You are on page 1of 116

‫برنامج السعدي – املستوى األول ‪2017‬‬

‫تفريغ محاضرات مادة‬

‫"علوم القرآن"‬
‫للدكتور‪ /‬عمرعبد العزيزالدهيش ي‬

‫إعداد‪:‬‬
‫فريق عمل تفريغ املحاضرات‬
‫تحت إشراف‪:‬‬
‫رئيفة درويش‬
‫‪ 5‬صفر ‪ 1439‬هـ ‪ 25 /‬أكتوبر ‪ 2017‬م‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫علوم القرآن‬
‫د‪ .‬عمرعبد العزيزالدهيش ي‬
‫املحاضرة األولى‬
‫نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‬ ‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العاملين‪ ،‬وصلى هللا وسلم على ِّ‬
‫جميعا بتحية اإلسالم‪ :‬السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪ ،‬وأسأل هللا عز وجل‬ ‫ً‬ ‫بدء أحيي األخوة‬
‫وبعد‪ ،‬فبادئ ذي ٍ‬
‫لي ولكم التوفيق والتسديد‪ ،‬وأسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح‪ ،‬اللهم يا ُم ِّعلم داوود‬
‫وجل في هذه املحاضرة واملحاضرات التي تتلوها سنتحدث وإياكم‬ ‫عز َّ‬‫علمنا ويا مفهم سليمان فهمنا‪ ،‬بإذن هللا َّ‬
‫ُ‬
‫كتاب أنزل على‬
‫علم من أهم العلوم الشرعية؛ وهو علم (علوم القرآن)‪ ،‬وهذه العلوم تتعلق بأعظم ٍ‬ ‫ونتكلم عن ٍ‬
‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫البشرية كلها‪ ،‬وهي علوم ال يمكن أن تؤخذ وتدرس إال من خالل هذا العلم‪ ،‬وهو علم علوم القرآن‪ ،‬وقبل أن ندلف‬
‫إلى علوم القرآن يجب‪ ،‬أو يحسن بنا أن نقدم بمقدمات قبل أن نشرع في علوم القرآن‪ ،‬ومن تلك املقدمات‪:‬‬
‫جل عن نشأة علوم القرآن وعن تطور‬ ‫التعريف بالقرآن الكريم‪ ،‬ثم التعريف بعلوم القرآن‪ ،‬ثم نتكلم بإذن هللا َّ‬
‫عز و َّ‬
‫هذا العلم من زمن النبي صلى هللا عليه وسلم إلى وقتنا الحاضر‪.‬‬
‫تعريف القرآن الكريم في اللغة‬
‫بفعل وال حرف‪ ،‬ولكنهم اختلفوا في اشتقاقه على أقوال‪:‬‬ ‫ٌ‬
‫اتفق العلماء على أن لفظ القرآن هو اسم وليس ٍ‬
‫علما على القرآن‪ ،‬كما أن اسم‬ ‫اسم جامد‪ ،‬ليس بمشتق وال مهموز‪ُ ،‬وض َع أول ما وضع ً‬ ‫القول األول‪ :‬أن القرآن ٌ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫علم على الكتاب الذي أنزل على موس ى عليه السالم‪ ،‬واإلنجيل ٌ‬ ‫التوراة ٌ‬
‫علم على الكتاب الذي أنزل على عيس ى عليه‬
‫السالم؛ ذهب إلى هذا القول الشافعي ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬حيث قال‪" :‬وقرأت على إسماعيل بن قسطنطين‪ ،‬وهو أحد‬
‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫شيوخه‪ ،‬وكان يقول‪ :‬القرآن اسم وليس بمهموز‪ ،‬ولم يؤخذ من (قرأت)‪ ،‬ولو أخذ من قرأت لكان كل ما ق ِّرأ قر ًآنا‪،‬‬
‫اسم للقرآن مثل التوراة واإلنجيل"‪.‬‬ ‫ولكنه ٌ‬
‫مشتق من قرأ بمعنى تال‪ ،‬ومنه قوله‬ ‫ٌ‬ ‫مصدر مهموز‪ ،‬وهو‬ ‫ٌ‬ ‫القول الثاني‪ :‬أن الهمزة في اسم القرآن أصلية‪ ،‬فهو‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫سبحانه‪﴿ :‬إ َّن َع َل ْي َنا َج ْم َع ُه َو ُق ْر َآن ُه* َفإ َذا َق َ ْرأ َن ُاه َف َّاتب ْع ُق ْر َآن ُه* َّ‬
‫ثم ِّإ َّن َعل ْي َنا َب َيان ُه﴾ [القيامة‪ ،]19-17 :‬إن علينا جمعه‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫وقرآنه أي‪ :‬قراءته‪ ،‬وفالن قرأ عليك السالم وأقرأك السالم بمعنى‪ ،‬ذهب إلى هذا القول ابن عباس ‪ -‬رض ي هللا تعالى‬ ‫ٌ‬
‫عنهما‪.-‬‬
‫ً‬
‫القول الثالث‪ :‬أن الهمزة في لفظ القرآن كذلك أصلية‪ ،‬وهو وصف على وزن فعالن‪ ،‬مشتق من قرأ الش يء قرآنا؛‬
‫أي جمعه وضمه‪ ،‬ومنه سمي القرآن؛ ألنه يجمع السور ويضمها‪ ،‬قال ابن األثير‪ :‬واألصل في هذه اللفظة الجمع‪،‬‬
‫وكل ش يء جمعته فقد قرأته‪ .‬وذهب إلى هذا القول قتادة‪.‬‬
‫‪- 1-‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫القول الثاني أن قرأ همزته أصلية ولكنه بمعنى تال‪ ،‬أما القول الثالث الذي تكلمنا عنه قبل قليل همزته أصلية‬
‫ولكنه بمعنى قرأ ‪ -‬ليس بمعنى تال – وإنما بمعنى جمع‪.‬‬
‫وجه صحيح في كالم العرب‪،‬‬ ‫قال ابن جرير بعد أن ساق القولين (القول الثاني والقول الثالث) قال‪" :‬ولكال القولين ٌ‬
‫ُ‬
‫وإذا أسقطت الهمزة فيهما فهو للتخفيف"‪.‬‬
‫القول الرابع‪ :‬أن الهمزة في القرآن غير أصلية‪ ،‬لكن النون في آخر الكلمة أصلية‪ ،‬وهو مشتق من قرن‪ ،‬يقال‪ :‬قرن‬
‫واحد؛ قال ابن فارس‪ :‬القاف والراء والنون‬ ‫الش يء بالش يء إذا جمعه‪ ،‬وقرن بين الحج والعمرة إذا جمعهما في سفر ٍ‬
‫أصالن صحيحان أحدهما يدل على جمع ش ٍيء إلى ش يء‪ ،‬وذهب إلى هذا القول األشعري وغيره‪.‬‬
‫القول الخامس‪ :‬أن الهمزة في القرآن غير أصلية والنون أصلية‪ ،‬وهو مشتق من القرائن‪ ،‬القول الرابع مشتق من‬
‫َق َر َن‪ ،‬أما في القول الخامس فقيل‪ :‬إنه مشتق من القرائن؛ ألن اآليات التي في القرآن يصدق بعضها ً‬
‫بعضا‪ ،‬فهي‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫معجز بلفظه ومعناه‪ ،‬قال بهذا القول الف َّر ُاء‪ ،‬ورده بعضهم‪.‬‬ ‫قرائن تدل على صدق هذا الكتاب العزيز‪ ،‬وعلى أنه‬
‫نحن ذكرنا خمسة أقوال ‪ ،‬ويمكن أن نختصر هذه األقوال الخمسة في ثالثة أقوال‪:‬‬
‫َ‬
‫اسم جامد‪ ،‬وضع أول ما وضع َعلم على القرآن‪.‬‬
‫القول األول‪ :‬أنه ٌ‬
‫القول الثاني‪ :‬أن القرآن أصله قرأ‪ ،‬فالهمزة فيه أصلية‪ ،‬وقد يكون بمعنى تال‪ ،‬أو بمعنى جمع‪.‬‬
‫َ‬
‫القول الثالث‪ :‬أن القرآن غير مهموز‪ ،‬لكن نونه أصلية‪ ،‬فيكون بمعنى قرن‪ ،‬أو بمعنى قرائن‪.‬‬
‫ََ‬
‫العلم الذي هو القرآن‪،‬‬ ‫هذه مجمل األقوال التي قيلت‪ ،‬وذكرها العلماء في أصل هذه الكلمة وهذه التسمية وهذا‬
‫ولعل القول الثاني الذي هو بمعنى قرأ بكال املعنيين (بمعنى تال أو بمعنى جمع) لعله يكون هو أرجح األقوال‪،‬‬
‫وهو الذي يوافق قراءة األئمة السبعة ما عدا ابن كثير‪ ،‬وكونه بمعنى تال أرجح من معنى الضم والجمع؛ ألن هللا‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫وجل غاير بين املعنين في قوله تعالى‪ِّ ﴿ :‬إ َّن َعل ْي َنا َج ْم َع ُه َوق ْرآن ُه﴾؛ فالقراءة هنا مغايرة للجمع؛ ألن األصل في واو‬ ‫َّ‬
‫عز َّ‬
‫العطف أن تكون للمغايرة‪ .‬هذا ما يتعلق بتعريف القرآن في اللغة‪ ،‬وأصل هذه الكلمة (القرآن)‪.‬‬
‫تعريف القرآن الكريم في االصطالح‬
‫ً‬
‫ننتقل بعد ذلك إلى تعريف القرآن في االصطالح‪ .‬حقيقة يتعذر تحديده بالتعاريف املنطقية ذات األجناس‬
‫ً‬
‫والفصول والخواص؛ ألنه مهما قلنا في تعريف هذا القرآن فلن نحيط بمعناه كامال‪ ،‬وال يمكن أن ندرك أوصافه‬
‫مشيا على طريقة‬‫مباين لكالم البشر‪ ،‬فهو كالم رب البشر سبحانه وتعالى‪ ،‬ولكن ً‬ ‫ٌ‬ ‫وندرك معانيه؛ وهو كالم‬
‫ُ‬
‫التعريفات التي تميز الش يء عن غيره ‪ -‬وال نقول ‪ :‬إن هذا التعريف هو تعريف جامع مانع ولكنه نميزه ببعض املزايا‬
‫التي تميزه وتغايره عن غيره ‪ -‬فيمكن أن يعرف القرآن في االصطالح بأنه‪:‬‬

‫‪- 2-‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫كالم هللا تعالى‪ ،‬املُ َن َّزل على نبيه محمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬املُعجز بلفظه‪ ،‬املُ َت َّ‬
‫عبد بتالوته‪ ،‬املنقول بالتواتر‪،‬‬
‫املكتوب في املصاحف من أول سورة الفاتحة إلى آخرسورة الناس‪.‬‬
‫هذه االحترازات والقيود ليخرج ما يلي‪:‬‬
‫‪( -‬كالم هللا)‪ :‬يخرج كالم غيره من الجن واإلنس واملالئكة‪،‬‬
‫ً‬
‫‪( -‬املنزل على نبيه صلى هللا عليه وسلم)‪ :‬يخرج ما كان منزال من الكتب السابقة ولكن على غيره من الرسل؛‬
‫كالتوارة واإلنجيل والزبور وغير ذلك‪،‬‬
‫‪( -‬املعجز بلفظه)‪ :‬يخرج غير املعجز من كالم هللا تعالى؛ كاألحاديث القدسية على قول إن األلفاظ من عند هللا‬
‫عز‬‫وحي أوحاه هللا َّ‬
‫وجل‪ ،‬وكذلك يخرج الكتب السابقة‪ ،‬فإن هذا القرآن يتميز عن الكتب السابقة بأنه ٌ‬ ‫عز َّ‬ ‫َّ‬
‫عجز؛ ولهذا هللا عز وجل تحدى املشركين بأن يأتوا بحديث مثله ثم تنزل معهم فقال تعالى‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫وجل‪ ،‬وهذا الوحي ُم‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َ ُ ُ َ َْ ُ ُ َُْ ْ ْ‬
‫ات﴾ [هود‪ ]13 :‬ثم تنزل معهم سبحانه وتعالى فقال‪﴿ :‬أ ْم‬ ‫﴿أ ْم َيقولون افت َراه ق ْل فأتوا ِّب َعش ِّر ُس َو ٍر ِّمث ِّل ِّه ُمفت َرَي ٍ‬
‫َ ُ ُ َن ْ َ َ ُ ُ ْ َ ْ ُ ْ ُ َ ْ‬
‫ور ٍة ِّمث ِّل ِّه﴾ [يونس‪ ،]38 :‬مما يدل على أن هذا القرآن هو معجز بلفظه ومعانيه‪.‬‬ ‫يقولو افتراه قل فأتوا ِّبس‬
‫ويدل على ذلك حديث أبي هريرة رض ي هللا تعالى عنه‪ ،‬وفيه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪[ :‬ما من األنبياء‬
‫أكثرهم‬‫إلي‪ ،‬فأرجو أن أكون َ‬‫وحيا أوحاه هللا َّ‬ ‫من نبي إال ُأعط َي ما مثله آمن عليه البشر‪ ،‬وإنما كان الذي ُأ ُ‬
‫وتيته ً‬ ‫ِّ‬
‫يوم القيامة]‪ ،‬فالقرآن الكريم هو املعجزة الخالدة لنبينا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬ ‫تابعا َ‬ ‫ً‬
‫عز َّ‬
‫وجل لم يتعبدنا بتالوتها‬ ‫‪( -‬املتعبد بتالوته)‪ :‬يخرج القراءات التفسيرية‪ ،‬والقراءات اآلحادية؛ فإن هللا َّ‬
‫وقراءتها‪،‬‬
‫‪( -‬املنقول بالتواتر)‪ :‬يخرج ما سوى القرآن املتواتر‪ ،‬من منسوخ التالوة ومن القراءات الشاذة فال تسمى تلك‬
‫بقرآن‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وحكما أو تالوة فقط ال تعد‬ ‫مكتوبا في املصاحف كاآليات املنسوخة تالوة‬ ‫‪( -‬املكتوب في املصاحف)‪ :‬فما ليس‬
‫قر ًآنا‪.‬‬
‫وهذه القيود الثالثة األخيرة (املتعبد بتالوته‪ ،‬املنقول بالتواتر‪ ،‬املكتوب في املصاحف) هي في الحقيقة لبيان الواقع‬
‫ال لإلخراج واالحتراز؛ ألن قيد (املعجز بلفظه) يكفي عنها كلها‪ .‬هذا ما يتعلق بتعريف القرآن في اللغة واالصطالح‪.‬‬
‫تعريف "علوم القرآن"‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عرف هذا العلم‪ ،‬ونميز بين هذا العلم وغيره من العلوم الشرعية‪،‬‬ ‫ننتقل بعد ذلك إلى تعريف "علوم القرآن"‪ .‬ن ِّ‬
‫ً‬
‫إضافيا‪ ،‬فإنه سيدخل تحت مظلتها جميع‬ ‫ً‬
‫تركيبا‬ ‫اعتبر عموم هذه الجملة املركبة‬ ‫فنقول‪ :‬إن علوم القرآن إذا ُ‬
‫العلوم الدينية واللغوية‪ ،‬بل والعلوم الدنيوية مما لنا فيه مصلحة وفائدة على الصحيح؛ ألن هللا َّ‬
‫عز َّ‬
‫وجل يقول في‬

‫‪- 3-‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫ُ َ‬
‫اب ِّت ْب َي ًانا ِّلك ِّل ش ْي ٍء﴾ [النحل‪ ،]89 :‬فكل العلوم التي تؤخذ من القرآن يصح أن نطلق عليها‬‫كتابه‪َ ﴿ :‬و َن َّ ْزل َنا َع َل ْي َك ْالك َت َ‬
‫ِّ‬
‫ُ‬
‫أنها علوم القرآن؛ ألن هذه العلوم أخذت أصولها من القرآن‪ ،‬وكذلك يقول سبحانه وتعالى كما في سورة األنعام‪:‬‬
‫اب ِّمن ش ْي ٍء﴾ [األنعام‪ ]38:‬على قول بعض املفسرين الذين قالوا‪َّ :‬أن املراد بالكتاب هنا هو‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َّ َ َّ ْ َ‬
‫﴿ما فرطنا ِّفي ال ِّكت ِّ‬
‫القرآن‪ .‬وهذا حقيقة فيه توسع؛ إذ يشمل كل العلوم املستنبطة منه‪ ،‬واملساندة له‪ ،‬وما وردت اإلشارة فيه إليه‪،‬‬
‫وهو حقيقة ليس مر ًادا هنا في مقررنا هذا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مصطلحا تداوله العلماء ‪-‬رحمهم‬ ‫ولكن املراد بعلوم القرآن في مقررنا هذا‪ ،‬هو تعريفه باعتباره فنا مدونا‪ ،‬أو‬
‫ُ‬
‫علوم متعلقة بالقرآن الكريم‪ ،‬مرتبطة به‪ ،‬اصط ِل َح على تسميتها بعلوم القرآن‪.‬‬ ‫هللا تعالى‪ -‬على مجموعة ٍ‬
‫اختلفت عبارات العلماء في تعريف هذا العلم‪ ،‬ومن تلك التعريفات‪:‬‬
‫الزرقاني في كتابه مناهل العرفان قوله‪" :‬مباحث تتعلق بالقرآن الكريم من ناحية نزوله وترتيبه‬ ‫‪ -‬تعريف ُ‬
‫ُ‬
‫وجمعه وكتابته وقراءته وتفسيره وإعجازه وناسخه ومنسوخه‪ ،‬ودفع الشبه عنه"‪.‬‬
‫‪ -‬ونحو هذا التعريف عرفها محمد أبو شهبة في كتابه املدخل‪ ،‬وكذلك الدكتور فهد الرومي في كتابه دراسات‬
‫في علوم القرآن‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪ -‬وكذلك عرفها الدكتور مناع القطان في كتابه مباحث في علوم القرآن بأنه‪" :‬العلم الذي يتناول األبحاث‬
‫املتعلقة بالقرآن من حيث معرفة أسباب النزول‪ ،‬وجمع القرآن وترتيبه‪ ،‬ومعرفة املكي واملدني‪ ،‬والناسخ‬
‫واملنسوخ‪ ،‬واملحكم واملتشابه‪ ،‬إلى غير ذلك مما له صلة بالقرآن"‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬ويقرب منهما كذلك تعريف الدكتور حسن ضياء ولكنه أضاف ً‬
‫قيدا وهو‪ :‬اعتبار كل علم منها ً‬
‫علما مستقال‪،‬‬
‫ً‬ ‫أبحاثا كلية هامة تتصل بالقرآن العظيم من نواح شتى‪ ،‬يمكن اعتبار كل منها ً‬ ‫ً‬ ‫فقال‪ٌ " :‬‬
‫متميزا"‪.‬‬ ‫علما‬ ‫ٍ‬ ‫علم يضم‬
‫وقيل غير ذلك‪.‬‬
‫ومما يالحظ على ما سبق‪ ،‬أن االختالف بين هذه التعاريف يكاد يكون في التعبيرات واملصطلحات فحسب‪ ،‬أما‬
‫املعاني فهي متفقة‪ ،‬كذلك اكتفوا ‪-‬رحمهم هللا وحفظ األحياء منهم‪ -‬بالتمثيل لبعض علوم القرآن‪.‬‬
‫‪ -‬هناك باحث مغربي وهو الدكتور فاروق حمادة أقام ضابطين لهذا العلم يضبط بهما هذا العلم؛ ليخرج ما‬
‫خالف هذين الضابطين؛ حيث قال‪" :‬إن علوم القرآن أصبحت تنحصر في شعبتين اثنتين‪ :‬أوالهما‪ :‬تاريخ القرآن‬
‫وما ينضوي تحته من نزوله وأسباب النزول والناسخ واملنسوخ وغير ذلك‪ ،‬وثانيهما‪ :‬الوسيلة الصحيحة لفهمه‬
‫على الوجه الحق‪ ،‬وينضوي تحت ذلك علوم اللغة واإلعجاز واملحكم واملتشابه"‪ ،‬ثم يقول‪" :‬فإن على كل من‬
‫يريد التعامل مع النص القرآني‪ ،‬أن يطلع على هاتين املقدمتين الالزمتين تحت اسم علوم القرآن‪ ،‬وبمقدار ما‬
‫يجانبهما سيجانب الحقيقة ويبعد عن الصواب"‪ ،‬انتهى كالمه‪.‬‬

‫‪- 4-‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫‪ -‬لعلي أضيف إلى الضابط الثاني إضافة يسيرة‪ ،‬وهو أنه حفظه هللا يقول‪ :‬الضابط الثاني‪" :‬الوسيلة الصحيحة‬
‫لفهمه على الوجه الحق‪ ،‬وينضوي تحت ذلك علوم اللغة واإلعجاز واملحكم واملتشابه"‪ ،‬أضيف‪" :‬وتالوته تالوة‬
‫صحيحة"؛ ليدخل ضمنها التجويد وما يتعلق به‪ ،‬وكذلك القراءات القرآنية‪.‬‬
‫ومن خالل هذه الضوابط يمكن أن ُيقال في تعريف "علوم القرآن" بأنه ‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫علوم أو مباحث تتعلق بتاريخ القرآن الكريم‪ ،‬وما كان وسيلة لفهمه وتالوته على الوجه الصحيح؛ حتى نجمع‬
‫ُ‬
‫العلوم املتعلقة بتاريخ نزوله وأسباب النزول والناسخ واملنسوخ وما شابهها‪ ،‬كذلك ندخل العلوم املساندة لهذا‬
‫العلم التي أشار إليها الدكتور "فاروق" وهي‪ :‬ما كان وسيلة صحيحة لفهمه؛ كعلوم اإلعجاز واملحكم واملتشابه‬
‫واملطلق واملقيد‪ ،‬كذلك نضيف إليها ما كان وسيلة لقراءته قراءة صحيحة‪.‬فنحن ُمتعبدون باإليمان بالقرآن‬
‫عز وجل‪ ،‬وكذلك متعبدون باالستجابة ألوامره واالنتهاء عن نواهيه‪ ،‬كما نحن متعبدون‬ ‫الكريم‪ ،‬وأنه من عند هللا َّ‬
‫عز وجل عليه‪ ،‬ولهذا كان النبي صلى هللا عليه وسلم يأخذ القرآن‬ ‫بتالوته تالوة صحيحة على الوجه الذي أنزله هللا َّ‬
‫بصوت مسموع؛‬ ‫عز وجل‬ ‫تلقيا من عند هللا َّ‬ ‫تلقيا من عند جبريل عليه السالم ‪ ،‬وجبريل عليه السالم يأخذ القرآن ً‬ ‫ً‬
‫ٍ‬
‫ْ َ‬ ‫﴿وإ َّن َك َل ُت َل َّقى ْال ُق ْر َآن ِّمن َّل ُد ْن َح ِّكيم َع ِّليم﴾ [النمل‪ ،]6:‬ويقول سبحانه‪َ ﴿ :‬وإ َّن ُه َل َتنز ُ‬
‫يل َر ِّب ال َع ِّامل َين*‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ ٍ‬
‫َ‬
‫سبحانه‪ِّ :‬‬ ‫كما قال‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وح األمين* َعلى قلبك لتكون م َن املنذر َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َن َز َل ب ِّه ُّ‬
‫ين* ِّب ِّل َس ٍان َع َرِّب ٍي ُّم ِّب ٍين﴾ [الشعراء‪ ،]195-192 :‬وفي اآلية التي‬ ‫ِِّّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الر ُ‬
‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫َ َ َ َ ْ َ ُ َ َّ ْ ُ ْ َ ُ َّ َّ َ َ ْ َ َ َ َ‬
‫ذكرناها في مطلع هذه املحاضرة‪ ،‬قوله تعالى‪﴿ :‬ف ِّإذا قرأناه فات ِّبع قرآنه * ثم ِّإن علينا بيانه﴾ [القيامة‪،]19-18 :‬‬
‫فنحن متعبدون بتالوته تالوة صحيحة‪ ،‬تالوة سليمة‪ ،‬ساملة من الخطأ والنقص‪.‬‬
‫عز وجل لي ولكم التوفيق والتسديد‪ ،‬وأسأله سبحانه وتعالى أن يهدينا ويوفقنا للعمل الصالح‪ ،‬هذا وهللا‬ ‫أسأل هللا َّ‬
‫أعلم‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد‪.‬‬

‫قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات ‪ :‬أخت في هللا‬
‫قام باملراجعة األولى والتدقيق‪ :‬أحمد عبد الرحمن‬
‫قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي‪ :‬رئيفة درويش‬
‫اإلشراف العام على فريق العمل‪ :‬رئيفة درويش‬

‫‪- 5-‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫علوم القرآن‬
‫د‪ .‬عمرعبد العزيزالدهيش ي‬
‫املحاضرة الثانية‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬والحمدهلل رب العاملين‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‬
‫وبعد ‪.‬‬
‫نستكمل ما قد بدأناه في املحاضرة السابقة عندما تكلمنا عن مقدمات علم "علوم القرآن"‪ ،‬نستكمل هذه‬
‫ََ‬
‫كعلم يطلق على القرآن‪ ،‬هل هو اسم مشتق‪ ،‬أو اسم جامد‪ ،‬وقلنا أن‬ ‫املقدمات وقد سبق أن تكلمنا عن القرآن‬
‫من العلماء من قال أنه اسم جامد وضع أول ما وضع علما على القرآن‪ ،‬لم يستعمل هذا القرآن في غيره‪ ،‬وليس‬
‫مشتقا من أي كلمة سواه‪ ،‬ومنهم من قال ال بل هو لفظ مشتق‪ ،‬واختلفوا‪ ،‬فمنهم من قال هو مشتق من قرأ‪،‬‬
‫وفتكون الهمزة فيه أصلية‪ ،‬ومنهم من قال هو مشتق من قرن‪ ،‬وتكون النون فيه أصلية‪ ،‬وذكرنا أن الراجح في ذلك‬
‫‪-‬وهللا أعلم‪ -‬واألقرب أن قرأ الهمزة فيه أصلية‪ ،‬وأنه بمعنى تال‪ ،‬وهو األقرب لآلية التي قال هللا عز وجل فيها‪ِّ ﴿ :‬إ َّن‬
‫ُ َ‬ ‫َ َ َ َْ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫َعل ْي َنا َج ْم َع ُه َوق ْرآن ُه (‪(17‬ف ِّإذا ق َرأن ُاه ف َّات ِّب ْع ق ْرآن ُه (‪( ﴾)18‬سورة القيامة)‪ .‬ثم ذهبنا بعد ذلك إلى تعريف القرآن في‬
‫االصطالح‪ ،‬ثم عرجنا على تعريف علوم القرآن‪ ،‬وذكرنا الضوابط التي يمكن أن تضبط هذا العلم‪ ،‬وبيناه‪ ،‬وذكرنا‬
‫من قال به‪ ،‬واإلضافات التي أضفنا إليها ‪ .‬كذلك من املقدمات التي نجعلها كالتوطئة لدراسة علوم القرآن‪ ،‬ويحسن‬
‫بنا كذلك أن نقدمها‪ ،‬وهو موضوع محاضرة اليوم‪ ،‬هو الحديث عن‪:‬‬
‫✓ أسماء القرآن وأوصافه‬
‫إن القرآن الكريم نزل على أمة جاهلية تعيش في تخبط‪ ،‬وظالم‪ ،‬وجهالة‪ ،‬وضاللة‪ ،‬ال علم لها بالكتاب وال معرفة‬
‫لها بالخطاب الرباني‪ .‬نعم هي تتفوق في البالغة‪ ،‬وتتفاخر بالفصاحة‪ ،‬ولكن هذا الكتاب هو مغاير لهذه البالغة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أسماء وأوصافا‬ ‫وتلك الفصاحة‪ ،‬فإنه كالم رب البشر كالم وخطاب رباني‪ .‬فذكر هللا عز وجل في ثنايا القرآن الكريم‬
‫تبين للناس كلهم حقيقة هذا القرآن‪ ،‬وتبين صدقه وبيانه وإرشاده وبركته‪ ،‬لكي يكون دافعا لهم إلى اإليمان بهذا‬
‫الكتاب‪ ،‬وإلى االهتداء بهدي هذا الكتاب الذي يهدي للتي هي أقوم فهو‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬أصدق القائلين وأحكم‬
‫الحاكمين سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫ً‬
‫أسماء عديدة للقرآن الكريم‪،‬‬ ‫آيات كثيرة تحوي‬
‫وعندما نجيل النظر في القرآن الكريم نجد أن القرآن الكريم تضمن ٍ‬
‫حتى بلغ عدد أسماء القرآن وأوصافه املذكورة في القرآن فقط‪ ،‬بلغت أربعة وستين بين اسم ووصف‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫القرآن‪ ،‬الكتاب‪ ،‬الفرقان‪ ،‬التنزيل‪ ،‬الوحي‪ ،‬بشير‪ ،‬الحكيم‪ ،‬تبيان‪ ،‬نبأ عظيم‪ ،‬وغيرها من األسماء والصفات‪،‬‬
‫فتعددت األسماء والصفات في القرآن الكريم‪ ،‬كقوله سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫‪- 6-‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫اب ُّم ِّب ٍين (‪( ﴾(1‬سورة النمل)‪،‬‬ ‫ْ َ َ ُ ُْ ْ َ َ‬


‫﴿ ِّتلك آيات القر ِّآن و ِّكت ٍ‬ ‫‪-‬‬
‫ْ‬ ‫َ ُْ‬
‫الذك ِّر (‪( ﴾(1‬سورة ص)‪،‬‬ ‫﴿ص ۚ والق ْر ِّآن ِّذي ِّ‬ ‫‪-‬‬
‫ْ َ‬ ‫﴿ َوإ َّن ُه َل َتنز ُ‬
‫يل َر ِّب ال َع ِّامل َين (‪( ﴾)192‬سورة الشعراء)‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫‪-‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫﴿ َون َّزلنا عل ْيك الكت َ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اب ِّتب َيانا ِّلك ِّل ش ْي ٍء َوهدى َو َر ْح َمة َوبش َر ٰى ِّلل ُم ْس ِّل ِّمين (‪( ﴾(89‬سورة النحل)‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪-‬‬
‫َ ُ ْ َ ْ ُ ُ ْ ُ نَ‬ ‫﴿ ُق ْل ُه َون َب ٌأ َع ِّظ ٌ‬
‫يم (‪(67‬أنتم عنه مع ِّرضو (‪( ﴾)68‬سورة ص)‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫لقد نص بعض العلماء على أسماء وردت في القرآن على أنها أسماء للقرآن‪ ،‬ولكن األظهر عند التأمل فيها وفي‬
‫سياقها‪ ،‬ومن خالل تأمل أقوال املفسرين فيها‪ ،‬أنها ليست من أسماء القرآن‪ .‬فبعض العلماء تجاوز ووسع الدائرة‬
‫في ذكر أسماء ذكرت في القرآن‪ ،‬وقال أنها للقرآن‪ ،‬واألقرب ‪ -‬وهللا أعلم ‪ -‬من خالل سياق اآليات‪ ،‬ومن خالل أقوال‬
‫املفسرين أنها ليست بأسماء للقرآن‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫َّ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ‬
‫اك الك ْوث َر (‪( ﴾)1‬سورة الكوثر)‪ .‬فمن العلماء من قال أن املراد‬ ‫‪ -‬الكوثر في قوله ‪-‬سبحانه وتعالى‪ِّ ﴿ :-‬إنا أعطين‬
‫بالكوثر هنا القرآن‪ ،‬وفي املقابل نجد أن النبي صلى هللا عليه وسلم وقد فسر بنفسه الكوثر عندما وقال‪:‬‬
‫كثير‪ ،‬و ٌ‬
‫حوض‬ ‫خير ٌ‬‫وج َّل‪ ،‬عليه ٌ‬ ‫وع ْدنيه ربي َّ‬
‫عز َ‬ ‫نهر َ‬
‫ٌ‬ ‫فإنه‬ ‫قال‪:‬‬ ‫‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أعلم‬ ‫ه‬
‫ُ‬
‫سول‬ ‫ر‬‫و‬ ‫الكوثر ؟ فقلنا ‪ُ :‬‬
‫هللا‬ ‫ُ‬ ‫ما‬ ‫رون‬ ‫د‬‫" َأ َت ْ‬
‫ِّ‬
‫القيامة ‪ ".....‬الحديث في صحيح مسلم‪.‬‬ ‫َتر ُد عليه أمتي َ‬
‫يوم‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫‪ -‬كذلك امليزان؛ من العلماء من قال أن من أسماء القرآن امليزان‪ ،‬ولكن األقرب أنه ليس من أسماء القرآن‪.‬‬
‫‪ -‬كذلك النجوم‪ ،‬وكذلك الداعي‪ ،‬ومن ذلك القسط‪ ،‬فاألقرب أن هذه ليست بأسماء للقرآن‪ ،‬وإنما هي أسماء‬
‫لغيره‪.‬‬
‫أيضا تضمنت األحاديث النبوية جملة من األسماء والصفات‪ ،‬من مثل ‪ :‬آيات هللا‪ ،‬البينات‪ ،‬ثقيل‪ ،‬الحكمة‪ ،‬حبل‬
‫هللا‪ ،‬وغير ذلك؛ ولكن الذي يظهر أن مجموع األسماء التي وردت في األحاديث النبوية هي أقل من األسماء التي ذكرت‬
‫في القرآن الكريم للقرآن الكريم‪.‬‬
‫ٌ‬
‫أسماء في العرف النحوي؛ أي أن هي أسماء تقابل‬ ‫أحب أن أنبه إلى أن هذه األسماء واألوصاف هي في الحقيقة‬
‫األفعال‪ ،‬إال أن االسم أيضا يطلق ويراد به ما يقابل الصفة‪ ،‬فاالسم ما كان جنسا غير مأخوذ من الفعل‪ ،‬نحو‪:‬‬
‫رجل‪ ،‬فرس‪ ،‬والصفة ما كان مأخوذا من الفعل‪ ،‬نحو‪ :‬اسم الفاعل‪ ،‬واسم املفعول؛ كضارب‪ ،‬ومضروب ‪.‬‬
‫عند التأمل والنظر في األسماء التي يمكن أن تستعمل كأسماء أعالم للقرآن الكريم‪ ،‬أي عندما يطلق هذا االسم‬
‫فإن الذهن مباشرة ينصرف إلى القرآن‪ ،‬فإن جملة من األسماء التي يمكن أن نعتبرها أوصاف تشاركها أسماء أخرى‪.‬‬
‫وهناك أسماء أعالم التي إذا أطلق هذا االسم فإنه ينصرف الذهن مباشرة إلى القرآن الكريم‪ ،‬ويمكن أن نعد منها‬
‫أو نقتصر على خمسة أسماء فقط؛ فمثال على سبيل املثال‪ ،‬قوله ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ :-‬هدى؛ هذا الهدى يشمل‬
‫‪- 7-‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫القرآن‪ ،‬ويشمل السنة‪ .‬هناك جملة من األوصاف تشمل القرآن‪ ،‬وتشمل غيره‪ .‬لكن األسماء األعالم التي ال تطلق‬
‫إال على القرآن أو إذا أطلقت ينصرف الذهن مباشرة إلى القرآن الكريم يمكن أن نقتصر على خمسة منها أال‬
‫وهي‪ :‬القرآن‪ ،‬الكتاب‪ ،‬الذكر‪ ،‬الفرقان‪ ،‬التنزيل‪ ،‬وباقي األسماء هي أوصاف‪.‬‬
‫وقد اقتصر اإلمام ابن جرير‪ -‬رحمه هللا تعالى ‪ ،-‬وابن عطية‪ ،‬وغيرهما على أسماء أربعة؛ اقتصروا على األسماء‬
‫األربعة األولى وهي‪ :‬القرآن‪ ،‬الكتاب‪ ،‬الذكر‪ ،‬الفرقان‪ ،‬أما اسم التنزيل فإنه مما شاع حقيقة على ألسنة العلماء‪،‬‬
‫وتداولوه فيما بينهم‪ ،‬فأصبح علما على القرآن‪ ،‬فتراهم يقولون‪ :‬ورد في التنزيل كذا‪ ،‬وكذا‪ ،‬ولم يرد في التنزيل كذا‪،‬‬
‫وكذا‪ ،‬فإن الذهن مباشرة ينصرف إلى القرآن الكريم‪.‬‬
‫ُ‬
‫فإذا تأملنا في هذه األسماء األربعة‪ ،‬أو األسماء الخمسة التي هي أسماء أعالم؛ نجد أنها في القرآن تلحق بأوصاف‬
‫لهذا القرآن‪ ،‬تلحق بأوصاف لهذا االسم‪ ،‬وباملثال يتضح املقال‪ .‬فكثير من األوصاف تضاف لهذه األسماء الخمسة‪،‬‬
‫كقوله تعالى‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َٰ َ ْ َ ُ َ‬
‫اب ال َرْي َب ۛ ِّف ِّيه ۛ ُه ًدى ِّلل ُم َّت ِّق َين (‪( ﴾)2‬سورة البقرة )‪،‬‬ ‫‪﴿ -‬ذ ِّلك ال ِّكت‬
‫اب َوق ْر ٍآن ُّم ِّب ٍين (‪( ﴾)1‬سورة الحجر) ‪،‬وصف هللا ‪-‬تعالى‪ -‬القرآن بأنه مبين‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ْ َ َ ُ ْ َ‬
‫‪ِّ ﴿ -‬تلك آيات ال ِّكت ِّ‬
‫ْ َ‬ ‫‪َ ﴿ -‬وإ َّن ُه َل َتنز ُ‬
‫يل َر ِّب ال َع ِّامل َين (‪( ﴾(192‬سورة الشعراء)‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫الذكر ملا ج َاءه ْم ۖ وإنه ل ِّكت ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫اب ع ِّزيز (‪( ﴾(41‬سورة فصلت )‪ ،‬أي الذكر‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪ِّ ﴿ -‬إن ال ِّذين كفروا ِّب ِّ ِّ‬
‫فكثير من األوصاف تأتي بعد ذكر هذه األسماء األعالم‪ ،‬وهذا مما يرجح أن هذه األسماء أسماء أعالم لهذا القرآن‪،‬‬
‫هذه األسماء الخمسة‪ ،‬وبقية األسماء التي وردت في القرآن الكريم‪ ،‬أو في السنة إنما هي أوصاف لهذا القرآن‪.‬‬
‫من العلماء من اقتصر على اسم واحد للقرآن‪ ،‬وقال هو االسم العلم الوحيد للقرآن ‪،‬واستبعد الذكر‪ ،‬واستبعد‬
‫الكتاب‪ ،‬واستبعد التنزيل‪ ،‬واستبعد الفرقان‪ ،‬وقال االسم العلم لهذا القرآن هو‪ :‬تسميته باسم "القرآن"‪ ،‬وعد‬
‫ً‬
‫بقية األسماء أوصافا‪ ،‬وأجناسا‪ .‬وحقيقة لهذا القول وجاهته‪ .‬وممن قال بهذا القول‪ :‬ابن عاشور ‪-‬رحمه هللا‪ -‬في‬
‫ققوله‪ :‬فإن الذكر‪ ،‬والفرقان أطلقت وسمي بها القرآن‪ ،‬وسميت بها بعض الكتب السابقة كالتوراة على سبيل‬
‫ْ ْ‬
‫ان َو ِّض َي ًاء َو ِّذك ًرا ِّلل ُم َّت ِّق َين (‪ ( ﴾)48‬سورة‬‫ون ْال ُف ْر َق َ‬
‫وس ٰى َو َه ُار َ‬ ‫املثال‪ ،‬كما قال هللا سبحانه وتعالى ‪َ ﴿ :‬و َل َق ْد َآت ْي َنا ُم َ‬
‫َ‬ ‫ض َيرُث َها ِّع َب ِّاد َي َّ‬ ‫ْ َ َّ ْ َ‬ ‫الزُبور من َب ْ‬ ‫األنبياء)‪ ،‬ويقول سبحانه‪َ ﴿ :‬و َل َق ْد َك َت ْب َنا في َّ‬
‫الص ِّال ُحون (‪( ﴾)105‬سورة‬ ‫ِّ‬
‫األ ْر َ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ر‬
‫ِّ‬ ‫ك‬‫الذ‬
‫ِّ‬ ‫د‬‫ِّ‬ ‫ع‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ََ‬
‫األنبياء)‪ .‬فأصحاب هذا القول يرون أن االسم العلم للقرآن الكريم هو اسم واحد فقط‪ ،‬وهو تسميته باسم‬
‫القرآن‪ ،‬واألمر في هذا يسير‪ ،‬ولكل وجهة هو موليها‪.‬‬

‫‪- 8-‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫✓ أوصاف القرآن‬
‫‪ -‬أوصاف القرآن التي وردت في القرآن الكريم‪:‬‬
‫نأتي إلى أوصاف القرآن؛ وهي كثيرة جدا‪ ،‬بلغت في القرآن فحسب قرابة تسعة وخمسين وصفا‪ ،‬وذكر جملة‬
‫من هذه األوصاف في األحاديث النبوية ‪-‬على صاحبها أفضل الصالة وأتم التسليم‪ -‬وسبق معنا ذكر أمثلة لهذه‬
‫ُ‬
‫اب ِّت ْب َي ًانا ِّلك ِّل َش ْي ٍء َو ُه ًدى َو َر ْح َم ًة َو ُب ْش َر ٰى‬‫األوصاف‪ ،‬ومن ذلك قوله ‪-‬سبحانه وتعالى‪َ ﴿ : -‬و َن َّ ْزل َنا َع َل ْي َك ْالك َت َ‬
‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُْ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫اب ال َرْي َب ۛ ِّف ِّيه ۛ هدى ِّللمت ِّقين (‪( ﴾)2‬سورة‬
‫َ‬ ‫ِّل ْل ُم ْس ِّلم َين (‪( ﴾)89‬سورة النحل)‪ ،‬ويقول تعالى ‪َٰ ﴿ :‬ذ ِّل َك ْال ِّك َت ُ‬
‫ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اب أ ِّنزل ِّإل ْيك فال يكن ِّفي صد ِّرك ح َرج ِّمنه ِّلت ِّ‬
‫نذ َر ِّب ِّه و ِّذك َر ٰى‬ ‫البقرة)‪ ،‬ويقول‪ -‬سبحانه وتعالى‪﴿ : -‬املص (‪ِّ )1‬كت ٌ‬
‫ْ ْ‬
‫ِّلل ُمؤ ِّم ِّن َين (‪( ﴾)2‬سورة األعراف)‪ ،‬وغير ذلك من األوصاف‪.‬‬
‫‪ -‬أوصاف القرآن الكريم التي وردت في السنة النبوية الشريفة‪:‬‬
‫وردت في السنة النبوية الشريفة جملة من األوصاف للقرآن الكريم‪ ،‬منها ما جاء ذكره في القرآن الكريم‪ ،‬ومنها‬
‫ما جاء ذكره مستقال في السنة النبوية‪ ،‬أي لم يذكر إال في السنة النبوية‪ .‬فإذا نظرنا إلى السنة النبوية نجد أن‬
‫أوصاف القرآن التي وردت في السنة النبوية‪ ،‬نجد أنها على طريقين‪ ،‬أو على منهجين‪:‬‬
‫* املنهج األول‪ :‬أن ترد أحاديث تجمع أوصاف القرآن كاملة في أحاديث مستقلة‪.‬‬
‫ومن ذلك حديث الحارث ابن األعور عن علي –رض ي هللا تعالى عنه‪ -‬وفيه أن النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‬
‫ليس بالهزل َمن ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫بينكم َ‬ ‫كم ما َ‬
‫وح ُ‬ ‫بعدكم ُ‬ ‫وخبر ما َ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َّ‬
‫تركه‬ ‫ِّ‬ ‫الفصل‬ ‫وهو‬ ‫كم‬ ‫قبل‬ ‫كان‬ ‫ما‬ ‫نبأ‬ ‫فيه‬
‫اّلل ِّ‬
‫كتاب ِّ‬ ‫قال‪" :‬‬
‫الحكيم َ‬
‫ُ‬ ‫الذ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫اّلل َ‬ ‫َّ‬
‫أضل ُه َّ ُ‬ ‫َ ُ َّ ُ‬ ‫َّ‬
‫وهو‬ ‫كر‬ ‫اّلل املتين وهو ِّ‬ ‫حبل ِّ‬ ‫وهو‬ ‫غير ِّه‬
‫ِّمن جب ٍار قصمه اّلل ومن ابتغى الهدى في ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫املستقيم‪ ،".....‬الحديث‪ .‬فهذا الحديث جمع جملة كبيرة من أوصاف القرآن الكريم‪ ،‬لكن إسناده‬ ‫الصراط‬ ‫ِّ‬
‫ضعيف‪ ،‬وقد تكلم العلماء على إسناد هذا الحديث‪ ،‬وتكلموا عن الحارث ابن األعور ‪.‬‬
‫كذلك من األمثلة؛ حديث ابن مسعود ‪-‬رض ي هللا تعالى‪ -‬عنه وفيه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫ُ‬
‫املبين والش ُ‬ ‫حبل هللا ُّ‬
‫والن ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫فاء‬ ‫ِّ‬ ‫ور‬ ‫هللا فاقبلوا مأدبته ما استطعتم إن هذا القرآن ُ ِّ‬ ‫"إن هذا القرآن مأدبة ِّ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫تمسك به ونجاة ملن َّاتبعه ‪ ،".....‬الحديث‪ .‬ولكن هذا الحديث كذلك تكلم العلماء في‬ ‫عصمة ملن َّ‬ ‫الن ُ‬
‫افع‬ ‫َّ‬
‫إسناده‪ ،‬فإسناده ضعيف‪،‬‬
‫* املنهج الثاني‪ :‬أن نجد بقية األوصاف ذكرت متفرقة في جملة من األحاديث النبوية‪.‬‬
‫وقد بلغت هذه األسماء واألوصاف في األحاديث النبوية ثالثة عشر وصفا وثالثة أسماء؛ فقد تم ذكر ثالثة‬
‫أسماء للقرآن الكريم في األحاديث النبوية وهي‪ :‬القرآن‪ ،‬والكتاب‪ ،‬والفرقان‪ ،‬واألوصاف بلغت ثالثة عشر‬
‫ً‬
‫وصفا ‪-‬وهللا تعالى أعلم‪ -‬اجتهدت في جمعها‪ .‬فأقول مرة أخرى ذكر من األسماء؛ األسماء الثالثة‪ :‬القرآن‪،‬‬

‫‪- 9-‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫الكتاب‪ ،‬والفرقان‪ ،‬أما األوصاف فذكر في األحاديث النبوية ثالثة عشر وصفا منها‪ :‬حبل هللا‪ ،‬ومنها وصف‬
‫القرآن بأنه ثقيل‪ ،‬وغير ذلك من األوصاف‪.‬‬
‫نكتفي بهذا القدر فيما يتعلق بأسماء القرآن وأوصافه‪ ،‬ونبتديء بإذن هللا عز وجل في املحاضرة القادمة بنشأة‬
‫هذا العلم وتطوره‪.‬‬
‫هذا وهللا تعالى أعلم‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات ‪ :‬غادة عالء الدين محمود‬
‫قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي‪ :‬رئيفة درويش‬
‫اإلشراف العام على فريق العمل‪ :‬رئيفة درويش‬

‫‪- 10 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫علوم القرآن‬
‫د‪ .‬عمرعبد العزيزالدهيش ي‬
‫املحاضرة الثالثة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العاملين‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‬
‫ُ‬
‫وبعد‪ .‬فبادئ ذي بدء أحييكم بتحية اإلسالم‪ ،‬السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪ ،‬وأسأل هللا عز وجل لي ولكم‬
‫التوفيق والتسديد‪.‬‬
‫في املحاضرتين السابقتين تكلمنا عن تعريف القرآن وتعريف علوم القرآن‪ ،‬ثم تكلمنا بعد ذلك عن أسماء القرآن‬
‫وأوصافه‪ ،‬وحان الوقت إلى أن نتكلم ونتحدث عن نشأة هذا العلم وتطوره‪.‬‬
‫✓ نشأة علم "علوم القرآن" وتطوره‬
‫كل علم ال بد أن يمر بأطوار ويمر بمراحل تتنوع فيها الطرق‪ ،‬وتتطور من خاللها املنهجية العلمية لهذا العلم‪ ،‬حتى‬
‫يستقر العلم وتبين حدوده‪ ،‬وتنضبط معامله‪ ،‬وهي بال شك مرحلة من املراحل‪ ،‬ثم يعقبها مرحلة أخرى فيما يتعلق‬
‫بالشرح والتهذيب واالختصار‪ ،‬وغير ذلك‪ .‬وبالنظر إلى نشأة علم "علوم القرآن" نجد أنه مر بمراحل‪ ،‬سأسرد هذه‬
‫املراحل‪ ،‬وإن كان بعض هذه املراحل ليست مستقلة عن التي قبلها ومستقلة عن التي بعدها‪ ،‬قد تكون مرتبطة‬
‫بالتي قبلها‪ ،‬وقد تكون معاصرة للتي قبلها‪ ،‬ولكن للمؤلفين والكتاب الذين كتبوا عن هذا املوضوع لهم طرائق ولهم‬
‫مناهج‪ ،‬ولكن أحببت وفضلت أن أذكرها مرحلة مرحلة‪ ،‬لكن مع التنبيه إلى أن هذه املراحل ليست مستقلة‪ ،‬فال‬
‫نقول مثال أن القرن األول والقرن الثاني مرحلة أولى‪ ،‬والقرن الرابع والقرن الخامس مرحلة ثانية‪ ،‬والقرن السادس‬
‫والقرن السابع مرحلة ثالثة‪ ،‬ال‪ ،‬فقد تكون املرحلة الثالثة بينها وبين املرحلة التي سبقتها ارتباط‪ ،‬وقد تكون عاصرتها‬
‫في بعض املراحل‪ .‬واآلن سأذكر هذه املراحل مرحلة تلو أخرى‪:‬‬
‫املرحلة األولى‪ :‬علوم القرآن في عهد النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫فقد كان القرآن الكريم ينزل على النبي صلى هللا عليه وسلم ويتلوه على أصحابه ُويع ِّلمهم‪ ،‬وبسبب ما امتازوا به‬
‫من خصائص العروبة‪ ،‬من قوة الحفظ وصفاء القريحة وسرعة الفهم لم يحتاجوا إلى كتابة ش يء من التفسير أو‬
‫علوم القرآن املتنوعة‪ ،‬مع أن جملة من العلوم كانت معروفة لديهم ُويدركونها ُويعايشونها بل ويلمسونها‪ ،‬كأسباب‬
‫ً‬
‫النزول مثال‪ ،‬واملكي واملدني‪ ،‬والناسخ واملنسوخ‪ ،‬وتجويد القراءة‪ ،‬ومعاني الغريب‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫وأقوالهم في ذلك مشهورة معروفة؛ كقول ابن مسعود ‪-‬رض ي هللا تعالى عنه‪ ،-‬وقول ابن عباس رض ي هللا عنهما‪،‬‬
‫ُ‬
‫وقول علي رض ي هللا عنه‪ ،‬أقوالهم في هذا مشهورة‪ ،‬ومن ذلك قول ابن مسعود ‪-‬رض ي هللا عنه‪" :-‬ما أنزلت آية إال‬
‫وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت‪ ،‬ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب هللا مني تناله املطايا ألتيته"‪.‬‬
‫‪- 11 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫ويقرب منه قول ابن عباس رض ي هللا تعالى عنهما‪ ،‬وقول علي ‪-‬رض ي هللا تعالى عنه‪ .-‬وتحضرني تلك القصة التي جاء‬
‫يهودي فيها إلى عمر ‪-‬رض ي هللا تعالى عنه‪ ،-‬وقال يا عمر‪ :‬آية لو أنزلت علينا معشر اليهود لجعلنا ذلك اليوم عيدا‪،‬‬
‫َْ‬ ‫قال‪ :‬أي آية؟‪ ،‬قال‪ْ ﴿ :‬ال َي ْو َم َأ ْك َم ْل ُت َل ُك ْم د َين ُك ْم َو َأ ْت َم ْم ُت َع َل ْي ُك ْم ن ْع َمتي َو َرض ُ‬
‫يت َل ُك ُم ْاإل ْس َ‬
‫الم ِّد ًينا﴾ [املا ِّئ َد ِّة‪،]3 :‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ْ‬
‫حقيقة آية تستحق التأمل‪ ،‬تستحق التفكر‪ ،‬تستحق اإلشادة بها فهذه تكريم وتقدير من هللا عز وجل‪{ ،‬ال َي ْو َم‬
‫الم ِّد ًينا}‪ .‬فقال له عمر‪ :‬أما‬ ‫َأ ْك َم ْل ُت َل ُك ْم د َين ُك ْم َو َأ ْت َم ْم ُت َع َل ْي ُك ْم ن ْع َمتي} وفضلي ومحبتي وتقديري َ{و َرض ُ‬
‫يت َل ُك ُم ْاإل ْس َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫وهللا ‪ -‬وهذا هو الشاهد ‪ -‬أما وهللا إني ألعلم أين نزلت‪ ،‬ومكان نزولها‪ ،‬نزلت في يوم عرفة في حجة الوداع‪ ،‬ورسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم قائم أو واقف في عرفة‪ ،‬مما يدل على أن الصحابة كانوا ُيعايشون ُويدركون هذه العلوم‪،‬‬
‫وإن لم يكتبوا أو ُيقيدوا شيئا من ذلك‪.‬‬
‫املرحلة الثانية‪ :‬في عهد الخالفة الراشدة‬
‫ً‬
‫استكماال للمرحلة السابقة‪ ،‬نشأ في هذه املرحلة عدة علوم‪ ،‬ومن ذلك علم "رسم املصحف"‪ ،‬وعلم "إعراب‬
‫ُ‬
‫القرآن"‪ ،‬وعلم "تفسيرالقرآن"‪ ،‬فاملصاحف التي أمر عثمان ‪-‬رض ي هللا تعالى عنه‪ -‬بنسخها تمثل وثائق مدونة عن‬
‫ُ‬
‫علم رسم املصحف‪ ،‬الذي له قواعده وضوابطه التي تميزه عن الخط اإلمالئي املعتاد‪.‬‬
‫حلقات تفسير القرآن التي ُيفسر فيها الصحابي آيات من القرآن‪ ،‬فقد كانت ذا منهجية وعلى أصول ُيفسر‬ ‫ُ‬ ‫أيضا‬
‫القرآن من خاللها كتفسير القرآن بالقرآن‪ ،‬وتفسير القرآن بالسنة‪ ،‬وتفسير القرآن باللغة‪ ،‬وكيفية التعامل مع‬
‫اإلسرائيليات‪ ،‬وما سوى ذلك‪ ،‬فكانت لهم ‪ -‬رض ي هللا تعالى عنهم ‪ -‬أصول يمشون ويسيرون عليها‪ُ ،‬ويفسرون من‬
‫خاللها القرآن‪ ،‬إن وجدوا تفسير اآلية في القرآن اكتفوا به‪ ،‬وإن لم يجدوا ذلك بحثوا في السنة النبوية‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫املرحلة الثالثة‪ :‬تدوين أنواع من علوم القرآن مع بداية تدوين الحديث النبوي‬
‫ُ‬
‫وذلك في رأس املائة األولى من الهجرة‪ ،‬وكان أول من دونه‪ :‬محمد بن مسلم ابن شهاب الزهري (املتوفى سنة ‪124‬هـ)‬
‫بأمر من عمر بن عبد العزيز‪.‬‬
‫وقد اشتملت املصنفات الحديثية على كتب وأبواب تتعلق بعلوم القرآن‪ ،‬وإن لم ُيسموها بعلوم القرآن‪ ،‬وكذلك‬
‫ذكروا أبواب تتعلق بتفسير القرآن‪ ،‬فعلى سبيل املثال‪ :‬اإلمام البخاري في صحيحه ‪ -‬كتابه الصحيح ‪ -‬ذكر ً‬
‫كتابا‬
‫ً‬
‫مستقال َ‬
‫وعنون له بفضائل القرآن‪ ،‬كذلك بكتاب التفسير‪ ،‬وكتاب فضائل القرآن هو في الحقيقة يجمع األحاديث‬
‫املتعلقة بعلوم القرآن من ناحية الوحي‪ ،‬ومن ناحية نزول القرآن‪ ،‬وأسباب النزول‪ ،‬والناسخ واملنسوخ‪ ،‬كل هذا‬
‫جمعه البخاري رحمه هللا تعالى في كتابه الصحيح تحت كتاب فضائل القرآن‪.‬‬
‫ومثله كذلك اإلمام ُمسلم رحمه هللا‪ ،‬فإنه ذكر في آخر مصنفه كتاب التفسير‪ ،‬واإلمام مسلم هو على الصحيح لم‬
‫ُيبوب األحاديث‪ ،‬ولكنه هو الذي ذكر عناوين الكتب‪.‬‬

‫‪- 12 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫ً‬
‫جامعا‬ ‫ومثله كذلك اإلمام الترمذي‪ ،‬واإلمام أبو داوود في ُسننه‪ ،‬فإنه ذكر ً‬
‫كتابا في القراءات‪ ،‬وذكروا كذلك ً‬
‫كتابا‬
‫في التفسير‪ ،‬وابن ماجه والنسائي‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫املرحلة الرابعة‪ :‬فترة تدوين علوم القرآن مع بداية تدوين األحاديث‬
‫ُ‬
‫في فترة تدوين علوم القرآن مع بداية تدوين الحديث ألفت ُمصنفات في بعض علوم القرآن بشكل ُمفرد‪ ،‬ومن ذلك‬
‫ما كتبه َيحيى بن َي ْع ُمر في القراءات ‪َّ -‬ألف ً‬
‫كتابا في القراءات ‪ ،-‬كذلك مجاهد بن َج ْور له كتاب في التفسير‪ ،‬كذلك‬
‫ألبي عبيد القاسم بن سالم كتاب في فضائل القرآن‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫ُيضاف إلى ذلك اإلشارة إلى إسهامات اللغويين في مثل كتب‪ :‬معاني القرآن‪ ،‬للفراء‪ ،‬ومجاز القرآن‪ ،‬ألبي عبيدة‬
‫معمر بن املثنى‪ ،‬والوجوه والنظائر‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫أود أن أشير إلى أن املرحلة الخامسة تتزامن مع املرحلة السابقة كما أن املرحلة السابقة تتزامن مع جزء من‬
‫املرحلة التي قبلها (وهو ما أشرنا إليه في أول هذه املحاضرة)‬
‫املرحلة الخامسة‪ :‬التأليف في علوم القرآن من خالل مقدمات التفسير‬
‫ُ‬
‫كفعل اإلمام الطبري (املتوفى سنة ‪310‬هـ) واملاوردي‪ ،‬فالطبري على سبيل املثال ذكر جملة من علوم القرآن في‬
‫مقدمة تفسيره‪ ،‬كاأللفاظ التي اتفقت لغات األمم فيها‪ ،‬واللغة التي نزل عليها القرآن من لغات العرب‪ ،‬ونزول القرآن‬
‫على سبعة أحرف‪ ،‬ومثله كذلك املاوردي في مقدمة تفسيره "النكت والعيون"‪.‬‬
‫أبواب من علوم القرآن‪ ،‬لكن بدون تسميتها بعلوم القرآن‬
‫ٍ‬ ‫املرحلة السادسة‪ :‬ظهور مؤلفات في‬
‫ُ‬
‫وفي هذه املرحلة تسمية العلم بعلوم القرآن لم تظهر بعد‪ ،‬لكن هناك مؤلفات هي في علوم القرآن ولكنها لم ت َّ‬
‫سم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫بهذا االسم‪ ،‬من مثل الحارث املحاسبي (املتوفى سنة ‪243‬هـ) في كتابه فهم القرآن‪ ،‬ذكر جملة من علوم القرآن‪،‬‬
‫ولكنه سمى كتابه بـ "فهم القرآن"‪ ،‬وقد أورد جملة من مباحث علوم القرآن كفضائل القرآن‪ ،‬وفضائل القراء‪،‬‬
‫ُ‬
‫واملحكم واملتشابه‪ ،‬والناسخ واملنسوخ‪ ،‬ومن ذلك جمال القراء وكمال اإلقراء للسخاوي‪.‬‬
‫ً‬
‫أنواعا من علوم القرآن في ثنايا املوضوع العام الذي يتحدث عنه الكتاب‬ ‫املرحلة السابعة‪ :‬مؤلفات ضمت‬
‫برزت مؤلفات ضمت أنواعا من علوم القرآن في ثنايا املوضوع العام الذي يتحدث عنه الكتاب‪ ،‬من مثل االنتصار‬
‫للباقالني االنتصار لصحة ناقل القرآن‪ ،‬ويقصد مؤلفه الدفاع عن القرآن من كل الشكوك والشبه التي أثيرت‬
‫ُ‬
‫حوله من قبل امللحدين والرافضة‪.‬‬
‫َّ‬
‫ومن العلوم التي أوردها الباقالني في كتابه‪ :‬القراءات‪ ،‬وجمع الناس على مصحف واحد‪ ،‬واإلعجاز‪ ،‬ونزول القرآن‬
‫ُ‬
‫على سبعة أحرف‪ ،‬وكذلك من الكتب التي على هذا املنوال جواهر القرآن ُودرره للغزالي (املتوفى سنة ‪505‬هـ)‪،‬‬

‫‪- 13 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫وذكر فيه جملة من علوم القرآن وقسمها إلى قسمين‪ :‬علم الصدف والقشر‪ ،‬وجعل منه‪ :‬علم اللغة والنحو‬
‫ُ‬
‫والقراءات وتوجيهها وعلم التفسير‪ ،‬وعلم اللباب وجعل منه‪ :‬القصص القرآني‪ ،‬وعلم الكالم‪ ،‬والفقه وأصوله‪.‬‬
‫وكذلك‪ ،‬قانون التأويل ألبي بكر بن العربي‪ ،‬فقد قسم علوم القرآن إلى ثالثة أقسام‪ :‬توحيد‪ ،‬وتذكير‪ ،‬وأحكام‪،‬‬
‫وغيرها من املؤلفات‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املرحلة الثامنة‪ :‬استقرارتسمية هذا العلم تسمية ومضمونا من خالل الكتاب كامال‬
‫ومن ذلك فنون األفنان في عيون علوم القرآن البن الجوزي‪ ،‬واملرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ألبي شامة (املتوفى سنة ‪656‬هـ)‪ ،‬والبرهان في علوم القرآن للزركش ي (املتوفى سنة ‪764‬هـ)‪ ،‬واإلتقان في علوم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القرآن للسيوطي (املتوفى سنة ‪911‬هـ)‪ ،‬وللبلقيني كذلك كتاب مواقع العلوم من مواقع النجوم (واملتوفى سنة‬
‫‪824‬هـ)‪ ،‬ثم توالت بعد ذلك الكتب التي تطابق فيها املضمون والعنوان‪ُ ،‬سميت بعلوم القرآن‪ُ ،‬ويذكر فيها جملة‬
‫من العلوم املتعلقة بالقرآن الكريم‪ ،‬كاإلمام السيوطي‪ ،‬وكالكتب التي جاءت بعد ذلك في هذا العصر ‪ -‬في وقتنا‬
‫املعاصر‪ ، -‬ككتاب مناهل العرفان للزرقاني‪ ،‬وكذلك مباحث في علوم القرآن‪ ،‬ودراسات في علوم القرآن‪،‬‬
‫اسما ومحتو ًى‪ً ،‬‬
‫اسما‬ ‫واملدخل إلى دراسة علوم القرآن‪ ،‬وغير ذلك من الكتب‪ ،‬فاستقر تسمية هذا العلم ً‬
‫وس ِّم َي بـ"علوم القرآن"‪.‬‬ ‫ً‬
‫ومضمونا‪ُ ،‬‬

‫✓ عدة ملحوظات على تطور علم "علوم القرآن"‬


‫ً‬
‫أوال‪ :‬توجد ُم َّ‬
‫سميات لكتب باسم علوم القرآن‪ ،‬توجد كتب باسم علوم القرآن أو علم القرآن أو علم التنزيل‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫سمي اإلمام والعالم كتابه‬ ‫ُ‬
‫جزء منه‪ ،‬فقد ي ِّ‬ ‫لكنها في الحقيقة هي ليست في ذات العلم‪ ،‬وإن كانت تشتمل على ٍ‬
‫كتابا في علوم القرآن من ناحية املصطلح‬ ‫بعلم القرآن أو في علم القرآن أو علوم القرآن‪ ،‬ولكنه في الحقيقة ليس ً‬
‫ُ‬
‫الذي نتكلم عنه‪ ،‬وعلى سبيل املثال‪ :‬أبو الحسن األشعري له كتاب املختزن في علوم القرآن وهو كتاب في‬
‫التفسير‪ ،‬كذلك لألدفوي االستغناء في علوم القرآن‪ ،‬وهو تفسير كذلك يهتم باألثر والعربية والقراءات ويذكر‬
‫شيئا من علوم القرآن‪ ،‬وكذلك التفصيل الجامع لعلوم التنزيل للمهدوي‪ ،‬وهو كذلك كتاب في التفسير‪.‬‬
‫فبمجرد التسمية ال تكفي للحكم على أن الكتاب من املؤلفات في علوم القرآن باملعنى االصطالحي‪.‬‬
‫سمه باسمه االصطالحي هو الحارث‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫مستقال‪ ،‬وإن لم ُ‬ ‫ا‬ ‫ثانيا‪ :‬لعل َأ ْس َبق من َّألف في هذا العلم ً‬
‫كتاب‬ ‫ً‬ ‫‪-‬‬
‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫املحاسبي (املتوفى سنة ‪243‬هـ) في كتابه فهم القرآن‪ ،‬لم ُيسمه بعلم القرآن وال علوم القرآن وإنما ُيسمى بفهم‬
‫القرآن‪.‬‬

‫‪- 14 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -‬ثالثا‪َّ :‬أما ظهور مصطلح علوم القرآن في العنوان واملحتوى فقد تأخر قليال إلى أواخر القرن الرابع ومطلع‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫القرن الخامس‪ ،‬وبدأ في مؤلف ابن حبيب النيسابوري (املتوفى سنة ‪406‬هـ) في كتابه التنبيه على فضل علوم‬
‫القرآن‪.‬‬
‫‪ -‬ثم تتابعت التسمية واملضمون في املؤلفات املتأخرة؛ ككتاب فنون األفنان في عيون علوم القرآن البن‬
‫الجوزي‪ ،‬وكتاب أبي شامة‪ ،‬والزركش ي‪ ،‬والسيوطى اإلتقان في علوم القرآن‪ ،‬ومن بعدهم‪.‬‬
‫✓ أهم املؤلفات التي ألفت في هذا العلم‬
‫أختم هذه املحاضرة بـذكر أهم املؤلفات التي ألفت في هذا العلم‪ ،‬وهذه املؤلفات مطبوعة ومتوفرة وموجودة بين‬
‫أيدينا‪ ،‬ومن هذه املؤلفات‪:‬‬
‫‪ -‬فنون األفنان في عيون علوم القرآن‪ ،‬ابن الجوزي‬
‫‪ -‬املرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز‪ ،‬أبي شامة‬
‫‪ -‬البرهان في علوم القرآن‪ ،‬الزركش ي‬
‫‪ -‬اإلتقان في علوم القرآن‪ ،‬السيوطي‬
‫‪ -‬مناهل العرفان في علوم القرآن‪ ،‬الزرقاني‬
‫‪ -‬املدخل لدراسة القرآن‪ ،‬أبي شهبة‬
‫‪ -‬مباحث في علوم القرآن‪ ،‬صبحي الصالح‬
‫‪ -‬مباحث في علوم القرآن‪ ،‬مناع القطان‬
‫‪ -‬دراسات في علوم القرآن‪ ،‬فهد الرومي‬
‫‪ -‬املحرر في علوم القرآن‪ ،‬مساعد الطيار‬
‫ُ‬
‫‪ -‬املقدمات األساسية في علوم القرآن‪ ،‬يوسف الجديع‬
‫‪ -‬علوم القرآن بين البرهان واإلتقان‪ ،‬حازم حيدر‬
‫‪ -‬وغيرها من الكتب الكثيرة التي لن ُيعدم القارئ واملطالع والدارس من أن يخرج بحصيلة علمية مفيدة بإذن‬
‫هللا عز وجل عند مطالعته ورجوعه إلى هذه الكتب العظيمة‪ ،‬التي أسأل هللا عز وجل أن ينفع بها‪ ،‬وأن يرحم‬
‫ُمؤلفيها‪ ،‬ويحفظ األحياء منهم‪.‬‬
‫وبإذن هللا عز وجل املرجع األساس في هذا املقرر هو كتاب دراسات في علوم القرآن‪ ،‬للدكتور فهد الرومي‪.‬‬
‫هذا وهللا تعالى أعلم‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫‪- 15 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات ‪ :‬إسراء الزعيم‬
‫قام باملراجعة األولى والتدقيق‪ :‬أحمد عبد الرحمن‬
‫قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي‪ :‬رئيفة درويش‬
‫اإلشراف العام على فريق العمل‪ :‬رئيفة درويش‬

