You are on page 1of 35

‫تفريغ محاضرات د‪ /‬السيد يونس أستاذ التفسير‬

‫لطالب الفرقة األولى لعام‪2021– 2020 :‬‬

‫تفسير سورة الفاتحة‬


‫ٱَّللِ ۡ‬
‫ٱلر ِحي ِم﴾‬ ‫﴿ِب ۡس ِم ه ه‬
‫ٱلرح َٰم ِن ه‬

‫أراء العلماء في البسملة هل هي آية من سورة الفاتحة ومن كل سورة من‬


‫سورة القرآن أم ال؟‬

‫جـ‪ :‬هناك ثالثة أقوال‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬أنها آية من سورة الفاتحة ومن كل سورة من سور القرآن‬
‫ما عدا سورة براءة‪.‬‬

‫أصحاب هذا القول استدلوا بأدلة نقلية وأدلة عقلية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الدليل العقلي‪:‬‬

‫واستدل أصحاب هذا القول من جهة العقل بأن المصحف اإلمام الذي‬
‫جمع في عهد أمير المؤمنين سيدنا عثمان بن عفان – رضي هللا عنه –‬

‫على مأل من أصحاب النبي ﷺ قد كتب فيه البسملة من أول سورة‬


‫الفاتحة وفي أول كل سورة من سور القرآن ما عدا سورة براءة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ومن هذا المصحف نسخت مصاحف األمصار والبسملة فيها كما في‬
‫مصحف اإلمام‪ ،‬وتواتر النقل بعد ذلك نسخا في المصاحف وحفظا في‬
‫الصدور عبر أجيال األمة اإلسالمية جيال بعد جيل والكل مجمع على‬
‫ذلك إلى يومنا هذا‪.‬‬

‫ومن المعروف أنهم كانوا ال يكتبون في المصحف ما ليس من القرآن‬


‫وقد بلغ تشددهم وحيطتهم في ذلك أنهم لم يجوزوا كتابة أي شيء حتى‬
‫كلمة (آمين) أو غير ذلك حرصا منهم على تجريد المصحف مما ليس‬
‫بقرآن‪.‬‬

‫وقد علق الشيخ أحمد شاكر على هذا القول بقوله‪" :‬وهو القول الصحيح‬
‫الذي تؤكده الدالئل الصحاح م الكتاب والسنة‪ ،‬ومن أقواها أن جميع‬
‫األمهات الذي كتبها عثمان بن عفان – رضي هللا عنه – وأقرها‬
‫الصحابة جميعها ‪ -‬دون ما عداها – وقد كتب فيها البسملة في أول كل‬
‫سورة سوى براءة‪ ،‬وأن الصحابة رضي هللا عنهم إذ جمعوا القرآن في‬

‫‪2‬‬
‫المصاحف حرصا منهم على حفظ كتاب هللا تعالى وخشية أن يشتبه‬
‫على أحد ممن بعدهم‪ ،‬فيظن غير القرآن قرآنا‪.‬‬

‫أو يعقل ‪ -‬مع هذا كله ‪ -‬أن يكتبوا مائة وثالث عشرة بسملة زيادة على‬
‫ما نزل على رسول هللا ﷺ؟! أال يدل هذا داللة قاطعة منقوال بالتواتر‬
‫العملي المؤيد بالكتابة المتواترة على أنها آية من القرآن في كل موضع‬
‫كتبت فيه؟‪.‬‬

‫القول الثاني‪ :‬أن البسملة ليست آية من الفاتحة وال من أي سورة من‬
‫سور القرآن الكريم‪.‬‬

‫واستدل أصحاب هذا القول بما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬ما جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك ‪ -‬رضي هللا عنه – قال‪:‬‬


‫"صليت مع رسول هللا ﷺ وأبي بكر وعمر وعثمان ‪ -‬رضي هللا عنهم –‬
‫ۡ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فكانوا يستفتحون بـ ﴿ٱلحم ُد هَّلل رب ٱل َٰعلمين﴾‪ ،‬وعند مسلم ال يذكرون‬
‫ٱَّللِ ۡ‬
‫ٱلر ِحي ِم﴾ في أول قراءة وال قي آخرها‪.‬‬ ‫﴿ِب ۡس ِم ه ه‬
‫ٱلرح َٰم ِن ه‬

‫‪3‬‬
‫‪ -2‬وروى أبو داود وبن ماجه بسنديهما عن عائشة – رضي هللا عنها –‬
‫قالت‪ :‬كان رسول هللا ﷺ يفتتح الصالة بالتكبير‪ ،‬والقراءة الحمد هلل رب‬
‫العالمين‪.‬‬

‫‪ -3‬وأيضا ما جاء عند أبي داود عن أبي هريرة – رضي هللا عنه – أن‬
‫النبي ﷺ قال‪( :‬قال هللا تعالى‪ :‬قسمت الصالة بيني وبين عبدي نصفين‬
‫ۡ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ولعبدي ما سأل‪ ،‬فإذا قال العبد‪﴿ :‬ٱلحم ُد هَّلل رب ٱل َٰعلمين﴾‪ ،‬قال هللا‬
‫ٱلر ِحي ِم﴾‪ ،‬قال هللا تعالى‪:‬‬ ‫تعالى‪ :‬حمدني عبدي‪ ،‬وإذا قال‪ۡ ﴿ :‬‬
‫ٱلرح َٰم ِن ه‬‫ه‬
‫ين﴾‪ ،‬قال‪ :‬مجدني عبدي‪،‬‬ ‫ٱلد ِ‬‫أثنى علي عبدي‪ ،‬وإذا قال‪َٰ ﴿ :‬ملِ ِك ي ۡو ِم ِ‬

‫ين﴾‪،‬‬ ‫وقال مرة‪ :‬فوض إلي عبدي‪ ،‬فإذا قال‪ِ﴿ :‬إهياك ن ۡعبد وإِهياك ن ۡست ِ‬
‫ع‬
‫ُ‬ ‫ُُ‬
‫قال‪ :‬هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل‪ ،‬فإذا قال‪ۡ ﴿ :‬ٱه ِدنا ِ‬
‫ٱلص َٰرط‬
‫ۡ‬ ‫ِۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ ۡ ۡ ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ض ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وب عليهم وال‬ ‫ٱل ُمستقيم﴾ ﴿ص َٰرط ٱلذين أنعمت علي ِهم غي ِر ٱلمغ ُ‬
‫ٱلضآلِين﴾‪ ،‬قال‪ :‬هذا لعبدي ولعبدي ما سأل)‪.‬‬‫ه‬

‫قال ابن العربي‪( :‬ويكفيك أنها ليست من القرآن اختالف الناس فيها‪،‬‬
‫والقرآن ال يختلف فيه) واألخبار الصحاح التي ال مطعن فيها دالة على‬
‫أن البسملة ليست بآية من الفاتحة وال غيرها إال في النمل وحدها‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أن البسملة آية تامة من القرآن أنزلت للفصل بين السور‪،‬‬
‫وليست آية من الفاتحة وال غيرها من السور‪.‬‬

