Professional Documents
Culture Documents
القول األول :أنها آية من سورة الفاتحة ومن كل سورة من سور القرآن
ما عدا سورة براءة.
واستدل أصحاب هذا القول من جهة العقل بأن المصحف اإلمام الذي
جمع في عهد أمير المؤمنين سيدنا عثمان بن عفان – رضي هللا عنه –
1
ومن هذا المصحف نسخت مصاحف األمصار والبسملة فيها كما في
مصحف اإلمام ،وتواتر النقل بعد ذلك نسخا في المصاحف وحفظا في
الصدور عبر أجيال األمة اإلسالمية جيال بعد جيل والكل مجمع على
ذلك إلى يومنا هذا.
وقد علق الشيخ أحمد شاكر على هذا القول بقوله" :وهو القول الصحيح
الذي تؤكده الدالئل الصحاح م الكتاب والسنة ،ومن أقواها أن جميع
األمهات الذي كتبها عثمان بن عفان – رضي هللا عنه – وأقرها
الصحابة جميعها -دون ما عداها – وقد كتب فيها البسملة في أول كل
سورة سوى براءة ،وأن الصحابة رضي هللا عنهم إذ جمعوا القرآن في
2
المصاحف حرصا منهم على حفظ كتاب هللا تعالى وخشية أن يشتبه
على أحد ممن بعدهم ،فيظن غير القرآن قرآنا.
أو يعقل -مع هذا كله -أن يكتبوا مائة وثالث عشرة بسملة زيادة على
ما نزل على رسول هللا ﷺ؟! أال يدل هذا داللة قاطعة منقوال بالتواتر
العملي المؤيد بالكتابة المتواترة على أنها آية من القرآن في كل موضع
كتبت فيه؟.
القول الثاني :أن البسملة ليست آية من الفاتحة وال من أي سورة من
سور القرآن الكريم.
3
-2وروى أبو داود وبن ماجه بسنديهما عن عائشة – رضي هللا عنها –
قالت :كان رسول هللا ﷺ يفتتح الصالة بالتكبير ،والقراءة الحمد هلل رب
العالمين.
-3وأيضا ما جاء عند أبي داود عن أبي هريرة – رضي هللا عنه – أن
النبي ﷺ قال( :قال هللا تعالى :قسمت الصالة بيني وبين عبدي نصفين
ۡ ِ ِ ۡ ۡ
ِ ِ
ولعبدي ما سأل ،فإذا قال العبد﴿ :ٱلحم ُد هَّلل رب ٱل َٰعلمين﴾ ،قال هللا
ٱلر ِحي ِم﴾ ،قال هللا تعالى: تعالى :حمدني عبدي ،وإذا قالۡ ﴿ :
ٱلرح َٰم ِن هه
ين﴾ ،قال :مجدني عبدي، ٱلد ِأثنى علي عبدي ،وإذا قالَٰ ﴿ :ملِ ِك ي ۡو ِم ِ
ين﴾، وقال مرة :فوض إلي عبدي ،فإذا قالِ﴿ :إهياك ن ۡعبد وإِهياك ن ۡست ِ
ع
ُ ُُ
قال :هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ،فإذا قالۡ ﴿ :ٱه ِدنا ِ
ٱلص َٰرط
ۡ ِۡ ۡ ۡ ۡ ۡ ۡ ۡ ۡ ۡ ۡ
ض ِ ِ ه ِ ِ
وب عليهم وال ٱل ُمستقيم﴾ ﴿ص َٰرط ٱلذين أنعمت علي ِهم غي ِر ٱلمغ ُ
ٱلضآلِين﴾ ،قال :هذا لعبدي ولعبدي ما سأل).ه
قال ابن العربي( :ويكفيك أنها ليست من القرآن اختالف الناس فيها،
والقرآن ال يختلف فيه) واألخبار الصحاح التي ال مطعن فيها دالة على
أن البسملة ليست بآية من الفاتحة وال غيرها إال في النمل وحدها.
4
القول الثالث :أن البسملة آية تامة من القرآن أنزلت للفصل بين السور،
وليست آية من الفاتحة وال غيرها من السور.
