Professional Documents
Culture Documents
أستاذ مشارك األدب الحديث و السعودي بكلية اللغة العربية بجامعة أم القرى .
dr.kawther-algady@hotmail.com
1
جماليات الخطاب النبوي
..قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم « :أدبني ربي فأحسن تأديبي» ،وفيما روى البخاري
ومس لم أن ه علي ه الص الة والس الم ق ال « :بعثت بجوام ع الكلم ،ونص رت ب الرعب ،وبين ا أن ا
دي» . عت في ي زائن األرض فوض اتيح خ ائم أوتيت بمف ن
وفي مؤلف من جزأين أعدته الدكتورة أناهيد عبد الحميد حريري وأصدرته بعنوان «جمال
ة».. ة داللي ة أدبي لم دراس حيح مس وي في ص اب النب الخط
وق د ك ان ص لى اهلل علي ه وس لم ص احب فص احة وبالغ ة ،ب ل ه و أفص ح الع رب بال من ازع،
كيف ال ؟ وهو من قريش وتربى في بني سعد ،ونزل عليه الكتاب العزيز الذي أعجز الثقلين
من اإلنس والجن ،ولعل ما أوتيه صلى اهلل عليه وسلم جوامع الكلم وفصل الخطاب ،حتى
ج اء في ص فة كالم ه ص لى اهلل علي ه وس لم ق ول أم المؤم نين عائش ة رض ي اهلل عنه ا « :ك ان
كالم رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه وس لم كالم ا فص ال يفهم ه ك ل من س معه».
2
وقد كان أسلوب الخطاب من أبرز األساليب النبوية المستخدمة في توجيه الدعوة ،وتقويم
المجتم ع ،إذ ك ان الخط اب ــ وال ي زال ــ األس لوب األمث ل في الت أثير على المخ اطبين أو
المتلقين طالم ا اعتم د على اإلقن اع المنطقي ،والتحف يز النفس ي ،والتوجي ه ال ديني ..إلخ ،م ع
اعتم اده على الوس ائل اللغوي ة المطلوب ة في الت أثير ــ على تع ددها ــ ك ل منه ا في س ياقها
المناس ب للموض وع المط روح ،وق د التفت الق دماء إلى أهمي ة الخط اب وتأثيرات ه في ش تى
المجاالت ،وكانت تأثيرات الخطاب القرآني والنبوي من أبرز التأثيرات ،وأعظمها أثرا حتى
لقد تحول المجتمع الجاهلي إلى مجتمع مختلف ،وعمت تأثيراته العالم بأسره ،ليسطع نور
الح ق والخ ير والع دل على اإلنس انية جمع اء م تى م ا أص غت ب وعي ل ذلك الخط اب الرب اني،
وتخلت عن آف تي الك بر والعن اد ،والتفتت إلي ه بحي دة وموض وعية ص رفة ،كم ا فع ل الرعي ل
األول من الصحابة رضوان اهلل تعالى عليهم أجمعين ،ومن ـ هنا ـ جاء اختياري لموضوع هذه
الدراسة بعنوان ( :جماليات الخطاب النبوي في فضائل األنبياء والصحابة في صحيح مسلم ـ
ة). ة داللي ة أدبي دراس
ويختص هذا البحث بدراسة الخطاب النبوي وما امتاز به من وسائل لغوية وجماليات أدبية
جعلت ه ي تربع على قم ة األس اليب البش رية ،وذل ك من خالل األح اديث ال واردة في فض ائل
األنبياء ومناقبهم ،ومنهم النبي صلى اهلل عليه وسلم ،وكذا مناقب الصحابة رضوان اهلل تعالى
عليهم في صحيح مسلم ،حتى يجتمع في هذه الدراسة الوقوف على ما في كالمه صلى اهلل
عليه وسلم من الجمال والبيان ،والوقوف على فضائل األنبياء عليهم السالم ،الذين اختصهم
اهلل تع الى بحم ل أمان ة التبلي غ عن ه ،وك ذا فض ائل الص حابة الك رام رض وان اهلل تع الى عليهم،
ذل ك الرعي ل األول ال ذي جاه د في اهلل ح ق الجه اد ،م ع مالحظ ة ت أثير الخط اب النب وي في
توجي ه النفس اإلنس انية من خالل نم اذج بش رية رفيع ة من األنبي اء عليهم الس الم ،والص حابة
رضوان اهلل تعالى عليهم.
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه قال :
سمعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول :
ُتيت بمفاتيح خزائن األرض ,
( بعثت بجوامع الكلم ,ونصرت بالرعب ,وبينا أنا نائم أ ُ
فوضعت في يدي ).
4
فإن هذه اآلية لم تترك خيراً إال أمرت به وال شراً إال نهت عنه
وهي مما بعث به صلى اهلل عليه وسلم .
وتشمل أيضا ما جاء في كالمه صلى اهلل عليه وسلم مما هو مروي في كتب السنة
والمقصود هنا الكالم على النوع الثاني ,وهو جوامع الكلم النبوي .
وقد وردت عن األئمة المتقدمين عدة أقوال في تحديد أصول األحاديث النبوية
أو األحاديث الجامعة التي يدور عليها الدين
فمن ذلك ما جاء عن اإلمامأحمد -رحمه اهلل -
أنه قال
" أصول اإلسالم على ثالثة أحاديث
حديثعمر ( :إنما األعمال بالنيات )
وحديث عائشة ( :من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )
وحديث النعمان بن بشير ( :الحالل بيِّ ٌن والحرام بيِّن )
5
وأنشد بعضهم :
ويعني بقوله " ازهد " حديث ( :ازهد في الدنيا يحبك اهلل ....الحديث ) .
6
من األحاديث الجامعة التي يذكرها أهل العلم ,ويولونها المزيد من العناية واالهتمام
حديث النعمان بن بشير رضي اهلل عنه قال :
سمعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول :
مشتبهات ال يعلمهن كثير من الناس
ٌ ( إن الحالل بيِّ ٌن وإن الحرام بيِّ ٌن ,وبينهما أمور
وعرضه ,ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه ِ
حمى
كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ,أال وإن لكل ملك ً
محارمه ,أال وإن في الجسد مضغةً إذا صلَحت صلَح الجسد كله
ُ أال وإن حمى اهلل
فسد الجسد كله :أال وهي القلب )
فسدت َ وإذا َ
7
{ يبين اهلل لكم أن تضلوا واهلل بكل شيء عليم }
( النساء . )176
وقال عز وجل :
{ ومالكم أن ال تأكلوا مما ذكر اسم اهلل عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم }
( األنعام. )119
وهذا هو مقتضى عدل اهلل ورحمته بعباده فال يمكن أن يعذب قوما
قبل البيان لهم وقيام الحجة عليهم
ولذلك قال سبحانه
{وما كان اهلل ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون }
( التوبة . )115
وما لم يرد بيانه مفصالً في كتاب اهلل تعالى فإن النبي صلى اهلل عليه وسلم
قد بينه في سنته تحقيق
لقوله تعالى { :وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم }
( النحل . )44
ولكن هناك أمور تشتبه على كثير من الناس
فال يعرفون حكمها هل هي من الحالل أم من الحرام ؟
وأما الراسخون في العلم فال تشتبه عليهم ,ويعلمون من أي القسمين هي
وهذه هي األمور المشتبهات التي قال عنها صلى اهلل عليه وسلم
( وبينهما أمور مشتبهات ال يعلمهن كثير من الناس ) .
8
أي طلب البراءة لهما ,فحصل له البراءة لدينه من الذم الشرعي
وصان عرضه عن كالم الناس فيه ,وفيه دليل على أن من ارتكب الشبهات
فقد عرض نفسه للقدح والطعن
كما قال بعض السلف
يلومن من أساء الظن به " .
َّ عرض نفسه للتُّهم فال
"من َّ
والقسم الثاني :من وقع في هذه الشبهات مع علمه بأن هذا األمر فيه شبهة
فقد أخبر النبي صلى اهلل عليه وسلم أن من فعل ذلك فقد وقع في الحرام
بمعنى أن اإلنسان إذا تهاون وتسامح في الوقوع في الشبهات ,وأكثر منها
فإن ذلك يوشك أن يوقعه في الحرام وال بد
وهو ال يأمن أن يكون ما أقدم عليه حرامَاًًَ في نفس األمر
فربما وقع في الحرام وهو ال يدري .
ثم ضرب النبي صلى اهلل عليه وسلم مثال لمن يقع في الشبهات
وهو أن كل ملك من ملوك الدنيا له حمى يُضرب حول ملكه
ويُمنع الناس من دخوله أو انتهاكه ,ومن دخله فقد عرض نفسه للعقوبة
فمن رعى أغنامه بالقرب من هذا الحمى فإنه ال يأمن أن تأكل ماشيته منه
فيكون بذلك قد تعدى على حمى الملك ,ومن احتاط فابتعد
ولم يقارب ذلك الحمى فقد طلب السالمة لنفسه ,وهذا مثل حدود اهلل ومحارمه
فإنها الحمى الذي نهى اهلل عباده عن االقتراب منه أو تعديه
فقال سبحانه { :تلك حدود اهلل فال تقربوها }
(البقرة )187
وقال :
{ تلك حدود اهلل فال تعتدوها }
( البقرة ) 229
9
َح َّل لهم وما َح َّرم عليهم فاهلل عز وجل قد َّ
حد للعباد حدودا بين فيها ما أ َ
ونهاهم عن االقترب من الحرام أو تعدي الحالل
وجعل الواقع في الشبهات كالراعي حول الحمى أو قريبا منه يوشك أن يدخله ويرتع
فيه
فمن تعدى الحالل ووقع في الشبهات ,فإنه قد قارب الحرام وأوشك أن يقع فيه .
ثم ختم النبي صلى اهلل عليه وسلم الحديث بذكر السبب الذي يدفع العبد
إلى اتقاء الشبهات والمحرمات أو الوقوع فيهما
أال وهو صالح القلب أو فساده ,فإذا صلح قلب العبد صلحت الجوارح واألعمال تبع ا
لذلك
وإذا فسد القلب فسدت الجوارح واألعمال ,فالقلب أمير البدن
وملك الجوارح ,وبصالح األمير أو فساده تصلح الرعية أو تفسد
فإذا كان القلب سليما حرص العبد على اجتناب المحرمات وتوقي الشبهات
وأما إذا كان القلب فاسدا قد استولى عليه اتباع الهوى والشهوات
فإن الجوارح سوف تنبعث إلى المعاصي والمشتبهات تبعا له
فالقلب السليم هو عنوان الفوز عند اهلل عز وجل
قال تعالى { :يوم ال ينفع مال وال بنون .إال من أتى اهلل بقلب سليم }
(الشعراء . )89-88
10
نسأل اهلل أن يصلح قلوبنا وأن يثبتها على دينه
النصيحة . . . .مفهومها أنواعها شروطها
11
والشفقة عليهم
قال نوح عليه السالم مخاطبا قومه
{ أبلغكم رساالت ربي وأنصح لكم وأعلم من اهلل ما ال تعلمون }
( األعراف 62ا ) .
وقال صالح لقومه
{يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن ال تحبون الناصحين}
( األعراف 79ا )
وقال هود
{ أبلغكم رساالت ربي وأنا لكم ناصح أمين }
( األعراف 68ا ) .
والنصيحة كلمة يعبر بها عن إرادة الخير للمنصوح له
وال يمكن أن يعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة تحصرها وتجمع معناها غير هذه الكلمة
وأنواعها خمسة وهي التي ذكرت في الحديث
الثاني
12
النصيحة لكتاب اهلل وتكون بحفظه وتدبره ،وتعلم ألفاظه ومعانيه
واالجتهاد في العمل به في نفسه وتعليمه غيره .
الثالث
الرابع
الخامس
النصيحة لعامة المسلمين وتكون بمحبة الخير لهم كما يحب المرء لنفسه
وكراهية الشر لهم كما يكره لنفسه .
والبد في النصيحة من ثالثة أمور
13
أولها
وثانيها
الرفق في النصح ,وإذا خلت النصيحة من الرفق صارت تعنيفا وتوبيخا ال يقبل
ومن حرم الرفق فقد حرم الخير كله كما أخبر بذلك نبينا عليه الصالة والسالم .
وثالثها
ِ
الحلْم بعد النصح ,ألن الناصح قد يواجه من يتجرأ عليه
أو يرد نصيحته ,فعليه أن يتحلى بالحلم
ومن مقتضيات الحلم :الستر والحياء وعدم البذاءة ,وترك الفحش .
وإن من الحكمة والبصيرة في النصيحة معرفة أقدار الناس
وإنزالهم منازلهم ،والترفق مع أهل الفضل والسابقة
وتخير وقت النصح المناسب ,وتخير أسلوب النصح المتزن البعيد عن االنفعاالت
وانتقاء الكلم الطيب والوجه البشوش والصدر الرحب
فهو أوقع في النفس وأدعى للقبول وأعظم لألجر عند اهلل .
14
فهذه هي حدود النصيحة الشرعية ,وخالف ذلك هو اإلرجاف والتعيير
والغش الذي هو من عالمات النفاق عياذا باهلل
فالنبي صلى اهلل عليه وسلم فسر النصيحة بهذه األمور الخمسة
التي تشمل القيام بحقوق اهلل ،وحقوق كتابه ،وحقوق رسوله
وحقوق جميع المسلمين على اختالف أحوالهم وطبقاتهم
فشمل ذلك الدين كله ،ولم يبق منه شيء إال دخل في هذا الكالم الجامع المحيط
فكان لزاما على المسلمين أخذ النصيحة خلقا بينهم
فهي القاطعة لفساد ذات البين والتحريش
والموصلة لمعاني األخوة والمحبة في اهلل
وهي العامل األهم في تماسك الجماعة واألمة
األحاديث النبوية .السنة النبوية .أهمية دراستها .تدوين الحديث النبوي الشريف
لعل علم الحديث رواية ودراية هو مما تتمثل فيه العبقرية اإلسالمية أكثر من غيره من العلوم
َّ
15
حتى الفلسفة وعلم الطبيعة والرياضيات.
وقد يبدو هذا الرأي غريباً في بادئ النظر ،ولكن ال غرابة وهذه العلوم قد قيل إن المسلمين
لم يبتكروا فيها شيئاً ،وإنما نقلوها نقالً مجرداً عن األمم السالفة ،بخالف علم الحديث ،فإنه
من وضع المسلمين وابتكارهم ،وال يستطيع أحد أن يقول غير ذلك وال أن يشكك فيه.
وليس ه ذا فق ط ،ف إن ال دارس له ذا العلم المتعم ق في ه ،ق د يطل ع من ه على آف اق رحيب ة من
األبح اث المنهجي ة ،والدراس ات الموض وعية ،في علم األخالق ،واالجتم اع ،والق انون،
والسياسة ،واالقتصاد ،فال يكون عنده أدنى ريب في أن الحضارة اإلسالمية ،مبناها على هذا
العلم ،وأنها إن استفادت من معارف يونان وفارس والهند شيئا فإنها في عناصرها النفسية،
إنما ترجع إلى كتاب اهلل:
- 6االهتمام باإلسناد
16
- 9علم الحديث وانعكاساته على النهضة العلمية
والسنة المبينة له ،وقد جرى الناس على أن ينظروا لعلم الحديث نظرة دينية بحتة ،فهم لذلك
يسقطونه من الحساب إذا ذكروا العوامل التي أدت إلى نهضة العالم اإلسالمي ،تلك النهضة
التي آتت أكلها الشهي منذ الجيل األول الذي تال ظهور اإلسالم وما زالت تنمو وتعظم حتى
بلغت في القرن الخامس الهجري إلى ما لم تبلغه في أمة أخرى قبل ذلك ،ولكنهم مخطئون
في هذا النظر :ولو شاءوا أن يعرفوا الحقيقة من غير أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث في هذا
الموض وع ،القتص روا على التفك ير في أن الرس ول -ص لوات اهلل علي ه وس المه ،-لبث في
قوم ه بع د الرس الة ثالث اً وعش رين س نة يتل و عليهم آي ات اهلل ،ويعلمهم الكت اب والحكم ة
ويزكيهم ،وقومه هم العرب الذين يعرف الناس أنهم ليسوا بشعب غبي وال بدائي ،وهم في
الوقت نفسه كانوا مكتنفين بشعوب حية وبقوم من يهود ونصارى ال يفتأون يعارضون دعوته
ويوردون عليها مختلف اإليرادات ،فهو لم يقصر دعوته على مسائل الدين فقط ،ولم يكن
يعلم المسلمين أمور العبادات فحسب بل كان يعلمهم آداب السلوك وأحكام المعاملة ،من
ال بيع ،والش راء ،والص رف ،والحوال ة ،والس لف ،وال رهن ،وم ا إلى ذل ك ،ويلقنهم أس اليب
الحرب ،وطرق الحكم ،ويرشدهم إلى السياسات المختلفة في عالقتهم مع الدول الموالية
والمعادي ة ،ويت ولى قس م األم وال بينهم ،وتوزي ع األراض ي المغل ة عليهم ،ويعق د المج الس
االستش ارية كلما حز به أم ر ليقبح لهم االستبداد ،ويقفهم على أسباب حياة األمم وهالكها
ليعرفوا كيف يحافظون على كيانهم إذا صار األمر إليهم من بعده ،وهكذا لم يدع شاذة وال
ف اذة مم ا ب ه ق وام الحي اة ،ونظ ام ال دنيا إال علمهم إي اه ،ألم يق ل الكف ار لس لمان -رض ي اهلل
عن ه« :-لق د علمكم ن بيكم ك ل ش يء»( ،)1ب ل أن ه في تنزالت ه معهم ك ان يخ اطبهم ب دقائق
المعارف ويجيب على أسئلتهم الطبية والطبيعية بما لم ينقضه العلم حتى اآلن ،ويصحح لهم
أغالط االخباريين من أهل الكتاب وأغالط عرفائهم في تفسير الظواهر الجوية ونحوها حتى
لقد دعا ذلك اليهود أن يسألوه عن حقيقة الروح {ويسألونك عن الروح ،قل الروح من أمر
17
ربي ،وما أوتيتم من العلم إال قليالً} [سورة اإلسراء.]85:
إن مجرد استعراض سريع على هذا النمط ،لسيرته -عليه الصالة والسالم -كاف ليعرف من
لم يكن يعرف أن علم الحديث هو جماع المعارف اإلسالمية سواء الدينية منها والدنيوية،
وإذا كان هذا في عهده -صلى اهلل عليه وسلم -فما ظنك بهذا العلم وقد تناولته القرائح
الخصبة واألفكار الناضجة ،وكتب العلماء فيه من األبحاث القيمة والدراسات الرائعة ما ال
يعرف قدره إال من وقف عليه.
وإذا كان الحديث عن ذلك يطول ،فلنكتف بالكالم على أصل هذا العلم والطريقة التي دون
بها والجهود التي بذلها العلماء لتمييز صحيحه من سقيمه ،وإذا ما يراد بعلم الحديث رواية
ودراية ،وهو وحده دليل ناهض على عبقرية الفكر اإلسالمي الذي يغفل الباحثون عن تتبع
آثاره في هذه الميادين.
أم ا أص ل علم الح ديث فه و أقوال ه -ص لى اهلل علي ه وس لم -وأفعال ه ،ونوم ه ،ويقظت ه،
وحركاته ،وسكوته ،وقيامه ،وجوده ،واجتهاده ،وعبادته ،وسيرته ،وسراياه ومغازيه ،ومزاحه،
وجده ،وخطبه ،وأكله ،وشربه ،ومشيه ،ومالطفة أهله ،وتأديبه فرسه ،وكتبه إلى المسلمين
والمش ركين ،وعه وده ومواثيق ه وألحاظ ه وأنفاس ه وص فاته ،مم ا رواه عن ه من الص حابة أربعة
آالف رج ل وام رأة ،كم ا يق ول الح اكم النيس ابوري في كتاب ه «الم دخل إلى الح ديث» (ص
– 12ط .لندن) صحبوه نيفاً وعشرين سنة بمكة قبل الهجرة ثم المدينة بعد الهجرة ،سوى
ما حفظوا عنه من أحكام الشريعة وما سألوه عن العبادات والحالل والحرام وتحاكموا إليه
فيه ،وقد تأدى ذلك من الصحابة إلى التابعين فمن بعدهم إلى عصر التدوين.
18
وكان عمر بن عبد العزيز أول من أمر بتدوين الحديث خوف ضياعه(.)2
وأكد هذا األمر أبو جعفر المنصور فانتدب لذلك ابن شهاب الزهري ،وكان سابق الحلبة،
إال أن عمل ه إنم ا ك ان ت دويناً مج رداً من غ ير تب ويب وال ت رتيب ،وأم ا الجم ع مرتب اً على
األبواب ،فوقع في نصف القرن الثاني ،وكان ممن قام بذلك ابن جريج بمكة ،ومالك ،وابن
إسحاق بالمدينة ،وهشيم بواسط ،ومعمر باليمن ،وابن المبارك بخرسان ،والربيع بن صبيح،
وسعيد بن أبي عروية ،وحماد بن سلمة بالبصرة ،وسفيان الثوري بالكوفة ،واألوزاعي بالشام،
وجرير ابن عبد الحميد بالري(.)3
ورتب اإلمام مالك كتابه «الموطأ» على األبواب والمسائل ،فهو يخرج الحديث الشاهد في
19
أول الباب أو في أثنائه ،ثم يخلل الباب باآلثار واألقوال الثابتة عن الصحابة وأئمة السلف في
الموضوع ويأتي بباب اسمه الجامع يروي فيه متفرقات من الباب ال تصلح أن تفرد بترجمة،
وق د ختم الكت اب ك ذلك بب اب واس ع س ماه الج امع وض منه أح اديث في الس نن واألخالق
وآداب الس لوك ونح و ذل ك ،قي ل وه و أول من ابتك ر ه ذا الص نيع في الت أليف أي جم ع
المسائل المتفرقة في باب اسمه الجامع ،وعلى ما نرى طريقة اإلمام مالك في تأليفه للموطأ
برغم قدم الزمن هي من أحسن الطرق التي ألفت عليها كتب السنة فيما بعد واتبعها معظم
المحدثين إلى المائة الثالثة.
وفي المائة الثالثة نشطت حركة جمع الحديث نشاطاً كبيراً ،وتناولت مختلف وجوه العمل
لتأليفه وتبويبه وتخليصه من الزيف والعلة ،فألف البخاري «جامعه» الذي هو أول كتاب ألف
في الصحيح ،وكذا مسلم صاحب ثاني الصحيحين ،وألف بقية أصحاب الكتب الستة كتبهم
وهي ال تي تلقاه ا المس لمون ب القبول ،ويق ول الس يوطي أن الح ديث إذا أخرج ه أح د ه ؤالء
المؤلفين الستة فليروه اإلنسان مطمئناً إليه(.)5
وك ان الت أليف في ه ذا العص ر على أوض اع مختلف ة منه ا م ا بقي محافظ اً على وض عه األول
ال ذي ك ان أك ثر العم ل علي ه عن د ب دء الت أليف وه و جم ع أح اديث ك ل را ٍو على ح دة وإن
اختلفت موضوعاتها ،وهذا ما يسمى بالمسند وهو النهج الذي اتبعه اإلمام أحمد ابن حنبل
في كتاب ه العظيم المس مى بـ«مس ند أحم د» ،ومنه ا م ا أل ف على األب واب والمس ائل ،وهي
طريقة مالك في «الموطأ» ،ومنه ما يكون عاماً شامالً ألحاديث العبادات والعادات واألحكام
والحكم والتواريخ والرقاق وغير ذلك وهو المسمى بالجامع ومنه «الجامع الصحيح» لإلم ام
البخ اري وغ يره ،ومن ه م ا يقتص ر على الس نن واألحك ام كـ«س نن أبي داود» ،ومن ه م ا يخص
موض وعاً بعني ه أو مس الة واح دة فق ط كـ«ش عب اإليم ان» لل بيهقي ،و«الق راءة في الص الة»
للبخاري إلى غير ذلك.
