You are on page 1of 37

‫األدب في العصر اإلسالمي‬

‫مفهوم أدب عصر صدر اإلسالم‬


‫يقصد باألدب في عصر صدر اإلسالم‪ ،‬هو النتاج الثقافي واألدبي من لغة وأدب وشعر ونثر خالل الفترة الممتدة من بعثة النبي محمد إلى آخر أيام الخلفاء الراشدين‪ ،‬والذي ينتهي بمقتل علي‬
‫بن أبي طالب عام ‪ 40‬هـ‬
‫ولقد حصر علماء اللغة واألدب والنقاد مصادر األدب في عصر صدر اإلسالم إلى ثالثة مصادر رئيسية هي القرآن‪ ،‬والحديث‪ ،‬واألدب الجاهلي‪ ،‬فقد استلهم األدب اإلسالمي أفكاره وأساليبه‬
‫من هذه المصادر الثالثة ‪ ،‬واقتفى الشعراء أثر هذه المصادر‪ ،‬وسوف نتحدث هنا عن القرآن والحديث النبوي‪ ،‬أما األدب الجاهلي فهو عصر سابق للعصر الذي نتحدث به‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬القرآن الكريم‬
‫هو كالم هللا ومعجزة النبي محمد‪ ،‬تحدى هللا به بالغة اإلنس والجن‪ ،‬وهو حجة هللا على الناس كافة وعلى العرب خاصة؛ ألنه نزل بلغة العرب‪ ،‬فيه تبيان لكل شيء‪ ..‬والقرآن كنز الحكمة‬
‫والعلم والمع رفة ما فرط هللا فيه من شيء‪ ،‬وال تزال األيام تكشف من عجائبه كل يوم جديد ‪ ..‬وانقسمت سور القرآن الكريم الى سور مكية واخرى مدنية ‪ .‬فأما السور المكية فكلها تدور حول‬
‫توحيد هللا وإثبات وحدانيته بأدلة من آياته ومخلوقاته‪ ،‬وتعظيم أمر التوحيد والترغيب فيه بالجنة‪ ،‬وته ويل أمر الشرك وإنذار المشركين بعذاب جهنم وأما السور المدنية ففيها تشريعات سياسية‬
‫وقضائية واجتماعية وعسكرية‪ ،‬تكفل سعادة الفرد والمجتمع وفيها أيضا ً أداب ترسم طرق األخالق الكريمة‪ ،‬وتأمر بكل معروف وتنهى عن كل منكر‪ ،‬ثم إنها توضح فروض العبادات‬
‫والمعامالت وقد نزل القرآن بلغة قريش وفيه بعض ألفاظ من لغات القبائل المضرية واليمنية‪ .‬فقد ذكروا أن كلمة (فشل) بمعنى جبن هي من لغة حمير‪ ،‬وأن كلمة (األرائك) بمعنى (األسرة)‬
‫هي أيضا ً يمنية وأن كلمة (الموئل) بمعنى (الملجأ) هي من لغة كنانة وأن كلمة (السائح) بمعنى الصائم هي من لغة هذيل‪ .‬أما األلفاظ التي قيل أنها أعجمية كاإلبريق والسندس واإلستبرق‬
‫والكافور واألكواب والقوارير فالمعتقد أنها في حكم العربية وأنها كانت جزءا ً من لغة العرب قبل نزول القرآن بقرون طويلة والدليل قول القرآن ‪( :‬إنا أنزلنه قرءانا عربيا ً لعلكم تعقلون)‪.‬‬
‫علما ً بأن هللا أيد رسله بمعجزات‪ ،‬وكانت معجزة كل رسول من جنس ما يحسنه قومه‪ ،‬فلما كان السحر منتشرا ً في زمن موسى جاءت معجزته بما هو أعظم من أعمال السحرة وهو العصا‪،‬‬
‫وانفجار الصخر وانفالق البحر ولما كان قوم عيسى ‪ ،‬بارعين في الطب جاءت معجزته بإبراء األكمه واألبرص وإحياء الموتى‪ .‬ولما كان العرب في الجاهلية يتباهون بالبيان والبالغة‬
‫جاءت معجزة محمد بالقرآن‪ .‬فقد تحدى هللا العرب أن يأتوا بمثله‪ ،‬بما فيه من بديع نظم ؛ وحسن تأليف وروعة أسلوب‪ ،‬ودقة عرض‪ .‬ولذا فعندما سمعه العرب وهم أمراء البيان أكبروه‬
‫وعجزوا عن أن يردوه إلى نوع من أنواع الكالم المعروفة فقالوا مضطربين ‪ :‬إنه شعر شاعر‪ ،‬أو فعل ساحر‪ ،‬أو سجع كاهن‪ ...‬ووصفهم إياه بأنه نوع من هذه األنواع التي تشترك في فتنة‬
‫العقل دليل على فعله القوي في نفوسهم‪ .‬وببالغة القرآن تحدى هللا العرب‪ ،‬إال أن هناك وجوها ً أخرى إلعجاز القرآن لم يقع فيها التحدي ولقد كانت ألفاظ القرآن لها نسق بالغي حير العقول‬
‫وأعجز البلغاء‪ ،‬فما تستطيع مهما أوتيت من بالغة أن تستبدل بكلمة واحدة من القرآن كلمة مثلها في بالغتها‪ .‬واآليات القرآنية مسجوعة الفواصل غالباً‪ ،‬وهذا من حكمة هللا جل وعال‬
‫وفضله؛ ألن السجع سهل على القراء حفظها‪ .‬ولكل من السور المكية والمدنية خصائص تتميز بها غالبا ً فالسور المكية قصيرة ‪،‬اآليات‪ ،‬أسلوبها يثير العواطف والعقول معاً‪ ،‬وهي حارة‬
‫اللهجة فيها تهويل وتكرار وجدل وإقناع والسور المدنية طويلة ‪،‬اآليات هادئة اللهجة‪ ،‬عذبة األلفاظ فيها وضوح يناسب التعليم ودقة تناسب التشريع‪.‬‬
‫ومن خصائص أسلوب القرآن‪:‬‬
‫‪- 1‬التكرار ‪ :‬وذلك لتثبيت المعنى في النفوس‪ ،‬ومن السور التي يتضح فيها التكرار البليغ سورة القمر‪ ،‬وسورة الرحمن‪ ،‬وســــورة المرسالت‪.‬‬
‫‪ - 2‬االلتفات ‪ :‬وهو االنتقال من ضمير إلى ضمير كأن ينتقل من ضمير الغائب إلى المخاطب أو المتكلم كقول القرآن ‪( :‬وحشرنهم فلم نغادر منهم أحدا ً وعرضوا على ربك صفا ً لقد جئتمونا‬
‫كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعداً) فقد تكلم هللا عن المشركين بضمير الغائب قوله ‪( :‬وحشرناهم) ثم بضمير المخاطب في قوله‪( :‬جئتمونا)‪ .‬وتكلم جل وعال عن نفسه‬
‫فقال‪( :‬وحشرناه م بضمير المتكلم ثم قال ‪ :‬وعرضوا على ربك)‪ .‬والسر في بالغة االلتفات أن إطالة اإلنصات إلى أسلوب واحد تأتي بالرتابة على المعنى‪ ،‬ومن ثم فهو يأتي مزيالً لتلك‬
‫الرتابة ومجددا ً لنشاط السامع‪.‬‬
‫‪- 3‬اإليجاز ‪ :‬ولذلك فقد اجتمع بين دفتي المصحف من أمر التشريع والعقيدة والعلوم مالم تتسع له مجلدات التفسير الكبيرة‪.‬‬
‫‪ 4‬ضرب المثل ‪ :‬ومعظم أمثال القرآن محسوسة ؛ وذلك لتثبيت األمور المعنوية وتوضيحها في األذهان‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الحديث النبوي‪:‬‬
‫الحديث ‪ -‬أو السنة النبوية ‪ -‬هو قول الرسول أو فعله أو تقريره‪ .‬والحديث هو المصدر الثاني من مصادر التشريع في اإلسالم بعد القرآن وربما جاء في نفس المرتبة ألن هللا قد أعطى لنبيه‬
‫حق التشريع في بعض األمور فالقرآن احتوى على أصول الدين وقواعد األحكام العامة ونص على بعضها وترك بيان بعضها الباقي للرسول‪ .‬وتتخلص وظائف الحديث في توضيح القرآن‬
‫وتفصيل إجماله وتقييد إطالقه وتخصيص عمومه‪ ..‬وهو أية في الفصاحة والبالغة وقمة في البيان وهو أبلغ كالم صدر عن بشر ولكن بالغة القرآن في أفق ال تناله بالغة اإلنسان‪ .‬وترجع‬
‫بالغة النبي إلى عدة أسباب‪ :‬أولها ‪ :‬أنه مؤيد بالوحي واإللهام‪ .‬ثانيها ‪ :‬موهبته الفطرية‪ .‬وثالثها ‪ :‬نشأته في قريش واسترضاعه في بني سعد وهم افصح العرب‪ .‬ورابعها تضلعه من لغة‬
‫القرآن وعلمه بلغة العرب‬
‫وللحديث الشريف عدة خصائص‬
‫‪ - 1‬إنه يحمل إيجازا بليغا فاأللفاظ القليلة تشتمل على معان كثيرة كقوله "قل آمنت ثم استقم"‪ .‬ولهذا سمي جوامع الكلم‪.‬‬
‫‪- 2‬إنه خال من التكلف والزخرف ينساب من طبع صادق ونبع غزير صاف‪.‬‬
‫‪ - 3‬إن معانيه مستقاة من معاني القرآن ومقاصده ولذلك فإن أغلب أحكامه ما هي إال صدى لصوت القرآن‪.‬‬
‫‪- 4‬إنه سهل اللفظ يخاطب في سهولته العامة والخاصة مع مالءمته لحالة المخاطب‪.‬‬
‫‪- 5‬إن فيه كثيرا من األمثال التي توضح المعنى وتقربه إلى األذهان‪.‬‬
‫نماذج من جوامع الكلم‬
‫‪" 1‬إنما بعثت فيكم ألتمم مكارم األخالق"‬
‫‪" - 2‬الجنة تحت ظالل السيوف"‬
‫‪"- 3‬ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس"‬
‫‪" - 4‬ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"‬
‫‪" -4‬العلماء ورثة األنبياء "‬
‫‪" 6‬من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فليصل رحمه"‬
‫ما موقف اإلسالم من الشعر؟‬
‫يظن بعض دارسي األدب أن اإلسالم حارب الشعر بينما الصحيح انه لم يحاربه لذاته وإنما حارب الفاسد من مناهج الشعراء ويتمثل هذا المعنى في اآلية التي صنفت الشعراء إلى فئتين فئة‬
‫ضالة وأخرى مهتدية حيث يقول ‪ ( :‬والشعراء يتبعهم الغاوون * الم إال تر أنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون ما ال يفعلون الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا هللا كثيرا وانتصروا‬
‫من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) بل إن اإلسالم ذهب إلى أبعد من هذا حين اتخذ الشعر سالحا من أسلحة الدعوة وعده نوعا من أنواع الجهاد فجعل الشاعر على‬
‫ثغرة من ثغور اإلسالم ال يسدها إال هو وأمثاله من األدباء ‪ ..‬وقد أدرك اإلسالم قيمة الكلمة الشعرية وشدة تأثيرها ولذا كان النبي يشجع الشعر الجيد المنطوي على مثل عليا وكان يستمع إليه‬
‫ويعجب بما اشتمل عليه من حكمة حتى لقد قال إن من البيان لسحرا وان من الشعر لحكمه‪ .‬ولما استأذن حسان بن ثابت في الرد على المشركين أذن له وقال اهجهم ومعك روح القدس كما‬
‫كان يستزيد الخنساء من الشعر فيقول "هيه هيه يا خناس" وهكذا كان الصحابة رضوان هللا عليهم حيث كانت سيرتهم تبعا لما جاء به الرسول فقد اقتفوا أثره وتحروا سنته فما نفع من الشعر‬
‫أو حسن قبلوه وشجعوه عليه‪ ..‬وما كان فيه ضرر أو قبح نبذوه وحاسبوا عليه‪ .‬وخالصة القول أن اإلسالم وقف من الشعر موقفا وسطا فلم يؤيده ولم يعارضه وإنما عده كالما كأي كالم‬
‫فحسنه حسن وهو مقبول وسيئة سيئ وهو مرفوض وما يقال عن الشعر يقال عن بقية فنون األدب األخرى‪.‬‬
‫كيف كانت حال الشعر في صدر اإلسالم؟‬
‫يذكر بعض دارسي األدب أن الشعر في هذا العصر قد أصيب بالضعف وتعرض لفترة من الركود وفي هذا الكالم شيء من الخطأ وشيء من الصواب‪ .‬إما أنه أصيب بالضعف فكالم غير‬
‫صحيح ألنه مبني على‬
‫خلط بين الضعف من جهة وبين اللين والسهولة من جهة أخرى ‪ ..‬وذلك ألن اإلسالم صادف في العرب قلوبا قاسية فأالنها‪ ،‬وطباعا جافية فرققها‪ .‬ومن ثم أصبح الشعراء يختارون من‬
‫الكلمات ألينها ومن األساليب أسهلها وابتعدوا عن األلفاظ الجافة الغليظة والتراكيب الوعرة ‪ .‬وشعر حسان في الجاهلية واإلسالم خير شاهد على ما نقول وإما أنه تعرض لفترة من الركود‬
‫فصحيح ‪..‬وذلك لألسباب‬
‫التالية ‪:‬‬
‫‪ - 1‬انبهار العرب ببالغة القرآن حيث مألت عقيدة اإلسالم وآدابه نفوسهم‪ ..‬وفي أثناء ذلك شغلوا بالفتوحات فصرفهم كل ذلك عن قول الشعر إال قليال‪ .‬ولعل أدل واقعة تدلل على شدة‬
‫االنبهار هي قصة الوليد ابن المغيرة ومقولته الشهيرة واصفا ً القرآن (الوليد بن المغيرة‪ :‬وهللا إن له لحالوة وإن عليه لطالوة وإن أسفله لمغدق وإن أعاله لمثمر وإنه ليعلو وال يعلى عليه وإنه‬
‫ليحطم ما تحته وما يقول هذا بشر‪).‬‬
‫‪ -2‬سقوط منزلة الشعراء لتكسبهم بالشعر وخضوعهم في سبيل العطاء للممدوحين وبذلك عال شأن الخطابة وانخفض شأن الشعر وخصوصا بعد أن صارت الخطابة هي الوسيلة الطيعة‬
‫المرنة لنشر دعوة اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -3‬إن نفرا ً من الشعراء الذين ظلوا على الشرك من أمثال عبد هللا بن الزبعري هجوا رسول هللا فأمر النبي بترك رواية شعرهم‪.‬‬
‫‪ -4‬إن اإلسالم حارب العصبيات وحرم الخمر وقاوم الهجاء القبلي المقذع والغزل الفاحش ولم يشجع رحالت اللهو والقنص وكل هذه األمور كانت وقودا جزال لشعلة الشعر فلما قاومها‬
‫اإلسالم اقتصرت أغراض شعر المخضرمين على مناقضة شعراء المشركين وعلى مدح الرسول وأصحابه‪ ...‬ومع هذا فلم يخل هذا العصر من أصوات شاعرية عذبة انبعثت من أمثال لبيد‬
‫بن ربيعة والخنساء وحسان بن ثابت وكعب بن زهير وعبد هللا بن رواحة وكعب بن مالك وغيرهم‪ .‬ويعد الشعر في عصر صدر اإلسالم امتدادا لسابقه في العصر الجاهلي ألن شعراء هذا‬
‫العصر هم أنفسهم شعراء العصر الجاهلي ولهذا فقد كانوا يسمون بالمخضرمين إال أن هذا ال يمنع أن يكون قد حدث شيء من التغيير في أسلوب الشعر ومعانيه‪ .‬أما أسلوب الشعر في هذا‬
‫العصر فقد اختلف بشكل يسير عن أسلوب الشعر الجاهلي وذلك من خالل تأثره بأسلوب القرآن وأسلوب الحديث وتأثره بعاطفة المسلم الرقيقة فالورع والتقوى ومخافة هللا أوجدت أسلوبا‬
‫يبتعد عن الجفاء والغلظة والخشونة التي أبرز سمات الشعر الجاهلي ؛ ومن هنا فقد أصبح الشاعر اإلسالمي يختار األلفاظ اللينة والتراكيب السهلة الواضحة التي تؤدي المعنى بشكل دقيق‬
‫وأ ما أوزان الشعر وأخيلته ونظام القصيدة فقد بقيت على ما كانت عليه في العصر الجاهلي ألن مثل هذا التغيير يتطلب وقتا ليس بالقصير ‪ ..‬وأما معاني الشعر فقد اختلفت بشكل كبير عن‬
‫معاني الشعر الجاهلي الذي لم يكن يقف عند حد معين أو فكر محدد ومن ثم أصبح الشاعر في هذا العصر يختار من المعاني ما يخدم اإلسالم ويدعوا إليه مستقيا ً معظم هذه المعاني من‬
‫القرآن والحديث‪ .‬ولكن من غير المقبول أن يقال إن معاني الشعر اإلسالمي قد انفصلت انفصاالً تاما ً عن معاني الشعر الجاهلي ألن األدب الجاهلي ‪-‬كما ذكر سابقا ‪ -‬هو المصدر الثالث من‬
‫المصادر ا لتي يستقي منها األدب اإلسالمي أفكاره وأساليبه ولهذا فان المعاني التي أهملها الشعر هي المعاني التي نفاها اإلسالم فلم تعد صالحة للبقاء كالشعر الذي يدعوا للعصبية وكالغزل‬
‫الفاحش والهجاء المقذع والمدح الكاذب ووصف الخمر‪.‬‬
‫أما المعاني التي لم ينفها اإلسالم فقد بـ ــقيـــــت متداولة لدى الشعراء مع تغير القيم التي يعتمدون عليها في تلك المعاني فإذا كانت قيم المدح في الجاهلية هي الشجاعة والكرم والجود فإنها‬
‫في اإلسالم تعني التمسك بالدين والتحلي بحسن الخلق والورع والزهد وإذا كانت قيم الفخر في الجاهلية هي األحســـــاب والقبيلة فإنها في اإلسالم تعني االنتساب لإلسالم وإتباع الرسول‬
‫وهكذا في بقية األغراض إال أن هذا ال يمنع أن يجمع الشاعر بين القيم القديمة والقيم الجديدة التي جاء بها اإلسالم‪ .‬وأخيرا نشير إلى أن هناك موضوعات جدت وطرأت في هذا العصر‬
‫كشعر الدعوة ونشر عقائد اإلسالم ووصف الفتوحات اإلسالمية وأماكن الجهاد كما وجدت في هذا العصر البذرة األولى للشعر السياسي الذي برز فيما بعد في عصر بني أمية بسبب تعدد‬
‫األحزاب السياسية‪.‬‬
‫ما األثر األدبي الذي أحدثه اإلسالم في أ ُ َّمة العرب؟‬
‫‪- 1‬أصبح األدب واسع المعاني ومتعدد األفكار‪.‬‬
‫‪- 2‬اقتبس األدباء من القرآن والحديث مما جعل نتاجهم األدبي أشد روعة وأكثر تأثيرا ً‪.‬‬
‫‪- 3‬أمد اإلسالم األدب بكثير من األلفاظ الجديدة (الجنة ‪ ،‬الصراط ‪ ،‬النشور ‪ ،‬الزكاة)‬
‫‪ - 4‬خلص اإلسالم األدب من الشوائب كالشعر الذي يدعو إلى العصبية والغزل الفاحش وغيره‪.‬‬
‫أغراض الشعر وخصائصه الفنية في صدر اإلسالم‬
‫صدر االسالم هو الشعر الذي بدأ في عهد رسالة خاتم المرسلين محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكان أكبر ما شهده تغير ملموس عن ريح الجاهلية نظرا ً لتأثير القرآن الكريم والحديث النبوي‬
‫الشريف فيه‪ .‬منذ فجر اإلسالم اتصف هذا الشعر بالضعف عن سابق ما عهده الناس في الجاهلية نظرا ً للذهول أمام التعبير الذي جاء به القرآن الكريم ‪ ،‬ولكنه يبقى الشعر الذي ساند‬
‫المسلمين في فتوحاتهم وانتصاراتهم فضالً عن األبيات التي تتضمن مدح نبينا الكريم‬
‫أغراض الشعر في العصر اإلسالمي‬
‫‪ -1‬الوعظ واإلرشاد‬
‫‪- 2‬شعر الفتوحات اإلسالمية‬
‫‪- 3‬الفخر والحماسة‬
‫‪ - 4‬المديح‬
‫‪- 5‬هجاء المشركين‬
‫‪ – 6‬الرثاء‬
‫أوالً ‪ -‬الوعظ واإلرشاد‬
‫حاول الشعراء في صدر اإلسالم اإلفادة من ف ّنهم الشعري لتحقيق تلك الغاية النبيلة التي دعا إليها القرآن كقوله تعالى ‪" :‬ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" وأكدها رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه‬
‫وسلم بقوله "الدين النصيحة"‪ .‬و يعد "صرمة بن أبي أنس األنصاري" طليعة ا لشعراء اإلسالميين الذين كتبوا في الوعظ والنصيحة ففي قوله عن واجب صلة األرحام‪:‬‬
‫يا بني األرحام ال تقطعوها *** وصلوها قصيرة من طوال‬
‫وفي قوله عن اليتيم الضعيف وعن حقه وحرمانه‪:‬‬
‫واتقوا هللا في ضعاف اليتامى *** واعلموا َّ‬
‫أن لليتيم وليــــــا‬
‫ربما يستحيل غير الحالل *** عالما ً يهتدي بغير السؤال‬
‫وفي قوله عن التعاون بالتزام المعروف‬
‫"واجمعوا أمركم على البر والتق *** وى وترك الخنا وأخذ الحالل‬
‫ويتبع الوعظ واإلرشاد لون مهم يدعى الوصايا‪..‬ومن أشهر الوصايا في اإلسالم وصية "أبي قيس بن األسلت" حيث يقول‪:‬‬
‫يقول أبو قيس وأصبح غاديا ً *** أال ما استطعتم من وصاتي فافعلوا‬
‫فأوصيكم باهلل والبر والتقى *** وأعراضكم‪ ،‬والبر باهلل أول‬
‫وإن قومكم سادوا فال تحسدن *** وإن كنتم أهل الرياسة فاعدلوا‬
‫وقد قال الشاعر عبدة بن الطيب في وصيته‬
‫إن من يركب الفواحش سرا ً *** حين يخلو بسوءة غير خال‬
‫كيف يخلو وعنده كـاتباه *** شاهداه ‪ ،‬وربع ذو المحال‬
‫فاتق هللا ما استطعت وأحسن *** إن تقوى هللا خير الحالل‬
‫ثانيا ً ‪ -‬شعر الفتوحات اإلسالمية‬
‫حبب هللا الجهاد إلى نفوس المسلمين ‪ ،‬وحثهم عليه القرآن لكريم ‪ ،‬وأيضا ً ما جاء في الحديث النبوي الشريف ‪ ..‬ترددت حينها المعاني اإلسالمية الجديدة في قلب الشعر العربي وأضافت عليه‬
‫كلمات المجاهدين وروح الشهداء يعبر الشاعر جميل بن سعيد عن عقيدة المجاهدين الصادقين في القتال ‪ ،‬حيث يقول ‪:‬‬
‫ولست أبالي إن قتلت *** ألنني أرجي بقتلي في الجنان مقامي‬
‫و في فتح دمشق‪ :‬يقول ضرار بن األزور يبتدر لحرب الروم في فتح دمشق‪:‬‬
‫أقمع بسيفي الروم حتى أحل *** مالي سواك في األمور من أمل‬
‫كانت أشعار الفتوحات أناشيد رائعة تزخر بروح اإليمان واالستبسال ‪ ،‬كقول خالد بن الوليد‪:‬‬
‫هبوا جميع أخوتي أرواحا ً *** نحو العدو نبتغي الكفاحا‬
‫نرجو بذاك الفوز والنجاحا *** إذا بذلنا دونه أرواحا‬
‫ويرزق هللا لنا صالحا ً *** في نصرنا الغدق والرواحا‬
‫وكذلك الحض على القتال ينشد الشاعر رفاعة بن زهير المحاربي قائالً‪:‬‬
‫يا معشر الناس والسادات والهمم *** ويا أهيل الصفايا معدن الكرم‬
‫فسدوا العزم ال تبغوا به فشالً ومك *** نوا الضرب في الهامات والقمم‬
‫وخلفوا القوم في البيداء مطرحة *** على الثرى خمشا ً بالذل والنقم‬
‫وبهذا نجد أن الجهاد بحد ذاته واالستبسال في المعركة أضاف للشعر العربي رونقا ً خاصا ً من المعاني والكلمات التي تحرض على القتال وتبشر بالفتوحات الجديدة على األمة‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬الفخر والحماسة‬
