You are on page 1of 10

‫بسم ا الرحمن الرحيم‬

‫سورة الفاتحة‬
‫للشيخ صالح الفوزان حفظه ا‬

‫‪ - 1‬منزلتها ومكانتها‬
‫هذه السورة لها مكانة عظيمة في القرآن الكريم ؛ إذ هي أعظم سورة فيه ‪ ،‬كما أن أعظم آية في‬
‫القرآن آية الكرسي ‪ .‬ولهميتها كتبت في أول المصحف ‪ ،‬ولهذا سميت فاتحة الكتاب ‪ ،‬وهذا يدل‬
‫على أهميتها ومكانتها ؛ لنها ما قدمت وجعلت أول سورة في المصحف إل لهميتها ‪.‬‬
‫حكم قراءتها في الصلة‬
‫ضا أن ا ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬أوجب قراءتها في كل ركعة في الصلة ‪.‬‬ ‫ومن أهميتها أي ض‬

‫وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى وجوب قراءتها في الصلة ‪ ،‬وأن من لم يقرأ بها في صلته ؛‬
‫فإن صلته ل تصح ؛ لقول النبي ‪ -‬صلى ا عليه وسلم ‪ : -‬ل صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب‬
‫‪.‬‬

‫وهذا في حق المستطيع لقراءتها ‪ ،‬أما العاجز الذي ل يستطيع قراءتها لعجزه عن حفظها ؛ فإنه‬
‫يقرأ ما تيسر معه من آيات القرآن غير الفاتحة ‪ .‬وإذا كان ل يحسن شيضئا من القرآن ؛ فإنه يأتي‬
‫بالذكر ‪ :‬سبحان ا ‪ ،‬والحمد ل ‪ ،‬ول إله إل ا ‪ ،‬وا أكبر ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال ؛ لقول‬
‫النبي ‪ -‬صلى ا عليه وسلم ‪ : -‬إذا قمت إلى الصلة فكبر ‪ ،‬فإن كان معك قرآن فاقرأ ‪ ،‬وإل‬
‫فاحمد ا وكبره وهلله ثم اركع ‪. ...‬‬

‫وقد ذهب جمهور العلماء إلى وجوبها على المام والمنفرد ‪ ،‬واختلفوا في قراءتها في حق المأموم‬
‫‪ ،‬وعلى ثلثة أقوال ‪:‬‬

‫القول الول ‪ :‬إنها واجبة على كل مصل ‪ :‬إماضما كان أم مأموضما ؛ أم منفرضدا لقول النبي ‪ -‬صلى ا‬
‫عليه وسلم ‪ : -‬ل صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وهذا عام في كل مصل ‪ .‬وقال ‪ -‬صلى ا‬
‫عليه وسلم ‪ : -‬لعلكم تقرءون خلف إمامكم ؟ ! قالوا ‪ :‬نعم ‪ ،‬يا رسول ا ‪ ،‬قال ‪ :‬ل تفعلوا إل‬
‫بفاتحة الكتاب ؛ فإنه ل صلة لمن لم يقرأ بها وهذا مذهب المام الشافعي وجمع من المحدثين‬
‫كالمام البخاري وغيره ‪ ،‬يرون وجوب قراءتها على المام والمأموم والمنفرد ‪.‬‬

‫القول الثاني ‪ :‬إنها ل تجب على المأموم ؛ لن قراءة المام تجزئ عنه ؛ لقوله ‪ -‬صلى ا عليه‬
‫وسلم ‪ : -‬من كان له إمام فقراءة المام له قراءة ولكن هذا الحديث في سنده مقال ‪.‬‬

‫ئ ارلقمررآمن نفارستنصممعوا لنهم نوأنرن ص‬


‫صمتوا لننعللمكرم تمررنحممونن ‪ ،‬قالوا في وجه‬ ‫واستدلوا بقوله تعالى ‪ :‬نوإصنذا قمصر ن‬
‫الستدلل ‪ :‬إن ا ‪ -‬جل جلله ‪ -‬أمر بالستماع لقراءة القرآن والنصات ‪ .‬والية نزلت في شأن‬
‫الستماع في الصلة ‪ ،‬يعني ‪ :‬إذا قرأ المام فعلى المأموم أن ينصت ويستمع ‪ .‬فدلت الية على‬
‫أنه ل قراءة على المأموم ؛ لن المام يقرأ لنفسه وللمأمومين ‪ .‬وهذا القول هو مذهب أبي حنيفة‬
‫وأحمد ‪.‬‬

‫القول الثالث ‪ :‬وهو قول المام مالك واختيار شيخ السلم ابن تيمية وجماعة من العلماء ‪ ،‬أنها‬
‫تجب على المأموم في الصلة السرية التي ل يجهر فيها المام ‪ ،‬كالظهر والعصر ‪ ،‬فأما في‬
‫الصلة الجهرية فإنها تكفي قراءة المام ‪ ،‬وعلى المأموم أن ينصت ويستمع ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬وبهذا تجتمع الدلة ‪ :‬فالدلة التي توجب قراءة الفاتحة تحمل على الصلة السرية ‪ ،‬والدلة‬
‫الخرى والية الكريمة تحمل على الصلة الجهرية ‪ .‬وهذا القول هو أعدل القوال إن شاء ا ‪.‬‬
‫أسماء سورة الفاتحة‬
‫هذه السورة لها عدة أسماء ‪ ،‬كل اسم يدل على معنى ‪ ،‬والشيء إذا كثرت أسماؤه دل ذلك على‬
‫فضله ‪.‬‬

‫فتسمى ‪ :‬فاتحة الكتاب ؛ لنها تفتتح بها كتابة المصاحف ‪.‬‬

‫وتسمى ‪ :‬أم القرآن ؛ لن القرآن يدور على ما تشتمل عليه هذه السورة من المعاني ‪ ،‬فكل المعاني‬
‫التي اشتمل عليها القرآن وفصلها في آياته ‪ ،‬اشتملت عليها هذه السورة بصفة مجملة ‪.‬‬