‫‪- 16 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫علوم القرآن‬
‫د‪ .‬عمرعبد العزيزالدهيش ي‬
‫املحاضرة الرابعة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العاملين‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫باديء ذي بدء أحيي الجميع بتحية اإلسالم‪ ،‬السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪ ،‬أسأل هللا عز وجل أن يرزقنا العلم‬
‫النافع والعمل الصالح وبإذن هللا عز وجل في هذه املحاضرة واملحاضرات التي تليها سندلف إلى صلب هذا العلم‬
‫ونفتتح حديثنا في هذا املقرر بعلم الوحي‪.‬‬
‫‪ ‬علم الوحي‬
‫وإذا تأملنا ونظرنا في كتب علوم القرآن األخرى وعلوم القرآن املتفرقة واملتنوعة نجد أنهم اختلفوا في البداءة بأي‬
‫علم من علوم القرآن‪ ،‬فمنهم من ابتدأ باملكي واملدني‪ ،‬ومنهم من ابتدأ بأسباب النزول‪ ،‬ومنهم من ابتدأ بنزول‬
‫القرآن‪ ،‬ومنهم من ابتدأ بالوحي‪ ،‬وال إشكال في ذلك إذ هي مسألة اجتهاد ونظر وتأمل‪ ،‬وتختلف فيها وجهات النظر‪،‬‬
‫أما نحن بإذن هللا عز وجل في هذه األكاديمية املباركة‪ ،‬سنفتتح الحديث عن علوم القرآن بهذا العلم وهو علم‬
‫علم ُوجد‪ ،‬فنزول الوحي على النبي‬ ‫ً‬
‫الوحي‪ ،‬وذلك استئناسا إلى أن هذا العلم هو‪ ،‬حقيقة‪ ،‬من حيث الوجود هو أول ٍ‬
‫صلى هللا عليه وسلم تاله ابتداء نزول القرآن‪ ،‬ونزول القرآن كذلك شاركه أسباب النزول‪ ،‬واملكي واملدني‪ ،‬ونزول‬
‫القرآن على سبعة أحرف‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬فالوحي هو أول العلوم من حيث الوجود‪ ،‬فارتأيت أن نبتديء بهذا العلم‬
‫وهو علم الوحي‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫✓ تعريف الوحي لغة واصطالحا‬
‫علم في خفاء‪ ،‬ومن معاني الوحي في اللغة‪ ،‬اإلشارة‪ ،‬والكتابة‪ ،‬والرسالة وذلك على وجه‬ ‫الوحي في اللغة‪ :‬هو إلقاء ٍ‬
‫السرعة‪ ،‬فأوحى إليهم أي‪ :‬أشار‪،‬‬
‫لنبي من أنبيائه‬
‫الوحي في االصطالح‪ :‬أما عن معنى الوحي في الشرع وفي االصطالح هو إعالم هللا سبحانه وتعالى ٍ‬
‫لنبي من أنبيائه بكيفية‬
‫بكيفية معينة بنبوته وما يتبعها من أوامر ونواهي وأخبار وقصص‪ .‬إعالم هللا سبحانه ٍ‬
‫ً‬
‫معينة‪ ،‬وهذه الكيفية سنذكر طرفا منها في تضاعيف محاضرتنا هذه بإذن هللا تعالى‪ ،‬وما يتبعها من أوامر ونواهي‬
‫وأخبار‪ ،‬وكما تعلمون أن هذه األوامر والنواهي واألخبار قد يكون مصدرها من القرآن الكريم‪ ،‬وقد يكون مصدرها‬
‫من السنة النبوية‪ ،‬فالوحي يشمل الوحي بالقرآن‪ ،‬كما يشمل الوحي بالسنة النبوية‪ ،‬هللا عز وجل قال عن السنة‬
‫وحى﴾ [سورة النجم ‪ ،]4 :‬فالوحي يشمل الوحي بالقرآن ويشمل كذلك الوحي بالسنة‬ ‫النبوية‪﴿ :‬إ ْن ُه َو إ َّال َو ْح ٌي ُي َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫النبوية‪.‬‬
‫‪- 17 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫✓ أقسام الوحي‬
‫ننتقل اآلن إلى النقطة الثانية من محاضرة اليوم وهي أقسام الوحي‪ .‬يمكن أن نقسم الوحي إلى قسمين‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬الوحي اللغوي‪ :‬أي الوحي بمعناه في اللغة‪ ،‬وهو يشمل عدة أنواع‪ ،‬كما ذكرت قبل قليل‪ ،‬أن الوحي‬
‫في اللغة إلقاء علم في خفاء وله أنواع‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫َ َ ْ َ ْ َ َ ُ ُ َ َْ‬
‫‪ .1‬اإللهام الفطري لإلنسان‪ ،‬ومثاله‪ :‬ما ذكره هللا عز وجل في سورة القصص‪﴿ :‬وأوحينا ِّإلى أ ِّم موس ى أن‬
‫ص ‪ ،] 7 :‬وهذا كما ذكر العلماء هو إلهام فطري لإلنسان‪.‬‬ ‫ص‬ ‫َأ ْرضعيه‪ْ [ ﴾...‬ال َق َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪ .2‬كما أن الوحي كذلك يكون باإللهام الغريزي للحيوان ومثاله‪﴿ :‬وأوحى َرُّبك ِّإلى النح ِّل أ ِّن ات ِّخ ِّذي ِّمن ال ِّج َب ِّال‬
‫ُ َ‬ ‫ُب ُي ًوتا َوم َن َّ‬
‫الش َج ِّر َو ِّم َّما َي ْع ِّرشون (‪[ ﴾ )68‬سورة النحل] ومعنى الوحي هنا‪ :‬هو اإللهام الغريزي وهو من أنواع‬ ‫ِّ‬
‫الوحي اللغوي‪.‬‬
‫َ ُ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ َ ََ‬
‫﴿إذا زل ِّزل ِّت األرض ِّزلزالها (‪)1‬‬ ‫سورة الزلزلة ِّ‬ ‫‪ .3‬كذلك من أنواع الوحي اللغوي‪ :‬األمر الكوني للجمادات كما في‬
‫َ َّ َ َّ َ َ ْ َ ََ‬ ‫َ‬
‫ُ ُ ْ‬ ‫ََ َ ْ ْ َ ُ َ‬ ‫ض َأ ْث َق َال َ‬ ‫ََ ْ َ َ َْ‬
‫ان َما ل َها (‪َ )3‬ي ْو َم ِّئ ٍذ ت َح ِّدث أخ َبا َر َها (‪ِّ )4‬بأن ربك أوحى لها (‪ ،﴾ )5‬فهذا‬ ‫اإلنس‬
‫ِّ‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫)‬‫‪2‬‬‫(‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫األ ْر ُ‬ ‫وأخرج ِّت‬
‫من األمر الكوني للجمادات‪.‬‬
‫﴿وِّإ َّن‬
‫‪ .4‬كذلك من أنواع الوحي اللغوي‪ :‬وسوسة الشيطان وتسمى في اللغة بالوحي‪ ،‬كما قال هللا عز وجل‪َ :‬‬
‫ُ ُ‬ ‫َّ َ َ َ ُ ُ َ َ َ‬
‫وحون ِّإلى أ ْوِّل َي ِّائ ِّه ْم ِّل ُي َج ِّادلوك ْم ‪[ ﴾ ........‬سورة األنعام ‪.]121 :‬‬ ‫اطين لي‬ ‫الشي ِّ‬
‫َ َ ْ َ َ ْ ْ َْ‬
‫‪ .5‬كذلك من أنواع الوحي اللغوي‪ :‬اإلشارة بجارحة من الجوارح‪ ،‬كما قال هللا عز وجل‪ .....﴿ :‬فأوحى ِّإلي ِّهم أن‬
‫ْ ً‬
‫َس ِّب ُحوا ُبك َرة َو َع ِّش ًّيا﴾ [سورة مريم ‪.]11 :‬‬
‫هذه بعض من أنواع الوحي اللغوي وهو يندرج تحت القسم األول من أقسام الوحي‪.‬‬
‫ََ َ َ َ َ‬
‫ان ِّل َبش ٍر أ ْن‬ ‫القسم الثاني‪ :‬الوحي الشرعي‪ :‬وأنواعه ذكرها هللا عز وجل في سورة الشورى في قوله سبحانه‪﴿ :‬وما ك‬
‫ورى ‪،] 51 :‬‬ ‫يم﴾ [ ُّ‬
‫الش َ‬ ‫وح َي بإ ْذ ِّن ِّه َما َي َش ُاء إ َّن ُه َع ِّل ٌّي َح ِّك ٌ‬ ‫اّلل إ َّال َو ْح ًيا َأ ْو م ْن َو َر ِّاء ح َجاب َأ ْو ُي ْرس َل َر ُس ًوال َف ُ‬
‫ي‬ ‫ُ َ َ ُ َّ ُ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫يك ِّلمه ِّ‬
‫سبحانه‪ .‬في هذه اآلية أنواع من الوحي الشرعي‪ ،‬جمع هللا تعالى فيها أنواع الوحي الشرعي وهذه األنواع اشتملت على‬
‫صور متعددة وهي كما يلي‪:‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ان ل َب َشر أ ْن ُي َكل َم ُه َّ ُ‬ ‫ََ َ َ‬
‫اّلل ِإال َو ْح ًيا﴾‪ :‬املراد بالوحي في هذه اآلية يدخل ضمنه عدة أنواع منها‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪ .1‬النوع األول‪﴿ :‬وما ك ِّ ٍ‬
‫(أ) الرؤيا في املنام‪ :‬فعن عائشة رض ي هللا تعالى عنها قالت‪" :‬كان أول ما بديء به رسول هللا هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان ال يرى رؤيا إال جاءت مثل فلق الصبح" الحديث متفق‬
‫عليه‪ ،‬الوحي الشرعي عن طريق الرؤيا في املنام كانت في بدايات البعثة النبوية واستمر ذلك قرابة ستة‬
‫أشهر وهللا أعلم‪.‬‬

‫‪- 18 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫َّ‬ ‫ً‬
‫(ب) النفث في الروع‪ :‬ويدخل هذا النوع أيضا ضمن معنى قوله عزوجل‪ِّ ﴿ :‬إال َو ْح ًيا﴾‪ ،‬ودليله‪ :‬عن عبد هللا بن‬
‫َّ ُّ َ َ َ َ‬
‫وح األ ِّمين ن َفث في َر ْو ِّعي ‪َّ :‬أن‬ ‫مسعود رض ى هللا تعالى عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬وِّإن الر‬
‫ََ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َن ْف ًسا ال َت ُم ُ‬
‫هللا و أ ْج ِّملوا في الطل ِّب ‪ " ....‬الحديث‪ ،‬الشاهد في الحديث هو‬ ‫وت حتى ت ْس َتك ِّم َل ِّرزقها ‪ ،‬ف َّات ُقوا‬
‫قوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬وإن الروح األمين ‪ -‬أي جبريل عليه السالم ‪ -‬نفث في روعي" والروع هو‪ :‬القلب‬
‫والعقل‪ ،‬واملعنى‪ :‬أن جبريل نفث في خلدي وبالي‪.‬‬
‫َ‬
‫َ َ َ َ َ َ ْ ُ َ َ ُ َّ ُ َّ‬
‫اّلل ِإال َو ْح ًيا﴾‪.‬‬ ‫هذان النوعان يندرجان تحت قوله عزوجل‪﴿ :‬وما كان ِّلبش ٍر أن يك ِّلمه‬
‫َ‬
‫﴿أ ْو م ْن َو َراء ح َ‬
‫اب﴾‪ :‬وحي هللا عز وجل إلى رسوله من خالل أن يكون من وراء حجاب‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ ِ ٍ‬‫ج‬ ‫ِ‬ ‫‪ .2‬النوع الثاني‪:‬‬
‫النوع يكون في اليقظة‪ ،‬كما يكون في املنام‪.‬‬
‫‪ -‬دليل اليقظة‪ :‬هو ما جاء في حديث اإلسراء واملعراج الطويل وفيه‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫"فأوحى هللا إلي ما أوحى‪ ،‬ففرض علي خمسين صالة في كل يوم وليلة‪ .‬فنزلت إلى موس ى صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬ما فرض ربك على أمتك؟ قلت خمسين صالة‪ ،‬قال‪ :‬ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف‪ ،‬فإن أمتك ال‬
‫يطيقون ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم‪ ،‬قال‪ :‬فرجعت إلى ربي فقلت‪ :‬يا رب ! خفف على أمتي ‪.‬‬
‫فحط عني خمسا ‪ .‬فرجعت إلى موس ى فقلت‪ :‬حط عني خمسا‪ ،‬قال ‪ :‬إن أمتك ال يطيقون ذلك‬
‫فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف‪ ،‬قال‪ :‬فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موس ى عليه السالم حتى‬
‫قال‪ :‬يا محمد ! إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صالة عشر فذلك خمسون صالة‪ ،‬ومن هم بحسنة‬
‫فلم يعملها كتبت له حسنة‪ ،‬فإن عملها كتبت له عشرا‪ ،‬ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا‪ ،‬فإن‬
‫عملها كتبت سيئة واحدة‪ .‬قال‪ :‬فنزلت حتى انتهيت إلى موس ى صلى هللا عليه وسلم فأخبرته فقال‪:‬‬
‫ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف‪ ،‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقلت‪ :‬قد رجعت إلى ربي حتى‬
‫استحييت منه" ‪ .‬الحديث رواه اإلمام مسلم‪ .‬هذا الكالم وهذه املراجعة بين هللا عز وجل ورسوله‪ ،‬كانت في‬
‫ليلة املعراج‪ ،‬معراج النبي صلى هللا عليه وسلم إلى السماء‪ ،‬وكانت في اليقظة كما هو ظاهر في الحديث‪.‬‬
‫‪ -‬دليل املنام‪ :‬كذلك تكون مكاملة بين هللا عز وجل ورسوله من وراء حجاب عن طريق املنام‪ ،‬ودليله ما جاء‬
‫في حديث اختصام املأل األعلى‪ ،‬حديث معاذ بن جبل رض ي هللا تعالى عن‪،‬ه وفيه قال صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫بربي ‪-‬‬ ‫أنا‬ ‫فإذا‬ ‫‪،‬‬‫ت‬‫است ْث َق ْل ُ‬
‫َ‬
‫حتى‬ ‫صالتي‬ ‫في‬ ‫ت‬ ‫وصليت‪ ،‬ما ُقد َر لي ‪َ ،‬‬
‫فن َع ْس ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪،‬‬ ‫ت‬ ‫فتوض ْأ ُ‬
‫َ‬ ‫‪،‬‬ ‫الليل‬ ‫في‬ ‫"إني ُ‬
‫قمت‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫قلت‪ :‬ما أدري‬ ‫محمد‪ ،‬فقلت‪ :‬لبيك! قال‪ :‬فيم َيختص ُم املأل األعلى ؟ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِّصورة! فقال‪ :‬يا‬ ‫تبارك وتعالى ‪ -‬في أحسن‬
‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫ً‬
‫ثالثا" الحديث‪ .‬والنعاس هو أول النوم‪ .‬هذه املكاملة هي بين هللا عز وجل ورسوله صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫ولكنها ليست في اليقظة وإنما في املنام‪.‬‬
‫هذا هو النوع الثاني من أنواع الوحي الشرعي وهو أن يكون من وراء حجاب‪.‬‬
‫‪- 19 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫ً‬ ‫َ‬
‫‪ .3‬النوع الثالث‪﴿ :‬أ ْو ُي ْر ِس َل َر ُسوال﴾‪ :‬كجبريل عليه السالم أو غيره من املالئكة‪ ،‬وجبريل عليه السالم قد أوكل‬
‫إليه اإلرسال بالوحي‪ ،‬ومجيء الوحي عن طريق جبريل عليه السالم إلى النبي صلى هللا عليه وسلم له أحوال كثيرة‬
‫وصور متعددة‪ ،‬جاء عليها الروح األمين إلى خير املرسلين صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ومن بين تلك األحوال التي جاء‬
‫فيها الروح األمين‪ ،‬نزل القرآن الكريم‪ ،‬القرآن الكريم لم ينزل في كل مرة نزل فيها جبريل عيله السالم‪ ،‬وإنما نزل‬
‫جبريل بالقرآن في أحوال معينة‪ ،‬وسنذكرها بإذن هللا عز وجل في هذه املحاضرة‪ .‬وقد صاحب نزول جبريل‬
‫بالوحي أحوال وتغيرات من لدن النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وهذه األحوال وتلك التغيرات هي متعددة ومتنوعة‪،‬‬
‫وسنذكرها بإذن هللا عز وجل على وجه اإلختصار‪.‬‬
‫وحتى يكون كالمنا متصال‪ ،‬ذكرنا أنواع الوحي اللغوي‪ ،‬ثم أنواع الوحي الشرعي‪ ،‬وقلنا أن من أنواع الوحي الشرعي‪،‬‬
‫أن يرسل رسوال‪ ،‬والرسول قد يكون جبريل أو غيره من املالئكة‪ ،‬ولهم أحوال يأتون بها‪ ،‬ومن أعظم الرسل من‬
‫املالئكة وأفضلهم‪ ،‬هو جبريل عليه السالم‪ ،‬وهو الذي نزل بالقرآن الكريم‪ ،‬وليس كل ما نزل به جبريل عليه السالم‬
‫هو القرآن‪ ،‬كال‪ ،‬فقد ينزل بالسنة‪ ،‬وقد ينزل بالقرآن‪ ،‬وقد ينزل بغير هذين‪.‬‬
‫✓ أحوال نزول جبريل عليه السالم بالوحي‪:‬‬
‫جبريل عليه السالم نزل بالوحي إلى نبينا صلى هللا عليه وسلم على هيئات متنوعة وصور متعددة‪ ،‬مجموعها ثالث‬
‫أحوال‪:‬‬
‫قريبا‬‫‪ .1‬الحالة األولى‪ :‬مجيء جبريل عليه السالم إلى نبينا صلى هللا عليه وسلم على صورته التي ُخلق عليها‪ ،‬أو ً‬
‫ثالث َمن َت َك َّل َم بواحدة َّ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كئا َ‬ ‫مت ً‬ ‫كنت َّ‬ ‫ُ‬
‫منهن‬ ‫ٍ‬ ‫عند عائشة فقالت ‪ :‬يا أبا عائشة‬ ‫منها‪" :‬عن مسروق قال‪:‬‬
‫َّ‬ ‫َّ ُ َ‬ ‫على هللا الفر َية‪ُ ،‬‬ ‫َ َ‬
‫هللا عل ِّيه وسل َم رأى‬ ‫محم ًدا صلى‬ ‫َّ‬ ‫عم َّأن‬ ‫هن؟ قالت ‪َ :‬من ز َ‬ ‫قلت‪ :‬ما َّ‬
‫ِّ‬ ‫فقد أعظم‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الفرية‪ُ َ ً َّ ُ ُ َ َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫عجليني‪ ،‬ألم‬ ‫ِّ‬ ‫أنظريني وال ت‬ ‫قال‪ :‬وكنت متكئا فجلست‪ ،‬فقلت‪ :‬يا َّأم املؤمنين ! ِّ‬ ‫رَّبه فقد أعظم على ِّ‬
‫هللا‬
‫َ‬ ‫َ ًَ ُ ْ‬ ‫ََ‬ ‫ْ ُُ ُْ‬ ‫ُ َّ َّ َ َ‬
‫﴿ول َق ْد َر ُآه ن ْزلة أخ َرى﴾ [النجم ‪]13:‬؟ فقالت‪ :‬أنا‬ ‫﴿ول َق ْد َر ُآه ِّباألف ِّق امل ِّب ِّين﴾ [التكوير‪،] 23 :‬‬ ‫يقل هللا عز وجل‪:‬‬ ‫ِّ‬
‫َّ‬ ‫َُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫هللا صلى هللا عل ِّيه وسل َم‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫األم ِّة َ‬ ‫هذ ِّه َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫جبريل‪ ،‬لم أره على صور ِّت ِّه التي‬ ‫فقال ‪ :‬إنما هو‬ ‫سأل عن ِّذلك رسول ِّ‬ ‫أول ِّ‬
‫ض‪ ،‬فقالت‪َ :‬أو‬ ‫َّ‬ ‫سادا ع َظ ُم خلقه ما َ‬ ‫السماء ًّ‬ ‫َّ‬ ‫منهبطا َ‬ ‫ً‬ ‫املرتين‪ُ ،‬‬
‫أيت ُه‬ ‫ُخ ِّل َق عليها َ‬
‫ِّ‬ ‫ر‬‫األ‬ ‫إلى‬ ‫ماء‬ ‫ِّ‬ ‫الس‬ ‫بين‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫من‬ ‫هاتين َّ ِّ ر‬ ‫ِّ‬ ‫غير‬
‫ْ‬
‫وح َي ِّب ِّإذ ِّن ِّه‬ ‫اّلل إ َّال َو ْح ًيا َأ ْو م ْن َو َر ِّاء ح َجاب َأ ْو ُي ْرس َل َر ُس ًوال َف ُ‬ ‫ان ل َب َشر َأ ْن ُي َكل َم ُه َّ ُ‬ ‫ُ ََ َ َ‬ ‫َ ْ َّ َ‬
‫ِّ‬ ‫ي‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫لم تسمع أن هللا يقول‪﴿ :‬وما ك ِّ ٍ‬
‫وسل َم َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َما َي َش ُاء إ َّن ُه َع ِّل ٌّي َح ِّك ٌ‬
‫كتم‬ ‫هللا عل ِّيه‬ ‫هللا صلى‬ ‫يم﴾ [الشورى‪]51 :‬؟ قالت‪ :‬ومن زعم أن رسول ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الر ُسو ُل َب ِّل ْغ َما ُأ ْنز َل إ َل ْي َك م ْن َرب َك َوإ ْن َلمْ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هللا الفرية‪ ،‬وهللا يقول ‪﴿ :‬يا أيها َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫هللا‪ ،‬فقد أعظم على ِّ‬ ‫كتاب ِّ‬ ‫شيئامن ِّ‬
‫يخبر بما َيكون في‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫عم َّأن ُه‬ ‫َت ْف َع ْل َف َما َب َّل ْغ َت ر َس َال َت ُه﴾ [املائدة‪ ،]67 :‬قالت‪ :‬ومن ز َ‬
‫َ َْ‬ ‫ِّ‬
‫األ ْرض ْال َغ ْيبَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ َ َ َْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ِّ‬ ‫و‬ ‫ات‬ ‫ِّ‬ ‫او‬ ‫م‬ ‫الس‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ِّ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫﴿ق‬ ‫‪:‬‬ ‫ل‬ ‫يقو‬ ‫وهللا‬ ‫‪،‬‬ ‫الفرية‬ ‫هللا‬
‫ِّ‬ ‫ى‬ ‫عل‬ ‫غد‪ ،‬فقد أعظم‬ ‫ٍ‬
‫َّ َُّ‬
‫ِّإال اّلل﴾ ]النمل‪ ."]65:‬الحديث رواه اإلمام مسلم‪.‬‬
‫‪- 20 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫من خالل هذا الحديث ذكرت عائشة رض ى هللا تعالى عنها أن النبي صلى هللا عليه وسلم رأى جبريل عليه السالم‬
‫على صورته التي خلق عليها مرتين‪ ،‬كما هو صريح في هذا الحديث‪ .‬وقد رأى النبي صلى هللا عليه وسلم جبريل عليه‬
‫قريبا منها‪ ،‬أول البعثة املحمدية وذلك في غار حراء‪ ،‬كما في حديث عائشة رض ي هللا عنها‪:‬‬ ‫السالم على صورته أو ً‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َُ‬ ‫َّ‬ ‫صلى ُ‬ ‫ُ َّ َّ‬ ‫ُ َ ُ َ‬
‫جاءت‬ ‫الصادقة في الن ْو ِم‪ ،‬فكان ال َي َرى رؤيا إال‬ ‫ِ‬ ‫الو ْح ِّي الرؤيا‬ ‫وسلم من َ‬ ‫هللا عليه‬ ‫"أول ما ب ِّدئ به رسول ِّ‬
‫اّلل‬
‫َ‬
‫الع َد ِّد‪َ ،‬ويت َز َّو ُد لذلك‪ ،‬ثم َي ْر ِّج ُع إلى‬ ‫الت َع ُّب ُد‪ ،‬الليال َي ذوات َ‬
‫ِّ‬
‫في َت َح َّن ُث فيه‪ ،‬وهو َّ‬ ‫الص ْبح‪ ،‬فكان يأتي ح َر ًاء َ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫م ْث َل َف َلق ُّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫صلى هللاُ‬ ‫ُّ َّ‬ ‫ْ َْ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫غار ِّح َر ٍاء‪ ،‬فجاءه امل ـلك فيه‪ ،‬فقال‪ :‬اقرأ‪ ،‬فقال له النبي‬ ‫خديجة فتز ِّوده ِّملث ِّلها‪ ،‬حتى ف ِّجئه الحق وهو في ِّ‬
‫َْ ُْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فأخ َذني َف َغ َّطني حتى َب َل َغ مني َ‬ ‫َ ئ َ‬ ‫ُْ‬ ‫َّ‬
‫فقل ُت‪ :‬ما أنا ِّب َق ِّار ٍئ‪،‬‬ ‫الج ْه ُد‪ ،‬ثم أ ْر َسلني فقال‪ :‬اقرأ‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫فقل ُت‪ :‬ما أنا ِّبق ِّار ٍ ‪،‬‬ ‫عليه وسلم ‪( :‬‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ َّ‬ ‫ْ َْ ُ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫الثانية حتى َب َل َغ مني َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ َ َ‬
‫فقل ُت‪ :‬ما أنا ِّب َق ِّار ٍئ‪ ،‬فأخذ ِّني فغط ِّني الثالثة‬ ‫الج ْه ُد‪ ،‬ثم أ ْر َسلني فقال‪ :‬اقرأ‪،‬‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ني‬ ‫ط‬ ‫فغ‬ ‫ني‬ ‫ذ‬ ‫فأخ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ان َما ل ْم َي ْعل ْم} َ‬ ‫{ع َّل َم اإل ْن َس َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اسم َرب َك الذي َخل َق} ‪ -‬حتى َبل َغ ‪َ -‬‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫الج ْه ُد‪ ،‬ثم أ ْر َسلني فقال‪ْ َ ْ :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حتى َبل َغ مني َ‬ ‫َ‬
‫فر َج َع ِّب َها‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫{اقرأ ِّب ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫واد ُره‪ ،‬حتى دخل على خ ِّديجة‪ ،‬فقال‪« :‬ز ِّملوني ز ِّملوني» فزملوه حتى ذهب عنه َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ُ َ‬
‫الروع‪ "...‬الحديث في صحيح‬ ‫ت ْرجف ب ِّ‬
‫البخاري‪.‬‬
‫ُ‬
‫رجئها إلى املحاضرة القادمة بإذن‬ ‫ولعلنا نواصل الحديث عن هذه املسألة ألن الكالم سيطول فيها قليال‪ ،‬فلعلنا ن ِّ‬
‫هللا عز وجل‪ ،‬أسأل هللا عز وجل لي ولكم التوفيق والسداد‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد‪.‬‬

‫قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات ‪ :‬إيمان عثمان‬
‫قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي‪ :‬رئيفة درويش‬
‫اإلشراف العام على فريق العمل‪ :‬رئيفة درويش‬

‫‪- 21 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫علوم القرآن‬
‫د‪ .‬عمرعبد العزيزالدهيش ي‬
‫املحاضرة الخامسة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العاملين‪ ،‬وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪،‬‬
‫وبعد‪ .‬أسأل هللا عز وجل التوفيق والتسديد في القول والعمل‪ .‬ونستكمل ما قد بدأناه في املحاضرة املاضية حول‪:‬‬

‫✓ أحوال نزول جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬بالوحي إلى النبي صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫وقد ذكرنا في املحاضرة السابقة الحالة األولى‪ :‬وهي مجيء جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬على صورته التي خلقه هللا عز‬
‫وجل عليها أو قريبا منها‪ ،‬واستدللنا بحديث عائشة ‪-‬رض ى هللا تعالى عنها‪ ،-‬في قولها ‪-‬رض ى هللا تعالى عنها‪ -‬عندما‬
‫َ ًَ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُُ ُْ‬ ‫َ‬
‫سألها مسروق عن قول هللا عز وجل‪َ ﴿ :‬ول َق ْد َر ُآه ِّباألف ِّق امل ِّب ِّين﴾ [التكوير‪ ،]23 :‬وقوله عز وجل ﴿ َول َق ْد َر ُآه ن ْزلة‬
‫ُ ْ‬
‫أخ َرى﴾ [النجم‪ ،]13 :‬فقال‪" :‬إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين املرتين ‪ "...‬الحديث‪.‬‬
‫وهنا قد يسأل سائل ويستشكل مستشكل عن الحالة األولى التي نزل جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬أول ما نزل على النبي‬
‫وغت‪ٌ ،‬‬ ‫غط‪ٌ ،‬‬ ‫ٌ‬
‫وضم‪ ،‬كما في حديث عائشة ‪-‬رض ي هللا‬ ‫صلى هللا عليه وسلم فيها‪ ،‬وذلك في غار حراء‪ ،‬التي صاحبها‬
‫تعالى عنها‪ ،-‬في قوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬حتى بلغ مني الجهد" أي‪ :‬الشدة‪ .‬فهذا يدل على أن نزول جبريل ‪-‬عليه‬
‫ملموسة‪ ،‬وهذا ما نستفتح به محاضرتنا لهذا اليوم‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫صورة‬
‫ٍ‬ ‫محسوسة‪ ،‬وعلى‬
‫ٍ‬ ‫صورة‬
‫ٍ‬ ‫السالم‪ -‬في غار حراء كانت على‬

‫على أي صورة كان مجيئ جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬أول ما جاء النبي صلى هللا عليه وسلم في غارحراء؟‬
‫هللا‬ ‫ل‬ ‫بدئ به َر ُسو ُ‬ ‫نذكر حديث عائشة رض ي هللا تعالى عنها في أول بداية الوحي‪ ،‬تقول رض ي هللا تعالى عنها‪َ " :‬أ َّو ُل َما َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ُّ ُ‬ ‫ْ ََ‬ ‫ْ َّ‬ ‫َّ ْ َ َ َ َ‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫ْ‬
‫الص ْب ِّح‪ ،‬ث َّم ُح ِّب َب‬ ‫ان ال َي َرى ُرؤ َيا ِّإال َج َاء ْت ِّمث َل فل ِّق‬ ‫الص ِّال َحة ِّفي النو ِّم‪ ،‬فك‬ ‫صلى هللا عليه وسلم ِّم َن ال َو ْح ِّي الرؤيا‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ َ َ‬ ‫َ ُ َ َّ َ ُّ ُ َّ َ َ َ َ ْ‬ ‫َ َ َ َّ ُ‬ ‫َ ْ َ َ ََ َ َ ُْ َ‬
‫ات ال َع َد ِّد ق ْب َل أ ْن َين ِّز َع ِّإلى أ ْه ِّل ِّه‪َ ،‬و َيت َز َّو ُد‬ ‫ِّإل ْي ِّه الخال ُء‪ ،‬وكان يخلو ِّبغ ِّار ِّح َر ٍاء ف َيتحنث ِّفي ِّه‪ ،‬وهو التعبد‪ ،‬اللي ِّالي ذو ِّ‬
‫َ َ َ َ ُ َْ ُ َ َ َ ْ َْ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ُ َّ َ ْ ُ َ َ َ َ َ َ‬
‫ال‪َ :‬ما أنا‬ ‫يجة ف َيت َز َّو ُد ِّ ِّملث ِّل َها‪َ ،‬ح َّتى َج َاء ُه ال َح ُّق َو ُه َو ِّفي غ ٍار ِّحر ٍاء؛ فجاءه امل ِّلك فقال اقرأ‪ ،‬ق‬ ‫ِّلذ ِّلك‪ ،‬ثم ير ِّجع ِّإلى خ ِّد‬
‫َ َ َ َ َ َ َّ َّ َ‬ ‫ََ‬ ‫ْ َ ْ َ ُ َّ َ ْ َ َ َ َ َ ْ ْ ُ ْ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ َ َ َ َ َ َ َّ‬
‫ال‪ :‬اق َرأ قل ُت‪َ :‬ما أنا بقارئ‪ ،‬فأخذ ِّني فغط ِّني الثا ِّن َية‬ ‫ال‪ :‬فأخذ ِّني فغط ِّني َح َّتى َبلغ ِّم ِّني الجهد ثم أرسل ِّني فق‬ ‫بقارئ‪ ،‬ق‬
‫اس ِّم‬ ‫ال‪ْ ﴿ :‬اق َ ْرأ ب ْ‬ ‫الث ِّال َث َة ُث َّم َأ ْر َس َلني َف َق َ‬‫َ َّ َ َ َ َّ ْ َ ْ َ ُ َّ َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ ْ َ ُ ْ ُ َ َ َ ئ َ َ َ َ َ َ َّ َّ‬
‫حتى بلغ ِّمني الجهد ثم أرسل ِّني فقال‪ :‬اقرأ‪ ،‬فقلت‪ :‬ما أنا بقار ‪ ،‬فأخذ ِّني فغط ِّني‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ َّ َ ْ َ َ َ َّ َ ْ ْ َ َ َ َ‬ ‫ْ َ ْ َ َ ُّ َ ْ َ ْ َ ُ َّ‬ ‫ََ َ ََ َ ْ ْ َ َ ْ ََ‬ ‫َ َ َّ‬
‫ان َما ل ْم َي ْعل ْم﴾ [العلق‬ ‫اإلنس‬ ‫ِّ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫*‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ق‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫اإلنسان ِّمن عل ٍق * اقرأ وربك األكرم * ِّ‬
‫ذ‬ ‫ال‬ ‫رِّبك ال ِّذي خلق * خلق ِّ‬
‫‪ ،" ]5-1‬الحديث رواه [البخاري‪ :‬باب بدء الوحي]‬
‫‪- 22 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫فهذا النزول هو النزول األول لجبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬على نبينا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬هو بال شك أول مرة ينزل جبريل‬
‫‪-‬عليه السالم‪ -‬إلى نبينا صلى هللا عليه وسلم كما هو واضح وظاهر من هذا الحديث‪ ،‬ولكن قبل هذه الحادثة (وهي‬
‫نزول جبريل في غار حراء) سبقتها مقدمات كالتوطئة والتمهيد لرؤية امللك حقيقة ومباشرة‪ ،‬ومن ذلك الرؤيا‬
‫الصالحة الصادقة‪ ،‬كما ذكرت عائشة ‪-‬رض ي هللا تعالى عنها‪ ،-‬أيضا سماع الصوت‪ ،‬ورؤية الضوء واألدلة على‬
‫ذلك ‪:‬‬
‫‪ -‬ما أخبرنا عنه ابن عباس ‪-‬رض ي هللا تعالى عنه‪ ،-‬في قوله‪" :‬أقام رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بمكة خمسة‬
‫عشرة سنة يسمع الصوت‪ ،‬ويرى الضوء سبع سنين وال يرى شيئا‪ ،‬وثماني سنين يوحى إليه"‪،‬‬
‫‪ -‬وقال ورقة بن نوفل عندما عرضت عليه خديجة ‪-‬رض ي هللا تعالى عنها‪ -‬ما يرى وما يسمع وذلك قبل البعثة‪:‬‬
‫"إن يكن صادقا فإن هذا ناموس مثل ناموس موس ى‪ ،‬فإن بعث وأنا حي فسأعزره وأنصره وأومن به‪" ...‬‬
‫الحديث‪.‬‬
‫‪ -‬قال القاض ي عياض‪" :‬يسمع الصوت أي‪ :‬صوت الهاتف به من املالئكة‪ ،‬ويرى الضوء أي‪ :‬نور امللك‪ ،‬وأنوار‬
‫آيات هللا حتى رأى امللك بعينه وشافهه في غار حراء في وحي ربه" انتهى كالمه‪.‬‬

‫كيف يمكن أن نجمع بين رواية جابرورواية عائشة حول رؤية النبي صلى هللا عليه وسلم لجبريل؟‬
‫دل حديث جابر بن عبد هللا أن مجيء جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬في غارحراء كان على هيئة مرئية وصورة محسوسة‪،‬‬
‫َ ُّ‬ ‫َ‬
‫رءاه فيها النبي صلى هللا عليه وسلم مباشرة‪ ،‬ولذلك حصل الغ ُّت والغط‪ ،‬ورجع النبي صلى هللا عليه وسلم إلى‬
‫زوجه خديجة ‪-‬رض ي هللا عنها‪ -‬ترجف بوادره من هول ما رأى وحصل‪ .‬يدل عليه ما رواه جابر بن عبد هللا ‪-‬رض ي‬
‫هللا عنهما‪ -‬أنه سمع النبي صلى هللا عليه وسلم يقول‪ " :‬ثم فتر عني الوحي فترة‪ ،‬فبينا أنا أمش ي سمعت ً‬
‫صوتا من‬
‫السماء‪ ،‬فرفعت بصري قبل السماء‪ ،‬فإذا امللك ‪ -‬الذي جاءني بحراء ‪ -‬قاعد على كرس ي بين السماء واألرض‪،‬‬
‫فج ِّئثت منه (أي‪ :‬فزعت) حتى هويت (أي‪ :‬سقطت) إلى األرض‪ ،‬فجئت أهلي‪ ،‬فقلت‪ :‬ز ِّملوني‪ ،‬زملوني‪ "...‬الحديث‪،‬‬ ‫ُ‬
‫رواه البخاري‪ .‬هذا يدل وهللا أعلم على أن النبي صلى هللا عليه وسلم رأى جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬في غار حراء في أول‬
‫البعثة على صورته التي هو عليها‪ ،‬أو قريبا منها‪ ،‬وهللا أعلم‪ .‬وقد استدللنا بحديث عائشة ‪-‬رض ي هللا تعالى عنها‪( -‬في‬
‫ُُْ‬ ‫َ‬
‫املحاضرة السابقة) وأنها تجزم أن النبي صلى هللا عليه وسلم لم ير جبريل عليه السالم‪ -‬إال مرتين ﴿ َول َق ْد َر ُآه ِّباألف ِّق‬
‫َ َ‬
‫عند عائشة فقالت‬ ‫كئا َ‬‫مت ً‬ ‫ْاملُبين﴾ [التكوير‪َ ﴿ ،]23 :‬و َل َق ْد َ ُآه َن ْ َزل ًة ُأ ْخ َرى﴾‪[ ،‬النجم‪" .]13 :‬عن مسروق قال‪ُ :‬‬
‫كنت َّ‬ ‫ر‬ ‫ِّ ِّ‬

‫‪- 23 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫على هللا الفر َية‪ُ ،‬‬ ‫َ َ‬ ‫ثالث َمن َت َك َّل َم بواحدة َّ‬ ‫َ ٌ‬
‫محم ًدا‬
‫عم َّأن َّ‬ ‫هن؟ قالت ‪َ :‬من ز َ‬ ‫قلت‪ :‬ما َّ‬
‫ِّ‬ ‫منهن فقد أعظم‬ ‫ٍ‬ ‫‪ :‬يا أبا عائشة‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫فجل ُ‬ ‫َ‬ ‫مت ً‬ ‫قال‪َ :‬و ُك ُ‬
‫نت َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ‬ ‫َّ ُ َ‬
‫املؤمنين !‬ ‫فقلت‪ :‬يا َّأم‬ ‫ست‪،‬‬ ‫كئا‬ ‫الفرية‪َ ،‬‬ ‫صلى هللا عل ِّيه وسلم رأى رَّبه فقد أعظم على ِّ‬
‫هللا‬
‫َ ًَ ُ ْ‬ ‫ََ‬ ‫ْ ُُ ُْ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫أنظريني وال ُتعجليني‪ ،‬ألم يقل ُ‬
‫﴿ول َق ْد َر ُآه ن ْزلة أخ َرى﴾‬ ‫﴿ول َق ْد َر ُآه ِّباألف ِّق امل ِّب ِّين﴾ [التكوير‪،] 23 :‬‬ ‫عز وجل‪:‬‬ ‫هللا َّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫فقال ‪َّ :‬إنما َ‬ ‫َّ‬
‫وسل َم‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫صلى ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫األم ِّة َ‬ ‫هذ ِّه َّ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َ‬
‫جبريل‪ ،‬لم‬ ‫هو‬ ‫هللا عل ِّيه‬ ‫سأل عن ِّذلك رسول ِّ‬
‫هللا‬ ‫[النجم ‪]13:‬؟ فقالت‪ :‬أنا أول ِّ‬
‫َّ‬ ‫َُ َ‬
‫على صور ِّت ِّه َّالتي ُخ ِّل َق عليها َ‬
‫تين‪ " .....‬الحديث‪ .‬فكيف يمكن أن نجمع بين رؤيته في غار حراء‪ ،‬وقول‬ ‫ِّ‬ ‫املر‬ ‫هاتين‬
‫ِّ‬ ‫غير‬ ‫أره‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم في هذا الحديث‪" :‬لم أره (يعني جبريل) على صورته التي خلق عليها غير هاتين املرتين"‪،‬‬
‫كيف نجمع بين الرؤية في حديث جابر وبين هذا الحديث؟‬
‫يمكن أن نجمع بينهما بأن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬لم ير جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬في غار حراء على تمام صورته‬
‫وكمالها‪ ،‬ولكن رءاه على صورة قريبة منها‪ .‬قال ابن حجر في هذا السياق‪" :‬وتكون هذه املرة ‪-‬أي رؤية النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم جبريل في غار حراء‪ -‬غير املرتين املذكورتين‪ ،‬وإنما لم َّ‬
‫يضمها إليهما الحتمال أال يكون رءاه فيها على تمام‬
‫صورته‪ ،‬والعلم عند هللا" انتهى كالمه ‪-‬رحمه هللا ‪-‬هذا توجيه وجمع بين الحديثين وبين الحادثة‪.‬‬
‫ُ‬
‫هذه الحالة األولى وهي مجيء جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬على صورته التي خلق عليها‪.‬‬

‫الحالة الثانية‪ :‬مجيء جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬على هيئة ملكية مالئكية‬
‫املالئكة‪ ،‬كما هو معلوم عندكم‪ ،‬عالم غيبي خلقوا من نور‪ ،‬فهم أجسام نورانية لطيفة والعباد ال يستطيعون‬
‫ُ‬
‫رؤيتهم إال إذا تمثل امللك في سورة بشر‪ ،‬سوى النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فقد أعطي القدرة على رؤية املالئكة‪،‬‬
‫وأعطي كذلك القوة على محادثتهم واإلحساس بهم‪ .‬وقد نزل جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬على نبينا صلى هللا عليه وسلم‬
‫بهيئته امللكية واملالئكية في صور كثيرة‪ ،‬أما كيفية هذا النزول علمه عند هللا عز وجل‬
‫لكن هذه حالة من أحوال نزول جبريل بالوحى‪ ،‬ولهذا النزول‪ ،‬النزول املالئكي له صور‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ .1‬إتيان جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬على مثل صلصلة الجرس‪ :‬والصلصلة هي صوت الحديد إذا حرك‪ ،‬يقال َ‬
‫ص َّل‬
‫الحديد وصلصل‪ ،‬وقيل هو صوت متدارك ال يدرك في أول وهلة‪ ،‬والجرس‪ :‬هو الجلجل هو الذي يعلق في‬
‫َ‬ ‫اّلل َع ْن َها َأ َّن ْال َحار َث ْب َن ه َشام َرض َي َّ ُ‬
‫رؤوس الدواب من الجرس‪" .‬عن َعائ َش َة ُأم ْاملُ ْؤمن َين َرض َي َّ ُ‬
‫اّلل َع ْن ُه َسأ َل‬ ‫ِّ ٍ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ ُ َ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َ َ َ ُ َ َّ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ ََّ‬
‫اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم‬ ‫اّلل كيف يأ ِّتيك الوحي فقال رسول ِّ‬ ‫اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم فقال يا رسول ِّ‬ ‫رسول ِّ‬
‫َّ‬ ‫ْ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ ُ َ َ َ ُّ ُ َ َ َّ َ ُ ْ َ ُ َ َ َ ْ َ َ ْ ُ َ ْ ُ َ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ال َوأ ْح َي ًانا َي َت َمث ُل ِّلي‬ ‫أ ْح َي ًانا َيأ ِّت ِّيني ِّمثل صلصل ِّة الجر ِّس وهو أشده علي فيفصم ع ِّني وقد وعيت عنه ما ق‬

‫‪- 24 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫اّلل َع ْن َها َو َل َق ْد َ َأ ْي ُت ُه َي ْنز ُل َع َل ْيه ْال َو ْح ُي في ْال َي ْوم َّ‬


‫الش ِّد ِّيد‬ ‫ْاملَ َل ُك َر ُج ًال َف ُي َكل ُمني َف َأعي َما َي ُقو ُل َق َال ْت َعائ َش ُة َرض َي َّ ُ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ر‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫ص ُد َع َرقا" الحديث متفق عليه واللفظ للبخاري‪ .‬وقوله صلى هللا عليه‬
‫ً‬ ‫ْال َب ْر ِّد َف َي ْفص ُم َع ْن ُه َوإ َّن َجب َين ُه َل َي َت َف َّ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫وسلم‪ :‬صلصلة الجرس؛ أي صوت متدارك يسمعه وال يثبته عند أول ما يسمعه حتى يتفهم ويستثبت فيتلقفه‬
‫حينئذ ويعيه‪ .‬هذا الصوت (صلصلة الجرس) هو صوت امللك بالوحي‪ ،‬كما هو صريح في حديث ابن مسعود ‪-‬‬
‫رض ي هللا تعالى عنه‪ ،-‬وفيه قال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إذا تكلم هللا بالوحي‬
‫سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا فيصعقون فال يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل‬
‫ُ‬
‫حتى إذا جاءهم جبريل ف ِّزع عن قلوبهم قال فيقولون يا جبريل ماذا قال ربك فيقول‪ :‬الحق فيقولون‪ :‬الحق‬
‫الحق "‪( .‬الحديث) رواه [أبو داوود في السنن]‪.‬‬
‫ونزول جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬على هذه الصورة وعلى هذه الحالة‪ ،‬الحالة املالئكية بهذه الصورة قد يسمع من‬
‫حول النبي صلى هللا عليه وسلم شيئا من ذلك‪ ،‬سماعا‪ ،‬أما الرؤيا فال ينظرون إلى امللك‪ .‬ألن املالئكة عالم غيبي‬
‫خلقوا من نور‪ ،‬هم أرواح‪ ،‬وقد أعطوا القدرة على التمثل كما في نزول جبريل ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬ورؤية النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم على صورته التي خلقه هللا عز وجل عليها‪ .‬أقول‪ :‬قد يسمع من حول النبي صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫شيئا من ذلك كما هو في حديث عمر ‪-‬رض ي هللا تعالى عنه‪ -‬وفيه‪" :‬إذا نزل عليه الوحي يسمع عنده دوي كدوي‬
‫النحل‪ "...‬الحديث‪ ،‬رواه أحمد والترمذي‪ ،‬دوي النحل هو بالنسبة إلى الصحابة‪ ،‬والصلصلة بالنسبة إلى النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫األحوال والعالمات التي تظهرعلى النبي صلى هللا عليه وسلم عندما يأتيه جبريل في حالته املالئكية‪:‬‬
‫‪ -‬إتيان جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬إلى النبي صلى هللا عليه وسلم في مثل هذه الحال‪ ،‬أعني الحالة املالئكية‪ ،‬يكون على‬
‫وجه االختفاء حتى أنه ال يشعر به من حوله إال بالعالمات التي تظهر على وجه النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬كما‬
‫بعضا من تلك العالمات التي‬ ‫قالت عائشة رض ي هللا تعالى عنها‪ ،‬وكذلك في أحاديث كثيرة يذكر الصحابة ً‬
‫َ َ ْ َ ْ‬
‫تحصل للنبي صلى هللا عليه وسلم حال نزول الوحي عليه‪ .‬ومن ذلك قول عائشة‪"َ :‬ول َق ْد َرأ ْي ُت ُه َين ِّز ُل َعل ْي ِّه ال َو ْح ُي‬
‫ص ُد َع َرقا" رواه [البخاري‪ :‬باب بدء الوحي]‪.‬‬
‫ً‬ ‫الش ِّد ِّيد ْال َب ْر ِّد َف َي ْفص ُم َع ْن ُه‪َ ،‬وإ َّن َجب َين ُه َل َي َت َف َّ‬
‫في ْال َي ْوم َّ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫‪ -‬وفي حديث اإلفك "فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه من العرق مثل الجمان وهو في يوم‬
‫شات من ثقل القول الذي أنزل عليه" [البخاري‪ :‬كتاب املغازي]‪.‬‬

‫‪- 25 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫َ ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َّ َّ ُ َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َّ ُ َ‬
‫اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َم‪َ ،‬وف ِّخذ ُه َعلى‬ ‫اّلل َعلى َر ُس ِّول ِّه صلى‬ ‫‪ -‬وفي حديث زيد بن ثابت رض ي هللا تعالى عنه‪ ،‬وفيه‪" :‬فأنزل‬
‫ُ‬ ‫َ َ ُ َ ْ َ َ َّ َ َّ ْ ُ َ ْ َ ُ َّ َ‬ ‫َ‬
‫ض ف ِّخ ِّذي‪ ،‬ث َّم ُس ِّر َي َع ْن ُه "‪ .‬الحديث‪[ ،‬البخاري‪ :‬كتاب التفسير]‪.‬‬ ‫ف ِّخ ِّذي فثقلت علي‪ ،‬حتى ِّخفت أن تر‬
‫‪ -‬الصحابة رضوان هللا تعالى عليهم يعلمون نزول الوحي إذا رأوا تلك العالمات‪ ،‬وذلك التأثر على النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وفي قوله صلى هللا عليه وسلم‪( :‬أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس‪ ،‬وهو أشده علي)‪[ ،‬البخاري‪:‬‬
‫كتاب تفسير القرآن] داللة على أن الوحي كله شديد‪ ،‬وأن هذه الحالة هي أشهرها‪ ،‬وذلك ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬ليتفرغ‬
‫السمع والقلب وال يبقى فيه ٌ‬
‫مكان لغير صوت امللك‪.‬‬
‫‪ -‬وهذه الحال هي ليست مختصة بالقرآن‪ ،‬فتأتي بالقرآن وتأتي بالسنة النبوية‪ ،‬كما هو صريح في حديث يعلى‬
‫بن أمية‪ :‬عندما جاء ذلك الرجل وسأل النبي صلى هللا عليه وسلم عن أثر الطيب إذا أصاب اإلحرام‪ ،‬قال‪ :‬نزل‬
‫الوحي على النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فغطي بستر‪ ،‬في غطاء‪ ،‬وكان إذا نزل الوحي فعل الصحابة رضوان هللا‬
‫َ‬
‫وغطاء بين النبي صلى هللا عليه وسلم والناس‪ ،‬فقال يعلى بن أمية‪"َ :‬و ِّد ْد ُت أ ِّني‬ ‫ً‬ ‫عليهم ذلك؛ أنهم يجعلون سترا‬
‫َّ‬ ‫َ َ َّ َّ َ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ ْ َ ْ ُ َ َ َ َ َ َ َ ُ ُّ َ َ ْ َ ْ ُ َ َ َّ َ َّ ُ َ‬
‫هللا َعل ْي ِّه َو َسل َم‬ ‫أرى الن ِّبي صلى هللا علي ِّه وسلم وقد نزل علي ِّه الوحي‪ ،‬قال فقال‪ :‬أيسرك أن تنظر ِّإلى الن ِّب ِّي صلى‬
‫َ َ َ َ َ ٌ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َ َ ْ ُْ َ ََْ ْ َ ْ ُ َ َ َ َ‬
‫ال‪ :‬ف َرف َع ُع َم ُر ط َرف الث ْو ِّب‪ ،‬ف َنظ ْر ُت ِّإل ْي ِّه ل ُه غ ِّطيط ‪ "...‬الحديث‪[ ،‬رواه مسلم‪ :‬كتاب‬‫وقد أن ِّزل علي ِّه الوحي؟ ق‬
‫الحج]‪.‬‬
‫‪ -‬فالصحابة رضوان هللا تعالى عليهم لم يروا جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬بأعينهم‪ ،‬وإنما علموا ذلك بالحاالت التي كانت‬
‫تعتري النبي صلى هللا عليه وسلم‪ .‬فنزول جبريل على هذه الحال‪ ،‬الحالة املالئكية والحالة امللكية هو يكون‬
‫بالقرآن كما يكون بالسنة النبوية‪.‬‬
‫‪ -‬نعود لحديثنا (حديث الحارث بن هشام) وفيه قوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس‪،‬‬
‫وهو أشده علي"‪ ،‬يدل على أن الوحي كله شديد‪ ،‬ولكنها قد يكون بعضها شديد قوة‪ ،‬وقد يكون بعضها‬
‫متوسط‪ ،‬وقد يكون بعضها خفيف‪ ،‬ولكن الجامع بينها الشدة‪.‬‬

‫‪ .2‬من صور نزول جبريل عليه السالم على الحالة املالئكية وعلى الحالة امللكية‪ :‬االختفاء واملساررة دون أن يشعر‬
‫به أحد‪ ،‬وال يحدث تغيرعلى جسد النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فربما جاء جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬إلى املصطفى‬
‫صلى هللا عليه وسلم وساره من دون أن يشعر به من حوله‪ ،‬من دون أن يحدث له تغير على جسده الشريف‬
‫عليه الصالة والسالم‪ ،‬دليله؛ "قال أبو سلمة إن عائشة قالت قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يوما يا‬

‫‪- 26 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫عائش هذا جبريل يقرئك السالم فقلت وعليه السالم ورحمة هللا وبركاته ترى ما ال أرى؟ تريد رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم" [رواه البخاري‪ :‬كتاب فضائل الصحابة]‪.‬‬
‫‪ .3‬كذلك من صور مجيئه على الحالة املالئكية‪ :‬مجيئه في سحابة بين السماء واألرض‪ ،‬وقد سبق ذكر‬
‫الحديث في ذلك‪.‬‬
‫ذكرنا من أحوال مجيء جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬إلى النبي صلى هللا عليه وسلم حالتان‪ :‬الحالة األولى‪ :‬أن يأتيه على‬
‫الصورة التي خلقه هللا عليها‪ ،‬الحالة الثانية‪ :‬أن يأتيه على الحالة املالئكية‪ ،‬ويعلمون الصحابة رضوان هللا عليهم‪،‬‬
‫يعلمون نزول الوحي باألحوال التي كانت تعتري النبي صلى هللا عليه وسلم والتي تظهر على جسده‪ ،‬وعلى وجهه‬
‫الشريف صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫الحالة الثالثة‪ :‬مجيء جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬على هيئة رجل‬


‫هللا عز وجل أعطى املالئكة القدرة على أن يتشكلوا بغير أشكالهم‪ ،‬ومن ذلك مجيئهم على هيئة البشر بأوصاف‬
‫َ‬ ‫اّلل َع ْن َها‪َ " :‬أ َّن ْال َحار َث ْب َن ه َشام َرض َي َّ ُ‬ ‫الرجال‪ ،‬يدل على ذلك حديث َعائ َش َة ُأم ْاملُ ْؤمن َين َرض َي َّ ُ‬
‫اّلل َع ْن ُه َسأ َل َر ُسو َل‬ ‫ِّ ٍ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َّ َ‬ ‫َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َ َ َ ُ َ َّ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ‬
‫اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َم أ ْح َي ًانا‬ ‫اّلل صلى‬ ‫اّلل كيف يأ ِّتيك الوحي فقال رسول ِّ‬ ‫اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم فقال يا رسول ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ً‬ ‫ْ ََ‬ ‫ً َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ص ُم َعني َو َق ْد َو َع ْي ُت َع ْن ُه َما َق َ‬ ‫َ‬
‫ص َلة ْال َج َرس َو ُه َو أ َش ُّد ُه َع َل َّي َف ُي ْف َ‬ ‫ص ْل َ‬‫َي ْأتيني م ْث َل َ‬
‫ال َوأ ْح َيانا َيت َمث ُل ِلي املل ُك َر ُجال‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َف ُي َك ِّل ُمني َفأعي َما َي ُقو ُل َق َال ْت َعائ َش ُة َرض َي َّ ُ‬
‫اّلل َع ْن َها َو َل َق ْد َ أ ْي ُت ُه َي ْنز ُل َع َل ْيه ْال َو ْح ُي في ْال َي ْوم َّ‬
‫الش ِّد ِّيد ال َب ْر ِّد ف َي ْف ِّص ُم‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ر‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫َع ْن ُه َوإ َّن َجب َين ُه ل َي َت َف َّ‬
‫ص ُد َع َرقا " [البخاري‪ :‬باب بدء الوحي]‪ ،‬قالت عائشة رض ي هللا تعالى عنها‪ :‬إنما ذاك جبريل كان‬ ‫ِّ ِّ‬
‫يأتيه في صورة الرجال‪.‬‬
‫وقد جاء جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬إلى النبي صلى هللا عليه وسلم على هيئة رجل في صور كثيرة منها‪ :‬بأوصاف الرجال‬
‫وهيئاتهم وأحوالهم كما في حديث سؤال جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬للنبي صلى هللا عليه وسلم عن اإلسالم‪ ،‬وعن‬
‫اإليمان‪ ،‬وعن اإلحسان‪ ،‬وقد وصفه الصحابة رضوان هللا عليهم قالوا‪" :‬بينما نحن جلوس عند رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم ذات يوم ‪ ،‬إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ‪ ،‬شديد سواد الشعر ‪ ،‬ال يرى عليه أثر السفر ‪ ،‬وال‬
‫يعرفه منا أحد ‪ ،‬حتى جلس إلى النبي صلى هللا عليه وسلم فأسند ركبته إلى ركبتيه ‪ ،‬ووضع كفيه على فخذيه ‪،‬‬
‫وقال ‪ " :‬يا محمد أخبرني عن اإلسالم " ‪ ،‬فقال له ‪ ( :‬اإلسالم أن تشهد أن ال إله إال هللا وأن محمدا رسول هللا ‪،‬‬
‫وتقيم الصالة وتؤتي الزكاة ‪ ،‬وتصوم رمضان ‪ ،‬وتحج البيت إن استطعت إليه سبيال ) ‪ ،‬قال ‪ " :‬صدقت " ‪ ،‬فعجبنا‬

‫‪- 27 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫له يسأله ويصدقه ‪ ،‬قال ‪ " :‬أخبرني عن اإليمان " قال ‪ ( :‬أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر ‪ ،‬وتؤمن‬
‫بالقدر خيره وشره ) ‪ ،‬قال ‪" :‬صدقت" ‪ ،‬قال ‪ " :‬فأخبرني عن اإلحسان " ‪ ،‬قال ‪ ( :‬أن تعبد هللا كأنك تراه ‪ ،‬فإن لم‬
‫تكن تراه فإنه يراك ) ‪ ،‬قال ‪ " :‬فأخبرني عن الساعة " ‪ ،‬قال ‪ ( :‬ما املسؤول بأعلم من السائل ) ‪ ،‬قال ‪ " :‬فأخبرني عن‬
‫أماراتها " ‪ ،‬قال ‪ ( :‬أن تلد األمة ربتها ‪ ،‬وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء ‪ ،‬يتطاولون في البنيان ) ثم انطلق‬
‫فلبث مليا ‪ ،‬ثم قال ‪ ( :‬يا عمر ‪ ،‬أتدري من السائل ؟ ) ‪ ،‬قلت ‪" :‬هللا ورسوله أعلم " ‪ ،‬قال ‪ ( :‬فإنه جبريل أتاكم‬
‫يعلمكم دينكم ) " [رواه مسلم]‪ ،‬ثم بعد ذلك قال صلى هللا عليه وسلم ‪:‬هذا جبريل جاء يعلمكم أمر دينكم‪ .‬فجبريل‬
‫‪-‬عليه السالم‪ -‬جاء في صورة هذا الرجل الذي ذكر الصحابة رضوان هللا عليهم أوصافه عليه السالم‪.‬‬
‫كذلك قد يجئ جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬على صورة أحد من الصحابة‪ ،‬وقد يتمثل جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬على صورة‬
‫دحية الكلبي ‪-‬رض ي هللا عنه‪ ،-‬وكان دحية رض ي هللا تعالى عنه وجهه صبيحا وهيئته حسنة‪ ،‬فكان جبريل ‪-‬عليه‬
‫السالم‪ -‬يأتي على صورته كثيرا‪ ،‬وكان رض ي هللا عنه من أجمل الناس وأحسنهم صورة‪.‬‬
‫هذه أحوال جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬عند نزوله بالوحي‪.‬‬

‫نأتي إلى مسألة مهمة ونقطة بالغة األهمية وهي‪ :‬نزول جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬بالوحي قد يكون بالقرآن‪ ،‬وقد يكون‬
‫بالسنة‪ ،‬فيا ترى نزول جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬بالقرآن على أي حالة من األحوال الثالثة؟ هذا ما سنذكره بإذن هللا‬
‫عز وجل في املحاضرة القادمة‪.‬‬
‫وفق هللا الجميع ملا يحب ويرض ى‪ ،‬وصلى هللا وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات‪ :‬صفاء بودي‬
‫قام باملراجعة األولى والتدقيق‪ :‬خلدون األتاس ي‬
‫قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي‪ :‬رئيفة درويش‬
‫اإلشراف العام على فريق العمل‪ :‬رئيفة درويش‬

‫‪- 28 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫علوم القرآن‬
‫د‪ .‬عمرعبد العزيزالدهيش ي‬
‫املحاضرة السادسة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العاملين وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد‪،‬‬
‫فنستكمل ما قد بدأناه في الحديث عن علم الوحي؛ العلم األول من علوم القرآن‪.‬‬
‫ونأتي بعد أن ذكرنا أحوال نزول الوحي – من جبريل عليه السالم إلى النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ، -‬وقلنا‪:‬‬
‫إن جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬كان يأتي النبي صلى هللا عليه وسلم على أحوال ثالثة‪:‬‬
‫‪ -‬الحالة األولى‪ :‬أن يأتيه على صورته التي خلقه هللا عز وجل عليها‪.‬‬
‫‪ -‬الحالة الثانية‪ :‬أن يأتيه على هيئة مالئكية أو ملكية‪.‬‬
‫‪ -‬الحالة الثالثة‪ :‬أن يأتيه على صورة بشر‪ ،‬ومجيئه عليه السالم على صورة بشر قد تكون على صورة أحد‬
‫الصحابة وقد يكون على غيرها‪.‬‬
‫✓ على أي صورة من صوره الثالثة نزل جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬بالوحي القرآني‬
‫نأتي اآلن إلى مسألة مهمة‪ ،‬وهي أنه كما قررنا أن نزول الوحي قد يكون بوحي القرآن وقد يكون بوحي السنة‪ .‬فيا ُترى‬
‫نزول جبريل عليه السالم بالوحي القرآني يكون على أية حالة من األحوال الثالثة؟‬
‫نقول ‪ -‬والعلم عند هللا عز وجل‪ :‬إن نزول جبريل عليه السالم بالوحي القرآني يكون على الحالة الثانية؛ وهي‬
‫مجيئه على هيئته املالئكية‪ ،‬وال يمنع أن هذه الحالة يأتي منها القرآن ويأتي منها السنة‪ ،‬ولكن القرآن الكريم كله‬
‫نزل به جبريل عليه السالم وهو على هيئة ملكية‪ ،‬ومن خالل البحث في السنة النبوية والقراءة واملطالعة فيها‪ ،‬لم‬
‫ً‬
‫أعثر حقيقة على آية أو على حالة نزل جبريل عليه السالم بالقرآن على صورة بشر‪ ،‬على هيئته ‪ -‬التي يجيئها على‬
‫ََ‬ ‫َّ‬ ‫﴿اق َ ْرأ ب ْ‬
‫اس ِّم َرِّب َك ال ِّذي خل َق *‬
‫ْ‬
‫هيئة بشر‪ .‬كلها مجيئه على هيئته املالئكية‪ ،‬إال في نزول جبريل أول ما نزل؛ نزوله بـ‪:‬‬
‫ِّ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َّ َ ْ َ َ َ َ‬ ‫َ َّ َ ْ َ َ‬ ‫ْ َ ْ َ َ ُّ َ ْ َ ْ َ ُ َّ‬ ‫ََ َ ْ َ َ ْ ََ‬
‫ان َما ل ْم َي ْعل ْم﴾ [ال َعل ِّق‪ ،]5 -1 :‬نقول ‪-‬‬ ‫اإلنس‬
‫ِّ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫*‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ق‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ال‬‫ب‬ ‫م‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫ي‬‫ذ‬‫اإلنسان ِّمن عل ٍق * اقرأ وربك األكرم * ِّ‬
‫ال‬ ‫خلق ِّ‬
‫قرر ُت ذلك‬
‫والعلم عند هللا ‪ :-‬إن نزوله في هذه الحالة األولى كان على صورة مرئية وعلى صورة محسوسة‪ ،‬كما ْ‬
‫في الحديث عن الحالة األولى‪ ،‬فنقول‪ :‬إن نزول جبريل عليه السالم بالقرآن يكون على الحالة الثانية‪ُ ،‬ويلحق بها‬
‫الحالة األولى في نزوله أول ما نزل جبريل على النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وفيه جمع بين تلك األحوال املختلفة‪،‬‬
‫كالم البن حجر – رحمه هللا – يؤيد هذا‪.‬‬ ‫والعلم عند هللا عز وجل‪ ،‬وقد سبق أن أشرنا إلى ٍ‬
‫قريبا منها‪.‬‬ ‫فمجيء جبريل عليه السالم في غار حراء قد تكون على هيئته التي خلقه هللا عزوجل عليها أو ً‬

‫‪- 29 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫"ذكرت لنا عدة أحوال ولكل حال صور متعددة‪ ،‬والنبي صلى هللا عليه‬ ‫َ‬ ‫نأتي اآلن إلى إشكال وهو قد يقول قائل‪:‬‬
‫ً‬
‫"أحيانا يأتيني‬ ‫وسلم في حديث الحارث بن هشام عندما سأل النبي صلى هللا عليه وسلم‪" :‬كيف يأتيك الوحي؟ قال‪:‬‬
‫وأحيانا ملك في مثل صورة الرجل فأعي ما يقول"‪ .‬فالنبي صلى هللا عليه وسلم حصر‬ ‫ً‬ ‫في مثل صلصلة الجرس‪،‬‬
‫الوحي في هاتين الصورتين‪ ،‬فكيف تشعبت بنا في هذه األحوال وفي تعداد الصور املتعددة؟ نقول‪ :‬هذه الصور وهذه‬
‫األحوال هي ليست من تلقاء نفس ي وإنما هي من مجموع األحاديث الواردة في الوحي؛ ولهذا ال نذكر حالة وال صورة‬
‫إال ونستشهد لها باألحاديث الصحيحة‪.‬‬
‫كيف نجمع بين الصور املتعددة لنزول جبريل بالوحي‪ ،‬وبين قول النبي صلى هللا عليه وسلم في حصر الوحي‬
‫بهاتين الحالتين أو بهاتين الصورتين؟‬
‫ً‬
‫وأحيانا ملك يتمثل لي في صورة‬ ‫أحيانا مثل صلصلة الجرس‪،‬‬ ‫ً‬ ‫‪ -‬اجتهد العلماء في ذلك فقالوا‪ :‬هاتان الحالتان ‪-‬‬
‫رجل ‪ -‬أنها هي األغلب‪ ،‬وال يمنع أن يأتي في صور غيرها‪ ،‬أو ُحمل ما يغايرهما على أنه وقع بعد السؤال؛ بعد‬
‫سؤال الحارث بن هشام للنبي صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -‬وبعضهم قال‪ :‬قد يكون السؤال عما في اليقظة أو أن الرؤية قد يشركه فيها غيره‪ ،‬بخالف الصورتين املذكورتين‬
‫في الحديث‪.‬‬
‫‪ -‬أو لعله عليه الصالة والسالم َع ِّلم أن قصد السائل بسؤاله ما خص به وال يعرف إال من جهته‪ .‬هذه اجتهادات‬
‫من العلماء في توجيه حديث الحارث بن هشام – رض ي هللا عنه‪.‬‬
‫‪ -‬ويمكن أن ُيقال في حصر الوحي على هاتين الصورتين أنه حصر حقيقي ألحوال الوحي الذي يكون على‬
‫الحالة املالئكية؛ لقوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬كل ذلك يأتيني امللك"‪ .‬وتوجيه ذلك أن الوحي إما أن يأتي ً‬
‫ظاهرا‬
‫يراه الناس‪ ،‬ويشهد له قوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬يتمثل لي امللك رجال" بأي صورة كانت‪ ،‬وإما أن يكون ً‬
‫خفيا‬
‫ُ‬
‫ال يراه الناس وأعطي النبي صلى هللا عليه وسلم القدرة والقوة على رؤيته واإلحساس به‪ ،‬ويشهد له قوله صلى‬
‫"أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس"‪ ،‬فهو كاملثال على االختفاء‪ ،‬ويدخل ضمن هذه الصورة‬ ‫ً‬ ‫هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫الحالة األولى؛ وهي مجيئه على صورته التي ُخلق عليها أو ً‬
‫قريبا منها‪ ،‬وهللا تعالى أعلم‪ .‬وقلت‪ :‬هذا ألن هذا الصريح‬
‫في بعض ألفاظ الحديث‪ ،‬وهو قوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬كل ذلك يأتيني"‪ .‬فالنبي صلى هللا عليه وسلم اكتفى‬
‫باإلشارة إلى حال االختفاء وإلى حال الظهور ورؤية الناس لجبريل عليه السالم‪ ،‬وذلك إذا جاء بصورة البشر‪،‬‬
‫هذا ما تيسر ذكره وقوله في هذا العلم – علم الوحي‪.‬‬
‫وندلف بعد ذلك إلى نزول القرآن؛ فهو ‪ -‬من حيث الزمن ‪ -‬هذا العلم هو ثاني العلوم من حيث النشأة‪ ،‬وأول العلوم‬
‫ْ َ‬ ‫ََ‬ ‫َّ‬ ‫﴿اق َ ْرأ ب ْ‬
‫اس ِّم َرِّب َك ال ِّذي خل َق﴾ [ال َعل ِّق‪.]1 :‬‬
‫ْ‬
‫الوحي‪ ،‬والوحي جاء أول ما جاء بـ‪:‬‬
‫ِّ‬

‫‪- 30 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫‪ ‬علم نزول القرآن‬


‫نزول القرآن أو علم نزول القرآن من املوضوعات الرئيسة في هذا العلم‪ ،‬علم نزول القرآن من املوضوعات الرئيسة‬
‫في علوم القرآن؛ إذ فيه بيان لوجه الحق في حقيقة القرآن الكريم ومعرفة تاريخ نزوله‪ ،‬وينبني عليه ما بعده من‬
‫العلوم كأسباب النزول واملكي واملدني‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫✓ كيفية نزول القرآن‬
‫أمورا واضحة‪ً ،‬‬ ‫سلمة‪ً ،‬‬ ‫ً ُ َّ‬
‫أمورا ال يختلف عليها أحد من أهل السنة والجماعة‪.‬‬ ‫سنذكر اآلن أمورا م‬
‫ُ َّ‬
‫املسلمة األولى‪ :‬أن القرآن منزل من عند هللا عزوجل وليس بمخلوق‬
‫يل ِّم َن‬ ‫وقد وردت آيات كثيرة تدل على أن هذا القرآن هو تنزيل‪ ،‬وأنه منزل من عند هللا عز وجل‪﴿ ،‬حم * َت ْنز ٌ‬
‫ِّ‬ ‫ُّ ُ ْ َ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫﴿وإ َّن ُه َل َت ْنز ُ‬ ‫الرحيم﴾ ُ[فص َل ْت‪ ،]2 ،1 :‬ويقول هللا عز وجل‪َ :‬‬
‫وح األ ِّم ُين﴾ [الشع َر ِّاء‪:‬‬
‫َ‬ ‫يل َر ِّب ال َع ِّامل َين * ن َز َل ِّب ِّه الر‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َّ ْ‬
‫الرح َم ِّن َّ ِّ‬
‫اع ُبد َّ َ‬ ‫اّلل ْال َعزيز ْال َحكيم * إ َّنا َأ ْن َ ْزل َنا إ َل ْي َك ْالك َت َ ْ َ َ ْ‬ ‫َ َّ‬ ‫يل ْالك َ‬
‫﴿ت ْنز ُ‬
‫َ‬
‫اّلل‬ ‫اب ِّبالح ِّق ف ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِّ‬ ‫اب‬
‫ِّ‬ ‫ت‬ ‫ِّ‬ ‫‪ ،]192،193‬ويقول هللا عز وجل‪ِّ :‬‬
‫َّ ُ َ َ َ َّ ُ َ ْ َ ُّ ْ َ ُّ ُ َ َّ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ُ َ ً َ‬ ‫صا َل ُه الد َ‬ ‫ُم ْخل ً‬
‫ص ِّدقا ِّملا َب ْي َن‬ ‫[الز َم ِّر‪﴿ ،]1،2 :‬الم * اّلل ال ِّإله ِّإال هو الحي القيوم * نزل عليك ال ِّكتاب ِّبالح ِّق م‬ ‫ين﴾ ُّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫يل * م ْن ق ْب ُل ُه ًدى ل َّلن َ ْ َ َ ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ َ ْ َ ْ َ َل َّ ْ َر َ ْ‬ ‫َ‬
‫[آل ِّع ْم َر َان‪.]4-1 :‬‬ ‫اس وأنزل الفرقان﴾ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫اإلن ِّج َ ِّ‬ ‫يدي ِّه وأنز التو اة و ِّ‬
‫وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على نزول القرآن الكريم‪ ،‬وأنه ليس بمخلوق أو حديث مفترى أو هو من تعليم البشر‬
‫كما زعم كفار قريش‪ ،‬ومن ذلك قوله صلى هللا عليه وسلم في الدعاء على املشركين‪" :‬اللهم منزل الكتاب‪ ،‬سريع‬
‫الحساب‪ ،‬اللهم اهزم األحزاب‪ ،‬اللهم اهزمهم وزلزلهم"‪ ،‬وقوله صلى هللا عليه وسلم‪ :‬إذا أردت مضجعك‪ ،‬فقل‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫"اللهم أسلمت نفس ي إليك‪ ،‬وفوضت أمري إليك‪ ،‬ووجهت وجهي إليك‪ ،‬وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك‪ ،‬ال‬
‫ملجأ وال منجى منك إال إليك‪ ،‬آمنت بكتابك الذي أنزلت‪ "...‬الحديث‬
‫بل إن لفظة النزول في جميع القرآن وردت على ثالث صيغ‪ ،‬بل إن مادة النزول في القرآن لها ثالثة أوجه ال رابع لها‬
‫ً‬
‫كما قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪" :‬ولفظ [اإلنـزال] فـي القـرآن قـد يـرد مقيـدا بـاإلنـزال منـه؛ كنـزول القـرآن‪ ،‬وقـد يـرد‬
‫ً‬
‫مقيـدا باإلنـزال مـن السمـاء ويـراد بـه العلـو؛ فيتنـاول نـزول املطر مـن السحـاب‪ ،‬ونـزول املـالئكة مـن عنـد هللا وغيـر‬
‫َ ْ‬ ‫ً‬
‫ذلك‪ ،‬وقـد يـرد مطلقا فـال يختـص بنـوع مـن اإلنـزال‪ ،‬بـل ربما يتناول اإلنـزال مـن رؤوس الجبــال‪ ،‬كقـوله‪{َ :‬وأ َنزل َنا‬
‫َْ ٌ َ‬ ‫ْ‬
‫س ش ِّد ٌيد} [الحـديـد‪ ،]25:‬واإلنـزال مـن ظهـور الحيوان كإنـزال الفحـل املاء وغيـر ذلـك‪ ".‬انتهى كالمه‪.‬‬ ‫ال َح ِّد َيد ِّف ِّيه بأ‬
‫إذن الصيغ الثالثة للفظ النزول في القرآن هي‪:‬‬
‫‪ -‬نزول مقيد بأنه باإلنزال من عند هللا عز وجل‬
‫‪ -‬ونزول مقيد باإلنزال من السماء‬
‫‪ -‬وقد يرد لفظ اإلنزال مطلقا فال يختص بنوع من اإلنزال‪.‬‬

