You are on page 1of 11

‫الخطابة‬

‫الخطابة في اللغة ‪ :‬من الفعل خَطب ‪ ،‬من قولهم خطب الناس وفيهم وعليهم ؛ أي ألقى عليهم ُخطبة‪.‬‬
‫ومصدر الفعل خطب ‪ :‬خطابة و ُخطبة‪.‬‬
‫والخطبة ‪ :‬هي من الكالم المنثور يخاطب بها متكلم فصيح جمعا من الناس إلقناعهم‪.‬‬
‫فن أدبي نثري يقوم أصالً على اإللقاء المرتجل للتأثير على الحاضرين وإقناعهم بأمر ما‪.‬‬
‫والخطبة ‪ّ :‬‬
‫والخطيب هو ‪َ :‬م ْن يقوم بالخطابة في المسجد وغيره‪.‬‬
‫والخطبة نوع من النثر الفني ‪ ،‬له شأنه من التأثير ‪ ،‬يتم إلقاؤه على الجماعة أو جمهرة من الناس بهدف إقناعهم‬
‫بما يراه الخطيب من صالح العمل أو المنفعة للناس‪.‬‬
‫أن هذا ّ‬
‫الفن هو ‪ " :‬فن مخاطبة الجمهور وإقناعه واستمالته "‬ ‫وتكاد تتفق المراجع والمصادر على ّ‬
‫صدُ بهما التأثير في الجمهور‪ ،‬عن طريق السمع والبصر معا‪ .‬فباألسلوب‬ ‫فاإلقناع واالستمالة في الخطابة يُق َ‬
‫واإللقاء والصوت التأثير السمعي ‪ ،‬وبالنسبة لألثر البصري فإنه يتم عن طريقة األداء من خالل الهيئة والحركة‬
‫والمالمح ‪ .‬وكل تلك المؤثرات هي يظهر أساس فن الخطابة‪.‬‬
‫ويرتبط بتعريف الخطابة ‪ ،‬أنها تقوم على عناصر منها‪:‬‬
‫أن يكون الحديث مخاطبة لجمهور من الناس‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أن يكون أداء ال ُخطبة بطريقة إلقائية‪.‬أن يستميل المتلقي إلى مراده ‪ ،‬وتحقيق فائدة ما من خطبته‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أن يكون الحديث مقنعا بحيث يشتمل على أدلة وبراهين تثبت صحة الفكرة التي يدعو إليها الحديث‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أن يتوافر في الخطبة عنصر االستمالة وهذا يعني توجيه العواطف واستجابة أصحابها للرأي الذي‬ ‫‪-‬‬
‫تدعو إليه الخطبة ألن السامع قد يقتنع بفكرة ما‪.‬‬
‫وفن الخطابة ‪ ORATORY‬هو‪ " :‬مجموعة القواعد التي يلتزم بها الخطيب أثناء إلقائه الخطبة أمام الجمهور‬
‫‪ ،‬وذلك كرفع الصوت وخفضه أحيانًا ‪ ،‬ومراعاة الصور البالغية ‪ ،‬وتقسيم الخطبة إلى فقرات والضغط على‬
‫المواطن الهامة فيه‪" .‬‬
‫وتقوم عملية الخطابة ‪ -‬طبقا للتعريف السابق – على عناصر ثالثة ؛ هي‪:‬‬
‫‪ - ١‬الخطيب ؛ وهو ‪َ :‬م ْن يقوم بالخطابة في أي مكان بأي موضوع‬
‫‪ - ٢‬الخطبة ؛ وهي ‪ :‬ما يريد أن يقوله الخطيب ‪ ،‬وهي متنوعة المضمون‬
‫‪ -٣‬الجمهور ؛ وهو المتلقي المستفيد من ُخطبة الخطيب وبشكل مبسط‪:‬‬
‫الخطيب ← الخطبة – الجمهور‬
‫وقد تحدّث كثير من الباحثين عن سمات الخطيب الواجب توافرها فيه؛ ومنها‪:‬‬
‫‪ - ١‬االستعداد الفطري‪.‬‬
‫‪ - ٢‬الفصاحة‪.‬‬
‫‪ - ٣‬سعة الثقافة‪.‬‬
‫‪ -٤‬معرفة نفسية الجمهور‪.‬‬
‫‪ - ٥‬جودة اإللقاء‪.‬‬
‫‪ - ٦‬وغيرها‪.‬‬
‫وقد رأى أحد الدارسين أن للخطبة أنواعا‪:‬‬
‫الخطبة السياسية‬
‫حيث يشرح كل قائد فيها منهجه الذي سيتبعه في إدارة سياسته ‪ ،‬أو أن يوجه جنوده في الحروب ‪ " ،‬كما تتضمن‬
‫الخطب السياسية ما يُطلق عليه الخطب الحزبية التي تكون بين حزبين أو أكثر ‪ ،‬وكل يدافع عن أفكاره أو‬