20
واستمر هذا النشاط وخلص إلى القرون التالية فاتخذ أشكاالً وأنواع اً من العناية بالحديث،
س واء من حيث الرواي ة والجم ع أو من حيث الش رح والفهم والتفري ع واالس تنباط ،وفي ه ذا
األمر يقال حدِّث عن البحر وال حرج.
- 6االهتمام باإلسناد:
وعلى كل حال فقد صحب عملية الجمع والتدوين عملية االنتقاء واالختيار ،والجهود التي
بذلها العلماء في ها الصدد ال يوجد لها نظير عند غير المسلمين ،ومن ثم قيل «إن اإلسناد
من خص ائص ه ذه األم ة»( )6أي تتب ع رواة الح ديث واح داً فواح داً والبحث عن ح الهم من
الحفظ والضبط والعدالة إلى النبي -صلى اهلل عليه وسلم ،-قال ابن حزم :نقل الثقة حتى
يبلغ به النبي -صلى اهلل عليه وسلم ،-ومع االتصال شيء خصص به المسلمون دون جميع
الملل..
وال تغفل عما في هذه الخصيصة من ميزة للدين اإلسالمي ال يشاركه فيها غيره من األديان،
وهي ثبوته بالنص القاطع والرواية الصحيحة ،فال جرم أن يقول عبداهلل ين المبارك «اإلسناد
من الدين ،ولوال اإلسناد لقال من شاء ما شاء»( ،)7وقوله هذا دليل على أن القوم كانوا في
تمييزهم للحديث الص حيح من السقيم يستبرئون لدينهم كما كانوا يتح رون المنهج العلمي
الصحيح.
وي روى عن عبداهلل بن المب ارك -أيض اً -أن ه ك ان يق ول« :بينن ا وبين الق وم الق وائم»( )8أي:
اإلس ناد ،وه ذا ي بين ط ريقتهم العملي ة في نق د الرج ال ،ف إنهم جعل وا ق وائم بأس ماء ال رواة
ورتبوها بحسب القوة والضعف ترتيبا يكون هو الحكم في قبول الحديث أو رده ،فإذا لم
يعرف حال الراوي ترك الحديث وكذا إن سقط من سنده أحد الرواة وإن كان في السند
ثقات فقد جاء في مقدمة الصحيح لمسلم بن الحجاج« :وقال محمد -يعني ابن عبداهلل بن
تهزاد :-سمعت أبا إسحاق بن إبراهيم بن عيسى الطالقاني قال قلت لعبداهلل بن المبارك يا أبا
عبدالرحمن الحديث الذي جاء «إن من البر بعد البر أن تصلي ألبويك مع صالتك وتصوم
21
لهما مع صومك» ،فقال عبداهلل يا أبا إسحاق ممن هذا؟ قال :قلت له هذا من حديث شهاب
بن خ راش فق ال :ثق ة عمن؟ ق ال :قلت عن الحج اج بن دين ار ق ال :ثق ة ،عمن؟ قلت :ق ال
رس ول اهلل -ص لى اهلل علي ه وس لم -ق ال ي ا أب ا إس حق إن بين الحج اج بن دين ار وبين الن بي
-صلى اهلل عليه وسلم -مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي ،ولكن ليس في الصدقة اختالف»(
.)9
ون وه األس تاذ (أدم م تز) في كتاب ه «الحض ارة اإلس المية في الق رن الراب ع الهج ري» بال دور
العظيم الذي قام به علماء الحديث في تدوين السنة النبوية وخدمتها فقال« :وقد اعتنى نقاد
الحديث منذ أول األمر بمعرفة رجال الحديث وضبط أسمائهم والحكم عليهم بأنهم ثقات
أو ض عفاء ،ثم نظ روا في األس اس ال ذي ينب ني علي ه ه ذا الحكم أع ني الص فات ال تي يجب
توفره ا في المح دث الثق ة وه و م ا يع رف ب الجرح والتع ديل ...وق د أدت بهم ح اجتهم إلى
الس ند المتص ل أن يتج اوزوا البحث في حي اة ال رواة والحكم عليهم إلى عم ل ت اريخ كام ل
لهم ،وهك ذا وج دت ت واريخ الق رن الث الث الهج ري مث ل «ت اريخ البخ اري» و«طبق ات ابن
سعد» الخ.)10(..
وقد أثر هذا المنهج بدقته وضبطه على العقلية العربية فظهر مفعوله في علوم أخرى كاللغة
واألدب والت اريخ ،وابن قتيب ة ال ذي يع د من أوائ ل نق اد األدب والش عر خاص ة بم ا كتب ه في
مقدمة كتابه «الشعر والشعراء» لم يكن إال متأثراً بمعارفه الحديثية واإلخبارية ومنهج النقد
عند المحدثين الذين هو منهم وإليهم.
بل إني ال أشك في استفادة ابن خلدون من منهج أهل الحديث واستمداده من طرق نقدهم
فيم ا وض عه من قواع د لعلم االجتم اع وفلس فة الت اريخ ،إن األمثل ة ال تي أعطاه ا مس لم بن
الحج اج لمعرف ة المنك ر من الح ديث هي بعينه ا المق اييس ال تي طبقه ا ابن خل دون لتمي يز
الزائ ف من الص حيح من أخب ار الم ؤرخين ،وهك ذا ن رى أن علم الح ديث يبس ط جناح ه على
22
الثقافة اإلس المية ال يمتن ه وروايته فقط ب ل والص طالحه على الثقاف ة وما يس مى عند علمائه
بعلم الحديث دراية -أيضاً.-
ومن المعل وم أن ه ذا لم يكن ه و القص د األول من الح ديث وتدوين ه فإن ه إنم ا ج اء عرض اً
وك ان فتح اً من فتوح ات ه ذا العلم المب ارك ال ذي اس توعب ض روب النش اط الفك ري عن د
المس لمين ،وحف زهم من أول ي وم إلى اقتح ام س بل المعرف ة وطلب العلم ول و بالص ين()11
فوجدت تلك النهضة العلمية الكبرى التي عمت البالد اإلسالمية من شرقها إلى مغربها والتي
لم تنفصل في أساسها قط عن مدارك القرآن الكريم والحديث الشريف ،وهو ما يفسر لنا
ح رص أعالم الفك ر اإلس المي على األخ ذ بحظهم من ه ذا العلم وتمس كهم ع بر الت اريخ
بالمش اركة في ه ح تى ول و ان وا من الفالس فة واألطب اء والفلك يين أمث ال ابن س ينا وابن رش د
ونص ير ال دين الطوس ي وعب د اللطي ف البغ دادي وغ يرهم ،ب ل لق د قي ل بتالزم علم الح ديث
وعلم النبات؛ ألنهما معا مما يدرك بالرحلة وال يبلغ أحد فيهما شأوا إال بالتنقل في البالد.
لم يكن ه ذا ه و القص د األول من حرك ة ت دوين الح ديث ،وإنم ا ك ان ه ذا القص د ه و جم ع
الحديث خوف ضياعه ،فقد جاء فيما كتب به عمر ابن عبدالعزيز إلى أبي بكر بن حزم في
الموضوع أنه قال له« :انظر ما كان من حديث رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -فاكتبه
فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء».
والواقع أنها كانت حركة إنقاذ للعلم اإلسالمي الذي لم يكن عند القوم غيره ،وكانوا إنما
يعتمدون فيه على الحفظ واالستظهار ،فلما أسرع الموت إلى رجاله ونقلته ،خاف الخليفة
الع ادل من ج راء ذل ك على ه ذا العلم م ا خاف ه الخليف ة األول على الق رآن من الض ياع لم ا
اس تحر القت ل في الص حابة وأم ر بجم ع المص حف ،فك ذلك أم ر عم ر بن عب دالعزيز بكتاب ة
الحديث وهو بعد الق رآن منتهى علم المس لمين إذ ذاك ،فجدوا في األمر واجتهدوا وقاموا
بما لم تقم به أمة في العمل على حفظ كالم نبيها وأخباره وأحواله ،ودونوا ذلك واقتبسوا
23
من ه الحكم واألحك ام والمع ارف واألس رار ،ولم ينظ روا إلي ه ق ط تل ك النظ رة الض يقة ال تي
تحصره في حيز الفكر الديني بل اعتبروه تراث اً علمي اً طائالً درسوه وتعمقوا فيه مدة قرن من
ال زمن ح تى إذا اتس عت أم امهم آف اق المعرف ة ونقلت إليهم عل وم األوائ ل من فلس فة وطبيع ة
ورياضيات لم يزدهم ذلك إال توسعاً وتفريع اً ألصوله وتأسيس اً لقواعده ،فإنهم لم يقولوا في
ي وم من األي ام بالفص ل بين العلم والدين وال رجح وا كف ة الم ادة على ال روح؛ ألن ال دين ه و
اإلسالم ،واإلسالم والعلم ال يختلفان ،وألن المادة كانت دائم اً وسيلتهم إلى السمو بالروح،
والوس ائل عن دهم تعطي حكم المقاص د ،فل ذلك ك انوا في المزاوج ة بين المع ارف اإللهي ة
والعلوم الكونية كالطائر بين جناحين ال يميل مع أحدهما إال كان مهددا بالوقوع.
وهكذا كان عملهم في تدوين الحديث مبادرة علمية بالمعنى العام الذي يشمل علوم الحياة
بأجمعها مما وصل إليه اجتهادهم ،ووعته عقولهم ،وال يختص دين اً وال علم اً كم اً ،حتى بدأ
عه د الترجم ة ونش أت تل ك النهض ة العلمي ة الك برى ال تي ك ان علم الح ديث من رواده ا
الداعين إليها والمشجعين عليها ،فتميزت العلوم حينئذ وسار كل في طريقه من غير تقاطع
وال ت دابر ،وال تبجح ،ف إن م ا معه ا ه و العلم دون س واه ،ب ل إن االع تراف المتب ادل وروح
التع اون بين الفك ر الفلس في وال ديني كان ا هم ا التقلي د المـتبع ال ذي أدى إلى وج ود فلس فة
إس المية متم يزة عن الفلس فة العام ة ،هي الرش دية ال تي أثبتت ألول م رة في ت اريخ الفك ر
اإلنساني عدم تعارض العلم والدين على ما نجده عند صاحبها أبي الوليد بن رشد في كتابه
«فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من االتصال» وغيره من كتبه الفلسفية..
وال يفهم من هذا أن الحياة الدينية المحض وما يتعلق بها من الحديث ،لم يحظ بعناية خاصة
من سلف األمة في حركة التدوين ،ولم يكن حافزاً لهم على ما قاموا به في هذا الشأن من
عمل جبار ،كال ،فإننا عنينا بإبراز الناحية العلمية ،وما كان لها من السيطرة على المسلمين
في تلك الحركة؛ ألنها كثيراً ما تخفى على الباحثين أو ال يعيرونها االهتمام الالزم ،وإال فإن
الح ديث المتعل ق بالواجب ات والس نن والش عائر الديني ة على العم وم ك ان من أول م ا اعت نى
24
المس لمون بحفظ ه وروايت ه ،س واء في ذل ك الص حابة والت ابعون فمن بع دهم ،ب ل إن من
الصحابة من تعاطى كتابته كعبداهلل بن عمرو بن العاص وذلك بإذن من النبي -صلى اهلل عليه
وسلم ،-فسبق عهد التدوين بزهاء قرن كامل ،وفي هذا العهد -أيض اً -كان الباعث الديني
من أعظم ما حمل أئمة الحديث وحفاظه على جمعه وكتابته ،أال ترى أن منهم من خص بعض
كتب ه بالمس ائل والقض ايا الديني ة ،وق د ألمحن ا إلى ذل ك فيم ا س بق ،ككت اب «الق راءة في
الصالة» للبخاري ،وكتاب «شعب اإليمان» للبيهقي ،وكتاب «السنن» ألبي داود وإن كان
هذا جامعاً بين أحكام العبادات والمعامالت.
25
اعى لَ هُ َس ائُِر س ِد إِذَا ا ْشتَ َكى ِم ْنهُ ُع ْ
ض ٌو تَ َد َ ِ ِّهم وَتر ِ
احم ِهم َوَت َعاطُف ِهم ؛ َمثَ ُل َ
الج َ
ِ
ين في َت َواد َ َ ُ
ِِ
الم ْؤمن َ
ُ
الح َّمى ))(. )1 س ِد بِ َّ
الس َه ِر َو ُ الج َ
َ
دراسة:
وإذا تأملنا في هذا الحديث فإننـا نجد أنه يثير فينا قضيتين هما
الحديث
أ -قضية اللغة ،ب ـ قضية التمثيل .
قضية َ - 1مثَل :
الم ْثـل والمثـلاللغةأن ِ
الم ْثـلين ما تكافآ في الذات ، قال أبو هالل العسكري ( :الفرق بين ِ
ََ
المَّت ُقو َن ، )2(أي ص فة والمثـل بالتحريك :الصفة ،قال اهلل تعالى :مثَل ِ َِّ ِ
الجنَّة التي ُوع َد ُ
َ ُ َ ََ
ِ
الجن ة . . .وق ال اهلل تع الى َ :ك َمثَ ِل الح َم ا ِر يَ ْح ِم ُل أ ْ
()3
َس َفاراً ، وح املو الت وراة ال
يماثلون الحمار ،ولكن َج َمعهم وإياه صفة فاشتركوا فيها . )4() .
وعلى هذا جاءت (( َمثـَل )) ،لتفيد أن صفة المؤمنين كالجسد ،بمعنى أنهم ليسوا نظير
الجسد في كل شيء ،وإنما في تواده وتراحمه وتعاطفه
- 2ألف المشاركة ( المفاعلة ) :
إن م ا يلفت االنتب اه في التمثي ل في ه ذا الح ديث الش ريف ؛ أ َّ
َن المماثل ة ك انت في :
(( ت وادهم وت راحمهم وتع اطفهم )) ومعل وم أن ه ذه األل ف تفي د ح دوث الفع ل من اث نين أو
مد يده لمصافحة اآلخر ،وكذاأكثر ،كقولنا :تصافح الرجالن ،بمعنى أن كل واحد منهما َّ
قولنا :تصالح القوم ،بمعنى أن التصالح في القوم قد وقع من كل فرد ومخاصمه ،ومن كل
فرقة ومبغضتها ،ولوال ذلك لفقد التصالح معناه .
ق ال ابن قتيب ة -رحم ه اهلل ( : -ت أتي تف اعلت من اث نين بمع نى افتعلت ،تق ول :
(( تض اربنا )) بمع نى اض طربنا ،و (( تقاتلن ا )) بمع نى اقتتلن ا ،و (( تجاورن ا )) بمع نى
اجتورنا . )5() .
التواد والتراحم والتعاطف بهذه الصيغة (( :تفاعل )) ،جاءت لتؤكد ضرورة
ِّ فصفات
1
() صحيح البخاري مع الفتح ( :ج / 10كتاب األدب ، 27 -رقم ، ) 6011وصحيح
مسلم بشرح النووي ( :ج / 16كتاب البر والصلة ، 140 /ورقم الحديث في الباب 66
).
2
() من سورة الرعد ( :اآلية ) 35 /
3
() من سورة الجمعة ( :اآلية ) 5 /
4
() الفروق اللغوية . 127 ، 126 /
5
() أدب الكاتب ( :كتاب األبنية ) 358 /
26
أن تنطلق تلك الصفات من كل فرد في مجتمع اإليمان تجاه إخوانه ،وتتوجه كل جماعة
بهذه المعاني إلى أختها ،فال تقتصر هذه المعاني على طائفة تتمثل بها وحدها ،في حين ال
يشعر اآلخرون في مجتمع اإليمان بهذه المعاني ،وال يلقون لها باالً ،فض الً عن أن يضمروا
العداء واالستعالء .
وعلى هذا تظهر أهمية هذه الصيغة في تلك المعاني ،لتجعل المؤمنين جميعاً كالجسد .
- 3التواد :
قال ابن فارس -رحمه اهلل َ ( : -و َّد :الواو والدال :كلمة تدل على محبة َ .و ِد ْدتُه :
فالوتِد )(. )6 ِ
الو ُّد َ :
أحببتُه .وود ْدت أن ذاك كان ،إذا تمنيته . . .فأما َ
وقال الراغب األصفهاني -رحمه اهلل ( : -ودد :الود محبة الشيء ،وتمني كونه ،
والو ُّد :صنم ُس ِّم َي بذلك ،إما لمودتهم له ،أو
ويستعمل في كل واحد من المعنيين َ . . .
الوتِد )(. )7
والو ُّد َ :
العتقادهم أن بينه وبين الباري مودة -تعالى اهلل عن القبائح َ -
ومن هن ا فق د ك ان التعب ير به ذه اللفظ ة كي ت دل على ه ذه المع اني مجتمع ة في مجتم ع
الحي .فمعنى الحب واضح في حب المؤمن ألخيه
اإليمان ،حتى يك ون كالجسد الواحد ّ
المؤمن ما يحبه لنفسه في صورة نادرة ،ألن إيمان المؤمن ال يكمل إال بهذه المحبة .
قال رسول اهلل (( : ال يؤمن أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه . )8()) .
جلي إذ يتمنى كل مؤمن ألخيه ما يتمنى لنفسه من اآلمال واألماني ،بل
ومعنى التمني ّ
وي ؤثره على نفس ه في ص ورة عجيب ة ،وه و م ا امت دح اهلل س بحانه ب ه المؤم نين بقول ه :
ِ ِ
اصةٌ . )9(
ص ََو ُي ْؤث ُرو َن َعلَى أَْن ُفس ِه ْم َولَو َكا َن بِ ِه ْم َخ َ
الوتِ د ألخيه المؤمن يشد من أزره ويقويه ، الوت د نجده في كون المؤمن بمثابة َ
ومعنى ِ
َ
ويثبته على الحق حتى يغدو هذا المجتمع كالطود الشامخ في وجه األعاصير ،وهو ما أشار
إليه الرسول الكريم بقوله (( :المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ))(. )10
)( 6معجم مقاييس اللغة ( :ج / 6كتاب الواو )
)( 7مفردات الراغب /باب الواو .
)( 8صحيح البخاري مع الفتح ( :ج / 1إيمان ــ ، 7رقم ، ) 13وصحيح مسلم بشرح النووي ( :ج
/ 2إيمان ،ص ، 16رقم ) 71
)( 9من سورة الحشر ( :اآلية . ) 9 :وانظر إلى قصة تآخي سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن
عوف رضي اهلل عنهما .
)( 10صحيح البخاري مع الفتح / 10 ( :كتاب األدب ــ ، 36رقم ، ) 6026وصحيح
27
الو ّد ،وهو الصنم الذي عبده المشركون من دون اهلل لمودتهم إياه ،فإن هذه
أما معنى َ
المحب ة ت برز عن د الم ؤمن ،وت زداد تج اه خالق ه س بحانه ،ح تى إذا أحب خالق ه ه ذا الحب
الب الغ ،أحب أحباب ه المؤم نين من أجل ه ،ليق وم مجتم ع اإليم ان على أرقى درج ات الحب .
اهلل أَنْ َداداً ي ِحبُّو َنهم َكح ِّ ِ َّ ِ
ون َِّخ ُذ ِمن ُد ِ
َّاس من َّيت ِ ِ
آمنُ وا ين َب اهلل َوالذ َ ُ ُْ ُ قال اهلل تعالى َ :وم َن الن ِ َ
أَ َش ُّد حباً ِ
هلل . )11( ُّ
الم َود َِّة ِ
س ر ُ :ت ْل ُق و َن إِلَي ِهم ب َ
ج اء في الق اموس المحي ط ( :والم ودة :الكت اب وب ه فُ ِّ
)12(أي بالكتب )(. )13
فمعنى الكتاب هذا نجده متوفراً في أمة اإليمان التي يجمعها التواد ،وذلك في اجتماع
المؤمنين على الخير ،وتالحم صفوفهم ،وقوة وحدتهم ،بحيث يغدون كالكتاب الذي ما
وض َّم بعض ها إلى بعض في
ُس ِّم َي ب ذلك إال الجتم اع حروف ه وكلمات ه وعبارات ه بين دفتي ه ُ ،
تناسق وانسجام .
ج اء في معجم مق اييس اللغ ة (( ( :كتب )) :الكاف والت اء والب اء أص ل صحيح واحد
()14
يدل على جمع شيء إلى شيء من ذلك الكتاب والكتابة ) .
وجاء في لسان العرب ( :وأما قول الشاعر أنشده ابن األعرابي :
جم وم ِ
الج راء َوقاح اً ددت للح ِ
رب ُ وأع
َ َ
()15
ودودا ةً َخ ْيفان
ج
قال ابن سيده :معنى قوله ودوداً أنها باذلة ما عندها من الجري ،ال يصح قوله ودوداً
إال على ذلك ،ألن الخيل بهائم والبهائم ال ود لها في غير نوعها )(. )16
ف إذا ك انت الف رس ال ودود هي ال تي تب ذل جه دها جري اً ،ف إن الم ؤمن أولى ،وه ذا م ا
مسلم بشرح النووي ( :ج / 16كتاب البر والصلة ،ص ، 139رقم ) 65
)( 11من سورة البقرة ( :اآلية ) 165 /
)( 12من سورة الممتحنة ( :اآلية ) 4 /
)( 13الفيروز آبادي ،باب الدال ،فصل الواو .
)( 14ابن فارس . 5/158 :
)( 15الخيفانة :المقصود بها الفرس .الجموم :التي إذا ذهب عنها جري جاءها جري آخر .
الوَقاح :الصلب .
)( 16ابن منظور ( :ج ، ) 454 ، 453 / 3مادة ( ودد) .
28
نجده في تواد المؤمنين حيث يبذل المؤمن وسعه في خدمة إخوانه ،ويسعى في مصالحهم ،
وتخفي ف آالمهم ،كم ا أخ بر ب ذلك رس ول اهلل حيث ق ال (( :من مش ى في حاج ة أخي ه
كان خيراً له من اعتكافه عشر سنين ،ومن اعتكف يوم اً ابتغاء وجه اهلل جعل اهلل بينه وبين
النار ثالثة خنادق ،كل خندق أبعد مما بين الخافقين ))(. )17
وهك ذا لم ا ب رزت في كلم ة (( ت وادهم )) ك ل تل ك المع اني الس امية ،فق د اختاره ا
الرسول دون سواها ،لتمثل حال المؤمنين بالجسد .