وقد ع از اآللوسي هذا القول إلى جماعة من العلماء منهم األوزاعي ،وأبو
عمرو ،ويعقوب ،ثم بين أنه المشهور من مذهب أبي حنيفة وأصحابه
رحمهم هللا تعالى ،واستدلوا بما يأتي:
-1ما أخرجه أبو داود بسند صححه األلباني عن عباس – رضي هللا
عنه – قال( :كان النبي ﷺ ال يعلم فصل السورة حتى تنزل عليه بسم
هللا الرحمن الرحيم).
القول الراجح:
5
الصحيحة والصريحة في هذا الشأن ،والتي تفيد أن البسملة آية من سورة
ۡ ۡ ۡ ۡ ۡ ۡ
الفاتحة ،لقوله تعالى﴿ :ولقد ءاتي َٰنك سب ٗعا ِمن ٱلمثاني وٱلُقرءان ٱلعظيم﴾.
ِ ۡ ِ
فهذا النص الكريم يفيد أن سورة الفاتحة سبع آيات ،وقد ذهب جمهور
أهل العلم إلى أن عدد آيات سورة الفاتحة ما عدا البسملة ست آيات،
وبذلك تكون البسملة هي اآلية السابعة ،وأنها في بقية السور قد وردت
للفصل بين السورتين ،وأنها من القرآن لوجود إلجماع والتواتر على
كتابتها في المصاحف منذ أن أمر أمير المؤمنين عثمان – رضي هللا
عنه – بنسخ المصاحف وتوزيعها على األمصار وحتى يومنا هذا ،وإلى
أن يرث هللا األرض ومن عليها.
ٱَّللِ ۡ
ٱلر ِحي ِم﴾ ﴿ِب ۡس ِم ه ه
ٱلرح َٰم ِن ه
حرف الباء:
6
متعلق يتعلق به ،أي :يرتبط به ارتباطا معنويا ،والمتعلق به محذوف،
قدره بعض النحويين باسم وقدره بعضهم بفعل ،فمن قدره باسم كان
المعنى (باسم هللا) قراءتي أو (باسم هللا) ابتدائي أو تالوتي أو قولي.
ومن قدره بفعل كان المعنى أق أر (باسم هللا) أو أتلو (باسم هللا) وعلى هذا
يجري التقدير في قول أو فعل.
معنى االسم:
-2الكوفيون ذهبوا إلى أنه مشتق من السمة وهي العالمة؛ ألن االسم
عالمة لمن وضع له.
7
وعند النظر في هذين القولين نجد أن تتبع االستخدام اللغوي في الكلمة
يقضي بصواب ما قاله البصريون؛ ألنه على رأيهم يقال في تصغير
اسمُ ( :سمي) ،وفي جمعه( :أسماء) ،ومن المعروف أن الجمع والتصغير
يردان األشياء إلى أصولها.
أما على القول بأن اشتقاقه من السمة فهذا معناه أن يقال عند التصغير
(وسيم) وعند الجمع (أوسام) ،وهو خطأ؛ ألنه مخالف لما ورد من جمع
(اسم) في القرآن الكريم في مواطن كثيرة مما جاء في قول هللا تعالى﴿ :
ۡ ۡ ۡ ۡ ۡ ِِ ۡ
ِ ن ِ
ٓء ٱل ُحسن َٰى فٱد ُعوهُ بها﴾ ،وفي قوله تعالى﴿ :ما تع ُب ُدو من وهَّلل ٱألسما ُ
ۡ دوِن ِه ۦ ِإ هالٓ أ ۡسما ٗ
ٓء س هميتُ ُموهآ﴾. ُ ٓ
ومع التسليم بذلك فإن ما ذهب إليه الكوفيون وإن كان خطأ من الناحية
اللغوية إال أنه تبقى فيه موافقة من جهة المعنى لما وضعه العلماء
لالسم من تعريفات ،تدور مجملها حول كونه أداة التمييز بعض
المسميات عن بعض.
8
ولكثرة استعمال كلمة (االسم) مقترنة بلفظ الجاللة ِ﴿ -ب ۡس ِم ه
ٱَّللِ﴾ تكتب
بغير ألف استغناء عنها بباء االلصاق.
