸﲹﲺﲻ‪.............................‬ﳅﳆﱠ ‪ 24‬ﭐ‬
‫‪20‬‬ ‫‪26‬‬
‫ﭐ‬ ‫ﱡﭐﱌﱍﱎﱏﱐ‪......................‬ﱣﱤﱠ‬
‫‪47‬‬ ‫‪94‬‬
‫ﭐ‬ ‫ﱡﭐﲌﲍﲎﲏﲐ ﲑ‪..................‬ﲾﲿﱠ‬
‫‪87 708-700‬‬
‫ﭐ‬ ‫ﭐﱡﭐ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ‪ .........‬ﱒ ﱓ ﱔ ﱠ‬
‫‪42‬‬ ‫‪702‬‬
‫ﭐ‬ ‫ﱡﭐ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ‪................‬ﱱ ﱲ ﱠ‬
‫اَلعراف‬
‫‪22‬‬ ‫‪77-70‬‬
‫ﭐ‬ ‫ﱡﭐ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ‪...........‬ﲻ ﲼ ﱠ‬
‫‪41‬‬ ‫‪88‬‬
‫ﭐ‬ ‫ﱡﭐ ﳅ ﳆﳇ ﳈ ﳉ ‪................‬ﳡ ﳢ ﳣ ﱠ‬
‫‪44‬‬ ‫‪82-84‬‬
‫ﭐ‬ ‫ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ‪.........‬ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱠ‬

‫‪75‬‬
‫الفهارس‬

‫‪80‬‬ ‫‪792‬‬
‫ﭐ‬ ‫ﭐﱡﭐ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ‪ ........‬ﲺ ﲻ ﲼ ﱠ‬
‫‪80‬‬ ‫ﭐ‪791‬‬ ‫ﱡﭐ ﲽ ﲾ ﲿ ‪ ....... . . ......‬ﳚ ﳛ ﱠ‬
‫يوسف‬
‫‪80‬‬ ‫ﱡﭐ ﱞ ﱟ ﱠ ‪ ...‬ﱥ ﱦ ﱧ ﱠ ‪ 49‬ﭐ‬
‫الرعد‬
‫‪81‬‬ ‫ﱡﭐ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ‪.....‬ﱾ ﱿ ﲀ ‪ -2‬ﭐ‪9‬‬

‫‪21‬‬ ‫‪71‬‬
‫ﭐ‬ ‫ﭐﱡﭐ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ‪ .................‬ﱫ ﱬ ﱭ ﱠ‬
‫الحجر‬
‫‪22‬‬ ‫‪80-76‬‬
‫ﭐ‬ ‫ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ‪ .......‬ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱠ‬
‫‪22‬‬ ‫ﱡﭐ ﱬ ﱭ ﱮ ‪ ......................‬ﲉ ﲊ ﲋ ﱠ ‪ 87‬ﭐ‪84-‬‬

‫‪40‬‬ ‫ﭐ‪89‬‬ ‫ﱡﭐ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ‪ .............‬ﳃ ﳄ ﱠ‬


‫النحل‬
‫‪21‬‬ ‫ﭐ‪27‬‬ ‫ﭐﱡﭐ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ‪.....................‬ﲒ ﲓ ﱠ‬
‫‪84‬‬ ‫‪60‬‬
‫ﭐ‬ ‫ﭐﱡﭐ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ‪................‬ﲌ ﲍ ﱠ‬
‫طه‬
‫‪41‬‬ ‫ﭐ ‪771‬‬ ‫ﱡﭐ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ‪ .................‬ﱟ ﱠ ﱠ‬
‫اَلنبياء‬
‫‪47‬‬ ‫ﭐ‪2‬‬ ‫ﱡﭐ ﲜ ﲝ ﲞ ‪ ..................‬ﲤ ﲥ ﱠ‬
‫‪79‬‬ ‫ﭐ‪88‬‬ ‫ﱡﭐ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ‪ ...............‬ﲺ ﲻ ﲼ ﱠ‬
‫‪79‬‬ ‫ﭐﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ‪ ...........‬ﱎ ﱏ ﱐ ﱠ ‪81‬ﭐ‬
‫‪20‬‬ ‫‪28‬‬
‫ﭐ‬ ‫ﱡﭐ ﲏ ﲐ ﲑ ‪ .........‬ﲛ ﲜ ﲝ ﱠ‬
‫المؤمنون‬
‫‪76‬‬
‫الفهارس‬

