Professional Documents
Culture Documents
"علوم القرآن"
للدكتور /عمرعبد العزيزالدهيش ي
إعداد:
فريق عمل تفريغ املحاضرات
تحت إشراف:
رئيفة درويش
5صفر 1439هـ 25 /أكتوبر 2017م
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
علوم القرآن
د .عمرعبد العزيزالدهيش ي
املحاضرة األولى
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين بسم هللا الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العاملين ،وصلى هللا وسلم على ِّ
جميعا بتحية اإلسالم :السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته ،وأسأل هللا عز وجل ً بدء أحيي األخوة
وبعد ،فبادئ ذي ٍ
لي ولكم التوفيق والتسديد ،وأسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح ،اللهم يا ُم ِّعلم داوود
وجل في هذه املحاضرة واملحاضرات التي تتلوها سنتحدث وإياكم عز َّعلمنا ويا مفهم سليمان فهمنا ،بإذن هللا َّ
ُ
كتاب أنزل على
علم من أهم العلوم الشرعية؛ وهو علم (علوم القرآن) ،وهذه العلوم تتعلق بأعظم ٍ ونتكلم عن ٍ
َ ُ ُ
البشرية كلها ،وهي علوم ال يمكن أن تؤخذ وتدرس إال من خالل هذا العلم ،وهو علم علوم القرآن ،وقبل أن ندلف
إلى علوم القرآن يجب ،أو يحسن بنا أن نقدم بمقدمات قبل أن نشرع في علوم القرآن ،ومن تلك املقدمات:
جل عن نشأة علوم القرآن وعن تطور التعريف بالقرآن الكريم ،ثم التعريف بعلوم القرآن ،ثم نتكلم بإذن هللا َّ
عز و َّ
هذا العلم من زمن النبي صلى هللا عليه وسلم إلى وقتنا الحاضر.
تعريف القرآن الكريم في اللغة
بفعل وال حرف ،ولكنهم اختلفوا في اشتقاقه على أقوال: ٌ
اتفق العلماء على أن لفظ القرآن هو اسم وليس ٍ
علما على القرآن ،كما أن اسم اسم جامد ،ليس بمشتق وال مهموزُ ،وض َع أول ما وضع ً القول األول :أن القرآن ٌ
ِ ٍ
ُ علم على الكتاب الذي أنزل على موس ى عليه السالم ،واإلنجيل ٌ التوراة ٌ
علم على الكتاب الذي أنزل على عيس ى عليه
السالم؛ ذهب إلى هذا القول الشافعي -رحمه هللا -حيث قال" :وقرأت على إسماعيل بن قسطنطين ،وهو أحد
ُ ُ َ
شيوخه ،وكان يقول :القرآن اسم وليس بمهموز ،ولم يؤخذ من (قرأت) ،ولو أخذ من قرأت لكان كل ما ق ِّرأ قر ًآنا،
اسم للقرآن مثل التوراة واإلنجيل". ولكنه ٌ
مشتق من قرأ بمعنى تال ،ومنه قوله ٌ مصدر مهموز ،وهو ٌ القول الثاني :أن الهمزة في اسم القرآن أصلية ،فهو
َ َ سبحانه﴿ :إ َّن َع َل ْي َنا َج ْم َع ُه َو ُق ْر َآن ُه* َفإ َذا َق َ ْرأ َن ُاه َف َّاتب ْع ُق ْر َآن ُه* َّ
ثم ِّإ َّن َعل ْي َنا َب َيان ُه﴾ [القيامة ،]19-17 :إن علينا جمعه ِّ ِّ ِّ
وقرآنه أي :قراءته ،وفالن قرأ عليك السالم وأقرأك السالم بمعنى ،ذهب إلى هذا القول ابن عباس -رض ي هللا تعالى ٌ
عنهما.-
ً
القول الثالث :أن الهمزة في لفظ القرآن كذلك أصلية ،وهو وصف على وزن فعالن ،مشتق من قرأ الش يء قرآنا؛
أي جمعه وضمه ،ومنه سمي القرآن؛ ألنه يجمع السور ويضمها ،قال ابن األثير :واألصل في هذه اللفظة الجمع،
وكل ش يء جمعته فقد قرأته .وذهب إلى هذا القول قتادة.
- 1-
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
القول الثاني أن قرأ همزته أصلية ولكنه بمعنى تال ،أما القول الثالث الذي تكلمنا عنه قبل قليل همزته أصلية
ولكنه بمعنى قرأ -ليس بمعنى تال – وإنما بمعنى جمع.
وجه صحيح في كالم العرب، قال ابن جرير بعد أن ساق القولين (القول الثاني والقول الثالث) قال" :ولكال القولين ٌ
ُ
وإذا أسقطت الهمزة فيهما فهو للتخفيف".
القول الرابع :أن الهمزة في القرآن غير أصلية ،لكن النون في آخر الكلمة أصلية ،وهو مشتق من قرن ،يقال :قرن
واحد؛ قال ابن فارس :القاف والراء والنون الش يء بالش يء إذا جمعه ،وقرن بين الحج والعمرة إذا جمعهما في سفر ٍ
أصالن صحيحان أحدهما يدل على جمع ش ٍيء إلى ش يء ،وذهب إلى هذا القول األشعري وغيره.
القول الخامس :أن الهمزة في القرآن غير أصلية والنون أصلية ،وهو مشتق من القرائن ،القول الرابع مشتق من
َق َر َن ،أما في القول الخامس فقيل :إنه مشتق من القرائن؛ ألن اآليات التي في القرآن يصدق بعضها ً
بعضا ،فهي
َ ٌ
معجز بلفظه ومعناه ،قال بهذا القول الف َّر ُاء ،ورده بعضهم. قرائن تدل على صدق هذا الكتاب العزيز ،وعلى أنه
نحن ذكرنا خمسة أقوال ،ويمكن أن نختصر هذه األقوال الخمسة في ثالثة أقوال:
َ
اسم جامد ،وضع أول ما وضع َعلم على القرآن.
القول األول :أنه ٌ
القول الثاني :أن القرآن أصله قرأ ،فالهمزة فيه أصلية ،وقد يكون بمعنى تال ،أو بمعنى جمع.
َ
القول الثالث :أن القرآن غير مهموز ،لكن نونه أصلية ،فيكون بمعنى قرن ،أو بمعنى قرائن.
ََ
العلم الذي هو القرآن، هذه مجمل األقوال التي قيلت ،وذكرها العلماء في أصل هذه الكلمة وهذه التسمية وهذا
ولعل القول الثاني الذي هو بمعنى قرأ بكال املعنيين (بمعنى تال أو بمعنى جمع) لعله يكون هو أرجح األقوال،
وهو الذي يوافق قراءة األئمة السبعة ما عدا ابن كثير ،وكونه بمعنى تال أرجح من معنى الضم والجمع؛ ألن هللا
ُ َ َ
وجل غاير بين املعنين في قوله تعالىِّ ﴿ :إ َّن َعل ْي َنا َج ْم َع ُه َوق ْرآن ُه﴾؛ فالقراءة هنا مغايرة للجمع؛ ألن األصل في واو َّ
عز َّ
العطف أن تكون للمغايرة .هذا ما يتعلق بتعريف القرآن في اللغة ،وأصل هذه الكلمة (القرآن).
تعريف القرآن الكريم في االصطالح
ً
ننتقل بعد ذلك إلى تعريف القرآن في االصطالح .حقيقة يتعذر تحديده بالتعاريف املنطقية ذات األجناس
ً
والفصول والخواص؛ ألنه مهما قلنا في تعريف هذا القرآن فلن نحيط بمعناه كامال ،وال يمكن أن ندرك أوصافه
مشيا على طريقةمباين لكالم البشر ،فهو كالم رب البشر سبحانه وتعالى ،ولكن ً ٌ وندرك معانيه؛ وهو كالم
ُ
التعريفات التي تميز الش يء عن غيره -وال نقول :إن هذا التعريف هو تعريف جامع مانع ولكنه نميزه ببعض املزايا
التي تميزه وتغايره عن غيره -فيمكن أن يعرف القرآن في االصطالح بأنه:
- 2-
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
كالم هللا تعالى ،املُ َن َّزل على نبيه محمد صلى هللا عليه وسلم ،املُعجز بلفظه ،املُ َت َّ
عبد بتالوته ،املنقول بالتواتر،
املكتوب في املصاحف من أول سورة الفاتحة إلى آخرسورة الناس.
هذه االحترازات والقيود ليخرج ما يلي:
( -كالم هللا) :يخرج كالم غيره من الجن واإلنس واملالئكة،
ً
( -املنزل على نبيه صلى هللا عليه وسلم) :يخرج ما كان منزال من الكتب السابقة ولكن على غيره من الرسل؛
كالتوارة واإلنجيل والزبور وغير ذلك،
( -املعجز بلفظه) :يخرج غير املعجز من كالم هللا تعالى؛ كاألحاديث القدسية على قول إن األلفاظ من عند هللا
عزوحي أوحاه هللا َّ
وجل ،وكذلك يخرج الكتب السابقة ،فإن هذا القرآن يتميز عن الكتب السابقة بأنه ٌ عز َّ َّ
عجز؛ ولهذا هللا عز وجل تحدى املشركين بأن يأتوا بحديث مثله ثم تنزل معهم فقال تعالى: ِّ وجل ،وهذا الوحي ُم َّ
َ ْ َْ َ ُ ُ َ َْ ُ ُ َُْ ْ ْ
ات﴾ [هود ]13 :ثم تنزل معهم سبحانه وتعالى فقال﴿ :أ ْم ﴿أ ْم َيقولون افت َراه ق ْل فأتوا ِّب َعش ِّر ُس َو ٍر ِّمث ِّل ِّه ُمفت َرَي ٍ
َ ُ ُ َن ْ َ َ ُ ُ ْ َ ْ ُ ْ ُ َ ْ
ور ٍة ِّمث ِّل ِّه﴾ [يونس ،]38 :مما يدل على أن هذا القرآن هو معجز بلفظه ومعانيه. يقولو افتراه قل فأتوا ِّبس
ويدل على ذلك حديث أبي هريرة رض ي هللا تعالى عنه ،وفيه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال[ :ما من األنبياء
أكثرهمإلي ،فأرجو أن أكون َوحيا أوحاه هللا َّ من نبي إال ُأعط َي ما مثله آمن عليه البشر ،وإنما كان الذي ُأ ُ
وتيته ً ِّ
يوم القيامة] ،فالقرآن الكريم هو املعجزة الخالدة لنبينا صلى هللا عليه وسلم. تابعا َ ً
عز َّ
وجل لم يتعبدنا بتالوتها ( -املتعبد بتالوته) :يخرج القراءات التفسيرية ،والقراءات اآلحادية؛ فإن هللا َّ
وقراءتها،
( -املنقول بالتواتر) :يخرج ما سوى القرآن املتواتر ،من منسوخ التالوة ومن القراءات الشاذة فال تسمى تلك
بقرآن،
ً ً ً ً
وحكما أو تالوة فقط ال تعد مكتوبا في املصاحف كاآليات املنسوخة تالوة ( -املكتوب في املصاحف) :فما ليس
قر ًآنا.
وهذه القيود الثالثة األخيرة (املتعبد بتالوته ،املنقول بالتواتر ،املكتوب في املصاحف) هي في الحقيقة لبيان الواقع
ال لإلخراج واالحتراز؛ ألن قيد (املعجز بلفظه) يكفي عنها كلها .هذا ما يتعلق بتعريف القرآن في اللغة واالصطالح.
تعريف "علوم القرآن"
ُ ُ
عرف هذا العلم ،ونميز بين هذا العلم وغيره من العلوم الشرعية، ننتقل بعد ذلك إلى تعريف "علوم القرآن" .ن ِّ
ً
إضافيا ،فإنه سيدخل تحت مظلتها جميع ً
تركيبا اعتبر عموم هذه الجملة املركبة فنقول :إن علوم القرآن إذا ُ
العلوم الدينية واللغوية ،بل والعلوم الدنيوية مما لنا فيه مصلحة وفائدة على الصحيح؛ ألن هللا َّ
عز َّ
وجل يقول في
- 3-
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
ُ َ
اب ِّت ْب َي ًانا ِّلك ِّل ش ْي ٍء﴾ [النحل ،]89 :فكل العلوم التي تؤخذ من القرآن يصح أن نطلق عليهاكتابهَ ﴿ :و َن َّ ْزل َنا َع َل ْي َك ْالك َت َ
ِّ
ُ
أنها علوم القرآن؛ ألن هذه العلوم أخذت أصولها من القرآن ،وكذلك يقول سبحانه وتعالى كما في سورة األنعام:
اب ِّمن ش ْي ٍء﴾ [األنعام ]38:على قول بعض املفسرين الذين قالواَّ :أن املراد بالكتاب هنا هو
َ ْ َ َّ َ َّ ْ َ
﴿ما فرطنا ِّفي ال ِّكت ِّ
القرآن .وهذا حقيقة فيه توسع؛ إذ يشمل كل العلوم املستنبطة منه ،واملساندة له ،وما وردت اإلشارة فيه إليه،
وهو حقيقة ليس مر ًادا هنا في مقررنا هذا.
ً ً ً
مصطلحا تداوله العلماء -رحمهم ولكن املراد بعلوم القرآن في مقررنا هذا ،هو تعريفه باعتباره فنا مدونا ،أو
ُ
علوم متعلقة بالقرآن الكريم ،مرتبطة به ،اصط ِل َح على تسميتها بعلوم القرآن. هللا تعالى -على مجموعة ٍ
اختلفت عبارات العلماء في تعريف هذا العلم ،ومن تلك التعريفات:
الزرقاني في كتابه مناهل العرفان قوله" :مباحث تتعلق بالقرآن الكريم من ناحية نزوله وترتيبه -تعريف ُ
ُ
وجمعه وكتابته وقراءته وتفسيره وإعجازه وناسخه ومنسوخه ،ودفع الشبه عنه".
-ونحو هذا التعريف عرفها محمد أبو شهبة في كتابه املدخل ،وكذلك الدكتور فهد الرومي في كتابه دراسات
في علوم القرآن.
َّ
-وكذلك عرفها الدكتور مناع القطان في كتابه مباحث في علوم القرآن بأنه" :العلم الذي يتناول األبحاث
املتعلقة بالقرآن من حيث معرفة أسباب النزول ،وجمع القرآن وترتيبه ،ومعرفة املكي واملدني ،والناسخ
واملنسوخ ،واملحكم واملتشابه ،إلى غير ذلك مما له صلة بالقرآن".
ً -ويقرب منهما كذلك تعريف الدكتور حسن ضياء ولكنه أضاف ً
قيدا وهو :اعتبار كل علم منها ً
علما مستقال،
ً أبحاثا كلية هامة تتصل بالقرآن العظيم من نواح شتى ،يمكن اعتبار كل منها ً ً فقالٌ " :
متميزا". علما ٍ علم يضم
وقيل غير ذلك.
ومما يالحظ على ما سبق ،أن االختالف بين هذه التعاريف يكاد يكون في التعبيرات واملصطلحات فحسب ،أما
املعاني فهي متفقة ،كذلك اكتفوا -رحمهم هللا وحفظ األحياء منهم -بالتمثيل لبعض علوم القرآن.
-هناك باحث مغربي وهو الدكتور فاروق حمادة أقام ضابطين لهذا العلم يضبط بهما هذا العلم؛ ليخرج ما
خالف هذين الضابطين؛ حيث قال" :إن علوم القرآن أصبحت تنحصر في شعبتين اثنتين :أوالهما :تاريخ القرآن
وما ينضوي تحته من نزوله وأسباب النزول والناسخ واملنسوخ وغير ذلك ،وثانيهما :الوسيلة الصحيحة لفهمه
على الوجه الحق ،وينضوي تحت ذلك علوم اللغة واإلعجاز واملحكم واملتشابه" ،ثم يقول" :فإن على كل من
يريد التعامل مع النص القرآني ،أن يطلع على هاتين املقدمتين الالزمتين تحت اسم علوم القرآن ،وبمقدار ما
يجانبهما سيجانب الحقيقة ويبعد عن الصواب" ،انتهى كالمه.
- 4-
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
-لعلي أضيف إلى الضابط الثاني إضافة يسيرة ،وهو أنه حفظه هللا يقول :الضابط الثاني" :الوسيلة الصحيحة
لفهمه على الوجه الحق ،وينضوي تحت ذلك علوم اللغة واإلعجاز واملحكم واملتشابه" ،أضيف" :وتالوته تالوة
صحيحة"؛ ليدخل ضمنها التجويد وما يتعلق به ،وكذلك القراءات القرآنية.
ومن خالل هذه الضوابط يمكن أن ُيقال في تعريف "علوم القرآن" بأنه :
ٌ ٌ
علوم أو مباحث تتعلق بتاريخ القرآن الكريم ،وما كان وسيلة لفهمه وتالوته على الوجه الصحيح؛ حتى نجمع
ُ
العلوم املتعلقة بتاريخ نزوله وأسباب النزول والناسخ واملنسوخ وما شابهها ،كذلك ندخل العلوم املساندة لهذا
العلم التي أشار إليها الدكتور "فاروق" وهي :ما كان وسيلة صحيحة لفهمه؛ كعلوم اإلعجاز واملحكم واملتشابه
واملطلق واملقيد ،كذلك نضيف إليها ما كان وسيلة لقراءته قراءة صحيحة.فنحن ُمتعبدون باإليمان بالقرآن
عز وجل ،وكذلك متعبدون باالستجابة ألوامره واالنتهاء عن نواهيه ،كما نحن متعبدون الكريم ،وأنه من عند هللا َّ
عز وجل عليه ،ولهذا كان النبي صلى هللا عليه وسلم يأخذ القرآن بتالوته تالوة صحيحة على الوجه الذي أنزله هللا َّ
بصوت مسموع؛ عز وجل تلقيا من عند هللا َّ تلقيا من عند جبريل عليه السالم ،وجبريل عليه السالم يأخذ القرآن ً ً
ٍ
ْ َ ﴿وإ َّن َك َل ُت َل َّقى ْال ُق ْر َآن ِّمن َّل ُد ْن َح ِّكيم َع ِّليم﴾ [النمل ،]6:ويقول سبحانهَ ﴿ :وإ َّن ُه َل َتنز ُ
يل َر ِّب ال َع ِّامل َين* ِّ ِّ ٍ ٍ
َ
سبحانهِّ : كما قال
ُ ْ َ ُ َ َ ْ َ
وح األمين* َعلى قلبك لتكون م َن املنذر َ َ ُ َ َن َز َل ب ِّه ُّ
ين* ِّب ِّل َس ٍان َع َرِّب ٍي ُّم ِّب ٍين﴾ [الشعراء ،]195-192 :وفي اآلية التي ِِّّ ِّ ِّ ِّ ِّ
الر ُ
ِّ
ُ َ َ َ َ ْ َ ُ َ َّ ْ ُ ْ َ ُ َّ َّ َ َ ْ َ َ َ َ
ذكرناها في مطلع هذه املحاضرة ،قوله تعالى﴿ :ف ِّإذا قرأناه فات ِّبع قرآنه * ثم ِّإن علينا بيانه﴾ [القيامة،]19-18 :
فنحن متعبدون بتالوته تالوة صحيحة ،تالوة سليمة ،ساملة من الخطأ والنقص.
عز وجل لي ولكم التوفيق والتسديد ،وأسأله سبحانه وتعالى أن يهدينا ويوفقنا للعمل الصالح ،هذا وهللا أسأل هللا َّ
أعلم ،وصلى هللا وسلم على نبينا محمد.
قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات :أخت في هللا
قام باملراجعة األولى والتدقيق :أحمد عبد الرحمن
قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي :رئيفة درويش
اإلشراف العام على فريق العمل :رئيفة درويش
- 5-
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
علوم القرآن
د .عمرعبد العزيزالدهيش ي
املحاضرة الثانية
بسم هللا الرحمن الرحيم ،والحمدهلل رب العاملين ،وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد .
نستكمل ما قد بدأناه في املحاضرة السابقة عندما تكلمنا عن مقدمات علم "علوم القرآن" ،نستكمل هذه
ََ
كعلم يطلق على القرآن ،هل هو اسم مشتق ،أو اسم جامد ،وقلنا أن املقدمات وقد سبق أن تكلمنا عن القرآن
من العلماء من قال أنه اسم جامد وضع أول ما وضع علما على القرآن ،لم يستعمل هذا القرآن في غيره ،وليس
مشتقا من أي كلمة سواه ،ومنهم من قال ال بل هو لفظ مشتق ،واختلفوا ،فمنهم من قال هو مشتق من قرأ،
وفتكون الهمزة فيه أصلية ،ومنهم من قال هو مشتق من قرن ،وتكون النون فيه أصلية ،وذكرنا أن الراجح في ذلك
-وهللا أعلم -واألقرب أن قرأ الهمزة فيه أصلية ،وأنه بمعنى تال ،وهو األقرب لآلية التي قال هللا عز وجل فيهاِّ ﴿ :إ َّن
ُ َ َ َ َ َْ َ ُ َ َ
َعل ْي َنا َج ْم َع ُه َوق ْرآن ُه ((17ف ِّإذا ق َرأن ُاه ف َّات ِّب ْع ق ْرآن ُه (( ﴾)18سورة القيامة) .ثم ذهبنا بعد ذلك إلى تعريف القرآن في
االصطالح ،ثم عرجنا على تعريف علوم القرآن ،وذكرنا الضوابط التي يمكن أن تضبط هذا العلم ،وبيناه ،وذكرنا
من قال به ،واإلضافات التي أضفنا إليها .كذلك من املقدمات التي نجعلها كالتوطئة لدراسة علوم القرآن ،ويحسن
بنا كذلك أن نقدمها ،وهو موضوع محاضرة اليوم ،هو الحديث عن:
✓ أسماء القرآن وأوصافه
إن القرآن الكريم نزل على أمة جاهلية تعيش في تخبط ،وظالم ،وجهالة ،وضاللة ،ال علم لها بالكتاب وال معرفة
لها بالخطاب الرباني .نعم هي تتفوق في البالغة ،وتتفاخر بالفصاحة ،ولكن هذا الكتاب هو مغاير لهذه البالغة
ً ً
أسماء وأوصافا وتلك الفصاحة ،فإنه كالم رب البشر كالم وخطاب رباني .فذكر هللا عز وجل في ثنايا القرآن الكريم
تبين للناس كلهم حقيقة هذا القرآن ،وتبين صدقه وبيانه وإرشاده وبركته ،لكي يكون دافعا لهم إلى اإليمان بهذا
الكتاب ،وإلى االهتداء بهدي هذا الكتاب الذي يهدي للتي هي أقوم فهو -سبحانه وتعالى -أصدق القائلين وأحكم
الحاكمين سبحانه وتعالى .
ً
أسماء عديدة للقرآن الكريم، آيات كثيرة تحوي
وعندما نجيل النظر في القرآن الكريم نجد أن القرآن الكريم تضمن ٍ
حتى بلغ عدد أسماء القرآن وأوصافه املذكورة في القرآن فقط ،بلغت أربعة وستين بين اسم ووصف ،ومن ذلك:
القرآن ،الكتاب ،الفرقان ،التنزيل ،الوحي ،بشير ،الحكيم ،تبيان ،نبأ عظيم ،وغيرها من األسماء والصفات،
فتعددت األسماء والصفات في القرآن الكريم ،كقوله سبحانه وتعالى:
- 6-
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
القرآن ،ويشمل السنة .هناك جملة من األوصاف تشمل القرآن ،وتشمل غيره .لكن األسماء األعالم التي ال تطلق
إال على القرآن أو إذا أطلقت ينصرف الذهن مباشرة إلى القرآن الكريم يمكن أن نقتصر على خمسة منها أال
وهي :القرآن ،الكتاب ،الذكر ،الفرقان ،التنزيل ،وباقي األسماء هي أوصاف.
وقد اقتصر اإلمام ابن جرير -رحمه هللا تعالى ،-وابن عطية ،وغيرهما على أسماء أربعة؛ اقتصروا على األسماء
األربعة األولى وهي :القرآن ،الكتاب ،الذكر ،الفرقان ،أما اسم التنزيل فإنه مما شاع حقيقة على ألسنة العلماء،
وتداولوه فيما بينهم ،فأصبح علما على القرآن ،فتراهم يقولون :ورد في التنزيل كذا ،وكذا ،ولم يرد في التنزيل كذا،
وكذا ،فإن الذهن مباشرة ينصرف إلى القرآن الكريم.
