Professional Documents
Culture Documents
1
أهداف المادة :
تعريف الطالب بالخطابة وأثرها في الدعوة .1
تعريف الطالب بكيفية اختيار موضوع الخطبة وتحديد هدفها وأسلوب عرضها . .2
تدريب الطالب على كيفية إعداد الموضوع الخطابة .3
تعريف الطالب بالمؤثرات البيانية والصوتية والحركية في اإللقاء لتتمكن من اإلقناع .4
واالستمالة للحاضرات نحو األمر المطلوب .
تدريب الطالب على إلقاء الموضوع .5
تدريب الطالب على طريقة تقييم إلقاء الزميالت للوصول به إلى أفضل صورة .6
تعريف الطالب بصفات الخطيب من حيث الثقافة وال ُخلق والقدرات العقلية ،وكيفية .7
استعمال وسائل التأثير المختلفة إليصال كلمة الحق إلى اآلخرين وإقناعهم بها.
إطالع الطالب على نماذج من الخطب المؤثرة مع بيان مواقع التأثير فيها. .8
مفردات المنهج :
أوالً :الخطابة:
تعريفها لغة و اصطالحا ً ونشأتها وخصائصها. -
أهميتها واتجاهاتها . -
أنواعها :وعظية ,سياسية ,عسكرية ,اجتماعية. -
ثانيا ً :تكوين الخطبة وإعداد الخطيب :
تكوين الخطبة وإعدادها. -
إعداد الخطيب . -
ثالثا ً :ثقافة الخطيب وصفاته :
.1ثقافة الخطيب .
.2الصفات الفكرية والعقلية للخطيب
.3الصفات األخالقية للخطيب
.4الصفات البيانية
رابعا ً :نماذج من الخطب المؤثرة مع بيان مواقع التأثير فيها :
-خطبة الرسول صلى هللا عليه السالم في حجة الوداع.
-خطبة أبي بكر رضي هللا عنه
-خطبة عمر رضي هللا عنه
-خطبة قس بن ساعدة.
2
مقدمة
تعد الخطابة واإللقاء إحدى أقدم الوسائل التي استخدمها اإلنسان في إيصال
أفكاره للناس واستمالتهم نحوها ،فقد استخدم اإلنسان منذ قديم األزل الكالم وإلقاءه
وسيلة للتواصل مع غيره من البشر وإقناعهم بأفكاره .
ومن الناحية الدينية فإن إلقاء الخطب والمواعظ والدروس والمحاضرات تعد
أحد أبرز وسائل الدعوة إلى هللا سبحانه وتعالى ،إذ أن الكلمة الملقاة كانت
الوسيلة األولى والرئيسة للرسل – صلوات ربي وسالمه عليهم أجمعين –
ص دعوا بها في أقوامهم بأبلغ عبارة ،وأجمل أسلوب ،وأوضح حرف وأجمل
كلمة ،وأصدق منطق ،وألهمية الكلمة الملقاة ومكانتها العالية في اإلسالم ،
ُجعلت جزءا ً من شعائر المناسبات الكبرى :كخطبة يوم الجمعة ،ويوم عرفة،
والعيدين ،واالستسقاء ،وقد استعان رسول هللا بالكلمة منذ أن أرسل بالرسالة
فخطب بها ،وحاور ،وجادل إلى آخر أيامه حيث لخص أهم تعاليم اإلسالم
في خطبة الوداع.
وال يزال الدعاة والمصلحون والمربون وغيرهم يستعملون الخطابة واإللقاء في
نشر أفكارهم ومبادئهم وإيصالها للناس وجذبهم نحوها ،ولهذا كان من الواجب على
الدعاة خصوصا ً تعلم هذا الفن وإتقانه من أجل المساهمة في نشر الفضيلة والحث
عليها ما استطاعوا إلى ذلك سبيالً .
وإنه ال قيمة لإلنسان حقيقة إال إذا كان له لسان معبر عن الحق ومفصح عن
الذات وعن الشخصية ومدافع عن الفكر والمبدأ ،وقد جاء في األثر (( ال يحقرن أحدكم
نفسه أن يرى أمرا ً هللا تعالى عليه في مقال فال يقول فيه ،فيلقى هللا تعالى وقد أضاع
ذلك فيقول هللا ما منعك أن تقول فيه ،فيقول يا رب خشية الناس فيقول :فإياي كنت
أحق أن تخشى)) .
فالكلمات ماهي إال وسائل لنقل الرسائل واألفكار والمعلومات والمواقف ،
والداعية الذي ال يستطيع التعبير عن أفكاره كأنه لم يتعلم والداعية الذي ال يستطيع أن
يوضح فكرته لن يتمكن من القيام بواجبه في الدعوة كما ينبغي ،فالداعية الذي يفهم
ما يقرأ ويعي ما يعتقده ،ولكنه ال يستطيع التعبير عما يفهم ويعي بالخطابة أو الكتابة
يكون قد فقد عامالً مهما ً في نقل المعرفة ونشر الهدى والعلم بين الناس .
3
تعريف اخلطابة وعلم اخلطابة
الخطابة لغة:
الخطابة مصدر ،فعله ( خطب ) من باب قتل ،يتعـدى بنفسه وبحرف الجر ،
قال الجوهري :خطب على المنبر خطبة -بضم الخاء -وخطابة ،ويقال :فالن خطيب
القوم إذا كان هو المتكلم عنهم ،والجمع ُخطباء .
وقال أبو إسحاق إلى أن الخطبة عند العرب هي :الكالم المنثور المسجوع ونحوه
وقال ابن منظور في لسان العرب :والخطبة مثل الرسالة التي لها أول وآخر.
الخطابة في االصطالح :
الخطابة :كالم منثور مؤلف يخاطب به الفرد الجماعة قصد اإلقناع واالستمالة .
وأما علم الخطابة ؛ قد الحظ األقدمون والمحدثون أن للخطابة علما ،له أصوله
عدَّ خطيبا .والحقيقة أن هذا العلم يرشد دارسه إلى مناهج ومسالكوقوانينه من أخذ بها ُ
،وال يجعله بالضرورة خطيبا ،بل يعطيه المصباح وال يضمن له الرؤية ،فقد يكون
في عينه رمد ،ويعطيه اآللة وقد يكون غير مؤهل الستعمالها ،فهذا العلم إذن ال يشكل
اإلنسان ولكن يهديه ويدله على الطريق المستقيم.
5
نشأة علم اخلطابة
نشأت الخطابة من قديم مع اإلنسان األول ألنها شيء يقتضيه التجمع البشري للتوجيه
واإلرشاد والقيادة للسير في هذه الحياة.
وقد صاحبت الهداية الربانية البشرية من أول يوم وجاء بها رسل هللا سبحانه
سولُ َها َكذَّبُوهُ } ()44 سلَنَا تَتْ َرا ُك َّل َما َجاء أ ُ َّمةً َّر ُ
س ْلنَا ُر ُ
وتعالى ،قال جل ثناؤه { :ث ُ َّم أ َ ْر َ
سالً ُّم َبش ِِّّرينَ َو ُمنذ ِِّّرينَ ِّلئَالَّ َي ُكونَ ِّللنَّ ِّ
اس {:ر ُ
سورة المؤمنون ،وقال في محكم التنزيل ُّ
س ِّل } ( )165سورة النساء ّللا ُح َّجةٌ َب ْعدَ ُّ
الر ُ علَى ِّ
َ
وكان رسل هللا صلوات هللا وسالمه عليهم أجمعين روادا ً ألممهم وخطباء
لشعوبهم .يهدونهم إلى الطريق المستقيم ويبشرونهم بالفوز والسعادة ويحذرونهم من
طرق الغواية ومن مزالق الشيطان وعواقب الخسران ،ولهذا بعثوا ومعهم الحجة
ت علَى قَ ْو ِّم ِّه ن َْرفَ ُع دَ َر َجا ٍيم َ {:وتِّ ْل َك ُح َّجتُنَا آت َ ْينَاهَا إِّب َْرا ِّه َ
والحكمة وصدق هللا بقوله تعالى َ
س ْلنَا فِّي ُك ْم
ع ِّلي ٌم} ( )83سورة األنعام ،وقال تعالى َ {:ك َما أ َ ْر َ َّمن نَّشَاء ِّإ َّن َرب ََّك َح ِّكي ٌم َ
َاب َو ْال ِّح ْك َمةَ َويُ َع ِّل ُم ُكم َّما لَ ْم ت َ ُكونُواْعلَ ْي ُك ْم آيَاتِّنَا َويُزَ ِّكي ُك ْم َويُ َع ِّل ُم ُك ُم ْال ِّكت َ
سوالً ِّمن ُك ْم يَتْلُو َ
َر ُ
ت َ ْعلَ ُمونَ } ( )151سورة البقرة ؛ فهم يعلمون الحكمة ويقارعون بالحجة ويبلغون بالتي
هي أحسن بأنصع بيان وأقوم منطق وأفضل كلمة .
وكان مقابلو الرسل ومعاندوهم خطباء وأصحاب كلمة وبيان استطاعوا بهذا
استدراج الشعوب واالستيالء على أفكارهم وعقولهم ،ولننظر في ذلك إلى خطبة من
خطب فرعون لشعبه ،يسفه موسى ويلفت الناس إلى شخصه ومكانته هو ،قال تعالى:
ار تَجْ ِّري ِّمن تَحْ تِّي ص َر َو َه ِّذ ِّه ْاأل َ ْن َه ُْس ِّلي ُم ْلكُ ِّم ْع ْو ُن فِّي قَ ْو ِّم ِّه قَا َل يَا قَ ْو ِّم أَلَي َ
{ونَادَى فِّ ْر َ َ
ُ
ين ( )52فَلَ ْو َال أ ْل ِّق َ
ي ين َو َال يَ َكادُ يُبِّ ُ ْص ُرونَ ( )51أ َ ْم أَنَا َخي ٌْر ِّم ْن َهذَا الَّذِّي ُه َو َم ِّه ٌ أَفَ َال تُب ِّ
ب أ َ ْو َجاء َم َعهُ ْال َم َالئِّ َكةُ ُم ْقت َِّرنِّينَ } ( )53وقال تعالى { :فَا ْستَخ َّ
َف علَ ْي ِّه أ َ ْس ِّو َرة ٌ ِّمن ذَ َه ٍ
َ
عوهُ ِّإنَّ ُه ْم َكانُوا قَ ْو ًما فَا ِّس ِّقينَ } ( )54سورة الزخرف ،فقد كان فرعون خطيبا طا ُ قَ ْو َمهُ فَأ َ َ
بارعا ً في سرقة أفكار الناس وعقولهم استخفهم بالكلمة اللعوب والحجة الملتوية والدليل
الكاذب .وقد بين القرآن الكريم ذلك في آياته .
وتاريخ األنبياء في الكلمة وفي التبليغ بها معروف ومدون في القرآن الكريم وفي
األحاديث عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم .
6
* اليونان والخطابة :
علمنا أن الخطابة قديمة قدم اإلنسانية ،وأما علم الخطابة فإن الباحثين يقولون إن أول
دون علم الخطابة وجعل له أصالً وقواعد هم اليونان ،وذلك ألن أهل أثينا في من َّ
عصر بيركليس ،قويت فيهم الرغبة إلى القول واشتدت فيهم دواعيه ،فاغرم الناس
بالفصاحة وحب الكلمة وحسن اإللقاء وأصبحت الوظائف الراقية والمناصب العالية
وقفا ً على أصحاب الفصاحة وملوك البيان ،واتجهت عقول الناس وجهودهم إلى تعلم
الخطابة والدربة عليها والتمرين على اإللقاء وتطويع اللسان للنطق الصحيح والبيان
الفصيح.