‫‪22‬‬ ‫ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ‪ .....‬ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱠ ‪ 72‬ﭐ‬


‫‪27‬‬ ‫‪77-71‬‬
‫ﭐ‬ ‫ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‪ ......‬ﱢ ﱣ ﱠ‬
‫‪79‬‬ ‫ﭐ‪97‬‬ ‫ﱡﭐ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ‪.... ............‬ﱠ ﱡ ﱠ‬
‫‪47 776-771‬‬
‫ﭐ‬ ‫ﱡﭐ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ‪ .......‬ﲲ ﲳ ﱠ‬
‫الفرقان‬
‫‪21‬‬ ‫‪26-21‬‬
‫ﭐ‬ ‫ﱡﭐ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ‪ ........................‬ﱦ ﱧ ﱨ ﱠ‬
‫‪21‬‬ ‫‪27‬‬
‫ﭐ‬ ‫ﱡﭐ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ‪ ...........‬ﱲ ﱳ ﱴ ﱠ‬
‫‪87‬‬ ‫ﱡﭐ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ‪ ....................‬ﱣ ﱤ ﱠ ‪12‬ﭐ‬
‫‪77‬‬ ‫ﱡﭐ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ‪..........‬ﲠ ﲡ ﱠ ‪67‬ﭐ‪68-‬‬

‫القصص‬
‫‪87‬‬ ‫‪22‬‬
‫ﭐ‬ ‫ﱡﭐ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ‪ ....... .‬ﲎ ﲏ ﲐ ﱠ‬
‫الروم‬
‫‪76‬‬ ‫‪02‬‬
‫ﭐ‬ ‫ﭐﱡﭐ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱝ ‪ ............‬ﱰ ﱱ ﱠ‬
‫‪81‬‬ ‫ﭐ‪87‬‬ ‫ﱡﭐ ﱝ ﱞ ﱟ ‪ .. .........‬ﱯ ﱰ ﱱ ﱠ‬
‫لقمان‬
‫‪40‬‬ ‫‪80‬‬
‫ﭐ‬ ‫ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ‪ ..............‬ﱟ ﱠ ﱠ‬
‫السجدة‬
‫‪89‬‬ ‫‪ 7‬ﭐ‪2-‬‬ ‫ﱡﭐ ﲔ ﲕ ‪ ...............................‬ﲧ ﲨ ﱠ‬
‫‪89‬‬ ‫‪9‬ﭐ‬ ‫ﭐﱡﭐ ﲩ ﲪ ﲫ ‪........ .‬ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﱠ‬
‫االحزاب‬
‫‪48‬‬ ‫‪48‬‬
‫ﭐ‬ ‫ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ‪ ..........‬ﱘ ﱙ ﱚ ﱠ‬
‫فاطر‬
‫‪77‬‬
‫الفهارس‬

‫‪84‬‬ ‫‪ ...‬ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﱠ ‪71‬ﭐ‪72-‬‬


‫ﭐﱡﭐ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ‪ ...‬ﳑ‬
‫‪72‬‬ ‫‪27‬‬
‫ﭐ‬ ‫ﱡﭐ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ‪ ......‬ﲔ ﲕ ﲖ ﱠ‬
‫الزمر‬
‫‪88‬‬ ‫ﭐ‪4‬‬ ‫ﱡﭐ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹﱺ ‪ .........‬ﲘ ﲙ ﱠ‬
‫‪87‬‬ ‫‪89‬‬
‫ﭐ‬ ‫ﱡﭐ ﲺ ﲻ ﲼ ‪ .......................‬ﳍ ﳎ ﳏ ﱠ‬
‫‪76‬‬ ‫ﱡﭐ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﲃ ‪......‬ﲔ ﲕ ﲖ ﱠ ‪64-68‬‬