‫وتسمى الرقية ؛ لنها يرقى بها المريض ؛ والدليل على ذلك ما في الصحيح ‪ :‬أن نفضرا من‬
‫الصحابة أضافوا حضيا من أحياء العرب فلم يضيفوهم ‪ ،‬فلدغ كبيرهم ‪ -‬لدغته حية أو عقرب ‪ -‬ولم‬
‫يجدوا له علضجا ‪ ،‬فجاءوا إلى هؤلء النفر من الصحابة فطلبوا منهم الرقية ‪ .‬فقالوا ‪ :‬إنكم لم‬
‫تضيفونا ‪ ،‬وإنا ل نرقي إل بجعل ‪ ،‬يعني ‪ :‬بأجر ‪ ،‬فحدوا لهم قطيضعا من الغنم ‪ ،‬فقام أحد الصاحبة‬
‫فقرأ عليه سورة الفاتحة ‪ ،‬فقام الرجل كأنما نشط من عقال ‪ .‬فأخذوا الغنم ‪ ،‬ولكن لم يتصرفوا فيها‬
‫حتى يستأذنوا رسول ا ‪ -‬صلى ا عليه وسلم ‪ ، -‬فقدموا على الرسول وذكروا له القصة ‪،‬‬
‫فقال ‪ ) :‬وما أدراك أنها رقية ( ؟ ! ثم إنه قال لهم ‪ ) :‬اقتسموا هذه الغنم ‪ ،‬واضربوا لي معكم‬
‫بسهم وقال ‪ :‬إن أحق ما أخذتم عليه أجضرا كتاب ا ‪.‬‬

‫وتسمى الشافية ؛ لنها تشفي بإذن ا من المراض ‪ ،‬تشفي القلوب ‪ ،‬وتشفي البدان ‪ :‬تشفي‬
‫القلوب من الشكوك والوهام والوساوس ‪ ،‬وتشفي البدان من اللم ‪ ،‬كما حصل لهذا اللديغ ‪.‬‬

‫ك نسربضعا صمنن ارلنمنثاصني نوارلقمررآنن ارلنعصظينم المراد‬


‫وتسمى ‪ :‬السبع المثاني ؛ قال ا تعالى ‪ :‬نولنقنرد آتنريننا ن‬
‫بالسبع المثاني ‪ :‬سورة الفاتحة لنها سبع آيات ‪ ،‬ووصفت السبع بأنها مثاني ؛ لنها تكرر قراءتها‬
‫في كل ركعة ‪ .‬وقال النبي ‪ -‬صلى ا عليه وسلم ‪ -‬عنها ‪ :‬هي السبع المثاني والقرآن العظيم‬
‫الذي أوتيته ‪ .‬وتسمى ‪ :‬الصلة ؛ كما جاء في الحديث القدسي ‪ " :‬قسمت الصلة بيني وبين‬
‫عبدي نصفين ‪ " . .‬ثم فسر الصلة بالفاتحة ‪.‬‬

‫عدد آياتها‬
‫ك نسربضعا صمنن ارلنمنثاصني‬
‫هذه السورة هي سبع آيات بنص القرآن ‪ ،‬كما تقدم في قوله تعالى ‪ :‬نولنقنرد آتنريننا ن‬
‫ب ارلنعالنصمينن هذه آية اللررحنمصن اللرصحيصم الية الثانية نمالص ص‬
‫ك‬ ‫نوارلقمررآنن ارلنعصظينم ‪ :‬فقوله ارلنحرممد صللص نر ب‬
‫ط ارلممرستنصقينم الية‬ ‫صنرا ن‬ ‫ك ننرستنصعيمن الية الرابعة ارهصدننا ال ب‬
‫ك ننرعبممد نوإصليا ن‬
‫ينروصم البديصن الية الثالثة إصليا ن‬
‫ضابلينن هي‬ ‫ب نعلنريصهرم نونل ال ل‬ ‫ضو ص‬ ‫ر‬
‫ت نعلنريصهرم الية السادسة نغريصر النمرغ م‬ ‫ط اللصذينن أنرننعرم ن‬
‫صنرا ن‬‫الخامسة ص‬
‫الية السابعة ‪.‬‬

‫هذا مذهب الجمهور في عدد آياتها ‪.‬‬

‫ضابلينن‬
‫ب نعلنريصهرم نونل ال ل‬‫ضو ص‬ ‫ت نعلنريصهرم نغريصر ارلنمرغ م‬
‫ط اللصذينن أنرننعرم ن‬
‫صنرا ن‬
‫وذهب الشافعي إلى أن قوله ‪ :‬ص‬
‫اص اللررحنمصن اللرصحيصم ‪.‬‬ ‫آية واحدة ‪ ،‬وهي الية السابعة ‪ ،‬وأن الية الولى من السورة هي ‪ :‬بصرسصم ل‬

‫ولهذا الختلفا يوجد في بعض المصاحف كتابة رقم ) ‪ ( 1‬بعد البسملة ‪ ،‬إشارة إلى أن البسملة‬
‫آية من الفاتحة ‪ ،‬وفي بعضها ل يوجد هذا الرقم تبضعا للقول بأنها ليست آية منها ‪.‬‬

‫فالبسملة عند الشافعي آية من الفاتحة ‪ ،‬وأما الجمهور فالبسملة ‪ -‬عندهم ‪ -‬ليست آية من الفاتحة‬
‫ول من غيرها من سور القرآن ‪ ،‬إل التي في سورة النمل فإنها بإجماع العلماء بعض آية من تلك‬
‫السورة ‪ ،‬وذلك في قوله تعالى ‪ :‬إصنلهم صمرن مسلنرينمانن نوإصنلهم بصرسصم ل‬
‫اص اللررحنمصن اللرصحيصم ‪ .‬وأما في غير‬
‫ذلك فهي آية مستقلة ‪ ،‬وليست خاصة بسورة معينة ‪ ،‬ولذا ل يوجد في أي مصحف كتابة رقم )‬
‫‪ ( 1‬عليها في سائر السور غير سورة الفاتحة ؛ وذلك لنها آية مستقلة نزلت للفصل بين السور ‪،‬‬
‫ولذا يؤتى بها في أول كل سورة إل في أول سورة براءة ؛ لنها لم تنزل على الرسول ‪ -‬صلى ا‬
‫عليه وسلم ‪ -‬في أول هذه السورة كما نزلت عليه في بقية السور ‪ ،‬وقيل في تعليل ذلك ‪ :‬إن براءة‬
‫مكملة لسورة النفال ‪ ،‬وقيل ‪ :‬لنها نزلت بالسيف والعذاب وافتتحت بالبراءة فل يناسب تقديم‬
‫ذكر الرحمة عليها ‪ .‬وا أعلم ‪.‬‬