‫‪- 31 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫ُ َ‬ ‫﴿ت ْنز ٌ‬‫َ‬


‫الر ِّح ِّيم﴾ [ف ِّصل ْت‪،]2 :‬‬ ‫الر ْح َمن َّ‬
‫ِّ‬
‫يل ِّم َن َّ‬
‫والنزول األول مقيد بأنه من عند هللا‪ ،‬ال يأتي هذا إال في القرآن الكريم‪ِّ ،‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َّ ْ‬
‫اّلل ال َع ِّز ِّيز ال َع ِّل ِّيم﴾ [غا ِّف ٍر‪.]2 :‬‬ ‫َْ ُ ْ َ‬ ‫ُّ َ َ‬ ‫َ َّ ُ َ َ ْ ُ َ ْ َ َ َ‬
‫اب ِّمن ِّ‬ ‫﴿وِّإنه لتن ِّزيل ر ِّب الع ِّاملين﴾ [الشعر ِّاء‪﴿ ،]192 :‬تن ِّزيل ال ِّكت ِّ‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رحمه هللا‪ -‬في تعليقه على األحاديث السالفة‪" :‬وفي قوله‪ُ { :‬من َّز ٌل ِّمن َّرِّب َك ِّبال َح ِّق فال‬
‫ين} [األنعام‪ ]411:‬داللة على أمور‪ :‬منها‪ :‬فيه بيان أنه منزل من هللا عز وجل ال من مخلوق من‬ ‫َت ُك َون َّن م َن ْاملُ ْم َتر َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫املخلوقات ولهذا قال السلف‪ :‬منه بدأ أي‪ :‬هو الذي تكلم به لم ُيبتدأ من غيره كما قالت الخلقية‪ ،‬وفيه بطالن قول‬
‫من يجعله فاض على نفس النبي صلى هللا عليه وسلم من العقل الفعال أو غيره كما يقول ذلك طوائف من‬
‫الفالسفة والصابئة وهذا القول أعظم كفرا وضالال من الذي قبله‪ ،‬وهذه اآلية أيضا تبطل قول من يقول أن‬
‫القرآن العربي ليس منزال من هللا بل مخلوق إما في جبريل أو محمد أو جسم آخر غيرهما"‪.‬‬
‫فالقرآن الكريم بال شك أنه منزل من عند هللا عز وجل‪ ،‬ليس بمخلوق‪ ،‬ليس من جبريل‪ ،‬ليس من محمد‪ ،‬ليس من‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫﴿وِّإ َّن َك ل ُتل َّقى ال ُق ْر َآن ِّم ْن ل ُد ْن َح ِّك ٍيم َع ِّل ٍيم﴾‬ ‫السماء ‪ -‬من املالئكة أو من غيرهم ‪ -‬بل هو من عند هللا عز وجل‪َ ،‬‬
‫[الن ْم ِّل‪ ]6 :‬سبحانه‪ .‬فالقرآن منزل من عند هللا عز وجل‪ ،‬وإذا قلنا‪ :‬إن القرآن الكريم منزل من عند هللا عز وجل‬ ‫َّ‬
‫ال ينافي أنه مكتوب في اللوح املحفوظ قبل نزوله‪ ،‬كما في حديث اإلسراء واملعراج‪ ،‬فقال الجبار‪" :‬يا محمد" قال‪:‬‬
‫"لبيك وسعديك" قال‪" :‬إنه ال يبدل القول لدي‪ ،‬كما فرضت عليك في أم الكتاب‪ ،‬فكل حسنة بعشر أمثالها‪ ،‬فهي‬
‫خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك"‪.‬‬
‫مكتوبا في اللوح‬ ‫ً‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪" :‬وال يتنافى أنه مكتوب في اللوح املحفوظ قبل نزوله؛ فإن كونه‬
‫املحفوظ وفي صحف مطهرة بأيدي املالئكة ال ينافي أن يكون جبريل نزل به من هللا‪ ،‬سواء كتبه هللا قبل إن ُيرسل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مكتوبا إلى بيت العزة جملة واحدة في ليلة القدر‪ ،‬فقد كتبه كله قبل أن‬ ‫به جبريل أو بعد ذلك‪ ،‬وإذا كان قد أنزله‬
‫ينزله سبحانه‪ ،‬وهللا تعالى يعلم ما كان وما يكون وما ال يكون لو كان كيف كان يكون"‪ .‬انتهى كالمه رحمه هللا‪.‬‬
‫ُ َّ‬
‫هذه املسلمة األولى وهي أن القرآن منزل من عند هللا عز وجل وليس بمخلوق‪ ،‬ال من جبريل وال من الهواء وال من‬
‫املالئكة وال من غيرهم؛ بل هو منزل من عند هللا عز وجل‪.‬‬
‫ُ َّ‬
‫املسلمة الثانية‪ :‬أن القرآن كله نزل به جبريل عليه السالم‬
‫األم ُين﴾ ُّ‬ ‫ُّ ُ ْ َ‬ ‫َََ‬
‫[الش َع َر ِّاء‪.]193 :‬‬ ‫القرآن كله نزل به جبريل عليه السالم كما هو صريح في قوله عز وجل‪﴿ :‬نزل ِّب ِّه الروح ِّ‬
‫ُْ‬ ‫َ َ ُْ‬
‫ً‬
‫مسرعا‪،‬‬ ‫﴿يا أ ُّي َها امل َّد ِّث ُر﴾ [امل َّد ِّث ِّر‪ ]1 :‬وفيه‪" :‬فلما أفقت‪ ،‬أتيت أهلي‬ ‫وفي قوله صلى هللا عليه وسلم في قصة نزول‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫فقلت‪" :‬دثروني‪ ،‬دثروني" فأتاني جبريل فقال‪"َ :‬يا أ ُّي َها امل َّد ِّث ُر‪ .‬ق ْم فأ ِّنذ ْر" الحديث‪.‬‬
‫ٌ‬
‫قد يستشكل ُمستشكل ويستفهم سائل فيقول‪ :‬ورد حديث عند مسلم أن ابن عباس – رض ي تعالى هللا عنهما –‬
‫ال َه َذا َب ٌ‬
‫اب ِّم ْن‬ ‫يضا ِّم ْن َف ْو ِّق ِّه َف َر َف َع َ ْرأ َس ُه َف َق َ‬
‫اّلل َع َل ْيه َو َس َّل َم َسم َع َنق ً‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ص َّلى َّ ُ‬
‫النبي َ‬ ‫يل َقاع ٌد ع ْن َد َّ‬ ‫ََْ ْ‬
‫قال‪" :‬بين َما ِّجب ِّر ُ ِّ ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َّ َ ُ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ ُّ َّ ْ َ ْ َ َ َ َ َ ْ ُ َ َ ٌ َ َ َ َ َ َ َ ٌ َ َ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ ُّ َّ ْ َ َّ‬
‫ض ل ْم َين ِّز ْل قط ِّإال ال َي ْو َم ف َسل َم‬ ‫السم ِّاء ف ِّتح اليوم لم يفتح قط ِّإال اليوم فنزل ِّمنه ملك فقال هذا ملك نزل ِّإلى األر ِّ‬
‫‪- 32 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫َّ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ َ َ ْ ْ ُ َ ْ ُ َ ُ َ َ ْ ُ ْ َ ُ َ َ ٌّ َ ْ َ َ َ َ ُ ْ َ َ َ َ ُ ُ َ ْ‬
‫ور ِّة ال َب َق َر ِّة ل ْن ت ْق َرأ ِّب َح ْر ٍف ِّم ْن ُه َما ِّإال‬ ‫اب وخوا ِّتيم س‬ ‫ُوقال أب ِّشر ِّبنوري ِّن أو ِّتيتهما لم يؤتهما ن ِّبي قبلك فا ِّتحة ال ِّكت ِّ‬
‫أ ْع ِّط َيت ُه"‪ .‬فهذا الحديث في ظاهره يدل على أن سورة الفاتحة وخواتيم سورة البقرة‪ ،‬نزلت عن طريق ملك من‬
‫املالئكة وليس عن طريق جبريل عليه السالم‪.‬‬
‫ص به‬ ‫هذا ظاهر الحديث‪ ،‬ولكن نوجه هذا الحديث كما وجهه العلماء أن امللكين جاءا بالبشارة بهما‪ ،‬وبيان ما ُخ َّ‬
‫من بين سائر األنبياء‪ ،‬والبشارة تكون قبل وجود الش يء‪ ،‬أو يقال‪ :‬نزول امللك بفضلها وثوابها‪ ،‬أما نزول التالوة فهو‬
‫من طريق الروح األمين عليه السالم‪ ،‬وأما قوله صلى هللا عليه وسلم في حديث ابن مسعود – رض ي هللا عنه – في‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫قصة اإلسراء واملعراج‪ ،‬في صحيح مسلم‪ ،‬قال‪" :‬فأعطي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ثالثا‪ :‬أعطي الصلوات‬
‫ُ‬
‫قحمات" الحديث‪ .‬فاملراد به ‪-‬‬ ‫الخمس‪ ،‬وأعطي خواتيم سورة البقرة‪ ،‬وغ ِّفر ملن لم يشرك باهلل من أمته شيئا‪ ،‬ال ُـم ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ َ ُ َّ ُ َ‬
‫اّلل ن ْف ًسا ِّإال ُو ْس َع َها ل َها َما ك َس َب ْت َو َعل ْي َها‬ ‫وهللا أعلم ‪ -‬أعطي إجابةالدعوات التي اشتملت عليها اآليتان‪﴿ :‬ال يك ِّلف‬
‫َ‬
‫ين ِّم ْن ق ْب ِّل َنا‪﴾...‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ص ًرا ك َما َح َمل َت ُه َعلى الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َما ْاك َت َس َب ْت َرَّب َنا َال ُت َؤاخ ْذ َنا إ ْن َنس َينا َأ ْو َأ ْخ َط ْأ َنا َرَّب َنا َوَال َت ْحم ْل َع َل ْي َنا إ ْ‬
‫ِّ‬ ‫ُِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫[ال َب َق َر ِّة‪ ،]286 :‬فأعطي إجابة الدعوات التي اشتملت عليها اآليتان‪ ،‬أو أعطي البشارة بهما وبما تضمنته من وضع‬
‫اآلصار واألغالل‪.‬‬
‫أكتفي بهذا القدر ونكمل بإذن هللا عز وجل في محاضرة قادمة‪.‬‬
‫سبحان ربك رب العزة عما يصفون‪ ،‬وسالم على املرسلين‪ ،‬والحمد هلل رب العاملين ‪،‬وصلى هللا وسلم على نبينا‬
‫محمد‪.‬‬

‫قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات ‪ :‬مروة املاحي‬
‫قام باملراجعة األولى والتدقيق‪ :‬أحمد عبد الرحمن‬
‫قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي‪ :‬رئيفة درويش‬
‫اإلشراف العام على فريق العمل‪ :‬رئيفة درويش‬

‫‪- 33 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫علوم القرآن‬
‫د‪ .‬عمرعبد العزيزالدهيش ي‬
‫املحاضرة السابعة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمدهلل رب العاملين‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫وبعد‪ :‬فاستكماال ملا قد بدأناه في املحاضرة املاضية حول الكالم عن نزول القرآن الكريم‪ ،‬وقبل أن نتكلم عن نزول‬
‫َّ‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬فقد ذكرنا ُم َسلمات عند أهل السنة والجماعة تتعلق بنزول القرآن‪ ،‬ونتابع اليوم ذكر باقي هذه‬
‫املسلمات‪ .‬مما ذكرنا في املحاضرة السابقة اآلتي‪:‬‬
‫َّ‬
‫املسلمة األولى‪ :‬أن القرآن الكريم منزل من عند هللا عز وجل وليس بمخلوق‪ ،‬وكذلك أن القرآن الكريم منزل من‬
‫عند هللا عز وجل وليس من جبريل ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬وليس من الهواء‪ ،‬أو من أي مخلوق كان‪ ،‬بل هو منزل من عند‬
‫هللا عز وجل‪.‬‬
‫َّ‬
‫املسلمة الثانية‪ :‬أن القرآن الكريم كله نزل عن طريق جبريل ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬وقد ذكرنا أحاديث في ظاهرها أنه قد‬
‫وجهنا تلك األحاديث والحمد هلل‪.‬‬ ‫نزل بعض اآليات عن طريق غير جبريل ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬وقد َّ‬
‫َّ‬
‫املسلمة الثالثة‪ :‬أن نزول القرآن الكريم ابتدأ يوم االثنين‬
‫من املسلمات في نزول القرآن‪ ،‬أن نزول القرآن الكريم ابتدأ في يوم اإلثنين‪ ،‬ويشهد لهذا حديث أبي قتادة ‪-‬رض ي‬
‫هللا عنه‪( -‬في صحيح البخاري) أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ُسئل عن صوم يوم اإلثنين؟ فقال‪"َ :‬و ُس ِّئ َل َع ْن‬
‫ََ ْ ٌ ُ ْ ُ َْ ُْ َ ََ‬ ‫ص ْوم َي ْوم اال ْث َن ْين َق َ َ َ َ ْ ُ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫لفظ عند مسلم قال النبي‬ ‫ٍ‬ ‫وفي‬ ‫الحديث‪.‬‬ ‫"‬ ‫"‬ ‫ال‪" :‬ذاك يو ٌم وِّلدت ِّف ِّيه ويوم ب ِّعثت أو أن ِّزل ع ِّ ِّ‬
‫يه‬ ‫ف‬ ‫َّ‬
‫ي‬ ‫ل‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫علي فيه)" الحديث‪ .‬وقال ابن حجر‪" :‬وأفاد شيخنا‬ ‫عثت (أو ُأنز َل َّ‬ ‫ويوم ُب ُ‬
‫لدت فيه ُ‬ ‫يوم ُو ُ‬‫صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬ذاك ٌ‬
‫البلقيني أن سن النبيصلى هللا عليه وسلم حين جاءه جبريل في حراء كان أربعين سنة على املشهور‪ ،‬وكان ذلك يوم‬
‫االثنين نها ًرا"‪.‬‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫املسلمة الرابعة‪ :‬مدة نزول القرآن كانت ثالثا وعشرين سنة‪ :‬كم كانت مدة نزول القرآن على النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم؟ نزل القرآن الكريم من حين أوحي إلى النبي صلى هللا عليه وسلم في أول البعثة في غار حراء إلى وفاته صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪ ،‬منذ أن كان عمره أربعين سنة الى وفاته صلى هللا عليه وسلم وعمره ثالث وستين سنة‪ ،‬على‬
‫الصحيح من أقوال العلماء في هذا األمر‪ ،‬ففي الحديث الذي رواه مسلم عن أنس ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬قال ‪:‬‬
‫ً‬ ‫وتوفاه ُ‬
‫ُ‬ ‫وباملدينة َ‬ ‫بمكة َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫بعثه ُ‬ ‫َ‬
‫أس ستين سنة "‬ ‫ِّ‬ ‫ر‬ ‫على‬ ‫هللا‬ ‫سنين‬ ‫عشر‬ ‫ِّ‬ ‫سنين‬ ‫عشر‬ ‫فأقام‬ ‫سنة‬ ‫بعين‬
‫ر‬ ‫أ‬ ‫أس‬
‫ِّ‬ ‫ر‬ ‫على‬ ‫هللا‬ ‫"‬

‫‪- 34 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫وسل َم َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫وجل َ‬


‫عز َّ‬ ‫الحديث‪ .‬وعن أنس ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬قال‪َّ " :‬أن َ‬
‫هللا َّ‬
‫قبل‬ ‫عليه‬
‫هللا صلى هللا ِّ‬ ‫الوحي على رسو ِّل ِّ‬ ‫تابع‬
‫َّ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫عليه وسل َم"‪ .‬الحديث في صحيح مسلم‪.‬‬ ‫هللا صلى هللا ِّ‬ ‫الوحي يوم توفي رسول ِّ‬ ‫وفا ِّته حتى توفي‪ُ ،‬‬
‫وأكثر ما كان‬
‫ختلف في متى توفي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فروى أنس بن‬ ‫وعليه يتحدد نزول القرآن الكريم‪ ،‬إال أنه ا ُ‬
‫وباملدينة‬ ‫بمك َة ً‬
‫عشرا‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫أس أربعين سنة ‪ ،‬فأقام‬ ‫ُ‬
‫ِّ‬ ‫مالك‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وعائشة ‪-‬رض ي هللا عنهم جميعا‪" -‬ب ِّعث على ر ِّ‬
‫ً‬ ‫ً ُ‬
‫ستين سنة"‪ .‬وروى ابن عباس ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم توفي وهو‬ ‫أس ِّ‬‫عشرا ‪ ،‬وت ِّوفي على ر ِّ‬
‫جميعا‪ -‬أنه توفي وهو‬ ‫ً‬ ‫ابن خمس وستين‪ .‬وروى الثالثة كلهم‪ ،‬ابن عباس‪ ،‬وأنس بن مالك ‪ ،‬وعائشة ‪-‬رض ي هللا عنهم‬
‫َ ُ‬
‫ابن ثالث ستين سنة ‪ ،‬بقي ثالث عشرة سنة بمكة ‪ ،‬وعشر سنوات باملدينة‪ .‬ولذا قال ابن حجر "ف ِّإ َّن كل َم ْن ُر ِّو َي‬
‫َ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ ْ ُ َ َّ ُ َ َ َ َ ً َ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ َّ ُ َ َ َ َ ً‬
‫اش ثالثا َو ِّس ِّت َين‪."...‬‬ ‫اش ِّس ِّتين أو أكثر ِّمن ثالث و ِّس ِّتين‪،‬جاء عنه أنه عاش ثالثا و ِّس ِّتين‪ .‬فاملعتمد أنه ع‬‫ْعنه أ َّن ُه َع َ‬
‫بل حكى اإلمام النووي اتفاق العلماء على أن أصح الروايات ثالث وستون سنة‪ .‬وعليه فمدة نزول القرآن كانت‬
‫ثالثا وعشرين سنة ‪ -‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫هذا فيما يتعلق باملسلمات التي تتعلق بنزول القرآن ‪ ،‬نجملها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن القرآن منزل من عند هللا عز وجل ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن القرآن نزل به جبريل ‪-‬عليه السالم‪. -‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن ابتداء نزول القرآن كان في يوم اإلثنين‪.‬‬
‫ابعا‪ :‬أن مدة نزول القرآن كانت ثالثا وعشرين سنة‪ :‬ثالث عشرة سنة في مكة‪ ،‬وعشر سنوات في املدينة‪.‬‬ ‫ر ً‬

‫✓ تنزالت القرآن الكريم‪ :‬كم مرة نزل القرآن الكريم؟‬


‫ُ‬
‫نأتي إلى مسألة تنزالت القرآن الكريم وهي‪ :‬كم مرة نزل القرآن الكريم؟ ذ ِّكرت أقوال في عدد تنزالت القرآن الكريم‪،‬‬
‫اجتهاد من العلماء في الجمع بين‬
‫ٍ‬ ‫واختلف العلماء في هذا األمر‪ ،‬ويرجع سبب نشأة هذه األقوال واالختالفات إلى‬
‫اآليات واألحاديث النبوية‪ .‬ففي القرآن الكريم آيات ورد فيها النص على نزول القرآن الكريم‪ ،‬منها ما يدل على نزوله‬
‫جملة واحدة‪ ،‬ومنها ما يدل على نزوله مفرقا‪ ،‬وكذلك إذا نظرنا في السنة النبوية‪ ،‬وجدنا هناك روايات صحيحة‬
‫عن ابن عباس ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬عن عدد تنزالت القرآن والتي ال يمكن أن يقولها من تلقاء نفسه‪.‬‬
‫اآليات التي وردت في القرآن الكريم والتي تدل على نزوله جملة واحدة‪ :‬قال هللا تعالى‪:‬‬
‫َ ْ ُ َ َ َ َ َّ ُ ْ‬
‫ان ال ِّذي أن ِّز َل ِّف ِّيه القرآن ‪[ ﴾..‬البقرة‪،[185:‬‬ ‫‪﴿ .1‬شهر رمض‬
‫‪﴿ .2‬إ َّنا َأ ْن َ ْزل َن ُاه في َل ْي َلة ُم َب َار َكة إ َّنا ُك َّنا ُم ْنذر َ‬
‫ين﴾ [الدخان‪،]3:‬‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ٍ ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ ْ َ ْ َ ُ َ ْ َ ْ‬
‫﴿إنا أنزلناه ِّفي ليل ِّة القد ِّر ﴾ [القدر‪.]1:‬‬ ‫‪ِّ .3‬‬

‫‪- 35 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫ً‬
‫واآليات التي وردت في القرآن الكريم التي تدل على نزول القرآن الكريم مفرقا‪ :‬قال هللا تعالى‪:‬‬
‫[اإل ْس َر ِّاء ‪]106 :‬‬
‫ْ‬
‫﴾‬
‫َ َ ُ ْ َ َ َّ ْ َ ُ َ ْ ً‬
‫يال‬‫ز‬ ‫ن‬‫ت‬ ‫اه‬‫ن‬‫ل‬‫ز‬ ‫ن‬‫و‬ ‫ث‬ ‫ك‬‫م‬ ‫ى‬‫ل‬ ‫ع‬ ‫اس‬ ‫‪َ ﴿ .1‬و ُق ْر ًآنا َف َر ْق َن ُاه ل َت ْق َ َرأ ُه َع َلى َّ‬
‫الن‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ُْ َْ‬ ‫َ َ َ َّ َ َ َ ُ َ ْ َ ُ َ َ َ ْ ْ ُ ْ ُ ُ ْ َ ً َ َ ً َ َ َ ُ َ َ ُ َ َ َ َ َ َّ ْ َ ُ َ ْ ً‬
‫‪﴿ .2‬وقال ال ِّذين كفروا لوال ن ِّزل علي ِّه القرآن جملة و ِّاحدة كذ ِّلك ِّلنث ِّبت ِّب ِّه فؤادك ورتلناه ترِّتيال﴾ [الفرق ِّان ‪]32 :‬‬
‫✓ أقوال العلماء في نزول القرآن الكريم‬
‫لتنوع داللة آيات نزول القرآن الكريم‪ ،‬فإن للعلماء في نزول القرآن أقوال‪:‬‬
‫ً‬
‫القول األول‪ :‬أن للقرآن الكريم نزوال واحدا‪:‬‬
‫َ ْ ُ َ َ َ َ َّ ُ ْ‬
‫ان ال ِّذي أن ِّز َل ِّف ِّيه‬ ‫بدأ في ليلة القدر وهي ليلة مباركة في شهر رمضان‪ ،‬وعلى هذا تدل اآليات الثالث‪﴿ :‬شهر رمض‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ْ‬ ‫القرآن ‪[ ﴾..‬البقرة‪﴿ ،[185:‬إ َّنا َأ ْن َ ْزل َن ُاه في َل ْي َلة ُم َب َار َكة إ َّنا ُك َّنا ُم ْنذر َ‬
‫﴿إ َّنا أن َزل َن ُاه ِّفي ل ْيل ِّة الق ْد ِّر ﴾‬
‫ِّ‬ ‫‪،‬‬‫]‬ ‫‪3‬‬ ‫[الدخان‪:‬‬ ‫﴾‬ ‫ين‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ٍ ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫[القدر‪ ،]1:‬ثم نزل بعد ذلك منجما في أوقات مختلفة‪ ،‬فليس للقرآن إال نزول واحد منجم على الرسول ‪-‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أن للقران الكريم نزولين ‪:‬‬
‫‪ -‬النزول األول‪ :‬نزوله من اللوح املحفوظ في السماء السابعة إلى بيت العزة في السماء الدنيا جملة واحدة‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬والنزول الثاني‪ :‬نزوله بعد ذلك منجما على النبي صلى هللا عليه وسلم عن طريق جبريل‪-‬عليه السالم‪.‬‬
‫هذه املسألة‪ ،‬أعني هذه املسألة تتعلق بأمر غيبي‪ ،‬فكيف قال العلماء أن القرآن له تنزالن؟ مادليلهم؟ استدلوا‬
‫ْ ْ َ‬ ‫بحديث ابن عباس ‪-‬رض ي هللا عنهما‪ -‬ومن ذلك قوله رض ي هللا عنه‪"َ :‬ن َز َل القرآن في َل ْي َل ِّة ْال َق ْدر م َن َّ‬
‫الس َم ِّاء ال ُعل َيا ِّإلى‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ ََ ُ ْ‬ ‫ُّ ْ َ ُ َ ً َ َ ً ُ ُ َ‬
‫الس ِّن َين بعد‪َ ،‬و َتال ﴿فال أق ِّس ُم ِّب َم َوا ِّق ِّع النج ِّوم﴾ [الواقعة‪ ،]75 :‬قال‪ :‬نزل‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫السم ِّاء الدنيا ج ْملة و ِّاحدة‪ ،‬ث َّم ف ِّرق ِّفي ِّ‬
‫َّ َ‬
‫مفرقا "‪ .‬وقد وردت روايات كثيرة عن ابن عباس ‪-‬رض ي هللا عنهما‪ -‬بألفاظ مختلفة في هذه املسألة‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬قوله‬
‫َ ْ ُ َ َ َ َ َّ ُ ْ‬
‫ان ال ِّذي أن ِّز َل ِّف ِّيه القرآن ‪[﴾..‬البقرة‪ [185:‬وعن قوله‬ ‫‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬عندما سئل عن قوله تعالى ‪ ﴿:‬شهر رمض‬
‫ين﴾ [الدخان‪.]3:‬‬ ‫تعالى‪﴿ :‬إ َّنا َأ ْن َ ْزل َن ُاه في َل ْي َلة ْال َق ْدر﴾ [القدر‪ ،]1:‬وعن قوله ‪﴿:‬إ َّنا أ ْن َ ْزل َن ُاه في َل ْي َلة ُم َب َار َكة إ َّنا ُك َّنا ُم ْنذر َ‬
‫َ‬
‫ً ُ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ٍ ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ْ‬
‫مباركة جملة واحدة ثم أن ِّزل‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ليلة‬
‫القدر في ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫قال ابن عباس ‪-‬رض ي هللا عنه‪" : -‬إنه قد أ ِّنزل في رمضان في ِّ‬
‫ليلة‬
‫ًَ‬ ‫ُْ‬ ‫ً‬
‫واأليام"‪ .‬وفي رواية أخرى قال ابن عباس ‪-‬رض ي هللا عنه‪" :-‬أن ِّز َل القر ُآن جملة‬ ‫ِّ‬ ‫الشهور‬
‫ِّ‬ ‫النجوم رسال في‬ ‫ِّ‬ ‫مواقع‬
‫ِّ‬ ‫على‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫السماء الدنيا"‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫واحدةحتى ُو ِّض َع في ْبي ِّت ال ِّع َّز ِّة في‬
‫ومن مجموع هذه الروايات عن ابن عباس ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬نخلص إلى مايلي ‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬أنه نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا‪ ،‬كما هو صريح في تلك الروايات التي ذكرتها قبل قليل‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن نزوله جملة واحدة كان إلى السماء الدنيا‪ ،‬أنه وضع في بيت العزة في السماء الدنيا‪.‬‬ ‫ً‬

‫‪- 36 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬أنه نزل بعد ذلك مفرقا ومنجما‪ ،‬وهو نزول مستقل عن نزوله جملة واحدة‪ ،‬وهذه نقطة مهمة‪ ،‬وهو نزول‬
‫مستقل عن نزوله جملة واحدة‪.‬‬
‫هذا النزول املفرق واملنجم طريقته‪ :‬أن هللا عز وجل تكلم سبحانه بهذه اآليات‪ ،‬وسمعه جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬من‬
‫هللا عز وجل مباشرة‪ ،‬ونزل جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬بها إلى النبيصلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وسمعه من جبريل؛ كما قال‬
‫ْ َ‬ ‫﴿وإ َّن ُه َل َت ْنز ُ‬ ‫ْ َُ ْ َ‬ ‫َ َّ َ َ ُ َ َّ‬
‫يل َر ِّب ال َع ِّامل َين‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سبحانه وتعالى ‪﴿َ :‬وِّإنك لتلقى القرآن ِّمن لدن ح ِّك ٍيم ع ِّل ٍيم ﴾ [النمل‪ ،]6:‬وقوله سبحانه‪ِّ :‬‬
‫ين﴾ [الشعراء‪ .]194-192:‬فجبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬أخذ القرآن‬ ‫وح ْاألم ُين * َع َلى َق ْلب َك ل َت ُكو َن م َن ْاملُ ْنذر َ‬
‫الر ُ‬ ‫* َن َز َل ب ِّه ُّ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫مباشرة‪ ،‬سمعه من عند هللا عز وجل‪ ،‬وأداه كما سمعه‪ ،‬فمهمة جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬هي الرسالة فقط‪ ،‬هي الصلة‬
‫بين هللا عز وجل وبين محمد صلى هللا عليه وسلم ولهذا امللحظ استدل العلماء واستنبطوا من قوله سبحانه‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫وتعالى‪ِّ ﴿ :‬إ َّن ُه لق ْو ُل َر ُسو ٍل ك ِّر ٍيم * ِّذي ق َّو ٍة ِّع ْن َد ِّذي ال َع ْر ِّش َم ِّك ٍين ﴾ [التكوير‪ 19:‬ـ‪ ،]20‬قالوا‪ :‬املراد هنا جبريل ‪-‬عليه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫﴿إ َّن ُه ل َق ْو ُل َر ُسو ٍل ك ِّر ٍيم﴾؟ قد يستدل مستدل أن هذا القرآن من عند‬ ‫السالم‪ .-‬طيب‪ ،‬كيف يقول هللا عز وجل‪ِّ :‬‬
‫َّ ُ َ َ ْ ُ َ ُ َ‬
‫جبريل‪ ،‬فنقول ‪ :‬ال‪ ،‬قال هللا عز وجل‪ِّ ﴿ :‬إنه لقول رسو ٍل ك ِّر ٍيم﴾ [التكوير‪ ،]19 :‬وصف جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬بأنه‬
‫رسول فقط‪ ،‬والرسول مهمته أن يأخذ الحاجة‪ ،‬فأي رسول كان‪ ،‬نحن نفهم أن الرسول الذي يأخذ الحاجة من‬
‫شخص ويسلمها إلى شخص آخر‪ ،‬وهذه هي مهمة الرسول‪ ،‬سواء كانت حاجة‪ ،‬أو كان كالما‪ ،‬أو غير ذلك‪ .‬هذه هي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مهمة الرسول‪ ،‬ولذلك قال هللا عز وجل‪ِّ ﴿ :‬إ َّن ُه ل َق ْو ُل َر ُسو ٍل ك ِّر ٍيم﴾ [التكوير‪]19 :‬؛ مما يدل على أن مهمة جبريل هي‬
‫الرسالة فقط‪ ،‬هي الصلة بين هللا عزوجل وبين رسوله صلى هللا عليه وسلم بهذا القرآن‪ .‬فال يمكن أن يستدل‬
‫مستدل على أن هذا القرآن من عند جبريل‪ ،‬كال‪ ،‬فمهمة جبريل هي الصلة بين هللا عز وجل ورسوله صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ .‬وفي هذا املقام أود أن أنبه إلى أنه رويت روايات أخرى‪ ،‬تفيد أن النزول األول (نزوله جملة)‪ ،‬والنزول الثاني‬
‫ً‬
‫(نزوله مفرقا)‪ ،‬كالهما كان منجما‪ ،‬يعني النزول األول كذلك كان منجما في عشرين سنة‪ ،‬ولكنها حقيقة روايات‬
‫ونشعب الحديث في مثل هذا؛ ألن مستندهم حديث ضعفه العلماء‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫حكم عليها العلماء بالضعف‪ ،‬وعليه فال نتكلم‬
‫وعليه‪:‬‬
‫الصحيح أن للقرآن نزولين‪ :‬نزوله جملة واحدة إلى بيت العزة في السماء الدنيا‪ ،‬ونزوله بعد ذلك مفرقا‪.‬‬
‫✓ ما الفرق بين النزولين للقرآن الكريم؟‬
‫قد يقول قائل ما أوجه اإلفتراق بين النزولين؟ نحن قررنا أن الصحيح‪ ،‬والعلم عند هللا عز وجل أن القرآن نزل‬
‫مرتين‪ :‬نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا‪ ،‬ونزل مفرقا في ثالث وعشرين سنة‪ ،‬فما الفرق بين النزولين؟‬
‫‪ .1‬الفرق األول‪ :‬أن النزول األول كان جملة واحدة وكيفيته مجهولة‪ ،‬أما النزول الثاني فكان مفرقا في ثالث‬
‫وعشرين سنة نزل به جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬أي‪:‬‬

‫‪- 37 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫‪ -‬النزول األول‪ :‬نزول كلي جملة واحدة‪ ،‬أما كيفيته؟ ومن أنزله؟ وكيفية نزوله؟ هذه مجهولة؛ ألنها من‬
‫األمور الغيبية التي ال يجوز القول فيها إال بدليل ‪.‬‬
‫‪ -‬النزول الثاني‪ :‬نزول منجم في ثالث وعشرين سنة‪ ،‬نزل به جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬وهذا هو الفرق األول‪.‬‬
‫‪ .2‬الفرق الثاني‪ :‬أن النزول األول الذي هو جملة واحدة إلى السماء الدنيا‪ ،‬كان نزول من اللوح املحفوظ إلى‬
‫السماء الدنيا في بيت العزة‪ ،‬وكان كله في ليلة واحدة‪ ،‬وهي ليلة القدر في شهر رمضان‪ .‬أما النزول الثاني وهو‬
‫النزول املفرق واملنجم‪،‬كان على قلب النبي صلى هللا عليه وسلم في ثالث وعشرين سنة إبتدأ في ليلة القدر في‬
‫نزول من اللوح املحفوظ إلى السماء‬ ‫رمضان‪ ،‬ونزل في سائر أيام السنة وشهورها‪ .‬إذن‪ ،‬النزول األول‪ُ :‬و ِّض َع ٌ‬
‫الدنيا في بيت العزة‪ ،‬كما هو صريح في حديث ابن عباس ‪-‬رض ي هللا عنه‪ ،-‬أما النزول الثاني‪ :‬فهو نزوله على‬
‫قلب النبي صلى هللا عليه وسلم في ثالث وعشرين سنة‪ ،‬ابتدأ في ليلة القدر في رمضان‪ ،‬ونزل في سائر أيام السنة‬
‫وشهورها‪ .‬قد تنزل سورة كاملة على النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وقد تنزل عشرة آيات دفعة واحدة‪ ،‬وقد تنزل‬
‫ْ‬ ‫َُُ‬ ‫ْ‬
‫﴿وكلوا َواش َرُبوا‬ ‫﴿م َن ال َف ْج ِّر﴾ في قوله سبحانه‪:‬‬
‫خمس آيات دفعة واحدة‪ ،‬بل قد ينزل بعض آية كقوله تعالى‪ِّ :‬‬
‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َّ َ َ َ َّ َ َ ُ ُ ْ َ ْ ُ ْ َ‬
‫ض ِّم َن الخ ْي ِّط األ ْس َو ِّد ِّم َن ال َف ْج ِّر﴾ [البقرة‪.]187 :‬‬
‫األ ْب َي ُ‬ ‫حتى يتبين لكم الخيط‬
‫‪ .3‬الفرق الثالث‪ :‬من الفروقات بين النزول األول (جملة واحدة) والنزول الثاني (مفرقا ومنجما)‪ :‬أن النزول األول‬
‫نزول مسموع‪ ،‬سمعه جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬من ربه سبحانه‪ ،‬وسمعه محمد‬ ‫نزول مكتوب‪ ،‬والنزول الثاني ٌ‬ ‫ٌ‬
‫صلى هللا عليه وسلم من جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬مباشرة‬
‫وهذا القول‪ ،‬بأن للقرآن الكريم تنزلين‪ :‬مرة جملة واحدة في السماء الدنيا في بيت العزة‪ ،‬ومرة نزوله مفرقا‪ ،‬هذا‬
‫هو األرجح واألقرب والذي رجحه جملة من العلماء ‪ -‬رحمهم هللا تعالى‪.-‬‬
‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫أختم بتنبيه مهم‪ ،‬وهو أن النزول األول للقرآن الكريم جملة واحدة هو ٌ‬
‫مستقل تماما عن نزوله في املرة‬ ‫نزول‬
‫الثانية‪ ،‬فال نقول أن جبريل أخذه من السماء الدنيا في بيت العزة‪ ،‬ال‪ ،‬بل أخذه مباشرة‪ .‬فالنزول األول‪ :‬نزول‬
‫ٌ‬
‫مستقل تماما عن نزوله مفرقا‪ .‬نزوله جملة واحدة هو من اللوح املحفوظ‬ ‫القرآن الكريم جملة واحدة هو ٌ‬
‫نزول‬
‫إلى السماء الدنيا‪ .‬وهو مستقل تماما‪ ،‬والنزول الثاني هو من عند هللا عز وجل إلى النبي صلى هللا عليه وسلم عن‬
‫طريق جبريل ‪-‬عليه السالم‪.-‬‬
‫وفق هللا الجميع ملا يحب ويرض ى‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد ‪.‬‬

‫‪- 38 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات ‪ :‬سعاد إبراهيم‬
‫قام باملراجعة األولى والتدقيق‪ :‬أخ في هللا‪ ،‬وإيمان عثمان‬
‫قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي‪ :‬رئيفة درويش‬
‫اإلشراف العام على فريق العمل‪ :‬رئيفة درويش‬

‫‪- 39 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫علوم القرآن‬
‫د‪ .‬عمرعبد العزيزالدهيش ي‬
‫املحاضرة الثامنة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬والحمد هلل رب العاملين‪ ،‬وصل اللهم على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد‪،‬‬
‫أحيي الجميع بتحية اإلسالم‪ ،‬السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪ ،‬وأسأل هللا عز وجل لي ولكم التوفيق والتسديد‪.‬‬
‫نواصل الحديث في هذه املحاضرة املباركة بإذن هللا ‪-‬عز وج‪ ،‬عن علم نزول القرآن‪ ،‬فحديثنا في هذه املحاضرة‬
‫موصول باملحاضرتين السابقتين اللتين خصصنا الحديث فيهما عن علم نزول القرآن‪ .‬النقطة الرابعة في علم نزول‬
‫القرآن هي‪:‬‬
‫✓ الحكمة من نزول القرآن منجما‬
‫قد يقول قائل‪ :‬إذا كان القرآن ‪-‬وقد قررتم أنه‪ -‬نزل منجما‪ ،‬فما الحكمة في هذا؟ الكتب السابقة نزلت جملة‬
‫واحدة‪ ،‬كما ذكره جملة من العلماء‪ ،‬أما هذا القرآن نزل خالل ‪ 23‬سنة كما أقررناه في محاضرات سابقة‪ ،‬فما‬
‫الحكمة من ذلك؟ الحكمة نلتمسها في عدة أمور منها‪:‬‬
‫‪ .1‬الحكمة األولى‪ :‬تثبيت قلب النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫وهذه هي الحكمة األساس في نزول القرآن منجما‪ ،‬وهو صريح في ما جاء في كتاب هللا عز وجل‪ ،‬في قوله تعالى في‬
‫َ َ َ َّ َ َ َ ُ َ ْ َ ُ َ َ َ ْ ْ ُ ْ ُ ُ ْ َ ً َ َ ً َ َٰ َ ُ َ َ ُ َ َ َ َ َ َّ ْ َ ُ َ ً‬
‫احدة ۚ كذ ِّلك ِّلنث ِّبت ِّب ِّه فؤادك ۖ ورتلناه ت ْرِّتيال﴾‬ ‫سورة الفرقان‪﴿ :‬وقال ال ِّذين كفروا لوال ن ِّزل علي ِّه القرآن جملة و ِّ‬
‫[الفرقان‪ .]32:‬هذه أظهر فائدة وأعظم حكمة من نزوله منجما‪ .‬ولتثبيت قلب الرسول صلى هللا عليه وسلم‬
‫أوجه كثيرة‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ -‬إخبار هللا عز وجل لنبيه صلى هللا عليه وسلم باألذى الذي حصل لألنبياء والرسل من قبله‪ ،‬ولسان الحال‬
‫يقول‪ :‬يا أيها النبي إن كان أصابك من األذى والتكذيب ما أصابك‪ ،‬فقد جرى كذلك لألنبياء من قبلك‪ ،‬ففيه‬
‫ص َب ُروا‬ ‫تثبيت وتطمين لقلب النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬كما في قول هللا تعالى‪َ ﴿ :‬و َل َق ْد ُكذ َب ْت ُر ُس ٌل من َق ْبل َك َف َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َّ َ ْ ُْ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ َ ٰ َ ُ ُ َ ُ ُ َ َّ ٰ َ َ ُ ْ َ ْ ُ َ َ َ ُ َ َ َ‬
‫اّلل َول َق ْد َج َاء َك ِّمن نب ِّإ املرس ِّلين﴾ [األنعام‪.]34:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِّ‬ ‫ات‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ل‬‫على ما ك ِّذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا وال مب ِّدل ِّل ِّ‬
‫ك‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ص َب َر أولو ال َع ْز ِّم ِّم َن‬ ‫اصب ْر ك َما َ‬‫ْ‬
‫‪ -‬أمره وحثه صلى هللا عليه َوسلم على الصبر‪ :‬كما قال هللا ‪-‬سبحانه وتعالى‪﴿ :-‬ف ِّ‬
‫َ َّ ْ‬ ‫َ ٌ َ‬ ‫ُّ ُ َ َ َ ْ َ ْ َّ ُ ْ َ َّ ُ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ ُ َ ُ َن َ ْ َ ْ َ ُ َّ َ َ ً‬
‫اعة ِّمن َّن َه ٍار َبالغ ف َه ْل ُي ْهل ُك ِّإال ال َق ْو ُم‬ ‫الرس ِّل وال تستع ِّجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدو لم يلبثوا ِّإال س‬
‫اس ُقون﴾ [األحقاف‪ ]35:‬فإن أصابك األذى واالعتداء واإلعراض من املشركين‪ ،‬فعالج ذلك الصبر‪ ،‬وأنت يا‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫الف ِّ‬
‫محمد لم تصبر وحدك‪ ،‬بل صبر األنبياء من قبلك عندما أوذوا‪.‬‬

‫‪- 40 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫‪ -‬نهيه صلى هللا عليه وسلم عن الحزن والضيق‪ :‬فإن الحزن والضيق يؤثر على الداعية كما يؤثر من باب أولى‬
‫َ‬ ‫َ َ َّ‬
‫على من رفع ودعا إلى هللا تعالى‪ .‬نهى هللا عز وجل نبيه عن الحزن والضيق بقوله‪﴿:‬فل َعل َك َب ِّاخ ٌع َّن ْف َس َك َعل ٰى‬
‫َ‬ ‫َّ ْ ُ ٰ َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫يث أ َس ًفا﴾ [الكهف‪ ،]6:‬فال تحزن وال يضيق صدرك‪ ،‬فأنت على الحق وقومك‬ ‫آثا ِّر ِّه ْم ِّإن ل ْم ُيؤ ِّمنوا ِّب َهذا الح ِّد ِّ‬
‫وأصحابك ومن سار على دربك هم على الحق‪ ،‬وإن أصابهم ما أصابهم فإن العاقبة للمتقين‪ ،‬كما قال سبحانه‬
‫َّ َ َ ْ َ َ َ َ َ ُ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫اصط ِّب ْر َعل ْي َها ال ن ْسأل َك‬ ‫﴿وأ ُم ْر أ ْهل َك ِّبالصال ِّة و‬ ‫﴿وال َعا ِّق َبة ِّلل ُم َّت ِّق َين﴾ [القصص‪ ،]33:‬وفي قوله تعالى‪:‬‬ ‫وتعالى‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ً َ َ ُ ُ‬
‫ِّرزقا ن ْح ُن ن ْرزق َك َوال َعا ِّق َبة ِّل َّلت ْق َوى﴾ [طة‪.]132:‬‬
‫‪ -‬تثبيت قلب النبي صلى هللا عليه وسلم وتبشيره بالنصر والتمكين‪ :‬لك أن تتصور حال النبي صلى هللا عليه‬
‫ْ َْ َ َ ُ َ َ‬ ‫ن َ ْ ُ ُ ْ َ ُ ْ َ ٌ ُّ ْ َ ْ َ ُ َ‬
‫ض تخافون أن‬ ‫ِّ‬ ‫ر‬ ‫األ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫وسلم وهو في مكة‪ ،‬وهم َقلة مستضعفو ﴿واذكروا ِّإذ أنتم ق ِّليل مستضعفو ِّ‬
‫الطي َبات َل َع َّل ُك ْم َت ْش ُك ُر َ‬
‫َ َّ‬ ‫َ َ َ َّ َ ُ ُ َّ ُ َ َ ُ ْ َ َّ َ ُ َ ْ َ َ َ َ ُ‬
‫ون﴾ [األنفال‪ ،]26:‬فمن أوجه‬ ‫ص ِّر ِّه ورزقكم ِّمن ِّ ِّ‬ ‫يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم ِّبن‬
‫تثبيت قلب النبي صلى هللا عليه وسلم تبشيره بالنصر والتمكين‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬وينصرك هللا نصرا عزيزا ويتم‬
‫نعمته عليك﴾ [الفتح‪ ]3:‬وغير ذلك من اآليات املتضمنة تبشيره بأن هذا الدين قائم ومنصور بنصر هللا عز‬
‫وجل له وألتباعه‪.‬‬
‫هذه إملاحة سريعة لبعض األوجه التي فيها تثبيت قلب النبي صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ .2‬الحكمة الثانية‪ :‬تيسيرحفظ القرآن الكريم وفهمه‬
‫فنزول القرآن الكريم منجما فيه تيسير للصحابة على حفظه‪ ،‬أما نبينا صلى هللا عليه وسلم فقد تكفل هللا بحفظه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ َ َْ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫في قلبه‪ ،‬قال تعالى‪ِّ ﴿ :‬إ َّن َعل ْي َنا َج ْم َع ُه َوق ْرآن ُه (‪ )17‬ف ِّإذا ق َرأن ُاه ف َّات ِّب ْع ق ْرآن ُه (‪ )18‬ث َّم ِّإ َّن َعل ْي َنا َب َيانه﴾ [القيامة‪-17:‬‬
‫ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ََ‬
‫﴿ول َق ْد َي َّس ْرنا ال ُق ْر َآن ِّل ِّلذك ِّر ف َه ْل ِّم ْن‬ ‫‪ .]19‬إذن‪ ،‬نزوله منجما فيه تيسير على الصحابة في حفظه وفهمه‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ُم َّد ِّك ٍر﴾ [القمر‪ .]17:‬قال أبو شامة املقدس ي (ت‪665:‬هـ)‪" :‬كان النبي صلى هللا عليه وسلم أميا ال يكتب وال يقرأ‪،‬‬
‫ُ َ‬
‫ففرق عليه القرآن ليتيسر عليه فهمه‪ ،‬ولو نزل جملة واحدة لتعذر حفظه في وقت واحد‪ ،‬على ما أجرى هللا به من‬
‫عوائد خلقه"‪.‬‬
‫‪ .3‬الحكمة الثالثة‪ :‬مسايرة الحوادث‬
‫فالنبي صلى هللا عليه وسلم بشر‪ ،‬ويعيش بين البشر‪ ،‬وحال البشر أن تحصل لهم بين الحين واآلخر حوادث أو‬
‫أسئلة أو اعتراضات أو نوازل‪ ،‬فينزل القرآن ببيان حكم مسألة ما‪ ،‬أو لجواب سؤال طرح على النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم أو سئل عليه‪ ،‬وهذه األسئلة التي كانت توجه على النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬قد تكون‪:‬‬

‫‪- 41 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫قد تكون أسئلة فيما مض ى من القرون واألمم‪ :‬كسؤال اليهود للنبي صلى هللا عليه وسلم عن رجل قد بلغ‬ ‫‪-‬‬
‫ْ َ َْ ُ ْ َ َُْ ََْ ُ ْ ُ ْ‬ ‫ََ ْ َُ َ َ َ‬
‫مشرق األرض ومغربها فأنزل هللا عز وجل‪﴿ :‬ويسألونك عن ِّذي الق ْرني ِّن قل سأتلو عليكم ِّمنه ِّذك ًرا﴾‬

‫[الكهف‪ ]83:‬وسؤالهم عن فتية فقدوا في أول الزمان‪ ،‬فأنزل هللا عز وجل قصتهم كاملة في سورة الكهف‪.‬‬
‫ْ َ َّ‬ ‫َ َُ َ‬
‫﴿ي ْسألون َك َع ِّن األ ِّهل ِّة﴾ [البقرة‪ ،]189:‬وقوله عز‬ ‫قد تكون أسئلة حاضرة مشاهدة‪ :‬ومن ذلك قوله تعالى‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ َ‬
‫﴿و َي ْسألون َك َماذا ُي ِّنف ُقون﴾ [البقرة‪ ،]219:‬ثم ينزل جبريل من عند هللا بآيات فيجيب عن اسئلتهم‬ ‫وجل‪:‬‬
‫ْ‬
‫اس َوال َح ِّج﴾ [البقرة‪.]189:‬‬ ‫يت ل َّ‬
‫لن‬ ‫﴿ي ْس َأ ُل َون َك َعن ْاأله َّلة ُق ْل ه َي َم َواق ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫اس َع ِّن‬ ‫الن ُ‬ ‫قد تكون أسئلة عن أمور مستقبلية‪ :‬ومن ذلك سؤالهم عن الساعة‪ ،‬وقد تكرر كثي ًرا ﴿ َي ْس َأ ُل َك َّ‬ ‫‪-‬‬
‫َّ َ ُ ْ َّ َ ْ ُ َ ْ َ َّ َ َ ُ ْ َ َ َ َّ َّ َ َ َ ُ ُ َ‬
‫اعة تكون ق ِّر ًيبا﴾ [األحزاب‪]63:‬‬ ‫اّلل وما يد ِّريك لعل الس‬ ‫الساع ِّة قل ِّإنما ِّعلمها ِّعند ِّ‬
‫تنبيه املسلمين إلى أخطائهم وإرشادهم إلى الصواب فيها‪ :‬فهذا ثابت بن قيس وهو أحد الصحابة رض ي هللا‬ ‫‪-‬‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َ َ ْ َ ُ َ ْ َ َ ُ ْ َ ْ َق َ ْ َّ َ َ‬
‫الن ِّب ِّي َوال ت ْج َه ُروا ل ُه ِّبال َق ْو ِّل ك َج ْه ِّر‬ ‫عنهم‪ ،‬ملا نزل قوله تعالى‪﴿ :‬يا أيها ال ِّذين آمنوا ال ترفعوا أصواتكم فو صو ِّت‬
‫ون﴾ [الحجرات‪ ]2:‬قال‪ :‬أنا الذي كنت أرفع صوتي فوق‬ ‫ط َأ ْع َم ُال ُك ْم َو َأ ُنت ْم َال َت ْش ُع ُر َ‬ ‫َْ ُ ْ َْ َ َ َْ َ‬
‫ض أن تحب‬ ‫بع ِّضكم ِّلبع ٍ‬
‫ُ‬
‫صوت النبي صلى هللا عليه وسلم وأنا من أهل النار فذ ِّك َر ذلك للنبي صلى هللا عليه وسلم فقال بل هو من أهل‬
‫الجنة‪ ،‬فهذه الحادثة حدثت فنزلت هذه اآليات‪.‬‬
‫كشف حال املنافقين وهتك أستارهم حتى يحذرهم املسلمون ويأمنوا مكرهم وشرهم‪ .‬املنافقون في العهد‬ ‫‪-‬‬
‫املدني كانوا كثر‪ ،‬وكانوا يكيدون في الخفاء على املسلمين ويتربصون بهم الدوائر وعملوا ومكروا مكرا كبارا‪،‬‬
‫فينزل هللا عز وجل بين الحين واآلخر ما يبين ويكشف سترهم ويظهر خبايا نفوسهم‪ .‬وقد روى سعيد بن جبير‬
‫قال‪ :‬قلت البن عباس ‪-‬رض ي هللا عنهما‪ :-‬سورة التوبة‪ .‬قال‪" :‬التوبة هي الفاضحة‪ ،‬ما زالت تنزل ومنهم ومنهم‬
‫ً‬
‫حتى ظنوا أنها لم تبق أحدا منهم اال ذكر فيها"‪.‬‬
‫‪ .4‬الحكمة الرابعة‪ :‬التدرج في التشريع وتربية األمة‬
‫لو نزل القرآن جملة واحدة فإن األحكام كلها ستكون في زمن واحد‪ ،‬ولكن من حكمة هللا ورحمته بهذه األمة أن‬
‫القرآن نزل مفرقا منجما‪ ،‬ليحصل هنالك تدرج في األحكام والتشريعات‪ ،‬حتى تتروض النفوس وتتحمل التكاليف‬
‫صل‪ ،‬ف َيها ذ ْك ُر َ‬
‫الج َّن ِّة‬ ‫َّ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ َ ْ ُ ُ َ ٌ َ ُ َ‬
‫األخرى‪ ،‬وفي هذا يحضرنا قول عائشة ‪-‬رض ي هللا عنها‪"ِّ :-‬إن َما نزل أول ما نزل ِّمنه سورة ِّمن املف َّ ِّ ِّ ِّ‬
‫َ ُ ََ‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫الح َال ُل َو َ‬ ‫اس إ َلى اإل ْس َالم َن َز َل َ‬ ‫النار‪َ ،‬ح َّتى إ َذا َث َ‬
‫الح َر ُام‪َ ،‬ول ْو ن َز َل أ َّو َل ش ْي ٍء‪ :‬ال تش َرُبوا الخ ْم َر‪ ،‬ل َقالوا‪ :‬ال ن َد ُع‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اب َّ‬
‫الن ُ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َو َّ‬
‫َ ْ َ ََ ً َ َ ْ َ َ َ َ َ ُْ َ َ ُ َ َ َ ُ َ َ‬
‫الزنا أ َب ًدا"‬
‫الخمر أبدا‪ ،‬ولو نزل‪ :‬ال تزنوا‪ ،‬لقالوا‪ :‬ال ندع ِّ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫الحك ِّم والفوائد من نزول القرآن منجما‪ ،‬وال يمنع من ذكر حكم أخرى من نزول القرآن‬ ‫هذه إملاحة سريعة وأبرز ِّ‬
‫منجما‪.‬‬

‫‪- 42 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫✓ أول ما نزل من القرآن الكريم وآخرما نزل‬


‫هذه هي النقطة الخامسة في هذا العلم‪ ،‬علم نزول القرآن‪ .‬فما هي اآليات التي هي أول ما نزل من القرآن الكريم؟‬
‫هذه املسألة وردت صريحة في حديث عائشة أم املؤمنين‪-‬رض ي هللا عنها‪ -‬وذلك في قصة بداية الوحي‪ ،‬حيث قالت‪:‬‬
‫ْ َّ‬
‫ان ال َي َرى ُرؤ َيا ِّإال َج َاء ْت‬
‫َّ ْ َ َ َ َ‬ ‫َ َّ ُ‬
‫الص ِّال َحة ِّفي النو ِّم‪ ،‬فك‬
‫ْ‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ِّم َن ال َو ْح ِّي الرؤيا‬ ‫ل‬ ‫ىء به َر ُسو ُ‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ب‬‫" َأ َّو ُل َما ُ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫م ْث َل َف َلق ُّ‬
‫ات ال َعد ِّد ق ْب َل‬ ‫الص ْب ِّح‪ ،‬ث َّم ح ِّب َب ِّإل ْي ِّه الخال ُء‪ ،‬وكان يخلو ِّبغ ِّار ِّح َر ٍاء ف َيتحنث ِّف ِّيه‪ ،‬وهو التع ُّبد‪ ،‬الل َي ِّال َي ذو ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫امللكُ‬ ‫َ َ َ َ ُ َْ‬ ‫َ َ َ َ َ َ َ َّ ُ ْ َ َ َّ َ ُ ْ َ ُّ َ ُ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِّ‬ ‫ه‬ ‫اء‬‫ج‬ ‫ف‬ ‫؛‬‫اء‬ ‫ر‬
‫ِّ ٍ‬ ‫ح‬ ‫ار‬ ‫غ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫و‬‫ه‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫ح‬‫ال‬ ‫ه‬ ‫أ‬‫ج‬ ‫ف‬ ‫ى‬ ‫ت‬‫ح‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ث‬ ‫مل‬
‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫د‬ ‫و‬ ‫ز‬ ‫ت‬ ‫ي‬‫ف‬ ‫ة‬‫يج‬ ‫د‬
‫ِّ‬ ‫خ‬ ‫إلى‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ث‬ ‫‪،‬‬‫ك‬ ‫ل‬ ‫ذ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫و‬ ‫ز‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ه‬ ‫أ‬ ‫إلى‬ ‫ع‬ ‫ز‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫أ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ َ ُ َّ َ ْ َ َ َ َ َ ِّ ْ َ ْ ٍ ُ ْ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ َ َ َّ َ َّ َ َ‬
‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ِّ ْ َ ْ َ َ َ َ‬
‫فقال اقرأ‪ ،‬قال‪ :‬ما أنا ِّبق ِّاري ٍء‪ ،‬قال‪ :‬فأخذ ِّني فغط ِّني حتى بلغ ِّم ِّني الجهد ثم أرسل ِّني فقال‪ :‬اقرأ قلت‪ :‬ما أنا ِّبق ِّاري ٍء‪،‬‬
‫َ َ َ َ َ َ َّ َّ َ َ ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ َ َ َ َ َّ َّ َ َ َ َّ َ َ َ َّ ْ َ ْ َ ُ َّ َ ْ َ َ َ َ َ ْ ْ َ ْ‬
‫ال‪ :‬اق َرأ‪ ،‬ف ُقل ُت‪َ :‬ما أنا ِّب َق ِّاري ٍء‪ ،‬فأخذ ِّني فغط ِّني الث ِّالثة ث َّم‬ ‫فأخذ ِّني فغط ِّني الثا ِّنية حتى بلغ ِّمني الجهد ثم أرسل ِّني فق‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫نس َ‬ ‫ْ‬
‫اسم َرب َك َّالذي َخ َل َق )‪َ (1‬خ َل َق اإل َ‬ ‫ال‪ْ ( :‬اق َ ْرأ ب ْ‬ ‫َْ َ َ ََ‬
‫ان ِّم ْن َعل ٍق )‪ (2‬اق َرأ َو َر ُّب َك األك َر ُم )‪ (3‬ال ِّذي َعل َم‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫َ‬ ‫ق‬‫أرسل ِّني ف‬
‫َ َّ َ ْ َ َ َ َ ْ ِّ َ ْ َْ‬ ‫ََْ‬
‫اإلنسان ما لم يعلم)‪ "...) (5‬الحديث‪ .‬فهذه خمس آيات من أوائل سورة العلق‪ ،‬وهذه هي أول ما‬ ‫ِّ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫(‬ ‫‪4‬‬ ‫)‬ ‫م‬‫ِّبالق ِّ‬
‫ل‬
‫نزل من القرآن‪ ،‬وليست سورة العلق كاملة‪ .‬هذا الحديث صحيح صريح بأول ما نزل بذكر الحادثة التي تدل داللة‬
‫قاطعة بأن هذه اآليات هي أول ما نزل من القرآن‪.‬‬
‫إذا قررنا هذا يعترضنا حديث ويشكل علينا حديث آخر وهو حديث جابر بن عبد هللا ‪-‬رض ي هللا عنهما‪ -‬يخالف‬
‫داللة حديث عائشة ‪-‬رض ي هللا عنها‪ -‬السابق ذكره‪ ،‬فننظر ما هو هذا الحديث الذي يخالف وينافي داللة حديث‬
‫عائشة بأن أوائل سورة العلق هي أول ما نزل من القرآن‪ ،‬والحديث في صحيح مسلم والراوي جابر بن عبد هللا ‪-‬‬
‫سألت َ‬ ‫ُ‬ ‫فق ُ‬ ‫املدث ُر‪ُ ،‬‬ ‫قال‪ :‬يا ُّأيها َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أي القرآن ُأ ْنز َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ َ‬ ‫سأ ُ‬ ‫َ‬
‫جابر‬ ‫لت‪ِّ :‬أو اقرأ؟ فقال‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫؟‬ ‫قبل‬ ‫ل‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫‪:‬‬ ‫مة‬ ‫سل‬ ‫أبا‬ ‫لت‬ ‫رض ي هللا عنه‪ -‬قال‪" :‬‬
‫ُ َّ َّ‬ ‫َّ َ‬ ‫ُُ‬ ‫لت‪ :‬أو اقرأ؟ َ‬ ‫فق ُ‬ ‫املدث ُر‪ُ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫قبل؟ َ‬ ‫ُ‬
‫القرآن أ ْنز َل ُ‬ ‫أي ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫اّلل صلى‬‫أحدثكم ما حدثنا رسول ِّ‬ ‫جابر ‪ِّ :‬‬‫قال ٌ‬ ‫قال‪ :‬يا ُّأيها ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫اّلل ُّ‬
‫عبد ِّ‬ ‫بن ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫بطنت َ‬ ‫فاست ُ‬ ‫َ‬ ‫ضيت جواري َنز ُ‬ ‫فلما َق ُ‬ ‫جاور ُت ب ِّحر ٍاء َش ْه ًرا ‪َّ ،‬‬ ‫قال " َ‬ ‫وسل َم‪َ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ ُ َ‬
‫فنظرت‬ ‫نوديت‬ ‫بطن الوادي‪ ،‬ف‬ ‫لت‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫اّلل عل ِّيه‬
‫عت رأس ي ‪،‬‬ ‫فرف ُ‬‫ُ َ‬
‫ثم نوديت‬ ‫أحدا ‪َّ ،‬‬ ‫فنظرت فلم َأر ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫نوديت‬ ‫أحدا ‪َّ ،‬‬
‫ثم‬ ‫وعن شمالي‪َ ،‬فلم َأر ً‬ ‫أمامي وخلفي‪ ،‬وعن َيميني‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫خديجة ‪ُ ،‬‬
‫فق ُ‬ ‫فأت ُ‬‫ٌ َ‬ ‫ٌ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫لت ‪ِّ :‬دثروني‬ ‫يت‬ ‫الم ) فأخذتني َرجفة شديدة ‪،‬‬ ‫الس ُ‬ ‫عليه َّ‬
‫جبريل ِّ‬ ‫الهواء َ(يعني‬
‫ِّ‬ ‫رش في‬
‫ِّ‬
‫على َ‬
‫الع‬ ‫فإذا هو‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫ُ ُ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ماء ‪ ،‬فأنز َل َّ ُ‬ ‫فدثروني ‪َ ،‬ف ُّ‬ ‫َّ‬
‫وجل ‪َ :‬يا أ ُّي َها امل َّد ِّث ُر ق ْم فأن ِّذ ْر َو َر َّب َك فك ِّب ْر َو ِّث َي َاب َك فط ِّه ْر [ املدثر ‪/‬آية‬ ‫عز َّ‬ ‫اّلل َّ‬ ‫علي ً‬‫صبوا َّ‬ ‫‪،‬‬
‫‪ ." [ 4 - 1‬الحديث رواه االمام مسلم‪.‬‬
‫في كال الحديثين النبي صلى هللا عليه وسلم لم يصرح بأول ما نزل من القرآن آية كذا أو سورة كذا‪ ،‬وإنما هاتان‬
‫الحادثتان من خالل ما استنبط العلماء في أول ما نزل‪ .‬فجابر رض ي هللا عنه أخبر بما توصل اليه علمه وبما علم‬
‫من حال النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وبما يذكر من قوله عليه الصالة والسالم‪.‬‬

‫‪- 43 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫فلننظر ونتأمل في هذين الحديثين‪ ،‬وفي دالالتهما حتى نجمع بين القولين أو نرجح من خاللهما‪ ،‬ولكن إذا تأملنا في‬
‫هذين الحديثين وتلك الحادثتان يترجح حديث عائشة رض ي هللا عنها في أن أول ما نزل على اإلطالق أوائل سورة‬
‫العلق‪ .‬فما هي هذه املرجحات؟ نذكرها في املحاضرة التالية ان شاء هللا تعالى‪.‬‬
‫وفق هللا الجميع ملا يحب ويرض ى‪ ،‬وصلى هللا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات ‪ :‬أخت في هللا‬
‫قام باملراجعة األولى والتدقيق‪ :‬خلدون األتاس ي‬
‫قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي‪ :‬رئيفة درويش‬
‫اإلشراف العام على فريق العمل‪ :‬رئيفة درويش‬

‫‪- 44 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫علوم القرآن‬
‫د‪ .‬عمرعبد العزيزالدهيش ي‬
‫املحاضرة التاسعة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العاملين‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‬
‫وبعد‪ ،‬أحيي الجميع بتحية اإلسالم‪ ،‬السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪ ،‬وأسأل هللا عز وجل لي ولكم التوفيق‬
‫والتسديد‪ ،‬وأسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح‪ ،‬نواصل الحديث حول مسألة‪ :‬أول ما‬
‫نزل من القرآن‪ ،‬وقد ذكرت أن هناك حديثان نبويان صحيحان في أول ما نزل‪ ،‬وقد اجتهد العلماء رحمهم هللا تعالى‬
‫في الجمع بين هذين الحديثين والتأمل في هذين الحديثين‪ ،‬وخلصوا إلى أن أول ما نزل من القرآن على اإلطالق أوائل‬
‫سورة العلق‪ ،‬بداللة حديث عائشة ‪-‬رض ي هللا تعالى عنها‪.-‬‬
‫ترجح حديث عائشة ‪-‬رض ي هللا تعالى عنها‪ -‬في أن أول ما نزل من القرآن هو أول‬ ‫بعضا من املرجحات التي ِّ‬ ‫ولنذكر ً‬
‫ِ‬
‫خمس آيات من سورة العلق‪ ،‬على حديث جابر ‪-‬رض ي هللا تعالى عنه‪ -‬وفيه أن أول ما نزل سورة املدثر‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -‬أوال‪ :‬قول النبي صلى هللا عليه وسلم في غار حراء‪" :‬ما أنا بقارئ" ثالثا‪ ،‬يدل ‪ -‬وهللا أعلم ‪ -‬على أنه هو أول‬
‫ُْ‬ ‫َ ُْ‬
‫األمر‪ ،‬أما في حديث جابر فأنزل هللا تعالى‪{َ :‬يا أ ُّي َها امل َّد ِّث ُر} [امل َّد ِّث ِّر‪ ]1 :‬من دون مراجعة من النبي صلى هللا عليه‬
‫تاليا للنزول األول‪ ،‬فالنبي صلى هللا عليه وسلم اعتاد على‬ ‫وسلم من نفي أو استفهام‪ ،‬يدل على أن هذا النزول ً‬
‫َ َ ُّ َ ْ ُ َّ ُ ْ‬
‫[املُ َّ‬
‫اجعة من النبي صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫بدو‬ ‫]‬‫‪1‬‬ ‫‪:‬‬‫ر‬‫نزوله فنزلت {يا أيها املد ِّثر} ِّ ِّ‬
‫ث‬ ‫د‬
‫ثانيا‪ :‬قوله صلى هللا عليه وسلم في حديث عائشة ‪-‬رض ي هللا تعالى عنها‪" :-‬لقد خشيت على نفس ي"‪ ،‬والخوف‬ ‫ً‬ ‫‪-‬‬
‫والخشية ال يكونان إال بعد حصول ما هو مستغرب ومخالف للعادة‪ ،‬وملا لم يحصل أي من ذلك في حديث‬
‫ْ َ‬ ‫ََ‬ ‫َّ‬ ‫{اق َ ْرأ ب ْ‬
‫اس ِّم َرِّب َك ال ِّذي خل َق} [ال َعل ِّق‪]1 :‬‬
‫ْ‬
‫جابر ‪-‬رض ي هللا تعالى عنه‪ -‬يدل على أن حديث عائشة في أول ما نزل‬
‫ِّ‬
‫هو أول ما نزل على اإلطالق‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬ثالثا‪ :‬قوله صلى هللا عليه وسلم في قصة نزول أول املدثر‪" :‬ثم فترعني الوحي فترة"‪ ،‬يدل كذلك على أنه قد‬
‫سبق وأن جاءه قبل ذلك‪.‬‬
‫ابعا‪ :‬قوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬فإذا امللك الذي جاءني بحراء"‪ ،‬نص على أولية قصة غار حراء التي من‬ ‫‪ -‬ر ً‬
‫خاللها نزل عليه أوائل سورة العلق‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬قوله صلى هللا عليه وسلم في حديث جابر‪" :‬فحمي الوحي وتتابع" يدل على تأخر الحادثة‪ ،‬وأنها كانت‬ ‫ً‬ ‫‪-‬‬
‫بعد فترة الوحي‪.‬‬