‫‪10‬‬ ‫ﱡﭐ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ‪............‬ﱒ ﱓ ﱔ ﱠ ‪ 72‬ﭐ‪71-‬‬

‫غافر‬
‫‪47‬‬ ‫ﭐ‪26‬‬ ‫ﱡﭐ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ‪........‬ﲛ ﲜ ﱠ‬
‫‪22‬‬ ‫ﱡﭐ ﲢ ﲣ ﲤ‪ ....‬ﲬ ﲭ ﲮ ﱠ ‪ 12‬ﭐ‬
‫فصلت‬
‫‪47‬‬ ‫‪40‬‬
‫ﭐ‬ ‫ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ‪ ....‬ﱒ ﱓ ﱔ ﱠ‬
‫‪20‬‬ ‫‪10‬‬
‫ﭐ‬ ‫‪ :‬ﱡﭐ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ‪ ..........‬ﲛ ﲜ ﱠ‬
‫الجاثية‬
‫‪24‬‬ ‫‪ 4‬ﭐ‪6-‬‬ ‫ﱡﭐ ﱊ ﱋ ﱌ ‪ .. .......‬ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱠ‬
‫الذاريات‬
‫‪29‬‬ ‫‪ 7‬ﭐ‪1-‬‬ ‫ﱡﭐ ﲳ ﲴ ‪...............‬ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﱠ‬
‫الطور‬
‫‪77‬‬ ‫ﭐﱡﭐ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ‪ ........‬ﱦﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱠ ‪41‬ﭐ‪46-‬‬

‫االنسان‬
‫‪42‬‬ ‫‪8‬ﭐ‬ ‫ﱡﭐ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ‪ ...............‬ﲿ ﳀ ﳁ ﱠ‬
‫النازعات‬
‫‪78‬‬
‫الفهارس‬

‫‪42‬‬ ‫‪27-42‬‬ ‫ﱡﭐ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ‪ ......... ...............‬ﲾ ﲿ ﳀ ﱠ‬


‫التكوير‬
‫‪29‬‬ ‫ﱡﭐ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ‪ ...........‬ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﱠ ‪-7‬ﭐ‪1‬‬

‫الغاشية‬
‫‪77‬‬ ‫‪80-77‬‬
‫ﭐ‬ ‫ﭐﱡﭐ ﲱ ﲲ ‪.......‬ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﱠ‬
‫العلق‬
‫‪81‬‬ ‫‪1-7‬‬ ‫ﱡﭐ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ‪ .................‬ﲜ ﲝ ﱠ‬
‫الشمس‬
‫‪41‬‬ ‫ﭐ‪70-7‬‬ ‫ﱡﭐ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ‪ ..............‬ﱲ ﱳ ﱴ ﱠ‬
‫االخالص‬
‫‪86‬‬ ‫ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ‪4-7‬‬

‫ﱌ ﱍﭐﱠ‬
‫‪86‬‬ ‫‪2‬‬ ‫ﭐ‬ ‫ﱡﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱠ‬

‫‪79‬‬
‫الفهارس‬

‫فهرس اَلعالم‬

‫الصفحة‬ ‫االسم‬
‫(أ)‬
‫‪02‬‬ ‫محمد عبد العظيم الزرقاني‬
‫(ش)‬
‫‪02‬‬ ‫محمد شلتوت‬

‫‪81‬‬
‫الفهارس‬

‫فهرس الموضوعات‬

‫إهداء‪4 .................................................................................... :‬‬