ُ
فإذا تأملنا في هذه األسماء األربعة ،أو األسماء الخمسة التي هي أسماء أعالم؛ نجد أنها في القرآن تلحق بأوصاف
لهذا القرآن ،تلحق بأوصاف لهذا االسم ،وباملثال يتضح املقال .فكثير من األوصاف تضاف لهذه األسماء الخمسة،
كقوله تعالى:
ْ َٰ َ ْ َ ُ َ
اب ال َرْي َب ۛ ِّف ِّيه ۛ ُه ًدى ِّلل ُم َّت ِّق َين (( ﴾)2سورة البقرة )، ﴿ -ذ ِّلك ال ِّكت
اب َوق ْر ٍآن ُّم ِّب ٍين (( ﴾)1سورة الحجر) ،وصف هللا -تعالى -القرآن بأنه مبين،
ُ ْ َ َ ُ ْ َ
ِّ ﴿ -تلك آيات ال ِّكت ِّ
ْ َ َ ﴿ -وإ َّن ُه َل َتنز ُ
يل َر ِّب ال َع ِّامل َين (( ﴾(192سورة الشعراء)، ِّ ِّ
ٌ َ َ َ ُ َّ َ ُ َ َّ َ
الذكر ملا ج َاءه ْم ۖ وإنه ل ِّكت ٌ ْ ُ َ َ َ َّ َّ
اب ع ِّزيز (( ﴾(41سورة فصلت ) ،أي الذكر. ِّ ِّ ﴿ -إن ال ِّذين كفروا ِّب ِّ ِّ
فكثير من األوصاف تأتي بعد ذكر هذه األسماء األعالم ،وهذا مما يرجح أن هذه األسماء أسماء أعالم لهذا القرآن،
هذه األسماء الخمسة ،وبقية األسماء التي وردت في القرآن الكريم ،أو في السنة إنما هي أوصاف لهذا القرآن.
من العلماء من اقتصر على اسم واحد للقرآن ،وقال هو االسم العلم الوحيد للقرآن ،واستبعد الذكر ،واستبعد
الكتاب ،واستبعد التنزيل ،واستبعد الفرقان ،وقال االسم العلم لهذا القرآن هو :تسميته باسم "القرآن" ،وعد
ً
بقية األسماء أوصافا ،وأجناسا .وحقيقة لهذا القول وجاهته .وممن قال بهذا القول :ابن عاشور -رحمه هللا -في
ققوله :فإن الذكر ،والفرقان أطلقت وسمي بها القرآن ،وسميت بها بعض الكتب السابقة كالتوراة على سبيل
ْ ْ
ان َو ِّض َي ًاء َو ِّذك ًرا ِّلل ُم َّت ِّق َين ( ( ﴾)48سورةون ْال ُف ْر َق َ
وس ٰى َو َه ُار َ املثال ،كما قال هللا سبحانه وتعالى َ ﴿ :و َل َق ْد َآت ْي َنا ُم َ
َ ض َيرُث َها ِّع َب ِّاد َي َّ ْ َ َّ ْ َ الزُبور من َب ْ األنبياء) ،ويقول سبحانهَ ﴿ :و َل َق ْد َك َت ْب َنا في َّ
الص ِّال ُحون (( ﴾)105سورة ِّ
األ ْر َ ن أ ر
ِّ كالذ
ِّ دِّ ع ِّ ِّ ِّ
ََ
األنبياء) .فأصحاب هذا القول يرون أن االسم العلم للقرآن الكريم هو اسم واحد فقط ،وهو تسميته باسم
القرآن ،واألمر في هذا يسير ،ولكل وجهة هو موليها.
- 8-
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
✓ أوصاف القرآن
-أوصاف القرآن التي وردت في القرآن الكريم:
نأتي إلى أوصاف القرآن؛ وهي كثيرة جدا ،بلغت في القرآن فحسب قرابة تسعة وخمسين وصفا ،وذكر جملة
من هذه األوصاف في األحاديث النبوية -على صاحبها أفضل الصالة وأتم التسليم -وسبق معنا ذكر أمثلة لهذه
ُ
اب ِّت ْب َي ًانا ِّلك ِّل َش ْي ٍء َو ُه ًدى َو َر ْح َم ًة َو ُب ْش َر ٰىاألوصاف ،ومن ذلك قوله -سبحانه وتعالىَ ﴿ : -و َن َّ ْزل َنا َع َل ْي َك ْالك َت َ
ِّ
َ َّ ُْ ً ُ
اب ال َرْي َب ۛ ِّف ِّيه ۛ هدى ِّللمت ِّقين (( ﴾)2سورة
َ ِّل ْل ُم ْس ِّلم َين (( ﴾)89سورة النحل) ،ويقول تعالى َٰ ﴿ :ذ ِّل َك ْال ِّك َت ُ
ِّ
ْ َ ُ ُ ْ ٌ َ َ ْ َ ُ َ َ َ َ َ َ ُ َ
اب أ ِّنزل ِّإل ْيك فال يكن ِّفي صد ِّرك ح َرج ِّمنه ِّلت ِّ
نذ َر ِّب ِّه و ِّذك َر ٰى البقرة) ،ويقول -سبحانه وتعالى﴿ : -املص (ِّ )1كت ٌ
ْ ْ
ِّلل ُمؤ ِّم ِّن َين (( ﴾)2سورة األعراف) ،وغير ذلك من األوصاف.
-أوصاف القرآن الكريم التي وردت في السنة النبوية الشريفة:
وردت في السنة النبوية الشريفة جملة من األوصاف للقرآن الكريم ،منها ما جاء ذكره في القرآن الكريم ،ومنها
ما جاء ذكره مستقال في السنة النبوية ،أي لم يذكر إال في السنة النبوية .فإذا نظرنا إلى السنة النبوية نجد أن
أوصاف القرآن التي وردت في السنة النبوية ،نجد أنها على طريقين ،أو على منهجين:
* املنهج األول :أن ترد أحاديث تجمع أوصاف القرآن كاملة في أحاديث مستقلة.
ومن ذلك حديث الحارث ابن األعور عن علي –رض ي هللا تعالى عنه -وفيه أن النبي -صلى هللا عليه وسلم
ليس بالهزل َمن ُ َ ُ بينكم َ كم ما َ
وح ُ بعدكم ُ وخبر ما َُ َ ُ ُ َّ
تركه ِّ الفصل وهو كم قبل كان ما نبأ فيه
اّلل ِّ
كتاب ِّ قال" :
الحكيم َ
ُ الذ ُ ُ َ ُ َّ اّلل َ َّ
أضل ُه َّ ُ َ ُ َّ ُ َّ
وهو كر اّلل املتين وهو ِّ حبل ِّ وهو غير ِّه
ِّمن جب ٍار قصمه اّلل ومن ابتغى الهدى في ِّ
ُ ُ
املستقيم ،".....الحديث .فهذا الحديث جمع جملة كبيرة من أوصاف القرآن الكريم ،لكن إسناده الصراط ِّ
ضعيف ،وقد تكلم العلماء على إسناد هذا الحديث ،وتكلموا عن الحارث ابن األعور .
كذلك من األمثلة؛ حديث ابن مسعود -رض ي هللا تعالى -عنه وفيه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال :
ُ
املبين والش ُ حبل هللا ُّ
والن ُ َ َ َّ ُ َ َ ُ َ َّ
فاء ِّ ور هللا فاقبلوا مأدبته ما استطعتم إن هذا القرآن ُ ِّ "إن هذا القرآن مأدبة ِّ
ٌ ٌ
تمسك به ونجاة ملن َّاتبعه ،".....الحديث .ولكن هذا الحديث كذلك تكلم العلماء في عصمة ملن َّ الن ُ
افع َّ
إسناده ،فإسناده ضعيف،
* املنهج الثاني :أن نجد بقية األوصاف ذكرت متفرقة في جملة من األحاديث النبوية.
وقد بلغت هذه األسماء واألوصاف في األحاديث النبوية ثالثة عشر وصفا وثالثة أسماء؛ فقد تم ذكر ثالثة
أسماء للقرآن الكريم في األحاديث النبوية وهي :القرآن ،والكتاب ،والفرقان ،واألوصاف بلغت ثالثة عشر
ً
وصفا -وهللا تعالى أعلم -اجتهدت في جمعها .فأقول مرة أخرى ذكر من األسماء؛ األسماء الثالثة :القرآن،
- 9-
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
الكتاب ،والفرقان ،أما األوصاف فذكر في األحاديث النبوية ثالثة عشر وصفا منها :حبل هللا ،ومنها وصف
القرآن بأنه ثقيل ،وغير ذلك من األوصاف.
نكتفي بهذا القدر فيما يتعلق بأسماء القرآن وأوصافه ،ونبتديء بإذن هللا عز وجل في املحاضرة القادمة بنشأة
هذا العلم وتطوره.
هذا وهللا تعالى أعلم ،وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات :غادة عالء الدين محمود
قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي :رئيفة درويش
اإلشراف العام على فريق العمل :رئيفة درويش
- 10 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
علوم القرآن
د .عمرعبد العزيزالدهيش ي
املحاضرة الثالثة
بسم هللا الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العاملين ،وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ُ
وبعد .فبادئ ذي بدء أحييكم بتحية اإلسالم ،السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته ،وأسأل هللا عز وجل لي ولكم
التوفيق والتسديد.
في املحاضرتين السابقتين تكلمنا عن تعريف القرآن وتعريف علوم القرآن ،ثم تكلمنا بعد ذلك عن أسماء القرآن
وأوصافه ،وحان الوقت إلى أن نتكلم ونتحدث عن نشأة هذا العلم وتطوره.
✓ نشأة علم "علوم القرآن" وتطوره
كل علم ال بد أن يمر بأطوار ويمر بمراحل تتنوع فيها الطرق ،وتتطور من خاللها املنهجية العلمية لهذا العلم ،حتى
يستقر العلم وتبين حدوده ،وتنضبط معامله ،وهي بال شك مرحلة من املراحل ،ثم يعقبها مرحلة أخرى فيما يتعلق
بالشرح والتهذيب واالختصار ،وغير ذلك .وبالنظر إلى نشأة علم "علوم القرآن" نجد أنه مر بمراحل ،سأسرد هذه
املراحل ،وإن كان بعض هذه املراحل ليست مستقلة عن التي قبلها ومستقلة عن التي بعدها ،قد تكون مرتبطة
بالتي قبلها ،وقد تكون معاصرة للتي قبلها ،ولكن للمؤلفين والكتاب الذين كتبوا عن هذا املوضوع لهم طرائق ولهم
مناهج ،ولكن أحببت وفضلت أن أذكرها مرحلة مرحلة ،لكن مع التنبيه إلى أن هذه املراحل ليست مستقلة ،فال
نقول مثال أن القرن األول والقرن الثاني مرحلة أولى ،والقرن الرابع والقرن الخامس مرحلة ثانية ،والقرن السادس
والقرن السابع مرحلة ثالثة ،ال ،فقد تكون املرحلة الثالثة بينها وبين املرحلة التي سبقتها ارتباط ،وقد تكون عاصرتها
في بعض املراحل .واآلن سأذكر هذه املراحل مرحلة تلو أخرى:
املرحلة األولى :علوم القرآن في عهد النبي صلى هللا عليه وسلم
فقد كان القرآن الكريم ينزل على النبي صلى هللا عليه وسلم ويتلوه على أصحابه ُويع ِّلمهم ،وبسبب ما امتازوا به
من خصائص العروبة ،من قوة الحفظ وصفاء القريحة وسرعة الفهم لم يحتاجوا إلى كتابة ش يء من التفسير أو
علوم القرآن املتنوعة ،مع أن جملة من العلوم كانت معروفة لديهم ُويدركونها ُويعايشونها بل ويلمسونها ،كأسباب
ً
النزول مثال ،واملكي واملدني ،والناسخ واملنسوخ ،وتجويد القراءة ،ومعاني الغريب ،وغير ذلك.
وأقوالهم في ذلك مشهورة معروفة؛ كقول ابن مسعود -رض ي هللا تعالى عنه ،-وقول ابن عباس رض ي هللا عنهما،
ُ
وقول علي رض ي هللا عنه ،أقوالهم في هذا مشهورة ،ومن ذلك قول ابن مسعود -رض ي هللا عنه" :-ما أنزلت آية إال
وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت ،ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب هللا مني تناله املطايا ألتيته".
- 11 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
ويقرب منه قول ابن عباس رض ي هللا تعالى عنهما ،وقول علي -رض ي هللا تعالى عنه .-وتحضرني تلك القصة التي جاء
يهودي فيها إلى عمر -رض ي هللا تعالى عنه ،-وقال يا عمر :آية لو أنزلت علينا معشر اليهود لجعلنا ذلك اليوم عيدا،
َْ قال :أي آية؟ ،قالْ ﴿ :ال َي ْو َم َأ ْك َم ْل ُت َل ُك ْم د َين ُك ْم َو َأ ْت َم ْم ُت َع َل ْي ُك ْم ن ْع َمتي َو َرض ُ
يت َل ُك ُم ْاإل ْس َ
الم ِّد ًينا﴾ [املا ِّئ َد ِّة،]3 : ِّ ِّ ِّ ِّ
ْ
حقيقة آية تستحق التأمل ،تستحق التفكر ،تستحق اإلشادة بها فهذه تكريم وتقدير من هللا عز وجل{ ،ال َي ْو َم
الم ِّد ًينا} .فقال له عمر :أما َأ ْك َم ْل ُت َل ُك ْم د َين ُك ْم َو َأ ْت َم ْم ُت َع َل ْي ُك ْم ن ْع َمتي} وفضلي ومحبتي وتقديري َ{و َرض ُ
يت َل ُك ُم ْاإل ْس َ
ِّ ِّ ِّ ِّ
وهللا -وهذا هو الشاهد -أما وهللا إني ألعلم أين نزلت ،ومكان نزولها ،نزلت في يوم عرفة في حجة الوداع ،ورسول
هللا صلى هللا عليه وسلم قائم أو واقف في عرفة ،مما يدل على أن الصحابة كانوا ُيعايشون ُويدركون هذه العلوم،
وإن لم يكتبوا أو ُيقيدوا شيئا من ذلك.
املرحلة الثانية :في عهد الخالفة الراشدة
ً
استكماال للمرحلة السابقة ،نشأ في هذه املرحلة عدة علوم ،ومن ذلك علم "رسم املصحف" ،وعلم "إعراب
ُ
القرآن" ،وعلم "تفسيرالقرآن" ،فاملصاحف التي أمر عثمان -رض ي هللا تعالى عنه -بنسخها تمثل وثائق مدونة عن
ُ
علم رسم املصحف ،الذي له قواعده وضوابطه التي تميزه عن الخط اإلمالئي املعتاد.
حلقات تفسير القرآن التي ُيفسر فيها الصحابي آيات من القرآن ،فقد كانت ذا منهجية وعلى أصول ُيفسر ُ أيضا
القرآن من خاللها كتفسير القرآن بالقرآن ،وتفسير القرآن بالسنة ،وتفسير القرآن باللغة ،وكيفية التعامل مع
اإلسرائيليات ،وما سوى ذلك ،فكانت لهم -رض ي هللا تعالى عنهم -أصول يمشون ويسيرون عليهاُ ،ويفسرون من
خاللها القرآن ،إن وجدوا تفسير اآلية في القرآن اكتفوا به ،وإن لم يجدوا ذلك بحثوا في السنة النبوية ،وهكذا.
املرحلة الثالثة :تدوين أنواع من علوم القرآن مع بداية تدوين الحديث النبوي
ُ
وذلك في رأس املائة األولى من الهجرة ،وكان أول من دونه :محمد بن مسلم ابن شهاب الزهري (املتوفى سنة 124هـ)
بأمر من عمر بن عبد العزيز.
وقد اشتملت املصنفات الحديثية على كتب وأبواب تتعلق بعلوم القرآن ،وإن لم ُيسموها بعلوم القرآن ،وكذلك
ذكروا أبواب تتعلق بتفسير القرآن ،فعلى سبيل املثال :اإلمام البخاري في صحيحه -كتابه الصحيح -ذكر ً
كتابا
ً
مستقال َ
وعنون له بفضائل القرآن ،كذلك بكتاب التفسير ،وكتاب فضائل القرآن هو في الحقيقة يجمع األحاديث
املتعلقة بعلوم القرآن من ناحية الوحي ،ومن ناحية نزول القرآن ،وأسباب النزول ،والناسخ واملنسوخ ،كل هذا
جمعه البخاري رحمه هللا تعالى في كتابه الصحيح تحت كتاب فضائل القرآن.
ومثله كذلك اإلمام ُمسلم رحمه هللا ،فإنه ذكر في آخر مصنفه كتاب التفسير ،واإلمام مسلم هو على الصحيح لم
ُيبوب األحاديث ،ولكنه هو الذي ذكر عناوين الكتب.
- 12 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
ً
جامعا ومثله كذلك اإلمام الترمذي ،واإلمام أبو داوود في ُسننه ،فإنه ذكر ً
كتابا في القراءات ،وذكروا كذلك ً
كتابا
في التفسير ،وابن ماجه والنسائي ،وغيرهم.
املرحلة الرابعة :فترة تدوين علوم القرآن مع بداية تدوين األحاديث
ُ
في فترة تدوين علوم القرآن مع بداية تدوين الحديث ألفت ُمصنفات في بعض علوم القرآن بشكل ُمفرد ،ومن ذلك
ما كتبه َيحيى بن َي ْع ُمر في القراءات َّ -ألف ً
كتابا في القراءات ،-كذلك مجاهد بن َج ْور له كتاب في التفسير ،كذلك
ألبي عبيد القاسم بن سالم كتاب في فضائل القرآن ،وغيرهم.
ُيضاف إلى ذلك اإلشارة إلى إسهامات اللغويين في مثل كتب :معاني القرآن ،للفراء ،ومجاز القرآن ،ألبي عبيدة
معمر بن املثنى ،والوجوه والنظائر ،وغيرها.
أود أن أشير إلى أن املرحلة الخامسة تتزامن مع املرحلة السابقة كما أن املرحلة السابقة تتزامن مع جزء من
املرحلة التي قبلها (وهو ما أشرنا إليه في أول هذه املحاضرة)
املرحلة الخامسة :التأليف في علوم القرآن من خالل مقدمات التفسير
ُ
كفعل اإلمام الطبري (املتوفى سنة 310هـ) واملاوردي ،فالطبري على سبيل املثال ذكر جملة من علوم القرآن في
مقدمة تفسيره ،كاأللفاظ التي اتفقت لغات األمم فيها ،واللغة التي نزل عليها القرآن من لغات العرب ،ونزول القرآن
على سبعة أحرف ،ومثله كذلك املاوردي في مقدمة تفسيره "النكت والعيون".
أبواب من علوم القرآن ،لكن بدون تسميتها بعلوم القرآن
ٍ املرحلة السادسة :ظهور مؤلفات في
ُ
وفي هذه املرحلة تسمية العلم بعلوم القرآن لم تظهر بعد ،لكن هناك مؤلفات هي في علوم القرآن ولكنها لم ت َّ
سم
ُ ُ
بهذا االسم ،من مثل الحارث املحاسبي (املتوفى سنة 243هـ) في كتابه فهم القرآن ،ذكر جملة من علوم القرآن،
ولكنه سمى كتابه بـ "فهم القرآن" ،وقد أورد جملة من مباحث علوم القرآن كفضائل القرآن ،وفضائل القراء،
ُ
واملحكم واملتشابه ،والناسخ واملنسوخ ،ومن ذلك جمال القراء وكمال اإلقراء للسخاوي.
ً
أنواعا من علوم القرآن في ثنايا املوضوع العام الذي يتحدث عنه الكتاب املرحلة السابعة :مؤلفات ضمت
برزت مؤلفات ضمت أنواعا من علوم القرآن في ثنايا املوضوع العام الذي يتحدث عنه الكتاب ،من مثل االنتصار
للباقالني االنتصار لصحة ناقل القرآن ،ويقصد مؤلفه الدفاع عن القرآن من كل الشكوك والشبه التي أثيرت
ُ
حوله من قبل امللحدين والرافضة.
َّ
ومن العلوم التي أوردها الباقالني في كتابه :القراءات ،وجمع الناس على مصحف واحد ،واإلعجاز ،ونزول القرآن
ُ
على سبعة أحرف ،وكذلك من الكتب التي على هذا املنوال جواهر القرآن ُودرره للغزالي (املتوفى سنة 505هـ)،
- 13 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
وذكر فيه جملة من علوم القرآن وقسمها إلى قسمين :علم الصدف والقشر ،وجعل منه :علم اللغة والنحو
ُ
والقراءات وتوجيهها وعلم التفسير ،وعلم اللباب وجعل منه :القصص القرآني ،وعلم الكالم ،والفقه وأصوله.
وكذلك ،قانون التأويل ألبي بكر بن العربي ،فقد قسم علوم القرآن إلى ثالثة أقسام :توحيد ،وتذكير ،وأحكام،
وغيرها من املؤلفات.
ً ً
املرحلة الثامنة :استقرارتسمية هذا العلم تسمية ومضمونا من خالل الكتاب كامال
ومن ذلك فنون األفنان في عيون علوم القرآن البن الجوزي ،واملرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز
ُ ُ
ألبي شامة (املتوفى سنة 656هـ) ،والبرهان في علوم القرآن للزركش ي (املتوفى سنة 764هـ) ،واإلتقان في علوم
ُ ُ
القرآن للسيوطي (املتوفى سنة 911هـ) ،وللبلقيني كذلك كتاب مواقع العلوم من مواقع النجوم (واملتوفى سنة
824هـ) ،ثم توالت بعد ذلك الكتب التي تطابق فيها املضمون والعنوانُ ،سميت بعلوم القرآنُ ،ويذكر فيها جملة
من العلوم املتعلقة بالقرآن الكريم ،كاإلمام السيوطي ،وكالكتب التي جاءت بعد ذلك في هذا العصر -في وقتنا
املعاصر ، -ككتاب مناهل العرفان للزرقاني ،وكذلك مباحث في علوم القرآن ،ودراسات في علوم القرآن،
اسما ومحتو ًىً ،
اسما واملدخل إلى دراسة علوم القرآن ،وغير ذلك من الكتب ،فاستقر تسمية هذا العلم ً
وس ِّم َي بـ"علوم القرآن". ً
ومضموناُ ،
- 14 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
ً ً
-ثالثاَّ :أما ظهور مصطلح علوم القرآن في العنوان واملحتوى فقد تأخر قليال إلى أواخر القرن الرابع ومطلع
ُ َّ
القرن الخامس ،وبدأ في مؤلف ابن حبيب النيسابوري (املتوفى سنة 406هـ) في كتابه التنبيه على فضل علوم
القرآن.
-ثم تتابعت التسمية واملضمون في املؤلفات املتأخرة؛ ككتاب فنون األفنان في عيون علوم القرآن البن
الجوزي ،وكتاب أبي شامة ،والزركش ي ،والسيوطى اإلتقان في علوم القرآن ،ومن بعدهم.
✓ أهم املؤلفات التي ألفت في هذا العلم
أختم هذه املحاضرة بـذكر أهم املؤلفات التي ألفت في هذا العلم ،وهذه املؤلفات مطبوعة ومتوفرة وموجودة بين
أيدينا ،ومن هذه املؤلفات:
-فنون األفنان في عيون علوم القرآن ،ابن الجوزي
-املرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز ،أبي شامة
-البرهان في علوم القرآن ،الزركش ي
-اإلتقان في علوم القرآن ،السيوطي
-مناهل العرفان في علوم القرآن ،الزرقاني
-املدخل لدراسة القرآن ،أبي شهبة
-مباحث في علوم القرآن ،صبحي الصالح
-مباحث في علوم القرآن ،مناع القطان
-دراسات في علوم القرآن ،فهد الرومي
-املحرر في علوم القرآن ،مساعد الطيار
ُ
-املقدمات األساسية في علوم القرآن ،يوسف الجديع
-علوم القرآن بين البرهان واإلتقان ،حازم حيدر
-وغيرها من الكتب الكثيرة التي لن ُيعدم القارئ واملطالع والدارس من أن يخرج بحصيلة علمية مفيدة بإذن
هللا عز وجل عند مطالعته ورجوعه إلى هذه الكتب العظيمة ،التي أسأل هللا عز وجل أن ينفع بها ،وأن يرحم
ُمؤلفيها ،ويحفظ األحياء منهم.
وبإذن هللا عز وجل املرجع األساس في هذا املقرر هو كتاب دراسات في علوم القرآن ،للدكتور فهد الرومي.
هذا وهللا تعالى أعلم ،وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
- 15 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات :إسراء الزعيم
قام باملراجعة األولى والتدقيق :أحمد عبد الرحمن
قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي :رئيفة درويش
اإلشراف العام على فريق العمل :رئيفة درويش
- 16 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
علوم القرآن
د .عمرعبد العزيزالدهيش ي
املحاضرة الرابعة
بسم هللا الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العاملين ،وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
باديء ذي بدء أحيي الجميع بتحية اإلسالم ،السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته ،أسأل هللا عز وجل أن يرزقنا العلم
النافع والعمل الصالح وبإذن هللا عز وجل في هذه املحاضرة واملحاضرات التي تليها سندلف إلى صلب هذا العلم
ونفتتح حديثنا في هذا املقرر بعلم الوحي.