ۡ ۡ ۡ
ِ ه
بخالف قول هللا تعالى﴿ :ٱق أر ِبٱس ِم ربِك ٱلذي خلق﴾ فإنها لم تحذف لقلة
االستعمال.
وحكى القرطبي رحمه هللا تعالى :اختالف العلماء حول هذا االسم الكريم
هل مشتق أو هو موضوع للذات:
فذهب إلى اشتقاقه كثير من أهل منهم سيبويه والخليل والكسائي والفراء
وغيرهم ،ولكنهم لم يتفقوا على أصل االشتقاق.
10
• ومنهم من قال مشتق من (أله) بمعنى عبد.
وقيل :أنه علم لذاته المخصوصة؛ ألنه يوصف وال يوصف به،
وعلى هذا ذهب جماعة إلى األلف والالم من بنية الكلمة وعدم
جواز حذفهما.
ودلل أحد العلماء على كون األلف والالم من بنية الكلمة االسم
وأنهما لم يدخال للتعريف :بدخول حرف النداء على اسم الكريم
(ياَّلل) وحروف النداء ال تجتمع مع األلف والالم التي للتعريف فال
يجوز أن نقول (يالرحمن) وال (يالرحيم) فدل ذلك على أنها من
بنية االسم.
11
وهذا القول يؤيده ما سبق من اختصاص المولى سبحانه بهذا
االسم.
ٱلر ِحي ِم﴾ :اسمان بنيا للمبالغة من رحم ،كالغضبان من و﴿ ۡ
ٱلرح َٰم ِن ه
ه
غضب ،والعليم من علم.
وأسماء هللا إنما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي
تكون انفعاالت.
والرحمن أبلغ من الرحيم؛ ألن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى كما
في قطع وقطع ،وذلك يؤخذ باعتبار الك ِمهية تارة وباعتبار الكيفية تارة
أخرى.
فعلى األول قيل :يا رحمان الدنيا واآلخرة ،ألنه يعم المؤمن والكافر،
فالكثرة باعتبار كثرة المرحومين في الدنيا من المؤمنين والكافرين ،وأما
المرحومون في األخرة فهم المؤمنون فقط ،فهم قليلون بالنسبة للكافرين،
12
ولذلك قيل على هذا االعتبار :يا رحيم اآلخرة؛ ألن الرحمة والنعم
األخروية تختص بالمؤمن.
وعلى الثاني - :اعتبار الزيادة في كيفية صفة النعمة -قيل :يا رحمان
الدنيا واألخرة ورحيم الدنيا؛ ألن النعم األخروية كلها ِجسام ،وأما نعم
الدنيا فذليلة وحقيرة.
-2وألنه صار كالعلم من إنه ال يوصف به غير هللا ،ألن معناه المنعم
الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها ،وذلك ال يصدق غيره.
13
تعالى لحقارتها فأزيل ذلك التوهم بذكر الرحيم الدال على دقائقها فيكون
كالتتمة والرديف له.
القول الراجح:
وما ذهب إليه أصحاب القول األول األولى بالقبول ،ألن لفظ:
ٱلر ِحي ِم﴾ فقد وصف به غيره ﴿ ۡ
ٱلرح َٰم ِن﴾ خاص باَّلل تعالى ،وأما لفظ ﴿ :ه ه
ۡ ٞ ۡ
ول ِمن أ ُنف ِس ُك ۡم ع ِز ٌيز لقوله تعالى في حق الرسول ﷺ﴿ :لقد جآء ُك ۡم رُس
ٞ ِ ٞ ِ ِ ۡ ِۡ ۡ ِ عل ۡي ِه ما عِنتُّ ۡ
يص علي ُكم بٱل ُمؤمنين رُءوف هرحيم﴾.
ٌ ر ح م
14
ۡ ِ ِ ۡ ۡ
ِ ِ
﴿ٱلحم ُد هَّلل رب ٱل َٰعلمين﴾
المدح :هو الثناء على الجميل مطلقا ،كأن تمدحه على علمه وكرمه أو
على حسنه الذي ليس له دخل فيه ،وقليل :هما أخوان.