‫كانت أشعار الفخر والحماسة في صدر اإلسالم أكثر األغراض الشعرية صلة باإلسالم‪ ،‬لما للجهاد من مكانة في الحياة اإلسالمية ‪ ،‬إذ كان معظم الشعراء من األبطال المحاربين الذين‬
‫شاركوا في المعارك بسيوفهم وشعرهم ‪ .‬وقد تطور هذا الغرض على يد اإلسالم تطورا ً كبيرا ً فلم يعد هناك من يفخر بإعالء كلمة القبيلة ‪ ،‬بل أصبح الفخر إلعالء كلمة هللا وصار الفخر‬
‫بالشهادة في سبيل هللا وفي تأييد المالئكة لجنود هللا وبانتصار المؤمنين الصادقين‪ ..‬يقول كعب بن مالك في غزوة بدر‪:‬‬
‫ويوم بدر لقيناكم لنا مدد *** فيه مع النصر ميكال وجبريل‬
‫إن تقتلونا فدين هللا فطرتنا *** والقتل في الحق عند هللا تفضيل‬
‫ويقول حسان بن ثابت‬
‫هللا أكرمنا بنصر نبيه *** وبنا أقام دعائم اإلسالم‬
‫وبنا أعز نبيه ووليه *** وأعزنا بالنصر واإلقدام‬
‫ويقول الشاعر النابغة الجعدي مفتخرا ً بنعمة اإلسالم‬
‫وعمرت حتى جاء أحمد بالهدى *** وقوارع تتلى من القرآن‬
‫رابعا ‪ -‬المديح‬
‫كان غرض المديح في صدر اإلسالم يعتمد على مظاهر األبهة والعظمة ‪ ،‬وهذا ما نهى عنه اإلسالم ‪ ،‬وبعد أن توسعت الدعوة اختلفت موازين هذا الغرض ‪ ..‬على الرغم من أن الشعر كان‬
‫موجها ً إلى الدين وحده ولنشر الدعوة إال أن الشعراء نظموا أجمل قصائد في مديح للرسول صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫يقول كعب بن مالك يمدح رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫فينا الرسول شهاب *** ث ُ َّم يتبعه نور مضيء له فضل على الشهب‬
‫بدا لنا فاتبعناه نصدقه *** وكذبوه فكنا أسعد العرب‬
‫كذلك يقول في أبيات أخرى‪:‬‬
‫وفينا رسول هللا نتبع أمره *** إذا قال فينا القول ال نتطلع‬
‫تدلى عليه الرو ُح من عن ِد ر ِبّه *** ينزل من جو السماء ويرفع‬
‫و يقول أسيد بن أناس في رسول هللا‪:‬‬
‫وأنت الفتى تهدي معدا ً لدينها *** بل هللا يهديها وقال لك اشهد‬
‫وهناك نوع من المديح يتوجه فيه الشعراء إلى الذات اإللهية؛ معترفين بقدرة هللا سبحانه وتعالى وفضله‪.‬‬
‫يقول حسان بن ثابت‬
‫وأنت إله الخلق ربي وخالقي *** بذلك ما عمرت في الناس أشهد‬
‫تعاليت رب الناس عن قول من دعا *** سواك إلها أنت أعلى وأمجد‬
‫لك الخلق والنعماء واألمر كله *** فإياك نستهدي وإياك نعبد‬
‫إن المدائح النبوية فن من المديح يختص بمدح الرسول صلى هللا عليه وسلم بعد وفاته ‪ ،‬وتسود هذه األشعار النزعة الصوفية وغالبا ً يبدي الشعراء الرغبة الصادقة في نيل الثواب ليالقوا‬
‫رسول هللا في جنان الخلد‪.‬‬
‫يقول حسان بن ثابت‬
‫يا رب فاجمعنا معا ً ونبينا *** في جنة تثني عيون الحسد‬
‫في جنة الفردوس فاكتبها لنا *** يا ذا الجالل والعال والسؤدد‬
‫وليس هوائي نازعا ً عن ثنائه *** لعلي به في جنة الخلد أخل ِد‬
‫مع المصطفى أرجو بذاك جواره *** وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد‬
‫خامسا‪ :‬هجاء المشركين‬
‫كان رسول هللا صلي هللا عليه وسلم يشجع الشعراء على محاربة مشركي قريش بشعرهم ‪ ،‬فكانت المهاجمة باللسان أمرا ً له وزنه أيام المعارك بين الطرفين‪ .‬اقترن الهجاء بالقتال في سبيل‬
‫الدعوة ‪ ،‬كما قال حسان بن ثابت‪:‬‬
‫لنا في كل يوم من معد *** سباب أو قتال أو هجاء‬
‫فنحكم بالقوافي من هجانا *** ونضرب حين تختلط الدماء‬
‫ولقد ازدهر فن الهجاء بنوعين ‪ :‬فردي وجماعي‬
‫دور القرآن الكريم في الهجاء‬
‫لم يستطع الشعراء أن يترسموا طريقة هجاء القرآن للكفار والمنافقين واليهود هجاهم القرآن بأسلوب جديد ‪ ،‬يعتمد على تسفيه معتقداتهم ومناقشة حججهم ثم إبطالها بعد كشف تفاهتها‬
‫أمثلة‪:‬‬
‫كان أمية بن خلف كلّما رأى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم همزه ولمزه ‪ ،‬فأنزل هللا تعالى فيه " ‪:‬ويل لكل همزة لمزة ‪ ،‬الذي جمع ماالً وعدده‪ ،‬أيحسب أن ماله أخلده ‪ .‬كال لينبذن في‬
‫الحطمة ‪ ،‬وما أدراك ما الحطمة‪ ،‬نار هللا الموقدة ‪ ،‬التي تطلع على األفئدة‪ ،‬إنها عليهم موصدة‪ ،‬في عم ٍد ممدة وقال هللا تعالى في أبي لهب ‪ ( :‬تبت يدا أبي لهب وتب ‪ ،‬ما أغنى عنه ماله وما‬
‫كسب ‪ ،‬سيصلي نارا ً ذات لهب ‪ ،‬وامرأته ح ّمالة الحطب ‪ ،‬في جيدها حبل من مسد)‬
‫القرآن الكريم يعتمد في هجائه للكفار على طريقين‪:‬‬
‫األول ‪ :‬استخدام الحجج والمنطق‬
‫الثاني ‪ :‬استخدام األدلة التاريخية‬
‫أكثر ما هجا المسلمون هم‪:‬‬
‫‪- 1‬أهل مكة المشركين‬
‫‪ -2‬يهود بني النضير‬
‫‪ -3‬أصحاب حركة الردة‬
‫قال كعب بن مالك يعير قريشا ً بطاعة الشيطان‪:‬‬
‫طاوعوا الشيطان إذا أخزاهم *** فاستبان الخزي منهم والفشل‬
‫حين صاحوا صيحة واحدة مع أبي سفيان قالوا‪ :‬اعل هبل‬
‫وقال في أحد أبياته‬
‫لحا هللا أقواما ً أرادوا محمدا ً *** بسوء‪ ،‬وال أسقاهم ثوب ماطر‬
‫قال معاذ بن يزيد العامري في المرتدين عن دينهم‪:‬‬
‫وكذبتم الحق فيما أتى *** وإن المكذب لألكذب‬
‫سادسا ً ‪ -‬الرثاء‬
‫في هذا الغرض يسلك الشعراء ثالثة أمور‪:‬‬
‫‪ -1‬الندب ‪ :‬وهو البكاء على الفقيد فتتحجر دموع الشاعر كلمات‪.‬‬
‫‪ -2‬التأبين‪ :‬هو الحزن الخالص دون البكاء أو النواح‬
‫‪ - 3‬العزاء ‪ :‬تعني هذه الطريقة أن الشاعر ينفذ من حادثة الموت الفردية إلى التفكير في حقيقة الموت والحياة ‪ ،‬وقد ينتهي هذا التفكير إلى معان فلسفية عميقة‪.‬‬
‫و في اإلسالم رثى الشعراء كل من فقد في الحرب وكل من استشهد واإلسالم بحد ذاته شجع على العزاء وهو النوع الثالث من الرثاء وإليكم أبيات في رثاء أعظم الناس‪:‬‬
‫يقول حسان بن ثابت في قصيدة رثاء حينما توفي الرسول صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫باهلل ما حملت أنثى وال وضعت *** مثل النبي رسول الرحمة الهادي‬
‫وال مشى من فوق ظهر األرض *** من أحد أوفى بذمة جار أو بميعاد‬
‫ضاء *** به مبارك األمر ذا حزم وإرشاد‬ ‫منذ الذي كان نورا ً يُستَ َ‬
‫‪-‬يقول حسان بن ثابت في رثاء أبي بكر الصديق رضي هللا عنه عندما انتقل إلى جوار ربه‬
‫إذا تذكرت شجوا ً من أخي ثقة *** فاذكر أخاك أبا بكر بما فعال‬
‫خير البرية أتقاها وأعدلها *** بعد النبي وأوفاها ِبما َح َمال‬
‫عاش حميدا ً ألمر هللا متبعا ً *** بهدي صاحبه الماضي وما انتقال‬
‫ويقول حسان بن ثابت في رثاء عثمان بن عفان رضي هللا عنه‬
‫إني رأيتُ أمين هللا مضطهدا ً *** عثمان رهنا ً لدى األجداث والكفن‬
‫يا قاتل هللا قوما ً كان شأنهم *** قتل اإلمام األمين المسلم الفطن‬
‫ما قتلوه على ذنب ألم ب *** إال الذي نطقوا إفكا ً ولم يكن‬
‫إذا ما تذكرته فاضت بأربعة *** عيني بدمع على الخدين محتقن‬
‫الخصائص الفنية للشعر اإلسالمي‬
‫أهم األساليب التي اتبعت في شعر وأدب اإلسالم ما يلي‪:‬‬
‫‪- 1‬أسلوب القسم‬
‫‪- 2‬أسلوب الدعاء‬
‫‪- 3‬أسلوب القصص‬
‫أوالً‪ :‬القسم‬
‫استعان الشعراء بألوان من القسم جديدة وموجودة في القرآن منها‪:‬‬
‫‪-‬قول أبو صخر الهذلي‬
‫أما والذي أضحك وأبكى والذي *** أمات وأحيا والذي أمره األمر‬
‫حيث تأثر بقول هللا تعالى " ‪ :‬وأنه هو أضحك وأبكي ‪ ،‬وأنه أمات وأحيا " النجم ‪44-43‬‬
‫و يقسم المتوكل الليثي بقوله‪:‬‬
‫ال والذي يهوى إلى بيته *** من كل فج محرم ناحل‬
‫وهو متأثر بقول هللا تعالى "‪ :‬وأذن في الناس بالحج يأتوك رجاالً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق " الحج ‪37‬‬
‫ويقتبس المختار الثقفي قسمه من القرآن بقوله‪:‬‬
‫أما ورب المرسالت عرفا *** لتقتلن بعد صف صفا‬
‫وقسم القرآن في اآلية "والمرسالت عرفا " المرسالت ‪1‬‬
‫واتخذ الشعراء أيضا مناسك الحج ومراسمه وسيلة جديدة للقسم‪.‬‬
‫كما يقول كعب من معدان األشقري مقسما ً برب المناسك‪:‬‬
‫إني ورب منى وما جمعت *** يوم الحجيج وأشهر الحرم‬
‫ثانيا ً ‪ -‬الدعاء‬
‫كان الدعاء من العناصر اإلسالمية الجديدة حيث تف ّنن الشعراء به فكان ضروبا ً مختلفة من توحيد هللا والثناء عليه‪ ..‬وكذلك سؤال هللا المغفرة والعفو والرحمة‬
‫كقول النعمان بن بشير األنصاري‬
‫فاعف ع ّني أنتَ الغفور الودود‬
‫ُ‬ ‫ربّ إني ظلمت نفسي كثيرا ً ***‬
‫شر من أخاف فإني *** مشفق خائف لما تستعيد‬ ‫وقني َّ‬
‫ويتضرع الشعراء إلى هللا بنفوس منكسرة وقلوب ذليلة ولهجة مقرة بالزلل‪..‬‬
‫يقول هدبة بن األشرم‪:‬‬
‫إذا العرش إني عائد بك مؤمن *** مقر بزالتي إليك فقير‬
‫لهـن صرير‬‫َّ‬ ‫وإني وإن قالوا أمير مسلط *** وحجاب أبــواب‬
‫ثالثا ً ‪ -‬القصص‬
‫استحوذ قصص القرآن اهتمام الناس في العصر اإلسالمي نظرا ً ألسلوبه الممتع األخاذ ‪ ،‬وكان للقصاصين دور بارز في ذلك ‪ .. ...‬منهم من كتب في قصص األنبياء في شعره إلعطاء معنى‬
‫استداللي ‪ ،‬فكان الشاعر يهتم بالعظة الموجودة في كل قصة وكانت القصة شاهدا ً لهم في الشعر ‪.‬‬
‫نماذج من شعراء العصر اإلسالمي‬
‫‪- 1‬حسان بن ثابت‬
‫حسان بن ثابت بن المنذر الخزرجي األنصاري‪ ،‬أبو الوليد‪ ..‬شاعر النبي (صلى هللا عليه وسلم) وأحد المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية واإلسالم‪ ،‬عاش ستين سنة في الجاهلية ومثلها في‬
‫اإلسالم وكان من سكان المدينة‪ .‬واشتهرت مدائحه في الغسانيين وملوك الحيرة قبل اإلسالم‪ ،‬وعمي قبل وفاته ‪ ،‬ولم يشهد مع النبي (صلى هللا عليه وسلم) مشهدا ً إال لعلة أصابته‪ ،‬توفي في‬
‫المدينة‪.‬‬
‫قال أبو عبيدة‪ :‬فضل حسان الشعراء بثالثة‪ :‬كان شاعر األنصار في الجاهلية وشاعر النبي في النبوة وشاعر اليمانيين في اإلسالم‬
‫وقال المبرد في الكامل‪ :‬أعرق قوم في الشعراء آل حسان فإنهم يعدون ستة في نسق كلهم شاعروهم‪ :‬سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام‬
‫و حسان بن ثابت األنصاري أيضا شاعر عربي وصحابي من األنصار‪ ،‬ينتمي إلى قبيلة الخزرج من أهل المدينة‪ ،‬كما كان شاعرا ً معتبرا ً يفد على ملوك آل غسان في الشام قبل إسالمه‪ ،‬ثم‬
‫أسلم وصار شاعر الرسول بعد الهجرة‪ .‬وكانت المدينة في الجاهلية ميدانا للنزاع بين األوس والخزرج تكثر فيها الخصومات والحروب ‪ ،‬وكان قيس بن الخطيم شاعر األوس‪ ،‬وحسان بن‬
‫ثابت شاعر الخزرج الذي كان لسان قومه في تلك الحروب التي نشبت بينهم وبين األوس في الجاهلية ‪ ،‬فطارت له في البالد العربية شهرة واسعة ‪ .‬لما بلغ حسان بن ثابت الستين من عمره‪،‬‬
‫هاجر إلى مدينة المصطفى صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فدخل في اإلسالم‪ .‬وراح من فوره يرد هجمات القرشيين ‪،‬اللسانية‪ ،‬ويدافع عن محمد واإلسالم‪ ،‬ويهجو خصومهما قال صلى هللا عليه وسلم‬
‫يوما لألنصار ‪ " :‬ما يمنع القوم الذين نصروا رسول هللا بسالحهم أن ينصروه بألسنتهم؟ " فقال حسان بن ثابت أنا لها ‪ ،‬وأخذ بطرف لسانه ‪ ،‬وقال عليه السالم ‪ " :‬وهللا ما يسرني به مقول‬
‫بين بصرى وصنعاء ولم يكن حسان بن ثابت وحده هو الذي يرد غائلة المشركين من الشعراء‪ ،‬بل كان يقف إلى جانبه عدد كبير من الشعراء الذين صح إسالمهم‪ .‬وكان النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم يثني على شعر حسان‪ ،‬وكان يحثه على ذلك ويدعو له بمثل ‪":‬اللهم أيده بروح القدس" عطف عليه‪ ،‬وقربه منه‪ ،‬وقسم له من الغنائم والعطايا‪ ،‬إال أن حسان بن ثابت لم يكن يهجو قريشا‬
‫بالكفر وعبادة األوثان‪ ،‬إنما كان يهجوهم باأليام التي هزموا فيها ويعيرهم بالمثالب واألنساب‪.‬‬
‫فضل حسان بن ثابت‬
‫اتفق الرواة والنقاد على أن حسان بن ثابت أشعر أهل المدر في عصره‪ ،‬وأشعر أهل اليمن قاطبة‪ .‬قال أبو عبيدة‪ ( :‬فَضَّل حسان بن ثابت على الشعراء بثالث ‪ :‬كان شاعر األنصار في‬
‫الجاهلية‪ ،‬وشاعر النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬في أيام النبوة‪ ،‬وشاعر اليمن كلها في اإلسالم)‪ .‬وقد روي عدي بن ثابت ‪ ،‬عن البراء ‪ :‬أن رسول هللا قال لحسان‪ :‬اهجهم وهاجهم وجبريل‬
‫سان وهو ينشد في مسجد رسول هللا –صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فانتهره عمر ‪ ،‬فأقبل حسان فقال‪( :‬كنت أنشد وفيه من هو خير منك ‪ ...‬فانطلق عمر حينئذ‪،‬‬ ‫معك‪ .‬مر عمر بن الخطاب على ح ّ‬
‫وقال حسان ألبي هريرة‪ :‬أنشدك هللا هل سمعت رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬يقول‪( :‬يا حسان أجب عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬اللهم أيده بروح القدس)‪ ...‬قال‪( :‬اللهم نعم)‪ .‬كما‬
‫قال الرسول ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬لحسان بن ثابت اهجهم وهاجهم وجبريل معك) ‪ ...‬وقال رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪( :-‬ال تسبوا حسانا ً ‪ ،‬فإنه ينافح عن هللا وعن رسوله)‪ .‬توفي‬
‫حسان بن ثابت في المدينة المنورة سنة (‪54‬هـ ‪67/674‬م) فى عهد معاوية بن أبي سفيان عن عمر قد ناهز المائة والعشرين عا ًما‪.‬‬
‫فهر وإخوتهم‬ ‫إن الذوائب من ٍ‬
‫فهر وإخوتهم *** قد بينوا سنة للناس تتبع‬ ‫إن الذوائب من ٍ‬
‫ضى بها كل من كانت سريرته *** تقوى اإلله وباألمر الذي شرعوا‬ ‫َي ْر َ‬
‫قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم *** أو حاولوا ال َّن ْف َع في أَشيا ِع ِه ْم نَفعوا‬
‫سجية تلك منهم غير محدثة *** إن الخالئق فاعلم‪ ،‬شرها ال ِب َدعُ‬
‫إن كان في الناس سباقون بعدهم *** فكل سبق ألدنى سبقهم تبع‬
‫ط َمع طبع‬ ‫ُصيبُ ُه ْم في َم ْ‬ ‫ضلُّونَ َ‬
‫ع ْن َم ْولَى ِبفَضْلهم *** َوال ي ِ‬ ‫وال َي َ‬
‫ال يجهلون‪ ،‬وإن حاولت جهلهم *** في فضل أحالمهم عن ذاك متسع‬
‫الوحي عفتهم *** ال يطمعونَ ‪ ،‬وال يزديه ُم َّ‬
‫الط َم ُع‬ ‫ت في َ‬ ‫ا ِعفَة ذُ ِك َر ْ‬
‫ق عليهم جاه ٍد جدعوا‬ ‫وم ْن َ‬
‫ع ُد ٍ‬ ‫كم من صديق لهم نالوا كرامته *** ِ‬
‫عوا‬‫ع ْنهُ َو َما نَزَ ُ‬ ‫أعطوا نبي الهدى والبر طاعتهم *** فَ َما َو ِئي َن ْ‬
‫ص ُر ُه ْم َ‬
‫‪- 2‬الخنساء ‪ 24 :‬هـ ‪.644 /‬‬
‫تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد الرياحية السلمية من بني سليم من قيس عيالن من مضر أشهر شواعر العرب وأشعرهن على اإلطالق‪ ،‬من أهل نجد‪ ،‬عاشت أكثر عمرها في‬
‫العهد الجاهلي‪ ،‬وأدركت اإلسالم فأسلمت ووفدت على رسول هللا (صلى هللا عليه وسلم) مع قومها بني سليم‪ .‬فكان رسول هللا يستنشدها ويعجبه شعرها‪ ،‬فكانت تنشد وهو يقول‪ :‬هيه يا خنساء‬
‫‪.‬أكثر شعرها وأجوده رثاؤها ألخويها صخر ومعاوية وكانا قد قتال في الجاهلية ‪ ،‬لها ديوان شعر فيه ما بقي محفوظا ً من شعرها‪ ،‬وكان لها أربعة بنين شهدوا حرب القادسية فجعلت‬
‫تحرضهم على الثبات حتى استشهدوا جميعا ً فقالت‪ :‬الحمد هلل الذي شرفني بقتلهم‪.‬‬
‫والخنساء أيضا هى الصحابية الجليلة ‪ ،‬األم المؤمنة الصابرة ‪ ،‬أم الشهداء ‪ ،‬الشاعرة ‪ ،‬الشجاعة ‪ ،‬صاحبة البطولة والوفاء‪.‬الخنساء هي ‪ :‬تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد بن رباح‪،‬‬
‫ينتهي نسبها إلى قبيلة مضر الشهيرة والتي كان رسول هللا " عليه السالم " يعتبرها حصن القبائل العربية‪ .‬وقد سميت تماضر لشدة بياض لونها وغلب عليها لقب الخنساء ( وهو مؤنث‬
‫أخنس ) وهي صفة تأخر االنف عن الوجه أو انخفاض قصبته ‪ ،‬وقلما تجتمع الصفات الكثيرة التي جمعتها الخنساء في شخصيتها بإمرأة واحدة فقد جمعت المروءة والشهامة واإلخالص‬
‫والبطولة ‪ ،‬إلى جانب أنها األم الحنون التي رعت أوالدها على حب اإليمان باهلل عز وجل وحب الجهاد في سبيله تعالى ‪ ...‬وطاعة رسول هللا "صلى هللا عليه وسلم"‪ .‬قد كانت شاعرة‬
‫المراثي ‪ ،‬ذات جمال بارع قل مثيله بين نساء قومها لذا أصبحت محط أنظار سادات وفرسان العرب كلهم إلى أن تقدم لخطبتها ( رواحة بن عبد العزيز السلمي ) وتزوجها وأنجبت منه‬
‫فرسانا ً كانوا محط أنظار قومهم في الجاهلية ومثال فخر العرب واإلسالم بعد الدعوة اإلسالمية‪ .‬وقد تفجر شعر الرثاء لدى الخنساء عندما قتل أخواها في الجاهلية قبل ظهور الدعوة‬
‫اإلسالمية وهما ( صخر ومعاوية ) فحزنت عليهما حزنا ً عميقا ً ورثتهما رثاءا ً مؤثرا ً ‪ ،‬إلى أن أصبحت أشهر شاعرة للرثاء على مر العصور واأليام ومن أجمل ما قالته ترثي به أخاها‬
‫صخرا ً به أخاها صخرا ً ‪ ...‬قصيدة مطلعها‪:‬‬
‫يذكرني طلوع الشمس صخرا ً *** وأذكره لكل غروب شمس‬
‫ولوال كثرة الباكين حولي *** على إخوانهم لقتلت نفسي‬
‫ومن أجمل ما قالته فيهم أيضا ً‪:‬‬
‫أعيني جودا وال تجمدا *** أال تبكيان لصخر الندى‬
‫أال تبكيان الجريء الجميل *** أال تبكيان الفتى السيدا‬
‫لذا اتفق شعراء عصرها على أنه لم يكن هناك امرأة أجزل شعرا ً من الخنساء ‪ .‬وقد قيل لجرير مرة ‪ :‬من أشعر الناس ؟ فقال ‪ :‬أنا‪ ...‬لوال الخنساء‪ .‬وسئلت الخنساء مرة بعد مقتل أخويها‬
‫صفي لنا أخويك صخرا ً ومعاوية‪ .‬قالت ‪ :‬كان صخر وهللا جنة الزمان األغبر ‪ ،‬زعاف الخميس األحمر ‪ ،‬وكان وهللا معاوية القائل الفاعل ‪ .‬فقيل لها ‪ :‬فأيهما كان أسنى وأفخر؟‬
‫قالت‪ :‬أما صخر فحر الشتاء وأما معاوية فبرد الهواء‪ .‬فقيل لها‪ :‬فأيهما أوجع وأفجع ؟ فقالت ‪ :‬أما صخر فجمر الكبد ‪ ،‬وأما معاوية فسقام الجسد‪ .‬وعند ظهور الدعوة اإلسالمية سارعت‬
‫الخنساء مع بعض قومها من بني سليم وبايعت النبي " عليه الصالة والسالم " وأعلنت اسالمها وتبنيها لعقيدة التوحيد ‪ ،‬وقد حسن إسالمها حتى أصبحت رمزا ً متألقا ً من رموز البسالة وعزة‬
‫النفس وعنوانا ً مشرفا ً لألمومة المسلمة‪ .‬وكان رسول هللا " عليه السالم " يستنشدها ويعجبه شعرها ‪ ،‬وكانت تنشده وهو يقول (هيه يا خنساء ‪ ،‬ويوميء بيده الشريفة إليها) ويروی أنه حين‬
‫قدم عدي بن حاتم الطائي مع أخته سفانة إلى النبي عليه السالم " ودخال في دين اإلسالم ‪ ،‬فقال عدي للنبي " عليه السالم " يا رسول هللا ‪ ..‬إن فينا أشعر الناس وأسخى الناس وأفرس الناس ‪،‬‬