علم الوحي
وإذا تأملنا ونظرنا في كتب علوم القرآن األخرى وعلوم القرآن املتفرقة واملتنوعة نجد أنهم اختلفوا في البداءة بأي
علم من علوم القرآن ،فمنهم من ابتدأ باملكي واملدني ،ومنهم من ابتدأ بأسباب النزول ،ومنهم من ابتدأ بنزول
القرآن ،ومنهم من ابتدأ بالوحي ،وال إشكال في ذلك إذ هي مسألة اجتهاد ونظر وتأمل ،وتختلف فيها وجهات النظر،
أما نحن بإذن هللا عز وجل في هذه األكاديمية املباركة ،سنفتتح الحديث عن علوم القرآن بهذا العلم وهو علم
علم ُوجد ،فنزول الوحي على النبي ً
الوحي ،وذلك استئناسا إلى أن هذا العلم هو ،حقيقة ،من حيث الوجود هو أول ٍ
صلى هللا عليه وسلم تاله ابتداء نزول القرآن ،ونزول القرآن كذلك شاركه أسباب النزول ،واملكي واملدني ،ونزول
القرآن على سبعة أحرف ،وغير ذلك ،فالوحي هو أول العلوم من حيث الوجود ،فارتأيت أن نبتديء بهذا العلم
وهو علم الوحي.
ً ً
✓ تعريف الوحي لغة واصطالحا
علم في خفاء ،ومن معاني الوحي في اللغة ،اإلشارة ،والكتابة ،والرسالة وذلك على وجه الوحي في اللغة :هو إلقاء ٍ
السرعة ،فأوحى إليهم أي :أشار،
لنبي من أنبيائه
الوحي في االصطالح :أما عن معنى الوحي في الشرع وفي االصطالح هو إعالم هللا سبحانه وتعالى ٍ
لنبي من أنبيائه بكيفية
بكيفية معينة بنبوته وما يتبعها من أوامر ونواهي وأخبار وقصص .إعالم هللا سبحانه ٍ
ً
معينة ،وهذه الكيفية سنذكر طرفا منها في تضاعيف محاضرتنا هذه بإذن هللا تعالى ،وما يتبعها من أوامر ونواهي
وأخبار ،وكما تعلمون أن هذه األوامر والنواهي واألخبار قد يكون مصدرها من القرآن الكريم ،وقد يكون مصدرها
من السنة النبوية ،فالوحي يشمل الوحي بالقرآن ،كما يشمل الوحي بالسنة النبوية ،هللا عز وجل قال عن السنة
وحى﴾ [سورة النجم ،]4 :فالوحي يشمل الوحي بالقرآن ويشمل كذلك الوحي بالسنة النبوية﴿ :إ ْن ُه َو إ َّال َو ْح ٌي ُي َ
ِّ ِّ
النبوية.
- 17 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
✓ أقسام الوحي
ننتقل اآلن إلى النقطة الثانية من محاضرة اليوم وهي أقسام الوحي .يمكن أن نقسم الوحي إلى قسمين:
القسم األول :الوحي اللغوي :أي الوحي بمعناه في اللغة ،وهو يشمل عدة أنواع ،كما ذكرت قبل قليل ،أن الوحي
في اللغة إلقاء علم في خفاء وله أنواع ،ومن ذلك:
َ َ ْ َ ْ َ َ ُ ُ َ َْ
.1اإللهام الفطري لإلنسان ،ومثاله :ما ذكره هللا عز وجل في سورة القصص﴿ :وأوحينا ِّإلى أ ِّم موس ى أن
ص ،] 7 :وهذا كما ذكر العلماء هو إلهام فطري لإلنسان. ص َأ ْرضعيهْ [ ﴾...ال َق َ
ِّ ِّ ِّ ِّ
ْ َ َّ َ ْ َّ َ َ َ ْ َ َ
.2كما أن الوحي كذلك يكون باإللهام الغريزي للحيوان ومثاله﴿ :وأوحى َرُّبك ِّإلى النح ِّل أ ِّن ات ِّخ ِّذي ِّمن ال ِّج َب ِّال
ُ َ ُب ُي ًوتا َوم َن َّ
الش َج ِّر َو ِّم َّما َي ْع ِّرشون ([ ﴾ )68سورة النحل] ومعنى الوحي هنا :هو اإللهام الغريزي وهو من أنواع ِّ
الوحي اللغوي.
َ ُ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ َ ََ
﴿إذا زل ِّزل ِّت األرض ِّزلزالها ()1 سورة الزلزلة ِّ .3كذلك من أنواع الوحي اللغوي :األمر الكوني للجمادات كما في
َ َّ َ َّ َ َ ْ َ ََ َ
ُ ُ ْ ََ َ ْ ْ َ ُ َ ض َأ ْث َق َال َ ََ ْ َ َ َْ
ان َما ل َها (َ )3ي ْو َم ِّئ ٍذ ت َح ِّدث أخ َبا َر َها (ِّ )4بأن ربك أوحى لها ( ،﴾ )5فهذا اإلنس
ِّ ال ق و )2( ا ه األ ْر ُ وأخرج ِّت
من األمر الكوني للجمادات.
﴿وِّإ َّن
.4كذلك من أنواع الوحي اللغوي :وسوسة الشيطان وتسمى في اللغة بالوحي ،كما قال هللا عز وجلَ :
ُ ُ َّ َ َ َ ُ ُ َ َ َ
وحون ِّإلى أ ْوِّل َي ِّائ ِّه ْم ِّل ُي َج ِّادلوك ْم [ ﴾ ........سورة األنعام .]121 : اطين لي الشي ِّ
َ َ ْ َ َ ْ ْ َْ
.5كذلك من أنواع الوحي اللغوي :اإلشارة بجارحة من الجوارح ،كما قال هللا عز وجل .....﴿ :فأوحى ِّإلي ِّهم أن
ْ ً
َس ِّب ُحوا ُبك َرة َو َع ِّش ًّيا﴾ [سورة مريم .]11 :
هذه بعض من أنواع الوحي اللغوي وهو يندرج تحت القسم األول من أقسام الوحي.
ََ َ َ َ َ
ان ِّل َبش ٍر أ ْن القسم الثاني :الوحي الشرعي :وأنواعه ذكرها هللا عز وجل في سورة الشورى في قوله سبحانه﴿ :وما ك
ورى ،] 51 : يم﴾ [ ُّ
الش َ وح َي بإ ْذ ِّن ِّه َما َي َش ُاء إ َّن ُه َع ِّل ٌّي َح ِّك ٌ اّلل إ َّال َو ْح ًيا َأ ْو م ْن َو َر ِّاء ح َجاب َأ ْو ُي ْرس َل َر ُس ًوال َف ُ
ي ُ َ َ ُ َّ ُ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ٍ ِّ يك ِّلمه ِّ
سبحانه .في هذه اآلية أنواع من الوحي الشرعي ،جمع هللا تعالى فيها أنواع الوحي الشرعي وهذه األنواع اشتملت على
صور متعددة وهي كما يلي:
َّ َ
ان ل َب َشر أ ْن ُي َكل َم ُه َّ ُ ََ َ َ
اّلل ِإال َو ْح ًيا﴾ :املراد بالوحي في هذه اآلية يدخل ضمنه عدة أنواع منها: ِّ .1النوع األول﴿ :وما ك ِّ ٍ
(أ) الرؤيا في املنام :فعن عائشة رض ي هللا تعالى عنها قالت" :كان أول ما بديء به رسول هللا هللا صلى هللا عليه
وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان ال يرى رؤيا إال جاءت مثل فلق الصبح" الحديث متفق
عليه ،الوحي الشرعي عن طريق الرؤيا في املنام كانت في بدايات البعثة النبوية واستمر ذلك قرابة ستة
أشهر وهللا أعلم.
- 18 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
َّ ً
(ب) النفث في الروع :ويدخل هذا النوع أيضا ضمن معنى قوله عزوجلِّ ﴿ :إال َو ْح ًيا﴾ ،ودليله :عن عبد هللا بن
َّ ُّ َ َ َ َ
وح األ ِّمين ن َفث في َر ْو ِّعي َّ :أن مسعود رض ى هللا تعالى عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم " :وِّإن الر
ََ َ َ ْ َ َ َ ْ َن ْف ًسا ال َت ُم ُ
هللا و أ ْج ِّملوا في الطل ِّب " ....الحديث ،الشاهد في الحديث هو وت حتى ت ْس َتك ِّم َل ِّرزقها ،ف َّات ُقوا
قوله صلى هللا عليه وسلم" :وإن الروح األمين -أي جبريل عليه السالم -نفث في روعي" والروع هو :القلب
والعقل ،واملعنى :أن جبريل نفث في خلدي وبالي.
َ
َ َ َ َ َ َ ْ ُ َ َ ُ َّ ُ َّ
اّلل ِإال َو ْح ًيا﴾. هذان النوعان يندرجان تحت قوله عزوجل﴿ :وما كان ِّلبش ٍر أن يك ِّلمه
َ
﴿أ ْو م ْن َو َراء ح َ
اب﴾ :وحي هللا عز وجل إلى رسوله من خالل أن يكون من وراء حجاب ،وهذا ِ ِ ٍج ِ .2النوع الثاني:
النوع يكون في اليقظة ،كما يكون في املنام.
-دليل اليقظة :هو ما جاء في حديث اإلسراء واملعراج الطويل وفيه :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:
"فأوحى هللا إلي ما أوحى ،ففرض علي خمسين صالة في كل يوم وليلة .فنزلت إلى موس ى صلى هللا عليه وسلم.
فقال :ما فرض ربك على أمتك؟ قلت خمسين صالة ،قال :ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ،فإن أمتك ال
يطيقون ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم ،قال :فرجعت إلى ربي فقلت :يا رب ! خفف على أمتي .
فحط عني خمسا .فرجعت إلى موس ى فقلت :حط عني خمسا ،قال :إن أمتك ال يطيقون ذلك
فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ،قال :فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موس ى عليه السالم حتى
قال :يا محمد ! إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صالة عشر فذلك خمسون صالة ،ومن هم بحسنة
فلم يعملها كتبت له حسنة ،فإن عملها كتبت له عشرا ،ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا ،فإن
عملها كتبت سيئة واحدة .قال :فنزلت حتى انتهيت إلى موس ى صلى هللا عليه وسلم فأخبرته فقال:
ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ،فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقلت :قد رجعت إلى ربي حتى
استحييت منه" .الحديث رواه اإلمام مسلم .هذا الكالم وهذه املراجعة بين هللا عز وجل ورسوله ،كانت في
ليلة املعراج ،معراج النبي صلى هللا عليه وسلم إلى السماء ،وكانت في اليقظة كما هو ظاهر في الحديث.
-دليل املنام :كذلك تكون مكاملة بين هللا عز وجل ورسوله من وراء حجاب عن طريق املنام ،ودليله ما جاء
في حديث اختصام املأل األعلى ،حديث معاذ بن جبل رض ي هللا تعالى عن،ه وفيه قال صلى هللا عليه وسلم:
بربي - أنا فإذا ،تاست ْث َق ْل ُ
َ
حتى صالتي في ت وصليت ،ما ُقد َر لي َ ،
فن َع ْس ُ ُ ، ت فتوض ْأ ُ
َ ، الليل في "إني ُ
قمت
ِّ ِّ ِّ
قلت :ما أدري محمد ،فقلت :لبيك! قال :فيم َيختص ُم املأل األعلى ؟ ُ ُ ِّصورة! فقال :يا تبارك وتعالى -في أحسن
ِّ ٍ
ً
ثالثا" الحديث .والنعاس هو أول النوم .هذه املكاملة هي بين هللا عز وجل ورسوله صلى هللا عليه وسلم،
ولكنها ليست في اليقظة وإنما في املنام.
هذا هو النوع الثاني من أنواع الوحي الشرعي وهو أن يكون من وراء حجاب.
- 19 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
ً َ
.3النوع الثالث﴿ :أ ْو ُي ْر ِس َل َر ُسوال﴾ :كجبريل عليه السالم أو غيره من املالئكة ،وجبريل عليه السالم قد أوكل
إليه اإلرسال بالوحي ،ومجيء الوحي عن طريق جبريل عليه السالم إلى النبي صلى هللا عليه وسلم له أحوال كثيرة
وصور متعددة ،جاء عليها الروح األمين إلى خير املرسلين صلى هللا عليه وسلم ،ومن بين تلك األحوال التي جاء
فيها الروح األمين ،نزل القرآن الكريم ،القرآن الكريم لم ينزل في كل مرة نزل فيها جبريل عيله السالم ،وإنما نزل
جبريل بالقرآن في أحوال معينة ،وسنذكرها بإذن هللا عز وجل في هذه املحاضرة .وقد صاحب نزول جبريل
بالوحي أحوال وتغيرات من لدن النبي صلى هللا عليه وسلم ،وهذه األحوال وتلك التغيرات هي متعددة ومتنوعة،
وسنذكرها بإذن هللا عز وجل على وجه اإلختصار.
وحتى يكون كالمنا متصال ،ذكرنا أنواع الوحي اللغوي ،ثم أنواع الوحي الشرعي ،وقلنا أن من أنواع الوحي الشرعي،
أن يرسل رسوال ،والرسول قد يكون جبريل أو غيره من املالئكة ،ولهم أحوال يأتون بها ،ومن أعظم الرسل من
املالئكة وأفضلهم ،هو جبريل عليه السالم ،وهو الذي نزل بالقرآن الكريم ،وليس كل ما نزل به جبريل عليه السالم
هو القرآن ،كال ،فقد ينزل بالسنة ،وقد ينزل بالقرآن ،وقد ينزل بغير هذين.
✓ أحوال نزول جبريل عليه السالم بالوحي:
جبريل عليه السالم نزل بالوحي إلى نبينا صلى هللا عليه وسلم على هيئات متنوعة وصور متعددة ،مجموعها ثالث
أحوال:
قريبا .1الحالة األولى :مجيء جبريل عليه السالم إلى نبينا صلى هللا عليه وسلم على صورته التي ُخلق عليها ،أو ً
ثالث َمن َت َك َّل َم بواحدة َّ ٌ َ َ َ كئا َ مت ً كنت َّ ُ
منهن ٍ عند عائشة فقالت :يا أبا عائشة منها" :عن مسروق قال:
َّ َّ ُ َ على هللا الفر َيةُ ، َ َ
هللا عل ِّيه وسل َم رأى محم ًدا صلى َّ عم َّأن هن؟ قالت َ :من ز َ قلت :ما َّ
ِّ فقد أعظم
ُ َ ُ الفريةُ َ ً َّ ُ ُ َ َ ، َ َ َ ُ
عجليني ،ألم ِّ أنظريني وال ت قال :وكنت متكئا فجلست ،فقلت :يا َّأم املؤمنين ! ِّ رَّبه فقد أعظم على ِّ
هللا
َ َ ًَ ُ ْ ََ ْ ُُ ُْ ُ َّ َّ َ َ
﴿ول َق ْد َر ُآه ن ْزلة أخ َرى﴾ [النجم ]13:؟ فقالت :أنا ﴿ول َق ْد َر ُآه ِّباألف ِّق امل ِّب ِّين﴾ [التكوير،] 23 : يقل هللا عز وجل: ِّ
َّ َُ َ ُ َ َّ َّ
هللا صلى هللا عل ِّيه وسل َمَ ، َ ُ َّ َ َ األم ِّة َ هذ ِّه َّ ُ َّ
جبريل ،لم أره على صور ِّت ِّه التي فقال :إنما هو سأل عن ِّذلك رسول ِّ أول ِّ
ض ،فقالتَ :أو َّ سادا ع َظ ُم خلقه ما َ السماء ًّ َّ منهبطا َ ً املرتينُ ،
أيت ُه ُخ ِّل َق عليها َ
ِّ راأل إلى ماء ِّ الس بين ِّ ِّ ِّ ِّ من هاتين َّ ِّ ر ِّ غير
ْ
وح َي ِّب ِّإذ ِّن ِّه اّلل إ َّال َو ْح ًيا َأ ْو م ْن َو َر ِّاء ح َجاب َأ ْو ُي ْرس َل َر ُس ًوال َف ُ ان ل َب َشر َأ ْن ُي َكل َم ُه َّ ُ ُ ََ َ َ َ ْ َّ َ
ِّ ي ِّ ِّ ٍ ِّ ِّ ِّ لم تسمع أن هللا يقول﴿ :وما ك ِّ ٍ
وسل َم َ َّ َّ ُ َ َ َ َّ َ َما َي َش ُاء إ َّن ُه َع ِّل ٌّي َح ِّك ٌ
كتم هللا عل ِّيه هللا صلى يم﴾ [الشورى]51 :؟ قالت :ومن زعم أن رسول ِّ ِّ
الر ُسو ُل َب ِّل ْغ َما ُأ ْنز َل إ َل ْي َك م ْن َرب َك َوإ ْن َلمْ َ ُّ َ َ
هللا الفرية ،وهللا يقول ﴿ :يا أيها َّ ُ ُ َ َ َ ً
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ هللا ،فقد أعظم على ِّ كتاب ِّ شيئامن ِّ
يخبر بما َيكون في
ُ ُ عم َّأن ُه َت ْف َع ْل َف َما َب َّل ْغ َت ر َس َال َت ُه﴾ [املائدة ،]67 :قالت :ومن ز َ
َ َْ ِّ
األ ْرض ْال َغ ْيبَ َ َ َّ ْ َ ُ ُ ْ َ َ َْ ُ ُ َ َ َ
ِّ و ات ِّ او م الس ي ف ِّ ن م م ل ع ي ال ل﴿ق : ل يقو وهللا ، الفرية هللا
ِّ ى عل غد ،فقد أعظم ٍ
َّ َُّ
ِّإال اّلل﴾ ]النمل ."]65:الحديث رواه اإلمام مسلم.
- 20 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
من خالل هذا الحديث ذكرت عائشة رض ى هللا تعالى عنها أن النبي صلى هللا عليه وسلم رأى جبريل عليه السالم
على صورته التي خلق عليها مرتين ،كما هو صريح في هذا الحديث .وقد رأى النبي صلى هللا عليه وسلم جبريل عليه
قريبا منها ،أول البعثة املحمدية وذلك في غار حراء ،كما في حديث عائشة رض ي هللا عنها: السالم على صورته أو ً
ْ َّ َُ َّ صلى ُ ُ َّ َّ ُ َ ُ َ
جاءت الصادقة في الن ْو ِم ،فكان ال َي َرى رؤيا إال ِ الو ْح ِّي الرؤيا وسلم من َ هللا عليه "أول ما ب ِّدئ به رسول ِّ
اّلل
َ
الع َد ِّدَ ،ويت َز َّو ُد لذلك ،ثم َي ْر ِّج ُع إلى الت َع ُّب ُد ،الليال َي ذوات َ
ِّ
في َت َح َّن ُث فيه ،وهو َّ الص ْبح ،فكان يأتي ح َر ًاء َ
ِّ ِّ م ْث َل َف َلق ُّ
ِّ ِّ ِّ ِّ
صلى هللاُ ُّ َّ ْ َْ ُ ََ ُّ ُ َ َ ْ ُ ُ َ ُ َ َ
غار ِّح َر ٍاء ،فجاءه امل ـلك فيه ،فقال :اقرأ ،فقال له النبي خديجة فتز ِّوده ِّملث ِّلها ،حتى ف ِّجئه الحق وهو في ِّ
َْ ُْ ْ َ َ فأخ َذني َف َغ َّطني حتى َب َل َغ مني َ َ ئ َ ُْ َّ
فقل ُت :ما أنا ِّب َق ِّار ٍئ، الج ْه ُد ،ثم أ ْر َسلني فقال :اقرأ، ِّ ِّ فقل ُت :ما أنا ِّبق ِّار ٍ ، عليه وسلم ( :
َ َ َ َ َ َّ ْ َْ ُ ْ َ َ الثانية حتى َب َل َغ مني َ َ َ َّ َ َ َ
فقل ُت :ما أنا ِّب َق ِّار ٍئ ،فأخذ ِّني فغط ِّني الثالثة الج ْه ُد ،ثم أ ْر َسلني فقال :اقرأ، ِّ ِّ ني ط فغ ني ذ فأخ
َ َ
ان َما ل ْم َي ْعل ْم} َ {ع َّل َم اإل ْن َس َ َ َ
اسم َرب َك الذي َخل َق} -حتى َبل َغ َ - َّ ْ
الج ْه ُد ،ثم أ ْر َسلني فقالْ َ ْ : َ َ حتى َبل َغ مني َ َ
فر َج َع ِّب َها ِّ ِّ {اقرأ ِّب ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
ُ ْ َّ َ َ َ
واد ُره ،حتى دخل على خ ِّديجة ،فقال« :ز ِّملوني ز ِّملوني» فزملوه حتى ذهب عنه َّ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ ُ ُ َ
الروع "...الحديث في صحيح ت ْرجف ب ِّ
البخاري.
ُ
رجئها إلى املحاضرة القادمة بإذن ولعلنا نواصل الحديث عن هذه املسألة ألن الكالم سيطول فيها قليال ،فلعلنا ن ِّ
هللا عز وجل ،أسأل هللا عز وجل لي ولكم التوفيق والسداد ،وصلى هللا وسلم على نبينا محمد.
قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات :إيمان عثمان
قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي :رئيفة درويش
اإلشراف العام على فريق العمل :رئيفة درويش
- 21 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
علوم القرآن
د .عمرعبد العزيزالدهيش ي
املحاضرة الخامسة
بسم هللا الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العاملين ،وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
وبعد .أسأل هللا عز وجل التوفيق والتسديد في القول والعمل .ونستكمل ما قد بدأناه في املحاضرة املاضية حول:
✓ أحوال نزول جبريل -عليه السالم -بالوحي إلى النبي صلى هللا عليه وسلم:
وقد ذكرنا في املحاضرة السابقة الحالة األولى :وهي مجيء جبريل -عليه السالم -على صورته التي خلقه هللا عز
وجل عليها أو قريبا منها ،واستدللنا بحديث عائشة -رض ى هللا تعالى عنها ،-في قولها -رض ى هللا تعالى عنها -عندما
َ ًَ َ ْ ُُ ُْ َ
سألها مسروق عن قول هللا عز وجلَ ﴿ :ول َق ْد َر ُآه ِّباألف ِّق امل ِّب ِّين﴾ [التكوير ،]23 :وقوله عز وجل ﴿ َول َق ْد َر ُآه ن ْزلة
ُ ْ
أخ َرى﴾ [النجم ،]13 :فقال" :إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين املرتين "...الحديث.
وهنا قد يسأل سائل ويستشكل مستشكل عن الحالة األولى التي نزل جبريل -عليه السالم -أول ما نزل على النبي
وغتٌ ، غطٌ ، ٌ
وضم ،كما في حديث عائشة -رض ي هللا صلى هللا عليه وسلم فيها ،وذلك في غار حراء ،التي صاحبها
تعالى عنها ،-في قوله صلى هللا عليه وسلم" :حتى بلغ مني الجهد" أي :الشدة .فهذا يدل على أن نزول جبريل -عليه
ملموسة ،وهذا ما نستفتح به محاضرتنا لهذا اليوم.