‫‪- 45 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫ومن خالل ما سبق يترجح ‪ -‬وهللا أعلم ‪ -‬أن أول ما نزل من القرآن على اإلطالق هو أوائل سورة العلق‪ ،‬وفي هذا‬
‫حكمة؛ حيث إن هذه اآليات الخمس اشتملت على مقاصد القرآن‪ ،‬فهي منحصرة في علوم التوحيد واألخبار‬
‫ْ َ‬ ‫ََ‬ ‫َّ‬ ‫{اق َ ْرأ ب ْ‬
‫اس ِّم َرِّب َك ال ِّذي خل َق} [ال َعل ِّق‪ ،]1 :‬وفي‬
‫ْ‬
‫واألحكام‪ ،‬وقد اشتملت على األمر بالقراءة والبداءة فيها‪ ،‬بـ "باسم هللا"‬
‫ِّ‬
‫هذا إشارة إلى األحكام‪ ،‬وفيها ما يتعلق بتوحيد الرب وإثبات ذاته وصفاته‪ ،‬وفي هذا إشارة إلى أصول الدين‪ ،‬وفيها ما‬
‫ً‬ ‫يتعلق باألخبار‪ ،‬وفيها ً‬
‫أيضا براعة االستهالل‪ ،‬فهذه الحكمة – وهللا أعلم ‪ -‬من نزول هذه اآليات أوال‪.‬‬
‫✓ آخرما نزل من القرآن الكريم‬
‫نأتي اآلن إلى آخر ما نزل من القرآن‪ .‬قررنا أن أول ما نزل هي أوائل سورة العلق‪ ،‬لكن ما آخر ما نزل من القرآن؟‬
‫ً‬
‫‪ُ -‬روي عن النبي صلى هللا عليه وسلم حديث مرفوع أنه عليه الصالة والسالم قال‪" :‬املائدة من آخر القرآن تنزيال‪،‬‬
‫ُّ‬
‫فأحلوا حاللها‪ ،‬وحرموا حرامها"‪ ،‬إال أن الحديث مرسل وضعفه العلماء‪ ،‬وعلى فرض صحته فيحمل على أن سورة‬
‫ً‬
‫املائدة من أواخر السور نزوال كما يدل عليه نص األثر "من آخر"‪ ،‬وليست آخره‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫وللعلماء في آخرما نزل من القرآن كله أقوال منها‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬روي عن عمر بن الخطاب ‪-‬رض ي هللا تعالى عنه‪ -‬وابن عباس ‪-‬رض ي هللا تعالى عنهما‪ -‬أن آخر ما نزل‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫الرَبا ِّإ ْن ك ْن ُت ْم ُمؤ ِّم ِّن َين} [ال َب َق َر ِّة‪،]278 :‬‬ ‫اّلل َو َذ ُروا َما َبق َي م َ‬
‫ن‬ ‫آية الربا‪ ،‬وهي قوله تعالى‪{َ :‬يا َأ ُّي َها َّالذ َ‬
‫ين َآم ُنوا َّات ُقوا َّ َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ً‬
‫ومن األدلة على ذلك‪ :‬ما رواه البخاري رحمه هللا في باب‪ :‬واتقوا يوما ترجعون فيه إلى هللا‪ ،‬عن ابن عباس ‪-‬رض ي هللا‬
‫تعالى عنهما‪ -‬قال‪ :‬آخر آية نزلت على النبي صلى هللا عليه وسلم آية الربا‪.‬‬
‫وكذلك ما رواه اإلمام أحمد في مسنده‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬والبيهقي عن سعيد بن املسيب ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬قال عمر رض ي‬
‫هللا عنه‪" :‬إن آخر ما نزل من القرآن آية الربا‪ ،‬وإن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قبض ولم يفسرها‪ ،‬فدعوا الربا‬
‫والريبة"‪ ،‬وفي لفظ‪" :‬إن من آخر ما أنزل آية الربا"‪ ،‬هذا هو القول األول‪.‬‬
‫اّلل ُث َّم ُت َو َّفى ُك ُّل َن ْ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ َّ ُ َ ْ ُ َ ُ َ‬
‫س َما‬ ‫ٍ‬ ‫ف‬ ‫القول الثاني‪ :‬أن آخر ما نزل من القرآن هو قوله تعالى‪{ :‬واتقوا يو ًما ت ْرجعون ِّف ِّيه ِّإلى ِّ‬
‫َ َْ َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ك َس َب ْت َو ُه ْم ال ُيظل ُمون} [ال َبق َر ِّة‪ ،]281 :‬واستدل أصحاب هذا القول بأدلة منها‪ :‬ما رواه النسائي والبيهقي من طريق‬
‫ْ َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ َّ ُ َ ْ ُ َ ُ َ‬
‫اّلل}" [ال َبق َر ِّة‪:‬‬ ‫عكرمة عن ابن عباس ‪-‬رض ي هللا عنهما‪ -‬قال‪" :‬آخر ش يء نزل من القرآن‪{ :‬واتقوا يو ًما ت ْرجعون ِّف ِّيه ِّإلى ِّ‬
‫َ َّ ْ‬ ‫َ َّ ُ َ ْ ُ َ ُ َ‬
‫اّلل} [ال َب َق َر ِّة‪:‬‬ ‫‪ ،]281‬ورواه الطبري بلفظ‪ :‬آخر آية نزلت على النبي صلى هللا عليه وسلم‪{ :‬واتقوا يو ًما ت ْرجعون ِّف ِّيه ِّإلى ِّ‬
‫‪.]281‬‬
‫القول الثالث‪ :‬إن آخر ما نزل من القرآن آية الدين‪ ،‬وهي أطول آية في القرآن الكريم‪ ،‬وهي قوله سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َ َ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ َ َ ُ َ ًّ َ ْ ُ ُ ُ ْ َ‬
‫وه} [ال َبق َر ِّة‪ ،]282 :‬واستدل أصحاب هذا القول بما‬ ‫{يا أيها ال ِّذين آمنوا ِّإذا تداينتم ِّبدي ٍن ِّإلى أج ٍل مسمى فاكتب‬

‫‪- 46 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫سالم في الفضائل‪ ،‬عن ابن شهاب قال‪" :‬آخر القرآن ً‬ ‫َّ‬


‫عهدا بالعرش آية الربا وآية‬ ‫أخرجه أبو عبيد القاسم بن‬
‫الدين"‪.‬‬
‫الرَبا}‬ ‫اّلل َو َذ ُروا َما َبق َي م َ‬
‫ن‬ ‫ين َآم ُنوا َّات ُقوا َّ َ‬ ‫وإذا تأملنا هذه األقوال الثالثة‪ ،‬وهي‪ :‬أن آخر ما نزل آية الربا َ{يا َأ ُّي َها َّالذ َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫اّلل} [ال َب َق َرة‪ ،]281 :‬وقوله تعالى‪{َ :‬يا أ ُّي َها الذ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ َّ ُ َ ْ ُ َ ُ َ‬ ‫ََْ‬
‫ين‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫[البق َر ِّة‪ ،]278 :‬وقوله سبحانه وتعالى‪{ :‬واتقوا يو ًما ت ْرجعون ِّف ِّيه ِّإلى ِّ‬
‫َ ُ َ َ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ َ َ ُ َ ًّ َ ْ ُ ُ ُ ْ‬
‫وه} [ال َب َق َر ِّة‪ ،]282 :‬يمكن أن نجعلها بمثابة قول واحد‪ ،‬فنجمع هذه‬ ‫آمنوا ِّإذا تداينتم ِّبدي ٍن ِّإلى أج ٍل مسمى فاكتب‬
‫األقوال الثالثة في قول واحد‪ ،‬فهذه اآليات الثالث التي نص ثلة من العلماء أنها آخر ما نزل هي آيات متتابعة في‬
‫اّلل َو َر ُس ِّول ِّه‪}...‬‬
‫َ َّ‬ ‫اّلل َو َذ ُروا َما َبق َي م َن َ َ ْ َ َ ْ َ ُ َ ْ َ ُ َ‬ ‫سورة البقرة‪{َ ،‬يا َأ ُّي َها َّالذ َ‬
‫ين َآم ُنوا َّات ُقوا َّ َ‬
‫الربا * ف ِّإن ل ْم تفعلوا فأذنوا ِّبح ْر ٍب ِّمن ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ََْ‬
‫اّلل} [ال َبق َر ِّة‪ ،]281 :‬ثم قال‬ ‫[البق َر ِّة‪ ،]278،279 :‬ثم بعد آية قال هللا عز وجل‪{ :‬واتقوا يو ًما ت ْرجعون ِّف ِّيه ِّإلى ِّ‬
‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َ َ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ َ َ ُ َ ًّ َ ْ ُ ُ ُ ْ َ‬
‫وه} [ال َبق َر ِّة‪ ،]282 :‬فهذه اآليات آيات متتابعة‬ ‫سبحانه‪{ :‬يا أيها ال ِّذين آمنوا ِّإذا تداينتم ِّبدي ٍن ِّإلى أج ٍل مسمى فاكتب‬
‫في سورة البقرة‪ ،‬فالقول فيها بمثابة قول واحد‪ ،‬وكل ر ٍاو يذكربعض آخرما نزل‪ ،‬كذلك أن ابن عباس ‪-‬رض ي هللا‬
‫َ َّ ْ‬ ‫َ َّ ُ َ ْ ُ َ ُ َ‬
‫اّلل} [ال َب َق َر ِّة‪ ،]281 :‬وروي عنه كذلك‬ ‫عنهما ‪-‬روي عنه القول بأن آخر ما نزل آية‪{ :‬واتقوا يو ًما ت ْرجعون ِّف ِّيه ِّإلى ِّ‬
‫القول بأن آخر ما نزل آية الربا‪ ،‬فالجمع بين الروايتين عن ابن عباس أولى من إبطال أحدهما‪.‬‬
‫فالراجح ‪ -‬وهللا تعالى أعلم ‪ -‬أن هذه اآليات الثالث هي آخرما نزل من القرآن‪.‬‬
‫ََْ َ‬ ‫َ ْ َ ْ ُ َ َ ُ َّ ُ ُ ْ ُ‬
‫[الن َس ِّاء‪ ،]176 :‬واستدل‬ ‫وقيل‪ :‬إن آخر ما نزل من القرآن هي قوله تعالى‪{ :‬يستفتونك ق ِّل اّلل يف ِّتيك ْم ِّفي الكالل ِّة} ِّ‬
‫أصحاب هذا القول بما رواه البخاري عن البراء ‪-‬رض ي هللا تعالى عنه‪ -‬قال‪" :‬آخر سورة نزلت براءة‪ ،‬وآخر آية نزلت‬
‫يستفتونك"‪ ،‬وعند اإلمام مسلم عن البراء‪" :‬آخر آية أنزلت آية الكاللة‪ ،‬وآخر سورة أنزلت براءة"‪ ،‬وفي لفظ آخر‪:‬‬
‫"سورة أنزلت كاملة"‪ ،‬ويمكن أن يجاب عن هذا بحمل املراد على أنه آخرما نزل في املواريث‪ ،‬وأن مراد البراء ‪-‬رض ي‬
‫هللا تعالى عنه‪ -‬بقوله‪ :‬آخر ما نزل‪ ،‬أنه في موضوع محدد من موضوعات القرآن‪ ،‬وهو علم املواريث‪ ،‬فيقال ويوجه‬
‫قول البراء بأن آخر ما نزل في املواريث وليس آخر ما نزل من القرآن على اإلطالق‪ ،‬فهي مقيدة وليست مطلقة‪ ،‬وقيل‬
‫غير ذلك من األقوال‪ ،‬ولكن هذه األقوال كلها ترتبط بموضوعات محددة فينص الصحابي أو التابعي على أنها آخر‬
‫ما نزل من القرآن في ذلك املوضوع وفي ذلك العلم‪.‬‬
‫أما آخر ما نزل من القرآن على اإلطالق‪ ،‬من األحكام والقصص واألخبار وغيرها‪ ،‬هي قوله سبحانه وتعالى‪{َ :‬يا‬
‫اّلل َو َر ُس ِّول ِّه‬
‫َ َّ‬ ‫َ َ ْ ُ ُْ ُ ْ َ َ ْ َ َ ْ َُ َْ َُ َ‬ ‫َ َّ َ َ ُ َّ ُ َّ َ َ َ َ َ‬
‫أ ُّي َها ال ِّذين آمنوا اتقوا اّلل وذ ُروا ما ب ِّق َي ِّمن ال ِّربا ِّإن كنت ْم مؤ ِّم ِّنين * ف ِّإن ل ْم تفعلوا فأذنوا ِّبح ْر ٍب ِّمن ِّ‬
‫َ ْ ُْ ُ ْ ََ ُ ْ ُ ُ ُ َ ْ َ ُ ْ َ َ ْ ُ َ ََ ُ َْ ُ َ َ ْ َ َ ُ ُ ْ َ َ َ َ ٌ َ َ ْ َ َ ََ ْ َ َ ُ َ َ ُ‬
‫ص َّدقوا خ ْي ٌر لك ْم‬ ‫وِّإن تبتم فلكم رءوس أمو ِّالكم ال تظ ِّلمون وال تظلمون * وِّإن كان ذو عسر ٍة فن ِّظرة ِّإلى ميسر ٍة وأن ت‬
‫ين َآم ُنوا‬ ‫اّلل ُث َّم ُت َو َّفى ُك ُّل َن ْفس َما َك َس َب ْت َو ُه ْم َال ُي ْظ َل ُمو َن * َيا َأ ُّي َها َّالذ َ‬‫َ َّ‬
‫ى‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫يه‬ ‫ف‬
‫ْ ُ ْ ُ ْ َ ْ َ ُ َن َ َّ ُ َ ْ ً ُ ْ َ ُ َ‬
‫ن‬ ‫ِّإن كنتم تعلمو * واتقوا يوما ترجعو‬
‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫وه‪[ }...‬ال َبق َر ِّة‪ ،]282-278 :‬اآليات‪ .‬هذه آخر ما نزل من القرآن‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫إ َذا َت َد َاي ْن ُت ْم ب َد ْين إ َلى َأ َجل ُم َس ًّمى َف ْاك ُت ُب ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِّ ٍ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫‪- 47 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫نأتي اآلن إلى املوضوع السادس من موضوعات علم نزول القرآن‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫✓ نزول القرآن على النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬على سبعة أحرف‬
‫إن القرآن نزل على النبي صلى هللا عليه وسلم أول ما نزل والنبي صلى هللا عليه وسلم في مكة‪ ،‬وكان املسلمون آنذاك‬
‫قلة وغالبيتهم من قريش‪ ،‬أو من القبائل القريبة منها‪ ،‬فنزل القرآن بلغتهم‪ ،‬أي بلهجتهم أي بلسانهم؛ بلسان قريش‪،‬‬
‫وكانت الحال ال تستدعي تعدد األحرف‪ ،‬تعدد اللهجات‪ ،‬تعدد اللسان‪ ،‬ولكن بعد هجرة املصطفى صلى هللا عليه‬
‫وسلم إلى املدينة أصبحت املدينة مركز اإلسالم ومأرز اإليمان‪ ،‬وبدأ القوم يهاجرون إليها من أصقاع األرض‪ ،‬من‬
‫أنحاء جزيرة العرب ومن خارج جزيرة العرب‪ ،‬بدأ القوم يهاجرون إليها‪ ،‬فاجتمع في املدينة أصناف من قبائل العرب‪،‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫أفواجا‪ ،‬فأصبح من الصعوبة بمكان‬ ‫وش ِّرع حينها جهاد الكفار واملشركين‪ ،‬فبدأ الناس يدخلون في دين هللا تعالى‬
‫أن يقرأ أولئك القوم القرآن بلغة قريش؛ ألنهم اعتادت ألسنتهم على لهجتهم التي يتكلمون بها‪ ،‬فيصعب عليهم‬
‫حينئذ أن يقرأوا القرآن بلسان قريش وبلهجة قريش‪ ،‬فسأل النبي صلى هللا عليه وسلم وهو الرحيم بأمته عليه‬
‫الصالة والسالم ‪ -‬سأل ربه التخفيف والتيسير على أمته‪ ،‬وحصلت اإلجابة من هللا عز وجل بنزول جبريل عليه‬
‫السالم ومعه ميكائيل‪.‬‬
‫وقد ورد تفسير ذلك في سنن النسائي‪ ،‬ففي حديث أنس ‪-‬رض ي هللا تعالى عنه‪ ،-‬عن أبي بن كعب ‪-‬رض ي هللا تعالى‬
‫عنه‪ -‬قال‪" :‬ما حاك في صدري منذ أسلمت إال أني قرأت آية وقرأها آخر غير قراءتي‪ ،‬فقلت أقرأنيها رسول هللا ‪-‬صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪ ،‬فأتيت النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فقلت‪ :‬يا نبي هللا أقرأتني آية كذا وكذا‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬وقال اآلخر‪:‬‬
‫ألم تقرئني آية كذا وكذا‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬ثم قال عليه الصالة والسالم‪ :‬إن جبريل وميكائيل أتياني‪ ،‬فقعد جبريل عن‬
‫يميني وميكائيل عن يساري‪ ،‬فقال جبريل‪ :‬اقرأ القرآن على حرف‪ ،‬قال ميكائيل‪ :‬استزده استزده‪ ،‬حتى بلغ سبعة‬
‫كاف"‪.‬‬
‫شاف ٍ‬‫حرف ٍ‬‫أحرف‪ ،‬فكل ٍ‬
‫وفي الصحيحين عن ابن شهاب‪ ،‬أن عمر بن الخطاب ‪-‬رض ي هللا تعالى عنه‪ -‬قال‪" :‬سمعت هشام بن حكيم يقرأ‬
‫سورة الفرقان في حياة النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فاستمعت لقراءته‪ ،‬فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها‬
‫َّ‬
‫فلب ْبته‬
‫سلم‪َّ ،‬‬ ‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فكدت أساوره في الصالة (أي‪ :‬كدت أثب عليه)‪ ،‬فتصبرت حتى‬
‫ُ‬
‫بردائه‪ ،‬فقلت‪ :‬من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ‪ ،‬قال‪ :‬أقرأنيها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫كذبت‪ ،‬فإن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت‪ ،‬فانطلقت به أقوده إلى رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪ ،‬فقلت‪ :‬إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها‪ ،‬فقال رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪" :‬أرسله‪ ،‬اقرأ يا هشام"‪ ،‬فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرآ‪ ،‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬

‫‪- 48 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫"كذلك أنزلت"‪ .‬ثم قال‪" :‬اقرأ يا عمر"‪ ،‬فقرأت القراءة التي أقرأني‪ ،‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬كذلك‬
‫ُ‬
‫أنزلت‪ ،‬إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه"‪.‬‬
‫والذي يفهم من قوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬ما تيسرمنه" أنها رخصة للقبائل التي كانت ال تستطيع أن تكره ألسنتها‬
‫على لهجة قريش أو على اللهجة األصلية فيصعب عليها‪ ،‬فجاء التيسير والتخفيف من رب العاملين لهذه األمة‬
‫املرحومة‪ ،‬ولهذا واستجابة لدعوات نبيها أشرف األنبياء وخير املرسلين صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فدل هذان الحديثان‬
‫على أن عدد الحروف سبعة‪ ،‬ويقصد به العدد املعروف الذي بين الستة والثمانية‪ ،‬وأن أي حرف منها يعد قر ًآنا‪،‬‬
‫وبأيها قرأ القارئ فهو مصيب‪ ،‬هذه هي حقيقة األحرف السبعة‪.‬‬
‫تعريف األحرف السبعة‪:‬‬
‫يمكن تعريف األحرف السبعة بأنها‪ :‬وجوه قرائية متعددة متغايرة منزلة‪ .‬إذن‪ ،‬هذه األحرف هي (وجوه قرائية) من‬
‫َ َّ َ‬
‫ات ت ْج ِّري ِّم ْن‬ ‫ُّ َ‬ ‫ُّ َ‬
‫القراءة من التالوة هذا يقرأ‪َ { :‬والضحى}‪ ،‬وهذا يقرأ‪َ { :‬والضحى} باإلمالة‪ ،‬هذا يقرأ قوله سبحانه‪{ :‬جن ٍ‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫َ ْ ْ َْ‬
‫ات ت ْج ِّري ت ْح َت َها األ ْن َه ُار} فهي وجوه قرائية متعددة‪ ،‬وهي كذلك‬
‫تح ِّت َها األن َه ُار} في سورة التوبة‪ ،‬وذاك يقرأ‪{ :‬جن ٍ‬
‫(متغايرة)‪ ،‬وكلها (منزلة) قد تصل إلى سبعة أوجه في الكلمة الواحدة وال تتعداها‪ ،‬كما في قوله سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫َ َ َ َ َّ ُ َ ْ َ‬ ‫ُ‬
‫وت} [املا ِّئ َد ِّة‪ ،]60 :‬ورد فيها سبعة‬‫{أف} [اإلسراء‪ ]23 :‬ورد فيها سبعة أوجه‪ ،‬كذلك في قوله عز وجل‪{ :‬وعبد الطاغ‬
‫أوجه‪ ،‬قد تصل هذه األوجه املتعددة املتغايرة إلى سبعة أوجه في الكلمة وال تتعداها‪ ،‬بأيها قرأت أيها القارئ تكون‬
‫قد قرأت قر ًآنا‪ ،‬فهي وجوه قرآئية متعددة متغايرة منزلة‪ ،‬قد تصل إلى سبعة أوجه في الكلمة وال تتعداها‪ ،‬بأيها قرأت‬
‫ً‬
‫قدموا‬ ‫تكون قرأت قرآنا‪ ،‬هذا هو تعريف هذه األحرف السبعة‪ ،‬وهذا ظاهر إذا نظرنا في حال أولئك القوم الذين ِّ‬
‫إلى املدينة‪ ،‬وقد تعودت ألسنتهم على لهجة وعلى لسان معين‪ ،‬فينزل القرآن بالتخفيف والتيسير‪ ،‬بأنه يجوز لك‬
‫أن تقرأ القرآن على لهجتك وبلسانك الذي اعتدت عليه‪.‬‬
‫هنا نقطة مهمة يجب أن ننتبه لها وهي‪ :‬أن هذه األحرف السبعة ليست هي القراءات السبع‪ ،‬فبينهما اختالف‪،‬‬
‫فاألحرف السبعة هذه كانت في عهد النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ثم بعد ذلك حصل نسخ لبعض تلك األحرف؛ كما‬
‫هو فيه داللة من عرض جبريل عليه السالم للنبي صلى هللا عليه وسلم في آخر حياته القرآن مرتين‪ ،‬وفيه إشارة‬
‫وداللة على أن هذه العرضة ‪ -‬وهللا أعلم ‪ -‬هي التي ستبقى؛ ولهذا اعتمد عليها الصحابة‪ ،‬على تلك العرضة األخيرة‬
‫التي عارض جبريل فيها النبي عليه الصالة والسالم القرآن مرتين‪ ،‬وذلك في آخر سنة من حياته عليه الصالة‬
‫والسالم‪ ،‬فعليه جمع أبو بكر ‪-‬رض ي هللا تعالى عنه‪ -‬القرآن في مصحف واحد‪ ،‬وبقي عند عمر‪ ،‬ثم بعد عمر ‪-‬رض ي‬
‫هللا تعالى عنه‪ ، -‬انتقل إلى بيت ابنته حفصة‪ ،‬ثم بعد ذلك طلبه عثمان فنسخ هذا املصحف في مصاحف‪ ،‬وقام‬
‫وعندئذ اختلفت القراءة‪ ،‬فاألحرف هي ما ورد في العرضة األخيرة التي عارض جبريل فيها‬
‫ٍ‬ ‫بتوزيعه على األمصار‪،‬‬

‫‪- 49 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫النبي صلى هللا عليه وسلم‪ُ ،‬‬


‫فجمع القرآن في عهد أبي بكر‪ ،‬ثم قام عثمان ‪-‬رض ي هللا تعالى عنه‪ -‬بنسخ هذا املصحف‬
‫عندئذ اختلفت القراءات‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫وتوزيعه‪ ،‬فأصبح هذا الرسم وهذا املصحف هو األساس والعمدة في الرجوع إلى القرآن‪،‬‬
‫ً‬ ‫وبعد ً‬
‫تقريبا ثالثة قرون جاء ابن مجاهد واختار سبعة من القراء استحسن قراءتهم واختار قراءتهم من بين قراءات‬
‫غيرهم‪ ،‬فنشأ عندنا القراءات السبع‪ ،‬فهناك فرق بين األحرف السبعة والقراءات السبعة‪ ،‬فالقراءات السبعة‬
‫ليست كل األحرف السبعة‪ ،‬ولكن هي بعض من األحرف السبعة‪.‬‬
‫اكتفي بهذه اإلشارة السريعة حول عالقة األحرف السبعة بالقراءات السبع أو القراءات العشر أو القراءات الثالثة‬
‫عشر‪.‬‬
‫وفق هللا الجميع ملا يحب ويرض ى‪ ،‬وصلى هللا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات ‪ :‬منيرة فهد‬
‫قام باملراجعة األولى والتدقيق‪ :‬أحمد عبد الرحمن‬
‫قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي‪ :‬رئيفة درويش‬
‫اإلشراف العام على فريق العمل‪ :‬رئيفة درويش‬

‫‪- 50 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫علوم القرآن‬
‫د‪ .‬عمرعبد العزيزالدهيش ي‬
‫املحاضرة العاشرة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬والحمد هلل رب العاملين‪ ،‬وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‬
‫وبعد‪ ...‬هذه هي املحاضرة العاشرة ضمن مقرر علوم القرآن في برنامج السعدي‪ .‬أحيي الجميع بتحية اإلسالم‪،‬‬
‫السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪ ،‬وبإذن هللا عز وجل سنتدارس في هذه املحاضرة علما جديدا‪ ،‬وهو علم أسباب‬
‫النزول‪.‬‬
‫‪ ‬علم أسباب النزول‬
‫بعد أن درسنا علم الوحي‪ ،‬ودلفنا بعده إلى علم نزول القرآن‪ ،‬وتكلمنا عن حقيقة نزول القرآن‪ ،‬ومتى نزل وكيف‬
‫نزل والحكمة من نزوله منجما‪ ،‬وكذلك أشرنا إشارة سريعة إلى موضوع نزول القرآن على األحرف السبعة‪ ،‬وحقيقة‬
‫هذا النزول‪ .‬نأتي اآلن إلى العلم الثالث من علوم القرآن وهو علم أسباب النزول‪.‬‬
‫القرآن الكريم ينزل بطريقين‪:‬‬
‫ابتداء من غير ارتباط بسبب من األسباب‪ ،‬وهذا هو األصل‪ ،‬وهو غالب القرآن الكريم‬ ‫ً‬ ‫‪ .1‬الطريق األول‪ :‬نزوله‬
‫َ‬ ‫ابتداء بدون سبب مثل قول هللا عز وجل‪ُ { :‬ق ْل ُه َو َّ ُ‬
‫اّلل أ َح ٌد * َّ ُ‬
‫الص َم ُد} [االخالص‪،]1،2:‬وقوله‬ ‫اّلل َّ‬ ‫ً‬ ‫أن ينزل‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ ُ َ َ َ َّ ُ َ ْ َ ُّ ْ َ ُّ ُ َ‬
‫ً‬
‫ابتداء‬ ‫وم ال َتأ ُخذ ُه ِّس َن ٌة َوال َن ْو ٌم} [البقرة‪ .]255:‬فغالب القرآن الكريم أنه ينزل‬ ‫تعالى‪{ :‬اّلل ال ِّإله ِّإال هو الحي القي‬
‫َ‬
‫بالحكم التي ذكرناها في املحاضرات املاضية‪.‬‬ ‫في وقته الذي قدر هللا عز وجل نزوله في الوقت املناسب لنزوله؛ ِّ‬
‫ابتداء بدون سبب‪.‬‬ ‫ً‬ ‫هذا هو األصل والغالب في القرآن أنه ينزل نزوال‬
‫‪ .2‬الطريق الثاني‪ :‬نزول القرآن بسبب‪ ،‬وهذه األسباب قد تكون بسبب سؤال‪ ،‬قد تكون حادثة‪ ،‬قد تكون نازلة‬
‫معينة؛ فينزل القرآن الكريم‪ .‬وهذه هي التي يسميها العلماء بأسباب النزول‪ ،‬وهي ما عناه املؤلفون في علوم‬
‫القرآن بأسباب النزول‪.‬‬
‫مثال‪ :‬حادثة اإلفك حصلت وبقي النبي صلى هللا عليه وسلم شهرا وهو ُينال من ِّعرضه عليه الصالة والسالم‪،‬‬
‫َّ َّ َ َ ُ ْ ْ ُ ْ ٌ ُ َ‬
‫ص َبة ِّم ْنك ْم ال‬ ‫واشتد ذلك عليه صلى هللا عليه وسلم فنزل قول هللا عز وجل ‪ِّ { :‬إن ال ِّذين جاءوا ِّب ِّ‬
‫اإلف ِّك ع‬
‫َ َُ‬ ‫َ ْ َ ُ ُ َ َُ‬
‫وه ش ًّرا لك ْم َب ْل ُه َو خ ْي ٌر لك ْم} [النور‪ ،]11:‬اآليات العشر في من سورة النور‪ .‬وهذه الحادثة هي سبب نزول‬ ‫تحسب‬
‫اآليات العشر التي في سورة النور‪.‬‬
‫هذا هو املراد سريعا بأسباب النزول‪.‬‬

‫‪- 51 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫اهتم العلماء ‪-‬رحمهم هللا‪ -‬بعلم أسباب النزول ‪ ،‬بل اجتهدوا في جمع أسباب النزول‪ ،‬وفي ضبطها‪ ،‬حتى قال ابن‬
‫مسعود رض ي هللا تعالى عنه‪" :‬والذي ال إله غيره ما نزلت آية إال وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت‪ ،‬ولو أعلم ً‬
‫أحدا‬
‫أعلم بكتاب هللا مني تبلغه املطايا –يعني الرواحل مثل اإلبل وغيرها‪ -‬ألتيته"‪ ،‬ومثل قول علي رض ي هللا تعالى عنه‪:‬‬
‫"أيها الناس سلوني قبل ان تفقدوني‪ .‬فوهللا ما بين لوحي املصحف آية تخفى علي‪ ،‬فيما أنزلت وال اين نزلت وال ما‬
‫عني بها"‪ .‬هذه اآلثار تدل على أن الصحابة رضوان هللا تعالى عليهم حريصون على جمع هذه األسباب‪ ،‬وعلى العلم‬
‫بهذه األسباب‪ ،‬كما سيأتي معنا بإذن هللا في األمثلة التي ستأتي في تضاعيف هذه املحاضرة واملحاضرات التي بعدها‪.‬‬
‫فالصحابة رضوان هللا عليهم اهتموا بهذه األسباب‪ ،‬وكذلك ‪ -‬من باب أولى‪ -‬من جاء بعدهم من التابعين وأتباعهم‬
‫إلى زمننا هذا‪.‬‬
‫تعريف أسباب النزول‪:‬‬
‫توصل به إلى غيره‪ ،‬والجمع أسباب‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫السبب في اللغة هو كل ش يء ُي‬
‫وسبب النزول في االصطالح‪ :‬هوما نزلت اآلية متحدثة عنه أيام وقوعه‪ ،‬ما نزلت اآلية أو اآليات أو السورة متحدثة‬
‫عنه‪ ،‬عن هذه الحادثة‪ ،‬أو عن هذا السؤال‪ ،‬أو عن هذه النازلة أيام وقوعه؛ ليخرج لنا ما نزل بعد وقوعه مثل‬
‫ص َحاب ْالفيل * َأ َل ْم َي ْج َع ْل َك ْي َد ُه ْم في َت ْ‬
‫ض ِّل ٍيل} [الفيل‪ .]1،2:‬هذه قصة الفيل‬ ‫ف َف َع َل َرُّب َك ب َأ ْ‬
‫ََ ْ َ َ َ ْ َ‬
‫قوله تعالى‪{ :‬ألم تر كي‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫وأصحاب الفيل كانت قبل بعثة النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فال نعد من أسباب نزول سورة الفيل قصة أصحاب‬
‫الفيل‪ ،‬كال؛ فالبد أن يكون نزول اآليات املتحدثة عن سبب النزول في أيام وقوعه في وقت وقوعه‪ ،‬وما قلنا في حال‬
‫وقوعه وإنما قلنا وقت وقوعه والذي قد يكون بعده بقليل‪ ،‬قد يكون بأيام‪ ،‬قد يكون بلحظات‪ ،‬قد يكون كذلك‬
‫بأشهر‪ ،‬كما هو واضح وظاهر في قصة حادثة اإلفك‪ .‬فسبب النزول هو ما نزلت اآلية متحدثة عنه أيام وقوعه‪،‬‬
‫ومعان متقاربة تؤدي‬
‫ٍ‬ ‫هذا هو تعريف سبب النزول في االصطالح‪ .‬وقيل غير ذلك ولكنها في الحقيقة أقوال متشابهة‬
‫نفس الغرض‪.‬‬
‫هذا السبب الذي نزل بسببه القرآن ونزلت بسببه اآليات قد يكون قوال‪ ،‬وقد يكون فعال‪ .‬وهذا القول قد يكون‬
‫ص َدر من النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وقد يكون صدر من الصحابة أو من غيرهم من املنافقين ومن أهل الكتاب‬ ‫َ‬
‫وغيرهم‪ .‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬أن النبي صلى هللا عليه وسلم كان يحب الوحي‪ ،‬وكان يفرح بنزوله عليه فقال لجبريل عليه السالم‪" :‬لو تأتينا‬
‫َ َ َّ َ‬
‫أكثر مما تأتينا"‪ ،‬فأنزل هللا عز وجل‪َ { :‬و َما ن َتن َّز ُل ِّإال ِّبأ ْم ِّر َرِّب َك} [مريم‪]64:‬؛ األمر ليس إلى جبريل وإنما هو من‬
‫عند هللا عز وجل‪.‬‬

‫‪- 52 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫كذلك‪ ،‬كان عند النبي صلى هللا عليه وسلم ذات يوم أحد صناديد قريش وكبارهم‪ ،‬وكان يدعوه إلى اإلسالم‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫فجاءه ابن أم مكتوم ‪،‬وهو رجل أعمى‪ ،‬فسأل النبي صلى هللا عليه وسلم أن يعلمه الدين‪ ،‬فأعرض النبي صلى‬
‫َّ َّ‬ ‫َ َ َ َ َ َ َّ َ ْ َ َ ُ ْ َ ْ َ َ َ ُ ْ َ َ َّ َّ‬
‫يك ل َعل ُه َي َّزكى * أو َيذك ُر‬ ‫هللا عليه و سلم عنه فأنزل هللا عز وجل‪{ :‬عبس وتولى * أن جاءه األعمى * وما يد ِّر‬
‫َََْ َ ُ ْ‬
‫الذك َرى} [عبس‪ ،]4-1:‬هذا الفعل صدر من النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فنزلت أوائل سورة عبس‪.‬‬ ‫فتنفعه ِّ‬
‫فالسبب قد يكون قوال أو فعال صدر من النبي ‪-‬صلى هللا عليه و سلم‪ ،-‬أو قد يكون صدر من الصحابة رضوان‬ ‫‪-‬‬
‫هللا تعالى عليهم‪ ،‬واألمثلة على ذلك كثيرة‪ .‬أنا ال أريد أن أكثر من األمثلة‪ ،‬لكن لعلنا نؤكد على بعض األمثلة التي‬
‫تتكرر معنا بين الحين واآلخر‪ ،‬كما جاء في قصة عائشة رض ي هللا تعالى عنها في نزول آيات حادثة اإلفك‪.‬‬
‫ُْْ‬ ‫َّ َ َ ْ ُ َ ْ ُ َّ‬
‫ون املط ِّو ِّع َين ِّم َن املؤ ِّم ِّن َين ِّفي‬ ‫ص َدر من املنافقين عندما قال هللا عز وجل‪{ :‬ال ِّذين يل ِّمز‬ ‫كذلك قد يكون السبب َ‬ ‫‪-‬‬
‫يم} [التوبة‪.]79:‬‬ ‫اب َأ ِّل ٌ‬ ‫اّلل ِّم ْن ُه ْم َو َل ُه ْم َع َذ ٌ‬ ‫ين َال َيج ُدو َن إ َّال ُج ْه َد ُه ْم َف َي ْس َخ ُر َ‬
‫ون م ْن ُه ْم َسخ َر َّ ُ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الص َد َقات َو َّالذ َ‬
‫َّ ِّ ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ َ ْ َ ُ َ َ َ ُّ ُ‬
‫وح ق ِّل‬ ‫عز ُوجل‪{ :‬وي ْسألونك ع ِّن الر ِّ‬ ‫وقد يكون السبب من أهل الكتاب من اليهود والنصارى‪ ،‬كما قال هللا‬ ‫‪-‬‬
‫َ‬ ‫ْ َ ُ َُْ‬ ‫َُ َ‬ ‫ُّ ُ َ‬
‫وح ِّم ْن أ ْم ِّر َرِّبي} [اإلسراء‪َ { ،]85 :‬و َي ْسألون َك َع ْن ِّذي ال َق ْرن ْي ِّن ق ْل َسأتلو َعل ْيك ْم ِّم ْن ُه ِّذك ًرا} [الكهف‪.]83 :‬‬ ‫الر‬
‫ماض‪ ،‬وقد يكون عن أمر حاضر‪ ،‬وقد يكون عن‬ ‫كما أن السؤال الذي بسببه تنزل اآليات قد يكون عن أمر ٍ‬
‫املستقبل‪ .‬وأمثلة ذلك‪:‬‬
‫ْ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ماض‪ ،‬قال هللا عز وجل‪َ { :‬و َي ْسألون َك َع ْن ِّذي ال َق ْرن ْي ِّن} [سورة الكهف ‪ ،]83‬يسألونك عن الفتية‬ ‫أمر ٍ‬‫‪ -‬سؤال عن ٍ‬
‫الذين أووا إلى الكهف‪ ،‬فأنزل هللا عز وجل قصتهم كاملة في سورة الكهف؛‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َّ‬ ‫َُ َ‬
‫أمر حاضر‪ ،‬قال هللا عز وجل‪َ { :‬ي ْسألون َك َع ِّن األ ِّهل ِّة} [سورة البقرة ‪ ،]189‬وقال تعالى‪َ { :‬ي ْسألون َك‬ ‫‪ -‬سؤال عن ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َماذا ُي ْن ِّف ُقون} [سورة البقرة ‪،]215‬‬
‫اع ِّة} [سورة األحزاب ‪.]63‬‬ ‫الس َ‬
‫اس َعن َّ‬ ‫الن ُ‬‫‪ -‬سؤال عن املستقبل‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬ي ْس َأ ُل َك َّ‬
‫ِّ‬
‫فأسباب النزول متعددة‪ ،‬ومتعلقاتها متنوعة‪ ،‬وأحوالها مختلفة‪ ،‬إال أنها محصورة في زمان نزول القرآن فحسب؛‬
‫أسباب النزول مرتبطة بأيام نزول القرآن‪ ،‬فلما انقطع الوحي انتهت األسباب بموت النبي ‪-‬صلى هللا عليه و سلم‪،-‬‬
‫عمن نزل عليه القرآن‪ ،‬أو عايش نزوله‪،‬‬ ‫وال سبيل لنا ُ‬
‫بعد إلى معرفة أسباب النزول إال من خالل النقل الصحيح َّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كالصحابة رضوان هللا تعالى عليهم‪ ،‬أو من كبار التابعين وذلك بضوابط‪ ،‬فأسباب النزول ليست تخمينا أو ظنا أو‬
‫عملية عقلية‪ ،‬ال‪ ،‬بل مصدرها الوحيد هو النقل عن النبي صلى هللا عليه و سلم فهو صلى هللا عليه وسلم من نزل‬
‫عمن عايش نزوله من الصحابة‪ ،‬أو النقل عن كبار التابعين‪.‬‬‫عليه القرآن‪ ،‬أو النقل َّ‬
‫وضع العلماء للنقل عن أقوال كبار التابعين في أسباب النزول ضوابط مشددة لقبولها واعتبارها‪ ،‬ومن تلك‬
‫الضوابط‪:‬‬

‫‪- 53 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫‪ -‬أن تكون عبارته صريحة في السببية‪،‬‬


‫ً‬
‫‪ -‬وأن يكون اإلسناد إليه صحيحا‪،‬‬
‫‪ -‬وأن يكون التابعي من أئمة التفسير‪،‬‬
‫‪ -‬وأن يعتضد برواية تابعي آخر‪.‬‬
‫هذه ضوابط جعلها العلماء في قبول رواية التابعي لسبب النزول‪ ،‬ولكن األصل أن أسباب النزول ال يمكن‪ ،‬وال‬
‫يحسن لنا العلم بها إال عن طريق النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬أو من عايش نزول القرآن؛ أما بعد وفاة النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم فنكتفي بالنقل والرواية فحسب‪.‬‬
‫يقول الواحدي ‪ -‬وهو ممن ألف في هذا العلم ‪ -‬يقول‪" :‬وال يحل القول في أسباب النزول إال بالرواية والسماع ممن‬
‫شاهدوا التنزيل‪ ،‬ووقفوا على األسباب وبحثوا عن علمها" انتهى كالمه‪ .‬ولهذا وصلتنا كتب كثيرة‪ ،‬وتراث علمي عظيم‬
‫في أسباب النزول‪ ،‬وفي جمع األحاديث واآلثار املتعلقة بأسباب النزول؛ ومن ذلك كتاب لعلي ابن املديني في أسباب‬
‫النزول‪ ،‬وكذلك كتاب للواحدي‪ ،‬وللنيسابوري وللسيوطي‪ ،‬وكذلك هناك كتب ملؤلفين معاصرين كالصحيح املسند‬
‫من أسباب النزول‪ ،‬وكتاب أسباب النزول في الكتب التسعة‪ ،‬وغيرها من الكتب والبحوث والدراسات التي جمعت‬
‫الروايات في أسباب النزول‪.‬‬
‫✓ فوائد معرفة أسباب النزول‬
‫ما الفائدة من معرفة سبب نزول اآلية أو اآليات أو السورة؟ هل لها فائدة أم هي مجرد تراث يحفظ أو روايات‬
‫تكرر؟ ال؛ بل لها فوائد عظيمة تتجلى وتظهر في نقاط عدة‪:‬‬
‫‪ -‬بمعرفتنا ألسباب النزول نعرف املعنى املراد باآلية‪ :‬فسبب النزول يعين على معرفة املراد وتعيينه‪ ،‬إذ قد ترد‬
‫على اآلية احتماالت صحيحة من حيث هي‪ ،‬لكن بسبب النزول نحدد أحد هذه املعاني ويكون هو املراد دون‬
‫غيره‪ ،‬فاآلية من حيث هي قد تحتمل معان كثيرة بدالالتها اللغوية أو بدالالتها السياقية‪ ،‬ولكن بعلمنا بسبب‬
‫النزول نحدد أحد هذه املعاني ونستبعد غيرها؛ وفي هذا يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا‪" :‬معرفة سبب‬
‫باملسبب"‪ .‬مثاله ما رواه مسلم ‪-‬رحمه هللا‪ -‬في‬ ‫النزول يعين على فهم اآلية فإن العلم بالسبب يورث العلم ً ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫جل فقال ‪ُ :‬‬
‫فس ُر هذه اآلية‪َ :‬ي ْو َم‬ ‫ُ‬
‫فس ُر القرآن برأيه ‪.‬ي ِّ‬
‫ُ‬
‫املسجد رجال ي ِّ‬
‫ِّ‬ ‫تركت في‬ ‫هللا ر ٌ‬
‫عبد ِّ‬‫صحيحه قال‪" :‬جاء إلى ِّ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫الناس َ‬
‫َ‬ ‫الس َم ُاء ب ُد َخان ُ‬
‫َّ‬ ‫َْ‬
‫كهيئة‬
‫ِّ‬ ‫منه‬ ‫هم‬‫يأخذ‬ ‫حتى‬ ‫‪.‬‬ ‫هم‬ ‫بأنفاس‬
‫ِّ‬ ‫فيأخذ‬ ‫دخان‬ ‫القيامة‬
‫ِّ‬ ‫يوم‬ ‫يأتي‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫‪.‬‬ ‫ين‬ ‫ب‬‫م‬
‫ِّ ٍ ِّ ٍ‬ ‫ي‬ ‫ت‬
‫ت ِّ‬
‫أ‬
‫الرجل أن يقول‪،‬‬ ‫فإن ِّمن فقه‬ ‫أعلم ‪َّ .‬‬ ‫هللا ُ‬ ‫يعلم ْفل ُيق ْل ‪ُ :‬‬ ‫علما ْفل َي ُق ْل به ‪ .‬ومن لم ْ‬
‫علم ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ِّ‬ ‫هللا ‪ :‬من ِّ‬ ‫كام ‪ .‬فقال عبد ِّ‬ ‫الز ِّ‬
‫َّ‬ ‫صلى ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ُ ُ‬
‫هللا عليه وسل َم ‪ ،‬دعا عليهم‬ ‫النبي‬
‫ملا ال ِّعلم له به ‪ :‬هللا أعلم ‪ .‬إنما كان هذا‪ ،‬أن قريشا ملا استعصت على ِّ‬
‫َ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫قحط ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خان‬ ‫كهيئة الد ِّ‬
‫ِّ‬ ‫السماء فيرى بينه وبينها‬ ‫ِّ‬ ‫الرجل ينظر إلى‬ ‫وجهد حتى جعل‬ ‫كسني يوسف فأصابهم‬ ‫بسنين ِّ‬

‫‪- 54 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫هللا َ‬ ‫جل فقال‪ :‬يا رسو َل هللا ! استغفر َ‬ ‫وسل َم ر ٌ‬‫َّ‬ ‫صلى ُ‬ ‫َّ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ملضر‬ ‫ِِّّ‬ ‫ِّ‬ ‫هللا عليه‬ ‫العظام‪ .‬فأتى النبي‬ ‫هد‪ .‬وحتى أكلوا‬ ‫من الج ِّ‬
‫ُ َّ َّ َّ َ ُ ْ َ َ َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َ‬
‫اب ق ِّليال‬ ‫"ملضر ؟ إنك لجرئ" قال فدعا هللا لهم‪ .‬فأنزل هللا عز وجل ‪ِّ :‬إنا ك ِّ‬
‫اشفوا العذ ِّ‬ ‫فإنهم قد هلكوا ‪ .‬فقال‬
‫ُ‬ ‫أصابتهم َّ‬ ‫ْ‬ ‫إ َّن ُك ْم َعا ِّئ ُدو َن [الدخان ‪ ] 15 :‬قال ُ‬
‫الرفاهية‪ ،‬قال‪ :‬عادوا إلى ما كانوا عليه ‪ .‬قال فأنزل‬ ‫فم ِّطروا‪ .‬فلما‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫هللا َّ‬
‫يم [الدخان‪َ ] 11 - 10 :‬ي ْو َم‬ ‫اب أ ِّل ٌ‬
‫اس هذا عذ ٌ‬ ‫الس َم ُاء بدخان ُمبين * يغش ى الن َ‬
‫ِّ ٍ ِّ ٍ‬
‫وجل ‪ :‬فا ْرت ِّق ْب َي ْو َم تأ ِّتي َّ‬
‫عز َّ‬
‫َ‬ ‫َ ْ ُ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ْ َ َّ ُ ْ َ ُ َ‬
‫نب ِّطش البطشة الكبرى ِّإنا منت ِّقمون [الدخان ‪ ] 16 :‬قال‪ :‬يعني يوم ٍ‬
‫بدر "‪.‬‬
‫ُ‬
‫فلو لم يرد لنا هذا السبب لم ُيعرف املنزل معناه على الخصوص دون التطرق لالحتماالت األخرى‪ ،‬معرفتنا‬
‫بأسباب النزول يعيننا على معرفة معنى اآلية‪ ،‬واملراد باآلية‪.‬‬
‫‪ -‬كذلك من فوائد معرفة أسباب النزول‪ :‬معرفتنا للحكمة التشريعية من تشريع هذا الحكم الذي ورد في‬
‫َ ْ َ َ َّ ُ َ َّ ُ ُ‬
‫اّلل ق ْو َل ال ِّتي ت َج ِّادل َك ِّفي َز ْو ِّج َها‬ ‫القرآن الكريم‪ ،‬ومن ذلك قول هللا عز وجل في سورة املجادلة‪{ :‬قد س ِّمع‬
‫اّلل َي ْس َم ُع َت َح ُاو َر ُك َما إ َّن َّ َ‬ ‫اّلل َو َّ ُ‬ ‫َ َ ْ َ َ َّ‬
‫اّلل َس ِّم ٌيع َب ِّص ٌير} [سورة املجادلة ‪ ،]1‬ننظر إلى أسباب النزول فنجد‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫وتشت ِّكي ِّإلى‬
‫أنها قصة خولة بنت ثعلبة ‪ -‬رض ي هللا تعالى عنها ‪ -‬عندما ظاهر منها زوجها أوس بن الصامت فقال لها‪" :‬أنت‬
‫َ‬
‫علي كظهر أمي" ‪ ،‬فجاءت تشتكي إلى النبي صلى هللا عليه و سلم وتشكي له حالها‪ ،‬فأنزل هللا عز وجل‪{ :‬ق ْد‬ ‫َّ‬
‫الل َـه َسم ٌيع َبص ٌير * َّالذ َ‬ ‫َ َ َّ ُ َ ْ َ َّ ُ َ ُ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َّ َ َّ ُ َ ْ َ ُ َ َ ُ َ ُ َ ۚ َّ َّ‬
‫ين‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫س ِّمع اللـه قول ال ِّتي تج ِّادلك ِّفي زو ِّجها وتشت ِّكي ِّإلى الل ِّـه واللـه يسمع تحاوركما ۚ ِّإن‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ُ َ ُ‬
‫ون ِّمنكم ِّمن ِّن َس ِّائ ِّهم َّما ُه َّن أ َّم َه ِّات ِّه ْم ِّإ ْن أ َّم َه ُات ُه ْم ِّإال الال ِّئي َول ْد َن ُه ْم ۚۚ َوِّإ َّن ُه ْم ل َي ُقولو َن ُمنك ًرا ِّم َن ال َق ْو ِّل‬ ‫يظ ِّاهر‬
‫َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ َّ َ ُ ُ َ َ َ ُ َ‬ ‫ين ُي َظاه ُر َ‬ ‫ور * َو َّالذ َ‬ ‫الل َـه َل َع ُف ٌّو َغ ُف ٌ‬
‫َ ُ ً ۚ َ َّ َّ‬
‫ودون ِّملا قالوا ف َت ْح ِّر ُير َرق َب ٍة ِّمن قب ِّل أن‬ ‫ون ِّمن ِّنس ِّائ ِّهم ثم يع‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫وزورا ۚ وِّإن‬
‫َ ُ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ َّ ۚ َٰ ُ ْ ُ َ ُ َ‬
‫وعظون ِّب ِّه ۚۚ َوالل ُـه ِّب َما ت ْع َملون خ ِّب ٌير} [املجادلة‪ ]3-1 :‬اآليات‪ ،‬فمعرفتنا بسبب النزول تعين‬ ‫يتماسا ۚ ذ ِّلكم ت‬
‫على معرفة الحكمة من التشريع‪.‬‬
‫‪ -‬معرفتنا أسباب النزول تعيننا على فهم اآلية وتفسيرها‪ ،‬وكذلك على دفع اللبس واإلشكال عن معناها‪ ،‬اآلية‬
‫قد تكون لها دالالت متعددة وأوجه متنوعة‪ .‬فعندما نعرف سبب النزول‪ ،‬فذلك يعين على فهمها ودفع اللبس‬
‫َ َ ُ ُّ َ َ‬ ‫ل َ َّ ْ َ ْ ُ ْ َ ْ‬
‫ّلل املش ِّرق َواملغ ِّر ُب فأ ْي َن َما ت َولوا فث َّم َو ْج ُه‬ ‫واإلشكال عن معناها‪ ،‬وباملثال يتضح املقال؛ هللا عز وجل يقو ‪{ :‬وِّ ِّ‬
‫َّ‬
‫اّلل} [سورة البقرة ‪ ،]115‬قد يقول قائل أنا أريد إذا أردت الصالة سواء صليت إلى إتجاه القبلة أو إلى الشمال‬ ‫ِّ‬
‫َّ‬ ‫ل َ َّ ْ َ ْ ُ ْ َ ْ َ َ ُ ُّ َ َ‬
‫ّلل املش ِّرق َواملغ ِّر ُب فأ ْي َن َما ت َولوا فث َّم َو ْج ُه اّلل‪.‬‬ ‫أو إلى الجنوب أو إلى الشرق أو إلى الغرب فاهلل عز وجل يقو ‪ :‬وِّ ِّ‬
‫هل هذا هو املراد؟ كال‪ ،‬كيف علمنا أن هذا غير مراد؟ بمعرفتنا بسبب النزول‪ ،‬ما هو سبب النزول يا ترى؟‬
‫حديث جابر رض ي هللا تعالى عنهما في سنن البيهقي‪:‬‬
‫َ ُ ٌ‬ ‫وسل َم سرَّي ًة ُك ُ‬ ‫َّ‬ ‫بعث رسو ُل َّ َّ َّ ُ‬ ‫َ‬
‫فأصابتنا ظلمة ‪ ،‬فلم‬ ‫نت فيها ‪،‬‬ ‫عليه‬
‫اّلل صلى اّلل ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫قال جابر رض ي هللا عنه‪" :‬‬
‫ُ‬ ‫ًّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ ُ َ َ َّ‬ ‫ٌ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫بعض ُه ُم‪:‬‬ ‫َ‬
‫وقال‬ ‫مال‪ ،‬فصلوا وخطوا خطا‪،‬‬ ‫القبلة هاهنا ِّقبل الش ِّ‬
‫القبلة ‪ ،‬فقالت طائفة منا ِّ‬ ‫عرف ِّ‬
‫ن ِّ‬

‫‪- 55 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫ُ‬ ‫أصبحت َ‬ ‫َ‬ ‫وطلعت َّ‬


‫الش ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫خطا‪َّ ،‬‬ ‫ًّ‬ ‫ُّ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ُ‬
‫تلك الخطوط‬ ‫مس‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫أصبحنا‪،‬‬ ‫فلما‬ ‫نوب وخطوا‬ ‫القبلة هاهنا قبل الج ِّ‬
‫فس َك َت ‪ ،‬وأنز َل َّ ُ‬
‫اّلل َّ‬ ‫ألناه عن ذل َك َ‬ ‫فس ُ‬ ‫وسل َم ‪َ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ َّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عز‬ ‫ِّ‬ ‫القبلة ‪ ،‬فق ِّدمنا ِّمن سف ِّرنا فأتينا الن َّبي صلى اّلل ِّ‬
‫عليه‬ ‫ِّ‬ ‫ِّلغ ِّير‬
‫ُ‬
‫حيث ُ‬ ‫َّ َ َّ ْ َ ْ ُق َ ْ َ ْ ُ َ َ ْ َ َ ُ َ ُّ َ َ َّ َ ْ ُ َّ‬
‫كنت ْم"‪.‬‬ ‫اّلل أي‬
‫ّلل املش ِّر واملغ ِّرب فأينما تولوا فثم وجه ِّ‬ ‫وجل ِّو ِّ‬
‫ض َاها‬‫الس َماء َف َل ُن َول َي َّن َك ق ْب َل ًة َت ْر َ‬ ‫َ ْ َ َ َ ُّ َ ْ َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫فعندئذ ال تعارض بين هذه اآلية وقول هللا عز وجل‪{ :‬قد ن َر ٰى تقل َب وج ِّهك ِّفي َّ ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ َْ‬ ‫َ‬
‫ف َو ِّل َو ْج َه َك شط َر امل ْس ِّج ِّد ال َح َر ِّام} [سورة البقرة ‪ ،]144‬هلل املشرق واملغرب إذا اجتهدت وغاب عنك اتجاه‬
‫القبلة وصليت حسب اجتهادك‪ ،‬وليس هناك من يدلك ويعينك على تحديد القبلة‪ ،‬عندئذ نقول وهلل املشرق‬
‫واملغرب كما هو ظاهر في سبب النزول‪.‬‬
‫‪ -‬وروي كذلك‪ ،‬أن هذه اآلية نزلت في صالة التطوع في السفر؛ وهو أن النبي صلى هللا عليه و سلم كان يصلي في‬
‫السفر صالة النافلة والتطوع حيث توجهت به راحلته‪ ،‬نحو الشمال الجنوب الغرب الشرق‪ ،‬فأنزل هللا عز‬
‫ُ‬
‫حيث ُ‬ ‫َ َّ ْ َ ْ ُ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ُ َ ُّ َ َ َ ْ ُ َّ‬
‫كنت ْم ‪ ،‬صلوا حيث توجهت بكم الراحلة في‬ ‫ّلل املش ِّرق واملغ ِّر ُب فأين َما تولوا فث َّم وجه ِّ‬
‫اّلل أي‬ ‫وجل‪ :‬وِّ ِّ‬
‫التطوع‪.‬‬
‫أكتفي بهذا ونكمل بإذن هللا عز وجل في محاضرة قادمة وصلى هللا وسلم على نبينا محمد‪.‬‬

‫قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات ‪ :‬راجية الجنان‬
‫قام باملراجعة األولى والتدقيق‪ :‬أخ في هللا‬
‫قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي‪ :‬رئيفة درويش‬
‫اإلشراف العام على فريق العمل‪ :‬رئيفة درويش‬

‫‪- 56 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫علوم القرآن‬
‫د‪ .‬عمرعبد العزيزالدهيش ي‬
‫املحاضرة الحادية عشرة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمدهلل رب العاملين‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله‪ ،‬وصحبه أجمعين‪،‬‬
‫وبعد‪ :‬هذه املحاضرة الحادية عشرة من محاضرات مقرر علوم القرآن‪ ،‬ضمن برنامج السعدي‪ .‬أحيي الجميع بتحية‬
‫اإلسالم‪ ،‬السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪ ،‬وأسأل هللا عز وجل لي ولكم التوفيق والتسديد‪ ،‬وأسأله سبحانه‬
‫وتعالى أن يرزقنا العلم النافع‪ ،‬والعمل الصالح‪ .‬اللهم ال علم لنا إال ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم‪.‬‬
‫نواصل الحديث بإذن هللا عز وجل في هذه املحاضرة‪ ،‬ما قد بدأناه في املحاضرة السابقة من الحديث عن فوائد‬
‫معرفة أسباب النزول ضمن دراستنا لعلم أسباب النزول‪ .‬من فوائد معرفة أسباب النزول اآلتي‪:‬‬
‫‪ -‬أن اللبس يزول عندما نعرف سبب نزول تلك اآلية أو اآليات‪ ،‬فمعرفة أسباب النزول تزيل اإلشكاالت‪،‬‬
‫واللبس الحاصل في بعض اآليات‪ ،‬أو في فهم بعض اآليات التي أنزلها هللا عز وجل ومن تلك األمثلة‪ :‬قول هللا عز‬
‫َ َ‬ ‫َّ َ َ ْ َ َّ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ َ ُ َ َ َ َ َّ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ َّ َ َ ْ َ َ َ‬
‫اح َعل ْي ِّه أن َيط َّوف ِّب ِّه َما ۚ َو َمن تط َّو َع‬ ‫اّلل ۖ فمن حج البيت أ ِّو اعتمر فال جن‬ ‫الصفا وامل ْروة ِّمن شعا ِّئ ِّر ِّ‬ ‫وجل ‪ِّ { :‬إن‬
‫ََ ُ َ َ َ‬ ‫اّلل َش ِّاك ٌر َع ِّل ٌ‬ ‫َخ ْي ًرا َفإ َّن َّ َ‬
‫اح َعل ْي ِّه}‪ ،‬ومن املعلوم واملتقرر أن‬ ‫يم} [البقرة‪ .]158:‬قال هللا عز وجل هنا‪{ :‬فال جن‬ ‫ِّ‬
‫السعي بين الصفا واملروة هو من الواجبات في الحج والعمرة‪ ،‬وهللا عز وجل نفى الجناح هنا‪ .‬وهذا اإلشكال‪،‬‬
‫وهذا اللبس حصل لعروة بن الزبير ‪-‬رض ي هللا تعالى عنه‪ -‬يخبرنا هو بقوله‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫" ُ‬
‫هللا تبا َرك وتعالى ‪ِّ { :‬إ َّن‬ ‫صلى ُ‬
‫‪-‬‬

‫حديث السن ‪ :‬أرأيت قو َ‬


‫ل‬ ‫ئذ‬ ‫وسلم‪ ،‬وأنا َ‬
‫يوم‬ ‫عليه‬ ‫هللا‬ ‫النبي‬ ‫زوج‬ ‫لعائشة‬ ‫قلت‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫اح َع َل ْيه أ ْن َي َّط َّو َف به َما} ‪ .‬فما أرى على أحد شيئاً‬ ‫اّلل َف َم ْن َح َّج ْال َب ْي َت َأو ْ‬
‫اع َت َم َر َف َال ُج َن َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ ْ َ ْ َو َ ْ ِّ َ‬
‫ٍ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫الصفا واملر ة ِّمن شعا ِّئ ِّر ِّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ناح عليه أن ال يط َّوف بهما‪ ،‬إنما أ ِّنزل ْت‬ ‫كانت‪ :‬فال ُج َ‬ ‫كانت كما تقو ُل‪ْ ،‬‬ ‫فقالت عائشة ‪ :‬كال‪ ،‬لو ْ‬ ‫ْ‬ ‫أن ال يط َّوف بهما ؟‬
‫َّ‬ ‫َّ َ‬ ‫ْ َ ُ َ َ ُ‬ ‫ُّ َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫واملروة‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫يتحرجون أن يط َّوفوا بين الصفا‬ ‫ذو ق َد ٍيد‪ ،‬وكانوا‬ ‫األنصار‪ ،‬كانوا ُي ِّهلون ملناة‪ ،‬وكانت مناة ح‬ ‫ِّ‬ ‫في‬ ‫اآلية‬ ‫هذه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الص َفا َوامل ْر َوة ِّم ْن ش َعا ِّئ ِّر‬‫هللا ‪{ :‬إ َّن َّ‬
‫ِّ‬
‫فأنزل ُ‬ ‫هللا عليه وسلم عن ذلك‪َ ،‬‬ ‫اإلسالم سألوا رسو َل هللا صلى ُ‬
‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫فلما جاء‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اع َت َم َر فال ُج َن َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫اّلل َف َم ْن َح َّج ال َب ْي َت أو ْ‬ ‫َّ‬
‫اح َعل ْي ِّه أ ْن َيط َّوف ِّب ِّه َما} [البقرة‪،" ]158:‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ويفهم منه السعي بين الصفاة واملروة حتى وإن كان فيه أصنام للمشركين‪ ،‬فمعرفتنا لسبب النزول يزيل هذا‬
‫ََ‬ ‫اّلل ۖ َف َم ْن َح َّج ْال َب ْي َت َأو ْ‬
‫اع َت َم َر فال‬
‫َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ َّ َ َ ْ َ َ َ‬
‫ِّ‬ ‫الصفا وامل ْروة ِّمن شعا ِّئ ِّر ِّ‬ ‫اللبس‪ ،‬ويدفع الفهم الخاطيء لهذه اآلية‪ِّ { :‬إن‬
‫يم} [البقرة‪.]158:‬‬ ‫اح َع َل ْيه َأن َي َّط َّو َف به َما ۚ َو َمن َت َط َّو َع َخ ْي ًرا َفإ َّن َّ َ‬
‫اّلل َش ِّاك ٌر َع ِّل ٌ‬ ‫ُج َن َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬

‫‪- 57 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫‪ -‬من فوائد معرفة أسباب النزول‪ :‬معرفة من نزلت فيه اآلية بعينه‪ ،‬حتى ال ُي َب َّرأ املتهم‪ ،‬أو ُي َت َهم البرىء‪ ،‬وحتى ال‬
‫يزعم أحد أن املراد بالذم في هذه اآلية هو فالن من الصحابة‪ ،‬أو غيرهم‪ ،‬وهو بريء من ذلك‪ ،‬أو ينسب إلى‬
‫واليا على الحجاز في‬ ‫آخر صفات مدح في آية‪ ،‬واملراد بها غيره‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬أن مروان بن الحكم‪ ،‬وكان في وقتها ً‬
‫زمن معاوية ‪-‬رض ي هللا تعالى عنه‪ -‬قد استعمله على الحجاز خطب الناس‪ ،‬وجعل يذكر يزيد بن معاوية‪ ،‬يذكره‬
‫في الخطبة ويثني عليه‪ ،‬لكي يبايع له بعد أبيه‪ ،‬فقال له عبدالرحمن بن أبي بكر ‪-‬رض ي هللا تعالى عنه‪ -‬شيئا‪،‬‬
‫وقال له كالما في ذلك‪ ،‬فقال مروان‪ :‬خذوه؛ أي إيتوا به ‪-‬وهو الوالي‪ -‬فهرب عبدالرحمن بن أبي بكر‪ ،‬ودخل في‬
‫بيت عائشة‪ ،‬في بيت أخته ‪-‬رض ي هللا تعالى عنهما‪ -‬فلم يقدروا عليه‪ .‬فقال مروان‪ :‬إن هذا الذي أنزل هللا فيه‪:‬‬
‫َ ْ َ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ‬
‫اّلل َو ْيل َك ِّآم ْن ِّإ َّن‬ ‫ال ل َوال َد ْيه ُأف َّل ُك َما َأ َتع َدانني َأ ْن ُأ ْخ َر َج َو َق ْد َخ َلت ْال ُق ُر ُ‬ ‫َ َّ َ‬
‫ون ِّمن قب ِّلي وهما يست ِّغيث ِّان‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫{ وال ِّذي ق َ ِّ ِّ ِّ ٍ‬
‫َْ‬ ‫اّلل َح ٌّق َف َي ُقو ُل َما َٰه َذا إ َّال َأ َ‬
‫َ ْ َ َّ‬
‫اط ُير األ َّوِّل َين} [األحقاف‪ ]17:‬اآلية‪ ،‬فقالت عائشة من وراء الحجاب‪ ،‬وهي في‬ ‫ِّ‬ ‫س‬ ‫ِّ‬ ‫وعد ِّ‬
‫غرفتها و في بيتها‪" :‬كال ما أنزل هللا فينا شيئا من القرآن إال أن هللا أنزل عذري"‪ .‬هذا الحديث رواه اإلمام البخارى‬
‫ونصه‪:‬‬
‫َُ ََ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫" َ‬
‫أبيه ‪،‬‬ ‫فجعل يذك ُر ِّيزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد ِّ‬ ‫َ‬ ‫استعمل ُه معاوية‪ ،‬فخط َب‬ ‫َ‬ ‫الحجاز‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫كان َم ْر َو ُان على‬
‫فقال َم ْر َو ُان‪َّ :‬إن هذا‬ ‫فلم ْيق ِّدروا‪َ ،‬‬ ‫بيت عا ِّئ َش َة ْ‬ ‫فدخ َل َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫فقال ‪ :‬خذ ُوه‪،‬‬ ‫بن أبي بكر ً‬
‫شيئا‪،‬‬ ‫عبد الرحمن ُ‬ ‫فقال ُله ُ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫عائشة من وراء الح َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ال ل َوال َد ْيه ُأف َل ُك َما َأ َتع َ‬ ‫فيه‪{َ :‬و َّال ِّذي َق َ‬ ‫َ ُ‬
‫اب‬ ‫ِّ‬ ‫ج‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫فقالت‬ ‫ي}‪.‬‬ ‫ن‬‫ِّ‬ ‫ن‬
‫ِّ‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫الذي أنزل هللا ِّ‬
‫ْ‬
‫هللا أنز َل ُعذ ِّري"‬ ‫شيئا من القرآن ‪َّ ،‬إال َّأن َ‬ ‫فينا ً‬ ‫هللا َ‬ ‫‪:‬ما أنز َل ُ‬
‫ِّ‬
‫جاء قول عائشة رض ي هللا عنها لتنفي التهمة التي اتهم مروان بها عبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬فقالت‪ :‬كال ما أنزل‬
‫هللا فينا شيئا من القرآن إال عذرى فقط‪ ،‬فمعرفة سبب النزول فيه تبرئة للمتهم‪ ،‬وكذلك أال يتهم البريء‪.‬‬
‫أسماء مبهمة‪ ،‬أو إشا ٌ‬
‫ات‬ ‫ٌ‬ ‫آيات منه‪،‬‬
‫ر‬ ‫‪ -‬من فوائد معرفة أسباب النزول‪ :‬تعيين املبهم‪ ،‬قد يرد في القرآن الكريم‪ ،‬في ٍ‬
‫مبهمة‪ ،‬فمعرفتنا ألسباب النزول‪ ،‬وما ذكره الصحابة ‪-‬رض ي هللا عنهم‪ -‬في معنى هذه اآلية من حادثة‪ ،‬أو من‬
‫مبهما‪ .‬مثاله‪ :‬ما أخرجه البخاري عن البراء‬ ‫ظاهرا بعد أن كان ً‬‫ً‬ ‫سؤال‪ ،‬نعرف بها معنى هذا املبهم‪ ،‬ويصبح لنا‬
‫َ َ َّ ُ ْ َ ْ َ ُ َّ َ ُ َ ْ ََ‬ ‫َ َ ُ ُ ُّ َ َ ُ َ َّ‬
‫اس} ‪-‬وهم اليهود‪{ -‬ما والهم عن ِّقبل ِّت ِّهم ال ِّتي كانوا عليها}‬ ‫رض ي هللا عنه قال‪{ :‬سيقول السفهاء ِّمن الن ِّ‬
‫[البقرة‪ ،]142:‬البراء رض ي هللا عنه فسر السفهاء بأنهم اليهود‪ .‬فمعرفة أسباب النزول تدلنا وتعيننا على معرفة‬
‫املبهم من األسماء‪ ،‬أو من األوصاف‪ ،‬أو من الدالالت‪ ،‬من كتاب هللا عز وجل‪ .‬هذه مجمل فوائد معرفة أسباب‬
‫النزول‪.‬‬

‫‪- 58 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫✓ صيغ أسباب النزول‬


‫من املوضوعات التي يناقشها علم أسباب النزول‪ :‬صيغ أسباب النزول‪ .‬واملقصود بصيغة أسباب النزول هو‪ :‬كيف‬
‫يعبر الصحابي أو التابعي من كبار التابعين‪ ،‬كيف يعبر عن سبب النزول حتى نعرف أنه أراد بهذا سبب النزول‪ ،‬أو‬
‫أراد به غير سبب النزول‪ .‬يذكر علماء علوم القرآن أن ألسباب النزول صيغتين‪:‬‬
‫الصيغة األولى‪ :‬الصيغة الصريحة‬
‫ً‬
‫(‪ )1‬صيغة صريحة‪ ،‬كقول الراوي سواء من الصحابة أو كبار التابعين‪ :‬سبب نزول اآلية كذا‪ ،‬ولكنه حقيقة هذه‬
‫َّ‬
‫نص عليها بعض من ألف في علوم القرآن‪ ،‬ومن خالل البحث والدراسة لم أقف ‪ -‬ولم يقف كذلك غيري ‪ -‬على هذه‬
‫العبارة‪ ،‬وهي قول الراوي من الصحابة ومن كبار التابعين‪ ،‬أن سبب نزول اآلية كذا‪ ،‬ولكنه افتراض عقلي ليس له‬
‫رصيد من الواقع‪ ،‬فنقول‪ :‬من صيغ أسباب النزول؛ الصيغ الصريحة‪ ،‬ومن ذلك أن يصرح بلفظ السبب‪ ،‬ويأتي‬
‫بفاء داخلة على مادة النزول فيقول‪" :‬فأنزل هللا"‪" ،‬فنزلت"‪ ،‬وذلك عقب سرده لحادثة معينة‪ ،‬كقول الراوي على‬
‫سبيل املثال‪ :‬حدث كذا فنزل كذا‪ ،‬أو حدث كذا فنزلت اآلية‪ ،‬الفاء هذه الدالة على التعقيب‪" .‬فنزلت"‪ ،‬أو‬
‫"فأنزل"‪ ،‬هذا من أكثراألساليب استعماال في أسباب النزول‪ .‬إذا رجعنا وتأملنا في صيغ أسباب النزول التي يذكرها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫العلماء أكثرها‪ ،‬وغالبها تكون بهذه الصيغة‪ :‬فأنزل هللا‪ ،‬أو فنزلت‪ ،‬ولكن مع هذا‪ ،‬وإن كانت صيغة صريحة في أسباب‬
‫النزول‪ ،‬إال أنه ال يعني وجود هذه الصيغة أن يكون الحديث ً‬
‫سببا للنزول‪.‬‬
‫ً‬
‫الو ْح ُي فترة ‪،‬‬
‫فتر عني َ‬
‫ِّ‬
‫ومثاله‪ :‬ما رواه جابر بن عبد هللا ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬أنه سمع النبى صلى هللا عليه وسلم يقول‪ :‬ثم َ‬
‫فرفعت بصري ق َب َل السماء فإذا املَ ـ َل ُك الذي جاءني بحراء‪ٌ ،‬‬
‫قاعد على‬ ‫ُ‬ ‫السماء‬ ‫صوتا من‬ ‫سمعت ً‬ ‫ُ‬ ‫فبينا أنا أمش ي‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫كرس ي بين السماء واألرض‪ ،‬ف ُجئثت منه‪ ،‬حتى هويت إلى األرض‪ ،‬فجئت أهلي فقلت ‪ :‬زملوني زملوني‪ ،‬فأنزل ُ‬
‫هللا‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُّ َ ْ‬
‫تعالى‪{ :‬يا أيها املد ِّثر ‪ -‬إلى فاهجر} [املدثر‪ ."]5-1:‬هذا نص صريح في سبب النزول‪ ،‬وذلك بدخول الفاء على مادة‬
‫ُ‬
‫نزل‪ ،‬إال أنه وردت روايات أخرى‪ ،‬وفيها‪" :‬وأ ِّنزل عليه" ‪-‬بالواو‪ -‬وبعضها "فنزلت"‪ ،‬ومع ذلك ال تخرجها عن السببية‬
‫الصريحة؛ بل وورد في املسند من طريق آخر عن جابر ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬بلفظ‪" :‬فقلت‪ :‬دثروني دثروني‪ ،‬فأتاني جبريل‪،‬‬
‫َ ُْ‬
‫فقال‪{َ :‬يا أ ُّي َها امل َّد ِّث ْر}" بدون صيغة النزول‪ ،‬من دون صيغة التصريح بمادة النزول‪.‬‬
‫وكذلك مما ورد في قصة حادثة اإلفك‪ ،‬وفيه‪" :‬أبشري يا عائشة‪ ،‬فقد أنزل هللا براءتك" وفي لفظ‪" :‬أما هللا فقد‬
‫برأك" وهي صريحة‪ ،‬وإن لم يستخدم فيها لفظ النزول‪ ،‬و ذلك بالقرائن التي احتفت بإيراد القصة‪.‬‬
‫(‪ )2‬وقد ترد صيغة صريحة في سبب النزول ويراد بها التفسير‪ ،‬قد ترد صيغة صريحة في أسباب النزول؛ فنزلت‪،‬‬
‫فأنزل هللا‪ ،‬و لكنها حقيقة ال يعني بها الصحابي أو التابعي أنها سبب النزول‪ ،‬ولكن يريد التفسير‪ ،‬أن هذه الحادثة‪،‬‬