- 4التراحم :
ج اء في معجم مق اييس اللغ ة (( ( :رحم )) ال راء والح اء والميم أص ل واح د ي دل على
()18
الرقة والعطف والرأفة ) .
وج اء في الق اموس المحي ط (( ( :الرحم ة )) ويح رك :الرق ة والمغف رة والتعط ف ،
()19
كالمرحمة ) .
وق ال النيس ابوري -رحم ه اهلل ( : -الرحم ة هي ت رك عقوب ة من يس تحقها ،أو إرادة
الخير ألهله )(. )20
مما تقدم يتضح أن الرحمة تشتمل على :الرقة ،والرأفة ،والمغفرة ،وترك العقوبة ،
وإرادة الخير .فمعنى الرقة واضح في لين جانب المؤمنين مع بعضهم بعض اً ،حتى يصيروا
كالجسد الواحد ،ألن األشياء الرقيقة المطواعة حين تجتمع إلى بعضها تلين وتلتصق حتى
تغدو كتلة واحدة ،لشدة تالحمها وتماسكها .فالمؤمن يلين بأيدي إخوانه كما قال (( :
ولِينوا بأيدي إخوانكم ، )) .كما يذل لهم ويتواضــع ،كما في قوله سبحانه :أ َِذلَّ ٍة َعلَى
ك ِمن ِ ِ ض جنَاح َ ِ ِ ِِ
ين . )22( ك ل َم ِن َّاتَب َع َ َ ُ
()21
الم ْؤمن َ ين ، وقوله َ : وا ْخف ْ َ َ الم ْؤمن َ
ُ
جلي في الشفقة على الضعفاء والمساكين ،كما في قوله سبحانه :فَأ ََّمـا ومعنى الرأفة ٌّ
)( 17رواه الطبراني في األوسط ،وإسناده جيد .مجمع الزوائد ( :ج) 195 / 8
)( 18ابن فارس ( :ج) 498 / 2
)( 19الفيروز آبادي ( :ج) 119 / 4
)( 20
غرائب القرآن ورغائب الفرقان ( :ج) 75 / 1
)( 21من سورة المائدة ( :اآلية ) 54 /
)( 22من سورة الشعراء ( :اآلية ) 215 /
29
السائِ َل فَالَ َت ْن َهر ، )23(وإذا استقرت هذه الرأفة في مجتمع اإليمان ،
يم فَالَ َت ْق َهر َوأ ََّما َِّ
اليَت َ
رفعت صاحبها إلى رتبة المجاهد ،أو القائم الصائم ،وبذلك أخبر رسول الهدى بقوله :
(( الس اعي على األرمل ة والمس كين كالمجاه د في س بيل اهلل تع الى ،أو الق ائم اللي ل الص ائم
النهار ))(. )24
ومع نى المغفرة وت رك العقوب ة ،نج ده في العف و والص فح اللَّذيْن تمت از بهم ا أم ة اإليمان
حتى مع القدرة على االنتقام ،ولو في ساعات الغضب ،وهو الوصف الذي امتدح اهلل به
ض بُوا ُهم َي ْغ ِف ُرو َن
احش وإِ َذا ما غَ ِِ ِ ِ َّ ِ
ين يَ ْجتَنبُو َن َكبَائ َر ا ِإلثْ ِم َوال َف َو َ َ َ
()25
المؤمنين بقوله َ :والذ َ
ك لَ ِم ْن َع ْزِم األ ُُم ور ، )26(وقول ه ع ز ش أنه : ص َب َر َوغَ َف َر إِ َّن َذلِ َ
،وقول ه َ : ولَ َمن َ
ين ، )27(كما أن هذا المعنى يبرز ِِ َّاس َواهللُ يُ ِح ُّ
ين َع ِن الن ِ ظو ِ ِِ
الم ْحسن َ
ب ُ العاف َ
ين الغَي َ َ َ
َوال َكاظم َ
كل من يعفو ويصفح بقوله (( :وما زاد اهلل عبداً بعفو لبلوغ العزة التي وعد بها الرسول َّ
()28
إال عزاً )) .
ومعنى إرادة الخير نراه في تقديم كل نافع ومفيد ،تحقيق اً لقوله (( : من َن َّفس عن
س َر على ُم ْع ِس رمؤمن كربة من كرب الدنيا َن َّفس اهلل عنه كربة من كرب يوم القيامة ،ومن يَ َّ
يس ر اهلل علي ه في ال دنيا واآلخ رة ))( ، )29ون راه في اإلمس اك عن الش ر ،كم ا في قول ه :
(( على كل مسلم صدقة .قالوا :فإن لم يجد ؟ قال :فيعمل بيديه ،فينفع نفسه ويتص دق .
قالوا :فإن لم يستطع ،أو لم يفعل ؟ قال :فيعين ذا الحاجة الملهوف .قالوا :فإن لم يفع ل
؟ ق ال :فلي أمر ب الخير ،أو ق ال ب المعروف .ق الوا :ف إن لم يفع ل ؟ ق ال :فليمس ك عن
الشر ،فإنه له صدقة ))(. )30
وجاء في (( مفردات الراغب )) ( :والرحمة رقة تقتضي اإلحسان إلى المرحوم )(. )31
)( 40رواه أبو داود ، ) 4366 ( :والترمذي ، ) 3050 ( :وابن ماجه . ) 4006 ( :
)( 41النهاية في غريب الحديث واألثر ( :ج. ) 53 / 1
)( 42ابن منظور ( :ج. ) 250 ، 249 / 9
)( 43حديث حسن رواه البيهقي في شعب اإليمان عن ابن عمر كما في صحيح الجامع الصغير ( :ج
، 2/1132رقم ) 6669
)( 44صحيح البخاري مع الفتح ( :ج / 6كتاب الجهاد ــ ، 64رقم ، ) 3038وصحيح
مسلم بشرح النووي ( :ج / 12كتاب الجهاد ،ص ، 41رقم . ) 6
)( 45من سورة التوبة ( :اآلية ) 71 /
)( 46صحيح البخاري مع الفتح ( :ج ، ) 71 ، 70 / 5ومسلم . ) 2580 ( :
33
العطوف وهي المحبة لزوجها ،فإنه متوفر على أرقى صوره في مجتمع اإليمان ،
ومعنى َ
ألنه ال يمكن أن تتحقق لهذا المجتمع ألفته ووحدته إال في ظل هذا الحب العميق ،ليرقى
المؤمنون بهذا الحب إلى محبة اهلل إياهم ،كما أخبر بذلك الرسول الكريم بقوله (( :ما
أشدهما حباً لصاحبه ))(. )47 من رجلين تحابَّا في اهلل بظهر الغيب إال كان أحبَّهما إلى اهلل ُّ
أما المعنى الذي لحظناه من عطف عدة َذ ْو ٍد على فصيل واحد ليحتلبوا ألبانها وي ْد ِر ْرن ،
فهو في غاية الروعة في مجتمع اإليمان ،الذي يتعاطف ليبرز فيه هذا المعنى بحيث تنطمس
في ه ك ل مع اني العنصرية والقبلي ة والعص بية البغيض ة ،لق وم أو ل ون أو عش يرة ،فيك ون خ ير
المؤمن غير مخصوص على قرابته أو بني جنسه ،وإنما هو خير عام لكل أبناء اإليمان تمام اً
كم ا ت در الن وق وتُحتلب لفص يل واح د ،فتتع اطف مع ه ،وت در حليبه ا ،ح تى ول و لم يكن
فص يلها ،وه ذا م ا أش ار إلي ه الرس ول بقول ه (( :لن تؤمن وا ح تى تراحم وا .ق الوا :ي ا
رس ول اهلل كلنا رحيم .قال :إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه ،ولكنها رحمة الناس رحمة
العامة ))(. )48
فما أجمل اختيار كلمة (( تعاطفهم )) في هذا الحديث الشريف منه !!
- 6اشتكى :
جاء في معجم مقاييس اللغة ( :الشين والكاف والحرف المعتل أصل واحد يدل على
توجع من شيء )(. )49
وجاء في مفردات الراغب ( :والشكاية والشكاة والشكوى :إظهار ِّ
البث )(. )50
وجاء في النهاية في غريب الحديث واألثر ( :الشكو والشكوى والشكاة والشكاية :
المرض )(. )51
وجاء في لسان العرب ( :قال الفراء :أشكى إذا صادف حبيبه يشكو ،وروى بعضهم
)( 47رواه الطبراني في األوسط ،ورجاله رجال الصحيح ،غير المعافى بن سليمان وهو ثقة
.مجمع الزوائد ( :ج ، ) 279 /10وهو في صحيح الجامع الصغير بلفظ قريب ( :ج2
، 979 /رقم . ) 5594
)( 48رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح .مجمع الزوائد ( :ج ، ) 189 / 8وذكره ابن
حجر في الفتح مرفوعاً عن ابن مسعود ،وقال :أخرجه الطبراني ورجاله ثقات .فتح
الباري ( :ج. ) 438 / 10
)( 49ابن فارس ( :ج. ) 207 / 3
)( 50مفردات الراغب . 266 /
)( 51ابن األثير ( :ج 497 / 2ــ شكا ) .
34
قول ذي الرمة يصف الربع ووقوفه عليه :
ارهُ
ُ تُ َكلِّ ُمنِي أ ْ
َح َج وأُش كيه ،ح تى ك اد
وم ِ
العبُه ا أُبِثُّه مم
ََ
ج ج
ق الوا :مع نى أُش كيه أي :أُبِثّ ه ش كواي وم ا أكاب ده من الش وق إلى الظ اعنين عن الرب ع
شو َق ْتني معاهدهم فيه إليهم )(. )52
حتى َّ
فعلى هذا يكون معنى اشتكى هو :التوجع وإظهار ِّ
البث ،أو هو المرض نفسه ،أو هو
بث الشكوى من الشوق إلى الظاعنين عن الربع ،وهذه المعاني كلها إذا حصلت لعضو من
أعضاء جس د أم ة اإليم ان ،فرداً ك ان أو جماع ة أو بلداً في أمة اإلس الم ،فراح وا يظه رون
التوجع ،ويبثون أحزانهم إلخوانهم ،فإن األمة عندها تستجيب لهذه الشكاية .
- 7تداعى :
ج اء في فتح الب اري ( :قول ه (( ت داعى )) أي :دع ا بعض ه بعض اً إلى المش اركة في
()53
األلم ،ومنه قولهم :تداعت الحيطان أي :تساقطت أو كادت ) .
وفي لس ان الع رب ( :وفي الح ديث (( ت داعت عليكم األمم )) أي :اجتمع وا ودع ا
بعضهم بعضاً ...وتداعت إبل فالن فهي متداعية إذا تحطمت هزاالً .وقال ذو الرمة :
ت ،وأ ْن أح نى
داع ْ
َ ت ت م ني أَ ْن َ
رأيت تباع ْد َ
ك قطيع علي تي َحمول
جج
ويق ال :ت داعت الس حابة ب البرق والرع د من ك ل ج انب إذا أرع دت وب رقت من ك ل
()54
جهة ) .
مم ا تق دم يتض ح أن الت داعي يع ني :التجم ع ،واإلقب ال ،وال دعوة من ك ل ج انب
ووجهة ،وكذا :الهزال ،والضعف ،واالنهيار .
وهـذه المعـاني موفورة في أمـة اإليمـان ،بحيث إذا نـزل أقل الضر بالمؤمن فاشتكى ،أو
40
الم ْؤ ِمنُو َن إِ ْخ َوةٌ . )73(
قال سبحانه :إِنَّ َما ُ
ج اء في تفس ير الكش اف ( :والمع نى :ليس المؤمن ون إال إخ وة ،وأنهم خلص ل ذلك
متمحضون )(. )74
وحيثما اعتلت األخوة أو فقدت ثُلم اإليمان ونُكب .وقد جاءت األحاديث توضح هذا
المعنى .منها :
قوله (( : ال تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ،وال تؤمنوا حتى تحابوا ))( ، )75وقوله عليه
الصالة والسالم (( :الحياء واإليمان قُرنا جميعاً ،فإذا رفع أحدهما رفع اآلخر ))(. )76
وقوله (( : ال إيمان لمن ال أمانة له ،وال دين لمن ال عهد له ))(. )77
وق ال ابن القيم -رحم ه اهلل ( : -وعلى ق در اإليم ان تك ون ه ذه المواس اة ،فكلم ا
ض عف اإليم ان ض عفت المواس اة ،وكلم ا ق وي ق ويت ،وك ان رس ول اهلل أعظم الن اس
مواساة ألصحابه بذلك كله ،فألتباعه من المواساة بحسب اتباعهم له )(. )78
فهذا الترابط بين اإليمان واألخوة في مجتمع اإليمان الذي جعل منهما قرينين ال يفترقان
،هو مثل الترابط الذي وضحنا صورته بين الروح ونبضات القلب في جسد اإلنسان سواء
بسواء .
ثم إنه إذا كان ال بد من العقل ليكون اإلنسان سوياً ،وتكون تصرفاته منضبطة ومقبولة ،
وإال هام على وجهه ،وضاع مع الضائعين ،فإن الحال كذلك بالنسبة ألمة اإليمان ،ألنها
بحاجة إلى هذا العقل الذي يدبر شؤونها ،ويرعى مصالحها ،وإال انحرفت في تصرفاتها ،
وهلكت مع الهالكين ،وهذا العقل هو قيادتها الحكيمة الرشيدة التي ال بد لها منها ،كي
تأخذ بيدها إلى ما فيه خيرها وسعادتها .
ق ال اإلم ام ابن تيمي ة -رحم ه اهلل ( : -وله ذا أم ر الن بي أمت ه بتولي ة والة أم ور
ألف الجس د من مجم وع أجهزت ه ،فكي ف تتع اون ه ذه األجه زة المختلف ة داخ ل كمثل يت
األجهزة
الجسد ،لإلبقاء على حياته ونموه ،وإلمداده بالطاقة الالزمة ،والحرارة المطلوبة ؟
إن جهاز الهضم والذي تمت فيه عملية هضم األغذية ،يقدم ما حصل عليه من غذاء ،
لكل البدن دون أن يحتكر نتاجه لنفسه ،فيطير بنواتج الهضم إلى أجهزة البدن وأعضائه ،
وهن اك يتم تأكس دها إلنت اج الطاق ة ،أو تتح د م ع بعض ها مكون ة الم واد الالزم ة للنم و ،
47
لتع ويض األنس جة التالف ة ،ثم يع ود ال دم مثقالً بث اني أكس يد الكرب ون ،بس بب عملي ة
التأكس د ،ليص ب في األُذين اليم نى من القلب ،فيتقبل ه القلب بص در رحب ،ويفتح ل ه
ص مامه ،لي نزل إلى البُطين اليم نى ،ليض خ من هن اك إلى الرئ تين في جه از التنفس ،لتنقيت ه
ان ،فم اذا يك ون موقف ه ذا الجهاز وهو يس تقبل دم اًوتحويله من دم ق اتم إلى دم أحم ر ق ٍ
تلوث بفعل غيره ؟ إنه يتلقاه بالتكريم والرعاية ،فيقدم له األكسجين الالزم ،ليعيد إليه بريقه
ولمعانه ،بعد أن يأخذ منه ثاني أكسيد الكربون الذي لوثه ،ليطرحه إلى خارج البدن عن
طريق ه واء الزف ير ؛ وعندها يرج ع ه ذا ال دم النقي ليص ب من جدي د في األذين اليس رى من
القلب ،ومنه ا إلى البطين اليس رى ،ومن ثم يض خ من جدي د إلى ك ل أنح اء الب دن ،ليع ود
بع دها ملوث اً بع د عملي ة احتراق ه إلى األذين اليم نى وهك ذا باس تمرار يت ابع عمل ه فيم ا يع رف
بالدورة الدموية .
إن هذا التعاون بين أجهزة الهضم والدوران والتنفس في الجسد يمثل صورة من أروع
صور التعاون ،وهي في غنى عن أي تعليق عليها ،وهذه حال أمة اإليمان ،إذ تقف جميع اً
مت وادَّة متراحم ة متعاطف ة ،ال تع رف طائف ة منه ا االنحب اس على نفس ها ،أو االنغالق على
مكاسبها وخيراتها ،مادام ذلك يؤدي إلى موت أخواتها ،أو هالك أمتها .
ج اء في كت اب (( الطب مح راب لإليم ان )) ( :كم ا أن الجس د إذا أراد الوق ود ولم
يج ده ،ف إن الب دن كل ه بعض الته وعظام ه وأنس جته وبلغم ه ودم ه ومفاص له ي ذوب ت دريجيّاً
()96
ليعطي الوقود ويستمر الجسم في الحياة ) .
هكذا إذن فإن أمة اإليمان أمة الجسد بكل عناصرها وجماعاتها وطاقاتها تستنفر ألي
ضر ينزل بساحتها ،ألنها أمة واحدة ال تتجزأ .قال سبحانه :إِ َّن ه ِذ ِه أ َُّمت ُكم أ َُّمةً و ِ
اح َدةً َ ُ َ
دون )97(ثم إن ه ذه األم ة المتآلف ة المتعاطف ة بك ل أفراده ا وجماعاته ا ال وأَنَ ا ربُّ ُكم فَا ْعب ِ
َ َ ْ ُ
يغيب عن باله ا أنه ا مث ل الجس د ،فال يض يق ص در بعض ها ببعض ،كم ا ال يمأل الغي ظ قلبه ا
بس بب التم ايز في وظائفه ا ،أو الفتح ال ذي يجري ه اهلل س بحانه على أي دي من اخت ارهم
وخص هم بفضله وكرمه ،ليكون وا من ُخلَّص أوليائه .تمام اً كما يح دث بين أعض اء الجسد
وأجهزته حيث ال يتعالى بعضها على بعض لم ِزيٍَّة خصه اهلل بها ،وال يحقد بعضها على بعض
)( 96الطب محراب لإليمان ( :ج. ) 89 / 2
)( 97من سورة األنبياء ( :اآلية . ) 92 /
48
إن لم يتحقق له ما لغيره .
وأك ثر من ه ذا في أم ة اإليم ان ،فإن ه إذا اقتضت المص لحة العام ة أن يتح ول عضو عن
مكانت ه المرموق ة في مرك ز القي ادة إلى أن يك ون جن ديّاً ،فإن ه ال ي تردد في االس تجابة ،وال
يتمرد على األوامر ،مادام عمله هلل سبحانه ،ولمصلحة أمته التي ينتمي إليها ،فال فرق عنده
بين أن يك ون مس ؤوالً كب يراً ،أو أن يك ون أق ل من ذل ك ،أو العكس ،م ادام ذل ك في
االتجاه الصحيح نفسه ،ولمصلحة األمة قاطبة ،ألن هذا شأن الجسد عندما يؤخذ منه جزء
من مكان ما ،ليكون في مكان آخر ،فإنه يتابع عمله كما لو كان في مكانه الذي أخذ منه .
جاء في طبقات ابن سعد ( :قال عمر بن الخطاب : ألعزلن خالد بن الوليد والمثنى
بن شيبان حتى يعلما أن اهلل إنما كان ينصر عباده ،وليس إياهما كان ينصر )(. )98
وق ال ال دكتور حس ن إب راهيم حس ن -رحم ه اهلل ( : -ولكن خال داً لم يكن بالرج ل
ال ذي يتم رد على خليف ة رس ول اهلل أو يع ترض على أم ره ،ألن ه يح رص على وح دة
المسلمين حتى ينصرفوا إلى جهاد العدو .فإنه لما قرأ كتاب عمر قال :ما أنا بالذي أعصي
أمير المؤمنين وحارب تحت إمرة أبي عبيدة جنديّاً من جنود اإلسالم )(. )99
ولما كان هذا التبديل لمصلحة األمة ،كما رأتها قيادتها الرشيدة ،فقد بقي خالد
يعمل بالطريقة نفسها التي كان يعمل فيها قبل استبداله ،ألن القيادة لم يكن هدفها التشفي
أو االنتقام ،وإنما مصلحة األمة قاطبة .لذا فقد جاء مع األمر المطالبة باإلبقاء على خالد إلى
جوار أبي عبيدة رضي اهلل عنهما .
ج اء في كت اب (( ت اريخ اإلس الم )) ( :ف إن فتح اهلل علي ك فانص رف أنت وخال د إلى
حمص . )100() ...
فأية أمة هذه األمة التي مثلها مثل الجسد في توادِّه وتراحمه وتعاطفه ؟!
إنه ا أم ة الجس د حق اً في آالمه ا وآماله ا ،وفي أش واقها وتطلعاته ا ،وفي مواقفه ا
وتحدياتها .
قراءة فى حديث (الحالل بيِّن والحرام بيِّن)
50
ولكن هناك أمور تشتبه على كثير من الناس ,فال يعرفون حكمها هل هي من الحالل أم
من الح رام ؟ ,وأم ا الراس خون في العلم فال تش تبه عليهم ,ويعلم ون من أي القس مين هي ,
وهذه هي األمور المشتبهات التي قال عنها صلى اهلل عليه وسلم ( وبينهما أمور مشتبهات ال
يعلمهن كثير من الناس ) .
قسم النبي صلى اهلل عليه وسلم الناس بالنسبة إلى هذه األمور المشتبهة إلى قسمين :
ثم َّ
القسم األول :من يتقي هذه الش بهات ويتركه ا ,طلب ا لمرض اة اهلل ع ز وج ل ,وتح رزا
من الوقوع في اإلثم ,فهذا الذي استبرأ لدينه وعرضه ,أي طلب البراءة لهما ,فحصل له
ال براءة لدينه من الذم الشرعي ,وص ان عرض ه عن كالم الناس في ه ,وفيه دلي ل على أن من
ارتكب الش بهات ,فق د ع رض نفس ه للق دح والطعن ,كم ا ق ال بعض الس لف " :من ع َّرض
يلومن من أساء الظن به " .
َّ نفسه للتُّهم فال
والقسم الثاني :من وقع في هذه الشبهات مع علمه بأن هذا األمر فيه شبهة ,فقد أخبر
الن بي ص لى اهلل علي ه وس لم أن من فع ل ذل ك فق د وق ع في الح رام ,بمع نى أن اإلنس ان إذا
تهاون وتسامح في الوقوع في الشبهات ,وأكثر منها ,فإن ذلك يوشك أن يوقعه في الحرام
وال بد ,وهو ال يأمن أن يكون ما أقدم عليه حرام َاًًَ في نفس األمر ,فربما وقع في الحرام
وهو ال يدري .
ثم ضرب النبي صلى اهلل عليه وسلم مثال لمن يقع في الشبهات ,وهو أن كل ملك من
مل وك ال دنيا ل ه حمى يُضرب ح ول ملك ه ,ويُمن ع الن اس من دخول ه أو انتهاك ه ,ومن دخله
فق د ع رض نفس ه للعقوب ة ,فمن رعى أغنام ه ب القرب من ه ذا الحمى فإن ه ال ي أمن أن تأك ل
ماشيته منه ,فيكون بذلك قد تعدى على حمى الملك ,ومن احتاط فابتعد ولم يقارب ذلك
الحمى فقد طلب الس المة لنفسه ,وهذا مثل ح دود اهلل ومحارمه ,فإنها الحمى الذي نهى
اهلل عباده عن االقتراب منه أو تعديه .