ٍ صورة
ٍ محسوسة ،وعلى
ٍ صورة
ٍ السالم -في غار حراء كانت على
على أي صورة كان مجيئ جبريل -عليه السالم -أول ما جاء النبي صلى هللا عليه وسلم في غارحراء؟
هللا ل بدئ به َر ُسو ُ نذكر حديث عائشة رض ي هللا تعالى عنها في أول بداية الوحي ،تقول رض ي هللا تعالى عنهاَ " :أ َّو ُل َما َ
ِّ ِّ ِّ
ُّ ُ ْ ََ ْ َّ َّ ْ َ َ َ َ َ َّ ُ ْ
الص ْب ِّح ،ث َّم ُح ِّب َب ان ال َي َرى ُرؤ َيا ِّإال َج َاء ْت ِّمث َل فل ِّق الص ِّال َحة ِّفي النو ِّم ،فك صلى هللا عليه وسلم ِّم َن ال َو ْح ِّي الرؤيا
َ َ َ ْ َ َ َ ُ َ َّ َ ُّ ُ َّ َ َ َ َ ْ َ َ َ َّ ُ َ ْ َ َ ََ َ َ ُْ َ
ات ال َع َد ِّد ق ْب َل أ ْن َين ِّز َع ِّإلى أ ْه ِّل ِّهَ ،و َيت َز َّو ُد ِّإل ْي ِّه الخال ُء ،وكان يخلو ِّبغ ِّار ِّح َر ٍاء ف َيتحنث ِّفي ِّه ،وهو التعبد ،اللي ِّالي ذو ِّ
َ َ َ َ ُ َْ ُ َ َ َ ْ َْ َ َ َ َ َ ْ ْ َ َ ُ َّ َ ْ ُ َ َ َ َ َ َ
الَ :ما أنا يجة ف َيت َز َّو ُد ِّ ِّملث ِّل َهاَ ،ح َّتى َج َاء ُه ال َح ُّق َو ُه َو ِّفي غ ٍار ِّحر ٍاء؛ فجاءه امل ِّلك فقال اقرأ ،ق ِّلذ ِّلك ،ثم ير ِّجع ِّإلى خ ِّد
َ َ َ َ َ َ َّ َّ َ ََ ْ َ ْ َ ُ َّ َ ْ َ َ َ َ َ ْ ْ ُ ْ ََ َ َ َ َ َ َ َ َ َّ
ال :اق َرأ قل ُتَ :ما أنا بقارئ ،فأخذ ِّني فغط ِّني الثا ِّن َية ال :فأخذ ِّني فغط ِّني َح َّتى َبلغ ِّم ِّني الجهد ثم أرسل ِّني فق بقارئ ،ق
اس ِّم الْ ﴿ :اق َ ْرأ ب ْ الث ِّال َث َة ُث َّم َأ ْر َس َلني َف َق ََ َّ َ َ َ َّ ْ َ ْ َ ُ َّ َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ ْ َ ُ ْ ُ َ َ َ ئ َ َ َ َ َ َ َّ َّ
حتى بلغ ِّمني الجهد ثم أرسل ِّني فقال :اقرأ ،فقلت :ما أنا بقار ،فأخذ ِّني فغط ِّني
ِّ ِّ
َ َّ َ ْ َ َ َ َّ َ ْ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ُّ َ ْ َ ْ َ ُ َّ ََ َ ََ َ ْ ْ َ َ ْ ََ َ َ َّ
ان َما ل ْم َي ْعل ْم﴾ [العلق اإلنس ِّ م ل ع * م ل ق
ِّ ِّ ال ب م ل ع ي اإلنسان ِّمن عل ٍق * اقرأ وربك األكرم * ِّ
ذ ال رِّبك ال ِّذي خلق * خلق ِّ
،" ]5-1الحديث رواه [البخاري :باب بدء الوحي]
- 22 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
فهذا النزول هو النزول األول لجبريل -عليه السالم -على نبينا صلى هللا عليه وسلم ،هو بال شك أول مرة ينزل جبريل
-عليه السالم -إلى نبينا صلى هللا عليه وسلم كما هو واضح وظاهر من هذا الحديث ،ولكن قبل هذه الحادثة (وهي
نزول جبريل في غار حراء) سبقتها مقدمات كالتوطئة والتمهيد لرؤية امللك حقيقة ومباشرة ،ومن ذلك الرؤيا
الصالحة الصادقة ،كما ذكرت عائشة -رض ي هللا تعالى عنها ،-أيضا سماع الصوت ،ورؤية الضوء واألدلة على
ذلك :
-ما أخبرنا عنه ابن عباس -رض ي هللا تعالى عنه ،-في قوله" :أقام رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بمكة خمسة
عشرة سنة يسمع الصوت ،ويرى الضوء سبع سنين وال يرى شيئا ،وثماني سنين يوحى إليه"،
-وقال ورقة بن نوفل عندما عرضت عليه خديجة -رض ي هللا تعالى عنها -ما يرى وما يسمع وذلك قبل البعثة:
"إن يكن صادقا فإن هذا ناموس مثل ناموس موس ى ،فإن بعث وأنا حي فسأعزره وأنصره وأومن به" ...
الحديث.
-قال القاض ي عياض" :يسمع الصوت أي :صوت الهاتف به من املالئكة ،ويرى الضوء أي :نور امللك ،وأنوار
آيات هللا حتى رأى امللك بعينه وشافهه في غار حراء في وحي ربه" انتهى كالمه.
كيف يمكن أن نجمع بين رواية جابرورواية عائشة حول رؤية النبي صلى هللا عليه وسلم لجبريل؟
دل حديث جابر بن عبد هللا أن مجيء جبريل -عليه السالم -في غارحراء كان على هيئة مرئية وصورة محسوسة،
َ ُّ َ
رءاه فيها النبي صلى هللا عليه وسلم مباشرة ،ولذلك حصل الغ ُّت والغط ،ورجع النبي صلى هللا عليه وسلم إلى
زوجه خديجة -رض ي هللا عنها -ترجف بوادره من هول ما رأى وحصل .يدل عليه ما رواه جابر بن عبد هللا -رض ي
هللا عنهما -أنه سمع النبي صلى هللا عليه وسلم يقول " :ثم فتر عني الوحي فترة ،فبينا أنا أمش ي سمعت ً
صوتا من
السماء ،فرفعت بصري قبل السماء ،فإذا امللك -الذي جاءني بحراء -قاعد على كرس ي بين السماء واألرض،
فج ِّئثت منه (أي :فزعت) حتى هويت (أي :سقطت) إلى األرض ،فجئت أهلي ،فقلت :ز ِّملوني ،زملوني "...الحديث، ُ
رواه البخاري .هذا يدل وهللا أعلم على أن النبي صلى هللا عليه وسلم رأى جبريل -عليه السالم -في غار حراء في أول
البعثة على صورته التي هو عليها ،أو قريبا منها ،وهللا أعلم .وقد استدللنا بحديث عائشة -رض ي هللا تعالى عنها( -في
ُُْ َ
املحاضرة السابقة) وأنها تجزم أن النبي صلى هللا عليه وسلم لم ير جبريل عليه السالم -إال مرتين ﴿ َول َق ْد َر ُآه ِّباألف ِّق
َ َ
عند عائشة فقالت كئا َمت ً ْاملُبين﴾ [التكويرَ ﴿ ،]23 :و َل َق ْد َ ُآه َن ْ َزل ًة ُأ ْخ َرى﴾[ ،النجم" .]13 :عن مسروق قالُ :
كنت َّ ر ِّ ِّ
- 23 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
على هللا الفر َيةُ ، َ َ ثالث َمن َت َك َّل َم بواحدة َّ َ ٌ
محم ًدا
عم َّأن َّ هن؟ قالت َ :من ز َ قلت :ما َّ
ِّ منهن فقد أعظم ٍ :يا أبا عائشة
َ ُ فجل ُ َ مت ً قالَ :و ُك ُ
نت َّ َ َ َ ُ َّ َ َّ ُ َ
املؤمنين ! فقلت :يا َّأم ست، كئا الفريةَ ، صلى هللا عل ِّيه وسلم رأى رَّبه فقد أعظم على ِّ
هللا
َ ًَ ُ ْ ََ ْ ُُ ُْ َّ َ َ أنظريني وال ُتعجليني ،ألم يقل ُ
﴿ول َق ْد َر ُآه ن ْزلة أخ َرى﴾ ﴿ول َق ْد َر ُآه ِّباألف ِّق امل ِّب ِّين﴾ [التكوير،] 23 : عز وجل: هللا َّ
ِّ ِّ ِّ
ُ فقال َّ :إنما َ َّ
وسل َمَ ، َ َّ
صلى ُ َ َ األم ِّة َ هذ ِّه َّ َّ ُ َ
جبريل ،لم هو هللا عل ِّيه سأل عن ِّذلك رسول ِّ
هللا [النجم ]13:؟ فقالت :أنا أول ِّ
َّ َُ َ
على صور ِّت ِّه َّالتي ُخ ِّل َق عليها َ
تين " .....الحديث .فكيف يمكن أن نجمع بين رؤيته في غار حراء ،وقول ِّ املر هاتين
ِّ غير أره
النبي صلى هللا عليه وسلم في هذا الحديث" :لم أره (يعني جبريل) على صورته التي خلق عليها غير هاتين املرتين"،
كيف نجمع بين الرؤية في حديث جابر وبين هذا الحديث؟
يمكن أن نجمع بينهما بأن النبي -عليه الصالة والسالم -لم ير جبريل -عليه السالم -في غار حراء على تمام صورته
وكمالها ،ولكن رءاه على صورة قريبة منها .قال ابن حجر في هذا السياق" :وتكون هذه املرة -أي رؤية النبي صلى هللا
عليه وسلم جبريل في غار حراء -غير املرتين املذكورتين ،وإنما لم َّ
يضمها إليهما الحتمال أال يكون رءاه فيها على تمام
صورته ،والعلم عند هللا" انتهى كالمه -رحمه هللا -هذا توجيه وجمع بين الحديثين وبين الحادثة.
ُ
هذه الحالة األولى وهي مجيء جبريل -عليه السالم -على صورته التي خلق عليها.
الحالة الثانية :مجيء جبريل -عليه السالم -على هيئة ملكية مالئكية
املالئكة ،كما هو معلوم عندكم ،عالم غيبي خلقوا من نور ،فهم أجسام نورانية لطيفة والعباد ال يستطيعون
ُ
رؤيتهم إال إذا تمثل امللك في سورة بشر ،سوى النبي صلى هللا عليه وسلم ،فقد أعطي القدرة على رؤية املالئكة،
وأعطي كذلك القوة على محادثتهم واإلحساس بهم .وقد نزل جبريل -عليه السالم -على نبينا صلى هللا عليه وسلم
بهيئته امللكية واملالئكية في صور كثيرة ،أما كيفية هذا النزول علمه عند هللا عز وجل
لكن هذه حالة من أحوال نزول جبريل بالوحى ،ولهذا النزول ،النزول املالئكي له صور ،منها:
.1إتيان جبريل -عليه السالم -على مثل صلصلة الجرس :والصلصلة هي صوت الحديد إذا حرك ،يقال َ
ص َّل
الحديد وصلصل ،وقيل هو صوت متدارك ال يدرك في أول وهلة ،والجرس :هو الجلجل هو الذي يعلق في
َ اّلل َع ْن َها َأ َّن ْال َحار َث ْب َن ه َشام َرض َي َّ ُ
رؤوس الدواب من الجرس" .عن َعائ َش َة ُأم ْاملُ ْؤمن َين َرض َي َّ ُ
اّلل َع ْن ُه َسأ َل ِّ ٍ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
َ ُ َ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َ َ َ ُ َ َّ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ ََّ
اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم اّلل كيف يأ ِّتيك الوحي فقال رسول ِّ اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم فقال يا رسول ِّ رسول ِّ
َّ ْ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ ُ َ َ َ ُّ ُ َ َ َّ َ ُ ْ َ ُ َ َ َ ْ َ َ ْ ُ َ ْ ُ َ َ َ َ ْ َ
ال َوأ ْح َي ًانا َي َت َمث ُل ِّلي أ ْح َي ًانا َيأ ِّت ِّيني ِّمثل صلصل ِّة الجر ِّس وهو أشده علي فيفصم ع ِّني وقد وعيت عنه ما ق
- 24 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
- 25 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
َ ُ َ َّ َ َّ َّ ُ َ َ َ ْ َ َ َّ ُ َ
اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َمَ ،وف ِّخذ ُه َعلى اّلل َعلى َر ُس ِّول ِّه صلى -وفي حديث زيد بن ثابت رض ي هللا تعالى عنه ،وفيه" :فأنزل
ُ َ َ ُ َ ْ َ َ َّ َ َّ ْ ُ َ ْ َ ُ َّ َ َ
ض ف ِّخ ِّذي ،ث َّم ُس ِّر َي َع ْن ُه " .الحديث[ ،البخاري :كتاب التفسير]. ف ِّخ ِّذي فثقلت علي ،حتى ِّخفت أن تر
-الصحابة رضوان هللا تعالى عليهم يعلمون نزول الوحي إذا رأوا تلك العالمات ،وذلك التأثر على النبي صلى هللا
عليه وسلم ،وفي قوله صلى هللا عليه وسلم( :أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس ،وهو أشده علي)[ ،البخاري:
كتاب تفسير القرآن] داللة على أن الوحي كله شديد ،وأن هذه الحالة هي أشهرها ،وذلك -وهللا أعلم -ليتفرغ
السمع والقلب وال يبقى فيه ٌ
مكان لغير صوت امللك.
-وهذه الحال هي ليست مختصة بالقرآن ،فتأتي بالقرآن وتأتي بالسنة النبوية ،كما هو صريح في حديث يعلى
بن أمية :عندما جاء ذلك الرجل وسأل النبي صلى هللا عليه وسلم عن أثر الطيب إذا أصاب اإلحرام ،قال :نزل
الوحي على النبي صلى هللا عليه وسلم ،فغطي بستر ،في غطاء ،وكان إذا نزل الوحي فعل الصحابة رضوان هللا
َ
وغطاء بين النبي صلى هللا عليه وسلم والناس ،فقال يعلى بن أمية"َ :و ِّد ْد ُت أ ِّني ً عليهم ذلك؛ أنهم يجعلون سترا
َّ َ َ َّ َّ َ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ ْ َ ْ ُ َ َ َ َ َ َ َ ُ ُّ َ َ ْ َ ْ ُ َ َ َّ َ َّ ُ َ
هللا َعل ْي ِّه َو َسل َم أرى الن ِّبي صلى هللا علي ِّه وسلم وقد نزل علي ِّه الوحي ،قال فقال :أيسرك أن تنظر ِّإلى الن ِّب ِّي صلى
َ َ َ َ َ ٌ َ َ َّ َ َ ْ ُْ َ ََْ ْ َ ْ ُ َ َ َ َ
ال :ف َرف َع ُع َم ُر ط َرف الث ْو ِّب ،ف َنظ ْر ُت ِّإل ْي ِّه ل ُه غ ِّطيط "...الحديث[ ،رواه مسلم :كتابوقد أن ِّزل علي ِّه الوحي؟ ق
الحج].
-فالصحابة رضوان هللا تعالى عليهم لم يروا جبريل -عليه السالم -بأعينهم ،وإنما علموا ذلك بالحاالت التي كانت
تعتري النبي صلى هللا عليه وسلم .فنزول جبريل على هذه الحال ،الحالة املالئكية والحالة امللكية هو يكون
بالقرآن كما يكون بالسنة النبوية.
-نعود لحديثنا (حديث الحارث بن هشام) وفيه قوله صلى هللا عليه وسلم" :أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس،
وهو أشده علي" ،يدل على أن الوحي كله شديد ،ولكنها قد يكون بعضها شديد قوة ،وقد يكون بعضها
متوسط ،وقد يكون بعضها خفيف ،ولكن الجامع بينها الشدة.
.2من صور نزول جبريل عليه السالم على الحالة املالئكية وعلى الحالة امللكية :االختفاء واملساررة دون أن يشعر
به أحد ،وال يحدث تغيرعلى جسد النبي صلى هللا عليه وسلم ،فربما جاء جبريل -عليه السالم -إلى املصطفى
صلى هللا عليه وسلم وساره من دون أن يشعر به من حوله ،من دون أن يحدث له تغير على جسده الشريف
عليه الصالة والسالم ،دليله؛ "قال أبو سلمة إن عائشة قالت قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يوما يا
- 26 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
عائش هذا جبريل يقرئك السالم فقلت وعليه السالم ورحمة هللا وبركاته ترى ما ال أرى؟ تريد رسول هللا صلى
هللا عليه وسلم" [رواه البخاري :كتاب فضائل الصحابة].
.3كذلك من صور مجيئه على الحالة املالئكية :مجيئه في سحابة بين السماء واألرض ،وقد سبق ذكر
الحديث في ذلك.
ذكرنا من أحوال مجيء جبريل -عليه السالم -إلى النبي صلى هللا عليه وسلم حالتان :الحالة األولى :أن يأتيه على
الصورة التي خلقه هللا عليها ،الحالة الثانية :أن يأتيه على الحالة املالئكية ،ويعلمون الصحابة رضوان هللا عليهم،
يعلمون نزول الوحي باألحوال التي كانت تعتري النبي صلى هللا عليه وسلم والتي تظهر على جسده ،وعلى وجهه
الشريف صلى هللا عليه وسلم.
- 27 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
له يسأله ويصدقه ،قال " :أخبرني عن اإليمان " قال ( :أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر ،وتؤمن
بالقدر خيره وشره ) ،قال " :صدقت" ،قال " :فأخبرني عن اإلحسان " ،قال ( :أن تعبد هللا كأنك تراه ،فإن لم
تكن تراه فإنه يراك ) ،قال " :فأخبرني عن الساعة " ،قال ( :ما املسؤول بأعلم من السائل ) ،قال " :فأخبرني عن
أماراتها " ،قال ( :أن تلد األمة ربتها ،وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء ،يتطاولون في البنيان ) ثم انطلق
فلبث مليا ،ثم قال ( :يا عمر ،أتدري من السائل ؟ ) ،قلت " :هللا ورسوله أعلم " ،قال ( :فإنه جبريل أتاكم
يعلمكم دينكم ) " [رواه مسلم] ،ثم بعد ذلك قال صلى هللا عليه وسلم :هذا جبريل جاء يعلمكم أمر دينكم .فجبريل
-عليه السالم -جاء في صورة هذا الرجل الذي ذكر الصحابة رضوان هللا عليهم أوصافه عليه السالم.
كذلك قد يجئ جبريل -عليه السالم -على صورة أحد من الصحابة ،وقد يتمثل جبريل -عليه السالم -على صورة
دحية الكلبي -رض ي هللا عنه ،-وكان دحية رض ي هللا تعالى عنه وجهه صبيحا وهيئته حسنة ،فكان جبريل -عليه
السالم -يأتي على صورته كثيرا ،وكان رض ي هللا عنه من أجمل الناس وأحسنهم صورة.
هذه أحوال جبريل -عليه السالم -عند نزوله بالوحي.
نأتي إلى مسألة مهمة ونقطة بالغة األهمية وهي :نزول جبريل -عليه السالم -بالوحي قد يكون بالقرآن ،وقد يكون
بالسنة ،فيا ترى نزول جبريل -عليه السالم -بالقرآن على أي حالة من األحوال الثالثة؟ هذا ما سنذكره بإذن هللا
عز وجل في املحاضرة القادمة.
وفق هللا الجميع ملا يحب ويرض ى ،وصلى هللا وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات :صفاء بودي
قام باملراجعة األولى والتدقيق :خلدون األتاس ي
قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي :رئيفة درويش
اإلشراف العام على فريق العمل :رئيفة درويش
- 28 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
علوم القرآن
د .عمرعبد العزيزالدهيش ي
املحاضرة السادسة
بسم هللا الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العاملين وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد،
فنستكمل ما قد بدأناه في الحديث عن علم الوحي؛ العلم األول من علوم القرآن.
ونأتي بعد أن ذكرنا أحوال نزول الوحي – من جبريل عليه السالم إلى النبي صلى هللا عليه وسلم ، -وقلنا:
إن جبريل -عليه السالم -كان يأتي النبي صلى هللا عليه وسلم على أحوال ثالثة:
-الحالة األولى :أن يأتيه على صورته التي خلقه هللا عز وجل عليها.
-الحالة الثانية :أن يأتيه على هيئة مالئكية أو ملكية.
-الحالة الثالثة :أن يأتيه على صورة بشر ،ومجيئه عليه السالم على صورة بشر قد تكون على صورة أحد
الصحابة وقد يكون على غيرها.
✓ على أي صورة من صوره الثالثة نزل جبريل -عليه السالم -بالوحي القرآني
نأتي اآلن إلى مسألة مهمة ،وهي أنه كما قررنا أن نزول الوحي قد يكون بوحي القرآن وقد يكون بوحي السنة .فيا ُترى
نزول جبريل عليه السالم بالوحي القرآني يكون على أية حالة من األحوال الثالثة؟
نقول -والعلم عند هللا عز وجل :إن نزول جبريل عليه السالم بالوحي القرآني يكون على الحالة الثانية؛ وهي
مجيئه على هيئته املالئكية ،وال يمنع أن هذه الحالة يأتي منها القرآن ويأتي منها السنة ،ولكن القرآن الكريم كله
نزل به جبريل عليه السالم وهو على هيئة ملكية ،ومن خالل البحث في السنة النبوية والقراءة واملطالعة فيها ،لم
ً
أعثر حقيقة على آية أو على حالة نزل جبريل عليه السالم بالقرآن على صورة بشر ،على هيئته -التي يجيئها على
ََ َّ ﴿اق َ ْرأ ب ْ
اس ِّم َرِّب َك ال ِّذي خل َق *
ْ
هيئة بشر .كلها مجيئه على هيئته املالئكية ،إال في نزول جبريل أول ما نزل؛ نزوله بـ:
ِّ
ْ َ َ َّ َ ْ َ َ َ َ َ َّ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ ُّ َ ْ َ ْ َ ُ َّ ََ َ ْ َ َ ْ ََ
ان َما ل ْم َي ْعل ْم﴾ [ال َعل ِّق ،]5 -1 :نقول - اإلنس
ِّ م ل ع * م ل ق
ِّ ِّ الب م لع يذاإلنسان ِّمن عل ٍق * اقرأ وربك األكرم * ِّ
ال خلق ِّ
قرر ُت ذلك
والعلم عند هللا :-إن نزوله في هذه الحالة األولى كان على صورة مرئية وعلى صورة محسوسة ،كما ْ
في الحديث عن الحالة األولى ،فنقول :إن نزول جبريل عليه السالم بالقرآن يكون على الحالة الثانيةُ ،ويلحق بها
الحالة األولى في نزوله أول ما نزل جبريل على النبي صلى هللا عليه وسلم ،وفيه جمع بين تلك األحوال املختلفة،
كالم البن حجر – رحمه هللا – يؤيد هذا. والعلم عند هللا عز وجل ،وقد سبق أن أشرنا إلى ٍ
قريبا منها. فمجيء جبريل عليه السالم في غار حراء قد تكون على هيئته التي خلقه هللا عزوجل عليها أو ً
- 29 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
"ذكرت لنا عدة أحوال ولكل حال صور متعددة ،والنبي صلى هللا عليه َ نأتي اآلن إلى إشكال وهو قد يقول قائل:
ً
"أحيانا يأتيني وسلم في حديث الحارث بن هشام عندما سأل النبي صلى هللا عليه وسلم" :كيف يأتيك الوحي؟ قال:
وأحيانا ملك في مثل صورة الرجل فأعي ما يقول" .فالنبي صلى هللا عليه وسلم حصر ً في مثل صلصلة الجرس،
الوحي في هاتين الصورتين ،فكيف تشعبت بنا في هذه األحوال وفي تعداد الصور املتعددة؟ نقول :هذه الصور وهذه
األحوال هي ليست من تلقاء نفس ي وإنما هي من مجموع األحاديث الواردة في الوحي؛ ولهذا ال نذكر حالة وال صورة
إال ونستشهد لها باألحاديث الصحيحة.
كيف نجمع بين الصور املتعددة لنزول جبريل بالوحي ،وبين قول النبي صلى هللا عليه وسلم في حصر الوحي
بهاتين الحالتين أو بهاتين الصورتين؟
ً
وأحيانا ملك يتمثل لي في صورة أحيانا مثل صلصلة الجرس، ً -اجتهد العلماء في ذلك فقالوا :هاتان الحالتان -
رجل -أنها هي األغلب ،وال يمنع أن يأتي في صور غيرها ،أو ُحمل ما يغايرهما على أنه وقع بعد السؤال؛ بعد
سؤال الحارث بن هشام للنبي صلى هللا عليه وسلم.
-وبعضهم قال :قد يكون السؤال عما في اليقظة أو أن الرؤية قد يشركه فيها غيره ،بخالف الصورتين املذكورتين
في الحديث.
-أو لعله عليه الصالة والسالم َع ِّلم أن قصد السائل بسؤاله ما خص به وال يعرف إال من جهته .هذه اجتهادات
من العلماء في توجيه حديث الحارث بن هشام – رض ي هللا عنه.
-ويمكن أن ُيقال في حصر الوحي على هاتين الصورتين أنه حصر حقيقي ألحوال الوحي الذي يكون على
الحالة املالئكية؛ لقوله صلى هللا عليه وسلم" :كل ذلك يأتيني امللك" .وتوجيه ذلك أن الوحي إما أن يأتي ً
ظاهرا
يراه الناس ،ويشهد له قوله صلى هللا عليه وسلم" :يتمثل لي امللك رجال" بأي صورة كانت ،وإما أن يكون ً
خفيا
ُ
ال يراه الناس وأعطي النبي صلى هللا عليه وسلم القدرة والقوة على رؤيته واإلحساس به ،ويشهد له قوله صلى
"أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس" ،فهو كاملثال على االختفاء ،ويدخل ضمن هذه الصورة ً هللا عليه وسلم:
الحالة األولى؛ وهي مجيئه على صورته التي ُخلق عليها أو ً
قريبا منها ،وهللا تعالى أعلم .وقلت :هذا ألن هذا الصريح
في بعض ألفاظ الحديث ،وهو قوله صلى هللا عليه وسلم" :كل ذلك يأتيني" .فالنبي صلى هللا عليه وسلم اكتفى
باإلشارة إلى حال االختفاء وإلى حال الظهور ورؤية الناس لجبريل عليه السالم ،وذلك إذا جاء بصورة البشر،
هذا ما تيسر ذكره وقوله في هذا العلم – علم الوحي.
