You are on page 1of 52

‫أصول اخلطابة‬

‫‪1‬‬
‫أهداف المادة ‪:‬‬
‫تعريف الطالب بالخطابة وأثرها في الدعوة‬ ‫‪.1‬‬
‫تعريف الطالب بكيفية اختيار موضوع الخطبة وتحديد هدفها وأسلوب عرضها ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫تدريب الطالب على كيفية إعداد الموضوع الخطابة‬ ‫‪.3‬‬
‫تعريف الطالب بالمؤثرات البيانية والصوتية والحركية في اإللقاء لتتمكن من اإلقناع‬ ‫‪.4‬‬
‫واالستمالة للحاضرات نحو األمر المطلوب ‪.‬‬
‫تدريب الطالب على إلقاء الموضوع‬ ‫‪.5‬‬
‫تدريب الطالب على طريقة تقييم إلقاء الزميالت للوصول به إلى أفضل صورة‬ ‫‪.6‬‬
‫تعريف الطالب بصفات الخطيب من حيث الثقافة وال ُخلق والقدرات العقلية ‪ ،‬وكيفية‬ ‫‪.7‬‬
‫استعمال وسائل التأثير المختلفة إليصال كلمة الحق إلى اآلخرين وإقناعهم بها‪.‬‬
‫إطالع الطالب على نماذج من الخطب المؤثرة مع بيان مواقع التأثير فيها‪.‬‬ ‫‪.8‬‬
‫مفردات المنهج ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬الخطابة‪:‬‬
‫تعريفها لغة و اصطالحا ً ونشأتها وخصائصها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أهميتها واتجاهاتها ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أنواعها ‪ :‬وعظية ‪,‬سياسية ‪ ,‬عسكرية ‪ ,‬اجتماعية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬تكوين الخطبة وإعداد الخطيب ‪:‬‬
‫تكوين الخطبة وإعدادها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫إعداد الخطيب ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬ثقافة الخطيب وصفاته ‪:‬‬
‫‪ .1‬ثقافة الخطيب ‪.‬‬
‫‪ .2‬الصفات الفكرية والعقلية للخطيب‬
‫‪ .3‬الصفات األخالقية للخطيب‬
‫‪ .4‬الصفات البيانية‬
‫رابعا ً ‪ :‬نماذج من الخطب المؤثرة مع بيان مواقع التأثير فيها ‪:‬‬
‫‪ -‬خطبة الرسول صلى هللا عليه السالم في حجة الوداع‪.‬‬
‫‪ -‬خطبة أبي بكر رضي هللا عنه‬
‫‪ -‬خطبة عمر رضي هللا عنه‬
‫‪ -‬خطبة قس بن ساعدة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫مقدمة‬
‫تعد الخطابة واإللقاء إحدى أقدم الوسائل التي استخدمها اإلنسان في إيصال‬
‫أفكاره للناس واستمالتهم نحوها ‪ ،‬فقد استخدم اإلنسان منذ قديم األزل الكالم وإلقاءه‬
‫وسيلة للتواصل مع غيره من البشر وإقناعهم بأفكاره ‪.‬‬
‫ومن الناحية الدينية فإن إلقاء الخطب والمواعظ والدروس والمحاضرات تعد‬
‫أحد أبرز وسائل الدعوة إلى هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬إذ أن الكلمة الملقاة كانت‬
‫الوسيلة األولى والرئيسة للرسل – صلوات ربي وسالمه عليهم أجمعين –‬
‫ص دعوا بها في أقوامهم بأبلغ عبارة ‪ ،‬وأجمل أسلوب ‪ ،‬وأوضح حرف وأجمل‬
‫كلمة ‪ ،‬وأصدق منطق ‪ ،‬وألهمية الكلمة الملقاة ومكانتها العالية في اإلسالم ‪،‬‬
‫ُجعلت جزءا ً من شعائر المناسبات الكبرى‪ :‬كخطبة يوم الجمعة‪ ،‬ويوم عرفة‪،‬‬
‫والعيدين‪ ،‬واالستسقاء‪ ،‬وقد استعان رسول هللا بالكلمة منذ أن أرسل بالرسالة‬
‫فخطب بها‪ ،‬وحاور‪ ،‬وجادل إلى آخر أيامه حيث لخص أهم تعاليم اإلسالم‬
‫في خطبة الوداع‪.‬‬
‫وال يزال الدعاة والمصلحون والمربون وغيرهم يستعملون الخطابة واإللقاء في‬
‫نشر أفكارهم ومبادئهم وإيصالها للناس وجذبهم نحوها ‪،‬ولهذا كان من الواجب على‬
‫الدعاة خصوصا ً تعلم هذا الفن وإتقانه من أجل المساهمة في نشر الفضيلة والحث‬
‫عليها ما استطاعوا إلى ذلك سبيالً ‪.‬‬
‫وإنه ال قيمة لإلنسان حقيقة إال إذا كان له لسان معبر عن الحق ومفصح عن‬
‫الذات وعن الشخصية ومدافع عن الفكر والمبدأ ‪ ،‬وقد جاء في األثر (( ال يحقرن أحدكم‬
‫نفسه أن يرى أمرا ً هللا تعالى عليه في مقال فال يقول فيه ‪ ،‬فيلقى هللا تعالى وقد أضاع‬
‫ذلك فيقول هللا ما منعك أن تقول فيه ‪ ،‬فيقول يا رب خشية الناس فيقول ‪ :‬فإياي كنت‬
‫أحق أن تخشى)) ‪.‬‬
‫فالكلمات ماهي إال وسائل لنقل الرسائل واألفكار والمعلومات والمواقف ‪،‬‬
‫والداعية الذي ال يستطيع التعبير عن أفكاره كأنه لم يتعلم والداعية الذي ال يستطيع أن‬
‫يوضح فكرته لن يتمكن من القيام بواجبه في الدعوة كما ينبغي ‪ ،‬فالداعية الذي يفهم‬
‫ما يقرأ ويعي ما يعتقده ‪ ،‬ولكنه ال يستطيع التعبير عما يفهم ويعي بالخطابة أو الكتابة‬
‫يكون قد فقد عامالً مهما ً في نقل المعرفة ونشر الهدى والعلم بين الناس ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫تعريف اخلطابة وعلم اخلطابة‬

‫الخطابة لغة‪:‬‬
‫الخطابة مصدر ‪ ،‬فعله ( خطب ) من باب قتل ‪ ،‬يتعـدى بنفسه وبحرف الجر ‪،‬‬
‫قال الجوهري ‪ :‬خطب على المنبر خطبة ‪ -‬بضم الخاء ‪ -‬وخطابة ‪ ،‬ويقال ‪ :‬فالن خطيب‬
‫القوم إذا كان هو المتكلم عنهم ‪ ،‬والجمع ُخطباء ‪.‬‬
‫وقال أبو إسحاق إلى أن الخطبة عند العرب هي ‪ :‬الكالم المنثور المسجوع ونحوه‬
‫وقال ابن منظور في لسان العرب ‪ :‬والخطبة مثل الرسالة التي لها أول وآخر‪.‬‬
‫الخطابة في االصطالح ‪:‬‬
‫الخطابة ‪ :‬كالم منثور مؤلف يخاطب به الفرد الجماعة قصد اإلقناع واالستمالة ‪.‬‬
‫وأما علم الخطابة ؛ قد الحظ األقدمون والمحدثون أن للخطابة علما ‪ ،‬له أصوله‬
‫عدَّ خطيبا ‪ .‬والحقيقة أن هذا العلم يرشد دارسه إلى مناهج ومسالك‬‫وقوانينه من أخذ بها ُ‬
‫‪ ،‬وال يجعله بالضرورة خطيبا ‪ ،‬بل يعطيه المصباح وال يضمن له الرؤية ‪ ،‬فقد يكون‬
‫في عينه رمد ‪ ،‬ويعطيه اآللة وقد يكون غير مؤهل الستعمالها ‪ ،‬فهذا العلم إذن ال يشكل‬
‫اإلنسان ولكن يهديه ويدله على الطريق المستقيم‪.‬‬

‫تعريف علم الخطابة ‪:‬‬


‫أصول وقواعد ترشد اإلنسان إلى فن مخاطبة الجماهير بطريقة إلقائية تشتمل على‬
‫اإلقناع واالستمالة ‪.‬‬
‫* مالحظات على التعريف ‪:‬‬
‫‪ -1‬ال شك أن مخاطبة الجماهير إلقناعهم واستمالتهم فن قديم وقد أصبح اليوم علما ً‬
‫مهما ً من العلوم الذي تعتمد عليها األمم كثيرا ً في السلم والحرب وقد أخذ أشكاال عدة ‪،‬‬
‫وتسمى بأسماء مختلفة من فن اإلعالم ‪ ،‬إلى الغزو الثقافي إلى الحرب النفسية إلى علم‬
‫الدعاية وفن التأثير ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسماء المختلفة ‪ ،‬ويعتمد هذا الفن على أسس‬
‫‪4‬‬
‫وعلى قواعد معينة من المعرفة والدراسة والتجربة والدراية بأحوال األمم واألفراد ‪،‬‬
‫ورغبات الناس ‪ ،‬وقياس االتجاهات والميول والمواقف ‪ ،‬ومعرفة األحداث والوقائع‬
‫والبيئات والدراية بالعادات والتقاليد والقيم والمعتقدات ‪ ،‬إلى غيرذلك ‪.‬‬
‫وكل هذا الذي تقدم يلزمه لمسة الخطيب البارعة في استغالله فيما يريد وتوجيهه‬
‫إلى ما يخدم فكرته وهدفه المراد بما يوافق مقتضى الحال ‪ ،‬وهذا هو الفن المطلوب‬
‫استخدامه والبراعة فيه؛ مؤيدا كل ذلك بالحجج والبراهين واألدلة على صدق دعواه‬
‫فيما يقصد ويريد‪.‬‬
‫‪ -2‬البد في الخطابة من الجمهور الذي يقصده الخطيب ويريد إقناعه بما يريد وبدون‬
‫الجمهور ال خطيب وال خطبة ‪ ،‬فمن يحادث فردا ً ال يسمى خطيبا ً ‪ ،‬وال تسمى تلك‬
‫المحادثة خطبة ‪ ،‬وال يحتاج في مثل هذا إلى لهجة خطابية وإنما يكفيه أن يشرح المعنى‬
‫بصوت هادئ وطريقة مألوفة‪.‬‬
‫‪ -3‬تكون الخطابة بطريقة إلقائية ‪ ،‬ومعنى هذا أن يكون الخطيب على هيئة معينة في‬
‫الحديث من نبرة الصوت وتجسيم المعاني وإتباع األساليب البالغية واالقناعية ‪ ،‬وقد‬
‫يصاحب ذلك شيء من االنفعال مع بعض اإلشارات باليد إلى غير ذلك من لوازم اإللقاء‬
‫المقنع والمؤثر‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يكون الكالم مقنعا فيشمل على حجج وبراهين وأدلة يستطيع بها الخطيب أن‬
‫يبرهن على صحة دعواه وصواب ما يريد ‪ ،‬أما إذا خلت الخطبة من هذا فإن ذلك يكون‬
‫إبداء لرأي صاحبه أو إعالنا ً عن شيء ‪ ،‬أو يكون تهريجا ً أو صياحا ً ال يؤدي إال إلى‬
‫نفور أو ضياع للوقت والجهد ‪ ،‬وقد يؤدي إلى عكس المطلوب ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن تشتمل الخطبة على عناصر تأثيرية ‪ ،‬فإن من أهم عناصرها ‪ ،‬إثارة العواطف‬
‫وبعث األحاسيس ‪ ،‬واستجاشة العزائم ‪ ،‬ولهذا كانت الخطبة دائما تسبق األحداث العظام‬
‫‪ ،‬للترغيب أو االندفاع أو الترهيب ‪ ،‬أو اإلقدام والمغامرة ‪ ،‬ألن السامع قد يقتنع بفكرة‬
‫ما ثم ال يعنيه تنفيذها أو االندفاع إليها ‪ ،‬ولكن الخطبة تكون لإلقناع والدفع والتحريض‬
‫واالستجاشة ‪ ،‬أو اإلقدام والتنفيذ والحماس فتختلف بذلك عن كثير من وسائل اإلعالم ‪.‬‬
‫تختلف عن المنشور وعن المقال وعن الدرس والحديث ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫نشأة علم اخلطابة‬

‫نشأت الخطابة من قديم مع اإلنسان األول ألنها شيء يقتضيه التجمع البشري للتوجيه‬
‫واإلرشاد والقيادة للسير في هذه الحياة‪.‬‬
‫وقد صاحبت الهداية الربانية البشرية من أول يوم وجاء بها رسل هللا سبحانه‬
‫سولُ َها َكذَّبُوهُ } (‪)44‬‬ ‫سلَنَا تَتْ َرا ُك َّل َما َجاء أ ُ َّمةً َّر ُ‬
‫س ْلنَا ُر ُ‬
‫وتعالى ‪ ،‬قال جل ثناؤه ‪ { :‬ث ُ َّم أ َ ْر َ‬
‫سالً ُّم َبش ِِّّرينَ َو ُمنذ ِِّّرينَ ِّلئَالَّ َي ُكونَ ِّللنَّ ِّ‬
‫اس‬ ‫‪{:‬ر ُ‬
‫سورة المؤمنون ‪ ،‬وقال في محكم التنزيل ُّ‬
‫س ِّل } (‪ )165‬سورة النساء‬ ‫ّللا ُح َّجةٌ َب ْعدَ ُّ‬
‫الر ُ‬ ‫علَى ِّ‬
‫َ‬
‫وكان رسل هللا صلوات هللا وسالمه عليهم أجمعين روادا ً ألممهم وخطباء‬
‫لشعوبهم ‪ .‬يهدونهم إلى الطريق المستقيم ويبشرونهم بالفوز والسعادة ويحذرونهم من‬
‫طرق الغواية ومن مزالق الشيطان وعواقب الخسران ‪ ،‬ولهذا بعثوا ومعهم الحجة‬
‫ت‬ ‫علَى قَ ْو ِّم ِّه ن َْرفَ ُع دَ َر َجا ٍ‬‫يم َ‬ ‫‪{:‬وتِّ ْل َك ُح َّجتُنَا آت َ ْينَاهَا إِّب َْرا ِّه َ‬
‫والحكمة وصدق هللا بقوله تعالى َ‬
‫س ْلنَا فِّي ُك ْم‬
‫ع ِّلي ٌم} (‪ )83‬سورة األنعام ‪ ،‬وقال تعالى ‪َ {:‬ك َما أ َ ْر َ‬ ‫َّمن نَّشَاء ِّإ َّن َرب ََّك َح ِّكي ٌم َ‬
‫َاب َو ْال ِّح ْك َمةَ َويُ َع ِّل ُم ُكم َّما لَ ْم ت َ ُكونُواْ‬‫علَ ْي ُك ْم آيَاتِّنَا َويُزَ ِّكي ُك ْم َويُ َع ِّل ُم ُك ُم ْال ِّكت َ‬
‫سوالً ِّمن ُك ْم يَتْلُو َ‬
‫َر ُ‬
‫ت َ ْعلَ ُمونَ } (‪ )151‬سورة البقرة ؛ فهم يعلمون الحكمة ويقارعون بالحجة ويبلغون بالتي‬
‫هي أحسن بأنصع بيان وأقوم منطق وأفضل كلمة ‪.‬‬
‫وكان مقابلو الرسل ومعاندوهم خطباء وأصحاب كلمة وبيان استطاعوا بهذا‬
‫استدراج الشعوب واالستيالء على أفكارهم وعقولهم ‪ ،‬ولننظر في ذلك إلى خطبة من‬
‫خطب فرعون لشعبه ‪ ،‬يسفه موسى ويلفت الناس إلى شخصه ومكانته هو ‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ار تَجْ ِّري ِّمن تَحْ تِّي‬ ‫ص َر َو َه ِّذ ِّه ْاأل َ ْن َه ُ‬‫ْس ِّلي ُم ْلكُ ِّم ْ‬‫ع ْو ُن فِّي قَ ْو ِّم ِّه قَا َل يَا قَ ْو ِّم أَلَي َ‬
‫{ونَادَى فِّ ْر َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ين (‪ )52‬فَلَ ْو َال أ ْل ِّق َ‬
‫ي‬ ‫ين َو َال يَ َكادُ يُبِّ ُ‬ ‫ْص ُرونَ (‪ )51‬أ َ ْم أَنَا َخي ٌْر ِّم ْن َهذَا الَّذِّي ُه َو َم ِّه ٌ‬ ‫أَفَ َال تُب ِّ‬
‫ب أ َ ْو َجاء َم َعهُ ْال َم َالئِّ َكةُ ُم ْقت َِّرنِّينَ } (‪ )53‬وقال تعالى ‪{ :‬فَا ْستَخ َّ‬
‫َف‬ ‫علَ ْي ِّه أ َ ْس ِّو َرة ٌ ِّمن ذَ َه ٍ‬
‫َ‬
‫عوهُ ِّإنَّ ُه ْم َكانُوا قَ ْو ًما فَا ِّس ِّقينَ } (‪ )54‬سورة الزخرف ‪ ،‬فقد كان فرعون خطيبا‬ ‫طا ُ‬ ‫قَ ْو َمهُ فَأ َ َ‬
‫بارعا ً في سرقة أفكار الناس وعقولهم استخفهم بالكلمة اللعوب والحجة الملتوية والدليل‬
‫الكاذب ‪ .‬وقد بين القرآن الكريم ذلك في آياته ‪.‬‬
‫وتاريخ األنبياء في الكلمة وفي التبليغ بها معروف ومدون في القرآن الكريم وفي‬
‫األحاديث عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫* اليونان والخطابة ‪:‬‬
‫علمنا أن الخطابة قديمة قدم اإلنسانية ‪ ،‬وأما علم الخطابة فإن الباحثين يقولون إن أول‬
‫دون علم الخطابة وجعل له أصالً وقواعد هم اليونان ‪ ،‬وذلك ألن أهل أثينا في‬ ‫من َّ‬
‫عصر بيركليس ‪ ،‬قويت فيهم الرغبة إلى القول واشتدت فيهم دواعيه ‪ ،‬فاغرم الناس‬
‫بالفصاحة وحب الكلمة وحسن اإللقاء وأصبحت الوظائف الراقية والمناصب العالية‬
‫وقفا ً على أصحاب الفصاحة وملوك البيان ‪ ،‬واتجهت عقول الناس وجهودهم إلى تعلم‬
‫الخطابة والدربة عليها والتمرين على اإللقاء وتطويع اللسان للنطق الصحيح والبيان‬
‫الفصيح‪.‬‬
‫وألجل هذا ظهرت نخبة من العلماء تستنبط قواعد وقوانينها بمالحظة الخطباء‬
‫الناجحين والبلغاء النابهين ‪ ،‬وبقياس مقدار التأثر من هذا أو ذاك ومراقبة أحوال الناس‬
‫ورغباتهم وميولهم ومدى استجابتهم ألنواع الحجج والتصرفات ‪ ،‬واألقوال ‪ ،‬ثم أنشئت‬
‫المدارس الخاصة بهذا الفن ‪ ،‬وكانت في بدء أمرها ال تقبل إال الشباب األغنياء‬
‫وأصحاب المكانة المرموقة يرسلهم ذووهم ليتعلموا الخطابة وطريقة األداء على يد‬
‫أساتذة متخصصين في هذا الفن‪.‬‬
‫وقد جاء هذا العصر أرسطو ؛ فجمع قواعد علم الخطابة ‪ ،‬وضم شوادره وأودع‬
‫ذلك في كتاب سماه ‪ [ :‬الخطابة ] فاتخذه الناس أصالً لهذا العلم ومرجعا ً يرجعون إليه‬
‫‪ ،‬ثم جاء بعد ذلك العصر الروماني فنشطت فيه الخطابة نشاطها في العصر اليوناني‬
‫وبلغت بذلك شأوا بعيدا‪.‬‬
‫* الخطابة عند العرب ‪:‬‬
‫تميزت األمة العربية بأنها قد بلغت من الفصاحة والبالغة والبيان ما لم تبلغه أمة‬
‫من األمم قبلها أو بعدها ‪ .‬وكان الشعراء والبلغاء هم فخر القبيلة وعزها ومجدها‪ ,‬وكان‬
‫من أشهر خطباء العرب قس بن ساعدة األيادي ‪ ،‬الذي يقول في خطبته " يا أيها الناس‬
‫اسمعوا وعوا ‪ .‬وإذا وعيتم فانتفعوا ‪ ،‬إنه من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت‬
‫آت ‪ .‬مطر ونبات ‪ ،‬وأرزاق وأقوات وآباء وأمهات ‪ ،‬وأحياء وأموات ‪ ،‬جمع وشتات‬
‫آيات بعد آيات ‪....‬‬
‫نرى في هذه الخطبة الرائعة جزالة اللفظ وقصر الفواصل واستنتاج العبر من‬
‫حوادث األيام ومما يحيط باإلنسان ومن مصارع الطغاة ‪ ،‬وكأنه يجول في الكون ليستدل‬
‫‪7‬‬
‫به على فكرته وعلى وضوح غايته ‪ .‬مما يظهر براعة الخطيب ورسوخ قدمه في عالم‬
‫البيان والحجة ‪ .‬وكان من خطباء العرب المشهورين ‪ ،‬خارجة بن سنان خطيب داحس‬
‫والغبراء ‪ ،‬وخويلد بن عمرو الغطفاني خطيب يوم الفجار ‪ ،‬وأكثم ابن صيفي وغيرهم‬
‫وغيرهم كثير‪.‬‬
‫وبعث الرسول صلى هللا عليه و سلم في األمة العربية بمعجزة لم يأت نبي أو‬
‫يبعث بها رسول ‪ ،‬أال وهي كتاب يتلى وبيان يقرأ ‪ ،‬فاق كالم البشر وقدرة الخلق وبالغة‬
‫علَى أَن َيأْتُواْ‬
‫نس َو ْال ِّج ُّن َ‬
‫اإل ُ‬
‫ت ِّ‬ ‫اإلنس والجن إلى يوم القيامة وصدق هللا {قُل لَّئِّ ِّن اجْ ت َ َم َع ِّ‬
‫يرا} (‪ )88‬سورة اإلسراء‬ ‫ض َ‬
‫ظ ِّه ً‬ ‫ض ُه ْم ِّل َب ْع ٍ‬ ‫آن الَ َيأْتُونَ ِّب ِّمثْ ِّل ِّه َولَ ْو َكانَ َب ْع ُ‬
‫ِّب ِّمثْ ِّل َهذَا ْالقُ ْر ِّ‬
‫‪ ،‬وقد كان رسول هللا صلى هللا عليه و سلم أفصح الناس وأبلغهم وأخطبهم وتراثه‬
‫محفوظ ومدون‪.‬‬
‫ولقد بلغت الخطابة زمن الخلفاء الراشدين المكانة المرموقة والالئقة بها ‪ ،‬فكان‬
‫الخلفاء خطباء ‪ ،‬يخطبون الناس في الجمع واألعياد والمناسبات ويخطبون الجيوش‬
‫ويوجهون القادة‪.‬‬
‫وقد اقتبست الخطبة من القرآن الكريم ومن السنة المطهرة نصاعة البيان وقوة‬
‫الحجة وجزالة العبارة ورقتها ‪ ،‬وتجنبت سجع الكهان والفخر والغرور ومدح القبيلة‬
‫ونتن العصبية واستعالئها باآلباء إلى غير ذلك من عادات الجاهلية ‪ ،‬فاكتسبت بذلك‬
‫قوة التأثير ووصلت إلى شغاف القلوب وغزت كل جنس ولون وارتفعت إلى نطاق‬
‫الرسالة العالمية والحقيقة اإلنسانية والعزة الربانية ‪ .‬وطغت بذلك على الشعر ‪ ،‬حتى‬
‫ترك بعض الشعراء الفحول الشعر بعد مجئ القرآن الكريم والسنة لما لهما من تأثير‬
‫وبالغة ال يرقى إليهما شيء ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫اخلصائص العامة للخطابة وأنواعها‬