فقال سبحانه { :تلك حدود اهلل فال تقربوها } البقرة 187
وقال { :تلك حدود اهلل فال تعتدوها } البقرة 229
َح َّل لهم وما َح َّرم عليهم ,ونهاهم عن فاهلل عز وجل قد َّ
حد للعباد حدودا بين فيها ما أ َ
االقترب من الحرام أو تعدي الحالل ,وجعل الواقع في الشبهات كالراعي حول الحمى أو
51
قريب ا من ه يوش ك أن يدخل ه ويرت ع في ه ,فمن تع دى الحالل ووق ع في الش بهات ,فإن ه ق د
قارب الحرام وأوشك أن يقع فيه .
ثم ختم الن بي ص لى اهلل علي ه وس لم الح ديث ب ذكر الس بب ال ذي ي دفع العب د إلى اتق اء
الشبهات والمحرمات أو الوقوع فيهما ,أال وهو صالح القلب أو فساده ,فإذا صلح قلب
العبد صلحت الجوارح واألعمال تبعا لذلك ,وإذا فسد القلب فسدت الجوارح واألعمال ,
ف القلب أم ير الب دن ,وملك الج وارح ,وبصالح األم ير أو فساده تص لح الرعي ة أو تفسد ,
فإذا كان القلب سليما حرص العبد على اجتناب المحرمات وتوقي الشبهات ,وأما إذا كان
القلب فاس دا ق د اس تولى علي ه اتب اع اله وى والش هوات ,ف إن الج وارح س وف تنبعث إلى
المعاصي والمشتبهات تبعا له ,فالقلب السليم هو عنوان الفوز عند اهلل عز وجل قال تعالى :
{يوم ال ينفع مال وال بنون .إال من أتى اهلل بقلب سليم } الشعراء . 89-88
(من كتاب " فتح البارى " للحافظ بن حجر العسقالنى)
ففي ه ذا الح ديث العظيم حث للمس لم على أن يفع ل الحالل ،ويجتنب الح رام ،وأن
يجعل بينه وبين الحرام حاجزا وهو اتقاء الشبهات ،وأن يحتاط المرء لدينه وعرضه ،فال
يق دم على األم ور ال تي ت وجب س وء الظن ب ه ,وفي ه أيض ا تأص يل لقاع دة هام ة من قواع د
الشريعة ,وهي قاعدة سد الذرائع إلى المحرمات وتحريم الوسائل إليها ,وفيه ك ذلك تعظيم
أم ر القلب ,فبص الحه تص لح أعم ال الج وارح وبفس اده تفس د ,نس أل اهلل أن يص لح قلوبن ا
وأن يثبتها على دينه .
قال الرسول ما من يوم يصبح العباد فيه إال ملكان ينزالن فيقول أحدمها :اللهم أعط منفقا
خلفا ويقول اآلخر :اللهم أعط ممسكا تلفا ) صحيح مسلم /ج / 7ص 83
هذا الحديث الشريف في مضمونه حث على اإلنفاق مما أعطى اهلل من بركات نعمائه .
52
والص ورة الظ اهرة للعي ان كم ا يق ول الرس ول الص ادق األمين أن هنال ك ملك ان ي نزالن
كلما أصبح صباح ،أحدهم يدعو بالخير للمنفق ( اللهم أعط منفقا خلفا ) ،واآلخر يدعو
على من أنعم اهلل عليه وحجب نعمته عن المحتاجين بأن يبدد اهلل نعمته ( اللهم أعط ممسكا
تلفا ).
والحديث الشريف على مستوى رفيع من البالغة ،ونسيج صورته الكلية اجتمعت عليها
مزايا تتعلق بالمستوى الصوتي ،بما فيه من تداعي الحروف ،والجناس ،والطباق ،والتكرار
.والترصيع .
ومزايا تتعلق بالجانب التركيبي .
فالحديث النبوي الشريف في جزئه األول جاء بأسلوب الخبر من خالل القصر ( ما من
يوم يصبح العباد فيه إال ملكان ينزالن ) .
وق د ع رف في نق ل الص ورة المتض منة مع نى واس ع بوض عها بين النفي واالس تثناء
توكيدا ،وتكثيفا ،وحصرا بين جملة منفية تقابلها جملة مثبتة ،المقصور( يوم ) مسبوق ب
(من) الزائدة للتوكيد لتستغرق جنس (يوم) النكرة ،وبهذا يكون المقصور كل أيام الدهر
،والمقصور عليه (ملكان ينزالن ) في كل يوم وهو جملة اسمية ؛ صورة فنية لحركة النزول
الممتدة من السماء إلى األرض تصورها ألف المد في (ملكان ) و (ينزالن ) .
أما المقطع الثاني فهو أسلوب اإلنشاء المبدوء بالدعاء ( اللهم أعط منفقا خلفا ) ( اللهم
أعط ممسكا تلفا ) الذي كان بين النداء ،واألمر المجازي.
أما المستوى الصوتي؛ وهو الجوهر الذي يقوم به التقطيع ،وبه يوجد التأليف ()3فقد
كان الحديث الشريف حافال باإليقاع والتنغيم ؛ وقد كان لجرس األلفاظ أثر كبير في إيضاح
الص ورة وتجليه ا من خالل التن اغم ال ذي حص ل في ت والي ح رف الميم إح دى عش رة م رة،
والالم اثن تي عش رة م رة ،وتع اقب الن ون ،وأل ف الم د س ت م رات يق ول القاض ي الجرج اني
( وإنما الكالم أصوات محلها من األسماع محل النواظر من األبصار ) ()4
والشك أن التكرار قد ساهم من خالل اللمحة السردية القصصية إلى تثبيت المضمون
53
في نفس المتلقي ،وتمكن ه من خالل المقابل ة ،والتض اد بين المل ك األول ،والمل ك اآلخ ر
( يقول احدهما ) (يقول اآلخر ) ( اللهم أعط) فالتكرار هنا وثيق االرتباط بالمعنى العام (
.) 5ثم لننظر إلى الترصيع** ،والجناس
في أس ماء الف اعلين (منفق ا ) ،و ( ممس كا ) ال دالين على الح دث ،والح دوث في
تجددهما بهذا التوازي ،والمشاكلة وهما مفعول به أول ،الجناس الناقص ( خلفا ،تلفا )
وهما مفعول به ثان ؛ وكل هذا قد أشرب في الطباق المتقابل مع ضده (منفقا خلفا) (ممسكا
تلفا) الذي أضفى على الصورة ألوانا تداخلت مع نغم األلفاظ ،وتماهت في ثنايا مضامينها من
خالل حركة األلفاظ التي نزل إيقاعها مباشرة في آلة خطية باتجاه الشعور لتتعامل مع القلب
والوجدان .
نستنتج من كل ذلك أن مضمون الحديث السامي تآزرت على تصويره كليا مزايا تتعلق
بالمستوى التركيبي والمستوى الصوتي .
بكل الذي
الكافر ِّ
ُ يعلم
عن ابي هريرة رضي اهلل عنه قال سمعت رسول اهلل يقول ( لو ُ
بكل ال ذي عن د ِ
اهلل من العذاب لم ؤمن ِّ ِ
يعلم الم ُ
أس من الجن ة ول و ُ
عن د اهلل من الرحم ة لم َي ْي ْ
يأم ِن النار)[ ]1مختصر صحيح البخاري 470ـ 471فتح الباري شرح صحيح البخاري رقم َ
6469ج256 : 12
حديث نبوي شريف يحدث عن العلم الذي ال يعلمه إال اهلل سبحانه وتعالى الذي علمه
لرسوله الكريم؛ وهو في كل ذلك جملتان شرطيتان ألداة غير جازمة فعل الشرط والجواب
فيهم ا مقلوب ان الى الماض ي [ ]2والجمل ة الثاني ة معطوف ة على األولى والمقابل ة في تل ك
54
الص ورة المتض ادة مقابل ة مؤك دة ألن مع نى المض ي في داللت ه أن الفع ل مقط وع الوق وع ،أو
بعيد وقوعه[]3
ألن (إ ْن ) الشرطية قد يكون الفعل فيها غير محتمل الوقوع وغير مقطوع به وعلى الرغم
من أن ( بكل ) لم تفد التوكيد ألنها أضيفت إلى ظاهر ولم تكن مضافة إلى ضمير لكنها على
الرغم من ذلك في معناها توكيد في الحالتين وهو إحاطتها بالمعنى المراد .واستشكل هذا
التركيب لكون كل إذا أضيفت إلى الموصول كانت اذ ذاك لعموم األجزاء ال لعموم األفراد
والغرض من سياق الحديث تعميم األفراد[.]4
والح ديث الش ريف بع د ذل ك يجم ع بين ظ اهرتين هم ا ال تركيب والت وازي[ ]5ظ اهرة
التركيب التي تتوسل بأدوات تتركب من خاللها الجملة الواحدة بجملتين وتتكامل عناصرها
لتعبر عن فكرة كما في األداة ( لو ) التي تركب منها فعل الشرط وجوابه ومع ذلك الحظنا
ت وازن الجمل تين في المقابل ة ال تي عطفت فيه ا الجمل ة الثاني ة على األولى لتتض ح الص ورة،
وتت بين بواس طة واو العطف .وقد ق دم الرسول صلى اهلل عليه وس لم ذكر الك افر الن سعة
الجنة تقتضي أن يطمع فيها كل أحد[]6
ومن خالل الح ديث الش ريف نس تطيع أن نستش ف م دى عناي ة الرس ول ص لى اهلل علي ه
وس لم في م ا يس مى بالتوص يل للمتلقي وان ه عق د مرم اه في بالغت ه على أن تحف ظ كالم ه
الشريف صدور المتلقين في أبهى حلة وأسمى عبارة وأجل كلمة سواء أكان ذلك من حيث
بن اء الجمل ة في تركيبه ا في أن ت رد ش رطية فع ل الش رط مض ارع ( يعلم ) أو الج واب ( لم
ييأس ) ( ،لم يأمن ) أو ذلك التناضر المتوازن الذي ان تلفظت فعل الشرط وجوابه فالجملة
الثانية ستتضح دون ِّ
كد وتفكير حتى وإن لم يحفظها المتلقي ألنه يعلم إنها مقابلة ( المعنى
وضده ) وذلك ما ينسجم مع ما ُكلِّف به الرسول في انه رحمة للناس كافة؛ ولذلك ال بد أن
يصل حديثه إلى الناس كافة
وعلى الرغم من ان المقابلة تقع ضمن علم البديع الذي يراد به تحسين الكالم وتزيينه،
وفي ذلك تقع عنايته على الناحية الشكلية إال ان هذه المقابلة الواردة في الحديث فضال عن
دورها البين في التناظر المتطابق من ناحية الشكل
فان التشاكل النحوي في تشابه الجملتين يؤدي وظيفتين مهمتين فيخدم البعد اإليقاعي
55
بتك رار ال تركيب ،وانتظامه من ج انب ،ويه دف من ج انب آخ ر الى تبليغ رس الة م ا ألن مثل
ذلك التركيب ذو طابع جمالي تأثري فضال عن طبيعته المعنوية والعالقية ومن هذا ال يمكن
أن تك ون بني ة الت وازي بني ة ش كلية فق ط[ ]7ان المتوالي ات اإليقاعي ة في الجمل تين س اهمت
ك ذلك في س مو الفك رة وت ركت أث را في الناحي ة النفس ية ل دى المتلقي في ج رس اللفظ ة
المفردة والعبارة لما له وقع في السمع يتوافق مع داللة الحديث الشريف[]8
[ ]1في صحيح مسلم ( لو يعلم المؤمن ما عند اهلل من العقوبة ما طمع بجنته أحد ولو
يعلم الكافر ما عند اهلل من الرحمة ما قنط من جنته أحد ) صحيح مسلم بشرح النووي رقم
2755ج 19 : 17
[]5التوازي لغة يقصد به المحاذاة أو المجاورة /ينظر مجلة دراسات ـ العلوم اإلنسانية
المجلد 22أ العدد 5سنة 1995م ،ظاهرة التوازي في قصيدة الخنساء موسى رباعية ص
/ 2030والموازاة :المقابلة والمواجهة واألصل فيه الهمزة يقال آزيته إذا حاذيته /لسان
العرب ابن منظور /207 /15وللتوازي اصطالحا تعاريف كثيرة فقد عرف بانه عبارة عن
تماثل قائم بين طرفين من السلسلة اللغوية نفسها وقد فسر ذلك بأن هذين الطرفين عبارة
عن جملتين لهما البنية نفسها بحيث يكون بينهما عالقة متينة تقوم على أساس المشابهة أو
56
على أس اس التض اد /ينظ ر مجل ة فك ر ونق د الس نة الثاني ة الع دد 18س نة 1999م الت وازي
ولغ ة الش عر محم د كن وني ص 79وينظ ر الت وازي التركي بي في الق رآن الك ريم عب د خلي ف
خضر عبيد الحياني كلية التربية جامعة الموصل/
[ / ]7ينظر علم الداللة دراسة وتطبيق د .نور الهدى لورش منشورات جامعة قار يونس
بنغازي الطبعة األولى 1995م ص 45وينظر في ذلك النقد المنهجي عند العرب د .محمد
مندور ص52
[ ]8ينظر األسس النفسية في البالغة العربية د .مجيد عبد الحميد ناجي ص 59
مقدمة وتمهيد
الحم د هلل ,والص الة والس الم على ص احب الح وض الم ورود ,والل واء المعق ود ,من
أوتى جوامع الكلم ,وروائع الحكم ,محمد بن عبد اهلل ,إمام البلغاء ,وسيد الفصحاء .
57
وب ــعد
ف إن أح اديث نبين ا ص لى اهلل علي ه وس لم ق د ح وت ص نوف البالغ ة ,وأل وان الجم ال
والفص احة ,وع برت أدق تعب ير عن س مو النفس ال تى خ رجت منه ا ,وبينت المنب ع الع ذب
الذى نهلت منه ,وكما يقول الجاحظ عن بالغته صلى اهلل عليه وسلم " ... :فلم ينطق إال
عن ميراث حكمة ,ولم يتكلم إال بكالم قد حف بالعصمة ,وشيد بالتأييد ,ويسر ب التوفيق ,
وهو الكالم الذى ألقى اهلل عليه المحبة ,وغشاه بالقبول ,وجمع له بين المهابة والحالوة ,
وبين حسن اإلفهام ,وقلة عدد الكالم , ...ثم لم يسمع الناس بكالم قط هو أعم منه نفع اً ,
وال أقصد لفظ اً ,وال أعدل وزن اً ,وال أجمل مذهباً ,وال أكرم مطلب اً ,وال أحسن موقع اً ,
وال أسهل مخرجاً ,وال أفصح معنى ,وال أبين فحوى من كالمه صلى اهلل عليه وسلم " ( )
وهذا الجمال الفنى فى بالغته صلى اهلل عليه وسلم إنما يرجع إلى سموه الروحى ,واتصاله
بالمأل األعلى ,حيث أراد اهلل عز وجل أن يكون النبى بدعوته نقطة تحول فى حياة البشرية
وتاريخه ا .ولق د ب دأ فى أم ة تنق اد للبي ان ,وتخض ع لس لطان الفص احة ,فال عجب أن ك ان
أبلغهم وأفص حهم " فكالم ه كلم ا زدت ه فك راً زادك مع نى ,وتفس يره ق ريب ك الروح فى
جس مها البش رى ,ولكن ه بعي د ك الروح فى س رها اإللهى , ...فه و لس ان وراءه قلب وراءه
نور وراءه اهلل جل جـالله " ( ) وألجل ذلك بنيت البالغة النبوية على أصول ودعائم ( ) ومع
مكانة هذا البيان النبوى ,وما له من شرف ومنزلة فى دنيا الناس ,لم نحظ بدراسات بالغية
كث يرة ل ه فى ت راث اإلس الم الحفي ل تتناس ب م ع مكانت ه ومنزلت ه ,ونج د فى كتب األدب
والبالغ ة إش ارات م وجزة إلى منزل ة البي ان النب وى ,أو ذك ر لبعض الخطب واألح اديث ال تى
تشتمل على أسرار بالغية وهى أحاديث معروفة ومشهورة ينقلها الالحق عن السابق ( ) كما
فى البي ان والتب يين للجاح ظ ,والمث ل الس ائر البن األث ير ,وغيرهم ا من كتب البالغ ة
واألدب .وك أن بالغت ه ص لى اهلل علي ه تنحص ر فى ه ذه األح اديث دون غيره ا .ولق د ق ام
بعض الب احثين العص ريين بمح اوالت طيب ة وجه ود مخلص ة لدراس ة البي ان النب وى ( ) ,وهى
بحاجة إلى إضافة باستمرار لنكشف للناس عن أسرار هذا البيان المبدع ,ولسد العجز فى
مكتبتن ا العربي ة فى ه ذا الج انب المهم .ولق د الح لى فيم ا يتص ل بناحي ة التص وير فى البي ان
النب وى ج انب " الوص ف " ,ولق د كتبت ه ذه الص فحات إس هاماً بجه دى المتواض ع لخدم ة
58
البي ان النب وى .ولكن هن اك ع دة أم ور تتص ل بمنهج البحث وخطت ه والب د من بيانه ا قب ل
الش روع في ه.أوالً :ه ذا البحث يق وم على دراس ة الوص ف فى البي ان النب وى من خالل
الص حيحين( البخ ارى ومس لم ) ( ) ,ولق د تتبعت األح اديث ال تى اش تملت على أل وان من
الوص ف فيهم ا دون غيرهم ا لش هرتهما ,وك ثرة أح اديث الوص ف فيهم ا ,م ع ص حتهما ,
ولإليج از فى البحث من ناحي ة أخ رى ,وال أدعى أن نى ألممت بك ل أح اديث الوص ف فيهم ا
محلالً ومبيناً ,بل أتناول بعضها بالتحليل البالغى مع اإلشارة إلى المواضع األخرى لمن أراد
التوسع ,ومما تجدر األشارة إليه أن هذا اإليجاز فى البحث الينفى صحة أحاديث الوصف
األخرى فى كتب السنن وغيرها من دواوين السنة ,ولكن المقام هنا مقام اإلشارة ال الحصر
,كم ا أن م ا فى الص حيحين مجم ع على ص حته ومق دم على غ يره كم ا ذك ر المحقق ون من
العلم اء ( ) ثاني اً :منهج التحلي ل لألح اديث المش تملة على الوص ف يق وم على الجم ع بين
اتجاهين :االتجاه العلمى ,واالتجاه األدبى ,مع ظهور االتجاه األدبى نظراً ألهميته ودوره
فى إبراز أسرار البيان النبوى ,ولكن العناية بالمظهر الفنى ال تعنى إغفال الج انب العلمى ألن
إغفاله معناه االنزالق إلى ميدان األهواء واألذواق الساذجة ,وهذا يسلمنا إلى فوضى ال مثيل
لها ( ) ,وإنما من غايات االتجاه األدبى نقل اإلحساس بجمال النص إلى المتلقى أو القارئ
بعي داً عن الناحي ة االص طالحية ال تى ال يعرفه ا إال المتخصص ون ,والب واعث الحقيقي ة له ذا
االتج اه إنم ا ترج ع إلى الق رآن الك ريم ,وأح اديث الن بى لم ا حوي اه من ص نوف الجم ال ,
ومخاطبتهما للعقل والوجدان .
ثالثاً :التطبيق على األحاديث المشتملة على الوصف يسير على ترتيب الكتب واألبواب
فى الصحيحين ( البخارى ومسلم ) مع تقديم منهج البخارى فى التبويب لما ضمنه فى أبوابه
من التراجم التى حيرت األفكار بما فيها من الدقة والفقه ,وحسن الترتيب ( ) ,أما إذا كان
الحديث موضوع البحث فى صحيح مسلم فقط ,فاعتمد على ترتيبه .وهذا المنهج يسهل
على القارئ الرجوع إلى الحديث فى كتابه أو بابه .وبعد هذه المقدمة وهذا التمهيد أنتقل
إلى فصول البحث ومباحثه ,حيث يتضمن هذا البحث ثالثة فصول ,وخاتمة ,وفهارس .
الفصل األول :الوصف ومعناه ويتضمن أربعة مباحث :
المبحث األول :الوصف عند اللغويين والبالغيين والنحويين .
59
المبحث الثانى :العالقة بين الوصف والتصوير .
المبحث الثالث :العالقة بين الوصف والخيال .
المبحث الرابع :تنوع الوصف فى البيان النبوى .
الفص ل الث انى :الوص ف فى الح ديث النب وى من خالل الص حيحين ,وه و الج زء
التطبيقى من البحث .
الفصل الثالث :خصائص الوصف فى البيان النبوى ,مع بيان مواضع أحاديث الوصف
األخ رى فى الص حيحين لمن أراد التوس ع .وبع د ذل ك ت أتى الخاتم ة متض منة أهم النت ائج
بإيجاز ,يليها فهرس المصادر والمراجع ,ثم فهرس الموضوعات .
واهلل أسأل أن يتقبل منا صالح العمل ,وأن يجمع بيننا وبين حبيبه وخليله صلى اهلل عليه
وسلم فى جنات النعيم .إنه سميع قريب مجيب .
60
وإظهاره ,وبيان حاله وهيئته .أماعنالوصف عند البالغيين والنقاد :فلقدعرف قدامة بن جعفر
الوص ف بقول ه" :ه و ذك ر الش ئ كم ا في ه من األح وال والهيئ ات .ولم ا ك ان أك ثر وص ف
الش عراء إنما يق ع على األش ياء المركب ة من ض روب المعانى ك ان أحس نهم من أتى فى شعره
ب أكثر المع انى ال تى الموص وف م ركب منه ا ثم أظهره ا في ه وأواله ا ,ح تى يحكي ه بش عره,
ويمثل ه للحس بنعت ه"( ) .ويق ول ابن القيم" :والوص ف أص له الكش ف واإلظه ار من ق ولهم:
وصف الثوب الجسم إذا لم يستره ونم عليه .وأحسنه ما يكاد يمثل الموصوف عيان اً وألجل
ذلك قال بعضهم" :أحسن الوصف ما قلب السمع بصراً ,ومنه فى القرآن العظيم كثير مثل
قوله تعالى فى وصف البقرة التى أمر بنو إسرائيل بذبحها لما سألوا أن توصف لهم بقولهم:
ض َوالَ بِ ْك ٌر َع َوا ٌن َب ْي َن ول إَِّن َه ا َب َق َرةٌ الَّ فَ ا ِر ٌ ك ُيَبيِّن لَّنَ ا َم ا ِه َي قَ َ
ال إِنَّهُ َي ُق ُ ﴿قَ الُوا ا ْدعُ لَنَ ا َربَّ َ
ص ْف َراءُ ول إَِّن َه ا َب َق َرةٌ َ
ال إِنَّهُ َي ُق ُ
ك ) ( ﴾...وقوله لما سألوا أن يصف لهم لونها ...﴿ :قَ َ ذَلِ َ
ول إَِّن َه ا َب َق َرةٌ الَّ
ال إِنَّهُ َي ُق ُ ِ ِ َّ
ين﴾ ( ) وقول ه لم ا س ألوه بي ان فعله ا ( :قَ َ س ُّر النَّاظ ِر َفَ اق ٌع ل ْو ُن َه ا تَ ُ
سلَّ َمةٌ الَّ ِشيَةَ ِف َيها ) ( ﴾...فجمع فى هذه اآلية جميع ث ُم َالح ْر َ ِ
ض َوالَ تَ ْسقي َ ول تُثِ ُير األ َْر َذَلُ ٌ
األح وال ال تى يض بط به ا وص ف الحي وان ,ف إن الحي وان عن د ال بيع واإلج ارة ,وس ائر وج وه
التمليكات يحتاج فيه إلى معرفة سنه ولونه وعمله ,ثم يفتقر فيه إلى معرفة عيوبه فنفى اهلل
سبحانه وتعالى عن تلك البقرة كل عيب بقوله ﴿الَّ ِش يَةَ ِف َيه ا﴾ فجمع فى هذه اآلية جميع
وج وه الوص ف ,فإن ه فى األول وص ف س نها ,وفى الث انى وص ف لونه ا ,وفى الث الث وص ف
خلقها وعملها ...ومن هذا الباب فى القرآن كثير ال يحصى ,وكذلك السنة النبوية ,وكذلك
الشعر) ("...