‫وقد ع از اآللوسي هذا القول إلى جماعة من العلماء منهم األوزاعي‪ ،‬وأبو‬
‫عمرو‪ ،‬ويعقوب‪ ،‬ثم بين أنه المشهور من مذهب أبي حنيفة وأصحابه‬
‫رحمهم هللا تعالى‪ ،‬واستدلوا بما يأتي‪:‬‬

‫‪ -1‬ما أخرجه أبو داود بسند صححه األلباني عن عباس – رضي هللا‬
‫عنه – قال‪( :‬كان النبي ﷺ ال يعلم فصل السورة حتى تنزل عليه بسم‬
‫هللا الرحمن الرحيم)‪.‬‬

‫القول الراجح‪:‬‬

‫لقد حاول أصحاب كل مذهب االنتصار لمذهبهم‪ ،‬ورد األقوال المذاهب‬


‫األخرى كما حاول الرازي عندما أراد االنتصار للمذهب الشافعي‪،‬‬
‫والقرطبي للمذهب المالكي‪ ،‬واآللوسي للمذهب الحنفي‪ ،‬وذلك بسبب‬
‫اختالف اآلحاديث الواردة في شأن البسملة‪ ،‬دون النظر إلى األدلة‬

‫‪5‬‬
‫الصحيحة والصريحة في هذا الشأن‪ ،‬والتي تفيد أن البسملة آية من سورة‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫الفاتحة‪ ،‬لقوله تعالى‪﴿ :‬ولقد ءاتي َٰنك سب ٗعا ِمن ٱلمثاني وٱلُقرءان ٱلعظيم﴾‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ۡ‬ ‫ِ‬

‫فهذا النص الكريم يفيد أن سورة الفاتحة سبع آيات‪ ،‬وقد ذهب جمهور‬
‫أهل العلم إلى أن عدد آيات سورة الفاتحة ما عدا البسملة ست آيات‪،‬‬
‫وبذلك تكون البسملة هي اآلية السابعة‪ ،‬وأنها في بقية السور قد وردت‬
‫للفصل بين السورتين‪ ،‬وأنها من القرآن لوجود إلجماع والتواتر على‬
‫كتابتها في المصاحف منذ أن أمر أمير المؤمنين عثمان – رضي هللا‬
‫عنه – بنسخ المصاحف وتوزيعها على األمصار وحتى يومنا هذا‪ ،‬وإلى‬
‫أن يرث هللا األرض ومن عليها‪.‬‬

‫ٱَّللِ ۡ‬
‫ٱلر ِحي ِم﴾‬ ‫﴿ِب ۡس ِم ه ه‬
‫ٱلرح َٰم ِن ه‬

‫حرف الباء‪:‬‬

‫الباء حرف جر وتأتي لمعان كثيرة‪ ،‬ومعناها هنا‪ :‬االستعانة أي‬


‫االستعانة باسمه تعالى في جميع أجزاء الفعل‪ ،‬وهذا الحرف ال بد له من‬

‫‪6‬‬
‫متعلق يتعلق به‪ ،‬أي‪ :‬يرتبط به ارتباطا معنويا‪ ،‬والمتعلق به محذوف‪،‬‬
‫قدره بعض النحويين باسم وقدره بعضهم بفعل‪ ،‬فمن قدره باسم كان‬
‫المعنى (باسم هللا) قراءتي أو (باسم هللا) ابتدائي أو تالوتي أو قولي‪.‬‬

‫ومن قدره بفعل كان المعنى أق أر (باسم هللا) أو أتلو (باسم هللا) وعلى هذا‬
‫يجري التقدير في قول أو فعل‪.‬‬

‫معنى االسم‪:‬‬

‫االسم ما يعرف به المسمى ويتميز به عن غيره‪ ،‬ومع اتفاق العلماء‬


‫اللغة على كونه مشتقا إال أنهم قد اختلفوا في أصل هذا االشتقاق إلى‬
‫فريقين‪:‬‬

‫‪ -1‬البصريون ذهبوا إلى أن اشتقاقه من السمو والرفعة؛ ألن االسم‬


‫يسمو بالمسمى فيرفعه عن غيره‪.‬‬

‫‪ -2‬الكوفيون ذهبوا إلى أنه مشتق من السمة وهي العالمة؛ ألن االسم‬
‫عالمة لمن وضع له‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫وعند النظر في هذين القولين نجد أن تتبع االستخدام اللغوي في الكلمة‬
‫يقضي بصواب ما قاله البصريون؛ ألنه على رأيهم يقال في تصغير‬
‫اسم‪ُ ( :‬سمي)‪ ،‬وفي جمعه‪( :‬أسماء)‪ ،‬ومن المعروف أن الجمع والتصغير‬
‫يردان األشياء إلى أصولها‪.‬‬

‫أما على القول بأن اشتقاقه من السمة فهذا معناه أن يقال عند التصغير‬
‫(وسيم) وعند الجمع (أوسام)‪ ،‬وهو خطأ؛ ألنه مخالف لما ورد من جمع‬
‫(اسم) في القرآن الكريم في مواطن كثيرة مما جاء في قول هللا تعالى‪﴿ :‬‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ِِ ۡ‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫ٓء ٱل ُحسن َٰى فٱد ُعوهُ بها﴾‪ ،‬وفي قوله تعالى‪﴿ :‬ما تع ُب ُدو من‬ ‫وهَّلل ٱألسما ُ‬
‫ۡ‬ ‫دوِن ِه ۦ ِإ هالٓ أ ۡسما ٗ‬
‫ٓء س هميتُ ُموهآ﴾‪.‬‬ ‫ُ ٓ‬

‫ومع التسليم بذلك فإن ما ذهب إليه الكوفيون وإن كان خطأ من الناحية‬
‫اللغوية إال أنه تبقى فيه موافقة من جهة المعنى لما وضعه العلماء‬
‫لالسم من تعريفات‪ ،‬تدور مجملها حول كونه أداة التمييز بعض‬
‫المسميات عن بعض‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫ولكثرة استعمال كلمة (االسم) مقترنة بلفظ الجاللة ‪ِ﴿ -‬ب ۡس ِم ه‬
‫ٱَّللِ﴾ تكتب‬
‫بغير ألف استغناء عنها بباء االلصاق‪.‬‬
‫ۡ‬ ‫ۡ ۡ‬
‫ِ‬ ‫ه‬
‫بخالف قول هللا تعالى‪﴿ :‬ٱق أر ِبٱس ِم ربِك ٱلذي خلق﴾ فإنها لم تحذف لقلة‬
‫االستعمال‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬الباء للمصاحبة والمعنى متبركا (باسم هللا) تعالى أق أر‪.‬‬