‫وهي خصائص تشترك فيها كل أنواع الخطب من دينيه وسياسية واجتماعية إلى غير‬
‫ذلك نذكر منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬تعتمد الخطابة على عناصر ثالثة ‪:‬‬
‫أولها ‪ :‬المنطق والحجة ‪ ،‬وثانيها ‪ :‬أقوال الحكماء والحوادث المنقولة عن ثقة‬
‫واألخبار المروية عن حكيم أو عظيم مصدق عند الناس ‪ ،‬ثالثها‪ :‬صنعة الخطيب‬
‫الذي يمزج كل هذا بصورة من براعة الفنان وعاطفة اإلنسان وخيال الشاعر‪.‬‬
‫وقد يعمد الخطيب في حاالت كثيرة إلى اإلكثار من استعمال المنطق إن كان من‬
‫يخاطبهم أقواما ‪ ،‬وقد غلبت عليهم الحياة الفكرية والعقلية فال يرضيهم إال الحقائق‬
‫عارية وقد يعمد إلى أقوال الحكماء وكثير من الظنيات إذا كان من يخاطبهم من يقدسون‬
‫هؤالء الحكماء أو الزعماء أو القادة ‪ ،‬وقد يكثر من استعمال العاطفة إذا كان يخاطب‬
‫بعض العوام أو من يميلون إلى سماع هذا اللون وتؤثر فيهم العواطف ‪.‬‬
‫‪ -2‬وضوح العبارة في الخطبة وظهور معانيها بحيث يكون الغرض الذي يهدف إليه‬
‫الخطيب مفهوما ً فال يصح أن يستعمل الخطيب كلمات لغوية غامضة المعنى أو غريبة‬
‫على أفهام الناس أو تكون أعلى من مستوى الناس ‪ ،‬فخطبة المثقفين والجامعيين تخالف‬
‫خطبة العامة ‪ ،‬وخطبة أخالط الناس تخالف خطبة الفئة الواحدة الختالف‬
‫الدرجات العقلية لكل منهم ‪ ،‬واختالف الثقافات واالهتمامات‪.‬‬
‫وال بأس من توضيح بعض المعاني باللغة العامية على أن يكون هذا في أضيق‬
‫الحدود ‪ ،‬أما استعمال اللغة العامية في الخطابة فإنه يخرجها عن كونها خطابة ويبعدها‬
‫عن التأثير المطلوب ‪ ،‬فإن اللغة العربية ما تزال هي مفتاح التأثير حتى في المجتمعات‬
‫العامية ‪.‬‬
‫‪ -3‬قد يستعمل األسلوب القصصي فيستعين الخطيب بقصه قصيرة أو حدث تاريخي‬
‫لالستشهاد به على ما يقول ‪ ،‬وهذا يعتمد بالدرجة األولى على نوع القصة ومناسبتها‬
‫وموقعها وقصرها ‪ .‬فالقصص الذي يقع موقعة تكثر أفادته بشرط أن ال تكون طويلة‬
‫تذهب بذهن السامع عن الغرض األصلي للخطبة ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ -4‬مقامات الخطبة متعددة فيجب أن تكون عبارتها بحسب المقام ويجب أن تكون حال‬
‫الخطيب كذلك‪ ،‬فخطب الحرب غير خطب الزواج وخطب التبشير غير خطب التحذير‪.‬‬
‫‪ -5‬الخطبة أقدر من الشعر على اإلقناع ‪ ،‬ألنها ال تعتمد على تكلف القوافي أو األوزان‬
‫‪ ،‬وتستطيع أن توضح كل جوانب الموضوع بغير تكلف وان تمزج األحاسيس بغير‬
‫عناء ‪ ،‬وان تدخل القصة والمثل والحكمة في ثناياها بغير أن يختل المعنى ‪ ،‬كما تستطيع‬
‫الخطبة أن تستوعب النصوص بغير تبديل وال تغيير أو تحريف ‪ ،‬وهي مع ذلك تتمتع‬
‫بجزالة اللفظ وحسن التعبير وبرد العاطفة‪ .‬كما أنها أقدر من العامية على صياغة‬
‫المعاني ووصف األحاسيس وإبراز اآلمال‪ ,‬وأقوى منها في التأثير واإلقناع وإبراز‬
‫الحجج والبراهين‪.‬‬
‫و تستطيع إجادة الخطبة جموع كثرة وفئات مختلفة ‪ ،‬بخالف الشعر فإنه ال يستطيع‬
‫إجادته إال موهوب ‪ ،‬وال معالجته إال أصحاب قرائح معينة ‪ .‬كما أن مجاالت الخطبة‬
‫أوسع بكثير من مجاالت الشعر ‪ .‬فال شيء حقيرا كان أو جليال معقوال أو محسوسا إال‬
‫دخل حكمها وخضع لسلطانها‪.‬‬

‫التقسيم الحديث للخطابة ‪:‬‬


‫جاء العصر الحديث وتشابكت فيه المصالح وتداخلت فيه األمور وكثرت فيه‬
‫االهتمامات والعادات والتقاليد الوافدة منها واألصيلة ‪ ،‬الحديثة منها والقديمة ‪ ،‬فتعددت‬
‫فنون الخطبة وتنوعت واتسعت ‪ ،‬ساعد على هذا تنوع مصادر اإلعالم وتعدد قنواته‬
‫وأجهزته ودراساته وتخصصاته فقسموا الخطب بحسب استعماالتها إلى عدة أقسام‬
‫هي ‪:‬‬
‫‪ -1‬الخطابة الوعظية ‪ :‬وهي الخطبة التي تتعلق بالعقيدة واإليمان وتأمر بالمعروف‬
‫وتنهي عن المنكر وتحض على إتباع أوامر هللا سبحانه وتعالى وغالبا ً ما تكون هذه‬
‫الخطبة في دور العبادة أو في األماكن المعدة لذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬الخطابة السياسية ‪ :‬وهي الخطبة التي تهتم بالشؤون العامة للدولة خارجيا ً وداخليا ً‬
‫تبين إرادة األمة وسلطانها أو تبين حريتها وانطالقها ‪.‬‬
‫‪ -3‬الخطابة القضائية ‪ :‬وهي الخطب التي تكون في الخصومات ‪ ،‬وتلقى تلك الخطب‬
‫في ساحة القضاء وفي دور المحاكم من المحامين أو من النيابة أو من المدعى عليه‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ -4‬الخطب العسكرية ‪ :‬وهي الخطب التي تلقى في الجنود لتحريضهم على القتال‬
‫وزيادة قوتهم المعنوية ‪.‬‬
‫‪ -5‬الخطابة االجتماعية ‪ :‬وهي الخطب االجتماعية التي تكون في المناسبات والمواقف‬
‫مثل ‪ :‬خطب التأبين والمدائح ‪ ،‬ومحافل األفراح ‪ ،‬والتهاني بالقدوم من السفر أو من‬
‫حادث أو بنجاح في شهادة أو غير ذلك من المناسبات المختلفة ‪.‬‬
‫* اتجاهات الخطب االجتماعية ‪:‬‬
‫تتعدد اتجاهات الخطب االجتماعية تعددا ً يشمل كل أوجه النشاط االجتماعي في‬
‫المجتمع الذي يوجد فيه الخطيب ‪ ،‬من ذلك ما يلي ‪.‬‬
‫‪ – 1‬خطب التهاني والبشريات ‪:‬‬
‫ال شك أن مجاملة الناس في المجتمع المسلم مطلوبة والتآخي معهم واجب وذلك‬
‫بالمشاركة في أفراحهم وأحزانهم وما يهمهم ‪ ،‬فللتهاني بالعيد مثال ‪ ،‬مجال وللتهاني‬
‫بالزواج مجال ‪ ،‬وكذلك النجاح ‪ ،‬وقدوم مولود إلى غير ذلك من البشريات التي حث‬
‫الشرع الكريم عليها وجاء طرف من ذلك في القرآن الكريم والسنة المطهرة‪.‬‬
‫‪ -2‬خطب المشروعات والمرافق ‪:‬‬
‫من الخطب االجتماعية تلك الخطب التي تحث الناس على إنشاء المدارس لتعليم‬
‫أوالد المسلمين وتثقيفهم وطرد شبح الجهل عنهم ‪ ،‬وإنشاء دور لتحفيظ القرآن ‪ ،‬ورعاية‬
‫كتاب هللا تبارك وتعالى ‪ ،‬إنشاء مكتبات عامة ثقافية إسالمية تساعد النشأ وتصلهم‬
‫بتراثهم وحاضرهم ‪ ،‬ومن المشروعات المهمة أيضا ً بناء المساجد وإعمار بيوت هللا‬
‫سبحانه وتعالى والعناية بها‪.‬‬
‫‪-3‬خطب التكافل االجتماعي ومحاربة الفقر ‪ ،‬فالمسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه‬
‫عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ‪ ،‬فيجب على المسلم أن يرعى أخاه ويقدم‬
‫له ما يحتاج ويعاونه فيما ال يستطيع‪.‬‬
‫‪ -4‬خطب الزواج وتهنئة العروسين واإلعالن عن الزواج بالفرح والسرور بما أحل‬
‫هللا من الطيبات ليعلمه الخاص والعام والقريب والبعيد ‪ .‬ويكون بما جرت به العادة‬

‫‪11‬‬
‫ودرج عليه عرف كل جماعة بشرط أال يصحبه محظور نهى عنه الشرع كاختالط‬
‫الرجال بالنساء ونحو ذلك ‪.‬‬
‫‪ -5‬خطب التأبين أو الرثاء ‪:‬‬
‫وهي الخطب التي تقال في إظهار مناقب الرجال عند وفاتهم وفاء لهم على ما أسدوا‬
‫من جميل وحسن صنيع ‪ ،‬وعلى ما قدموا ألمتهم ولشعوبهم من عزة وكرامة ورخاء‬
‫واستقالل وتقدم ‪ ،‬وهم بذلك يحثون السامعين على اقتفاء آثارهم وترسم خطاهم ليكون‬
‫ذلك امتداد لجهودهم وتعزيه عن فقدهم‪.‬‬
‫وذكر محاسن الموتى جائز شرعا ً وال شيء فيه ‪ ،‬وكذلك رثاؤه أي مدح الميت‬
‫بعد موته ‪ .‬يقال رثيته بعد موته ورثيت له إذا حزنت عليه ‪ .‬وليس هذا معارض بنهي‬
‫الرسول ‪ ‬عن المراثي التي هي ذكر أوصاف الميت الباعثة على تهيج الحزن وتجديد‬
‫اللوعة ‪ ،‬وقد رأينا كثيرا من الصحابة يرثي بعضهم بعضا من ذلك ‪ .‬رثاء اإلمام علي‬
‫رضي هللا عنه ألبي بكر الصديق بعد موته‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫اخلطابة يف الدعوة إىل الل‬
‫* أهمية الخطابة الدينية ‪:‬‬

‫‪ -1‬تغذية الروح وطرح الجفاف النفسي والذهني الذي ينشئ القلق والحيرة واالنهيار ‪،‬‬
‫وتخفيف غلواء المادية وشرورها وسيطرتها على اإلنسان في الحياة‪.‬‬
‫‪ -2‬تغذية الشعور وإثارة الحماس وبعث الهمم حتى تستطيع اإلنسانية أن تحقق أشواقها‬
‫ورغباتها في هذه الحياة‪.‬‬
‫‪ -3‬معرفة الحقيقة وتبصير الناس إلى الحياة الباقية التي يكون فيها الثواب والنعيم‬
‫الحقيقي وداللتهم إلى الفوز األكبر والنعيم الدائم‪ ،‬وقد وضع الرسول ‪ ‬الناس على‬
‫الصراط المستقيم وعلى الطريقة الواضحة من أول يوم في أول خطبة خطبها عليه‬
‫الصالة والسالم ؛ حيث قال ‪ " :‬إن الرائد ال يكذب أهله ‪ ،‬وهللا لو كذبت الناس جميعا‬
‫ما كذبتكم ‪ ،‬ولو غررت الناس جميعا ما غررتكم ‪ ،‬وهللا الذي ال إله إال هو إني لرسول‬
‫هللا إليكم خاصة ‪ ،‬وعلى الناس كافة ‪ ،‬وهللا لتموتن كما تنامون ‪ ،‬ولتبعثن كما تستيقظون‬
‫ولتجزون باإلحسان إحسانا وبالشر شرا ‪ ،‬وإنها لجنة أبدا أو لنار أبدا "‪.‬‬
‫وفي رواية عن اإلمام أحمد عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال ‪ :‬لما أنزل هللا‬
‫" وأنذر عشيرتك األقربين " أتى النبي ‪ ‬الصفا فصعد عليه ونادى ‪ " :‬يا صباحاه "‬
‫فاجتمع الناس إليه بين رجل يجئ إليه وبين رجل يبعث رسوله ‪ ،‬فقال رسول هللا ‪ :‬‬
‫" يا بني عبد المطلب ‪ ،‬يا بني فهر ‪ ،‬يا بني كعب ‪ ،‬أرأيتم لو أخبرتكم أن خيال بسفح‬
‫هذا الجبل تريد أن تغير صدقتموني ؟ قالوا ‪ :‬نعم !! قال ‪ :‬فإني نذير لكم بين يدي عذاب‬
‫شديد"‬

‫ولهذا نستطيع أن نؤجز أهميتها في الدعوة إلى هللا فيما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬الخطابة في الدعوة إلى هللا واجبة ‪ ,‬ألنها الزمة لتبليغ الدعوة وماال يتم الواجب‬
‫ٌ‬
‫وصوت‬ ‫ٌ‬
‫وبيان ناصع ‪,‬‬ ‫وفكر ذكي‬
‫ٌ‬ ‫إال به فهو واجب ‪ ,‬فالدعوة يلزمها صوت قوي‬
‫داوي والخطابة رسول ذالك وبالغه وحامل هذا وسلطانة ‪.‬‬
‫‪ -2‬الخطابة للداعية كالمصباح ينير الطريق ويكشف الدرب ويهدي الضال ‪.‬‬
‫وكاآللة في يد الصانع الماهر تشكل له ما يشاء وتصنع له ما يريد ‪ ,‬ومما يجب التنبيه‬
‫‪13‬‬
‫عليه ‪ ,‬أنه ليس بالضرورة أن يهدي المصباح حامله ‪ ,‬وكذالك الحال بالنسبة لآللة فقد‬
‫ال ينفع بها صاحبها إذا كان جاهالً ال يقدر على استعمالها ‪ ,‬أو غرا اليقدر على‬
‫االنتفاع بها ‪ ,‬أما إذا كان بصيرا ً وقادرا ً وماهرا ً فإنه يفتح مغاليق القلوب ويضئ‬
‫دياجير العقول ‪,‬وصدق هللا ‪ ( :‬وما أرسلنا من رسو ٍل إال بلسان قومه ليبين لهم فيضل‬
‫هللا من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم ) إبراهيم – ‪. 4‬‬
‫‪ -3‬الخطابة بالنسبة إلى الداعية سالح يدافع به عن دعوة ‪ ,‬يرد به كيد الكائدين‬
‫وجحود الجاحدين وعنت الضالين ‪ ,‬فكم من منافق عليم اللسان ومنحرف صاحب‬
‫بيان وفاسق يحمل فكرا ً ‪ ,‬وشيطان يلوح بحجة ‪ ,‬فيأتي الداعية الفصيح صاحب الحجة‬
‫فيدفع الركب الضال والموكب اللعين وينسف الباطل المنتفخ ‪ ,‬ويرفع الحق األبلج‬
‫والحجة المضيئة ‪.‬‬
‫‪ -4‬الخطابة وسيلة لصياغة المبادئ ‪ ,‬وإظهار جاللها ورفعة شأنها كما أنها سبب‬
‫سيادة الحق والخطابة هي وسيلة الداعية وقد تكون الوحيدة في بعض األحيان‬
‫إلظهار الحق وخدمة مبادئه ‪.‬‬
‫‪ -5‬الخطابة هي صلب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر لصيانة جسد األمه من‬
‫الهدم والتحليل ‪ ,‬كما انها الزمة لطرد األهواء وإزالة الشياطين ‪ ,‬وعالج األمراض‬
‫الداخلية والمستوطنة ‪ ,‬والبرهان الحسي قائم على أن األمة التي انتشر فيها خطباء‬
‫اإلصالح وقادة الفكر تحيا بمقدار جهدهم وكثرتهما وتأثيرهم ‪.‬‬
‫‪ -6‬الخطابة الزمة لسياسة األمم والشعوب ‪ ,‬فإن والة األمر يعنون بإطالع‬
‫المسلمين على سياستهم وسنة حكمهم وينتهزون الجمع واألعياد والمناسبات المختلفة‬
‫خصوصا ً في موسم الحج فرصة لذالك ‪ ,‬كذالك تكون وسلة لتسكين الفتن وبعث‬
‫المودة ‪ .‬كما أنها الزمة إلعداد الجيوش ودفعها الى الجهاد ورفع راية الحق ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫كيفية إعداد اخلطبة‬

‫إلعداد لخطبة أصول وأسس تقوم عليها يجب مراعاتها وتتلخص تلك األسس واألصول‬
‫فيما يأتي ‪- :‬‬

‫أوالً ‪ :‬اإلخالص‬
‫صحيح أن العمل الجاد يحتاج إلى التعب والجهد ولكنه يحتاج قبل كل ذلك إلى اإلخالص‬
‫هلل تعالى ‪ ..‬والمثل الرائع يقول‪ [ :‬قل لمن ال يخلص ال يتعب ]‬
‫فما فائدة العمل إن أريد به غير وجه هللا تعالى ؟ نعم ‪ ..‬لن يكون له أي تأثير ال على‬
‫المتكلم وال حتى على المستمعين ‪ ..‬إن لم يكن هناك إخالص‪ [ ،‬فرب عمل كبير تصغره‬
‫النية ‪ ..‬ورب عمل صغير تكبره النية ] فالخالص في اإلخالص ‪.‬‬
‫‪.‬ومما يعين على اإلخالص كثرة الدعاء بأن يجعل هللا العمل صالحا ً متقبالً خالصا له‬
‫وحده ‪..‬وأن يجعل له بالغ األثر في اآلخرين ‪.‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬التهيئة لكتابة الخطبة ‪:‬‬