‫ض بغيرها مما يزعمه منافسو حزب أو غيرهم‪.‬‬ ‫يعرضها ‪ ،‬ويُ َع ِّ ّر ُ‬
‫ومن نماذج هذه الخطب السياسية التي ذاعت في صدر اإلسالم وعصر األمويين ؛ خطبة أبي بكر الصديق‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬بعد توليه الخالفة بعد النبي صلى هللا عليه وسلم ؛ يقول فيها بعد أن ‪ .‬حمد هللا وأثنى عليه‪:‬‬
‫أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فاعينوني وإن أسأت فقوموني الصدق‬
‫أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء هللا والقوي فيكم ضعيف عندي‬
‫حتى آخذ الحق منه إن شاء هللا ال يدع قوم الجهاد في سبيل هللا إال ضربهم هللا بالذل وال تشيع الفاحشة في‬
‫قوم قط إال عمهم هللا بالبالء أطيعوني ما أطعت هللا ورسوله فإذا عصيت هللا ورسوله فال طاعة لي عليكم ‪.‬‬
‫قوموا إلى صالتكم يرحمكم هللا‪.‬‬
‫إن أبا بكر الصديق رضي هللا عنه في هذه الخطبة قد أعلن عن سياسته التي سوف يتبعها مع أبناء أمته ‪ ،‬وهي‬
‫سياسة تخضع للرقابة من أبناء أمته ‪ ،‬وتقبل نصيحته ‪ ،‬إنها سياسة يعتقد صاحبها ‪ -‬وهو الخليفة ‪ /‬الحاكم ‪ -‬بأنه‬
‫غير منزه عن الخطأ والنقص ‪ ،‬ولكنه معرض لهما ‪ ،‬ولهذا طالب أبناء أمته بأن يعينوه إذا سار على الحق ‪،‬‬
‫وأن تسدد خطاه ‪ ،‬إن انحرف إلى الباطل‪...‬‬
‫كما دعا الصديق رضي هللا عنه إلى أن من حق الناس أن يطيعوه طالما أنه أطاع هللا ‪ ،‬فإن عصا هللا كان‬
‫للمسلمين ‪ :‬أبناء األمة أن يتحللوا من خالفته ‪ ،‬وهذا هو منهج الصديق رضي هللا عنه يدعو إلى أن يأخذ العدل‬
‫مجراه في األمة ‪ ،‬ال يعترض سبيله قوى معتز بقوته ‪ ،‬وال ييأس منه ضعيف ال حول له وال قوة‪.‬‬
‫الخطب االجتماعية‬
‫وفيه يكون الخطيب يتناول شئون الفرد والمجتمع ‪ ،‬يريد أن ينهض بهما ‪ ،‬وأن يهديهما سواء السبيل ومن ذلك‬
‫النوع خطبة عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه التي يقول فيها‪:‬‬
‫أصدق الحديث كتاب هللا‪ ،‬وأوثق الغرى كلمة التقوى‪ ،‬وخير الملل ملة إبراهيم صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأحسن‬
‫الستئن سنة محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وشر األمور مخدَثاتها ‪ ،‬وخير األمور عزائمها؛ ما قل وكفى خير‬
‫مما كثر ‪،‬وألهى نفس تنجيها خير من إمارة ال تخصيها؛ خير ال ِغنى غنى النفس‪َ ،‬خير ما أ ْل ِق َي في القلب اليقين‪،‬‬
‫الخمر ِج َماع اآلثام‪ ،‬الناس ِحبَالَة الشيطان‪ ،‬الشباب شعبة من الجنون‪ ،‬حب الكفاية مفتاح ال َم ْع َجزة‪ ،‬من الناس‬
‫من ال يأتي الجماعة إال تبراً‪ ،‬وال يذكر هللا إال نَ ّزراً‪ ،‬أعظم الخطايا اللسان الكذوب‪ ،‬سباب المؤمن فسق وقتاله‬
‫كفر‪ ،‬وأكل لحمه معصية‪ ،‬من يتأل على هللا ي ْكذِبه ومن يغفر يغفر له مكتوب في ديوان المحسنين‪ :‬من عفا‬
‫عفي عنه‪ ،‬الشقي من شقي في بطن أمه‪ ،‬السعيد َمن و ِعظ بغيره‪ ،‬األمور بعواقبها‪ ،‬مالك األمر ‪،‬خواتمه‬
‫ت الشهادة‪ ،‬من يعرف البالء يصبر‬ ‫أحسن الهدي هدي األنبياء‪ ،‬أقبح الضاللة الضاللة بعد الهدى‪ ،‬أشرف المو ِ‬
‫عليه من ال يعرف البالء ينكره‪.‬‬