‫لفظ الجاللة (هللا)‪:‬‬

‫ٱَّللِ﴾ علم على الرب جل جالله‪ ،‬وذكر القرطبي أنه‬


‫ولفظ الجاللة‪ ﴿ :‬ه‬
‫االسم األعظم للمولى سبحانه‪ ،‬وعللوا لذلك بأنه يوصف بجميع الصفات‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ٱَّلل هٱل ِذي الٓ ِإ َٰله ِإ هال ُهو َٰعلِم ٱلغي ِب و ه‬
‫ٱلش َٰهدةِ‬
‫ُ‬ ‫كما في قوله تعالى‪ُ ﴿ :‬هو ه ُ‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫هو ٱلر ۡ‬
‫وس‬ ‫ُّ‬
‫د‬ ‫ق‬ ‫ٱل‬ ‫ك‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫م‬‫ٱل‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ٱَّلل هٱل ِذي الٓ ِإ َٰله ِإ ه‬
‫ال‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫﴿‬ ‫‪22‬‬ ‫﴾‬ ‫يم‬ ‫ٱلر ِ‬
‫ح‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫م‬ ‫َٰ‬ ‫ح‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ه ُ‬
‫ۡ‬ ‫ِ‬ ‫ۡ‬ ‫ُۚ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َٰ ۡ‬
‫ٱَّلل ع هما ُيش ِرُكون﴾‬ ‫يز ٱلجهب ُار ٱل ُمتكِب ُر ُسب َٰحن ه‬ ‫ِ‬
‫ٱلسل ُم ٱل ُمؤ ِم ُن ٱل ُمهيم ُن ٱلع ِز ُ‬ ‫ه‬
‫ُۚ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ۥ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َٰ‬
‫ٓء ٱل ُحسن َٰى ُيسب ُح ل ُه ما‬ ‫ئ ٱل ُمصوُر ل ُه ٱألسما ُ‬ ‫ٱَّللُ ٱلخل ُق ٱلب ِار ُ‬ ‫‪ُ ﴿ 23‬هو ه‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ِ ۡ‬
‫يم﴾ ‪2٤‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٱلس َٰم َٰوت وٱألرض و ُهو ٱلع ِز ُ‬ ‫ِفي ه‬
‫يز ٱلحك ُ‬
‫فهذه األسماء كلها قد أجريت مجرى الصفات كما يفيد قوله‪﴿ :‬وِهَّللِ‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ِ‬
‫ٓء ٱل ُحسن َٰى فٱد ُعوهُ بها﴾‪.‬‬
‫ٱألسما ُ‬
‫‪9‬‬
‫وهذا االسم خاص به سبحانه‪ ،‬ولم يطلق على أحد سواه‪ ،‬ولم يسمى به‬
‫غيره ال في الجاهلية وال في اإلسالم‪ ،‬ويدل على ذلك أن مثل هذه‬
‫التسمية لم تنقل إلينا ولو وقعت لنقلت‪ ،‬ومن جهة أخرى فإن هذا االسم‬
‫الكريم عرف عند الجاهليين بكونه علما خاصا بالخالق األعظم والذي‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫يدل على اعترافهم بهذا االختصاص مثل قوله تعالى‪﴿ :‬ولِئن سألت ُهم همن‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ُۚ ِ ۡ ۡ ِ ُِۚ ۡ ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ِ ۡ‬
‫ٱَّللُ ُقل ٱلحم ُد هَّلل بل أكث ُرُهم ال يعل ُمون﴾‪،‬‬
‫ٱلس َٰم َٰوت وٱألرض ليُقوُل هن ه‬
‫خلق ه‬
‫هذا االسم خاص باَّلل سبحانه لم يسمى أحد غيره‪.‬‬

‫وحكى القرطبي رحمه هللا تعالى‪ :‬اختالف العلماء حول هذا االسم الكريم‬
‫هل مشتق أو هو موضوع للذات‪:‬‬

‫فذهب إلى اشتقاقه كثير من أهل منهم سيبويه والخليل والكسائي والفراء‬
‫وغيرهم‪ ،‬ولكنهم لم يتفقوا على أصل االشتقاق‪.‬‬

‫• منهم من قال (هللا) أصله‪( :‬إله) فحذفت الهمزة وعوض عنها‬


‫األلف والالم (اإلله) هو المعبود بحق أو باطل ثم غلب على‬
‫المعبود بحق‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫• ومنهم من قال مشتق من (أله) بمعنى عبد‪.‬‬

‫• ومنهم من قال (اإلله) فحذفت الهمزة وأدغمت الالم األولى في‬


‫الثانية فصارتا الما مشددا‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬أنه علم لذاته المخصوصة؛ ألنه يوصف وال يوصف به‪،‬‬
‫وعلى هذا ذهب جماعة إلى األلف والالم من بنية الكلمة وعدم‬
‫جواز حذفهما‪.‬‬

‫ودلل أحد العلماء على كون األلف والالم من بنية الكلمة االسم‬
‫وأنهما لم يدخال للتعريف‪ :‬بدخول حرف النداء على اسم الكريم‬
‫(ياَّلل) وحروف النداء ال تجتمع مع األلف والالم التي للتعريف فال‬
‫يجوز أن نقول (يالرحمن) وال (يالرحيم) فدل ذلك على أنها من‬
‫بنية االسم‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وهذا القول يؤيده ما سبق من اختصاص المولى سبحانه بهذا‬
‫االسم‪.‬‬

‫ٱلر ِحي ِم﴾‪ :‬اسمان بنيا للمبالغة من رحم‪ ،‬كالغضبان من‬ ‫و﴿ ۡ‬
‫ٱلرح َٰم ِن ه‬
‫ه‬
‫غضب‪ ،‬والعليم من علم‪.‬‬

‫والرحمة في اللغة‪ :‬رقة القلب‪ ،‬وانعطاف يقتضي التفضل من‬


‫واإلحسان‪ ،‬ومنه الرحم النعطافه على ما فيها‪.‬‬

‫وأسماء هللا إنما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي‬
‫تكون انفعاالت‪.‬‬

‫والرحمن أبلغ من الرحيم؛ ألن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى كما‬
‫في قطع وقطع‪ ،‬وذلك يؤخذ باعتبار الك ِمهية تارة وباعتبار الكيفية تارة‬
‫أخرى‪.‬‬

‫فعلى األول قيل‪ :‬يا رحمان الدنيا واآلخرة‪ ،‬ألنه يعم المؤمن والكافر‪،‬‬
‫فالكثرة باعتبار كثرة المرحومين في الدنيا من المؤمنين والكافرين‪ ،‬وأما‬
‫المرحومون في األخرة فهم المؤمنون فقط‪ ،‬فهم قليلون بالنسبة للكافرين‪،‬‬

‫‪12‬‬
‫ولذلك قيل على هذا االعتبار‪ :‬يا رحيم اآلخرة؛ ألن الرحمة والنعم‬
‫األخروية تختص بالمؤمن‪.‬‬

‫وعلى الثاني‪ - :‬اعتبار الزيادة في كيفية صفة النعمة ‪ -‬قيل‪ :‬يا رحمان‬
‫الدنيا واألخرة ورحيم الدنيا؛ ألن النعم األخروية كلها ِجسام‪ ،‬وأما نعم‬
‫الدنيا فذليلة وحقيرة‪.‬‬