‫وذلك من خالل عدة أمور يجب مراعاتها في هذا الجانب تتلخص فيما يلي ‪:‬‬
‫أ ) جمع المعلومات عن الجمهور‪ :‬والمقصود المعلومات العامة عن الذين سيحضرون‬
‫لخطبته ‪ -‬بقدر المستطاع – من خالل األسئلة التالية ‪:‬‬
‫ما القيم والمبادئ التي يمكن أن يحملونها في أذهانهم ؟‬
‫وما مدى أهمية هذا الموضوع لديهم؟ وما الذي يريدون معرفته ؟‬
‫وما هي المشاكل التي تواجههم فيه؟‬
‫شكل حديثك حسب جمهورك ]‬ ‫ألن القاعدة تقول ‪ِّ [ :‬‬
‫كما يجب على الملقي أن يعرف بشك ٍل عام كم عدد الحضور التقريبي ؟ فإن كان‬
‫جمهورا ً صغيرا ً ( أقل من ‪ 25‬شخصا ً ) فليعلم الملقي حينئذ أن االنتباه أكثر ؛ فاألمثلة‬
‫أكثر واألسئلة والمناقشات ستكون مباشرة مع الجمهور ‪ ،‬و سيقوم الملقي المتميز‬
‫باالتصال بالجميع عن طريق العين‪.‬‬
‫أما إذا كان الجمهور كبيرا ً أكثر من ( ‪ 25‬شخصا ً ) فيمكن أن يحدث ال َ‬
‫س َرحان‬
‫والهمس مع الجار والتشتت في االنتباه ؛ فعند ذلك يقوم الملقي بالربط والتلخيص‬
‫وتكرار النقاط المهمة ليحافظ على تركيز الجمهور وانتباهه ‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫ب) معرفة الوقت والزمان ‪ :‬يجب أن يعرف الملقي قبل إلقائه الوقت المتاح له ‪ ،‬والمكان‬
‫الذي سيلقي فيه ؛ فإنهما سيساعدانه على القيام بمهمته بشكل أفضل ‪.‬‬
‫ج) اختيار الموضوع ‪ :‬فعندما يريد اإلنسان أن يخاطب جمهورا ً معينا ً ؛ فإنه يحسن به‬
‫أن يختار الفكرة والموضوع المناسب الذي يواكب اهتمامات الناس وال‬
‫يصادم شعورهم حتى يستطيع دفعهم إلى ما يريد فإن المقصود هو اإلقناع وااللتفاف‬
‫‪ ،‬واإلنسان غالبا ً ما يتأثر كثيرا ً في موضوع يكون في ذاكرته أو يواكب اهتماماته‬
‫ويلمس شعوره ‪ ،‬والبد أن يسأل اإلنسان نفسه أسئلة كثيرة في اختيار الموضوع ‪ ،‬ما‬
‫الذي يمليه عليه هذا الموقف ‪ ،‬وما هي إحساسات الناس بالنسبة لمثل هذه الموضوعات‬
‫‪ ،‬وما هي حاجتهم إليه وتوقعهم لما يدور في فلكه‪.‬‬
‫د ) تحديد الهدف ‪ :‬البد أن يكون للخطيب هدف محدد من الخطبة ‪ ،‬وتكون لديه أهداف‬
‫صغيرة تخدم هدفا ً مرحليا ً تصب أخيرا ً في الهدف النهائي واألخير للخطبة ‪،‬‬
‫فإذا لم يكن للخطيب هدف واضح ؛ فكيف يستطيع المستمع أن يتبين هذا الهدف؟‬
‫تحديد الهدف من الخطبة يجعل كل شيء بعدها ينساب سهالً ويسيرا ً ؛‬
‫فأبدأ بها أوالً وستجد كل شيء بعدها سيغدو سلسا ً ‪ ،‬فلعل هدفك الرئيسي هو أن تعرف‬
‫الجمهور على شيء جديد ‪،‬وتجعله يفكر فيه ‪ ..‬ويشعر به ويتذكره فكر في ذلك جيدا ً‬
‫!!‪.‬دائما ً ‪..‬فكيف ستصل لهدفك ؟‬
‫هـ ) تجميع العناصر ‪ :‬بعد اختيار الموضوع يأتي دور تجميع العناصر التي تصور‬
‫الفكرة ؛ وإعمال الفكر الستنباط الوسائل التي من شأنها إقناع السامع وجذبه ‪ ،‬وإثارة‬
‫حماسته إلى ما يريد الخطيب ‪ ،‬ثم يقوم بترتيبها ‪ ،‬ويضع كل عنصر في موضعه الالئق‬
‫به بحيث تسلم العناصر بعضها إلى بعضها اآلخر حتى ينتهي من الفكرة ويصل‬
‫المقصود إلى عقل السامع وفهمه ‪.‬‬
‫و) استحضار األدلة ‪:‬‬
‫والدليل هو ‪ :‬ما يتوصل به إلى بيان صحة الحكم سلبا أو إيجابا فالخطيب يستحضر‬
‫األدلة التي يريد بها إقناع السامع بالموضوع الذي اختاره ‪ ،‬وكل ما أقنع فهو دليل وبينة‬
‫في الجملة على صدق ما يريد ‪.‬‬
‫فالقرآن بينة والسنة بينة ‪ ،‬وسيرة الرسول ‪ ‬بينة ‪ ،‬وأقوال السلف وأعمالهم بينة‬
‫‪ ،‬وذكر الوثائق بينة ‪ ،‬وإقرار الخصم بينة ‪ ،‬وتصريحات المسئولين بينة‪ ,‬واألفعال بينة‬
‫‪ ،‬واألدلة المنطقية بينة ‪ ،‬والقصص قد يدخل في عداد البينات ‪ ،‬وال يشترط أن تكون‬

‫‪16‬‬
‫البينة يقينية ‪ ،‬فإن كانت يقينية كان ذلك أفضل ‪،‬وإن كانت ظنية فال بأس إن استطاع‬
‫الخطيب أن يرتقي بها بأسلوبه ‪ ،‬فبعض الخطباء يستطيع أن يرتقي بوسائل معينة من‬
‫الظني إلى اليقيني‪.‬‬

‫ثالثا ً ‪ :‬البدء في كتابة الخطبة ‪:‬‬


‫بعد معرفة المعلومات األساسية عن الجمهور والمكان والزمان واختيار موضوع‬
‫الخطبة وتحديد الهدف منها وجمع المعلومات واألدلة الخاصة به ‪ ،‬يتم البدء في الكتابة‬
‫مع مراعاة تقسيم الخطية إلى ثالثة أقسام رئيسية ؛ هي على النحو التالي ‪:‬‬
‫‪ )1‬مقدمة الخطبة ‪:‬‬
‫والهدف منها هو بيان مقصد الخطابة وهدفها في الجملة ‪ ،‬وإثارة عواطف المخاطب‬
‫وجذب انتباهه نحو الموضوع ‪ ،‬وجعله يتحمس للفكرة حتى تسيطر عليه ‪.‬‬
‫مقدمة الخطبة وافتتاحيتها يجب أن تكون مهيئة للموضوع وملفتة إليه ‪ ،‬ومحركة‬
‫لألذهان لشد السامعين نحوه وحفزهم إلى اإلقبال عليه ‪ ،‬بحيث تكون جذابة ومشوقة‬
‫ومثيرة للنشاط والحمية للنشاط وباعثة على التطلع إلى ما يريد أن يوصله الخطيب إلى‬
‫المستمع ‪ ،‬ثم يأتي بعد ذلك الموضوع الذي يلقيه الخطيب ‪.‬‬
‫ومن أوصاف الخطابة أن تبدأ المقدمة بالتحميد والتمجيد ‪ ،‬وتوشح بآيات القرآن‬
‫واألحاديث النبوية ‪ ،‬وبالسائر من األمثال ‪ ،‬فإن ذلك مما يزين الخطب عند مستمعيها ‪،‬‬
‫وتعظم به الفائدة فيها ‪ .‬ولذلك كانوا يسمون كل خطبة ال يذكر هللا عز وجل في أولها "‬
‫البتراء " وكل خطبة ال توشح بالقرآن وتزين بالصالة على النبي ‪ " ‬الشوهاء "‬
‫وعلى هذا كان خطباء السلف الصالح وأهل البيان من التابعين لهم بإحسان‪.‬‬

‫‪ )2‬مضمون الخطبة ‪:‬‬


‫هو جسم الفكرة الذي يحمل اإلقناع واإلثارة لهدف معين ‪ .‬وهو موضع اجتهاد الخطيب‬
‫‪ ،‬وموضع بيانه وموضع براعته في اإلستشهاد والتأثير ‪ ،‬وهو الذي يحمل العناصر‬
‫المرتبة التي أعدها الخطيب لضمان تسلسل الموضوع وتدرجه تدرجا ً طبيعيا ً يساعد‬
‫على االستيعاب والفهم والتأثير المطلوب ‪.‬‬
‫وهذا الجزء كماهو معلوم أهم أجزاء الخطبة ‪ ،‬أو هو عمودها الفقري أو هو‬
‫قلبها النابض ومحورها األساسي ‪ ،‬فقد يمكن االستغناء عن األجزاء األخرى ‪ ،‬أما هذا‬
‫فال يمكن االستغناء عنه فالمقدمة بالنسبة له كالمشهيات إلى الوجبة األساسية ‪ ،‬وكالزينة‬
‫بالنسبة إلى الجسد‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫والنتيجة متر تبة عليه ‪ ،‬فإذا لم توجد الشجرة التي هو الموضوع ال توجد الثمرة‬
‫التي هي النتيجة ‪ ،‬ويبدأ الخطيب بالعنصر األول الذي يشتمل على إعطاء المستمع‬
‫فكرة عن الموضوع " أي ما يسمى بالتعريف "‪.‬‬
‫ويجب أن تراعى لقوة الموضوع ونجاحه وتأثيره األمور اآلتية ‪:‬‬
‫أ‪ -‬وحدة الموضوع ‪:‬‬
‫بمعنى أن يكون الموضوع بعناصره يخدم فكرة واحدة ‪ ،‬أي يكون جسدا ً واحدا ً مكونا ً‬
‫من أعضاء ‪ ،‬وهي العناصر وال يصح من الخطيب في خطبة واحدة أن يتكلم عن‬
‫عنصر من األخوة وآخر من النكاح وآخر من الحج وآخر من الصوم ونتيجة في الحث‬
‫على الطهارة‪.‬‬
‫وهذا قد يأتي من عدم فهم األمور وإدراكها ‪ ،‬أو من عدم تقديره لعقل السامع أو‬
‫عدم التحضير الجيد للموضوع ‪ ،‬أو من اعتالئه منزلة ليست له ولم يستعد لها ‪ ،‬أو من‬
‫الحماس بدون فهم ألصول األشياء واتباع أسبابها وطرقها ‪ .‬أو من فقدان الحاسة‬
‫الخطابية والشعورية ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسباب المهلكة للخطيب وللموضوع‪.‬‬
‫ب‪ -‬ترتيب العناصر والتسلسل من عنصر إلى آخر ‪ :‬حتى تنساب الفكرة في روع‬
‫السامع بغير جهد أو عناء وحتى ال يشق على السامع في جمع شتات الموضوع وضم‬
‫أجزائه بعضها إلى بعض ‪ ،‬وقد ال يتمكن من ذلك لضعف خبرته‪.‬‬
‫جـ‪ -‬ذكر األدلة التي تؤيد العناصر وتخدم الفكرة األساسية ‪:‬‬
‫ولي س بالضرورة أن تكون جميع األدلة منطقية ‪ ،‬وإنما ينبغي أن تكون هناك مشاركة‬
‫وجدانية وإثارة للعواطف مع األدلة المنطقية‪.‬‬

‫‪ -3‬خاتمة الخطبة ‪:‬‬


‫هذا القسم من الخطبة ينبغي أن يكون قصيرا ً موجزا ً مؤثرا ً مفيدا ً ‪ ،‬يجمع شتات‬
‫الموضوع مستخلصا ً منه الثمرة والعبرة ‪ ،‬فبعد أن يفرغ الخطيب من موضوعه يقصد‬
‫إلى استخالص ما يريد من النتائج ومن المنفعة والثمرة ‪ ،‬وأهم ما يراعى في الخاتمة‬
‫من أمور هي ‪:‬‬

‫‪18‬‬
‫أ‪ -‬أن تكون ترديدا ً للموضوع أو إعادة له ‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن تكون ثمرة منطقية مترتبة طبيعية على العناصر واألدلة ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬أن تكون واضحة وقوية حتى تكون دافعة على العمل والتأثير واإللزام وتكون‬
‫حجة على السامع ومنشطة له باعثة لعزيمته ‪.‬‬

‫مثال ‪:‬‬
‫إذا أراد الخطيب مثال أن يتكلم في موضوع " األخوة في هللا " فإنه يعمد أوال إلى‬
‫العنصر األول – وهو ‪ :‬تعريف معنى األخوة في هللا وتمييزها عن األخوة في الدنيا ‪،‬‬
‫ثم ينتقل إلى العنصر الثاني وهو ‪ :‬بيان الصفات المشروطة فيمن يختار للصحبة‬
‫واألخوة ‪ ،‬ثم ينتقل إلى الثالث وهو حقوق األخوة والصحبة ‪ ،‬في المال ‪ ،‬والوفاء والعفو‬
‫واإلعانة ‪ ،‬إلى غير ذلك ‪ ،‬ثم ينتقل إلى العنصر الرابع وهو ‪ :‬لزوم تلك األخوة للمسلم‬
‫والمجتمع البشري ‪.‬‬
‫وتأتي األدلة واالستشهادات لكل عنصر على حدة ‪ ،‬بحيث تؤكد ما يقوله الخطيب‬
‫وتحمس له ؛ وتأتي القصص لبيان هذه االستشهادات ولوضوحها وإخراجها للواقع‬
‫والنور والميدان العلمي ‪.‬‬
‫ثم تأتي الخاتمة – فتكون في ثمار هذه األخوة ونتائجها وآثارها ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫أسس وقواعد اإللقاء اجليد‬

‫لكي يكون اإللقاء والعرض متميزا وقويا البد من توفر أمور مهمة من أهمها‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ طريقة الوقوف‪:‬‬


‫إن الوقوف الصحيح له دوره في ارتياح الملقي أثناء إلقاء موضوعه مما يزيد ثقته‬
‫بنفسه‪ ,‬كما أنه يساعده على التنفس الصحيح الذي يؤثر في فعالية الصوت‪.‬‬
‫‪2‬ـ أن يكون عرض الموضوع بطريقة اإللقاء ال القراءة ‪:‬‬
‫ألن ذلك يؤثر تأثيرا أكبر ويجذب السامعين إلى الملقي ‪ ،‬وألن في ذلك استخدام لجوارح‬
‫مهمة أثناء اإللقاء وهي العينان واليدان والتي ال يتيسر استخدامها أثناء القراءة‬
‫المستمرة‪.‬‬
‫واكتساب هذه المهارة يأتي بالتدرج ‪ ،‬وعلى الملقي االنتباه إلى عدم البدء بعجلة‬
‫وإسراع ‪ ،‬فعدما تنهض لمخاطبة جمهورك‪ ,‬ال تبدأ بعجلة ‪ ،‬فهذه هي السمة المميزة‬
‫للمبتدئ ‪ ،‬عليك أن تنظر إلى جمهورك للحظة‪ ..‬إن كانت هناك ضجة‪ ,‬توقف قليالً حتى‬
‫تزول‪ ..‬أبق صدرك عالياً‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ مراعاة الصدمة األولى‪:‬‬
‫يالحظ في بعض المبتدئين أثناء تدربهم على اإللقاء الخطابي أنه بمجرد وقوفه أمام‬
‫الجمهور وشروعه في الخطبة يتلعثم في أول الكالم‪ ,‬بل ربما ارتج عليه فنسي المقدمة‬
‫تماماً‪ ,‬مع أنه قد اجتهد في إعداد الخطبة‪ .‬لماذا ؟‬
‫إن الكلمات األولى التي يتفوه بها الخطيب في اللحظات األولى من وقوفه أمام‬
‫الجمهور تختلف عن غيرها من كلمات الخطبة ‪ ،‬ذلك ألنه يستقبل موقفا ً جديدا ً يكتنفه‬
‫الغموض والخوف‪ .‬فهو يقف أمام الجمهور ألول وهلة وجها ً لوجه‪ ,‬وربما سيطر عليه‬
‫شبح الخوف من الفشل أو الخطأ أو عدم قبول الناس له‪ ,‬فيصاب بالتوتر العصبي مما‬
‫يؤدي إلى ذهولـه عن الموضوع‪ .‬مع أنه في الحقيقة ما أن يمضي في الكالم حتى يشعر‬
‫بالطمأنينة والثقة‪.‬‬
‫ما الحل ؟‬
‫إن كلمات المقدمة من أهم العوامل المؤثرة في الخطبة‪ ،‬فبها يكتسب الخطيب‬
‫الثقة بنفسه‪ ,‬وبها يحكم الجمهور على هذا الشخص الغريب الماثل أمامهم ‪ ،‬ولهذا‬
‫‪20‬‬
‫ضاعف الجهد في إعداد المقدمة وتكرارها واستحضارها حتى تكون من الوضوح مثل‬
‫اسمك تماماً‪ ,‬وإياك والثقة الزائدة‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ االتزان وضبط النفس‪:‬‬
‫االتزان يعني الطمأنينة والهدوء‪ ,‬وتجنب إحداث أي حركة في غير محلها‪ .‬ألن ذلك‬
‫يمنح انطباعا ً عن الضعف وقلة الثقة بالنفس‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ التواصل مع المخاطب‪ ,‬والتحدث بشكل مباشر‪:‬‬
‫يجب أن يشعر المستمع أن هناك رسالة موجهة من قلب الخطيب إلى قلبه ‪ ،‬فالجمهور‬
‫سواء كان في اجتماع أو تحت خيمة‪ ,‬يريد من الخطيب أن يتحدث بشكل مباشر كما لو‬
‫كان في جلسة سمر‪ ,‬وباألسلوب الطبيعي الذي يستخدمه أثناء محادثة واحد منهم‪.‬‬
‫إن مهمة تعليم أو تدريب الناس على اإللقاء ليست من المهام الصعبة ‪ ,‬بل إنها‬
‫مسألة إزالة العوائق‪ ,‬وتحريرهم من القيود‪ ,‬واستدراجهم للتحدث بشكل طبيعي‪، .‬‬
‫والطريقة الوحيدة الكتساب هذه الطبيعة هي التدريب‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ جودة النطق‪:‬‬
‫ُخرج كل حرف من مخرجه‬ ‫مخارج الحروف العربية متعددة معلومة‪ ,‬فعلى الملقي أن ي ِّ‬
‫الصحيح‪ ,‬لكن مع مراعاة السالسة والسهولة وعدم التكلف‪ ,‬فإن النفوس تنفر من التنطع‬
‫والتشدق‪ ,‬وقد قال الرسول صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬هلك المتنطعون )) ‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ مجانبة اللحن‪:‬‬
‫ينبغي للخطيب أن يعتني عناية تامة باللغة العربية صرفا ً ونحواً‪ ,‬فيتكلم بلغة عربية‬
‫صحيحة فصيحة ‪ ،‬وإذا أعياه األمر فليقرأ خطبتـه على من يصحح له عباراتها‪ ,‬ويضبط‬
‫كلماتها‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ التمهل في اإللقاء‪:‬‬
‫اإللقاء السريع المتعجل يفقد المتابعة‪ ,‬كما أنه قد يشوه إخراج الحروف فيختلط بعضها‬
‫ببعض وتتداخل المعاني وتلتبس العبارات‪ ,‬وقد يؤدي التعجل إلى إهمال الوقوف عند‬
‫المقاطع ورعاية الفواصل ‪ ،‬وهذا التمهل الذي ندعو إليه ال ينبغي أن يقود إلى هدوء‬
‫بارد‪ ,‬وتثاقل مميت‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ 9‬ـ تمييز الكلمات الهامة بالمؤثرات اللفظية‪:‬‬
‫لغتنا العربية مليئة بالمؤثرات والمحسنات اللفظية التي تضفي إلى الكلمة طابعا ً مميزا ً‬
‫جذاباً‪ .‬فيمكن للخطيب أن يؤكد الكلمات الهامة ويلفت انتباه السامع لها بالمبالغة في‬
‫تمييزها بهذه المؤثرات ‪ ،‬ومن األمثلة التطبيقية على ذلك ‪:‬‬
‫أ – التشديد‪ :‬كقوله تعالى‪{ :‬فذلكم هللا ربكم الحق}‪ ,‬وقوله‪{ :‬وبست الجبال بساً}‪ ،‬وكقول‬
‫الخطيب‪ :‬الصالة‪ ,‬الرحمة‪.‬‬
‫ب – الغنة‪ :‬كقوله تعالى‪ { :‬وأزلفت الجـنَّـة}‪ ,‬وقوله تعالى‪{ :‬فلهم عذاب جهنـَّم}‪.‬‬
‫جـ – المد‪ :‬كقوله تعالى {مأواهم النـار}‪ ,‬وقوله‪{ :‬واألمر يومئذ هلل}‪ ،‬وكقول‬
‫الواعظ‪ :‬تذكروا صور العذاب في النار‪ ..‬من حر وسموم‪ ..‬وزمهرير وزقوم‪.‬‬
‫وقد يجتمع أكثر من مؤثر لفظي في الكلمة الواحدة فيقوى تميزها‪ .‬كقوله تعالى‪{ :‬فإذا‬
‫جاءت الطا َّمة الكبرى}‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ تغيير نبرة الصوت‪:‬‬
‫من أسباب ضعف التأثير‪ ,‬وتطرق الملل والسآمة إلى السامعين‪ ,‬أن يتحدث الملقي بطبقة‬
‫رتيبة على وتيرة واحدةعندما تجد نفسك كذلك ابحث عن أي جملة مناسبة لتغير من‬
‫خاللها نبرة صوتك بما يتوافق مع أسلوب الجملة ‪ ،‬ومما يساعدك في القيام بهذا التغيير‬
‫أمران‪1 :‬ـ التوقف اليسير ‪2‬ـ التدريب‪.‬‬
‫‪ 11‬ـ تغيير سرعة الكالم‪:‬‬
‫فاألفكار الرئيسية والجمل الهامة ينبغي أن يالحظ في إلقائها التؤدة وعدم االستعجال‪,‬‬
‫تمكينا ً الستيعاب السامع لها‪ ,‬وتعزيزا ً ألثرها في النفوس‪.‬‬
‫‪ 12‬ـ التوقف قبل وبعد األفكار المهمة‪:‬‬
‫الخطيب الناجح يعرف أين يتوقف أثناء خطبته‪ .‬فإذا مر بفكرة عظيمة يرغب في‬
‫ترسيخها في أذهان مستمعيه توجه إليهم‪ ,‬وأحدق بعيونهم مباشرة للحظة من دون أن‬
‫يقول شيئاً‪.‬‬
‫هذا الصمت المفاجئ له نتيجة الضجة المفاجئة‪ .‬وهو يجذب االنتباه‪ ,‬ويجعل كل‬
‫إنسان منتبها ً ومتحفزا ً لما سيتلو ذلك الصمت ‪ ،‬وكذا يقال في التوقف بعد كل جملة يراد‬
‫توكيدها‪ ,‬فهو يضيف إلى قوتها قوة أخرى من خالل الصمت‪ ,‬وذلك أن المعنى يغوص‬
‫في هذه األثناء في النفس ويؤدي رسالته ‪ ،‬لكن يجب أن يكون التوقف بشكل طبيعي‪,‬‬
‫ومن دون تكلف‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫وقد قيل‪ " :‬من خالل صمتك تتكلم " فالصمت ليس ذهبيا ً أكثر مما يستخدم عندما‬
‫تتكلم‪ .‬وهو أداة قوية ومهمة ال ينبغي إغفالها‪ ,‬ومع ذلك فهي مهملة من قبل الخطيب‬
‫المبتدئ‪.‬‬