المح هجبا
يدي ولساني والضمير ُ اء مني ثالثة
النعم ُ
أفادتكم ُ
والمقصود بالضمير المحجب :القلب.
فهو أعم منهما من وجه ،وأخص من آخر ،ولما كان الحمد من شعب
الشكر أشيع للنعمة ،وأدل على مكانها لخفاء االعتقاد ،وما في آداب
الجوارح من االحتمال ُجعل الحمد رأس الشكر ،والعمدة فيه فقال عليه
الصالة والسالم( :الحمد رأس الشكر ،وما شكر هللا من لم يحمده).
15
ِ ِ ۡ ۡ
﴿ٱلحم ُد هَّلل﴾ جملة مركبة من مضاف ومضاف إليه ،وهي خبرية لفظا
إنشائية معنى.
الجملة الخبرية :هي التي تحتمل الصدق والكذب لذاتها ،مثل( :العلم
نافع) فهذه خبرية صادقة؛ لمطابقة الخبر للواقع.
أما إذا قلت( :الجهل نافع) فهذه جملة خبرية كاذبة؛ لعدم مطابقة الخبر
للواقع.
والجملة التي معنا خبرية لفظا؛ ألن الحمد ال يكون إال هلل ،إنشائية
ِ ِ ۡ ۡ
معنى؛ ألن معناها قولوا﴿ :ٱلحم ُد هَّلل﴾.
ِ ِ ۡ ۡ
إعراب ﴿ٱلحم ُد هَّلل﴾:
16
قال أبو حيان :وأصل لفظ الحمد( :أحمد حمدا هلل) ،وإنما عدل عنه إلى
الرفع ليدل على عموم الحمد وثباته ،دون وتجدده حدوثه ،وفيه تعليم
اللفظ مع تعريض االستغناء ،أي :الحمد هلل وإن لم تحمدوه.
ۡ
ِ
﴿ر ِب ٱل َٰعلمين﴾ الرب :في األصل مصدر بمعنى التربية :وهي تبليغ
الشيء إلى كماله شيئا فشيئا ،ويطلق الرب في اللغة :على المالك والسيد
والمربي.
ۡ ٞ
وال يقال الرب مع اإلطالق إال هلل عز وجل ،كما في قوله تعالى﴿ :بلدة
ٞ ٞ
طِيبة ور ٌّب غُفور﴾ ،فإذا أضيف يمكن أن يراد به هللا تعالى ،كما في
قوله سبحانه﴿ :فتلهق َٰٓى ءاد ُم ِمن هربِ ِه ۦ﴾ ،ويمكن أن يراد به غيره كما
17
تقول :رب السيف ،ورب الدابة ،وكما في قوله تعالى﴿ :فل هما جآءهُ
ۡ ۡ ُۚ َٰ ۡ ۡۡ ٱلرسول قال ۡٱر ِج ۡ
ِ ه ِ ه ِ ِ
ال ٱلنسوة ٱلتي قطعن أيدي ُه هن﴾. ب ام ه ل س ف ك ِ
ب
ر ى ل ِ
إ ع
ُ ُ َٰ هُ ُ
ۡ
ِ
﴿ٱل َٰعلمين﴾ جمع عالم ،والعالم :اسم جنس ال واحد له من لفظه كالرهط
واألنام ،وقد تعددت أقوال العلماء في المراد به:
ۡ
• فمنهم من قال :المراد به الناس ،واستدل بقوله تعالى﴿ :أتأتُون
ۡ ُّ ۡ
ِ ِ
ٱلذكران من ٱل َٰعلمين﴾ ،أي من البشر خاصة ،ألن قوم لوط وهم
المعنيون بذلك ُذ ُّموا بهذا الفعل.
• ومنهم من قال :المراد بـ (العالمين) الجن واإلنس خاصة ،واستدل
ۡ ۡ ۡ ۡ
بقوله تعالى﴿ :تبارك هٱل ِذي ن هزل ٱلُفرقان عل َٰى عبده ۦ لي ُكون لل َٰعلمين
ِ ِ ِ ِ ِ
ن ِذ ا
ير﴾ ،والنبي ﷺ أرسل نذي ار لإلنس والجن ولم يرسل للبهائم وما
يلحق به.