‫وإنما قدم الرحمن والقياس يقتضي الترقي من األدنى إلى األعلى‪:‬‬

‫‪ -1‬لتقدم رحمة الدنيا‪.‬‬

‫‪ -2‬وألنه صار كالعلم من إنه ال يوصف به غير هللا‪ ،‬ألن معناه المنعم‬
‫الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها‪ ،‬وذلك ال يصدق غيره‪.‬‬

‫‪ -3‬وألن الرحمن لما دل على جالئل النعم عظيمها كالعقل والفهم‬


‫وأصولها كالوجود والحياة ذكر الرحيم ليتناول النعم المستحقرة بالنسبة‬
‫إلى النعم العظيمة دفعا للتوهم أن حقائر النعم ودقائقها ال تستند إليه‬

‫‪13‬‬
‫تعالى لحقارتها فأزيل ذلك التوهم بذكر الرحيم الدال على دقائقها فيكون‬
‫كالتتمة والرديف له‪.‬‬

‫وقد يرى بعض العلماء التفاوت مع العكس ترتيب المبالغة بمعنى‬


‫ٱلر ۡح َٰم ِن﴾‪ ،‬وقد حكى ابن كثير هذا القول‪ ،‬ما ذكره‬
‫ٱلر ِحي ِم﴾‪ ،‬أبلغ من ﴿ ه‬
‫﴿ ه‬
‫ٱلر ۡح َٰم ِن﴾‪ ،‬ألنه أكد به‬
‫ٱلر ِحي ِم﴾ أشد مبالغة من ﴿ ه‬
‫البعض من أن ﴿ ه‬
‫والمؤ ِكد ال يكون إال أقوى من المؤهكد‪ ،‬ورد عليهم بأن هذا ليس من باب‬
‫التأكيد وإنما هو من باب النعت‪.‬‬

‫القول الراجح‪:‬‬

‫وما ذهب إليه أصحاب القول األول األولى بالقبول‪ ،‬ألن لفظ‪:‬‬
‫ٱلر ِحي ِم﴾ فقد وصف به غيره‬ ‫﴿ ۡ‬
‫ٱلرح َٰم ِن﴾ خاص باَّلل تعالى‪ ،‬وأما لفظ‪ ﴿ :‬ه‬ ‫ه‬
‫‪ۡ ٞ‬‬ ‫ۡ‬
‫ول ِمن أ ُنف ِس ُك ۡم ع ِز ٌيز‬ ‫لقوله تعالى في حق الرسول ﷺ‪﴿ :‬لقد جآء ُك ۡم رُس‬
‫‪ٞ‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ٞ‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ۡ ِۡ ۡ‬ ‫ِ‬ ‫عل ۡي ِه ما عِنتُّ ۡ‬
‫يص علي ُكم بٱل ُمؤمنين رُءوف هرحيم﴾‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ر‬ ‫ح‬ ‫م‬

‫‪14‬‬
‫ۡ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ٱلحم ُد هَّلل رب ٱل َٰعلمين﴾‬

‫ما هو الحمد وما الفرق بينه وبين المدح؟‬

‫الحمد‪ :‬الثناء على الجميل االختياري من نعمة أو غيرها‪ ،‬أي‪ :‬لإلنسان‬


‫فيه عالقة‪ ،‬كأن تمدح إنسانا على علمه أو كرمه‪.‬‬

‫المدح‪ :‬هو الثناء على الجميل مطلقا‪ ،‬كأن تمدحه على علمه وكرمه أو‬
‫على حسنه الذي ليس له دخل فيه‪ ،‬وقليل‪ :‬هما أخوان‪.‬‬

‫والشكر‪ :‬مقابلة النعمة قوال وعمال واعتقادا‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬

‫المح هجبا‬
‫يدي ولساني والضمير ُ‬ ‫اء مني ثالثة‬
‫النعم ُ‬
‫أفادتكم ُ‬
‫والمقصود بالضمير المحجب‪ :‬القلب‪.‬‬

‫فهو أعم منهما من وجه‪ ،‬وأخص من آخر‪ ،‬ولما كان الحمد من شعب‬
‫الشكر أشيع للنعمة‪ ،‬وأدل على مكانها لخفاء االعتقاد‪ ،‬وما في آداب‬
‫الجوارح من االحتمال ُجعل الحمد رأس الشكر‪ ،‬والعمدة فيه فقال عليه‬
‫الصالة والسالم‪( :‬الحمد رأس الشكر‪ ،‬وما شكر هللا من لم يحمده)‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫﴿ٱلحم ُد هَّلل﴾ جملة مركبة من مضاف ومضاف إليه‪ ،‬وهي خبرية لفظا‬
‫إنشائية معنى‪.‬‬

‫الجملة الخبرية‪ :‬هي التي تحتمل الصدق والكذب لذاتها‪ ،‬مثل‪( :‬العلم‬
‫نافع) فهذه خبرية صادقة؛ لمطابقة الخبر للواقع‪.‬‬

‫أما إذا قلت‪( :‬الجهل نافع) فهذه جملة خبرية كاذبة؛ لعدم مطابقة الخبر‬
‫للواقع‪.‬‬

‫والجملة اإلنشائية‪ :‬هي التي ال تحتمل الصدق والكذب لذاتها‪،‬‬


‫نحو‪(:‬اغفر وارحم) فال ينسب إلى قائليها صدق وال كذب‪.‬‬

‫والجملة التي معنا خبرية لفظا؛ ألن الحمد ال يكون إال هلل‪ ،‬إنشائية‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫معنى؛ ألن معناها قولوا‪﴿ :‬ٱلحم ُد هَّلل﴾‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫إعراب ﴿ٱلحم ُد هَّلل﴾‪:‬‬

‫فالحمد‪ :‬مبتدأ‪ ،‬و ﴿ِهَّللِ﴾ جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر‪،‬‬


‫والتقدير‪ :‬الحمد ثابت أو مستقر هلل والالم الداخلة على الجليل هي الم‬
‫االختصاص‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫والصيغة وردت معرفة ﴿ٱلحم ُد هَّلل﴾ لإلشارة إلى أن الحمد له أمر دائم‬
‫مستقر‪ ،‬ال حادث متجدد‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫قال أبو حيان‪ :‬وأصل لفظ الحمد‪( :‬أحمد حمدا هلل)‪ ،‬وإنما عدل عنه إلى‬
‫الرفع ليدل على عموم الحمد وثباته‪ ،‬دون وتجدده حدوثه‪ ،‬وفيه تعليم‬
‫اللفظ مع تعريض االستغناء‪ ،‬أي‪ :‬الحمد هلل وإن لم تحمدوه‪.‬‬

‫والتعريف في الحمد للجنس‪ ،‬ومعناه‪ :‬اإلشارة إلى ما يعرف كل أحد أن‬


‫الحمد ما هو؟ أو لالستغراق‪ ،‬إذ الحمد في الحقيقة كله له‪ ،‬إذ ما من‬
‫خير إال وهو موليه سواء بواسطة أو بدون واسطة‪ ،‬كما في قوله‬
‫تعالى‪﴿:‬وما ِب ُكم ِمن ِن ۡعم ٖة ف ِمن ه‬
‫ٱَّللِ﴾‪.‬‬