‫* أمثلة تطبيقية‪:‬‬
‫ي صلى هللا عليه وسلم يَ ْو َم النَّحْ ِّر قَا َل‪:‬‬ ‫طبَنَا النَّبِّ ُّ‬‫ع ْن أَبِّي بَ ْك َرة َ رضي هللا عنه قَا َل‪َ :‬خ َ‬ ‫َ‬
‫س ِّمي ِّه بِّغَي ِّْر‬
‫سي ُ َ‬‫ظنَنَّا أَنَّهُ َ‬ ‫ت َحتَّى َ‬ ‫س َك َ‬ ‫سولُهُ أ َ ْعلَ ُم‪ ،‬فَ َ‬ ‫ي يَ ْو ٍم َهذَا؟)) قُ ْلنَا‪َّ :‬‬
‫ّللاُ َو َر ُ‬ ‫((أَت َ ْد ُرونَ أ َ ُّ‬
‫سولُهُ‬ ‫ّللاُ َو َر ُ‬ ‫ش ْه ٍر َهذَا؟)) قُ ْلنَا‪َّ :‬‬ ‫ي َ‬ ‫ْس يَ ْو َم النَّحْ ِّر؟)) قُ ْلنَا‪ :‬بَلَى‪ .‬قَا َل‪(( :‬أ َ ُّ‬ ‫اس ِّْم ِّه‪ ،‬قَا َل‪(( :‬أَلَي َ‬
‫ْس ذُو ْال َح َّج ِّة؟)) قُ ْلنَا‪َ :‬بلَى‪،‬‬ ‫س ِّمي ِّه ِّبغَي ِّْر اس ِّْم ِّه‪ ،‬فَقَا َل‪(( :‬أَلَي َ‬ ‫ظنَنَّا أَنَّهُ َ‬
‫سيُ َ‬ ‫ت َحتَّى َ‬ ‫س َك َ‬ ‫أ َ ْعلَ ُم‪ ،‬فَ َ‬
‫س ِّمي ِّه ِّبغَي ِّْر اس ِّْمه‪ِّ،‬‬ ‫ظنَنَّا أَنَّهُ َ‬
‫سي ُ َ‬ ‫ت َحتَّى َ‬ ‫س َك َ‬ ‫سولُهُ أ َ ْعلَ ُم‪ ،‬فَ َ‬ ‫ي َبلَ ٍد َهذَا؟)) قُ ْلنَا‪َّ :‬‬
‫ّللاُ َو َر ُ‬ ‫قَال‪(( َ:‬أ َ ُّ‬
‫علَ ْي ُك ْم َح َرا ٌم‪،‬‬ ‫ت ِّب ْال َب ْلدَ ِّة ْال َح َر ِّام؟)) قُ ْلنَا‪َ :‬بلَى‪ ،‬قَال‪(( :‬فَإِّ َّن ِّد َما َء ُك ْم َوأ َ ْم َوالَ ُك ْم َ‬‫س ْ‬ ‫قَا َل‪(( :‬أَلَ ْي َ‬
‫ش ْه ِّر ُك ْم َهذَا فِّي بَلَ ِّد ُك ْم َهذَا إِّلَى يَ ْو ِّم ت َْلقَ ْونَ َربَّ ُكم))‪.‬‬ ‫َك ُح ْر َم ِّة يَ ْو ِّم ُك ْم َهذَا فِّي َ‬
‫ْس َب ْي ِّني‬ ‫ف النَّ ِّبي ِّ صلى هللا عليه وسلم لَي َ‬ ‫ع ْن ُم َعا ِّذ ب ِّْن َج َب ٍل رضي هللا عنه قَا َل‪ُ :‬ك ْنتُ ِّر ْد َ‬ ‫َ‬
‫س ْعدَي َْك ث ُ َّم‬ ‫سو َل َّ ِّ‬
‫ّللا َو َ‬ ‫الرحْ ِّل فَقَا َل‪َ (( :‬يا ُم َعاذَ بْنَ َج َب ٍل))‪ .‬قُ ْلتُ ‪ :‬لَبَّي َْك َر ُ‬ ‫َو َب ْينَهُ ِّإال ُمؤْ ِّخ َرة ُ َّ‬
‫عةً‬ ‫سا َ‬‫ار َ‬ ‫س َ‬ ‫س ْعدَي َْك‪ .‬ث ُ َّم َ‬ ‫سو َل َّ ِّ‬
‫ّللا َو َ‬ ‫عةً‪ ،‬ث ُ َّم قَا َل‪(( :‬يَا ُمعَاذَ بْنَ َجبَ ٍل))‪ .‬قُ ْلتُ ‪ :‬لَبَّي َْك َر ُ‬ ‫سا َ‬ ‫ار َ‬‫س َ‬ ‫َ‬
‫س ْعدَي َْك‪.‬‬ ‫سو َل َّ ِّ‬
‫ّللا َو َ‬ ‫ث ُ َّم قَا َل‪(( :‬يَا ُم َعاذَ بْنَ َجبَ ٍل)) قُ ْلتُ ‪ :‬لَبَّي َْك َر ُ‬
‫سولُهُ أ َ ْعلَ ُم‪ ،‬قَا َل‪(( :‬فَإِّ َّن‬ ‫علَى ْال ِّعبَا ِّد ؟)) قَا َل قُ ْلتُ ‪َّ :‬‬
‫ّللاُ َو َر ُ‬ ‫قَال‪(( :‬ه َْل ت َ ْد ِّري َما َح ُّق َّ ِّ‬
‫ّللا َ‬
‫عةً قَا َل‪(( :‬يَا ُمعَاذَ بْنَ‬ ‫سا َ‬ ‫ار َ‬ ‫س َ‬ ‫علَى ْال ِّعبَا ِّد أ َ ْن يَ ْعبُدُوهُ َوال يُ ْش ِّر ُكوا بِّ ِّه َ‬
‫ش ْيئًا))‪ ،‬ث ُ َّم َ‬ ‫َح َّق َّ ِّ‬
‫ّللا َ‬
‫ّللا ِّإذَا فَ َعلُوا‬
‫علَى َّ ِّ‬ ‫س ْعدَي َْك قَا َل‪(( :‬ه َْل ت َ ْد ِّري َما َح ُّق ْال ِّعبَا ِّد َ‬ ‫ّللا َو َ‬ ‫سو َل َّ ِّ‬ ‫َجبَ ٍل)) قُ ْلتُ ‪ :‬لَبَّي َْك َر ُ‬
‫سولُهُ أ َ ْعلَ ُم قَا َل‪(( :‬أ َ ْن ال يُ َع ِّذبَ ُهم))()‪.‬‬ ‫ذَ ِّل َك ؟)) قَال‪ َ:‬قُ ْلتُ ‪َّ :‬‬
‫ّللاُ َو َر ُ‬
‫‪ 13‬ـ الحركات واإلشارات‪:‬‬
‫حركات اليدين ستساعد سامعيك على فهمك بطريقه أفضل‪ ،‬واالعتدال في الحركة هو‬
‫المفتاح‪ .‬حاول أن تكون حركات يديك عفويه وتلقائية قدر االمكان ‪.‬‬
‫والحركات في الخطبة نوعان‪:‬‬
‫أ) حركات ال إرادية‪ :‬فالغاضب يقطب جبينه ويعبس وجهه‪ ,‬وذو الحماس تنتفخ أوداجه‬
‫وتحمر عيناه‪ ,‬ومنهم من تنقبض أصابعه وتنبسط‪ ,‬ومنهم من يعلو صوته حماسا ً‬
‫وتفاعالً‪ ,‬ومنهم من يبكي رقة وخشوعاً‪.‬‬
‫ب) حركات إرادية‪ :‬تعكس االنفعال والمشاعر وتعين على مزيد من المتابعة‬
‫والتوضيح‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫وينبغي أن تكون هذه اإلشارات والحركات منضبطة بقدر معقول‪ ,‬وانفعال غير‬
‫متكلف‪ ,‬ومتناسقة مع الشعور الحقيقي‪.‬‬
‫وإذا استخدمت اإليماءات واإلشارات بمهارة‪ ,‬وبال تكلف‪ ,‬وكانت مالئمة لمعاني‬
‫الكلمات المصاحبة لها فإنه من الممكن أن تكون يدا الخطيب أداة عجيبة إليصال األفكار‬
‫وتحريك المشاعر‪.‬‬
‫* أمثلة تطبيقية ‪:‬‬
‫ت‬ ‫ب احْ َم َّر ْ‬ ‫ّللا صلى هللا عليه وسلم ِّإذَا َخ َ‬
‫ط َ‬ ‫سو ُل َّ ِّ‬‫ّللا قَا َل‪َ :‬كانَ َر ُ‬ ‫ع ْن َجابِّ ِّر ب ِّْن َ‬
‫ع ْب ِّد َّ ِّ‬ ‫َ‬
‫سا ُك ْم َويَقُولُ‪:‬‬ ‫صبَّ َح ُك ْم َو َم َّ‬ ‫ضبُهُ َحتَّى َكأَنَّهُ ُم ْنذ ُِّر َجي ٍْش يَقُولُ‪َ :‬‬ ‫ص ْوتُهُ َوا ْشتَدَّ َ‬
‫غ َ‬ ‫عال َ‬ ‫ع ْينَاهُ َو َ‬
‫َ‬
‫طى َو َيقُولُ‪(( :‬أ َ َّما َب ْعدُ‪:‬‬ ‫سبَّا َب ِّة َو ْال ُو ْس َ‬ ‫عةُ َك َهاتَي ِّْن)) َو َي ْق ُر ُن َبيْنَ ِّإ ْ‬
‫ص َب َع ْي ِّه ال َّ‬ ‫سا َ‬ ‫((بُ ِّعثْتُ أَنَا َوال َّ‬
‫ع ٍة‬‫ور ُمحْ دَثَات ُ َها َو ُك ُّل ِّب ْد َ‬ ‫ّللا َو َخي ُْر ْال ُهدَى ُهدَى ُم َح َّمد‪َ ٍ،‬وش َُّر األ ُ ُم ِّ‬ ‫َاب َّ ِّ‬ ‫ث ِّكت ُ‬ ‫فَإِّ َّن َخي َْر ْال َحدِّي ِّ‬
‫ضاللَةٌ))‪ ...‬الحديث‪.‬‬ ‫َ‬
‫ساقَ‬‫ص ْوتُهُ‪ ...:‬ث ُ َّم َ‬ ‫عال َ‬ ‫علَى إِّثْ ِّر ذَ ِّل َك َوقَ ْد َ‬ ‫ّللاَ َويُثْنِّي َ‬
‫علَ ْي ِّه ث ُ َّم يَقُو ُل َ‬ ‫وفي رواية‪ :‬يَحْ َمدُ َّ‬
‫ْال َحد َ‬
‫ِّيث ِّب ِّمثْ ِّل ِّه‪.‬‬

‫ي ْال ِّم ْن َب َر فَأَش َ‬


‫َار ِّب َيدَ ْي ِّه‬ ‫ي صلى هللا عليه وسلم ث ُ َّم َر ِّق َ‬ ‫صلَّى لَنَا النَّ ِّب ُّ‬
‫ع ْن أَن َِّس ب ِّْن َمالِّكٍ قَا َل‪َ :‬‬ ‫َ‬
‫صالة َ ْال َجنَّةَ َوالنَّ َ‬
‫ار ُم َمثَّلَتَي ِّْن‬ ‫صلَّيْتُ لَ ُك ْم ال َّ‬ ‫قِّبَ َل قِّ ْبلَ ِّة ْال َمس ِّْج ِّد ث ُ َّم قَا َل‪" :‬لَقَ ْد َرأَيْتُ اآلنَ ُم ْنذُ َ‬
‫ش ِّر" ثَالثًا‪.‬‬ ‫فِّي قِّ ْبلَ ِّة َهذَا ْال ِّجدَ ِّار‪ ،‬فَلَ ْم أ َ َر َك ْاليَ ْو ِّم فِّي ْال َخي ِّْر َوال َّ‬

‫ّللاَ يَأ ْ ُم ُر ُك ْم أ َ ْن ت ُ َؤدُّوا األ َ َمانَا ِّ‬


‫ت إِّلَى أ َ ْه ِّل َها} إِّلَى قَ ْو ِّل ِّه تَعَالَى‪:‬‬ ‫عن أَبِّي ُه َري َْرة َ أنه قرأ {إِّ َّن َّ‬
‫علَى أُذُنِّ ِّه‬
‫ض ُع إِّ ْب َها َمهُ َ‬
‫ّللا صلى هللا عليه وسلم يَ َ‬ ‫سو َل َّ ِّ‬ ‫يرا} قَا َل‪َ :‬رأَيْتُ َر ُ‬ ‫ص ً‬ ‫س ِّميعًا بَ ِّ‬ ‫{ َ‬
‫َوالَّتِّي ت َ ِّلي َها َ‬
‫علَى َ‬
‫ع ْينِّ ِّه ‪.‬‬
‫‪ 14‬ـ التواصل البصري‪:‬‬
‫ال بد من توزيع النظر على الجمهور‪ .‬فعيناك هما الحبل الذي يربطك بهم‪ ,‬يعرفون من‬
‫خالله مدى اهتمامك بهم‪ ,‬وتعرف أنت من خالله مدى اهتمامهم بما تقول؛ وهذا يزيد‬
‫ثقتك بنفسك ويخلصك من االرتباك والتوتر ‪ .‬كما أن النظر في عيون المستمعين مباشره‬
‫يحفزهم على االنتباه ويجعلهم قادرين أكثر على استقبال ما تقول ‪.‬‬
‫‪15‬ـ االبتسامة المشرقة ‪:‬‬
‫االبتسامة من أبرز مظاهر الشخصية‪ ،‬فهي تكسب الثقة في الحال‪ ,‬وتُظهر حسن نية‬
‫المرء بسرعة‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫تقول حكمة صينية‪ " :‬من ال يستطيع االبتسام يجب أن ال يفتح متجرا ً‬
‫" فاالبتسامة المرحبة مطلوبة أمام الجمهور كما هي مطلوبة وراء اآللة الحاسبة في‬
‫المتجر‪.‬‬
‫هناك خطباء يتقدمون بأسلوب بارد متكلف وكأن عليهم القيام بمهمة مزعجة‪,‬‬
‫فيحمدون هللا عند انتهائهم‪ .‬ونحن أيضا ً كمستمعين نشعر بمثل ذلك‪ ,‬ألن هذه األساليب‬
‫تنتقل بالعدوى‪.‬‬
‫‪16‬ـ الهيئة والملبس‪:‬‬
‫في أحد البحوث أجمع كل األفراد أنهم عندما يكونون بمظهر الئق وأنيق يشعرون‬
‫بتأثير ذلك في منحهم الثقة بالنفس والرفع من تقديرهم الذاتي‪.‬‬
‫هذا هو تأثير المالبس على من يرتديها‪ ,‬فما هو تأثيرها على الجمهور ؟‬
‫ال شك أن لها أثرا ً عليه‪ ،‬فإذا كان الخطيب ال يعتني بملبسه‪ ,‬فإن الجمهور يُكن احتراما ً‬
‫ضئيالً لهذا اإلنسان مثلما يفعل هو لمظهره‪.‬‬
‫‪ 17‬ـ القضاء على قواطع االنتباه‪:‬‬
‫ال يستطيع الجمهور أن يقاوم إغراء التطلع إلى األشياء المتحركة أو الملفتة لالنتباه‪ .‬إذا‬
‫علم الخطيب هذه الحقيقة‪ ,‬فإن عليه أن يقوم باآلتي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬االبتعاد عن العبث بمالبسه والقيام بحركات عصبية تحط من قدره‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬يجب أن يتدبر الخطيب أمر جلوس الجمهور إذا أمكنه ذلك‪ ,‬لكي ال يجذب انتباههم‬
‫دخول المتأخرين‪.‬‬
‫‪ -18‬التدريب العملي‬
‫التطبيق العملي لهذه المهارات هو نقطة جوهرية وأساسية في اعتياد الشخص على‬
‫اإللقاء متبعا ً األصول والقواعد التي سبق ذكرها ‪ ،‬وبغير التدريب على تلك المهارات‬
‫وتكرار التدريب لن يتمكن الشخص من إتقانها‪ ،‬وستظل أمورا ً نظرية بالنسبة له ‪،‬‬
‫وسيفاجأ عند وقوفه أمام الجمهور بأنه قد نسى كل ما قرأه و درسه من تلك القواعد‬
‫والمهارات ‪.‬‬

‫* طريقة مبتكرة‪:‬‬
‫يستخدم بعض الخطباء المعاصرين رموزا ً ألساليب ومهارات اإللقاء والتوقف يقوم‬
‫بتدوينها بين جمل الخطبة‪ ,‬أو بإزائها في الهامش‪ ,‬وذلك أثناء التدرب المسبق على‬
‫‪25‬‬
‫الخطاب‪ ,‬أو يدونها على مالحظاته إذا استخدم طريقة المالحظات المساعدة التي سبق‬
‫ذكرها‪ .‬كما يمكن االستعانة باأللوان بدالً عن الرموز الخطية ؛ فعلى سبيل المثال ‪:‬‬
‫( ! ) أسلوب تعجب‬ ‫(‪ :) ..‬وقوف‬
‫( ؟ )‪ :‬أسلوب استفهام‬ ‫(‪ :)...‬وقوف طويل‬
‫( ترتيل )‪ :‬ترتيل اآلية‬ ‫( رفع )‪ :‬رفع مستوى الصوت‬
‫( إشارة )‪ :‬إشارة أو حركة إرادية‬ ‫( خفض )‪ :‬خفض مستوى الصوت‬
‫مناسبة‬
‫· وهذه مجرد أمثلة ولكل من يتصدى لإللقاء أن يستخدم ما يناسبه من الرموز‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫مهارات التشويق يف اإللقاء‬