• ومنهم من قال :إن المراد بالعالمين أصناف الخالئق من المالئكة
والجن واإلنس دون غيرهما.
• فقد ذهب بعض العلماء إلى القول باإلطالق في بيان المراد
بالعالمين ،فقال :إن بالعالمين :كل موجود سوى هللا تعالى ،قال
بذلك قتادة ،وقال الزجاج :معنى العالمين :كل ما خلق هللا.
18
ورجح القرطبي قول قتادة والزجاج وقال :هو أصح األقوال ،ألنه شامل
ۡ
لكل مخلوق وموجود ،دليله قوله تعالى﴿:قال ِف ۡرع ۡو ُن وما ر ُّب ٱلعلمين﴾.
ِ َٰ
ِ ۡ ۡ ِ ۡ
ِ ِ ِ
ٱلس َٰم َٰوت وٱألرض وما بين ُهمآ إن ُكنتُم ُّموقنين﴾ ،وهو مأخوذ
﴿قال ر ُّب ه
من العلم والعالمة؛ ألنه يدل على موجده.
والمعنى :قولوا يا عبادي إذا أردتم ثنائي وشكري :الحمد هلل ،أب
اشكروني على إحساني وجميلي إليكم ،فأنا هللا ذو العظمة والمجد،
والمتفرد بالخلق واإليجاد ،رب اإلنس والجن والمالئة وجميع المخلوقات،
ورب السماوات واألرضين ،فالثناء والشكر هلل رب العالمين دون كل ما
يعبد من دونه.
ٱلر ِحي ِم﴾ أي الذي وسعت رحمته كل شيء ،وعم فضله جميع ﴿ ۡ
ٱلرح َٰم ِن ه
ه
األنام بما أنعم على عباده بالخلق والرزق والهداية إلى سعادة الدارين.
ٱلر ِحي ِم﴾ إما لتعظيم الموصوف، وجاء التكرار في قوله تعالىۡ ﴿ :
ٱلرح َٰم ِن ه
ه
أو للتأكيد ليستقر في النفس.
19
﴿ َٰملِ ِك ي ۡو ِم ِ
ٱلد ِ
ين﴾:
مالك باأللف :قراءة عاصم والكسائي ويعقوب ،ويعضده قوله تعالى: ِ -1
الملك. ِ
والملك :هو المتصرف في األمر والنهي في المأمورين من ُ
-3وقرئ( :ملك) بالتخفيف ،و(ملك) بلفظ الفعل( ،ومالكا) بالنصب
و(مالك) بالرفع منونا على أنه خبر مبدأ محذوف،
ٌ على المدح أو حاال،
وهذه األربعة قراءات شاذة.
مالمقصود بـ﴿ي ۡو ِم ِ
ٱلد ِ
ين﴾؟
والمقصود بـ﴿ي ۡو ِم ِ
ٱلد ِ
ين﴾ :هو يوم الجزاء والحساب ومنه "كما تدين
تدان".
20
فإن قال قائل :ما وجه تخصيص هذه اإلضافة وهللا تعالى مالك األزمنة
واألمكنة ومن فيها؟
والجواب :أن التخصيص -كما يقول أبو حيان – للتنبيه على عظم هذا
اليوم بما يقع فيه من األمور العظام واألهوال الجسام من قيامهم فيه هلل
تعالى ،واالستشفاع لتعجيل الحساب ،والفصل بين المحسن والمسيء
واستقرارهما فيما وعدهما هللا تعالى به ،أو أنه يوم يرجع فيه إلى هللا
تعالى جميع ما ملكه لعباده وخولهم فيه ،ويزول فيه ملك كل مالك ،قال
ۡ ۡ ۡ ۡ ۡ ۡ ۡ
َٰ َٰ
تعالى﴿ :ولقد ِجئتُ ُمونا ُفرد َٰى كما خلقن ُكم أهول م ه ٖرة وتركتُم هما خهولن ُكم و ارٓء
َٰ
ورُك ۡم﴾.
ظ ُه ِ
ُ
ين﴾ فيه االلتفات من الغيبة إلى الخطاب. ﴿ِإهياك ن ۡعبد وِإهياك ن ۡست ِ
ع
ُ ُُ
وااللتفات في اللغة :مأخوذ من التفت اإلنسان يمنة ويسرة.