‫ۡ‬
‫ِ‬
‫﴿ر ِب ٱل َٰعلمين﴾ الرب‪ :‬في األصل مصدر بمعنى التربية‪ :‬وهي تبليغ‬
‫الشيء إلى كماله شيئا فشيئا‪ ،‬ويطلق الرب في اللغة‪ :‬على المالك والسيد‬
‫والمربي‪.‬‬

‫ۡ ‪ٞ‬‬
‫وال يقال الرب مع اإلطالق إال هلل عز وجل‪ ،‬كما في قوله تعالى‪﴿ :‬بلدة‬
‫‪ٞ‬‬ ‫‪ٞ‬‬
‫طِيبة ور ٌّب غُفور﴾‪ ،‬فإذا أضيف يمكن أن يراد به هللا تعالى‪ ،‬كما في‬
‫قوله سبحانه‪﴿ :‬فتلهق َٰٓى ءاد ُم ِمن هربِ ِه ۦ﴾‪ ،‬ويمكن أن يراد به غيره كما‬

‫‪17‬‬
‫تقول‪ :‬رب السيف‪ ،‬ورب الدابة‪ ،‬وكما في قوله تعالى‪﴿ :‬فل هما جآءهُ‬
‫ۡ ۡ ُۚ‬ ‫َٰ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡۡ‬ ‫ٱلرسول قال ۡٱر ِج ۡ‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ٱلنسوة ٱلتي قطعن أيدي ُه هن﴾‪.‬‬ ‫ب‬ ‫ا‬‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫ِ‬
‫ب‬
‫ر‬ ‫ى‬ ‫ل‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫ع‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َٰ‬ ‫هُ ُ‬

‫ۡ‬
‫ِ‬
‫﴿ٱل َٰعلمين﴾ جمع عالم‪ ،‬والعالم‪ :‬اسم جنس ال واحد له من لفظه كالرهط‬
‫واألنام‪ ،‬وقد تعددت أقوال العلماء في المراد به‪:‬‬
‫ۡ‬
‫• فمنهم من قال‪ :‬المراد به الناس‪ ،‬واستدل بقوله تعالى‪﴿ :‬أتأتُون‬
‫ۡ‬ ‫ُّ ۡ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٱلذكران من ٱل َٰعلمين﴾‪ ،‬أي من البشر خاصة‪ ،‬ألن قوم لوط وهم‬
‫المعنيون بذلك ُذ ُّموا بهذا الفعل‪.‬‬
‫• ومنهم من قال‪ :‬المراد بـ (العالمين) الجن واإلنس خاصة‪ ،‬واستدل‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫بقوله تعالى‪﴿ :‬تبارك هٱل ِذي ن هزل ٱلُفرقان عل َٰى عبده ۦ لي ُكون لل َٰعلمين‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫ن ِذ ا‬
‫ير﴾‪ ،‬والنبي ﷺ أرسل نذي ار لإلنس والجن ولم يرسل للبهائم وما‬
‫يلحق به‪.‬‬
‫• ومنهم من قال‪ :‬إن المراد بالعالمين أصناف الخالئق من المالئكة‬
‫والجن واإلنس دون غيرهما‪.‬‬
‫• فقد ذهب بعض العلماء إلى القول باإلطالق في بيان المراد‬
‫بالعالمين‪ ،‬فقال‪ :‬إن بالعالمين‪ :‬كل موجود سوى هللا تعالى‪ ،‬قال‬
‫بذلك قتادة‪ ،‬وقال الزجاج‪ :‬معنى العالمين‪ :‬كل ما خلق هللا‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫ورجح القرطبي قول قتادة والزجاج وقال‪ :‬هو أصح األقوال‪ ،‬ألنه شامل‬
‫ۡ‬
‫لكل مخلوق وموجود‪ ،‬دليله قوله تعالى‪﴿:‬قال ِف ۡرع ۡو ُن وما ر ُّب ٱلعلمين﴾‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َٰ‬
‫ِ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ِ ۡ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٱلس َٰم َٰوت وٱألرض وما بين ُهمآ إن ُكنتُم ُّموقنين﴾‪ ،‬وهو مأخوذ‬
‫﴿قال ر ُّب ه‬
‫من العلم والعالمة؛ ألنه يدل على موجده‪.‬‬

‫والمعنى‪ :‬قولوا يا عبادي إذا أردتم ثنائي وشكري‪ :‬الحمد هلل‪ ،‬أب‬
‫اشكروني على إحساني وجميلي إليكم‪ ،‬فأنا هللا ذو العظمة والمجد‪،‬‬
‫والمتفرد بالخلق واإليجاد‪ ،‬رب اإلنس والجن والمالئة وجميع المخلوقات‪،‬‬
‫ورب السماوات واألرضين‪ ،‬فالثناء والشكر هلل رب العالمين دون كل ما‬
‫يعبد من دونه‪.‬‬

‫ٱلر ِحي ِم﴾ أي الذي وسعت رحمته كل شيء‪ ،‬وعم فضله جميع‬ ‫﴿ ۡ‬
‫ٱلرح َٰم ِن ه‬
‫ه‬
‫األنام بما أنعم على عباده بالخلق والرزق والهداية إلى سعادة الدارين‪.‬‬

‫ٱلر ِحي ِم﴾ إما لتعظيم الموصوف‪،‬‬ ‫وجاء التكرار في قوله تعالى‪ۡ ﴿ :‬‬
‫ٱلرح َٰم ِن ه‬
‫ه‬
‫أو للتأكيد ليستقر في النفس‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫﴿ َٰملِ ِك ي ۡو ِم ِ‬
‫ٱلد ِ‬
‫ين﴾‪:‬‬

‫مالك باأللف‪ :‬قراءة عاصم والكسائي ويعقوب‪ ،‬ويعضده قوله تعالى‪:‬‬ ‫‪ِ -1‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡٗ ۡ‬ ‫ِۡ ۡ ‪ۡ ِ ٞ‬‬ ‫﴿ي ۡ‬


‫س شيا وٱألم ُر يومئ ٖذ هَّلل﴾‪.‬‬‫ٖ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ف‬‫ن‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫م‬‫ت‬ ‫ال‬ ‫م‬‫و‬
‫ۡ ۡ‬
‫‪ -2‬وق أر الباقون (ملِ ِك) بدون ألف‪ ،‬ويعضده قوله تعالى‪﴿ :‬لِم ِن ٱل ُمل ُك‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ٱليوم﴾‪ ،‬ولما فيه من التعظيم‪.‬‬