‫فقال النبي صلى هللا عليه وسلم " سمهم فقال عدي ‪ :‬أما أشعر الناس فامرؤ القيس بن حجر ‪ ،‬وأما أسخى الناس فحاتم بن سعد الطائي ‪ .‬يعني أباه ‪ ،‬وأما أفرس الناس فعمرو بن معد يكرب‬
‫الزبيدي‪ .‬فقال النبي عليه السالم ليس كما قلت يا عدي ‪ ...‬أما أشعر الناس فالخنساء بنت عمرو‪ ،‬وأما أسخى الناس فمحمد رو‪ ،‬وأما أسخى الناس فمحمد ‪ .‬يعني نفسه ‪ ،‬وأما أفرس الناس‬
‫فعلي بن أبي طالب‪.‬‬
‫وتشاء قدرة هللا سبحانه وتعالى أن تمتحن الخنساء للمرة الثانية في أوالدها األربعة ‪ ،‬فنراها تضرب مثاالً لألم الشجاعة المؤمنة باهلل تعالى ‪ ،‬وذلك عندما توجه المثنى بن حارثة الشيباني إلى‬
‫القادسية‪ .‬وكان ذلك في عهد خالفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي هللا عنه وكانت الخنساء ومعها أوالدها األربعة في رفقة هذا الجيش‪ .‬وفي أرض المعركة وليلة التمام الصناديد‬
‫بعضهم ببعض جمعت الخنساء أوالدها الفرسان األربعة‪ ،‬لتوجيههم وتحثهم على القتال وعدم الفرار من العدو وتحبب إليهم االستشهاد في سبيل هللا عز وجل ‪ .‬فقالت لهم كلمات كلها إيمان‬
‫وشجاعة ‪ ،‬ال تزال تذكر إلى يومنا هذا ‪ ،‬فقالت (أيا بني انك م أسلمتم طائعين ‪ ،‬وهاجرتم مختارين ‪ ،‬ووهللا الذي ال إله إال هو إنكم بنو امرأة واحدة ‪ ،‬ما خانت أباكم ‪ ،‬وال فضحت خالكم ‪ ،‬وال‬
‫هجنت حسبكم ‪ ،‬وال غيرت نسبكم ‪ ،‬وقد تعلمون ما أعده هللا للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين‪ ،‬واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية يقول هللا عز وجل ‪( :‬يأيها الذين‬
‫امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا هللا لعلكم تفلحون) فإن أصبحتم إن شاء هللا سالمين فأعدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين ‪ ،‬وباهلل مستنصرين ‪ ،‬فإذا رأيتم الحرب قد ش ّمرت عن ساقها‬
‫واضطرمت لظى على سياقها وجالت نارا ً على أوراق ها ‪ ،‬فتيمموا وطيسها ‪ ،‬وجالدوا رئيسها عن احتدام خميسها ‪ ،‬تظفروا بالغنم والكرامة في الخلد والمقامة‪ ..‬وأخذ أوالها األربعة نصيحة‬
‫األم المؤمنة الشجاعة ‪ ،‬بكل شجاعة وحماس وخرجوا من عندها قابلين لنصحها عازمين على قولها متوكلين على هللا تعالى فلما أصبح عليهم الصباح ‪ ،‬سارع كل منهم إلى مركزه مندفعين‬
‫إلى لقاء العدو بكل شجاعة وإيمان وحماس وهم يرتجزون‬
‫فقال أولهم‪:‬‬
‫يا إخوتي إن العجوز الناصحة *** قد نصحتنا إذا دعتنا البارحة‬
‫بمقالة ذات بيان واضحة *** وإنما تلقون عند الصابحة‬
‫من آل ساسان كالبا ً نابحة *** قد أيقنوا منكم بوقع الجائحة‬
‫وأنتم بين حياة صالحة *** أو ميتة تورث غنما ً رابحة‬
‫وتقدم ولدها األول وقاتل بشجاعة باسلة حتى استشهد رحمه هللا تعالى‪.‬‬
‫ويتقدم أخوه الثاني لساحة القتال وهو يرتجز ‪ ،‬قائالً‪:‬‬
‫إن العجوز ذات حزم وجلد *** والنظر األوفق والرأي السدد‬
‫وقد أمرتنا بالسداد والرشد *** نصيحة منها وبرا ً بالولد‬
‫فباكروا الحرب حماة في العدد *** وإما لفوز بارد على الكبد‬
‫أو ميتة تورثكم عز األبد في *** جنة الفردوس والعيش الرغد‬
‫وقاتل رحمه هللا تعالى حتى استشهد في ساحة المعركة‪.‬‬
‫ويتقدم الثالث وسط القتال مرتجزا ً‬
‫وهللا ال نعصي العجوز ‪-‬رفاقد *** أمرتنا َح َدبا ً وعطفا‬
‫تصحا ً وبرا ً صادقا ً ولطفافب *** ادروا الحرب الضروس زحفا‬
‫حتى تلفوا آل كسرى لفا *** أو تكشفوهم عن حماكم كشفا‬
‫إنا نرى التقصير منكم ضعفا *** والقتل فيكم نجدة وزلفـــى‬
‫ويقاتل وسط القتال حتى يموت في سبيل هللا شهيدا ً‪.‬‬
‫ويتقدم رابعهم بكل شجاعة وعزم ويقاتل مرتجزا ً يقول‪:‬‬
‫لست لخنساء وال لألحزم *** وال لعمر وذي الشعاء األقدم‬
‫ص ِر ِم‬
‫ض َم ِخ ْ‬
‫ماض على الهول ِخ َ‬ ‫ٍ‬ ‫األعجم ***‬
‫ِ‬ ‫إن لم أرد في الجيش‬
‫إما لفوز عاجل مغنم *** أو لوفاة في سبيل األكرم‬
‫فقاتل رحمه هللا تعالى قتاالً مريرا ً حتى استشهد في سبيل هللا‪.‬‬
‫ولما بلغ الخنساء ‪ ،‬األم المؤمنة الصابرة خبر مقتل أبنائها األربعة‪ ،‬لم تجزع ولم تندب‪ ،‬بل كانت مثاالً لألم المجاهدة في سبيل هللا عز وجل ومثاالً قائما ً ليومنا هذا لمن يقدم أبناءه للجهاد في‬
‫سبيل هللا تعالى ‪ ،‬بل قالت كلمات مشهورة بقي التاريخ يرددها وسيرددها إلى ما شاء هللا‪ ) .‬الحمد هلل الذي شرفني باستشهادهم‪ ،‬وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته)‪ .‬وكان‬
‫الخليفة عمر الفاروق رضي يعرف فضل الصحابية المجاهدة الخنساء وكذلك فضل أوالدها ‪ ،‬فما زال يعطيها أرزاق أوالدها لكل واح ٍد مائتي درهم حتى قبضت روحة رضي هللا عنه‪.‬‬
‫وبعد أن تسلّم عثمان بن عفان رضي هللا عنه الخالفة ‪ ،‬رحلت الخنساء إلى البادية لتعيش كداعية للدين واإل يمان وتعلم وتهذب الناس من تعاليم الرسول "ص" إلى أن قبضت روحها الطاهرة‬
‫في عام ‪ 24‬للهجرة المباركة بعد أن كانت مثاالً للمرأة المجاهدة المؤمنة الشاعرة الفصيحة الناصحة ‪ .‬فرحمها هللا تعالى ورضي عنها وأرضاها وأسكنها فسيح جناته‪.‬‬
‫األدب في العصر األموي‬
‫يقصد بالعصر األموى تلك الفترة التي امتدت من سنة ‪40‬هـ إلى سنة ‪132‬هـ‪.‬‬
‫وقد تميز العصر باالنقسامات الحزبية ‪ ،‬وتعدد األحزاب السياسية التي كان أبرزها العلويون ‪ ،‬الزبيريون ‪ ،‬الخوارج‪.‬‬
‫كان من أهم مظاهر الحياة االجتماعية في عصر بني أمية‪:‬‬
‫‪ -1‬عودة العصبيات القبلية إلى سابق عهدها في العصر الجاهلي‪.‬‬
‫‪ - 2‬شاعت حياة الترف وعم الرخاء‪.‬‬
‫ومن أهم مظاهر الحياة العقلية والثقافية في عصر بني أمية أن‬
‫‪ -1‬تطورت الحركة العلمية التي اقتصرت على العلوم العربية ونبغ كثير من العلماء فيها‬
‫‪ - 2‬نشأت مدارس الجدل والرأي‪.‬‬
‫‪-3‬ازدهرت الحركة األدبية ازدهارا كبيرا‪.‬‬
‫ولكن كيف ازدهرت الحركة األدبية في عصر بني أمية؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫‪ - 1‬بسبب تشجيع الخلفاء األمويين لألدباء وتحويل قصورهم إلى منتديات لغوية وفكرية وأدبية‪.‬‬
‫‪ - 2‬بسبب الصراعات السياسية والدينية والقبلية‪.‬‬
‫‪ -3‬بسبب مجالس األدباء التي كانت بمثابة منتديات فكرية ولغوية وأدبية‬
‫إذن كيف كانت حال الشعر في عصر بني أمية؟‬
‫سار الشعر في عصر بني أمية في اتجاهات ثالثة ‪ :‬االتجاه األول‪ :‬الشعر السياسي‪ :‬وهو لون من الشعر فيه تعصب مذهبي يختلط فيه المدح والفخر والهجاء‪ .‬وكان رجاله يدعون إلى‬
‫مذاهبهم السياسية‪.‬‬
‫االتجاه الثاني‪ :‬شعر الهجاء‪ :‬وأهم أقطابه جرير والفرزدق واألخطل وهم أهم شعراء هذا العصر وهم شعراء النقائض‪.‬‬
‫االتجاه الثالث‪ :‬شعر الغزل‪ :‬وقد شاع في الحجاز بسبب حياة اللهو الترف ‪ ،‬وتفرع إلى قسمين ‪ :‬غزل عذري ‪ :‬وهو غزل عفيف ال يهتم بجمال المرأة بقدر ما يهتم بشفافية روحها وعفافها و‬
‫من رواده (جميل بثينة ‪ ،‬قيس ليلى ‪ ،‬كثير عزة) غزل صريح‪ :‬يهتم بجمال المرأة ومحاسنها‪ .‬و من أشهر رواده (عمر بن أبي ربيعة ‪ ،‬األخوص العزجي)‪.‬‬
‫وقد ظهرت النقائض فى هذا العصر ومعنى النقائض ‪ :‬أن ينظم الشاعر قصيدة في الفخر أو الهجاء على وزن وقافية ‪ ،‬فيرد عليه شاعر آخر بقصيدة أخرى ‪ ،‬ينقض بها فخره أو هجاؤه ‪،‬‬
‫بنفس الوزن والقافية‪.‬‬
‫ولكن كيف نشأت النقائض في العصر األموي؟‬
‫لقد حدث أول اشتباك في النقائض بين جرير وشاعر يقال له (غسان السليطي) ‪ ،‬فلما انتصر عليه جرير انبرى شاعر من قوم الفرزدق يقال له (البُعيث) ‪ ،‬فانتصر لغسان وهجا جريرا ‪ ،‬فرد‬
‫عليه جرير وتعرض في شعره لقبيلة الفرزدق ونساء مجاشع فاستغاثت النساء بالفرزدق الذي هب يناقض جريرا ً ويهجوه ‪ ،‬فانضم األخطل إلى الفرزدق ضد جرير ‪ ،‬وعندئذ انقض عليه‬
‫جرير وهجاه ‪ ،‬وأكثر من تعييره بالكفر وأكل لحم الخنزير ألنه كان نصرانياً‪ .‬وانضم شاعر آخر هو ( الراعي النميري إلى الفرزدق وفضله على جرير ‪ ،‬فهجاه جرير بقصيدة هدم فيها‬
‫قبيلته‪.‬‬
‫أهم الخصائص الفنية للشعر األموي وتتلخص في‪:‬‬
‫‪- 1‬لقد كان الشعر األموي في خصائصه الفنية وكأنه امتداد للشعر الجاهلي من ناحية جزالة اللفظ وقوة التركيب وسطحية المعاني ونظام القصيدة‪.‬‬
‫‪- 2‬لقد تأثر الشعر بألفاظ القرآن الكريم والمعاني اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ 3‬كانت األلفاظ تميل إلى السهولة والرقة إال في شعر الرجز‪.‬‬
‫‪ -4‬ولقد تفككت الروابط المعنوية إال في قصائد الغزل‪.‬‬
‫موضوعات الشعر في العصر األموي‪:‬‬
‫‪ - 1‬المديح‪:‬‬
‫وفي العصر األموي‪ ،‬امتزج المديح بالتيارات السياسية‪ ،‬بعضها يوالي األمويين‪ ،‬وبعضها اآلخر يشايع فرقًا مختلفة‪ ،‬وكان مداحو األمويين يتكسبون بمدائحهم‪ ،‬بينما تجرد شعراء الفرق‬
‫المختلفة عن التكسب‪ ،‬بل اتخذوا من مدائحهم وسيلة لالنتصار للمذهب ومحاربة خصومه‪ ،‬كما نجد في مديح عبيد هللا بن قيس الرقيات لمصعب بن الزبير الذي يجسد بشكل واضح نظرية‬
‫الزبيريين في الحكم‪ .‬وهنا نشير إلى حقيقة مهمة وهي أن المدح في الشعر العربي وإن يكن للتكسب لم يكن في كل األحوال يعني التملق والبحث عن النفع‪ ،‬بل هو في كثير من األحيان تجسيد‬
‫ل لود الخالص واإلعجاب العميق بين الشاعر والممدوح‪ ،‬وهذا ما يتضح في مدائح المتنبي لسيف الدولة‪ ،‬فهي تجسيد حي لهذا المعنى الذي أشرنا إليه‪ .‬فقد كان المتنبي شديد اإلعجاب بسيف‬
‫الدولة ويرى فيه البطل العربي الذي طالما تاقت إليه نفسه‪ ،‬بقدر ما كان سيف الدولة عميق التقد ير ألبي الطيب‪ ،‬ويرى فيه الشاعر العربي الفذ الذي طالما تطلعت إليه نفسه الذواقة للشعر‪،‬‬
‫التواقة أبدًا للشاعر الذي يخلد بطوالته‪ .‬ولقد مضى المدح في سائر العصور كما كان على نحو ما أوضحنا وإن تفاوتت فيه عناصر القوة والضعف‪ ،‬كما سجل لنا مدح الشعراء لبني أيوب‪،‬‬
‫والمماليك‪ ،‬وبخاصة ‪ ،‬بطوالت هؤالء الرجال في مقاومتهم للصليبيين والتتار والمغول‪ .‬ولم يعد المدح في العصر الحديث على صورته القديمة‪ ،‬إذ رأينا الشاعر الحديث يرسم لنا صورة‬
‫بطل قديم مثال ليضعه أمامنا نموذجا للبطولة‪ ،‬ولم يعد الشاعر نديما لذوي السلطان وأنيسا في مجالسهم واقفا شعره ووالءه عليهم‪ ،‬بل صارت األنشودة الوطنية العاشقة للوطن بديالً جديدًا‬
‫للمدح التقليدي‪ .‬أما في العصر األموي فقد اتجهت األغراض إلى المدح وإلى الخلفاء و الوالة واألمراء و أخفى الشعراء على ممدو حيهم صفات التقى و الورع و حماية المسلمين و الذود‬
‫عن حرماتهم ‪ ،‬و إن بقي المدح أحيانا ً يتطلع إلى صفات المدح عند الجاهليين‪ .‬و نظرا الشتداد المعركة بين طرفي اإليمان من جهة " الرسول ومن معه من المؤمنين واألتباع" ‪ . .‬والكفر من‬
‫جهة أخرى " أبو سفيان وأتباعه وعبد هللا بن أبي وحزن المنافقين " ‪ .‬فقد شجع الرسول عليه السالم الهجاء وبرز من الشعراء المنافحين عن الدعوة اإلسالمية حسان بن ثابت وكعب بن‬
‫مالك وعبد هللا بن رواحة‪.‬‬
‫‪- 2‬الهجاء‪:‬‬
‫برز من الشعراء المدافعين عن حزبي الكفر والنفاق أبو سفيان وعبد هللا بن الزبعرى‪ ،‬فازدهر الهجاء الفردي والهجاء الجماعي وانتهج طريقا مغايرا في معانيه عن الهجاء الجاهلي فكف‬
‫عن أعراض الناس وعن شتمهم وقذفهم وتوجه إلى هجاء الذين ضلوا عن طريق الحق وإن كان بعض الشعراء الذين توجهوا إلى المشركين لم يترسموا الطريق بشكل دقيق وبقي ما وصل‬
‫إلينا من هجاء هذا العصر استمرارا ألسلوب الجاهليين في التعبير باإللقاء والتعبير باألخالق الشخصية ‪ .‬ولذلك فقد أجاب حسان من قال له كيف تهجو قريشا رسول هللا منهم ؟ فقال ‪ :‬أسله‬
‫كما تس ّل الشعرة من العجين ‪ .‬وهذا ما دفع الرسول عليه السالم إلى أن يطلب منه أن يذهب إلى أبي بكر ليعلم منه أنساب قريش لذلك نجده ‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫لنا في كل يوم من مع ّد *** سباب أو قتال أو هجاء‬
‫فنحكم بالقوافي من هجانا *** ونضرب حين تختلط الدماء‬
‫وقد خرج حسان بين الهجاء الفردي والجماعي ‪ ،‬وجمع بين منهجي الجاهلية واإلسالم ‪ ،‬فكان يعير المشركين بفرارهم من أمام‬
‫المسلمين‪:‬‬
‫تظل جيادنا متمطرات *** تلطمهن بالخمر النساء‬
‫ويقول حسان أيضا مستلهما روح اإلسالم وأسلوب القرآن مخاطبا أبا سفيان‪:‬‬
‫هجوت محمدا فأجبت عنه *** وعند هللا في ذاك الجزاء‬
‫أتهجوه ولست له بكفء *** فشركما لخيركما الفداء‬
‫وقد نهى اإلسالم عن الهجاء المقذع فقال الرسول ‪ " :‬من قال في اإلسالم شعرا مقذعا فلسانه هدر‪.‬‬
‫وموقف عمر بن الخطاب من الحطيئة فقد سجنه بعد أن هجا الزبر قان وكذلك موقف عثمان ابن عفان من عمر بن ضابئ البرجمي حيث هجا قوما أعاروه كلبا للصيد ‪ ،‬فحبس الكلب وألحوا‬
‫في طلبه فرده وهجاهم هجاء فاحشا حيث رمى أمهم بالكلب فقال عثمان ‪ :‬ما رأيت أحدا رمى قوما بكلب قبلك‪.‬‬
‫فرخ لنا فن النقائض والذي هو من ابشع صور الهجاء العربي ‪ ،‬فهذا هو يزيد بن‬ ‫أما األمويون فقد غضوا الطرف عن هجاء من خالف سياستهم بل شجعوا هذا الفن بصورته القبلية الذي ّ‬
‫معاوية يشجع األخطل التغلبي على هجاء األنصار وأمنه من غضب والده معاوية‪:‬‬
‫خلو المكارم لستم من أهلها *** وخذوا مساحيكم من النجاد‬
‫ذهبت قريش بالمكارم كلها *** واللؤم تحت عمائم األنصار‬
‫وهكذا عادت العصبية القبلية ‪ ،‬وما تحمله من هجاء قبلي مثله الطرماح بن الحكيم الطائي عندما هجا بني تميم قوم الفرزدق بعد أن خضعت هذه القبيلة ليزيد بن المهلب‪:‬‬
‫أقرت تميم البن دحمة حكمه *** وكانت إذا سبت هوانا أمرت‬
‫أفخرا تميما إذا فتنة خبت *** ولؤما إذا ما المشرفية سلّت‬
‫ولو خرج الدجال ينشر دينه *** لزالت تميم حوله واحزالت‬
‫لعمري لقد سادت سجاح بقومها *** فلما أتت اليمامة حلت‬
‫‪ -3‬فن النقائض‪:‬‬
‫النقيضة قصيدة يقولها شاعر من الشعراء في هجاء شاعر آخر مع قومه ‪ ،‬فيزد الشاعر الثاني بنقيضة أخرى تظهر مخازي األول وقومه تكون على الروي نفسه والقافية ذاتها ‪ ،‬وإن اختلفت‬
‫بعض الحركات والقوافي أحيانا ‪ .‬وموضوعها الشتم والسباب والقذف وعدم مراعاة الحرم واألعراف ‪ ،‬وقد كان استمرارا لما حدث في العصر الجاهلي من نقائض ‪ ،‬كما حصل بين حسان‬
‫والزبعرى ‪ ،‬عندما ذكر ابن الزبعرى أخت حسان بن ثابت‪ .‬وقد نشأ هذا الفن وتطور في العصر األموي بفعل عوامل اجتماعية وسياسية وعقلية ‪ .‬أما العوامل االجتماعية فتنطلق من الفراغ‬
‫الداخلي الذي أحدثه األمويون في نفوس الناس ‪ ،‬فمالو ا إلى الفراغ ‪ .‬أما العوامل العقلية فتتمثل في نمو العقل العربي ونمو الجدل والمناظرة في العقائد والتشريع وأحقية الخالفة ‪ .‬وأما‬
‫العوامل السياسية فتمثل في محاولة األمويين صرف الناس عن أمور الحكم واشغال بعضهم ببعض ‪ .‬وقد كان السبب المباشر في ظهور هذه النقائض أن شاعرا يربوعيا هجا جرير فانقض‬
‫عليه جرير بالهجاء فاستغاث اليربوعي بالبعيث المجاشعي فأغاثه فهجا جريرا ‪ ،‬فانصب جرير على مجاشع وأفحش بذكر النساء فاستغاثت نساء مجاشع بالفرزدق فهجا جريرا وهكذا تكاملت‬
‫حلقة المناظرة وأصبح هذا الفن الذي دام خمسين عاما من أقبح فنون الشعر العربي بحيث أبرز هذا الفن مدى التراجع الذي حل للشعر العربي بعد مرور خمسين عاما على دعوة الرسول‬
‫عليه السالم ‪ ،‬يقول الفرزدق مفتخرا بشرفه وأصله وعزة بيته‪:‬‬
‫إن الذي سمك السماء بنى *** لنا بيتا دعائمه أعز وأطول‬
‫بيتا بناه المليك وما بنى *** حكم السماء فإنه ال ينقل‬
‫وقد أجابه جريرا قائالً‪:‬‬
‫أخرى الذي سمك السماء مجاشعا *** وبنى بناءك في الحضيض األسفل‬
‫إني بنى لي في المكارم أولي *** ونفخت كيرك في الزمان األول‬
‫ومن المناقضات التي انتشرت في ذلك العصر ما قاله الفرزدق معتدا بعقول قومه الراجحة في أيام السلم وشجاعتهم في أيام الحرب‪:‬‬
‫أحالمنا تزن الجبال رزانة *** وتخالنا جنا إذا ما نجهل‬
‫وقد نقض جرير ذلك في قصيدة‪:‬‬
‫أبلغ بني وقبان أن حلومه *** حقت فما يزنون حبة خردل‬
‫وقد كان الفرزدق هجاء مقذعا يجاهر بما ال يحل من النساء فيذكر في هجائه كما حصل معه في المدينة المنورة ما ال يصح أن يصح أن يذكر من ذلك‪:‬‬
‫هما دلتاني من ثمانين قامة *** كما انقض باز أقتم الريش كاسره‬
‫فرد جرير متهكما وساخرا‪:‬‬
‫تدليت تزني من ثمانين قامة *** وقصرت عن باع العال والمكارم‬
‫ويقال إن األخطل التغلبي قد حكم للفرزدق بالسبق على جرير بعد أن أغراه بشر بن مروان والي العراق بأن ينحاز إلى الفرزدق بعد أن حكم بالسبق لجرير ‪ ،‬يقول األخطل ‪:‬‬
‫اخسأ إليك كليب إن مجاشعا *** وأبا الفوارس نهشال أخوان‬
‫وإذا سمعت بداركم قد أقبلوا *** فاهرب إليك مخافة الطوفان‬
‫فيرد عليه جرير‪:‬‬
‫يا ذا الغباوة إن بشرا قد قضى *** أال تجوز حكومة النشوان‬
‫تدعوا الحكومة لستم من أهلها *** إن الحكومة في بني شيبان‬
‫‪- 4‬الرثاء‪:‬‬
‫ّ‬
‫وعزوا أحياءهم وإن تغيرت مناقب التأبين وتبدلت شمائلها فأصبح المرثي‬ ‫وهو فن استمر فيه شعراء صدر اإلسالم والعصر األموي على ما كان معروفا عند الجاهليين ‪ ،‬فندبوا وأنبوهم‬
‫يتصف بالتقوى واإليمان والخير والبر والرحمة والهداية والطهر ومن ذلك تأبين حسان بن ثابت للرسول عليه السالم‪:‬‬
‫باهلل ما حملت أنثى وال وضعت *** مثل النبي رسول الرحمة الهادي‬
‫وال مشى فوق ظهر األرض من أحد *** أوفى بذمة جاد أو بميعاد‬
‫من الذي كان نورا يستضاء به *** مبارك األمر ذا حزم و إرشاد‬
‫ومن ذلك رثاء الشماخ بن ضرار الغطفاني لعمر بن الخطاب بعد أن طعنه أبو لؤلؤة المجوسي‪:‬‬
‫جزى هللا خيرا من أمير وباركت *** عد هللا في ذاك األديم الممزق‬
‫فمن يجر أو يركب جناحي نعامة *** ليدرك ما قدمت باألمس يسبق‬
‫قضيت أمورا ثم غادرت مثلها *** بوائح في أكمامها لم تفتق‬
‫ومن ذلك رثاء متمم بن نويرة ألخيه مالك الذي استشهد في حروب الردة‪:‬‬