‫يعد التشويق من العناصر المهمة في اإللقاء الخطابي ‪ ،‬وهو أحد أسرار تأثير الكالم ؛‬
‫ألنه العامل األكبر في جذب السامع والتأثير فيه ؛ ومن وسائل التشويق‪:‬‬
‫‪ )1‬األسئلة‬
‫سا‬ ‫فإنها تثير االهتمام عند المتلقي‪ ،‬وتحفزه للتفكير‪ ،‬وكلما كان السؤال عميقًا‪ ،‬مالم ً‬
‫لحاجات المتلقين؛ كان أكثر تحري ًكا لدواخلهم‪ ،‬وقد احتوى القرآن الكريم على أكثر من‬
‫ستمائة سؤال‪ ،‬لم يكن المراد في أكثرها الجواب‪ ،‬بل المراد هو التفكير‪.‬‬
‫يحرك أذهان سامعيه بأسئل ٍة يطرحها‪،‬‬ ‫وكثيرا ما كان المصطفى صلى هللا عليه وسلم ِّ‬ ‫ً‬
‫ع ْن أ َ ِّبي َب ْك َرة َ‬ ‫ولعل ِّمن ذلك ما ورد عنه في خطبة الحج كما عند البخاري في صحيحه َ‬
‫ي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪َ -‬ي ْو َم النَّحْ ِّر‪ ،‬قَا َل‪ « :‬أَت َ ْد ُرونَ‬ ‫‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قَا َل َخ َ‬
‫ط َبنَا النَّ ِّب ُّ‬
‫س ِّمي ِّه ِّبغَي ِّْر اس ِّْم ِّه‪ ،‬قَا َل‪:‬‬‫سي ُ َ‬ ‫ظنَنَّا أَنَّهُ َ‬ ‫ت َحتَّى َ‬ ‫س َك َ‬ ‫سولُهُ أ َ ْعلَ ُم‪ ،‬فَ َ‬ ‫ي َي ْو ٍم َهذَا »‪ ،‬قُ ْلنَا‪َّ :‬‬
‫ّللاُ َو َر ُ‬ ‫أ َ ُّ‬
‫ت‬ ‫س َك َ‬ ‫سولُهُ أ َ ْعلَ ُم‪ ،‬فَ َ‬
‫ّللاُ َو َر ُ‬‫ش ْه ٍر َهذَا »‪ ،‬قُ ْلنَا‪َّ :‬‬ ‫ي َ‬ ‫ْس يَ ْو َم النَّحْ ِّر؟ » قُ ْلنَا‪ :‬بَلَى‪ ،‬قَا َل‪ « :‬أ َ ُّ‬ ‫« أَلَي َ‬
‫ي بَلَ ٍد‬ ‫ْس ذُو ْال َح َّج ِّة »‪ ،‬قُ ْلنَا‪ :‬بَلَى‪ ،‬قَا َل‪« :‬أ َ ُّ‬ ‫س ِّمي ِّه ِّبغَي ِّْر اس ِّْم ِّه‪ ،‬فَقَا َل « ‪:‬أَلَي َ‬ ‫ظنَنَّا أَنَّهُ َ‬
‫سي ُ َ‬ ‫َحتَّى َ‬
‫ت‬ ‫س ْ‬ ‫س ِّمي ِّه ِّبغَي ِّْر اس ِّْم ِّه‪ ،‬قَا َل‪« :‬أَلَ ْي َ‬ ‫ظنَنَّا أَنَّهُ َ‬
‫سي ُ َ‬ ‫ت َحتَّى َ‬ ‫س َك َ‬‫سولُهُ أ َ ْعلَ ُم‪ ،‬فَ َ‬ ‫َهذَا؟»‪ ،‬قُ ْلنَا‪َّ :‬‬
‫ّللاُ َو َر ُ‬
‫علَ ْي ُك ْم َح َرا ٌم‪َ ،‬ك ُح ْر َم ِّة َي ْو ِّم ُك ْم‬ ‫ِّب ْال َب ْلدَةِّ ْال َح َر ِّام؟»‪ ،‬قُ ْلنَا‪َ :‬بلَى‪ ،‬قَا َل‪« :‬فَإِّ َّن ِّد َما َء ُك ْم َوأ َ ْم َوالَ ُك ْم َ‬
‫ش ْه ِّر ُك ْم َهذَا‪ ،‬في َبلَ ِّد ُك ْم َهذَا‪ِّ ،‬إلَى َي ْو ِّم ت َْلقَ ْونَ َربَّ ُك ْم‪ "...‬الحديث‪.‬‬ ‫َهذَا‪ ،‬في َ‬
‫‪ )2‬ذكر األرقام ذات الداللة‬
‫طبين‪ ،‬وذلك لما في‬ ‫وهذا ظاهر في أسلوبه عليه الصالة والسالم في جذب انتباه المخا َ‬
‫الرقم من اإلبهام واإلجمال‪ ،‬مما يستوجب التفكير في تفسير هذا المب َهم‪ ،‬وعندما يُذكر‬
‫المراد بهذا العدد يثبت ويستقر‪.‬‬
‫وم ْن هذا قوله صلى هللا عليه وسلم‪ « :‬منهومان ال يشبعان‪ :‬منهوم في علم ال يشبع‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫ومنهوم في دنيا ال يشبع»‪ .‬أخرجه الحاكم في المستدرك‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح على‬
‫شرط الشيخين ‪ ،‬ولم يخرجاه‪.‬‬
‫ّللاُ َي ْو َم ْال ِّق َيا َم ِّة َوالَ َي ْن ُ‬
‫ظ ُر ِّإلَ ْي ِّه ْم َوالَ يُزَ ِّكي ِّه ْم‬ ‫وقوله صلى هللا عليه وسلم" ‪:‬ثَالَثَةٌ الَ يُ َك ِّل ُم ُه ُم َّ‬
‫ث ِّم َر ٍار‪ ،‬قَا َل أَبُو‬ ‫ّللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬ثَالَ َ‬ ‫سو ُل َّ ِّ‬ ‫اب أ َ ِّلي ٌم" قَا َل ‪:‬فَقَ َرأَهَا َر ُ‬
‫عذَ ٌ‬ ‫َولَ ُه ْم َ‬
‫ان‪َ ،‬و ْال ُمن َِّف ُق ِّس ْلعَتَهُ‬ ‫ّللا؟ قَا َل" ‪ْ :‬ال ُم ْسبِّلُ‪َ ،‬و ْال َمنَّ ُ‬ ‫سو َل َّ ِّ‬ ‫ذَ ٍر‪ :‬خَابُوا َو َخس ُِّروا َم ْن ُه ْم يَا َر ُ‬
‫ب" رواه مسلم‪.‬‬ ‫ف ْال َكا ِّذ ِّ‬‫ِّب ْال َح ِّل ِّ‬

‫‪27‬‬
‫سولُهُ‬
‫ّللاُ َو َر ُ‬ ‫ان‪ :‬أ َ ْن يَ ُكونَ َّ‬ ‫وقوله صلى هللا عليه سلم" ‪:‬ثَالَ ٌ‬
‫ث َم ْن ُك َّن فِّي ِّه َو َجدَ َحالَ َوة َ ِّ‬
‫اإلي َم ِّ‬
‫س ْب َعةٌ ي ُِّظلُّ ُه ُم َّ‬
‫ّللاُ‬ ‫أ َ َحبَّ ِّإلَ ْي ِّه ِّم َّما ِّس َوا ُه َما‪ "...‬رواه البخاري‪ ،‬وقوله صلى هللا عليه سلم‪َ " :‬‬
‫فِّي ِّظ ِّل ِّه يَ ْو َم الَ ِّظ َّل ِّإالَّ ِّظلُّهُ ا ِّإل َما ُم ْال َعا ِّدلُ‪ "...‬رواه البخاري‬
‫‪ )3‬البدء بالمبهمات األخرى غير األرقام‬
‫مثل ‪:‬االسم الموصول‪ ،‬وضمير الشأن‪ ،‬كقول النبي صلى هللا عليه وسلم كما عند‬
‫البخاري في األدب المفرد‪" :‬المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من‬
‫الذي ال يخالط الناس وال يصبر على أذاهم" [قال الشيخ األلباني‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫"خير ِّم ْن الذي ال يخالط‬
‫ٌ‬ ‫هنا تشتاق النفس لمعرفة َم ْن هذا صفته‪ ،‬فعندما يقول بعدها‪:‬‬
‫الناس وال يصبر على أذاهم" يثبت ويستقر المعنى‪ ،‬ومن هذا قول أبي العالء المعري‪:‬‬
‫والذي حارت البرية فيه حيوان مستحدث من جماد‬
‫ومثله ضمير الشأن والقصة‪ ،‬وهو الذي لم يتقدم لمرجعه مذكور‪ ،‬مثل قول الخطيب‪:‬‬
‫إنه ألمر جلل‪ ،‬وإنه لحدث عظيم‪ ...‬فهذا يثير عند السامع حب معرفة هذا الذي يتحدث‬
‫عنه الخطيب‪.‬‬
‫‪ )4‬استخدام أدوات التنبيه‬
‫مثل‪) :‬أالَ) و(هال) و(أما)‪ ،‬فإنها تثير انتباه السامع‪ ،‬وتجعله يحضر سمعه وقلبه ِّ‬
‫لتلقي‬
‫وم ْن هذا قوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬أَالَ أُن َِّبئ ُ ُك ْم ِّبأ َ ْك َب ِّر ْال َك َبا ِّئ ِّر (ثَالَثًا)‪ "...‬رواه‬
‫الكالم‪ِّ ،‬‬
‫البخاري‪.‬‬
‫سم‬‫‪ )5‬القَ َ‬
‫المتلقي ترتفع‪ ،‬وأهمية الموضوع عنده‬ ‫ِّ‬ ‫ئ به الكالم؛ فإن درجة االستعداد عند‬ ‫فإنه إذا بُد َ‬
‫ّللا الَ‬
‫ّللا الَ يُؤْ ِّم ُن‪َ ،‬و َّ ِّ‬
‫ّللا الَ يُؤْ ِّم ُن‪َ ،‬و َّ ِّ‬
‫"و َّ ِّ‬
‫تعلو‪ ،‬ولعل ِّمن هذا قوله صلى هللا عليه وسلم‪َ :‬‬
‫يُؤْ ِّم ُن"‪ ،‬قِّي َل‪َ :‬م ْن يَا َر ُ‬
‫سو َل َّ ِّ‬
‫ّللا؟ ‪ "...‬رواه البخاري‪.‬‬
‫‪ )6‬التكرار لجملة أو عبارة‬
‫طب‪ ،‬ويشعره بأهمية الكالم‪ ،‬ويغريه باالستماع له ‪،‬‬ ‫يوجد اهتما ًما لدى المخا َ‬
‫فإن ذلك ِّ‬
‫وم ْن ذلك ما ذكرنا في األسلوبين السابقين‪.‬‬
‫ِّ‬

‫‪28‬‬
‫‪ )7‬السكت الخفيف‬
‫فهذا يبعث الحياة في القلوب الساكنة‪ ،‬فعندما يتعجب الخطيب‪ ،‬أو يسأل ثم يسكت‪ ،‬فما‬
‫وم ْن هذا ما ورد عنه صلى هللا عليه وسلم في خطبة الحج‬ ‫أعظم أثر هذا السكت‪ِّ ،‬‬
‫سولُهُ أ َ ْعلَ ُم‪.‬‬ ‫ي َي ْو ٍم َهذَا»‪ .‬قُ ْلنَا‪َّ :‬‬
‫ّللاُ َو َر ُ‬ ‫«أَت َ ْد ُرونَ أ َ ُّ‬
‫س ِّمي ِّه ِّبغَي ِّْر اس ِّْم ِّه‪ .‬فتأمل كيف بعث هذا السكت كل هذه المعاني‬ ‫ظنَنَّا أَنَّهُ َ‬
‫سي ُ َ‬ ‫ت َحتَّى َ‬ ‫س َك َ‬ ‫فَ َ‬
‫في نفوس الصحب الكرام رضي هللا عنهم أجمعين‪.‬‬
‫‪ )8‬القصة‬
‫فإن في القصة من التأثير ما ال يستطيع المستمع دفعه‪ ،‬إذا أحسنَ الملقي استثمار ذلك‪،‬‬
‫ً‬
‫موجزا مه ًّما من أحداث القصة‪ ،‬دون أن يُفصح عن تفاصيلها‪،‬‬ ‫ومن هذا أن يذكر حدثًا‬
‫فهذا مما يشد السامع ويؤثر فيه ويشوقه لمعرفة تفاصيلها‪ ،‬و َم ْن تأمل أول قصة أصحاب‬
‫الكهف أدرك ذلك‪.‬‬
‫‪ )9‬البدء بعبارات تُبيِّن أهمية الموضوع وخطورته وعالقته بالمتلقي‬
‫كأن يقول المتكلم‪" :‬سنحدثكم اليوم عن أمر جلل‪ ،‬يهم الصغير والكبير"‪ ،‬فإن مثل هذا‬
‫األسلوب يجتذب انتباه السامع‪ ،‬ألنه يهمه ويتعلق به‪ ،‬ولعل مما يمثِّل هذا قول النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم كما في مسند اإلمام أحمد‪" :‬ويل للذي يحدث القوم ثم يكذب‬
‫ليضحكهم‪ ،‬ويل له وويل له" قال شعيب األرنؤوط‪ :‬إسناده حسن‪.‬‬
‫ار ‪-‬‬ ‫"و ْي ٌل ِّلأل َ ْعقَا ِّ‬
‫ب ِّمنَ النَّ ِّ‬ ‫وقوله صلى هللا عليه وسلم كما عند البخاري في صحيحه‪َ :‬‬
‫َم َّرتَي ِّْن أ َ ْو ثَالَثًا‪".‬‬
‫ضا في صحيحه‪ :‬أنه صلى هللا عليه وسلم دخل على زينب بنت‬ ‫وجاء عند البخاري أي ً‬
‫ب‪ ،‬فُتِّ َح ْاليَ ْو َم ِّم ْن َر ْد ِّم‬ ‫ب ِّم ْن ش ٍَر قَ ِّد ا ْقت ََر َ‬ ‫ّللاُ‪َ ،‬و ْي ٌل ِّل ْل َع َر ِّ‬
‫عا يَقُولُ‪« :‬الَ ِّإلَهَ ِّإالَّ َّ‬ ‫جحش فَ ِّز ً‬
‫َب ا ْبنَةُ َجحْ ٍش‪:‬‬ ‫ت زَ ْين ُ‬‫اإل ْب َه ِّام َوالَّتِّي ت َ ِّلي َها‪ ،‬قَالَ ْ‬
‫ص َب ِّع ِّه ِّ‬‫َيأ ْ ُجو َج َو َمأ ْ ُجو َج ِّمثْ ُل َه ِّذ ِّه»‪َ ،‬و َحلَّقَ ِّبإِّ ْ‬
‫ْث‪».‬‬ ‫صا ِّل ُحونَ ؟ قَا َل‪« :‬نَ َع ْم‪ِّ ،‬إذَا َكث ُ َر ْال ُخب ُ‬ ‫ّللا‪ ،‬أَنَ ْه ِّلكُ َو ِّفينَا ال َّ‬
‫سو َل َّ ِّ‬ ‫فَقُ ْلتُ ‪َ :‬يا َر ُ‬
‫‪ )10‬إخفاء بعض المعلومات المهمة عن المستمعين بغية توضيحها بعد ذلك‬
‫كأن يقول الملقي ‪" :‬هل تدركون أيها المؤمنون أن ضحايا التدخين في بالدنا تجاوز‪...‬‬
‫المروع‪ ،‬لكني سأجلي ذلك في كالمي‬
‫ِّ‬ ‫ثم يسكت قليالً‪ ،‬ثم يقول‪ :‬ال أستطيع ذكر هذا الرقم‬
‫معكم‪".‬‬

‫‪29‬‬
‫إعداد اخلطيب‬

‫إن إعداد الخطيب أو تكوين صاحب القلم مهمة ليست سهلة وعمل ليس بالهين‬
‫فالفكر واإلبداع والقدرة على اإلقناع إعمال ال يجيدها كل الناس ‪ ،‬وال يحسنها إال صفوة‬
‫معينة كما أن الخطيب الناجح والكاتب البارع البد له من فطرة مواتية وطبيعية مالية‬
‫وموهبة دافعة حتى يكون ذلك أساسا لبناء فكري وصياغة عقلية ‪ ،‬ينطلق منها بيانه‬
‫وينشرح بها لسانه وتأتي بعد ذلك دراسة وتربية وتدريب وتكوين ‪ ،‬وإعداد وتهذيب ‪،‬‬
‫وإحاطة ومعرفة ‪ ،‬وثقافة وإطالع ‪ ،‬تصقل المواهب ‪ ،‬وتنير الطبيعية ‪ ،‬وتوقد الفطرة‬
‫‪ ،‬وتغذي الميول ‪.‬‬
‫أهمية معرفة الميول ‪:‬‬
‫الناس يولدون ومعهم بعض الصفات الموروثة من آبائهم ‪ ،‬ومعهم كذلك بعض‬
‫الميول والرغبات التي يمن هللا بها على البشر ‪ ،‬ولعمارة األرض وسعادة اإلنسان تتنوع‬
‫الرغبات وتختلف الميول حتى يفيد هللا الناس بعضهم من البعض‪.‬‬
‫والخطيب واحد من الناس الذين يولدون بصفات وميول ولكنها ميول وصفات‬
‫تعينه على أن يكون إنسانا ً اجتماعيا ً حساسا ً شجاعا ً مؤثرا ً رائدا ً مبينا ً خطيبا ً صاحب‬
‫قدرة على إثارة مشاعر الناس واستمالتهم نحو فكرته بكالمه وإلقائه ‪.‬‬
‫وتظهر هذه الميول بمالحظة سلوك األفراد وتصرفاتها في الحياة وفي مخالطتها‬
‫للجماعات واألفراد بواسطة النشطة المختلفة ‪ .‬األنشطة االجتماعية ‪ ،‬األنشطة الكشفية‬
‫‪ ،‬األنشطة الرياضية ‪ ،‬واإلعالمية ‪.‬‬
‫دور التعلم في الخطابة ‪:‬‬
‫قد تأتي الخطابة بالتعلم والدراسة والتمرين ‪ ،‬فقد وجد كثير من الخطباء قد‬
‫أحاطوا بقواعد علم الخطابة وتدربوا على فن المشافهة ومواجهة الجماهير وبذلك‬
‫صاروا خطباء باالستعداد ‪ .‬والعلوم الحديثة اليوم تعتمد في تعليمها على المنهج النظري‬
‫والعملي والخطيب او الداعية اليوم يمكنه أن يبرع وأن يملك زمام الكلمة بشيء من‬
‫ا لدراسة والمران كما يمكنه أن يتغلب إذا أراد على خجله وحتى على عيوبه الخلقية‬
‫‪,‬من فأفأة ولثغة إذا صحت عزيمته وأدام صبره وجلده‪.‬‬
‫ورياضة النفس على الخطابة تكون بأمور كثيرة منها ‪:‬‬
‫بعض تلك الرياضة يتعلق باإللقاء ‪ ،‬وبعضها يتعلق باألسلوب والفكرة ألن الخطابة‬
‫فكرة و أسلوب وإلقاء محكم ‪ ،‬ومن الرياضة التي تتعلق بالفكرة ‪ ،‬أن يعود نفسه ضبط‬
‫‪30‬‬
‫أفكاره ‪ ،‬ووزن آرائه ‪ ،‬وعقد صلة بينها وبين ما يجري في شئون الناس ‪ ،‬وعامة‬
‫أمورهم ليكون على أهبة القول الخطابي إن وجدت دواعيه ‪ ،‬ومنها أن يكون كثير‬
‫التأمل في شئون الحياة عميق الفكرة فيها ‪ ،‬كثير الدراسة ألحوالها ‪ ،‬وأن يعود نفسه‬
‫االتصال بالناس ليخلط نفوسهم بنفسه فيحس بإحساسهم قريبا منهم ‪ ،‬إن وجد ما يدعو‬
‫إلى خطابهم ‪ ،‬ومن الرياضة التي تتعلق باألسلوب أن يتحدث بجيد الكالم ‪ ،‬أو يكتبه‬
‫كثيرا ‪ ،‬وأن يكون في مرانه الخطابي محاكيا البلغاء في أساليبهم ‪ ،‬أو مقتبسا منهم ‪ ،‬أو‬
‫سائر في مثل دربهم ‪.‬‬
‫* ومن الرياضة التي تتعلق باإللقاء ‪:‬‬
‫يعود نفسه إخراج الحروف من مخارجها وأن يقرأ كل ما يستحسنه بصوت مرتفع‬ ‫أن َّ‬
‫مصورا بصوته معاني ما يقرأ بتغيير النبرات ‪ ،‬وبرفع الصوت وخفضه ‪ ،‬وأن يغشى‬
‫الجماعات والمحافل التي تكون ميادين قول ‪ .‬وإذا عنت له فكرة ووجد الفرصة سانحة‬
‫فليقل غير هياب وال مستحي ‪ ،‬فإن اال ستحياء في هذا النوع من الضعف ‪ ،‬وهو إلى‬
‫الحبسة ‪ ،‬وموت المواهب ‪ ،‬وعليه أن يقول مرتجال ما استطاع إلى ذلك سبيال وإن‬
‫ضعف أسلوب ارتجاله ‪ ،‬أو إصابته حبسة مرة فال ييأس من أن يجيد مرتجال‪.‬‬
‫كيفية اكتشاف المواهب واستثمارها ‪:‬‬
‫إن معرفة الميول في الصغر شيء ليس بالهين ألن الطفل عالم صامت ال يحسن‬
‫التعبير عن رغبته ‪ ،‬وال يستطيع التمييز بينها بسهولة ويسر ‪ ،‬ومعرفة مواهبه وقدراته‬
‫تحتاج إلى أخصائيين مدربين يمتازون بالذكاء والخبرة ‪ ،‬ويتبعون نظما مرتبة ومتعددة‬
‫في الكشف عن هذه المواهب ‪.‬‬
‫ولذلك من المهم التدريب منذ الصغر على القراءة وعلى التحصيل وعلى‬
‫استعمال الكتب وإخراج المعلومات التي تخدم موضوعا معينا ً ‪ ،‬باإلضافة إلى تعلم‬
‫كيفية تدوين المالحظات وتصنيف المعلومات التي يحصل عليها الطالب ‪ ،‬وكيف يمكن‬
‫للقارئ أن ينشئ من هذه المعلومات موضوعات معينة‪.‬‬

‫* التدريب على الخطابة والكالم ويأتي من عدة أمور منها‪:‬‬


‫أ) سماع كثير من أقوال الخطباء وخاصة من يرتاح إليهم في الموضوعات التي يجب‬
‫سماعها ‪ ،‬وذلك بأن يذهب إلى األماكن إلى يخطب فيها هؤالء الخطباء ‪ ،‬والسماع‬
‫المباشر مهم وذلك يكون أفضل ‪ ،‬أو بسماع أشرطة لهؤالء الخطباء أو برؤيتهم على‬

‫‪31‬‬
‫شاشات التلفاز ‪ .‬وممكن ترتيب زيارات لهؤالء في منازلهم والتعرف عليهم فذلك يزيد‬
‫الثقة بالمتعلم ويؤدي إلى سماع النصائح التي ستلقي عليهم‪.‬‬
‫ب) المشاركة في إذاعة المدرسة وتقديم األحاديث الصباحية في طوابير أخبار‬
‫الصباح أو قراءة بعض فقرات من المجالت ‪ ،‬والكالم في المناسبات الوطنية والدينية‬
‫‪ ،‬وتوجيه الطالب إلى ما يجب أن يكونوا عليه في المدرسة وخارجها وإلقاء التوجيهات‬
‫المدرسية التي تود اإلدارة إبالغها للطالب ‪.‬‬
‫ج) المشاركة في التمثيليات التي تلقى باللغة الفصحى وهذه تعود على اإللقاء وعلى‬
‫مواجهة الجماهير ‪ ،‬أو التي تلقي بالعامية وتلك تعود على مواجهة الجماهير فقط‪.‬‬
‫د) إقامة جمعية للخطابة في المدرسة ضمن الجمعيات الثقافية المختلفة ‪ ،‬وتدريب‬
‫الطالب على ممارسة الخطابة بأصولها ‪ ،‬ودراسة مشاهير الخطباء واالستفادة من‬
‫خطبهم والحث على المطالعات في هذا الشأن وسماع خطب الطالب والتعليق عليها‪.‬‬
‫هـ) حث الطالب على تحضير الموضوعات المختلفة والتمرين عليها في المنزل ‪ ،‬بينه‬
‫وبين نفسه أو أمام أسرته ‪ ،‬ثم يأتي ليلقيها أمام إخوانه في المدرسة أو في الحفل ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫ثقافة اخلطيب‬