وألجل هذا ظهرت نخبة من العلماء تستنبط قواعد وقوانينها بمالحظة الخطباء
الناجحين والبلغاء النابهين ،وبقياس مقدار التأثر من هذا أو ذاك ومراقبة أحوال الناس
ورغباتهم وميولهم ومدى استجابتهم ألنواع الحجج والتصرفات ،واألقوال ،ثم أنشئت
المدارس الخاصة بهذا الفن ،وكانت في بدء أمرها ال تقبل إال الشباب األغنياء
وأصحاب المكانة المرموقة يرسلهم ذووهم ليتعلموا الخطابة وطريقة األداء على يد
أساتذة متخصصين في هذا الفن.
وقد جاء هذا العصر أرسطو ؛ فجمع قواعد علم الخطابة ،وضم شوادره وأودع
ذلك في كتاب سماه [ :الخطابة ] فاتخذه الناس أصالً لهذا العلم ومرجعا ً يرجعون إليه
،ثم جاء بعد ذلك العصر الروماني فنشطت فيه الخطابة نشاطها في العصر اليوناني
وبلغت بذلك شأوا بعيدا.
* الخطابة عند العرب :
تميزت األمة العربية بأنها قد بلغت من الفصاحة والبالغة والبيان ما لم تبلغه أمة
من األمم قبلها أو بعدها .وكان الشعراء والبلغاء هم فخر القبيلة وعزها ومجدها ,وكان
من أشهر خطباء العرب قس بن ساعدة األيادي ،الذي يقول في خطبته " يا أيها الناس
اسمعوا وعوا .وإذا وعيتم فانتفعوا ،إنه من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت
آت .مطر ونبات ،وأرزاق وأقوات وآباء وأمهات ،وأحياء وأموات ،جمع وشتات
آيات بعد آيات ....
نرى في هذه الخطبة الرائعة جزالة اللفظ وقصر الفواصل واستنتاج العبر من
حوادث األيام ومما يحيط باإلنسان ومن مصارع الطغاة ،وكأنه يجول في الكون ليستدل
7
به على فكرته وعلى وضوح غايته .مما يظهر براعة الخطيب ورسوخ قدمه في عالم
البيان والحجة .وكان من خطباء العرب المشهورين ،خارجة بن سنان خطيب داحس
والغبراء ،وخويلد بن عمرو الغطفاني خطيب يوم الفجار ،وأكثم ابن صيفي وغيرهم
وغيرهم كثير.
وبعث الرسول صلى هللا عليه و سلم في األمة العربية بمعجزة لم يأت نبي أو
يبعث بها رسول ،أال وهي كتاب يتلى وبيان يقرأ ،فاق كالم البشر وقدرة الخلق وبالغة
علَى أَن َيأْتُواْ
نس َو ْال ِّج ُّن َ
اإل ُ
ت ِّ اإلنس والجن إلى يوم القيامة وصدق هللا {قُل لَّئِّ ِّن اجْ ت َ َم َع ِّ
يرا} ( )88سورة اإلسراء ض َ
ظ ِّه ً ض ُه ْم ِّل َب ْع ٍ آن الَ َيأْتُونَ ِّب ِّمثْ ِّل ِّه َولَ ْو َكانَ َب ْع ُ
ِّب ِّمثْ ِّل َهذَا ْالقُ ْر ِّ
،وقد كان رسول هللا صلى هللا عليه و سلم أفصح الناس وأبلغهم وأخطبهم وتراثه
محفوظ ومدون.
ولقد بلغت الخطابة زمن الخلفاء الراشدين المكانة المرموقة والالئقة بها ،فكان
الخلفاء خطباء ،يخطبون الناس في الجمع واألعياد والمناسبات ويخطبون الجيوش
ويوجهون القادة.
وقد اقتبست الخطبة من القرآن الكريم ومن السنة المطهرة نصاعة البيان وقوة
الحجة وجزالة العبارة ورقتها ،وتجنبت سجع الكهان والفخر والغرور ومدح القبيلة
ونتن العصبية واستعالئها باآلباء إلى غير ذلك من عادات الجاهلية ،فاكتسبت بذلك
قوة التأثير ووصلت إلى شغاف القلوب وغزت كل جنس ولون وارتفعت إلى نطاق
الرسالة العالمية والحقيقة اإلنسانية والعزة الربانية .وطغت بذلك على الشعر ،حتى
ترك بعض الشعراء الفحول الشعر بعد مجئ القرآن الكريم والسنة لما لهما من تأثير
وبالغة ال يرقى إليهما شيء .
8
اخلصائص العامة للخطابة وأنواعها
وهي خصائص تشترك فيها كل أنواع الخطب من دينيه وسياسية واجتماعية إلى غير
ذلك نذكر منها :
-1تعتمد الخطابة على عناصر ثالثة :
أولها :المنطق والحجة ،وثانيها :أقوال الحكماء والحوادث المنقولة عن ثقة
واألخبار المروية عن حكيم أو عظيم مصدق عند الناس ،ثالثها :صنعة الخطيب
الذي يمزج كل هذا بصورة من براعة الفنان وعاطفة اإلنسان وخيال الشاعر.
وقد يعمد الخطيب في حاالت كثيرة إلى اإلكثار من استعمال المنطق إن كان من
يخاطبهم أقواما ،وقد غلبت عليهم الحياة الفكرية والعقلية فال يرضيهم إال الحقائق
عارية وقد يعمد إلى أقوال الحكماء وكثير من الظنيات إذا كان من يخاطبهم من يقدسون
هؤالء الحكماء أو الزعماء أو القادة ،وقد يكثر من استعمال العاطفة إذا كان يخاطب
بعض العوام أو من يميلون إلى سماع هذا اللون وتؤثر فيهم العواطف .
-2وضوح العبارة في الخطبة وظهور معانيها بحيث يكون الغرض الذي يهدف إليه
الخطيب مفهوما ً فال يصح أن يستعمل الخطيب كلمات لغوية غامضة المعنى أو غريبة
على أفهام الناس أو تكون أعلى من مستوى الناس ،فخطبة المثقفين والجامعيين تخالف
خطبة العامة ،وخطبة أخالط الناس تخالف خطبة الفئة الواحدة الختالف
الدرجات العقلية لكل منهم ،واختالف الثقافات واالهتمامات.
وال بأس من توضيح بعض المعاني باللغة العامية على أن يكون هذا في أضيق
الحدود ،أما استعمال اللغة العامية في الخطابة فإنه يخرجها عن كونها خطابة ويبعدها
عن التأثير المطلوب ،فإن اللغة العربية ما تزال هي مفتاح التأثير حتى في المجتمعات
العامية .
-3قد يستعمل األسلوب القصصي فيستعين الخطيب بقصه قصيرة أو حدث تاريخي
لالستشهاد به على ما يقول ،وهذا يعتمد بالدرجة األولى على نوع القصة ومناسبتها
وموقعها وقصرها .فالقصص الذي يقع موقعة تكثر أفادته بشرط أن ال تكون طويلة
تذهب بذهن السامع عن الغرض األصلي للخطبة .
9
-4مقامات الخطبة متعددة فيجب أن تكون عبارتها بحسب المقام ويجب أن تكون حال
الخطيب كذلك ،فخطب الحرب غير خطب الزواج وخطب التبشير غير خطب التحذير.
-5الخطبة أقدر من الشعر على اإلقناع ،ألنها ال تعتمد على تكلف القوافي أو األوزان
،وتستطيع أن توضح كل جوانب الموضوع بغير تكلف وان تمزج األحاسيس بغير
عناء ،وان تدخل القصة والمثل والحكمة في ثناياها بغير أن يختل المعنى ،كما تستطيع
الخطبة أن تستوعب النصوص بغير تبديل وال تغيير أو تحريف ،وهي مع ذلك تتمتع
بجزالة اللفظ وحسن التعبير وبرد العاطفة .كما أنها أقدر من العامية على صياغة
المعاني ووصف األحاسيس وإبراز اآلمال ,وأقوى منها في التأثير واإلقناع وإبراز
الحجج والبراهين.
و تستطيع إجادة الخطبة جموع كثرة وفئات مختلفة ،بخالف الشعر فإنه ال يستطيع
إجادته إال موهوب ،وال معالجته إال أصحاب قرائح معينة .كما أن مجاالت الخطبة
أوسع بكثير من مجاالت الشعر .فال شيء حقيرا كان أو جليال معقوال أو محسوسا إال
دخل حكمها وخضع لسلطانها.
10
-4الخطب العسكرية :وهي الخطب التي تلقى في الجنود لتحريضهم على القتال
وزيادة قوتهم المعنوية .
-5الخطابة االجتماعية :وهي الخطب االجتماعية التي تكون في المناسبات والمواقف
مثل :خطب التأبين والمدائح ،ومحافل األفراح ،والتهاني بالقدوم من السفر أو من
حادث أو بنجاح في شهادة أو غير ذلك من المناسبات المختلفة .
* اتجاهات الخطب االجتماعية :
تتعدد اتجاهات الخطب االجتماعية تعددا ً يشمل كل أوجه النشاط االجتماعي في
المجتمع الذي يوجد فيه الخطيب ،من ذلك ما يلي .
– 1خطب التهاني والبشريات :
ال شك أن مجاملة الناس في المجتمع المسلم مطلوبة والتآخي معهم واجب وذلك
بالمشاركة في أفراحهم وأحزانهم وما يهمهم ،فللتهاني بالعيد مثال ،مجال وللتهاني
بالزواج مجال ،وكذلك النجاح ،وقدوم مولود إلى غير ذلك من البشريات التي حث
الشرع الكريم عليها وجاء طرف من ذلك في القرآن الكريم والسنة المطهرة.
-2خطب المشروعات والمرافق :
من الخطب االجتماعية تلك الخطب التي تحث الناس على إنشاء المدارس لتعليم
أوالد المسلمين وتثقيفهم وطرد شبح الجهل عنهم ،وإنشاء دور لتحفيظ القرآن ،ورعاية
كتاب هللا تبارك وتعالى ،إنشاء مكتبات عامة ثقافية إسالمية تساعد النشأ وتصلهم
بتراثهم وحاضرهم ،ومن المشروعات المهمة أيضا ً بناء المساجد وإعمار بيوت هللا
سبحانه وتعالى والعناية بها.
-3خطب التكافل االجتماعي ومحاربة الفقر ،فالمسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه
عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ،فيجب على المسلم أن يرعى أخاه ويقدم
له ما يحتاج ويعاونه فيما ال يستطيع.
-4خطب الزواج وتهنئة العروسين واإلعالن عن الزواج بالفرح والسرور بما أحل
هللا من الطيبات ليعلمه الخاص والعام والقريب والبعيد .ويكون بما جرت به العادة
11
ودرج عليه عرف كل جماعة بشرط أال يصحبه محظور نهى عنه الشرع كاختالط
الرجال بالنساء ونحو ذلك .
-5خطب التأبين أو الرثاء :
وهي الخطب التي تقال في إظهار مناقب الرجال عند وفاتهم وفاء لهم على ما أسدوا
من جميل وحسن صنيع ،وعلى ما قدموا ألمتهم ولشعوبهم من عزة وكرامة ورخاء
واستقالل وتقدم ،وهم بذلك يحثون السامعين على اقتفاء آثارهم وترسم خطاهم ليكون
ذلك امتداد لجهودهم وتعزيه عن فقدهم.
وذكر محاسن الموتى جائز شرعا ً وال شيء فيه ،وكذلك رثاؤه أي مدح الميت
بعد موته .يقال رثيته بعد موته ورثيت له إذا حزنت عليه .وليس هذا معارض بنهي
الرسول عن المراثي التي هي ذكر أوصاف الميت الباعثة على تهيج الحزن وتجديد
اللوعة ،وقد رأينا كثيرا من الصحابة يرثي بعضهم بعضا من ذلك .رثاء اإلمام علي
رضي هللا عنه ألبي بكر الصديق بعد موته.
12
اخلطابة يف الدعوة إىل الل
* أهمية الخطابة الدينية :
-1تغذية الروح وطرح الجفاف النفسي والذهني الذي ينشئ القلق والحيرة واالنهيار ،
وتخفيف غلواء المادية وشرورها وسيطرتها على اإلنسان في الحياة.