‫شرح الستعاذة والبسملة‬


‫أما ) أعوذ بال من الشيطان الرجيم ( ؛ فهذه قطضعا ليست من الفاتحة ‪ ،‬وإنما يؤتى بالستعاذة ؛‬
‫عمل بقوله تعالى ‪ :‬فنإ صنذا قننررأ ن‬
‫ت ارلقمررآنن نفارستنصعرذ صباللص صمنن اللشري ن‬
‫طاصن اللرصجيصم ‪ ،‬فإذا أراد المسلم أن يقرأ‬
‫القرآن فإنه يستعيذ بال من الشيطان الرجيم في بداية قراءته ؛ من أجل أن يتحصن من الشيطان‬
‫فل يشوش عليه قراءته ‪.‬‬

‫ومعنى أعوذ ‪ :‬ألتجئ إلى ا جل وعل ‪ ،‬وأحتمي به من هذا العدو ‪ .‬فالعوذ هو اللتجاء إلى ا‬
‫من الشيطان ‪.‬‬

‫والشيطان ‪ ،‬المراد به كل مارد عات من النس والجن والدواب ‪ .‬من شاط الشيء إذا اشتد ‪ ،‬أو‬
‫من شطن إذا بعد ؛ لن الشيطان بعيد من الخير ‪.‬‬

‫الرجيم ؛ فعيل بمعنى مفعول ‪ ،‬أي ‪ :‬المرجوم ؛ لن الشياطين ترجم بالشهب من السماء ‪ ،‬فل‬
‫يسترقون السمع وترجم كذلك بذكر ا سبحانه وتعالى ‪ .‬فالشيطان مرجوم بمعنى ‪ :‬أنه مطرود‬
‫ومبعد عن الخير ‪ .‬فالمسلم يعتصم بربه ويلتجئ إليه من هذا الشيطان ؛ لئل يضره ‪ ،‬ويستعيذ به‬
‫من همزه ونفخه ونفثه ‪ ،‬وهكذا ورد في استعاذة النبي ‪ -‬صلى ا عليه وسلم ‪.-‬‬

‫والهمز المراد به ‪ :‬الصرع ؛ لن الشيطان يصرع النسان أحياضنا فيجن ويتخبط ‪ ،‬فإصابة الجنون‬
‫س المراد به ‪ :‬الصرع ‪.‬‬ ‫طامن صمنن ارلنم ب‬
‫هذه من الشيطان ‪ ، ،‬قوله تعالى ‪ :‬اللصذي ينتننخبلطمهم اللشري ن‬
‫فالشيطان يداخل النسان ويجري منه مجرى الدم ‪ ،‬ويصرعه أحياضنا ‪ ،‬وإذا لم يحمه ا منه فإنه‬
‫يؤذيه بالوساوس والوهام والصرع ‪.‬‬

‫والنفخ معناه ‪ :‬الكبر ؛ لن الكبر من الشيطان ‪ ،‬فهو الذي ينفخ في النسان ‪.‬‬

‫والنفث ‪ :‬الشعر ‪ ،‬قال تعالى ‪ :‬نوالششنعنرامء ينتلبصمعهممم ارلنغاموونن فالشعر من نفث الشيطان ‪ ،‬إل ما كان‬
‫من الشعر الطيب النزيه فإنه ممدوح ؛ قال ‪ -‬صلى ا عليه وسلم ‪ : -‬إن من البيان لسحضرا ‪ ،‬وإن‬
‫من الشعر حكضما لكن غالب الشعر أنه سيء ‪ ،‬وأنه من نفث الشيطان ‪ .‬وقيل ‪ :‬المراد بنفثه ‪:‬‬
‫ت صفي ارلمعقنصد ‪.‬‬
‫السحر ؛ قال ‪ -‬تعالى ‪ : -‬نوصمرن نشبر النللفانثا ص‬

‫والستعاذة مستحبة قبل القراءة في الصلة وفي غيرها ؛ لقوله تعالى ‪ :‬فنإ صنذا قننررأ ن‬
‫ت ارلقمررآنن نفارستنصعرذ‬
‫صباللص صمنن اللشري ن‬
‫طاصن اللرصجيصم وهذا مطلق تدخل فيه حال الصلة وغيرها ‪.‬‬

‫" بصرسصم ل‬
‫اص اللررحنمصن اللرصحيصم " ‪ :‬الباء للستعانة ‪ ،‬وفيه فعل مقدر ‪ ،‬تقديره ‪ :‬أستعين باسم ا ‪ ،‬أو‬
‫أتحصن باسم ا ‪ .‬واسم ا مفرد مضافا يعم جميع أسماء ا تعالى ‪ ،‬فتقول ‪ :‬أتحصن وأتبرك‬
‫بأسماء ا سبحانه وتعالى ؛ لن أسماء ا تعالى مباركة ؛ قال تعالى ‪ :‬تننبانر ن‬
‫ك ارسمم نربب ن‬
‫ك صذي‬
‫ارلنجنلصل نوا ر صلركنراصم والنبي ‪ -‬صلى ا عليه وسلم ‪ -‬كان في دعاء الستفتاح يقول ‪ :‬وتبارك اسمك‬
‫‪ ،‬فاسم ا مبارك ‪ ،‬وأنت تتبرك بأسماء ا ‪ ،‬فقولك ‪ :‬باسم ا ‪ ،‬الجار والمجرور متعلق‬
‫بمحذوفا ‪ ،‬أي ‪ :‬أتبرك وأستعين باسم ا ‪.‬‬

‫و ) ا ( ‪ :‬علم على الله المعبود الحق ‪ ،‬وهو من أعظم أسماء ا ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬وا‬
‫معناه ‪ :‬المألوه المعبود ‪ ،‬من أله يؤله إذا عبد ‪ ،‬فهو المعبود سبحانه وتعالى ‪ .‬المقصود في كل‬
‫حاجة ‪.‬‬

‫) الرحمن ( ‪ :‬اسم من أسماء ا ‪ ،‬يتضمن صفة من صفاته وهي الرحمة ‪.‬‬

‫) الرحيم ( ‪ :‬كذلك ‪ ،‬فالرحمن والرحيم من أسمائه ‪ ،‬والرحمة من صفاته ‪ ،‬وكل اسم من أسماء ا‬
‫جل وعل ؛ فإنه يتضمن صفة من صفاته ‪.‬‬