‫لقد المني عند القبور على البكا *** رفيقي لتذراف الدموع السوافك‬
‫فقال ‪ :‬أتبكي كل قبر رأيته لقبر *** ثوى بين اللوى فالدوالك‬
‫فقلت له‪ :‬إن الشجا يبعث الشجا *** فدعني فهذا كله قبر مالك‬
‫وقد يتناول الرثاء زوجة محببة لدى الشاعر تمنعه العادات أن يزور قبرها فيقول‪:‬‬
‫لوال الحياء لها جني استعبار*** ولزرت قبرك والحبيب يزار‬
‫ولهت قلبي إذ علتني كبرة *** وذوو التمائم من بنيك صغار‬
‫صلى المالئكة الذين تخيروا *** والصالحون عليك واألبرار‬
‫أما رثاء الخوارج فيصف مناقب العباد من قيام الليل وصيام النهار ‪ ،‬يقول عمر بن الحصين راثيا عبد هللا بن يحي وأبا حمزة الخارجي‪:‬‬
‫كم من أخ لك قد فجعت *** به قوام ليلته إلى الفجر‬
‫متأوه يتلو قو ارع من *** آي القرآن مفرع الصدر‬
‫وأبرز ما يقع عليه المرء من الرثاء ‪ ،‬رثاء مالك لنفسه قبل أن يموت‪:‬‬
‫فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزال *** برابية إني مقيم ‪ ،‬ليا ليا‬
‫خذاني فجراني ببرد إليكما *** فقد كنت قبل اليوم صعبا قياديا‬
‫‪- 5‬االنتصارات‪:‬‬
‫نظرا لكثرة الغزوات والحروب الداخلية والخارجية التي خاضها العرب بعد اإلسالم ‪ ،‬فقد كتب الشعراء الذين خاضوا تلك المعارك قصائد تمثل االنتصارات ‪ ..‬من ذلك قول كعب ابن مالك‬
‫بعد أن فتح الرسول خيبر‪:‬‬
‫قضينا من تهامة كل وتر *** وخيبر ثم أحجمنا السيوفا‬
‫نخيرها ولو نطقت لقالت *** قواطعن دوســـا أو ثقيفا‬
‫فلست لحاصن إن لم تروها *** بساحة داركم منا ألوفا‬
‫فننتزع العروش ببطن وج *** ونترك داركم منا خلوفا‬
‫ونردي الالت والعزى وودا *** ونسلبها القالئد والشنوفا‬
‫ومن ذلك ما قاله حسان في فتح مكة‪:‬‬
‫عدمنا خيلنا إن لم تروها *** تثير النقع موعدها كداء‬
‫يبارين األسنة مصعدات *** على أكتافها األسل الظماء‬
‫ّ‬
‫تلطمهن بالخمر النساء‬ ‫تظل جيادنا متمطرات ***‬
‫ومن ذلك قول عبد هللا بن رواحه مصورا شوقه لالستشهاد مخاطبا ناقته‪:‬‬
‫إذا أنيتني وحملت رحلي *** مسيرة أربع بعد الحساء‬
‫فشأنك أنعم وخالك ذ ّم *** وال أرجع إلى أهلي ورائي‬
‫أما أبو محجن الثقفي فيصور بالء قومه في القادسية قائال‪:‬‬
‫إذا ما فرغنا قراع كتيبة *** دلفنا ألخرى كالجبال تسير‬
‫ترى القوم فيها راجحين *** كأنهم جمال بأحمال لهن زفير‬
‫وإذا كان المستشرقون يزعمون أن فتوحات المسلمين كانت من أجل الغنائم فإن النابغة الجعدي يرد عليهم مخاطبا زوجه التي تأثرت لهجرته‪:‬‬
‫يابنة عمي كتاب هللا أخرجني *** طوعا وهل امنعن هللا ما فعال‬
‫ما كنت أعرج أو أعمى فيعذرني *** أو ضارعا من ضنى لم يستطعحوال‬
‫‪- 6‬شعر الشكوى‪:‬‬
‫عبر الشعراء في عصر صدر اإلسالم عن التظلم واليأس من سوء العالقات االجتماعية وتوزيع األموال والمناصب السياسية إذ أن المجتمع اإلسالمي ابتداء من موت الرسول عليه السالم قد‬
‫أخذ بالتحول البطيء باتجاه التخلي عن القيم اإليجابية التي كان اإلسالم قد بدأ بغرسها في نفوس الناس ‪ ،‬فهذا شاعر ال يستسيغ خالفة أبي بكر الصديق ويرفض أن تتحول الخالفة إليه أو إلى‬
‫أحد أبنائه‪:‬‬
‫رضينا رسول هللا ما كان بيننا *** فيا لعباد هللا ما ألبي بكر‬
‫أيرثنا بكرا إذا مات بعده وتلك *** لعمر هللا قاصمة الظهر‬
‫وهذا الشاعر يزيد بن الصعق يذكر الخليفة عمر بمكانته ومسؤوليته تجاه الوالة الذين يختلسون األموال قائال‪:‬‬
‫أبلغ أمير المؤمنين رسالة *** فأنت أمين هللا في النهي واألمر‬
‫فال تدعن أهل الرسائق والقرى*** يسيغون مال هللا في األدم الوفر‬
‫فقاسمهم نفسي فداؤك إنهم *** سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطر‬
‫وهذا هو الراعي النجدي يتوجه إلى الخليفة عبد الملك بن مروان منشدا إياه شكواه الشعرية من جباة الضرائب الذين جلدوا قومهم بالسياط لعجزهم عن دفع الضرائب‪:‬‬
‫أخليفة الرحمن إنا معشر *** حنفاء نسجد بكرة وأصيال‬
‫عرب نرى هللا في أموالنا *** حق الزكاة منزال تنزيال‬
‫إن السعاة عصوك يوم دعوتهم *** وأتوا دواهي لو علمت ونحوال‬
‫أخذوا العريف فقطعوا حيزومه *** باألصبحية قائما مغلوال‬
‫إن الذين أمرتهم أن يعدلوا *** لم يفعلوا مما أمرت فتيال‬
‫وهذا الشاعر كعب األشقري يستغيث بعمر بن عبد العزيز متظلما من عماله‪:‬‬
‫إن كنت تحفظ ما يليك *** فإنما عمال أرضك بالبالد ذئاب‬
‫لن يستجيبوا للذي تدعو له *** حتى تجلّد بالسيوف رقاب‬
‫‪- 7‬الغزل ‪:‬‬
‫إذا كان الشاعر الجاهلي يعيش متمثال الفروسية والمرأة فإن الشاعر في صدر اإلسالم والعصر األموي قد عايش مبدأ جديدا رفع شأن المرأة وبوأها مكانة مرموقة من خالل النصوص‬
‫القرآنية‪:‬‬
‫"وعاشروهن بالمعروف“ " وهو الذي خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة "‬
‫من خالل ذلك وبسبب انتشار الغناء وكثرة الفراغ والثراء الذي جاء إلى المجتمع اإلسالمي بسبب الفتوح فقد شاع ثالثة أنواع من الغزل ‪ :‬العفيف ‪ .‬الصريح ‪ .‬التقليدي‬
‫‪. 1‬الغزل العفيف‪:‬‬
‫وينسب إلى قبيلة عذرة القضاعية اليمنية التي كانت تنزل وادي القرى شمال الحجاز والتي كان أبناؤها مشهورين بهذا النوع من الغزل وقد ذكر ابن قتيبة في كتابه "الشعر والشعراء" أن‬
‫الجمال والعشق في عذرة كثير وهو امتزاج للظاهرة البدوية مع العفة اإلسالمية بحيث جعلت هذه الظاهرة منزهة عن الدوافع الجسدية ‪ ،‬وهو يختلف عن الحب األفالطوني الذي يقوم على‬
‫النظرة الفلسفية كما يختلف عن الحب الصوفي الذي يتجه فيه المحب إلى الذات اإللهية‪ .‬وقد رأى الباحثين أن هذا الحب تجسيد لعقدة المازوخية القائمة على التلذذ باأللم والعذاب وإن كان‬
‫البعض يروي أو يرى أن في هذا الحب سموا من خالل سماته التي تتمثل بالعفة وتوق د العاطفة والديمومة والوحدانية والمعاناة والشكوى والخضوع المطلق لسلطان المحبوب وتعني مالزمته‬
‫والحرص على رضاه والقناعة به واإلعراض عن أقوال العاذل فيه وإكبار المرأة من خالل وصف محاسنها القيمة ال الجسدية‪.‬‬
‫يقول جميل بثينة‪:‬‬
‫ال والذي تسجد الجباه له *** مالي بما دون ثوبها خبر‬
‫وال بفيها وال هممت به *** ما كان إال الحديث والنظر‬
‫ويقول كثير عزة‪:‬‬
‫أريد ألنسى ذكرها فكأنما *** تمثل لليلي بكل سبيل‬
‫ويقول جميل بثينة‪:‬‬
‫لقد فضلت حسنا على الناس مثلما *** على ألف شهر فضلت ليلة القدر‬
‫ويقول ابن حزام‪:‬‬
‫وإني ألهوى الحشر إذا قيل *** إنني وعفراء يوم الحشر ملتقياني‬
‫فيا ليت محيانا جميعا وليتنا *** إذا نحن متنا ضمنا كفنان‬
‫ويقول جميل بثينة‪:‬‬
‫وماذا دها الواشون إال كرامة *** علي وما زالت مودتها عندي‬
‫‪ . 2‬الغزل الصريح‪:‬‬
‫ونظرا العتماد األمويين صرف الناس عن الخالفة فقد أغدقوا على أبناء الحجاز األموال وأعادوا خارطة العصبية القبلية إلى واقع الجزيرة فاتجه قسم كبير من أبناء الحجاز إلى اللهو‬
‫والترف والتألق في المأكل والملبس والمسكن فانتشر الغناء وكثرة المغنيات وغلب على قسم كبير من شعراء مكة والمدينة الغزل الصريح الذي يتحسس جمال المرأة ‪ ،‬ولكنه على رأي‬
‫األدباء بقي أسير دوافع جمالية ال دوافع جنسية ‪ ،‬إذ أن كثيرا من هؤالء الشعراء يجدون متعة في مجالسة النساء والتحدث إليهن ‪ ،‬وال يتعدون ذلك و قد اتسم هذا الغزل الصريح بسما ٍ‬
‫ت‬
‫متمثلة بالصراحة في وصف عالقة الشاعر بفتاته و تصوير محاسنها‪ ،‬ووصف معاناته بعاطفة سطحية سريعة االنطفاء ‪ ،‬ذلك أن هؤالء الشعراء تعلقوا بأكثر من امرأة واحدة ‪ ،‬إضافة إلى‬
‫نزعة االستعالء التي تستحوذ على نفوسهم ‪ ،‬من ذلك قول عمر بن أبي ربيعة في محاسن محبوبته‪:‬‬
‫غادة تفتر عن أشنبها *** حين تجلوه أقاح أوبرد‬
‫و لها عينان في طرفيهما *** حور منها و في الجيد غيد‬
‫وقد برز من شعراء هذا االتجاه ‪ :‬عمر بن أبي ربيعة ‪ ،‬عبد هللا بن عمر العرجى ‪ ،‬الحارث بن خالد المخزومي ‪ ،‬أبو دهبل الجمحي ‪ ،‬عبد هللا بن محمد األنصاري‪.‬‬
‫‪ . 8‬الشعر السياسي‪:‬‬
‫ليس لدى الجاهليين شعر سياسي بالمفهوم العصري لمعنى كلمة سياسة ‪ ،‬إذ أن القبيلة هي الدولة المصغرة التي ينتمي إليها اإلنسان الجاهلي و دفاعه عنها دفاع عن حدود مناطق الرعي فيها‬
‫و إذا كان هناك بعض الممالك قد بدأت تتبلور فإن اإلسالم قد جاء وقطع الطريق عليها ‪ ،‬فأنشأ نظاما ً جديدا ً للحياة السياسية المتمثلة بإيجاد خليفة واحد يدافع عن حمى األرض التي فتحت ‪ ،‬و‬
‫لكن خالف المسلمين حول مفهوم الخالفة ‪ ،‬هذه الخالفة لمن تكون و كيف تكون جعل المسلمين ينقسمون إلى أحزاب اتخذت طابعا ً سياسيا ً تمثل في ‪:‬‬
‫أ ‪ .‬الحزب الخارجي‬
‫بـ ‪ .‬الحزب األموي‬
‫جـ ‪ .‬الحزب الزبيري‬
‫د ‪ .‬الحزب الهاشمي‬
‫سان بن ثابت في مخاطبته ألبي سفيان و تهديده للمشركين قبل فتح مكة حين قال‪:‬‬ ‫لوعدنا إلى بدايات الدعوة اإلسالمية لوجدنا أن مسألة تبليغ الرسالة الدينية قد أخذت طابعا ً سياسيا ً مثله ح ّ‬
‫أال أبلغ أبا سفيان عني *** مغلغلة فقد برح الخفاء‬
‫بأن سيوفنا تركت عبدا ً *** و عبد الدار سادتها اإلماء‬
‫و قوله أيضا ً مفتخرا ً أو هاجيا ً لعبد هللا بن الزبعرى و مشيرا ً إلى مقتل‬
‫أصحاب اللواء يوم أحد‪:‬‬
‫تلك أفعالنا ‪ ،‬و فعل الزبعرى *** خامل في صديقه مذموم‬
‫و قريش تلوذ منـا لواذا ً لم *** يقيموا وخف منها الحلوم‬
‫لم تطق حمله العواتق منهم *** إغا تحمل اللواء النجوم‬
‫شعر الخوارج السياسي‪:‬‬
‫الخوارج هم شيعة علي بن أبي طالب الذين خرجوا عن صفه بعد أن قبل بمسألة التحكيم بينهم وبين معاوية ‪ ،‬ذلك أن معركة صفين قد أوشكت نهايتها على فوز جيش علي مما جعل معاوية‬
‫و جماعته يرفعون المصاحف طلبا ً للتحكيم ‪ ،‬و قد زعم هؤالء الخوارج الذين انشقوا عن علي أن مسألة التحكيم خدعة ‪ ،‬و لكن علي قبل به ألنها تطلب تحكيم القرآن الكريم في هذا الخالف‬
‫و ما كان لخليفة مثل علي أن يرفض التحكيم و قد شكلت هذه الفئة من المسلمين جيشا ً عنيدا ً صلبا ً رأى بالجهاد ركنا ً أساسيا ً من أركان اإلسالم و اعتقد أصحاب هذا الحزب الذين تسموا ‪:‬‬
‫" الشراة ‪ ،‬المحكمة ‪ ،‬الخوارج ‪ ،‬الحرورية " أنه الحكم إال هلل ‪ ،‬و أنه ال يجوز تعيين خليفة للمسلمين و قد خرجوا إلى بالد ما وراء النهر ‪ ،‬و قد انقسم الخوارج إلى طوائف متعددة منهم ‪:‬‬
‫النجدات ‪ ،‬األزارقة و األباضية و الشفرية و أشدهم تعنتا األزارقة الذين يرون أن القعود عن الجهاد إثم كبير وأن الخالفة ليست بالضرورة أن تكون من القرشيين أو من العرب‪ .‬و قد مثل‬
‫هؤالء من الخوارج حزبهم أكبر تمثيل ‪ ،‬فنبذوا كل تعصب يقوم على األسرة أو الجنس ‪ ،‬فقد كانوا مجموعة أفراد ينتمون إلى فئات متعددة ‪ ،‬ومن أشهر و أهم شعراء الخوارج ‪ " :‬قطري بن‬
‫فجاءة ‪ ،‬الطرماح بن حكيم الطائي ‪ ،‬عمران بن حطان ‪ ،‬و عمرو بن الحصين ‪ ،‬يزيد بن حسباء" ‪ ..‬وقد جمع قطري بين رقة النفس والحماسة للعقيدة ‪ ،‬وعبر عن رؤية الخوارج في القتال‬
‫فقال‪:‬‬
‫لعمرك إني في الحياة لزاهد *** وفي العيش مالم ألق أم حكيم‬
‫من الخفرات البيض لم ير مثلها *** شفاء لذي بث وال لسقيم‬
‫لعمرك إني يوم ألطم وجهها *** على نائبات الدهر جد لئيم‬
‫ولو شهدتني يوم دوالب أبصرت *** طعان فتى في الحرب غير ذميم‬
‫ويقول مصقلة بن عتبان يفتخر على بني أمية بأنصاره الخارجين كسويد والبطين وقعنب وشبيب وغزالة التي نذرت أن تدخل مسجد الكوفة وتصلي فيه ركعتين ووفت بوعدها وصلت‬
‫والحجاج ال يجرؤ على الخروج إليها‪:‬‬
‫أبلغ أمير المؤمنين رسالة *** و ذو النصح إن لم يربح منك قريب‬
‫فمنا سويد و البطين و قعنب *** و منا أمير المؤمنين شبيب‬
‫غزالة ذات النذر منا حميدة *** لها في سهام المسلمين نصيب‬
‫‪ - 9‬شعر الزهد‪:‬‬
‫فلسف اإلسالم النظرة إلى الحياة الدنيا من منطلق بسيط يدعو إلى أن يكتفي اإلنسان بالقليل من متاعها و النظر و التركيز على ما بعد الموت ألن فيه الحياة األبدية و السرمدية ‪" :‬و اتبع فيما‬
‫أتاك هللا الدار اآلخرة ‪ ،‬و ال تنس نصيبك من الدنيا و أحسن كما أحسن هللا إليك " و قوله تعالى ‪ " :‬وما الحياة الدنيا إال متاع الغرور "‪ .‬ومن هذا المنطق تبنى عدد من الشعراء المسلمين في‬
‫عصرصدر اإلسالم و العصر األموي هذه الفلسفة و دعوا إلى طرح الدنيا و اإلقبال على اآل خرة و التوكل على هللا و الثقة به و اإليمان بأنه متكفل برزق الجميع ‪ ،‬و من هؤالء الشعراء‬
‫الذين دعوا إلى ذلك ‪ " :‬أبو األسود الدؤلي تلميذ اإلمام علي كرم هللا وجهه ‪ ،‬ومالك بن دينار ‪ ،‬وعروة بن أذينة ‪ ،‬وسابق البربري‪" .‬‬
‫يقول عروة بن أذينة‬
‫لقد علمت وما اإلسراف من خلقي *** إن الذي هو رزقي سوف يأتني‬
‫أسعى إليه فعينيي تطلبــــه *** ولو قعدت أتاني ال يعنيني‬
‫ويقول أبو األسود الدؤلي داعيا ً إلى السعي من أجل العيش القائم على الحياة الكريمة‪:‬‬
‫وما طلب المعيشة بالتمني *** ولكن ألق دلوك في الدالء‬
‫وال تقعد على كسل تمنى *** تحيل على المقادر والقضاء‬
‫وينتقد الشاعر سابق البربري انصراف األغنياء إلى جمع المال‪:‬‬
‫فحتى متى تلهو بمنزل باطل *** كأنك فيه ثابت األصل قاطن‬
‫وتجمع ما ال تأكل الدهر دائبا *** كأنك في الدنيا لغيرك خازن‬
‫وكما أن شعراء الزهد في هذا العصر قد أكثروا من ذكر الموت وتحدثوا عن هاجسه المفزع‪:‬‬
‫فويحي من الموت الذي هو واقع *** وللموت باب أنت ال بد داخله‬
‫وكيف يلذ العيش من هو *** عالم بأن إله الخلق ال ب ّد سائله‬
‫وهذا هو الفرزدق يذكر الموت وعذاب هللا في اآلخرة في حوار مع الحسن البصري في يوم جنازة زوجه النوار ‪:‬‬
‫أخاف وراء القبر إن لم يعافني *** أش ّد من القبر التهابا وأضيقا‬
‫إذا جاء في يوم القيامة قائد *** عنيف وسواق يسوق الفرزدقا‬
‫لقد خاب من أوالد دارم من مشى *** إلى النار مغلول القالدة موثقا‬
‫‪ - 10‬شعر الرجز‪:‬‬
‫الرجز طريقة شعرية مختلفة عن طريقة القصيدة اتخذها مجموعة من الشعراء مركبا ذلوال لنقل عواطفهم ومشاعرهم تجاه الحياة والمجتمع‪ .‬هذا الشعر يقوم من حيث شكله على نقطتين‪:‬‬
‫اتجاه وزن بحر الرجز أساسا له والذي يتكون من ست تفعيالت في البيت الشعري الواحد قائما على تكرار تفعيلة ( مستفعلن ) كما أنه يراعي التصريع وقد تكون قافية كل بيت مختلفة عن‬
‫قافية البيت الذي يليه ‪ ،‬وقد تكون لألبيات قافية واحدة‪ ،‬وبعد العجاج وابنه رؤبة أول من حول شعر الرجز من البيئة الشعبية إلى البيئة المثقفة بحيث أصبح رجزهما يحتج به في اللغة واألدب‬
‫بعد أن كان هذا الرجز فنا شعبيا يتناوله العامة في مجالسهم وعمله من ذلك ما قاله العجاج ‪ :‬وقد كان الرجز في أوله ينظم ارتجاال ويعد األغلب العجلي أول من أطاله وجعله كالقصيدة ‪ ،‬كما‬
‫أن شعراء األراجيز تناولوا األغراض الشعرية كالهجاء ‪ ،‬المديح ‪ ،‬الفخر ‪ ...‬ونهجوا أحيانا نهج القصائد العربية كالوقوف على األطالل والرحلة إلى الممدوح ‪ ،‬يقول أبو النجم العجلي يصف‬
‫فهودا لعبد الملك بن مروان في موقعة صيد‪:‬‬
‫إنا نزلنا خير منزالت *** بين الحميرات المباركات‬
‫في لحم وحش وحباريات *** وإن أردنا الصيد واللذات‬
‫جاء مطيعا لمطاوعات *** علمن أو قد كن عالمات‬
‫ومن األراجيز التي كتبت للتندر والدعابة ما قاله أبو النجم العجلي موصيا ابنته عند زواجها واصفا الزوجة والحماة في موقف الحشر طالبا منها أن ال تتوانى في الخصام‪:‬‬
‫مر *** بالكلب خيرا والحماة شرا‬ ‫أوحيت من برة قلبا ّ‬
‫ال تسأمي ضربا لها وجرا *** حتى ترى حلو الحياة مرا‬
‫وإن كستك ذهبا ودرا *** والحي عميهم بشر طرا‬
‫وقد امتدح علي بن عبد العزيز الجرجاني في كتابه ‪( :‬الوساطة بين المتنبي وخصومه( تعريب الرجاز للكلمات الفارسية والحبشية كاستعمال كلمة ( البردجا) واستعمال (تسجا) بمعنى التف‪.‬‬
‫وقد أصبحت األرجوزة في نهاية المطاف نصا أدبيا يعتمد عليه النحاة واللغويون في شواهدهم‪.‬‬
‫‪- 11‬شعر الطبيعة‪:‬‬
‫نظرا لنزوج العرب بين حياة الصحراء وحياة الحضارة الجديدة فقد بقي عالقا في أذهان الشعراء مجال الصحراء وما تحمله من ذكريات بما فيها من خيام ونوق وخيول وحيوانات ونجوم ‪،‬‬
‫وبقي كثير من الشعراء يفضل حياة الصحراء على حياة المدن كما عند الفرزدق عندما قارن بين طبيعة الصحراء ونهر وجبل وبين الناقة في تلك الصحراء والسفينة في نهر‪:‬‬
‫لفلح وصحراواه لو سرت فيهما *** أحب إلينا من دجيل وأفضل‬
‫عودوني ركوبها *** وما كنت رعابا لها حين ترحل‬ ‫وراحلة قد ّ‬
‫قوائمها أيدي الرجال إذا أنتجت *** وتحمل من فيها قعودا وتحمل‬
‫إذا ما تلقاها األواذي شقها *** لها جؤجؤ ال يسترع وكلكل‬
‫إذا رفعوا فيها الشراع كأنها *** قلوص نعام أوظليم شمردل‬
‫ويعد الشاعر ذو الرمة من أكبر الشعراء الذين عشقوا الصحراء وأيامها وما فيها ورأى ما في الصحراء مسالة في اطار ذكره لمية تلك المرأة التي أفلتت من يده فجعلته يذوب في رمال‬
‫الصحراء ‪ ،‬يقول ذو الرمة في وصف حيوان الصحراء بظبية وابنها عاكسا عواطف اإلنسان عليهما‪:‬‬
‫إذا استودعت صفصفا أو صريحة *** تنحت ونصت جيدها بالمناظر‬
‫حذار على وسنان يصرعه الكرى *** بكل مقيل عن ضعاف فواتر‬
‫األدب في العصر العباسي‬
‫قامت الدولة العباسية على أثر ثورة ضد األمويين كان العباسيون قد أعدوا لها في رؤية وإحكام وسرية عام ‪132‬هـ ‪749 ،‬م ‪ .‬وسقطت الدولة العباسية بسقوط بغداد على أيدي التتار عام‬
‫‪656‬هـ ‪1258 ،‬م ‪ .‬وقد اصطلح المؤرخون على تقسيم هذه الخالفة العباسية إلى ثالثة عصور هي ‪ :‬العصر العباسي األول ‪ ،‬من قيام الخالفة العباسية إلى أول خالفة المتوكل (‪- )132‬‬
‫‪232‬هـ ‪ (846 – 749 ،‬والعصر العباسي الثاني (‪334 - )232‬هـ ‪945 - 846 ،‬م) من خالفة المتوكل إلى استقرار الدولة البويهية ‪ ،‬والعصر العباسي الثالث (‪656 - 334‬هـ ‪- 945 ،‬‬
‫‪1258‬م من استقرار الدولة البويهية إلى سقوط بغداد على أيدي التتار‪.‬‬