-2تغذية الشعور وإثارة الحماس وبعث الهمم حتى تستطيع اإلنسانية أن تحقق أشواقها
ورغباتها في هذه الحياة.
-3معرفة الحقيقة وتبصير الناس إلى الحياة الباقية التي يكون فيها الثواب والنعيم
الحقيقي وداللتهم إلى الفوز األكبر والنعيم الدائم ،وقد وضع الرسول الناس على
الصراط المستقيم وعلى الطريقة الواضحة من أول يوم في أول خطبة خطبها عليه
الصالة والسالم ؛ حيث قال " :إن الرائد ال يكذب أهله ،وهللا لو كذبت الناس جميعا
ما كذبتكم ،ولو غررت الناس جميعا ما غررتكم ،وهللا الذي ال إله إال هو إني لرسول
هللا إليكم خاصة ،وعلى الناس كافة ،وهللا لتموتن كما تنامون ،ولتبعثن كما تستيقظون
ولتجزون باإلحسان إحسانا وبالشر شرا ،وإنها لجنة أبدا أو لنار أبدا ".
وفي رواية عن اإلمام أحمد عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال :لما أنزل هللا
" وأنذر عشيرتك األقربين " أتى النبي الصفا فصعد عليه ونادى " :يا صباحاه "
فاجتمع الناس إليه بين رجل يجئ إليه وبين رجل يبعث رسوله ،فقال رسول هللا :
" يا بني عبد المطلب ،يا بني فهر ،يا بني كعب ،أرأيتم لو أخبرتكم أن خيال بسفح
هذا الجبل تريد أن تغير صدقتموني ؟ قالوا :نعم !! قال :فإني نذير لكم بين يدي عذاب
شديد"
ولهذا نستطيع أن نؤجز أهميتها في الدعوة إلى هللا فيما يلي :
-1الخطابة في الدعوة إلى هللا واجبة ,ألنها الزمة لتبليغ الدعوة وماال يتم الواجب
ٌ
وصوت ٌ
وبيان ناصع , وفكر ذكي
ٌ إال به فهو واجب ,فالدعوة يلزمها صوت قوي
داوي والخطابة رسول ذالك وبالغه وحامل هذا وسلطانة .
-2الخطابة للداعية كالمصباح ينير الطريق ويكشف الدرب ويهدي الضال .
وكاآللة في يد الصانع الماهر تشكل له ما يشاء وتصنع له ما يريد ,ومما يجب التنبيه
13
عليه ,أنه ليس بالضرورة أن يهدي المصباح حامله ,وكذالك الحال بالنسبة لآللة فقد
ال ينفع بها صاحبها إذا كان جاهالً ال يقدر على استعمالها ,أو غرا اليقدر على
االنتفاع بها ,أما إذا كان بصيرا ً وقادرا ً وماهرا ً فإنه يفتح مغاليق القلوب ويضئ
دياجير العقول ,وصدق هللا ( :وما أرسلنا من رسو ٍل إال بلسان قومه ليبين لهم فيضل
هللا من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم ) إبراهيم – . 4
-3الخطابة بالنسبة إلى الداعية سالح يدافع به عن دعوة ,يرد به كيد الكائدين
وجحود الجاحدين وعنت الضالين ,فكم من منافق عليم اللسان ومنحرف صاحب
بيان وفاسق يحمل فكرا ً ,وشيطان يلوح بحجة ,فيأتي الداعية الفصيح صاحب الحجة
فيدفع الركب الضال والموكب اللعين وينسف الباطل المنتفخ ,ويرفع الحق األبلج
والحجة المضيئة .
-4الخطابة وسيلة لصياغة المبادئ ,وإظهار جاللها ورفعة شأنها كما أنها سبب
سيادة الحق والخطابة هي وسيلة الداعية وقد تكون الوحيدة في بعض األحيان
إلظهار الحق وخدمة مبادئه .
-5الخطابة هي صلب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر لصيانة جسد األمه من
الهدم والتحليل ,كما انها الزمة لطرد األهواء وإزالة الشياطين ,وعالج األمراض
الداخلية والمستوطنة ,والبرهان الحسي قائم على أن األمة التي انتشر فيها خطباء
اإلصالح وقادة الفكر تحيا بمقدار جهدهم وكثرتهما وتأثيرهم .
-6الخطابة الزمة لسياسة األمم والشعوب ,فإن والة األمر يعنون بإطالع
المسلمين على سياستهم وسنة حكمهم وينتهزون الجمع واألعياد والمناسبات المختلفة
خصوصا ً في موسم الحج فرصة لذالك ,كذالك تكون وسلة لتسكين الفتن وبعث
المودة .كما أنها الزمة إلعداد الجيوش ودفعها الى الجهاد ورفع راية الحق .
14
كيفية إعداد اخلطبة
إلعداد لخطبة أصول وأسس تقوم عليها يجب مراعاتها وتتلخص تلك األسس واألصول
فيما يأتي - :
أوالً :اإلخالص
صحيح أن العمل الجاد يحتاج إلى التعب والجهد ولكنه يحتاج قبل كل ذلك إلى اإلخالص
هلل تعالى ..والمثل الرائع يقول [ :قل لمن ال يخلص ال يتعب ]
فما فائدة العمل إن أريد به غير وجه هللا تعالى ؟ نعم ..لن يكون له أي تأثير ال على
المتكلم وال حتى على المستمعين ..إن لم يكن هناك إخالص [ ،فرب عمل كبير تصغره
النية ..ورب عمل صغير تكبره النية ] فالخالص في اإلخالص .
.ومما يعين على اإلخالص كثرة الدعاء بأن يجعل هللا العمل صالحا ً متقبالً خالصا له
وحده ..وأن يجعل له بالغ األثر في اآلخرين .
16
البينة يقينية ،فإن كانت يقينية كان ذلك أفضل ،وإن كانت ظنية فال بأس إن استطاع
الخطيب أن يرتقي بها بأسلوبه ،فبعض الخطباء يستطيع أن يرتقي بوسائل معينة من
الظني إلى اليقيني.
18
أ -أن تكون ترديدا ً للموضوع أو إعادة له .
ب -أن تكون ثمرة منطقية مترتبة طبيعية على العناصر واألدلة .
ج -أن تكون واضحة وقوية حتى تكون دافعة على العمل والتأثير واإللزام وتكون
حجة على السامع ومنشطة له باعثة لعزيمته .
مثال :
إذا أراد الخطيب مثال أن يتكلم في موضوع " األخوة في هللا " فإنه يعمد أوال إلى
العنصر األول – وهو :تعريف معنى األخوة في هللا وتمييزها عن األخوة في الدنيا ،
ثم ينتقل إلى العنصر الثاني وهو :بيان الصفات المشروطة فيمن يختار للصحبة
واألخوة ،ثم ينتقل إلى الثالث وهو حقوق األخوة والصحبة ،في المال ،والوفاء والعفو
واإلعانة ،إلى غير ذلك ،ثم ينتقل إلى العنصر الرابع وهو :لزوم تلك األخوة للمسلم
والمجتمع البشري .
وتأتي األدلة واالستشهادات لكل عنصر على حدة ،بحيث تؤكد ما يقوله الخطيب
وتحمس له ؛ وتأتي القصص لبيان هذه االستشهادات ولوضوحها وإخراجها للواقع
والنور والميدان العلمي .
ثم تأتي الخاتمة – فتكون في ثمار هذه األخوة ونتائجها وآثارها .
19
أسس وقواعد اإللقاء اجليد
لكي يكون اإللقاء والعرض متميزا وقويا البد من توفر أمور مهمة من أهمها:
21
9ـ تمييز الكلمات الهامة بالمؤثرات اللفظية:
لغتنا العربية مليئة بالمؤثرات والمحسنات اللفظية التي تضفي إلى الكلمة طابعا ً مميزا ً
جذاباً .فيمكن للخطيب أن يؤكد الكلمات الهامة ويلفت انتباه السامع لها بالمبالغة في
تمييزها بهذه المؤثرات ،ومن األمثلة التطبيقية على ذلك :
أ – التشديد :كقوله تعالى{ :فذلكم هللا ربكم الحق} ,وقوله{ :وبست الجبال بساً} ،وكقول
الخطيب :الصالة ,الرحمة.
ب – الغنة :كقوله تعالى { :وأزلفت الجـنَّـة} ,وقوله تعالى{ :فلهم عذاب جهنـَّم}.
جـ – المد :كقوله تعالى {مأواهم النـار} ,وقوله{ :واألمر يومئذ هلل} ،وكقول
الواعظ :تذكروا صور العذاب في النار ..من حر وسموم ..وزمهرير وزقوم.
وقد يجتمع أكثر من مؤثر لفظي في الكلمة الواحدة فيقوى تميزها .كقوله تعالى{ :فإذا
جاءت الطا َّمة الكبرى}.
10ـ تغيير نبرة الصوت:
من أسباب ضعف التأثير ,وتطرق الملل والسآمة إلى السامعين ,أن يتحدث الملقي بطبقة
رتيبة على وتيرة واحدةعندما تجد نفسك كذلك ابحث عن أي جملة مناسبة لتغير من
خاللها نبرة صوتك بما يتوافق مع أسلوب الجملة ،ومما يساعدك في القيام بهذا التغيير
أمران1 :ـ التوقف اليسير 2ـ التدريب.
11ـ تغيير سرعة الكالم:
فاألفكار الرئيسية والجمل الهامة ينبغي أن يالحظ في إلقائها التؤدة وعدم االستعجال,
تمكينا ً الستيعاب السامع لها ,وتعزيزا ً ألثرها في النفوس.
12ـ التوقف قبل وبعد األفكار المهمة:
الخطيب الناجح يعرف أين يتوقف أثناء خطبته .فإذا مر بفكرة عظيمة يرغب في
ترسيخها في أذهان مستمعيه توجه إليهم ,وأحدق بعيونهم مباشرة للحظة من دون أن
يقول شيئاً.
هذا الصمت المفاجئ له نتيجة الضجة المفاجئة .وهو يجذب االنتباه ,ويجعل كل
إنسان منتبها ً ومتحفزا ً لما سيتلو ذلك الصمت ،وكذا يقال في التوقف بعد كل جملة يراد
توكيدها ,فهو يضيف إلى قوتها قوة أخرى من خالل الصمت ,وذلك أن المعنى يغوص
في هذه األثناء في النفس ويؤدي رسالته ،لكن يجب أن يكون التوقف بشكل طبيعي,
ومن دون تكلف.
22
وقد قيل " :من خالل صمتك تتكلم " فالصمت ليس ذهبيا ً أكثر مما يستخدم عندما
تتكلم .وهو أداة قوية ومهمة ال ينبغي إغفالها ,ومع ذلك فهي مهملة من قبل الخطيب
المبتدئ.