‫والفرق بين الرحمن والرحيم ‪ :‬أن الرحمن ‪ :‬ذو الرحمة العامة لجميع المخلوقات ‪ ،‬وأما الرحيم ‪:‬‬
‫فهو خاص بالمؤمنين ؛ قال تعالى ‪ :‬نونكانن صبارلممرؤصمصنينن نرصحيضما ‪.‬‬
‫تفسير آيات الفاتحة‬
‫ب ارلنعالنصمينن الحمد هو ‪ :‬الثناء على ا سبحانه وتعالى ‪ ،‬فال سبحانه‬
‫قوله تعالى ‪ :‬ارلنحرممد صللص نر ب‬
‫ميحمد بمعنى ‪ :‬ميثنى عليه بأسمائه وصفاته وأفعاله سبحانه وتعالى ‪ .‬والحمد أعم من الشكر ؛ لن‬
‫الشكر ل يكون إل على الفعال ‪ ،‬وأما الحمد فيكون على السماء والصفات وعلى الفعال ‪،‬‬
‫فالحمد أعم من الشكر ‪.‬‬

‫وهذا هو الفرق بين الحمد والشكر ‪.‬‬

‫و " أل " في قوله ‪ :‬ارلنحرممد صللص ‪ ،‬للستغراق أي ‪ :‬جميع المحامد ل ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬ملضكا‬
‫واستحقاضقا ‪ .‬فل يستحق الحمد على الطلق إل ا ‪ -‬جل وعل ‪ -‬؛ لنه هو المنعم ذو النعام‬
‫المطلق ‪ ،‬فله الحمد المطلق سبحانه وتعالى ‪ ،‬ففي قوله ‪ :‬ارلنحرممد صللص ‪ ،‬أي ‪ :‬جميع المحامد ل‬
‫سبحانه وتعالى ‪.‬‬

‫وأما المخلوق فإنه يحمد على قدر ما يجري منه من الخير ‪ ،‬ولكن ا هو الذي جعل فيه هذا‬
‫الخير ‪ ،‬فأصل الحمد ‪ ،‬ل عز وجل ‪.‬‬

‫ب ارلنعالنصمينن ‪ ،‬الرب هو ‪ :‬المربي لخلقه ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬بنعمه ‪ ،‬وهو المالك لهم ‪،‬‬
‫قوله ‪ :‬نر ب‬
‫فالرب ‪ :‬يطلق ويراد به المربي ‪ ،‬ويطلق ويراد به المالك ‪ ،‬وا هو مالك جميع الخلق ‪ ،‬ويطلق‬
‫ويراد به المصلح ‪ ،‬وا ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬هو الذي يصلح أحوال عباده ويتولهم ‪.‬‬

‫ول يطلق لفظ الرب إل على ا ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ ، -‬أما إطلقه على غير ا فل بد أن يقيد‬
‫بالمضافا إليه ‪ ،‬فيقال ‪ :‬رب الدار ‪ ،‬رب البل ‪ ،‬أي ‪ :‬صاحبها ومالكها ‪.‬‬
‫أما إذا أطلق الرب أو رب العالمين ‪ ،‬فإنه خاص بال سبحانه ‪ ،‬ل يجوز وصف غيره به ‪.‬‬

‫و ارلنعالنصمينن ‪ :‬جمع عالم ‪ ،‬وهو ‪ :‬كل ما سوى ا سبحانه وتعالى ‪ .‬والعوالم في الكون كثيرة ‪،‬‬
‫ل يعلمها إل ا سبحانه وتعالى ‪ ،‬ومنها ‪ :‬عالم النس ‪ ،‬وعالم الجن ‪ ،‬وعالم الملئكة ‪ ،‬وعالم‬
‫الجمادات ‪ ،‬وعالم الحيوانات ‪ ،‬كل أجناس الخلق يقال لها عوالم ‪ ،‬وربها هو ا جل وعل ‪ ،‬ل‬
‫أحد يخرج من ربوبيته سبحانه وتعالى ‪.‬‬

‫قوله تعالى ‪ :‬اللررحنمصن اللرصحيصم عرفنا تفسيرهما في شرح البسملة ‪.‬‬

‫ك ينروصم البديصن في قراءة ) مالك ( باللف ‪ ،‬وفي قراءة ) ملك ( ‪ ،‬وكل القراءتين‬
‫قوله تعالى ‪ :‬نمالص ص‬
‫صحيح ‪ ،‬فهو سبحانه مالك وملك ‪.‬‬

‫ينروصم البديصن ‪ :‬المراد بالدين هنا ‪ :‬الحساب والجزاء ‪ ،‬قال تعالى ‪ :‬نكلل بنرل تمنكبذمبونن صبالبديصن أي‬
‫الحساب والجزاء ‪.‬‬

‫وقال تعالى ‪ :‬أننرأنري ن‬


‫ت اللصذي يمنكبذ م‬
‫ب صبالبديصن يعني ‪ :‬يكذب بالجزاء والحساب ‪ ،‬والبعث والنشور ‪.‬‬

‫وقال تعالى ‪ :‬فننما يمنكبذبم ن‬


‫ك بنرعمد صبالبديصن أي ‪ :‬بالحساب والجزاء والمجازاة يوم القيامة ‪ .‬فيوم الدين‬
‫هو يوم القيامة ‪ ،‬سمي يوم الدين ؛ لنه يوم الجزاء والحساب ‪.‬‬

‫لماذا قال ‪ :‬نمالصصك ينروصم البديصن مع أنه مالك يوم الدين وغيره ؟‬

‫خص يوم الدين بالذكر ؛ لنه ل ملك في ذلك اليوم إل ل سبحانه وتعالى ‪ ،‬كما قال ‪ :‬لصنمصن ارلممرل م‬
‫ك‬
‫ارلينرونم ‪ ،‬فالملوك وأفراد الناس سواء في هذا اليوم ‪ ،‬ليس لحد ملك إل ا جل وعل ‪ ،‬فلذلك‬
‫خصه به في قوله ‪ :‬نمالصصك ينروصم البديصن وإن كان مالضكا لغيره ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬لزوال ملك غيره‬
‫فيه ؛ ولهذا جاء في الحديث ‪ :‬إن ا سبحانه وتعالى يقول ‪ :‬أنا الملك ‪ ،‬أين المتكبرون ؟ أين‬
‫ك ارلينرونم صللص ارلنواصحصد ارلقنلهاصر ‪.‬‬
‫الجبارون ؟ وهذا كما في قوله سبحانه وتعالى ‪ :‬لصنمصن ارلممرل م‬