21
ومن عادة العرب التفنن في الكالم والعدول من أسلوب إلى آخر تطرية
له وتنشيطا للسامع ،فيعدل من الخطاب إلى الغيبة ،ومن الغبية إلى
ۡ ۡ ۡ
التكلم وبالعكس ،كقوله تعالىِ﴿ :إذا ُكنتُ ۡم ِفي ٱلُفلك وجرين ِب ِهم﴾ ،وقوله:
ِ
ۡ ٗ ٱلرَٰيح فتُِ ٱَّلل هٱل ِذي أ ۡ
َٰ
ير سحابا ف ُسقن ُه﴾. ث ِ ل سر ﴿و ه ُ ٓ
ُ
وقول امرئ القيس:
البيت األول :فيه التفات من التكلم إلى الخطاب وأصل الكالم( :تطاول
ليلي).
والبيت الثالث :فيه التفات من الغيبة إلى التكلم حيث عبر عن نفسه بياء
التكلم في (جاءني) بعدما عبر عنه بضمير الغيبة في (بات).
22
و (إهيا):
معنى العبادة:
وفي الشرع :هي طاعة تقترن بكمال المحبة والخضوع والخوف ،ومن
أجل ذلك ال يستحقها إال من له غاية اإلفضال وهو هللا سبحانه وتعالى.
23
ما االستعانة وما أنواعها؟
فالضرورية :ماال يتأتي الفعل دونه كاقتدار الفاعل وتصوره ،أي :طلب
الفاعل المعونة من هللا سبحانه وتعالى على تصور الفعل الذي يقوم به
تصو ار صحيحا كمثل الكاتب فهو في هذه الحالة محتاج إلى أن يعينه
هللا على تأدية عمله بحصول اآللة كما يطلب من العون في وجود
المادة.
24
ما وجه إتيان بصيغة الجمع في الفعلين؟
وقدمت العبادة على االستعانة ليتوافق روؤس اآلي ،ويعلم منه أن تقديم
الوسيلة على طلب الحاجة أدعى إلى اإلجابة.
25
ۡ
ِ ۡ ﴿ ۡٱه ِدنا ِ
ٱلص َٰرط ٱل ُمستقيم﴾
ۡ
﴿ٱه ِدنا﴾ فعل دعاء ورغبة من المروب إلى الرب ،ومعناه :دلنا على
الصراط المستقيم ،وأرشدنا إليه.
ومعنى طلب الهداية وهم مهتدون :طلب زيادة الهدى بلطفه وكرمه،
ومنه تعالى :أو المعنى :ثبتنا على الهدى ،كقولك للذي يأكل كل ،وللقائم
قم ،أي داوموا على ما أنتم عليه.
ۡ
ِ ۡ ﴿ ۡٱه ِدنا ِ
ٱلص َٰرط ٱل ُمستقيم﴾ بيان للمعونة المطلوبة فكأنه قال :كيف
أعينكم فقالوا :اهدنا ،أو إفراد لما هو المقصود األعظم.
26
ما أنواع العبادة إجماال؟
األول :إفاضة القوى التي يتمكن بها المرء من االهتداء إلى مصالحه
كالقوة العقلية والحواس الباطنة والمشاعر الظاهرة.
الثاني :نصب الدالئل الفارقة بين الحق والباطل والصالح والفساد وإليه
ۡ ۡ َٰ ه ۡ ۡ
ود فهدي َٰن ُه ۡممث
ه ُ ُامأو﴿ :وقال ،﴾نِ ي أشار حيث قال﴿ :وهدين ُه ٱلنجد
ۡ ۡ
ف ۡٱستحُّبوا ٱلعم َٰى على ٱل ُهد َٰى﴾.
ۡ
الثالث :الهداية بإرسال الرسل وإنزال الكتب ،وإياها عنى بقوله﴿ :وجعلنا
ۡ ۡ ۡ ۡ ۡ ِۡ ۡ ِ ٗ
ِ ِ هِ ِ َٰ ِ ِ ِ ن
من ُهم أئ همة يه ُدو بأمرنا﴾ ،وقوله﴿ :إ هن هذا ٱلُقرءان يهدي للتي هي
ۡ
أقوُم﴾.