وندلف بعد ذلك إلى نزول القرآن؛ فهو -من حيث الزمن -هذا العلم هو ثاني العلوم من حيث النشأة ،وأول العلوم
ْ َ ََ َّ ﴿اق َ ْرأ ب ْ
اس ِّم َرِّب َك ال ِّذي خل َق﴾ [ال َعل ِّق.]1 :
ْ
الوحي ،والوحي جاء أول ما جاء بـ:
ِّ
- 30 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
- 31 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
َّ َ َ َ َ َ َ َ ْ ْ ُ َ ْ ُ َ ُ َ َ ْ ُ ْ َ ُ َ َ ٌّ َ ْ َ َ َ َ ُ ْ َ َ َ َ ُ ُ َ ْ
ور ِّة ال َب َق َر ِّة ل ْن ت ْق َرأ ِّب َح ْر ٍف ِّم ْن ُه َما ِّإال اب وخوا ِّتيم س ُوقال أب ِّشر ِّبنوري ِّن أو ِّتيتهما لم يؤتهما ن ِّبي قبلك فا ِّتحة ال ِّكت ِّ
أ ْع ِّط َيت ُه" .فهذا الحديث في ظاهره يدل على أن سورة الفاتحة وخواتيم سورة البقرة ،نزلت عن طريق ملك من
املالئكة وليس عن طريق جبريل عليه السالم.
ص به هذا ظاهر الحديث ،ولكن نوجه هذا الحديث كما وجهه العلماء أن امللكين جاءا بالبشارة بهما ،وبيان ما ُخ َّ
من بين سائر األنبياء ،والبشارة تكون قبل وجود الش يء ،أو يقال :نزول امللك بفضلها وثوابها ،أما نزول التالوة فهو
من طريق الروح األمين عليه السالم ،وأما قوله صلى هللا عليه وسلم في حديث ابن مسعود – رض ي هللا عنه – في
ً ُ
قصة اإلسراء واملعراج ،في صحيح مسلم ،قال" :فأعطي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ثالثا :أعطي الصلوات
ُ
قحمات" الحديث .فاملراد به - الخمس ،وأعطي خواتيم سورة البقرة ،وغ ِّفر ملن لم يشرك باهلل من أمته شيئا ،ال ُـم ِّ
َ َ َ َّ َ ُ َ ُ َّ ُ َ
اّلل ن ْف ًسا ِّإال ُو ْس َع َها ل َها َما ك َس َب ْت َو َعل ْي َها وهللا أعلم -أعطي إجابةالدعوات التي اشتملت عليها اآليتان﴿ :ال يك ِّلف
َ
ين ِّم ْن ق ْب ِّل َنا﴾...
َّ َ ْ
ص ًرا ك َما َح َمل َت ُه َعلى الذ َ َ َما ْاك َت َس َب ْت َرَّب َنا َال ُت َؤاخ ْذ َنا إ ْن َنس َينا َأ ْو َأ ْخ َط ْأ َنا َرَّب َنا َوَال َت ْحم ْل َع َل ْي َنا إ ْ
ِّ ُِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
ُ ْ
[ال َب َق َر ِّة ،]286 :فأعطي إجابة الدعوات التي اشتملت عليها اآليتان ،أو أعطي البشارة بهما وبما تضمنته من وضع
اآلصار واألغالل.
أكتفي بهذا القدر ونكمل بإذن هللا عز وجل في محاضرة قادمة.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون ،وسالم على املرسلين ،والحمد هلل رب العاملين ،وصلى هللا وسلم على نبينا
محمد.
قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات :مروة املاحي
قام باملراجعة األولى والتدقيق :أحمد عبد الرحمن
قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي :رئيفة درويش
اإلشراف العام على فريق العمل :رئيفة درويش
- 33 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
علوم القرآن
د .عمرعبد العزيزالدهيش ي
املحاضرة السابعة
بسم هللا الرحمن الرحيم ،الحمدهلل رب العاملين ،وصلى هللا وسلم على نبينا محمد ،وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد :فاستكماال ملا قد بدأناه في املحاضرة املاضية حول الكالم عن نزول القرآن الكريم ،وقبل أن نتكلم عن نزول
َّ
القرآن الكريم ،فقد ذكرنا ُم َسلمات عند أهل السنة والجماعة تتعلق بنزول القرآن ،ونتابع اليوم ذكر باقي هذه
املسلمات .مما ذكرنا في املحاضرة السابقة اآلتي:
َّ
املسلمة األولى :أن القرآن الكريم منزل من عند هللا عز وجل وليس بمخلوق ،وكذلك أن القرآن الكريم منزل من
عند هللا عز وجل وليس من جبريل -عليه السالم ،-وليس من الهواء ،أو من أي مخلوق كان ،بل هو منزل من عند
هللا عز وجل.
َّ
املسلمة الثانية :أن القرآن الكريم كله نزل عن طريق جبريل -عليه السالم ،-وقد ذكرنا أحاديث في ظاهرها أنه قد
وجهنا تلك األحاديث والحمد هلل. نزل بعض اآليات عن طريق غير جبريل -عليه السالم ،-وقد َّ
َّ
املسلمة الثالثة :أن نزول القرآن الكريم ابتدأ يوم االثنين
من املسلمات في نزول القرآن ،أن نزول القرآن الكريم ابتدأ في يوم اإلثنين ،ويشهد لهذا حديث أبي قتادة -رض ي
هللا عنه( -في صحيح البخاري) أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ُسئل عن صوم يوم اإلثنين؟ فقال"َ :و ُس ِّئ َل َع ْن
ََ ْ ٌ ُ ْ ُ َْ ُْ َ ََ ص ْوم َي ْوم اال ْث َن ْين َق َ َ َ َ ْ ُ ْ ُ َ
لفظ عند مسلم قال النبي ٍ وفي الحديث. " " ال" :ذاك يو ٌم وِّلدت ِّف ِّيه ويوم ب ِّعثت أو أن ِّزل ع ِّ ِّ
يه ف َّ
ي ل ِّ ِّ ِّ ِّ
علي فيه)" الحديث .وقال ابن حجر" :وأفاد شيخنا عثت (أو ُأنز َل َّ ويوم ُب ُ
لدت فيه ُ يوم ُو ُصلى هللا عليه وسلم " :ذاك ٌ
البلقيني أن سن النبيصلى هللا عليه وسلم حين جاءه جبريل في حراء كان أربعين سنة على املشهور ،وكان ذلك يوم
االثنين نها ًرا".
ً َّ
املسلمة الرابعة :مدة نزول القرآن كانت ثالثا وعشرين سنة :كم كانت مدة نزول القرآن على النبي صلى هللا عليه
وسلم؟ نزل القرآن الكريم من حين أوحي إلى النبي صلى هللا عليه وسلم في أول البعثة في غار حراء إلى وفاته صلى
هللا عليه وسلم ،منذ أن كان عمره أربعين سنة الى وفاته صلى هللا عليه وسلم وعمره ثالث وستين سنة ،على
الصحيح من أقوال العلماء في هذا األمر ،ففي الحديث الذي رواه مسلم عن أنس -رض ي هللا عنه -قال :
ً وتوفاه ُ
ُ وباملدينة َ بمكة َ َ ً بعثه ُ َ
أس ستين سنة " ِّ ر على هللا سنين عشر ِّ سنين عشر فأقام سنة بعين
ر أ أس
ِّ ر على هللا "
- 34 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
- 35 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
ً
واآليات التي وردت في القرآن الكريم التي تدل على نزول القرآن الكريم مفرقا :قال هللا تعالى:
[اإل ْس َر ِّاء ]106 :
ْ
﴾
َ َ ُ ْ َ َ َّ ْ َ ُ َ ْ ً
يالز نت اهنلز نو ث كم ىل ع اس َ ﴿ .1و ُق ْر ًآنا َف َر ْق َن ُاه ل َت ْق َ َرأ ُه َع َلى َّ
الن
ِّ ِّ ٍ ِّ ِّ
ُْ َْ َ َ َ َّ َ َ َ ُ َ ْ َ ُ َ َ َ ْ ْ ُ ْ ُ ُ ْ َ ً َ َ ً َ َ َ ُ َ َ ُ َ َ َ َ َ َّ ْ َ ُ َ ْ ً
﴿ .2وقال ال ِّذين كفروا لوال ن ِّزل علي ِّه القرآن جملة و ِّاحدة كذ ِّلك ِّلنث ِّبت ِّب ِّه فؤادك ورتلناه ترِّتيال﴾ [الفرق ِّان ]32 :
✓ أقوال العلماء في نزول القرآن الكريم
لتنوع داللة آيات نزول القرآن الكريم ،فإن للعلماء في نزول القرآن أقوال:
ً
القول األول :أن للقرآن الكريم نزوال واحدا:
َ ْ ُ َ َ َ َ َّ ُ ْ
ان ال ِّذي أن ِّز َل ِّف ِّيه بدأ في ليلة القدر وهي ليلة مباركة في شهر رمضان ،وعلى هذا تدل اآليات الثالث﴿ :شهر رمض
َ ْ َ َ َْ ْ القرآن [ ﴾..البقرة﴿ ،[185:إ َّنا َأ ْن َ ْزل َن ُاه في َل ْي َلة ُم َب َار َكة إ َّنا ُك َّنا ُم ْنذر َ
﴿إ َّنا أن َزل َن ُاه ِّفي ل ْيل ِّة الق ْد ِّر ﴾
ِّ ،] 3 [الدخان: ﴾ ين ِّ ِّ ٍ ِّ ٍ ِّ ِّ
[القدر ،]1:ثم نزل بعد ذلك منجما في أوقات مختلفة ،فليس للقرآن إال نزول واحد منجم على الرسول -صلى هللا
عليه وسلم.
القول الثاني :أن للقران الكريم نزولين :
-النزول األول :نزوله من اللوح املحفوظ في السماء السابعة إلى بيت العزة في السماء الدنيا جملة واحدة.
ً
-والنزول الثاني :نزوله بعد ذلك منجما على النبي صلى هللا عليه وسلم عن طريق جبريل-عليه السالم.
هذه املسألة ،أعني هذه املسألة تتعلق بأمر غيبي ،فكيف قال العلماء أن القرآن له تنزالن؟ مادليلهم؟ استدلوا
ْ ْ َ بحديث ابن عباس -رض ي هللا عنهما -ومن ذلك قوله رض ي هللا عنه"َ :ن َز َل القرآن في َل ْي َل ِّة ْال َق ْدر م َن َّ
الس َم ِّاء ال ُعل َيا ِّإلى ِّ ِّ ِّ
َ ََ ُ ْ ُّ ْ َ ُ َ ً َ َ ً ُ ُ َ
الس ِّن َين بعدَ ،و َتال ﴿فال أق ِّس ُم ِّب َم َوا ِّق ِّع النج ِّوم﴾ [الواقعة ،]75 :قال :نزل
ُ ُّ
السم ِّاء الدنيا ج ْملة و ِّاحدة ،ث َّم ف ِّرق ِّفي ِّ
َّ َ
مفرقا " .وقد وردت روايات كثيرة عن ابن عباس -رض ي هللا عنهما -بألفاظ مختلفة في هذه املسألة ،ومن ذلك :قوله
َ ْ ُ َ َ َ َ َّ ُ ْ
ان ال ِّذي أن ِّز َل ِّف ِّيه القرآن [﴾..البقرة [185:وعن قوله -رض ي هللا عنه -عندما سئل عن قوله تعالى ﴿:شهر رمض
ين﴾ [الدخان.]3: تعالى﴿ :إ َّنا َأ ْن َ ْزل َن ُاه في َل ْي َلة ْال َق ْدر﴾ [القدر ،]1:وعن قوله ﴿:إ َّنا أ ْن َ ْزل َن ُاه في َل ْي َلة ُم َب َار َكة إ َّنا ُك َّنا ُم ْنذر َ
َ
ً ُ ِّ ِّ ٍ ِّ ٍ ِّ ِّ ُ ِّ ِّ ِّ ِّ
ْ
مباركة جملة واحدة ثم أن ِّزل ً َ َ
ٍ ليلة
القدر في ٍ ِّ قال ابن عباس -رض ي هللا عنه" : -إنه قد أ ِّنزل في رمضان في ِّ
ليلة
ًَ ُْ ً
واأليام" .وفي رواية أخرى قال ابن عباس -رض ي هللا عنه" :-أن ِّز َل القر ُآن جملة ِّ الشهور
ِّ النجوم رسال في ِّ مواقع
ِّ على
ْ ً
السماء الدنيا".
ِّ واحدةحتى ُو ِّض َع في ْبي ِّت ال ِّع َّز ِّة في
ومن مجموع هذه الروايات عن ابن عباس -رض ي هللا عنه -نخلص إلى مايلي :
ً
أوال :أنه نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا ،كما هو صريح في تلك الروايات التي ذكرتها قبل قليل.
ثانيا :أن نزوله جملة واحدة كان إلى السماء الدنيا ،أنه وضع في بيت العزة في السماء الدنيا. ً
- 36 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
ً
ثالثا :أنه نزل بعد ذلك مفرقا ومنجما ،وهو نزول مستقل عن نزوله جملة واحدة ،وهذه نقطة مهمة ،وهو نزول
مستقل عن نزوله جملة واحدة.
هذا النزول املفرق واملنجم طريقته :أن هللا عز وجل تكلم سبحانه بهذه اآليات ،وسمعه جبريل -عليه السالم -من
هللا عز وجل مباشرة ،ونزل جبريل -عليه السالم -بها إلى النبيصلى هللا عليه وسلم ،وسمعه من جبريل؛ كما قال
ْ َ ﴿وإ َّن ُه َل َت ْنز ُ ْ َُ ْ َ َ َّ َ َ ُ َ َّ
يل َر ِّب ال َع ِّامل َين ِّ
َ َ
سبحانه وتعالى ﴿َ :وِّإنك لتلقى القرآن ِّمن لدن ح ِّك ٍيم ع ِّل ٍيم ﴾ [النمل ،]6:وقوله سبحانهِّ :
ين﴾ [الشعراء .]194-192:فجبريل -عليه السالم -أخذ القرآن وح ْاألم ُين * َع َلى َق ْلب َك ل َت ُكو َن م َن ْاملُ ْنذر َ
الر ُ * َن َز َل ب ِّه ُّ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
مباشرة ،سمعه من عند هللا عز وجل ،وأداه كما سمعه ،فمهمة جبريل -عليه السالم -هي الرسالة فقط ،هي الصلة
بين هللا عز وجل وبين محمد صلى هللا عليه وسلم ولهذا امللحظ استدل العلماء واستنبطوا من قوله سبحانه
ْ ُ َ ََ
وتعالىِّ ﴿ :إ َّن ُه لق ْو ُل َر ُسو ٍل ك ِّر ٍيم * ِّذي ق َّو ٍة ِّع ْن َد ِّذي ال َع ْر ِّش َم ِّك ٍين ﴾ [التكوير 19:ـ ،]20قالوا :املراد هنا جبريل -عليه
َ َ
﴿إ َّن ُه ل َق ْو ُل َر ُسو ٍل ك ِّر ٍيم﴾؟ قد يستدل مستدل أن هذا القرآن من عند السالم .-طيب ،كيف يقول هللا عز وجلِّ :
َّ ُ َ َ ْ ُ َ ُ َ
جبريل ،فنقول :ال ،قال هللا عز وجلِّ ﴿ :إنه لقول رسو ٍل ك ِّر ٍيم﴾ [التكوير ،]19 :وصف جبريل -عليه السالم -بأنه
رسول فقط ،والرسول مهمته أن يأخذ الحاجة ،فأي رسول كان ،نحن نفهم أن الرسول الذي يأخذ الحاجة من
شخص ويسلمها إلى شخص آخر ،وهذه هي مهمة الرسول ،سواء كانت حاجة ،أو كان كالما ،أو غير ذلك .هذه هي
َ َ
مهمة الرسول ،ولذلك قال هللا عز وجلِّ ﴿ :إ َّن ُه ل َق ْو ُل َر ُسو ٍل ك ِّر ٍيم﴾ [التكوير]19 :؛ مما يدل على أن مهمة جبريل هي
الرسالة فقط ،هي الصلة بين هللا عزوجل وبين رسوله صلى هللا عليه وسلم بهذا القرآن .فال يمكن أن يستدل
مستدل على أن هذا القرآن من عند جبريل ،كال ،فمهمة جبريل هي الصلة بين هللا عز وجل ورسوله صلى هللا عليه
وسلم .وفي هذا املقام أود أن أنبه إلى أنه رويت روايات أخرى ،تفيد أن النزول األول (نزوله جملة) ،والنزول الثاني
ً
(نزوله مفرقا) ،كالهما كان منجما ،يعني النزول األول كذلك كان منجما في عشرين سنة ،ولكنها حقيقة روايات
ونشعب الحديث في مثل هذا؛ ألن مستندهم حديث ضعفه العلماء. ِّ حكم عليها العلماء بالضعف ،وعليه فال نتكلم
وعليه:
الصحيح أن للقرآن نزولين :نزوله جملة واحدة إلى بيت العزة في السماء الدنيا ،ونزوله بعد ذلك مفرقا.
✓ ما الفرق بين النزولين للقرآن الكريم؟
قد يقول قائل ما أوجه اإلفتراق بين النزولين؟ نحن قررنا أن الصحيح ،والعلم عند هللا عز وجل أن القرآن نزل
مرتين :نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا ،ونزل مفرقا في ثالث وعشرين سنة ،فما الفرق بين النزولين؟
.1الفرق األول :أن النزول األول كان جملة واحدة وكيفيته مجهولة ،أما النزول الثاني فكان مفرقا في ثالث
وعشرين سنة نزل به جبريل -عليه السالم -أي:
- 37 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
-النزول األول :نزول كلي جملة واحدة ،أما كيفيته؟ ومن أنزله؟ وكيفية نزوله؟ هذه مجهولة؛ ألنها من
األمور الغيبية التي ال يجوز القول فيها إال بدليل .
-النزول الثاني :نزول منجم في ثالث وعشرين سنة ،نزل به جبريل -عليه السالم -وهذا هو الفرق األول.
.2الفرق الثاني :أن النزول األول الذي هو جملة واحدة إلى السماء الدنيا ،كان نزول من اللوح املحفوظ إلى
السماء الدنيا في بيت العزة ،وكان كله في ليلة واحدة ،وهي ليلة القدر في شهر رمضان .أما النزول الثاني وهو
النزول املفرق واملنجم،كان على قلب النبي صلى هللا عليه وسلم في ثالث وعشرين سنة إبتدأ في ليلة القدر في
نزول من اللوح املحفوظ إلى السماء رمضان ،ونزل في سائر أيام السنة وشهورها .إذن ،النزول األولُ :و ِّض َع ٌ
الدنيا في بيت العزة ،كما هو صريح في حديث ابن عباس -رض ي هللا عنه ،-أما النزول الثاني :فهو نزوله على
قلب النبي صلى هللا عليه وسلم في ثالث وعشرين سنة ،ابتدأ في ليلة القدر في رمضان ،ونزل في سائر أيام السنة
وشهورها .قد تنزل سورة كاملة على النبي صلى هللا عليه وسلم ،وقد تنزل عشرة آيات دفعة واحدة ،وقد تنزل
ْ َُُ ْ
﴿وكلوا َواش َرُبوا ﴿م َن ال َف ْج ِّر﴾ في قوله سبحانه:
خمس آيات دفعة واحدة ،بل قد ينزل بعض آية كقوله تعالىِّ :
ْ َْ ْ َ َ َّ َ َ َ َّ َ َ ُ ُ ْ َ ْ ُ ْ َ
ض ِّم َن الخ ْي ِّط األ ْس َو ِّد ِّم َن ال َف ْج ِّر﴾ [البقرة.]187 :
األ ْب َي ُ حتى يتبين لكم الخيط
.3الفرق الثالث :من الفروقات بين النزول األول (جملة واحدة) والنزول الثاني (مفرقا ومنجما) :أن النزول األول
نزول مسموع ،سمعه جبريل -عليه السالم -من ربه سبحانه ،وسمعه محمد نزول مكتوب ،والنزول الثاني ٌ ٌ
صلى هللا عليه وسلم من جبريل -عليه السالم -مباشرة
وهذا القول ،بأن للقرآن الكريم تنزلين :مرة جملة واحدة في السماء الدنيا في بيت العزة ،ومرة نزوله مفرقا ،هذا
هو األرجح واألقرب والذي رجحه جملة من العلماء -رحمهم هللا تعالى.-
ً ٌ أختم بتنبيه مهم ،وهو أن النزول األول للقرآن الكريم جملة واحدة هو ٌ
مستقل تماما عن نزوله في املرة نزول
الثانية ،فال نقول أن جبريل أخذه من السماء الدنيا في بيت العزة ،ال ،بل أخذه مباشرة .فالنزول األول :نزول
ٌ
مستقل تماما عن نزوله مفرقا .نزوله جملة واحدة هو من اللوح املحفوظ القرآن الكريم جملة واحدة هو ٌ
نزول
إلى السماء الدنيا .وهو مستقل تماما ،والنزول الثاني هو من عند هللا عز وجل إلى النبي صلى هللا عليه وسلم عن
طريق جبريل -عليه السالم.-
وفق هللا الجميع ملا يحب ويرض ى ،وصلى هللا وسلم على نبينا محمد .
- 38 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات :سعاد إبراهيم
قام باملراجعة األولى والتدقيق :أخ في هللا ،وإيمان عثمان
قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي :رئيفة درويش
اإلشراف العام على فريق العمل :رئيفة درويش
- 39 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
علوم القرآن
د .عمرعبد العزيزالدهيش ي
املحاضرة الثامنة
بسم هللا الرحمن الرحيم ،والحمد هلل رب العاملين ،وصل اللهم على نبينا محمد ،وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد،
أحيي الجميع بتحية اإلسالم ،السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته ،وأسأل هللا عز وجل لي ولكم التوفيق والتسديد.
نواصل الحديث في هذه املحاضرة املباركة بإذن هللا -عز وج ،عن علم نزول القرآن ،فحديثنا في هذه املحاضرة
موصول باملحاضرتين السابقتين اللتين خصصنا الحديث فيهما عن علم نزول القرآن .النقطة الرابعة في علم نزول
القرآن هي:
✓ الحكمة من نزول القرآن منجما
قد يقول قائل :إذا كان القرآن -وقد قررتم أنه -نزل منجما ،فما الحكمة في هذا؟ الكتب السابقة نزلت جملة
واحدة ،كما ذكره جملة من العلماء ،أما هذا القرآن نزل خالل 23سنة كما أقررناه في محاضرات سابقة ،فما
الحكمة من ذلك؟ الحكمة نلتمسها في عدة أمور منها:
.1الحكمة األولى :تثبيت قلب النبي صلى هللا عليه وسلم
وهذه هي الحكمة األساس في نزول القرآن منجما ،وهو صريح في ما جاء في كتاب هللا عز وجل ،في قوله تعالى في
َ َ َ َّ َ َ َ ُ َ ْ َ ُ َ َ َ ْ ْ ُ ْ ُ ُ ْ َ ً َ َ ً َ َٰ َ ُ َ َ ُ َ َ َ َ َ َّ ْ َ ُ َ ً
احدة ۚ كذ ِّلك ِّلنث ِّبت ِّب ِّه فؤادك ۖ ورتلناه ت ْرِّتيال﴾ سورة الفرقان﴿ :وقال ال ِّذين كفروا لوال ن ِّزل علي ِّه القرآن جملة و ِّ
[الفرقان .]32:هذه أظهر فائدة وأعظم حكمة من نزوله منجما .ولتثبيت قلب الرسول صلى هللا عليه وسلم
أوجه كثيرة ،ومنها:
-إخبار هللا عز وجل لنبيه صلى هللا عليه وسلم باألذى الذي حصل لألنبياء والرسل من قبله ،ولسان الحال
يقول :يا أيها النبي إن كان أصابك من األذى والتكذيب ما أصابك ،فقد جرى كذلك لألنبياء من قبلك ،ففيه
ص َب ُروا تثبيت وتطمين لقلب النبي صلى هللا عليه وسلم ،كما في قول هللا تعالىَ ﴿ :و َل َق ْد ُكذ َب ْت ُر ُس ٌل من َق ْبل َك َف َ
ِّ ِّ ِّ
َّ َ ْ ُْ َّ َ َ َ ٰ َ ُ ُ َ ُ ُ َ َّ ٰ َ َ ُ ْ َ ْ ُ َ َ َ ُ َ َ َ
اّلل َول َق ْد َج َاء َك ِّمن نب ِّإ املرس ِّلين﴾ [األنعام.]34:
َ َ
ِّ ات
ِّ َ
م لعلى ما ك ِّذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا وال مب ِّدل ِّل ِّ
ك
ْ ُ ُ َ َ
ص َب َر أولو ال َع ْز ِّم ِّم َن اصب ْر ك َما َْ
-أمره وحثه صلى هللا عليه َوسلم على الصبر :كما قال هللا -سبحانه وتعالى﴿ :-ف ِّ
َ َّ ْ َ ٌ َ ُّ ُ َ َ َ ْ َ ْ َّ ُ ْ َ َّ ُ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ ُ َ ُ َن َ ْ َ ْ َ ُ َّ َ َ ً
اعة ِّمن َّن َه ٍار َبالغ ف َه ْل ُي ْهل ُك ِّإال ال َق ْو ُم الرس ِّل وال تستع ِّجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدو لم يلبثوا ِّإال س
اس ُقون﴾ [األحقاف ]35:فإن أصابك األذى واالعتداء واإلعراض من املشركين ،فعالج ذلك الصبر ،وأنت يا
َ َْ
الف ِّ
محمد لم تصبر وحدك ،بل صبر األنبياء من قبلك عندما أوذوا.