‫يتساوى في هذا اليوم جميع الناس ‪ :‬ملوكهم وعبيدهم ‪ ،‬فقراؤهم وأغنياؤهم وأشرافهم ‪ ،‬ل أحد‬
‫يتميز عن أحد إل بالعمل الصالح ‪.‬‬

‫ك ننرستنصعيمن‬
‫ك ننرعبممد نوإصليا ن‬
‫قوله تعالى ‪ :‬إصليا ن‬

‫ك ننرعبممد أي ‪ :‬نخصك بالعبادة ‪ ،‬وقدم إياك ؛ للدللة على الختصاص وأنه ل يستحق العبادة‬
‫إصليا ن‬
‫أحد إل ا سبحانه وتعالى ‪ .‬وهذا من باب الحصر ؛ لن تقديم المعمول على العامل يفيد‬
‫الحصر ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يستحق العبادة إل أنت ‪.‬‬

‫ك ننرستنصعيمن أي ‪ :‬نطلب العانة ‪ .‬والستعانة نوع من العبادة ‪ ،‬فلماذا أفردها مع أنها داخلة‬ ‫نوإصليا ن‬
‫ك ننرعبممد ؟‬
‫في قوله ‪ :‬إصليا ن‬

‫قالوا ‪ :‬هذا من عطف الخاص على العام ؛ وذلك لن العبادة حق ل جل وعل ‪ ،‬والستعانة حق‬
‫للمخلوق ؛ إذ هو الذي يستعين بال ‪ -‬عز وجل ‪ -‬ويطلب منه حوائجه ‪.‬‬
‫وكرر } إصليانك { ولم يقل ‪ " :‬إياك نعبد ونستعين " ؛ لتأكيد الختصاص ‪ ،‬وأنه ل يستحق العبادة‬
‫ول يستحق الستعانة أحد إل ا سبحانه وتعالى ‪ ،‬فهو المعين وحده وكل الدين يدور على العبادة‬
‫ك ننرستنصعيمن ‪.‬‬
‫ك ننرعبممد نوإصليا ن‬
‫والستعانة ‪ ،‬على هاتين اللفظتين العظيمتين ‪ :‬إصليا ن‬

‫ط ارلممرستنصقينم هذا دعاء وهو دعاء مسألة ‪ ،‬والذي سبق في أول‬ ‫صنرا ن‬ ‫قوله تعالى ‪ :‬ارهصدننا ال ب‬
‫ر‬
‫ب النعالنصمينن دعاء عبادة ؛ لن الدعاء ينقسم إلى قسمين ‪:‬‬ ‫ل‬ ‫ر‬
‫السورة ‪ ،‬وهو قوله ‪ :‬النحرممد صلص نر ب‬

‫دعاء عبادة ‪ ،‬وهو ‪ :‬الثناء على ا ‪ ،‬فالثناء على ا دعاء ‪ ،‬وهو دعاء عبادة ‪ .‬ودعاء مسألة ‪،‬‬
‫ط ارلممرستنصقينم إلى آخر السورة ‪.‬‬
‫صنرا ن‬
‫ومنه قوله ‪ :‬ارهصدننا ال ب‬

‫ارهصدننا ‪ ،‬الهداية هي ‪ :‬الدللة والرشاد ‪ ،‬أي ‪ :‬دلنا وأرشدنا ‪.‬‬

‫والهداية أربعة أقسام ‪ ،‬لكن أهمها قسمان ‪:‬‬

‫القسم الول ‪ :‬هداية الدللة والرشاد ‪ ،‬وهذه عامة من جهتين ‪ :‬من حيث الهدى فهي تحصل‬
‫للمؤمن والكافر ‪ ،‬وا قد هدى الكافر ‪ ،‬بمعنى أنه دله وأرشده وبين له الطريق الحق ؛ قال‬
‫ضا عامة من‬ ‫تعالى ‪ :‬نوأنلما ثنممومد فنهنندرينناهمرم نفارستننحشبوا ارلنعنمى نعنلى ارلهمندى أي ‪ :‬أرشدناهم ‪ .‬وهي أي ض‬
‫حيث الهادي والمرشد ‪ ،‬فيدخل فيها الرسول ومن اتبعه ‪ :‬نوإصنل ن‬
‫ك لنتنرهصدي إصنلى ص‬
‫صنرامط ممرستنصقيمم‬

‫القسم الثاني ‪ :‬هداية التوفيق لقبول الحق ‪ ،‬وهذه خاصة أي ض‬


‫ضا من جهتين ‪ :‬ل تحصل إل‬
‫للمؤمن ‪ .‬وهي من خصائص ا سبحانه وتعالى ‪ ،‬ولذا نفاها عن رسول ا ‪ -‬صلى ا عليه وسلم‬
‫ان ينرهصدي نمرن يننشامء ‪.‬‬ ‫ك نل تنرهصدي نمرن أنرحبنرب ن‬
‫ت نولنصكلن ل‬ ‫‪ -‬فقال ‪ :‬إصنل ن‬

‫وقوله ‪ :‬ارهصدننا يعم الهدايتين ‪ :‬هداية الدللة والرشاد ‪ ،‬وهداية التوفيق ‪ ،‬دلنا وأرشدنا ‪ ،‬وثبتنا‬
‫ووفقنا ‪.‬‬

‫صنرا ن‬
‫ط هو في اللغة ‪ :‬الطريق والجادة ‪ ،‬التي يمشي عليها الناس والحيوانات ‪ .‬والمراد‬ ‫ال ب‬
‫بالصراط هنا ‪ :‬السلم والقرآن والرسول ‪ -‬صلى ا عليه وسلم ‪ -‬؛ وسمي كل من هؤلء‬
‫طا وطريضقا ؛ لنه يوصل إلى ا سبحانه وتعالى ‪.‬‬‫صرا ض‬