‫‪- 59 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫أن هذه الواقعة‪ ،‬أن هذه النازلة‪ ،‬تدخل ضمن هذه اآلية‪ ،‬فقوله‪ :‬فأنزل هللا‪ ،‬فنزلت‪ ،‬ال يدل على أن هذا سبب‬
‫النزول‪ ،‬و لكن ليبين أن هذه الحادثة تدخل ضمن قوله تعالى في أي آية كانت‪ ،‬وباملثال يتضح املقال‪:‬‬
‫َ‬
‫مثال ذلك‪ :‬ما ورد في قصة اللعان‪ ،‬في صحيح البخاري‪ ،‬عن سهل بن سعد الساعدي‪-‬رض ي هللا عنه‪" :-‬أ َّن ُع َو ْي ِّم ًرا‪،‬‬
‫ً َ ُ َ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ‬
‫ال‪ :‬ك ْيف ت ُقولون ِّفي َر ُج ٍل َو َج َد َم َع ْام َرأ ِّت ِّه َر ُجال‪ ،‬أ َي ْق ُتل ُه ف َت ْق ُتلون ُه‪ ،‬أ ْم‬ ‫اصم بن ع ِّد ٍي وكان س ِّيد ب ِّني عجالن‪ ،‬فق‬ ‫أتى ع ِّ‬
‫َ‬
‫هللا َعل ْي ِّه َو َس َّل َم‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫ص َّلى ُ‬ ‫َ‬
‫هللا َعل ْيه َو َس َّل َم َع ْن َذل َك‪َ ،‬فأ َتى َع ٌ َّ‬ ‫َ‬ ‫ص َّلى ُ‬ ‫ُ َ َّ‬ ‫َْ َ َ َُْ َ‬
‫ال‪َ :‬يا‬ ‫النب َّي َ‬
‫اصم ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اّلل َ‬
‫كيف يصنع؟ س ْل ِّلي َرسول ِّ‬
‫َّ‬ ‫َ ُ َ َّ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ ُ َ ْ ٌ َ َ َ َّ َ ُ َ َّ َ َّ ُ َ‬
‫هللا َعل ْي ِّه َو َسل َم‬ ‫اّلل صلى‬ ‫اّلل صلى هللا علي ِّه وسلم املسا ِّئل‪ ،‬فسأله عوي ِّمر‪ ،‬فقال‪ِّ :‬إن رسول ِّ‬ ‫اّلل فك ِّره رسول ِّ‬ ‫رسول ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ َ َ َّ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ ْ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫هللا َعل ْي ِّه َو َسل َم َع ْن ذ ِّل َك‪ ،‬ف َج َاء ُع َو ْي ِّم ٌر‪،‬‬ ‫صلى ُ‬ ‫اّلل َ‬
‫اّلل ال أنت ِّهي حتى أسأ َل َرسول ِّ‬ ‫ال عوي ِّم ٌر‪ :‬و ِّ‬ ‫ك ِّر َه امل َسا ِّئ َل َو َع َاب َها‪ ،‬ق‬
‫َ َ َ َ َ ُ َ َّ َ ُ ٌ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ ُ ً َ َ ْ ُ ُ ُ َ َ ْ ُ ُ َ ُ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ُ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ ُ َ‬
‫هللا َعل ْي ِّه‬ ‫اّلل صلى‬ ‫اّلل رجل وجد مع امرأ ِّت ِّه رجال أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع؟ فقال رسول ِّ‬ ‫فقال‪ :‬يا رسول ِّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫هللا َعل ْيه َو َسل َم باملال َع َنة ب َما َس َّمى َّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫صلى ُ‬ ‫َّ‬ ‫اّلل َ‬ ‫َ َ ُ َ َ ُ ُل َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫صاح َبت َ‬ ‫يك َوفي َ‬ ‫الق ْر َآن ف َ‬ ‫َو َس َّل َم‪َ « :‬ق ْد َأ ْن َز َل َّ ُ‬
‫اّلل ُ‬
‫اّلل‬ ‫ِِّّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫و‬ ‫س‬‫ر‬ ‫ا‬‫م‬ ‫ه‬‫ر‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫»‬ ‫ك‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ ُ َّ َ َ َ َ ُ َ َّ ْ َ َ ْ ُ َ َ َ ْ َ َ ْ ُ َ َ َ َّ َ َ َ َ َ ْ ُ َّ ً َ ْ َ‬
‫اّلل‪ِّ ،‬إن حبستها فقد ظلمتها فطلقها‪ ،‬فكانت سنة ِّملن كان بعدهما ِّفي املتال ِّعني ِّن‪،‬‬ ‫ِّفي ِّكت ِّاب ِّه فالعنها‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا رسول ِّ‬
‫َ َّ‬ ‫ُ َّ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ ْ ُ ُ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ‬
‫يم األل َي َت ْي ِّن‪ ،‬خ َدل َج‬ ‫اّلل صلى هللا علي ِّه وسلم‪« :‬انظروا ف ِّإن جاءت ِّب ِّه أسحم‪ ،‬أدعج العيني ِّن‪ ،‬ع ِّظ‬ ‫ثم قال رسول ِّ‬
‫َّ َ َ َ‬ ‫ٌ َ ََ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الس َاق ْين‪َ ،‬ف َال َأ ْحس ُب ُع َو ْيم ًرا إ َّال َق ْد َ‬
‫ص َد َق َعل ْي َها‪َ ،‬وِّإ ْن َج َاء ْت ِّب ِّه أ َح ْي ِّم َر كأ َّن ُه َو َح َرة‪ ،‬فال أ ْح ِّس ُب ُع َو ْي ِّم ًرا ِّإال ق ْد كذ َب‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َّ‬
‫ْ‬
‫ان َب ْع ُد ُين َس ُب‬ ‫صديق ُع َو ْيمر‪َ ،‬ف َك َ‬ ‫هللا َع َل ْيه َو َس َّل َم م ْن َت ْ‬ ‫ص َّلى ُ‬ ‫اّلل َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َّ ْ َّ َ َ َ َ ُ ُل َّ‬
‫عليها»‪ ،‬فجاءت ِّب ِّه على النع ِّت ال ِّذي نعت ِّب ِّه رسو‬
‫ٍِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ ُ‬
‫ِّإلى أ ِّم ِّه"‬
‫الشاهد في الرواية‪" :‬قد أنزل هللا القرآن فيك وفي صاحبتك" ماذا قال العلماء ‪-‬رحمهم هللا تعالى‪ -‬حول قصة وسبب‬
‫نزول آيات اللعان؟ يقول النووي‪ :‬جمهور العلماء على أن سبب نزولها هي قصة هالل بن أمية‪ ،‬وليست قصة عويمر‬
‫العجالني‪ .‬واستدلوا بالحديث الذي ذكره اإلمام مسلم في قصة هالل‪ ،‬وكان أول رجل العن في اإلسالم‪ .‬قال املاوردي‬
‫من أصحابنا في كتاب الحاوي‪ :‬قال األكثرون قصة هالل بن أمية أسبق من قصة العجالني‪ ،‬ومع ذلك قال النبى‬
‫صلى هللا عليه وسلم "قد أنزل هللا فيك وفي صاحبتك" هذه صيغة صريحة‪ ،‬وليس املراد بها سبب النزول‪ ،‬ولكن‬
‫َ‬ ‫ين َي ْر ُمو َن َأ ْز َو َ‬
‫اج ُه ْم َول ْم‬ ‫املراد بها التفسير‪ .‬أن الحادثة التي وقعت لك يا عويمر تدخل في قول هللا عز وجل‪َ { :‬و َّالذ َ‬
‫ِّ‬
‫الص ِّاد ِّق َين} [النور‪ .]6:‬ومما يشهد لهذا‬ ‫اّلل ۙ إ َّن ُه َ ِّمل َن َّ‬‫َّ‬
‫ب‬ ‫ات‬ ‫َي ُكن َّل ُه ْم ُش َه َد ُاء إ َّال َأ ُنف ُس ُه ْم َف َش َه َاد ُة َأ َحده ْم َأ ْرَب ُع َش َه َ‬
‫اد‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬
‫القول؛ أنه وردت رواية أخرى عند البخاري‪ ،‬وفيها أن النبى صلى هللا عليه وسلم قال له‪" :‬قد قض ي فيك وفي‬
‫امرأتك" للداللة على الحادثة التي سبقت حادثة عويمر العجالني‪ ،‬وهي حادثة هالل بن أمية‪.‬‬
‫هذه الصيغ الصريحة‪ :‬فأنزل هللا‪ ،‬فنزلت‪ ،‬يقولها الصحابي‪ ،‬أو كبار التابعين بعد حادثة تقع‪.‬‬

‫‪- 60 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫الصيغة الثانية‪ :‬صيغة غيرصريحة‬


‫(‪ )1‬صيغة غيرصريحة ولكنها من أسباب النزول‪ :‬لفظ هذه الصيغة غير الصريحة هو قول الراوي‪" :‬نزلت هذه‬
‫اآلية"‪ ،‬أو "أنزل هللا قوله"‪ ،‬أو "نزل قوله تعالى"‪ ،‬بدون الفاء الدالة على التعقيب‪ ،‬فهذه صيغة غير صريحة في‬
‫ُ‬
‫السببية‪ ،‬ألنها تحتمل السبب‪ ،‬وكذلك تحتمل التفسير‪ ،‬إال أنه تبقى القرائن التي تحتف بهذه الحادثة هي التي ت َع ِّين‬
‫أحد هذين االحتمالين‪ ،‬أو ترجحه‪ ،‬سواء قلنا أهو سبب نزول‪ ،‬أو هو داخل ضمن التفسير‪ .‬يقول شيخ اإلسالم‬
‫ابن تيمية‪ :‬قول الصحابي نزلت هذه اآلية في كذا يراد به تارة أنه سبب النزول‪ ،‬ويراد به تارة أنه داخل في اآلية‪ ،‬وإن‬
‫لم يكن هو السبب‪ ،‬كما تقول ُع ِّن َى بهذه اآلية كذا وكذا‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬ما رواه أبو هريرة ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪" :‬نزلت هذه اآلية في أهل قباء { ِّف ِّيه‬
‫ال ُيح ُّبو َن َأن َي َت َط َّه ُروا ۚ َو َّ ُ‬
‫اّلل ُيح ُّب ْاملُ َّطهر َ‬ ‫َ‬
‫ين} [سورة التوبة‪ ،]108:‬كانوا يستنجون باملاء فنزلت هذه اآلية فيهم"‪،‬‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّرج ٌ ِّ‬
‫انظر أبو هريرة يحدث عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪" :‬نزلت هذه اآلية في أهل قباء"‪ ،‬قال صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪" :‬كانوا يستنجون باملاء فنزلت هذه اآلية فيهم"‪ .‬فما جاء في الحديث لفظ غير صريح في سبب نزول هذه اآلية‪،‬‬
‫ومع ذلك فهي داخلة في سبب نزول اآلية‪.‬‬
‫ْ‬
‫قال الطبري‪ :‬يقول ‪-‬تعالى ِّذك ُره‪ -‬في حاضر املسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم‪ ،‬رجال يحبون أن ينظفوا‬
‫مقاعدهم باملاء إذا أتوا الغائط وهللا يحب املطهرين باملاء‪ ،‬ثم ساق األحاديث والروايات في ذلك‪ .‬هذا مثال على‬
‫ال ُيح ُّبو َن َأن َي َت َط َّه ُروا ۚ َو َّ ُ‬ ‫َ‬
‫اّلل‬ ‫صيغة غير صريحة‪ ،‬ولكنها داخلة‪ ،‬ويراد بها سبب النزول‪ ،‬كما أن سبب نزول‪ِّ { :‬ف ِّيه ِّرج ٌ ِّ‬
‫ين} [التوبة‪ ]108:‬هو فعل األنصار الذين كانوا حاضري املسجد النبوى‪،‬‬ ‫ُيح ُّب ْاملُ َّطهر َ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫(‪ )2‬صيغة غير صريحة ويراد بها التفسير‪ :‬أما ما ورد بصيغة غير صريحة‪ ،‬ولكنها ليست في سبب النزول‪ ،‬وإنما‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫اّلل َّالذ َ‬
‫يراد بها التفسير‪ :‬ما رواه البراء بن عازب عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪{ُ " :‬ي َثب ُت َّ ُ‬
‫ين َآم ُنوا ِّبال َق ْو ِّل الث ِّاب ِّت}‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َّ‬
‫وسلمَ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ َّ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫ُ ُ َ ْ ُّ َ‬ ‫[إبراهيم‪ ،]27:‬قال‪ :‬نز ْ‬
‫عليه‬
‫ونبيي محمد صلى هللا ِّ‬ ‫فيقال له‪ :‬من ربك؟ ْفيقول ‪ :‬ربي هللا ْ ِّ‬ ‫ْ‬
‫القبر‪،‬‬
‫عذاب ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫لت في‬
‫َ ُ‬
‫الدن َيا َو ِّفي اآل ِّخ َر ِّة}"‪ ،‬ففي هذا الحديث بيان‬
‫َ َ ُّ ْ‬ ‫َّ‬
‫ين َآم ُنوا ِّبال َق ْو ِّل الث ِّاب ِّت ِّفي الحي ِّاة‬‫اّلل َّالذ َ‬
‫وجل ‪{ُ :‬ي َثب ُت َّ ُ‬ ‫قول ُه َّ‬
‫عز َّ‬ ‫فذلك‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫أن من تثبيت هللا عز وجل للمؤمنين‪ ،‬تثبيتهم عند القبر‪.‬‬
‫قال السعدي‪" :‬يخبر هللا تعالى أنه يثبت عباده املؤمنين‪ ،‬أي الذين قاموا بما عليهم من إيمان القلب التام الذي‬
‫يستلزم أعمال الجوارح‪ ،‬ويثمرها‪ ،‬فيثبتهم هللا في الحياة الدنيا عند ورود الشبهات ‪ " ...‬إلى آخر ما قال‪ ،‬فما جاء في‬
‫هذا الحديث هو قول النبي صلى هللا عليه وسلم‪" :‬نزلت في عذاب القبر" ليس سببا لنزول اآلية‪ ،‬و إنما هو من باب‬
‫التفسير‪ ،‬ولذا ترك العلماء القول بالسببية هنا‪ ،‬ألن املراد بهذا الحديث أن هللا عز وجل يثبت املؤمنين عند سؤالهم‬

‫‪- 61 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫في القبر‪ ،‬فقوله صلى هللا عليه وسلم نزلت في عذاب القبر‪ ،‬أو في سؤال امللكين‪ ،‬أن هذه اآلية تشمل هذا املعنى‪ ،‬أى‬
‫من باب التفسير‪ ،‬و ليس من باب أسباب النزول‪.‬‬
‫الخالصة في صيغ أسباب النزول‪( :‬وهذه مهمة تأملوها)‪ ،‬أنه ال يوجد صيغة محددة ألسباب النزول سواء كانت‬
‫صريحة أم غير صريحة‪ ،‬إما لعدم الدليل عليه‪ ،‬وإما الضطراب األساليب املستعملة في ذلك‪ ،‬واختالفها‪،‬‬
‫وتناقضها من حيث التطبيق‪ .‬وإن كانت مادة نزل التي وردت في األحاديث واآلثار داللة قوية على أسباب النزول‪،‬‬
‫ولكن ال يحكم بها إال إذا تحققت األركان التي تعرف بها أسباب النزول‪ ،‬ومن هذه األركان‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون الحدث جديدا‪ ،‬ما يكون حدث سابق كقصة أصحاب الفيل‪ ،‬أو كقصة ثمود‪ ،‬أو عاد‪ ،‬أو قصة نوح‪ ،‬أو‬
‫قصة موس ى‪ ،‬البد أن يكون حدثا جديدا‪.‬‬
‫‪ -‬املوافقة بين اللفظين؛ لفظ اآلية ولفظ الحديث‪ ،‬فال بد أن يكون بينهما قدر مشترك من األلفاظ واملعاني‪ ،‬ولهذا‬
‫يقال السؤال معاد فى الجواب‪ ،‬وذلك ملا بينهما من الصلة‪.‬‬
‫‪ -‬سياق اآليات‪ ،‬وأعني بها اآليات التي تسبق موضع النزول وتتبعه‪ ،‬فهذه ال بد أن تكون في موضوعها وخطابها غير‬
‫مخالفة للسبب في أصله وخطابه‪ ،‬فلو كان على سبيل املثال سياق اآليات في أهل الكتاب‪ ،‬ما صح أن يكون السبب‬
‫في آية منه نازال في املشركين‪.‬‬
‫‪ -‬مراعاة التاريخ بين السبب والنزول‪ ،‬فالسبب ال يتأخر عن النزول إال لحكمة إلهية‪ ،‬وفي أمثلة معروفة‪ ،‬فإذا وقعت‬
‫املباعدة بينهما علمنا أنها ليست بسببها‪ ،‬مثال الحادثة تقع في مكة ثم نقول هذه ‪ -‬وهى آية مدنية ‪ -‬نزلت بسبب تلك‬
‫الحادثة‪ ،‬هذا مما يبعد هذا االحتمال‪ ،‬وهو ال بد من األركان أن يكون هناك مراعاة للتاريخ بين الحادثة وسبب‬
‫النزول‪.‬‬
‫‪ -‬ومن األركان‪ :‬صحة السند‪.‬‬
‫وفق هللا الجميع ملا يحب ويرض ى‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد‪.‬‬

‫قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات ‪ :‬غادة عالء الدين محمود‬
‫قام باملراجعة األولى والتدقيق‪ :‬أخت في هللا‬
‫قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي‪ :‬رئيفة درويش‬
‫اإلشراف العام على فريق العمل‪ :‬رئيفة درويش‬

‫‪- 62 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫علوم القرآن‬
‫د‪ .‬عمرعبد العزيزالدهيش ي‬
‫املحاضرة الثانية عشرة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العاملين‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‬
‫وبعد‪ ،‬فهذه هي الحلقة الثانية عشرة من الحلقات املتعلقة بمقرر علوم القرآن‪ ،‬وفي هذه الحلقة بإذن هللا عز وجل‬
‫سنواصل الحديث عن علم أسباب النزول‪ ،‬وقد سبق أن تكلمنا عن تعريف السبب وما املراد بأسباب النزول‪ ،‬وما‬
‫هي الصيغ الصريحة وغير الصريحة‪ ،‬وكيف التعامل معها‪ ،‬وعن فوائد معرفة أسباب النزول‪ ،‬وغير ذلك من‬
‫املسائل املتعلقة بهذا العلم‪ .‬وفي هذه املحاضرة بإذن هللا تعالى سنتكلم عن مسائل جديدة وهي‪:‬‬
‫✓ مسألة تعدد السبب والنازل واحد‬
‫قد تتعدد األسباب‪ ،‬وتنزل آية أو آيات نزوال واحدا لعدة أسباب‪ ،‬فاآلية أو اآليات التي نزلت إنما نزلت ألسباب عدة‪،‬‬
‫مثال واحد وهو عند قوله سبحانه وتعالى‪:‬‬ ‫ولهذه املسألة أمثلة ذكرها العلماء في كتبهم‪ ،‬وأكتفي بذكر ٍ‬
‫يت ل َّ‬ ‫األه َّلة ُق ْل ه َي َم َواق ُ‬ ‫َ ْ َُ َ َ َ ْ َ‬
‫اس‪[ ،﴾...‬البقرة‪ ،]189:‬فعن البراء بن عازب ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬قال‪" :‬نزلت‬ ‫ِّ‬ ‫لن‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫﴿يسألونك ع ِّن‬
‫هذه اآلية فينا‪ ،‬كانت األنصار إذا حجوا فجاءوا لم يدخلوا من ِّق َبل أبواب بيوتهم‪ ،‬ولكن من ظهورها‪ ،‬فجاء رجل‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ور َها َول ِّك َّن ال ِّب َّر َم ِّن‬ ‫وت ِّم ْن ُظ ُ‬
‫ه‬ ‫س ْالب ُّر ب َأ ْن َت ْأ ُتوا ْال ُب ُي َ‬ ‫‪...‬و َل ْي َ‬
‫من األنصار فدخل من قبل بابه فكأنه ُعير بذلك فنزلت ﴿ َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ْ َ َّ‬ ‫َُ َ‬ ‫َّ َ َ ْ ُ ْ ُ ُ َ َ‬
‫وت ِّم ْن أ ْب َو ِّاب َها﴾ [البقرة‪ ."]189:‬هذا الحديث رواه البخاري ومسلم‪ .‬هذه اآلية ﴿ َي ْسألون َك َع ِّن األ ِّهل ِّة‬ ‫اتقى وأتوا البي‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ُق ْل ِّه َي َم َوا ِّقيت ِّل َّلن َ َ َ ْ َ ُّ‬
‫ُ‬
‫ور َها َول ِّك َّن ال ِّب َّر َم ِّن اتقى﴾ [البقرة‪ ،]189:‬نزلت‬ ‫ْ ُ‬ ‫ُُ‬
‫اس والح ِّج وليس ال ِّبر ِّبأن تأتوا البيوت ِّمن ظه ِّ‬ ‫ِّ‬
‫على سببين‪:‬‬
‫ْ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫‪ .1‬أحد هذين السببين هو سؤالهم النبي صلى هللا عليه وسلم عن األهلة ﴿ َي ْسألون َك َع ِّن األ ِّهلة﴾‪.‬‬
‫فبي َن هللا سبحانه وتعالى أن ذلك ليس من البر‬ ‫‪ .2‬السبب الثاني‪ :‬دخولهم لبيوتهم من ظهورها حال إحرامهم‪َّ ،‬‬
‫إذن‪ ،‬هذه اآلية نزلت لسببين حصال في عهد النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وهو سؤالهم عن األهلة‪ ،‬وأيضا بسبب ما‬
‫كانت تفعله األنصار حال رجوعهم من الحج‪ .‬وكما ذكرت أن األمثلة تتعدد وكثيرة في ذلك ونكتفي بهذا املثال‪.‬‬
‫✓ مسألة تعدد النازل والسبب واحد‬
‫وهي عكس املسألة السابقة‪ ،‬وصورة ذلك أن تكون اآليات النازلة بسبب واحد ُمتعددة املواضع فبعضها في سورة‬
‫وبعضها في سورة أخرى‪ ،‬مع أن السبب الذي أدى إلى نزولها واحد‪ ،‬وهذا واقع وال إشكال فيه‪ ،‬وال يوجد مانع من‬
‫حصوله‪ ،‬واألمثلة على ذلك كثيرة‪ ،‬أكتفي بمثال وهو ما أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬أن‬
‫ً‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫ناسا من أهل الشرك ق َتلوا وأكثروا‪ ،‬وزنوا وأكثروا‪ ،‬فأت ْوا محمدا صلى هللا عليه وسلم فقالوا‪ :‬إن الذي تقول وتدعو‬
‫‪- 63 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫الن ْف َ‬ ‫َ َّ َ َ َ ْ ُ َن َ َ َّ َٰ ً َ‬
‫آخ َر َوَال َي ْق ُت ُلو َن َّ‬
‫س‬ ‫إليه لحسن لو تخبرنا أن ملا عملنا كفارة‪ ،‬فنزل قول هللا تعالى‪﴿ :‬وال ِّذين ال يدعو مع ِّ‬
‫اّلل ِّإلها‬
‫َّ َ َّ َ َّ ُ َّ ْ َ َ َ َ ْ ُ َ َ َ ْ َ ْ َ ْ َٰ َ َ ْ َ َ َ ً ُ َ َ َ ْ َ‬
‫اعف ل ُه ال َعذاب﴾ [الفرقان‪ ،]63:‬اآليات‪ ،‬ونزل‬ ‫ال ِّتي حرم اّلل ِّإال ِّبالح ِّق وال يزنون ۚ ومن يفعل ذ ِّلك يلق أثاما * يض‬
‫َّ ْ َ َّ َّ َّ َ ْ‬ ‫ُ ْ َ َ َ َّ َ َ ْ َ ُ َ َ َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ‬
‫اّلل َيغ ِّف ُر‬ ‫اّلل ِّإن‬ ‫ة‬
‫ِّ ر ِّ ِّ‬‫م‬‫ح‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫وا‬ ‫ط‬ ‫كذلك قوله سبحانه وتعالى‪﴿ :‬قل يا ِّعب ِّادي ال ِّذين أسرفوا على أنف ِّس ِّهم ال تقن‬
‫يم﴾ [الزمر‪ ،]53:‬فهاتان اآليتان نزلتا بسبب واحد‪.‬‬ ‫الر ِّح ُ‬ ‫يعا إ َّن ُه ُه َو ْال َغ ُف ُ‬
‫ور َّ‬ ‫ُّ ُ َ َ ً‬
‫الذنوب ج ِّم ِّ‬
‫✓ مسألة تكرارالنزول‬
‫من مسائل علم أسباب النزول مسألة‪ :‬هل يمكن أن يتكرر النزول؟ بمعنى‪ ،‬هل يمكن أن تنزل آية مثال في مكة ثم‬
‫ينزل بها جبريل مرة ثانية في املدينة؟ هل تنزل سورة في مكة في أول العهد املكي ثم تنزل نفس السورة أو ينزل بها‬
‫جبريل مرة ثانية في آخر العهد املكي أو في العهد املدني؟ هذه املسألة‪ ،‬تكرار النزول‪ ،‬اختلف العلماء فيها على قولين‪:‬‬
‫َّ‬
‫القول األول‪ :‬أن القرآن قد يتكرر نزوله‪ ،‬قد تنزل السورة مرتين أو ثالث مرات‪ ،‬قد تنزل آية أكثر من مرة ومثلوا‬
‫لذلك بسورة الفاتحة‪ ،‬وقد اختار هذا القول السخاوي‪ ،‬والزركش ي‪ ،‬والسيوطي‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وتذكيرا عند حدوث سببه خوف نسيانه‪ ،‬كما قيل في‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تعظيما لشأنه‪،‬‬ ‫قال الزركش ي‪" :‬وقد ينزل الش يء مرتين‬
‫الفاتحة نزلت مرتين‪ ،‬مرة بمكة وأخرى باملدينة‪ ،‬والحكمة في هذا كله أنه قد يحدث سبب من سؤال أو حادثة‬
‫ً‬
‫تذكيرا لهم‬ ‫ؤدى تلك اآلية بعينها إلي النبي صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬ ‫تقتض ي نزول آية وقد نزل قبل ذلك ما يتضمنها ُ‬
‫فت َّ‬
‫بها‪ ،‬وبأنها تتضمن هذه‪ ،‬والعالم قد يحدث له حوادث فيتذكر أحاديث وآيات تتضمن الحكم في تلك الواقعة‪ ،‬وإن‬
‫لم تكن خطرت له تلك الحادثة قبل مع حفظه لذلك النص" انتهى كالمه رحمه هللا‪.‬‬
‫هذا هو القول األول وهو أن النزول قد يتكرر مرتين‪ ،‬أو ثالث مرات‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أنه ليس في القرآن ش يء تكرر نزوله البتة وإنما نزل مرة واحدة‪ ،‬واختار هذا القول ابن حجر وغيره‬
‫رحم هللا الجميع‪.‬‬
‫ً‬
‫وحقيقة عند البحث ودراسة األحاديث والروايات التي قيلت إنها نزلت مرتين كسورة الفاتحة مثال‪ ،‬وآية ﴿ ِّإ َّن‬
‫السي َئات﴾ [هود‪ ،]114 :‬وسورة اإلخالص وغيرها‪ُ ،‬‬
‫نجد عند التأمل أن لها توجيها ومخرجا ُيخرجها‬ ‫الح َس َن ْ ْ َ‬
‫َ‬
‫ات ُيذ ِّهبن َّ ِّ ِّ‬
‫ِّ‬
‫من قول أنها نزلت مرتين‪ ،‬فعدم وجود دليل صحيح يدل على تكرار النزول‪ ،‬وأن القول بتكرار النزول خالف األصل‪،‬‬
‫أمر حاصل‬ ‫كما قال ابن حجر‪" :‬واألصل عدم تكرار النزول"‪ ،‬أيضا عدم الفائدة في تكرار النزول بل هو تحصيل ٍ‬
‫موجود‪ ،‬كل هذا ُيقوي ‪ -‬وهللا أعلم ‪ -‬القول الثاني وهو أن نزول اآلية أو السورة ال يتكرر‪ ،‬وأن األقرب أنه ينزل مرة‬
‫واحدة‪ ،‬وهللا تعالى أعلم ‪.‬‬

‫‪- 64 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫✓ هل العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب؟‬


‫من املسائل املتعلقة بعلم أسباب النزول مسألة‪ :‬هل العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب؟ قد يحصل هناك‬
‫سبب فتنزل اآلية أو اآليات أو تنزل السورة‪ ،‬فهل العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب؟ وباملثال يتضح املقال‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ َ ْ َ َ ْ ُ ْ َ ً َ ْ َ ً ْ َْ َ ْ َ ٌ ْ َ َ ْ َ َ َ ُ‬
‫ص َدق ٍة أ ْو ن ُس ٍك﴾ [ ال َب َق َر ِّة ‪:‬‬ ‫مثال‪ :‬قول هللا تعالى‪﴿ :‬فمن كان ِّمنكم م ِّريضا أو ِّب ِّه أذى ِّمن رأ ِّس ِّه ف ِّفدية ِّمن ِّصي ٍام أو‬
‫‪ ]196‬هذه نزلت في كعب بن ُعجرة‪ ،‬فهل نقصر هذه اآلية على كعب بن عجرة فقط؟ أم أن نقول إن كل من‬
‫حصلت له مثل ما حصل لكعب بن عجرة من أذى أو ارتكاب أي محظور من محظورات اإلحرام فإنه ُيحمل على‬
‫هذه اآلية؟‪ ،‬هذا هو معنى‪ :‬هل العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب‪.‬‬
‫اختلف العلماء في هذا األمر على قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن العبرة بعموم اللفظ ال بخصوص السبب‪ ،‬فال يسقط عموم اللفظ بالسبب الذي ورد عليه‪ ،‬وهو‬
‫مذهب أبي حنيفة‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أن العبرة بخصوص السبب ال بعموم اللفظ فيسقط عموم اللفظ بالسبب الذي ورد عليه وهو‬
‫ُ‬
‫مذهب مالك‪ ،‬ونقل عن الشافعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫َُ‬
‫وهنا أريد أن أن ِّب َه إلي أمر في هذه القاعدة‪ ،‬قاعدة‪ :‬هل العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب‪ ،‬فأقول أنه ال يعني‬
‫هذا الخالف في املسألة أن األحكام النازلة بسبب حوادث خاصة أنها تختص بمن نزلت بسببهم؛ بل هي عامة لهم‬
‫ولغيرهم‪ ،‬وإال لكان أسباب النزول كله مقتصر على هذا وانتهت دالالت القرآن‪ ،‬وهذا املعنى ال ُيراد في هذه املسألة‪،‬‬
‫فالخالف في هذه املسألة ال يعني أن األحكام النازلة بسبب حوادث خاصة أنها تختص بمن نزلت بسببهم؛ بل هي‬
‫عامة لهم ولغيرهم ‪ ،‬فإن القرآن صالح لكل زمان ومكان‪ ،‬حتى على قول من يرى أن العبرة بخصوص السبب وليست‬
‫بعموم اللفظ‪ ،‬لكن الفرق بين القولين في املسألة هو‪:‬‬
‫أن من يرى أن العبرة بخصوص السبب يقول‪ :‬لم نأخذ العموم من الحكم عن طريق اللفظ العام‪ ،‬ألن هذا اللفظ‬
‫بسبب من جهة النزول‪ ،‬ولكن أخذنا ذلك العموم من القياس‪ ،‬أي قياس الحوادث املشابهة لذلك‬ ‫ٍ‬ ‫العام مختص‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫اج ُه ْم َول ْم َيكن ل ُه ْم ش َه َداء ِّإال أ ُنف ُس ُه ْم فش َه َادة أ َح ِّد ِّه ْم‬ ‫ين َي ْر ُمون أ ْز َو َ‬
‫الحدث‪ ،‬مثال قصة نزول آيات املالعنة ﴿ َوالذ َ‬
‫ِّ‬
‫َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ َ ْ َ ْ َ َ َ َْ‬ ‫َ َ ْ َ َ ُ َ َّ َ ْ َ َ َّ َ َْ‬ ‫اّلل إ َّن ُه َ ِّمل َن َّ‬‫َّ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫اّلل علي ِّه ِّإن كان ِّمن الك ِّاذ ِّبين * ويدرأ عنها العذاب أن‬ ‫الص ِّاد ِّقين * والخ ِّامسة أن لعنت ِّ‬ ‫ات ِّب ِِّّ‬ ‫أ ْرب ُع ش َهاد ٍ‬
‫الصادق َين﴾ [ ُّ‬ ‫ان م َن َّ‬ ‫اّلل َع َل ْي َها إن َك َ‬‫َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َّ َ َ َ َّ‬ ‫َت ْش َه َد َأ ْرَب َع َش َه َ‬
‫ور ‪] 7-6 :‬‬ ‫ِّ‬ ‫الن‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ب‬ ‫ض‬ ‫غ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ة‬‫س‬ ‫ام‬
‫ِّ‬ ‫خ‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫*‬ ‫ين‬‫ب‬‫ِّ‬ ‫اذ‬
‫ِّ‬ ‫ك‬‫ال‬ ‫ن‬ ‫مل‬
‫ِّ‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫اّلل‬
‫ِّ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ب‬ ‫ات‬
‫ٍ‬ ‫اد‬
‫هذه اآليات نزلت في حادثة عويمر العجالني ‪-‬كما ذكرناه في املحاضرة السابقة‪ -‬فهل نقول أن هذه اآلية‪ ،‬آية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املالعنة‪ ،‬أنها عامة العبرة؟ ألن العبرة بعموم اللفظ‪ ،‬أي أن كل من العن‪ ،‬أو كل من وجد عند امرأته رجال أجنبيا‬
‫فإنه يلزمه املالعنة؟ اتهمها بالزنا فإنه يلزمه املالعنة؟ نجد أن من قال أن العبرة بعموم اللفظ ‪،‬فإنه سيأخذ هذا‬

‫‪- 65 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫السبب ويجعله عاما لجميع الناس‪ ،‬ومن قال أن العبرة بخصوص السبب وليس بعموم اللفظ سيأخذ الحكم‬
‫بالقياس‪ ،‬نقيس هذا الحكم على غيره‪ .‬إذن نجد أن الطائفة األولى أخذوا داللة اآلية من عمومها‪ ،‬والطائفة الثانية‬
‫أخذوا داللة اآلية من قياسها‪ ،‬أي بالقياس‪ ،‬فالذين يرون أن العبرة بعموم اللفظ يقولون أخذنا هذا العموم عن‬
‫طريق اللفظ العام‪ ،‬أما من يرى أن العبرة بخصوص السبب فيقولون لم نأخذ العموم من الحكم عن طريق اللفظ‬
‫العام‪ ،‬ألن هذا اللفظ العام مختص بسببه من جهة النزول‪ ،‬ولكن أخذنا ذلك العموم من القياس‪ ،‬أي قياس‬
‫الحوادث املشابهة ملا حدث‪.‬‬
‫مثال‪ :‬قصة أوس بن الصامت عندما ظاهر من امرأته‪ ،‬وجاءت هذه املرأة إلى النبي صلى هللا عليه وسلم فأنزل هللا‬
‫اّلل َي ْس َم ُع َت َح ُاو َر ُك َما إ َّن َّ َ‬
‫اّلل َو َّ ُ‬ ‫َ ْ َ َ َّ ُ َ ْ َل َّ ُ َ ُ َ َ ْو َ َ َ ْ َ َ َّ‬
‫اّلل َس ِّم ٌيع َب ِّص ٌير‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫عز وجل‪﴿ :‬قد س ِّمع اّلل قو ال ِّتي تج ِّادلك ِّفي ز ِّجها وتشت ِّكي ِّإلى ِّ‬
‫َ‬ ‫َّ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ ُ َ ُ َ ُ‬
‫ون ِّم ْنك ْم ِّم ْن ِّن َس ِّائ ِّه ْم َما ُه َّن أ َّم َه ِّات ِّه ْم ۖ ِّإ ْن أ َّم َه ُات ُه ْم ِّإال الال ِّئي َول ْد َن ُه ْم‪[ ﴾ ...‬املجادلة‪ ]4-1:‬اآليات‪ ،‬آيات‬ ‫ال ِّذين يظ ِّاهر‬
‫املظاهرة‪،‬‬
‫‪ -‬على قول من يرى أن العبرة بعموم اللفظ ال بخصوص السبب يقول‪ :‬إن كل من ظاهر من امرأته‪ ،‬وقال أنت‬
‫ُ‬
‫ون ِّم ْن ِّن َس ِّائ ِّه ْم ث َّم‬ ‫ين ُي َظاه ُر َ‬ ‫علي كظهر أمي يلزمه كفارة الظهار‪ ،‬ما دليلكم؟ قالوا دليلنا عموم اللفظ ﴿ َو َّالذ َ‬ ‫َّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اسا ۚ ‪[ ﴾ ...‬املجادلة‪ ،]3:‬اآليات‪.‬‬ ‫ودو َن ملَا َق ُالوا َف َت ْحر ُير َر َق َب ٍة م ْن َق ْبل َأ ْن َي َت َم َّ‬
‫َي ُع ُ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫‪ -‬أما من يرى أن العبرة ليست بعموم اللفظ وإنما بخصوص السبب قالوا‪ :‬نحن ال نأخذ العموم من هذه اآلية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ولكن نقيس الحادثة التي نزلت عليها هذه اآليات بالحوادث املشابهة لها‪ ،‬فنستدل بهذه اآلية استدالال قياسيا‪،‬‬
‫وليس استدالال بعموم اللفظ‪.‬‬
‫وعند النظر والتأمل في هذين القولين نجد أن األقرب‪ ،‬وهللا تعالى أعلم‪ ،‬أن العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص‬
‫السبب‪ ،‬وهذا ما سار عليه واختاره جمهور العلماء كأبي حنيفة‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬اختاروا هذا القول‪.‬‬
‫ُ‬
‫أ ِّنبه إلى أن هذه املسألة وان اختلف العلماء فيها‪ ،‬فإن خالفهم ال يدل على أنهم الذين يقولون إن العبرة بخصوص‬
‫السبب وليس بعموم اللفظ‪ ،‬ال يدل قولهم هذا على أنهم يقصرون هذه اآليات على من نزلت عليه فقط‪ ،‬بل يقولون‬
‫إننا نقصرها عليهم من حيث سبب النزول‪ ،‬ولكن من حيث الحكم فإنه ينطبق عليهم وعلى غيرهم عن طريق‬
‫القياس‪.‬‬
‫بهذا نكون قد انتهينا من املسائل املتعلقة بعلم أسباب النزول‪.‬‬
‫أسأل هللا عز وجل لي ولكم التوفيق والسداد‪ ،‬وصلى هللا وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫‪- 66 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات ‪ :‬إسراء الزعيم‬
‫قام باملراجعة األولى والتدقيق‪ :‬خلدون األتاس ي‬
‫قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي‪ :‬رئيفة درويش‬
‫اإلشراف العام على فريق العمل‪ :‬رئيفة درويش‬

‫‪- 67 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫علوم القرآن‬
‫د‪ .‬عمرعبد العزيزالدهيش ي‬
‫املحاضرة الثالثة عشرة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العاملين وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد‪:‬‬
‫فهذه الحلقة الثالثة عشرة من حلقات مقرر علوم القرآن املستوى األول من برنامج السعدي‪ .‬بادئ ذي بدء‪ ،‬أحيي‬
‫الجميع بتحية اإلسالم‪ ،‬السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪ ،‬أسأل هللا عز وجل لي ولكم التوفيق والتسديد‪.‬‬
‫بإذن هللا عز وجل في هذه املحاضرة نأخذ علما جديـدا من علوم القرآن‪ ،‬وهـذا العلم من األهمية بمكان‪ ،‬بل من‬
‫املؤلفين الـذين ألفوا وجمعوا علوم القرآن في مصنف واحد وحاولوا جاهدين على أن يجمعوا ُ‬
‫ويض ُّموا جميع العلوم‬
‫املتعلقة بهذا العلم‪ ،‬جعلوا هذا العلم هو فاتحة العلوم في كتبهم‪ ،‬وما ذاك إال ألهميته ومكانته من بين علوم‬
‫القرآن ‪ .‬هذا العلم هو علم املكي واملدني‪.‬‬
‫‪ ‬علم املكي واملدني‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫لومه الثمانين في كتابه اإلتقان‬
‫يعتبر هذا العلم من أشرف العلوم وأهمها؛ ولذا صدره اإلمـام السـيوطي في مقدمة ع ِّ‬
‫في علوم القرآن‪ .‬وقد َّبين العلماء أهمية هذا العلم؛ ومن ذلك قول أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب‬
‫النيسابوري في كتاب التنبيه على فضل علوم القرآن‪" :‬من أشرف علوم القرآن علم نزوله وجهاته‪ ،‬وترتيب ما نزل‬
‫بمكة و املدينة‪ ،‬و ما نزل بمكة و حكمه مدني‪ ،‬و ما نزل باملدينة و حكمه مكي‪ ،‬و ما نزل بمكة في أهل مكة‪ ،‬وما نزل‬
‫باملدينة في أهل مكة‪ ،‬وما يشبه نزول املكي في املدني‪ ،‬وما يشبه نزول املدني في املكي‪ ،‬وما نزل بالجحفة‪ ،‬وما نزل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ببيت املقدس‪ ،‬وما نزل بالطائف‪ ،‬وما نزل بالحديبية وما نزل ليال وما نزل نهارا‪ ،‬وما نزل مشيعا ( مثل سور األنعام‬
‫ً‬
‫وسورة الفاتحة و آية الكرس ي) ‪ ،‬وما نزل مفردا‪ ،‬واأليات املدنيات من السور املكية‪ ،‬و األيات املكيات من السور‬
‫املدنية‪ ،‬وما حمل من مكة إلى املدينة‪ ،‬وما حمل من املدينة إلى مكة‪ ،‬وما حمل من املدينة إلى أرض الحبشة‪ ،‬وما‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫نزل مجمال‪ ،‬وما نزل مفسرا‪ ،‬وما اختلفوا فيه ‪ ،‬فقال بعضهم مدني و بعضهم مكي‪ ،‬فهذه خمسة و عشرون وجها‬
‫من لم يعرفها و ُي َم ِّيزها لم َي ِّح ْل له أن يتكلم في كتاب هللا" انتهى كالمه‪.‬‬
‫فبهذا العلم استعانوا على تفسير القرآن‪ ،‬ومعرفة الناسخ واملنسوخ‪ ،‬وتاريخ التشريع اإلسالمي وغير ذلك‪ .‬وقـد اعتنى‬
‫العلماء ‪-‬رحمهم هللا‪ -‬عناية فائقة بمعرفة مكان النزول وزمن النزول؛ ملا في معرفة ذلك من الفوائد العديدة‬
‫املتعلقة بفهم النصوص القرآنية واستيفاء معانيها‪ .‬قال علي ‪ -‬رض ي هللا تعالى عنه ‪" :-‬وهللا ما نزلت آية إال وقد‬
‫ً‬
‫ولسانا َسؤوال"‪ .‬وفي هذا السياق يقول ابن مسعود ‪-‬رض ي‬‫ً‬ ‫ً‬ ‫فيم ُأنزلت وأين ُأنزلت‪ ،‬إن ربي َو َهب لي ً‬
‫قلبا عقوال‬ ‫مت َ‬‫َعل ُ‬
‫ِّ‬
‫نقل هذا القول في مواطن متعددة‪ ،‬يقول ‪-‬رض ي هللا عنه‪" :-‬وهللا الذي ال إله غيره‪ ،‬ما‬ ‫هللا عنه‪ ،-‬وقد سبق معنا ُ‬
‫‪- 68 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬


‫علم أين أنزلت‪ ،‬وال أنزلت آية من كتاب هللا إال أنا أعلـم فيم أنزلت‪ ،‬ولو‬ ‫ُأنزلت سورة من كتاب هللا تعالى إال أنا َأ ُ‬
‫َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ً‬
‫أحدا ُ‬
‫أعلم مني بكتاب هللا تبلغه اإلبل ل َركبت إليه‪.".‬‬ ‫أعلم‬
‫✓ من املؤلفات في علم املكي واملدني‪:‬‬
‫فرد جماعة من العلماء هذا العلم بالتأليف والتصنيف في كتب مستقلة و تآليف مفردة‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬ ‫َأ َ‬
‫الض َّحاك ابن ُمزاحم الهاللي له كتاب أسماه نزول القرآن‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬وكتاب اإلمام محمد بن مسلم بن شهاب الزهري اسمه تنزيل القرآن‪،‬‬
‫ِّ‬
‫مكي ابن أبي طالب القيس ي في هـذا العلم سماه كتاب املكي واملدني‪،‬‬ ‫‪ -‬وأيضا كتاب ِ‬
‫ُ‬
‫كتب كثيرة ألفت في هذا العلم‪ ،‬تقريبا ال يخلو قرن من القرون إال فيه ُجملة كتب ألفت‬ ‫وغـيرهم كثير‪ ،‬فهناك ٌ‬
‫ُ‬
‫في هذا العلم‪ .‬وفي عصرنا الحاضر كذلك ألفت كتب في هذا العلم ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬املكي واملدني في القرآن الكريم‪ :‬دراسة تأصيلية نقدية للسور واآليات من أول القرآن إلى نهاية سورة‬
‫تب مقـدمات تتعلق بهذا العلـم‪ ،‬ثم درس النصف األول من القرآن‬ ‫اإلسراء‪ ،‬لعبدالرزاق حسين أحمد‪ ،‬والذي َك َ‬
‫الكريم في تحديد مكي السور من مدنيها‪،‬‬
‫‪ -‬وكذلك هناك دراسة تكميلية من سورة الكهف إلى آخر سور القرآن‪ :‬املكي واملدني من السور واآليات من‬
‫أول سورة الكهف إلى آخر سورة الناس‪ ،‬للدكتور محمد عبد العزيز عبد هللا الفالح‪.‬‬
‫غالبا ال ُ‬
‫تجد كتابا في علوم القرآن‬ ‫ض َّمن ضمن علوم القرآن‪ ،‬ف ً‬ ‫واملؤلفات في ذلك كثيرة‪ ،‬ناهيك عن املؤلفات التي ُت َ‬
‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫إال ووجدت ِّعلم امل ـكي وامل َدني من أوائل العلوم التي يذكرها الكتاب‪.‬‬

‫✓ الضوابط التي يعرف بها املكي واملدني‬


‫ما هو ضابط املكي واملدني؟ مـتى نقـول هـذه السورة مكية وهـذه السورة مدنية؟ اختلف العلماء في الضابط الذي‬
‫ُي َم َّي ُز به بين املكي واملدني إلى ثالث اعتبارات ‪:‬‬
‫(‪ )1‬باعتبارمكان النزول‪:‬‬
‫ُ‬
‫من العلماء من قال‪ :‬نميز املكي واملدني باعتبار مكان النـزول‪ .‬قـالوا‪ :‬ما نزل والنبي صلى هللا عليه وسلم في مكة‬
‫ْ‬
‫فإنـه مكي‪ ،‬وما نزل عليه القرآن والنبي صلى هللا عليه وسلم في املدينة فهو مدني‪ .‬وعليه فقول هللا تعالى‪{ :‬ال َي ْو َم‬
‫ُ َُ ُ ْ َ‬
‫اإل ْسال َم ِّد ًينا} [املائدة‪ ،]3:‬هذه اآلية التي نزلت في حجة‬ ‫م‬ ‫ك‬‫ل‬ ‫يت‬ ‫ض‬ ‫ر‬‫َأ ْك َم ْل ُت َل ُك ْم د َين ُك ْم َو َأ ْت َم ْم ُت َع َل ْي ُك ْم ن ْع َمتي َو َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫عدونها مكية‪ ،‬يقولون‪ :‬العبرة بمكان نزول اآلية أو السورة‪ .‬وإذا تأملنا في هذا القول نجد أنه‬ ‫الوداع في مكة َي ُّ‬
‫غير حاصر‪ ،‬فهناك آيات وسور نزلت في غير مكة واملدينة‪ ،‬طيب‪ ،‬نلحقها باملكي أو نلحقها باملدني؟ فهذا مما‬
‫ُ َ‬
‫أ ِّخذ على هـذا االعتبار‪ .‬هناك آيات نزلت في الطائف‪ ،‬وهناك آيات نزلت في تبوك‪ ،‬وهناك آيات نزلت في غيرها‬
‫‪- 69 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫(‪ )2‬باعتبار املخاطبين باآليات‪:‬‬


‫َ‬ ‫من العلماء من اعتبر أن َّ‬
‫الضابط في التفريق بين املكي واملدني هو باعتبـار املخاطبين باآليات‪ ،‬فإذا كانت اآليات‬
‫مناسـبة لخطاب أهل مكة من املشركين واملعرضين عن اإليمان باهلل وبرسوله صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فهي سورة‬
‫ُ‬
‫ؤمن" فهي مدنية‪ .‬فهؤالء ينظرون إلى‬ ‫مكية‪ ،‬وإذا كانت هذه اآليات مناسبة ألهل املدينة أي "املجتمع امل ِّ‬
‫املوضوعات التي اشتملت عليها هـذه اآليات وهـذه السور‪ .‬وعند النظر في هـذا اإلعتبار نجـد كذلك أنه غير‬
‫عدها مكية أم‬‫نضبط وحاصر‪ ،‬فهناك سور لم تشتمل على خطابات ال ألهل مكة وال ألهل املدينة‪ .‬فهل َن ُّ‬ ‫ُم َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫مدنية؟‬
‫(‪ )3‬باعتبارهجرة النبي صلى هللا عليه وسلم من مكة للمدينة‪:‬‬
‫من العلماء من اعتبر أن الحد الفاصل بين املكي واملدني هو هجرة النبي صلى هللا عليه وسلم؛ ألن الهجرة‬
‫َ َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫الخطاب الذي كان ينزل في املدينة عن‬ ‫حدث كبير في م ِّس َيرة ِّسيرته عليه الصالة والسالم‪ .‬وتغير أو اختلف ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الخطاب الذي كان ينزل في مكة‪ ،‬وش ِّرعت أحكام لم تشرع إال في املدينة‪ ،‬نزلت أحكام فيها تحريم وإيجاب في‬ ‫ِّ‬
‫املدينة‪ ،‬فعـدوا الحد الفاصل بين املكي واملدني هـو هجرة النبي صلى هللا عليه وسلم وقالوا‪ :‬ما نزل قبل الهجرة‬ ‫َّ‬
‫فهو مكي‪ ،‬وما نزل بعد الهجرة فهـو مدني حتى لـو نزل بعد الهجرة والنبي صلى هللا عليه وسلم في مكة فإنه يعد‬
‫ُ َُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َْ‬ ‫ْ َْ ْ َُ‬
‫يت لك ُم‬ ‫مدنيا وال يعد مكيا‪ ،‬وعليه فقول هللا عز وجل‪{ :‬ال َي ْو َم أك َمل ُت لك ْم ِّد َينك ْم َوأت َم ْم ُت َعل ْيك ْم ِّن ْع َم ِّتي َو َر ِّض‬
‫ْ َ‬
‫اإل ْسال َم ِّد ًينا} [املائدة‪ ،]3:‬قـالوا‪ :‬أنها مدنية وليست مكية‪ ،‬وإن كانت نزلت في مكة؛ ألنهم يعتبرون الحد الفاصل‬ ‫ِّ‬
‫هـو هجرة النبي صلى هللا عليه وسلم فما نزل قبل الهجرة فهو مكي‪ ،‬وما نزل بعد الهجرة فهـو مدني‪ .‬وحقيقة‬
‫هـذا الحد فاصل ومنضبط‪ ،‬ويشمل جميع األزمان وجميع األمكنة‪ ،‬سواء نزل في الطائف أو نزل في تبوك‪،‬‬
‫ننظر هل هو نزل قبل الهجرة فهو مكي‪ ،‬وما نزل بعد الهجرة فهو مدني ‪.‬‬
‫ونأتي إلى مسألة ما نزل على النبي صلى هللا عليه وسلم بين مكة واملدينة في أثناء هجرته عليه الصالة والسالم‪ .‬يقـول‬
‫يحيى بـن سالم‪" :‬ما نزل بمكة وما نزل في طريق املدينة قبل أن يبلغ النبي صلى هللا عليه وسلم املدينة فهو من املكي‪،‬‬
‫َ‬
‫وما نزل على النبي صلى هللا عليه وسلم في أسفاره ‪ -‬خارج املدينة سواء في مكة أو غيرها ‪ -‬بعد ما ق ِّدم املدينة فهو‬
‫اس} فهو مكي"‪ ،‬وهذا سنأتي إليه‬ ‫ين َآ َم ُنوا} فهو مدني ‪ ،‬وما كان { َيا َأ ُّي َها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫من املدني ‪ ،‬وما كان من القرآن { َيا َأ ُّي َها َّالذ َ‬
‫ِّ‬
‫في تضاعيف الحديث عن هذا العلم‪.‬‬
‫َ ُ‬
‫نخلص من هذا إلى أن الضابط األقرب في التمييز بين املكي واملدني ‪ -‬وهللا أعلم – هو‪ :‬هجرة النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فما نزل قبل الهجرة فهو مكي‪ ،‬وما نزل بعد الهجرة فهو مدني‪ ،‬وما نزل في أثناء الهجرة قبل أن يصل‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم إلى املدينة فهو مكي‪ ،‬كما قال يحيى بن سالم ‪-‬رحمه هللا‪ .-‬كذلك اآليات التي نزلت في‬

‫‪- 70 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫الج َ‬
‫حفة وغيرها من اآليات‪ ،‬ننظر هل هي نزلت قبل الهجرة‬ ‫الطائف‪ ،‬اآليات التي نزلت في تبوك‪ ،‬اآليات التي نزلت في ُ‬
‫أم بعدها؟ فما كان بعدها فإنه مدني ولو نزل بمكة ‪.‬‬
‫✓ خصائص املكي واملدني‬
‫كر لبعض خصائص املكي واملدني‪ ،‬كقول ابن‬ ‫ما هي خصائص املكي واملدني؟ ورد عـن السلف ‪-‬رحمهم هللا‪ِّ -‬ذ ٌ‬
‫اس} فإنه نزل بمكة أو كما‬ ‫ين َآ َم ُنوا} فإنه نزل باملدينة‪ ،‬وما كان { َيا َأ ُّي َها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫مسعود رض ي هللا عنه‪ :‬ما كان { َيا َأ ُّي َها َّالذ َ‬
‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ‬
‫قال‪-‬رض ي هللا عنه‪ .-‬وفي هذا السياق يقول عكرمة‪ :‬كل سورة فيها {يا أيها ال ِّذين آمنوا} فهي مدنية‪.‬‬
‫والرواية‪ ،‬وليس فيه ما هو قابل لالجتهاد‪،‬‬ ‫َّ َ‬ ‫َّ‬
‫واألصل في هذا العلم أعني ‪ -‬علم املكي واملدني ‪ -‬هو النقل والسماع ِّ‬
‫وسبيل العلم به عن طريق الصحابة ‪-‬رض ي هللا عنهم‪ -‬ممن عاصروا الوقائع وشاهدوا التنزيل‪ ،‬فهم ُ‬
‫العمدة في هذا‬
‫َ‬
‫العلـم‪ .‬وما هذه الخصائص ‪ -‬خصائص املكي واملدني ‪ -‬إال أمارات وعالمات لتحديد نوع السورة‪ ،‬أما األصل في ذلك‬
‫دتهم في ذلك‬‫وعم ُ‬
‫والنقل والرواية‪ .‬فالعلماء اجتهدوا في بيان خصائص السوراملكيـة والسور املدنية‪ُ ،‬‬ ‫السماع َّ‬‫هـو َّ‬
‫هو ما جاء عن طريق الرواية أن هذه السورة مكية أو السورة مدينة‪.‬‬
‫خصائص السور املكية‬
‫قد ذكر العلماء جملة من الخصائص واملزايا للسور املكية‪ ،‬ومن ذلك قولهم‪:‬‬
‫‪ -‬كل سورة فيها (كال) فهي مكية‪ ،‬كل سورة ورد فيه (كال) التي هي للردع والزجر‪ ،‬قالوا أنها مناسبة ألهل مكة‬
‫َ ُ‬ ‫َ ُُ‬ ‫َ َّ‬ ‫ً‬
‫ألنهم كانوا كفارا وكان أغلبهم من املشركين ومن الكفار‪ ،‬كقول هللا عز وجل‪{ :‬كال َب ْل َر َان َعلى قل ِّوب ِّهم َّما كانوا‬
‫َ ْ ََ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ َّ َ ُ َّ ْ َ ْ ُ ًّ ًّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ض َدكا َدكا} [الفجر‪{ ،]21:‬كال َب ْل ت ِّح ُّبون ال َع ِّاجلة} [القيامة‪.]20:‬‬ ‫َيك ِّس ُبون} [املطففين‪{ ،]14:‬كال ِّإذا دك ِّت األر‬
‫قـال العلماء‪ :‬كل سورة فيها (كال) فهـي مكية‪ .‬و(كال) وردت في القرآن ثالثا وثالثين مرة‪ ،‬وذلك في خمس عشرة‬
‫سورة‪ ،‬وهذه السوركلها في النصف األخير من القرآن‪.‬‬
‫‪ -‬كل سورة فيهـا سجدة أي ‪ -‬سجدة تالوة ‪ -‬فهي مكية‪ ،‬وهي أربع عشرة سورة‪ ،‬يستثنى من ذلك آية من آيتي سورة‬
‫الحج عند من يقول إنها مدنية‪ ،‬السور التي فيها سجدة‪( :‬األعراف)‪( ،‬الرعد)‪( ،‬النحل)‪( ،‬اإلسراء)‪( ،‬مريم)‪،‬‬
‫(الحج)‪( ،‬الفرقان)‪( ،‬النمل)‪( ،‬السجدة)‪( ،‬ص)‪( ،‬فصلت)‪( ،‬النجم)‪( ،‬االنشقاق)‪( ،‬العلق)‪.‬‬
‫‪ -‬كل سورة مبدوءة بقسم‪ ،‬فهي مكية وهي خمس عشرة سورة ‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬كـل سـورة ُم َ‬
‫فتتحـة بـأحرف َّ‬
‫الت َهجي‪ ،‬مثـل‪( :‬الم)‪( ،‬حـم)‪( ،‬طـس)‪( ،‬طسـم)‪( ،‬ص)‪( ،‬ق) وهـذا حقيقـة ‪ -‬أعني كل‬
‫غلبي وليس ً‬ ‫ٌ َ َ‬
‫حدا كليا؛ ألنه يستثنى من هذا سورة البقرة‪ ،‬وسورة آل‬ ‫سورة تبدأ بأحرف التهجي ‪ -‬هذا حد أ‬
‫عمران‪ ،‬وفي سورة الرعد خالف هل هي مكية أم مدنية‪.‬‬

‫‪- 71 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫َ َ ُّ َ َّ َ َ‬ ‫‪ -‬كل سورة فيها { َيا َأ ُّي َها َّ‬


‫ين آ َم ُنوا} فهي مكية‪ ،‬وهذا أيضا أغلبي وليس كلي‪ .‬فسورة‬ ‫اس} وليس فيها {يا أيها ال ِّذ‬ ‫الن ُ‬
‫اس‪.‬‬ ‫ين َآ َم ُنوا‪ ‬وفيها( َيا َأ ُّي َها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫السجدة على قول من يرى أنها مدنية فيها ( َيا َأ ُّي َها َّالذ َ‬
‫ِّ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ّلل ال ِّذي‬ ‫ّلل َر ِّب الع ِّاملين} [الفاتحة‪{ ،]1:‬الح ْمد ِّ ِّ‬ ‫‪ -‬كل سورة مفتتحة بالحمد فهي مكية وهي خمس سور‪{ :‬الح ْمد ِّ‬
‫ْ َ ْ ُ َّ َّ َ َ َ َ َ َ ْ ْ َ َ َ‬ ‫الظ ُل َمات َو ُّ‬ ‫َ َ َ َّ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ ُّ‬
‫اب َول ْم‬ ‫ّلل ال ِّذي أنزل على عب ِّد ِّه ال ِّكت‬
‫ِّ ِّ‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫ح‬‫ال‬ ‫{‬ ‫‪،‬‬ ‫]‬ ‫‪1‬‬ ‫[األنعام‪:‬‬ ‫}‬ ‫‪...‬‬ ‫الن َ‬
‫ور‬ ‫ِّ‬ ‫ات واألرض وجعل‬ ‫خلق السماو ِّ‬
‫ْ ْ ََ ُ ْ َ ْ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫الس َم َاو ِّ َ َ‬‫ّلل َّال ِّذي َل ُه َما في َّ‬ ‫ْ َ ُ َّ‬ ‫َ ْ َ َّ ُ َ َ‬
‫ض وله الحمد ِّفي اآل ِّخ َر ِّة‪}...‬‬ ‫ات وما ِّفي األر ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫يجعل له ِّعوجا‪[ }...‬الكهف‪{ ،]1:‬الح ْمد ِّ ِّ‬
‫َّ َ َ َ ْ َ‬
‫األ ْ‬ ‫ْ َ ْ ُ َّ َ‬
‫ض‪[ }...‬فاطر‪.]1:‬‬ ‫ات و ِّ‬
‫ر‬ ‫اط ِّر السماو ِّ‬
‫ّلل ف ِّ‬‫[سبأ‪{ ،]1:‬الحمد ِّ ِّ‬
‫‪ -‬كل سورة فيها تأسيس العقيدة اإلسالمية في النفوس بالدعوة إلى عبادة هللا وحده واإليمان برسالة محمد صلى‬
‫هللا عليه وسلم وباليوم اآلخر فهي مكية‪.‬‬
‫‪ -‬كل سورة اشتملت على أصول العبادات واملعامالت واآلداب والفضائل فهي مكية‪.‬‬
‫هذه الخصائص واملزايا دالالت وأمارات على أن هذه السورة سورة مكية‪.‬‬
‫خصائص السور املدنية‬
‫قد ذكر العلماء جملة من الخصائص واملزايا للسور املدنية‪ ،‬ومن ذلك قولهم‪:‬‬
‫اس} فهي مدنية ‪.‬‬ ‫ين َآ َم ُنوا} وليس فيها { َيا َأ ُّي َها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫‪ -‬كل سورة فيها { َيا َأ ُّي َها َّالذ َ‬
‫ِّ‬
‫‪ -‬كل سورة فيها ذكر للمنافقين فهي مدنية‪ ،‬قال مكي بن أبي طالب‪" :‬كل سورة فيها ذكر املنافقين فمدنية"‪،‬‬
‫وزاد غـيره‪" :‬سـوى العنكبوت"‪ ،‬وعليه‪ ،‬فهذا حد أغلبي وليس كلي ‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -‬كل سورة فيها َح ٌد‪ ،‬أو بيان فريضة فإنها مدنية‪ ،‬قال عروة بن الزبير‪" :‬ما كان من َح ٍد أو فريضة فإنه أنزل في‬
‫املدينة"‪.‬‬
‫‪ -‬السور املدنية تتميز في الغالب بطول املقاطع واآليات؛ وذلك َلب ْسط العقائد اإلسالمية واألحكام التشريعية‪.‬‬
‫‪ -‬السور املدنية كذلك ُيذكر فيها أهل الكتاب من اليهود والنصارى؛ ألن اليهود والنصارى كانوا في املدينة ‪.‬‬
‫‪ -‬السور املدنية تتحدث عن املنافقين وأعمالهم وتصرفاتهم‪ ،‬فـإن النفاق لم يحصل ولم يحدث إال في العهـد‬
‫املدني‪ ،‬وهو حال املنافقين أنهم ال يخرجون وال ُيوجدون إال في حال القوة؛ قوة األمة اإلسالمية‪ ،‬فإذا قوت هذه‬
‫األمة فإنه يخرج املنافقون‪.‬‬
‫نكتفي بهذا القدر‪ ،‬ونواصل الحديث بإذن هللا عز وجل في محاضرة قادمة ‪.‬‬
‫أسأل هللا عز وجل لي ولكم التوفيق والسداد‪ ،‬وصلى هللا وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫‪- 72 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات ‪ :‬سعاد إبراهيم‬
‫قام باملراجعة األولى والتدقيق‪ :‬رغد‬
‫قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي‪ :‬رئيفة درويش‬
‫اإلشراف العام على فريق العمل‪ :‬رئيفة درويش‬

‫‪- 73 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫علوم القرآن‬
‫د‪ .‬عمرعبد العزيزالدهيش ي‬
‫املحاضرة الرابعة عشرة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العاملين‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪،‬‬
‫وبعد‪ :‬فهذه الحلقة الرابعة عشر من حلقات مقرر علوم القرآن ضمن برنامج السعدي‪ .‬بادئ ذي بدء أحيي الجميع‬
‫بتحية اإلسالم‪ ،‬السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪ ،‬وأسأل هللا عز وجل أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح‪ ،‬يا‬
‫معلم داوود علمنا‪ ،‬ويا مفهم سليمان فهمنا‪.‬‬
‫نواصل الحديث ‪ -‬في هذه املحاضرة ‪ -‬بإذن هللا ‪ -‬عز وجل عن املسائل املتعلقة بـ علم املكي واملدني‪ ،‬فقد تكلمنا في‬
‫عرجنا على خصائص السور املكية واملدنية‪ ،‬وقبلها تكلمنا عن الحد‬ ‫املحاضرة املاضية عن أهمية هذا العلم‪ ،‬ثم َّ‬
‫أو الضابط للمكي واملدني‪ ،‬وقد قلنا أن الراجح في ذلك‪ :‬أن ما نزل قبل الهجرة فهو مكي‪ ،‬وما نزل بعد الهجرة فهو‬
‫حد ضابط وحاصر‪ .‬نأتي اآلن إلى مسألة جديدة وهي‪:‬‬ ‫مدني‪ ،‬وهذا ٌ‬

‫✓ الطريق إلى معرفة املكي واملدني‬


‫ما هو الطريق ملعرفة السور املكية والسور املدنية؟ كيف نعرف أن هذه السورة مكية وأن هذه السورة مدنية؟ ما‬
‫ذكرت في املحاضرة السابقة من خصائص السور املكية واملدنية‪ ،‬فقد ذكرت أنها عالمات وأمارات ولكنها ليست‬
‫حدا فاصال ملعرفة املكي من املدني من آي القرآن الكريم‪ ،‬فيا ترى ما هو الطريق ملعرفة هل هذه السورة مكية أو‬
‫السورة مدنية؟‬
‫ِّ‬
‫السماعي‬ ‫ِّ‬
‫النقلي‬ ‫الطريق األول‪:‬‬
‫هذا الطريق األول هو األساس واألصل وإليه املرجع‪ ،‬وهو طريق الرواية والسماع والنقل‪ ،‬ينقلها املتأخر عن‬
‫املتقدم‪ ،‬ينقلها التابعون عن الصحابة‪ ،‬وتابع التابعين عن التابعين وهكذا‪ ،‬فقد وردت روايات كثيرة في تعداد‬
‫السور املكية والسور املدنية‪ ،‬وذلك عن بعض الصحابة والتابعين وأتباعهم‪ ،‬وهذه الروايات؛ إما أن تكون جامعة‬
‫لكل سور القرآن‪ ،‬أو تكون واردة في تخصيص طائفة من السور‪ ،‬أو تكون بإفراد كل سورة على حدة‬
‫والتنصيص عليها‪ .‬فهذه ثالث مناهج ملا يتعلق بالرواية بالطريق األول‪ ،‬طريق الرواية والسماع والنقل‪.‬‬
‫‪ .1‬أن تكون الرواية جامعة لكل سور القرآن‪ ،‬ومنها ما ذكره السيوطي في كتابه االتقان في علوم القرآن في‬
‫تعريف املكي واملدني حيث قال‪:‬‬

‫‪- 74 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫َ َ‬ ‫ُْ‬ ‫وخ"‪َ :‬ح َّد َثني َي ُم ُ‬ ‫َّ ُ َ ْ َ ْ ُ ُ‬ ‫َ َ َ َ ُ َ ْ َ َّ‬