‫وتعد هذه الخطبة من درر الخطب العربية في صدر اإلسالم ‪ ،‬وفيها يركز الخطيب ؛ وهو الصحابي الجليل ‪:‬‬
‫عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه ‪ ،‬على بعض القيم الدينية التي تصلح من شأن أبناء المجتمع‪ ،‬ومنها النصائح‬
‫التي يقدمها المجرب ؛ مثل‪:‬‬
‫خير مما كثر وألهي‪.‬‬
‫ما قل وكفى ٌ‬ ‫‪-‬‬
‫نفس تنجيها خير من إمارة ال تخصيها ؛‬ ‫‪-‬‬
‫خير الغنى غنى النفس‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫ع اآلثام‪.‬‬
‫الخمر جما ُ‬ ‫‪-‬‬
‫الناس ِّح َبالةُ الشيطان‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫شعبة من الجنون حب الكفاية مفتاح ال َم ْع َجزة‪.‬‬ ‫الشباب ُ‬
‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫أعظ ُم الخطايا اللسان الكذوب‪ .‬سباب المؤمن فسق ‪ ،‬وقتاله كفر‪ ،‬وأكل لحمه معصية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫كبارا وشبابًا ‪ ،‬وهذه النصائح فيها من االستماالت العقلية ما فيها ‪،‬‬
‫ً‬ ‫وكل النصائح السابقة نافعة ألبناء األمة‬
‫وكذلك االستماالت العاطفية ‪ ،‬وهي بنوعيها أس الخطابة والهدف من قولها‪.‬‬
‫الخبر األدبي‬
‫يُعد الخبر األدبي ‪ Literary News‬من السرود العربية المعروفة في تراثنا األدبي ‪ ،‬وهي دائما تحتوي على‬
‫ذكر النوادر أو الطرائف أو أحاديث ‪ ،‬تناولها بعضهم في مناسبة ما ‪ ،‬ثم وعتها الذاكرة وعبرت عنها عبر وسيط‬
‫أو راو أو محدّث ‪ ،‬أو أحد اإلخباريين الذين يتحرون الدقة في النقل والتدوين‪.‬‬
‫والخبر في اللغة ‪ ،‬هو ‪ " :‬ما يُنقل أو يُحدث به قوالً أو كتابة ‪ ..‬أو هو ‪ " :‬معلومة تنقل ويُحدّث بها ‪.‬‬
‫واإلخبار ‪ -‬كاإلنباء ‪ -‬يرمي إلى معرفة الحقيقة ‪ ،‬وفيها معنى القص؛ ففي قولنا‪:‬‬
‫أخبرني أحدهم أن األمطار منهمرة بغزارة في بلد ما "‪ .‬ونستشعر من المثال على الرغم من بساطة تركيبه ‪-‬‬
‫خبرا ما ‪ ،‬وراء تبنّي ال ُمخبر (الذي أخبر ) للخبر ‪ /‬الحدث ‪.‬‬
‫أن هناك حكاية ما ‪ /‬حديثا ما ‪ً /‬‬
‫وثمة مالحظة في وجود كلمة مثل ‪ :‬أخبرني ‪ /‬أنبأني ‪ /‬بلغني ‪ /‬حدثني‪ ،‬وهي كلمات توحي بوجود الوسيط ‪/‬‬
‫المصدر ‪ ،‬أو ما يمكن أن نطلق عليه السند وغالبًا ما ترتبط مثل هذه الكلمات حين تتردد بمسند ‪ ،‬حتى يستريح‬
‫قائلها بأنه اعتمد على مصدر من مصادر الثقة ‪ ،‬وذلك لميل الخبر إلى التصديق أو التكذيب حين نتلقاه‪.‬‬
‫ويری أحد النقاد " أن اإلسناد آلية سردية ‪ ،‬يحرص المؤلف على توافرها في النص استجابة لنزوع ثقافي عربي‬
‫يؤثر الصدق والواقعية فالخبر ال يعرف به إال إذا ‪ ،‬كان الذي يبلغه معروفا ً بالصدق والعدالة‪ .‬بل إن الخبر الذي‬
‫تتوافر فيه الشروط المطلوبة هو الخبر الذي يبلغه عدة رواة ال يتعارفون وبالتالي لم يتفقوا على إذاعة خبر‬
‫كاذب ‪ .‬فهاجس اإلسناد األساس هو اإلقناع بصدق الكالم وحقيقة الحدث" وربما يكون " الخبر في أصله تاريخ‬
‫‪ ،‬فهو نوع من التفصيل لحادث ذي قيمة في حياة الجماعة"‬
‫وال ننسى أنه كان يتم " يتداول الخبر شفاهيًا ‪ ،‬وهو تبعا لذلك يفتقر إلى خصوصيات البناء المحكم ‪ ،‬كما يفتقر‬
‫إلى االنسجام والترابط ‪.‬‬