الرابع :أن يكشف على القلوب السرائر ويريهم األشياء كما هي الوحي،
أو اإللهام والمنامات الصادقة ،وهذا قسم يختص بنيله األنبياء واألولياء
ۡ ِ ۡ وإياه عنى بقوله﴿ :أُوَٰلِٓئك هٱل ِ
ىَٰه ُم ٱقتده﴾ ،وقوله: د هبٱَّلل فِ
ه ى د ه ين ذ
ُ ُ ُ
ُۚ
﴿و هٱل ِذين َٰجه ُدوا ِفينا لن ۡه ِديهن ُه ۡم ُسُبلنا﴾.
27
ما هو الصراط؟ وما أصله؟ ولماذا سمي بذلك؟ وما أوجه القراءات فيه؟
-1ق أر ابن كثير برواية قنبل عنه ،ورويس عن يعقوب بالسين على
األصل.
28
ۡ ۡ
ِ
﴿ٱل ُمستقيم﴾ :المستوي والمراد به طريق الواضح ،وقيل :هو ملة
اإلسالم.
ۡ ۡ
ص َٰرط هٱل ِذين أنع ۡمت علي ِه ۡم﴾؟ وما معنى كونه في حكم
ما إعراب ﴿ ِ
واإلنعام إيصال النعمة ،ونعم هللا وإن كانت ال تحصى كما قال﴿ :وِإن
صوهآ﴾ ،تنحصر في جنسين :دنيوي ،وأخروي. ٱَّللِ ال ت ۡ
ح ه ة معتع ُّدوا ِن ۡ
ُ ُ ُ
واألول قسمان :موهبي وكسبي.
-1روحاني :كنفخ الروح فيه وإشراقه بالعقل وما يتبعه من القوى كالفهم
والفكر والنطق.
29
-2جسماني :كتخليق البدن والقوى الحالة فيه والهيئات العارضة له من
الصحة وكمال األعضاء.
والكسبية :هي التي يكون للعبد في حصولها مدخل مثل :تزكية النفس
عن الرذائل وتحليتها باألخالق السنية والملكات الفاضلة ،وتزيين البدن
بالهيئات المطبوعة والحلي المستحسن وحصول الجاه والمال.
والثاني :أن يغفر له ما فرط منه ويرضي عنه ويبوئه في أعلى عليين
مع المالئكة المقربين أبدا اآلبدين.
والمراد بالنعم في اآلية الكريمة :هو النعم األخروية ،وهي وإن لم تحصل
بعد إال أنه عبر عنها بلفظ الماضي لكونها محققة الوقوع.
-1بدل من ﴿ :هٱل ِذين﴾ ،على معنى أن المنعم عليهم هم الذين سلموا
من الغضب والضالل.
30
-2صفة له مبينة أو مقيدة على معنى أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة
وهي نعمة اإليمان ،والسالمة من الغضب والضالل.
وهذان اإلعرابان على قراءة (غير) بالجر ،وأما إذا قرئت بالنصب يجوز
فيها:
ۡ
-3حال وصاحب الحال الضمير المجرور في ﴿علي ِه ۡم﴾.
31
ۡ ِ ۡ ۡ ۡ
ِ
ضوب عليهم﴾ :هم الذين بلغهم الدين الحق الذي شرعه قيل :إن ﴿ٱلمغ ُ
هللا لعباده ،فرفضوا ونبذوه ،والضالون :هم الذين لم يعرفوا الحق ،أو لم
يعرفوه على الوجه الصحيح ،وهم الذين لم تبلغهم رسالة أو بلغتهم بنحو
ناقص.
الغضب :ثوران النفس وإرادة االنتقام ،فإذا اسند إلى هللا تعالى أريد به
المنتهى والغايات.
32
المعنى العام للسورة الكريمة :في الكتاب من تحت الهامش رقم ()3
من :صفحة 76 :إلى صفحة. 78:
وفقه اآليات وما يستفاد منها :من صفحة 78 :إلى صفحة. 88 :
33
34