‫وت ْب ُن امل َز ِّر ِّع‪َ ،‬ح َّدث َنا أ ُبو َحا ِّت ٍم َس ْه ُل ْب ُن‬ ‫ِّ‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫امل‬ ‫و‬ ‫خ‬ ‫اس‬ ‫ِ‬ ‫"الن‬ ‫ه‬ ‫اب‬
‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ت‬ ‫اس في ك َ‬ ‫ُ‬ ‫ح‬ ‫الن َّ‬ ‫((وقال أبو جعف ٍر‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ ُ ُ َ ْ َ َ َ ْ َ ُ ْ ُ ْ ُ َ َّ َ َّ َ َ ُ ُ ُ ْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يب‪َ :‬س ِّم ْع ُت أ َبا َع ْم ِّرو ْب َن ال َعال ِّء َي ُقو ُل‪:‬‬ ‫الس ِّجستا ِّن ُّي‪ ،‬أنبأنا أبو عبيدة معمر بن املثنى‪ ،‬حدثنا يونس بن َح ِّب ٍ‬
‫ْ َ‬
‫مح َّم ٍد ِّ‬
‫ُ َ‬
‫َ ْ َ َ ََ َ ُ َُ‬
‫ورة‬ ‫اس‪ ،‬عن ذ ِّلك فقال‪ :‬س‬ ‫ال‪َ :‬سأ ْل ُت ْاب َن َع َّ‬
‫ب‬ ‫َس َأ ْل ُت ُم َجاه ًدا َع ْن َت ْل ِّخيص آي ْال ُق ْرآن‪ْ ،‬املَ َد ِّني ِّم َن ْاملَ ِّكي‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ َ ْ َ ُْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َْ َ َ ََ‬
‫ات ِّمنها نزلن ِّبامل ِّدين ِّة‪{ :‬قل تعالوا أتل} ]‪ِّ [153-151‬إلى‬ ‫ٍ‬ ‫آي‬ ‫ث‬ ‫ال‬ ‫ث‬ ‫ال‬ ‫إ‬ ‫ة‬
‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ي‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫اح‬ ‫ِّ‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫ة‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫األنع ِّام‪ :‬ن ِّ‬
‫ت‬ ‫ل‬
‫ز‬
‫َ َ َ َ َّ َ َ ُّ َ َ َ َّ ٌ َ َ َ َ ْ َ َّ َ ُ َ ُ ْ ْ َ َ ُ ُ َ َ ُ َ ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫الر ْع ِّد‬ ‫ف َو َّ‬ ‫ود ويوس‬ ‫اف ويونس وه ٍ‬ ‫ات الثال ِّث‪ ،‬وما تقدم ِّمن السو ِّر مد ِّنيات‪ .‬ونزلت ِّبمكة سورة األعر ِّ‬ ‫ت َم ِّام اآلي ِّ‬
‫ص َرفه م ْن ُأ ُح ٍد‪َ ،‬و ُس َ‬ ‫ات م ْن آخر َها َفإ َّن ُه َّن َن َ ْزل َن َب ْي َن َم َّك َة َو ْاملَد َين َة في ُم ْن َ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫َ ْ َ َ َ ْ ْ َ َّ ْ‬
‫ور ِّة‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫وِّإبر ِّاهيم وال ِّحج ِّر والنح ِّل ِّسوى ثال ِّث َآي ٍ ِّ ِّ ِّ ِّ‬
‫ص َمان} ]‪ [21-19‬إ َلى َت َمام َاآل َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ََ‬
‫ف َو َم ْرَي َم َوطه َواألن ِّب َي ِّاء َوالح ِّج ِّسوى ث ِّ ٍ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ ْ َ َ َ َْ‬
‫ات‬ ‫ِّ‬ ‫ي‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫خ‬ ‫ان‬
‫ِّ‬ ‫ذ‬ ‫ه‬ ‫{‬ ‫‪:‬‬ ‫ات‬ ‫آي‬ ‫ث‬ ‫ال‬ ‫يل والك ْه ِّ‬ ‫ب ِّني ِّإسرا ِّئ‬
‫الش َع َر ِّاء ِّس َوى َخ ْ‬ ‫ور ُة ُّ‬ ‫ور ُة املُ ْؤم ُنو َن َوال َف ْر َقان َو ُس َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫الث َالث َفإ َّن ُه َّن َن َزل َن باملَد َينة‪َ ،‬و ُس َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ات ِّم ْن ِّآخ ِّر َها‬ ‫س َآي ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫م‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫وت َو ُّ‬ ‫صص َو ْال َع ْن َك ُ‬ ‫الن ْمل َو ْال َق َ‬ ‫ور ُة َّ‬ ‫ون} ]‪ [224‬إ َلى آخر َها‪َ ،‬و ُس َ‬ ‫الش َع َر ُاء َي َّتب ُع ُه ُم ْال َغ ُاو َ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ َ َ ُّ‬
‫وم‬ ‫ِّ‬ ‫الر‬ ‫ِّ‬ ‫ب‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫نزلن ِّبامل ِّدين ِّة‪{ :‬و‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ات ِّم ْن َها َن َزل َن بامل ِّد َين ِّة‪َ { :‬ول ْو أ َّن َما في األ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ان س َوى َث َالث َ‬ ‫َو ُل ْق َم َ‬
‫ات‪،‬‬ ‫ض ِّمن شج َر ٍة أقال ٌم} ]‪ِّ [29-27‬إلى ت َم ِّام اآلي ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ر‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫آي‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ ُ َُ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ ْ‬ ‫ً‬ ‫َََ ْ َ َ ُْ ً ََ ْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ ُ َّ ْ َ َ َ َ‬
‫ات الثال ِّث‪ ،‬وسورة‬ ‫اسقا} ]‪ِّ [20-18‬إلى تم ِّام اآلي ِّ‬ ‫ات‪{ :‬أفمن كان مؤ ِّمنا كمن كان ف ِّ‬ ‫وسورة السجد ِّة ِّسوى ثال ِّث آي ٍ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫الز ْمر س َوى ثالث َآيات َن َزل َن باملد َينة في َو ْحش ي قاتل َح ْم َزة‪َ { :‬ياع َباد َي الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الص َّاف َ َ َّ‬ ‫َس َب ٍأ َو َف َ َ‬
‫ين‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ٍ ِِّّ‬ ‫ِّ ِّ ِِّّ‬ ‫ِّ ٍ‬ ‫ات وص و ِّ ِّ‬ ‫اط ٍر ويس و َّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ ْ َ َ ُ َّ ْ ُ َ َ َّ َ ُ َ ُّ ُ َ َّ ْ ُ َ ْ َ َ ُ َ َّ ْ َ ُ َ ْ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ات‪ ،‬والحو ِّاميم السبع وق والذا ِّريات والطور والنجم والقمر والرحمن والوا ِّقعة‬ ‫أ ْس َرفوا} ]‪ِّ [53‬إلى ت َم ِّام الثال ِّث َآي ٍ‬
‫َّ‬
‫وح َوال ِّج ِّن َوامل َّز ِّم ِّل ِّإال‬
‫ُْ‬ ‫ْ‬ ‫ور ُ ُ‬
‫ن‬ ‫ة‬ ‫ات م ْن آخر َها َن َ ْزل َن ب ْاملَد َينة‪َ ،‬و ْاملُ ْل ُك َون َو ْال َح َّاق ُة َو َس َأ َل َو ُس َ‬ ‫الت َغ ُاب ُن إ َّال َآي ٌ‬ ‫ف َو َّ‬ ‫َ َّ ُّ‬
‫والص‬
‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ْ ُ ْ َّ َ ُ ْ َ َ َ َ َ َ ْ ُ َّ َ ُ ْ ُ َ َُّ‬ ‫َ ْ ُ َّ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ َ ْ َّ َ َ ْ َّ َ‬ ‫َ‬
‫اّلل و قل هو اّلل‬ ‫آيتي ِّن { ِّإن َرَّبك يعل ُم أنك تقوم} ] ‪ ،[ 20‬واملد ِّث ِّر ِّإلى ِّآخ ِّر القر ِّآن ِّإال ِّإذا زل ِّزل ِّت و ِّإذا جاء نصر ِّ‬
‫الن َ َّ ُ َّ َ َ َّ ٌ َ َ َ َ ْ َ َ ُ َ ُ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َ ُّ‬ ‫وذ ب َرب َّ‬ ‫َ َ ٌ َ ُ ْ َ ُ ُ َ ََْ َ ُ ْ َ ُ ُ‬
‫ور‬ ‫اس ف ِّإنهن مد ِّنيات‪ ،‬ونزل ِّبامل ِّدين ِّ َة سورة األنف ِّال وبراء ٍة والن ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫أح َد و قل أعوذ ِّبر ِّب الفل ِّق و قل أع ِّ‬
‫الت ْحريم‪َ ،‬ه َك َذا أ ْخ َر َج ُه ب ُطوله ‪َ ،‬وإ ْس َن ُاد ُه َجيدٌ‬ ‫ور ُة ُم َح َّمد َو ْال َف ْتح َو ْال ُح ُج َرات َو ْال َحديد َو َما َب ْع َد َها إ َلى َّ‬ ‫َو ْاأل ْح َزاب َو ُس َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ ُُ ُ ْ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫ورين‪ )).‬انتهى كالم السيوطي‪.‬‬ ‫‪ِّ ،‬رجاله كلهم ِّثقات ِّمن علم ِّاء العرِّبي ِّة املشه ِّ‬
‫هذا هو الطريق األول‪ ،‬وهو أن تأتي رواية تجمع السور كلها‪.‬‬
‫سمرة بن جندب رض ي هللا عنه قال‪" :‬نزلت‬ ‫‪ .2‬تخصيص جزء من السورة بوصف جامع لها‪ ،‬مثاله‪ :‬ما رواه ُ‬
‫الحواميم جميعا بمكة"‪.‬‬
‫‪ .3‬بيان كل سورة على حدة‪ ،‬وهذا كثير‪ ،‬مثاله‪ :‬عن ابن الزبير ‪ -‬رض ي هللا تعالى عنهما ‪ -‬قال‪" :‬أنزلت في املدينة‬
‫َ َ َ ْ َ َْ َ َ‬
‫سورة النساء"‪ ،‬وعن أبي جحيفة قال عن سورة األنعام‪" :‬كلها مكية إال‪َ { :‬ول ْو أ َّن َنا ن َّزل َنا ِّإل ْي ِّه ُم املال ِّئكة‪[ }...‬سورة‬
‫األنعام ‪ ،]111:‬فإنها مدنية"‪ ،‬وكذلك هناك روايات كثيرة رويت عن عائشة‪ ،‬وعن ابن عباس‪ ،‬وعن ابن مسعود‬
‫‪-‬رض ي هللا تعالى عنهم جميعا‪ -‬فيها ذكر ملكية أو مدنية سورة على حدة‪.‬‬

‫‪- 75 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫الطريق الثاني‪ :‬القياس ي االجتهادي‬


‫الطريق الثاني يستفاد من الطريق األول‪ ،‬وهو القياس واالجتهاد‪ ،‬وذلك أن العلماء ‪ -‬رحمهم هللا ‪ -‬نظروا في اآليات‬
‫و السور التي عرفوا أنها مكية أو مدنية‪ ،‬عن طريق الرواية‪ ،‬فاستنبطوا خصائص وضوابط للسور املكية‪،‬‬
‫واستنبطوا كذلك خصائص وضوابط للسور املدنية‪ ،‬ثم نظروا في السور التي لم يرد في بيان مكان نزولها‪ ،‬فإن‬
‫وجدوا فيها شيئا من خصائص السور املكية‪ ،‬قالوا أنها مكية‪ ،‬وإن وجدوا فيها خصائص السور املدنية‪ ،‬قالو أنها‬
‫مدنية‪ ،‬وهذا يكون باالجتهاد والقياس؛ أما العمدة في ذلك‪ ،‬في هذا الباب‪ ،‬فهو الرواية والنقل والسماع‪.‬‬
‫✓ هل من املمكن أن تكون هناك سورة مكية ويستثنى منها بعض اآليات؟ أم أن السورة في األصل تكون كلها‬
‫مكية‪ ،‬أو تكون كلها مدنية؟‬
‫تكلم العلماء في هذه املسألة‪ ،‬فقد ورد عن الصحابة والتابعين وأتباعهم بعض اآلثار التي يذكرون فيها أن السورة‬
‫مكية إال آيات منها‪ ،‬وكذلك أن السورة مدنية إال آيات منها‪ ،‬مثال ذلك‪:‬‬
‫َ ٌ‬
‫ص َن ُعوا قا ِّر َعة} [سورة‬ ‫ين َك َف ُروا ُتص ُيب ُه ْم ب َما َ‬ ‫ال َّالذ َ‬ ‫الر ْع ِّد َم َد ِّن َّي ٌة إ َّال َآي ًة َم ِّك َّي ًة { َوال َي َز ُ‬ ‫ور ُة َّ‬ ‫ال ‪ُ " :‬س َ‬ ‫‪َ -‬ع ْن َق َت َاد َة َق َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الرعد ‪"]31:‬‬
‫َ‬ ‫ٌ َ َ‬ ‫َ َ َ ُ َ ُ َّ ْ َ َ َ ْ َّ َ َ‬
‫ات ِّم ْن ِّآخ ِّر َها ف ِّإ َّن ُه َّن‬ ‫الث َآي ٍ‬‫ال ‪ " :‬وسورة النح ِّل نزلت ِّب َمكة ف ِّه َي َم ِّك َّية ِّسوى ث ِّ‬ ‫اس ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬ق‬ ‫ٍ‬ ‫‪َ -‬ع ِّن ْاب ِّن َع َّب‬
‫ْ ُ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ َ َّ َّ ُ َ‬ ‫َ َ ْ َ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ َ َ ُ ْ َ‬
‫اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َم ِّم ْن أ ُح ٍد‪َ ،‬وذ ِّل َك أ َّن ُه ق ِّت َل َح ْم َزة ْب ُن َع ْب ِّد املط ِّل ِّب‬ ‫اّلل صلى‬ ‫ُ‬
‫نزلن بين مكة وامل ِّدين ِّة ِّفي منص َر ِّف َرسو ِّل ِّ‬
‫ُ َ َ‬ ‫اّلل َع َل ْيه َو َس َّل َم‪َ " :‬لئ ْن َأ ْظ َف َرن َي َّ ُ‬
‫اّلل ِّب ِّه ْم أل َم ِّثل َّن ِّبثال ِّث َين‬ ‫ص َّلى َّ ُ‬ ‫اّلل َ‬ ‫َ َ َّ ُ َ ْ ُ َ َ َّ َ ْ ُ ْ ُ َن َ َ َ ُ ُ َّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ال َرسول ِّ‬ ‫ر ِّض ي اّلل عنه ‪ ،‬ومثل ِّب ِّه املش ِّركو ‪ ،‬فق‬
‫َْ‬ ‫ْ ُ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ َ ُ ل َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ُ َل َّ َ ْ َ ْ َ َ َ َّ ُ ْ َ ُ َ َ َّ ْ َْ‬
‫اّلل ل ِّئن أظفرنا اّلل ِّب ِّهم لنم ِّثلن ِّب ِّهم تم ِّثيال لم‬ ‫اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم ‪ :‬يا رسو ِّ‬ ‫ِّمنهم "‪ ،‬فقال أصحاب رسو ِّ ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ات ‪َ ,‬و ُه َّن ق ْوله ت َعالى‪َ { :‬وِّإن َعاق ْبت ْم ف َعا ِّق ُبوا ِّب ِّمث ِّل‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫آي‬ ‫الث‬
‫َ‬
‫ث‬
‫َ‬
‫ة‬ ‫َ‬
‫ين‬ ‫د‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫امل‬ ‫و‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫َّ‬
‫ك‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُي َمث ْل َأ َح ٌد م َن ْال َع َرب ‪َ ،‬ف َأ ْن َز َل َّ ُ‬
‫اّلل ت َعالى َب ْ‬
‫ي‬
‫ٍ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َما ُعو ِّق ْبت ْم ِّب ِّه} ]سورة النحل آية ‪َ [126‬و َما ن َز َل َب ْين َمكة َوامل ِّدين ِّة ف ُه َو َمد ِّن ٌّي‪" .‬‬
‫فيقال في مسألة اآليات املستثناة‪ ،‬األصل أن يحكم للسورة كلها بأنها من املكي‪ ،‬أو أنها من املدني‪ ،‬وأن االستثناء‬
‫خالف األصل‪ ،‬وال بد من نص صحيح للصحابة‪ ،‬أو التابعين‪ ،‬وإذا ورد هذا االستثناء نعرض عليها االحتماالت‬
‫العقلية‪ ،‬هل االستثناء صحيح؟ قد يكون الرسول صلى هللا عليه وسلم قرأ هذه اآلية املكية في حدث مدني‪ ،‬فتوهم‬
‫الصحابي أنها نزلت للتو‪ ،‬فحكم بمدنيتها‪ ،‬وغير ذلك من االفتراضات واالحتماالت العقلية التي تطرح في هذا الباب‪.‬‬
‫يقول رشيد رضا‪ ،‬وهو املفسر املعروف‪" :‬ملا كان وجود آيات مدنية في سورة مكية‪ ،‬أو آيات مكية في سورة مدنية‪،‬‬
‫خالف األصل‪ ،‬فاملختار عدم قبول القول به‪ ،‬إال إذا ثبت برواية صحيحة السند‪ ،‬صريحة املتن‪ ،‬ساملة من املعارضة‬
‫واالحتمال" انتهى كالمه‪.‬‬

‫‪- 76 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫✓ عدد السور املكية وعدد السور املدنية‬


‫نأتي بعد ذلك إلى مسألة جديدة في علم املكي واملدني وهي تتعلق بعدد السور املكية وعدد السور املدنية‪ .‬اختلف‬
‫ُ‬
‫العلماء في عدد السور املدنية‪ ،‬وفي عدد السور املكية‪ ،‬فقد نقل عن ابن حصار أن املدني عشرون سورة‪ ،‬واملختلف‬
‫فيه اثنتا عشرة سورة‪ ،‬وما عدا ذلك فهو مكي‪ .‬قالوا إن السور املدنية هي‪ :‬البقرة‪ ،‬وآل عمران‪ ،‬والنساء‪ ،‬واملائدة‪،‬‬
‫َ‬
‫املجادلة كالهما‬ ‫واملجادلة ‪ -‬أو‬ ‫واألنفال‪ ،‬والتوبة‪ ،‬والنور‪ ،‬واألحزاب‪ ،‬ومحمد‪ ،‬والفتح‪ ،‬والحجرات‪ ،‬والحديد‪،‬‬
‫ِّ‬
‫املمتحنة‪ ،‬الجمعة‪ ،‬املنافقون‪ ،‬الطالق‪ ،‬التحريم‪ ،‬النصر‪ ،‬واختلفوا في اثنتي عشرة سورة‪:‬‬ ‫َ‬ ‫صحيح ‪ ،-‬والحشر‪،‬‬
‫الفاتحة‪ ،‬والرعد‪ ،‬الرحمن‪ ،‬والصف‪ ،‬والتغابن‪ ،‬املطففين‪ ،‬والقدر‪ ،‬البينة‪ ،‬والزلزلة‪ ،‬واإلخالص‪ ،‬والفلق‪ ،‬والناس؛‬
‫ٌ‬
‫إحصاء تقريبي؛ ألن العلماء اختلفوا في بعض هذه السور‪،‬‬ ‫وما عداها سور مكية‪ ،‬وهي اثنتان وثمانون سورة‪ .‬هذا‬
‫ً‬
‫هل هي مكية أم مدنية‪ ،‬وهي تقريبا اثنتا عشرة سورة‪ ،‬وهذا التحديد كما مر معنا سابقا هو عن طريق الرواية‬
‫والنقل والسماع‪ ،‬أو عن طريق القياس باألمارات والخصائص التي عرفنا من خالها أن هذه السورة مكية أو مدنية‪،‬‬
‫فنقيس عليها السور التي لم يبلغنا رواية أنها مكية أو أنها مدنية‪.‬‬
‫✓ فوائد معرفة املكي واملدني‬
‫قد يقول قائل ما هي الفوائد التي نحصل عليها بمعرفة هذا العلم؟ هل له فوائد؟ هل له أثر؟ نقول‪ :‬نعم‪ ،‬بال شك‪،‬‬
‫ومن ذلك‪:‬‬
‫ُ‬
‫‪ -‬معرفة الناسخ واملنسوخ‪ ،‬فإن املتأخر ينسخ املتقدم‪ ،‬وإذا تعامل امل َف ِّسر مع اآليات قد تكون هناك آية أو‬
‫تكون هناك آيتان في موضوع واحد‪ ،‬فما ندري هل هذه ناسخة لتلك‪ ،‬أو تلك ناسخة للتي في السورة األخرى‪،‬‬
‫فنرجع إلى املكي واملدني‪ ،‬وننظر متى نزلت هذه‪ ،‬ومتى نزلت تلك‪ ،‬فإذا كانت اآلية األولى نزلت في مكة‪ ،‬فإن اآلية‬
‫الثانية تكون ناسخة لآلية التي نزلت في مكة‪ ،‬وهذا يترتب عليه الكثير من املسائل املهمة في فهم النصوص‬
‫القرآنية‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬ما رواه سعيد بن جبير ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬قال‪:‬‬
‫وت عليه هذه اآلية التي في الفرقان‪:‬‬
‫َ‬
‫متعمدا من توبة؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فتل ُ‬ ‫ً‬ ‫قتل ً‬
‫مؤمنا‬ ‫"قلت البن عباس‪َ :‬أملَن َ‬
‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫اّلل إ َّال ب ْال َحق َوَال َي ْزُنو َن َو َم ْن َي ْف َع ْل َٰذل َك َي ْلقَ‬
‫س َّالتي َح َّر َم َّ ُ‬
‫َ‬ ‫النفْ‬ ‫َ َّ َ َ َ ْ ُ َن َ َ َّ َٰ ً َ‬
‫آخ َر َوَال َي ْق ُت ُلو َن َّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫اّلل ِّإلها‬
‫{وال ِّذين ال يدعو مع ِّ‬
‫ُ َ ً َّ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ً َ ً َ ُ َٰ َ ُ َ ُ َُّ‬ ‫ْ‬ ‫ََ ً ُ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ ُ َ ْ َ ْ َ َ ََ ْ ُ‬
‫أثاما يضاعف له العذاب يوم ال ِّقيام ِّة ويخلد ِّف ِّيه مهانا ِّإال من تاب وآمن وع ِّمل عمال ص ِّالحا فأول ِّئك يب ِّدل اّلل‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ات} [سورة الفرقان‪ ،]70-68 :‬قال ابن عباس‪ :‬هذه آية مكية ‪ -‬هذا هو الشاهد ‪ -‬نسختها آية‬ ‫َس ِّيئ ِّات ِّه ْم ح َسن ٍ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ َ ْ َ ْ ُ ْ ُ ْ ً ُ َ َ ً َ َ َ ُ ُ َ َ َّ ُ َ ً َ َ َ َ َّ ُ َ َ‬
‫اّلل َعل ْي ِّه َول َع َن ُه َوأ َع َّد ل ُه َعذ ًابا َع ِّظ ًيما}‬ ‫مدنية‪{ :‬ومن يقتل مؤ ِّمنا متع ِّمدا فجزاؤه جهنم خ ِّالدا ِّفيها وغ ِّضب‬
‫[سورة النساء ‪ ]93‬اآلية"‪.‬‬

‫‪- 77 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫‪ -‬كذلك من فوائد معرفة املكي واملدني‪ ،‬معرفة تاريخ التشريع اإلسالمي وتدرجه في التكليف‪ ،‬ويترتب على هذا‬
‫اإليمان‪ ،‬بأن هذا التدرج ال يكون إال من عليم خبير سبحانه‪ ،‬فمثال‪ :‬في تحريم الخمر تقول عائشة ‪ -‬رض ي هللا‬
‫تعالى عنها ‪" :-‬لو نزل أول ما نزل من القرآن ‪ -‬أي في العهد املكي ‪ -‬ال تزنوا‪ ،‬وال تشربوا الخمر‪ ،‬ملا آمن الناس"‪،‬‬
‫فنزول الخمر‪ ،‬هذا البالء الذي تشربت به نفوس العرب في ذلك الزمن‪ ،‬وكان شربا أساسيا ال يمكن أن ينفكوا‬
‫عنه‪ ،‬جاء القرآن الكريم في تحريمه بمراحل‪ ،‬فلم ُي َح َّرم جملة واحدة‪ ،‬فأول ما نزل في سورة النحل‪ ،‬وهي سورة‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ ََْْ َ ُ َ‬ ‫مكية‪ ،‬يقول سبحانه‪َ { :‬وم ْن َث َم َر َّ‬
‫اب ت َّت ِّخذون ِّم ْن ُه َسك ًرا َو ِّر ْزقا َح َس ًنا} [سورة النحل ‪ ،]67‬ثم‬ ‫ات الن ِّخ َ ِّيل واألعن ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ َ ٌ ٌ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اس} [سورة‬ ‫بعد ذلك نزل قوله سبحانه وتعالى‪{ :‬يسألونك ع ِّن َالخم ِّر واملي ِّس ِّر ۖ قل ِّف ِّيهما ِّإثم ك ِّبيرَ ومنا ِّفع ِّللن ِّ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫البقرة‪ ،]219 :‬ثم بعد ذلك نزل قول هللا عز وجل‪َ { :‬يا أ ُّي َها َّالذ َ‬
‫الصالة َوأن ُت ْم ُسك َارى َح َّتى ت ْعل ُموا‬ ‫ين َآم ُنوا ال ت ْق َرُبوا‬ ‫ِّ‬
‫َ ُ َ‬
‫َما ت ُقولون‪ }...‬اآلية [سورة النساء‪ ،]43 :‬يجوز لكم أن تشربوا‪ ،‬أي‪ :‬عند نزول هذه اآلية‪ ،‬أي يجوز لكم أن‬
‫تشربوا الخمر‪ ،‬ولكن ال تشربوها قبل الصالة؛ حتى ال تصلوا وأنتم سكارى ال تدرون ماذا تقولون‪ ،‬ثم نزل قول‬
‫َّ َ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َّ َ ْ َ ْ ُ َ ْ َ ْ ُ َ ْ َ ْ َ ُ َ ْ َ‬
‫األ ْ َزال ُم ر ْج ٌ‬
‫الش ْيط ِّان‬ ‫س ِّم ْن َع َم ِّل‬ ‫ِّ‬ ‫هللا سبحانه وتعالى‪{ :‬يا أيها ال ِّذين آمنوا ِّإنما الخمر واملي ِّسر واألنصاب و‬
‫وه} [سورة املائدة ‪ .]90:‬فنزول تحريم الخمر كان متدرجا‪ ،‬فبمعرفتنا باملكي واملدني‪ ،‬عرفنا هذا التدرج‬ ‫َ ْ‬
‫اج َتن ُب ُ‬
‫ف ِّ‬
‫وهذا التاريخ التشريعي لهذا الحكم‪ .‬كذلك في الجهاد‪ ،‬وكذلك كثير من األحكام الشرعية نزلت بالتدرج‪ .‬إذن‪،‬‬
‫فمعرفتنا بالسور املكية من املدنية يساعدنا على معرفة التاريخ التشريعي‪.‬‬
‫‪ -‬االستعانة بمعرفة املكي و املدني يساعدنا في تفسير القرآن الكريم‪ ،‬فإن معرفة مكان النزول يعين على فهم‬
‫ً‬
‫املراد باآلية‪ ،‬ومعرفة مدلوالتها‪ ،‬وما يرد فيها من إشارات وفوائد‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬هب أن قارئا قرأ سورة الكافرون‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َُ‬
‫وبالتحديد قوله تعالى‪{ :‬لك ْم ِّد ُينك ْم َو ِّل َي ِّد ِّين} [سورة الكافرون ‪ ، ]6:‬ولم يعلم نزول اآلية وهل هي مكية أو‬
‫مدنية‪ ،‬فإنه يحار وبال شك في معنى اآلية؛ إذ أنه ُيفهم من اآلية أن املسلمين غير مكلفين بالجهاد‪ ،‬ولكن إذا‬
‫علم أن السورة إنما نزلت بمكة‪ ،‬أدرك أن هذه السورة عالج للمرحلة التي كان فيها النبي صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫وليست دليال على عدم مشروعية الجهاد‪.‬‬
‫‪ -‬من فوائد معرفة املكي واملدني‪ ،‬أنها تساعدنا على استخراج سيرة النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وذلك بمتابعة‬
‫أحواله بمكة‪ ،‬ومواقفه في الدعوة‪ ،‬ثم بأحواله في املدينة‪ ،‬وسيرته في الدعوة إلى هللا تعالى‪.‬‬
‫‪ -‬من الفوائد‪ :‬االستفادة من أسلوب القرآن في الدعوة إلى هللا تعالى‪ ،‬فهو أسلوب يشتد ويلين‪ ،‬ويفصل‬
‫ويجمل‪ ،‬ويعد ويتوعد‪ ،‬ويرغب ويرهب‪ ،‬ويوجز ويطنب‪ ،‬حسب أحوال املخاطبين‪ ،‬وهذا من أسرار اإلعجاز في‬
‫القرآن الكريم‪.‬‬

‫‪- 78 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫‪ -‬أيضا من الفوائد‪ :‬الثقة بهذا القرآن الكريم‪ ،‬وبوصوله إلينا ساملا من التغييروالتحريف‪ ،‬إذا كان الصحابة‬
‫يعرفون أين نزلت هذه السورة‪ ،‬وأين نزلت هذه اآلية‪ ،‬مكانها‪ ،‬زمنها‪ ،‬مما يدل على أن هذه األمة بذلت جهدا‬
‫ُ‬
‫كبيرا وعظيما في املحافظة على هذا الكتاب العزيز‪ ،‬فهو وصل إلينا غضا طريا كما أنزل‪.‬‬
‫نكتفي بهذا القدر‪ ،‬ونواصل الحديث بإذن هللا عز وجل في محاضرة قادمة‪.‬‬
‫وفق هللا الجميع ملا يحب ويرض ى‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات ‪ :‬راجية الجنان‬
‫قام باملراجعة األولى والتدقيق‪ :‬أخ في هللا‬
‫قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي‪ :‬رئيفة درويش‬
‫اإلشراف العام على فريق العمل‪ :‬رئيفة درويش‬

‫‪- 79 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫علوم القرآن‬
‫د‪ .‬عمرعبد العزيزالدهيش ي‬
‫املحاضرة الخامسة عشرة‬
‫الحمد هلل رب العاملين‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬وبعد‪ ،‬فهذه الحلقة الخامسة‬
‫عشرة من حلقات مقرر علوم القرآن‪ .‬بادئ ذي بدء‪ ،‬أحيي الجميع بتحية اإلسالم‪ ،‬السالم عليكم ورحمة هللا‬
‫وبركاته‪ ،‬أسأل هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬لي ولكم التوفيق والتسديد‪ ،‬وأسأله ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬أن يرزقنا جميعا العلم النافع‬
‫والعمل الصالح‪ ،‬وأن يتقبل منا جميعا‪.‬‬
‫جديدا من علوم القرآن‪ ،‬وهذا العلم هو علم فضائل القرآن‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بإذن هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬في هذه املحاضرة نأخذ ً‬
‫علما‬
‫كتاب في علوم القرآن إال ويذكر‬‫وقد خصها ُج ُّل َمن َك َتب في علوم القرآن بمزيد ذكر وعناية واهتمام‪ ،‬فال يخلو ٌ‬
‫هذا العلم ضمن أبوابه وعلومه‪ ،‬وما ذاك إال ألهمية هذا العلم‪ ،‬وكذلك أن السنة النبوية حافلة باألحاديث‬
‫املتعددة واملتنوعة في ذكر فضائل القرآن‪ ،‬ففضائل القرآن علمها ودراستها ومدارستها مما يعين على تدبر كتاب‬
‫هللا ‪-‬عز وجل‪ ، -‬والتلذذ بحلو خطابه‪ ،‬واالهتداء بهديه‪ ،‬فمعرفة فضائله‪ ،‬واستحضار األجور املترتبة على تالوته ‪-‬‬
‫تالوة القرآن‪ -‬واآلثار الظاهرة على قارئه‪ ،‬واملستمع إليه‪ ،‬كلها مما ُيبين ُويظهر أهمية هذا العلم‪.‬‬
‫‪ ‬علم فضائل القرآن‬
‫ً‬
‫يشمل علم فضائل القرآن عددا من املوضوعات التي تتعلق بما ورد لهذا القرآن الكريم من فضائل كثيرة‪ ،‬والتي‬
‫يمكن أن نصنفها إلى ثالثة أنواع‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬فضائل القرآن عامة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬فضائل السور‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬فضائل اآليات‪.‬‬
‫كما يدخل موضوع تفاضل القرآن ضمن ما يشمله هذا العلم من موضوعات‪.‬‬
‫ً‬
‫✓ أوال ‪ -‬فضائل القرآن العامة‬
‫َّ َ‬
‫فضلته على ما سواه من الكتب السماوية‪ ،‬ومن باب أولى على ما سواه من سائر‬ ‫لهذا القرآن الكريم فضائل عامة‪،‬‬
‫الكتب البشرية‪.‬‬
‫‪ .1‬الفضيلة األولى لهذا القرآن هي‪ :‬تفضيل كتاب هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬على ما سواه من الكتب السماوية‪ ،‬وكالمه‬
‫تعالى على غيره من الكالم‪ ،‬ودليل ذلك‪:‬‬

‫‪- 80 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫ما رواه جابر بن عبد هللا ‪-‬رض ي هللا تعالى عنهما‪ -‬قال‪" :‬كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إذا خطب احمرت‬
‫عيناه‪ ،‬وعال صوته واشتد غضبه‪ .‬حتى كأنه منذر جيش‪ ،‬يقول‪ :‬صبحكم ومساكم‪ .‬ويقول‪( :‬بعثت أنا والساعة‬
‫كهاتين) ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى‪ ،‬ويقول‪( :‬أما بعد‪ .‬فإن خير الحديث كتاب هللا‪ .‬وخير الهدي‬
‫هدي محمد‪ ،‬وشر األمور محدثاتها‪ ،‬وكل بدعة ضاللة)‪ "...‬الحديث رواه اإلمام مسلم‪.‬‬
‫‪ .2‬كذلك من فضائل القرآن العامة‪ :‬الثواب األخروي لتالي كتاب هللا تعالى‪ .‬ودليله ‪:‬‬
‫ما رواه أبو أمامة الباهلي ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬سمعت رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬يقول‪( :‬اقرؤوا القرآن‪،‬‬
‫شفيعا ألصحابه)‪ ،‬وعن أبي هريرة ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬عن النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬قال‪:‬‬ ‫ً‬ ‫فإنه يأتي يوم القيامة‬
‫فيلبس تاج الكرامة‪ ،‬ثم يقول‪ :‬يا رب زده‪ ،‬فيلبس حلة الكرامة‪،‬‬ ‫)يجيء القرآن يوم القيامة‪ ،‬فيقول‪ :‬يا رب حله‪ُ ،‬‬
‫ِّ‬
‫ق ُ‬
‫ثم يقول‪ :‬يا رب ارض عنه‪ ،‬فيرض ى عنه‪ ،‬فيقال له‪ :‬اقرأ وار ‪ ،‬وتزاد بكل آية حسنة)‪ ،‬الحديث رواه الترمذي في‬
‫سننه‪.‬‬
‫أيضا من فضائل القرآن العامة‪ :‬تفضيل أصحابه ‪-‬أصحاب القرآن‪ -‬وتقديمهم على غيرهم‪ .‬ودليله‪:‬‬ ‫‪ً .3‬‬
‫عن عمر بن الخطاب ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬قال‪" :‬إن نبيكم ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬قد قال‪( :‬إن هللا يرفع بهذا الكتاب‬
‫أقواما ويضع به آخرين)"‪ .‬وفي الحديث اآلخر الذي رواه عمرو بن سلمة ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬قال‪" :‬فلما كانت‬ ‫ً‬
‫كل قوم بإسالمهم‪ ،‬وبدر أبي قومي بإسالمهم‪ ،‬فلما قدم قال ‪ُ :‬‬ ‫وقعةأهل الفتح‪ ،‬بادر ُّ‬ ‫ُ‬
‫النبي‬
‫ِّ‬ ‫عند‬ ‫من‬ ‫وهللا‬
‫ِّ‬ ‫كم‬ ‫جئت‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ًّ‬ ‫َ‬ ‫ِّ َّ‬ ‫َّ ُ‬
‫حضرت الصالة‬ ‫ِّ‬ ‫عليه وسلم حقا‪ ،‬فقال ‪( :‬صلوا صالة كذا في حين كذا‪ ،‬وصلوا كذا في حين كذا‪ ،‬فإذا‬ ‫صلى هللا ِّ‬
‫أكثر قر ًآنا مني‪ ،‬ملا كنت أتلقى من الركبان‪،‬‬ ‫أكثركم قر ًآنا )‪ ،‬فنظروا فلم يكن أحد َ‬ ‫أحدكم‪ ،‬وليؤمكم ُ‬ ‫ْفليؤذن ُ‬
‫ِّ‬
‫ٌ ُ‬ ‫ست أو سبع سنين‪ ،"....‬الحديث رواه اإلمام البخاري‪ٌ .‬‬ ‫َّ‬
‫وفضل‬ ‫صبي صغير ق ِّدم ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫فقدموني بين أيديهم‪ ،‬وأنا ابن ِّ‬
‫تفضيل على غيره‬ ‫ٌ‬ ‫على من هو أكبر منه من الرجال بفضيلة هذا القرآن الكريم (يؤمكم أكثركم قر ًآنا)‪ ،‬ففيه‬
‫وتقديم على من سواه‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫لتعلم القرآن وتعليمه وتدريسه ً‬ ‫َّ ُّ‬ ‫َ ُّ‬ ‫ً‬
‫أيضا‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫‪ .4‬أيضا من فضائل القرآن العامة‪ :‬فضيلة تعلمه وتعليمه وتالوته‪ ،‬فإن ِّ‬
‫ً ً‬ ‫ً‬
‫وتالو ِّته فضيلة ومكانة علية‪ ،‬ودليله‪ :‬في الحديث أن النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬قال‪( :‬خيركم من تعلم القرآن‬
‫َّ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ُ‬
‫عليه وسل َم‬ ‫هللا صلى هللا ِّ‬ ‫وعلمه)‪ ،‬وفي الحديث اآلخر حديث عقبة بن عامر ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬قال‪" :‬خرج رسول ِّ‬
‫كوماوي ِّن ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫بناقتي ِّن‬ ‫بطحان أو إلى العقيق فيأتي ُ‬
‫منه‬ ‫َ‬ ‫يوم إلى‬ ‫يحب أن يغدو َّ‬
‫كل‬ ‫الص َّف ِّة ‪ .‬فقال‪( :‬أيكم ُّ‬ ‫ونحن في ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫في َع ِّل َم أو يقرأ‬ ‫املسجد ُ‬ ‫هللا! ُّ‬ ‫َ‬
‫ِّ‬ ‫نحب ذلك‪ ،‬قال‪( :‬أفال يغدو أحدكم إلى‬ ‫حم؟)‪ ،‬فقلنا ‪ :‬يا رسول ِّ‬ ‫قطع ر ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫إثم وال‬
‫غير ٍ‬ ‫في ِّ‬
‫ٌ‬
‫أعدادهن‬ ‫َّ‬ ‫خير ُله من أر ٍبع ‪ .‬ومن‬ ‫ثالث ‪ .‬وأر ٌبع ٌ‬‫خير له من ٍ‬
‫وثالث ٌ ُ‬ ‫خير ُله من ْ‬
‫ناقتي ِّن ‪.‬‬ ‫وجل ٌ‬ ‫عز َّ‬ ‫آيتين من كتاب هللا َّ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ْ‬
‫اإلبل)" الحديث رواه مسلم‪.‬‬ ‫من ِّ‬

‫‪- 81 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫هذه إملاحة سريعة لفضل القرآن عموما‪ ،‬ولو استطردنا وأسهبنا الحديث في فضائل القرآن لطال بنا الحديث‪،‬‬
‫َ‬
‫وألمضينا الحلقة والحلقتين في الحديث عن فضائل القرآن‪ ،‬وهي ال تخفى على شريف علمكم‪ ،‬ولكن أردت أن أذكر‬
‫ً‬
‫نبذة من تلك الفضائل‪ ،‬وأقتصر على جزء من األحاديث التي وردت في ذكر تلك الفضائل‪.‬‬
‫ً‬
‫✓ ثانيا ‪ -‬فضائل السور‬
‫يدخل ضمن فضائل القرآن‪ :‬الفضائل الخاصة بسورة معينة‪ ،‬أو مجموعة سور معينة‪ ،‬وقد ورد في السنة النبوية‬
‫مجموعة أحاديث في ذكر فضائل السور‪ ،‬وهي على أصناف وأنواع‪ ،‬أعني بها األحاديث الورادة في فضائل السور‪.‬‬
‫‪ .1‬فضائل سورة مفردة‪ :‬قد تأتي تلك الفضائل في سورة مفردة‪ ،‬ومن ذلك ما ورد في فضل سورة البقرة‪ ،‬وما‬
‫ورد في سورة الفتح وغيرهما‪.‬‬
‫ْ‬
‫فعن أبي أمامة الباهلي ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪( :‬اق َرؤوا القر َآن ‪ .‬فإنه يأتي‬
‫َ‬
‫وسورة آل عمر َان ‪ .‬فإنهما تأتيان َ‬ ‫َ‬ ‫اقرؤوا َّ‬
‫القيامة كأنهما‬
‫ِّ‬ ‫يوم‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫هر َاوين‪ :‬البقرة‬
‫الز َ‬ ‫شفيعا ألصحابه ‪َ .‬‬ ‫ً‬ ‫القيامة‬
‫ِّ‬
‫َ‬
‫يوم‬
‫َّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫طير صواف تحاجان عن أصحابهما‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫قان من‬ ‫يايتان أو كأنهما ِّفر ِّ‬
‫مامتان أو كأنهما َغ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫غ‬
‫ُ َ ََ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ َ‬ ‫َّ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫البطلة) الحديث رواه مسلم‪.‬‬ ‫فإن أخذها بركة وتركها حسرة ‪.‬وال يستطيعها‬ ‫البقرة‬
‫ِّ‬ ‫اقرؤوا سورة‬
‫وفي صحيح البخاري‪" :‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره ‪ ،‬وعمر ابن الخطاب‬
‫يسير معه ليال ‪ ،‬فسأله عمر بن الخطاب عن ش يء فلم يجبه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ثم سأله فلم‬
‫يجبه ‪ ،‬ثم سأله فلم يجبه ‪ ،‬فقال عمر بن الخطاب ‪ :‬ثكلت أم عمر ‪ ،‬نزرت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫ثالث مرات ‪ ،‬كل ذلك ال يجيبك ‪ ،‬قال عمر ‪ :‬فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس ‪ ،‬وخشيت أن ينزل في القرآن‬
‫فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي ‪ ،‬فقلت ‪ :‬لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن ‪ ،‬فجئت رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم فسلمت عليه ‪ ،‬فقال ‪ ( :‬لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس) ‪.‬‬
‫ثم قرأ ‪ { :‬إنا فتحنا لك فتحا مبينا } "‬
‫لسور مفردة‪ ،‬لسورة واحدة ينص عليها النبي ‪-‬صلى هللا عليه‬ ‫ثنائية‪ ،‬ذكرنا قبل قليل‬
‫ٍ‬ ‫لسور‬ ‫ٌ‬
‫فضل‬ ‫‪ .2‬وقد يرد‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لسور ثنائية‪ ،‬كفضل سورتي البقرة وآل عمران‪ ،‬وسورتي املعوذتين‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وسلم‪ ، -‬وقد يرد فضل‬
‫ْ‬
‫فعن أبي أمامة الباهلي ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬سمعت النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬يقول‪( :‬اق َرؤوا القر َآن ‪ .‬فإنه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اقرؤوا َّ‬
‫القيامة‬
‫ِّ‬
‫عمران فإنهما تأتيان َ‬
‫يوم‬ ‫ِّ‬ ‫هر َاوين‪ :‬البقرة وسورة ِآل‬‫الز َ‬ ‫شفيعا ألصحابه َ‬ ‫ً‬ ‫القيامة‬
‫ِّ‬
‫يأتي َ‬
‫يوم‬
‫َّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫طير صواف تحاجان عن أصحابهما‪،‬‬ ‫قان من ٍ‬ ‫يايتان أو كأنهما ِّفر ِّ‬
‫كأنهما غ ِّ‬ ‫مامتان أو‬‫ِّ‬ ‫كأنهما غ‬
‫ُ َ ََ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ َ‬ ‫َّ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫البطلة) الحديث رواه مسلم‪.‬‬ ‫فإن أخذها بركة وتركها حسرة ‪.‬وال يستطيعها‬ ‫البقرة‬
‫ِّ‬ ‫اقرؤوا سورة‬

‫‪- 82 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ْ َ َ َ ُ ْ َ َّ َ َ َ‬
‫ات أن ِّزل ْت الل ْيلة ل ْم‬
‫اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم‪( :‬ألم تر آي ٍ‬ ‫وعن عقبة بن عامر ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬قال‪" :‬قال رسول ِّ‬
‫وذ ب َرب َّ‬ ‫ُ َ ْ ُ ُ َّ َ ُّ ُ ْ َ ُ ُ َ ْ َ َ َ ُ ْ َ ُ ُ‬
‫اس)"‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫الن‬ ‫ير ِّمثلهن قط قل أعوذ ِّبر ِّب الفل ِّق وقل أع ِّ ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫جامع لها‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫باسم‬
‫ٍ‬ ‫عرف‬ ‫وت‬ ‫واحد‪،‬‬ ‫وصف‬ ‫في‬ ‫جمع‬ ‫وت‬ ‫سور من القرآن‪،‬‬‫ملجموعة ٍ‬‫ِ‬ ‫فضل‬ ‫‪ .3‬وقد يرد‬
‫ومن ذلك ما روته عائشة ‪-‬رض ي هللا تعالى عنها‪ -‬قالت‪ :‬قال رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪( : -‬من أخذ السبع‬
‫األول من القرآن فهو ٌ‬ ‫ُ‬
‫حبر)‪ ،‬رواه اإلمام أحمد في مسنده‪ ،‬وصححه الحاكم‪ .‬وقوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪:-‬‬
‫)فهو حبر)‪ ،‬الحبر بفتح الحاء وكسرها‪ :‬أي العالم‪ ،‬وقوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪) :-‬من أخذ السبع األول) السور‬
‫السبع التي هي أول القرآن‪ :‬سورة البقرة‪ ،‬وآل عمران‪ ،‬وسورة النساء‪ ،‬واملائدة‪ ،‬واألنعام‪ ،‬واألعراف‪ ،‬واألنفال‪.‬‬
‫ان َّ‬
‫الت ْو َر ِّاة‬ ‫أيضا ما رواه واثلة بن األسقع ‪ -‬ض ي هللا عنه‪ -‬أن النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬قال‪(ُ :‬أ ْعط ُ‬
‫يت َم َك َ‬
‫ِّ‬ ‫ر‬
‫الزُبور ْاملَ ِّئين َوأ ْع ِّطيت َمكان اإلنجيل املثا ِّن َي َوفضلت باملف َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ان َّ‬ ‫الس ْب َع َو ُأ ْعط ُ‬
‫يت َم َك َ‬ ‫َّ‬
‫ص ِّل)‪ ،‬الحديث رواه اإلمام‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫أحمد في مسنده‪ .‬يقول ابن جرير صاحب التفسير‪" :‬والسبع الطوال‪ :‬البقرة‪ ،‬وآل عمران‪ ،‬والنساء‪ ،‬واملائدة‪،‬‬
‫واألنعام‪ ،‬واألعراف‪ ،‬ويونس‪ ،‬وإنما سميت هذه السور السبع الطوال لطولها على سائر سور القرآن‪ ،‬وأما‬
‫شيئا‬‫املئون من السور فهي ما كان من سور القرآن عدد آياته مائة آية‪ ،‬أو تزيد عليها شيئا‪ ،‬أو تنقص منها ً‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫يسيرا‪ ،‬وأما املثاني فإنها ما تث ِّني املئين فتتلوها‪ ،‬وكأن املئون ‪-‬السور التي يبلغ آياتها مائة آية‪ -‬كأنها لها أوائل‪،‬‬
‫ً‬
‫وكأن املثاني لها ثواني‪ ،‬وأما املفصل فإنها سميت مفصال لكثرة الفصول التي بين سورها بـ (بسم هللا الرحمن‬
‫الرحيم)"‪ ،‬انتهى كالم ابن جرير الطبري رحمه هللا‪ .‬املئون ما كان من سور القرآن يبلغ عدد آياته مائة آية‪،‬‬
‫واملثاني فإنها ما جاء بعد املئين فتلتها‪ ،‬فكأن املئين لها أوائل‪ ،‬واملثاني تتلوها‪ ،‬هذا مجمل كالم ابن حجر رحمه‬
‫هللا تعالى في شرحه لحديث واثلة بن األسقع ‪-‬رض ي هللا تعالى عنه‪.‬‬
‫هذه الفضائل التي ذكرت فضائل واضحة وظاهرة‪ ،‬ونص عليها النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ ، -‬سواء كانت في سور‬
‫مفردة‪ ،‬أو كانت في سور ثنائية‪ ،‬أو كانت في مجموعة سور يجمعها جامع واحد ورابط واحد‪.‬‬
‫‪ .4‬مما يلحق بفضائل السور تلك السور التي كان النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬يداوم على قراءتها في الصالة بين‬
‫الحين واآلخر‪ ،‬وهذه تعد فضيلة لهذه السورة‪ .‬ومن ذلك‪ :‬قراءة سورتي السجدة واإلنسان‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪-‬‬
‫رض ي هللا عنه‪ -‬قال‪" :‬كان النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬يقرأ في الجمعة في صالة الفجر (ألم تنزيل) السجدة‪،‬‬
‫ََ َ ْ‬
‫و(هل أتى على اإلنسان)"‪ ،‬قال ابن حجر‪ :‬هذا فيه دليل على استحباب قراءة هاتين السورتين في هذه الصالة‬
‫من هذا اليوم‪ ،‬ملا تشعر الصيغة به من مواظبته ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬على ذلك أو إكثاره منه‪.‬‬

‫‪- 83 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫وعن النعمان بن بشير ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬قال‪" :‬كان النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ‬
‫على) و(هل َأ َتاك َحديث ْال َغ َ‬
‫اشية)"‪ ،‬قال‪" :‬وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد‪ ،‬يقرأ‬
‫َ َ‬
‫(سبح ْ اسم َرِّبك األ‬
‫ِّ‬
‫بهما أيضا في الصالتين"‪ ،‬أال يدل هذا على فضيلة هاتين السورتين؟ بلى‪ ،‬ملحافظة النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬‫ً‬
‫عليها وقراءتها‪ ،‬يكررها في األسبوع مرة‪ ،‬في كل أسبوع يقرؤها‪ ،‬إما في صالة الفجر‪ ،‬سورة السجدة واإلنسان‪،‬‬
‫أو يقرأ بهما في صالة الجمعة‪ ،‬وهي سورة سبح والغاشية‪ ،‬بل إذا صلى ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬صالة االستسقاء‬
‫أو صالة العيد فإنه يقرأ بهاتين السورتين‪ ،‬كما ورد ذلك عنه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫‪ .5‬أيضا قد تكون هناك سورة يداوم النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬على قراءتها خارج الصالة‪ ،‬وهذا يدل على‬
‫فضيلة هذه السورة‪ .‬ومن ذلك ما رواه عقبة بن عامر الجنهي ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬قال‪" :‬أمرني رسول هللا ‪-‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ -‬أن أقرأ باملعوذات دبر كل صالة"‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ ُ‬ ‫ُّ‬
‫عليه‬
‫هللا صلى هللا ِّ‬ ‫وعن أم هشام بنت حارثة بن النعمان ‪-‬رض ي هللا عنها‪ -‬قالت‪" :‬لقد كان تنورنا وتنور رسو ِّل ِّ‬
‫َّ‬ ‫املج ُ‬ ‫َ ْ ُ ْ َْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وسل َ‬‫َّ‬
‫هللا صلى‬ ‫لسان رسو ِّل ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫عن‬ ‫إال‬ ‫)‬ ‫يد‬ ‫ِّ‬ ‫آن‬
‫ِّ‬ ‫ر‬‫ق‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫(‬ ‫أخذت‬ ‫وما‬ ‫سنة‬
‫ٍ‬ ‫وبعض‬ ‫سنة‬ ‫أو‬ ‫سنتين‬
‫ِّ‬ ‫ا‬ ‫واحد‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫وسل َ‬‫َّ‬ ‫ُ‬
‫املنبر إذا خطب الناس"‪ ،‬رواه مسلم‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫على‬ ‫جمعة‬
‫ٍ‬ ‫يوم‬‫ِّ‬ ‫كل‬ ‫يقرؤها‬ ‫م‬ ‫عليه‬
‫هللا ِّ‬
‫‪ .6‬مما يلحق بفضائل السور‪ :‬كون السورة أول ما نزل من القرآن‪ ،‬هذا يدل على فضيلة هذه السورة‪ِّ ،‬ل َم؟ ألن‬
‫الناس ال تذكر إال األوائل‪ ،‬وال ُيذكر في أوائل الش يء إال أفضله وأعظمه‪.‬‬
‫َّ‬ ‫صلى ُ‬ ‫ُ َّ َّ‬ ‫ُ َ ُ َ‬
‫هللا عليه وسلم من‬ ‫فعن عائشة زوج النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬قالت‪" :‬أول ما ب ِّدئ به رسول ِّ‬
‫اّلل‬
‫ُ‬ ‫ْ ْ َ ََ‬ ‫َّ‬ ‫َُ‬
‫في َت َح َّنث فيه‪،‬‬ ‫الص ْبح‪ ،‬فكان يأتي ح َر ًاء َ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ُّ‬ ‫ق‬‫ِّ‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ث‬‫م‬ ‫ِّ‬ ‫جاءت‬ ‫إال‬ ‫رؤيا‬ ‫ى‬ ‫َ‬
‫ر‬ ‫ي‬ ‫الن ْوم‪ ،‬فكان ال َ‬
‫ِ‬ ‫في‬ ‫ة‬ ‫ق‬ ‫الصاد‬
‫ِ‬ ‫الرؤيا‬ ‫ي‬
‫ِّ‬
‫الو ْ‬
‫ح‬ ‫َ‬
‫خديج َة ُفت َزو ُد ُه مل ْثلها‪ ،‬حتى َفج َئ ُه الحقُّ‬ ‫َ‬ ‫الع َد ِّد‪َ ،‬ويت َز َّو ُد لذلك‪ ،‬ثم َي ْر ِّج ُع إلى‬
‫َ‬ ‫الت َع ُّب ُد‪ ،‬الليال َي ذوات َ‬ ‫وهو َّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ُْ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ َّ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ََ‬
‫فقل ُت‪ :‬ما أنا ِّب َق ِّار ٍئ‪،‬‬ ‫هللا عليه وسلم ‪( :‬‬ ‫صلى ُ‬ ‫غار ِّح َر ٍاء‪ ،‬فجاءه امل ـل ُك فيه‪ ،‬فقال‪ :‬اق َرأ‪ ،‬فقال له النبي‬ ‫وهو في ِّ‬
‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فأخ َذني َف َغطني حتى َبل َغ مني َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫فقل ُت‪ :‬ما أنا ِّب َق ِّار ٍئ‪ ،‬فأخذني فغطني الثانية حتى‬ ‫الج ْه ُد‪ ،‬ثم أ ْ َسلني فقال‪ :‬اق َرأ‪ُ ،‬‬
‫ر‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الثالثة حتى َب َل َغ مني َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َّ‬ ‫ْ َْ ُ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َب َل َغ مني َ‬
‫الج ْه ُد‪ ،‬ثم‬ ‫ِِّّ‬ ‫فقل ُت‪ :‬ما أنا ِّب َق ِّار ٍئ‪ ،‬فأخذ ِّني فغط ِّني‬ ‫الج ْه ُد‪ ،‬ثم أ ْر َسلني فقال‪ :‬اقرأ‪،‬‬ ‫َ ِّ ِّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ان َما ل ْم َي ْعل ْم} َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫{عل َم اإلن َس َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫اسم َرب َك الذي خل َق} ‪ -‬حتى َبل َغ ‪َ -‬‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫أ ْر َس َلني فقال‪{ :‬اق َرأ ب ْ‬
‫ْ‬
‫واد ُر ُه‪ ،‬حتى‬ ‫ُ َ‬
‫فرجع ِّب َها ت ْرجف ب ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ِّ َ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َد َخل على خ ِّديجة‪ ،‬فقال‪« :‬ز ِّملوني ز ِّملوني» فزملوه حتى ذهب عنه الروع‪ "...‬الحديث في صحيح البخاري‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ومسلم‪ .‬فاألولية في كل ش يء له مزية على غيره‪ ،‬ويكون مما يهتم به ُويعتنى بشأنه‪ ،‬وسورة العلق هي كما مر‬
‫معنا في مسألة أول ما نزل من القرآن هي على القول الصحيح هي أول ما نزل من كتاب هللا ‪-‬عز وجل‪ ، -‬فتلحق‬
‫من هذا الباب بفضائل السور‪.‬‬

‫‪- 84 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫‪ .7‬أيضا مما يلحق بفضائل السور أمر هللا تعالى نبيه ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬بتالوة سورة معينة على أحد‬
‫أصحابه‪ ،‬فاهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬يأمر نبيه ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬بتالوة سورة معينة من سور القرآن‪ ،‬بأن يقرأها‬
‫على أحد الصحابة‪.‬‬
‫َُ‬
‫ومن ذلك ما رواه أنس بن مالك ‪ -‬رض ي هللا تعالى عنه‪ -‬قال‪" :‬قال النبي صلى هللا عليه وسلم ألبي ‪:‬‬
‫يبكي قال‬ ‫ي‬ ‫اك لي ) فجعل ُأ َ‬
‫ب‬ ‫لك؟ قال‪ ( :‬هللا سم َ‬ ‫عليك القر َآن ) ‪ .‬قال أبي‪ :‬آهلل سماني َ‬ ‫هللا أمرني أن أق َرأ َ‬
‫( إن َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اب}"‪ .‬يقول النووي في شرحه لهذا الحديث‬ ‫ين َك َف ُروا م ْن َأ ْهل الك َ‬
‫ت‬ ‫نبئت أنه ق َرأ عليه ‪َ { :‬ل ْم َي ُكن الذ َ‬
‫قتادة ‪ُ :‬فأ ُ‬
‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫وتعليقه على هذا الحديث‪" :‬وأما تخصيص هذه السورة فألنها وجيزة جامعة لقواعد كثيرة من أصول الدين‬
‫وفروعه ومهماته‪ ،‬واإلخالص وتطهير القلوب"‪ ،‬انتهى كالمه‪ .‬فكما أن هذه الحادثة تعد من مناقب أبي بن كعب‬
‫‪-‬رض ي هللا تعالى عنه‪ ،-‬فكذلك السورة التي نص عليها الرب ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬تعد من فضائل السور وبال شك‪.‬‬
‫ومجموع تلك الفضائل الورادة في السور القرآنية يمكن أن تجمع في أربعة مضامين‪ ،‬سآتي عليها بإذن هللا ‪-‬عز وجل‪-‬‬
‫بعد إيراد فضائل اآليات؛ إذ مضامين فضائل السور وفضائل اآليات متقاربة‪ ،‬فخشية التكرار أرجئ تلك املضامين‬
‫إلى نهاية فضائل اآليات بإذن هللا ‪-‬عز وجل‪.‬‬
‫أكتفي بهذا القدر‪ ،‬ونواصل الحديث في الحلقة القادمة‪ ،‬وسيكون حديثنا بإذن هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬عن فضائل آيات‬
‫القرآن‪ .‬وفق هللا الجميع ملا يحب ويرض ى‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات ‪ :‬نهى الخشن‬
‫قام باملراجعة األولى والتدقيق‪ :‬أحمد عبد الرحمن‬
‫قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي‪ :‬رئيفة درويش‬
‫اإلشراف العام على فريق العمل‪ :‬رئيفة درويش‬

‫‪- 85 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫علوم القرآن‬
‫د‪ .‬عمرعبد العزيزالدهيش ي‬
‫املحاضرة السادسة عشرة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العاملين‪ ،‬وصلى هللا على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد‪:‬‬
‫فهذه الحلقة هي الحلقة السادسة عشرة من حلقات مقرر علوم القرآن‪ ،‬ضمن برنامج السعدى‪ .‬بادئ ذي بدء‬
‫أحيي الجميع بتحية اإلسالم‪ ،‬السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪ ،‬وأسأل هللا لي ولكم التوفيق والتسديد‪ .‬في هذه‬
‫املحاضرة بإذن هللا عز وجل سنواصل الحديث عن علم فضائل القرآن‪ ،‬وقد ذكرنا في املحاضرة السابقة أن هذا‬
‫العلم يمكن أن نقسمه إلى ثالثة أقسام‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬فضائل القرآن عامة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬فضائل السور‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬فضائل اآليات‬
‫انتهينا من الحديث عن فضائل القرآن العامة‪ ،‬وفضائل السور‪ ،‬وحديثنا اليوم عن ما يتعلق بفضائل اآليات‪.‬‬
‫✓ ثالثا ‪ -‬فضائل اآليات‬
‫قد حوت السنة النبوية على جملة من األحاديث املتعلقة بفضائل اآليات‪ ،‬وهي على أنواع‪ ،‬من ذلك‪:‬‬
‫‪ .1‬فضل آية واحدة من القرآن الكريم‪ :‬قد ترد أحاديث نبوية في فضل آية واحدة من آيات القرآن يخصها هللا‬
‫عز وجل‪ ،‬ويخصها النبي ‪ -‬صلي هللا عليه وسلم ‪ -‬بمزيد فضل وعناية؛ ومن ذلك‪ :‬ما رواه أبو هريرة ‪ -‬رض ي هللا‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َّ َ َ ُ ُل َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ‬
‫آت ف َج َع َل َي ْحثو ِّم ْن‬ ‫اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم ِّب ِّحف ِّظ زك ِّاة رمضان‪ ،‬فأ ِّ ٍ‬
‫ي‬ ‫ن‬ ‫ا‬‫ت‬ ‫عنه ‪ -‬قال‪" :‬قال‪ :‬وكل ِّني رسو ِّ‬
‫َّ َ َ َ َ ْ ُ ُ َ ُ ْ ُ َ َّ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ُ ل َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ُ ْ َ ٌ َ َ َ َّ َ ٌ َ َ َ ٌ‬
‫اجة‬ ‫اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم‪ ،‬قال ِّإ ِّني محتاج وعلي ِّعيال و ِّلي ح‬ ‫اّلل ألرفعنك ِّإلى رسو ِّ ِّ‬ ‫الطع ِّام فأخذته وقلت و ِّ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫َ َ ٌ َ َ َ َ َّ ْ ُ َ ْ ُ َ ْ َ ْ ُ َ َ َ َّ ُّ َ َّ َّ ُ َ‬
‫اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َم‪َ ( :‬يا أ َبا ُه َرْي َرة َما ف َع َل أ ِس ُير َك‬ ‫ش ِّديدة‪ ،‬قال‪ :‬فخليت عنه فأصبحت‪ ،‬فقال الن ِّبي صلى‬
‫َّ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫اج ًة َش ِّد َيد ًة َو ِّع َي ًاال َف َر ِّح ْم ُت ُه َف َخ َّل ْي ُت َسب َيل ُه‪َ ،‬ق َ‬‫اّلل َش َكا َح َ‬ ‫ْ َ َ َ ُ ْ ُ َ ُ َ َّ‬
‫ال‪( :‬أ َما ِإن ُه ق ْد كذ َب َك‬ ‫ِّ‬ ‫البا ِرحة)‪ ،‬قلت‪ :‬يا َرسول ِّ‬
‫ُ‬ ‫َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َّ ُ َ َ ُ ُ َ َ َ ُ َ‬
‫ص ْدت ُه ف َج َاء َي ْحثو ِّم ْن‬ ‫اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم ِّإنه سيعود‪ ،‬فر‬ ‫ل‬ ‫و‬‫س‬ ‫ود ل َق ْول َر ُ‬ ‫ود)‪َ ،‬ف َع َر ْف ُت َأ َّن ُه َس َي ُع ُ‬ ‫َو َس َي ُع ُ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ َ ٌ َ َ َ َّ َ ٌ َ‬
‫ال ال‬ ‫اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم‪ ،‬قال دع ِّني ف ِّإ ِّني محتاج وعلي ِّعي‬ ‫ل‬‫و‬ ‫س‬‫الط َعام َف َأ َخ ْذ ُت ُه َف ُق ْل ُت َ َأل ْر َف َع َّن َك إ َلى َر ُ‬
‫َّ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ ُ َ َ ْ ُ ُ َ َ َّ ْ ُ َ َ ُ َ َ ْ َ ْ ُ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ‬
‫اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َم‪َ ( :‬يا أ َبا ُه َرْي َرة َما ف َع َل‬ ‫اّلل صلى‬ ‫أعود‪ ،‬فر ِّحمته فخليت س ِّبيله فأصبحت‪ ،‬فقال ِّلي رسول ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫اج ًة َش ِّد َيد ًة َو ِّع َي ًاال َف َر ِّح ْم ُت ُه ف َخل ْي ُت َسبيل ُه‪ ،‬ق َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫اّلل َش َكا َح َ‬ ‫َ ُ َ ُ ْ ُ َ َ ُ َل َّ‬
‫ال‪( :‬أ َما ِإن ُه ق ْد كذ َبك‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫أ ِسيرك)‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسو‬
‫ُ ََ‬ ‫َّ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ ُُ ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ ُ َ َ ْ ُ ُ َّ‬
‫اّلل‪ ،‬وهذا ِّآخر ثال ِّث‬ ‫وسيعود)‪ ،‬ف َرصدته الث ِّالثة فج َاء يحثو ِّمن الطع ِّام فأخذته فقلت أل ْرفعنك ِّإلى َرسو ِّل ِّ‬
‫‪- 86 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫َ‬ ‫َ َّ َ َّ َ َ ْ ُ ُ َ َ ُ ُ ُ َّ َ ُ ُ َ َ َ ْ ُ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ َ َّ ُ َ ُ ْ ُ َ ُ َ َ َ َ َ‬
‫ال‪ِّ :‬إذا أ َو ْي َت ِّإلى‬ ‫ات ينفعك اّلل ِّبها‪ ،‬قلت‪ :‬ما هو‪ ،‬ق‬ ‫ات أنك تزعم ال تعود ثم تعود‪ ،‬قال دع ِّني أع ِّلمك ك ِّلم ٍ‬ ‫مر ٍ‬
‫ٌ‬ ‫َّ ُ َ َ َ َّ ُ َ ْ َ ُّ ْ َ ُّ ُ َ َّ َ ْ َ ْ َ َ َ َّ َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ ْ َّ‬ ‫َ ْ َ ُْ‬ ‫ْ‬
‫اّلل َحا ِّفظ‬ ‫ال عليك ِّمن ِّ‬ ‫ِّف َر ِّاش َك فاق َرأ َآية الك ْر ِّس ِّي {اّلل ال ِّإله ِّإال هو الحي القيوم } حتى تخ ِّتم اآلية ف ِّإنك لن يز‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ َ ٌ َ َّ ُ ْ َ َ َ َّ ْ ُ َ َ ُ َ َ ْ َ ْ ُ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ‬
‫اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َم‪َ ( :‬ما ف َع َل‬ ‫اّلل صلى‬ ‫وال يقربنك شيطان حتى تص ِّبح‪ ،‬فخليت س ِّبيله فأصبحت‪ ،‬فقال ِّلي رسول ِّ‬
‫ُْ‬ ‫اّلل ب َها َف َخ َّل ْي ُت َسبي َل ُه‪َ ،‬ق َ‬ ‫اّلل َز َع َم َأ َّن ُه ُي َعل ُمني َكل َمات َي ْن َف ُعني َّ ُ‬ ‫َ ُ َ ْ َ َ َ ُ ْ ُ َ َ ُ َل َّ‬
‫ال‪َ ( :‬ما ِه َي) قل ُت‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ٍ‬ ‫أ ِسيرك البا ِرحة)‪ ،‬قلت ‪ :‬يا رسو ِّ‬
‫ال‬ ‫وم } َو َق َ‬ ‫اّلل َال إ َل َه إ َّال ُه َو ْال َح ُّي ْال َق ُّي ُ‬ ‫ال لي إ َذا َأ َو ْي َت إ َلى ف َراش َك َف ْاق َ ْرأ َآي َة ْال ُك ْرس ي م ْن أ َّول َها َح َّتى َت ْخت َم ْاآل َي َة { َّ ُ‬
‫َ‬ ‫َق َ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الن ِّب ُّي‬ ‫ال َّ‬ ‫ص َش ْي ٍء َع َلى ْال َخ ْير‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫صب َح‪َ ،‬و َك ُانوا َأ ْح َر َ‬ ‫ال َع َل ْي َك م ْن َّ َ ٌ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ٌ َ َّ ُ ْ‬ ‫لي َل ْن َي َز َ‬
‫َ ِّ‬ ‫اّلل حا ِّفظ وال يقربك شيطان حتى ت ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اطب منذ ثال ِث ليال يا أبا ه َري َرة)‪ ،‬ق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ال‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫صلى اّلل علي ِّه وسلم‪( :‬أما ِإنه قد صدقك وهو كذوب تعلم من تخ ِ‬
‫ان)‪ ".‬رواه البخارى‪.‬‬ ‫اك َش ْي َط ٌ‬ ‫ال‪َ ( :‬ذ َ‬ ‫َال‪َ ،‬ق َ‬
‫َ َ َّ ُّ َ َّ‬
‫صلى‬ ‫‪ .2‬فضل آيتان من القرآن الكريم‪ :‬مثاله ما رواه أبو مسعود األنصاري ‪ -‬رض ي هللا عنه ‪ -‬قال‪ " :‬قال الن ِّبي‬
‫َ َ َ ََ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ ْ َ‬ ‫َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ ْ َ َ‬
‫ور ِة ال َبق َر ِة َم ْن ق َرأ ِب ِه َما ِفي ل ْيل ٍة كفت ُاه)‪ ".‬الحديث في البخاري‪.‬‬ ‫آخ ِرس‬ ‫ْ‬
‫اّلل علي ِّه وسلم‪( :‬اآليت ِان ِمن ِ‬
‫ً‬
‫‪ .3‬فضل ملجموعة آيات من القرآن الكريم‪ :‬وحقيقة األدلة واألمثلة كثيرة‪ ،‬ولكن نكتفي بجزء منها‪ ،‬ونكتفي‬
‫كذلك بالشاهد قدر االستطاعة‪ ،‬قد يرد فضل ملجموعة آيات‪ ،‬من ذلك ما رواه النواس بن سمعان ‪ -‬رض ي‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ات َغ َد ٍاة‪َ ،‬ف َخ َّف َ‬ ‫ال َذ َ‬ ‫اّلل َع َل ْيه َو َس َّل َم َّ‬ ‫ص َّلى َّ ُ‬ ‫َ َ ُ ُ َّ‬
‫ض ِّف ِّيه َو َرف َع َح َّتى ظ َن َّن ُاه ِّفي‬ ‫الد َّج َ‬ ‫ِّ‬
‫اّلل َ‬
‫هللا عنه ‪ -‬قال‪" :‬ذك َر َرسول ِّ‬
‫َ َ َّ ْ َ َ َّ ُ ْ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ ُ ُ ْ ُ ْ َ َ َ ُ َل َّ َ َ ْ َ َّ َّ َ َ ً‬
‫ال غ َداة‪،‬‬ ‫اّلل‪ ،‬ذكرت الدج‬ ‫طا ِّئف ِّة النخ ِّل‪ ،‬فلما رحنا ِّإلي ِّه عرف ذ ِّلك ِّفينا‪ ،‬فقال‪( :‬ما شأنكم؟)‪ ،‬قلنا‪ :‬يا رسو ِّ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ْ ْ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫َ َ َّ ْ َ َ َّ َ َ َّ ُ َ َ َّ ْ َ َ َ َ‬ ‫َف َخ َّف ْ‬
‫الد َّج ِال أخ َوف ِني َعل ْيك ْم ِإن َيخ ُر ْج َوأنا ِفيك ْم‬ ‫(غ ْي ُر َّ‬ ‫ض َت ِّف ِّيه ورفعت حتى ظنناه ِّفي طا ِّئف ِّة النخ ِّل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫َ ُ‬ ‫َ َّ ُ َ َ‬ ‫َََ َ ُ ُ ُ َ ُ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ ََ ْ ُ ُ ْ َ ْ ٌُ َ ُ َ ْ‬
‫اَّلل خ ِليف ِتي َعلى ك ِ ِّل ُم ْس ِل ٍم) ‪ ..‬الحديث‪...‬‬ ‫يج نف ِس ِه و‬ ‫فأنا ح ِجيجه دونكم و ِإن يخرج ولست ِفيكم فامرؤ ح ِج‬
‫َ ْ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ َ ُ َ ْ َْ‬ ‫َ َ َ ُْ‬
‫وفيه قال عليه الصالة والسالم‪( :‬ف َم ْن أ ْد َرك ُه ِمنك ْم ‪ -‬أي الدجال ‪ -‬فليقرأ علي ِه فوا ِتح سور ِة الكهف)‪،‬‬
‫الحديث رواه اإلمام مسلم‪.‬‬
‫ففي هذه الحديث بيان لفضل اآليات التي افتتحت بها سورة الكهف‪ ،‬وأنها تعصم بعد هللا عز وجل من أعظم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فتنة على وجه األرض‪ ،‬وهي فتنة الدجال‪ ،‬وهذا بال شك يدل داللة واضحة على فضيلة هذه اآليات‪ ،‬ويستحب‬
‫حفظها‪ ،‬وتحفيظها كذلك األوالد من الذكور واإلناث عل هللا عز وجل أن يحفظنا من هذه الفتنة العظيمة‪،‬‬
‫َّ ُ‬ ‫ُ‬
‫نبي إال قد حذر أ َّم َته ‪،‬‬ ‫فتنة َّ‬
‫الد َّجال‪ ،‬فإنه لم يكن ٌّ‬
‫ِ‬ ‫التي قال عنها النبي صلي هللا عليه وسلم‪( :‬أما‬
‫ِّ ْ ٌّ ُ‬ ‫ُ َ ِّ ُ ُ‬
‫نبي أ َّم َته)‪ ،‬فدلنا النبي ‪ -‬صلي هللا عليه وسلم ‪ -‬وهو الرؤوف الرحيم بهذه‬ ‫يحذره‬
‫ِ‬ ‫لم‬ ‫بحديث‬
‫ٍ‬ ‫موه‬‫ك‬ ‫وسأح ِذر‬
‫األمة إلى ما يعصمنا من هذه الفتنة؛ وهي قراءة فواتح سورة الكهف‪.‬‬