‫ذلك أن الشفاهية نزعة تضاد النظام والترتيب والتخطيط المسبق تراهن على التسرع والتلميح والوصول إلى‬
‫عنصرا‬
‫ً‬ ‫الحقيقة‪ .‬وعلى الرغم من توفر الرغبة الجمالية والتخييلية أثناء عملية سرد الخبر ‪ ،‬فإن الحقيقة تظل‬
‫طاغيًا ‪ ،‬يجب الوصول إلى الحكمة المطابقة الواقع يجب أن يكون الخبر موج ًها لإلنسان في حياته أكثر من‬
‫تحريك مخيلته وحسه الجمالي ‪ ،‬تبعا لذلك ‪ ،‬فإن من أخص خواص الخبر تأكيده على نقل الواقعة اإلخبارية نقالً‬
‫متتابعا ً دون إجراء أية انحرافات تخلخل بنية متنها‪ .‬فالرهان هنا ليس على المراوغة ومحاولة اإلخفاء واإلرجاء‬
‫والتشويق ‪ ،‬بل في النقل األمين والتمثل الواقعي (‪ )٥‬وقديما قيل ‪ :‬إن المؤرخين إخباريون العتماد التاريخ على‬
‫األخبار المروية من جيل إلى جيل‪ ،‬واالهتمام بتحري الدقة في النقل والحفظ والتدوين‪.‬‬
‫وأرى أن الخبر ببنيته السردية هو خبر ادبي يختلف عن بنية ال الصحفي ‪ /‬اإلذاعي أو التليفزيوني ؛ ألن األخير‬
‫يعتمد على اإلجابة الخبر عن مطلوبات منها ‪َ :‬م ْن ‪ ،‬ماذا ‪ ،‬أين ‪ ،‬متى ‪ ،‬كيف ‪ ،‬ولماذا ؟‬
‫وللخبر اإلعالمي له طرق في صياغته أو في بنائه الشكلي ‪ ،‬وذلك مرتبط ارتباطا ً وثيق الصلة بطبيعة كل‬
‫وسيلة من وسائل اإلعالم‪.‬‬
‫‪ ،‬ومن ففي الصحافة يتدخل موقع الخبر من الجريدة ‪ /‬المجلة الصفحة‪ ،‬ومن استخدام بنط الكتابة ‪ ،‬ثم طريقة‬
‫تحرير الخبر ‪.‬‬
‫وفي اإلذاعة يرتبط الخبر بطريقة األداء اإلذاعي ‪ ،‬وتظهر ههنا طبيعة االنفعال من مؤدي الخبر (المذيع ) ‪.‬‬
‫وفي التليفزيون تتخل الصورة الثابتة ‪ /‬المتحركة ‪ ،‬مع تحرير الخبر وأدائه‪ ،‬في عرض الخبر‬
‫أما الخبر األدبي فإنه يتميز بأنه ينقل سردا ما أو يحكي عن ناقل ‪ /‬مخبر ‪ /‬راو حكاية ما لها مغزاها‪.‬‬
‫وبطبيعة الحال يتحرى هذا ال ُمخبر الصدقة والدقة ‪ ،‬أو يتخيل ‪ ،‬فال يمكن أن تكون كل األخبار األدبية الواردة‬
‫في نصوصها القديمة صادقة تمام الصدق ؛ بل دخلها كثير من الخيال ‪ ،‬والتأويل والتفسير المعتمد على الخيال‬
‫ال الحقيقة‪.‬‬
‫وطبيعة األخبار األدبية المراد ذكرها ههنا تتحدد ببدايتها ؛ حيث يذكر مؤلف الكتاب ‪ ،‬وناقل الخبر اسم َم ْن‬
‫ُصرح بالفعل "أخبر" ‪ ،‬فيقال على سبيل المثال ‪:‬‬
‫أخبر ‪ ،‬بعد أن ي ّ‬
‫"أخبرنا فالن بن فالن ‪ ،‬عن فالن بن فالن أنه‪"...‬‬
‫نظرا ألهمية‬
‫ومثل هذه العبارة مألوف في غالب كتب التراث العربي بكل مجاالته ‪ ،‬فال يكاد يخلو كتاب منها ‪ً ،‬‬
‫الخبر في االستشهاد والتبرير‪.‬‬
‫وتتضح أهمية الخبر األدبي من مضمونه القائم " على حادثة طريفة أو نادرة تدل داللة واضحة على خلق ثابت‬
‫‪ ،‬فهو قصة شديدة البساطة ‪ .‬وإنما يظهر فن الكاتب فيما يسوقه من حوار ‪ ،‬فهو ال يضحي بالنبرة الطبيعية‬
‫للكالم في سبيل فصاحة اللغة ‪ ،‬وهو يجعل حديث المتكلم داال على شخصيته حتى لتكاد ال ترتسم منه صورة‬
‫كاملة"‬
‫وقد كثرت األخبار في كتب القدامى والمتأخرين ‪ ،‬وهي تعبر عن مواقف وقصص‪ ،‬يحكيها الكاتب في معرض‬
‫الحديث ‪ ،‬وأحيانًا يستشهد بها ‪ ،‬أو يدلل على شيء يريده ‪.‬‬