* أمثلة تطبيقية:
ي صلى هللا عليه وسلم يَ ْو َم النَّحْ ِّر قَا َل: طبَنَا النَّبِّ ُّع ْن أَبِّي بَ ْك َرة َ رضي هللا عنه قَا َلَ :خ َ َ
س ِّمي ِّه بِّغَي ِّْر
سي ُ َظنَنَّا أَنَّهُ َ ت َحتَّى َ س َك َ سولُهُ أ َ ْعلَ ُم ،فَ َ ي يَ ْو ٍم َهذَا؟)) قُ ْلنَاَّ :
ّللاُ َو َر ُ ((أَت َ ْد ُرونَ أ َ ُّ
سولُهُ ّللاُ َو َر ُ ش ْه ٍر َهذَا؟)) قُ ْلنَاَّ : ي َ ْس يَ ْو َم النَّحْ ِّر؟)) قُ ْلنَا :بَلَى .قَا َل(( :أ َ ُّ اس ِّْم ِّه ،قَا َل(( :أَلَي َ
ْس ذُو ْال َح َّج ِّة؟)) قُ ْلنَاَ :بلَى، س ِّمي ِّه ِّبغَي ِّْر اس ِّْم ِّه ،فَقَا َل(( :أَلَي َ ظنَنَّا أَنَّهُ َ
سيُ َ ت َحتَّى َ س َك َ أ َ ْعلَ ُم ،فَ َ
س ِّمي ِّه ِّبغَي ِّْر اس ِّْمهِّ، ظنَنَّا أَنَّهُ َ
سي ُ َ ت َحتَّى َ س َك َ سولُهُ أ َ ْعلَ ُم ،فَ َ ي َبلَ ٍد َهذَا؟)) قُ ْلنَاَّ :
ّللاُ َو َر ُ قَال(( َ:أ َ ُّ
علَ ْي ُك ْم َح َرا ٌم، ت ِّب ْال َب ْلدَ ِّة ْال َح َر ِّام؟)) قُ ْلنَاَ :بلَى ،قَال(( :فَإِّ َّن ِّد َما َء ُك ْم َوأ َ ْم َوالَ ُك ْم َس ْ قَا َل(( :أَلَ ْي َ
ش ْه ِّر ُك ْم َهذَا فِّي بَلَ ِّد ُك ْم َهذَا إِّلَى يَ ْو ِّم ت َْلقَ ْونَ َربَّ ُكم)). َك ُح ْر َم ِّة يَ ْو ِّم ُك ْم َهذَا فِّي َ
ْس َب ْي ِّني ف النَّ ِّبي ِّ صلى هللا عليه وسلم لَي َ ع ْن ُم َعا ِّذ ب ِّْن َج َب ٍل رضي هللا عنه قَا َلُ :ك ْنتُ ِّر ْد َ َ
س ْعدَي َْك ث ُ َّم سو َل َّ ِّ
ّللا َو َ الرحْ ِّل فَقَا َلَ (( :يا ُم َعاذَ بْنَ َج َب ٍل)) .قُ ْلتُ :لَبَّي َْك َر ُ َو َب ْينَهُ ِّإال ُمؤْ ِّخ َرة ُ َّ
عةً سا َار َ س َ س ْعدَي َْك .ث ُ َّم َ سو َل َّ ِّ
ّللا َو َ عةً ،ث ُ َّم قَا َل(( :يَا ُمعَاذَ بْنَ َجبَ ٍل)) .قُ ْلتُ :لَبَّي َْك َر ُ سا َ ار َس َ َ
س ْعدَي َْك. سو َل َّ ِّ
ّللا َو َ ث ُ َّم قَا َل(( :يَا ُم َعاذَ بْنَ َجبَ ٍل)) قُ ْلتُ :لَبَّي َْك َر ُ
سولُهُ أ َ ْعلَ ُم ،قَا َل(( :فَإِّ َّن علَى ْال ِّعبَا ِّد ؟)) قَا َل قُ ْلتُ َّ :
ّللاُ َو َر ُ قَال(( :ه َْل ت َ ْد ِّري َما َح ُّق َّ ِّ
ّللا َ
عةً قَا َل(( :يَا ُمعَاذَ بْنَ سا َ ار َ س َ علَى ْال ِّعبَا ِّد أ َ ْن يَ ْعبُدُوهُ َوال يُ ْش ِّر ُكوا بِّ ِّه َ
ش ْيئًا)) ،ث ُ َّم َ َح َّق َّ ِّ
ّللا َ
ّللا ِّإذَا فَ َعلُوا
علَى َّ ِّ س ْعدَي َْك قَا َل(( :ه َْل ت َ ْد ِّري َما َح ُّق ْال ِّعبَا ِّد َ ّللا َو َ سو َل َّ ِّ َجبَ ٍل)) قُ ْلتُ :لَبَّي َْك َر ُ
سولُهُ أ َ ْعلَ ُم قَا َل(( :أ َ ْن ال يُ َع ِّذبَ ُهم))(). ذَ ِّل َك ؟)) قَال َ:قُ ْلتُ َّ :
ّللاُ َو َر ُ
13ـ الحركات واإلشارات:
حركات اليدين ستساعد سامعيك على فهمك بطريقه أفضل ،واالعتدال في الحركة هو
المفتاح .حاول أن تكون حركات يديك عفويه وتلقائية قدر االمكان .
والحركات في الخطبة نوعان:
أ) حركات ال إرادية :فالغاضب يقطب جبينه ويعبس وجهه ,وذو الحماس تنتفخ أوداجه
وتحمر عيناه ,ومنهم من تنقبض أصابعه وتنبسط ,ومنهم من يعلو صوته حماسا ً
وتفاعالً ,ومنهم من يبكي رقة وخشوعاً.
ب) حركات إرادية :تعكس االنفعال والمشاعر وتعين على مزيد من المتابعة
والتوضيح.
23
وينبغي أن تكون هذه اإلشارات والحركات منضبطة بقدر معقول ,وانفعال غير
متكلف ,ومتناسقة مع الشعور الحقيقي.
وإذا استخدمت اإليماءات واإلشارات بمهارة ,وبال تكلف ,وكانت مالئمة لمعاني
الكلمات المصاحبة لها فإنه من الممكن أن تكون يدا الخطيب أداة عجيبة إليصال األفكار
وتحريك المشاعر.
* أمثلة تطبيقية :
ت ب احْ َم َّر ْ ّللا صلى هللا عليه وسلم ِّإذَا َخ َ
ط َ سو ُل َّ ِّّللا قَا َلَ :كانَ َر ُ ع ْن َجابِّ ِّر ب ِّْن َ
ع ْب ِّد َّ ِّ َ
سا ُك ْم َويَقُولُ: صبَّ َح ُك ْم َو َم َّ ضبُهُ َحتَّى َكأَنَّهُ ُم ْنذ ُِّر َجي ٍْش يَقُولَُ : ص ْوتُهُ َوا ْشتَدَّ َ
غ َ عال َ ع ْينَاهُ َو َ
َ
طى َو َيقُولُ(( :أ َ َّما َب ْعدُ: سبَّا َب ِّة َو ْال ُو ْس َ عةُ َك َهاتَي ِّْن)) َو َي ْق ُر ُن َبيْنَ ِّإ ْ
ص َب َع ْي ِّه ال َّ سا َ ((بُ ِّعثْتُ أَنَا َوال َّ
ع ٍةور ُمحْ دَثَات ُ َها َو ُك ُّل ِّب ْد َ ّللا َو َخي ُْر ْال ُهدَى ُهدَى ُم َح َّمدَ ٍ،وش َُّر األ ُ ُم ِّ َاب َّ ِّ ث ِّكت ُ فَإِّ َّن َخي َْر ْال َحدِّي ِّ
ضاللَةٌ)) ...الحديث. َ
ساقَص ْوتُهُ ...:ث ُ َّم َ عال َ علَى إِّثْ ِّر ذَ ِّل َك َوقَ ْد َ ّللاَ َويُثْنِّي َ
علَ ْي ِّه ث ُ َّم يَقُو ُل َ وفي رواية :يَحْ َمدُ َّ
ْال َحد َ
ِّيث ِّب ِّمثْ ِّل ِّه.
24
تقول حكمة صينية " :من ال يستطيع االبتسام يجب أن ال يفتح متجرا ً
" فاالبتسامة المرحبة مطلوبة أمام الجمهور كما هي مطلوبة وراء اآللة الحاسبة في
المتجر.
هناك خطباء يتقدمون بأسلوب بارد متكلف وكأن عليهم القيام بمهمة مزعجة,
فيحمدون هللا عند انتهائهم .ونحن أيضا ً كمستمعين نشعر بمثل ذلك ,ألن هذه األساليب
تنتقل بالعدوى.
16ـ الهيئة والملبس:
في أحد البحوث أجمع كل األفراد أنهم عندما يكونون بمظهر الئق وأنيق يشعرون
بتأثير ذلك في منحهم الثقة بالنفس والرفع من تقديرهم الذاتي.
هذا هو تأثير المالبس على من يرتديها ,فما هو تأثيرها على الجمهور ؟
ال شك أن لها أثرا ً عليه ،فإذا كان الخطيب ال يعتني بملبسه ,فإن الجمهور يُكن احتراما ً
ضئيالً لهذا اإلنسان مثلما يفعل هو لمظهره.
17ـ القضاء على قواطع االنتباه:
ال يستطيع الجمهور أن يقاوم إغراء التطلع إلى األشياء المتحركة أو الملفتة لالنتباه .إذا
علم الخطيب هذه الحقيقة ,فإن عليه أن يقوم باآلتي:
أوالً :االبتعاد عن العبث بمالبسه والقيام بحركات عصبية تحط من قدره.
ثانياً :يجب أن يتدبر الخطيب أمر جلوس الجمهور إذا أمكنه ذلك ,لكي ال يجذب انتباههم
دخول المتأخرين.
-18التدريب العملي
التطبيق العملي لهذه المهارات هو نقطة جوهرية وأساسية في اعتياد الشخص على
اإللقاء متبعا ً األصول والقواعد التي سبق ذكرها ،وبغير التدريب على تلك المهارات
وتكرار التدريب لن يتمكن الشخص من إتقانها ،وستظل أمورا ً نظرية بالنسبة له ،
وسيفاجأ عند وقوفه أمام الجمهور بأنه قد نسى كل ما قرأه و درسه من تلك القواعد
والمهارات .
* طريقة مبتكرة:
يستخدم بعض الخطباء المعاصرين رموزا ً ألساليب ومهارات اإللقاء والتوقف يقوم
بتدوينها بين جمل الخطبة ,أو بإزائها في الهامش ,وذلك أثناء التدرب المسبق على
25
الخطاب ,أو يدونها على مالحظاته إذا استخدم طريقة المالحظات المساعدة التي سبق
ذكرها .كما يمكن االستعانة باأللوان بدالً عن الرموز الخطية ؛ فعلى سبيل المثال :
( ! ) أسلوب تعجب ( :) ..وقوف
( ؟ ) :أسلوب استفهام ( :)...وقوف طويل
( ترتيل ) :ترتيل اآلية ( رفع ) :رفع مستوى الصوت
( إشارة ) :إشارة أو حركة إرادية ( خفض ) :خفض مستوى الصوت
مناسبة
· وهذه مجرد أمثلة ولكل من يتصدى لإللقاء أن يستخدم ما يناسبه من الرموز.
26
مهارات التشويق يف اإللقاء
يعد التشويق من العناصر المهمة في اإللقاء الخطابي ،وهو أحد أسرار تأثير الكالم ؛
ألنه العامل األكبر في جذب السامع والتأثير فيه ؛ ومن وسائل التشويق:
)1األسئلة
سا فإنها تثير االهتمام عند المتلقي ،وتحفزه للتفكير ،وكلما كان السؤال عميقًا ،مالم ً
لحاجات المتلقين؛ كان أكثر تحري ًكا لدواخلهم ،وقد احتوى القرآن الكريم على أكثر من
ستمائة سؤال ،لم يكن المراد في أكثرها الجواب ،بل المراد هو التفكير.