‫أوالً ‪:‬القرآن الكريم وتفسيره ‪:‬‬


‫البد للخطيب من االطالع على الثقافات المختلفة وأولها القرآن الكريم كالم هللا‬
‫تعالى ووحيه غير مشوب بأوهام البشر وال بأهوائهم ‪ ،‬مبرأ من التحريف والتبديل { ِّإنَّا‬
‫ظونَ } (‪ )9‬سورة الحجر ومنزه عن النقص والقصور فهو‬ ‫نَحْ ُن ن ََّز ْلنَا ِّ‬
‫الذ ْك َر َوإِّنَّا لَهُ لَ َحافِّ ُ‬
‫إذن الخير الخالص والنور الصافي ليس لجبريل منه إال النقل وال لمحمد منه إال التلقي‬
‫علَى‬ ‫ين} (‪َ { )193‬‬ ‫ب ْال َعالَ ِّمينَ } (‪{ )192‬نَزَ َل ِّب ِّه ُّ‬
‫الرو ُح ْاأل َ ِّم ُ‬ ‫{و ِّإنَّهُ لَت َِّنزي ُل َر ِّ‬
‫والتبليغ َ‬
‫ين} (‪ )195‬سورة الشعراء‬ ‫ع َر ِّبي ٍ ُّم ِّب ٍ‬
‫ان َ‬
‫س ٍ‬‫قَ ْل ِّب َك ِّلت َ ُكونَ ِّمنَ ْال ُمنذ ِِّّرينَ } (‪ِّ { )194‬ب ِّل َ‬
‫فالقرآن الكريم يحمل العلم الهي والحكمة الربانية والقدرة األزلية المتصفة بالكمال‬
‫والجالل والمنعوتة بالتوفيق والهداية والمنزهة عن كل قصور ونقص ‪.‬‬
‫واجب الخطيب أن يجيد حفظ القرآن ويحسن تالوته وتجويده ‪،‬فإذا لم يستطع أن‬
‫يحفظه كله حفظ بعضه فإذا لم يستطع داوم على قراءته واستحضر االستشهاد به كما‬
‫يجب عليه أن يدرس تفسيره ويتدبر آياته ويقف على أسباب نزولهويتعرف على أحكامه‬
‫‪،‬ويستبصر أوامره ونواهيهه‪.‬‬
‫و يستحسن أن ال يقتصر الداعية على تفسير واحد ‪ ،‬فكل تفسير فيه ناحية من‬
‫نواحي العلم ‪ ،‬وفيه فتح معين من الفتوحات اإللهية التي يعطيها هللا صاحب النظر‬
‫المخلص في كتابه فهناك تفاسير تميل إلى تفسير القرآن بالقرآن وهناك تفاسير تجنح‬
‫إلى التفسير بالمأثور ‪ ،‬وهناك تفاسير أخرى تميل إلى التفسير بالرأي ‪.‬‬
‫* نصائح للخطباء بشأن التفاسير ‪:‬‬
‫ومما ينبغي أن يلفت إليه الداعية في هذه التفاسير ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬االهتمام في هذه التفاسير بالنواحي العملية ال الجدلية أو الكالمية فكل أمر يجنح أليه‬
‫المفسر ال ينبني عليه عمل فهو من األمور التي نهينا عنها شرعا ً ‪ ،‬فقد يكون الجدال‬
‫للوصول إلى الحق في مسألة تهم المسلمين وتدفعهم إلى العمل بما يصلحهم ويسعدهم‬
‫ويرفع شأنهم ‪ ،‬وهذا شيء محبوب ‪ ،‬لكن قد يكون الجدل في أمور فرعية ‪ ،‬وكل يستند‬
‫فيها إلى دليل ‪ ،‬والتعصب فيها يؤدي إلى فرقة المسلمين وذهاب ريحهم وضعف‬
‫وحدتهم ولفتهم عن العمل الجاد ‪ ،‬فهذا ينبغي أن توضع له حدود وضوابط حتى ال يؤدي‬
‫إلى عكس مطلوب ويفسد الود بين المسلمين‪.‬‬
‫‪ -2‬االبتعاد عن االسرائليات – أرادت اليهود بما لها من دهاء أن تفسد على المسلمين‬
‫دينهم ‪ ،‬فعمدت إلى سالح الدس والتحريف – وهذه صنعتهم من قديم ورثوها كابرا ً عن‬
‫‪33‬‬
‫كابر – فألقت اسرائليات مختلفة وفاسدة في غفلة من المسلمين فصادفت بعض األغرار‬
‫فملؤوا بها كتبهم على أنها من علم أهل الكتاب ‪.‬‬
‫‪ -3‬الحذر من اآلراء الشاذة والروايات الضعيفة واتقاء الواهي من األقوال الشاردة‬
‫والتأويالت المتهافتة التي تنسب إلى بعض الصحابة أو التابعين وليس لها سند صحيح‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬السنة المطهرة ‪:‬‬
‫السنة هي المصدر الثاني للداعية بعد القرآن الكريم وهي شارحة القرآن ومبينة له‬
‫ومفصلة لما أجمل منه ‪ ،‬كما إنها قصة كفاح وخالصة تجارب ألعظم داعية وأكرم‬
‫عقل في الوجود ‪ ،‬كما إنها نفحات قدسية وتوجيهات ربانية وتجليات إلهية لفهم القرآن‬
‫وتوجيهه في الحياة ليعمل عمله في آالء الكون وسنن االجتماع وعلل النفوس ومشكالت‬
‫الحياة وضروب اإلصالح وسياسة األمم ورسم الطريق المستقيم‪.‬‬
‫ولهذا كانت السنة زادا ال ينفذ من العطاء الغامر والفيوضات الكريمة التي‬
‫يحتاجها كل مسلم وينتفع بها كل بشر في هذا العالم المضطرب المائج باألهواء والفتن‬
‫والحروب واالحن‪.‬‬
‫والسنة والحمد هلل مدونه ومحفوظة وممحصة قام على صيانتها رجال األمة‬
‫اإلسالمية من العلماء الفاضل وأودعوها اسفارا كثيرة ومجلدات متعددة ‪ ،‬ولكن ينبغي‬
‫للخطيب الداعية أن ينتقي منها األهم مثل الكتب الستة ‪ ،،‬وموطأ مالك ومسند الدرامي‬
‫ومسند احمد ‪.‬‬
‫* توجيهات مهمة للخطباء والدعاة في االستشهاد بالسنة‪:‬‬
‫‪ -1‬الحذر من األحاديث الواهية والمنكرة والموضوعة وكتب الصحاح كثيرة وكتب‬
‫التخريج مطبوعة اآلن ومحققة فيجب على الداعية أن يكون عنده دربه بها‪.‬‬
‫وليتقي الداعية المشاركة في الكذب على رسول هللا ‪ ‬وإدخال في الدين ما ليس‬
‫منه بروايته للموضوعات أو الضعاف ‪ .‬لقوله رسول هللا ‪ " ‬من كذب على متعمدا‬
‫فليتبوأ مقعده من النار "‪.‬‬
‫لذا من األفضل أن يلجأ الخطيب إلى كتب األحاديث الصحيحة كالبخاري ومسلم‬
‫ويأخذ منها أو إلى الكتب التي خرجت وحكم فيها على صحة الحديث أو ضعفه‬
‫والموثوق بها ‪ ،‬ويأخذ منها الصحيح ويدع ما فيه مقال ‪ ،‬حتى يسلم ويغنم‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ -2‬تجنب األحاديث التي ال تعيها عقول جمهور الناس لغير ضرورة‬
‫ينبغي على الداعية الخطيب أن يعني باألحاديث التي لها صــلة بواقع الناس ومقتضــى‬
‫حالهم ‪ ،‬وبتحري البعد عن المتشـابهات والمشـكالت وما ال تبلغه عقول عامة الناس إذا‬
‫كان الحديث معهم‪.‬‬
‫أخرج البخاري عن على بن أبي طالب رضي هللا عنه قال ‪ " :‬حدثوا الناس بما‬
‫يعرفون أتحبون أن يكذب هللا ورسوله ؟ " ‪.‬‬
‫وأخرج مسلم عن عبدا هلل بن مسعود رضي هللا عنه ‪ ،‬قال ‪ " :‬ما أنت‬
‫بمحدث قوما حديثا ال تبلغه عقولهم إال كان لبعضهم فتنة "‪.‬‬
‫‪ -3‬البد من وضع األحاديث في موضعها وفهمها على وجهها الصحيح وبعض‬
‫األحاديث ال تفهم منفردة أو ال تفهم بعيدا عن أصول اإلسالم العامة وتعاليمه‪.‬‬
‫وقد يوهم ظاهر بعض األحاديث شيئا معينا عند بعض الناس غير الدارسين لإلسالم‬
‫والعالمين بأحكامه ومبادئه ‪ .‬فينبغي االنتباه لهذه األمور والتدقيق فيها‪.‬‬

‫ثالثا ً ‪ :‬السيرة النبوية ‪:‬‬


‫أما عن كتب السيرة والنبوية فهي كثيرة ويجب على الداعية دراستها وبخاصة‬
‫التركيز على الناحية العملية منها والتركيز كذلك على المثل والقدوة والخطوات والخطة‬
‫التي انتهجت من قبل رسول هللا ‪ ‬في كيفية تبليغ الدعوة إلى هللا تعالى في وسط الناس‬
‫كلهم ‪ ،‬على اختالف مشاربهم وعاداتهم وأفهامهم ‪ ،‬وكيف كان الرسول ‪ ‬يتبع األسباب‬
‫ويسير حسب قوانين هللا سبحانه في الكون‪ ،‬ويعد لكل شيء عدته‪،‬وكيف كان الرسول‬
‫‪ ‬يجسم اإلسالم واقعا عمليا معاشا ‪ ،‬وتطبيقا فعليا ملموسا ال شعارات وأحالما تراود‬
‫االفهام واألفكار ‪ ،‬كما نجد جيال وأمة صنعها اإلسالم تسير بالمثل وتتحرك بالتعاليم‬
‫وترفع لواء الحق وتنادي به في غير عنت أو إرهاق أو تعسير أو مشقة أو انعزال على‬
‫الحياة وعن نعيمها وما فيها وقد أقام الرسول ‪ ‬بهذه التعاليم وهذه الرسالة دولة على‬
‫أفضل نظام ووفق منهاج وحصنها بالقوة والعزة ورفع لواءها بجند الرحمن وكتيبه‬
‫اإليمان‪.‬‬

‫رابعا ً ‪ :‬الفقه واألحكام الفقهية ‪:‬‬


‫ينبغي على الداعية أن يتصل بالعلوم الفقهية وأن يدرس األحكام اإلسالمية بأدلتها‬
‫من كتب الفقهاء حتى يستطيع الداعية اإلسالمي أن يرد الشبه والبدع والمنكر ‪ ،‬وأن‬
‫‪35‬‬
‫يأمر بالصواب ويبتعد عن الخطأ ‪ ،‬وال يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر إال بأمر يعلمه‬
‫حق العلم ويعرف وجوهه المختلفة وآراءه المتعددة‪.‬‬

‫خامسا ً ‪ :‬الملل والنحل ‪:‬‬


‫العالم ملئ باألهوال والشهوات ومفعم باألحقاد واألضغان والمظالم ‪ ،‬ولهذا‬
‫فالمذاهب والنحل والملل والصيحات ‪ ،‬تجري فيه جريان الماء وتسري فيه سريان‬
‫الهواء ‪ ،‬وكثير منها تحمل أدرانهم وأمراضهم‪.‬‬
‫البد للداعية الخطيب أن يكون على دراية وعلم بمذاهب الدجالين والسحرة ‪،‬‬
‫وأن يكون خبيرا بخدع المشعوذين والكهنة من أرباب الملل والنحل الضالة فيكشف‬
‫ضاللهم ويعري بهتانهم ويجلي أطماعهم ويقذف بالحق عليها فيدمغها ‪ ،‬ويطلع شمس‬
‫الحقيقة الزاهية الوضاحة فتبدد ظالم الجهالة ودياجير الضالالت‪.‬‬
‫سادسا ً ‪ :‬اللغة العربية وعلومها ‪:‬‬
‫يجب على الخطيب أن يدرس علوم اللغة درسا ً جيدا ً يحول بينه وبين اللحن‬
‫والخطأ وعلوم اللغة كثيرة ومتعددة بعضها يتعلق بالتراكيب اللفظية وطرق تحسينها‬
‫وبعضها يرجع إلى قواعد اللغة ومتنها ‪ ،‬والمراد أن يأخذ الخطيب منها قدرا ً يجعله‬
‫على بينه من صحة لفظه وفصاحته وقوة تأثيره كما يستحب أن يداوم الداعية الخطيب‬
‫االطالع على التراث العربي األدبي من خطابة وشعر ومساجالت ومحاورات ‪ ،‬حتى‬
‫يكون صاحب ثروة لغوية تفيد في سهولة التعبير وحسن التصرف وإيضاح المعنى‬
‫وقوة الـتأثير في المستمعين‪.‬‬
‫سابعا ً ‪ :‬العلوم اإلنسانية‪:‬‬
‫نقصد بالعلوم اإلنسانية العلوم التي لها صلة باإلنسان والمجتمع الذي يكون من‬
‫حوله والذي يعيش فيه ويخالطه ‪ ،‬والواقع أن الخطيب سواء كان اجتماعيا أو سياسيا‬
‫أو دينيا يجب أن يكون ملما ً بكل ما له صلة بالجماعة التي يخاطبها ليعرف نواحي‬
‫التأثير فيها ‪ ،‬والمواطن التي تكون مدخل الخطيب أو مخرجه في حديثه إليهم‪.‬‬
‫ومن تلك العلوم علم التاريخ وعلم االجتماع ‪ ،‬وعلم النفس وعلم المنطق وعلم‬
‫االجتماع ‪ ،‬الذي يستطيع به اإلنسان أن يدل على الجمال في مخلوقات هللا وأن يميز‬
‫بين الحسن والقبيح وأن يضفي صفة الجمال على كل شيء في الحياة ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫الصفات الفكرية والعقلية للخطيب‬

‫‪ -1‬قوة الذاكرة ‪:‬‬


‫يحتاج الخطيب والداعية إلى الذاكرة القوية الواعية التي تساعده في تأدية رسالته فعمل‬
‫الداعية والخطيب يعتمد اعتمادا ً كليا ً على البديهة وحسن التصرف وإيراد الحجة ‪ ،‬كما‬
‫يعتمد على مالحظة جمهوره ومعرفه أحوالهم وميولهم ونزعاتهم فيجب أن تكون‬
‫نظرات الخطيب إلى سامعيه نظرات فاحصة كاشفة يقرأ في وجوههم خطرات القلوب‬
‫ووساوس النفوس ‪ ،‬ويلمح في عيونهم الرضي أو السخط ‪ ،‬واإلقناع أو األعراض ‪،‬‬
‫لهذا يجب أن تسعفه بديهته بالمطلوب ويلفته عقله بالمراد ‪ ،‬وتنبهه فطنته إلى البحث‬
‫عن الدليل المقنع والحجة البالغة القاطعة‪.‬‬
‫‪ -2‬سعة المعارف ‪:‬‬
‫ا لخطيب الداعية إلى اإلسالم يحتاج على علم وسعة اطالع وحسن تدبر في األمور ‪،‬‬
‫ألنه مجاهد سالحه العلم وعدته الثقافة بجانب عدته اإليمانية واألخالقية‪.‬وألنه معلم‬
‫يبذل عطاء ويلقن معرفته فكيف يكون ذلك عند إنسان ال عطاء له وال علم عنده ‪.‬‬
‫وال تكفي مجرد المعرفة عند الخطيب الداعية بل البد من الخبرة وحسن النظر في‬
‫األشياء ‪ ،‬كما يجب أن يكون عنده الفقه في هذه المعرفة ‪ ،‬حتى يستطيع أن يكون عنده‬
‫موازنة وحسن تقدير لألحوال واألمور ‪ ،‬وهي ما نسميه الحكمة ‪ ،‬التي يعطيها هللا‬
‫الدعاة إليه ‪ ،‬بعد أن يكونوا أهالً لها‪.‬‬
‫كما يجب أن يعلم الداعية أن العلم هو روح حياته وسر حركته وقوة دفعه وداللة‬
‫فضله ‪ ،‬وأول ما يجب أن يعلمه الخطيب الداعية هو دينه ورسالته ودعوته وما يحيط‬
‫بها من معارف أي يكون عنده ثقافة إسالمية ‪ ،‬يكون مصدرها ومحورها اإلسالم ألن‬
‫اإلسالم هو المادة وهو الدعوة التي يصول بها الداعية ويجول ويبلغها للناس وهذا أمر‬
‫منطقي حيث أن الداعية الذي يدعو إلى اإلسالم البد أن يعرف ما اإلسالم الذي يدعو‬
‫إليه ؟ تعاليمه وحدوده وأوامره ونواهيه ‪ ،‬وأهدافه وغاياته ؟ وال بد أن يكون متمكنا ً‬
‫عميقا ً صاحب فكر وملكة ‪ ،‬وذكاء وفطنة ‪ ،‬يستمد معرفته من ينابيع الثقافية اإلسالمية‬
‫األصيلة ومن مصادره الحقة بعيدا عن الشطحات أو التنطعات ومتجاوزات لتأويل‬
‫الجاهلين وانتحال المبطلين ‪ ،‬وهوس المغالين ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫‪-3‬قوة المالحظة ‪:‬‬
‫يجب أن يكون الخطيب قوي المالحظة ‪ ،‬ذا نظرات ثاقبة فيمن حوله وعلى‬
‫أرض الواقع الذي يعيش فيه ‪ ،‬فيرى على صعيد األرض التي يعيش فيها واقعها ‪،‬‬
‫ليستطيع أن يخاطب أهلها ويستطيع أن يرسم منهجه العلني ويلقي كلمته المؤثرة الفاعلة‪.‬‬
‫ويرى على صعيد المحيطين به ‪ ،‬المخلص من المنافق من الذي يريد أن يضلله أو‬
‫يوقعه في خطأ أو في إشكال أو في أوهام تفسد عليه علمه ودعوته ‪ ،‬كما يرى‬
‫المتربصين والحاقدين يرى على صعيد جمهوره ما يؤثر فيهم عند إلقاء خطبته وقبلها‪.‬‬
‫أما قبلها فيعرف مقتضى حالهم فيختار لهم ويتنزل بأسلوبه وموضوعه أو يرتفع‬
‫حسب ثقافتهم وقدرتهم العقلية وتخصصاتهم ‪ ،‬وأما حين إلقاء الخطبة فيعرف هل هم‬
‫مقبلون عليه فيسترسل أم مدبرون عنه ومعرضون فيوجز ؟ أو يتجه ناحية أخرى يراها‬
‫أقرب إلى قلوبهم وأدنى إلى مواطن التأثير فيهم ‪ ،‬وفي الحديث عن النبي ‪ ‬أنه قال ‪:‬‬
‫" إن هللا يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات ويحب العقل عند حلول الشهوات "‪.‬‬
‫‪ -4‬حضور البديهة ‪:‬‬
‫تأتي من شدة الذكاء وشدة المالحظة وحسن معرفة أحوال الناس وطباعهم‬
‫وشجاعة الخطيب وفهمه لدعوته ورسوخ موقفه ووضوح غايته وتمكن علمه ‪ .‬فكثيرا‬
‫ما يفاجأ الخطيب بما لم يتوقع مما يسوؤه أو بفرحه فكيف يتصرف وكيف يكون موقفه‬
‫وإجابته ؟ قد يحدد ذلك نجاحه أو إخفاقه ‪ ،‬أو تحول القلوب إليه أو انصرافها عنه ‪ .‬قد‬
‫يلقي الخطيب خطبته فيعقب عليه معقب أو يعترض معترض فإذا لم تقدم البديهة‬
‫الحاضرة ما يجبر الخلل أو يقنع المعقب أو المعترض انفرط عقد الخطيب واعترته‬
‫الحيرة وتفرقت عنه الناس وانصرف من حوله الجمهور ‪.‬‬
‫وقد يلمز الخطيب أو يقع في موقف حرج فيخرجه منه سرعة البديهة ‪ ،‬ومن‬
‫القصص المعروفة في ذلك ‪ ،‬ما حصل لخالد بن عبدهللا القسري حين صعد المنبر يوم‬
‫الجمعة وهو إذ ذاك أميرعلى مكة ‪ ،‬فذكر الحجاج وأثنى عليه خيرا ً ‪ ،‬فلما كان في يوم‬
‫الجمعة الثانية ورد عليه كتاب سليمان بن عبد الملك يأمره فيه بشتم الحجاج وذكر‬
‫عيوبه وإظهار البراء منه ‪ .‬فصعد المنبر ‪ ،‬فحمد هللا وأثنى عليه ‪ ،‬ثم قال ‪ " :‬إن إبليس‬
‫كان ملكا من المالئكة وكان يظهر من طاعة هللا ما كانت المالئكة تظن أن له بذلك ‪.‬‬
‫وكان هللا تعالى قد علم من غشه ما خفي عن المالئكة ؟‪ ،‬فلما أراد فضحه ابتاله بالسجود‬
‫آلد م ‪ ،‬فظهر لهم ما كان يخفيه عنهم فلعنوه ‪ ،‬وأن الحجاج كان يظهر من طاعته أمير‬
‫المؤمنين ما كنا نرى له بذلك فضال وكان هللا عز وجل أطلع أمير المؤمنين من غله‬
‫وخبثه ما خفي عنا ‪ ،‬فلما أراد هللا فضيحته أجرى ذلك على يد أمير المؤمنين فلعنه‬