- 40 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
-نهيه صلى هللا عليه وسلم عن الحزن والضيق :فإن الحزن والضيق يؤثر على الداعية كما يؤثر من باب أولى
َ َ َ َّ
على من رفع ودعا إلى هللا تعالى .نهى هللا عز وجل نبيه عن الحزن والضيق بقوله﴿:فل َعل َك َب ِّاخ ٌع َّن ْف َس َك َعل ٰى
َ َّ ْ ُ ٰ َ ْ َ َ
يث أ َس ًفا﴾ [الكهف ،]6:فال تحزن وال يضيق صدرك ،فأنت على الحق وقومك آثا ِّر ِّه ْم ِّإن ل ْم ُيؤ ِّمنوا ِّب َهذا الح ِّد ِّ
وأصحابك ومن سار على دربك هم على الحق ،وإن أصابهم ما أصابهم فإن العاقبة للمتقين ،كما قال سبحانه
َّ َ َ ْ َ َ َ َ َ ُ َْ َ َ ُ ْ َ ْ
اصط ِّب ْر َعل ْي َها ال ن ْسأل َك ﴿وأ ُم ْر أ ْهل َك ِّبالصال ِّة و ﴿وال َعا ِّق َبة ِّلل ُم َّت ِّق َين﴾ [القصص ،]33:وفي قوله تعالى: وتعالى:
ُ ْ ْ ً َ َ ُ ُ
ِّرزقا ن ْح ُن ن ْرزق َك َوال َعا ِّق َبة ِّل َّلت ْق َوى﴾ [طة.]132:
-تثبيت قلب النبي صلى هللا عليه وسلم وتبشيره بالنصر والتمكين :لك أن تتصور حال النبي صلى هللا عليه
ْ َْ َ َ ُ َ َ ن َ ْ ُ ُ ْ َ ُ ْ َ ٌ ُّ ْ َ ْ َ ُ َ
ض تخافون أن ِّ ر األ ي ف ن
وسلم وهو في مكة ،وهم َقلة مستضعفو ﴿واذكروا ِّإذ أنتم ق ِّليل مستضعفو ِّ
الطي َبات َل َع َّل ُك ْم َت ْش ُك ُر َ
َ َّ َ َ َ َّ َ ُ ُ َّ ُ َ َ ُ ْ َ َّ َ ُ َ ْ َ َ َ َ ُ
ون﴾ [األنفال ،]26:فمن أوجه ص ِّر ِّه ورزقكم ِّمن ِّ ِّ يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم ِّبن
تثبيت قلب النبي صلى هللا عليه وسلم تبشيره بالنصر والتمكين ،قال تعالى﴿ :وينصرك هللا نصرا عزيزا ويتم
نعمته عليك﴾ [الفتح ]3:وغير ذلك من اآليات املتضمنة تبشيره بأن هذا الدين قائم ومنصور بنصر هللا عز
وجل له وألتباعه.
هذه إملاحة سريعة لبعض األوجه التي فيها تثبيت قلب النبي صلى هللا عليه وسلم.
.2الحكمة الثانية :تيسيرحفظ القرآن الكريم وفهمه
فنزول القرآن الكريم منجما فيه تيسير للصحابة على حفظه ،أما نبينا صلى هللا عليه وسلم فقد تكفل هللا بحفظه
َ َ ُ ُ َ َ َ َ َْ َ ُ َ َ
في قلبه ،قال تعالىِّ ﴿ :إ َّن َعل ْي َنا َج ْم َع ُه َوق ْرآن ُه ( )17ف ِّإذا ق َرأن ُاه ف َّات ِّب ْع ق ْرآن ُه ( )18ث َّم ِّإ َّن َعل ْي َنا َب َيانه﴾ [القيامة-17:
ْ َ َ ْ ََ
﴿ول َق ْد َي َّس ْرنا ال ُق ْر َآن ِّل ِّلذك ِّر ف َه ْل ِّم ْن .]19إذن ،نزوله منجما فيه تيسير على الصحابة في حفظه وفهمه ،قال تعالى:
ُم َّد ِّك ٍر﴾ [القمر .]17:قال أبو شامة املقدس ي (ت665:هـ)" :كان النبي صلى هللا عليه وسلم أميا ال يكتب وال يقرأ،
ُ َ
ففرق عليه القرآن ليتيسر عليه فهمه ،ولو نزل جملة واحدة لتعذر حفظه في وقت واحد ،على ما أجرى هللا به من
عوائد خلقه".
.3الحكمة الثالثة :مسايرة الحوادث
فالنبي صلى هللا عليه وسلم بشر ،ويعيش بين البشر ،وحال البشر أن تحصل لهم بين الحين واآلخر حوادث أو
أسئلة أو اعتراضات أو نوازل ،فينزل القرآن ببيان حكم مسألة ما ،أو لجواب سؤال طرح على النبي صلى هللا عليه
وسلم أو سئل عليه ،وهذه األسئلة التي كانت توجه على النبي -صلى هللا عليه وسلم ،قد تكون:
- 41 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
قد تكون أسئلة فيما مض ى من القرون واألمم :كسؤال اليهود للنبي صلى هللا عليه وسلم عن رجل قد بلغ -
ْ َ َْ ُ ْ َ َُْ ََْ ُ ْ ُ ْ ََ ْ َُ َ َ َ
مشرق األرض ومغربها فأنزل هللا عز وجل﴿ :ويسألونك عن ِّذي الق ْرني ِّن قل سأتلو عليكم ِّمنه ِّذك ًرا﴾
[الكهف ]83:وسؤالهم عن فتية فقدوا في أول الزمان ،فأنزل هللا عز وجل قصتهم كاملة في سورة الكهف.
ْ َ َّ َ َُ َ
﴿ي ْسألون َك َع ِّن األ ِّهل ِّة﴾ [البقرة ،]189:وقوله عز قد تكون أسئلة حاضرة مشاهدة :ومن ذلك قوله تعالى: -
َ َ َ َُ َ
﴿و َي ْسألون َك َماذا ُي ِّنف ُقون﴾ [البقرة ،]219:ثم ينزل جبريل من عند هللا بآيات فيجيب عن اسئلتهم وجل:
ْ
اس َوال َح ِّج﴾ [البقرة.]189: يت ل َّ
لن ﴿ي ْس َأ ُل َون َك َعن ْاأله َّلة ُق ْل ه َي َم َواق ُ
َ َ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
اس َع ِّن الن ُ قد تكون أسئلة عن أمور مستقبلية :ومن ذلك سؤالهم عن الساعة ،وقد تكرر كثي ًرا ﴿ َي ْس َأ ُل َك َّ -
َّ َ ُ ْ َّ َ ْ ُ َ ْ َ َّ َ َ ُ ْ َ َ َ َّ َّ َ َ َ ُ ُ َ
اعة تكون ق ِّر ًيبا﴾ [األحزاب]63: اّلل وما يد ِّريك لعل الس الساع ِّة قل ِّإنما ِّعلمها ِّعند ِّ
تنبيه املسلمين إلى أخطائهم وإرشادهم إلى الصواب فيها :فهذا ثابت بن قيس وهو أحد الصحابة رض ي هللا -
َ َ ْ َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َ َ ْ َ ُ َ ْ َ َ ُ ْ َ ْ َق َ ْ َّ َ َ
الن ِّب ِّي َوال ت ْج َه ُروا ل ُه ِّبال َق ْو ِّل ك َج ْه ِّر عنهم ،ملا نزل قوله تعالى﴿ :يا أيها ال ِّذين آمنوا ال ترفعوا أصواتكم فو صو ِّت
ون﴾ [الحجرات ]2:قال :أنا الذي كنت أرفع صوتي فوق ط َأ ْع َم ُال ُك ْم َو َأ ُنت ْم َال َت ْش ُع ُر َ َْ ُ ْ َْ َ َ َْ َ
ض أن تحب بع ِّضكم ِّلبع ٍ
ُ
صوت النبي صلى هللا عليه وسلم وأنا من أهل النار فذ ِّك َر ذلك للنبي صلى هللا عليه وسلم فقال بل هو من أهل
الجنة ،فهذه الحادثة حدثت فنزلت هذه اآليات.
كشف حال املنافقين وهتك أستارهم حتى يحذرهم املسلمون ويأمنوا مكرهم وشرهم .املنافقون في العهد -
املدني كانوا كثر ،وكانوا يكيدون في الخفاء على املسلمين ويتربصون بهم الدوائر وعملوا ومكروا مكرا كبارا،
فينزل هللا عز وجل بين الحين واآلخر ما يبين ويكشف سترهم ويظهر خبايا نفوسهم .وقد روى سعيد بن جبير
قال :قلت البن عباس -رض ي هللا عنهما :-سورة التوبة .قال" :التوبة هي الفاضحة ،ما زالت تنزل ومنهم ومنهم
ً
حتى ظنوا أنها لم تبق أحدا منهم اال ذكر فيها".
.4الحكمة الرابعة :التدرج في التشريع وتربية األمة
لو نزل القرآن جملة واحدة فإن األحكام كلها ستكون في زمن واحد ،ولكن من حكمة هللا ورحمته بهذه األمة أن
القرآن نزل مفرقا منجما ،ليحصل هنالك تدرج في األحكام والتشريعات ،حتى تتروض النفوس وتتحمل التكاليف
صل ،ف َيها ذ ْك ُر َ
الج َّن ِّة َّ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ َ ْ ُ ُ َ ٌ َ ُ َ
األخرى ،وفي هذا يحضرنا قول عائشة -رض ي هللا عنها"ِّ :-إن َما نزل أول ما نزل ِّمنه سورة ِّمن املف َّ ِّ ِّ ِّ
َ ُ ََ َ ََ ْ َ َ َ َ الح َال ُل َو َ اس إ َلى اإل ْس َالم َن َز َل َ النارَ ،ح َّتى إ َذا َث َ
الح َر ُامَ ،ول ْو ن َز َل أ َّو َل ش ْي ٍء :ال تش َرُبوا الخ ْم َر ،ل َقالوا :ال ن َد ُع ِّ ِّ ِّ
اب َّ
الن ُ
ِّ ِّ
َو َّ
َ ْ َ ََ ً َ َ ْ َ َ َ َ َ ُْ َ َ ُ َ َ َ ُ َ َ
الزنا أ َب ًدا"
الخمر أبدا ،ولو نزل :ال تزنوا ،لقالوا :ال ندع ِّ
َ ٌ ٌ
الحك ِّم والفوائد من نزول القرآن منجما ،وال يمنع من ذكر حكم أخرى من نزول القرآن هذه إملاحة سريعة وأبرز ِّ
منجما.
- 42 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
- 43 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
فلننظر ونتأمل في هذين الحديثين ،وفي دالالتهما حتى نجمع بين القولين أو نرجح من خاللهما ،ولكن إذا تأملنا في
هذين الحديثين وتلك الحادثتان يترجح حديث عائشة رض ي هللا عنها في أن أول ما نزل على اإلطالق أوائل سورة
العلق .فما هي هذه املرجحات؟ نذكرها في املحاضرة التالية ان شاء هللا تعالى.
وفق هللا الجميع ملا يحب ويرض ى ،وصلى هللا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات :أخت في هللا
قام باملراجعة األولى والتدقيق :خلدون األتاس ي
قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي :رئيفة درويش
اإلشراف العام على فريق العمل :رئيفة درويش
- 44 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
علوم القرآن
د .عمرعبد العزيزالدهيش ي
املحاضرة التاسعة
بسم هللا الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العاملين ،وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد ،أحيي الجميع بتحية اإلسالم ،السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته ،وأسأل هللا عز وجل لي ولكم التوفيق
والتسديد ،وأسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح ،نواصل الحديث حول مسألة :أول ما
نزل من القرآن ،وقد ذكرت أن هناك حديثان نبويان صحيحان في أول ما نزل ،وقد اجتهد العلماء رحمهم هللا تعالى
في الجمع بين هذين الحديثين والتأمل في هذين الحديثين ،وخلصوا إلى أن أول ما نزل من القرآن على اإلطالق أوائل
سورة العلق ،بداللة حديث عائشة -رض ي هللا تعالى عنها.-
ترجح حديث عائشة -رض ي هللا تعالى عنها -في أن أول ما نزل من القرآن هو أول بعضا من املرجحات التي ِّ ولنذكر ً
ِ
خمس آيات من سورة العلق ،على حديث جابر -رض ي هللا تعالى عنه -وفيه أن أول ما نزل سورة املدثر:
ً ً
-أوال :قول النبي صلى هللا عليه وسلم في غار حراء" :ما أنا بقارئ" ثالثا ،يدل -وهللا أعلم -على أنه هو أول
ُْ َ ُْ
األمر ،أما في حديث جابر فأنزل هللا تعالى{َ :يا أ ُّي َها امل َّد ِّث ُر} [امل َّد ِّث ِّر ]1 :من دون مراجعة من النبي صلى هللا عليه
تاليا للنزول األول ،فالنبي صلى هللا عليه وسلم اعتاد على وسلم من نفي أو استفهام ،يدل على أن هذا النزول ً
َ َ ُّ َ ْ ُ َّ ُ ْ
[املُ َّ
اجعة من النبي صلى هللا عليه وسلم. ٍ ر م ن بدو ]1 :رنزوله فنزلت {يا أيها املد ِّثر} ِّ ِّ
ث د
ثانيا :قوله صلى هللا عليه وسلم في حديث عائشة -رض ي هللا تعالى عنها" :-لقد خشيت على نفس ي" ،والخوف ً -
والخشية ال يكونان إال بعد حصول ما هو مستغرب ومخالف للعادة ،وملا لم يحصل أي من ذلك في حديث
ْ َ ََ َّ {اق َ ْرأ ب ْ
اس ِّم َرِّب َك ال ِّذي خل َق} [ال َعل ِّق]1 :
ْ
جابر -رض ي هللا تعالى عنه -يدل على أن حديث عائشة في أول ما نزل
ِّ
هو أول ما نزل على اإلطالق.
ً
-ثالثا :قوله صلى هللا عليه وسلم في قصة نزول أول املدثر" :ثم فترعني الوحي فترة" ،يدل كذلك على أنه قد
سبق وأن جاءه قبل ذلك.
ابعا :قوله صلى هللا عليه وسلم" :فإذا امللك الذي جاءني بحراء" ،نص على أولية قصة غار حراء التي من -ر ً
خاللها نزل عليه أوائل سورة العلق.
خامسا :قوله صلى هللا عليه وسلم في حديث جابر" :فحمي الوحي وتتابع" يدل على تأخر الحادثة ،وأنها كانت ً -
بعد فترة الوحي.
- 45 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
ومن خالل ما سبق يترجح -وهللا أعلم -أن أول ما نزل من القرآن على اإلطالق هو أوائل سورة العلق ،وفي هذا
حكمة؛ حيث إن هذه اآليات الخمس اشتملت على مقاصد القرآن ،فهي منحصرة في علوم التوحيد واألخبار
ْ َ ََ َّ {اق َ ْرأ ب ْ
اس ِّم َرِّب َك ال ِّذي خل َق} [ال َعل ِّق ،]1 :وفي
ْ
واألحكام ،وقد اشتملت على األمر بالقراءة والبداءة فيها ،بـ "باسم هللا"
ِّ
هذا إشارة إلى األحكام ،وفيها ما يتعلق بتوحيد الرب وإثبات ذاته وصفاته ،وفي هذا إشارة إلى أصول الدين ،وفيها ما
ً يتعلق باألخبار ،وفيها ً
أيضا براعة االستهالل ،فهذه الحكمة – وهللا أعلم -من نزول هذه اآليات أوال.
✓ آخرما نزل من القرآن الكريم
نأتي اآلن إلى آخر ما نزل من القرآن .قررنا أن أول ما نزل هي أوائل سورة العلق ،لكن ما آخر ما نزل من القرآن؟
ً
ُ -روي عن النبي صلى هللا عليه وسلم حديث مرفوع أنه عليه الصالة والسالم قال" :املائدة من آخر القرآن تنزيال،
ُّ
فأحلوا حاللها ،وحرموا حرامها" ،إال أن الحديث مرسل وضعفه العلماء ،وعلى فرض صحته فيحمل على أن سورة
ً
املائدة من أواخر السور نزوال كما يدل عليه نص األثر "من آخر" ،وليست آخره ،وهللا أعلم.
وللعلماء في آخرما نزل من القرآن كله أقوال منها:
القول األول :روي عن عمر بن الخطاب -رض ي هللا تعالى عنه -وابن عباس -رض ي هللا تعالى عنهما -أن آخر ما نزل
ْ ْ ُ
الرَبا ِّإ ْن ك ْن ُت ْم ُمؤ ِّم ِّن َين} [ال َب َق َر ِّة،]278 : اّلل َو َذ ُروا َما َبق َي م َ
ن آية الربا ،وهي قوله تعالى{َ :يا َأ ُّي َها َّالذ َ
ين َآم ُنوا َّات ُقوا َّ َ
ِّ ِّ ِّ ِّ
ً
ومن األدلة على ذلك :ما رواه البخاري رحمه هللا في باب :واتقوا يوما ترجعون فيه إلى هللا ،عن ابن عباس -رض ي هللا
تعالى عنهما -قال :آخر آية نزلت على النبي صلى هللا عليه وسلم آية الربا.
وكذلك ما رواه اإلمام أحمد في مسنده ،وابن ماجه ،والبيهقي عن سعيد بن املسيب -رحمه هللا -قال عمر رض ي
هللا عنه" :إن آخر ما نزل من القرآن آية الربا ،وإن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قبض ولم يفسرها ،فدعوا الربا
والريبة" ،وفي لفظ" :إن من آخر ما أنزل آية الربا" ،هذا هو القول األول.
اّلل ُث َّم ُت َو َّفى ُك ُّل َن ْ َ َّ َ َّ ُ َ ْ ُ َ ُ َ
س َما ٍ ف القول الثاني :أن آخر ما نزل من القرآن هو قوله تعالى{ :واتقوا يو ًما ت ْرجعون ِّف ِّيه ِّإلى ِّ
َ َْ َ ْ َ َ
ك َس َب ْت َو ُه ْم ال ُيظل ُمون} [ال َبق َر ِّة ،]281 :واستدل أصحاب هذا القول بأدلة منها :ما رواه النسائي والبيهقي من طريق
ْ َ َ َّ َ َّ ُ َ ْ ُ َ ُ َ
اّلل}" [ال َبق َر ِّة: عكرمة عن ابن عباس -رض ي هللا عنهما -قال" :آخر ش يء نزل من القرآن{ :واتقوا يو ًما ت ْرجعون ِّف ِّيه ِّإلى ِّ
َ َّ ْ َ َّ ُ َ ْ ُ َ ُ َ
اّلل} [ال َب َق َر ِّة: ،]281ورواه الطبري بلفظ :آخر آية نزلت على النبي صلى هللا عليه وسلم{ :واتقوا يو ًما ت ْرجعون ِّف ِّيه ِّإلى ِّ
.]281
القول الثالث :إن آخر ما نزل من القرآن آية الدين ،وهي أطول آية في القرآن الكريم ،وهي قوله سبحانه وتعالى:
َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َ َ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ َ َ ُ َ ًّ َ ْ ُ ُ ُ ْ َ
وه} [ال َبق َر ِّة ،]282 :واستدل أصحاب هذا القول بما {يا أيها ال ِّذين آمنوا ِّإذا تداينتم ِّبدي ٍن ِّإلى أج ٍل مسمى فاكتب
- 46 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
نأتي اآلن إلى املوضوع السادس من موضوعات علم نزول القرآن ،وهو:
✓ نزول القرآن على النبي -صلى هللا عليه وسلم -على سبعة أحرف
إن القرآن نزل على النبي صلى هللا عليه وسلم أول ما نزل والنبي صلى هللا عليه وسلم في مكة ،وكان املسلمون آنذاك
قلة وغالبيتهم من قريش ،أو من القبائل القريبة منها ،فنزل القرآن بلغتهم ،أي بلهجتهم أي بلسانهم؛ بلسان قريش،
وكانت الحال ال تستدعي تعدد األحرف ،تعدد اللهجات ،تعدد اللسان ،ولكن بعد هجرة املصطفى صلى هللا عليه
وسلم إلى املدينة أصبحت املدينة مركز اإلسالم ومأرز اإليمان ،وبدأ القوم يهاجرون إليها من أصقاع األرض ،من
أنحاء جزيرة العرب ومن خارج جزيرة العرب ،بدأ القوم يهاجرون إليها ،فاجتمع في املدينة أصناف من قبائل العرب،
ً ُ
أفواجا ،فأصبح من الصعوبة بمكان وش ِّرع حينها جهاد الكفار واملشركين ،فبدأ الناس يدخلون في دين هللا تعالى
أن يقرأ أولئك القوم القرآن بلغة قريش؛ ألنهم اعتادت ألسنتهم على لهجتهم التي يتكلمون بها ،فيصعب عليهم
حينئذ أن يقرأوا القرآن بلسان قريش وبلهجة قريش ،فسأل النبي صلى هللا عليه وسلم وهو الرحيم بأمته عليه
الصالة والسالم -سأل ربه التخفيف والتيسير على أمته ،وحصلت اإلجابة من هللا عز وجل بنزول جبريل عليه
السالم ومعه ميكائيل.
وقد ورد تفسير ذلك في سنن النسائي ،ففي حديث أنس -رض ي هللا تعالى عنه ،-عن أبي بن كعب -رض ي هللا تعالى
عنه -قال" :ما حاك في صدري منذ أسلمت إال أني قرأت آية وقرأها آخر غير قراءتي ،فقلت أقرأنيها رسول هللا -صلى
هللا عليه وسلم ،فأتيت النبي صلى هللا عليه وسلم ،فقلت :يا نبي هللا أقرأتني آية كذا وكذا ،قال :نعم ،وقال اآلخر:
ألم تقرئني آية كذا وكذا ،قال :نعم ،ثم قال عليه الصالة والسالم :إن جبريل وميكائيل أتياني ،فقعد جبريل عن
يميني وميكائيل عن يساري ،فقال جبريل :اقرأ القرآن على حرف ،قال ميكائيل :استزده استزده ،حتى بلغ سبعة
كاف".
شاف ٍحرف ٍأحرف ،فكل ٍ
وفي الصحيحين عن ابن شهاب ،أن عمر بن الخطاب -رض ي هللا تعالى عنه -قال" :سمعت هشام بن حكيم يقرأ
سورة الفرقان في حياة النبي صلى هللا عليه وسلم ،فاستمعت لقراءته ،فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها
َّ
فلب ْبته
سلمَّ ، رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،فكدت أساوره في الصالة (أي :كدت أثب عليه) ،فتصبرت حتى
ُ
بردائه ،فقلت :من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ ،قال :أقرأنيها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،فقلت:
كذبت ،فإن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت ،فانطلقت به أقوده إلى رسول هللا صلى
هللا عليه وسلم ،فقلت :إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها ،فقال رسول هللا صلى هللا
عليه وسلم" :أرسله ،اقرأ يا هشام" ،فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرآ ،فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:
- 48 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
"كذلك أنزلت" .ثم قال" :اقرأ يا عمر" ،فقرأت القراءة التي أقرأني ،فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم" :كذلك
ُ
أنزلت ،إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه".
والذي يفهم من قوله صلى هللا عليه وسلم" :ما تيسرمنه" أنها رخصة للقبائل التي كانت ال تستطيع أن تكره ألسنتها
على لهجة قريش أو على اللهجة األصلية فيصعب عليها ،فجاء التيسير والتخفيف من رب العاملين لهذه األمة
املرحومة ،ولهذا واستجابة لدعوات نبيها أشرف األنبياء وخير املرسلين صلى هللا عليه وسلم ،فدل هذان الحديثان
على أن عدد الحروف سبعة ،ويقصد به العدد املعروف الذي بين الستة والثمانية ،وأن أي حرف منها يعد قر ًآنا،
وبأيها قرأ القارئ فهو مصيب ،هذه هي حقيقة األحرف السبعة.