ويك اد النق اد يجمع ون على أن أج ود الوص ف ه و ال ذى يس تطيع أن يحكى الموص وف
حتى يكاد يمثله عيان اً للسامع ,وذلك بأن يأتى الشاعر بأكثر معانى ما يصفه وبأظهرها فيه
وأواله ا ب أن يمثل ه للحس .ول ذا ق ال بعض النق اد :أبل غ الوص ف م ا قلب الس مع بص راً" ( ).
ومن خالل كالم البالغ يين والنق اد يالح ظ ع دة أم ور :أوالً :الوص ف ذك ر الش ئ بأحوال ه
وهيئاته .ثانياً :أجود الوصف ما اشتمل على أكثر المعانى التى يتركب منها الموصوف .ثالث اً:
أحسن الوصف هو الذى يستطيع أن يحكى الموصوف حتى يكاد يمثله عيان اً للسمع فيقلب
السمع بصراً .وكالم النقاد وإن كان حول الوصف كغرض من أغراض الشعر إال أنه تحديد
61
دقي ق له ذا الفن من فن ون الكالم؛ وله ذا أخ ذ ب ه ابن القيم وطبق ه على بعض آي ات الق رآن
موض حاً أن ه كث ير فى الق رآن ,والس نة ,وكالم الع رب ,وم ا يعنين ا هن ا ه و فن "الوص ف فى
الح ديث الش ريف" .وسيتض ح لن ا إن ش اء اهلل تع الى أن فن الوص ف فى الح ديث الش ريف
ينطب ق عليه م ا ذك ره البالغي ون والنقاد ح ول تعريف ه ,كما سيتض ح لنا أثره فى بالغة البيان
النبوى.ومما يتصل بالبحث بيان العالقة بين الوصف والتصوير.
المبحث الث انى :العالق ة بين الوص ف والتص وير" :الوص ف وس يلة من وس ائل التص وير
المتعددة ,فلقد اعتمد العرب على وسائل كثيرة فى التصوير منها ما كان واضحاً عندهم تمام
الوض وح كالتش بيه واالس تعارة والكناي ة ,وبعض ها لم يكن واض حاً فى نت اجهم األدبى
كالوص ف ,والقص ة ,والتجس يم ,والتش خيص ,والموازن ة ,واإلش ارة ,والرس م" ( .)2وه ذه
الوس ائل نراه ا بوض وح وجالء فى البي ان النب وى ,ف النبى ص لى اهلل علي ه وس لم أوتى جوام ع
الكلم ,وأدب ه رب ه فأحس ن تأديب ه؛ وله ذا لم يغف ل البي ان النب وى فى تص ويره ال دقيق ه ذه
الوسائل ( " )3والمتتبع لآلثار النبوية يجد صورها الفنية من أحسن المثل لما تنجذب إليه
النف وس من الق ول لم ا فط ر علي ه ص لى اهلل علي ه وس لم من معرف ة عناص ر الت أثير فى البي ان
وأوجه الجمال فى اللسان ,فجاء حديثه النبوى من البالغة العالمية فى موضع تتطلع نحوه
األبصار ,وتتقاصر دونه األعناق ()1
أما عن العالقة بين الوصف والتشبيه " :فالوصف قريب من التشبيه إال أن الفرق بينهما
أن التش بيه مج از ,والوص ف راج ع إلى حقيقت ه وذات ه" ( .)2أم ا عن الخي ال ودوره فى
التص وير ,فالح ديث عنه وعن عالقته بالوص ف من األهمي ة بمك ان ونحن فى س ياق الح ديث
عن الوصف فى البيان النبوى.
المبحث الثالث :العالقة بين الوصف والخيال:
" الكالم فى وصف الطبيعة والجمال والحب على طريقة األساليب البيانية إنما هو باب
من األحالم إذ البد فيه من عينى أو نظرة عاشق ,وهنا نبى يوحى إليه فال موضع للخيال فى
أمره إال ما كان تمثيالً يراد به تقوية الشعور اإلنسانى بحقيقة ما فى بعض ما يعرض من باب
اإلرشاد والموعظة ...فعمله أن يهدى اإلنسانية ال أن يزين لها ,وأن يدلها على ما يجب فى
العم ل ال م ا يحس ن فى ص ناعة الكالم ,وأن يه ديها إلى م ا تفعل ه لتس مو ب ه ال إلى م ا تتخيل ه
62
لتلهو به .والخيال هو الشئ الحقيقى عند النفس فى ساعة االنفعال والتأثر به فقط ,ومعنى
هذا أنه ال يكون أبداً حقيقة ثابتة فال يكون كذباً على الحقيقة ,ثم هو صلى اهلل عليه وسلم
ليس كغيره من بلغاء الناس بتصل بالطبيعة ليستملى منها ,بل هو نبى مرسل متصل بمصدرها
األزلى ليملى فيها.)3( "...
" فوج ود الخي ال فى الح ديث النب وى أم ر غ ير متوق ع إال عن دما يك ون مص دراً للتش بيه
والتمثيل والتصوير )4( "...فالوصف النبوى الذى يعتمد التصوير الذى يعتمد بدوره الخيال
يأتى فى أعلى درجات الصدق ,وعلى ذروة سنام البالغة ألنه متصل بهذه النفس الصافية التى
تربعت على قمة السمو الروحى ,وهذا يدفعنا للحديث عن الخيال كطريق من طرق التعبير
عن المعانى الصادقة ,والتص ورات المعقولة طالما نتحدث عن الخيال وصلته بفن الوصف
فى البيان النبوى.
" إن إطالق لفظ التخيل أو الخيال فى صدد الحديث عن المعانى الصادقة,والتصورات
المعقولة اليحط من قيمتها أويمس حرمته ابنقيصه ,فإن علماءالبالغة أنفسهم قد أطلقوه على
ماي أتى ب ه البلي غ فى االس تعارة المكني ة ( ) من األم ور الخاص ة بالمش به ب ه ويثبت ه للمش به
فق الوا :األظف ار أو إض افتها فى قول ك :أنشـبت المني ة أظفاره ا" ( ) تخيي ل أو اس تعارة
تخيليية ,وأطلقوه فى الفصل والوصل حين تكلموا على الجامع بين الجملتين وقسموه إلى:
عقلى ,ووهمى ,وخي الى ,وأطلق وه فى فن الب ديع على تص وير م ا س يظهر فى العي ان بص ورة
المشاهد ,ولم يبالوا أن يضربوا لجميع تلك المباحث أمثلة من آيات الكتاب العزيز ,وغيره
من األقوال الصادقة.
" ولق د ك ان من أس اليب الق رآن فى ال دعوة أن ض رب األمث ال الرائع ة ,وص اغ التش ابيه
الرائقة ,واالستعارات الفائقة ,والكنايات اللطيفة ,ويضاف إلى ذلك ما كان ينطق به الرسول
ص لى اهلل علي ه وس لم من األق وال الطافح ة بض رب األمث ال واالس تعارات والكناي ات ال تى لم
تخط ر على قلب ع ربى قبل ه فك ان مطل ع اإلس الم مم ا زاد البلغ اء خ برة فى تص ريف المع انى
وت رقى بهم فى ص ناعة التخيي ل "( ) " والوص ف ال دقيق الن ابع من البص يرة الناف ذة ,وحس ن
اإلدراك ,والت دفق الع اطفى أبل غ من التش بيه أو االس تعارة أو الكناي ة أو الوس ائل المألوف ة فى
التصوير ,إنه ينقل لك أمام عينيك المشهد حتى تكاد تحس به بحواسك وتلمسه بيديك"( ).
63
وسيتض ح لن ا من خالل التط بيق أن الوص ف النب وى من أب رز المقوم ات الحيوي ة المباشرة فى
إقامة الصورة "()3
المبحث الرابع :تنوع الوصف فى البيان النبوى
اس تخدم الن بى ص لى اهلل علي ه وس لم " الوص ف" ألج ل تعليم الن اس وإرش ادهم إلى م ا
يقربهم إلى ربهم ولبيان حقائق الدين ,كما استخدمه فى تحذيرهم وتخويفهم مما يبعدهم عن
جناب ه ورحمت ه .والن بى ص لى اهلل علي ه وس لم داع إلى اهلل ومبش ر ,ون ذير ,ومبل غ عن ه كم ا
نطقت ب ذلك آي ات الق رآن ,وأحاديث ه ص لى اهلل علي ه وس لم .ومن هن ا فلق د ج اء فى البي ان
النبوى "الوصف" الذى يقلب السمع بصراً ,والمعقول محسوساً ,والمتخيل مشاهداً ,ويحي ط
بالموصوف من جهاته المختلفة حتى يحكيه ويمثله للعيان .وهذه الناحية الفنية والبالغية ال
تتخل ف فى أى موض وع من الموض وعات فى البي ان النب وى ,كم ا ال يلحقه ا الخل ل أو
االض طراب فى أى ناحي ة من الن واحى .فنج د فى البي ان النب وى وص ف اإليم ان فى األم ور
العقدية والقلبية ,ووصف الصالة والزكاة والذكر فى األمور الحسية ,ووصف الفتن والجنة
والن ار فى األم ور الغيبي ة إلى غ ير ذل ك من أل وان الوص ف التىسأش ير إلى بعض ها .وه ذه
اللوحات الوصفية مع تنوعها واختالف موضوعاتها تأتى على درجة واحدة فى البالغة ألنها
خرجت من مشكاة النبوة ( )4وسأتناول بمشيئة اهلل تعالى الوصف فى الحديث النبوى على
ت رتيب الكتب واألب واب فى الص حيحين م ع تق ديم تب ويب البخ ارى نظ راً لم ا فى تبويب ه من
الدق ة والفق ه وحس ن ال ترتيب كم ا ش هد ب ذلك المحقق ون من العلم اء ,وس أبين بع ون اهلل م ا
ينطوى عليه الوصف النبوى من صور فنية ,وأسرار بالغية.
الفصل الثانى :الوصف فى الحديث النبوى من خالل الصحيحين
وصف النخلة وتمثيلها بالمسلم
قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم " :إن من الشجر شجرة ال يسقط ورقها ,وإنها َمثَ ُل
المسلم ,فحدثونى ما هى؟ " فوقع الناس فى شجر البوادى ,قال عبد اهلل :ووقع فى نفسى
أنها النخلة فاستحييت قالوا :حدثنا ما هى يا رسول اهلل؟ قال" :هى النخلة" ( ).
فى هذا الحديث الشريف يضرب النبى صلى اهلل عليه وسلم مثالً للمسلم ,وفى ضرب
األمثال زيادة فى اإلفهام ,وتصوير للمعانى لترسخ فى الذهن .وهنا جاء الوصف معتمداً على
64
التش بيه ( ) حيث ش بهت النخل ة بالمس لم وج اء الوص ف أوالً للنخل ة لقول ه ص لى اهلل علي ه
وسلم" :إن من الشجر شجرة ال يسقط ورقها"
وهذا الوصف من أبرز أوصاف النخلة التى امتازت به من سائر األشجار أال وهو عدم
سقوط ورقها ,وليست هذه كل صفات النخلة .ويبدو لى فى ذلك سر بالغى ,فالنبى صلى
اهلل علي ه وس لم ب ذكره له ذا الوص ف من أوص اف النخل ة يري د أن ي بين أن النخل ة ال ينقط ع
عطاؤها وخيرها بحال من األحوال ,فورقها فيها سواء أخرج منها الثمر أم لم يخرج .وفى
هذا إشارة إلى أن الخير مستمر فى المسلم فى كل حال ألن نفسه مجبولة على حب الخير
والعطاء ,ال يفارقه حب الخير ,وال يفارق هو فعل الطاعات ,فال ينفصل أحدهما عن اآلخر,
كما أن النخلة ال يسقط ورقها بحال من األحوال ,ولهذا عقب النبى صلى اهلل عليه وسلم
بعد هذا الوصف للنخلة بتمثيلها بالمسلم ,وكأنه يلفت األنظار بداية إلى أن هذه الخصيصة
فى وص ف النخل ة هى أب رز الس مات والص فات ال تى تش ابه فيه ا المس لم ,فه ذا ال ترتيب بين
الوصف أوالً ,والتشبيه .ثاني اً -فيما يبدو لى -أمر مقصود فى البيان النبوى ) (.وكما سبق
أن النبى صلى اهلل عليه وسلم ذكر هذه الصفة وحدها من صفات النخلة مع أن لها صفات
أخرى كثيرة " ( )2موجودة فى جميع أجزائها ,مستمرة فى جميع أحوالها ,فمن حين تطلع
إلى أن تيبس تؤكل أنواعاً ,ثم بعد ذلك ينتفع بجميع أجزائها حتى النوى فى علف الدواب,
والليف فى الحبال ,ومن خشبها وورقها وأغصانها يستعمل جذوعاً وحطب اً وعصياً ومخاصر
وحص راً وأوانى وغ ير ذل ك" ( .)3ف اكتفى الن بى ص لى اهلل علي ه وس لم ب ذكر أب رز
الص فات,وت رك الب اقى ليرب ط المس لمون بين الص فة الم ذكورة وبين المس لم ثم يبحث ون بع د
ذلك عن باقى وجوه الشبه بين المسلم وبين النخلة ,وإذا كانت الصفات التى سبق ذكرها
ضرها( )1فكذلك المسلم خيره مستمر فىضرها وفى حال َخ ْموجودة فى النخلة فى حال َخ ِ
حال حياته وبعد مماته ,ففى حياته بالطاعات وفعل الخيرات وغير ذلك من وجوه البر ,وبعد
ورثَه من خير ,وبدعوة الناس
موته بالصدقات الجارية وما كان سبباً فيه فى حال حياته ,وما َّ
له ,وبدخوله الجنة ي وم القيامة ,فالمؤمن كله خير ومنافع فى حال حياته وبعد مماته)2( .
ومن ص فات النخل ة جم ال النب ات ,وحس ن هيئ ة ثمره ا ,فهى من افع وخ ير وجم ال وك ذلك
الم ؤمن خ ير كل ه بك ثرة طاعات ه ,ومك ارم أخالق ه ,ومواظبت ه على ص الته وص يامه وقراءت ه
65
وذك ره وص دقته ,وس ائر وج وه ال بر .ومن ص فات النخل ة "الثب ات واالرتف اع عن األرض,
فكذلك اإليمان ثابت فى قلب المؤمن ,وعمله عال مرتفع فى السماء ارتفاع فروع النخلة,
وم ا يكس ب من برك ة اإليم ان وثواب ه كم ا يُن ال من ثم رة النخل ة فى أوق ات الس نة كله ا من
الرطب والبُ ْسر( )3والبلح والزهو والتمر والطلع" ( )4كما أن من صفات النخل :االستقامة
واالعتدال ,والمسلم مستقيم على طريق الطاعة معتدل فى أمور دينه ودنياه ,وإن كان يوجد
فى بعض النخ ل إعوج اج فك ذلك بعض المس لمين ق د يك ون فيهم ش ئ من اإلعوج اج فى
السلوك ,وهذا ال ينفى عنهم صفة اإلسالم ,والمؤمن ال يعرى من لباس التقوى كما ال تعرى
النخلة عن الورق ,والتقوى خير زاد وخير لباس" وهذا الوصف النبوى الذى اعتمد التشبيه
قد سلك طريق اإليجاز( )1بذكر أبرز الصفات التى تشابه فيها النخلة المسلم ليلفت األنظار
إلى الص فات األخ رى ال تى لم ت ذكر فى الح ديث ,وليش حذ المس لمون أفك ارهم ويت أملوا
وجوه الشبه بين المسلم والنخلة فيزدادوا معرفة بصفات المسلم من خالل النظر فى صفات
النخلة ,وهذا األسلوب من أساليب توضيح المعقول بالمحسوس( )2وحث للفكر على النظ ر
فيما بين األشياء من وجوه االتفاق ووجوه االختالف وهذا الوصف النبوى إنما هو أثر من
ش َج َر ٍة طَيِّبَ ٍة
ب اللَّهُ َمثَالً َكلِ َم ةً طَيِّبَ ةً َك َ ض َر َ ف َ آثار المثل القرآنى فى قوله تعالى﴿ :أَلَ ْم َت َر َك ْي َ
ال لِلن ِ
َّاس ب اللَّهُ األ َْمثَ َ
ض ِر ُ الس َم ِاء * ُت ْؤتِي أُ ُكلَ َها ُك َّل ِحي ٍن بِِإ ْذ ِن َر ِّب َها َويَ ْ
ت َو َف ْرعُ َها فِي َّ
َصلُ َها ثَابِ ٌ
أْ
لَ َعلَّ ُه ْم َيتَ َذ َّك ُرو َن﴾( إب راهيم " )25,24 :فأكثرالمفس رين على أن الش جرةالطيبةهى النخل ة(
)3ولقد قرأ النبى صلى اهلل عليه وسلم قوله تعالى﴿ :ومثل كلمة طيبة كشجرة كطيبة﴾...
طيبة)وقال" :هى النخلة" ( )4ولقد وصف هذه الشجرة بأربعة أوصاف :األول :قوله "طيبة"
أى كريمة المنبت .الثانى :رسوخ أصلها وذلك يدل على تمكنها ,وأن الرياح ال تقصفها فهى
بطيئة الفناء ,وما كان كذلك حصل الفرح بوجدانه .والثالث :علو فرعها وذلك يدل على
تمكن الش جرة ورس وخ عروقه ا ,وعلى بع دها من عفون ات األرض ,وعلى ص فائها من
الشوائب .الرابع :ديمومة وجود ثمرتها وحـضورها فى كل األوقات" ( )5وهذه األوصاف
تنطبق على المؤمن تمام االنطباق ,فاإليمان راسخ وثابت فى قلب المؤمن ال تزعزعه الباليا
والمحن ,وه و إيم ان مثم ر بالعم ل الص الح ال ذى ي دل على ص الح الم ؤمن المتص ل ب المأل
األعلى ,وهو إيمان يعلو على شهوات الدنيا ومالذها ,ويحلق فى آفاق من السمو الروحى.
66
وه ذه األوص اف فى الش جرة الطيب ة تنطب ق على أوص اف الم ؤمن ال تى س بق ذكره ا تم ام
االنطباق" ,فالمقصود بالمثل المؤمن ,والنخلة مشبهة به ,وهو مشبه بها ,وإذا كانت النخلة
شجرة طيبة فالمؤمن المشبه بها أولى أن يكون كذلك" ( ).
فليتأمل المؤمن فى هذا المثل القرآنى ,وهذا المثل النبوى ,وليتصور هذه المعانى التى
تحت اج إلى إعم ال العق ل ,وينطب ق فيه ا المعق ول على المحس وس تم ام االنطب اق(...﴿)2
ال لِلن ِ
َّاس لَ َعلَّ ُه ْم َيتَ َذ َّك ُرو َن﴾ ( إبراهيم .)25 : ب اللَّهُ األ َْمثَ َ
ض ِر ُ
َويَ ْ
وص ف ح ال أول من ي دخلون الجن ة وال ذين يل ونهم ونعيمهم :ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل
عليه وسلم " أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين على إثرهم كأشد
كوكب إضاءة ،قلوبهم على قلب رجل واحد ال اختالف بينهم وال تباغض ،لكل امرئ منهم
مخ س اقها من وراء لحمها من الحسن .يسبحون اهلل بكرة
زوجتان :كل واحدة منهما يُرى ُ
وعشياً ،ال يسقمون وال يمتخطون وال يبصقون ،آنيتهم الذهب والفضة ،وأمشاطهم الذهب،
ووقود مجامرهم األلوة – قال أبو اليمان :يعنى العود – ورشحهم المسك" ( )3إننا هنا أمام
لوحات وصفية رائعة لمشاهد من عالم الغيب لمنازل المؤمنين وم ا أع د اهلل لهم من النعيم فى
الجنة .ولقد جاء هذا الوصف النبوى الدقيق معتمداً على التشبيه فى بعض أجزائه ،ومعتمداً
على العب ارة الوص فية ال تى ال تعتم د على الص ورة البياني ة المعه ودة من التش بية واالس تعارة
والكناية فى أجزاء أخرى .وبدأ هذا الوصف النبوى بذكر مراحل النعيم التى يمر بها أول
زمرة تدخل الجنة من بداية دخولهم إلى حين استقرارهم .بدأ هذا الوصف بتشبيه صورة أول
زمرة تدخل الجنة بصورة القمر ليلة البدر وتشبيه الذين يلونهم بصورة أشد كوكب إضاءة.