يحرك أذهان سامعيه بأسئل ٍة يطرحها، وكثيرا ما كان المصطفى صلى هللا عليه وسلم ِّ ً
ع ْن أ َ ِّبي َب ْك َرة َ ولعل ِّمن ذلك ما ورد عنه في خطبة الحج كما عند البخاري في صحيحه َ
ي -صلى هللا عليه وسلمَ -ي ْو َم النَّحْ ِّر ،قَا َل « :أَت َ ْد ُرونَ -رضي هللا عنه -قَا َل َخ َ
ط َبنَا النَّ ِّب ُّ
س ِّمي ِّه ِّبغَي ِّْر اس ِّْم ِّه ،قَا َل:سي ُ َ ظنَنَّا أَنَّهُ َ ت َحتَّى َ س َك َ سولُهُ أ َ ْعلَ ُم ،فَ َ ي َي ْو ٍم َهذَا » ،قُ ْلنَاَّ :
ّللاُ َو َر ُ أ َ ُّ
ت س َك َ سولُهُ أ َ ْعلَ ُم ،فَ َ
ّللاُ َو َر ُش ْه ٍر َهذَا » ،قُ ْلنَاَّ : ي َ ْس يَ ْو َم النَّحْ ِّر؟ » قُ ْلنَا :بَلَى ،قَا َل « :أ َ ُّ « أَلَي َ
ي بَلَ ٍد ْس ذُو ْال َح َّج ِّة » ،قُ ْلنَا :بَلَى ،قَا َل« :أ َ ُّ س ِّمي ِّه ِّبغَي ِّْر اس ِّْم ِّه ،فَقَا َل « :أَلَي َ ظنَنَّا أَنَّهُ َ
سي ُ َ َحتَّى َ
ت س ْ س ِّمي ِّه ِّبغَي ِّْر اس ِّْم ِّه ،قَا َل« :أَلَ ْي َ ظنَنَّا أَنَّهُ َ
سي ُ َ ت َحتَّى َ س َك َسولُهُ أ َ ْعلَ ُم ،فَ َ َهذَا؟» ،قُ ْلنَاَّ :
ّللاُ َو َر ُ
علَ ْي ُك ْم َح َرا ٌمَ ،ك ُح ْر َم ِّة َي ْو ِّم ُك ْم ِّب ْال َب ْلدَةِّ ْال َح َر ِّام؟» ،قُ ْلنَاَ :بلَى ،قَا َل« :فَإِّ َّن ِّد َما َء ُك ْم َوأ َ ْم َوالَ ُك ْم َ
ش ْه ِّر ُك ْم َهذَا ،في َبلَ ِّد ُك ْم َهذَاِّ ،إلَى َي ْو ِّم ت َْلقَ ْونَ َربَّ ُك ْم "...الحديث. َهذَا ،في َ
)2ذكر األرقام ذات الداللة
طبين ،وذلك لما في وهذا ظاهر في أسلوبه عليه الصالة والسالم في جذب انتباه المخا َ
الرقم من اإلبهام واإلجمال ،مما يستوجب التفكير في تفسير هذا المب َهم ،وعندما يُذكر
المراد بهذا العدد يثبت ويستقر.
وم ْن هذا قوله صلى هللا عليه وسلم « :منهومان ال يشبعان :منهوم في علم ال يشبع، ِّ
ومنهوم في دنيا ال يشبع» .أخرجه الحاكم في المستدرك ،وقال :هذا حديث صحيح على
شرط الشيخين ،ولم يخرجاه.
ّللاُ َي ْو َم ْال ِّق َيا َم ِّة َوالَ َي ْن ُ
ظ ُر ِّإلَ ْي ِّه ْم َوالَ يُزَ ِّكي ِّه ْم وقوله صلى هللا عليه وسلم" :ثَالَثَةٌ الَ يُ َك ِّل ُم ُه ُم َّ
ث ِّم َر ٍار ،قَا َل أَبُو ّللا -صلى هللا عليه وسلم -ثَالَ َ سو ُل َّ ِّ اب أ َ ِّلي ٌم" قَا َل :فَقَ َرأَهَا َر ُ
عذَ ٌ َولَ ُه ْم َ
انَ ،و ْال ُمن َِّف ُق ِّس ْلعَتَهُ ّللا؟ قَا َل" ْ :ال ُم ْسبِّلَُ ،و ْال َمنَّ ُ سو َل َّ ِّ ذَ ٍر :خَابُوا َو َخس ُِّروا َم ْن ُه ْم يَا َر ُ
ب" رواه مسلم. ف ْال َكا ِّذ ِِّّب ْال َح ِّل ِّ
27
سولُهُ
ّللاُ َو َر ُ ان :أ َ ْن يَ ُكونَ َّ وقوله صلى هللا عليه سلم" :ثَالَ ٌ
ث َم ْن ُك َّن فِّي ِّه َو َجدَ َحالَ َوة َ ِّ
اإلي َم ِّ
س ْب َعةٌ ي ُِّظلُّ ُه ُم َّ
ّللاُ أ َ َحبَّ ِّإلَ ْي ِّه ِّم َّما ِّس َوا ُه َما "...رواه البخاري ،وقوله صلى هللا عليه سلمَ " :
فِّي ِّظ ِّل ِّه يَ ْو َم الَ ِّظ َّل ِّإالَّ ِّظلُّهُ ا ِّإل َما ُم ْال َعا ِّدلُ "...رواه البخاري
)3البدء بالمبهمات األخرى غير األرقام
مثل :االسم الموصول ،وضمير الشأن ،كقول النبي صلى هللا عليه وسلم كما عند
البخاري في األدب المفرد" :المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من
الذي ال يخالط الناس وال يصبر على أذاهم" [قال الشيخ األلباني :صحيح.
"خير ِّم ْن الذي ال يخالط
ٌ هنا تشتاق النفس لمعرفة َم ْن هذا صفته ،فعندما يقول بعدها:
الناس وال يصبر على أذاهم" يثبت ويستقر المعنى ،ومن هذا قول أبي العالء المعري:
والذي حارت البرية فيه حيوان مستحدث من جماد
ومثله ضمير الشأن والقصة ،وهو الذي لم يتقدم لمرجعه مذكور ،مثل قول الخطيب:
إنه ألمر جلل ،وإنه لحدث عظيم ...فهذا يثير عند السامع حب معرفة هذا الذي يتحدث
عنه الخطيب.
)4استخدام أدوات التنبيه
مثل) :أالَ) و(هال) و(أما) ،فإنها تثير انتباه السامع ،وتجعله يحضر سمعه وقلبه ِّ
لتلقي
وم ْن هذا قوله صلى هللا عليه وسلم" :أَالَ أُن َِّبئ ُ ُك ْم ِّبأ َ ْك َب ِّر ْال َك َبا ِّئ ِّر (ثَالَثًا) "...رواه
الكالمِّ ،
البخاري.
سم )5القَ َ
المتلقي ترتفع ،وأهمية الموضوع عنده ِّ ئ به الكالم؛ فإن درجة االستعداد عند فإنه إذا بُد َ
ّللا الَ
ّللا الَ يُؤْ ِّم ُنَ ،و َّ ِّ
ّللا الَ يُؤْ ِّم ُنَ ،و َّ ِّ
"و َّ ِّ
تعلو ،ولعل ِّمن هذا قوله صلى هللا عليه وسلمَ :
يُؤْ ِّم ُن" ،قِّي َلَ :م ْن يَا َر ُ
سو َل َّ ِّ
ّللا؟ "...رواه البخاري.
)6التكرار لجملة أو عبارة
طب ،ويشعره بأهمية الكالم ،ويغريه باالستماع له ، يوجد اهتما ًما لدى المخا َ
فإن ذلك ِّ
وم ْن ذلك ما ذكرنا في األسلوبين السابقين.
ِّ
28
)7السكت الخفيف
فهذا يبعث الحياة في القلوب الساكنة ،فعندما يتعجب الخطيب ،أو يسأل ثم يسكت ،فما
وم ْن هذا ما ورد عنه صلى هللا عليه وسلم في خطبة الحج أعظم أثر هذا السكتِّ ،
سولُهُ أ َ ْعلَ ُم. ي َي ْو ٍم َهذَا» .قُ ْلنَاَّ :
ّللاُ َو َر ُ «أَت َ ْد ُرونَ أ َ ُّ
س ِّمي ِّه ِّبغَي ِّْر اس ِّْم ِّه .فتأمل كيف بعث هذا السكت كل هذه المعاني ظنَنَّا أَنَّهُ َ
سي ُ َ ت َحتَّى َ س َك َ فَ َ
في نفوس الصحب الكرام رضي هللا عنهم أجمعين.
)8القصة
فإن في القصة من التأثير ما ال يستطيع المستمع دفعه ،إذا أحسنَ الملقي استثمار ذلك،
ً
موجزا مه ًّما من أحداث القصة ،دون أن يُفصح عن تفاصيلها، ومن هذا أن يذكر حدثًا
فهذا مما يشد السامع ويؤثر فيه ويشوقه لمعرفة تفاصيلها ،و َم ْن تأمل أول قصة أصحاب
الكهف أدرك ذلك.
)9البدء بعبارات تُبيِّن أهمية الموضوع وخطورته وعالقته بالمتلقي
كأن يقول المتكلم" :سنحدثكم اليوم عن أمر جلل ،يهم الصغير والكبير" ،فإن مثل هذا
األسلوب يجتذب انتباه السامع ،ألنه يهمه ويتعلق به ،ولعل مما يمثِّل هذا قول النبي
صلى هللا عليه وسلم كما في مسند اإلمام أحمد" :ويل للذي يحدث القوم ثم يكذب
ليضحكهم ،ويل له وويل له" قال شعيب األرنؤوط :إسناده حسن.
ار - "و ْي ٌل ِّلأل َ ْعقَا ِّ
ب ِّمنَ النَّ ِّ وقوله صلى هللا عليه وسلم كما عند البخاري في صحيحهَ :
َم َّرتَي ِّْن أ َ ْو ثَالَثًا".
ضا في صحيحه :أنه صلى هللا عليه وسلم دخل على زينب بنت وجاء عند البخاري أي ً
ب ،فُتِّ َح ْاليَ ْو َم ِّم ْن َر ْد ِّم ب ِّم ْن ش ٍَر قَ ِّد ا ْقت ََر َ ّللاَُ ،و ْي ٌل ِّل ْل َع َر ِّ
عا يَقُولُ« :الَ ِّإلَهَ ِّإالَّ َّ جحش فَ ِّز ً
َب ا ْبنَةُ َجحْ ٍش: ت زَ ْين ُاإل ْب َه ِّام َوالَّتِّي ت َ ِّلي َها ،قَالَ ْ
ص َب ِّع ِّه َِّيأ ْ ُجو َج َو َمأ ْ ُجو َج ِّمثْ ُل َه ِّذ ِّه»َ ،و َحلَّقَ ِّبإِّ ْ
ْث». صا ِّل ُحونَ ؟ قَا َل« :نَ َع ْمِّ ،إذَا َكث ُ َر ْال ُخب ُ ّللا ،أَنَ ْه ِّلكُ َو ِّفينَا ال َّ
سو َل َّ ِّ فَقُ ْلتُ َ :يا َر ُ
)10إخفاء بعض المعلومات المهمة عن المستمعين بغية توضيحها بعد ذلك
كأن يقول الملقي " :هل تدركون أيها المؤمنون أن ضحايا التدخين في بالدنا تجاوز...
المروع ،لكني سأجلي ذلك في كالمي
ِّ ثم يسكت قليالً ،ثم يقول :ال أستطيع ذكر هذا الرقم
معكم".
29
إعداد اخلطيب
إن إعداد الخطيب أو تكوين صاحب القلم مهمة ليست سهلة وعمل ليس بالهين
فالفكر واإلبداع والقدرة على اإلقناع إعمال ال يجيدها كل الناس ،وال يحسنها إال صفوة
معينة كما أن الخطيب الناجح والكاتب البارع البد له من فطرة مواتية وطبيعية مالية
وموهبة دافعة حتى يكون ذلك أساسا لبناء فكري وصياغة عقلية ،ينطلق منها بيانه
وينشرح بها لسانه وتأتي بعد ذلك دراسة وتربية وتدريب وتكوين ،وإعداد وتهذيب ،
وإحاطة ومعرفة ،وثقافة وإطالع ،تصقل المواهب ،وتنير الطبيعية ،وتوقد الفطرة
،وتغذي الميول .
أهمية معرفة الميول :
الناس يولدون ومعهم بعض الصفات الموروثة من آبائهم ،ومعهم كذلك بعض
الميول والرغبات التي يمن هللا بها على البشر ،ولعمارة األرض وسعادة اإلنسان تتنوع
الرغبات وتختلف الميول حتى يفيد هللا الناس بعضهم من البعض.