‫ستنصقينم معناه ‪ :‬الذي ل اعوجاج فيه ول خفاء ‪ ،‬مستقيم واضح ل يضل من سار عليه ‪،‬‬ ‫ارلمم ر‬
‫بخلفا الطرق المعوجة المختلفة فإن من يسير عليها يضل ‪ ،‬ولهذا قال تعالى ‪ :‬نوأنلن هننذا‬
‫صامكرم بصصه لننعللمكرم تنتلمقونن‬
‫ق بصمكرم نعرن نسصبيلصصه نذلصمكرم نو ل‬
‫صنراصطي ممرستنصقيضما نفاتلبصمعوهم نونل تنتلبصمعوا الشسبمنل فنتنفنلر ن‬‫ص‬
‫فصراط ا واحد ل انقسام فيه ‪ ،‬ول اعوجاج ول خفاء ‪ .‬أما الصراط المعوج فهذا طريق‬
‫صنراصطي ممرستنصقيضما‬ ‫الضلل ‪ ،‬والعياذ بال ‪ .‬ولهذا لما قرأ النبي ‪ -‬صلى ا عليه وسلم ‪ : -‬نوأنلن هننذا ص‬
‫طا مستقيضما وخط على يمينه وشماله‬ ‫نفاتلبصمعوهم نونل تنتلبصمعوا الشسبمنل خط ‪ -‬صلى ا عليه وسلم ‪ -‬خ ض‬
‫طا كثيرة ‪ ،‬وقال ‪ ) :‬هذا صراط ا ( للخط المعتدل ‪ ،‬وقال عن الخطوط الخرى ‪ ) :‬وهذه‬ ‫خطو ض‬
‫السبل ‪ ،‬على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ‪.‬‬

‫ط اللصذينن أنرننعرم ن‬
‫ت نعلنريصهرم الصراط تارة يضيفه ا لنفسه ‪ ،‬مثل قوله تعالى ‪:‬‬ ‫صنرا ن‬
‫قوله تعالى ‪ :‬ص‬
‫صنراصط ل‬
‫اص يضيفه إلى‬ ‫ك لنتنرهصدي إصنلى ص‬
‫صنرامط ممرستنصقيمم ص‬ ‫نوأنلن هننذا ص‬
‫صنراصطي ممرستنصقيضما وقوله ‪ :‬نوإصنل ن‬
‫نفسه سبحانه وتعالى ؛ لنه هو الذي شرعه ‪ ،‬ودل عليه ‪ ،‬ووضحه للناس ‪ ،‬ولنه الصراط الذي‬
‫يوصل إلى ا جل وعل ‪ ،‬فأضافه إلى نفسه إضافة تشريف وتكريم ‪ ،‬ودللة على أنه يوصل إلى‬
‫ا سبحانه وتعالى ‪.‬‬

‫ط اللصذينن أنرننعرم ن‬
‫ت نعلنريصهرم إضافة إلى الذين أنعم‬ ‫صنرا ن‬
‫وتارة يضيفه إلى أهله ‪ ،‬كما في هذه الية ‪ :‬ص‬
‫عليهم ؛ لنهم هم الذين يسيرون عليه بخلفا أهل الضلل فإنهم يسيرون على طرق ضالة ‪.‬‬

‫ت نعلنريصهرم ‪ :‬حيث هديتهم إلى سلوك هذا الصراط ووفقتهم له ‪ ،‬وهذه أعظم نعمة من‬ ‫اللصذينن أنرننعرم ن‬
‫ا ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ . -‬ومن هم الذين أنعم ا عليهم ؟ بينهم ا في قوله تعالى ‪ :‬نونمرن يمصطصع ل‬
‫ان‬
‫صبديصقينن نوالششهننداصء نوال ل‬
‫صالصصحينن‬ ‫ام نعلنريصهرم صمنن النلبصبيينن نوال ب‬ ‫نواللرمسونل فنمأولنئص ن‬
‫ك نمنع اللصذينن أنرننعنم ل‬

‫فهذا الصراط من الذي يسير عليه ؟ يسير عليه الذين أنعم ا عليهم ‪ :‬من النبيين ‪ ،‬هذا الصنف هم‬
‫أول من يسير عليه ‪ ،‬والصديقين ؛ لن الصديقين هم أفضل الخلق بعد النبياء ‪ ،‬والشهداء في‬
‫سبيل ا بعد مرتبة الصديقين والصالحين وهم سائر المؤمنين ‪.‬‬

‫فالذين يسيرون على هذا الصراط المستقيم طبقات ‪ :‬أول طبقة هم النبياء ‪ -‬عليهم الصلة والسلم‬
‫‪ ، -‬ثم يليهم الصديقون ‪ ،‬ثم يليهم الشهداء ‪ ،‬ثم يليهم الصالحون من كل أمة ‪.‬‬

‫ك نرصفيضقا‬‫نسأل ا أن يجعلنا وإياكم نسير على هذا الطريق المستقيم في مرافقة هؤلء نونحمسنن مأولنئص ن‬
‫والنسان في هذه الدنيا ‪ -‬وهو يسير على الطريق المستقيم ‪ -‬يجد مضايقات وشدائد وأذى ‪،‬‬
‫ويحس بغربة بين الناس ‪ ،‬وربما نالوا منه بالضرب والتهكم ‪ ،‬والتهديد والتنقص ‪.‬‬

‫فإذا تذكر أن رفقاءه هؤلء الذين أنعم ا عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ‪،‬‬
‫فإنه يطمئن ويصبر على ما يناله في سلوك هذا الصراط ‪.‬‬

‫والسير على هذا الصراط محفوفا بالمكاره ‪ ،‬محفوفا بالشدائد والمشاق ‪ ،‬ليس مفروضشا بالورود ‪،‬‬
‫فلذا كان ل بد لسلوكه من صبر طويل ‪ ،‬وعزم أكيد ‪ ،‬ومما يعينك على سلوكه ويهون عليك‬
‫شدائده تذكرك أنك ترافق هؤلء ‪ ،‬لكن هذا يحتاج إلى إيمان ‪ ،‬وقل من يوفق لذلك نونما يملنلقانها إصلل‬
‫ظ نعصظيمم فالذين أنعم ا عليهم هم ‪ :‬أهل العلم النافع والعمل‬ ‫اللصذينن ن‬
‫صبنمروا نونما يملنلقانها إصلل مذو نح ظ‬
‫الصالح ‪ ،‬من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ‪.‬‬

‫ب نعلنريصهرم من هم المغضوب عليهم ؟ هم الذين علموا ولم يعملوا ‪،‬‬ ‫قوله تعالى ‪ :‬نغريصر ارلنمرغ م‬
‫ضو ص‬
‫تعلموا العلم النافع وفقهوا ولكنهم لم يعملوا بعلمهم ‪ ،‬فهؤلء مغضوب عليهم ؛ لنهم عصوا ا‬
‫على بصيرة ‪ .‬وهذا يشمل كل من ل يعمل بعلمه فإنهم مغضوب عليهم ‪ ،‬وفي مقدمة هؤلء اليهود‬
‫؛ لن اليهود عندهم علم ‪ ،‬وقد سماهم ا أهل الكتاب وأهل العلم ‪ ،‬ولكنهم لما لم يعملوا بعلمهم‬
‫صا بهم ‪ ،‬بل هو عام لكل من سلك طريقهم ممن تعلم العلم ولم‬ ‫غضب ا عليهم ‪ ،‬وليس هذا خا ض‬
‫يعمل به ‪.‬‬