وهن ا س ر بالغى فى الف رق بين التش بيهين :فالتش بيه األول ج اء بص ورة " القم ر ليل ة الب در"
والوج ه في ه الهيئ ة والحس ن والض وء .والتش بيه الث انى بـ " أش د ك وكب درى" والوج ه في ه
اإلضاءة فقط ( )1وهنا نقف أمام هذا النور الذى يشع من أجسادهم وصورهم ،هذا النور
ال ذى يخط ف األبص ار ويبه ر المت أملين ،فص ورة القم ر ليل ة الب در وم ا ه و علي ه من الض وء
معروف ة بم ا فيه ا من جم ال ش كله وحس ن هيئت ه .إنهم حين ي دخلون الجن ة يكون ون فى قم ة
الجم ال والكم ال والبه اء والحس ن فال يص يبهم أى مظه ر من مظ اهر النقص ،فلق د مض ت
ال دنيا بنقص ها وبالئه ا ،وهم الي وم فى دار الكم ال ال النقص ان .أم ا ال ذين يل ونهم فص ورتهم
67
معروفة حين ننظر إلى الكوكب الدرى يلمع فى وسط السماء فى الليل ,ولكن التشبيه هنا
ج اء فى اإلض اءة وح دها ,وه ذا ال يع نى نقص ان ح الهم ولكن يع نى اختالفهم فى درج اتهم
النعيم م ع اس توائهم فى أص ل الكم ال والبع د عن ك ل مظ اهر النقص )2( .لق د وص فهم فى
الزمرة األولى والذين يلونهم باإلضاءة عند دخولهم الجنة ،وهذا النور والضوء إنما هو نور
وض وء األعم ال الص الحة ،فطالم ا ص لوا باللي ل والن اس ني ام ( )3وطالم ا تحمل وا بالء ال دنيا
وعناءه ا .إن ط اعتهم هلل ق د أثم رت ذل ك الن ور الذى يس عى بين أي ديهم وبأيمانهم حيث بين
ين ِِ
الم ْؤمن َ ذل ك الق رآن بإض افة الن ور إليهم فى أك ثر من موض ع فق ال تع الىَ :ي ْو َم َت َرى ُ
َّات تَ ْج ِري ِمن تَ ْحتِ َه ا الي ْو َم َجن ٌ ِ ِ
ور ُهم َب ْي َن أَيْ دي ِه ْم َوبِأَيْ َم ان ِهم( )1بُ ْش َرا ُك ُم َ
ِ ِ
َوال ُْم ْؤمنَ ات يَ ْس َعى نُ ُ
ول المنَ افِ ُقو َن والْمنَافِ َق ُ ِ ِ ك ه و ال َف و ُز ِ األَْنه ار َخالِ ِد ِ ِ
آمنُ وا ين َ ات للَّذ َ َ ُ يم * َي ْو َم َي ُق ُ ُ العظ ُ
ين ف َيه ا ذَل َ ُ َ ْ َ َ َ ُ
ِ ِ ِ انظُرونَ ا َن ْقتبِ ِ
س و ٍر لَّهُ ِ
ب َب ْيَن ُهم ب ُ ض ِر َ س وا نُ وراً فَ ُ س من نُّو ِر ُك ْم( )2قي َل ْارجعُ وا َو َر َ
اء ُك ْم فَالْتَم ُ َ ْ ُ
آمنُوا تُوبُ وا َّ ِ ِ ِ ِ ِِ باب ب ِ
اطنُهُ فِ ِيه َّ
ين َ اب) (3وقوله تعالى :يَا أ َُّي َها الذ َ الع َذ ُ
الر ْح َمةُ َوظَاه ُرهُ من قبَله َ َ ٌ َ
َّات تَ ْج ِري ِمن تَ ْحتِ َه ا إِلَى اللَّ ِه َتوب ةً نَّص وحاً َعس ى ربُّ ُكم أَن ي َك ِّفر َعن ُكم س يِّئَاتِ ُكم وي ْد ِخلَ ُكم جن ٍ
ْ َ ْ َُ ْ َ َ َ ْ ُ َ َْ ُ
ور ُه ْم يَ ْس َعى َب ْي َن أَيْ ِدي ِه ْم َوبِأَيْ َم انِ ِه ْم َي ُقولُو َن
آمنُوا َم َعهُ نُ ُ
ين َ
ِ َّ ِ
ار َي ْو َم الَ يُ ْخ ِزي اللَّهُ النَّب َّي َوالذ َ األَْن َه ُ
ك َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير) (4ولم يقف الوصف النبوى الدقيق ورنَا َوا ْغ ِف ْر لَنَ ا إِنَّ َ ِ
َر َّبنَا أَتْم ْم لَنَا نُ َ
لهذا المشهد الرائع المهيب عند الصورة الظاهرة وإنما انتقل إلى الصورة الباطنة ،فبين أن "
قل وبهم على قلب رج ل واح د" ( )5فال اختالف بينهم وال تب اغض .إنن ا هن ا أم ام ص ورة
مكتملة المعالم فى الظاهر والباطن ،فى الظاهر بالضياء والحسن والبهاء ،والباطن بالطهارة
والنقاء والصفاء ،وهذا يظهر بالغة الوصف فى البيان النبوى ،ويؤكد ما سبق ذكره من أنه
وص ف كاش ف ج امع لك ل مع الم الص ورة! وبع د الح ديث عن كم الهم فى ذاتهم انتق ل إلى
الح ديث عن النعيم ال ذى أع د لهم ،ف ذكر ال زوجين من الح ور العين ،وبين ص فاء ورق ة
بش رتيهما فق ال ":لك ل ام رئ منهم زوجت ان( )6ك ل واح دة منهم ا ي رى مخ س اقها من وراء
لحمها من الحسن" إن هاهنا صفاءاً وبياض اً فى عظامهن ولحمهن ظاهراً وباطن اً ليناسب حال
هؤالء المؤمنين فى الصفاء والنقاء ،فيزداد النور والبهاء ،والحسن والضياء .فما أروع هذه
الص ورة النبوي ة حين نتخيله ا أم ام أعينن ا وق د ام تزج الن وران بين ه ؤالء ال داخلين إلى الجن ة
والحور العين الالئى وصفهن القرآن بأنهنَ :ك أ ََّن ُه َّن اليَ اقُ ُ
وت َوال َْم ْر َج ا ُن) (1إن هذا النعيم
68
المقيم والعط اء الجزي ل ليلهمهم التس بيح والتكب ير كم ا يلهم ون النفس( )2وليس المقص ود
بالتسبيح بكرة وعشياً الحقيقة لفناء الدنيا ،وإنماالمقصود هوالديمومة( )3وبعد هذا الوصف
الدقيق لصورتهم وما أعد لهم من الحور العين انتقل البيان النبوى إلى وصف حالهم "فهم ال
يس قمون وال يمتخط ون وال يبص قون,آنيتهم ال ذهب والفض ة ،وأمش اطهم ال ذهب ".م ا أروع
هذا الوصف الدقيق الجامع ،فلقد تناول فى هذا الوصف حالهم فى الداخل ،وما يحتاجون
إلي ه فى الخ ارج من األوانى واألمش اط .وهن ا س ر دقي ق فهم ال يس قمون وال يمتخط ون
واليبصقون ،وهذا ما يناسب ما هم عليه من الضياء والنقاء والصفاء والحسن والبهاء ,كما
أن آنيتهم وأمشاطهم من الذهب والفضة وفيهما من الصفاء واللمعان والبريق ما هو معلوم...
فهنا ضياء ونور وصفاء فى كل شئ ،فى ظاهرهم وباطنهم ،فى كل ما يحيط بهم( )4ويبدو
لى هن ا لوح ة وصفية يشع الن ور من ك ل أجزائها فى تناسق والتئام وتالحم ،ه اهم المؤمنون
والن ور يش ع منهم ،وه ا هى الح ور العين فى ص فائها ونقائه ا ،وه ا هى اآلني ة واألمش اط فى
لمعانه ا وبريقه ا ،ه ل بقى ش ئ؟ نعم بقيت المج امر( )1وهى " األل ّوة "( )2ولكن جعلت
مج امرهم نفس الع ود ب أن يش تعل بغيرن ار( )3ب ل بقول ه" :كن" لق د أحي ط ه ذا الض ياء به ذه
الرائح ة الطيب ة م ع رش حهم المس ك فلق د ج اءت الرائح ة الطيب ة من رش حهم ومن ح ولهم
لتكتم ل مع الم الص ورة ،وبهذا يك ون البي ان النب وى قد وص ف لنا حال ه ؤالء ال داخلين إلى
الجنة وصفاً كاشفاً جامعاً .وهو وصف لمشاهد من عالم الغيب عرضها علينا فى إيجاز وفى
تناس ق وفى تالحم عجيب جم ع في ه بين أج زاء الص ورة ال تى ش اع الن ور وانتش ر فى جمي ع
أجزائه ا وه ذه الص ور الرائع ة هن اك رواب ط وقواس م مش تركة بينه ا وهى الض ياء ،والبه اء،
والحسن ،واللمعان ،والصفاء! لقد جاء نورهم من أعمالهم الصالحة ،وجاء حسنهم وبهاؤهم
من طهارتهم الحسية والمعنوية فى الدنيا ،فلينظر كل منا ومن خالل هذا الحديث الرائع إلى
ور ُهم َب ْي َن أَيْ ِدي ِه ْم ِ ِ ما قدم من نور لنفسه يوم القيامة) :ي وم َت رى ِ ِ
ين َوال ُْم ْؤمنَ ات يَ ْس َعى نُ ُ
الم ْؤمن َ
َْ َ َ ُ
ك ه و ال َف و ُز ِ َّات تَج ِري ِمن تَحتِها األَْنه ار َخالِ ِد ِ ِ ِ
يم)
العظ ُ ين ف َيه ا ذَل َ ُ َ ْ َ َ َ ُ َْ َوبِأَيْ َمان ِهم بُ ْش َرا ُك ُم َ
الي ْو َم َجن ٌ ْ
( )4فى تصورى مهما أوتى المرء من بالغة وبراعة ال يستطيع أن يصف حال أهل الجنة بأبلغ
مما وصفه به البيان النبوى ألن النبى صلى اهلل عليه يصف وصف من رأى وسمع مع ما أوتى
من جوامع الكلم ،واالتصال بالمأل األعلى فى كل حين.
69
وصف الخوارج :عن أبى سعيد قال :بعث على رضى اهلل عنه إلى النبى صلى اهلل عليه
وس لم بذهبي ة فقس مها بين أربع ة األق رع بن ح ابس الحنظلى ثم المجاش عى وعيين ة بن ب در
الفزارى ،وزيد الطائى ،ثم أحد بنى نبهان ،وعلقمة بن عالثة العامرى ،ثم أحد بنى كالب.
فغض بت ق ريش واألنص ار ق الوا :يعطى ص ناديد أه ل نج د وي دعنا .ق ال :إنم ا أت ألفهم .فأقب ل
رجل غائر العينين,مشرف الوجنتين ,كث اللحية ,محلوق فقال :اتق اهلل يا محمد فقال" :
من يط ع اهلل إذا عص يت؟ أي أمننى اهلل على أه ل األرض فال ت أمنونى؟ " فس أله رج ل قتل ه –
أحس به خال د بن الولي د – فمنع ه فلم ا ولى ق ال" :إن من ضئض ئ ه ذا – أو فى عقب ه ذا –
قوم يقرءون القرآن ال يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ،يقتلون
أه ل اإلس الم ويدعون أهل األوث ان ،لئن أدركتهم ألقتلنهم قت ل عاد " ( )1وفى رواية " :إنه
يخرج من ضئضئ( )2هذا قوم يتلون كتاب اهلل رطباً ال يجاوز حناجرهم ,يمرقون من الدين
كما يمرق السهم من الرمية " ,وأظنه قال " :لئن أدركتهم ألقتلنهم قتل ثمود " ( )3وقال
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم" :يأتى فى آخر الزمان قوم حدثاء األسنان ،سفهاء األحالم،
يقولون من قول خير البرية ،يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ،ال يجاوز إيمانهم
حن اجرهم ،فأينم ا لقيتم وهم ف اقتلوهم ،ف إن قتلهم أج ر لمن قتلهم ي وم القيام ة" ( )4فى ه ذا
الح ديث الش ريف نحن أم ام وص ف دقي ق يتخطى ح دود المك ان والزم ان ليكش ف لن ا عن
أوص اف بعض من ينتس بون إلى المس لمين ولكنهم عبء عليهم ،وح رب لهم ،وأم ان وس لم
لع دوهم ،..ه ذه الفئ ة ال تى نراه ا ونعايش ها الي وم كم ا ك انت ب األمس وفى الماض ى ،وكم ا
ستكون فى المستقبل وضع لنا البيان النبوى أوصافاً لها تكشف عن حقيقتها وتوضح فكرها
وم دى فهمه ا لل دين ،وع وار ه ذا الفهم ،والوص ف النب وى هن ا ينطب ق علي ه الخصيص ة ال تى
تحدثنا عنها من قبل ،وهى أنه وصف يتجاوز حدود الزمان والمكان ليربط الماضى بالحاضر
والمس تقبل ،وذل ك ألن ه خ رج ممن ال ينط ق عن اله وى إِ ْن ُه َو إِالَّ َو ْح ٌي يُ َ
وحى) (1ولق د
ذكر النبى صلى اهلل عليه وسلم أوصافهم فى أكثر من حديث ،وسأجمع هذه األوصاف كما
ج اءت فى الص حيحين وأتناوله ا بالتحلي ل البالغى واألدبى .إنهم ق وم يق رءون الق رآن وفى
رواي ة يتل ون كت اب اهلل لين اً رطب اً ال يج اوز حن اجرهم .ال يج اوز إيم انهم حن اجرهم.تحق رون
صالتكم مع صالتهم( )2وليس قراءتكم إلى قراءتهم بشئ ،وال صيامكم إلى صيامهم بشئ.
70
يقول ون من ق ول خ ير البري ة .ح دثاء أو أح داث أو ح داث األس نان .س فهاء األحالم .يقتل ون
أهل االسالم ،ويدعون أهل األوثان .هذه عبادتهم كما جاء فى وصفهم :يقرءون القرآن لين اً
رطب اً ال يج اوز حن اجرهم .م ا أدق ه ذا الوص ف! فهم ال نص يب لهم من الق رآن إال تردي د
األلس نة ألن الق رآن لم ينف ذ إلى قل وبهم ،إن ه عن د الحن اجر( )3ال يتجاوزه ا ،فلم تش رب
قل وبهم حب ة وفهم ه كم ا يجب أن يك ون ،إن ه لين( )4رطب بالنس بة لهم ،س هل عليهم فى
الحفظ والتالوة ،أما فى الفهم والعمل فهم ال رصيد لهم( )1فهم يرددونه ويلوون ألسنتهم به
تحريفاً لمعانيه ،وميالً ألهوائهم ،فصورتهم وهم يقرءون القرآن صورة خادعة لمن لم يعرف
حقيق ة فك رهم ،فمن رآهم وهم يق رءون الق رآن بس هولة ولين ظنهم من الع المين الف اقهين
حيث الن القرآن لهم فى التالوة .إن صورتهم الخادعة فى العبادة ال تقف عند قراءة القرآن،
بل إن من أوصافهم " أنكم تحقرون صالتكم مع صالتهم وقراءتكم مع قراءتهم ،وصيامكم
م ع ص يامهم " ،فهم يقوم ون اللي ل ،ويص ومون النه ار ،ويك ثرون من التالوة للق رآن ،ب ل
ويقولون من خير قول البرية! ولكن ليس لهم روح العبادة وإنما لهم مظاهرها وظاهره ا ،فهم
ال يعرفون من الدين إال القشور وكما جاء فى وصفهم " ال يجاوز إيمانهم حناجرهم" .فكما
أن القرآن لم يستقر فى قلوبهم فهم اً وعمالً كذلك اإليمان إيمان باللسان ال بالجنان ،إيمان
باألقوال ال باألفعال ،وما أبعد هذا الصنف من الناس عن حقيقة الدين .فاإليمان لم ينفذ إلى
قلوبهم وإنما وقف عند حالقيمهم ،وما وقف عند الحالقيم ال يصل إلى القلب! ولذلك فهم
" يقولون من خير قول البرية " ( )2كما وصفهم البيان النبوى ،فكالمهم فى الظاهر حسن
معسول ،ولكن فى الباطن فهمهم للدين مدخول ،إن عبادتهم كلها ظواهر ال رصيد لها من
إيم ان أو إخالص ،وق راءتهم كله ا حرك ات لأللس نة والحن اجر ال وزن له ا من فهم أو عم ل
سديد .ولكن هل يقف وصفهم عند هذا الحد؟ ال ،فهم "أحداث( )3األسنان" صغار السن لم
يس بروا غ ور العلم ،ولم يعيش وا فى رحاب ه وقت اً كافي اً فهم اً وعمالً ،ولم يكتس بوا الخ برة
الكافية لصغر سنهم وضيق عطنهم وأفن عقولهم .وعن هذه العقول فحدث وال حرج ،ولن
تج د لوص ف عق ولهم أبل غ من قول ه ص لى اهلل علي ه وس لم" :س فاء األحالم" ( )1فعق ولهم
ضعيفة رديئة صغيرة ( )2ال قدرة لها على الفهم والتحليل واالستنباط وال عناية لها بمعالى
األمور وإنما عنايتهم بسفاسف األمور ،يهتمون بالقشور ويتركون الجوهر ،يهتمون بالظاهر
71
ويغفل ون عن الب اطن ،وال ص بر لهم على فهم ال دين والفق ة لمقاص ده ،وال ثب ات عن دهم أم ام
الشبهات ،وال رسوخ ألقدامهم فى الحق ،فهم متزعزعون عند الفتن ،متخبطون فى النوازل،
يض عون األدل ة فى غ ير مواض عها ،انطلق وا إلى آي ات ن زلت فى الك افرين فجعلوه ا على
المؤم نين.وله ذا فهم "يمرق ون من ال دين كم ا يم رق الس هم من الرمي ة " ( )3وم ا أروع ه ذا
الوص ف الدقيق لحالهم مع الدين فهم كما يكفرون الن اس على أهون األسباب ،ويأثمونهم
على أصغر األمور ،هم كذلك يخرجون من الدين بنفس السرعة التى دخلوه بها ،فال ثبات
لهم على الحق وال نصيب لهم من الصبر( )4ويبدو لى فى هذا التصوير النبوى الدقيق أكثر
من سر بالغى :السر األول :هو الصالبة والشدة عند هؤالء فى التعامل مع الناس وفى أمور
الدين ،وخاصة فى سفاسف األمور ويبدو ذلك واضحاً من خالل قوله " كمايمرق السهم من
الرمي ة " وذل ك من ص فات الس هم الص ائب الص لب ألن ه ال يك ون ش ديد الس رعة إال بع د أن
يك ون ق وى النزع ة! فالص البة فى الس هم والق وة والس رعة فى اندفاع ه تدفع ه إلى الرج وع
والخروج من الصيد بعد إصابته .وهذا وصف دقيق لحالهم ،فهم ال رفق عندهم فى التعامل
مع الناس ،ويغلب عليهم جفاف الروح ،وتقطيب الجبين ،وتعقيد األمور ،وتضخيم الصغير،
وتص غير الكب ير ،وه ذا واق ع يعرف ه من عام ل ه ؤالء وع رف حقيق ة طب اعهم .كم ا أن ص البة
الس هم موج ودة فى آرائهم ،فهم ال يتن ازلون عن آرائهم الباطل ة وفهمهم الم دخول ،وال
يزعن ون للح ق( .)1فص البة ال رأى من س ماتهم م ع فس اد م ا هم علي ه وه ذه حقيق ة تاريخي ة
معروف ة عن الخ وارج ،وحقيق ة واقعي ة معروف ة عن أش باههم الي وم! فهم ي ؤثرون أن يكون وا
رؤوس اً فى الباطل على أن يكونوا ذيوالً فى الحق! وهناك سر آخر وهو السرعة واالندفاع
عند هؤالء ،وذلك أيضاً من خالل قوله صلى اهلل عليه وسلم " :يمرقون من الدين كما يمرق
السهم من الرمية " ( )2والسرعة عندهم فى الحكم على الناس بالفسق والكفر واالندفاع فى
التعام ل م ع الن اس وع دم الص بر على تحص يل العلم ،والس رعة فى اته ام الن اس زوراً وبهتان اً
ألنهم ال يؤيدونهم فيما يذهبون إليه( .)3إنهم يخرجون من الدين بنفس السرعة التى دخلوا
به ا فيه ،وتش اهد كثيرا من ذي ول ه ؤالء فى عصرنا ال يلبث أحدهم فى طريق االل تزام قليالً
حتى يحيد عن الحق ،ويرجع إلى سابق عهده فى الفسق ألنه لم يتعلق من الدين إال بالقشور،
بقدر ما يدخل السهم فى الصيد ويخرج منه بسرعة! وليس هناك تصوير دقيق يصور حالهم
72
مع اإليجاز أبلغ من هذا التصوير النبوى ،فهذا الحديث باإلضافة إلى أنه معجزة من معجزات
الن بى ص لى اهلل علي ه وس لم يش تمل على أس رار بالغي ة ووص ف دقي ق لحقيق ة ه ؤالء فى ك ل
مك ان وزم ان .إن أفن عق ولهم ،وس وء فهمهم لل دين ،وص البتهم فى التمس ك بالباط ل،
وان دفاعهم فى رفض الح ق يدفعهم إلى أن "يقتل وا أه ل االس الم ،وي دعوا أه ل األوث ان" كما
وص فهم البي ان النب وى( )4وه ذا وص ف دقي ق له ؤالء الم ارقين فى ك ل زم ان ومك ان ،فهم
يفعلون ذلك بالمسلمين استناداً إلى تأويل فاسد آليات القرآن ،وفهم مدخول لحقيقة الدين،
وهذه حقيقتهم فى عصرنا كما كانت حقيقتهم فى الماضى ،وكما ستكون فى المستقبل ()1
إن الوص ف النب وى هن ا يتم يز بخصيص ته الظ اهرة وهى أن ه وص ف ج امع كاش ف مرك ز على
أب رز ص فات ه ؤالء الخ وارج ( )2وه و وص ف متخطى لح دود الزم ان والمك ان .لق د ق ال
رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه وس لم " :لئن أدركتهم ألقتلنهم قت ل ع اد " وفى رواي ة " ألقتلنهم
قتل ثمود " ( )3وفى رواية ":فأينما لقيتموهم فأقتلوهم،فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيام ة
"( )4وفى ذلك معجزة ظاهرة للنبى صلى اهلل عليه وسلم ،فهم مع نهية عن قتل أصلهم (وهو
الرجل الذى قال لرسول اهلل اتق اهلل يا محمد) أراد إدراك خروجهم واعتراضهم المسلمين
بالسيف ،ولم يكن ظهر ذلك فى زمانه ،وأول ما ظهر فى زمان على رضى اهلل عنه كما هو
مشهور فهؤالء بسفكهم للدماء ،وفهمهم المدخول للدين ،وعدم نفاذهم إلى حقيقة االسالم
يمثل ون خط راً عظيم اً على المس لمين ،ألنهم يزعم ون أنهم من المس لمين بينم ا يقتل ون أه ل
االسالم ،ويدعون أهل األوثان( )5فهم رأس الفتنة ،ومنبع البلوى ،ومصيبة المسلمين فيهم
أك بر من مص يبتهم من أع داء اإلس الم .فم ا أروع وأدق ه ذا الوص ف النب وى الم وجز المع بر
أدق تعبير عن حقيقة هؤالء الخارجين فى كل زمان ومكان()1
وصف قلب المؤمن بالكرم :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم " :ويقولون :الكرم،
إنما الكرم قلب المؤمن" ( )2وفى رواية مسلم ... " :وال يقولن أحدكم للعنب الكرم ،فإن
الكرم الرجل المسلم " وفى رواية له " :ال يقولن أحدكم الكرم ،فإنما الكرم قلب المؤمن"
( .)3نحن هن ا أم ام وص ف من ن وع آخ ر ،وش اهدنا فى ه ذا الح ديث قول ه ص لى اهلل علي ه
وسلم " :إنما الكرم قلب المؤمن" وقوله " :فإن الكرم الرجل المسلم " والوصف النبوى
هن ا ج اء لتص حيح لف ظ طالم ا وض ع لغ ير معن اه الحقيقى فى حي اة الع رب فى ذل ك ال وقت،
73
وروعى فى تصحيحه الجانب الذهنى والناحية الفكرية عند الناس .فلقد كانت العرب تطلق