والخطيب واحد من الناس الذين يولدون بصفات وميول ولكنها ميول وصفات
تعينه على أن يكون إنسانا ً اجتماعيا ً حساسا ً شجاعا ً مؤثرا ً رائدا ً مبينا ً خطيبا ً صاحب
قدرة على إثارة مشاعر الناس واستمالتهم نحو فكرته بكالمه وإلقائه .
وتظهر هذه الميول بمالحظة سلوك األفراد وتصرفاتها في الحياة وفي مخالطتها
للجماعات واألفراد بواسطة النشطة المختلفة .األنشطة االجتماعية ،األنشطة الكشفية
،األنشطة الرياضية ،واإلعالمية .
دور التعلم في الخطابة :
قد تأتي الخطابة بالتعلم والدراسة والتمرين ،فقد وجد كثير من الخطباء قد
أحاطوا بقواعد علم الخطابة وتدربوا على فن المشافهة ومواجهة الجماهير وبذلك
صاروا خطباء باالستعداد .والعلوم الحديثة اليوم تعتمد في تعليمها على المنهج النظري
والعملي والخطيب او الداعية اليوم يمكنه أن يبرع وأن يملك زمام الكلمة بشيء من
ا لدراسة والمران كما يمكنه أن يتغلب إذا أراد على خجله وحتى على عيوبه الخلقية
,من فأفأة ولثغة إذا صحت عزيمته وأدام صبره وجلده.
ورياضة النفس على الخطابة تكون بأمور كثيرة منها :
بعض تلك الرياضة يتعلق باإللقاء ،وبعضها يتعلق باألسلوب والفكرة ألن الخطابة
فكرة و أسلوب وإلقاء محكم ،ومن الرياضة التي تتعلق بالفكرة ،أن يعود نفسه ضبط
30
أفكاره ،ووزن آرائه ،وعقد صلة بينها وبين ما يجري في شئون الناس ،وعامة
أمورهم ليكون على أهبة القول الخطابي إن وجدت دواعيه ،ومنها أن يكون كثير
التأمل في شئون الحياة عميق الفكرة فيها ،كثير الدراسة ألحوالها ،وأن يعود نفسه
االتصال بالناس ليخلط نفوسهم بنفسه فيحس بإحساسهم قريبا منهم ،إن وجد ما يدعو
إلى خطابهم ،ومن الرياضة التي تتعلق باألسلوب أن يتحدث بجيد الكالم ،أو يكتبه
كثيرا ،وأن يكون في مرانه الخطابي محاكيا البلغاء في أساليبهم ،أو مقتبسا منهم ،أو
سائر في مثل دربهم .
* ومن الرياضة التي تتعلق باإللقاء :
يعود نفسه إخراج الحروف من مخارجها وأن يقرأ كل ما يستحسنه بصوت مرتفع أن َّ
مصورا بصوته معاني ما يقرأ بتغيير النبرات ،وبرفع الصوت وخفضه ،وأن يغشى
الجماعات والمحافل التي تكون ميادين قول .وإذا عنت له فكرة ووجد الفرصة سانحة
فليقل غير هياب وال مستحي ،فإن اال ستحياء في هذا النوع من الضعف ،وهو إلى
الحبسة ،وموت المواهب ،وعليه أن يقول مرتجال ما استطاع إلى ذلك سبيال وإن
ضعف أسلوب ارتجاله ،أو إصابته حبسة مرة فال ييأس من أن يجيد مرتجال.
كيفية اكتشاف المواهب واستثمارها :
إن معرفة الميول في الصغر شيء ليس بالهين ألن الطفل عالم صامت ال يحسن
التعبير عن رغبته ،وال يستطيع التمييز بينها بسهولة ويسر ،ومعرفة مواهبه وقدراته
تحتاج إلى أخصائيين مدربين يمتازون بالذكاء والخبرة ،ويتبعون نظما مرتبة ومتعددة
في الكشف عن هذه المواهب .
ولذلك من المهم التدريب منذ الصغر على القراءة وعلى التحصيل وعلى
استعمال الكتب وإخراج المعلومات التي تخدم موضوعا معينا ً ،باإلضافة إلى تعلم
كيفية تدوين المالحظات وتصنيف المعلومات التي يحصل عليها الطالب ،وكيف يمكن
للقارئ أن ينشئ من هذه المعلومات موضوعات معينة.
31
شاشات التلفاز .وممكن ترتيب زيارات لهؤالء في منازلهم والتعرف عليهم فذلك يزيد
الثقة بالمتعلم ويؤدي إلى سماع النصائح التي ستلقي عليهم.
ب) المشاركة في إذاعة المدرسة وتقديم األحاديث الصباحية في طوابير أخبار
الصباح أو قراءة بعض فقرات من المجالت ،والكالم في المناسبات الوطنية والدينية
،وتوجيه الطالب إلى ما يجب أن يكونوا عليه في المدرسة وخارجها وإلقاء التوجيهات
المدرسية التي تود اإلدارة إبالغها للطالب .
ج) المشاركة في التمثيليات التي تلقى باللغة الفصحى وهذه تعود على اإللقاء وعلى
مواجهة الجماهير ،أو التي تلقي بالعامية وتلك تعود على مواجهة الجماهير فقط.
د) إقامة جمعية للخطابة في المدرسة ضمن الجمعيات الثقافية المختلفة ،وتدريب
الطالب على ممارسة الخطابة بأصولها ،ودراسة مشاهير الخطباء واالستفادة من
خطبهم والحث على المطالعات في هذا الشأن وسماع خطب الطالب والتعليق عليها.
هـ) حث الطالب على تحضير الموضوعات المختلفة والتمرين عليها في المنزل ،بينه
وبين نفسه أو أمام أسرته ،ثم يأتي ليلقيها أمام إخوانه في المدرسة أو في الحفل .
32
ثقافة اخلطيب
34
-2تجنب األحاديث التي ال تعيها عقول جمهور الناس لغير ضرورة
ينبغي على الداعية الخطيب أن يعني باألحاديث التي لها صــلة بواقع الناس ومقتضــى
حالهم ،وبتحري البعد عن المتشـابهات والمشـكالت وما ال تبلغه عقول عامة الناس إذا
كان الحديث معهم.
أخرج البخاري عن على بن أبي طالب رضي هللا عنه قال " :حدثوا الناس بما
يعرفون أتحبون أن يكذب هللا ورسوله ؟ " .
وأخرج مسلم عن عبدا هلل بن مسعود رضي هللا عنه ،قال " :ما أنت
بمحدث قوما حديثا ال تبلغه عقولهم إال كان لبعضهم فتنة ".
-3البد من وضع األحاديث في موضعها وفهمها على وجهها الصحيح وبعض
األحاديث ال تفهم منفردة أو ال تفهم بعيدا عن أصول اإلسالم العامة وتعاليمه.
وقد يوهم ظاهر بعض األحاديث شيئا معينا عند بعض الناس غير الدارسين لإلسالم
والعالمين بأحكامه ومبادئه .فينبغي االنتباه لهذه األمور والتدقيق فيها.
36
الصفات الفكرية والعقلية للخطيب
37
-3قوة المالحظة :
يجب أن يكون الخطيب قوي المالحظة ،ذا نظرات ثاقبة فيمن حوله وعلى
أرض الواقع الذي يعيش فيه ،فيرى على صعيد األرض التي يعيش فيها واقعها ،
ليستطيع أن يخاطب أهلها ويستطيع أن يرسم منهجه العلني ويلقي كلمته المؤثرة الفاعلة.
ويرى على صعيد المحيطين به ،المخلص من المنافق من الذي يريد أن يضلله أو
يوقعه في خطأ أو في إشكال أو في أوهام تفسد عليه علمه ودعوته ،كما يرى
المتربصين والحاقدين يرى على صعيد جمهوره ما يؤثر فيهم عند إلقاء خطبته وقبلها.
أما قبلها فيعرف مقتضى حالهم فيختار لهم ويتنزل بأسلوبه وموضوعه أو يرتفع
حسب ثقافتهم وقدرتهم العقلية وتخصصاتهم ،وأما حين إلقاء الخطبة فيعرف هل هم
مقبلون عليه فيسترسل أم مدبرون عنه ومعرضون فيوجز ؟ أو يتجه ناحية أخرى يراها
أقرب إلى قلوبهم وأدنى إلى مواطن التأثير فيهم ،وفي الحديث عن النبي أنه قال :
" إن هللا يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات ويحب العقل عند حلول الشهوات ".
-4حضور البديهة :
تأتي من شدة الذكاء وشدة المالحظة وحسن معرفة أحوال الناس وطباعهم
وشجاعة الخطيب وفهمه لدعوته ورسوخ موقفه ووضوح غايته وتمكن علمه .فكثيرا
ما يفاجأ الخطيب بما لم يتوقع مما يسوؤه أو بفرحه فكيف يتصرف وكيف يكون موقفه
وإجابته ؟ قد يحدد ذلك نجاحه أو إخفاقه ،أو تحول القلوب إليه أو انصرافها عنه .قد
يلقي الخطيب خطبته فيعقب عليه معقب أو يعترض معترض فإذا لم تقدم البديهة
الحاضرة ما يجبر الخلل أو يقنع المعقب أو المعترض انفرط عقد الخطيب واعترته
الحيرة وتفرقت عنه الناس وانصرف من حوله الجمهور .
وقد يلمز الخطيب أو يقع في موقف حرج فيخرجه منه سرعة البديهة ،ومن
القصص المعروفة في ذلك ،ما حصل لخالد بن عبدهللا القسري حين صعد المنبر يوم
الجمعة وهو إذ ذاك أميرعلى مكة ،فذكر الحجاج وأثنى عليه خيرا ً ،فلما كان في يوم
الجمعة الثانية ورد عليه كتاب سليمان بن عبد الملك يأمره فيه بشتم الحجاج وذكر
عيوبه وإظهار البراء منه .فصعد المنبر ،فحمد هللا وأثنى عليه ،ثم قال " :إن إبليس
كان ملكا من المالئكة وكان يظهر من طاعة هللا ما كانت المالئكة تظن أن له بذلك .
وكان هللا تعالى قد علم من غشه ما خفي عن المالئكة ؟ ،فلما أراد فضحه ابتاله بالسجود
آلد م ،فظهر لهم ما كان يخفيه عنهم فلعنوه ،وأن الحجاج كان يظهر من طاعته أمير
المؤمنين ما كنا نرى له بذلك فضال وكان هللا عز وجل أطلع أمير المؤمنين من غله
وخبثه ما خفي عنا ،فلما أراد هللا فضيحته أجرى ذلك على يد أمير المؤمنين فلعنه
38
فالعنوه لعنه هللا !!! ونزل " وهذه الخطبة مع ما تدل عليه من مآخذ ،إال أنها تشهد
لصاحبها بسرعة البديهة وحنكة التصرف .
-5رباطة الجأش :
يجب أن يقف الخطيب وسط جمهوره غير مضطرب وال وجل مطمئن النفس
عالي الهمة ألنه سيضفي من نفسه على السامعين ومن روحه إلى روحهم الثبات والثقة
والقوة والنشاط نرى في ذلك موقف ألبي بكر الصديق رضوان هللا عليه :حيث دخل
على رسول هللا وقد مات وهو مسجي في بيت عائشة فكشف عن وجهه وقبله ورثاه
،ثم خرج إلى الناس وهم في شديد غمراتهم وعظيم سكراتهم فحمد هللا وأثنى عليه ،
ثم قال " :أيها الناس .إنه من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات زمن كان يعبد هللا
ت سو ٌل قَ ْد َخلَ ْ {و َما ُم َح َّمدٌ ِّإالَّ َر ُ
فإن هللا حي ال يموت .ثم قرأ قول هللا تبارك وتعالى َ :
ض َّرع ِّقبَ ْي ِّه فَلَن يَ ُ
ى َ علَى أ َ ْعقَا ِّب ُك ْم َو َمن يَنقَ ِّلبْ َ
علَ َ ات أ َ ْو قُتِّ َل انقَلَ ْبت ُ ْم َس ُل أَفَإِّن َّم َ ِّمن قَ ْب ِّل ِّه ُّ
الر ُ
شا ِّك ِّرينَ } ( )144سورة آل عمران ،فنجد في خطبته رضوان ش ْيئًا َو َ
س َيجْ ِّزي ّللاُ ال َّ ّللاَ َ
هللا عليه الحزم والقوة ورباطة الجأش وسرعة البديهة رضي هللا عنه.