‫كبيرا ‪ ،‬إذ أفادت من جهود األمويين ثم زادت عليها أضعافا تأليفا وترجمة‬
‫ً‬ ‫العصر العباسي األول (‪232 - )132‬هـ ‪ )846 - 749 ،‬حققت الدولة اإلسالمية في ظل العباسيين تقد ًما حضاريًا‬
‫فضالً عن ازدهار فنون الغناء والموسيقى وا لعمارة ‪ ،‬وازدهار وسائل العيش في المالبس والمساكن والطعام والشراب‪ .‬وكان لخلفاء بني العباس إسهام كبير في تشجيع المد الحضاري‬
‫وتغذيته ‪ ،‬فعقدوا المجالس لألدباء والعلماء والمغنين ‪ ،‬وأجزلوا العطاء ‪ ،‬وأنشأوا المكتبات ودور العلم ‪ ،‬وجلبوا الكتب األجنبية بكثره‪ .‬كانت دمشق حاضرة الخالفة األموية ‪ ،‬ثم صارت بغداد‬
‫حاضرة العباسيين ‪ ،‬وزخرت بالشعراء والعلماء وأهل الفن‪ .‬وإذا كان األمويون أدخلوا الثقافة البيزنطية‪ ،‬فإن العباسيين قد تأثروا بالثقافة والحضارة الفارسية‪ .‬كان من األمور الناجمة عن‬
‫الثراء والترف واالمتزاج بالشعوب التي فتحت بلدانها أن نشأت تيارات منحرفة تمثلت في الشعوبية والزندقة والمجون‪.‬‬