‫واألخبار في النصوص التراثية نوعان ‪:‬‬


‫‪ -‬أخبار بسيطة ‪ ،‬وهي في غالبه تتحمل حدثا بسيطا ‪ ،‬يتردد فيها قول ‪ /‬مثل ‪ /‬تفسير معنى كلمة ‪ /‬ذكر‬
‫بيت شعري‬
‫‪ -‬أخبار مركبة ‪ ،‬وهي التي تحتوي على السرد ‪ /‬الحكاية عن أشخاص كانت لهم أفعال أو أحداث ‪ ،‬ونقل‬
‫عنهم حوارعين‪ ،‬أو وصف معين‬
‫ومن المعلوم أن البنية السردية تتألف من ثالثة مستويات ؛ هي ‪:‬‬
‫‪ -‬الحوافز ؛ وهي وحدات صغيرة في الجمل يتألف منها الحكي وكل جملة تتضمن حافزا خاصا بها ‪.‬‬
‫والحوافز إما مشتركة وإما حرة ‪.‬‬
‫‪ -‬العوامل ؛ وهي الشخصيات التي تتوزع عليها الوظائف ‪ ،‬ولها عالقات كالرغبة والتواصل والصراع‪.‬‬
‫‪ -‬األفعال ؛ وهي مجموعة األعمال ( أو األحداث ث ) التي تقوم بها الشخصية‪.‬‬
‫والخبر بنية معروفة لكل من يتابع النصوص السردية التراثية ‪ ،‬فيبدأ الخبر بذكر ال ُمخبر أو الناقل (السند ) ؛‬
‫كأن يقال ‪ " :‬أخبرني ‪ /‬أخبرنا فالن بن فالن ‪ ،‬أو فالن قال ‪ .....‬نـ ثم يأتي مضمون الخبر (المتن ) ‪.‬‬
‫وأحيانًا يأتي اسم ال ُمخبر ‪ ،‬ويتلوه اسم من سمع منه أو نقل عنه ‪ ،‬كان يقال ‪ :‬أخبرني ‪ /‬أخبرنا فالن بن فالن ‪،‬‬
‫عن فالن ‪ ،‬قال ‪ ، ... :‬ثم يأتي مضمون الخبر أو المتن ‪.‬‬
‫شريرا ‪ ،‬يؤذي جيرانه ‪ ،‬ويشتم أعراضهم ‪ .‬فأتاه رجل فوعظه‬
‫ً‬ ‫األصمعي قال ‪ :‬كان رجل من أهل البصرة بذيا‬
‫فقال له ‪:‬‬
‫ما بال جيرانك يشكونك ؟‬
‫قال‪ :‬إنهم يحسدونني ‪.‬‬
‫قال له على أي شيء يحسدونك ؟‬
‫قال‪ :‬على الصلب‪.‬‬
‫قال‪ :‬وكيف ذلك؟‬
‫قال‪ :‬أقبل معي‪.‬‬
‫فأقبل معه إلى جيرانه فقعد متحازنا فقالوا له‪:‬‬
‫‪ -‬ما لك؟‬
‫قال‪ :‬طرق الليلة كتاب معاوية أنا أصلب أنا ‪ ،‬ومالك بن المنذر ‪:‬‬
‫وفالن وفالن ‪.‬‬
‫فذكر رجاالً من أشراف أهل البصرة ‪ ،‬فوثبوا عليه ‪ ،‬وقالوا ‪:‬‬
‫يا عدو هللا أنت تصلب مع هؤالء ‪ ،‬وال كرامة لك!‬
‫فالتفت إلى الرجل (الواعظ) فقال‪:‬‬
‫‪ -‬أما تراهم قد حسدوني على الصلب ‪ ،‬فكيف لو كان خيرا؟!‬