‫ضابلينن الضالون هم ‪ :‬الذين يعملون بدون علم ؛ لنهم ليسوا على هدى مثلهم مثل من‬
‫نونل ال ل‬
‫يمشي وهو ل يعرفا الطريق ‪ .‬أليس الذي يمشي في البر وهو ل يعرفا الطريق يقال له في‬
‫اللغة ‪ :‬ضال ؟ وأنه على خطر من الهلك ؟ فالذي يعمل بدون علم ضال في الشرع ‪ ،‬والعياذ بال‬
‫‪.‬‬
‫وإن كان يعمل ويتعب نفسه ويتقرب إلى ا ويبكي ويصيح ‪ ،‬يريد الجنة ‪ ،‬لكنه لما كان يسير‬
‫على غير طريق صحيح لم ينفعه ذلك ‪ ،‬ويدخل في الضالين ‪ :‬النصارى ؛ لعملهم بدون علم‬
‫ويدخل فيها الخرافيون والمبتدعة ؛ لنهم يعملون بدون علم ‪.‬‬

‫فالمصلي والقارئ لسورة الفاتحة يسأل ا أن يجنبه طريق هذين الصنفين ‪ :‬الذين معهم علم ول‬
‫يعملون به ‪ ،‬والذين معهم عمل ولكن بدون علم ‪.‬‬

‫وتوجد الن بعض الجماعات تزهد في العلم وتعلمه ‪ ،‬يقولون للناس اشتغلوا بالعبادة والذكر ‪،‬‬
‫واخرجوا في سبيل ا ‪ ،‬ويعنون بسبيل ا ‪ :‬الخروج والسفر والتجول في البلدان ‪ ،‬ويزهدون في‬
‫طلب العلم ويهونون من شأنه وشأن أهله ! وهذا الطريق ضلل ‪ ،‬والعياذ بال ‪ .‬فل بد من العلم‬
‫أول ؛ لقوله تعالى ‪ :‬نفارعلنرم أننلهم نل إصلنهن إصلل ل‬
‫ام نوارستنرغفصرر لصنذرنبص ن‬
‫ك فبدأ بالعلم قبل القول والعمل ‪.‬‬

‫وقد دلت اليات السابقة على أن الناس بالنسبة إلى العلم والعمل ثلثة أصنافا ‪.‬‬

‫فالذين جمعوا بين العلم النافع والعمل الصالح هم الذين أنعم ا عليهم ‪ .‬الذين تسأل ا ‪ -‬في هذه‬
‫السورة ‪ -‬أن يهديك صراطهم ‪.‬‬

‫والذين أخذوا العلم وتركوا العمل ‪ ،‬هم المغضوب عليهم من أي ملة ومن أي دين ‪.‬‬

‫والذين أخذوا العمل وتركوا العلم هم الضالون ‪ ،‬وكل الفريقين خاسر ‪ .‬نسأل ا العافية ‪.‬‬

‫فإذا تأملت هذه السورة أدركت السر في عظمتها ‪ ،‬وأن ا ما جعلها تقرأ في كل ركعة من‬
‫ركعات الصلة إل لمكانتها وعظمتها بين سائر السور ‪.‬‬

‫ومن ذلك ما تشتمل عليه هذه السورة من هذا الدعاء العظيم ‪ :‬دعاء العبادة في أولها ‪ ،‬ودعاء‬
‫المسألة في آخرها ‪ ،‬فهي كلها دعاء ‪ ،‬ولهذا يستحب في الصلة إذا فرغ المصلي من قراءتها أن‬
‫يقول ‪ :‬آمين ) المام والمأموم والمنفرد يستحب لهم ذلك ( ‪ ،‬وآمين معناه ‪ :‬اللهم استجب ‪ ،‬أي‬
‫استجب هذا الدعاء ‪ ،‬فهو تأمين على دعاء هذه السورة ‪ .‬وآمين ليست واجبة في الصلة ويستحب‬
‫أن يجهر بآمين ‪ ،‬في الصلة الجهرية سواء كان إماضما أم مأموضما أم منفرضدا ‪.‬‬

‫أما إذا كان يقرأ سضرا فإنه يسر بها ‪.‬‬


‫مما جاء في فضلها‬
‫ومن عظمة هذه السورة ما جاء في الحديث القدسي ‪ -‬وهو في الصحيح ‪ -‬أن ا ‪ -‬جل وعل ‪-‬‬
‫يقول ‪ " :‬قسمت الصلة بيني وبين عبدي نصفين ‪ ،‬ولعبدي ما سأل " والمراد بالصلة هنا‬
‫الفاتحة ‪ ،‬سميت صلة لنها تقرأ في الصلة ‪ .‬ولن الصلة في اللغة ‪ :‬الدعاء ‪ ،‬وسورة الفاتحة‬
‫دعاء ‪.‬‬