‫مالفرق بين المالك وملك؟‬


‫والمالك‪ :‬هو المتصرف في األعيان المملوكة كيف يشاء من ِ‬
‫الملك‪.‬‬

‫الملك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والملك‪ :‬هو المتصرف في األمر والنهي في المأمورين من ُ‬
‫‪ -3‬وقرئ‪( :‬ملك) بالتخفيف‪ ،‬و(ملك) بلفظ الفعل‪( ،‬ومالكا) بالنصب‬
‫و(مالك) بالرفع منونا على أنه خبر مبدأ محذوف‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫على المدح أو حاال‪،‬‬
‫وهذه األربعة قراءات شاذة‪.‬‬
‫مالمقصود بـ﴿ي ۡو ِم ِ‬
‫ٱلد ِ‬
‫ين﴾؟‬
‫والمقصود بـ﴿ي ۡو ِم ِ‬
‫ٱلد ِ‬
‫ين﴾‪ :‬هو يوم الجزاء والحساب ومنه "كما تدين‬
‫تدان"‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬ما وجه تخصيص هذه اإلضافة وهللا تعالى مالك األزمنة‬
‫واألمكنة ومن فيها؟‬

‫والجواب‪ :‬أن التخصيص ‪ -‬كما يقول أبو حيان – للتنبيه على عظم هذا‬
‫اليوم بما يقع فيه من األمور العظام واألهوال الجسام من قيامهم فيه هلل‬
‫تعالى‪ ،‬واالستشفاع لتعجيل الحساب‪ ،‬والفصل بين المحسن والمسيء‬
‫واستقرارهما فيما وعدهما هللا تعالى به‪ ،‬أو أنه يوم يرجع فيه إلى هللا‬
‫تعالى جميع ما ملكه لعباده وخولهم فيه‪ ،‬ويزول فيه ملك كل مالك‪ ،‬قال‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ ۡ‬
‫َٰ‬ ‫َٰ‬
‫تعالى‪﴿ :‬ولقد ِجئتُ ُمونا ُفرد َٰى كما خلقن ُكم أهول م ه ٖرة وتركتُم هما خهولن ُكم و ارٓء‬
‫َٰ‬
‫ورُك ۡم﴾‪.‬‬
‫ظ ُه ِ‬
‫ُ‬

‫ين﴾ فيه االلتفات من الغيبة إلى الخطاب‪.‬‬ ‫﴿ِإهياك ن ۡعبد وِإهياك ن ۡست ِ‬
‫ع‬
‫ُ‬ ‫ُُ‬
‫وااللتفات في اللغة‪ :‬مأخوذ من التفت اإلنسان يمنة ويسرة‪.‬‬

‫واصطالحا‪ :‬التعبير بأحد الطرق الثالث – التكلم والخطاب والغيبة –‬


‫بعد التعبير عنه بطريق آخر من تلك الطرق‪.‬‬

‫وفائدة االلتفات‪ :‬التفنن في الكالم واستمال القلوب‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫ومن عادة العرب التفنن في الكالم والعدول من أسلوب إلى آخر تطرية‬
‫له وتنشيطا للسامع‪ ،‬فيعدل من الخطاب إلى الغيبة‪ ،‬ومن الغبية إلى‬
‫ۡ‬ ‫ۡ ۡ‬
‫التكلم وبالعكس‪ ،‬كقوله تعالى‪ِ﴿ :‬إذا ُكنتُ ۡم ِفي ٱلُفلك وجرين ِب ِهم﴾‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫ِ‬
‫ۡ‬ ‫ٗ‬ ‫ٱلرَٰيح فتُِ‬ ‫ٱَّلل هٱل ِذي أ ۡ‬
‫َٰ‬
‫ير سحابا ف ُسقن ُه﴾‪.‬‬ ‫ث‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫س‬‫ر‬ ‫﴿و ه ُ ٓ‬
‫ُ‬
‫وقول امرئ القيس‪:‬‬

‫ونام الخلِ ُّي ولم ترُق ِد‬ ‫تطاول ليُلك ِباألثمد‬


‫كليل ِة ذي ِ‬
‫العائ ِر األرم ِد‬ ‫وبات وباتت ل ُه ليل ٌة‬

‫و ُخِبرتُ ُه عن أبي األسوِد‬ ‫وذلِك ِمن نبٍإ جاءني‬

‫البيت األول‪ :‬فيه التفات من التكلم إلى الخطاب وأصل الكالم‪( :‬تطاول‬
‫ليلي)‪.‬‬

‫والبيت الثاني‪ :‬فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة وأصله‪( :‬بت)‪.‬‬

‫والبيت الثالث‪ :‬فيه التفات من الغيبة إلى التكلم حيث عبر عن نفسه بياء‬
‫التكلم في (جاءني) بعدما عبر عنه بضمير الغيبة في (بات)‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫و (إهيا)‪:‬‬

‫‪ -1‬ضمير منفصل‪ ،‬وما يلحقه من الياء والكاف والهاء حروف زيدت‬


‫لبيان التكلم والخطاب والغيبة ال محل لها من اإلعراب‪.‬‬

‫‪ -2‬وقيل‪ :‬هي الضمائر‪ ،‬و(إيا) عمدة فإنها لما فصلت عن العوامل‬


‫تعذر النطق بها مفردة فضم إليها (يا) لتستقل‪.‬‬

‫‪ -3‬وقيل‪ :‬الضمير هو مجموع الكلمة كلها‪.‬‬

‫معنى العبادة‪:‬‬

‫والعبادة‪ :‬أقصى غاية الخضوع والتذلل‪ ،‬فالعبودية معناها‪ :‬الذلة‬


‫واالستكانة‪.‬‬

‫وفي الشرع‪ :‬هي طاعة تقترن بكمال المحبة والخضوع والخوف‪ ،‬ومن‬
‫أجل ذلك ال يستحقها إال من له غاية اإلفضال وهو هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ما وجه تقديم ضمير المفعول (إياك) على الفعل؟‬

‫قدم المفعول على الفعل لقصد االختصاص أي‪ :‬نخصك بالعبادة‪،‬‬


‫ونخصك بطلب المعونة‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫ما االستعانة وما أنواعها؟‬

‫االستعانة‪ :‬طلب المعونة مطلقا‪ ،‬سواء في جلب المنفعة أو دفع المضرة‪،‬‬


‫وهي نوعان‪ :‬ضرورية أو غبر ضرورية‪.‬‬

‫فالضرورية‪ :‬ماال يتأتي الفعل دونه كاقتدار الفاعل وتصوره‪ ،‬أي‪ :‬طلب‬
‫الفاعل المعونة من هللا سبحانه وتعالى على تصور الفعل الذي يقوم به‬
‫تصو ار صحيحا كمثل الكاتب فهو في هذه الحالة محتاج إلى أن يعينه‬
‫هللا على تأدية عمله بحصول اآللة كما يطلب من العون في وجود‬
‫المادة‪.‬‬

‫وغير الضرورية‪ :‬هي تحصيل ما يتيسر به الفعل ويسهل كالراحلة في‬


‫السفر للقادر على المشي‪ ،‬والمراد طلب المعونة في المهمات كلها‪ ،‬أو‬
‫في أداء العبادات‪.‬‬

‫لمن الضمير المستتر في الفعلين (نعبد‪ ،‬ونستعين)؟‬

‫الضمير المستكن في الفعلين للقارئ ومن معه من الحفظة‪ ،‬وحاضري‬


‫صالة الجماعة‪ ،‬أو له ولسائر الموحدين‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ما وجه إتيان بصيغة الجمع في الفعلين؟‬