‫أما الشعوبية فهم أولئك القوم الذين عادوا العرب ‪ ،‬ولم يروا فيهم إال بدوا ورعاة غنم وسكان خيام‪ ،‬ومجرد قبائل لم تجمعهم دول منظمة مثل غيرهم من األمم كالروم والفرس‪ .‬ويعكس تيار‬
‫الشعوبية حقد الشع وب المغلوبة على األمة العربية التي حباها هللا برسالة اإلسالم ‪ ،‬وحقق لها الغلبة على أعداء هذه الرسالة ومن أشهر دعاة الشعوبية‪ :‬عالن الشعوبي وسهل ابن هارون‬
‫وبشار بن برد وأبو نواس‪ .‬أما الزندقة ‪ ،‬فقد نجمت عن االمتزاج بشعوب من نخل وديانات شتى ‪ ،‬منها المانوية والمزدكية والزرادشتية‪ .‬وقد تعقب خلفاء بني العباس هذا التيار بحزم ‪،‬‬
‫وبخاصة الخليفة المهدي‪ ،‬الذي اتخذ ديوانا خاصا لتعقبهم‪ .‬وكان للكتب التي حملت أفكار الزندقة أثرها في طائفة من ضعاف النفوس‪ .‬ويوجد دائ ًما في فترات االنفتاح العقلي من يولع بالتقليد‬
‫ألرباب األفكار الشاذة المستوردة‪ ،‬ويميل إلى اعتناقها والوالء لها أكثر من أربابها‪ .‬ومن أشهر زنادقة ذلك العصر ‪ :‬ابن المقفع ‪ ،‬الذي قال فيه الخليفة المهدي‪ :‬ما وجدت كتاب زندقة قط إال‬
‫ضا ‪ :‬صالح بن عبد القدوس الشاعر ‪ ،‬وبشار بن برد‪ .‬وإذا كنا قد خصصنا المهدي باإلشارة في تعقب الزنادقة فإن غيره من خلفاء بني العباس لم‬ ‫وأصله ابن المقفع‪ .‬ومن هؤالء الزنادقة أي ً‬
‫وكثيرا ما كان الحوار يجري بحضور‬ ‫ً‬ ‫حوارا ومناظرة ‪،‬‬
‫ً‬ ‫سا للعقيدة وتعقبا ألعدائها من الزنادقة‪ .‬وإذا كان الخلفاء ووالتهم قد تعقبوا الزنادقة قتالً وقمعا ‪ ،‬فإن المتكلمين تعقبوهم‬
‫يقلوا عنه تحم ً‬
‫ضا أحد الوجوه السلبية لالختالط باألعاجم وانفتاح المجتمع العربي المسلم‬ ‫ضا من خالل نقض آرائهم في مقاالتهم ورسائلهم ومناظراتهم‪ .‬أما تيار المجون ‪ ،‬فقد كان أي ً‬ ‫الخليفة‪ .‬كما تعقبوهم أي ً‬
‫على عقائدهم وعاداتهم وأخالقهم من خالل هذا االختالط ومن خالل حركة الترجمة والنقل التي اتسعت في هذا العصر اتساعا عظي ًما‪.‬‬