‫التحليل السردي للخبر ‪:‬‬


‫سوف يسير تحليل هذا الخبر من خالل مستويين ‪:‬‬
‫‪ - 1‬مستوى النص ‪:‬‬
‫صرح لنا بصفاته ؛ فهو ‪ :‬بذي‬
‫‪ ،‬بيد هذا خبر أورده األصمعي عن رجل من البصرة ‪ ،‬ولم يُذكر اسمه ‪ :‬أنه ّ‬
‫(بذيء) ‪ ،‬شرير ‪ ،‬يؤذي جيرانه ‪ ،‬ويشتم أعراضهم‪ .‬ومن الطبيعي أن تكون هذه الصفات قد بينت ما تتمتع به‬
‫هذه ‪ ،‬وللقارئ أن يتوقع ما سوف تقوم به هذه‬
‫الشخصية من أفعال ‪ ،‬تتالءم مع صفاتها ‪.‬‬
‫وسنالحظ أن الشخصية لم تفصح ‪ -‬مباشرة – عن صفاتها ‪ ،‬بل أخير عنها فهي تندرج ضمن الشخصيات‬
‫الحكائية ‪ /‬الدالة ‪ ،‬وهذه الداللة‬
‫ستكون حافزا لما هو متوقع حدوثه فيما بعد‬

‫وتتكون الحكاية في هذا الخبر من العناصر السردية اآلتية ‪:‬‬


‫أ‪ .‬الحوافز ‪:‬‬
‫وفيها ‪:‬‬
‫تطاول البصري على جيرانه وشتمهم وإيذائهم ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ظهور الواعظ (غير معروف (االسم) للرجل البصري ووعظه ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ذكر أسباب البصري في شتم الجيران (وهو حسدهم لصلبه)‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫اصطحاب البصري للواعظ ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫إظهار التحازن أمام القوم ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫إعالمهم بقرار الصلب مع علية القوم‬ ‫‪-‬‬
‫رفض الناس لذلك األمر ؛ فكيف يصلبون هذا التافه مع عليةالقوم ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫نهاية الحكاية بإثبات الحسد من الناس‬ ‫‪-‬‬
‫وسنالحظ أن النهاية مفتوحة ؛ لكي يضع تفاصيلها المروي له ‪ /‬عليه‪ ،‬فهو يستطيع استنتاج نهاية خاصة به ‪،‬‬
‫وبمفهومه للحكاية ‪ ،‬من خالل ما تركه السارد ‪ " :‬أما تراهم قد حسدوني على الصلب ‪ ،‬فكيف لو كان خيرا؟!"‬
‫‪ ،‬وستكون النهاية قابلة الحتماالت عديدة منطقية‬
‫وقد نتج من عناصر الحكاية ‪ ،‬وظائف صغرى اندرجت في سياق الوحدة الوظيفية داخل اإلطار الخبري م‬
‫الحكائي ؛ وهي ‪:‬‬
‫إتيان الواعظ للبصري البذيء ليعظه‬ ‫‪-‬‬
‫اصطحاب البصري الواعظ إلى مقر قومه ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تظاهر البصري بالحزن أمام قومه ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫إصدار قرار اللخليفة معاوية بالصلب للبصري مع علية القوم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وصارت هذه الوحدات الوظيفية بنظام السرد التتابعي لألحداث‪.‬‬
‫إيذاء وشتم ‪ »-‬وجود الواعظ ‪ »-‬الحسد سبب الشتم‪ »-‬اصطحاب البصري للواعظ‪ »-‬التحازن ‪ »-‬وهكذا حتى‬
‫النهاية‪.‬‬
‫وتوزعت هذه األحداث بوظائفها الصغرى في فراغات النص السردي ‪.‬‬
‫ب العوامل ‪:‬‬
‫ولع ّل شخصية البصري التي نعرفها جيدًا من صفاتها فهو شخص شرير استطاع أن يقنع الواعظ بأنه طيب‬
‫مسكين ومحسود ‪ .‬كما استطاع تمثيل الحزن ‪ ،‬وتبريره بصلبه مع علية القوم بأمر الخليفة معاوية ‪.‬‬
‫وهذا البصري ‪ -‬بكونه "شريرا" ‪ -‬داهية يقلب األشياء لمصلحته‪..‬‬
‫والمحك الرئيسي هو الوظيفة التي بة في شخصية البصري عليها الخبر ‪ ،‬ثم ارتباط هذه الوظيفة بالعوامل‬
‫األخرى ‪ ،‬شخصية‪:‬‬
‫البصري ‪ ،‬والواعظ ‪ ،‬والقوم‪.‬‬
‫وقد نشأت من خالل عوامل السرد في هذا الخبر عالقات ‪ :‬الرغبة ‪ ،‬والتواصل‪ ،‬والصراع ‪.‬‬
‫فتتكون عالقة الرغبة في شخصية البصري مع نفسه الشريرة‪.‬‬
‫وتتكون عالقة التواصل بين البصري والواعظ‪.‬‬
‫وعالقة الصراع تتضح بين البصري وقومه ‪.‬‬