تعريف األحرف السبعة:
يمكن تعريف األحرف السبعة بأنها :وجوه قرائية متعددة متغايرة منزلة .إذن ،هذه األحرف هي (وجوه قرائية) من
َ َّ َ
ات ت ْج ِّري ِّم ْن ُّ َ ُّ َ
القراءة من التالوة هذا يقرأَ { :والضحى} ،وهذا يقرأَ { :والضحى} باإلمالة ،هذا يقرأ قوله سبحانه{ :جن ٍ
َْ َ َ َّ َ َ ْ ْ َْ
ات ت ْج ِّري ت ْح َت َها األ ْن َه ُار} فهي وجوه قرائية متعددة ،وهي كذلك
تح ِّت َها األن َه ُار} في سورة التوبة ،وذاك يقرأ{ :جن ٍ
(متغايرة) ،وكلها (منزلة) قد تصل إلى سبعة أوجه في الكلمة الواحدة وال تتعداها ،كما في قوله سبحانه وتعالى:
َ َ َ َ َّ ُ َ ْ َ ُ
وت} [املا ِّئ َد ِّة ،]60 :ورد فيها سبعة{أف} [اإلسراء ]23 :ورد فيها سبعة أوجه ،كذلك في قوله عز وجل{ :وعبد الطاغ
أوجه ،قد تصل هذه األوجه املتعددة املتغايرة إلى سبعة أوجه في الكلمة وال تتعداها ،بأيها قرأت أيها القارئ تكون
قد قرأت قر ًآنا ،فهي وجوه قرآئية متعددة متغايرة منزلة ،قد تصل إلى سبعة أوجه في الكلمة وال تتعداها ،بأيها قرأت
ً
قدموا تكون قرأت قرآنا ،هذا هو تعريف هذه األحرف السبعة ،وهذا ظاهر إذا نظرنا في حال أولئك القوم الذين ِّ
إلى املدينة ،وقد تعودت ألسنتهم على لهجة وعلى لسان معين ،فينزل القرآن بالتخفيف والتيسير ،بأنه يجوز لك
أن تقرأ القرآن على لهجتك وبلسانك الذي اعتدت عليه.
هنا نقطة مهمة يجب أن ننتبه لها وهي :أن هذه األحرف السبعة ليست هي القراءات السبع ،فبينهما اختالف،
فاألحرف السبعة هذه كانت في عهد النبي صلى هللا عليه وسلم ،ثم بعد ذلك حصل نسخ لبعض تلك األحرف؛ كما
هو فيه داللة من عرض جبريل عليه السالم للنبي صلى هللا عليه وسلم في آخر حياته القرآن مرتين ،وفيه إشارة
وداللة على أن هذه العرضة -وهللا أعلم -هي التي ستبقى؛ ولهذا اعتمد عليها الصحابة ،على تلك العرضة األخيرة
التي عارض جبريل فيها النبي عليه الصالة والسالم القرآن مرتين ،وذلك في آخر سنة من حياته عليه الصالة
والسالم ،فعليه جمع أبو بكر -رض ي هللا تعالى عنه -القرآن في مصحف واحد ،وبقي عند عمر ،ثم بعد عمر -رض ي
هللا تعالى عنه ، -انتقل إلى بيت ابنته حفصة ،ثم بعد ذلك طلبه عثمان فنسخ هذا املصحف في مصاحف ،وقام
وعندئذ اختلفت القراءة ،فاألحرف هي ما ورد في العرضة األخيرة التي عارض جبريل فيها
ٍ بتوزيعه على األمصار،
- 49 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات :منيرة فهد
قام باملراجعة األولى والتدقيق :أحمد عبد الرحمن
قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي :رئيفة درويش
اإلشراف العام على فريق العمل :رئيفة درويش
- 50 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
علوم القرآن
د .عمرعبد العزيزالدهيش ي
املحاضرة العاشرة
بسم هللا الرحمن الرحيم ،والحمد هلل رب العاملين ،وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد ...هذه هي املحاضرة العاشرة ضمن مقرر علوم القرآن في برنامج السعدي .أحيي الجميع بتحية اإلسالم،
السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته ،وبإذن هللا عز وجل سنتدارس في هذه املحاضرة علما جديدا ،وهو علم أسباب
النزول.
علم أسباب النزول
بعد أن درسنا علم الوحي ،ودلفنا بعده إلى علم نزول القرآن ،وتكلمنا عن حقيقة نزول القرآن ،ومتى نزل وكيف
نزل والحكمة من نزوله منجما ،وكذلك أشرنا إشارة سريعة إلى موضوع نزول القرآن على األحرف السبعة ،وحقيقة
هذا النزول .نأتي اآلن إلى العلم الثالث من علوم القرآن وهو علم أسباب النزول.
القرآن الكريم ينزل بطريقين:
ابتداء من غير ارتباط بسبب من األسباب ،وهذا هو األصل ،وهو غالب القرآن الكريم ً .1الطريق األول :نزوله
َ ابتداء بدون سبب مثل قول هللا عز وجلُ { :ق ْل ُه َو َّ ُ
اّلل أ َح ٌد * َّ ُ
الص َم ُد} [االخالص،]1،2:وقوله اّلل َّ ً أن ينزل
َ ُ ْ َّ ُ َ َ َ َّ ُ َ ْ َ ُّ ْ َ ُّ ُ َ
ً
ابتداء وم ال َتأ ُخذ ُه ِّس َن ٌة َوال َن ْو ٌم} [البقرة .]255:فغالب القرآن الكريم أنه ينزل تعالى{ :اّلل ال ِّإله ِّإال هو الحي القي
َ
بالحكم التي ذكرناها في املحاضرات املاضية. في وقته الذي قدر هللا عز وجل نزوله في الوقت املناسب لنزوله؛ ِّ
ابتداء بدون سبب. ً هذا هو األصل والغالب في القرآن أنه ينزل نزوال
.2الطريق الثاني :نزول القرآن بسبب ،وهذه األسباب قد تكون بسبب سؤال ،قد تكون حادثة ،قد تكون نازلة
معينة؛ فينزل القرآن الكريم .وهذه هي التي يسميها العلماء بأسباب النزول ،وهي ما عناه املؤلفون في علوم
القرآن بأسباب النزول.
مثال :حادثة اإلفك حصلت وبقي النبي صلى هللا عليه وسلم شهرا وهو ُينال من ِّعرضه عليه الصالة والسالم،
َّ َّ َ َ ُ ْ ْ ُ ْ ٌ ُ َ
ص َبة ِّم ْنك ْم ال واشتد ذلك عليه صلى هللا عليه وسلم فنزل قول هللا عز وجل ِّ { :إن ال ِّذين جاءوا ِّب ِّ
اإلف ِّك ع
َ َُ َ ْ َ ُ ُ َ َُ
وه ش ًّرا لك ْم َب ْل ُه َو خ ْي ٌر لك ْم} [النور ،]11:اآليات العشر في من سورة النور .وهذه الحادثة هي سبب نزول تحسب
اآليات العشر التي في سورة النور.
هذا هو املراد سريعا بأسباب النزول.
- 51 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
اهتم العلماء -رحمهم هللا -بعلم أسباب النزول ،بل اجتهدوا في جمع أسباب النزول ،وفي ضبطها ،حتى قال ابن
مسعود رض ي هللا تعالى عنه" :والذي ال إله غيره ما نزلت آية إال وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت ،ولو أعلم ً
أحدا
أعلم بكتاب هللا مني تبلغه املطايا –يعني الرواحل مثل اإلبل وغيرها -ألتيته" ،ومثل قول علي رض ي هللا تعالى عنه:
"أيها الناس سلوني قبل ان تفقدوني .فوهللا ما بين لوحي املصحف آية تخفى علي ،فيما أنزلت وال اين نزلت وال ما
عني بها" .هذه اآلثار تدل على أن الصحابة رضوان هللا تعالى عليهم حريصون على جمع هذه األسباب ،وعلى العلم
بهذه األسباب ،كما سيأتي معنا بإذن هللا في األمثلة التي ستأتي في تضاعيف هذه املحاضرة واملحاضرات التي بعدها.
فالصحابة رضوان هللا عليهم اهتموا بهذه األسباب ،وكذلك -من باب أولى -من جاء بعدهم من التابعين وأتباعهم
إلى زمننا هذا.
تعريف أسباب النزول:
توصل به إلى غيره ،والجمع أسباب. ُ السبب في اللغة هو كل ش يء ُي
وسبب النزول في االصطالح :هوما نزلت اآلية متحدثة عنه أيام وقوعه ،ما نزلت اآلية أو اآليات أو السورة متحدثة
عنه ،عن هذه الحادثة ،أو عن هذا السؤال ،أو عن هذه النازلة أيام وقوعه؛ ليخرج لنا ما نزل بعد وقوعه مثل
ص َحاب ْالفيل * َأ َل ْم َي ْج َع ْل َك ْي َد ُه ْم في َت ْ
ض ِّل ٍيل} [الفيل .]1،2:هذه قصة الفيل ف َف َع َل َرُّب َك ب َأ ْ
ََ ْ َ َ َ ْ َ
قوله تعالى{ :ألم تر كي
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
وأصحاب الفيل كانت قبل بعثة النبي صلى هللا عليه وسلم ،فال نعد من أسباب نزول سورة الفيل قصة أصحاب
الفيل ،كال؛ فالبد أن يكون نزول اآليات املتحدثة عن سبب النزول في أيام وقوعه في وقت وقوعه ،وما قلنا في حال
وقوعه وإنما قلنا وقت وقوعه والذي قد يكون بعده بقليل ،قد يكون بأيام ،قد يكون بلحظات ،قد يكون كذلك
بأشهر ،كما هو واضح وظاهر في قصة حادثة اإلفك .فسبب النزول هو ما نزلت اآلية متحدثة عنه أيام وقوعه،
ومعان متقاربة تؤدي
ٍ هذا هو تعريف سبب النزول في االصطالح .وقيل غير ذلك ولكنها في الحقيقة أقوال متشابهة
نفس الغرض.
هذا السبب الذي نزل بسببه القرآن ونزلت بسببه اآليات قد يكون قوال ،وقد يكون فعال .وهذا القول قد يكون
ص َدر من النبي صلى هللا عليه وسلم ،وقد يكون صدر من الصحابة أو من غيرهم من املنافقين ومن أهل الكتاب َ
وغيرهم .ومن ذلك:
-أن النبي صلى هللا عليه وسلم كان يحب الوحي ،وكان يفرح بنزوله عليه فقال لجبريل عليه السالم" :لو تأتينا
َ َ َّ َ
أكثر مما تأتينا" ،فأنزل هللا عز وجلَ { :و َما ن َتن َّز ُل ِّإال ِّبأ ْم ِّر َرِّب َك} [مريم]64:؛ األمر ليس إلى جبريل وإنما هو من
عند هللا عز وجل.
- 52 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
كذلك ،كان عند النبي صلى هللا عليه وسلم ذات يوم أحد صناديد قريش وكبارهم ،وكان يدعوه إلى اإلسالم، -
فجاءه ابن أم مكتوم ،وهو رجل أعمى ،فسأل النبي صلى هللا عليه وسلم أن يعلمه الدين ،فأعرض النبي صلى
َّ َّ َ َ َ َ َ َ َّ َ ْ َ َ ُ ْ َ ْ َ َ َ ُ ْ َ َ َّ َّ
يك ل َعل ُه َي َّزكى * أو َيذك ُر هللا عليه و سلم عنه فأنزل هللا عز وجل{ :عبس وتولى * أن جاءه األعمى * وما يد ِّر
َََْ َ ُ ْ
الذك َرى} [عبس ،]4-1:هذا الفعل صدر من النبي صلى هللا عليه وسلم ،فنزلت أوائل سورة عبس. فتنفعه ِّ
فالسبب قد يكون قوال أو فعال صدر من النبي -صلى هللا عليه و سلم ،-أو قد يكون صدر من الصحابة رضوان -
هللا تعالى عليهم ،واألمثلة على ذلك كثيرة .أنا ال أريد أن أكثر من األمثلة ،لكن لعلنا نؤكد على بعض األمثلة التي
تتكرر معنا بين الحين واآلخر ،كما جاء في قصة عائشة رض ي هللا تعالى عنها في نزول آيات حادثة اإلفك.
ُْْ َّ َ َ ْ ُ َ ْ ُ َّ
ون املط ِّو ِّع َين ِّم َن املؤ ِّم ِّن َين ِّفي ص َدر من املنافقين عندما قال هللا عز وجل{ :ال ِّذين يل ِّمز كذلك قد يكون السبب َ -
يم} [التوبة.]79: اب َأ ِّل ٌ اّلل ِّم ْن ُه ْم َو َل ُه ْم َع َذ ٌ ين َال َيج ُدو َن إ َّال ُج ْه َد ُه ْم َف َي ْس َخ ُر َ
ون م ْن ُه ْم َسخ َر َّ ُ
ِّ ِّ
الص َد َقات َو َّالذ َ
َّ ِّ ِّ
ِّ ِّ
َ َ ْ َ ُ َ َ َ ُّ ُ
وح ق ِّل عز ُوجل{ :وي ْسألونك ع ِّن الر ِّ وقد يكون السبب من أهل الكتاب من اليهود والنصارى ،كما قال هللا -
َ ْ َ ُ َُْ َُ َ ُّ ُ َ
وح ِّم ْن أ ْم ِّر َرِّبي} [اإلسراءَ { ،]85 :و َي ْسألون َك َع ْن ِّذي ال َق ْرن ْي ِّن ق ْل َسأتلو َعل ْيك ْم ِّم ْن ُه ِّذك ًرا} [الكهف.]83 : الر
ماض ،وقد يكون عن أمر حاضر ،وقد يكون عن كما أن السؤال الذي بسببه تنزل اآليات قد يكون عن أمر ٍ
املستقبل .وأمثلة ذلك:
ْ َ ُ َ َ
ماض ،قال هللا عز وجلَ { :و َي ْسألون َك َع ْن ِّذي ال َق ْرن ْي ِّن} [سورة الكهف ،]83يسألونك عن الفتية أمر ٍ -سؤال عن ٍ
الذين أووا إلى الكهف ،فأنزل هللا عز وجل قصتهم كاملة في سورة الكهف؛
ُ َ َ ْ َ َّ َُ َ
أمر حاضر ،قال هللا عز وجلَ { :ي ْسألون َك َع ِّن األ ِّهل ِّة} [سورة البقرة ،]189وقال تعالىَ { :ي ْسألون َك -سؤال عن ٍ
َ َ
َماذا ُي ْن ِّف ُقون} [سورة البقرة ،]215
اع ِّة} [سورة األحزاب .]63 الس َ
اس َعن َّ الن ُ -سؤال عن املستقبل ،قال تعالىَ { :ي ْس َأ ُل َك َّ
ِّ
فأسباب النزول متعددة ،ومتعلقاتها متنوعة ،وأحوالها مختلفة ،إال أنها محصورة في زمان نزول القرآن فحسب؛
أسباب النزول مرتبطة بأيام نزول القرآن ،فلما انقطع الوحي انتهت األسباب بموت النبي -صلى هللا عليه و سلم،-
عمن نزل عليه القرآن ،أو عايش نزوله، وال سبيل لنا ُ
بعد إلى معرفة أسباب النزول إال من خالل النقل الصحيح َّ
ً ً
كالصحابة رضوان هللا تعالى عليهم ،أو من كبار التابعين وذلك بضوابط ،فأسباب النزول ليست تخمينا أو ظنا أو
عملية عقلية ،ال ،بل مصدرها الوحيد هو النقل عن النبي صلى هللا عليه و سلم فهو صلى هللا عليه وسلم من نزل
عمن عايش نزوله من الصحابة ،أو النقل عن كبار التابعين.عليه القرآن ،أو النقل َّ
وضع العلماء للنقل عن أقوال كبار التابعين في أسباب النزول ضوابط مشددة لقبولها واعتبارها ،ومن تلك
الضوابط:
- 53 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
- 54 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
هللا َ جل فقال :يا رسو َل هللا ! استغفر َ وسل َم ر ٌَّ صلى ُ َّ َّ َ َ
ملضر ِِّّ ِّ هللا عليه العظام .فأتى النبي هد .وحتى أكلوا من الج ِّ
ُ َّ َّ َّ َ ُ ْ َ َ َ ً َ َ ٌ َ
اب ق ِّليال "ملضر ؟ إنك لجرئ" قال فدعا هللا لهم .فأنزل هللا عز وجل ِّ :إنا ك ِّ
اشفوا العذ ِّ فإنهم قد هلكوا .فقال
ُ أصابتهم َّ ْ إ َّن ُك ْم َعا ِّئ ُدو َن [الدخان ] 15 :قال ُ
الرفاهية ،قال :عادوا إلى ما كانوا عليه .قال فأنزل فم ِّطروا .فلما ِّ
َ َ َ َ َ َّ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ َ ُ
هللا َّ
يم [الدخانَ ] 11 - 10 :ي ْو َم اب أ ِّل ٌ
اس هذا عذ ٌ الس َم ُاء بدخان ُمبين * يغش ى الن َ
ِّ ٍ ِّ ٍ
وجل :فا ْرت ِّق ْب َي ْو َم تأ ِّتي َّ
عز َّ
َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ْ َ َّ ُ ْ َ ُ َ
نب ِّطش البطشة الكبرى ِّإنا منت ِّقمون [الدخان ] 16 :قال :يعني يوم ٍ
بدر ".
ُ
فلو لم يرد لنا هذا السبب لم ُيعرف املنزل معناه على الخصوص دون التطرق لالحتماالت األخرى ،معرفتنا
بأسباب النزول يعيننا على معرفة معنى اآلية ،واملراد باآلية.
-كذلك من فوائد معرفة أسباب النزول :معرفتنا للحكمة التشريعية من تشريع هذا الحكم الذي ورد في
َ ْ َ َ َّ ُ َ َّ ُ ُ
اّلل ق ْو َل ال ِّتي ت َج ِّادل َك ِّفي َز ْو ِّج َها القرآن الكريم ،ومن ذلك قول هللا عز وجل في سورة املجادلة{ :قد س ِّمع
اّلل َي ْس َم ُع َت َح ُاو َر ُك َما إ َّن َّ َ اّلل َو َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ
اّلل َس ِّم ٌيع َب ِّص ٌير} [سورة املجادلة ،]1ننظر إلى أسباب النزول فنجد ِّ ِّ وتشت ِّكي ِّإلى
أنها قصة خولة بنت ثعلبة -رض ي هللا تعالى عنها -عندما ظاهر منها زوجها أوس بن الصامت فقال لها" :أنت
َ
علي كظهر أمي" ،فجاءت تشتكي إلى النبي صلى هللا عليه و سلم وتشكي له حالها ،فأنزل هللا عز وجل{ :ق ْد َّ
الل َـه َسم ٌيع َبص ٌير * َّالذ َ َ َ َّ ُ َ ْ َ َّ ُ َ ُ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َّ َ َّ ُ َ ْ َ ُ َ َ ُ َ ُ َ ۚ َّ َّ
ين ِّ ِّ ِّ س ِّمع اللـه قول ال ِّتي تج ِّادلك ِّفي زو ِّجها وتشت ِّكي ِّإلى الل ِّـه واللـه يسمع تحاوركما ۚ ِّإن
ْ َ َ ُ َ َّ َّ ُ ُ ُ َ ُ َ ُ
ون ِّمنكم ِّمن ِّن َس ِّائ ِّهم َّما ُه َّن أ َّم َه ِّات ِّه ْم ِّإ ْن أ َّم َه ُات ُه ْم ِّإال الال ِّئي َول ْد َن ُه ْم ۚۚ َوِّإ َّن ُه ْم ل َي ُقولو َن ُمنك ًرا ِّم َن ال َق ْو ِّل يظ ِّاهر
َْ َ َ َ ْ ُ َّ َ ُ ُ َ َ َ ُ َ ين ُي َظاه ُر َ ور * َو َّالذ َ الل َـه َل َع ُف ٌّو َغ ُف ٌ
َ ُ ً ۚ َ َّ َّ
ودون ِّملا قالوا ف َت ْح ِّر ُير َرق َب ٍة ِّمن قب ِّل أن ون ِّمن ِّنس ِّائ ِّهم ثم يع ِّ ِّ وزورا ۚ وِّإن
َ ُ َ َ َّ َ َ َ َّ ۚ َٰ ُ ْ ُ َ ُ َ
وعظون ِّب ِّه ۚۚ َوالل ُـه ِّب َما ت ْع َملون خ ِّب ٌير} [املجادلة ]3-1 :اآليات ،فمعرفتنا بسبب النزول تعين يتماسا ۚ ذ ِّلكم ت
على معرفة الحكمة من التشريع.