‫واألمر الذي ال شك فيه أنه كان ثمة عالقة وثيقة بين هذه الظواهر الثالث ‪ ،‬وهي ‪ :‬الشعوبية والزندقة والمجون ‪ ،‬وذلك بحكم أنها جميعها كانت صادرة عن مصدر واحد ‪ ،‬هو المصدر‬
‫األجنبي ‪ ،‬كما كانت صبغة العداء للدولة اإلسالمية تشكل عامالً مشتركا بينها‪ .‬وحين نطالع المصادر األدبية في العصر العباسي يطالعنا أدب مصطبغ بالمجون في شعره وقصصه وأخباره‪.‬‬
‫وفي كتاب األغاني الكثير من أخبار أبي نواس وأشعاره ‪ ،‬وكذلك مطيع ابن إياس وحماد عجرد ‪ ،‬وسواهم‪ .‬ومع كل ما تقدم فال ينبغي التصور بأن حياة المجتمع العباسي قد أسلمت قيادها‬
‫تما ًما للشعوبية والزندقة والمجون ‪ ،‬وأن هذه الحياة قد تحلت من كل قيود العقيدة واألخالق ‪ ،‬فلقد كان لتيار الدين سلطانه الذي لم يقهر ‪ ،‬إذ ظهر الزهد والزهاد ‪ ،‬بل ظهرت بواكير التصوف‬
‫‪ ،‬هذا إلى جماهير العلماء والوعاظ وأهل النسك ‪ ،‬ومجالسهم التي عمرت بها أرجاء بغداد في مساجدها ورباطاتها وقصورها‪ .‬ومن هؤالء عبد هللا بن المبارك ‪ ،‬وسفيان الثوري ‪ ،‬ومعروف‬
‫الكرخي ‪ ،‬وابن السماك‪ .‬كما كان من وعاظ البصرة‪ :‬األسواري الذي وصفه الجاحظ بقوله ‪ " :‬كان من أعاجيب موسى الدنيا ‪ ،‬كانت فصاحته بالفارسية في وزن فصاحته بالعربية"‬
‫على أنه ينبغي أال تغفل تيار الحركة العقلية ‪ ،‬إذ نضـجت العلوم ‪ ،‬ورسخت مناهج البحث فيها ‪ ،‬وكثرت المؤلفات في علوم الدين عقيدة وشريعة ‪ ،‬فضالً عن المؤلفات اللغوية والنحوية ‪،‬‬
‫وكتب األدب الخاص ‪ ،‬ودواوين الشعراء وقد كان التيار الديني والتيار العقلي يحاوالن معًا كبح تيارات الشعوبية والزندقة والمجون‪ .‬وإذا كانت هذه التيارات قد أحدثت آثارها السلبية في‬
‫المجتمع فإنها شكلت لو ًنا من ألوان التحدي للعقل العربي ‪ ،‬فراح يقاومها بكل سبيل ‪ ،‬كما حفزت همم أهل الغيرة الدينية للتصدي لها والتغلب عليها‪ .‬وهكذا شهدت الساحة لو ًنا من الصراع‬
‫كبيرا في أغراضه‬‫ً‬ ‫تطورا‬
‫ً‬ ‫العقلي والروحي‪ .‬فكان لإلسالم تأثيره الواسع في أنحاء الدولة اإلسالمية وانتشرت اللغة العربية ‪ ،‬وتعريت الشعوب األعـجـمـيــة‪ .‬ولقد حقق الشعر في هذا العصر‬
‫وأفكاره وفي شكله الفني ‪ ،‬وز ًنا وقافية ولغة‪ .‬وهذه نتيجة طبيعية التساع جوانب التجربة العقلية عن طريق الترجمة واالختالط بأجناس بشرية مختلفة ‪ ،‬وتطور المعارف الدينية واللغوية‬
‫واألدبية ‪ ،‬واتساع حركة التأليف ‪ ،‬وظهور المعارف الفلسفية‪ .‬وفي هذا العصر ظهر من يطلق عل يهم الباحثون الشعراء المحدثون ‪ ،‬أو الشعراء المولدون مثل بشار وأبي نواس ومطيع بن‬
‫إياس‪ .‬وترتب على تطور الشعر في تلك الحقبة أن نشأ صراع حاد بين أولئك المحدثين ‪ ،‬ومن تصدّى لهم من المحافظين في ما يسمى اصطالحا قضية عمود الشعر‪ .‬أي‪( :‬األصول التقليدية‬
‫المرعية للقصيد ة العربية)‪ .‬وكان للغويين خاصة دور كبير في تمثيل تيار المحافظين ‪ ،‬وبخاصة في جانبي اللغة والصورة الفنية للقصيدة العربية‪ .‬وقد تبدت مظاهر التطور الشعري في‬
‫األغراض والمعاني والوزن ‪ ،‬والقافية ‪ ،‬وبناء القصيدة ‪ ،‬واللغة‪ .‬ولكن هناك أغراض جدّت واستحدثت ‪ ،‬وأغراض بقيت على ماكانت عليه ‪ ،‬مع شيء من التجديد في بعض عناصرها‪ .‬فمما‬
‫رمزا بارزا له ‪ ،‬وهناك أبو نواس ‪ ،‬وهو وإن اشتهر بالمجون والخمريات ‪ ،‬فقد ألم بشيء من الزهد في بعض شعره في أخريات حياته‪ .‬وقد‬ ‫ً‬ ‫ج ًد من األغراض الزهد الذي كان أبو العتاهية‬
‫كان هذا الزهد إسالمي الطابع ‪ ،‬ومن هنا حفلت الزهديات بالكثير من قيم التقوى وترقب يوم الحساب واإلعراض عن ملذات الحياة الزائلة‪ .‬وكان هذا الشعر يمثل تيار رد الفعل لشعر‬
‫المجون والخمريات‪ .‬ومن األغراض الجديدة الشعر التعليمي‪ .‬كما ظهر لون جديد من الشعر هو الشعر الفكاهي الذي ضم النوادر المضحكة ‪ ،‬والمعاني الفكهة‪ .‬وقد هيأ لظهور هذا اللون‬
‫الجديد جو المرح واللهو في هذا العصر ‪ ،‬وانتشار مجالس األنس والسمر ‪ ،‬خاصة في قصور الخلفاء والوالة واألعيان ومن هذا ما نجده لدى بشار في أبيات له تحكي قصة عشق حمار‬
‫ألتان ‪ ،‬وفيها يقول بشار على لسان حماره‪:‬‬
‫سيدي من بعناني *** نحو باب األصبهاني‬
‫إن بالباب أتانا *** فضلث كل أتان‬
‫تيمتني يوم رحنا *** بثناياها الحسان‬
‫و بحسن ودالل *** سل جسمي وبراني‬
‫و لها خـــــــد أسيل *** مثل خد الشيفران‬
‫حمارا فاسألوه وواضح أن الكلمة مرتجلة إمعانا من الشاعر في التفكه ‪ ،‬وكان تفسير‬
‫ً‬ ‫بشارا عن معنى لفظ الشيفران ‪ ،‬فأجابه بشار‪ :‬هذا من غريب الحمار فإذا لقيتم‬ ‫ً‬ ‫ثم سأل أحد الجالسين‬
‫بشار لها أكثر فكاهة وواض ح من األبيات سخرية الشاعر من شعراء الغزل في عصره خاصة‪ .‬كما أن هذا اللون الجديد من الشعر الفكاهي قد استخدمه فريق من الشعراء للسخرية والنقد‬
‫ضا ما يسمى بشعر الطرديات وهو ذلك الشعر الذي يصف رحالت الصيد والطرائد وكالب الصيد والصقور ‪ ،‬وما‬ ‫لبعض ما ال يروقهم من األفكار والعادات‪ .‬ولقد ظهر في هذا العصر أي ً‬
‫إلى ذلك‪ .‬وهذا الغرض وإن كانت له جذور فيما سبق من العصور فقد اتسعت جوانبه ‪ ،‬وتفنن فيه الشعراء حتى صار فنا جديدًا ‪ ،‬وكان أبو نواس من أبرز الشعراء ميالً لهذا الغرض‪ .‬وال‬
‫تعبيرا عن بعض مظاهر الفقر ‪ ،‬كما كان سواه صدى لحياة الثراء والترف ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫شك أن حياة الترف والثراء كانت وراء هذا الغرض الشعري‪ .‬كما ظهر شعر الشكوى من البؤس‪ ،‬الذي كان‬
‫وقريب من شعر الشكوى من البؤس شعر الشكوى من العاهات ‪ ،‬وهو ضرب من رثاء ما ذهب من األعضاء أو الحواس‪ ،‬مثل أشعار أبي يعقوب الخريمي الذي أكثر من بكاء عاهة العمى‬
‫لديه ‪ ،‬وتصوير مشاهده ومواقفه بكل صدق‪ .‬وقد كان هذا الغرض الشعري وأمثاله من األغراض نتيجة لعمق الوعي بالذات ‪ ،‬فضالً عـن رقـة المشاعر التي اكتسبها الشعراء ‪ ،‬خاصة بحكم‬
‫مــا أصــاب الحيــاة مـــن التحضر والرفاهية‪ .‬كما أن دقة تصوير الشعراء للنفس البشرية في أدق خلجاتها كانت نتيجة التساع ألوان الثقافة ‪ ،‬التي تثري التجربة الشعرية وتكسبها العمق‬
‫واالتساع‪ .‬أما األغراض التي بقيت مع شيء من التطوير فمنها ‪ ،‬على سبيل المثال ‪ ،‬المديح وهو غرض عريق شائع في الشعر العربي غير أن الشعراء المحدثين أثروه بما أدخلوا عليه من‬
‫عمق التحليل للفضائل النفسية و الخلقية‪ ،‬نتيجة لما اكتسبوه من الثقافات ‪ ،‬ومثل ذلك شعر الهجاء ‪ ،‬فقد تناولوه أيضا بشيء من البسط والتحليل لألخالق ‪ ،‬ولكن في جوانبها السلبية على أن‬
‫شعراء هذا العصر بمدائحهم وأهاجيهم قد تغلغلوا في النفس البشرية وكشفوا عن كوامنها ‪ ،‬كما أنهم بتناولهم للفضائل والرذائل رسموا المثل التي ينبغي اإلقبال عليها‪ .‬ولعل شعر الرثاء ‪،‬‬
‫وإن كان غرضا قدي ًما ‪ ،‬قد أصابه حظ ‪ .‬قليل من التطور ‪ ،‬فلم يعد رثاء للناس فحسب‪ ،‬بل صار رثاء للمدن واألماكن ‪ ،‬كرثاء بغداد على أثر ضربها بالمنجنيق في عصر األمين ‪ ،‬حيث‬
‫عمها الخراب ‪ ،‬وعاث في جوانبها ال مفسدون‪ .‬كما طرأ تغير على الرثاء ليصبح رثاء للحيوان والطيور المستأنسة ‪ ،‬وقد استكثر أحمد بن يوسف الكاتب من هذا اللون الطريف ‪ ،‬الذي يدل‬
‫على اتساع آفاق اإلبداع الشعري نتيجة التساع آماد الثقافة‪ .‬ويمكن القول إجماالً أنه ما من غرض شعري قديم إال دخله التطوير والتجديد على أيدي الشعراء المحدثين من حيـث‪ :‬اللغة‪ ..‬فلقد‬
‫امتدت حركة التجديد في الشعر إلى اللغة وذلك من جملة وجوه توجز فيما يلي‪ :‬أوالً‪ :‬سهولة الشعر ‪ ،‬وال يعني هذا أن الشعراء المولعين باللفظ الغريب قد انقرضوا ‪ ،‬فقد بقي منهم أمثال أبي‬
‫إنكارا‬
‫ً‬ ‫البيداء الرياحي وابن الدمينة وأبي ضمضم الكالبي ‪ ،‬وقد كانوا من أهل البادية ‪ ،‬كما كانوا رواة للشعر القديم وللغة‪ .‬على أن هذه اللغة السهلة التي عمد إليها الشعراء المحدثون ‪ ،‬لقيت‬
‫من علماء اللغة الذين لم يكن ذوقهم يسيغ إال الشعر القديم بألفاظه الغريبة ‪ ،‬وذلك لسببين ‪ :‬األول يتعلق بقضية االحتجاج اللغوي ‪ ،‬والثاني أنهم كانوا يقتصرون على رواية الشعر القديم‬
‫ويتخذونه مادة للتعليم ‪ ،‬ويعتقدون أن هذا الشعر القديم هو الوعاء الحقيقي ألصول اللغة‪ .‬ثانيا استخدام بعض األلفاظ األعجمية ‪ ،‬ومن أشهر الشعراء ذلك أبو نواس إذ كان يستكثر من هذه‬
‫األلفاظ ‪ ،‬حتى لتأتي بعض عباراته الشعرية فارسية خالصة ‪ ،‬وال شك أن امتزاج األعاجم بالعرب قد قيض لهذا الشعر شيئًا من الرواج‪ .‬ثالثا‪ :‬مخالفة بعض الشعراء لألقيسة المعروفة في‬
‫اللغة ‪ ،‬مما جعل نقاد هذا العصر يتهمون الشعراء بالخروج على أصول العربية ‪ ،‬مع أن في كثير من مخالفات هؤالء الشعراء ما يمثل لهجة عربية أو يكون من قبيل الضرورات الشعرية‪.‬‬
‫عا عن لغة أبي نواس‪" :‬وقد كان أبو نواس يُلحْ ُن في أشياء من شعره ال أراه فيها إال حجة من الشعر المتقدم وعلى علة بينة من على النحو"‪ .‬وخالصة ما تقدم فإن التجديد‬ ‫يقول ابن قتيبة ‪ -‬دفا ً‬
‫في عنصر اللغة خا صة قد أثار تيار الصراع بين القديم‪ ،‬الذي كان يمثله اللغويون بمعاييرهم التقليدية المتشددة ‪ ،‬وبين الشعراء المولدين يساندهم فريق من أنصار حركة التجديد ‪ ،‬وعلى‬
‫رأسهم ابن قتيبة‪ .‬واألوزان‪ :‬فلقد تطور شعر هذا العصر في أوزانه ‪ ،‬فعمد المولدون خاصة إلى المقطعات وإلى المجزوء ات ‪ ،‬واستكثروا من األوزان الخفيفة الزاخرة باإليقاع وبخاصة‬
‫المقتضب والمتدارك والوزن األخير أغفله الخليل واستدركه عليه تلميذه األخفش وفي تجديد الشعراء في القافية استحدثوا ما يسمى بالمزدوج والمسمطات والمزدوج نوع من النظم المتعدد‬
‫القوافي ‪ ،‬إذ تختلف القافية فيه من بيت إلى بيت ‪ ،‬ثم تتحد القافية في ال شطرين المتقابلين ‪ ،‬وتكون على بحر الرجز ‪ .‬وقد كثر استعماله في المنظومات التعليمية بوجه خاص‪ .‬أما المسمطات‬
‫فهي قصائد تتألف من أدوار ‪ ،‬يتركب كل دور من أربع شطرات أو أكثر ‪ ،‬وتتفق شطرات كل دور في قافية واحدة ‪ ،‬عدا الشطر األخير ‪ ،‬فإن قافيته تكون مخالفة‪ .‬ومن حيث بناء القصيدة ‪:‬‬
‫فمن أهم عناصر التجديد الشعري ما يتعلق ببناء القصيدة ‪ ،‬فقد تخلص الشعراء المولدون من المقدمات الطللية التي كانت لدى القدماء ‪ ،‬وتجاوزوها إلى أطالل مستحدثة اقتضتها تطورات‬
‫الحياة ‪ ،‬فكان هناك أطالل القصور في المدن تستقل بها قصائد تامة ‪ ،‬وال تتوقف عن د المقدمة ‪ ،‬ومنها سينية البحتري التي وقف فيها على أطالل إيوان كسرى وصور لوحاته الفنية المنقوشة‬
‫على جدرانه‪ .‬وأحيا ًنا يستخدم الشاعر العباسي مقدمات لقصائده في وصف الطبيعة في المدن ‪ ،‬وهي تتمثل في الحدائق التي افتن العباسيون في تنسيقها ‪ ،‬كما اتخذوها متنزهات لهم‪ .‬وأبرز‬
‫ضا ‪ ،‬نضجا في التأليف البالغي الذي ال يعدم صلته بالنقد األدبي‪ .‬وأبرز األعمال البالغية النقدية كتاب البديع‬‫نقاد هذا العصر ابن قتيبة في كتابه الشعر والشعراء‪ .‬كما شهد هذا العصر ‪ ،‬أي ً‬
‫لعبد هللا بن المعتز مع نثار نقدي قليل ومتفرق في كتابه طبقات الشعراء المحدثين ‪ ،‬كما ال يخلو كتاب الكامل ألبي العباس المبرد من نظرات نقدية بالغية‪ .‬هذا إلى ما للجاحظ من جهود‬
‫رائدة في تأسيس البالغة الممزوجة بنظرات نقدية صائبة‪ .‬وبالجملة فإن القرن الثالث الهجري شهد ظهور أمهات كتب النقد األدبي ‪ ،‬التي غدت مصادر نقدية أساسية للعصور الالحقة‪.‬‬
‫العصر العباسي الثالث من قيام الدولة البويهية إلى سقوط بغداد ‪656 - )334( ،‬هـ ‪1258 - 945 ،‬م‪ .‬بدا واض ًحا في هذا العصر أن الدول واإلمارات التي انقسمت إليها الخالفة العباسية‬
‫كانت ‪ ،‬بحكم ما بينها من تنافس ‪ ،‬سببًا في االزدهار األدبي والحضاري ‪ ،‬وإن كانت عامل ضعف سياسي في بناء الخالفة‪ .‬وإذا كانت حركة الترجمة واالتصال بالثقافات األجنبية قد بدأت‬
‫تؤتي ثمارها في العصر السابق ‪ ،‬فقد تأكدت نتائج هذا االتصال بظهور مواهب فنية وعقلية فذة ‪ ،‬كما اتسعت فنون األدب شعره ونثره‪ .‬ففي مجال الشعر ظهر المتنبي والمعري والشريف‬
‫الرض ي‪ .‬وفي مجال النثر ظهر أبو حيان التوحيدي وبديع الزمان الهمذاني‪ .‬وفي مجال التأليف ظهر أبو الفرج األصفهاني بموسوعته الكبرى األغاني وبرز أبو منصور الثعالبي بمؤلفه يتيمة‬
‫الدهر الذي كان مدرسة فـ التأريخ األدبي احتذاها كثير من المشارقة والمغاربة ‪ ،‬هذا إلى كتب أبي علي التنوخي مثل نشوار المحاضرة بعد الشدة‪ .‬والفرج ولقد اتسعت حركة التأليف اللغوي‬
‫‪ ،‬فشهد هذا العصر لو ًنا جديدًا من البحث اللغوي تمثل في كتاب الخصائص البن ج ّني ‪ ،‬وظهور أنماط شتى من المعاجم اللغوية‪ .‬كما تمثل في حركة التأليف في التاريخ اإلسالمي والجغرافيا‬
‫قادرا على االبتكار واإلسهام في‬ ‫والعلوم اإلسالمية ‪ ،‬والفلسفة والعلوم البحتة والتطبيقية ‪ ،‬إلى غير ذلك من العلوم‪ .‬ويعكس هذا النشاط التأليفي هضم العقل العربي للثقافات هضما جعله ً‬
‫الحضارة اإلنسانية بجهد متميز‪ .‬أما الفنون األدبية ‪ ،‬فأبرزها ما اصطلح حديثا على تسميته باألدب الشعبي ‪ ،‬مثل ألف ليلة وليلة ذات التأثير الواسع والعميق في اآلداب العالمية ‪ ،‬وسيرة‬
‫عنترة ‪ ،‬ثم هذا النوع من القصص االبتكاري ‪ ،‬ومن أبرز نماذجه رسالة الغفران ألبي العالء المعري‪ .‬كما ظهرت في مجال الشعر فنون شعبية مستحدثة ‪ ،‬منها الموشح والزجل والمواليا‪.‬‬
‫قاصرا على‬
‫ً‬ ‫وهكذا ‪ ،‬فإن الصورة العامة لهذا العصر قد تراها أدبا وع لما ‪ ،‬تدل على ازدهار متميز حقق به اإلبداع العربي نبوغه ومقدرته الفذة على االبتكار‪ .‬ولم يعد االبتكار الفني والعقلي‬
‫بيئة دون أخرى بل اتسعت رقعة هذا االبتكار ليشمل شتى الحواضر العربية ‪ ،‬ثم يتجاوزها إلى ديار األعاجم الذين شاركوا بعمق في حركة االبتكار الفني والعقلي ولقد اصطبغ الشعر بصبغ‬
‫قادرا على تجسيد قضايا اإلنسان والكون والحياة ‪ ،‬دون أن يفقد نبضه الوجداني ومقدرته الفذة على التخييل والتصوير ‪ ،‬وقد ظهر أبو الطيب المتنبي نموذجا للشاعر الذي تمثل‬ ‫فكري جعله ً‬
‫في عمق شتّى الثقافات ‪ ،‬مع موهبة فنية نادرة النظير وثروة لغوية وارتكاز على التراث األصيل ‪ ،‬وهو يعبر عن هموم عصره من خالل ذاته وفكره‪ .‬وإذا كان المتنبي والمعري يمثالن‬
‫النموذج المتفرد في التعبير اإلنساني ‪ ،‬فقد كان من الطبيعي أن يظهر إلى جوارهما عشرات الشعراء ‪ ،‬ممن كانوا دونهما نبوغا وعبقرية ‪ ،‬لكنهم ‪ ،‬على كل حال ‪ ،‬كانوا يمثلون اتجاهات‬
‫شعرية متباينة ومستويات شعرية مختلفة‪ .‬ومن هؤالء الشعراء ‪ :‬أبو فراس الحمداني ‪ ،‬وكشاجم والواواء الدمشقي والشريف الرضي ومهيار الديلمي وابن نباتة الشغدي‪ .‬ويزخر كتاب يتيمة‬
‫الدهر للثعالبي بجمهور كبير من هؤالء الشعراء الذين ظهروا في بيئات عربية وأعجمية مختلفة‪ .‬وإذا كان األندلس يفاخر المشرق بفن الموشح ‪ ،‬فإن المشرق ‪ ،‬في محاولة للتميز ‪ ،‬حاول أن‬
‫يتفرد بدراسة هذا الفن المستحدث واستخالص قواعده وأوزانه ‪ ،‬فظهر ابن سناء الملك بكتابه دار الطراز في عمل الموشحات ولئن عجز ابن سناء الملك عن استخالص أعاريض الموشح‬
‫وحصر أوزانه في كتابه المتقدم فإنه وفق إلى استخالص سائر قواعده من خالل منهج سديد جمع بين النظرية والتطبيق‪ .‬ونطالع في مرحلة متأخرة من هذا العصر أسماء شعراء مثل البهاء‬
‫كثيرا من لغة الحياة الدارجة ‪ ،‬إلى ما‬ ‫ً‬ ‫زهير وابن مطروح ‪ ،‬وهما من أصدق الشعراء تمثيالً لروح العصر ‪ ،‬إذ اتسمت أشعارهما بالرقة والعفوية ‪ ،‬فضالً عن تلك اللغة السهلة التي تقترب‬
‫لدى البهاء زهير من نزوع إلى الغزل الذي ‪ ،‬وإن لم يعبر عن معاناة حقيقية يعكس روح الدعابة وخفة الظل لديه‪ .‬كما نطالع شعر التصوف لعمر بن الفارض ولغيره من الشعراء إذ كان‬
‫أثرا في حياة الناس ‪ ،‬خاصة في ديار الشام ومصر ‪ ،‬فمن البدهي أن يترك‬ ‫الشعر الصوفي صدى لتيار التصوف في هذا العصر‪ .‬وإذا كان الغزو الصليبي يشكل لهذا العصر أعمق األحداث ً‬
‫هذا الغزو تأثيره على الشعر إذ راح الشعراء يعبرون عن أحزانهم بهزيمة أو أفراحهم بنصر ‪ ،‬مع رثاء المدن أو مدح السالطين من بني أيوب‪ .‬ولكن ينبغي االعتراف بأن الشعر العربي‬
‫كبيرا في‬ ‫ازدهارا ً‬
‫ً‬ ‫شاعرا فحالً في مستوى أبي تمام والمتنبي وهما يعبران في قصائدهما الحماسية عن حركة النضال ضد الروم‪ .‬ولقد ازدهر‬ ‫ً‬ ‫لهذه الحقبة ‪ ،‬كان من الضعف بحيث ال نجد‬
‫هذا العصر منتف عا بما سبق من جهود النقاد‪ ..‬وأهم النقاد في هذا العصر أبو هالل العسكري والقاضي الجرجاني واآلمدي ‪ ،‬وابن رشيق القيرواني وابن األثير ‪.‬‬
‫متأثرا بشيخه قدامة بن جعفر ‪ ،‬فإن القاضي الجرجاني في الوساطة واألمدي في الموازنة ‪ ،‬يمثالن االتجاه التطبيقي في النقد‬ ‫ً‬ ‫وإذا كان أبو هالل العسكري يمثل االتجاه النظري في النقد‬
‫األدبي‪ .‬أما كتاب العمدة البن رشيق القيرواني ‪ ،‬فيعد أشمل مؤلف في دراسة الشعر ‪ ،‬إذ ال يقتصر على النقد بل يتجاوزه إلى البالغة وبعض الثقافات التراثية التي تُع ّد ‪ ،‬بحق ‪ ،‬مفتا ًحا‬
‫لدراسة الشعر العربي القديم وبخاصة الجاهلي‪ .‬كما أن كتاب المثل السائر في أدب الشاعر والناثر لضياء الدين بن األثير يُعد نموذجا للنقد األدبي الذي يجمع بين الشعر والنثر‪.‬‬
‫قصيدة ابن الرومي ‪ ..‬نموذجا ً‬
‫بكاؤكما يشفي وإن كان اليجدي *** فجودا فقد أودى نظيركما عندي‬
‫بكاء كما يا عيني ربما يشفي قليال من الغ ليل ولكنه ال يجدي فتيال فهو لن يرد ابنى الى الحياة فاذرف الدمع السخين والتبخال به فقد فقدت من يماثلكما في القيمة عندي بل هو أغلى‬
‫أال قاتل هللا المنايا ورميها *** من القوم حبات القلوب على عمد‬
‫لعن هللا الموت كيف يهجم على الناس ويتصيد عن قصد مسبق احباء قلوبهم واالعزاء على نفوسهم‪.‬‬
‫توخى حمام الموت أوسط *** صبيتي هلل كيف اختار واسطة العقد‬
‫لقد تقصد الموت أن يقع اختياره على ابني األوسط أحب ابنائي فكيف انتقى أثمن وأكبر جوهرة في عقد عائلتي واختطفها من أمام ناظري‪.‬‬
‫على حين شمت الخير في لمحاته *** وأنست من أفعاله آية الرشد‬
‫لقد كانت مخايله تدل على ذكاء واعد وفطنة متوقدة وكنت انتظر له مستقبال كبيرا لما كان يبدو عليه من بذور الذكاء والنشاط‪.‬‬
‫طواه الردى عني فأضحى مزاره *** بعيدا ً على قرب قريبا ً على بعد‬
‫لقد غيبه الموت الغادر عن ناظري ورغم أن قبره قريب مني اال انه بعيد عني ال يمكن رؤيته أو االجتماع به فهو بعيد بشخصه رغم قرب قبره ‪ ،‬وقريب بقبره رغم بعد التالقي معه‪.‬‬
‫لقد أنجزت فيه المنايا وعيدها *** وأخلفت اآلمال ماكان من وعد‬
‫كان يتجاذبه في مرضه جاذبان اولهما تهديد الموت المخيف وثانيهما امل واعد بالشفاء ولكن المنايا كانت أقوى واكثر سطوة فحققت تهديدها في حين لم ينجز األمل ما وعدنا به من انقاذه‪.‬‬
‫لقد قل بين المهد واللحد لبثه *** فلم ينس عهد المهد اذ ضم في اللحد‬
‫لم يعش في هذه الحياة الدنيا اال زمنا قليال ‪ ،‬وان المسافة التي تفصل بين والدته ومماته قصيرة فلم يكد ينسى عهد الطفولة حتى فجأه الموت وضمه القبر الموحش‪.‬‬
‫الح عليه النزف حتى أحاله *** الى صفرة الجادي عن حمرة الورد‬
‫لقد ألح ع ليه النزف واستمر يفقد دمه حتى ضعف وذبل وتحول لونه الزاهي الوردي الى صفرة كامدة تشبه صفرة الزعفران‪.‬‬
‫وظل على األيدي تساقط نفسه *** ويذوي كما يذوي القضيب من الرند‬
‫أخذ المرض يأكل منه شيئا فشيئا وتباطا ً خروج روحه فكان يذوب بين ايدينا مثلما يذوب قضيب الغار أو اآلس اذا القي في النار‪.‬‬
‫فيالك من نفس تساقط أنفسا *** تساقط در من نظام بال عقد‬
‫هللف أنت من نفس تذوي وتسقط فتذوي معها وتتساقط انفس محبيها كما تسقط حبات العقد حين ينفرط نظامه‬
‫عجبت لقلبي كيف لم ينفطر له *** ولو أنه أقسى من الحجر الصلد‬
‫فواعجبا لقلبي كيف بقي في مكانه ولم يتصدع حزنا عليه حتى لو كان هذا القلب من الحجر القاسي الصلب ألن مرأه وهو مريض كان يفتت األكباد‪.‬‬
‫وإني وان متعت بابني بعده *** لذاكره ماحنت النيب في نجد‬
‫سابقى على ذكراه ولن انساه واني ولو سلم لي ابناي الباقيان مقيم على عهده ذاكر أيامه الى االبد ما بقيت النوق المسنة تنوح على اوالدها في نجد‬
‫وأوالدنا مثل الجوارح أيها *** فقدناه كان الفاجع البين الفقد‬
‫إن أوالدنا قطع منا بل هم اعضاؤنا ‪ ،‬وإن فقدان أي واحد فيهم مؤلم وفاجع وقاس يشبه فصل عضو من أعضائنا عن جسمنا وخسران أي واحد فيهم ال يمكن أن يعوضه وجود اآلخرين‪.‬‬
‫األدب في العصر الحديث ‪ ..‬والمعاصر‬
‫مدرسة أبولو الشعرية ‪ :‬هي إحدى المدارس األدبية المهمة في األدب العربي الحديث‪ .‬مؤسسها هو الشاعر الكبير أحمد زكي أبو شادي الذي ولد في عام ‪1892‬م و التي ضمت شعراء‬
‫الوجدان في مصر والعالم العربي‪ .‬ولقد تشكلت هذه الجماعه في فترات من إحدى أصعب الفترات التاريخية وأقساها في تاريخ مصر الحديث حيث تهادن القصر واالنجليز واتفقا أن يسلبا‬
‫مصر من حق ديموقراطي أو دستوري واستطاعتا بمعاونة رئيس الوزراء محمد حمود ثم اسماعيل صدقي أن يوقفا الدستور ويعطال الحياة النيابيه ويقهرا كل رأي ويجهضا أي محاولة‬
‫للوقوف ضد استبداد الحكم وتبع ذلك االستبداد السياسي والقهر الفكري خراب اقتصادي وظلم اجتماعي فادحين كما تأخرت حركة التعليم وتعثرت كثير من الصحف والمحالت والنوادي‬
‫الثقافيه وفي وسط هذا االطار المتأزم والملتهب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ظهرت جماعة أبولو مابين (‪ .)1935-1932‬وهذه الظروف القاسية والتكوينات الخاصه الحالمه دفعت بعض‬
‫الشعراء وعلى رأسهم أحمد زكي أبو شادي لتكوين جماعة تنشر روحا من التآخي والتآلف بين الشعراء رغم اختاف مفاهيهم الفنيه وقدراتهم االبداعية وتسمية جماعة أبولو بهذا االسم يوحي‬
‫من زاويه خفيفه باتساع مجاالت ثقافتهم وابداعهم كما اتسمت بوظائف (االله االغريقيه أبولو ) التي تتصل بالتنميه الحضاريه ومحبة الفلسفه وإقرار المبادئ الدينيه والخلقيه‬
‫أهم الصفات المميزة للمدرسة‬
‫وقد وجد هؤالء الرومانسيون على اختالف ابداعاتهم في صورة الحب الحزين والمحروم الذي ينتهي إما بفراق وإما بموت معادال موضوعيا ليأسهم في الحياة وعجزهم االقتصادي وعجزهم‬
‫عن التصدي للواقع‪ .‬وكانت صورة االنسان في أدبهم فردا سلبيا حزينا وهذ انراه واضحا في أشعار إبراهيم ناجي و علي محمود طه وروايات محمد عبد الحليم عبد هللا و محمد فريد أبو‬
‫حديد و يوسف السباعي وازدهار المسرح والروايه في هذه المرحله يدل داللة واضحه وأكيده على الرغبه الواعيه في الهروب من الواقع‪.‬‬
‫مدرسة الديوان ‪ :‬مدرسة الديوان هي حركة تجديدية في الشعر العربي ظهرت في النصف الثاني من القرن الثالث عشر على يد عباس محمود العقاد وإبراهيم المازني وعبد الرحمن شكري‬
‫سميت بهذا االسم نسبة إلى كتاب ألفه العقاد والمازني وضعا فيه مبادئ مدرستهم واسمه "الديوان في النقد"‪ .‬حددت أهداف المدرسة كما يقول العقاد في الديوان‪:‬‬
‫"وأوجز ما نصف به عملنا إن أفلحنا فيه أنه إقامة حد بين عهدين لم يبق مال يسوغ اتصالهما واالختالط بينهما‪ ،‬وأقرب ما نميز به مذهبنا أنه مذهب إنساني مصري عربي" ومما تدعو إليه‬
‫المدرسة التمرد على األساليب القديمة المتبعة في الشعر العربي سواء في الشكل أو المضمون أو البناء أو اللغة‪ .‬ولقد نهجت هذه المدرسة النهج الرومانسي في شعرها ومن‬
‫أبرز سمات هذه المدرسة‪:‬‬
‫‪- 1‬الدعوة إلى التجديد الشعري في الموضوعات‬
‫‪- 2‬االستفاد من االدب الغربي‬
‫‪ -3‬االطالع على الشعر العربي‬
‫‪- 4‬االتجاه إلى الشعر الوجداني القديم‬
‫‪- 5‬األستعانة بمدرسة التحليل النفسي‬
‫مدرسة أدب المهجر ‪:‬‬
‫يطلق أدب المهجر على األدب الذي أنشأه العرب الذين هاجروا من بالد الشام إلى أمريكا الشمالية والجنوبية‪ ،‬وكونوا جاليات عربية‪ ،‬وروابط أدبية أخرجت صحفا ومجالت تهتم بشؤونهم‬
‫وأدبهم‪ .‬و من أبرز شعرائهم وكتابهم جبران خليل جبران‪ ،‬ميخائيل نعيمة‪ ،‬إيليا أبو ماضي‪ ،‬أمين الريحاني‪ ،‬رشيد خوري‪ ،‬فوزي المعلوف وآخرون‪.‬‬
‫خصائص أدب المهجر‬
‫‪- 1‬النزعة الروحية ‪ :‬التأمل في الحياة وفي أسرار النفس البشرية‪.‬‬
‫‪ 2‬الحنين إلى الوطن ‪ :‬لشعورهم بالغربة في وطنهم الجديد‪.‬‬
‫‪ -3‬االتجاه إلى الطبيعة جددوا الطبيعة وجعلوها حية متحركة في صدورهم‪.‬‬
‫‪ -4‬التجديد في الموضوعات واألغراض الشعرية‪ :‬فالشعر لديهم تعبير عن موقف اإلنسان في الحياة‪ ،‬غرضه تهذيب النفس‪ .‬ونشر الخير والجمال والسمو إلى المثل العليا‬
‫‪ -5‬التساهل في االستخدام اللغوي‪.‬‬
‫‪- 6‬التحرر من قيود الوزن والقافية‪.‬‬
‫‪- 7‬االهتمام بموسيقى اللفظ مما أدى إلى ظهور الشعر المنثور‪.‬‬
‫‪- 8‬استخدام الرمز‪.‬‬
‫‪ -9‬النزعة اإلنسانية‪ :‬تفاعلهم مع اإلنسان بغض النظر عن لونه وجنسه‪.‬‬
‫‪- 10‬استخدام األلفاظ الموحية‪.‬‬
‫مدرسة البعث واإلحياء‪:‬‬
‫تميزت النهضة األدبية على المستوى الفكري بظهور التيار السلفي الذي دعا إلى ضرورة العودة إلى المنابع األولى للدين اإلسالمي بهدف إصالح المجتمع‪ ،‬وترجم هذا التوجه على المستوى‬
‫األدبي في العودة إلى القصيدة العربية القديمة‪ ،‬في محاولة الستلهام روح القصيدة التقليدية‪ ،‬سمي هذا التوجه بخطاب البعث واإلحياء‪.‬‬
‫تتميز هذه المدرسة بالمميزات التالية‪:‬‬
‫‪- 1‬استلهام تقاليد القصيدة القديمة وااللتزام بعمود الشعر العربي القديم من حيث البناء واللغة والتصوير الفني‪.‬‬
‫‪- 2‬إحياء القيم الثقافية العربية عبر استحضار ما حفل به الشعرالقديم من قيم وتمثالت عن الجمال والطبيعة واإلنسان والحياة‪.‬‬
‫‪ -3‬المزاوجة بين التقاليد الفنية واالستجابة لضرورة العصر‪ ،‬ومن ثم اال نخراط في القضايا الوطنية والقومية‪ ،‬والخوض في المسألة االجتماعية‪.‬‬
‫إرادة الحياة (ألبي القاسم الشابي)‬
‫يب القَ َد ِر‬ ‫ب َي ْو َما أ َ َرا َد ْال َح َياة َ *** فَال بُ َّد أ َ ْن َي ْست َِج َ‬ ‫إذا الش ْع ُ‬
‫َو َال بُ َّد ِللَّي ِل أ ْن َي ْن َج ِلي *** وال بُ َّد للقَ ْي ِد أ ْن َي ْن َك ِسر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َو َم ْن لَ ْم يُعَا ِنقَهُ ش َْوقَ ْال َح َياةِ *** تَ َب َّخ َر فِي َج ْوهَا َوا ْن َدثَ ِر‬
‫َصر‬ ‫فَ َويْل ِل َم ْن لَ ْم تَ ْشقُهُ ْال َح َياة ُ *** ِم ْن َ‬
‫ص ْف َع ِة ال َع َد ِم ال ُم ْنت ِ‬
‫ت ِلي ال َكا ِئنَاتُ *** َو َح َدثَ ِني ُرو ُح َها ْال ُم ْستَ ِت ِر‬ ‫كذلِكَ قَالَ ْ‬
‫الج َبا ِل *** يعش أ َ َب َد ال َّد ْه ِر َبيْنَ ال ُحفَ ِر‬ ‫صعُو َد ِ‬ ‫و َم ْن ال ي ُِحبّ ُ‬
‫صد ِْري ِر َياح أُخ ٍَر‬ ‫ت ِب َ‬ ‫ض َّج ْ‬ ‫ب *** َو َ‬ ‫ش َبا ِ‬‫ت ِبقَ ْل ِبي ِد َما ُء ال َّ‬ ‫فَ َع َّج ْ‬
‫وب الخَطر‬ ‫وح *** َو َم ْن َي ْستَ ِلذُ ُر ُك َ‬ ‫اس أ َ ْه َل ُّ‬
‫الط ُم ِ‬ ‫اركَ فِي ال َّن ِ‬ ‫أ ُ َب ِ‬
‫عي ِْش ْال َح َج ِر‬ ‫الز َمانَ *** َو َي ْق َن ُع ِب ْال َعي ِْش َ‬ ‫وال َع ْن َم ْن َال يُ َما ِشي َّ‬ ‫ْ‬
‫ي ‪ ،‬ي ُِحبُّ ْال َح َياة َ *** َو َيحْ تَ ِق ُر ْال َميْتَ َم ْه َما َكب ٍُر‬ ‫ُه َو ْال َك ْو ُن َح َّ‬
‫مفهوم األدب عبر العصور‬
‫إن كلمة أدب من الكلمات التي تطور معناها بتطور حياة األمة العربية وانتقالها من دور البداوة إلى أدوار المدنية والحضــــــارة‪ .‬وقد اختلفت عليها معان متقاربة حتى أخذت معناها الذي‬
‫شعرا أم نثرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫يتبادر إلى أذهاننا اليوم‪ ،‬وهو الكالم اإلنشائي البليغ الذي يقصد به إلى التأثير في عواطف القراء والسامعين ؛ سواء أكان‬
‫العصر الجاهلي|عصر ما قبل االسالم‬
‫‪ -‬العصر الجاهلي هو الفترة التي سبقت ظهور االسالم بمائة وخمسين عاما‪/‬قرن ونصف‬
‫‪ -‬كلمة الجاهلية التي أطلقت على هذا العصر ليست مشتقة من الجهل الذي هو ضد العلم ونقيضه إنما مشتقة من الجهل بمعنى السفه والغضب والنزق‬
‫كانت القبيلة في العصر الجاهلي تتألف من ثالث طبقات‬
‫‪.1‬أبناؤها ‪ :‬وهم الذين يربط بينهم الدم والنسب وهم عمادها وقوامها‬
‫‪.2‬العبيد‪ :‬وهم رقيقها المجلوب من البالد األجنبية المجاورة‬
‫‪.3‬الحبشة والموالي‪ :‬وهم عتقاؤها‪ ،‬ويدخل فيهم الخلعاء الذين خلعتهم قبائلهم ونفتهم عنها؛ لكثرة جرائرهم وجناياتهم ‪.‬‬
‫الصفات الحميدة التي اشتهر بها العرب‬
‫الفروسية ‪ -‬الشجاعة ‪ -‬الصبر ‪ -‬الكرم ‪ -‬منازلة األعداء ‪ -‬الوفاء ‪ -‬نجدة المستغيث‪.‬‬
‫الصفات الذميمة التي اشتهر بها العرب‬
‫الخمر – استباحة النساء – القمار – وأد البنات‬
‫كان هناك نوعان من النساء‪ :‬إماء وحراث‬
‫منهج القصيدة الجاهلية‬
‫‪.1‬تبدأ بالغزل والبكاء على األطالل (بقايا الديار)‬
‫‪.2‬الوصف (وصف الرحلة‪ ،‬والطريق‪ ،‬وحيوانات الصحراء)‬
‫‪.3‬االنتقال إلى الغرض الرئيس للقصيدة (الفخر ‪ -‬المدح ‪ -‬الرثاء ‪ -‬الهجاء ‪ -‬الغزل‪. )...‬‬
‫‪.4‬أحيا ًنا تُختم القصيدة بالحكمة‬
‫‪ -‬تتالف القصيدة من وحدات موسيقية يسمونها األبيات وتتحد جميع األبيات في وزنها وقافيتها‪.‬‬
‫الشعر الجاهلي شعر غنائي‬
‫‪ -‬هناك أربعة أضرب من الشعر‪ :‬شعر قصصي وتعليمي وتمثيلي وغنائي‬
‫‪ -‬يمتاز الشعر القصصي بأن قصائده طويلة فالقصيدة منه تمتد إ لى آالف األبيات‪ ،‬وتتوالى فيه حلقات من األحداث تنعقد حول بطل كبير ‪ ،‬وقد يوجد بجانبه أبطال ولكن أدوارهم ثانوية وهي‬
‫في حقيقتها قصة إال أنها كتبت شعرا‪ ،‬فالتسلسل القصصي فيها دقيق واالنتقال بين أجزائها منطقي محكم‪ ،‬وهي قصة تفسح للخيال مجاال واسعا‪ ،‬ولذلك كانت تكثر فيها األساطير واألمور‬
‫الخارقة‪ ،‬وكانت اآللهة تظهر فيها عند اليونان بدون انقطاع‪ .‬والشاعر في هذا الضرب القصصي ال يتحدث عن عواطفه وأهوائه؛ فهو شاعر موضوعي ينكر نفسه‪ ،‬ويتحدث في قصته عن‬
‫بطل معتمدًا على خياله‪ ،‬ومستمدا في أثناء ذلك من تاريخ قومه‪ ،‬وكل ما له أنه يخ لق القصة ويرتب لها األشخاص واألشياء‪ ،‬ويجمع لها المعلومات‪ ،‬ويكون من ذلك قصيدته‪ ،‬وعادة ينظمها‬
‫من وزن واحد ال يخرج عنه‪.‬‬
‫‪ -‬يمتاز الشعر التعليمي بانة يتم فية تنظيم طائفة من المعارف على نحو ما‬
‫‪ -‬يمتازالشعر التمثيلي بانة يعتمد على مسرح وعلى حركة وعمل معقد وحوار طويل بين األشخاص‪ ،‬تتخلله مشاهد ومناظر مختلفة‪.‬‬
‫‪ -‬هذه الضروب الثالثة موضوعية فالشاعر فيها ال يتحدث عن مشاعره وأحاسيسه؛ إنما يتحدث عن أشياء خارجة عنه‪.‬‬
‫‪ -‬لم يعرف الجاهليون هذة الضروب الثالثة من الشعر‪ ،‬فشعرهم منظومات قصيرة نادرا ما تجاوزت المائة بيت‪،‬وشعرهم ذاتي يمثل صاحبه وأهواءه ‪.‬‬
‫‪ -‬ولكن الشعر الجاهلي يقترب من الضرب الرابع الغنائي؛ ألنه يجول مثله في مشاعر الشاعر وعواطفه‪ ،‬ويصوره فر ًحا أو حزينا الشعر الجاهلي شعر موضوعي‬
‫‪ -‬لعل أقدم من حاول تقسيم الشعر العربي جاهليًّا وغير جاهلي إلى موضوعات ألف فيها ديوانا هو "أبو تمام المتوفى" فقد نظمه في عشرة موضوعات‪ّ .‬‬
‫ووزع قدامة في كتابة "نقد الشعر"‬
‫هذا الفن على ســـتــة موضوعات‪ .‬وحاول بعقله المنطقي أن يرد الشعر إلى موضوعين‪.‬‬
‫‪ -‬وجعل "ابن رشيق" موضوعات الشعر في كتابه العمدة تسعة ولكنة نسي موضوع الوصف‪.‬‬
‫‪ -‬ويقول "أبو هالل العسكري" وإنما كانت أقسام الشعر في الجاهلية خمسة‪.‬‬
‫‪ -‬ويقول "النابغة" ان اقسام الشعر ستة موضوعات ولكنة نسى موضوع الحماسة‪.‬‬
‫‪ -‬شعر الرثاء اصله تعويذات للميت حتى يطمئن في قبرة‪.‬‬
‫‪ -‬موضوعات الشعر الجاهلي تطورت من أدعية وتعويذات وابتهاالت لآللة إلى موضوعات مستقلة‪.‬‬
‫الخصائص المعنوية‬
‫لعل أول ما يالحظ على معاني الشاعر الجاهلي أنها معان واضحة بسيطة ليس فيها تكلف وال بعد وال إغراق في الخيال؛ سواء حين يتحدث عن أحاسيسه أو حين يصور ما حوله في‬
‫الطبيعة؛ فهو ال يعرف الغلو وال المغاالة‪ ،‬وال المبالغة التي قد تخرج به عن الحدود المعقولة ومرجع ذلك في رأينا إلى أنه لم يكن يفرض إرادته الفنية على األحاسيس واألشياء ؛ بل كان‬
‫نقال أمي ًنا‪ ،‬يُبقي فيه على صورها الحقيقية دون أن يدخل عليها تعديال من شأنه أن يمس جواهرها‪.‬‬ ‫يحاول نقلها إلى لوحاته ً‬
‫الخصائص اللفظية‬
‫‪ -‬جودة استعمال االلفاظ في المعاني الموضوعة لها دون اضطراب‪.‬‬
‫‪ -‬ل قب الجاهليين امرأ القيس بن ربيعة التغلبي بالمهلهل ألنه أول من هلهل ألفاظ الشعر وأرقها ولقبوا عمرو بن سعد شاعر قيس بن ثعلبة بالمرقش األكبر لتحسينه شعره وتنميقه ولقبوا ابن‬
‫أخيه ربيعة بن سفيان بالمرقش األصغر ‪ ،‬كما لقبوا طفيال بالمحبر لتزيينه ‪،‬شعر ‪ ،‬ولقبوا علقمة بالفحل لجودة أشعاره ولقبوا غير شاعر بالنابغة في شعره‪.‬‬
‫نبذة عن امرىء القيس‬
‫امرؤ القيس هو أهم شعراء العصر الجاهلي وأهم شعراء المعلقات وهو من قبيلة كندة التي سكنت اليمن‪ ،‬وأمه هي فاطمة أخت المهلهل وكليب ابني ربيعة بن الحارث التّغلبي‪ ،‬أما اسمه‪،‬‬
‫وطيش‪ ،‬وبقي على هذه الحال حتى‬‫ٍ‬ ‫ب وله ٍو‬‫فيُقال إنه ُحندج بن حجر‪ ،‬إال أنه اشتُهر باسم امرئ القيس نسبةً إلى شدته وشجاعته‪ ،‬وقد لُقّب بالملك الضّليل‪ .‬لقد كانت حياة امرئ القيس حياة لع ٍ‬
‫جاءه خبر مقتل والده الذي غير حياته رأسا ً على عقب‪ ،‬فاستفاق من طيشه وانتقل إلى حياة الجد والعزم لألخذ بثأر أبيه‪.‬‬
‫معلقة امرئ القيس‬
‫س ْقط ْال ِلوى بين الدَّخول ف َح ْو َم ِل‬
‫ب ومنز ِل *** ب َ‬
‫قفا نبك من ذكرى حبي ٍ‬
‫يقول‪ :‬قفا وأسعداني وأعي ناني إذا ما تذكرت الحبيب الذي فارقته‪ ،‬أو المنزل الذي خرجت منه‪ ،‬ثم يصف مكان المنزل‪.‬‬
‫ش ْمأ ِل‬ ‫ف رسمها *** ِل َما نسجتها من جنوب و َ‬ ‫فالم ْق َراةِ لم َي ْع ُ‬ ‫فت ُ ْو ِ‬
‫ض َح ِ‬
‫يقول أن هذين المكانين لم يذهب أثرهما؛ ألن الريح إذا أتت وغطتها بالتراب؛ جاءت الريح األخرى فكشفت هذا التراب عنه‪.‬‬
‫صا ِت َها *** وقِ ْي َعا ِن َها كأ َّنه َحبُّ فُ ْلفُ ِل‬ ‫ع َر َ‬ ‫ترى َب ْع َر األ َ ْر ِآم في َ‬
‫يقول‪ :‬انظر كيف أصبحت هذه األرض بعد أن غادرها أهلها‪ ،‬فصارت مقفرة سكنها الظباء التي ترمي بعرها فيها كأنه حب الفلفل في ساحتها‪.‬‬
‫ظ ِل‬ ‫ف َح ْن َ‬ ‫ت الحي ناقِ ُ‬ ‫س ُم َرا ِ‬ ‫غ َداة َ ال َبي ِْن َي ْو َم تَ َح َّملُوا *** لَ َدى َ‬ ‫كأ ِّني َ‬
‫يقول إنه وقف يوم رحيلهم كجاني الحنظل يستخرجه من الحب‪ ،‬وذلك من حيرته وصدمته‪.‬‬
‫ى وتَ َج َّم ِل‬ ‫س ً‬ ‫ي َم ِط ِّي ِه ُم *** يقولون ال تَ ْه ِل ْك أ َ َ‬ ‫علَ َّ‬
‫وقوفًا بها صحبي َ‬
‫يقول‪ :‬قد وقف بها صحبي‪ ،‬وأنا جالس من الحزن واأللم عند رواحلهم‪ ،‬وقد أمروني بالصبر‪.‬‬
‫دارس من ُمعَ َّو ِل‬ ‫ٍ‬ ‫رسم‬
‫ٍ‬ ‫عب َْرة ُم ْه َراقَة *** فهل عند‬ ‫َّ‬
‫وإن ِشفَا ِئي َ‬
‫يقول‪ :‬إن البكاء هو دوائي مما أنا فيه‪ ،‬مع أن البكاء ال ينفع عند رسم قد درس‪.‬‬
‫س ِل‬ ‫ب ِب َمأ ْ َ‬ ‫الر َبا ِ‬
‫ث قبلها *** وجارتها أم َّ‬ ‫ك َدأْ ِبكَ من أم ال ُح َوي ِْر ِ‬
‫يقول لنفسه‪ :‬عادتك في حب هذه كعادتك في هذه لم تتغير قلة حظك‪ ،‬ومعاناتك‪.‬‬
‫ص َبا جاءت ِب َريَّا القَ َر ْنفُ ِل‬ ‫نسيم ال َّ‬
‫َ‬ ‫ع المسك منهما ***‬ ‫ض َّو َ‬‫إذا قامتا تَ َ‬
‫يقول‪ :‬إذا قامت أم الحويرث أو أم الرباب شممت منهما ريح المسك كنسيم الريح التي تهب برائحة القرنفل‪.‬‬
‫ص َبا َبةً *** على ال َّنحْ ِر حتى َب َّل َدمعي ِمحْ َم ِلي‬ ‫ففاضت دموع العين مني َ‬
‫لما تذكرهما سالت دموعه على خديه حتى وصلت إلى حمالة سيفه وبلتها‪.‬‬
‫ارةِ ُج ْل ُج ِل‬ ‫يوم ِب َد َ‬ ‫ح *** وال ِس َّي َما ٍ‬ ‫صا ِل ٍ‬‫َأال ُربَّ يوم لك منهن َ‬
‫يقول‪ :‬رب يوم لك فزت به بوصال النساء إال أن خير تلك األيام كان يوم دارة جلجل‪.‬‬
‫نبذة عن زهير بن ابي سلمى‬
‫زهير شاعر جاهلي لم يشهد اإلسالم وتوفي قبل بعثة النبي صلى هللا عليه وسلم‪ .‬إال أنه كان يقال عنه دائ ًما أنه يتحلى باألخالق الحسنة وكأنه قد تعلم تعاليم اإلسالم فكان صادقًا في قوله وفيًا‬
‫في وعده‪ .‬يحب الخير لمن حوله‪ ،‬وال يقع في المنكرات والفواحش ويدعو في شعره إلى التحلي باألخالق‪ .‬وكان موحدًا هلل عز وجل وهذا ظهر في أشعاره التي كان يتضح فيها نزعته‬
‫الدينية‪.‬‬
‫معلقتة‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫اج فَال ُمتَثَل ِـم‬‫أ َ ِم ْن أ ِ ّم أ َ ْوفَى ِد ْمنَـة لَ ْم تَ َكل ِـم *** ِب َح ْـو َما َن ِة الـ ُّد َّر ِ‬
‫ص ِـم‬ ‫اج ْي ُع َو ْش ٍم فِي ن ََوا ِش ِر ِم ْع َ‬ ‫ْـن َكأ َ َّن َهـا *** َم َر ِ‬ ‫الر ْق َمتَي ِ‬
‫َو َدار لَ َهـا ِب َّ‬
‫طال ُؤهَا َي ْن َهضْنَ ِم ْن ُك ِّل َمجْ ثَ ِم‬ ‫ِب َها ال ِعي ُْن َواأل َ ْرآ ُم َي ْمشِينَ ِخ ْلفَـةً *** َوأ َ ْ‬
‫َّار َب ْع َد ت ََو ُّه ِـم‬ ‫ع َر ْفتُ الد َ‬ ‫َوقَ ْفتُ ِب َها ِم ْن َب ْع ِد ِع ْش ِرينَ ِح َّجةً *** فَـأل َيا ً َ‬
‫ض لَ ْم َيتَثَلَّ ِـم‬ ‫س ْفعا ً فِي ُمعَ َّر ِس ِم ْر َجـ ِل *** َونُـؤْ يا ً َك ِج ْذ ِم ال َح ْو ِ‬ ‫ي ُ‬ ‫أَثَـافِ َ‬
‫الر ْب ُع َوا ْسلَ ِـم‬ ‫ص َباحا ً أ َ ُّي َها َّ‬ ‫َّار قُ ْلتُ ِل َر ْب ِع َهـا *** أَالَ أ َ ْن ِع ْم َ‬‫ع َر ْفتُ الد َ‬ ‫فَلَـ َّما َ‬
‫ق ُج ْرث ُ ِـم‬ ‫اء ِم ْن فَ ْو ِ‬ ‫ـن *** تَ َح َّم ْلـنَ ِب ْال َع ْل َي ِ‬ ‫ص ْر َخ ِل ْي ِلي ه َْل ت ََرى ِم ْن َ‬
‫ظ َعا ِئ ٍ‬ ‫تَ َب َّ‬
‫َان ِم ْن ُم ِح ٍّل َو ُمحْ ِـر ِم‬ ‫ين َو َح ْزنَـهُ *** َو َكـ ْم ِبالقَن ِ‬ ‫ع ْن َي ِم ٍ‬ ‫َجعَ ْلـنَ القَنَانَ َ‬
‫ق و ِكلَّـ ٍة *** ِو َرا ٍد َح َوا ِش ْي َهـا ُمشَا ِك َهةُ الـد َِّم‬ ‫علَ ْـونَ ِبأ َ ْن َمـاطٍ ِعتَا ٍ‬
‫َ‬
‫ـن َد ُّل ال َّنـا ِع ِم ال ُمتَ َن ِ ّع ِ‬
‫ــم‬ ‫علَ ْي ِه َّ‬ ‫ُ‬
‫ان َي ْعل ْونَ َم ْتنَـهُ *** َ‬
‫سو َب ِ‬‫َو َو َّر ْكنَ فِي ال ُّ‬
‫الشرح‬
‫استفتح زهير معلقته بالحديث عن أطالل حبيبته التي فارقها من عشرين سنة وصور ديارها أنها أصبحت من بعدها خرابًا ال حياة فيها وماتت فيها الظباء واألبقار‪ .‬ومن شدة تغير حالها فإنه‬
‫لم يعد يستطيع أن يعرفها إال بعد أن ينظر إليها طويال‬