‫‪ 2‬مستوى الخطاب ‪:‬‬


‫أ‪ .‬السارد ‪:‬‬
‫يتحدد السارد ‪ /‬الراوي في النصوص الحكائية التراثية من بداية النص وهنا يفتتح الخبر بـ‪ :‬األصمعي قال ‪:‬‬
‫والراوي ‪/‬السارد ههنا هو شخص األصمعي الذي قام برواية الخبر دون مشاركة في تمثيله ‪.‬‬
‫وسمي وقد يكون األصمعي قد نقل عن شخص آخر هو "المؤلف الضمني" الذي لم يذكر صراحة هنا ‪ ،‬فقد‬
‫يكون الكاتب نفسه ‪ ،‬الذي يجسد مقولة الراوي األول‪ . ،‬بذلك لبعد المسافة فأصبح مفارقًا لمرويه ‪ .‬ثم أسندت‬
‫الرواية لألصمعي ‪ - .‬وهو راو مفارق لمرويه أيضا – إال أنه قريب من مجريات الحدث‪ ،‬فكأنه شاهد عليها‬
‫دون تدخل منه للمشاركة في أحداث الخبر ‪.‬‬

‫ب نمط السرد ‪:‬‬


‫وعلى ما سبق يكون نمط السرد هنا من نمط السرد الموضوعي ‪ . Objective Narrative‬كما كانت الرؤية‬
‫من نوع الرؤية من الخلف ‪ Vision from behind‬؛ حيث كان السارد يعرف أكثر من الشخصيات ‪.‬‬
‫ومن هنا يتضح أن الضمير الذي استخدمه السارد هو ضمير الغائب‪ ،‬وقد اختفى وراءه ‪ ،‬لدراية السارد بصفات‬
‫الشخصية وبأفعالها ‪ ،‬فبدت روايته موضوعية بعيدة عن الزيف والتحريف‪.‬‬
‫كما أتاح استخدام ضمير الغائب حرية في الوصف المسهب ؛ فقد وصف السارد الرجل البصري‪ ،‬الذي كان ‪:‬‬
‫بنيا ‪ /‬شريرا ‪ /‬يؤذي جيرانه ‪ /‬يشتم أعراضهم‪..‬‬
‫عا من التعالق بين السارد ومرويه ‪ ،‬ونشعر مع هذا التعالق بتاريخية األحداث‬
‫كما حقق الضمير الغائب نو ً‬
‫ومنطقيتها ‪ ،‬فحين يعبر السارد قائال ‪ " :‬فأقبل معه على جيرانه ‪ ..‬فذكر رجاالً من أشراف أهل البصرة " ‪،‬‬
‫فالسارد ههنا يقوم بوظيفة إخبارية تجسدت في بنية الخطاب السردي ‪.‬‬