‫‪38‬‬
‫فالعنوه لعنه هللا !!! ونزل " وهذه الخطبة مع ما تدل عليه من مآخذ ‪ ،‬إال أنها تشهد‬
‫لصاحبها بسرعة البديهة وحنكة التصرف ‪.‬‬
‫‪ -5‬رباطة الجأش ‪:‬‬
‫يجب أن يقف الخطيب وسط جمهوره غير مضطرب وال وجل مطمئن النفس‬
‫عالي الهمة ألنه سيضفي من نفسه على السامعين ومن روحه إلى روحهم الثبات والثقة‬
‫والقوة والنشاط نرى في ذلك موقف ألبي بكر الصديق رضوان هللا عليه ‪ :‬حيث دخل‬
‫على رسول هللا ‪ ‬وقد مات وهو مسجي في بيت عائشة فكشف عن وجهه وقبله ورثاه‬
‫‪ ،‬ثم خرج إلى الناس وهم في شديد غمراتهم وعظيم سكراتهم فحمد هللا وأثنى عليه ‪،‬‬
‫ثم قال ‪ " :‬أيها الناس ‪ .‬إنه من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات زمن كان يعبد هللا‬
‫ت‬ ‫سو ٌل قَ ْد َخلَ ْ‬ ‫{و َما ُم َح َّمدٌ ِّإالَّ َر ُ‬
‫فإن هللا حي ال يموت ‪ .‬ثم قرأ قول هللا تبارك وتعالى ‪َ :‬‬
‫ض َّر‬‫ع ِّقبَ ْي ِّه فَلَن يَ ُ‬
‫ى َ‬ ‫علَى أ َ ْعقَا ِّب ُك ْم َو َمن يَنقَ ِّلبْ َ‬
‫علَ َ‬ ‫ات أ َ ْو قُتِّ َل انقَلَ ْبت ُ ْم َ‬‫س ُل أَفَإِّن َّم َ‬ ‫ِّمن قَ ْب ِّل ِّه ُّ‬
‫الر ُ‬
‫شا ِّك ِّرينَ } (‪ )144‬سورة آل عمران ‪ ،‬فنجد في خطبته رضوان‬ ‫ش ْيئًا َو َ‬
‫س َيجْ ِّزي ّللاُ ال َّ‬ ‫ّللاَ َ‬
‫هللا عليه الحزم والقوة ورباطة الجأش وسرعة البديهة رضي هللا عنه‪.‬‬
‫‪ -6‬قوة الشخصية ‪:‬‬
‫قوة الشخصية في غالب أحوالها تكون هبة من هللا تعالى ‪ ،‬فهي صفة تؤثر فيما‬
‫حولها ‪ .‬فإن كانت في طالب نجده يؤثر وال يتأثر ‪ ،‬يتأثر به الطالب المحيطون به‬
‫ويحاولون تقليده والسير على سنته‪.‬‬
‫وإذا وهب هللا خطيبا تلك الصفة واستكمل عناصر النجاح ساق الجماهير إلى‬
‫حيث الخير والرشاد وكأنه وقد أوتي رسول هللا ‪ ‬من هذه الصفة الكثير وكذلك أبو‬
‫بكر وعمر وكثير من السلف الصالح والدعاة إلى هللا بإحسان‪.‬‬
‫‪ -7‬قوة الحماس والعاطفة ‪:‬‬
‫ال يثير الحماسة في قلوب السامعين إال من كان ممتلئا ً حماسة واقتناعا وقوة‬
‫واعتقادا بصدق ما يدعو إليه ‪ ،‬فما خرج من القلب يدخل إلى القلوب من غير استئذان‬
‫وما خرج من اللسان ال يتجاوز اآلذان ‪.‬‬
‫والعواطف والحماس يجب أن تنصب عند الخطيب في عبارات وأساليب تلهب‬
‫الحس وتوقظ النفس وتثير الحمية وتحفز الهمة ‪ .‬أما الكلمات الميتة واأللفاظ المتهالكة‬
‫فال تزيد الخامل إال كسال وال الغافل إال ضياعا‪.‬‬
‫كما أن حرص الخطيب على المدعو يظهر في حدبه وشعوره ورغبته في نصحه‬
‫ونفعه حتى يكاد يتمزق ولها عليه ‪ ،‬ويفطر حرصا ً على هدايته وسالمته‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫الصفات األخالقية للخطيب‬

‫‪ -1‬االستقامة ‪:‬‬
‫فإذا اشتهر الخطيب بسوء أو بنقيض ما يدعو إليه كان لسان حاله ‪ ،‬يناقض مقاله‬
‫‪ ،‬فيضعف تأثيره وال يصل إلى قلوب الناس حديثه ‪ ،‬ويشك السامعون في قوله ويرتابون‬
‫في صدقه ‪ ،‬ولهذا األمر ‪ ،‬وألن أمة اإلسالم أمة دعوة وأصحاب رسالة ‪ ،‬نهاهم هللا‬
‫سبحانه عن أن يقولوا ما ال يفعلون‪.‬‬
‫وعن أبي زيد أسامة بن زيد بن حارثة رضي هللا عنهما ‪ :‬قال ‪ :‬سمعت رسول‬
‫هللا ‪ ‬يقول " يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقي في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها‬
‫كما يدور الحمار في الرحا ‪ ،‬فيجتمع إليه في النار فيقولون مالك يا فالن ألم تك تأمر‬
‫بالمعروف وتنهي عن المنكر ؟ فيقول بلى ‪ ،‬كنت أمر بالمعروف وال آتيه وأنهي عن‬
‫المنكر وآتيه " متفق عليه‪.‬‬
‫لهذا البد لكل صاحب دعوة أو مبلغ فكرة من الطهارة والنقاء حتى تقبل دعوته‬
‫وتسمع كلمته ‪.‬‬
‫‪ -2‬الثقة بالنفس ‪:‬‬
‫هي الثبات والرسوخ واالطمئنان والقدرة الذهنية والنفسية على مواجهة المواقف‬
‫وتحمل الصعاب ومطاردة اليأس والوهن ‪ ،‬وهي القدرة على الوصول إلى الهدف أو‬
‫التقدم إليه بشموخ وعز وصبر وجلد ‪.‬‬
‫والثقة في النفس قوة مؤثرة تنبعث من نفس اإلنسان تقهر ما أمامها وتحرك ما‬
‫حولها بغير تبعية ذليلة ‪ ،‬أو معينة ‪ ،‬تقول الحق وتعمل الواجب وال تتأثر بالظلم أو‬
‫السخرية أو المواقف الصعبة ‪ .‬وهي ألزم للداعية الخطيب ولصاحب الدعوة والرسالة‬
‫خاصة وهو يعلم أن هللا معه وأنه على الحق المبين ‪ ،‬بالشموخ في وجه الباطل بالحق‬
‫المبين ‪.‬‬
‫‪ -3‬المشاركة األخوية ‪:‬‬
‫أساس العالقات البشرية هو الحب والتعارف والتعاون على البر والتقوى‬
‫والمساواة في الحقوق والواجبات‪.‬‬
‫وكل إنسان يملك مفاتيح تلك العالقات اإلنسانية يكون قريبا إلى عقول الناس‬
‫وأفهامهم ‪ .‬وكل إنسان يفتقر إلى أمثال هذه العالقات يكون بعيدا مذموما بعيدا عن‬

‫‪40‬‬
‫أحاسيس الناس مخالفا للطبائع والعقول ‪ ،‬فليس هناك مبرر مفهوم يحمل الناس أن‬
‫يعيشوا أشتاتا متناكرين متباعدين ‪.‬‬
‫والبد للداعية من فقه جيد لهذه العالقات اإلنسانية خاص وإنها من صميم دينه‬
‫كما سنبين ذلك ألسباب عدة منها ما يلي ‪:‬‬
‫أ) ألن دعوته ورسالته تفرض عليه وتنبهه إذا انحرف وتقومه إذا اعوج وتربطه‬
‫إيماني فريد ‪.‬‬
‫ب) ألن الداعية يقتدي برسول هللا ‪ ‬وصحبه الكرام‪.‬‬
‫ج) ألن الداعية ال يتعامل مع الناس بقوة القانون وال بقوة السلطة وإنما يتعامل معهم‬
‫باألحاسيس والعواطف ومخاطبة العقول ‪ ،‬والمنطق وأساليب اإلقناع المتعددة ‪.‬‬
‫د) وألن الداعية يكون أكثر تأثيرا ‪ ،‬وأقوي بيانا وحجة إذا صاحبت دعوته العملية‬
‫دعوته اللفظية والقولية ‪ ،‬والمشاركة األخوية من أفضل أساليب الدعوة‪.‬‬
‫هـ) المشاركة األخوية والوجدانية والمخالطة ‪ ،‬تزود الداعية برصيد من الخبرة وبكثير‬
‫من المعرفة عن عادات الناس وأحوالهم وأفكارهم ومعتقداتهم وأحاسيسهم ‪ ،‬مما يعطي‬
‫الداعية رؤية جيدة تبصره بطرق اإلقناع والتأثير التي يجب أن يسير عليها في دعوته‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫الصفات البيانية للخطيب‬

‫البيان هو الوضوح واالنكشاف ‪ ،‬وهو الحجة والمنطق الفصيح الذي يخرج‬


‫الشيء من حيز اإلشكال إلى حيز التجلي واإلقناع بالحجة والدليل ‪ ،‬قال ‪ " ‬إن من‬
‫البيان لسحرا " رواه البخاري ‪.‬‬
‫‪ -1‬طالقة اللسان ‪:‬‬
‫ا للسان هو أداة الخطيب والداعية األولى ‪ ،‬فال بد أن تكون األداة سليمة كاملة‬
‫حتى تؤدي الغرض المطلوب منها بكفاءة وإجادة على أكمل وجه ‪ ،‬وطالقة اللسان‬
‫زالقته ألنه عنوان الفصاحة وأداة البالغة ‪ ،‬حتى أن اإلنسان ليكاد أن يقرر أن الخطيب‬
‫الذي يملك فصاحة اللسان وقوة الكلمة يكون قد ملك أداة التوجيه األولى واألهم في علم‬
‫الخطابة ‪.‬‬
‫‪ -2‬وضوح الصوت ‪:‬‬
‫فمما يزيد الخطابة حسنا وجالال ‪ ،‬جهارة الصوت ‪ ،‬وقد يذم بعض الخطباء بدقة‬
‫الصوت وضآلته ‪ ،‬وإن كانت مكبرات الصوت اليوم تؤدي إلى جهارة الصوت‬
‫وتجويفه ‪ ،‬فيجب مراعاة ذلك ‪ ،‬ومما ورد في ذلك عن رسول هللا ‪ ‬ما رواه اإلمام‬
‫مسلم عن جابر بن عبدهللا رضي هللا عنهما ‪ :‬قال ‪ " :‬كان رسول هللا ‪ ‬إذا خطب‬
‫احمرت عيناه وعال صوته ‪ ،‬واشتد غضبه ‪ ،‬حتى كأنه منذرجيش يقول صبحكم‬
‫ومساكم " رواه مسلم ؛ وليس معنى ذلك أن يطلق الخطيب صوته عواهنه ‪ ،‬بل ال‬
‫بد فيه من ضوابط يجب التزامها ‪:‬‬
‫أ) أن يجعل صوته مناسبا ً للمكان الذي يخطب فيه الجمهور الذي يسمع ‪ ،‬فال ينخفض‬
‫حتى يصير في أذانهم همسا وال يعلو حتى يكون صياحا يصك األذان ‪ ،‬وبين‬
‫المرتبتين درجات يجب مراعاتها‪.‬‬
‫ب) بدء الخطبة في رفع الصوت عن وسطها ‪ ،‬فيجب عليه أن يبدأ الخطبة منخفضا ً ثم‬
‫يعلو شيئا فشيئا حتى يكون وقعه على السامعين مقبوال ‪ ،‬ثم يتفاعل بعد ذلك مع‬
‫الخطبة ومع المعاني فيها فيكون حماسيا عند األوضاع الحماسية ويكون روحانيا‬
‫عند ذكر الرحمة والعطف ‪ .‬حتى ال يكون صوته على وتيرة واحدة ‪.‬‬
‫ج) بعض األصوات تثير االرتياح ورنينها يهز اإلحساس ويصل إلى أغوار النفس ‪،‬‬
‫ويدعو إلى سماع الحجة ‪ ،‬وصاحب هذا الصوت ال شك يكون أوفق من غيره إذا‬
‫‪42‬‬
‫أحسن استعمال الحجة وبرع في المنطق والبيان ‪ ،‬وبعض الناس أجش الصوت غير‬
‫مقبول النبرات فهذا وال شك له أثر في من أمامه ‪ ،‬وقد يكون سببا واضحا في تنفير‬
‫الناس وصدهم عن حجته وبرهانه ‪.‬‬
‫ويجب على من كان هذا حاله أن يسد هذا النقص ما أمكن بالتغلب على هذا العيب‬
‫بكثير من الوسائل كالهدوء في اإللقاء أو البراعة في تلوين الصوت وتشكيله وإدخال‬
‫بعض المحسنات عليه ‪ ،‬أو االستعانة بالبراعة اللفظية والبالغية إلى غير ذلك من‬
‫الوسائل ‪.‬‬

‫‪ -3‬حسن البيان والنطق ‪:‬‬


‫إخراج الحروف من مخارجها الصحيحة ‪ ،‬فيجب أن يتجنب الخطيب عيوب‬
‫النطق وأن يكون سليم اللسان من العيوب الخلقية ‪.‬‬

‫* توجيهات هامة للوصول إلى البالغة الخطابية‪:‬‬


‫كل علم أو فن البد له من تعلم ومن أصول ‪ ،‬وتعلم الفصاحة والبالغة ‪ .‬تكون‬
‫بعد الرغبة والميول واالستعداد بأمور منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬مخالطة الفصحاء والبلغاء ومعايشتهم والسماع منهم وتأتي بحضوره وندواتهم‬
‫ومحاضراتهم ‪ ،‬ومحاورتهم ‪.‬‬
‫‪ -2‬سماع أقوال البلغاء والخطباء كل حين ومحاولة جعلها عادة ‪ .‬والتمعن والتأمل في‬
‫إيرادهم لأللفاظ والجمل وسبكهم للمعاني وبسطهم للمعنى وإقامتهم للحجة واستعمالهم‬
‫للدليل ‪.‬‬
‫‪ -3‬قراءة أشعار العرب وحكمهم ومعرفة مفردات اللغة ومعانيها واإلكثار من الحكم‬
‫واألمثال واألشعار المفيدة في ذلك ‪.‬‬
‫‪ -4‬قراءة كتب األدب يبتدئ الخطيب باألسهل منها مثل كتب المنفلوطي وحسن الزيات‬
‫وغيرهم ثم يتعمق إلى أن يقرأ كتب الرافعي رحمة هللا‪.‬‬
‫‪ -5‬قراءة األشعار اإلسالمية وخاصة تلك التي تحض المسلمين على النهوض والكفاح‬
‫والتذكير باألمجاد وكذلك االطالع على أمثال ذلك من الكتب ‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫‪ -6‬مداومة قراءة القرآن الكريم ومطالعة تفسيره فهو المعجزة البالغية التي أعجزت‬
‫الفصحاء والبلغاء وما زالت إلى يوم الدين‪.‬‬
‫‪ -7‬مداومة قراءة حديث رسول هللا ‪ ‬فهو أفصح العرب وأبيهم وأفضلهم حديثا ‪.‬‬
‫‪ -8‬دراسة علم النحو والصرف والتمكن من األعاريب حتى يسلم اللسان من الخطأ ‪.‬‬
‫‪ -9‬التعود على اإللقاء والكتابة ومواجهة الجماهير وسماع النقد واالستفادة‬
‫منه واالعتبار باآلخرين ‪ ،‬وعدم اليأس وتحمل المشاق حتى يسلس ذلك المر ‪ ،‬والبد‬
‫في هذا من ضبط النفس واحتمال المكاره ألن الخطابة منصب من مناصب التوجيه‬
‫قد يعترض الخطيب فيه كثير من الخصوم وقد تثار ضده زوابع من كل ناحية ‪ ،‬وقد‬
‫يقابل بالسخرية واالستهزاء ‪ ،‬وخاصة إذا كان يعيش في وسط أقوام يتقصون عوراته‬
‫‪ ،‬ويتسقطون هفواته ‪ ،‬وكلهم له رقيب عتيد فإذا لم يتذرع الخطيب بضبط النفس ولم‬
‫يستطع السيطرة التامة على أحاسيسه ومشاعره ‪ ،‬لم يستطع السير إلى غايته وهدفه ولم‬
‫يؤد الغرض المطلوب منه‪.‬‬
‫البد من االرتياص والممارسة ألن الفطرة واالطالع وثروة األلفاظ ‪ ،‬والقراءة‬
‫الكثيرة والعلم باألصول الخطابية ال تكفي في تكوين الخطيب ‪ .‬والبد من ملكة وعادة‬
‫نفسية ‪ ،‬وهذه الملكات والعادات ال تأتي دفعة واحدة ‪ .‬بل البد للخطيب من معاناة ومران‬
‫وممارسة حتى تنمو مواهبه ويطب عيوبه إن كانت عنده عيوب ‪ ،‬ويكون عنده عزيمة‬
‫ال تعرف الوهن أو الكلل‪.‬‬
‫‪ -10‬دراسة علوم التأثير المختلفة ودراسة كثير من العلوم التي تتصل بالجماعات‪ ،‬كعلم‬
‫االجتماع وعلم النفس والعادات والتقاليد ‪.‬‬
‫فإن االطالع على تلك العلوم المختلفة ينمى الفكر ويوسع المدارك ويعطي‬
‫الخطيب رؤية وبصيرة صائبة في مهمته ‪ ،‬ويضع أمامه المصباح الذي يهديه إلى‬
‫مفاتيح التأثير في هؤالء األقوام فيصيب غايته وينال مطلوبه يسر ‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫نماذج من الخطب المؤثرة مع بيان مواقع التأثير فيها‬
‫* خطبة الرسول ‪ ‬في حجة الوداع‬
‫الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب اليه ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا‬
‫ومن سيئات أعمالنا ؛ من يهد هللا فال مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له وأشهد ان ال‬
‫إله اال هللا وحده ال شريك له وأشهد ان محمدا ً عبده ورسوله ؛ أوصيكم عباد هللا بتقوى‬
‫هللا وأحثكم على طاعته وأستفتح بالذي هو خير ‪.‬‬
‫أما بعد ‪...‬أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم ؛ فاني ال أدري لعلي ال ألقاكم بعد‬
‫عامي هذا في موقفي هذا ‪ ،‬أيها الناس إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم الى أن تلقوا‬
‫ربكم ؛ كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ‪ ..‬أال هل بلغت ؟ اللهم فاشهد‬
‫فمن كانت عنده أمانة فليؤدها الى من ائتمنه عليها ‪.‬‬
‫وإن ربا الجاهلية موضوع ‪ ،‬وإن أول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد‬
‫المطلب وان دماء الجاهلية موضوعة ‪ ،‬وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن‬
‫الحارث بن عبد المطلب ‪.‬‬
‫وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية ‪..‬‬
‫والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر ؛ وفيه مائة بعير ؛ فمن زاد فهو‬
‫من أهل الجاهلية ‪....‬‬
‫أيها الناس ‪ :‬إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه ؛ ولكنه قد رضي أن‬
‫يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من اعمالكم ‪.‬‬
‫أيها الناس { انما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ً‬
‫ويحرمونه عاما ً ليواطئوا عدة ما حرم هللا } وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق هللا‬
‫السموات واالرض و { ان عدة الشهور عند هللا اثنا عشر شهرا في كتاب هللا يوم خلق‬
‫السموات واالرض منها أربعة حرم }ثالثة متواليات وواحد فرد ذو القعدة وذو الحجة‬
‫والمحرم ورجب الذي بين جمادى وشعبان‬
‫أال هل بلغت ؟ ! اللهم فاشهد ‪..‬‬
‫أيها الناس ‪ ..‬إن لنسائكم عليكم حقا ً ولكم عليهن حق لكم عليهن ان ال يوطئن‬
‫فرشكم غيركم وال يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إال بإذنكم وال يأتين بفاحشة فان فعلن‬
‫فان هللا قد أذن لكم ان تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير‬
‫مبرح فان انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وانما النساء عندكم‬
‫عوان ال يملكن ألنفسهن شيئا أخذتموهن بأمانة هللا واستحللتم فروجهن بكلمة هللا فاتقوا‬
‫هللا في النساء واستوصوا بهن خيرا‬
‫‪45‬‬
‫أال هل بلغت ؟ ! اللهم فاشهد ‪..‬‬
‫أيها الناس إنما المؤمنون إخوة ‪ ،‬وال يحل المرىء مال أخيه إال عن طيب نفس منه‬
‫أال هل بلغت ؟ ! اللهم فاشهد ‪...‬‬
‫فال ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض فاني قد تركت فيكم ما ان‬
‫اخذتم به لم تضلوا بعده كتاب هللا ‪.‬‬
‫أال هل بلغت ؟ ! اللهم فاشهد ‪..‬‬
‫أيها الناس إن ربكم واحد وان أباكم واحد ‪،‬كلكم آلدم وآدم من تراب ‪ ،‬أكرمكم‬
‫عند هللا أتقاكم وليس لعربي على عجمي فضل إال بالتقوى‬
‫أيها الناس إن هللا قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث وال يجوز لوارث وصية‬
‫وال يجوز وصية في اكثر من الثلث والولد للفراش وللعاهر الحجر من ادعى الى غير‬
‫ابيه او تولى غير مواليه فعليه لعنة هللا والمالئكة والناس اجمعين ال يقبل منه صرف‬
‫وال عدل ‪ .‬والسالم عليكم ورحمة هللا ‪.‬‬
‫أال هل بلغت ؟ ! اللهم فاشهد‬
‫قالوا نعم ‪ ،‬قال ‪ (( :‬فليبلغ الشاهد الغائب )) ‪.‬‬