‫أدرج عبادته في تضاعيف عبادتهم وخلط حاجته بحاجتهم لعلها تقبل‬


‫ببركتها ويجاب إليها‪ ،‬ولهذا شرعت الجماعة‪.‬‬

‫ما وجه تكرير الضمير في (إياك نعبد‪ ،‬وإياك نستعين)؟‬

‫كرر الضمير للتنصيص على أنه المستعان به ال غير‪ ،‬ويفيد أن كال‬


‫من العبادة واالستعانة مقصود بالذات فال يستلزم منهما اآلخر‪.‬‬

‫ما وجه تقديم العبادة على االستعانة؟‬

‫وقدمت العبادة على االستعانة ليتوافق روؤس اآلي‪ ،‬ويعلم منه أن تقديم‬
‫الوسيلة على طلب الحاجة أدعى إلى اإلجابة‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫ۡ‬
‫ِ‬ ‫ۡ‬ ‫﴿ ۡٱه ِدنا ِ‬
‫ٱلص َٰرط ٱل ُمستقيم﴾‬

‫ۡ‬
‫﴿ٱه ِدنا﴾ فعل دعاء ورغبة من المروب إلى الرب‪ ،‬ومعناه‪ :‬دلنا على‬
‫الصراط المستقيم‪ ،‬وأرشدنا إليه‪.‬‬

‫ومعنى طلب الهداية وهم مهتدون‪ :‬طلب زيادة الهدى بلطفه وكرمه‪،‬‬
‫ومنه تعالى‪ :‬أو المعنى‪ :‬ثبتنا على الهدى‪ ،‬كقولك للذي يأكل كل‪ ،‬وللقائم‬
‫قم‪ ،‬أي داوموا على ما أنتم عليه‪.‬‬

‫ۡ‬
‫ِ‬ ‫ۡ‬ ‫﴿ ۡٱه ِدنا ِ‬
‫ٱلص َٰرط ٱل ُمستقيم﴾ بيان للمعونة المطلوبة فكأنه قال‪ :‬كيف‬
‫أعينكم فقالوا‪ :‬اهدنا‪ ،‬أو إفراد لما هو المقصود األعظم‪.‬‬

‫والهداية‪ :‬داللة بلطف‪ ،‬ولذلك تستعمل في الخير‪ ،‬وقوله تعالى‪﴿ :‬‬


‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ٱهدوه ۡم ِإلى ِ‬
‫ص َٰر ِط ٱلجحي ِم﴾‪ ،‬وارد على التهكم ومنه الهداية وهوادي‬
‫ِ‬ ‫ف ُ ُ َٰ‬
‫الوحش لمقدماتها‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫ما أنواع العبادة إجماال؟‬

‫الهداية إجماال أربعة أنواع‪:‬‬

‫األول‪ :‬إفاضة القوى التي يتمكن بها المرء من االهتداء إلى مصالحه‬
‫كالقوة العقلية والحواس الباطنة والمشاعر الظاهرة‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬نصب الدالئل الفارقة بين الحق والباطل والصالح والفساد وإليه‬
‫ۡ‬ ‫ۡ َٰ ه ۡ ۡ‬
‫ود فهدي َٰن ُه ۡم‬‫م‬‫ث‬
‫ه ُ ُ‬‫ا‬‫م‬‫أ‬‫و‬‫﴿‬ ‫‪:‬‬‫وقال‬ ‫‪،‬‬‫﴾‬‫ن‬‫ِ‬ ‫ي‬ ‫أشار حيث قال‪﴿ :‬وهدين ُه ٱلنجد‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ف ۡٱستحُّبوا ٱلعم َٰى على ٱل ُهد َٰى﴾‪.‬‬

‫ۡ‬
‫الثالث‪ :‬الهداية بإرسال الرسل وإنزال الكتب‪ ،‬وإياها عنى بقوله‪﴿ :‬وجعلنا‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ِۡ ۡ ِ ٗ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬
‫من ُهم أئ همة يه ُدو بأمرنا﴾‪ ،‬وقوله‪﴿ :‬إ هن هذا ٱلُقرءان يهدي للتي هي‬
‫ۡ‬
‫أقوُم﴾‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬أن يكشف على القلوب السرائر ويريهم األشياء كما هي الوحي‪،‬‬
‫أو اإللهام والمنامات الصادقة‪ ،‬وهذا قسم يختص بنيله األنبياء واألولياء‬
‫ۡ‬ ‫ِ‬ ‫ۡ‬ ‫وإياه عنى بقوله‪﴿ :‬أُوَٰلِٓئك هٱل ِ‬
‫ىَٰه ُم ٱقتده﴾‪ ،‬وقوله‪:‬‬ ‫د‬ ‫ه‬‫ب‬‫ٱَّلل فِ‬
‫ه‬ ‫ى‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ين‬ ‫ذ‬
‫ُ ُ ُ‬
‫ُۚ‬
‫﴿و هٱل ِذين َٰجه ُدوا ِفينا لن ۡه ِديهن ُه ۡم ُسُبلنا﴾‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫ما هو الصراط؟ وما أصله؟ ولماذا سمي بذلك؟ وما أوجه القراءات فيه؟‬

‫الصراط‪ :‬هو الطريق الواضح والسهل أو المستقيم‪ ،‬وأصله‪ :‬بالسين‬


‫(السراط) قلبت السين صادا ليطابق الطاء في اإلطباق‪.‬‬

‫وسمي الطريق بذلك؛ ألن الصراط من السر ِط بمعنى االبتالع كأنها‬


‫تبتلع سالكها‪.‬‬

‫وأجه القراءات التي فيه هي‪:‬‬

‫‪ -1‬ق أر ابن كثير برواية قنبل عنه‪ ،‬ورويس عن يعقوب بالسين على‬
‫األصل‪.‬‬

‫‪ -2‬وق أر حمزة بإشمام الصاد صوت الزاي‪.‬‬

‫‪ -3‬وق أر الباقون بالصاد وهو لغة قريش‪.‬‬

‫ما هو المستقيم؟ وما المراد به في اآلية الكريمة؟‬

‫‪28‬‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ِ‬
‫﴿ٱل ُمستقيم﴾‪ :‬المستوي والمراد به طريق الواضح‪ ،‬وقيل‪ :‬هو ملة‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ص َٰرط هٱل ِذين أنع ۡمت علي ِه ۡم﴾؟ وما معنى كونه في حكم‬
‫ما إعراب ﴿ ِ‬

‫تكرير العامل؟ وما فائدته؟‬


‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ص َٰرط هٱل ِذين أنع ۡمت علي ِه ۡم﴾‪ :‬بدل من األول بدل الكل‪ ،‬ومعنى‬
‫إعراب ﴿ ِ‬