‫ت‪ .‬فضاء الزمن السردي ‪:‬‬


‫يمكن القول ‪ :‬إن الزمن السردي قد جرى بصورة طبيعية على هذا النحو ‪ :‬ماض» حاضر مستقبل‬
‫وهذا الترتيب أو التتابع ‪ Chronicle‬لألحداث قائم على أساس‪:‬‬
‫المنطقية والسببية في التسلسل الحكائي لبنية المروي السردي ‪( :‬كان رجل‪ )...‬ترتب عليه (فأتاه رجل فوعظه)‬
‫‪ ،‬فارتبط مجيء الواعظ وتعلق بحصول اإلخبار عن هذا الرجل البصري ‪ .‬واستمرار هذه السلسلة في تتابعها‬
‫التاريخي دون انقطاع ‪ ،‬فهي حركة منتظمة تواكب حركة التاريخ ‪:‬‬
‫زمن الحكاية ‪ .‬تكرار الفعل "قال" ست مرات تتيح للقارئ أن يتأمل في بنية المروي ‪ .‬وحين ينفتح المشهد‬
‫الحواري البصري والقوم) تتضح تفسيرات قد غمضت فيما سبق ‪ ،‬تبدأ باالستهالل "فقالوا ‪ :‬مالك؟ "‪ .‬وهذا‬
‫المشهد سمح باتساع مجال الحوار ألكثر من شخصين ‪:‬‬
‫زمن السرد التاريخي ومن المالحظ أيضا أن هناك حركة سردية اتصفت باإلبطاء ثم التوقف عندها لحظات ‪،‬‬
‫ومنها لحظة افتتاح المشهد الحواري األول بين البصري والواعظ ‪" :‬فقال له ‪ :‬ما بال جيرانك يشكونك ؟"‬
‫وينتهي بالقول أيضا في جملة ‪ :‬قال ‪ :‬أقبل معي‪ ...‬وسنالحظ‬
‫وتقينة الحوار في هذا الخبر ‪ ،‬وهي نوع من التقنيات التي توقف الزمن السردي ‪ .‬وقد توقف الزمن للحظات ‪،‬‬
‫حيث نرى تشكيال للغز ما أو استفهام في بداية حوار البصري والواعظ ‪،‬وتعرض البصري للحسد ‪ ،‬فيجيب‬
‫البصري ‪ :‬على الصلب" ‪ .‬والوقفة هنا‬
‫أ‪ .‬البصري ‪ +‬القوم‬
‫ب البصري ‪ +‬الواعظ‪.‬‬
‫والبصري ‪ -‬كما نرى ‪ -‬هو مدار المشهد هنا ‪ ،‬ونقطة االرتكاز األساسي له ‪.‬‬
‫وإذا كان الحوار قد شكل توقفا لحظيا داخل بنية الخبر ‪ ،‬فإن الوقفات الوصفية أسهمت بدورها في تشكيل وقفات‬
‫لحظية ‪ .‬ومن أبرز هذه الوقفات ما نطالعه في مفتتح الخبر ‪:‬‬
‫"يؤذي جيرانه ‪ ،‬ويشتم أعراضهم ‪".‬‬
‫فقد أوجب الوصف وقفة استراحة ‪ ،‬مالت نحو التفسير والتفصيل ‪ ،‬بعد تحديد السارد للوصف األول ‪ :‬بنيا ‪/‬‬
‫شريزا الذي تطلب وصفا يوضحه‪ .‬س‬
‫وقفة وصفية لحال البصري الممثل لحال الحزن أمام شخصيات قومه ‪ ،‬والواعظ ‪ ،‬وهنا نتوقف لنتأمل بالخيال‬
‫انعكاس حزن البصري على الوجوه وكرد فعل لهم سألوه ‪ :‬مالك ؟‬
‫وفي النهاية أقول ‪:‬‬
‫إن فضاء الزمن السردي في هذا الخبر بم يتعرض للتشظي أو االنكسار ‪ ،‬سواء أكان باالسترجاع ألحداث‬
‫سابقة أو االستباق بأحداث الحقة ‪ ،‬بل سار الزمن طبيعيًّا ‪ ،‬على الرغم من قطع سير السرد بالحوار والوقفات‬
‫الوصفية ‪.‬‬
‫سارد ‪ :‬سرد سرد (قطع ‪ /‬حوار) سرد ‪ -‬سرد (قطع ‪ /‬وقفة وصفية) سرد ‪ ----‬قارئ‬

You might also like