لفظة " الكرم " على شجر العنب ،وعلى العنب ،وعلى الخمر المتخذة من العنب ( )4فكره
الشرع هذا االسم ألنه يربط بين العنب والخمر المتخذة منه فى أذهانهم ،وألن فيه خطأ فى
الفهم حيث وص فت الخم ر بغ ير ص فتها ،وس ميت بغ ير اس مها ،وه ذا مم ا ي ؤدى إلى التب اس
األم ر على بعض الن اس ،ويهيج فى نفوس هم االتج اه إلى مقاربته ا ،ول ذلك ج اءهم باالس م
والحبَل ة( )1وبالغ ة الوص ف هن ا فى أن جع ل "
الحقيقى ال ذى ال يلتبس بغ يره وه و العنبَ ،
الكرم " " قلب المؤمن " أو " الرجل المسلم " فلم حول النبى صلى اهلل عليه وسلم الوصف
هن ا إلى الرج ل المس لم أو قلب ه الم ؤمن؟ ويب دو لى هن ا أك ثر من س ر :األول :لفت انتب اه
المسلم ،وتحويل فكره عن كل ما يذكر بالمعصية أو يقاربها وتحويل الفكر إلى كل ما ي ذكر
بالطاع ة ويحض عليه ا .ويب دو ذل ك واض حاً من إرادت ه ص لى اهلل علي ه وس لم أن يص رف
أذهانهم وأفكارهم عن كل ما يتصل بالخمر من قريب أو بعيد ( )2وتحويل أفكارهم إلى ما
يق رب من الطاع ة بربط ه ه ذا االس م بص فة من ص فات المس لم أو قلب ه الم ؤمن ،وهى من
الصفات التى يحبها اهلل.الثانى :ربط المسلم بالقرآن الكريم ،فوصف المسلم بـ "الكرم" جاء
فى الق رآن حيث يق ول تع الى...إِ َّن أَ ْك َر َم ُك ْم ِعن َد اللَّ ِه أَْت َق ا ُكم (وفى ه ذا تحوي ل للمس لم إلى
الوجهة السليمة مع إضافة معان جديدة تتصل بالمسلم ،وما يجب أن يكون عليه من تقوى
اهلل ع ز وج ل.وه ذا التص ويب النب وى في ه معج زة ظ اهرة ،فكم ا ك انت الع رب ق ديماً تس مى
الخم ر بغ ير اس مها فلق د نبتت نابت ة الي وم تس لك نفس الس بيل ( )3ومن أس رار جم ال ه ذا
الحديث وصف المسلم ،ووصف قلبه المؤمن بـ " الكرم " فالنبى صلى اهلل عليه وسلم لما
بين لهم أن الخم ر أم الخب ائث وال رجس ال ذى ه و من عم ل الش يطان ص وب رأى من رأى
استحقاق هذا بقلب المؤمن الطاهر عن أوضار الرجس واآلثام ،وأنه معدن مكارم األخالق،
ومنبعه ا،ومرك ز التق وى ،وأح رى أن يس مى كرم اً ،ق ال تع الى ...فَِإ َّن َه ا ِمن َت ْق َوى ال ُقلُ ِ
وب)
وقال ... :أَ ْك َر َم ُك ْم ِعن َد اللَّ ِه أَْت َق ا ُك ْم (1) ...كأنه صلى اله .عليه وسلم نبه المسلمين
على التحلى بالتقوى ،والتزيى به ،وأنه رأس مكارم األخالق ال ما ذهب إليه الجاهلية فسمى
" قلب " المؤمن كرم اً لما فيه من اإليمان ،والهدى والنور ،والتقوى ،والصفات المستحقة
لهذا االسم ،وكذلك الرجل المسلم (.)2
74
ولإلمام أبى محمد بن أبى جمرة تحليل دقيق حول الوصف فى هذا الحديث وملخصه "
لما كان اشتقاق الكرم من الكرم ،واألرض الكريمة هى أحسن األرض فال يليق أن يعبر بهذه
الصفة إال عن قلب المؤمن الذى هو خير األشياء ألن المؤمن خير من الحيوان ،وخير ما فيه
قلبه ألنه إذا صلح صلح الجسد كله ،وهو أرض لنبات شجرة اإليمان ،قال :ويؤخذ منه أن
ك ل خ ير – باللف ظ أو المع نى أو بهم ا أو مش تقاً من ه أو مس مى ب ه – إنم ا يض اف بالحقيق ة
الشرعية ألن اإليمان وأهله وإن أضيف إلى ماعدا ذلك فهو بطريق المجاز ،وفى تشبيه الكرم
بقلب المؤمن معنى لطيف ،ألن أوصاف الشيطان تجرى مع الكرمة كما يجرى الشيطان فى
بنى آدم مجرى الدم ،فإذا غفل المؤمن عن شيطانه أوقعه فى المخالفة ،كما أن من غفل عن
عص ير كرم ة تخم ر فتنجس ،ويق وى التش بيه أيض اً أن الخم ر يع ود خالً من س اعته بنفس ه أو
بالتخليل فيعود طاهراً .وكذا المؤمن يعود من ساعته بالتوبة النصوح طاهراً من خبث الذنوب
المتقدم ة ال تى ك ان متنجس اً باتص افه به ا إم ا بب اعث من غ يره من موعظ ة ونحوه ا وه و
كالتخلي ل ،أو بب اعث من نفس ه وه و كالتخل ل .فينبغى للعاق ل أن يتع رض لمعالج ة قلب ه لئال
يهلك وهو على الصفة المذمومة (.)1
وكم ا ج اء تص حيح االس م والوص ف من الن بى ص لى اهلل علي ه وس لم فى ه ذا الح ديث
بتحويل الوصف بـ " الكرم " إلى الرجل المسلم ،أو قلبه المؤمن جاء وصف آخر فى مقام
النهى عن وصف النفس بـ " الخبث " فقال صلى اهلل عليه وسلم ":ال يقولن أحدكم خبثت
نفسى,ولكن ليقل لقست نفسى " (.)2فلفظاً"الخبث واللقس" وإن كان المعنى المراد يتأدى
بكل منهما إال أن لفظ " الخبث" قبيح ،ويجمع أموراً زائدة ،فالخبث يطلق على الباطل فى
االعتقاد ،والكذب فى المقال ،والقبيح فى الفعال ،وعلى الحرام ،والصفات المذمومة القولية
والفعلي ة ( )3فك ره لف ظ " الخبث " لبش اعة االس م ،وعلمهم األدب فى األلف اظ ،واس تعمال
حسنها ،وهجران خبيثها ( )4أما" اللقس " فمعناه غثت وضاقت ،ويختص بامتالء األمعاء (
)5وهكذا يصحح النبى صلى اهلل عليه وسلم تصورات المسلمين وأفكارهم ،وما ينبغى أن
يوصف به المؤمن حتى ولو كان فى جانب الذم ،فال ينبغى أن يصف نفسه أو يصفه غيره بما
تناهى قبحه ألن المؤمن ال يخلو من خير ,فيجب أن يظهر جانب الخير فيه وينمى .
الفصل الثالث :خصائص الوصف فى البيان النبوى :بعد هذه الرحلة الممتعة فى رياض
75
البي ان النب وى أنتقل إلى الحديث عن أبرز خصائص الوص ف فى حديث نبين اً صلى اهلل عليه
وسلم من خالل ما سبق بحثه ،وهذه الخصائص تشمل أحاديث اً أخرى ،وهى األحاديث التى
سأش ير إليه ا وإلى مواض عها فى نهاي ة ه ذا الفص ل .ول وال خش ية اإلطال ة لتناولته ا ب البحث
والتحليل البالغى الذى يكشف عن أسرار جمال الوصف فيها ،ولعل هذا العمل يكون فاتحة
خ ير لى ولغ يرى .ومن أب رز خص ائص الوص ف فى البي ان النب وى -1 :االقتب اس من الق رآن،
وتفص يل م ا أجمل ه الق رآن .ولق د اتض ح لن امن خالل األح اديث ال تى س بق تحليله ا كي ف أن
البيان النبوى يفسر ما أجمله القرآن معتمداً على الوصف البليغ .كما فى حديث " وصف
النخلة وتمثيلها بالمسلم " وجدنا الوصف النبوى تفصيل لمعنى اإليمان واإلخالص فى اآلية
السابقة -2.الوصف النبوى وصف يقلب السمع بصراً ،والمعقول محسوس اً ،ويصور األمور
المعنوية فى صورة حسية .وذلك كما فى حديث " وصف النخلة وتمثيلها بالمسلم " فقد
رأين ا كي ف جس د أخالقي ات المس لم من خالل وص ف النخلة -3 .الوص ف النب وى ،وص ف
ج امع ،وكاش ف ،وم وجز .وه ذه الخصيص ة من أب رز خص ائص الوص ف ،وق د مض ى أمثل ة
كث يرة له ا ومنه ا ح ديث " :وص ف النخل ة ،وتمثيله ا بالمس لم" ،فلق د اتض ح لن ا كي ف جم ع
صفات المسلم ،وكشف عن حقيقته من خالل ذكر وصف من أوصاف النخلة ،وترك الباقى
ليرب ط المس لم بين صفاته وصفات النخل ة ،وقد سبق فى بداي ة البحث عند تعري ف الوصف
عن د البالغ يين أن أحس ن الوص ف م ا ج اء ب أكثر المع انى ال تى الموص وف م ركب منه ا ثم
بأظهرها فيه وأوالها حتى يحكيه ويمثله للحس بنعته ،ومن أمثلة هذه الخصيصة أيض اً حديث
" وصف الخوارج " الذين يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ...كيف أتى على
أوص افهم فى إيج از دقي ق ج امع كاش ف ال يغ ادر ص فة من ص فاتهم -4 .الوص ف النب وى
وصف مفتوح مع الزمان .فالبيان النبوى لكل العصور ،ولكل الناس فى كل زمان ومكان،
وهذه الخصيصة موجودة فى كثير من األحاديث ،وأبرزها األحاديث التى تتعرض للفتن التى
تك ون بين ي دى الس اعة كم ا فى ح ديث " وص ف الخ وارج " ال ذى س بقت اإلش ارة إلي ه فى
الخصيصة السابقة -5.تالحم الوصف النبوى مع الغرض المقصود .وهذه خصيصة بارزة فى
ك ل مواض ع الوص ف ،وأذك ر منه ا ح ديث " :وص ف ح ال أه ل الجن ة ونعيمهم" ف النور فى
ظ اهرهم،وب اطنهم ،وفيم ا ح ولهم ...والض ياء والص فاء واللمع ان والنق اء ش عارهم وح الهم،
76
وه ذا ه و الغ رض ال ذى ي رمى إلي ه الح ديث ،ولق د ج اء الوص ف بلوحات ه الرائع ة ليرس م لن ا
ص ورة عن ح ال ه ؤالء تتناس ب وتتالحم م ع الغ رض الس ابق -6.الوص ف النب وى يعتم د
التش بيه ،واالس تعارة ،والكناي ة .واألمثل ة على ذل ك كث يرة ،فالوص ف وس يلة من وس ائل
التصوير ،إال أن التشبيه مجاز ،والوصف راجع إلى حقيقة الشئ وذاتهومثال هذه الخصيصة
حديث " :وصف الخوارج" -7.ومن خصائص الوصف فى البيان النبوى :واقعيته وانسجامه
مع البيئة .كما فى حديث " :وصف النخلة" فإن المعانى التى يشتمل عليها الوصف وصوره
المس تخدمة من البيئ ة ال تى يعيش فيه ا الن اس ،وه ذا مم ا يق رب الوص ف ،ويوض حه ،ويمثل ه
للعي ان،ويرب ط بين المع نى المقص ود والواق ع ال ذى يعيش في ه الن اس ،وذل ك من خالل الرب ط
بين الوصف والمعنى المقصود .وبعد هذا العرض الموجز ألبرز خصائص الوصف فى البيان
النب وى – كم ا ظه رت لى – من خالل التط بيق على األح اديث ال تى س بق ذكره ا أنتق ل إلى
اإلش ارة إلى بعض أح اديث الوص ف ال تى ج اءت فى الص حيحين مرتب ة على حس ب الكتب
واألبواب فيهما ،وذلك لتكتمل معالم البحث ،وليرجع إليها من أراد التوسع فى معرفة أسرار
هذا الفن من فنون البيان النبوى.
من أحاديث الوصف فى ص حيح البخارى *:وصف حال المؤمنين والنصارى واليهود
فى العم ل والتمس ك بال دين – كت اب م واقيت الص الة – ب اب من أدرك ركع ة العص ر قب ل
الغ روب – ح ( *.2/46– )545 ، 544وص ف المن افق وآيات ه – كت اب اإليم ان – ب اب
عالمات المنافق – ح( * .1/111– )33وصف جزاء مانع الزكاة – كتاب وجوب الزكاة
– ب اب إثم م انع الزك اة – ح ( * .3/314– )1370وص ف حرك ة الش يطان فى جس م ابن
آدم – أبواب االعتكاف – باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد ؟ – باب
ه ل ي درأ المعتك ف عن نفس ه ؟-ح ( * 4/331 – )1987وص ف ن ار جهنم وحره ا –
كت اب ب دء الخل ق – ب اب ص فة الن ار وأنه ا مخلوق ة -ح ( * .6/380– )3149وص ف
الواعظ المنافق وعذابه – كتاب بدء الخلق – باب صفة النار وأنها مخلوقة -ح ()3158
– * .6/381وصف الرجاء مع الخوف – كتاب الرقاق – باب الرجاء مع الخوف -ح (
.11/307– )6243
من أح اديث الوص ف فى ص حيح مس لم *:وص ف حال آخ ر أه ل الن ار خروج اً منها –
77
باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار * .3/29 -وصف من يخرجون من النار –
ب اب إثب ات الش فاعة وإخ راج الموح دين من الن ار * .3/51 -وص ف وسوس ة الش يطان فى
الصالة – باب فضل األذان وهرب الشيطان عند سماعه – * 4/92,9وصف صالة المنافق
– باب استحباب التبكير بالعصر * .5/123 -وصف أرواح الشهداء ومكانها – باب فى
بيان أن أرواح الشهداء فى الجنة وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون * .13/31وصف الحوض
– باب إثبات حوض نبينا صلى اهلل عليه وسلم – * .63 -15/53وصف حركة الشيطان
فى جس م ابن آدم – ب اب دف ع ظن الس وء – ب اب بي ان أن ه يس تحب لمن رؤى خالي اً ب امرأة
وكانت زوجته أو محرماً له أن يقول :هذه فالنة ليدفع ظن السوء به – 157 -14/155
* وص ف من ي أتى بع د الق رون الفاض لة – ب اب فض ل الص حابة ثم ال ذين يل ونهم ثم ال ذين
يل ونهم * .16/85 -وص ف ش جرة فى الجن ة – كت اب الجن ة وص فة نعيمه ا وأهله ا -
* .17/167وص ف خيم ة الم ؤمن فى الجن ة – كت اب الجن ة وص فة نعيمه ا وأهله ا -
.17/176
الخاتمة ونتائج البحث
الحمد هلل الذى بنعمته تتم الصالحات ،والصالة والسالم على صاحب خاتم الرساالت
وبعد
-1فلق د اتض ح لن ا من خالل الفص ل األول ومباحث ه مع نى الوص ف عن د
اللغويين،والبالغيين ،والنحويين ،والعالقة بين الوصف والتصوير ،وعالقة الوصف بالخيال،
وتنوع الوصف فى البيان النبوى.
-2واتضح لنا من خالل الفصل الثانى -وهو الجانب التطبيقى من البحث على بعض
أح اديث الوص ف فى الص حيحين -أهمي ة االتجاه األدبى فى التحلي ل البالغى للبي ان النب وى،
وق د جمعت فى الج انب التط بيقى بين االتج اهين :األدبى والعلمى م ع ظه ور االتج اه األول
ألهميته فى هذا المي دان لألس باب التى س بق ذكرها ،واتض ح لنا كذلك من خالل الج انب
التطبيقى ارتباط البيان النبوى بمنبعه األصيل وهو البيان القرآنى ،وذلك من خالل الربط بين
أحاديث الوصف ،واآليات القرآنية المتفقة معها فى الموضوع.
-3وفى الفصل الثالث تبين لنا خصائص الوصف فى البيان النبوى ،وهذه الخصائص
78
الحظتها من خالل الجانب التطبيقى من البحث،وبعد ذلك جاءت اإلشارة إلى بعض أحاديث
الوصف األخرى فى الصحيحين ،مرتبة حسب الكتب واألبواب فى الصحيحين حتى يسهل
الرجوع إليها لمن أراد التوسع فى معرفة أسرار هذا الفن من فنون البيان النبوى .واهلل واسأل
أن يتقب ل من ا ص الح العم ل ,وأن يجنبن ا الزلل ,وأال يحرم نى أج ره ،وأن يعلم نى م ا ينفع نى،
وينفعنى بما علمنى إنه سميع قريب مجيب.وصلى اهلل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
وسلم.
المصــادر والمراجع
القرآن الكريم
-1أدب الك اتب ألبى محم د عب د اهلل بن مس لم بن قتيب ة ال دينورى ت( )276هـ -
تحقيق الشيخ /محمد محيى الدين عبد الحميد – ط ثانية.
-2إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم للعالمة أبى السعود محمد العمادى
ت ( )951هـ -ط دار الفكر – بدون تاريخ.
-3أساس البالغة للزمخشرى– ط مطبعة دار الكتب – ط ثانية – (.)1972
-4أس رار البالغة لإلم ام عب د القاهر الجرجانى ت ( )471هـ تحقيق العالمة /محمد
رشيد رضا – ط دار الكتب العلمية – ط أولى )1409( -هـ ()1988م.
-5أسس النقد األدبى لألستاذ الدكتور /أحمد بدوى – ط نهضة مصر – ()1996م.
-6إعجاز القرآن والبالغة النبوية لألستاذ /مصطفى صادق الرافعى -ط مكتبة اإليمان
– ط أولى – ()1417هـ )1997( -م.
-7أقيسه النبى المصطفى محمد صلى اهلل عليه وسلم لإلمام ناصح الدين عبد الرحمن
األنص ارى المع روف ب ابن الحنبلى ت ( )634هـ -تحقي ق األس تاذ /أحم د حس ن ج ابر،
واألستاذ /على أحمد الخطيب – ط المكتبة العصرية – بيروت – ()1415هـ ()1994م.
-8أمثال الحديث مع تقدمة فى علوم الحديث لألستاذ الدكتور /عبد المجيد محمود
– ط مكتبة التراث – ط أولى.
-9األمثال فى القرآن البن قيم الجوزية ت ( )751هـ -تحقيق األستاذ /سعيد محمد
نمر – ط دار المعرفة – بيروت.
79
-10اإليض اح لتلخيص المفت اح للخطيب القزوي نى ت ( )739هـ -تحقي ق األس تاذ/
عبد المتعال الصعيدى – ط مكتبة االداب – ()1417هـ )1997( -م.
-11الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث للحافظ بن كثير ت ( )774هـ -
تحقيق الشيخ /أحمد شاكر – ط مكتبة دار التراث – ( )1423هـ ()2002م.
-12البح ر المحي ط ألبى حي ان األندلس ى ت ( )754هـ -تحقي ق األس تاذ /ص دقى
محمد جميل – ط دار الفكر – بيروت – ( )1412هـ ()1992م.
-13البرهان فى علوم القرآن لبدر الدين الزركشى ت ( )794هـ -تحقيق األستاذ/
محمد أبى الفضل إبراهيم – ط المكتبة العصرية – بيروت.
-14بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز لإلمام مجد الدين محمد بن يعقوب
الف يروز آبادى ت ( )817هـ -تحقيق الش يخ /على النج ار – ط المكتب ة العلمي ة – ب دون
تاريخ.
-15بهجة النفوس شرح مختصر صحيح البخارى المسمى جمع النهاية فى بدء الخير
والغاية البن أبى جمرة األندلسى ت ( )699هـ -ط مجلة األزهر ()1423هـ.
-16البيان فى ضوء أساليب القرآن الكريم لألستاذ الدكتور /عبد الفتاح الشين – ط
دار الفكر العربى – ()1420هـ ()2000م.
-17البيان النبوى لألستاذ الدكتور /محمد رجب البيومى – ط دار الوفاء – ط ثانية
– ()1423هـ )2002( -م.
-18البيان والتبيين ألبى عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ت ( )255هـ تحقيق األستاذ/
عبد السالم هارون – ط دار الجيل – ( )1410هـ ()1990م.
-19تأثير الفكر الدينى فى البالغة العربية لألستاذ الدكتور /مهدى صالح السامرائى –
ط المكتب اإلسالمى.
-20تحفة األحوذى بشرح جامع الترمذى للعالمة أبى العالء محمد عبد الرحمن بن
عبد الرحيم المباركفورى ت ( )1353هـ -ط دار الكتب العلمية – بيروت – ط أولى – (
)1410هـ ()1990م.
-21ت دريب ال راوى فى ش رح تق ريب الن واوى للعالم ة جالل ال دين الس يوطى ت (
80
)911هـ -تحقي ق األس تاذ ال دكتور /أحم د عم ر هاش م – ط – دار الكت اب الع ربى – (
)1417
-22التص وير الف نى فى الق رآن لألس تاذ /س يد قطب – ط دار الش روق – ط الثاني ة
عشرة – ( )1412هـ ()1992م.
-23التصوير الفنى فى الحديث الشريف لألستاذ الدكتور /محمد لطفى الصباغ – ط
المكتب اإلسالمى – ط اولى – ( )1409هـ ()1988م.
-24التعريف ات لعلى بن محم د الجرجانى ت ( )816هـ -تحقيق األس تاذ /إبراهيم
اإلبيارى – ط الريان – بدون تاريخ.
-25تفس ير الق رآن العظيم ألبى الف داء إس ماعيل بن كث ير ت ( )774هـ -تحقي ق
األستاذ /خالد محمد محرم – ط المكتبة العصرية – ط أولى ()1416هـ (.)1996
-26تلخيص البي ان فى مج ازات الق رآن للش ريف الرض ى ت ( )406هـ -تحقي ق
األستاذ /محمد عبد الغنى حسن – ط دار إحياء الكتب العربية – عيسى البابى الحلبى –
بدون تاريخ.
-27ج امع الترم ذى لإلم ام أبى عيس ى محمد بن س ورة الترمذى ت ( )279هـ -ط
دار الكتب العلمية – بيروت – ط أولى ()1410هـ ()1990م.
-28الجامع ألحكام القرآن لإلمام أبى عبد اهلل بن أحمد القرطبى ت ( )671هـ -ط
دار الكتب العلمية – بيروت – ط خامسة – ( )1417هـ
-29الجمان فى تشبيهات القرآن ألبى القاسم عبد اهلل بن محمد بن ناقيا البغدادى ت
( )485هـ -تحقي ق د /محم د رض وان الداي ة – ط دار الفك ر – ب يروت – ط أولى – (
)1423هـ
-30حاش ية الدس وقى على مختص ر س عد ال دين التفت ازانى للعالم ة محم د بن أحم د بن
عرفة الدسوقى المالكى ت ( )1230هـ -ط دار السرور – بيروت.