‫كونه في حكم تكرير العامل‪ :‬أنه المقصود بالنسبة‪ ،‬وفائدته‪ :‬التوكيد‬


‫والتنصيص على أن طريق المسلمين هو المشهود عليه باالستقامة على‬
‫آكد وجه وأبلغه‪.‬‬

‫واإلنعام إيصال النعمة‪ ،‬ونعم هللا وإن كانت ال تحصى كما قال‪﴿ :‬وِإن‬
‫صوهآ﴾‪ ،‬تنحصر في جنسين‪ :‬دنيوي‪ ،‬وأخروي‪.‬‬ ‫ٱَّللِ ال ت ۡ‬
‫ح‬ ‫ه‬ ‫ة‬ ‫م‬‫ع‬‫تع ُّدوا ِن ۡ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واألول قسمان‪ :‬موهبي وكسبي‪.‬‬

‫فالموهبية‪ :‬هي ماال دخل لكسب العبد في حصولها‪ ،‬وهي قسمان‪:‬‬

‫‪ -1‬روحاني‪ :‬كنفخ الروح فيه وإشراقه بالعقل وما يتبعه من القوى كالفهم‬
‫والفكر والنطق‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫‪ -2‬جسماني‪ :‬كتخليق البدن والقوى الحالة فيه والهيئات العارضة له من‬
‫الصحة وكمال األعضاء‪.‬‬

‫والكسبية‪ :‬هي التي يكون للعبد في حصولها مدخل مثل‪ :‬تزكية النفس‬
‫عن الرذائل وتحليتها باألخالق السنية والملكات الفاضلة‪ ،‬وتزيين البدن‬
‫بالهيئات المطبوعة والحلي المستحسن وحصول الجاه والمال‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬أن يغفر له ما فرط منه ويرضي عنه ويبوئه في أعلى عليين‬
‫مع المالئكة المقربين أبدا اآلبدين‪.‬‬

‫والمراد بالنعم في اآلية الكريمة‪ :‬هو النعم األخروية‪ ،‬وهي وإن لم تحصل‬
‫بعد إال أنه عبر عنها بلفظ الماضي لكونها محققة الوقوع‪.‬‬

‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ ۡ‬


‫ِ‬ ‫ض ِ‬
‫وب علي ِهم وال ه‬
‫ٱلضآلين﴾؟‬ ‫ما إعراب قوله تعالى‪﴿ :‬غي ِر ٱلمغ ُ‬
‫له أوجه من اإلعراب‪:‬‬

‫‪ -1‬بدل من‪ ﴿ :‬هٱل ِذين﴾‪ ،‬على معنى أن المنعم عليهم هم الذين سلموا‬
‫من الغضب والضالل‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫‪ -2‬صفة له مبينة أو مقيدة على معنى أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة‬
‫وهي نعمة اإليمان‪ ،‬والسالمة من الغضب والضالل‪.‬‬

‫وهذان اإلعرابان على قراءة (غير) بالجر‪ ،‬وأما إذا قرئت بالنصب يجوز‬
‫فيها‪:‬‬
‫ۡ‬
‫‪ -3‬حال وصاحب الحال الضمير المجرور في ﴿علي ِه ۡم﴾‪.‬‬

‫‪ -٤‬مفعول به لفعل محذوف تقديره‪ :‬أعني‪.‬‬

‫من هم المغضوب عليهم ومن هم الضالين مع الدليل؟‬


‫ه‬ ‫ۡ‬ ‫ِ ۡ‬ ‫ۡ ۡ‬
‫ِ‬
‫ٱَّللُ‬
‫ضوب عليهم﴾ اليهود لقوله تعالى فيهم‪﴿ :‬من لعن ُه ه‬ ‫قليل‪﴿ :‬ٱلمغ ُ‬
‫َٰه ُۚ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ِۡ‬ ‫ۡ‬
‫ضب علي ِه وجعل من ُه ُم ٱلقردة وٱلخنازير وعبد ٱلط ُغوت﴾‪ ،‬والضالين‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وغ ِ‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ير وضُّلوا عن سوا ِ‬
‫ٓء‬ ‫النصارى لقوله تعالى‪﴿ :‬قد ضُّلوا ِمن قب ُل وأضُّلوا كِث ٗ ا‬
‫ٱلسِب ِ‬
‫يل﴾‪.‬‬ ‫ه‬

‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ِ‬ ‫ۡ ۡ‬


‫ِ‬
‫ضوب عليهم﴾ العصاة والضالين الجاهلون باَّلل‪.‬‬‫قيل‪﴿ :‬ٱلمغ ُ‬

‫‪31‬‬
‫ۡ‬ ‫ِ ۡ‬ ‫ۡ ۡ‬
‫ِ‬
‫ضوب عليهم﴾‪ :‬هم الذين بلغهم الدين الحق الذي شرعه‬ ‫قيل‪ :‬إن ﴿ٱلمغ ُ‬
‫هللا لعباده‪ ،‬فرفضوا ونبذوه‪ ،‬والضالون‪ :‬هم الذين لم يعرفوا الحق‪ ،‬أو لم‬
‫يعرفوه على الوجه الصحيح‪ ،‬وهم الذين لم تبلغهم رسالة أو بلغتهم بنحو‬
‫ناقص‪.‬‬

‫قال الرازي‪" :‬ويحتمل أن يقال المغضوب عليهم هم الكفار‪ ،‬والضالون‪:‬‬


‫هم المنافقون‪ ،‬وذلك ألنه تعالى بدأ بذكر المؤمنين والثناء عليهم في‬
‫خمس آيات من أول سورة البقرة‪ ،‬ثم أتبعه بذكر الكفار‪ ،‬ثم أتبعه بذكر‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫المنافقين‪ ،‬فكذا هنا بدأ بذكر المؤمنين‪ ،‬وهو قوله‪﴿ :‬أنع ۡمت علي ِه ۡم﴾ ثم‬
‫ۡ‬ ‫ِ ۡ‬ ‫ۡ ۡ ۡ‬
‫ضوب عليهم﴾ ثم أعقبه بذكر‬‫ِ‬ ‫أعقبه بذكر الكفار وهو قوله‪﴿ :‬غي ِر ٱلمغ ُ‬
‫ٱلضآلِين﴾‪.‬‬
‫المنافقين وهو قوله‪﴿ :‬وال ه‬

‫ما هو الغضب؟ وما المراد إذا اسند إلى هللا؟‬

‫الغضب‪ :‬ثوران النفس وإرادة االنتقام‪ ،‬فإذا اسند إلى هللا تعالى أريد به‬
‫المنتهى والغايات‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫المعنى العام للسورة الكريمة‪ :‬في الكتاب من تحت الهامش رقم (‪)3‬‬
‫من‪ :‬صفحة‪ 76 :‬إلى صفحة‪. 78:‬‬

‫وفقه اآليات وما يستفاد منها‪ :‬من صفحة‪ 78 :‬إلى صفحة‪. 88 :‬‬

‫وبهذا انتهى تفسير سورة الفاتحة‪.‬‬

‫وأرجو النجاح والتوفيق للجميع‬

‫والحمد هلل أوال وآخ ار‬

‫‪33‬‬
34

You might also like