‫شكر وعرفان‪5 ............................................................................. :‬‬
‫ملخص البحث‪6 ........................................................................... :‬‬
‫قائمة المختصرات‪8 .........................................................................‬‬
‫مقدمة‪.......................................................................................‬أ‬
‫المبحث التمهيدي‪ :‬مفهوم الرؤية الكونية اإلسالمية وحياة الشيخ محمد الغزالي‪0 ............. .‬‬
‫املطلب األول‪ :‬مفهو الرؤية الكونية اإلسالمية ومصطلحاهتا‪4 ................................. .‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬حياة الشيخ حممد الغزايل الشخصية والعلمية‪78................................. .‬‬
‫الفرع األول‪ :‬مولد ونشأعه‪78.............................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬مسار العلم ‪74.............................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬آثار العلمية‪76............................................................ .‬‬
‫المبحث اَلول‪ :‬الرؤية الكونية هلل عز وجل عند الشيخ محمد الغزالي‪08...................... .‬‬
‫املطلب األول‪ :‬وجود اخلالق عز وجل‪79......................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬وحدانيته سبحانه‪82......................................................... .‬‬
‫الفرع األول‪ :‬نف الشرك ‪81..............................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬نف عبادة األوثان‪86.........................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬مقارنات بني الشركاء والعبيد‪ .................. .‬خطأ! اإلشارة املرجعية غري معرفة‪.‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬نف أن يكون هلل األبناء‪87....................................................‬‬
‫الفرع اخلامس‪ :‬نف أن يعبد اهلل بأي واسطة‪82............................................ .‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬كمال اهلل وعنزيهه‪89........................................................ .‬‬
‫‪80‬‬
‫الفهارس‬

‫املطلب األول‪ :‬مبدأ اخللق‪41................................................................‬‬


‫السجل البيولوج ‪ .......................................... :‬خطأ! اإلشارة املرجعية غري معرفة‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬بداية الوجود اإلنساين عند الشيخ الغزايل‪42...................................... .‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬طبيعة اإلنسان‪20........................................................... .‬‬
‫الفرع األول‪ :‬مكانة وقيمة اإلنسان‪24....................................................... .‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬اخللق حسن التقومي‪24.............................................. ............‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬وظيفة اإلنسان‪22.......................................................... .‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬االستخالف‪27............................................................... .‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬مصري اإلنسان‪10.............................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬املوت‪10....................................................................‬‬
‫إذا كان للمؤمنني هلم نصيب من النار جزاء عصياهنم فما حديث الشفاعة نبينا حممد الذي خيربن‬
‫فيه‪ :‬أمة حممد خبري؟‪17...................................................................‬‬
‫ما عالقة اإلنسان باهلل ععا ى ؟؟ ‪14........................................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مالمح الرؤية الكونية للكون عند محمد الغزالي ‪55...........................‬‬
‫المطلب اَلول‪ :‬وجود الكون وخصائصه‪12.................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬وظيفة الكون‪68..............................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬مصري الكون ‪62..........................................................‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬اثار الرؤية الكونية اإلسالمية عند محمد الغزالي‪65........................... :‬‬
‫املطلب االول‪ :‬أثر الرؤية الكونية اإلسالمية هلل على حياة اإلنسان ‪62............................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أثر الرؤية الكونية لإلنسان على حياة اإلنسان‪69.................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬أثر الرؤية الكونية للكون على اإلنسان ‪70......................................‬‬
‫الفهارس العامة ‪54...........................................................................‬‬

‫‪82‬‬
‫الفهارس‬

‫فهرس اآليات ‪71........................................................................‬‬


‫فهرس األعال ‪20........................................................................‬‬
‫فهرس املوضوعات ‪27....................................................................‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع‪22.................................................................‬‬

‫‪83‬‬
‫الفهارس‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫أوال‪ :‬القرآن الكريم برواية ورش عن اإلمام نافع‪.‬‬