‫‪- 87 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫‪ .4‬قد يخص النبي صلي هللا عليه وسلم بعض اآليات بقراءتها في صالته يكررها في كل يوم‪ ،‬أو في كل يومين‪،‬‬
‫ُ ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ‬
‫اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َم َي ْق َرأ ِّفي َرك َع َت ْي‬ ‫اّلل صلى‬ ‫ومن ذلك‪ :‬ما رواه ابن عباس ‪ -‬رض ي هللا تعالى عنهما ‪ -‬قال‪" :‬كان رسول ِّ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ُْ َ‬ ‫ْ َ ْ ُ ُ َ َّ َّ‬
‫اّلل َو َما أن ِّز َل ِّإل ْي َنا} ]البقرة ‪َ [ 136 :‬وال ِّتي ِّفي ِّآل ِّع ْم َر َان { ت َعال ْوا ِّإلى ك ِّل َم ٍة َس َو ٍاء َب ْين َنا‬
‫الفج ِّر {قولوا آمنا ِّب ِّ‬
‫ُ‬
‫َو َب ْي َنك ْم} ]آل عمران ‪ ،"[64 :‬الحديث رواه اإلمام مسلم‪.‬‬
‫‪ .5‬وقد يتلو النبي صلى هللا عليه وسلم آيات معينة في أماكن خاصة وأزمنة محددة‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬ما رواه ابن‬
‫َّ ُ َ َ َ ْ َ ً ْ َ َ ْ ُ َ َ ُ ْ ُ ْ َ َ َ َ َ ُ ُ َ َ َ ْ َ‬
‫اضط َج ْع ُت ِّفي‬ ‫عباس ‪ -‬رض ي هللا تعالى عنهما ‪ -‬قال‪" :‬أنه بات ليلة ِّعندميمونة أ ِّم املؤ ِّم ِّنين و ِّهي خالته قال ف‬
‫َ ْ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ْ ُ ُ ُ َ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ ََّ‬
‫اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم‬ ‫اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم وأهله ِّفي ط ِّولها فنام رسول ِّ‬ ‫ض ال ِّوساد ِّة واضطجع رسول ِّ‬ ‫عر ِّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫اّلل َعل ْيه َو َسل َم ف َج َع َل َي ْم َس ُح َّ‬ ‫َّ‬
‫صلى َّ ُ‬ ‫ُ ُ َّ‬
‫اّلل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ َْ‬ ‫ْ ََُْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ ْ ْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ْ َ َ‬
‫الن ْو َم‬ ‫ِّ‬ ‫حتى انتصف اللي ُل أو قبله ِّبق ِّل ٍيل أو بعده ِّبق ِّل ٍيل استيقظ َرسول ِّ‬
‫ََ‬
‫ضأ ِّم ْن َها فأ ْح َس َن‬
‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َ َ ُ َ َّ َ َ َ َ َّ َ‬
‫ور ِة ِآل ِعمران ثم قام ِّإلى ش ٍن معلق ٍة فتو‬ ‫َع ْن َو ْجهه ب َيده ُث َّم َق َرَأ ْال َع ْش َر ْاآل َيات ْال َخ َوات َم م ْن ُس َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ص َن َع َر ُسو ُل اّلل َ‬ ‫ْ‬
‫ص َن ْع ُت مث َل َما َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ال ْاب ُن َع َّباس ف ُق ْم ُت ف َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫وء ُه ُث َّم َق َام ف َ‬
‫َ‬
‫اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َم ث َّم ذ َه ْب ُت‬ ‫صلى ُ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫صلى ق َ‬ ‫ض َ‬ ‫ُو ُ‬
‫َ ُ ْ ُ َ َ ْ َ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ُ ْ ُ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ُ ُ ْ ُ ْ َ َ ْ ُ َ َ َ َّ‬
‫صلى‬ ‫اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم يده اليمنى على رأ ِّس ي وأخذ ِّبأذ ِّني اليمنى يف ِّتلها ف‬ ‫فقمت ِّإلى جن ِّب ِّه فوضع رسول ِّ‬
‫َ ْ َ َ ْ ُ َّ َ ْ َ َ ْ ُ َّ َ ْ َ َ ْ ُ َّ َ ْ َ َ ْ ُ َّ َ ْ َ َ ْ ُ َّ َ ْ َ َ ْ ُ َّ َ ْ َ َ ُ َّ ْ َ َ َ َ َّ َ َ ْ ُ َ ُ َ َ َ َ َ َّ‬
‫صلى‬ ‫ركعتي ِّن ثم ركعتي ِّن ثم ركعتي ِّن ثم ركعتي ِّن ثم ركعتي ِّن ثم ركعتي ِّن ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاء املؤ ِّذن فقام ف‬
‫الص ْب َح"‪ .‬الحديث في صحيح مسلم‪ ،‬ويعلق اإلمام النووي على هذا الحديث‬ ‫ص َّلى ُّ‬ ‫َر ْك َع َت ْين َخف َيف َت ْين ُث َّم َخ َر َج َف َ‬
‫ِّ ِّ ِّ‬
‫بقوله‪ :‬وفيه استحباب قراءة هذه اآليات عند القيام من النوم‪.‬‬
‫أيضا ما رواه جابر بن عبد هللا ‪ -‬رض ي هللا عنهما ‪ -‬في حديثه الطويل في صفة حج النبي صلي هللا عليه وسلم‬
‫بعا‪ ،‬ثم نفذ إلي مقام إبراهيم ‪ -‬عليه السالم‬ ‫وفيه قال‪" :‬حتى إذا أتينا البيت استلم الركن فرمل ثالثا‪ ،‬ومش ي أر ً‬
‫َّ َ ْ َ َ ُ َ ًّ‬ ‫ُ ْ‬
‫صلى} فجعل املقام بينه وبين البيت‪ ،‬فكان أبي يقول‪ :‬وال أعلم ذكره إال‬ ‫‪ -‬فقرأ‪{َ :‬و َّات ِّخذوا ِّمن مق ِّام ِّإبر ِّاهيم م‬
‫اّلل َأ َح ٌد}‪ ،‬و{ ُق ْل َيا َأ ُّي َها ْال َكاف ُر َ‬
‫ون}‪ ،‬ثم رجع إلي‬ ‫عن النبي صلي هللا عليه وسلم‪ :‬كان يقرأ في الركعتين‪ُ { :‬ق ْل ُه َو َّ ُ‬
‫ِّ‬
‫الركن فاستلمه ثم خرج من الباب"‪ .‬الحديث‬
‫هذه طرف لفضائل السور وفضائل اآليات التي ورد عن النبي صلى هللا عليه وسلم ذكرها‪ ،‬أو في املحافظة عليها‪،‬‬
‫أو في الحث على قراءتها‪ .‬ونستطيع أن نجمع تلك الفضائل في أربعة مضامين أو على أربعة اعتبارات وهي‪:‬‬
‫‪ .1‬باعتبارالنظرإلي ما اشتملت عليه السور أو اآليات من املعاني‪:‬‬
‫فقد خص النبي صلي هللا عليه وسلم بعض السور واآليات من بين سور القرآن الكريم ببعض الفضائل ملا‬
‫اشتملت عليه من املعاني‪ ،‬ومن ذلك علي سبيل املثال‪:‬‬
‫َّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َّ‬
‫عليه‬
‫هللا صلى هللا ِّ‬ ‫املسجد‪ ،‬فدعاني رسول ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫صلي في‬
‫ما رواه ابو سعيد بن املعلى ‪ -‬رض ي هللا عنه ‪ -‬قال‪" :‬كنت أ ِّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َ ُ َّ‬
‫َّلل َو ِل َّلر ُسو ِل ِإذا َد َعاك ْم‬
‫يقل هللا‪{ :‬است ِجيبوا ِ ِ‬ ‫ألم‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫كنت ُأصلي‪َ ،‬‬
‫فقال‬ ‫فقلت‪ :‬يا سو َل هللا‪ ،‬إني ُ‬
‫ِّ‬ ‫ر‬ ‫فلم ُأ ْ‬
‫جب ُه‪ُ ،‬‬ ‫َّ‬
‫وسل َم ْ‬
‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫‪- 88 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫املسجد) ثم أخذ‬ ‫من‬‫تخرج َ‬‫َ‬ ‫السو ِر في القر ِّآن‪ ،‬قبل أن‬ ‫أعظم َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫من َك سورة هي‬ ‫يك ْم})‪ ،‬ثم قال لي ‪ُ ( :‬ألعل َّ‬ ‫َ ُ ْ ُ‬
‫ِملا يح ِي‬
‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫قلت ُله ‪ :‬ألم ْ‬ ‫يخرج‪ُ ،‬‬
‫هلل ر ِ ِّب‬
‫سورة في القر ِّآن ‪ .‬قال‪{( :‬الحمد ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫أعظم‬ ‫من َك سورة هي‬ ‫تقل ‪ :‬ألعل َّ‬
‫ِّ‬
‫بيدي فلما أراد أن َ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫العظيم الذي أوتيت ُه)‪ .‬وهذا الفضل ‪ -‬وهللا أعلم ‪ -‬ملا اشتملت عليه هذه‬ ‫ُ‬ ‫السبع املثاني‪ ،‬والقرآن‬ ‫ُ‬ ‫العا ِملين} هي‬
‫السورة من املعاني العظيمة والدالئل الجليلة التي اشتمل عليها جميع القرآن‪ ،‬من الثناء علي هللا عز وجل‪،‬‬
‫أمر‪،‬‬ ‫والتعبد بأمره ونهيه‪ ،‬وبيان وعده ووعيده‪ ،‬ولذلك سميت بأم الكتاب وأم القرآن‪ ،‬والعرب تسمي كل جامع ٍ‬
‫أو متقدم ألمر اذا كانت لو توابع تتبعه‪ ،‬هو لها إمام‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ ُْْ ََ‬
‫وعن أبي بن كعب ‪ -‬رض ي هللا عنه ‪ -‬قال‪" :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪َ ( :‬يا أ َبا املن ِذ ِر‪ ،‬أت ْد ِري أ ُّي َآي ٍة ِم ْن‬
‫ال‪َ ( :‬يا َأ َبا ْاملُ ْنذر‪َ ،‬أ َت ْدري َأ ُّي َآية م ْن ك َتاب َّ‬
‫اَّلل َم َع َك‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ َ َ ْ َ ُ َ َ ُ ْ ُ َّ ُ َ َ ُ ُ ُ َ ْ َ ُ َ‬
‫ق‬ ‫اَّلل معك أعظم؟) قال‪ :‬قلت‪ :‬اّلل ورسوله أعلم‪،‬‬
‫َ‬
‫ٍ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِكت‬
‫َ ْ ْ َ‬ ‫ال‪َ ( :‬و َّ‬ ‫ََ‬ ‫صْ‬ ‫ال‪َ :‬ف َ‬ ‫َّ ُ َ َ ُ َ ْ َ ُّ ْ َ ُّ ُ َ‬ ‫َ ْ َُ َ َ ُ‬
‫اَّلل ِل َي ْه ِنك ال ِعل ُم أ َبا‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫و‬ ‫‪،‬‬‫ي‬ ‫ر‬‫ِّ‬ ‫د‬ ‫ض َر َب في َ‬
‫ِّ‬
‫َ‬ ‫ق‬ ‫‪،‬‬ ‫}‬ ‫وم‬ ‫ي‬‫ق‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ال‬ ‫إ‬ ‫ه‬
‫ِّ ِّ‬‫ل‬ ‫إ‬ ‫ال‬ ‫اّلل‬ ‫{‬ ‫لت‪:‬‬ ‫ق‬ ‫أعظم؟) قال‪:‬‬
‫ُْ‬
‫نذر)‪ ".‬فهذه اآلية أعظم آيات القرآن وأفضلها‪ ،‬وأجلها‪ ،‬وذلك ملا اشتملت عليه من األمور العظيمة‪،‬‬ ‫امل ِ‬
‫والصفات الكريمة هلل سبحانه وتعالي‪ ،‬ولهذا كثرت األحاديث في الترغيب في قراءتها‪ ،‬وجعلها ور ًدا لإلنسان في‬
‫ومساء‪ ،‬بل وعند نومه وفي أدبار صالوته‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أوقاته صباحا‬
‫‪ .2‬باعتبارالنظرإلى ما يترتب علي قراءتها من األجروالثواب‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫صار َي ُؤ ُّم ُه ْم في َم ْسجد ق َباء‪َ ،‬وك َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ان َر ُج ٌل م ْن األ ْن َ‬ ‫ومثال ذلك ما رواه أنس ‪ -‬ض ي هللا عنه ‪ -‬قال ‪"َ :‬ك َ‬
‫ان كل َما اف َت َت َح‬ ‫ِّ ِّ ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ْ ُ َ َّ ُ َ ٌ َ َّ َ ْ ُ ْ َ َّ َ ْ َ ُ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ‬ ‫ُ ًَ ُ َ‬
‫ورة أخ َرى َم َع َها‪،‬‬ ‫الصال ِّة ِّم َّما َي ْق َرأ ِّب ِّه اف َت َت َح ِّب ـ ـ {قل هو اّلل أحد}‪ ،‬حتى يفرغ ِّمنها ثم يقرأ س‬ ‫ورة َي ْق َرأ ِّب َها ل ُه ْم ِّفي‬ ‫س‬
‫ُّ َ ُ َّ َ َ َ َ َّ َ ُ ْ ُ َ َ َّ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َو َك َ‬
‫ص َح ُاب ُه ف َقالوا ِّإ َّن َك ت ْف َت ِّت ُح ِّب َه ِّذ ِّه السور ِّة ثم ال ترى أنها تج ِّزئك حتى تقرأ‬ ‫ص َن ُع ذل َك في كل َرك َعة‪ ٍ،‬فكل َم ُه أ ْ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ان َي ْ‬
‫ال َما َأ َنا ب َتارك َها‪ ،‬إ ْن َأ ْح َب ْب ُت ْم َأ ْن َأ ُؤ َّم ُك ْم ب َذل َك َف َع ْل ُت َوإنْ‬‫َ‬ ‫ب ُأ ْخ َرى َفإ َّما َت ْق َ ُرأ ب َها َوإ َّما َأ ْن َت َد َع َها َو َت ْق َ َرأ ب ُأ ْخ َرى‪َ ،‬فقَ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ ْ ُ ْ َ َ ْ ُ ُ ْ َ َ ُ َ َ ْ َ َ َّ ُ ْ َ ْ َ ْ َ َ ُ َ ْ َ ُ َّ ُ ْ َ ْ ُ ُ َ َ َّ َ َ ُ ْ َّ ُّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ ََّ‬
‫ك ِّرهتم تركتكم‪ ،‬وكانوا يرون أنه ِّمن أفض ِّل ِّهم وك ِّرهوا أن يؤمهم غيره‪ ،‬فلما أتاهم الن ِّبي صلى اّلل علي ِّه وسلم‬
‫وم َه ِذ ِه‬ ‫ز‬‫ص َح ُاب َك َو َما َي ْحم ُل َك َع َلى ُل ُ‬ ‫ال‪َ ( :‬يا ُف َال ُن َما َي ْم َن ُع َك َأ ْن َت ْف َع َل َما َي ْأ ُم ُر َك به َأ ْ‬ ‫وه ْال َخ َب َر َف َق َ‬ ‫َأ ْخ َب ُر ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫اها َأ ْد َخ َل َك ْال َج َّن َة)‪ ".‬الحديث رواه البخاري ً‬ ‫ال‪ُ ( :‬ح ُّب َك إ َّي َ‬ ‫ال‪ :‬إ ِّني ُأ ِّح ُّب َها‪َ ،‬ف َق َ‬‫ََ َ‬ ‫ُ ِّ َ ْ َ‬ ‫ُّ َ‬
‫معلقا‬ ‫ِ‬ ‫السور ِة ِفي ك ِل ركع ٍة؟)‪ ،‬فق ِّ‬
‫بصيغة الجزم ‪ .‬وأي ثواب أعظم من دخول الجنة‪.‬‬
‫وورد في فضل هذه السورة (سورة اإلخالص) أنها تعدل ثلث القرآن‪ .‬فعن أبي هريرة ‪ -‬رض ي هللا عنه ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫َ ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ِّ َ ْ ُ َ ُ ُ ُ َ ْ ُ‬ ‫َ َ َ ُ ُل َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ ْ ُ‬
‫احش ُدوا ف ِإ ِني َسأق َرأ َعل ْيك ْم ثلث الق ْر ِآن) ف َحش َد َم ْن َحش َد‪ ،‬ث َّم خ َر َج‬ ‫اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم ‪( :‬‬ ‫"قال رسو ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ص َّلى ُ‬
‫َّ‬
‫اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َم فق َرأ‪{ :‬ق ْل ُه َو اَّلل أ َح ٌد} ث َّم َدخ َل‪ ،‬فق َ‬
‫ال َب ْع ُ‬ ‫َ ُّ َّ‬
‫ض‪ِّ :‬إ ِّني أ َرى َهذا خ َب ٌر َج َاء ُه‬
‫ٍ‬
‫ضنا ل َب ْ‬
‫ع‬ ‫ِّ‬
‫اّلل َ‬
‫ِّ‬ ‫ن ِّبي‬
‫ْ َّ َ َ َ َ َّ َ ْ َ َ ُ ُ َّ َ َ َ َ ُّ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َ ِّ ُ ْ ُ َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ َ َ ْ ُْ‬
‫اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم فقال‪ِ ( :‬إ ِني قلت لكم سأقرأ عليكم‬ ‫ِّمن السم ِّاء‪ ،‬فذاك ال ِّذي أدخله‪ ،‬ثم خرج ن ِّبي ِّ‬

‫‪- 89 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫ُُ َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ُُ َ ْ ُ‬


‫ثلث الق ْر ِآن‪ ،‬أال ِإ َّن َها ت ْع ِد ُل ثلث الق ْرآن)"‪ ،‬فيما معناه أن ثواب قراءتها يضاعف بقدر ثواب قراءة ثلث القرآن‪،‬‬
‫تضعيف‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بغير‬
‫َ ْ َّ َ َّ َّ ُ َ‬
‫اّلل َعل ْي ِّه‬ ‫كذلك ما رواه أبو هريرة ‪ -‬رض ي هللا عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلي هللا عليه وسلم ‪ -‬قال‪" :‬عن الن ِّب ِّي صلى‬
‫ْ ُْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ور ًة في ْال ُق ْرآن َث َال ُثو َن َآي ًة َش َف َع ْت ل َ‬
‫َ َ َّ َ َ َ َّ ُ َ‬
‫ص ِّاح ِّب َها َح َّتى غ ِّف َر ل ُه {ت َبا َر َك ال ِّذي ِّب َي ِّد ِّه املل ُك}"‪ ،‬الحديث في‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫وسلم قال ِّإن س ِّ‬
‫صحيح ابن ماجه‪ .‬فهذه األحاديث املذكورة هي في فضائل السور واآليات بالنظر إلى ما يترتب على قراءتها من‬
‫األجر والثواب‪.‬‬
‫‪ .3‬باعتبار النظر إلى ما يترتب على هذه السور أو اآليات من أثرحس ي أو معنوي‪:‬‬
‫هناك فضائل لسورة معينة أو آلية أو ملجموعة آيات باعتبار ما يترتب علي هذه السورة‪ ،‬أو تلك اآلية‪ ،‬أو‬
‫ُ‬
‫مجموع تلك اآليات من أثر حس ي‪ ،‬أو أثر معنوي‪ ،‬ولهذا ف ِّضلت تلك السورة أو هذه اآلية عن باقي السور‪ ،‬أو‬
‫على مجموع اآليات األخرى‪.‬‬
‫ص َّلى َّ ُ‬
‫اّلل‬ ‫النبي َ‬ ‫ص َحاب َّ‬ ‫"ان َط َل َق َن َف ٌر م ْن َأ ْ‬ ‫ْ‬
‫ومن األثر الحس ي ما رواه أبو سعيد الخدري ‪ -‬رض ي هللا عنه ‪ -‬قال‪:‬‬
‫ِّ َ َ ِّ ِّ ِّ‬
‫َ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ َ َ َ ُ َ َ َّ َ َ ُ َ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ ُ ُ ْ َ َ ْ ْ ُ َ ُ ُ َ ُ َ‬
‫وه ْم‪ ،‬فل ِّدغ‬ ‫علي ِّه وسلم ِّفي سفر ٍة سافروها‪ ،‬حتى نزلوا على ح ٍي ِّمن أحي ِّاء العر ِّب‪ ،‬فاستضافوهم‪ ،‬فأبوا أن يضيف‬
‫َّ ْ َ َّ َ ِّ َ َ ُ َ َ َّ ُ َْ‬ ‫َ ْ ََُْ َ ُ‬ ‫َسي ُد ْال َحي‪َ ،‬ف َس َع ْوا َل ُه ب ُكل َش ْيء ال َي ْن َف ُع ُه َش ْي ٌء ‪َ ،‬ف َق َ َ ْ ُ‬
‫الء الرهط ال ِّذين نزلوا لعله أن‬ ‫ال بعض ُه ْم ‪ :‬لو أتيت ْم هؤ ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الر ْهط إ َّن َسي َد َنا ل ِّدغ ‪َ ،‬و َس َع ْي َنا ل ُه بكل َش ْي ٍء ال َي ْن َف ُع ُه ‪ ،‬ف َهلْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َي ُكون ِّعند بع ِّضهم ش ْيء ‪ ،‬فأتوهم ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا أيها َّ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ْ َ َ َ ْ ُ ْ ْ َ ْ َ َ َ ْ ُ ُ ْ َ َ ْ َ َّ َ ْ َ َ ْ َ َّ َ َ ْ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ ْ ُ َ ُ َ َ َ َ َ‬
‫اّلل لق ِّد استضفناكم فلم تض ِّيفونا ‪ ،‬فما أنا‬ ‫اّلل ألر ِّقي ‪ ،‬ول ِّكن و ِّ‬ ‫ِّعند أح ٍد ِّمنكم ِّمن ش ي ٍء ؟ قال بعضهم ‪ :‬نعم و ِّ‬
‫َ ْ ُ َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ْ َ َُْ َ ْ ََْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َّ َ ْ َ ُ َ َ ُ ْ َ َ َ ُ ُ َ َ‬
‫َّلل َر ِ ِّب‬ ‫ِّب َر ٍاق لك ْم حتى تجعلوا لنا جعال‪ ،‬فصالحوه ْم على ق ِّط ٍيع ِّمن الغن ِّم‪ ،‬فانطلق يتف ُل علي ِّه‪ ،‬ويق َرأ {الحمد ِ ِ‬
‫َ َ ُ ُ َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ ْ ََ َ َ ْ َ َ ََ َ ٌ َ َ ََ َ‬ ‫ْ َ َ َ َ ََ ُ َ‬
‫وه ْم َعل ْي ِّه ‪،‬‬ ‫ال‪ :‬فأ ْوف ْو ُه ْم ُج ْعل ُه ُم ال ِّذي صالح‬ ‫املين} فكأ َّن َما ن ِّشط ِّم ْن ِّع َق ٍال ‪ ،‬فانطلق يم ِّش ي وما ِّب ِّه قلبة ‪ ،‬ق‬ ‫الع ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اّلل َعل ْيه َو َسل َم‪ ،‬ف َنذك َر ل ُه الذي ك َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫صلى ُ‬‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫النب َّي َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ال الذي َرقى ‪ :‬ال ت ْف َعلوا َح َّتى نأت َي َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ض ُه ُم‪ :‬اق ِّس ُموا ‪ ،‬ق َ‬ ‫ال َب ْع ُ‬‫َف َق َ‬
‫ان‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َ ُ َ ُ َ َ َ َ َ ُ ْ َ َ َّ َ ُ ْ َ ٌ‬ ‫ََْ ُ َ َْ ُ َ َ َ ُ ََ ُ‬
‫اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم‪ ،‬فذكروا له‪ ،‬فقال‪( :‬وما يد ِريك أنها رقية) "‪.‬‬ ‫فننظ َر ما يأم ُرنا‪ ،‬فق ِّدموا على َرسو ِّل ِّ‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ َ ْ َ‬
‫ات ِم ْن أ َّو ِل‬ ‫وعن أبي الدرداء ‪ -‬رض ي هللا عنه ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلي هللا عليه وسلم – قال‪َ ( :‬من ح ِفظ عش َر آي ٍ‬
‫الد َّج ِال) ‪ ،‬رواه مسلم‬ ‫ورة ْال َك ْهف ُعص َم م ْن َّ‬ ‫ُ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫س ِ‬
‫ومن األثراملعنوي ما رواه عمر بن الخطاب ‪ -‬رض ي هللا عنه ‪ -‬في قصة الحديبية ونزول سورة الفتح‪ ،‬والحديث‬
‫رواه البخاري قال‪:‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫اّلل َعل ْيه َو َسل َم ك َ‬‫َ‬ ‫صلى َّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫اّلل َ‬ ‫َّ ُ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ َ َ َ ٌ َ ْ َْ ْ ْ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َح َّد َثني َع ْب ُد َّ ْ ُ ُ ُ‬
‫ان‬ ‫ِّ‬ ‫اّلل بن يوسف أخب َرنا م ِّالك عن زي ِّد ب ِّن أسلم عن أ ِّب ِّيه أن َرسول ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َيس ُير في َب ْعض أ ْس َفاره َو ُع َم ُر ْب ُن الخطاب َيس ُير َم َع ُه ل ْيال ف َسأل ُه ُع َم ُر ْب ُن الخطاب َع ْن ش ْي ٍء فل ْم ُيج ْب ُه َر ُسولُ‬ ‫َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫اب ث ِّكل ْت َك أ ُّم َك‬ ‫ِّ‬ ‫ط‬ ‫خ‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ال ُع َم ُر ْب ُ‬ ‫اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َم ث َّم َسأل ُه فل ْم ُيج ْب ُه ث َّم َسأل ُه فل ْم ُيج ْب ُه َوق َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫صلى ُ‬ ‫اّلل َ‬
‫ِّ‬
‫‪- 90 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫ال ُع َم ُر ف َح َّرك ُت َب ِّع ِّيري ث َّم‬ ‫ات ُك ُّل َذ ِّل َك َال ُيج ُيب َك َق َ‬ ‫َّ َ َ َ‬ ‫َ ُ َ ُ َ َ ْ َ َ ُ َ َّ َ َّ َّ ُ َ َ‬
‫صلى اّلل عل ْي ِّه َو َسل َم ثالث َم َّر ٍ‬ ‫يا عمر نزرت رسول ِّ‬
‫اّلل‬
‫ِّ‬
‫ال َف ُق ْل ُت َل َق ْد َخش ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ ْ ُ َ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ ُ ْ َ ْ َ َّ ُ ْ ٌ َ َ َ ْ ُ ْ َ ْ ُ َ ً َ ْ ُ ُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يت‬ ‫ِّ‬ ‫ق‬ ‫تقدمت أمام املس ِّل ِّمين وخ ِّشيت أن ين ِّزل ِّفي قرآن فما ن ِّشبت أن س ِّمعت صا ِّرخا يصرخ ِّبي‬
‫ُ‬
‫َ ْ َ ُ َ َ َ َ َّ ُ ْ ٌ َ ْ ُ َ ُ َ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َّ ْ ُ َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ ْ َ‬
‫ال‪( :‬لق ْد أن ِزلت َعل َّي‬ ‫اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم فسلمت علي ِّه فق‬ ‫أن يكون نزل ِّفي قرآن و ِّجئت رسول ِّ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ْ َ َ ُ َ ٌ َ َ َ َ ُّ َ َّ َّ َ َ َ ْ َ َ ْ َّ ْ ُ ُ َ‬
‫س) ث َّم ق َرأ { ِّإ َّنا ف َت ْح َنا ل َك ف ْت ًحا ُم ِّب ًينا}"‪ .‬وهذا األثر في فضائل‬ ‫الليلة سورة لهِي أحب ِإلي ِمما طلعت علي ِه الشم‬
‫السور هو أثر معنوي‪.‬‬
‫ً‬
‫استحبابا‪:‬‬ ‫‪ .4‬باعتبارالنظرإلى تالوة سورة أو آية معينة في أزمان محددة‪ ،‬وذلك إما ً‬
‫وجوبا‪ ،‬أو‬
‫‪ -‬من أمثلة التالوة الواجبة‪ :‬تالوة سورة الفاتحة في الصالة‪ ،‬ففي الحديث ‪":‬ال صالة ملن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"‪.‬‬
‫‪ -‬ومن األمثلة علي التالوة املستحبة‪ :‬تالوة النبي صلي هللا عليه وسلم لسور معينة في الصالة مثل‪ :‬سور املؤمنون‪،‬‬
‫والسجدة‪ ،‬والليل‪ ،‬وق‪ ،‬والطور‪ ،‬والقلم‪ ،‬واملنافقون‪ ،‬واإلنسان‪ ،‬واملرسالت‪ ،‬هذه السور كلها وردت فيها‬
‫أحاديث تدل علي أن النبي صلى هللا عليه وسلم كان يقرأها بين الحين واآلخر في صالته‪ ،‬أو خارج الصالة مثل‪:‬‬
‫سورة البقرة وآل عمران‪ ،‬كما مر معنا في حلقات ماضية‪ ،‬كذلك سورة الزلزلة‪ ،‬وسور املعوذتين‪ ،‬أو آيات‬
‫محددة في الصالة‪ ،‬آيات قبل سور‪ ،‬أو قد تكون آيات محددة كان يقرأ بها النبي صلى هللا عليه وسلم في صالته‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ‬
‫اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َم َي ْق َرأ ِّفي َرك َع َت ْي‬ ‫اّلل صلى‬ ‫ومن ذلك ما رواه ابن عباس ‪ -‬رض ي هللا عنهما ‪ -‬قال‪" :‬كان رسول ِّ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ُْ َ‬ ‫ْ َ ْ ُ ُ َ َّ َّ‬
‫اّلل َو َما أن ِّز َل ِّإل ْي َنا} ]البقرة ‪َ [ 136 :‬وال ِّتي ِّفي ِّآل ِّع ْم َر َان { ت َعال ْوا ِّإلى ك ِّل َم ٍة َس َو ٍاء َب ْين َنا‬ ‫الفج ِّر {قولوا آمنا ِّب ِّ‬
‫ُ‬
‫َو َب ْي َنك ْم} ]آل عمران ‪ ،"[64 :‬أو في خارج الصالة كما في حديث جابر ‪ -‬رض ي هللا عنه ‪ -‬في صفة حجه عليه الصالة‬
‫الص َفا‬ ‫والسالم‪ ،‬وفيه‪ :‬ثم رجع إلي الركن فاستلمه‪ ،‬ثم خرج من الباب إلي الصفا‪ ،‬فلما دنا من الصفا قرأ‪{ :‬إ َّن َّ‬
‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َّ َ َ ْ َ َّ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ َ ُ َ َ َ َ َّ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َْ َ َ‬
‫اح َعل ْي ِّه أن َيط َّوف ِّب ِّه َما ۚ َو َمن تط َّو َع خ ْي ًرا ف ِّإ َّن اّلل ش ِّاك ٌر‬
‫َ‬ ‫اّلل ۖ فمن حج البيت أ ِّو اعتمر فال جن‬ ‫وامل ْروة ِّمن شعا ِّئ ِّر ِّ‬
‫يم} [البقرة‪".]158:‬‬ ‫َع ِّل ٌ‬

‫فهذه أربعة مضامين تجمع‪ ،‬وتربط بين مجموع فضائل السور‪ ،‬سواء كانت فضائل لسور مفردة‪ ،‬أو لسور ثنائية‪،‬‬
‫أو ملجموعة سور‪ ،‬وكذلك تجمع فضائل اآليات القرآنية‪ ،‬سواء كانت آية واحدة‪ ،‬أو آيتين‪ ،‬أو مجموعة آيات‪.‬‬
‫تلك املضامين اختصارا هي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬ما يكون بالنظر إلى ما اشتملت عليه السور أو اآليات من املعاني‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬بالنظر إلى ما يترتب عليها من األجر والثواب‪ ،‬سواء كانت سورة‪ ،‬أو كانت آية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬بالنظر إلى ما يترتب عليها من أثر حس ي أو معنوي‪.‬‬
‫وجوبا‪ ،‬أو اس ً‬
‫تحبابا‪ ،‬سواء كانت سور أو آيات‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬بالنظر إلى تالوتها في أزمان محددة‪ ،‬إما ً‬

‫‪- 91 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫أكتفي بهذا القدر‪ ،‬ونواصل الحديث في الحلقة القادمة‪ ،‬وسيكون حديثنا بإذن هللا عز وجل عن مسألة تفاضل‬
‫القرآن‪ ،‬وهل القرآن آياته وسوره فضلها واحد؟ أو أن هناك تفاضل‪ ،‬فتكون بعض السور أفضل من بعضها؟‬
‫وبعض اآليات تكون أفضل من بعض اآليات؟‪.‬‬
‫أسأل هللا عز وجل لي ولكم التوفيق والسداد‪ ،‬وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العاملين‪ ،‬وصلي هللا وسلم على نبينا‬
‫محمد‪.‬‬

‫قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات ‪ :‬والء‬


‫قام باملراجعة األولى والتدقيق‪ :‬أخت في هللا‬
‫قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي‪ :‬رئيفة درويش‬
‫اإلشراف العام على فريق العمل‪ :‬رئيفة درويش‬

‫‪- 92 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫علوم القرآن‬
‫د‪ .‬عمرعبد العزيزالدهيش ي‬
‫املحاضرة السابعة عشرة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العاملين وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬وبعد‬
‫فهذه هي الحلقة السابعة عشرة من الحلقات املتعلقة بعلوم القرآن‪ .‬بادئ ذي بدء أحيي الجميع بتحية اإلسالم‬
‫السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪ ،‬وأسأل هللا َع َّز َو َج َّل لي ولكم التوفيق والتسديد‪ ،‬اللهم يا معلم داود علمنا ويا‬
‫مفهم سليمان فهمنا‪ ،‬اللهم إني أسألك علما نافعا وعمال صالحا متقبال‪.‬‬
‫نواصل الحديث في هذه الحلقة في علم فضائل القرآن‪ ،‬وقد تكلمنا في حلقتين مضتا عن فضائل القرآن عموما ‪-‬‬
‫الفضائل العامة للقرآن كله‪ ،-‬ثم تكلمنا عن فضائل سور القرآن ثم انتهى بنا الحديث إلى فضائل آيات القرآن‪،‬‬
‫وفي كل نوع تكلمنا عن جملة من املعاني التي اشتملت عليها‪ ،‬وهي ملاذا خصت هذه السور أو هذه اآليات‪ ،‬وذكرنا‬
‫أمثلة لذلك بحديث النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وختمنا الحديث بأن فضائل السور وفصائل اآليات‪ ،‬قد تجمع في‬
‫أربع مضامين‪ ،‬وقد سبق ذكرها‪ .‬في هذه الحلقة سنتكلم عن مسألة جديدة وهي مسألة تفاضل القرآن‪،‬‬
‫✓ تفاضل القرآن‬
‫يث‪}...‬‬ ‫د‬ ‫اّلل َن َّز َل َأ ْح َس َن ْال َ‬
‫ح‬ ‫القرآن الكريم هو كالم هللا عز وجل‪ ،‬وهو خير الكالم‪ ،‬هو أحسن الحديث‪ ،‬قال تعالى‪ُ َّ { :‬‬
‫ِّ ِّ‬
‫اآلية [الزمر‪ ،]23:‬وفي الحديث‪" :‬أفضل الكالم بعد القرآن أربع وهي من القرآن‪ ،‬ال يضرك بأيهن بدأت‪ :‬سبحان هللا‪،‬‬
‫والحمد هلل‪ ،‬وال إله إال هللا‪ ،‬وهللا أكبر" رواه أحمد‪ .‬في هذا الحديث يقول النبي صلى هللا عليه وسلم‪" :‬أفضل الكالم‬
‫بعد القرآن"‪ ،‬مما يدل على أن القرآن وهو كالم هللا أفضل الكالم على اإلطالق‪ ،‬وما سواه من كالم البشر فهو‬
‫مفضول‪ ،‬وإذا كان كالم هللا سبحانه وتعالى أفضل الكالم على اإلطالق ‪،‬إال أنه يتفاضل‪ ،‬كالم هللا عز وجل في‬
‫القرآن يتفاضل‪ ،‬فبعضه أفضل من بعض‪ ،‬على قول أئمة الفقهاء وأكثر السلف‪ ،‬كما تدل عليه الفضائل السابقة‬
‫لبعض سور القرآن وآياته التي ذكرناها من قبل‪ ،‬ومنها على سبيل املثال‪ :‬فضل سورة الفاتحة‪ ،‬وقد ذكرنا الحديث‬
‫في ذلك‪ ،‬وذلك ملا اشتملت عليه هذه السورة من املعاني وحوته من الدالالت‪.‬‬
‫قد أفاض شيخ اإلسالم‪ ،‬ابن تيمية ‪-‬رحمه هللا تعالى‪ ،-‬في االستدالل لهذه املسألة‪ ،‬مسألة‪ :‬هل كالم هللا بعضه‬
‫أفضل من بعض أم ال؟ وبين ‪-‬رحمه هللا تعالى‪ -‬أن الصحيح في املسألة أن القرآن يتفاضل ‪،‬فبعضه أفضل من‬
‫بعض ‪ ،‬يقول رحمه هللا تعالى ‪:‬‬

‫‪- 93 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫‪(( ‬والناس متنازعون فيه نزاعا منتشرا فطوائف يقولون‪ :‬بعض كالم هللا أفضل من بعض‪ ،‬كما نطقت‬
‫النصوص النبوية‪ :‬حيث أخبر عن (الفاتحة) أنه لم ينزل في الكتب الثالثة مثلها‪ ،‬وأخبر عن سورة (اإلخالص) أنها‬
‫تعدل ثلث القرآن وعدلها لثلثه يمنع مساواتها ملقدارها في الحروف‪ ،‬وجعل (آيه الكرس ي) أعظم آية في القرآن كما‬
‫َ‬
‫ثبت ذلك في الصحيح أيضا وكما ثبت ذلك في صحيح مسلم أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ألبي بن كعب‪َ ( :‬يا أ َبا‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َّ َ َ َ َ ْ َ ُ َ َ ُ ْ ُ َّ ُ َ َ ُ ُ ُ َ ْ َ ُ َ َ َ ْ ُ‬ ‫ْاملُ ْنذر‪َ ،‬أ َت ْدري َأ ُّي َآية م ْن ك َ‬
‫ال‪َ ( :‬يا أ َبا امل ْن ِّذ ِّر‪ ،‬أت ْد ِّري أ ُّي َآي ٍة‬ ‫اّلل معك أعظم؟) قال‪ :‬قلت‪ :‬اّلل ورسوله أعلم‪ ،‬ق‬ ‫اب‬ ‫ت‬
‫ٍ ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫اّلل ل َي ْهنكَ‬‫َ ْ ي َ َ َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ال‪ :‬قلت‪ { :‬اّلل ال إله إال هو الح ُّي الق ُّيوم}‪ ،‬ق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اّلل معك أعظ ُم؟) ق َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ال‪ :‬فض َرب ِّفي صد ِّر ‪ ،‬وقال‪( :‬و ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫اب ِّ‬ ‫ِّمن ِّكت َ ِّ‬
‫ً‬ ‫ْ ْ ُ َ ُْ‬
‫نذر)‪ ،‬ورواه ابن أبي شيبة في مسنده بإسناد مسلم وزاد فيه (والذي نفس ي بيده! إن لهذه اآلية لسانا‬ ‫ال ِّعلم أبا امل ِّ‬
‫وشفتين تقدس امللك عند ساق العرش)‪ ،‬وروي أنها سيدة آي القرآن‪ .‬وقال في املعوذتين‪( :‬لم ير مثلهن قط)‪...))....‬‬
‫إلى أن قال ابن تيمية ‪-‬رحمه هللا‪(( :-‬فالتوراة واإلنجيل والقرآن جميعها كالم هللا مع علم املسلمين بأن القرآن‬
‫َ‬
‫اب َو ُم َه ْي ِّم ًنا َعل ْي ِّه} ‪،...))...‬‬ ‫صد ًقا ملَا َب ْي َن َي َد ْيه م َن ْالك َ‬
‫ت‬ ‫ِّ‬ ‫أفضل الكتب الثالثة‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬و َأ ْن َ ْزل َنا إ َل ْي َك ْالك َت َ‬
‫اب ب ْال َحق ُم َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ثم قال رحمه هللا‪(( :‬والقول بأن كالم هللا بعضه أفضل من بعض هو القول املأثور عن السلف‪ ،‬وهو الذي عليه‬
‫أئمة الفقهاء من الطوائف األربعة وغيرهم‪ ،‬وكالم القائلين بذلك كثير منتشر في كتب كثيرة))‪.‬‬
‫وفي موضع آخر يقول شيخ اإلسالم ‪-‬رحمه هللا‪(( : -‬القرآن هل يتفاضل في نفسه‪ ،‬فيكون بعضه أفضل من بعض؟‬
‫وهذا فيه للمتأخرين قوالن مشهوران‪ :‬منهم من قال‪ :‬ال يتفاضل في نفسه؛ ألنه كله كالم هللا‪ ،‬وكالم هللا صفة له‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬وصفة هللا ال تتفاضل‪ ،‬ال سيما مع القول بأنه قديم‪ ،‬فإن القديم ال يتفاضل‪ ،‬كذلك قال هؤالء في قوله‬
‫َ َ َ ْ ْ َ َ ْ ُ َ َ ْ َ ْ ْ َ َ ْ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ َّ َّ َ َ ُ َ َ‬
‫اّلل َعل ٰى ك ِّل ش ْي ٍء ق ِّد ٌير}‪[ ،‬البقرة‪ ]106 :‬قالوا‬ ‫نسها نأ ِّت ِّبخي ٍر ِّمنها أو ِّمث ِّلها ۗ ألم تعلم أن‬
‫تعالى‪{ :‬ما ننسخ ِّمن آي ٍة أو ن ِّ‬
‫(بخير) إنما يعود إلى غير اآلية مثل نفع العباد وثوابهم‪ .‬والقول الثاني‪ :‬أن بعض القرآن أفضل من بعض‪ ،‬وهذا‬
‫قول األكثرين من الخلف والسلف؛ فإن النبي صلى هللا عليه وسلم قال في الحديث الصحيح في الفاتحة‪ :‬إنه لم‬
‫ينزل في القرآن وال في اإلنجيل وال الزبور وال القرآن مثلها‪ ،‬فنفى أن يكون لها ِّمثل‪ ،‬فكيف يجوز أن يقال‪ :‬أنه متماثل؟‬
‫َّ َ َ َ َ ْ َ ُ َ َ ُ‬ ‫وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال ألبي بن كعب‪َ ( :‬يا َأ َبا ْاملُ ْنذر‪َ ،‬أ َت ْدري َأ ُّي َآية م ْن ك َ‬
‫ال‪ :‬قلت‪:‬‬ ‫اّلل معك أعظم؟) ق‬ ‫اب‬ ‫ت‬
‫ٍ ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ص ْدري‪َ ،‬وق َ َ‬ ‫َّ ُ َ َ ُ َ ْ َ ُّ ْ َ ُّ ُ َ َ َ َ َ َ‬
‫نذر)‪ ،‬فقد َّبين أن هذه‬ ‫َ‬
‫اّلل ِّل َي ْه ِّنك ال ِّعل ُم أبا امل ِّ‬
‫ال‪( :‬و ِّ‬
‫َ‬
‫{ اّلل ال ِّإله ِّإال هو الحي القيوم}‪ ،‬قال‪ :‬فضرب ِّفي ِّ‬
‫اآلية أعظم آية في القرآن‪ ،‬وهذا َّبي َن أن بعض اآليات أعظم من بعض‪ .‬وأيضا فإن القرآن كالم هللا والكالم يشرف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املخبر عنه‪ ،‬واألمر يشرف بشرف اآلمر‬ ‫باملتكلم به‪ ،‬سواء كان خبرا أو أمرا‪ ،‬فالخبر يشرف بشرف املخبر‪ ،‬وبشرف ِّ‬
‫وبشرف املأمور به‪ ......1)).....‬إلى آخر كالم ابن تيمية رحمه هللا تعالى‪.‬‬

‫مجموع فتاوى شيخ اإلسالم أحمد ابن تيمية‪ ،‬المجلد السابع عشر‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 94 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫وهذا الكالم يدل على أن الصحيح في هذه املسألة أن القرآن يتفاضل‪ ،‬وأن بعض سوره أفضل من بعض‪ ،‬وأن‬
‫بعض آياته أفضل من بعض كما هو الحال في آية الكرس ي‪ ،‬فإنها أفضل آيات القرآن على اإلطالق‪ ،‬وهذا القول هو‬
‫قول جماهير الفقهاء وأكثر ما عليه السلف الصالح‪.‬‬
‫وهنا أود أن أنبه الى مسألة‪ :‬وهو أنه إذا قررنا أن القرآن يتفاضل‪ ،‬فال يدل ذلك على أن املفضول غير فاضل‪ ،‬بل‬
‫إن كل القرآن فاضل‪ ،‬وكله كالم هللا عز وجل‪ ،‬وكله أفضل الكالم على اإلطالق‪ ،‬لكن هذا الكالم قد يتفاضل‪ ،‬يكون‬
‫بعضه أفضل من بعض‪ ،‬هناك فاضل ومفضول‪ ،‬ومجموع اآليات والسور كلها فاضلة بال شك ألنها كالم هللا عز‬
‫وجل‪ ،‬وكالم هللا عز وجل هو أفضل الكالم على اإلطالق‪ ،‬هذا ما يتعلق بهذه املسألة مسألة تفاضل القرآن‪.‬‬
‫‪ ‬علم خصائص القرآن‬
‫نأتي اآلن الى علم جديد من علوم القرآن وهو علم خصائص القرآن والذي ال يخلو كتاب في علوم القرآن من ذكره‪،‬‬
‫ص ِّدر به كتابه مع صنوه من العلوم وهو علم فضائل القرآن‪ ،‬تجده يذكر‬ ‫بل إن بعض من ألف في هذا العلم ُي َ‬
‫فضائل القرآن ثم يلحقه بخصائص القرآن‪ ،‬فيا ترى هل للقرآن خصائص وله مزايا؟ نعم‪ ،‬بال شك‪ ،‬فقد اشتملت‬
‫جملة من األحاديث على ذكر تلك الخصائص‪ ،‬وتنوعت وتعددت وهي كثيرة‪ ،‬فاهلل عز وجل أنزل كتابه الخاتم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫محفوظا بحفظ هللا ومكلوءا بعناية هللا‪ ،‬فال يمكن أن ُيزاد فيه وال أن ُينقص منه‪ ،‬مشتمال على كل فضل‪ ،‬حاويا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كل بر‪ ،‬مختصا بخصائص تميزه عن سائر الكتب السماوية السابقة فضال عن الكتابات األرضية الالحقة‪ ،‬وسائر‬
‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫سلطان‬ ‫باد‪ ،‬وتأثيره ظاهر‪،‬‬
‫ما سواه من األدلة الشرعية‪ ،‬فأخذه نماء‪ ،‬وتركه بالء‪ ،‬وحفظه رفعة‪ ،‬وتالوته بركة‪ ،‬أثره ٍ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫يأسر القلوب‪ ،‬وبرهان ُيبهر العقول‪ ،‬أنى نظرت إليه في جانب من جوانبه هال َك رونقه‪ ،‬وأبهرك مطلعه من خصائص‬
‫ً‬
‫احتفت به‪ ،‬وشمائل اشتمل عليها‪ ،‬شهد على ذلك األولياء بل وأقر بها األعداء‪ ،‬فخصائص القرآن كثيرة جدا يعجز‬
‫عنها العد‪ ،‬وال يمكن أن يحويها الكد‪.‬‬
‫✓ خصائص القرآن الواردة في السنة النبوية‬
‫وردت في األحاديث النبوية املطهرة مجموعة متعددة ومتنوعة من خصائص القرآن الكريم‪ ،‬ويمكن أن نجمع تلك‬
‫الخصائص في عناوين رئيسة تجمع متفرقها‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ .1‬خصائص تتعلق باألثر الدنيوي واالنتفاع به‬
‫‪ -‬أن أهل القرآن هم خير الناس وأفضلهم واملقدمون على غيرهم‪ ،‬وهذه بال شك خصيصة من خصائص‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫خيركم َمن تعلم القر َآن وعلمه"‪،‬‬
‫القرآن‪ ،‬فعن عثمان رض ي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ُ " :‬‬

‫‪- 95 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫وعن أبي مسعود األنصاري البدري ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫َ ُ‬ ‫" ُّ‬
‫هللا"‪.‬‬
‫لكتاب ِّ‬
‫ِّ‬ ‫القوم أقرؤهم‬ ‫يؤم‬
‫‪ -‬تأثير القرآن في النفوس ونزول الطمأنينة والسكينة على قلب قارئه‪ ،‬فمن قرأه بتدبر شعر بأثر روحي يدب‬
‫في جسده‪ ،‬وطمأنينة تسكن قلبه‪ ،‬مما يظهر أثره على جوارحه ويحثه على العمل والتطبيق‪ ،‬فها هو نبي هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم عندما قرأ عليه ابن مسعود رض ي هللا عنه آيات من سورة النساء لم يملك دموعه عليه‬
‫َّ ُّ َ َّ َّ ُ َ‬
‫اّلل َعل ْي ِّه‬ ‫ال ِّلي الن ِّبي صلى‬ ‫الصالة والسالم أن تخرج من خدرها‪ ،‬فعن ابن مسعود ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬قال‪" :‬ق َ‬
‫ََ َ‬ ‫َ َ َّ َ ْ َ ْ َ َ َّ ُ ْ ُ َ َ ُ َل َّ ْ َ ُ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ َل َ َ َ َ َ َ ْ ُ ُ َ َ‬
‫الن َس ِّاء َح َّتى أت ْي ُت ِّإلى‬
‫ال‪( :‬نع ْم)‪ ،‬فق َرأت سورة ِّ‬‫اّلل آقرأ عليك وعليك أن ِّز ق‬ ‫وسلم‪( :‬اقرأ علي) قلت يا رسو ِّ‬
‫َ ْ َ َ َ َ َ ُ َ َ ً َ َ َ ْ ُ َ ْ َ َ ْ َ َ ُّ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َْ ْ ُ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫يد و ِّجئنا ِّبك على هؤال ِّء ش ِّهيدا} قال‪( :‬حسبك اآلن)‪ ،‬فالتفت ِّإلي ِّه‬ ‫ه ِّذ ِّه اآل َي ِّة {فك ْيف ِّإذا ِّجئنا ِّمن ك ِّل أ َّم ٍة ِّبش ِّه ٍ‬
‫َْ َ‬ ‫َ َ‬
‫ف ِّإذا َع ْي َن ُاه تذ ِّرف ِّان"‪.‬‬
‫‪ -‬بل إن أثر القرآن يمتد إلى الحيوانات ويؤثر فيها‪ ،‬فال ريب وال غرو هو كالم هللا عز وجل الذي احتفت به‬
‫َ‬ ‫الخصائص واملزايا‪ ،‬فعن البراء بن عازب ‪-‬رض ي هللا تعالى عنه‪ -‬قال‪" :‬كان ر ٌ‬
‫الكهف‪ ،‬وإلى جانبه‬
‫ِّ‬ ‫جل يقرأ سورة‬
‫ٌ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫النبي‬ ‫فرسه ُ‬
‫ينفر‪ ،‬فلما أصبح أتى َّ‬ ‫سحابة‪ ،‬فجعلت تدنو وتدنو‪ ،‬وجعل ُ‬ ‫فتغشته‬ ‫حصان مربوط بشط َن ِّين‪،‬‬
‫ٌ‬
‫ُ‬
‫السكينة َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ُ‬
‫تنزلت بالقر ِّآن)"‪ ،‬الحديث في البخاري‪ ،‬وفي لفظ‬ ‫عليه وسل َم فذكر ذلك له‪ ،‬فقال‪( :‬تلك‬ ‫صلى هللا ِّ‬
‫مسلم‪" :‬تنزلت للقرآن"‪ ،‬يقول النووي في معنى السكينة هنا‪ :‬املختار أنها ش يء من املخلوقات فيه طمأنينة‬
‫ورحمة ومعه املالئكة‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ .2‬خصائص تتعلق باألجراألخروي وعظيم الثواب‬
‫َّ‬ ‫َ َ َ ْ ُ َ ُ َ َّ َ َّ َّ ُ َ‬ ‫َُ َ َ ْ‬
‫اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َم َي ُقو ُل‪:‬‬ ‫اّلل صلى‬
‫ِّ‬ ‫ل‬‫و‬‫س‬ ‫ت‬‫ع‬‫م‬
‫ِّ ر‬ ‫س‬ ‫ال‬‫ق‬ ‫عنه‬ ‫هللا‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫َ‬
‫‪ -‬شفاعة القرآن ألهله‪ :‬فعن أبي أمامة ِّ ِّ ر‬
‫ي‬‫ل‬ ‫اه‬ ‫ب‬ ‫ال‬
‫ص َح ِّاب ِّه)‪.‬‬‫يعا َأل ْ‬
‫(اق َر ُءوا ْال ُق ْر َآن َفإ َّن ُه َي ْأتي َي ْو َم ْالق َي َامة َشف ً‬
‫ْ‬
‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫‪ -‬القرآن إما يكون حجة لصاحبه أو يكون حجة عليه ‪ -‬وال حول وال قوة إال باهلل ‪ ،-‬فعن أبي مالك األشعري‬
‫َْ ُ َ ُ‬ ‫ور َش ْط ُر اإل ْ‬ ‫ُّ‬
‫هلل ت ْمأل امليز َان‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫والح‬ ‫‪،‬‬‫ان‬ ‫م‬‫َ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ي‬ ‫(الط ُه ُ‬ ‫رض ي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫والص َد َق ُة ُب ْر َه ٌ‬ ‫الة ُن ٌ‬‫َ َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫هلل َت ْمآلن ‪َ -‬أو َت ْم ُأل ‪َ -‬ما َب ْي َن َّ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ ْ َ َ‬
‫الص ْب ُر‬
‫ان‪َ ،‬و َّ‬ ‫َّ‬ ‫ور‪،‬‬ ‫ض‪ ،‬والص‬ ‫ِّ‬ ‫ر‬‫الس َم ِّاء واأل ْ‬
‫ِّ‬ ‫هللا والح ْمد ِّ‬ ‫وسبحان ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫الق ْر ُآن ُح َّج ٌة َل َك َأو َع َل ْي َك‪ُ ،‬ك ُّل َّ‬
‫اس َيغ ُدو ف َبا ِّئ ٌع ن ْف َس ُه ف ُم ْع ِّت ُق َها أو ُم ِّوب ُق َها) رواه مسلم‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫الن‬ ‫ض َي ٌاء‪َ ،‬و ُ‬
‫ِّ‬
‫قال النووي في التعليق على هذا الحديث‪" :‬أي تنتفع به إن تلوته وعملت به‪ ،‬وإال فهو حجة عليك"‪،‬‬
‫وقال القرطبي‪" :‬يعني أنك إذا امتثلت أوامره واجتنبت نواهيه كان حجة لك في املواقف التي تسأل منه عنه‪،‬‬
‫كمساءلة امللكين في القبر‪ ،‬واملساءلة عند امليزان‪ ،‬وفي عقاب الصراط‪ ،‬وإن لم يمتثل ذلك احتج به عليك‪،‬‬

‫‪- 96 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫ويحتمل أن يراد به أن القرآن هو الذي ينتهى إليه عند التنازع في املباحث الشرعية والوقائع الحكمية ‪ ،‬فبه‬
‫تستدل على صحة دعواك‪ ،‬وبه يستدل عليك خصمك"‪.‬‬
‫‪ -‬ولذا ورد أن القرآن يحبس أقواما في النار ‪ -‬وال حول وال قوة إال باهلل ‪ -‬وال تنفعهم شفاعة الشافعين ‪ ،‬ففي‬
‫حديث الشفاعة الذي رواه أنس بن مالك ‪-‬رض ي هللا تعالى عنه‪ -‬عن النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬واملحدث هو‬
‫آدم فيقولون‪ :‬أنت أبو‬ ‫استشف ْعنا إلى ربنا‪ ،‬فيأتون َ‬ ‫َ‬ ‫يجت ِّم ُع املؤمنون يوم القيامة فيقولون‪ :‬لو‬ ‫البخاري قال‪َ " :‬‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫يحنا من‬ ‫أسماء كل َش يء‪ ،‬فاشفع لنا عند ربك حتى ير َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫وعل َ‬
‫م‬ ‫ه‪،‬‬ ‫َ‬
‫مالئكت‬ ‫لك‬ ‫وأسجد‬ ‫بيده‪،‬‬ ‫هللا‬ ‫ك‬ ‫ق‬ ‫خل َ‬ ‫اس‪،‬‬ ‫َّ‬
‫َ ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫الن ِّ‬
‫فإنه َّأو ُل رسول بعثه هللا إلى أهل األرض‪.‬‬ ‫نوحا؛ َّ‬ ‫ائتوا ً‬ ‫فيستحي‪ُ ،‬‬ ‫َ‬ ‫لست ُهناكم‪ ،‬ويذكر ذنبه‬ ‫مكاننا هذا‪ .‬فيقول‪ُ :‬‬
‫خليل َّ‬ ‫َ‬ ‫سؤاله رَّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حمن‪.‬‬‫ِّ‬ ‫الر‬ ‫ائتوا‬ ‫‪:‬‬‫ل‬ ‫فيقو‬ ‫فيستحي‪،‬‬ ‫علم‬ ‫به‬ ‫له‬ ‫ليس‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ويذكر‬ ‫هناكم‪،‬‬ ‫لست‬ ‫‪:‬‬ ‫ل‬ ‫فيقو‬ ‫ن‬ ‫فيأتو‬
‫عبدا كل َمه هللا وأعطاه التوراة‪ .‬فيأتونه فيقول‪ُ :‬‬ ‫َّ‬ ‫لست هناكم‪ ،‬ائتوا موس ى‪ً ،‬‬ ‫فيأتونه فيقول‪ُ :‬‬
‫لست هناكم‪،‬‬
‫وكلمة هللا و ُر َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫وحه‪.‬‬ ‫هللا ورسوله‪،‬‬ ‫فس بغير نفس‪ ،‬فيستحي من رِّبه‪ ،‬فيقول‪ :‬ائتوا عيس ى عبد ِّ‬ ‫ويذكر قتل الن ِّ‬
‫تأخ َر‪،‬‬ ‫غف َر هللا له ما َتق َّد َم من َذنبه وما َّ‬ ‫عبدا َ‬ ‫وسلم‪ً ،‬‬ ‫َّ‬
‫عليه‬ ‫صلى ُ‬
‫هللا‬
‫َّ ً َّ‬
‫لست هناكم‪ ،‬ائتوا محمدا‬ ‫فيقول‪ُ :‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬
‫في َد ُعني ما شاء هللا‪ ،‬ثم يقال‪:‬‬ ‫ساجدا‪َ ،‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫وقعت‬ ‫أستأذ َن على ربي فيؤذ َن لي‪ ،‬فإذا رأيت رِّبي‬ ‫ِّ‬ ‫فأنطل ُق حتى‬ ‫ِّ‬ ‫فيأتونني‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ار َف ْع رأسك‪َ ،‬‬
‫فيح ُّد‬‫يعل َمنيه‪ ،‬ثم أشف ُع‪ُ ،‬‬ ‫َ‬
‫بتحميد ِّ‬
‫ٍ‬ ‫فأحمده‬ ‫سم ْع‪ ،‬واشف ْع تشف ْع‪ .‬فأرف ُع رأس ي‪َ ،‬‬ ‫وقل ُي َ‬
‫وس ْل تعطه‪ْ ،‬‬
‫الجن َة‪ ،‬ثم ُ‬
‫أعود‬ ‫حدا فأدخ ُلهم َّ‬ ‫في ُح ُّد لي ًّ‬ ‫أشف ُع َ‬ ‫أيت بي م َثله‪ ،‬ثم َ‬ ‫الجن َة‪ ،‬ثم أعود إليه‪ ،‬فإذا ُ‬ ‫حدا ُفأدخ ُلهم َّ‬ ‫لي ًّ‬
‫ِّ‬ ‫ر ر ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫ووج َب عليه‬ ‫حب َسه القر ُآن‪َ ،‬‬ ‫النارإ َّال َمن َ‬‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬
‫الخلود"‬ ‫الرابعة فأقول‪ :‬ما ِبقي في ِ‬
‫‪ -‬وهذا األجر وذاك األثر يحصل ملن قرأ القرآن بتدبر وتعقل وفهم ملراد هللا عز وجل‪ ،‬وقاده ذلك إلى العمل‬
‫بالطاعات واجتناب املنهيات‪ ،‬أما من اقتصر على مجرد القراءة بال تدبر وعمل فإنه ال يحصل له أي ش يء من‬
‫تلك الخصائص‪ ،‬فعن أبي سعيد الخدري ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫َ‬
‫ويقرؤو َن‬
‫عملهم ‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫صيامهم ‪ ،‬وعملكم مع ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫مع‬‫وصيامكم َ‬
‫َ‬ ‫صالتهم ‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫مع‬
‫َ‬
‫صالتكم َ‬ ‫قوم َتحق َ‬
‫رون‬ ‫يخرج فيكم ٌ ِّ‬
‫" ُُ‬
‫ُ‬
‫ينظ ُر في النصل فال َيرى ً‬ ‫الرم َّ‬ ‫السهم َ‬
‫ُ‬ ‫َ ُُ‬ ‫مرقو َن َ‬
‫القر َآن ال ُيجاو ُز حناج َرهم ‪َ ،‬ي ُ‬
‫شيئا ‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬
‫ِّ‬ ‫ي‬ ‫ِّ‬ ‫من‬ ‫ق‬‫مر‬‫ي‬ ‫كما‬ ‫الدين‬ ‫ِّ‬ ‫من‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وينظ ُ‬
‫الريش فال يرى شيئا ‪ ،‬ويتمارى في الفو ِّق"‪ ،‬رواه البخاري‪ .‬واملقصود‬ ‫ِّ‬ ‫في‬ ‫ر‬ ‫وينظ‬ ‫‪،‬‬ ‫ا‬‫شيئ‬ ‫ى‬ ‫ر‬ ‫فالي‬ ‫القدح‬
‫ِّ‬ ‫في‬ ‫ر‬
‫أن هناك قوم يقرأون القرآن قراءة جوفاء عن التدبر والتأثر والعمل‪ ،‬قراءة ال خير فيها وال تجاوز ألسنتهم‪،‬‬
‫ولن تنفع صاحبها‪ ،‬وبالتالي لم ينتفع باألجر والثواب املتعلق بتالوة هذا الكتاب بتدبر والعمل به‪.‬‬
‫‪ .3‬خصائص تتعلق بتالوته ومدارسته وتعاهده ومراجعته‬
‫‪ -‬تحسين الصوت والتغني به‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪-‬رض ي هللا عنه ‪ -‬أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ‪(َ ":‬ما َأذ َن ُ‬
‫هللا‬ ‫ِّ‬
‫وسئل الشافعي‬ ‫ل َش ْي ٍء َما َأذ َن لل َنبي َي َت َغ َّنى ب ْال ُق ْرآن)‪ ،‬قال سفيان بن عيينة ‪ :‬تفسيره‪ :‬يستغني به"‪ ،‬رواه البخاري‪ُ .‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ٍ‬ ‫ِّ‬
‫‪- 97 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫‪-‬رحمه هللا‪ -‬عن تأويل ابن عيينة فقال‪" :‬نحن أعلم بهذا‪ ،‬لو أراد به االستغناء لقال‪(( :‬من لم يستغن بالقرآن))‪،‬‬
‫التغني"‪ ،‬ويشهد لقول الشافعي الرواية األخرى ملسلم وفيها‪:‬‬ ‫َّ‬
‫ولكن ملا قال‪(( :‬يتغنى َبالقرآن))‪ ،‬علمنا أنه أراد به ِّ‬
‫َ ْ‬ ‫َ(ما َأذ َن َّ ُ‬
‫اّلل ِّل َش ْي ٍء َما أ ِّذ َن ِّل َنبي َح َسن َّ‬
‫الص ْو ِّت‪َ ،‬ي َتغ َّنى ِّبال ُق ْر ِّآن َي ْج َه ُر ِّبه)‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ٍ‬ ‫ِّ‬
‫أكتفي بهذا القدر‪ ،‬ونواصل الحديث بإذن هللا َع َّز َو َج َّل عن خصائص القرآن في حلقة قادمة‪ ،‬وفق هللا الجميع ملا‬
‫‪-‬‬

‫يحب ويرض ى‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد‪.‬‬

‫قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات‪ :‬أخت في هللا‬
‫قام باملراجعة األولى والتدقيق‪ :‬خلدون األتاس ي‪.‬‬
‫قام باملراجعة والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي‪ :‬رئيفة درويش‬
‫اإلشراف العام على فريق العمل‪ :‬رئيفة درويش‬

‫‪- 98 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫علوم القرآن‬
‫د‪ .‬عمرعبد العزيزالدهيش ي‬
‫املحاضرة الثامنة عشرة‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العاملين‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‬
‫ُ‬
‫وبعد‪،‬أحيي الجميع بتحية اإلسالم السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪ ،‬وأسأل هللا عز وجل لي ولكم التوفيق‬
‫والتسديد‪ ،‬وأسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا العلم النافع‪ ،‬والعمل الصالح وأن يجعلنا مباركين أينما كنا‪.‬‬
‫بإذن هللا عز وجل في هذه املحاضرة التي هي ضمن سلسلة محاضرات مقرر علوم القرآن ببرنامج السعدي‪،‬‬
‫شعبت فيه اآلراء‪ ،‬ونحن ال نريد‬ ‫سنخصص الحديث عن موضوع مهم‪َ ،‬تكلم فيه العلماء َوتعددت فيه األقوال‪َ ،‬وت َّ‬
‫ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫صح األقوال‪ ،‬أنا‬
‫وجل سنقتصر على ِّ‬
‫أ‬ ‫أن نفيض ونتحدث عن هذا املوضوع من جميع جوانبه ‪ ،‬وإنما بإذن هللا عز‬
‫ُ َ‬
‫خذ ُوت ُلق َي َ‬ ‫أقول نقتصر على أصح األقوال‪ ،‬وليس على الصحيح الذي ُ‬
‫بالقبول والتسليم ‪ ،‬وإنما هناك‬ ‫ِّ‬ ‫انتهي منه‪ ،‬وأ‬
‫عدة أقوال‪ ،‬من أصح تلك األقوال ما سنذكره بإذن هللا (عز وجل) في هذا املوضوع‪ ،‬وهو موضوع األحرف َّ‬
‫السبعة‪.‬‬
‫‪ ‬األحرف السبعة‬
‫نزل القرآن الكريم على نبينا صلى هللا عليه وسلم في مكة أول البعثة‪ ،‬وكان املسلمون ِّقلة وغالبيتهم من قريش أو‬
‫من القبائل القريبة منها‪ ،‬فنزل القرآن بلغتهم‪ ،‬بلغة قريش أو بلهجة قريش‪ ،‬أو بلسان قريش‪ ،‬وكانت الحال ال‬
‫عدد اللغات‪ ،‬وتعدد األحرف‪ ،‬ولكن بعد هجرة املصطفى صلى هللا عليه وسلم إلى املدينة‪ ،‬أصبحت املدينة‬ ‫تستدعي َت ُّ‬
‫ْ َ‬
‫مركز اإلسالم َومأ ِّرز اإليمان‪ ،‬وبدأ القوم يتوافدون ُويهاجرون إليها‪ ،‬فاجتمع في املدينة أصناف من قبائل العرب‪،‬‬
‫ُ‬
‫وش ِّرع حينها جهاد الكفار واملشركين‪ ،‬فبدأ الناس يدخلون في دين هللا تعالى أفواجا‪ ،‬فأصبح من الصعوبة بمكان‬
‫ُ ُّ‬
‫أن يقرأ أولئك القوم كلهم القرآن بلغة قريش‪ ،‬فسأل النبي صلى هللا عليه وسلم ربه‪ ،‬وهو الرحيم الرؤوف بأمته‬
‫عليه الصالة والسالم‪ ،‬سأل ربه التخفيف والتيسير على أمته‪ ،‬وجاءت اإلجابة الربانية مباشرة‪ ،‬بنزول جبريل عليه‬
‫السالم ومعه ميكائيل‪ ،‬بالتيسير على أمة محمد صلى هللا عليه وسلم في قراءة القرآن‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫تفصيل ذلك في ُسنن الن َسائي‪ ،‬في حديث أنس ‪ -‬رض ي هللا تعالى عنه ‪ -‬عن أ َبي بن كعب ‪ -‬رض ي هللا تعالى عنه ‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫ورد‬
‫ُ َّ‬ ‫ُ‬ ‫آخر َ‬ ‫َ‬
‫آية وقرأها ُ‬‫ُ ً‬ ‫ُ َّ‬ ‫ُ‬ ‫قال‪" :‬ما َ‬
‫غير قراءتي فقلت‪ :‬أقرأنيها رسول ِّ‬
‫اّلل صلى هللا‬ ‫أسلمت إال ِّأني قرأت‬ ‫حاك في صدري منذ‬
‫َّ َّ‬ ‫الن َّبي صلى هللا عليه وسلم ُ‬ ‫ُ‬
‫فأتيت َّ‬ ‫ُ َّ‬ ‫وقال ُ‬‫عليه وسلم َ‬
‫اّلل‬
‫نبي ِّ‬ ‫فقلت‪ :‬يا‬ ‫اّلل صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬‫اآلخر‪ :‬أقرأنيها رسول ِّ‬
‫وميكائيل ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫قال‪( :‬نعم َّ‬ ‫َ‬
‫آية كذا َوكذا‪َ .‬‬ ‫وقال ُ‬ ‫آية كذا َوكذا َ‬
‫قال‪( :‬نعم)‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫عليهما‬ ‫جبريل‬ ‫إن‬ ‫اآلخر‪ :‬ألم تقرئني‬ ‫أقرأتني‬