‫قوله ‪ " :‬بيني وبين عبدي نصفين " ‪ ،‬فهي سبع آيات ‪ :‬ثلثا آيات ونصف ل جل وعل ‪ .‬وثلثا‬
‫ب ارلنعالنصمينن ‪ ،‬قال ا تعالى ‪ :‬حمدني‬ ‫آيات ونصف للعبد ‪ " ،‬فإذا قال العبد ‪ :‬ارلنحرممد صللص نر ب‬
‫عبدي ‪ ،‬وإذا قال ‪ :‬اللررحنمصن اللرصحيصم ‪ ،‬قال ا سبحانه ‪ :‬أثنى علي عبدي ‪ ،‬وإذا قال ‪ :‬نمالص ص‬
‫ك ينروصم‬
‫ك ننرستنصعيمن قال ‪ :‬هذا بيني‬
‫ك ننرعبممد نوإصليا ن‬
‫البديصن ‪ ،‬قال ا تعالى ‪ :‬مجدني عبدي ‪ ،‬وإذا قال ‪ :‬إصليا ن‬
‫وبين عبدي ولعبدي ما سأل " ‪.‬‬
‫ك ننرستنصعيمن إلى آخر السورة‬ ‫ك ننرستنصعيمن ‪ ،‬هذا للعبد ‪ .‬فمن قوله ‪ :‬نوإصليا ن‬ ‫ك ننرعبممد ‪ ،‬هذا ل ‪ ،‬نوإصليا ن‬
‫إصليا ن‬
‫ك ننرعبممد‬
‫ب النعالصمينن إلى قوله ‪ :‬إصليا ن‬ ‫ن‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫ر‬
‫هذا للعبد ؛ لن العبد يدعو به ربه ‪ .‬ومن قوله ‪ :‬النحرممد صلص نر ب‬
‫هذا ل سبحانه وتعالى ؛ لنه كله ثناء على ا جل وعل ‪ .‬فهذا يدل على عظمة هذه السورة ‪،‬‬
‫ب‬
‫ضو ص‬ ‫ت نعلنريصهرم نغريصر ارلنمرغ م‬ ‫ط اللصذينن أنرننعرم ن‬
‫صنرا ن‬‫ط ارلممرستنصقينم ص‬
‫صنرا ن‬
‫ولهذا قال ‪ " :‬فإذا قال ‪ :‬ارهصدننا ال ب‬
‫ضابلينن قال ‪ :‬هذا لعبدي ولعبدي ما سأل "‪.‬‬ ‫نعلنريصهرم نونل ال ل‬
‫الفوائد المستنبطة منها‬
‫ومما يتعلق بهذه السورة ويدل على عظمتها ما قاله العلماء ‪ -‬رحمهم ا ‪ : -‬إن هذه السورة‬
‫تشتمل على معان جليلة ‪ ،‬منها ‪:‬‬

‫ب ارلنعالنصمينن هذا في توحيد‬


‫أول ‪ -‬فيها إثبات التوحيد بأنواعه الثلثة ‪ :‬فقوله ‪ :‬ارلنحرممد صللص نر ب‬
‫ك ينروصم البديصن هذا في توحيد السماء والصفات ‪ .‬وقوله ‪:‬‬ ‫الربوبية ‪ .‬وقوله ‪ :‬اللررحنمصن اللرصحيصم نمالص ص‬
‫ك ننرستنصعيمن هذا في توحيد اللوهية ‪ .‬ففيها أقسام التوحيد الثلثة ‪.‬‬ ‫ك ننرعبممد نوإصليا ن‬
‫إصليا ن‬

‫ب ارلنعالنصمينن فيه إثبات ربوبيته لجميع خلقه ‪.‬‬


‫ثانييا ‪ - :‬فيها إثبات الرسالة ؛ لن قوله نر ب‬

‫ومقتضى ربوبيته أن ل يترك عباده بدون ما يصلحهم ‪ ،‬ومن أعظم ما يصلح العباد إرسال الرسل‬
‫ط ارلممرستنصقينم فإن الصراط المستقيم ل يتبين إل بإرسال الرسل ‪ -‬عليهم‬
‫صنرا ن‬
‫‪ .‬كذلك قوله ‪ :‬ارهصدننا ال ب‬
‫الصلة والسلم ‪ . -‬ففيها إثبات الرسالت ‪.‬‬

‫ثاليثا ‪ :‬فيها الرد على الطوائف الضالة ‪.‬‬

‫ب ارلنعالنصمينن رد على‬
‫ففيها الرد على الملحدة والمعطلة الذين ل يؤمنون برب ؛ فإن قوله ‪ :‬نر ب‬
‫الملحدة الذين يرون أن العالم ليس له رب ‪ ،‬وإنما هو الذي يكون نفسه ! والطبيعة هي التي تكون‬
‫هذه الشياء وتوجدها ! ! وهذا مخالف للعقول ؛ لنه ل يمكن وجود مخلوق بدون خالق ‪ ،‬ول‬
‫يمكن حصول فعل بدون فاعل أبضدا ‪ .‬فهذا الكون كله وهذا الخلق يدل على الخالق ‪ -‬سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ، -‬وأنه هو الذي أوجده وصرفه ودبره وكونه ‪.‬‬

‫وفيها رد على المشركين الذين يؤمنون بالرب لكن يشركون معه في العبادة ‪ ،‬وذلك في قوله ‪:‬‬
‫ط ارلممرستنصقينم‬
‫صنرا ن‬
‫ك ننرستنصعيمن ‪ ،‬وقوله ‪ :‬ارهصدننا ال ب‬ ‫ب ارلنعالنصمينن ‪ ،‬وقوله ‪ :‬إصليا ن‬
‫ك ننرعبممد نوإصليا ن‬ ‫ارلنحرممد صللص نر ب‬
‫‪ ،‬هذا كله فيه رد على المشركين الذين يعبدون ا ويعبدون معه غيره ‪.‬‬

‫وفيها رد على الجهمية والمعتزلة ومنكري الصفات ‪.‬‬

‫ك ينروصم البديصن ‪ ،‬والدين هنا هو الجزاء‬


‫وفيها الرد على منكري البعث ‪ ،‬وذلك في قوله ‪ :‬نمالص ص‬
‫والحساب ‪ ،‬ففيها إثبات البعث ‪.‬‬

‫وفيها الرد على اليهود والنصارى ومن سار على طريقهم ممن أخذ العلم وترك العمل ‪ ،‬أو أخذ‬
‫العمل وترك العلم ‪ ،‬ففيها رد على كل عالم ل يعمل بعلمه ‪ ،‬ورد على كل عامل ل يعمل على علم‬
‫‪ ،‬ولهذا يقول العلماء ‪ :‬إن هذه السورة تضمنت الرد على جميع الطوائف ‪ ،‬فحق لها أن تسمى أم‬
‫الكتاب ؛ لن أم الشيء هي التي يرجع إليها الشيء ‪ ،‬والقرآن كله يرجع إلى هذه السورة ؛ لن‬
‫القرآن كله يدور على هذه المعاني التي تضمنتها هذه السورة ‪.‬‬
‫وهذه السورة العظيمة كثير من الناس يقرؤها ويرددها على لسانه ‪ ،‬ول يتدبرها ول يفقه شيضئا من‬
‫معانيها ‪ ،‬وإنما هي ألفاظ تجري على لسانه كأنه كلم أعجمي ! ! وهذا من الخطأ الجسيم والخلل‬
‫الكبير ‪ ،‬والقرآن إنما أنزل ليمتنندبلنر ومتفهم معانيه ‪ .‬هذا وا أعلم ‪.‬‬

You might also like