‫ثانيا‪ :‬المعاجم‬
‫‪ .7‬مرد وهبة ‪ ،‬املعجم الفلسف ‪ ( ،‬د ط) دار قباء احلديثة – القاهرة ‪- 8007‬‬
‫‪8707‬ص ‪.441‬‬
‫حممد بن حممد أبو الفيض امللقب ب‪ :‬مرعضى‬ ‫‪ .8‬عاج العروس من جواهر القاموس‪َ ،‬‬
‫الزبيدي‪ ،‬دط‪ ،‬دار اهلداية‪ ،‬دت‪،‬‬
‫‪ .4‬أبو الفضل مجال الدين ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ج‪ ،72‬ط‪ ،4‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪7272‬ه‪،‬‬
‫‪ .2‬عل بن حممد السيد الشريف اجلرجاين‪ ،‬معجم التعريفات‪ ،‬عح‪ :‬حممد الصديق‬
‫املنشاوي‪ ،7 ،‬دط‪ ،‬د ‪ ،‬دار الفضيلة‪ ،‬دت‪،‬‬
‫‪ .1‬النهاية يف غريب احلديث واألثر‪ ،‬جمد الدين أبو السعادات املبارك بن حممد بن عبد‬
‫الكرمي الشيباين اجلزري ابن األثري‪ ،‬د ط‪ ،‬املكتبة العلمية‪ ،‬بريوت‪7499 ،‬ه‪ ،7929-‬ج ‪،2‬‬
‫‪ .6‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ط‪ ،2:‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ 7272 ،‬ه‪ ،‬ج‪،74‬‬
‫‪ .7‬إبراهيم مصطفى وأخرون‪ ،‬املعجم الوسط‪ ،‬حتقيق جممع للغة العربية (د ط) ‪ (،‬د ن)‪( ،‬‬
‫د ت )‪ ،‬ج ‪،8‬‬
‫‪ .2‬سورة البقرة‪ :‬اآلية ‪.820‬‬
‫‪ .9‬أمحد فارس بن زكريا القزويين الرازي‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬عح‪ :‬عبد السال هارون‪،‬‬
‫ج‪ ،1‬دط‪ ،‬د ‪ ،‬دار الفكر‪7499 ،‬ه‪، 7979-‬‬
‫‪ .70‬حممد عل التهانوي‪ ،‬كشاف اصطالحات الفنون والعلو ‪ ،‬عح؛ رفيق العجم وعل‬
‫دحروج‪ ،‬ج‪ ،8‬ط‪ ،7‬د ‪ ،‬مكتبة لبنان‪، 7996 ،‬‬
‫‪ .77‬مراد وهبة‪ ،‬املعجم الفلسف ‪ ،‬د ط‪ ،‬دار قباء احلديثة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪، 8007 ،‬‬
‫‪ .00‬ثالثا‪ :‬الكتب‬
‫‪ .74‬عل العبود‪ ،‬الرؤية الكونية اإلهلية دراسة يف الدوافع واملناهج فلسفية كالمية عرفانية‪ ،‬نور‬
‫للدراسات‪ ،‬ط‪7244- 8078 ،8‬ه‪،‬‬