‫‪- 99 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫َ‬ ‫عليه َّ ُ‬‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬


‫وميكائيل عن يساري‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الس ُ‬‫َّ‬
‫حرف‪.‬‬
‫السالم‪ :‬اقرأ القرآن على ٍ‬ ‫جبريل ِ‬ ‫فقال‬ ‫جبريل عن يميني‬ ‫فقعد‬ ‫الم أتياني‬
‫َّ‬
‫كاف)" رواه النسائي‪.‬‬
‫شاف ٍ‬
‫حرف ٍ‬ ‫كل ٍ‬ ‫أحرف َف ُّ‬
‫ٍ‬
‫َ‬ ‫ْ ُ َّ َ‬
‫حتى بلغ سبعة‬ ‫استزد ُه استزده‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ميكائيل ‪:‬‬ ‫َ‬
‫قال‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ضاة بني‬
‫ِّ‬ ‫أ‬ ‫عند‬ ‫حصلت‬ ‫الحادثة‬ ‫هذه‬ ‫أن‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫هللا‬ ‫صلي‬ ‫النبي‬ ‫أن‬ ‫ر‬‫خ‬ ‫وهذا كان في املدينة كما جاء في أحاديث أ‬
‫وضع في املدينة ‪ -‬مما يدل على أن نزول القرآن على سبعة أحرف كان في املدينة ‪.‬‬ ‫َ‬
‫ِّغفار ‪ -‬وهذا م ِّ‬
‫ُ‬ ‫َ َّ‬
‫موضوع األحرف السبعة تكلم العلماء فيه‪ ،‬وألفوا املؤلفات في هذا املوضوع‪ ،‬ومن ذلك شرح حديث "أنزل القرآن‬
‫على سبعة أحرف"‪ ،‬البن تيمية‪ ،‬وكتاب‪ :‬األحرف السبعة ومنزلة القراءات منها‪ ،‬للدكتور حسن ضياء الدين عتر‪،‬‬
‫وكتاب‪ :‬نزول القرآن على سبعة أحرف‪ ،‬ملناع القطان‪ ،‬وكذلك كتاب‪ :‬حديث األحرف السبعة‪ ،‬للدكتور عبد‬
‫ُ‬
‫قارئ‪ ،‬وغيرها من املؤلفات والكتب التي كتبت في هذا املوضوع‪.‬‬ ‫العزيز ِّ‬
‫✓ تعريف األحرف السبعة‬
‫وعرفناها َ‬
‫وع َرفنا معناها‪ ،‬فإنها‬ ‫من املعلوم أن التعاريف تكون كاملدخل إلى املوضوع‪ ،‬إذا أخذنا هذه املصطلحات َ‬
‫ُ‬
‫مهدة لنا إلى معرفة موضوعات وعناوين هذا املبحث‪.‬‬‫بإذن هللا عز وجل تكون م ِّ‬
‫معنى األحرف ‪ :‬األحرف جمع َحرف‪َ ،‬‬
‫والحرف في اللغة له عدة معان‪ ،‬منها‪:‬‬
‫لحرف ويراد به الحرف من أحرف الهجاء املعروفة (أ‪،‬ب‪،‬ت‪،‬ث)‪ ،‬فهذه كل واحد منها ُيطلق عليه‬ ‫‪ُ -‬يطلق ا َ‬
‫حرف‪ُ ،‬ويسمى مجموعها ب " الحروف الهجائية "‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬من معاني َ‬
‫فيقال َحرف قريش‪،‬‬ ‫الحرف في اللغة أنه ُيطلق على اللغة‪ ،‬أن الحرف في اللغة يطلق على اللغة‪ُ ،‬‬
‫ُ‬
‫َحرف ثقيف‪ ،‬أي لغة قريش ولغة ثقيف‪ ،‬ولغة حرف تميم أي لغة تميم‪ ،‬فالحرف ُيطلق في اللغة بمعنى اللغة‪.‬‬
‫الحرف في اللغة أنه ُيطلق على وجه القراءة فيقال حرف ابن مسعود أي قراءته‪.‬‬ ‫‪ -‬كذلك من معاني َ‬

‫بعض من معاني الحرف في اللغة‪ ،‬وله هناك كذلك عدة معاني َي ُهمنا منها هذه املعاني الثالثة وخاصة املعنى‬
‫ٌ‬ ‫هذه‬
‫ُ‬
‫الثاني واملعني الثالث‪ ،‬وهي أنها تطلق على اللغة فيقال َحرف محمد كذا أي لغة محمد كذا‪ ،‬وكذلك ُيطلق على وجه‬
‫القراءة‪ ،‬محمد يقرأ على حرف نافع أو على حرف ابن مسعود أو على حرف ابن عباس‪ ،‬أي على وجه قراءته‪ ،‬هذه‬
‫معاني الحرف في اللغة ‪.‬‬
‫معنى السبعة‪ :‬السبعة معروفة وهي العدد الذي بين الستة والثمانية يطلق عليه سبعة‪.‬‬

‫‪- 100 -‬‬


‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫✓ األدلة َّ‬
‫الدالة على نزول القرآن على سبعة أحرف‬
‫هل هناك أدلة وأحاديث تدل على نزول القرآن على سبعة أحرف؟ نقول‪ :‬نعم‪ ،‬هي كثيرة ومتعددة‪ ،‬بل حكى العلماء‬
‫ِّ‬
‫ومنهم أبو عبيد القاسم بن سالم تواتر أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف‪ ،‬في هذا السياق يقول أبو ُعبيد‬
‫ُّ‬
‫القاسم بن سالم أنه قد تواترت هذه األحاديث كلها على األحرف السبعة‪ .‬ومن الصعوبة بمكان أن نأتي على جميع‬
‫هذه األحاديث ولكن نقتصر على حديثين أو ثالثة أحاديث فقط ‪ .‬من هذه األحاديث‪:‬‬
‫قرأني جبريل على حرف‬ ‫‪ -‬حديث ابن عباس ‪ -‬رض ي هللا تعالى عنهما ‪ -‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪َ " :‬أ َ‬
‫زيده َوي ُ‬
‫ست ُ‬‫ََ َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫زيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف "‪ ،‬رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬ ‫فراجعته‪ ،‬فلم أزل أ‬
‫ُ‬
‫‪ -‬وهذا كذلك ُيذكرنا بحديث أنس وأ َبي بن كعب ‪ -‬رض ي هللا تعالى عنهما – الذي ذكرناه في أول املحاضرة والذي‬
‫يحكي عندما قعد جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬على يمين النبي صلى هللا عليه وسلم وميكائيل على يساره‪ ،‬فقال له‬
‫َْ‬
‫است ِّزده حتى بلغ سبعة أحرف‪.‬‬ ‫جبريل اقرأ على حرف‪ ،‬فقال له ميكائيل‬
‫‪ -‬ومن األحاديث كذلك ما أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬عن ابن شهاب‪ ،‬أن عمر بن الخطاب ‪-‬رض ي هللا تعالى عنه‪-‬‬
‫َّ‬ ‫َّ َ َّ َّ ُ َ‬ ‫َ َْ ُ ُ ََ ُْ َ‬ ‫َ ْ ُ َ َ ْ َ َ‬
‫اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َم‬ ‫اّلل صلى‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬
‫قال‪" :‬س ِّمعت ِّهشام بن ح ِّك ِّيم ب ِّن ِّحز ٍام يق َرأ سورة الف ْرق ِّان ِّفي حي ِّاة َرسو ِّل ِّ‬
‫ْ‬
‫ُ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ َ َ ْ ُ ْ ْ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ‬ ‫َ َ ُ َ َ ْ ُ ََ ُ‬ ‫َ ْ َ ْ ُ‬
‫اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َم ف ِّك ْد ُت أ َس ِّاو ُر ُه‬ ‫اّلل صلى‬ ‫وف ك ِّثير ٍة لم يق ِّرئ ِّنيها رسول ِّ‬ ‫فاست َمعت ِّل ِّق َر َاء ِّت ِّه ف ِّإذا هو يق َرأ على ح ُر ٍ‬
‫ُّ َ َ َّ َ ْ ُ َ َ ْ َ ُ َ َ َ ْ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫الص َالة َف َت َ‬
‫ال أق َرأ ِّن َيها َر ُسو ُل‬ ‫ص َّب ْر ُت َح َّتى َسل َم فل َّب ْب ُت ُه ِّب ِّر َدا ِّئ ِّه ف ُقل ُت َم ْن أق َرأ َك َه ِّذ ِّه السورة ال ِّتي س ِّمعتك تقرأ ق‬ ‫ِّ‬
‫في َّ‬
‫ِّ‬
‫اّلل َع َل ْيه َو َس َّل َم َق ْد َأ ْق َ َرأن َيها َع َلى َغ ْير َما َق َ ْرأتَ‬ ‫ص َّلى َّ ُ‬ ‫اّلل َ‬ ‫َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ ُ ْ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ ُ َل َّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم فقلت كذبت ف ِّإن رسو ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ ُ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ ْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫وف‬ ‫اّلل صلى اّلل عل ْي ِّه وسل َم فقلت ِّإ ِّني س ِّمعت هذا يق َرأ ِّبسور ِّة الف ْرق ِّان على ح ُر ٍ‬ ‫فانطلقت ِّب ِّه أقوده ِّإلى َرسو ِّل ِّ‬
‫َ ْ ُ ْ ْ َ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ ْ ُ ْ َ ْ َ َ ُ َ َ َ ْ َ َّ‬
‫ام)‪ ،‬ف َق َرأ َعل ْي ِّه ال ِّق َر َاءة ال ِّتي‬ ‫اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم (أر ِسله‪ ،‬اقرأ يا ِهش‬ ‫لم تق ِّرئ ِّنيها فقال رسول ِّ‬
‫ْ َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫َ ْ ُ ُ َ ْ َ ُ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َ ْ َ ْ ُ َّ َ َ ْ‬
‫ال‪( :‬اق َرأ َيا ُع َم ُر) ف َق َرأ ُت ال ِّق َر َاءة ال ِّتي‬ ‫اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم‪( :‬كذ ِلك أن ِزلت) ثم ق‬ ‫س ِّمعته يقرأ فقال رسول ِّ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َ ُْ َ ْ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ‬
‫اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َم‪( :‬كذ ِل َك أن ِزلت ِإ َّن َهذا الق ْرآن أن ِز َل َعلى َس ْب َع ِة أ ْح ُر ٍف فاق َر ُءوا‬ ‫أقرأ ِّني فقال رسول ِّ‬
‫اّلل صلى‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َما ت َي َّس َر ِمن ُه)" الحديث رواه البخاري ومسلم‪ .‬قال عليه الصالة والسالم‪( - :‬إن هذا القرآن أ ِّنز َل على سبعة‬
‫َّ‬
‫بس ويكشف الغطاء ُويبين الحقيقة‪.‬‬ ‫الل َ‬ ‫تيسر منه)‪ ،‬حتى ُيزيل‬ ‫أحرف فاقرءوا ما َّ‬

‫خصة للقبائل التي كانت ال تستطيع أن‬ ‫والذي ُيفهم من قوله عليه الصالة والسالم َف ْاق َر ُءوا َما َت َي َّس َر م ْن ُه‪ ،‬أنها ُر َ‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ُت َّ‬
‫ومنة ونعمة من هللا عز وجل‬ ‫ِّ‬ ‫خصة‬ ‫ر‬ ‫فهذه‬ ‫‪،‬‬ ‫األصلية‬ ‫اللهجة‬ ‫على‬ ‫أو‬ ‫‪،‬‬ ‫قريش‬ ‫لهجة‬ ‫على‬ ‫ها‬ ‫ألسنت‬ ‫ره‬ ‫ك‬ ‫ذل ألسنتها وت‬
‫َ‬ ‫َت َّ‬
‫فضل بها على هذه األمة املرحومة‪ ،‬أمة الخاتم عليه الصالة والسالم‪ ،‬بأن هللا عز وجل َي َّسر عليها أن تقرأ هذا‬
‫القرآن على سبعة أحرف‪ ،‬لم ُيلزم هللا سبحانه وتعالى هذه األمة على أن يقرؤوا على َحرف بل يسر ذلك لهم‪ ،‬قال‬

‫‪- 101 -‬‬


‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫َ‬ ‫ُ ُ َّ ُ ُ ْ‬ ‫ُ َ ْ ََ ُ َ َ َ َ ََ ُ‬
‫اّلل ِّبك ُم ال ُي ْس َر َوال‬ ‫الد ِّين ِّم ْن َح َر ٍج‪ }..‬اآلية ]الحج‪ ،[78 :‬وقال تعالى‪ { :‬ي ِّريد‬
‫تعالى‪{ :‬هو اجتباك ْم وما جع َل عل ْيك ْم ِّفي ِّ‬
‫ُ ْ‬
‫ُي ِّر ُيد ِّبك ُم ال ُع ْس َر ‪ }..‬اآلية ]البقرة‪ .[185 :‬هذه بعض من األحاديث الواردة في نزول القرآن على سبعة أحرف‪.‬‬
‫✓ ما املراد باألحرف السبعة؟‬
‫ٌ‬ ‫تعددت األقوال َّ‬
‫وتنوعت اآلراء وحصل اختالف كثير في املراد باألحرف السبعة‪ ،‬ألن هذه األحرف السبعة كانت بعد‬
‫ضة األخيرة التي َعا َرض فيها‬ ‫اكت ُفوا بما جاء في َ‬
‫الع ْر َ‬ ‫وجمع عثمان ‪ -‬ض ي هللا تعالى عنهما ‪ -‬فهما قد َ‬
‫ر‬ ‫َج ْمع أبي بكر َ‬
‫ِّ‬
‫َ‬
‫جبريل النبي صلى هللا عليه وسلم القرآن‪ ،‬فنسخوا وجمعوا القرآن على تلك العرضة‪ ،‬وتركوا ما سواها من بقية‬
‫األحرف‪.‬‬
‫العرضة اشتملت على مجموع األحرف السبعة وليس كل األحرف السبعة‪ ،‬وذلك كون عثمان وأبو بكر ‪-‬رض ي‬ ‫هذه َ‬
‫خاص متعلق َ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫بجمع أبي بكر‬ ‫هللا تعالى عنهما‪ -‬عملوا ذلك باجتهاد منهما ‪ -‬وقد يأتي معنا بإذن هللا عز وجل حديث‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وجمع عثمان‪ ،‬ال نستبق الكالم عليه اآلن ‪ -‬ولكن فقط أريد أن أنبه أن هذه األحرف السبعة كانت موجودة في زمن‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ثم بعد ذلك في أول زمن أبي بكر‪ ،‬ثم بعد ذلك اجتهد الصحابة ‪ -‬رضوان هللا تعالى عليهم‬
‫العرضة األخيرة‪ ،‬تقول ملاذا؟ وكيف؟ أقول لك ألن هذا القرآن نزوله على سبعة أحرف إنما‬ ‫‪ -‬واكتفوا بما جاء في َ‬
‫هو للتيسير‪ " ،‬فاقرؤوا ما تيسر منه " ‪ -‬كما أشرت قبل قليل ‪ -‬فهو للتيسير‪ ،‬وبحمد هللا انتفت هذه َّ‬
‫النازلة أو هذا‬
‫ألسنتها واختلطت بقريش وغيرهم‪ ،‬فبعد مرحلة وفترة لم تعد هناك حاجة‬ ‫َ‬ ‫األمر الشاق على بقية القبائل فإنها ذلت‬
‫إلى جميع تلك األحرف السبعة‪ ،‬فاكتفى أبو بكر ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬وعثمان ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬بما جاء في العرضة األخيرة‪،‬‬
‫وهي من مجموع األحرف السبعة وليست كل األحرف السبعة ‪.‬‬
‫فإذا سألت‪ :‬كيف يجتهدون والقرآن نزل على سبعة أحرف‪ ،‬أو كيف يحق لهم أن يجتهدوا؟ نقول‪ :‬أن النبي صلى هللا‬
‫َ‬ ‫بسنته وأوامره‪ ،‬وكذلك حث على أن نهتدي ُ‬
‫عليه وسلم حث وأمر على االقتداء ُ‬
‫بسنة الخلفاء الراشدين املهديين‬
‫من بعده عليه الصالة والسالم‪ ،‬وهم أبو بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وعلي ‪-‬رض ي هللا تعالى عنهم‪ ،-‬ففي الحديث‪ ،‬قال‬
‫ً‬
‫اختالفا ً‬ ‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬إنه من يعش منكم بعدي فسيرى‬
‫كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء‬
‫الراشدين املهديين عضوا عليها بالنواجذ "‪ ،‬نقول أن هذا العمل إنما حصل في عهد أبي بكر‪ ،‬وحصل كذلك في عهد‬
‫عثمان‪ ،‬وقبل هذا‪ ،‬وبعده حصل بإجماع من الصحابة‪ ،‬كلهم اتفقوا على هذا الصنيع الذي صنعه وعمله أبو بكر‪-‬‬
‫رض ي هللا تعالى عنه ‪ -‬وعمله كذلك من بعده عثمان ‪-‬رض ي هللا تعالى عنه‪ -‬عندما رأوا بوادر االنشقاق وبوادر‬
‫االختالف ‪.‬‬

‫‪- 102 -‬‬


‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫ً‬
‫اختلف العلماء ‪ -‬رحمهم هللا ‪ -‬كثيرا في املراد باألحرف السبعة اختالفا كبيرا‪ ،‬أوصلها بعضهم إلى خمسة وثالثين‬
‫ً‬
‫قوال‪ ،‬ولكن تلك األقوال تتداخل وقد ُيجمع بين عدة أقوال في قول واحد‪ ،‬ولعل أقرب األقوال إلى املراد باألحرف‬
‫السبعة قوالن نأتي عليهما بإذن هللا عز وجل في املحاضرة القادمة ‪.‬‬
‫أكتفي بهذا وأسأل هللا عز وجل لي ولكم التوفيق والسداد‪ ،‬وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العاملين‪ ،‬وصلي هللا وسلم‬
‫على نبينا محمد‪.‬‬

‫قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات ‪ :‬إسراء الزعيم ‪ /‬أم براء‬
‫قام باملراجعة األولى والتدقيق‪ :‬رغد‬
‫قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي‪ :‬رئيفة درويش‬
‫اإلشراف العام على فريق العمل‪ :‬رئيفة درويش‬

‫‪- 103 -‬‬


‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫علوم القرآن‬
‫د‪ .‬عمرعبد العزيزالدهيش ي‬
‫املحاضرة التاسعة عشرة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العاملين‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪،‬‬
‫وبعد‪ .‬أحيي الجميع بتحية اإلسالم‪ ،‬السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪ ،‬أسأل هللا عز وجل التوفيق للجميع‪ ،‬هذه‬
‫املحاضرة ضمن محاضرات مقرر علوم القرآن في برنامج السعدي‪ ،‬في أكاديمية تفسير‪ ،‬وهذه املحاضرة ستكون‬
‫تتميما للمحاضرة السابقة‪ ،‬التي تكلمت فيها عن علم من علوم القرآن وهو األحرف السبعة‪ .‬وقد سبق لي ذكر‬ ‫ً‬
‫معنى الحرف في اللغة‪ ،‬كذلك معنى األحرف السبعة في اللغة‪ ،‬ثم ذكرت ً‬
‫بعضا من األحاديث الواردة في هذا العلم‪،‬‬
‫وانتهى حديثنا إلى النقطة األهم واألساس في هذا املوضوع وهو السؤال العريض والكبير وهو‪:‬‬
‫✓ ما املراد باألحرف السبعة؟‬
‫ذكرت في املحاضرة السابقة أن األقوال تعددت‪ ،‬واآلراء تنوعت حتى أوصلها بعضهم إلى خمسة وثالثين‪ ،‬وبعضهم‬
‫ً‬
‫إلى أربعين قوال كما ذكر ذلك السيوطي؛ ولكن أقرب األقوال ‪ -‬وهللا أعلم ‪ -‬قوالن‪:‬‬
‫القول األول‪:‬‬
‫املراد باألحرف السبعة هي الوجوه التي يقع بها التغاير واالختالف في الكلمات القرآنية‪ ،‬في األلفاظ وال يخرج‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫عنها‪ ،‬مثل قول هللا عز وجل‪{َ :‬ف َق ُالوا َرَّب َنا َباع ْد َب ْي َن َأ ْس َفارَنا} [سورة سبأ‪ ،]19 :‬وفي قراءة أخرى‪{َ :‬ب َ‬
‫اع َد َب ْي َن أ ْس َفا ِّرنا}‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫يم} [سورة البقرة‪ ،]132 :‬وفي قراءة أخرى‪{ :‬وأوص ى}‪ ،‬فهذه‬ ‫في موضع آخر قال هللا عز وجل‪{َ :‬و َو َّص ى ب َها إب َراه ُ‬
‫ْ‬
‫ِّ ِّ ِّ‬
‫الوجوه املتغايرة املختلفة في األلفاظ قالوا‪ :‬إنها هي املراد باألحرف السبعة‪ ،‬وهي الوجوه التي يقع فيها التغاير‬
‫واالختالف في الكلمات القرآنية وال يخرج عنها‪ .‬وقد اتفقوا على أنها سبعة أوجه‪ ،‬ثم اختلفوا في تحديد هذه‬
‫ُ‬
‫قرئ‪ ،‬ذكر سبعة أوجه وقال‪ :‬إنها هي املراد بالتغاير‬ ‫األوجه إلى أقوال‪ ،‬أقربها ما ذكره أبو الفضل الرازي امل ِ‬
‫واالختالف في معنى هذه األحرف السبعة‪.‬‬
‫✓ ما هي هذه األوجه السبعة؟ قال أبو الفضل الرازي‪:‬‬
‫وتأنيث‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫وتذكير‬
‫ٍ‬ ‫وجمع‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫‪ .1‬الوجه األول‪ :‬اختالف األسماء من ٍ‬
‫إفراد‬
‫َ َ َ َّ ُ ُ َ ُ ْ َ َ ْ ْ َ َ ُ ْ ُ َ ُ ٌّ َ َ َّ َ َ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫اّلل َو َمال ِّئك ِّت ِّه َوك ُت ِّب ِّه} [سورة البقرة‪]285 :‬‬
‫كقوله تعالى‪{ :‬آمن الرسول ِّبما أن ِّزل ِّإلي ِّه ِّمن رِّب ِّه واملؤ ِّمنون كل آمن ِّب ِّ‬
‫َ‬
‫تابه} كما في قراءة حمزة والكسائي‪ ،‬فهذا اختالف األسماء في‬ ‫هذه قراءة عاصم وغيره‪ ،‬وفي قراءة أخرى‪{ :‬و ِّك ِّ‬
‫اإلفراد والجمع‪ ،‬قال‪ :‬هذا وجه من أوجه‪ ،‬أو حرف من األحرف السبعة؛ ألنه قد يكون االختالف في األسماء‪،‬‬
‫‪- 104 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫َ َّ ُ َ ْ ً َ َ ْ ي َ ْ ٌ َ ْ َ ْ َ ْ ً َ َ ُ ْ َ ُ ْ َ َ َ َ ٌ‬
‫اعة} [سورة البقرة‪:‬‬ ‫س شيئا وال يقبل ِّمنها شف‬ ‫كذلك من األمثلة قوله تعالى‪{ :‬واتقوا يوما ال تج ِّز نفس عن نف ٍ‬
‫ََ ُ َ ُ َْ َ َ َ ٌ‬
‫اعة}‪ ،‬هذا هو الوجه األول‪ ،‬هو االختالف في األسماء بين تذكير‬ ‫‪ ،]48‬وفي قراءة ابن كثير‪{ :‬وال تقبل ِّمنها شف‬
‫وجمع‪.‬‬
‫وتأنيث‪ ،‬أو بين إفر ٍاد ٍ‬
‫ومضارع وأمر‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫ماض‬
‫بين ٍ‬ ‫‪ .2‬الوجه الثاني‪ :‬اختالف تصريف األفعال‬
‫َ‬
‫كقوله سبحانه وتعالى‪{َ :‬ف َق ُالوا َرَّب َنا َباع ْد َب ْي َن أ ْس َفارَنا} [سورة سبأ‪ ،]19 :‬وفي قراءة أخرى‪{َ :‬ف َقالوا َرَّب َنا َب َ‬
‫ُ‬
‫اع َد َب ْي َن‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أ ْس َفا ِّرنا}‪.‬‬
‫‪ .3‬الوجه الثالث‪ :‬االختالف في وجوه اإلعراب‪:‬‬
‫ُ َّ َ ْ َ َ َ ُْ‬ ‫َ ْ َُ‬
‫كقوله تعالى‪{ُ :‬ه َّن أط َه ُر لك ْم} [سورة هود‪ ،]78 :‬وفي قراءة أخرى‪{ :‬هن أطهر لكم}‪.‬‬
‫‪ .4‬الوجه الرابع‪ :‬الزيادة والنقصان‪:‬‬
‫كقوله تعالى‪{َ :‬و َو َّص ى ب َها إ ْب َراه ُ‬
‫يم} [سورة البقرة‪ ،]132 :‬وفي قراءة أخرى‪{َ :‬و ْأو َص ى ب َها إ ْب َراه ُ‬
‫يم}‪ ،‬زيادة األلف‪.‬‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫‪ .5‬الوجه الخامس‪ :‬االختالف في التقديم والتأخير‪:‬‬
‫ُ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫كقوله تعالى‪{ :‬ف َي ْق ُتلون َو ُي ْق َتلون} [سورة التوبة‪ ،]111 :‬ببناء األول للمعلوم والثاني للمجهول‪ ،‬وق ِّرأت بالعكس‪،‬‬
‫ُ َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫األول للمجهول والثاني للمعلوم‪{ :‬ف ُي ْق َتلون َو َي ْق ِّتلون}‪.‬‬
‫‪ .6‬الوجه السادس‪ :‬من أوجه االختالف اإلبدال‪:‬‬
‫َ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ َ ُ َ َّ َ ْ َ ْ ْ ُ ُ َ َ ْ َ ْ َ ْ َّ‬
‫اّلل} [سورة الجمعة‪،]9 :‬‬
‫ودي ِّللصال ِّة ِّمن يو ِّم الجمع ِّة فاسعوا ِّإلى ِّذك ِّر ِّ‬
‫كقوله تعالى‪{ :‬يا أيها ال ِّذين آمنوا ِّإذا ن ِّ‬
‫َ ْ ُ َ ْ َّ‬
‫اّلل}‪.‬‬
‫هناك قراءة‪{ :‬فامضوا ِّإلى ِّذك ِّر ِّ‬
‫‪ .7‬الوجه السابع‪ :‬اختالف اللغات كالفتح واإلمالة‪:‬‬
‫نافع‪{َ :‬و ُّ‬
‫الض ِّحى} باإلمالة‪ ،‬قالوا‪ :‬هذا الوجه السابع من‬ ‫مثل قراءة عاصم‪{َ :‬و ُّ‬
‫الض َحى} [سورة الضحى‪ ،]1 :‬قرأها ٌ‬
‫أوجه االختالف‪.‬‬
‫✓ ما هي األدلة على أن هذه األوجه السبعة هي املراد باألحرف السبعة؟‬
‫ويستدل بهذا القول ‪-‬أعني القول‪ :‬إن املراد باألحرف السبعة أنها سبعة أوجه يقع فيها التغاير واالختالف في كلمات‬
‫القرآن‪ ،‬في ألفاظ القرآن ال يخرج عنها‪ -‬استدلوا بأدلة منها‪:‬‬
‫‪ -‬أن تأويل الحرف املذكور في الحديث بالوجه موافق ملا فسر به الحرف في اللغة‪ ،‬كما قلنا‪ :‬إن الحرف في اللغة‬
‫له إطالقات‪ ،‬يطلق على الوجه‪ ،‬ويطلق على اللغة‪ ،‬ويطلق كذلك على حروف الهجاء‪ ،‬قالوا‪ :‬إن تأويل الحرف‬
‫ُ‬
‫املذكور في الحديث بالوجه‪ ،‬موافق ملا ف ِّسر به الحرف في اللغة‪.‬‬
‫‪- 105 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫ً‬ ‫ُ ُ‬
‫‪ -‬كذلك جاء في بعض الروايات ما يشير إلى أن الحرف أو األحرف تقرأ قراءة‪ ،‬وفي بعض الروايات أن األحرف‬
‫ُ‬ ‫َ ْ ُ َ َ َ َّ ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫تقرأ قراءة‪ ،‬كما جاء في حديث عمر‪" :‬نزل القرآن على سبعة أحرف {فاق َرءوا ما تيس َر ِّمنه} [سورة امل ِّ‬
‫زمل‪."]20 :‬‬
‫‪ -‬وكذلك أن هذا املذهب يعتمد على االستقراء التام ألوجه االختالف بين القراءات‪.‬‬
‫متحقق في اختالف اللغات واللهجات‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -‬كذلك أن الحكمة من نزول األحرف السبعة هي التيسير على األمة وهذا‬
‫في القراءات‪ ،‬هذه مجمل أدلة هذا القول‪.‬‬
‫القول الثاني‪:‬‬
‫أن املراد باألحرف السبعة‪ ،‬سبع لغات من لغات العرب في املعنى الواحد‪ ،‬بمعنى أنه إذا جاءت لغة العرب وقد‬
‫لغات منها‪ ،‬هؤالء يقولون كذا‪ ،‬وأولئك يقولون كذا‪ ،‬وغيرهم يسمي‬
‫اختلفت في كلمة من الكلمات‪ ،‬جاء القرآن بسبع ٍ‬
‫هذه تسمية أخرى‪ ،‬أنه إذا اختلفت اللغة في كلمة جاء القرآن بسبع لغات منها‪ ،‬ما هذه اللغات؟ قالوا‪ :‬إنها لغة‬
‫قريش‪ ،‬وهذيل‪ ،‬وتميم‪ ،‬وهوازن‪ ،‬وكنانة‪ ،‬وثقيف‪ ،‬واليمن‪ ،‬وقيل غير ذلك‪.‬‬
‫✓ ما هي أدلتهم؟ استدلوا بعدة أدلة‪ ،‬من أدلتهم‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن الصحابة رضوان هللا عليهم تماروا في القرآن فخالف بعضهم ً‬ ‫ً‬
‫بعضا في نفس التالوة دون ما في ذلك من‬ ‫‪-‬‬
‫املعاني‪.‬‬
‫شاف‬ ‫ً‬
‫‪ -‬ثانيا‪ :‬يؤيد هذا حديث أبي بكرة رض ي هللا عنه‪ ،‬عن األحرف السبعة قوله عليه الصالة والسالم‪" :‬كلها ٍ‬
‫ُ‬
‫كاف [وفيه] كقولك‪ :‬هلم وتعال"‪ ،‬فقد أوضح هذا النص أن اختالف األحرف السبعة إنما هو اختالف ألفاظ‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫أحكام‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫معان موجبة اختالف‬
‫باختالف ٍ‬
‫ِّ‬ ‫كقولك‪" :‬هلم وتعال"‪ ،‬باتفاق املعاني ال‬
‫✓ تعريف األحرف السبعة‬
‫تعريف ملعنى األحرف السبعة املذكورة في األحاديث النبوية‪ ،‬أي‪ :‬من‬ ‫ٍ‬ ‫ومن خالل القولين السابقين‪ ،‬يمكن صياغة‬
‫حادا ومعنى لألحرف‬ ‫ً‬
‫تعريفا ً‬ ‫خالل القول األول والقول الثاني‪ ،‬نستطيع أن نخلص إلى تعريف بإذن هللا يكون‬
‫السبعة‪ ،‬حتى يتجلى لنا معنى املراد باألحرف السبعة‪ .‬هذا التعريف لألحرف السبعة يمكن أن نقول هو‪:‬‬
‫لغات العرب‪[ ،‬تغاير أي‪ :‬اختالف وتنوع‬ ‫لغات من ٍ‬ ‫تغاير األلفاظ مع اتفاق املعنى‪ ،‬مع اتفاق املعنى في سبع ٍ‬
‫اع ْد"‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َّ‬
‫األلفاظ]‪ ،‬نقول تغاير األلفاظ ألنه قد يأتي هنا‪" :‬وص ى"‪ ،‬وفي القراءة في الحرف اآلخر‪" :‬أوص ى"‪ ،‬يأتي هنا‪" :‬ب ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫اع َد"‪ ،‬يأتي هنا‪" :‬ف َت َب َّي ُنوا"‪ ،‬ويأتي هناك‪" :‬ف َتث َّب ُتوا"‪ ،‬يأتي هنا‪" :‬ف َي ْق ُتلون َو ُي ْق َتلون"‪ ،‬ويأتي هناك‪" :‬ف ُي ْق َتلون‬
‫وهناك‪َ " :‬ب َ‬
‫ْ ُ َ‬
‫َو َيق ِتلون"‪ ،‬تغاير األلفاظ مع اتفاق املعنى‪ ،‬ما تأتي لغة فيها أمر باإلحسان إلى الوالدين‪ ،‬وتأتي لغة أخرى وحرف‬
‫آخر يخالف هذا األمر‪ ،‬كال‪ ،‬تغاير األلفاظ مع اتفاق املعنى في سبع لغات من لغات العرب‪ ،‬وذكرت قبل هذا ما هي‬

‫‪- 106 -‬‬


‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫اللغات؟ قيل‪ :‬إنها لغة قريش‪ ،‬وهذيل‪ ،‬وتميم‪ ،‬وهوازن‪ ،‬وكنانة‪ ،‬وثقيف‪ ،‬واليمن‪ ،‬وغيرها‪ .‬إذن‪ ،‬نقول في تعريف‬
‫لغات من لغات العرب‪.‬‬
‫سبع ٍ‬ ‫األحرف السبعة‪ :‬هي تغايراأللفاظ مع اتفاق املعنى في ِ‬
‫الخالصة‪ :‬أن املراد باألحرف السبعة‪ ،‬وجوه القراءات املتغايرة في سبع لغات من لغات العرب‪ ،‬وليست لغات‬
‫القبائل على حد سواء‪ ،‬بل بعضها قد يكون أكثر من بعض في هذه الوجوه‪ ،‬قد تكون لغة قريش هي أكثر األلفاظ‬
‫كانت بلغة قريش‪ ،‬ولعل هذا القول‪ ،‬وهذا التعريف‪ ،‬وبيان املراد من األحرف السبعة لعله هو األقرب إلى معنى‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫وأشرت إلى ملاذا ال نجزم بهذا في املحاضرة‬ ‫األحرف السبعة وال يمكن الجزم بذلك‪ ،‬وهللا تعالى أعلم‪ ،‬وقد َب َّينت‬
‫املاضية‪.‬‬
‫✓ الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف‬
‫ما الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف؟ هل هناك حكمة؟ هل هناك فائدة؟ نقول‪ :‬نعم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫تيسير على أمة محمد‪ ،‬ورحمة بهم‪ ،‬يقول ابن قتيبة‪" :‬فكان من تيسيره‬ ‫‪ .1‬نزول القرآن على سبعة أحرف فيه‬
‫ُ‬
‫أن أمره بأن ُيقرئ كل قوم بلغتهم وما جرت عليه عادتهم‪ ،‬ولو أن كل فريق من هؤالء أمر أن يزول عن لغته وما‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وناشئا وكهال؛ الشتد ذلك عليه وعظمت املحنة‪ ،‬فأراد هللا برحمته ولطفه‬ ‫جرى عليه اعتياده حين كان طفال‬
‫ً‬
‫تسعا في اللغات‪ُ ،‬ومتصرفا في الحركات"‪.‬‬
‫أن يجعل لهم ُم ً‬

‫‪ .2‬كذلك من الحكمة‪ :‬اإليجاز مع اإلعجاز‪ ،‬إيجاز وإعجاز في تعدد األحرف السبعة‪ ،‬ففي تعدد األحرف السبعة‬
‫كمال اإليجاز مع غاية الكمال في اإلعجاز‪ ،‬إذ إن كل حرف بالنسبة لآلخر بمنزلة آية مستقلة‪.‬‬
‫الحكم‪ :‬الداللة على مصدرالقرآن وأنه وحي من هللا تعالى‪ ،‬فتعدد القراءات وتعدد األحرف واتساق‬ ‫‪ .3‬كذلك من ِّ‬
‫ً‬
‫بعضها مع بعض‪ ،‬وترابطها من غير اختالف‪ ،‬فضال عن التضاد أو التنافي يدل وبال شك على أن هذا القرآن‬
‫ْ َ ً‬ ‫َ َ ْ َ َ ْ ْ َ ْ َّ َ‬
‫اّلل ل َو َج ُدوا ِّف ِّيه اخ ِّتالفا‬
‫حميد سبحانه وتعالى‪{ :‬ولو كان ِّمن ِّعن ِّد غي ِّر ِّ‬
‫ٍ‬ ‫حكيم‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫وأن هذا الكتاب أنه من عند‬
‫َ‬
‫ك ِّث ًيرا} [سورة ِّ‬
‫النساء‪.]82 :‬‬
‫الحكمة في نزول القرآن على سبعة أحرف‪ :‬أن األحرف السبعة هي من خصائص أمة محمد صلى‬ ‫‪ .4‬كذلك من ِّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تيسيرا ورحمة‪ ،‬فالكتب السابقة كانت تنزل على حرف واحد‪ ،‬أما نزول القرآن على عدة‬ ‫هللا عليه وسلم‪ ،‬وذلك‬
‫أحرف إنما كان في كتاب هذه األمة املرحومة‪.‬‬
‫حرف‬
‫الحكمة‪ :‬أن األحرف السبعة من خصائص القرآن الكريم‪ ،‬والكتب السابقة نزلت على ٍ‬ ‫‪ .5‬كذلك من ِّ‬
‫أوجه‪،‬‬
‫أحرف‪ ،‬وعلى سبعة ٍ‬
‫ٍ‬ ‫واحدة‪ ،‬أما هذا القرآن فإنه نزل على سبعة‬
‫ٍ‬ ‫اءة‬
‫واحد‪ ،‬وعلى قر ٍ‬
‫وجه ٍ‬‫واحد‪ ،‬وعلى ٍ‬
‫ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لغات‪ ،‬فضال ورحمة منه سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫سبع ٍ‬‫وعلى ِّ‬
‫‪- 107 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫ُ‬
‫ذكرت أن هذا‬ ‫بهذا نختم الحديث عن األحرف السبعة‪ ،‬وكان حديثنا بصورة مختصرة‪ ،‬وبطريقة مقتضبة‪ ،‬كما‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫متشعب واألقوال فيه كثيرة‪ ،‬ولكن لعل ما ذ ِّك َر فيه الكفاية وتقريب الصورة‪ ،‬وتقريب املعنى إلى األذهان‪،‬‬ ‫املوضوع‬
‫أخطأت فمن نفس ي والشيطان‪ ،‬وأستغفر‬ ‫ُ‬ ‫بتوفيق من هللا عز وجل‪ ،‬وإن‬ ‫أصبت فهو‬ ‫ُ‬ ‫هذا مبلغ الجهد واالجتهاد‪ ،‬فإن‬
‫ْ َ‬ ‫ٍ‬
‫ْ َّ َ َ ُ َ َ َ َ َ َ ْ ُ َ َ َ ْ َ ُ َّ‬ ‫َّ ُ َ َ َّ‬
‫ّلل َر ِّب ال َع ِّامل َين‪ ،‬وصلى هللا‬ ‫ُ ْ َ َ َ‬
‫هللا إنه كان غفا ًرا‪ ،‬سبحان َرِّبك َر ِّب ال ِّعز ِّة ع َّما ي ِّصفون‪ ،‬وسال ٌم على امل ْرس ِّلين‪ ،‬والح ْمد ِّ ِّ‬
‫وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬ونلتقي بإذن هللا عز وجل في محاضرة قادمة بإذن هللا‪.‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪.‬‬

‫قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات ‪ :‬إيمان عثمان‬
‫قام باملراجعة األولى والتدقيق‪ :‬أحمد عبد الرحمن‬
‫قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي‪ :‬رئيفة درويش‬
‫اإلشراف العام على فريق العمل‪ :‬رئيفة درويش‬

‫‪- 108 -‬‬


‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫علوم القرآن‬
‫د‪ .‬عمرعبد العزيزالدهيش ي‬
‫املحاضرة العشرون‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العاملين‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪،‬‬
‫وبعد‪ .‬نواصل الحديث بإذن هللا عز وجل فيما قد ابتدأناه في الحلقة السابعة عشرة‪ ،‬والتي تحدثنا فيها عن‬
‫خصائص القرآن‪.‬‬
‫✓ تابع‪ :‬خصائص القرآن الواردة في السنة النبوية‬
‫توقفنا عند الخصيصة الثالثة؛ وهي أن هناك خصائص تتعلق بتالوة القرآن ومدارسته وتعهده‪ ،‬ومن ذلك تحسين‬
‫الصوت في قراءته‪ ،‬نكمل بإذن هللا هذه الخصائص فيما يلي‪:‬‬
‫خصائص تتعلق بتالوة القرآن ومدارسته وتعاهده ومراجعته‬
‫‪ -‬تحسين الصوت والتغني به‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪-‬رض ي هللا عنه ‪ -‬أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ‪(َ " :‬ما َأذ َن ُ‬
‫هللا‬ ‫ِّ‬
‫وسئل الشافعي‬ ‫ل َش ْي ٍء َما َأذ َن لل َنبي َي َت َغ َّنى ب ْال ُق ْرآن)‪ ،‬قال سفيان بن عيينة ‪ :‬تفسيره‪ :‬يستغني به"‪ ،‬رواه البخاري‪ُ .‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ٍ‬ ‫ِّ‬
‫‪-‬رحمه هللا‪ -‬عن تأويل ابن عيينة فقال‪" :‬نحن أعلم بهذا‪ ،‬لو أراد به االستغناء لقال‪(( :‬من لم يستغن بالقرآن))‪،‬‬
‫التغني"‪ ،‬ويشهد لقول الشافعي الرواية األخرى ملسلم وفيها‪:‬‬ ‫َّ‬
‫ولكن ملا قال‪(( :‬يتغنى َبالقرآن))‪ ،‬علمنا أنه أراد به ِّ‬
‫َ ْ‬ ‫َ(ما َأذ َن َّ ُ‬
‫اّلل ِّل َش ْي ٍء َما أ ِّذ َن ِّل َنبي َح َسن َّ‬
‫الص ْو ِّت‪َ ،‬ي َتغ َّنى ِّبال ُق ْر ِّآن َي ْج َه ُر ِّبه)‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ٍ‬ ‫ِّ‬
‫‪ -‬نزول السكنية عند مدارسة كتاب هللا عزوجل‪ ،‬واملالئكة تحف الذين يتدارسون كتاب هللا عزوجل‪ :‬فعن‬
‫وت هللا‪َ ،‬ي ْت ُلو َن ك َت َ‬ ‫ْ ُُ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ ْ َْ‬
‫اب‬ ‫ِّ‬ ‫أبي هريرة ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪" :‬وما اجت َمع قو ٌم ِّفي بي ٍت ِّمن بي ِّ ِّ‬
‫الر ْح َم ُة َو َح َّف ْت ُه ُم ْامل َالئ َك ُة‪َ ،‬و َذ َك َر ُه ُم ُ‬
‫هللا ِّف َيم ْن‬ ‫هللا‪َ ،‬و َي َت َدا َر ُس َون ُه َب ْي َن ُه ْم‪ ،‬إ َّال َن َ َزل ْت َع َل ْيهم َّ‬
‫الس ِّك َين ُة‪َ ،‬و َغ ِّش َي ْت ُه ُم َّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ِّع ْند ُه"‪ ،‬رواه اإلمام مسلم‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪ -‬كان جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬يدارس النبي صلى هللا عليه وسلم القرآن في كل سنة مرة؛ فعن ابن عباس ‪-‬رض ي‬
‫ض َ‬ ‫ان َي ْل َق ُاه في ُكل َل ْي َلة م ْن َر َم َ‬‫الناس‪ ،"....‬وفيه‪"َ :‬و َك َ‬ ‫هللا َع َل ْيه َو َس َّل َم َأ ْج َو َد َّ‬
‫ص َّلى ُ‬
‫اّلل َ‬ ‫َ َ ُ ُ َّ‬
‫ان‬ ‫ِّ ِّ ٍ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫هللا عنهما‪ -‬قال‪" :‬كان َرسول ِّ‬
‫ُ َ‬ ‫َ ُ َ ُ ُ ُ ْ َ َ َ َ ُ ُل َّ َ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ َ ُ َ‬
‫الخ ْير م َ‬
‫الر ِّيح امل ْر َسل ِّة"‪ ،‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫اّلل صلى هللا علي ِّه وسلم أجود ِّب ِّ ِّ ِّ‬
‫ن‬ ‫فيدا ِّرسه القرآن‪ ،‬فلرسو ِّ‬
‫‪ -‬ومن الخصائص املتعلقة باملدارسة؛ أنه إذا حصل اختالف أو تنازع بين املتدارسين فقد أمروا بالقيام والتفرق‬
‫ْ‬
‫الق ْر َآن َما‬
‫"اق َر ُءوا ُ‬ ‫وعدم االسترسال‪ ،‬فعن جندب بن عبد هللا ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬

‫‪- 109 -‬‬


‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫اخ َت َل ْف ُت ْم َف ُق ُ‬
‫وموا َع ْن ُه"‪ ،‬رواه البخاري ومسلم؛ قال ابن حجر‪" :‬قوله‪ :‬فإذا اختلفتم؛ أي‬
‫ََْ َ ْ ُُ ُ ُ ْ َ َ ْ‬
‫ائتلفت قلوبكم‪ ،‬ف ِّإذا‬
‫في فهم املعاني‪ ،‬فقوموا عنه؛ أي تفرقوا لئال يتمادى بكم االختالف إلى الشر" [فتح الباري‪.]101/9 ،‬‬
‫‪ -‬الحث على تعهد القرآن وتالوته والتحذير من نسيانه‪ ،‬فعن أبي موس ى ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬أن النبي صلى هللا‬
‫اإل ِّب ِّل ِّفي ُع ُق ِّل َها"‪ ،‬رواه البخاري‪.‬‬ ‫ن‬‫الق ْر َآن‪َ ،‬ف َو َّالذي َن ْفس ي ب َيده َل ُه َو َأ َش ُّد َت َفص ًيا م َ‬‫عليه وسلم قال‪"َ :‬ت َع َاه ُدوا ُ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ْ َ َ ََ ْ َ ْ َُ َ َ ُ َ‬
‫يت َآية‬ ‫وعن ابن مسعود ‪ -‬رض ي هللا تعالى عنه ‪ -‬قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪"ِّ :‬بئس ما ِّألح ِّد ِّهم أن يقول ن ِّس‬
‫الن َع ِّم"‪ ،‬رواه البخاري‬‫ص ُدور الر َجال م َن َّ‬ ‫الق ْر َآن‪َ ،‬فإ َّن ُه َأ َش ُّد َت َفص ًيا م ْن ُ‬ ‫اس َت ْذك ُروا ُ‬ ‫َك ْي َت َو َك ْي َت‪َ ،‬ب ْل ُنس َي َو ْ‬
‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ومسلم‪ ،‬فورد هنا بأسلوب الذم لحال من حفظ كتاب هللا ثم نسيه‪ ،‬ألن من خصائص هذا الكتاب العزيز‪:‬‬
‫سرعة التفلت كما في الحديث السابق‪ ،‬قال القاض ي عياض‪" :‬معناه ذم الحال وكراهته ال ذم املقال‪ ،‬أي بئست‬
‫الحالة والصفة ملن أوتي القرآن فغفل عنه حتى نسيه‪ ،‬هذا عندي أولى ما يتأول في الحديث إن شاء هللا"‪ ،‬انتهى‬
‫َ ُ ُ‬
‫ال امل ْع ِّل ِّم َبف َوا ِّئ ِّد ُم ْس ِّلم‪ ،‬للقاض ي عياض‪.]155/3 :‬‬ ‫كالمه رحمه هللا تعالى ِّ[إكم‬
‫خصائص تتعلق بحفظ القرآن واملحافظة عليه‬
‫أيضا من الخصائص املتعلقة بالقرآن الكريم‪ :‬خصائص تتعلق بحفظ القرآن واملحافظة عليه‪.‬‬
‫‪ -‬حفظ القرآن وتيسيره مما ورد الحث عليه والترغيب فيه‪ :‬فعن عياض بن حمار املجاشعي ‪-‬رض ي هللا عنه‪-‬‬
‫َْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬أال ِّإ َّن َرِّبي أ َم َرِّني أ ْن أ َع ِّل َمك ْم َما َج ِّهل ُت ْم‪ِّ ،‬م َّما َعل َم ِّني َي ْو ِّمي َهذا‪ ...،‬وفيه‪َ :‬وأن َزل ُت‬
‫ان "‪ ....‬الحديث‪ ،‬رواه مسلم‪ .‬قال ابن الجزري‪" :‬أخبر تعالى أن‬ ‫َع َل ْي َك ك َت ًابا َال َي ْغس ُل ُه ْاملَ ُاء‪َ ،‬ت ْق َر ُؤ ُه َنائ ًما َو َي ْق َظ َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫القرآن ال يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل باملاء بل يقرأونه في كل حال كما جاء في صفة أمتي أناجيلهم في‬
‫صدورهم وذلك بخالف أهل الكتاب الذين ال يحفظونه ال في الكتب وال يقرأونه كله إال نظرا ال عن ظهر قلب"‪،‬‬
‫انتهى كالمه‪[ ،‬النشر‪.]6/1 ،‬‬
‫‪ -‬النهي عن السفر بالقرآن إلى األعداء‪ :‬فعن ابن عمر‪-‬رض ي هللا عنهما‪ -‬قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫وسلم‪ " :‬ال ت َسا ِّف ُروا ِّبال ُق ْر ِّآن‪ ،‬ف ِّإ ِّني ال َآم ُن أ ْن َي َنال ُه ال َع ُدو" ‪ ...‬الحديث‪ ،‬رواه البخاري ومسلم‪ ،‬واللفظ ملسلم‪.‬‬
‫‪ -‬النهي عن املراء والجدال في القرآن‪ :‬عن عمرو بن العاص ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪:‬‬
‫ُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫"إ َّن َه َذا ْال ُق ْر َآن ُأ ْنز َل َع َلى َس ْب َعة َأ ْح ُرف‪َ ،‬ف َأ َّي َذل َك َق َ ْرأ ُت ْم َف َق ْد َأ َ‬
‫ص ْب ُت ْم‪َ ،‬وال ت َم َار ْوا ِّف ِّيه‪ ،‬ف ِّإ َّن ِّامل َر َاء ِّف ِّيه ك ْف ٌر أ ْو‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ْ‬ ‫َُ ُْ‬
‫آية الكفر"‪ ،‬رواه أحمد؛ وحقيقة املراء أن يتمادى اثنان في آية يجحدها أحدهما ويدفعها‪ ،‬أو يصير فيها إلى‬
‫الشك‪ ،‬فهذا هو املراء الذي هو الكفر‪ ،‬وأما التنازع في أحكام القرآن ومعانيه‪ ،‬فقد تنازع أصحاب النبي صلى‬

‫‪- 110 -‬‬


‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫هللا عليه وسلم في كثير من ذلك بخالف الجدال املؤدي إلى الشك والتكذيب‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪-‬رض ي هللا عنه‪-‬‬
‫قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪" :‬جدال في القرآن كفر" رواه اإلمام أحمد في مسنده‪.‬‬
‫‪ -‬أيضا مما يتعلق بهذه الخصيصة ؛ األمر بالعمل به واملحافظة عليه‪ ،‬حتى ال ُي ْس َرى به من القلوب‪ :‬فعن‬
‫َ ْ ُ ُ ْ ْ َ ُ َ َ َ ْ ُ ُ ْ َّ‬
‫س َوش ُي الث ْو ِّب‪َ ،‬ح َّتى‬ ‫اإلسالم كما يدر‬ ‫حذيفة بن اليمان ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪" :‬يدرس ِّ‬
‫ْ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اّلل َع َّز َو َج َّل في ل ْيلة‪َ ،‬فال َي ْب َ‬‫َّ‬ ‫ص َد َق ٌة‪َ ،‬و َل ُي ْس َرى َع َلى ك َ‬‫ص َال ٌة‪َ َ ،‬وال ُن ُس ٌك‪َ َ ،‬وال َ‬
‫َال ُي ْد َرى َما ص َي ٌام‪َ ،‬وَال َ‬
‫ض‬‫ِّ‬ ‫ر‬ ‫األ‬ ‫ي‬‫ف‬‫ِّ‬ ‫ى‬ ‫ق‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫اب‬‫ت‬
‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َّ ْ ُ ْ َ ُ َ ْ َ ُ ُ َ ُ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ َ ٌ َََْ َ‬
‫اس الشيخ الك ِّبير والعجوز‪ ،‬يقولون‪ :‬أدركنا آباءنا على ه ِّذ ِّه الك ِّلم ِّة‪ ،‬ال ِّإله ِّإال‬ ‫ِّمنه آية‪ ،‬وتبقى طوا ِّئف ِّمن الن ِّ‬
‫َ ُ‬ ‫َّ ُ َ‬
‫اّلل‪ ،‬ف َن ْح ُن ن ُقول َها"‪ ،‬رواه ابن ماجه في سننه‪.‬‬
‫هذه مجمل الخصائص لهذا الكتاب العزيز‪ ،‬لم أقصد أن أحصيها كلها وأستقرئها جميعا‪ ،‬وإنما اكتفيت ببعض‬
‫منها مع ذكر شواهد عليها‪ ،‬وإال فخصائص القرآن كثيرة؛ فهناك خصائص تتعلق بالتالي‪ ،‬وهناك خصائص تتعلق‬
‫باملكان …‪..‬ألخ‪ ،‬هناك خصائص كثيرة‪ ،‬وقد ألفت مؤلفات مستقلة في هذا العلم‪ ،‬ولكن يكفينا من القالدة ما أحاط‬
‫بالعنق‪ ،‬ويكفينا اإلشارة واإلشارات عن كل ما كتب في هذا العلم‪.‬‬
‫✓ خواص القرآن‬
‫نأتي بعد ذلك إلى مسألة‪ ،‬وهي تتعلق بخصائص القرآن وبينهما ارتباط‪ ،‬وهي مسألة خواص القرآن؛ فإن للقرآن‬
‫خواص في الشفاء من األمراض‪ ،‬في املداواة‪ ،‬في الرقية‪ ،‬هذه أطلق عليها العلماء هذا االسم‪ :‬خواص القرآن؛ وهي‬
‫َ‬
‫ما يترتب على قراءته أو كتابة سورة أو آيات معينة من القرآن في حدث خاص‪ ،‬ينتج عن تلك القراءة‪ :‬شفاء أو ف َرج‬
‫أو حفظ‪ .‬هذا هو مفهوم خواص القرآن‪ ،‬نذكر طرفا من تلك الخواص؛ من تلك الخواص‪:‬‬
‫َ َّ ُ َ‬
‫هللا َعل ْي ِّه‬ ‫هللا صلى‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ص َحاب َر ُ‬
‫س‬ ‫اسا م ْن َأ ْ‬‫‪ -‬الشفاء من كل داء‪ ،‬فعن أبي سعيد الخدري ‪-‬رض ي هللا عنه‪َ ( -‬أ َّن َن ً‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ ُّ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ ُ ُ َ َ‬ ‫َّ َ ُ‬
‫وه ْم فل ْم ُي ِّضيفوه ْم‪ ،‬فقالوا ل ُه ْم‪ :‬ه ْل ِّفيك ْم َر ٍاق؟‬ ‫َو َسل َم كانوا ِّفي سف ٍر‪ ،‬فمروا ِّبح ٍي ِّمن أحي ِّاء العر ِّب‪ ،‬فاستضاف‬
‫الر ُج ُل‪َ ،‬ف ُأ ْعط َي َقط ً‬‫َّ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫ال َ ُج ٌل م ْن ُه ْم‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ف َأ َت ُاه َف َر َق ُاه ب َفات َحة ْالك َ‬‫َ‬ ‫اب‪َ ،‬ف َ‬‫ٌ‬ ‫َفإ َّن َسي َد ْال َحي َلد ٌيغ َأ ْو ُم َ‬
‫يعا‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫أ‬
‫ر‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬‫اب‬ ‫ت‬
‫ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ر‬ ‫ق‬ ‫ص‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫هللا َع َل ْيه َو َس َّلمَ‬
‫ص َّلى ُ‬
‫النب َّي َ‬ ‫هللا َع َل ْيه َو َس َّل َم‪َ ،‬ف َأ َتى َّ‬ ‫ص َّلى ُ‬ ‫ال‪َ :‬ح َّتى َأ ْذ ُك َر َذل َك ل َّلنبي َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِّم ْن َغ َنم‪ ،‬فأبى أن يقبل َها‪ ،‬وق َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ٍ‬
‫َ َ َ َ ْ ُ َّ َ َ ْ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َّ َ ُ ْ َ ٌ َُّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َف َذ َك َر ذ ِّلك له‪ ،‬فق َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اب فتبسم وقال‪" :‬وما أدراك أنها رقية؟" ثم‬ ‫هللا ما رقيت ِّإال ِّبفا ِّتح ِّة ال ِّكت ِّ‬ ‫ال‪ :‬يا َرسول ِّ‬
‫هللا و ِّ‬
‫ُ‬ ‫ال‪ُ " :‬خ ُذوا م ْن ُه ْم‪َ ،‬و ْ‬ ‫َق َ‬
‫اض ِّرُبوا ِّلي ِّب َس ْه ٍم َم َعك ْم") رواه البخاري ومسلم‪ ،‬واللفظ ملسلم‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫‪ -‬أيضا من خواص القرآن‪ :‬الفرج من كل بالء‪ ،‬الفرج واملخرج من كل بالء ونازلة‪ ،‬عن سعد بن أبي وقاص ‪-‬رض ي‬
‫َ َ َّ َ ْ‬ ‫ْ َ َ ََُ َ ْ ُ‬ ‫َ َُْ‬
‫وت‪ :‬ال ِّإل َه ِّإال أن َت‬ ‫ُّ‬
‫هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪( :‬دعوة ِّذي النو ِّن ِّإذ دعا وهو ِّفي بط ِّن الح ِّ‬

‫‪- 111 -‬‬


‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫ُ ْ ُ َ َّ َ َ َّ ُ َ ْ َ ْ ُ َ َ ُ ٌ ُ ْ ٌ َ ْ َ ُّ َّ ْ َ َ َ َّ ُ َ‬ ‫َ‬
‫اّلل ل ُه)‪ ،‬رواه الترمذي‬ ‫ُس ْب َحان َك ِّإ ِّني كنت ِّمن الظ ِّ ِّاملين‪ ،‬ف ِّإنه لم يدع ِّبها رجل مس ِّلم ِّفي ش ي ٍء قط ِّإال استجاب‬
‫والنسائي‪.‬‬
‫َ َ َ‬
‫‪ -‬أيضا من خواص القرآن‪ :‬الحفظ والصون‪ :‬ففي الحديث أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪َ " :‬م ْن ق َرأ َهات ْي ِّن‬
‫الر ُسو ُل‬ ‫ور ِّة ْال َب َق َر ِّة ِّفي َل ْي َل ٍة َك َف َت ُاه"‪ ،‬راوه البخاري ومسلم‪ ،‬واللفظ ملسلم‪ ،‬واآليتان هما‪َ { :‬آم َن َّ‬
‫ْاآل َي َت ْين م ْن آخر ُس َ‬
‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬
‫َ ُ ْ َ َ ْ ْ َ َ ْ ُ ْ ُ َ ُ ٌّ َ َ َّ َ َ َ َ‬
‫اّلل ومال ِّئك ِّت ِّه‪ ،}....‬اآلية‪[ ،‬البقرة‪ ،]286-285 :‬قال ابن حجر‪ " :‬كفتاه‬ ‫ِّبما أن ِّزل ِّإلي ِّه ِّمن رِّب ِّه واملؤ ِّمنون كل آمن ِّب ِّ‬
‫قيل معناه؛ كفتاه كل السوء‪ ،‬وقيل كفتاه شر الشيطان‪ ،‬وقيل دفعتا عنه شر اإلنس والجن‪ ،‬وقيل معناه‬
‫كفتاه ما حصل له بسببهما من الثواب عن طلب ش ئ آخر وكأنهما أختصتا بذلك ملا تضمنته من الثناء على‬
‫الصحابة بجميل انقيادهم إلى هللا وابتهالهم ورجوعهم إليه‪ ،‬وما حصل لهم من اإلجابة إلى مطلوبهم"‪ ..‬إلى آخر‬
‫ما قال ‪-‬رحمه هللا تعالى‪[ -‬فتح الباري‪.]56/9 :‬‬
‫✓ خصائص متفرقة للقرآن الكريم‬
‫أختم الحديث عن خصائص القرآن بخصائص متفرقة‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬نزوله على سبعة أحرف‪ :‬وهذه خصيصة اختص بها القرآن الكريم من بين الكتب املنزلة وهو أنه نزل على‬
‫ْ ُ َ‬ ‫َْ َ‬
‫يل َعلى‬ ‫سبعة أحرف‪ ،‬وقد بينا معنى ذلك‪ ،‬ففي الحديث؛ أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪ " :‬أق َرأ ِّني ِّجب ِّر‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ َ َ َ‬
‫َح ْر ٍف‪ ،‬فل ْم أ َز ْل أ ْست ِّز ُيد ُه َح َّتى ان َت َهى ِّإلى َس ْب َع ِّة أ ْح ُر ٍف"‪ ،‬رواه البخاري ومسلم‪ ،‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫‪ -‬هذا القرآن هو املعجزة الكبرى‪ :‬فعن أبي هريرة ‪-‬رض ي هللا عنه‪ -‬أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪َ " :‬ما ِّم َن‬
‫ْ َ ْ َ ْ َ َّ َ ُ ْ َ َ ْ َ َ ْ ُ ُ َ َ َ َ ْ ْ َ َ ُ َ َّ َ َ َ َّ ُ ُ َ ْ ً َ ْ َ ُ َ‬
‫هللا ِّإل َّي‪،‬‬ ‫ات ما ِّمثله آمن علي ِّه البشر‪ ،‬وِّإنما كان ال ِّذي أو ِّتيت وحيا أوحى‬ ‫األن ِّبي ِّاء ِّمن ن ِّب ٍي ِّإال ق ِّد اع ِّطي ِّمن اآلي ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ َُ َ ََْ َ‬ ‫ََ‬
‫فأ ْر ُجو أ ْن أكون أكث َر ُه ْم ت ِّاب ًعا َي ْو َم ال ِّق َي َام ِّة" رواه البخاري ومسلم‪ ،‬واللفظ ملسلم‪.‬‬
‫بهذا نكون قد انتهينا من مقرر علوم القرآن في هذا البرنامج‪ ،‬ولعلي أراجع معكم مراجعة سريعة ملفردات‬
‫وموضوعات هذا املقرر‪.‬‬

‫‪ ‬ملخص ملا تم دراسته من موضوعات في مادة علوم القرآن‬


‫تحدثنا في هذا املقرر عن مجموعة موضوعات وهي‪:‬‬
‫‪ -‬مقدمات في علوم القرآن‪َّ ،‬‬
‫وعرفنا فيه القرآن لغة وإصطالحا‪.‬‬
‫عرجت بعد ذلك إلى الحديث عن أسماء القرآن وأوصافه‪ ،‬سواء التي ذكرت في كتاب هللا عز وجل أو في‬ ‫‪ -‬ثم َّ‬
‫سنة نبيه صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫‪- 112 -‬‬


‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫ثم بعد ذلك تحدثت عن الوحي وما يتعلق به من مباحث وعناوين‪ ،‬تكلمت عن معنى الوحي في اللغة واالصطالح‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وأحوال مجيء الوحي؛ مجيء جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬ونزوله بالقرآن‪ ،‬وكذلك عن معنى الوحي في اللغة‪ ،‬ومعنى‬
‫الوحي في الشرع‪ ،‬وذكرت أن الوحي الشرعي ذكره هللا عز وجل في آية من كتابه وهي قوله سبحانه وتعالى‪{َ :‬و َما‬
‫يم}‬‫وح َي بإ ْذ ِّن ِّه َما َي َش ُاء إ َّن ُه َع ِّل ٌّي َح ِّك ٌ‬ ‫ي‬‫اّلل إ َّال َو ْح ًيا َأ ْو م ْن َو َر ِّاء ح َجاب َأ ْو ُي ْرس َل َر ُس ًوال َف ُ‬
‫ان ل َب َشر َأ ْن ُي َكل َم ُه َّ ُ‬
‫َ َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ك ِّ ٍ‬
‫[الشورى‪.]51:‬‬
‫ثم عرجت بعد ذلك على أحوال متلقي الوحي؛ وهو نبينا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وذكرت ما يحصل له من عالمات‬ ‫‪-‬‬
‫ومن شدة ومن قوة عندما ينزل عليه جبريل بالوحي‪.‬‬
‫ثم تواصل الحديث عن العلم الثاني‪ :‬وهو علم نزول القرآن‪ ،‬وذكرت جملة من املسائل‪ ،‬ومن ذلك أن القرآن‬ ‫‪-‬‬
‫َ‬
‫ُمن َّزل وليس بمخلوق‪ ،‬كذلك أن القرآن ابتدأ نزوله في شهر رمضان‪ ،‬وأيضا أن نزوله ابتدأ في يوم االثنين‪ ،‬كما‬
‫جاء ذلك في حديث قتادة ‪-‬رض ي هللا تعالى عنه‪.-‬‬
‫ثم بعد ذلك تكلمت عن مسألة مهمة؛ وهى مسألة نزول القرآن جملة ومنجما‪ ،‬وذكرت أقوال العلماء في ذلك‬ ‫‪-‬‬
‫وبينت الراجح بأدلته‪.‬‬
‫ثم بعد ذلك تكلمت عن علم من علوم القرآن؛ وهو علم أسباب النزول وبينت معنى السبب‪ ،‬وذكرت أن القرآن‬ ‫‪-‬‬
‫ابتداء وقد ينزل بسبب‪ ،‬وذكرت أن هذا السبب قد يكون لواقعة حصلت من النبي صلى هللا‬ ‫ً‬ ‫الكريم قد ينزل‬
‫عليه وسلم أو من الصحابة رضوان هللا عليهم‪ ،‬أو بسؤال من الصحابة‪ ،‬أو بسؤال من املنافقين أو من أهل‬
‫الكتاب‪،‬‬
‫ثم عرجت بعد ذلك على صيغ أسباب النزول؛ وأن هناك صيغ صريحة‪ ،‬وصيغ غير صريحة‪ ،‬وانتهى القول في‬ ‫‪-‬‬
‫هذه املسألة أنه ‪ -‬حقيقة ‪ -‬ليس هناك صيغ صريحة وصيغ غير صريحة‪ ،‬قد تكون الصيغة غير الصريحة داخلة‬
‫في سبب النزول‪ ،‬وقد تكون الصيغة الصريحة غير داخلة في سبب النزول‪ ،‬وإنما يراد بها التفسير‪ ،‬ثم ختمت‬
‫ُّ‬
‫الحديث في علم أسباب النزول عن فوائد معرفة وتعلم علم أسباب النزول‪.‬‬
‫ثم تطرقت إلى مسألة تتعلق بنزول القرآن؛ وهي نزول القرآن على سبعة أحرف‪ ،‬وتكلمت في هذا املوضوع‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وبينت أقوال العلماء‪ ،‬وخلصت فيه إلى تعريف يجلي لنا معنى هذه األحرف السبعة واملراد منها‪ ،‬ثم بعد ذلك‬
‫بينت الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف‪.‬‬
‫ثم انتقلت بعد ذلك في الحديث عن علم جديد؛ وهو علم املكي واملدني‪ ،‬وبينت الحد الضابط بين املكي و‬ ‫‪-‬‬
‫املدني‪ ،‬وقلنا أن ما نزل قبل الهجرة فهو مكي‪ ،‬وما نزل بعد الهجرة فهو مدني‪ ،‬وبينت أيضا الطريق والسبيل إلى‬
‫معرفة املكي واملدني‪ ،‬وأنه يكون طريقا سماعيا بالرواية‪ ،‬وقد يكون طريقا قياسيا اجتهاديا‪ ،‬وذكرت جملة من‬
‫الضوابط‪ ،‬وختمت الحديث في املكي واملدني عن فوائد معرفة مكي السور من مدنيها‪ ،‬أو مدنيها من مكيها‪.‬‬
‫‪- 113 -‬‬
‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫‪ -‬ثم بعد ذلك انتقل بنا الحديث عن فضائل القرآن‪ ،‬وبينت أن للقرآن فضائل‪ ،‬عامة للقرآن كله‪ ،‬وهناك فضائل‬
‫تقسيم ذكرته في أثناء الحديث الخاص عن فضائل القرآن‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫للسور‪ ،‬وهناك فضائل لآليات‪ ،‬في‬
‫‪ -‬ثم بعد ذلك تكلمت عن علم جديد؛ وهو علم خصائص القرآن‪ ،‬وذكرت جملة من الخصائص التي ذكرها‬
‫العلماء؛ وهي مذكورة وواردة في األحاديث النبوية‪.‬‬
‫‪ -‬وتكلمت أيضا عن خواص القرآن‪ ،‬وذكرت جملة من ذلك‪.‬‬
‫هذا هو مجمل ما جاء معنا في دراسة هذا املقرر في هذا املستوى‪ ،‬وفي هذا البرنامج‪ ،‬برنامج السعدي‪.‬‬
‫أسأل هللا عز وجل أن أكون قد ُوفقت في عرض تلك املادة‪ ،‬وأسأله سبحانه وتعالى أن يرزقني وإياكم اإلخالص في‬
‫القول والعمل‪ ،‬وما كان من صواب وتوفيق فهو من هللا سبحانه وتعالى وحده‪ ،‬وما كان من خطأ وتقصير وخطل‬
‫َ َ ُْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫كان َغ َّفا ً ا‪ُ ،‬س ْب َح َ‬
‫ان َرِّب َك َر ِّب ال ِّع َّز ِّة َع َّما َي ِّص ُفون‪َ ،‬و َسال ٌم َعلى امل ْر َس ِّل َين‪،‬‬ ‫ر‬
‫فهو من نفس ي والشيطان‪ ،‬وأستغفر هللا َّإن ُه َ‬
‫ْ َ‬ ‫َ ْ َ ُ َّ‬
‫ّلل َر ِّب ال َع ِّامل َين‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬ ‫والح ْمد ِّ ِّ‬
‫والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪.‬‬

‫قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات ‪ :‬صفاء بودي‬
‫قام باملراجعة األولى والتدقيق‪ :‬أخ في هللا‬
‫قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي‪ :‬رئيفة درويش‬
‫اإلشراف العام على فريق العمل‪ :‬رئيفة درويش‬

‫‪- 114 -‬‬


‫إعداد‪ :‬فريق عمل تفريغ املحاضرات‬ ‫تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"‬

‫‪ --‬الحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات ‪--‬‬

‫ما كان من توفيق فمن هللا سبحانه وتعالى‪،‬‬


‫وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان‬
‫اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين أجمعين‬
‫أسأل هللا العظيم لي ولكم التوفيق والهداية‬
‫وصلى هللا وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‬

‫رئيفة درويش‬
‫‪ 5‬صفر ‪ 1439‬ه ‪ 25 /‬أكتوبر ‪ 2017‬م‬

‫‪- 115 -‬‬

You might also like