-31حاش ية الشهاب الخفاجى على تفس ير البيض اوى المس ماة عناي ة القاضى وكفاية
الراض ى للعالم ة ش هاب ال دين الخف اجى ت ( )1069هـ – ط دار إحي اء ال تراث الع ربى –
بيروت.
81
-32الحديث النبوى مصطلحه ،بالغته ،كتبه ،لألستاذ الدكتور /محمد لطفى الصباغ
– ط المكتب اإلسالمى – ط سادسة – ( )1411هـ ()1990م.
-33الخيال فى الشعر العربى لإلمام محمد الخضر حسين – ط تونس – ط ثانية (
392ا)هـ .
-34سبل السالم الموصلة إلى بلوغ المرام لإلمام محمد بن إسماعيل األمير الصنعانى
ت ( )1182هـ -تحقيق الشيخ /طارق عوض اهلل – ط دار العاصمة – الرياض – ط أولى
– ()1422هـ ()2001م.
-35سلس لة األح اديث الص حيحة للعالم ة محم د ناص ر ال دين األلب انى – ط مكتب ة
المعارف – الرياض – ط أولى – ( )1416هـ ()1996م.
-36س نن أبى داود لإلم ام س ليمان األش عت السجس تانى ت ( )275هـ -ط دار
الكتب العلمية – ط ثانية – ()1415هـ ()1995م.
-37شرح الطيبى على مشكاة المصابيح والمسمى الكاشف عن حقائق السنن لإلمام
الحسين بن عبد اهلل الطيبى ت ( )743هـ -ط دار الكتب العلمية – ب يروت – ط أولى – (
)1422هـ ()2001م.
-38شرح المفصل للعالمة موفق الدين يعيش بن يعيش النحوى ت ( )643هـ -ط
عالم الكتب – بيروت – بدون تاريخ.
-39صحيح البخارى لإلمام أبى عبد اهلل محمد بن إسماعيل البخارى ت ( )256هـ
ط الرياض – ط أولى– ( )1421هـ ()2001م
-40صحيح مسلم لإلمام أبى الحسين مسلم بن الحجاج القشيرى ت ()261هـ -ط
دار إحياء التراث العربى.
-41صحيح مسلم بشرح النووى لإلمام يحيى بن شرف النووى ت ( )676هـ -ط
دار إحياء التراث العربى.
-42الص ناعتين الكتاب ة والش عر ألبى هالل الحس ن بن عب د اهلل العس كرى ت ()395
تحقيق األستاذ الدكتور /مفيد قميحة – ط دار الكتب العلمية – ط ثانية – (.)1409
-43عروس األفراح فى شرح تلخيص المفتاح لبهاء الدين السبكى ت ( )1317ط
82
دار السرور – بدون تاريخ.
-44العمدة فى محاسن الشعر وآدابه ونقده ألبى على الحسن بن رشيق القيروانى ت
( )456هـ -تحقيق الشيخ /محمد محيى الدين عبد الحميد – ط دار الجيل – ط خامسة
– ( )1401هـ ()1981م.
-45عون المعبود شرح سنن أبى داود للعالمة أبى الطيب محمد شمس الحق العظيم
آبادى – ط دار الكتب العلمية – ط ثانية – ( )1415هـ ()1995م.
-46فتح البارى شرح صحيح البخارى للحافظ ابن حجر العسقالنى ت ()852هـ -
ط الرياض – ط أولى – ()1421هـ ()2001م.
-47الفتح الري انى ل ترتيب مس ند أحم د بن حنب ل الش يبانى – للش يخ /أحم د عب د
الرحمن البنا الشهير بالساعاتى – ط دار إحياء التراث العربى – بيروت.
-48فقه اللغة وسر العربية ألبى منص ور بن عبد الملك الثعالبى ت ( )429هـ -ط
دار الكتب العلمية – بيروت.
- 49الفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان البن قيم الجوزية ت ( )751هـ -
تحقيق دكتور /محمد عثمان الخشت – ط مكتبة القرآن.
-50القص ص فى الح ديث النب وى لألس تاذ ال دكتور /محم د حس ن الزي ر – ط مكتب ة
طيبة – الرياض – ط رابعة )1418( -هـ ()1997م.
-51قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث لمحمد جمال الدين القاسمى ت (
)1332هـ -ط دار الكتب العلمية.
-52الكش اف عن حق ائق التنزي ل وعي ون األقاوي ل فى وج وه التأوي ل ألبى القاس م
الزمخش رى ت ( )538هـ -تحقيق األستاذ /عبد ال رزاق المه دى – ط دار إحياء ال تراث
العربى – ط أولى – ( )1417هـ ()1997م.
-53الكليات ألبى البقاء الكفوى ت ( )1094هـ -ط مؤسسة الرسالة – ط أولى (
)1412هـ ()1992م.
-54لسان العرب لإلمام جمال الدين محمد بن منظور ت ( )711هـ -ط دار صادر
– بيروت – ط ثالثة – ( )1414هـ ()1994م.
83
-55المثل السائر فى أدب الكاتب والشاعر لضياء الدين محمد بن األثير ت ()637
– ط بوالق – ( )1282هـ.
-56المج ازات النبوي ة للش ريف الرض ى ت ( )406هـ -تحقي ق األس تاذ /ط ه عب د
الرؤوف سعد – ط مصطفى البابى الحلبى – ط األخيرة ( )1391هـ ()1971م.
-57المجموع المغيث فى غريبى القرآن والحديث للحافظ أبى موسى محمد بن أبى
عيسى المدينى ت ( )581هـ -تحقيق األستاذ /عبد الكريم الغرباوى – ط دار المدنى –
جدة – ط أولى ()1406هت ()1986م.
-58المختصر لسعد الدين التفتازانى ت ( – )791ضمن شروح التلخيص – ط دار
السرور – بيروت – بدون تاريخ.
-59مشكاة المصابيح لإلمام محمد بن عبد اهلل الخطيب التبريزى ت ()740هـ – -
ط دار الكتب العلمية – بيروت – ط أولى ()1422هـ ()2001م.
-60المصباح المنير لإلمام أحمد بن على الفيومى ت ( )770هـ -ط مكتبة لبنان (
)1987هـ.
-61معاه د التنص يص على شواهد التلخيص للش يخ /عبد الرحيم بن أحمد العباسى
ت ( )963هـ -تحقي ق الش يخ /محم د مح يى ال دين عب د الحمي د – ط ع الم الكتب –
بيروت – ( )1367هـ ()1947م.
-62معجم األلفاظ واألعالم القرآنية لألستاذ /محمد إسماعيل إبراهيم ط دار الفكر
العربى – ط ثالثة – ()1388هـ ()1968م.
-63المعجم المفهرس أللفاظ القرآن الكريم لألستاذ /محمد فؤاد عبد الباقى ط دار
الحديث – ط أولى ( )1406هت ()1971م.
-64المعجم المفهرس أللفاظ الحديث النبوى – تاليف أ .ى .ونسنك – مطبعة بريل
– ط ليدن.
-65المعجم الوسيط – مجمع اللغة العربية – ط الثانية – ط الشروق الدولية – ط
الرابعة – ( )1426هـ ()2005م.
-66مفتاح العلوم ألبى يعقوب يوسف بن محمد السكاكى ت ( )626هـ ط مصطفى
84
البابى الحلبى – ط أولى.
-67المف ردات فى غ ريب الق رآن لل راغب االص فهانى ت ( )502هـ -تحقي ق
األستاذ /محمد خليل عيتانى – ط دار المعرفة – بيروت – ط ثانية ()1998( )1420م.
-68من الخصائص البالغية واللغوية فى أسلوب الحديث النبوى الشريف للدكتورة /
فتحية فرج العقدة – ط مطبعة األمانة -ط – أولى ( )1414هـ ()1993م.
-69مواهب الفتاح فى شرح تلخيص المفتاح ألبى يعقوب المغربى ت ()1110هـ -
ط دار السرور – بيروت – بدون تاريخ.
-70نزهة المتقين فى شرح رياض الصالحين للدكتور /مصطفى الخن وآخرين -ط
مؤسسة الرسالة – ط الثالثة والعشرون – ( )1416هـ ()1996م.
-71نقد الشهر ألبى الفرج قدامة بن جعفر ت ( )337هـ -تحقيق األستاذ الدكتور/
عبد المنعم خفاجى – ط أولى ( )1398هـ ()1978م.
-72نيل األوطار شرح منتقى األخبار لإلمام محمد بن على بن محمد الشوكانى ت (
)1255هـ -ط دار الفكر – بيروت – ( )1419هـ ()1998م.
-73هدى السارى مقدمه فتح البارى البن حجر العسقالنى – ط الرياض.
-74وحى القلم لألستاذ /مصطفى صادق الرافعى – ط دار الكتاب بيروت – بدون
تاريخ.
الحديث القدسي
الح ديث القدس ي ح ديث يروي ه الرس ول ( ص لى اهلل علي ه وس لم) نفس ه عن اهلل تب ارك
وتعالى،
85
بأي
مفوض ا إليه التعبير ّ
ً مرة بوساطة جبريل عليه السالم ،وتارة بالوحي واإللهام والمنام
عبارة شاء من أنواع الكالم .وإنما نسبت األحاديث القدسية إلى ال ُق ُدس إلضافة معناها إلى
اهلل تعالى وحده.
آحادا عنه
فاألحاديث القدسية هي ما نقل إلينا ً
مع إسناده لها عن ربّه ،فهي من كالمه تعالى فتضاف إلى النبي
ك ل ح ديث أض افه الن بي إلى اهلل ع ّز وج ّل بنح و قول ه :ق ال اهلل ع ز وج ل ،ومن ه ق ول
عز وجل كل عمل ابن آدم له إال الصيام فإنه لي ،وأنا أجزي به .والصيام
الرسول ( :قال اهلل ّ
جن ة .وإذا ك ان ي وم صوم أحدكم فال ي رفث وال يص خب ف إن سابّه أح د أو قاتل ه فليق ل إني
ام رؤ ص ائم .وال ذي نفس محم د بي ده لخل وف فم الص ائم أطيب عن د اهلل من ريح المس ك.
للصائم فرحتان يفرحهما :إذا أفطر فرح بفطره ،وإذا لقي ربه فرح بصومه ) رواه البخاري.
أو أضافه بقوله :يقول اهلل تعالى؛ مثل( :يقول اهلل تعالى :أنا عند ظن عبدي بي ،وأنا معه إذا
ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ،وإن ذكرني في مأل ذكرته في مأل خير منهم،
باع ا ،وإن أت اني
ذراع ا تق ربت إلي ه ً
إلي ًذراع ا ،وإن تق رب ّ
إلي بش بر تق ربت إلي ه ً
وإن تق رب ّ
يمشي أتيته هرولة)
.وق د يعبِّر الن بي بغ ير ق ال أو يق ول ،مث ل :أوحى اهلل إلى موس ى ،أوحى اهلل إلى إب راهيم،
86
كقوله
( :ق ال رج ل :ال يغف ر اهلل لفالن ،ف أوحى اهلل تع الى إلى ن بي من األنبي اء :إنه ا خطيئ ة؛
فليستقبل العمل ).
فالح ديث القدس ي ين دمج في الح ديث النب وي ،ألن اللف ظ في ه ص ادر من الن بي ،إال أ ّن
عز وجل فيسمى حديثًا قدسيًا ،وتارة ال يضيفه إليه فيسمى حديثًا النبي تارة يضيفه إلى اهلل ّ
بإطالق؛ لكن من الحديث النبوي ما يقوم الدليل فيه على أنه وحي من اهلل كأحاديث التش ريع
أيض ا حديث قدسي ولو لم يضف صراحة إلى اهلل عز
والتفصيل لما أجمل في القرآن فهذا ً
وجل.
وله ذا ي ورد أئم ة الح ديث والرواة الح ديث القدس ي بين األحاديث النبوية في الجوام ع
والمس انيد ،وغيره ا من كتب الس نة المطه رة .وألم ر م اُ ،ع ني بعض رج ال الح ديث بجم ع
األح اديث القدس ية على ح دة ،وإبرازه ا في كتب مس تقلة ،في الق رن الس ادس الهج ري ،إذ
جمع فيه محيي الدين بن العربي (ت 638هـ) مائة حديث قدسي ،ثم تبعه شيخ اإلسالم علي
الق اري (ت1014هـ) حيث جم ع أربعين ح ديثًا قدس يًا في مخط وط ،ثم تالهم ا اإلم ام
المحدِّث عبدالرؤوف المناوي (ت 1025هـ) ،ثم الشيخ عبدالغني النابلسي (ت 1143هـ)،
ثم الش يخ الم دني (ت 1200هـ) حيث جم ع في كتاب ه االتحاف ات الس نية في األح اديث
القدسية ثمانية وستين ومائة حديث قدسي.
مر الدهور
أولها :وأشرفها القرآن لتميزه عن البقية بإعجازه ،وكونه معجزة باقية على ّ
87
محفوظ ة من التغي ير والتب ديل ،ويح رم مس ه للمح دث ،وتالوت ه للجنب ،وروايت ه ب المعنى،
وبتعيّنه في الصالة دون الكالم اآلخر ،وبتسميته قرآنًا ،وبأن كل حرف منه بعشر حسنات،
وبتسمية الجملة منه آية أو سورة.
ثانيها :كتب األنبياء عليهم الصالة والسالم التي أنزلت عليهم ،وأوحيت إليهم ،كالتوراة
واإلنجيل قبل تغييرها ،وتبديلها.
معجزا،
-1أن القرآن معجز ،والحديث القدسي ال يلزم أن يكون ً
-2أن القرآن متعبد بلفظه بخالف الحديث القدسي ،فال يتعبد بلفظه،
-5أن الق رآن الب د في ه ك ون جبري ل علي ه الس الم واس طة بين الن بي وبين اهلل تع الى
بخالف الحديث القدسي،
-6أن الق رآن يجب أن يك ون لفظ ه من اهلل تع الى إلى ج انب معن اه ،وفي الح ديث
القدسي فإن لفظه من النبي
88
-7 ،أن القرآن ال يمس إال بالطهارة والحديث القدسي يجوز مسه من المحدث.
وصفوة القول أن التعبد بتالوة القرآن ،والتحدي باإلتيان بسورة مثله يخرج األحاديث
القدس ية إذا اعتبرن ا أنه ا منزل ة بلفظه ا على الن بي ،ولكن التحقي ق أنه ا من كالم الن بي ،وأن
معناها موحى به إلى النبي فهي خارجة عن نطاق اللفظ المنزل على محمد ،وهي غير متعبد
بتالوتها.
هو أن الحديث النبوي غير القدسي على ضربين بحسب محتواه المعنوي؛ غير توقيفي،
وتوقيفي.
غير التوقيفي .وهو الذي استنبطه النبي بفهمه في كتاب اهلل عزوجل أو أدركه بفهم في
أمر يراه النبي من تلقاء نفسه،
علي في ه ذا غ ير ه ذه اآلي ة
كم ا ورد أن الن بي س ئل عن زك اة الخي ل ،فق ال :لم ي نزل َّ
شرا يره ; الزلزلة:
خيرا يره¦ ومن يعمل مثقال ذرة ً
الفاذّة الجامعة ; فمن يعمل مثقال ذرة ً
8 ،7وهذا يبيّن أنه كان يتكلّم دون توقيف بالوحي ،ولكن باالستنباط ،والفهم .وقد كان
يش ير ب الرأي فيق ول ل ه بعض الص حابة :أوحي أم رأي ي ا رس ول اهلل؟ ف إذا علم أن ه رأي أش ار
بخالفه ،فيعمل النبي بمشورته عمالً بقوله تعالى; :
(*وشاورهم في األمر فإذا عزمت فتوكل على اهلل )*; آل عمران159 :
89
قطعا ،فال يشترك مع الحديث القدسي من هذه الناحية.
وهذا القسم ليس من الوحي ً
التوقيفي.
وهو ما تلقى النبي مضمونه من الوحي بمعنى يقذفه اهلل سبحانه في قلبه ،فيعبر عنه بكالم
من منطقه ص .لكن دون أن ينسبه إلى اهلل عز وجل ،وليس مقتضى ذلك أن ينسب القدسي
إلى الن بي ³؛ أل ّن القدس ي مقط وع بنس بة معن اه إلى اهلل ع ز وج ل ،أم ا النب وي فإن ه يحتم ل أن
يكون غير توقيفي ،فلذلك وجب الوقوف في النسبة إلى اهلل عز وجل بما يصدر عن النبي ³
من نسبته إليه سبحانه على أنه ليست هناك نتيجة عملية في االختالف أكثر من بروز الح ديث
القدسي في إخراج يقتضي مزي ًدا من العناية بأمره ،واالهتمام به .على أن ما يصدر عن الن بي ³
بطريق النظر واالجتهاد فيه ،فإنه يجب األخذ به ،والعمل بمقتضاه ما لم يعلم أن اهلل سبحانه
لم يق ره على اجته اده ،كم ا في موض وع أُس رى ب در ،على أن العم ل باالجته اد في ه ق د س بق
تكريم ا لحبيب ه م ع التعليم في ش أن غ يره .وبن اء على ذل ك ف إن
ً ال وحي ،وعف ا اهلل عم ا س لف
القدسي من الحديث هو الذي جزم فيه بأنه وحي ،وأما غيره فال يخلو من احتمال االجتهاد.
وم ا ج زم بأن ه وحي ع دا الق رآن ف إذا ك ان منس وبًا إلى اهلل فه و الح ديث القدس ي كم ا
سلف وإذا لم ينسب إلى اهلل جاز أن نقول إنه حديث قدسي باعتباره وحيًا وجاز أن نقول إنه
حديث نبوي باعتباره منسوبًا إلى النبي وما كان من قوله صلى اهلل عليه وسلم
اجتهادا وأقر عليه من اهلل تعالى أي لم يعاتب بشأنه أخذ حكم الوحي ،أو كان
ً أو فعله
حكما وإال فال.
وحيًا ً
الفرق بني القرآن واحلديث القدسي
وبني
الحديث النبوي والحديث القدسي
90
الفرق بين القرآن والحديث القدسي
القرآن :نزل به جبريل عليه الصالة والسالم على نبينا محمد عليه الصالة والسالم ،
والوحي أنواع .
أما الحديث القدسي فال يُشترط فيه أن يكون الواسطة فيه جبريل ،فقد يكون جبريل
هو الواسطة فيه ،أو يكون باإللهام ،أو بغير ذلك .
القرآن :جاحده يُكفر ،بل من يجحد حرفاً واحداً منه يكفر .
أما الحديث القدسي :فإن من جحد حديثاً أو استنكره نظراً لحال بعض روايته فال يكف ر
.
91
أما الحديث القدسي :فمعناه من عند اهلل ولفظه من عند النبي صلى اهلل عليه على آله
وسلم .
القرآن :تحدى اهلل العرب بل العالمين أن يأتوا بمثله لفظاً ومعنى .
محل تح ٍّـد .
وأما الحديث القدسي :فليس ّ
----------------------------------------------
----------------------------------
الحديث القدسي :ينسبه النبي صلى اهلل عليه على آله وسلم إلى ربه تبارك وتعالى .
أما الحديث النبوي :فال ينسبه إلى ربه سبحانه .
األحاديث القدسية :أغلبها يتعلق بموضوعات الخوف والرجاء ،وكالم الرب ج ل وعال
مع مخلوقاته ،وقليل منها يتعرض لألحكام التكليفية .
أما األحاديث النبوية :فيتطرق إلى هذه الموضوعات باإلضافة إلى األحكام .
وعموماً :
األحاديث القدسية :قولية .
واألحاديث النبوية :قولية وفعلية وتقريرية .
يُنظر لذلك " :الصحيح المسند من األحاديث القدسية " للشيخ مصطفى العدوي ،و "
92
مباحث في علوم القرآن " للشيخ مناع القطان – رحمه اهلل – .
----------------------------------------------
----------------------------------
الح ديث إذا أُطل ق في االص طالح فه و أعم من أق وال الن بي ص لى اهلل علي ه على آل ه
وسلم .
بل يشمل األحاديث القولية التي قالها الرسول صلى اهلل عليه على آله وسلم .
ويشمل األفعال ،فوصف أفعال النبي صلى اهلل عليه على آله وسلم داخلة في مسمى
الحديث ،كوصف وضوئه أو صالته .
ويشمل أوصافه عليه الصالة والسالم ِ ،
كذكر صفة َخلقية أو ُخلقية .
ويش مل تقري ر الن بي ص لى اهلل علي ه على آل ه وس لم ألم ر من األم ور ،ك إقراره أص حابه
على أكل الضب والضبع .
وإذا أُطلق الحديث فإنه يشمل أقوال النبي صلى اهلل عليه على آله وسلم وأفعاله كما
تق ّدم ،ويشمل أقوال الصحابة وأفعالهم ،فيُقال – مثالً – بعد رواية حديث ما :والحديث
موق وف من ق ول فالن من الص حابة ،ويش مل المقط وع ،وه و م ا ورد عن الت ابعين من
أقوالهم .
ويش مل ك ذلك :الح ديث الض عيف فيُطل ق علي ه ح ديث ض عيف ،وك ذلك الح ديث
الموضوع .
ويُطلق على ما تق ّدم الخبر .
السـنـَّـة .
فهو بهذا االعتبار يُرادف لفظ ُّ
93
وأما عند التقسيم االصطالحي ،فيختلف عند بعض العلماء التقسيم إلى :
ح ديث :وهو ما أُثِـر عن رس ول اهلل صلى اهلل علي ه على آله وسلم من ق ول أو فعل أو
تقرير أو صفة خلقية أو ُخلقية – زاد بعضهم -قبل البعثة أو بعدها .
والصحيح أن لفظ " الحديث " ينصرف في الغالب إلى ما يُروى عن النبي صلى اهلل علي ه
على آله وسلم بعد النبوة .
المحدِّثين .
وخبر :وهو ُمرادف للحديث عند ُ
94
ويُطلق الخبر واألثر ويُراد بهما ما أُضيف إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه على آله وسلم ،
فرقوا بينها كما تق ّدم .
وما أُضيف إلى الصحابة والتابعين ،إال أن فقهاء خراسان ّ
وهذا عند المحدِّثين ،ولذا فإنه ال فرق عندهم بين " حدثني " وبين " أخبرني " .
السـنّـة
إطالقات ُّ
السـنّـة على ما يُقابل البدعة ،فيُقال :أهل السنة وأهل البدعة ،ويُقال :طالق
* تُطلق ُّ
سني وطالق بدعي .
السـنّـة على ما يُقابل الواجب ،فيُقال :هذا واجب وهذا ُسنّـة .
* وتُطلق ُّ
السـنّـة ويُقصد بها العمل المتّبع ،فيُقال :فعل رسول اهلل كذا ،وفعل أبو بكر
* و تُطلق ُّ
كذا ،وكلٌّ ُسنة .
وسنة الخلفاء الراشدين .
ولذا قال عليه الصالة والسالم :عليكم بسنتي ُ
95