‫‪84‬‬
‫الفهارس‬

‫‪ .72‬ععريف إجرائ ‪.‬‬


‫‪ .71‬عبد اجمليد النجار‪ ،‬خالفة اإلنسان بني الوح والعقل‪ ،‬ط‪ ،8‬املعهد العامل للفكر‬
‫اإلسالم ‪ ،‬الواليات املتحدة األمريكية‪، 7994 ،‬‬
‫‪ .76‬مجيل صليبا‪ ،‬املعجم الفلسف ‪ ،‬دار الكتاب اللبناين‪ ،‬دط‪ ،‬بريوت لبنان‪ ،‬ج‪،8‬‬
‫‪ ، 7928‬ج‪،8‬‬
‫‪ .77‬حممد عق املصباح اليزدي‪ ،‬دروس يف العقيدة اإلسالمية‪ ،‬معرفة اهلل‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الرسول‬
‫األكر ‪ ،‬بريوت لبنان‪7289- 8002 ،‬ه‪ ،‬ج‪،7‬‬
‫‪ .72‬مرعضى املطهري‪ ،‬الرؤية الكونية التوحيدية‪ ،‬ط ‪ ،8‬منظمة اإلعال اإلسالم ‪ ،‬معاونيه‬
‫العالقات الدولية يف منظمة االعال اإلسالم اجلمهورية اإلسالمية إيران‪ ،‬طهران‪،‬‬
‫‪7209‬ه‪، 7929-‬‬
‫‪ .79‬مسري أبو زيد‪ ،‬العلم والنظرة العربية إ ى العامل‪ ،‬ط‪ ،7‬بيت النهضة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫‪، 8009‬‬
‫‪ .80‬مرعضى مطهري‪ ،‬املفهو التوحيدي للعامل‪ ،‬دط‪ ،‬دار التيار اجلديد‪، 7921 ،‬‬
‫‪ .87‬عبد اجمليد النجار‪ ،‬خالفة اإلنسان بني الوح والعقل‪ ،‬ط‪ ،8‬د ‪ ،‬دار الغرب‬
‫اإلسالم ‪، 7994 ،‬‬
‫‪ .88‬طالل فائق الكمايل‪ ،‬نظرية املعرفة يف سياقها اإلجرائ ‪ ،‬دط‪ ،‬د ‪ ،‬دن‪ ،‬دت‪،‬‬
‫‪ .84‬حممد عمارة‪ ،‬الشيخ الغزايل املوقع الفكري واملعارك الفكرية‪ ،‬ط‪ ،8‬القاهرة‪ ،‬دار السال ‪،‬‬
‫‪7240‬ه ‪، 8009-‬‬
‫‪ .82‬عمر بطيشة‪ ،‬الشيخ حممد الغزايل شاهد على العصر‪ ،‬دط‪ ،‬دار الفاروق‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫اململكة العربية السعودية‪، 8070 ،‬‬
‫‪ .81‬حممد الغزايل‪ ،‬حماضرات يف اصالح الفرد واجملتمع‪ ،‬دط‪ ،‬دن‪ ،‬دت‪،‬‬
‫‪ .86‬عبد احلليم عوس ‪ ،‬الشيخ حممد الغزايل (عارخيه وجهود وأراء )‪ ،‬دط‪ ،‬دن‪ ،‬دت‪.‬‬
‫‪ .87‬عبد اهلل العقل‪ ،‬من أعال الدعوة واحلركة اإلسالمية املعاصرة‪ ،‬دط‪ ،‬دن‪ ،‬دت‪،‬‬
‫‪7269‬ه‪، 8007-‬‬
‫‪ .82‬يوسف القرضاوي‪ ،‬الشيخ حممد الغزايل كما عرفته‪ ،‬دط‪ ،‬دن‪ ،‬دت‪،‬‬