-6قوة الشخصية :
قوة الشخصية في غالب أحوالها تكون هبة من هللا تعالى ،فهي صفة تؤثر فيما
حولها .فإن كانت في طالب نجده يؤثر وال يتأثر ،يتأثر به الطالب المحيطون به
ويحاولون تقليده والسير على سنته.
وإذا وهب هللا خطيبا تلك الصفة واستكمل عناصر النجاح ساق الجماهير إلى
حيث الخير والرشاد وكأنه وقد أوتي رسول هللا من هذه الصفة الكثير وكذلك أبو
بكر وعمر وكثير من السلف الصالح والدعاة إلى هللا بإحسان.
-7قوة الحماس والعاطفة :
ال يثير الحماسة في قلوب السامعين إال من كان ممتلئا ً حماسة واقتناعا وقوة
واعتقادا بصدق ما يدعو إليه ،فما خرج من القلب يدخل إلى القلوب من غير استئذان
وما خرج من اللسان ال يتجاوز اآلذان .
والعواطف والحماس يجب أن تنصب عند الخطيب في عبارات وأساليب تلهب
الحس وتوقظ النفس وتثير الحمية وتحفز الهمة .أما الكلمات الميتة واأللفاظ المتهالكة
فال تزيد الخامل إال كسال وال الغافل إال ضياعا.
كما أن حرص الخطيب على المدعو يظهر في حدبه وشعوره ورغبته في نصحه
ونفعه حتى يكاد يتمزق ولها عليه ،ويفطر حرصا ً على هدايته وسالمته.
39
الصفات األخالقية للخطيب
-1االستقامة :
فإذا اشتهر الخطيب بسوء أو بنقيض ما يدعو إليه كان لسان حاله ،يناقض مقاله
،فيضعف تأثيره وال يصل إلى قلوب الناس حديثه ،ويشك السامعون في قوله ويرتابون
في صدقه ،ولهذا األمر ،وألن أمة اإلسالم أمة دعوة وأصحاب رسالة ،نهاهم هللا
سبحانه عن أن يقولوا ما ال يفعلون.
وعن أبي زيد أسامة بن زيد بن حارثة رضي هللا عنهما :قال :سمعت رسول
هللا يقول " يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقي في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها
كما يدور الحمار في الرحا ،فيجتمع إليه في النار فيقولون مالك يا فالن ألم تك تأمر
بالمعروف وتنهي عن المنكر ؟ فيقول بلى ،كنت أمر بالمعروف وال آتيه وأنهي عن
المنكر وآتيه " متفق عليه.
لهذا البد لكل صاحب دعوة أو مبلغ فكرة من الطهارة والنقاء حتى تقبل دعوته
وتسمع كلمته .
-2الثقة بالنفس :
هي الثبات والرسوخ واالطمئنان والقدرة الذهنية والنفسية على مواجهة المواقف
وتحمل الصعاب ومطاردة اليأس والوهن ،وهي القدرة على الوصول إلى الهدف أو
التقدم إليه بشموخ وعز وصبر وجلد .
والثقة في النفس قوة مؤثرة تنبعث من نفس اإلنسان تقهر ما أمامها وتحرك ما
حولها بغير تبعية ذليلة ،أو معينة ،تقول الحق وتعمل الواجب وال تتأثر بالظلم أو
السخرية أو المواقف الصعبة .وهي ألزم للداعية الخطيب ولصاحب الدعوة والرسالة
خاصة وهو يعلم أن هللا معه وأنه على الحق المبين ،بالشموخ في وجه الباطل بالحق
المبين .
-3المشاركة األخوية :
أساس العالقات البشرية هو الحب والتعارف والتعاون على البر والتقوى
والمساواة في الحقوق والواجبات.
وكل إنسان يملك مفاتيح تلك العالقات اإلنسانية يكون قريبا إلى عقول الناس
وأفهامهم .وكل إنسان يفتقر إلى أمثال هذه العالقات يكون بعيدا مذموما بعيدا عن
40
أحاسيس الناس مخالفا للطبائع والعقول ،فليس هناك مبرر مفهوم يحمل الناس أن
يعيشوا أشتاتا متناكرين متباعدين .
والبد للداعية من فقه جيد لهذه العالقات اإلنسانية خاص وإنها من صميم دينه
كما سنبين ذلك ألسباب عدة منها ما يلي :
أ) ألن دعوته ورسالته تفرض عليه وتنبهه إذا انحرف وتقومه إذا اعوج وتربطه
إيماني فريد .
ب) ألن الداعية يقتدي برسول هللا وصحبه الكرام.
ج) ألن الداعية ال يتعامل مع الناس بقوة القانون وال بقوة السلطة وإنما يتعامل معهم
باألحاسيس والعواطف ومخاطبة العقول ،والمنطق وأساليب اإلقناع المتعددة .
د) وألن الداعية يكون أكثر تأثيرا ،وأقوي بيانا وحجة إذا صاحبت دعوته العملية
دعوته اللفظية والقولية ،والمشاركة األخوية من أفضل أساليب الدعوة.
هـ) المشاركة األخوية والوجدانية والمخالطة ،تزود الداعية برصيد من الخبرة وبكثير
من المعرفة عن عادات الناس وأحوالهم وأفكارهم ومعتقداتهم وأحاسيسهم ،مما يعطي
الداعية رؤية جيدة تبصره بطرق اإلقناع والتأثير التي يجب أن يسير عليها في دعوته.
41
الصفات البيانية للخطيب
43
-6مداومة قراءة القرآن الكريم ومطالعة تفسيره فهو المعجزة البالغية التي أعجزت
الفصحاء والبلغاء وما زالت إلى يوم الدين.
-7مداومة قراءة حديث رسول هللا فهو أفصح العرب وأبيهم وأفضلهم حديثا .
-8دراسة علم النحو والصرف والتمكن من األعاريب حتى يسلم اللسان من الخطأ .
-9التعود على اإللقاء والكتابة ومواجهة الجماهير وسماع النقد واالستفادة
منه واالعتبار باآلخرين ،وعدم اليأس وتحمل المشاق حتى يسلس ذلك المر ،والبد
في هذا من ضبط النفس واحتمال المكاره ألن الخطابة منصب من مناصب التوجيه
قد يعترض الخطيب فيه كثير من الخصوم وقد تثار ضده زوابع من كل ناحية ،وقد
يقابل بالسخرية واالستهزاء ،وخاصة إذا كان يعيش في وسط أقوام يتقصون عوراته
،ويتسقطون هفواته ،وكلهم له رقيب عتيد فإذا لم يتذرع الخطيب بضبط النفس ولم
يستطع السيطرة التامة على أحاسيسه ومشاعره ،لم يستطع السير إلى غايته وهدفه ولم
يؤد الغرض المطلوب منه.
البد من االرتياص والممارسة ألن الفطرة واالطالع وثروة األلفاظ ،والقراءة
الكثيرة والعلم باألصول الخطابية ال تكفي في تكوين الخطيب .والبد من ملكة وعادة
نفسية ،وهذه الملكات والعادات ال تأتي دفعة واحدة .بل البد للخطيب من معاناة ومران
وممارسة حتى تنمو مواهبه ويطب عيوبه إن كانت عنده عيوب ،ويكون عنده عزيمة
ال تعرف الوهن أو الكلل.
-10دراسة علوم التأثير المختلفة ودراسة كثير من العلوم التي تتصل بالجماعات ،كعلم
االجتماع وعلم النفس والعادات والتقاليد .
فإن االطالع على تلك العلوم المختلفة ينمى الفكر ويوسع المدارك ويعطي
الخطيب رؤية وبصيرة صائبة في مهمته ،ويضع أمامه المصباح الذي يهديه إلى
مفاتيح التأثير في هؤالء األقوام فيصيب غايته وينال مطلوبه يسر .
44
نماذج من الخطب المؤثرة مع بيان مواقع التأثير فيها
* خطبة الرسول في حجة الوداع
الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب اليه ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا ؛ من يهد هللا فال مضل له ،ومن يضلل فال هادي له وأشهد ان ال
إله اال هللا وحده ال شريك له وأشهد ان محمدا ً عبده ورسوله ؛ أوصيكم عباد هللا بتقوى
هللا وأحثكم على طاعته وأستفتح بالذي هو خير .
أما بعد ...أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم ؛ فاني ال أدري لعلي ال ألقاكم بعد
عامي هذا في موقفي هذا ،أيها الناس إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم الى أن تلقوا
ربكم ؛ كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ..أال هل بلغت ؟ اللهم فاشهد
فمن كانت عنده أمانة فليؤدها الى من ائتمنه عليها .
وإن ربا الجاهلية موضوع ،وإن أول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد
المطلب وان دماء الجاهلية موضوعة ،وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن
الحارث بن عبد المطلب .
وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية ..
والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر ؛ وفيه مائة بعير ؛ فمن زاد فهو
من أهل الجاهلية ....
أيها الناس :إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه ؛ ولكنه قد رضي أن
يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من اعمالكم .
أيها الناس { انما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ً
ويحرمونه عاما ً ليواطئوا عدة ما حرم هللا } وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق هللا
السموات واالرض و { ان عدة الشهور عند هللا اثنا عشر شهرا في كتاب هللا يوم خلق
السموات واالرض منها أربعة حرم }ثالثة متواليات وواحد فرد ذو القعدة وذو الحجة
والمحرم ورجب الذي بين جمادى وشعبان
أال هل بلغت ؟ ! اللهم فاشهد ..
أيها الناس ..إن لنسائكم عليكم حقا ً ولكم عليهن حق لكم عليهن ان ال يوطئن
فرشكم غيركم وال يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إال بإذنكم وال يأتين بفاحشة فان فعلن
فان هللا قد أذن لكم ان تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير
مبرح فان انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وانما النساء عندكم
عوان ال يملكن ألنفسهن شيئا أخذتموهن بأمانة هللا واستحللتم فروجهن بكلمة هللا فاتقوا
هللا في النساء واستوصوا بهن خيرا
45
أال هل بلغت ؟ ! اللهم فاشهد ..
أيها الناس إنما المؤمنون إخوة ،وال يحل المرىء مال أخيه إال عن طيب نفس منه
أال هل بلغت ؟ ! اللهم فاشهد ...
فال ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض فاني قد تركت فيكم ما ان
اخذتم به لم تضلوا بعده كتاب هللا .
أال هل بلغت ؟ ! اللهم فاشهد ..
أيها الناس إن ربكم واحد وان أباكم واحد ،كلكم آلدم وآدم من تراب ،أكرمكم
عند هللا أتقاكم وليس لعربي على عجمي فضل إال بالتقوى
أيها الناس إن هللا قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث وال يجوز لوارث وصية
وال يجوز وصية في اكثر من الثلث والولد للفراش وللعاهر الحجر من ادعى الى غير
ابيه او تولى غير مواليه فعليه لعنة هللا والمالئكة والناس اجمعين ال يقبل منه صرف
وال عدل .والسالم عليكم ورحمة هللا .
أال هل بلغت ؟ ! اللهم فاشهد
قالوا نعم ،قال (( :فليبلغ الشاهد الغائب )) .