‫بعد أن انتهى زهير من وصف أطالل بيت حبيبته‪ .‬قام بوصف ساعة الرحيل التي ذهبت فيها وكانت في وقت السحر قبل شروق الشمس‪ .‬ووصف من خاللها بهاء راحلتها وموكبها‪ .‬وكيف‬
‫كانت تمر من أمام عينيه بفخامة كما وصف األقمشة التي كانت تحيط بالموكب أنها كانت فاخرة وثمينة‪.‬‬

‫ثم شرع زهير في الحديث عن الغرض األساس ي من معلقته‪ .‬وهو الثناء على األشخاص الذين تبنوا الصلح بين قبيلتي ذبيان وعبس‪ .‬وأخذ يمدح ويثني على الجهود التي بذلوها ليعم السالم‪.‬‬
‫وتحقن الدماء وخص في شعره مدح شخصين من القبيلتين قاموا بكفالة دية القتلى من الجانبين‪.‬‬

‫بدأ زهير في توجيه حديثه إلى القبيلتين الم تخاصمتين‪ .‬وحثهما على االلتزام بالصلح والبعد عن محاولة الغدر به ألن هللا سبحانه وتعالى سيكون شاهدًا على ذلك‪ .‬وبدأ يعدد لهم المصائب‬
‫والويالت التي تسببها الحروب للشعوب وحذرهم من الوقوع في هذه المهالك وإعادة الفوضى بين القبيلتين مرة أخرى وقدم لهم رجاء بأن يحافظوا على هذا الصلح‪.‬‬

‫في نهاية معلقته بدأ في سرد الحكم والمواعظ وكان يتحدث في أحدها على أن اإلنسان ال يمكن أن يجد مهربًا من قدره الذي كتبه هللا عليه وخوفه من الموت لن يمنع الموت عنه حتى لو‬
‫استطاع الصعود إلى السماء عبر سلم‪.‬‬
‫‪١٩٦٥‬‬
‫في عام ألف وتسعمائة وخمسة وستين‬
‫في عام خمسة وستين وتسعمائة وألف‬

‫في سنة الف وتسعمائة وخمس وستين‬


‫في سنة خمس وستين وتسعمائة وألف‬
‫‪١٩٦٦‬‬
‫في عام ألف وتسعمائة وستة وستين‬
‫في عام ستة وستين وتسعمائة وألف‬

‫في سنة ألف وتسعمائة وست وستين‬


‫في سنة ست وستين وتسعمائة وألف‬
‫‪١٩٦٧‬‬
‫في عام ألف وتسعمائة وسبعة وستين‬
‫في عام سبعة وستين وتسعمائة وألف‬

‫في سنة ألف وتسعمائة وسبع وستين‬


‫في سنة سبع وستين وتسعمائة وألف‬
‫‪١٩٦٨‬‬
‫في عام ألف وتسعمائة وثمانية وستين‬
‫في عام ثمانية وستين وتسعمائة وألف‬

‫في سنة ألف وتسعمائة وثمان وستين‬


‫في سنة ثمان وستين وتسعمائة وألف‬
‫‪١٩٦٩‬‬
‫في عام ألف وتسعمائة وتسعة وستين‬
‫في عام تسعة وستين وتسعمائة وألف‬
‫في سنة ألف وتسعمائة وتسع وستين‬
‫في سنة تسع وستين وتسعمائة وألف‬
‫‪١٩٧٣‬‬
‫في عام ألف وتسعمائة وثالثة وسبعين‬
‫في عام ثالثة وسبعين وتسعمائة وألف‬

‫في سنة ألف وتسعمائة وثالث وسبعين‬


‫في سنة ثالث وسبعين وتسعمائة وألف‬
‫‪١٩٧٤‬‬
‫في عام ألف وتسعمائة وأربعة وسبعين‬
‫في عام أربعة وسبعين وتسعمائة وألف‬

‫في سنة ألف وتسعمائة وأربع وسبعين‬


‫في عام أربع وسبعين وتسعمائة وألف‬

You might also like