‫‪85‬‬
‫الفهارس‬

‫‪ .89‬عمر بطيشة ‪ ،‬الشيخ حممد الغزايل شاهد على العصر‪،‬‬


‫‪ .40‬حممد الغزايل‪ ،‬احملاور اخلمسة للقرآن الكرمي‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪،‬‬
‫‪ .47‬سقراط‪ :‬أحد فالسفة اليونان وحكمائها مؤسس الفلسفة الغربية‪ ،‬علميذ أفالطون‪،‬‬
‫عويف يف‪. 499 :‬‬
‫‪ .48‬حممد الغزايل‪ ،‬نظرات يف القرآن‪ ،‬ط‪ ،6‬دار النهضة‪ ،‬مصر‪. 8004 ،‬‬
‫‪ .44‬حممد الغزايل‪ ،‬اجلانب العاطف من اإلسال ‪ ،‬ط‪ ،2‬مصر‪ ،‬دار هنضة‪، 8004 ،‬‬
‫‪ .42‬عشارلز داروين‪ ،‬أصل األنواع نظرية النشوء واالرعقاء‪ ،‬عرمجة ‪:‬إمساعيل مظهر‪ ،‬ن ‪ :‬دار‬
‫التنوير للطباعة والنشر والتوزيع د‪ -‬ط‪ ،‬ج‪،8‬‬
‫‪ .41‬عبد الرمحان بدوي‪ ،‬املوسوعة الفلسفية‪7227 ،‬ه‪ ، 8072-‬دن‪ ،‬ابن العريب‪ ،‬ج‪،7‬‬
‫‪ .46‬موريس بوكاي أصل اإلنسان بني العلم والكتب السماوية‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪،‬‬
‫‪ .47‬أنظر‪ :‬عبد اجمليد النجار‪ ،‬مبدأ اإلنسان نقد عأويل اآلية‪ ،‬ت ن‪، 7997-06-40 ،‬‬
‫املعهد العامل للفكر اإلسالم األردن‪ ،‬ص‪.82‬‬
‫‪ .42‬الشيخ حممد الغزايل‪ ،‬اجلانب العاطف من اإلسال ‪ ،‬ط‪ ،4‬النهضة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪ .49‬حممد الغزايل ‪ ،‬مقاالت الشيخ حممد الغزايل يف جملة الوع اإلسالم ‪،‬ط‪ ،8‬دولة‬
‫الكوين‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية ‪ 72246‬ه‪8077/‬‬
‫‪ .20‬حممد الغزايل ‪ ،‬مقاالت الشيخ حممد الغزايل يف جملة الوع اإلسالم ‪،‬ط‪ ،8‬دولة‬
‫الكوين‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية ‪7247 - -8079‬ه‬
‫‪ .27‬حممد الغزايل‪ ،‬مائة سؤال عن اإلسال ‪ ،‬ط‪ ،1‬دت‪7281 ،‬ه‪ ، 8002 -‬دار املقطم‬
‫القاهرة‪،‬‬
‫‪ .28‬حممد الغزايل‪ ،‬احملاور اخلمسة للقرآن الكرمي‪ ،‬ج‪.7‬‬
‫‪ .24‬حممد الغزايل‪ ،‬نظرات يف القرآن‪ ،‬ط‪ ،6‬مصر‪ ،‬دار هنضة‪، 8004،‬‬
‫‪ .22‬حممد الغزايل‪ ،‬مقاالت الشيخ حممد الغزايل يف جملة الوع اإلسالم ‪،‬ط‪ ،8‬دولة‬
‫الكوين‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية ‪ 72246‬ه‪8077/‬‬

‫‪86‬‬
‫الفهارس‬

‫رابعا‪ :‬المقاالت والمحاضرات‬


‫‪ .7‬مقال على الشبكة‪ ،‬احلاج أومحنة دواق‪ ،‬يف مفهو الرؤية الكونية وضرورة مفهمة املعرفة‬
‫املؤهلة نظريا‪ :‬الرابط‪https : //www.mominoun.com/articles2305 :‬‬
‫عاريخ الصفح‪ ،8080/2/47 :‬على الساعة‪ 72:40 :‬ظهرا‪.‬‬
‫‪ .8‬راغب الرجاين‪ ،‬حممد الغزايل إما األئمة‪ ،‬مقال على الشبكة العنكبوعية‪ ،‬رابط املقال‪:‬‬
‫عاريخ الصفح‬ ‫‪https //www.ilamstory.com/articles22398‬‬
‫‪. 8080/2/47:‬‬

‫خامسا‪ :‬اَلحاديث‪:‬‬
‫‪ .7‬أبو الفضل أمحد بن عل ‪ ،‬إحتاف املهرة بالفوائد املبتكرة من أطراف العشرة‪ ،‬عح‪ :‬زهري‬
‫بن ناصر الناصر‪ ،‬ط‪ ، 7992 ،7‬ج‪ ، ،79‬رقم احلديث‪ ،4264:‬جممع امللك فهد‪،‬‬
‫اململكة العربية السعودية‪.‬‬
‫‪ .8‬البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬باب فضل السجود‪ ،‬عح‪ .‬حممد زهري بن ناصر الناصر‪،‬‬
‫ج‪ ،9‬ط‪،7288 ،7‬‬

‫‪87‬‬
‫متت حبمد اهلل‬

You might also like