‫أبرز سمات خطبة النبي ‪: ‬‬


‫‪ -1‬اإليجاز ‪:‬‬
‫تميزت خطب النبي ‪ ‬باإليجاز غير المخل ‪ ،‬أي اإليجاز المشتمل على المعنى‬
‫بدقة ؛ فقد أوتي النبي ‪ ‬جوامع الكلم ‪ ،‬وقد تمكن النبي ‪ ‬من ذلك بسبب اهتمامه‬
‫بالموضوع الذي يخطب فيه ‪ ،‬يشغل نفسه بإعداد خطبته ‪ ،‬واختيار األلفاظ المناسبة لها‬
‫؛ ألنه يعلم أن صحابته سيتداولون حديثه وسيلتزمون بمنطقه ونص كالمه ‪ ،‬ويعلم أن‬
‫ق على الزمن كله ‪.‬‬
‫كل ما سيقوله هو شرع ألمته با ٍ‬
‫وقد كان هذا االهتمام من النبي ‪ ‬يجعل كالمه وافيا ً بالغرض مع هذا اإليجاز‬
‫المتقن الجامع للمعنى ‪ ،‬المشتمل على كل ما يقصده ويريده ‪ ،‬فقد كان النبي ‪ ‬يقتصد‬
‫في ألفاظه ويقلل من كالمه مكتفيا ً بإحاطته بالمعنى ‪ ،‬وكان ذلك بسبب غلبة فكر النبي‬
‫‪ ‬في موضوعه ‪ ،‬وحين يلقي النبي ‪ ‬كالمه فإن المستمع إليه يحس وكأن ألفاظه‬
‫حركات نفسية وليست حروفا ً منطوقة ‪.‬‬
‫وفي خطبة الوداع التي تمثل أسسا ً تشريعية ‪ ،‬أطال فيها النبي ‪ ‬على غير عادته‬
‫حيث خطبها في الجمع الحاشد لحجاج عام الوداع ‪ ،‬ولذلك يسميها البعض [ خطبة‬
‫التشريع أو خطبة البالغ ] ومع تنوع أقسامها فإن الخطبة كانت ذات موضوع واحد ‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫‪ -2‬السمو الجمالي ‪:‬‬
‫تتميز الخطبة النبوية بالنزعة الجمالية الواضحة في كلماتها وألفاظها ‪ ،‬بل في‬
‫حروف الكلمات ذاتها وفي تأثير هذه الكلمات والمعاني في النفوس وعلى الرغم من‬
‫أنها كانت تبدأ بالحمدلة والتشهد إال أن هذه البدايات كانت تتمثل في سمة رائعة وصورة‬
‫أخاذة مشوقة مبهرة حيث نشاهد األسجاع القوية المتواترة المتآلفة المبدعة حتى يُخيل‬
‫لمن يسمعها أنها تأخذ مكانا ً وسطا ً بين القرآن الكريم والنثر األدبي الخطابي ‪.‬‬
‫وإذا نظرنا إلى مقدمة خطبة الوداع لوجدنا في هذه المقدمة مع النغمة اللفظية المؤثرة‬
‫‪ ،‬األداء الذي يتضمن المعاني اإلنسانية العميقة باإلضافة إلى المحافظة على مقدمة‬
‫الخطبة الوعظية ‪.‬‬
‫ويُالحظ بدء النبي ‪ ‬بعض خطبه باالستفهام كما يستعمل كثيرا ً من المثيرات‬
‫النفسية من استفهام وتخصيص وتقريع وتذكير بنعم هللا على إقرار بالمزية والفضل‬
‫وكل ذلك في روعة جمالية وسمو لفظي جميل‪ ،‬ويتضح ذلك جيدا في خطبته في‬
‫األنصار حين منعهم النبي ‪ ‬من مغانم حنين ‪ .‬وتعد هذه الخطبة من روائع الخطب‬
‫النبوية بما ملكت من وسائل التأثير وتنويع األسلوب وما تضمنته هذه الخطبة من‬
‫مناقشة ال يخرجها عن إطار الخطبة ألن المناقشة لم تكن في موضوع الخطبة وإنما‬
‫كانت بعيدا ً عنها ‪.‬‬
‫‪ -3‬قوة اإلقناع ‪:‬‬
‫تتميز الخطبة النبوية باإلقناع القوي من أقصر طريق وأيسره وكان اإلقناع‬
‫القوي في خطب النبي ‪ ‬يرجع إلى سهولة ألفاظ الخطبة ‪ ،‬ووضوح المعاني التي‬
‫تتناولها مما يجعل المستمع إليه يتابعها ويفهمها بال بحث في لفظ عويص أو معنى خفي‬
‫‪ ،‬هذا باإلضافة إلى أن السهولة في الخطبة النبوية صاحبت صدقا ً حارا ً وإخالصا ً قويا ً‬
‫وإيمانا ً ثابتا ً بالموضوع وتفانيا ً مستمرا ً في إيصال الرسالة للناس ‪.‬‬
‫توافقها مع األصول الخطابية ‪:‬‬
‫نالحظ على خطبة النبي ‪ ‬أنها كانت دائما ً تذكر هللا في بدايتها حمدا ً وثنا ًء‬
‫وتشهدا ً ثم تتبع ذلك بالصالة على النبي ‪ ،‬وبعد المقدمة تبدأ الخطبة في ذكر الموضوع‬
‫مع مراعاة تقسيم األفكار ومراعاة ما بينها من وحدة ‪.‬‬
‫ففي خطبة الوداع مثالً يمكن أن نعتبر الموضوع األصلي لها هو ‪ :‬بيان فساد‬
‫العادات الجاهلية ومع التزامها بهذا الموضوع نجدها تورد األفكار مرتبة ‪ ،‬وتنتقل من‬
‫الفكرة إلى ما بعدها ؛ حيث تتحدث عن حرمة الدماء واألموال وعن أداء األمانات إلى‬
‫أصحابها ‪ ،‬وعن تحريم الربا وعن وضع الثأر ‪ ،‬وعن حكم القتل عمدا ً وعن دية غير‬

‫‪47‬‬
‫العمد ‪ ،‬وعن النساء ما لهن وما عليهن ‪ ،‬وعن األخوة اإلنسانية فتتحدث عن هذه األفكار‬
‫وتنتقل بينها بتقسيم مرتب ونظام مترابط ‪.‬‬
‫وإذا كانت األصول العلمية للخطبة تفضل أن يركز الخطيب على موضوع واحد‬
‫يوفيه حقه ؛ فإن النبي ‪ ‬بين لنا في هذه الخطبة التي هي خطبة تشريعية _كما قلنا _‬
‫لها ظروف خاصة ‪ ،‬وتتعرض لقضايا كثيرة كيف يمكن جمع الخطيب عند الضرورة‬
‫بين جزيئات متعددة يمكن إدخالها تحت موضوع واحد ‪ ،‬ويمكن أن يخرج المستمع إليه‬
‫بفهم واضح وسديد ‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫* خطبة أبي بكر رضي هللا عنه ‪:‬‬
‫عن عاصم بن عدي قال ‪ :‬نادى منادي أبي بكر من بعد الغد من متوفى رسول‬
‫هللا ‪ ‬ليتم بعث أسامة ‪ :‬أال ال يبقين بالمدينة أحد من جند أسامة إال خرج إلى عسكره‬
‫بالجرف ‪ ،‬وقام في الناس فحمد هللا وأثنى عليه وقال ‪:‬‬
‫يا أيها الناس إنما أنا مثلكم وإني ال أدري لعلكم ستكلفونني ما كان رسول هللا‬
‫‪ ‬يطيق ‪ ،‬إن هللا اصطفى محمدا على العالمين وعصمه من اآلفات وإنما أنا متبع‬
‫ولست بمبتدع فإن استقمت فتابعوني وإن زغت فقوموني ‪.‬‬
‫وإن رسول هللا ‪ ‬قبض وليس أحد من هذه األمة يطلبه بمظلمة سوط فما دونها‬
‫أال وإن لي شيطانا يعتريني فإذا أتاني فاجتنبوني ال أؤثر في أشعاركم وأبشاركم وأنتم‬
‫تغدون وتروحون في أجل قد غيب عنكم علمه فإن استطعتم أال يمضي هذا األجل إال‬
‫وأنتم في عمل صالح فافعلوا ؛ ولن تستطيعوا ذلك إال باهلل فسابقوا في مهل آجالكم من‬
‫قبل أن تس لمكم آجالكم إلى انقطاع األعمال ؛ فإن قوما نسوا آجالهم وجعلوا أعمالهم‬
‫لغيرهم ؛ فإياكم أن تكونوا أمثالهم ‪.‬‬
‫الجد الجد والوحا الوحا والنجاء النجاء ؛ فإن وراءكم طالبا حثيثا أجال مره سريع‬
‫احذروا الموت واعتبروا باآلباء واألبناء واإلخوان وال تغبطوا األحياء إال بما تغبطون‬
‫به األموات ‪.‬‬

‫وقام أيضا ‪ ،‬فحمد هللا وأثنى عليه ثم قال ‪:‬‬


‫إن هللا عز وجل ال يقبل من األعمال إال ما أريد به وجهه فأريدوا هللا بأعمالكم‬
‫واعلموا أن ما أخلصتم هلل من أعمالكم فطاعة أتيتموها وخطأ ظفرتم به وضرائب‬
‫أديتموها وسلف قدمتموه من أيام فانية ألخرى باقية لحين فقركم وحاجتكم ‪.‬‬
‫اعتبروا عباد هللا بمن مات منكم وتفكروا فيمن كان قبلكم ؛ أين كانوا أمس ؟‬
‫وأين هم اليوم أين الجبارون ؟ وأين الذين كان لهم ذكر القتال والغلبة في مواطن‬
‫الحروب ؟ قد تضعضع بهم الدهر وصاروا رميما ‪ ،‬وأين الملوك الذين أثاروا األرض‬
‫وعمروها ؟ قد بعدوا ونسي ذكرهم وصاروا كال شيء ‪ ،‬أال إن هللا قد أبقى عليهم‬
‫التبعات وقطع عنهم الشهوات ومضوا واألعمال أعمالهم والدنيا غيرهم وبقينا خلفا‬
‫بعدهم فإن نحن اعتبرنا بهم نجونا ؛ وإن اغتررنا كنا مثلهم ‪.‬‬
‫أين الوضاء الحسنة وجوههم المعجبون بشبابهم ؟ صاروا ترابا وصار ما فرطوا‬
‫فيه حسرة عليهم ؟ أين الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط وجعلوا فيها األعاجيب‬
‫قد تركوها لمن خلفهم فتلك مساكنهم خاوية وهم في ظلمات القبور ؟ هل تحس منهم من‬

‫‪49‬‬
‫أحد أو تسمع لهم ركزا ؟ أين من تعرفون من أبنائكم وإخوانكم قد انتهت بهم آجالهم‬
‫فوردوا على ما قدموا فحلوا عليه وأقاموا للشقوة والسعادة فيما بعد الموت ؟‬
‫أال إن هللا ال شريك له ليس بينه وبين أحد من خلقه سبب يعطيه به خيرا وال‬
‫يصرف عنه به سوءا إال بطاعته واتباع أمره واعلموا أنكم عبيد مدينون ‪ ،‬وإن ما عنده‬
‫ال يدرك إال بطاعته أما أنه ال خير بخير بعده النار وال شر بشر بعده الجنة ‪.‬‬

‫أبرز سمات خطبة أبي بكر ‪: ‬‬


‫تميزت خطبة أبي بكر الصديق بعدة ميزات ؛ من أهمها ‪:‬‬
‫حسن االستهالل واالفتتاح للخطب ‪.‬‬ ‫‪_1‬‬
‫اختيار الكلمات المناسبة للمقام واأللفاظ التي تتالءم مع ظروف وأحوال‬ ‫‪_2‬‬
‫المخاطبين ‪.‬‬
‫السجع غير المتكلف‪.‬‬ ‫‪_3‬‬
‫استخدام األسلوب المناسب لموضوع الخطبة سواء أكان التشجيع والترغيب أو‬ ‫‪_4‬‬
‫التحذير واإلنذار‪.‬‬
‫نقل المشاعر الجياشة وإثارة العاطفة في الحديث ‪.‬‬ ‫‪_5‬‬
‫وإثارة األسئلة حول الموضوع المراد ‪.‬‬ ‫‪_6‬‬

‫‪50‬‬
‫* خطبة عمر بن الخطاب ‪: ‬‬
‫عن أبي األسود سليمان بن يسار قال‪ :‬خطب عمر رضي هللا عنه الناس في زمن‬
‫الرمادة فقال‪ " :‬أيها الناس اتقوا هللا في أنفسكم‪ ،‬وفيما غاب عن الناس من أمركم‪ ،‬فقد‬
‫ابتليت بكم‪ ،‬وابتليتم بي‪ ،‬فما أدري السخطة علي دونكم‪ ،‬أم عليكم دوني أم علي وعليكم‪،‬‬
‫فهلموا فلندع هللا أن يرحمنا‪ ،‬ويصلح قلوبنا‪ ،‬ويرفع عنا المحل ‪ ...‬فرئي عمر يومئذ‬
‫رافعا ً يديه يدعو‪ ،‬ودعا الناس‪ ،‬وبكى وبكوا مليا ً ثم نزل "‪.‬‬
‫وخطب عمر بن الخطاب رضي هللا عنه حين ولي ؛ فحمد هللا وأثنى عليه وصلى‬
‫على نبيه ثم قال‪ " :‬إني قد وليت عليكم‪ ،‬ولوال رجائي أن أكون خيركم لكم‪ ،‬وأقواكم‬
‫عليكم‪ ،‬وأشدكم اضطالعا ً بما ينوب من َمهم أمركم ‪ ،‬ما توليت ذلك منكم‪ ،‬ولكفى عمر‬
‫َمهما ً محزنا ً انتظار الحساب على ما يصنع بكم ويسير به فيكم‪ ،‬ولم يصبح عمر ينوء‬
‫بقوة وال حيلة إن لم يتداركه هللا برحمته وعونه وتأييده‪ ،‬وإني معطي الحق من نفسي‪،‬‬
‫وإنما أنا رجل منكم‪ ،‬فمن كانت له حاجة أو مظلمة أو عتب علي في خلق فليؤذني‪،‬‬
‫وعليكم بتقوى هللا في سركم وعالنيتكم وحرماتكم وأموالكم وأعراضكم‪ ،‬وأعطوا الحق‬
‫من أنفسكم‪ ،‬فليس بيني وبين أحد هوادة " ‪.‬‬
‫وقال عمر في خطبة له‪ " :‬أيها الناس إنه قد اقترب منكم زمان قليل األمناء‬
‫والفقهاء‪ ،‬كثير األمراء والقراء‪ ،‬يعمل فيه أقوام بعمل اآلخرة طلبا ً للدنيا التي تأكل دين‬
‫صاحبها كما تأكل النار الحطب‪ ،‬فمن أدرك ذلك منكم فليتق هللا وليصبر" ‪.‬‬
‫وقال عمر رضي هللا تعالى عنه‪ " :‬أيها الناس إنا ال نبعثكم أمراء جبارين‪ ،‬ولكنا‬
‫نبعثكم أئمة هدى يقتدى بكم‪ ،‬فأدروا على المسلمين لقحتهم‪ ،‬وال تضربوهم فتذلوهم‪ ،‬وال‬
‫تجمروهم فتفتنوهم‪ ،‬وال تستأثروا عليهم فتظلموهم‪ ،‬وال تجهلوا عليهم فتحرجوهم‪،‬‬
‫وقاتلوا الكفار بهم طاقتهم‪ ،‬فإذا رأيتم بهم كالالً فكفوهم فإنه أبلغ في جهاد عدوهم "‪.‬‬
‫أبرز سمات خطبة عمر ‪‬‬
‫‪ _1‬اختيار الكلمات واأللفاظ المناسبة للحال والمقام ‪.‬‬
‫‪ _2‬استخدام األسلوب المناسب للوقت والظروف التي كان يتحدث فيها‪.‬‬
‫‪ _3‬إثارة مشاعر الحماسة والحرارة في الحديث‬
‫‪ _4‬إثارة الجانب العاطفي في بعض كالمه ‪.‬‬
‫‪ _5‬كانت خطبه واقعة في دائرة اهتمام الجمهور ومحل مشكلتهم‬
‫‪ _6‬اختيار البداية المؤثرة ‪.‬‬
‫‪ _7‬خاتمة الخطبة ووضع القواعد األساسية فيها‪.‬‬
‫‪ _8‬أسلوب العرض الذي يالمس شغاف قلوبهم ‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫* خطبة قس بن ساعدة ‪:‬‬
‫لما قدِّم وفد أياد على النَّبي ِّ صلَّى هللا عليه وسلَّم قال ‪ :‬يا معشر وفد إياد ‪ ،‬ما فعل‬
‫قس بن ساعدة اإليادي ؟ قالوا ‪ :‬هلَ َك يا رسول هللا ‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫ق ال أجدني‬ ‫ب مون ٍ‬ ‫بكالم معج ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫قال ‪ :‬لقد شهدتهُ يوما ً بسوق عكاظ على جم ٍل أحمر ‪ ،‬يتكلَّم‬
‫أحفظه ‪.‬‬
‫ي‬
‫س َّر النب ُّ‬
‫ي من أقاصي القوم ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنا أحفظه يا رسول هللا ‪ ،‬قال ‪ :‬ف ُ‬ ‫فقام إليه أعراب ٌّ‬
‫صلَّى هللا عليه وسلَّم بذلك ‪ ،‬قال ‪ :‬كان بسوق عكاظ على جمل أحمر وهو يقول ‪:‬‬
‫ت آت ‪ ،‬لي ٌل داج ‪،‬‬ ‫مات فَات ‪ ،‬وك ُّل شيءٍ آ ٍ‬ ‫يا معشر الناس ؛ اجتمعوا ‪ ،‬فك ُّل َمن َ‬
‫وسماء ذات أبراج ‪ ،‬وبحر فجاج ‪ ،‬ونجوم تزهر ‪ ،‬وجبال ُمرسية ‪ ،‬وأنهار ُمجرية ‪ ،‬إن‬
‫في السماء لخبراٍ ‪ ،‬وإن في األرض ل ِّعبراٍ ‪ ،‬ما لي أرى الناس يذهبون ‪ ،‬ويموتون فال‬
‫سما ً ال ريب‬ ‫قس باهلل قَ َ‬ ‫يرجعون ‪ ،‬أرضوا باإلقامة فأقاموا ‪ ،‬أم ت ُ ِّركوا فناموا ‪ ،‬؛ أقسم ٌّ‬
‫فيه ‪ :‬إن هلل دينا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه‪ ,‬ونبيا حان حينه ‪ ،‬وأظلكم أوانه‬
‫‪ ،‬وأدرككم إبانه ‪ ،‬فطوبى لمن أدركه فآمن به وهداه ‪ ،‬وويل لمن خالفه وعصاه ‪ ،‬ثم‬
‫أنشأ يقول ‪:‬‬
‫في الـذَّاهـبـيـن األ َ َّولين ‪ . . .‬من الـقـ ِّ‬
‫رون لنا بصــــائِّ ْر‬
‫ادر‬‫لـمـ َّـا رأيــتُ مـــواردا ً ‪ . . .‬للمـوت ليس لهـا مصــ ْ‬
‫واألكابر‬
‫ْ‬ ‫األصاغر‬
‫ُ‬ ‫ورأيتُ قـومي نحـوهـا ‪ . . .‬تمضي‬
‫إليك ‪ . . .‬وال من الـبـاقـيـن غــــابر‬ ‫ال َمن مضى يأتي َ‬
‫أيقنت أني ال مـحــالــة ‪ . . .‬حيث صـار القـوم صــائر‬

‫أبرز سمات خطبة قس بن ساعدة ‪:‬‬


‫‪ _1‬الدعوة إلى التفكر وإعمال العقل والتأمل والتدبر فيما يحويه الكون من عجائب‬
‫الخلق وبدائع الصنع‪.‬‬
‫‪ _2‬وجود قوة في اإللقاء ‪ ،‬واختيار األلفاظ والمعاني وجزالتها ‪ ،‬وقصر الفواصل ‪.‬‬
‫‪ _3‬حشد جمع من الصور والتشبيهات وفنون البديع والبالغة والبيان بحيث استطاع‬
‫أن يسرح بأخيلة السامعين وبفكرهم في صور وتخيالت تقنعهم بفكرة الموضوع‬
‫الذي يتحدث عنه ‪.‬‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪52‬‬

You might also like