46
-2السمو الجمالي :
تتميز الخطبة النبوية بالنزعة الجمالية الواضحة في كلماتها وألفاظها ،بل في
حروف الكلمات ذاتها وفي تأثير هذه الكلمات والمعاني في النفوس وعلى الرغم من
أنها كانت تبدأ بالحمدلة والتشهد إال أن هذه البدايات كانت تتمثل في سمة رائعة وصورة
أخاذة مشوقة مبهرة حيث نشاهد األسجاع القوية المتواترة المتآلفة المبدعة حتى يُخيل
لمن يسمعها أنها تأخذ مكانا ً وسطا ً بين القرآن الكريم والنثر األدبي الخطابي .
وإذا نظرنا إلى مقدمة خطبة الوداع لوجدنا في هذه المقدمة مع النغمة اللفظية المؤثرة
،األداء الذي يتضمن المعاني اإلنسانية العميقة باإلضافة إلى المحافظة على مقدمة
الخطبة الوعظية .
ويُالحظ بدء النبي بعض خطبه باالستفهام كما يستعمل كثيرا ً من المثيرات
النفسية من استفهام وتخصيص وتقريع وتذكير بنعم هللا على إقرار بالمزية والفضل
وكل ذلك في روعة جمالية وسمو لفظي جميل ،ويتضح ذلك جيدا في خطبته في
األنصار حين منعهم النبي من مغانم حنين .وتعد هذه الخطبة من روائع الخطب
النبوية بما ملكت من وسائل التأثير وتنويع األسلوب وما تضمنته هذه الخطبة من
مناقشة ال يخرجها عن إطار الخطبة ألن المناقشة لم تكن في موضوع الخطبة وإنما
كانت بعيدا ً عنها .
-3قوة اإلقناع :
تتميز الخطبة النبوية باإلقناع القوي من أقصر طريق وأيسره وكان اإلقناع
القوي في خطب النبي يرجع إلى سهولة ألفاظ الخطبة ،ووضوح المعاني التي
تتناولها مما يجعل المستمع إليه يتابعها ويفهمها بال بحث في لفظ عويص أو معنى خفي
،هذا باإلضافة إلى أن السهولة في الخطبة النبوية صاحبت صدقا ً حارا ً وإخالصا ً قويا ً
وإيمانا ً ثابتا ً بالموضوع وتفانيا ً مستمرا ً في إيصال الرسالة للناس .
توافقها مع األصول الخطابية :
نالحظ على خطبة النبي أنها كانت دائما ً تذكر هللا في بدايتها حمدا ً وثنا ًء
وتشهدا ً ثم تتبع ذلك بالصالة على النبي ،وبعد المقدمة تبدأ الخطبة في ذكر الموضوع
مع مراعاة تقسيم األفكار ومراعاة ما بينها من وحدة .
ففي خطبة الوداع مثالً يمكن أن نعتبر الموضوع األصلي لها هو :بيان فساد
العادات الجاهلية ومع التزامها بهذا الموضوع نجدها تورد األفكار مرتبة ،وتنتقل من
الفكرة إلى ما بعدها ؛ حيث تتحدث عن حرمة الدماء واألموال وعن أداء األمانات إلى
أصحابها ،وعن تحريم الربا وعن وضع الثأر ،وعن حكم القتل عمدا ً وعن دية غير
47
العمد ،وعن النساء ما لهن وما عليهن ،وعن األخوة اإلنسانية فتتحدث عن هذه األفكار
وتنتقل بينها بتقسيم مرتب ونظام مترابط .
وإذا كانت األصول العلمية للخطبة تفضل أن يركز الخطيب على موضوع واحد
يوفيه حقه ؛ فإن النبي بين لنا في هذه الخطبة التي هي خطبة تشريعية _كما قلنا _
لها ظروف خاصة ،وتتعرض لقضايا كثيرة كيف يمكن جمع الخطيب عند الضرورة
بين جزيئات متعددة يمكن إدخالها تحت موضوع واحد ،ويمكن أن يخرج المستمع إليه
بفهم واضح وسديد .
48
* خطبة أبي بكر رضي هللا عنه :
عن عاصم بن عدي قال :نادى منادي أبي بكر من بعد الغد من متوفى رسول
هللا ليتم بعث أسامة :أال ال يبقين بالمدينة أحد من جند أسامة إال خرج إلى عسكره
بالجرف ،وقام في الناس فحمد هللا وأثنى عليه وقال :
يا أيها الناس إنما أنا مثلكم وإني ال أدري لعلكم ستكلفونني ما كان رسول هللا
يطيق ،إن هللا اصطفى محمدا على العالمين وعصمه من اآلفات وإنما أنا متبع
ولست بمبتدع فإن استقمت فتابعوني وإن زغت فقوموني .
وإن رسول هللا قبض وليس أحد من هذه األمة يطلبه بمظلمة سوط فما دونها
أال وإن لي شيطانا يعتريني فإذا أتاني فاجتنبوني ال أؤثر في أشعاركم وأبشاركم وأنتم
تغدون وتروحون في أجل قد غيب عنكم علمه فإن استطعتم أال يمضي هذا األجل إال
وأنتم في عمل صالح فافعلوا ؛ ولن تستطيعوا ذلك إال باهلل فسابقوا في مهل آجالكم من
قبل أن تس لمكم آجالكم إلى انقطاع األعمال ؛ فإن قوما نسوا آجالهم وجعلوا أعمالهم
لغيرهم ؛ فإياكم أن تكونوا أمثالهم .
الجد الجد والوحا الوحا والنجاء النجاء ؛ فإن وراءكم طالبا حثيثا أجال مره سريع
احذروا الموت واعتبروا باآلباء واألبناء واإلخوان وال تغبطوا األحياء إال بما تغبطون
به األموات .
49
أحد أو تسمع لهم ركزا ؟ أين من تعرفون من أبنائكم وإخوانكم قد انتهت بهم آجالهم
فوردوا على ما قدموا فحلوا عليه وأقاموا للشقوة والسعادة فيما بعد الموت ؟
أال إن هللا ال شريك له ليس بينه وبين أحد من خلقه سبب يعطيه به خيرا وال
يصرف عنه به سوءا إال بطاعته واتباع أمره واعلموا أنكم عبيد مدينون ،وإن ما عنده
ال يدرك إال بطاعته أما أنه ال خير بخير بعده النار وال شر بشر بعده الجنة .
50
* خطبة عمر بن الخطاب :
عن أبي األسود سليمان بن يسار قال :خطب عمر رضي هللا عنه الناس في زمن
الرمادة فقال " :أيها الناس اتقوا هللا في أنفسكم ،وفيما غاب عن الناس من أمركم ،فقد
ابتليت بكم ،وابتليتم بي ،فما أدري السخطة علي دونكم ،أم عليكم دوني أم علي وعليكم،
فهلموا فلندع هللا أن يرحمنا ،ويصلح قلوبنا ،ويرفع عنا المحل ...فرئي عمر يومئذ
رافعا ً يديه يدعو ،ودعا الناس ،وبكى وبكوا مليا ً ثم نزل ".
وخطب عمر بن الخطاب رضي هللا عنه حين ولي ؛ فحمد هللا وأثنى عليه وصلى
على نبيه ثم قال " :إني قد وليت عليكم ،ولوال رجائي أن أكون خيركم لكم ،وأقواكم
عليكم ،وأشدكم اضطالعا ً بما ينوب من َمهم أمركم ،ما توليت ذلك منكم ،ولكفى عمر
َمهما ً محزنا ً انتظار الحساب على ما يصنع بكم ويسير به فيكم ،ولم يصبح عمر ينوء
بقوة وال حيلة إن لم يتداركه هللا برحمته وعونه وتأييده ،وإني معطي الحق من نفسي،
وإنما أنا رجل منكم ،فمن كانت له حاجة أو مظلمة أو عتب علي في خلق فليؤذني،
وعليكم بتقوى هللا في سركم وعالنيتكم وحرماتكم وأموالكم وأعراضكم ،وأعطوا الحق
من أنفسكم ،فليس بيني وبين أحد هوادة " .
وقال عمر في خطبة له " :أيها الناس إنه قد اقترب منكم زمان قليل األمناء
والفقهاء ،كثير األمراء والقراء ،يعمل فيه أقوام بعمل اآلخرة طلبا ً للدنيا التي تأكل دين
صاحبها كما تأكل النار الحطب ،فمن أدرك ذلك منكم فليتق هللا وليصبر" .
وقال عمر رضي هللا تعالى عنه " :أيها الناس إنا ال نبعثكم أمراء جبارين ،ولكنا
نبعثكم أئمة هدى يقتدى بكم ،فأدروا على المسلمين لقحتهم ،وال تضربوهم فتذلوهم ،وال
تجمروهم فتفتنوهم ،وال تستأثروا عليهم فتظلموهم ،وال تجهلوا عليهم فتحرجوهم،
وقاتلوا الكفار بهم طاقتهم ،فإذا رأيتم بهم كالالً فكفوهم فإنه أبلغ في جهاد عدوهم ".
أبرز سمات خطبة عمر
_1اختيار الكلمات واأللفاظ المناسبة للحال والمقام .
_2استخدام األسلوب المناسب للوقت والظروف التي كان يتحدث فيها.
_3إثارة مشاعر الحماسة والحرارة في الحديث
_4إثارة الجانب العاطفي في بعض كالمه .
_5كانت خطبه واقعة في دائرة اهتمام الجمهور ومحل مشكلتهم
_6اختيار البداية المؤثرة .
_7خاتمة الخطبة ووضع القواعد األساسية فيها.
_8أسلوب العرض الذي يالمس شغاف قلوبهم .
51
* خطبة قس بن ساعدة :
لما قدِّم وفد أياد على النَّبي ِّ صلَّى هللا عليه وسلَّم قال :يا معشر وفد إياد ،ما فعل
قس بن ساعدة اإليادي ؟ قالوا :هلَ َك يا رسول هللا . ُّ
ق ال أجدني ب مون ٍ بكالم معج ٍ ٍ قال :لقد شهدتهُ يوما ً بسوق عكاظ على جم ٍل أحمر ،يتكلَّم
أحفظه .
ي
س َّر النب ُّ
ي من أقاصي القوم ،فقال :أنا أحفظه يا رسول هللا ،قال :ف ُ فقام إليه أعراب ٌّ
صلَّى هللا عليه وسلَّم بذلك ،قال :كان بسوق عكاظ على جمل أحمر وهو يقول :
ت آت ،لي ٌل داج ، مات فَات ،وك ُّل شيءٍ آ ٍ يا معشر الناس ؛ اجتمعوا ،فك ُّل َمن َ
وسماء ذات أبراج ،وبحر فجاج ،ونجوم تزهر ،وجبال ُمرسية ،وأنهار ُمجرية ،إن
في السماء لخبراٍ ،وإن في األرض ل ِّعبراٍ ،ما لي أرى الناس يذهبون ،ويموتون فال
سما ً ال ريب قس باهلل قَ َ يرجعون ،أرضوا باإلقامة فأقاموا ،أم ت ُ ِّركوا فناموا ،؛ أقسم ٌّ
فيه :إن هلل دينا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه ,ونبيا حان حينه ،وأظلكم أوانه
،وأدرككم إبانه ،فطوبى لمن أدركه فآمن به وهداه ،وويل لمن خالفه وعصاه ،ثم
أنشأ يقول :
في الـذَّاهـبـيـن األ َ َّولين . . .من الـقـ ِّ
رون لنا بصــــائِّ ْر
ادرلـمـ َّـا رأيــتُ مـــواردا ً . . .للمـوت ليس لهـا مصــ ْ
واألكابر
ْ األصاغر
ُ ورأيتُ قـومي نحـوهـا . . .تمضي
إليك . . .وال من الـبـاقـيـن غــــابر ال َمن مضى يأتي َ
أيقنت أني ال مـحــالــة . . .حيث صـار القـوم صــائر
52