-معرفتنا أسباب النزول تعيننا على فهم اآلية وتفسيرها ،وكذلك على دفع اللبس واإلشكال عن معناها ،اآلية
قد تكون لها دالالت متعددة وأوجه متنوعة .فعندما نعرف سبب النزول ،فذلك يعين على فهمها ودفع اللبس
َ َ ُ ُّ َ َ ل َ َّ ْ َ ْ ُ ْ َ ْ
ّلل املش ِّرق َواملغ ِّر ُب فأ ْي َن َما ت َولوا فث َّم َو ْج ُه واإلشكال عن معناها ،وباملثال يتضح املقال؛ هللا عز وجل يقو { :وِّ ِّ
َّ
اّلل} [سورة البقرة ،]115قد يقول قائل أنا أريد إذا أردت الصالة سواء صليت إلى إتجاه القبلة أو إلى الشمال ِّ
َّ ل َ َّ ْ َ ْ ُ ْ َ ْ َ َ ُ ُّ َ َ
ّلل املش ِّرق َواملغ ِّر ُب فأ ْي َن َما ت َولوا فث َّم َو ْج ُه اّلل. أو إلى الجنوب أو إلى الشرق أو إلى الغرب فاهلل عز وجل يقو :وِّ ِّ
هل هذا هو املراد؟ كال ،كيف علمنا أن هذا غير مراد؟ بمعرفتنا بسبب النزول ،ما هو سبب النزول يا ترى؟
حديث جابر رض ي هللا تعالى عنهما في سنن البيهقي:
َ ُ ٌ وسل َم سرَّي ًة ُك ُ َّ بعث رسو ُل َّ َّ َّ ُ َ
فأصابتنا ظلمة ،فلم نت فيها ، عليه
اّلل صلى اّلل ِّ ِّ قال جابر رض ي هللا عنه" :
ُ ًّ ُّ ُّ ُ ُ َ َ َّ ٌ َّ َ َ َ
بعض ُه ُم: َ
وقال مال ،فصلوا وخطوا خطا، القبلة هاهنا ِّقبل الش ِّ
القبلة ،فقالت طائفة منا ِّ عرف ِّ
ن ِّ
- 55 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات :راجية الجنان
قام باملراجعة األولى والتدقيق :أخ في هللا
قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي :رئيفة درويش
اإلشراف العام على فريق العمل :رئيفة درويش
- 56 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
علوم القرآن
د .عمرعبد العزيزالدهيش ي
املحاضرة الحادية عشرة
بسم هللا الرحمن الرحيم ،الحمدهلل رب العاملين ،وصلى هللا وسلم على نبينا محمد ،وعلى آله ،وصحبه أجمعين،
وبعد :هذه املحاضرة الحادية عشرة من محاضرات مقرر علوم القرآن ،ضمن برنامج السعدي .أحيي الجميع بتحية
اإلسالم ،السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته ،وأسأل هللا عز وجل لي ولكم التوفيق والتسديد ،وأسأله سبحانه
وتعالى أن يرزقنا العلم النافع ،والعمل الصالح .اللهم ال علم لنا إال ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
نواصل الحديث بإذن هللا عز وجل في هذه املحاضرة ،ما قد بدأناه في املحاضرة السابقة من الحديث عن فوائد
معرفة أسباب النزول ضمن دراستنا لعلم أسباب النزول .من فوائد معرفة أسباب النزول اآلتي:
-أن اللبس يزول عندما نعرف سبب نزول تلك اآلية أو اآليات ،فمعرفة أسباب النزول تزيل اإلشكاالت،
واللبس الحاصل في بعض اآليات ،أو في فهم بعض اآليات التي أنزلها هللا عز وجل ومن تلك األمثلة :قول هللا عز
َ َ َّ َ َ ْ َ َّ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ َ ُ َ َ َ َ َّ َ َ َ َّ َّ َ َ ْ َ َ َ
اح َعل ْي ِّه أن َيط َّوف ِّب ِّه َما ۚ َو َمن تط َّو َع اّلل ۖ فمن حج البيت أ ِّو اعتمر فال جن الصفا وامل ْروة ِّمن شعا ِّئ ِّر ِّ وجل ِّ { :إن
ََ ُ َ َ َ اّلل َش ِّاك ٌر َع ِّل ٌ َخ ْي ًرا َفإ َّن َّ َ
اح َعل ْي ِّه} ،ومن املعلوم واملتقرر أن يم} [البقرة .]158:قال هللا عز وجل هنا{ :فال جن ِّ
السعي بين الصفا واملروة هو من الواجبات في الحج والعمرة ،وهللا عز وجل نفى الجناح هنا .وهذا اإلشكال،
وهذا اللبس حصل لعروة بن الزبير -رض ي هللا تعالى عنه -يخبرنا هو بقوله:
ُ َّ َّ َ " ُ
هللا تبا َرك وتعالى ِّ { :إ َّن صلى ُ
-
- 57 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
-من فوائد معرفة أسباب النزول :معرفة من نزلت فيه اآلية بعينه ،حتى ال ُي َب َّرأ املتهم ،أو ُي َت َهم البرىء ،وحتى ال
يزعم أحد أن املراد بالذم في هذه اآلية هو فالن من الصحابة ،أو غيرهم ،وهو بريء من ذلك ،أو ينسب إلى
واليا على الحجاز في آخر صفات مدح في آية ،واملراد بها غيره ،ومن ذلك :أن مروان بن الحكم ،وكان في وقتها ً
زمن معاوية -رض ي هللا تعالى عنه -قد استعمله على الحجاز خطب الناس ،وجعل يذكر يزيد بن معاوية ،يذكره
في الخطبة ويثني عليه ،لكي يبايع له بعد أبيه ،فقال له عبدالرحمن بن أبي بكر -رض ي هللا تعالى عنه -شيئا،
وقال له كالما في ذلك ،فقال مروان :خذوه؛ أي إيتوا به -وهو الوالي -فهرب عبدالرحمن بن أبي بكر ،ودخل في
بيت عائشة ،في بيت أخته -رض ي هللا تعالى عنهما -فلم يقدروا عليه .فقال مروان :إن هذا الذي أنزل هللا فيه:
َ ْ َ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ
اّلل َو ْيل َك ِّآم ْن ِّإ َّن ال ل َوال َد ْيه ُأف َّل ُك َما َأ َتع َدانني َأ ْن ُأ ْخ َر َج َو َق ْد َخ َلت ْال ُق ُر ُ َ َّ َ
ون ِّمن قب ِّلي وهما يست ِّغيث ِّان ِّ ِّ ِّ ِّ { وال ِّذي ق َ ِّ ِّ ِّ ٍ
َْ اّلل َح ٌّق َف َي ُقو ُل َما َٰه َذا إ َّال َأ َ
َ ْ َ َّ
اط ُير األ َّوِّل َين} [األحقاف ]17:اآلية ،فقالت عائشة من وراء الحجاب ،وهي في ِّ س ِّ وعد ِّ
غرفتها و في بيتها" :كال ما أنزل هللا فينا شيئا من القرآن إال أن هللا أنزل عذري" .هذا الحديث رواه اإلمام البخارى
ونصه:
َُ ََ ُ َ َ َ َ ُ ْ َ ُ َ " َ
أبيه ، فجعل يذك ُر ِّيزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد ِّ َ استعمل ُه معاوية ،فخط َب َ الحجاز،
ِّ كان َم ْر َو ُان على
فقال َم ْر َو ُانَّ :إن هذا فلم ْيق ِّدرواَ ، بيت عا ِّئ َش َة ْ فدخ َل َ َ َ ُ ُ
فقال :خذ ُوه، بن أبي بكر ً
شيئا، عبد الرحمن ُ فقال ُله ُ َ
ٍ ِّ
عائشة من وراء الح َ ُ ْ ال ل َوال َد ْيه ُأف َل ُك َما َأ َتع َ فيه{َ :و َّال ِّذي َق َ َ ُ
اب ِّ ج ِّ ِّ فقالت ي}. نِّ ن
ِّ ا د ِّ ٍ ِّ ِّ ِّ الذي أنزل هللا ِّ
ْ
هللا أنز َل ُعذ ِّري" شيئا من القرآن َّ ،إال َّأن َ فينا ً هللا َ :ما أنز َل ُ
ِّ
جاء قول عائشة رض ي هللا عنها لتنفي التهمة التي اتهم مروان بها عبد الرحمن بن أبي بكر ،فقالت :كال ما أنزل
هللا فينا شيئا من القرآن إال عذرى فقط ،فمعرفة سبب النزول فيه تبرئة للمتهم ،وكذلك أال يتهم البريء.
أسماء مبهمة ،أو إشا ٌ
ات ٌ آيات منه،
ر -من فوائد معرفة أسباب النزول :تعيين املبهم ،قد يرد في القرآن الكريم ،في ٍ
مبهمة ،فمعرفتنا ألسباب النزول ،وما ذكره الصحابة -رض ي هللا عنهم -في معنى هذه اآلية من حادثة ،أو من
مبهما .مثاله :ما أخرجه البخاري عن البراء ظاهرا بعد أن كان ًً سؤال ،نعرف بها معنى هذا املبهم ،ويصبح لنا
َ َ َّ ُ ْ َ ْ َ ُ َّ َ ُ َ ْ ََ َ َ ُ ُ ُّ َ َ ُ َ َّ
اس} -وهم اليهود{ -ما والهم عن ِّقبل ِّت ِّهم ال ِّتي كانوا عليها} رض ي هللا عنه قال{ :سيقول السفهاء ِّمن الن ِّ
[البقرة ،]142:البراء رض ي هللا عنه فسر السفهاء بأنهم اليهود .فمعرفة أسباب النزول تدلنا وتعيننا على معرفة
املبهم من األسماء ،أو من األوصاف ،أو من الدالالت ،من كتاب هللا عز وجل .هذه مجمل فوائد معرفة أسباب
النزول.
- 58 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
- 59 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
أن هذه الواقعة ،أن هذه النازلة ،تدخل ضمن هذه اآلية ،فقوله :فأنزل هللا ،فنزلت ،ال يدل على أن هذا سبب
النزول ،و لكن ليبين أن هذه الحادثة تدخل ضمن قوله تعالى في أي آية كانت ،وباملثال يتضح املقال:
َ
مثال ذلك :ما ورد في قصة اللعان ،في صحيح البخاري ،عن سهل بن سعد الساعدي-رض ي هللا عنه" :-أ َّن ُع َو ْي ِّم ًرا،
ً َ ُ َ ُ َ َ َ ََ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ
ال :ك ْيف ت ُقولون ِّفي َر ُج ٍل َو َج َد َم َع ْام َرأ ِّت ِّه َر ُجال ،أ َي ْق ُتل ُه ف َت ْق ُتلون ُه ،أ ْم اصم بن ع ِّد ٍي وكان س ِّيد ب ِّني عجالن ،فق أتى ع ِّ
َ
هللا َعل ْي ِّه َو َس َّل َمَ ،ف َق َ ص َّلى ُ َ
هللا َعل ْيه َو َس َّل َم َع ْن َذل َكَ ،فأ َتى َع ٌ َّ َ ص َّلى ُ ُ َ َّ َْ َ َ َُْ َ
الَ :يا النب َّي َ
اصم ِّ ِّ ِّ ِّ
اّلل َ
كيف يصنع؟ س ْل ِّلي َرسول ِّ
َّ َ ُ َ َّ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ ُ َ ْ ٌ َ َ َ َّ َ ُ َ َّ َ َّ ُ َ
هللا َعل ْي ِّه َو َسل َم اّلل صلى اّلل صلى هللا علي ِّه وسلم املسا ِّئل ،فسأله عوي ِّمر ،فقالِّ :إن رسول ِّ اّلل فك ِّره رسول ِّ رسول ِّ
َ َ َّ َ َّ ُ َ َّ َ َ
ْ َ َ َّ ْ َ َ َ ُ َ ْ َ َّ َ َ َ
هللا َعل ْي ِّه َو َسل َم َع ْن ذ ِّل َك ،ف َج َاء ُع َو ْي ِّم ٌر، صلى ُ اّلل َ
اّلل ال أنت ِّهي حتى أسأ َل َرسول ِّ ال عوي ِّم ٌر :و ِّ ك ِّر َه امل َسا ِّئ َل َو َع َاب َها ،ق
َ َ َ َ َ ُ َ َّ َ ُ ٌ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ ُ ً َ َ ْ ُ ُ ُ َ َ ْ ُ ُ َ ُ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ُ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ ُ َ
هللا َعل ْي ِّه اّلل صلى اّلل رجل وجد مع امرأ ِّت ِّه رجال أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع؟ فقال رسول ِّ فقال :يا رسول ِّ
َ ُ ْ
هللا َعل ْيه َو َسل َم باملال َع َنة ب َما َس َّمى َّ ُ َّ َ صلى ُ َّ اّلل َ َ َ ُ َ َ ُ ُل َّ َ َ صاح َبت َ يك َوفي َ الق ْر َآن ف َ َو َس َّل َمَ « :ق ْد َأ ْن َز َل َّ ُ
اّلل ُ
اّلل ِِّّ ِّ ِّ ِّ و سر ام هر م أ ف ، » ك ِّ ِّ ِّ ِّ
ْ َ َُ َ َ ُ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ َّ َ َ َ َ ُ َ َّ ْ َ َ ْ ُ َ َ َ ْ َ َ ْ ُ َ َ َ َّ َ َ َ َ َ ْ ُ َّ ً َ ْ َ
اّللِّ ،إن حبستها فقد ظلمتها فطلقها ،فكانت سنة ِّملن كان بعدهما ِّفي املتال ِّعني ِّن، ِّفي ِّكت ِّاب ِّه فالعنها ،ثم قال :يا رسول ِّ
َ َّ ُ َّ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ ْ ُ ُ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ
يم األل َي َت ْي ِّن ،خ َدل َج اّلل صلى هللا علي ِّه وسلم« :انظروا ف ِّإن جاءت ِّب ِّه أسحم ،أدعج العيني ِّن ،ع ِّظ ثم قال رسول ِّ
َّ َ َ َ ٌ َ ََ ََ ُ َ الس َاق ْينَ ،ف َال َأ ْحس ُب ُع َو ْيم ًرا إ َّال َق ْد َ
ص َد َق َعل ْي َهاَ ،وِّإ ْن َج َاء ْت ِّب ِّه أ َح ْي ِّم َر كأ َّن ُه َو َح َرة ،فال أ ْح ِّس ُب ُع َو ْي ِّم ًرا ِّإال ق ْد كذ َب ِّ ِّ ِّ ِّ
َّ
ْ
ان َب ْع ُد ُين َس ُب صديق ُع َو ْيمرَ ،ف َك َ هللا َع َل ْيه َو َس َّل َم م ْن َت ْ ص َّلى ُ اّلل َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َّ ْ َّ َ َ َ َ ُ ُل َّ
عليها» ،فجاءت ِّب ِّه على النع ِّت ال ِّذي نعت ِّب ِّه رسو
ٍِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
َ ُ
ِّإلى أ ِّم ِّه"
الشاهد في الرواية" :قد أنزل هللا القرآن فيك وفي صاحبتك" ماذا قال العلماء -رحمهم هللا تعالى -حول قصة وسبب
نزول آيات اللعان؟ يقول النووي :جمهور العلماء على أن سبب نزولها هي قصة هالل بن أمية ،وليست قصة عويمر
العجالني .واستدلوا بالحديث الذي ذكره اإلمام مسلم في قصة هالل ،وكان أول رجل العن في اإلسالم .قال املاوردي
من أصحابنا في كتاب الحاوي :قال األكثرون قصة هالل بن أمية أسبق من قصة العجالني ،ومع ذلك قال النبى
صلى هللا عليه وسلم "قد أنزل هللا فيك وفي صاحبتك" هذه صيغة صريحة ،وليس املراد بها سبب النزول ،ولكن
َ ين َي ْر ُمو َن َأ ْز َو َ
اج ُه ْم َول ْم املراد بها التفسير .أن الحادثة التي وقعت لك يا عويمر تدخل في قول هللا عز وجلَ { :و َّالذ َ
ِّ
الص ِّاد ِّق َين} [النور .]6:ومما يشهد لهذا اّلل ۙ إ َّن ُه َ ِّمل َن ََّّ
ب ات َي ُكن َّل ُه ْم ُش َه َد ُاء إ َّال َأ ُنف ُس ُه ْم َف َش َه َاد ُة َأ َحده ْم َأ ْرَب ُع َش َه َ
اد
ِّ ِّ ِّ ٍ ِّ ِّ ِّ
ُ
القول؛ أنه وردت رواية أخرى عند البخاري ،وفيها أن النبى صلى هللا عليه وسلم قال له" :قد قض ي فيك وفي
امرأتك" للداللة على الحادثة التي سبقت حادثة عويمر العجالني ،وهي حادثة هالل بن أمية.
هذه الصيغ الصريحة :فأنزل هللا ،فنزلت ،يقولها الصحابي ،أو كبار التابعين بعد حادثة تقع.
- 60 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
- 61 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
في القبر ،فقوله صلى هللا عليه وسلم نزلت في عذاب القبر ،أو في سؤال امللكين ،أن هذه اآلية تشمل هذا املعنى ،أى
من باب التفسير ،و ليس من باب أسباب النزول.
الخالصة في صيغ أسباب النزول( :وهذه مهمة تأملوها) ،أنه ال يوجد صيغة محددة ألسباب النزول سواء كانت
صريحة أم غير صريحة ،إما لعدم الدليل عليه ،وإما الضطراب األساليب املستعملة في ذلك ،واختالفها،
وتناقضها من حيث التطبيق .وإن كانت مادة نزل التي وردت في األحاديث واآلثار داللة قوية على أسباب النزول،
ولكن ال يحكم بها إال إذا تحققت األركان التي تعرف بها أسباب النزول ،ومن هذه األركان:
-أن يكون الحدث جديدا ،ما يكون حدث سابق كقصة أصحاب الفيل ،أو كقصة ثمود ،أو عاد ،أو قصة نوح ،أو
قصة موس ى ،البد أن يكون حدثا جديدا.
-املوافقة بين اللفظين؛ لفظ اآلية ولفظ الحديث ،فال بد أن يكون بينهما قدر مشترك من األلفاظ واملعاني ،ولهذا
يقال السؤال معاد فى الجواب ،وذلك ملا بينهما من الصلة.
-سياق اآليات ،وأعني بها اآليات التي تسبق موضع النزول وتتبعه ،فهذه ال بد أن تكون في موضوعها وخطابها غير
مخالفة للسبب في أصله وخطابه ،فلو كان على سبيل املثال سياق اآليات في أهل الكتاب ،ما صح أن يكون السبب
في آية منه نازال في املشركين.
-مراعاة التاريخ بين السبب والنزول ،فالسبب ال يتأخر عن النزول إال لحكمة إلهية ،وفي أمثلة معروفة ،فإذا وقعت
املباعدة بينهما علمنا أنها ليست بسببها ،مثال الحادثة تقع في مكة ثم نقول هذه -وهى آية مدنية -نزلت بسبب تلك
الحادثة ،هذا مما يبعد هذا االحتمال ،وهو ال بد من األركان أن يكون هناك مراعاة للتاريخ بين الحادثة وسبب
النزول.
-ومن األركان :صحة السند.
وفق هللا الجميع ملا يحب ويرض ى ،وصلى هللا وسلم على نبينا محمد.
قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات :غادة عالء الدين محمود
قام باملراجعة األولى والتدقيق :أخت في هللا
قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي :رئيفة درويش
اإلشراف العام على فريق العمل :رئيفة درويش
- 62 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
علوم القرآن
د .عمرعبد العزيزالدهيش ي
املحاضرة الثانية عشرة
بسم هللا الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العاملين ،وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد ،فهذه هي الحلقة الثانية عشرة من الحلقات املتعلقة بمقرر علوم القرآن ،وفي هذه الحلقة بإذن هللا عز وجل
سنواصل الحديث عن علم أسباب النزول ،وقد سبق أن تكلمنا عن تعريف السبب وما املراد بأسباب النزول ،وما
هي الصيغ الصريحة وغير الصريحة ،وكيف التعامل معها ،وعن فوائد معرفة أسباب النزول ،وغير ذلك من
املسائل املتعلقة بهذا العلم .وفي هذه املحاضرة بإذن هللا تعالى سنتكلم عن مسائل جديدة وهي:
✓ مسألة تعدد السبب والنازل واحد
قد تتعدد األسباب ،وتنزل آية أو آيات نزوال واحدا لعدة أسباب ،فاآلية أو اآليات التي نزلت إنما نزلت ألسباب عدة،
مثال واحد وهو عند قوله سبحانه وتعالى: ولهذه املسألة أمثلة ذكرها العلماء في كتبهم ،وأكتفي بذكر ٍ
يت ل َّ األه َّلة ُق ْل ه َي َم َواق ُ َ ْ َُ َ َ َ ْ َ
اس[ ،﴾...البقرة ،]189:فعن البراء بن عازب -رض ي هللا عنه -قال" :نزلت ِّ لن ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ﴿يسألونك ع ِّن
هذه اآلية فينا ،كانت األنصار إذا حجوا فجاءوا لم يدخلوا من ِّق َبل أبواب بيوتهم ،ولكن من ظهورها ،فجاء رجل
ْ َ
ور َها َول ِّك َّن ال ِّب َّر َم ِّن وت ِّم ْن ُظ ُ
ه س ْالب ُّر ب َأ ْن َت ْأ ُتوا ْال ُب ُي َ ...و َل ْي َ
من األنصار فدخل من قبل بابه فكأنه ُعير بذلك فنزلت ﴿ َ
ِّ ِّ ِّ
ْ َ َّ َُ َ َّ َ َ ْ ُ ْ ُ ُ َ َ
وت ِّم ْن أ ْب َو ِّاب َها﴾ [البقرة ."]189:هذا الحديث رواه البخاري ومسلم .هذه اآلية ﴿ َي ْسألون َك َع ِّن األ ِّهل ِّة اتقى وأتوا البي
َ َّ ْ َ ُ َ ْ ُ ْ َ ْ َ ْ َ ْ
ُق ْل ِّه َي َم َوا ِّقيت ِّل َّلن َ َ َ ْ َ ُّ
ُ
ور َها َول ِّك َّن ال ِّب َّر َم ِّن اتقى﴾ [البقرة ،]189:نزلت ْ ُ ُُ
اس والح ِّج وليس ال ِّبر ِّبأن تأتوا البيوت ِّمن ظه ِّ ِّ
على سببين:
ْ َّ َ ُ َ َ
.1أحد هذين السببين هو سؤالهم النبي صلى هللا عليه وسلم عن األهلة ﴿ َي ْسألون َك َع ِّن األ ِّهلة﴾.
فبي َن هللا سبحانه وتعالى أن ذلك ليس من البر .2السبب الثاني :دخولهم لبيوتهم من ظهورها حال إحرامهمَّ ،
إذن ،هذه اآلية نزلت لسببين حصال في عهد النبي صلى هللا عليه وسلم ،وهو سؤالهم عن األهلة ،وأيضا بسبب ما
كانت تفعله األنصار حال رجوعهم من الحج .وكما ذكرت أن األمثلة تتعدد وكثيرة في ذلك ونكتفي بهذا املثال.
✓ مسألة تعدد النازل والسبب واحد
وهي عكس املسألة السابقة ،وصورة ذلك أن تكون اآليات النازلة بسبب واحد ُمتعددة املواضع فبعضها في سورة
وبعضها في سورة أخرى ،مع أن السبب الذي أدى إلى نزولها واحد ،وهذا واقع وال إشكال فيه ،وال يوجد مانع من
حصوله ،واألمثلة على ذلك كثيرة ،أكتفي بمثال وهو ما أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس -رض ي هللا عنه -أن
ً ََ َ
ناسا من أهل الشرك ق َتلوا وأكثروا ،وزنوا وأكثروا ،فأت ْوا محمدا صلى هللا عليه وسلم فقالوا :إن الذي تقول وتدعو
- 63 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
الن ْف َ َ َّ َ َ َ ْ ُ َن َ َ َّ َٰ ً َ
آخ َر َوَال َي ْق ُت ُلو َن َّ
س إليه لحسن لو تخبرنا أن ملا عملنا كفارة ،فنزل قول هللا تعالى﴿ :وال ِّذين ال يدعو مع ِّ
اّلل ِّإلها
َّ َ َّ َ َّ ُ َّ ْ َ َ َ َ ْ ُ َ َ َ ْ َ ْ َ ْ َٰ َ َ ْ َ َ َ ً ُ َ َ َ ْ َ
اعف ل ُه ال َعذاب﴾ [الفرقان ،]63:اآليات ،ونزل ال ِّتي حرم اّلل ِّإال ِّبالح ِّق وال يزنون ۚ ومن يفعل ذ ِّلك يلق أثاما * يض
َّ ْ َ َّ َّ َّ َ ْ ُ ْ َ َ َ َّ َ َ ْ َ ُ َ َ َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ
اّلل َيغ ِّف ُر اّلل ِّإن ة
ِّ ر ِّ ِّمح ن م وا ط كذلك قوله سبحانه وتعالى﴿ :قل يا ِّعب ِّادي ال ِّذين أسرفوا على أنف ِّس ِّهم ال تقن
يم﴾ [الزمر ،]53:فهاتان اآليتان نزلتا بسبب واحد. الر ِّح ُ يعا إ َّن ُه ُه َو ْال َغ ُف ُ
ور َّ ُّ ُ َ َ ً
الذنوب ج ِّم ِّ
✓ مسألة تكرارالنزول
من مسائل علم أسباب النزول مسألة :هل يمكن أن يتكرر النزول؟ بمعنى ،هل يمكن أن تنزل آية مثال في مكة ثم
ينزل بها جبريل مرة ثانية في املدينة؟ هل تنزل سورة في مكة في أول العهد املكي ثم تنزل نفس السورة أو ينزل بها
جبريل مرة ثانية في آخر العهد املكي أو في العهد املدني؟ هذه املسألة ،تكرار النزول ،اختلف العلماء فيها على قولين:
َّ
القول األول :أن القرآن قد يتكرر نزوله ،قد تنزل السورة مرتين أو ثالث مرات ،قد تنزل آية أكثر من مرة ومثلوا
لذلك بسورة الفاتحة ،وقد اختار هذا القول السخاوي ،والزركش ي ،والسيوطي ،وغيرهم.
وتذكيرا عند حدوث سببه خوف نسيانه ،كما قيل في ً ً
تعظيما لشأنه، قال الزركش ي" :وقد ينزل الش يء مرتين
الفاتحة نزلت مرتين ،مرة بمكة وأخرى باملدينة ،والحكمة في هذا كله أنه قد يحدث سبب من سؤال أو حادثة
ً
تذكيرا لهم ؤدى تلك اآلية بعينها إلي النبي صلى هللا عليه وسلم، تقتض ي نزول آية وقد نزل قبل ذلك ما يتضمنها ُ
فت َّ
بها ،وبأنها تتضمن هذه ،والعالم قد يحدث له حوادث فيتذكر أحاديث وآيات تتضمن الحكم في تلك الواقعة ،وإن
لم تكن خطرت له تلك الحادثة قبل مع حفظه لذلك النص" انتهى كالمه رحمه هللا.
هذا هو القول األول وهو أن النزول قد يتكرر مرتين ،أو ثالث مرات.
القول الثاني :أنه ليس في القرآن ش يء تكرر نزوله البتة وإنما نزل مرة واحدة ،واختار هذا القول ابن حجر وغيره
رحم هللا الجميع.
ً
وحقيقة عند البحث ودراسة األحاديث والروايات التي قيلت إنها نزلت مرتين كسورة الفاتحة مثال ،وآية ﴿ ِّإ َّن
السي َئات﴾ [هود ،]114 :وسورة اإلخالص وغيرهاُ ،
نجد عند التأمل أن لها توجيها ومخرجا ُيخرجها الح َس َن ْ ْ َ
َ
ات ُيذ ِّهبن َّ ِّ ِّ
ِّ
من قول أنها نزلت مرتين ،فعدم وجود دليل صحيح يدل على تكرار النزول ،وأن القول بتكرار النزول خالف األصل،
أمر حاصل كما قال ابن حجر" :واألصل عدم تكرار النزول" ،أيضا عدم الفائدة في تكرار النزول بل هو تحصيل ٍ
موجود ،كل هذا ُيقوي -وهللا أعلم -القول الثاني وهو أن نزول اآلية أو السورة ال يتكرر ،وأن األقرب أنه ينزل مرة
واحدة ،وهللا تعالى أعلم .
- 64 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
- 65 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
السبب ويجعله عاما لجميع الناس ،ومن قال أن العبرة بخصوص السبب وليس بعموم اللفظ سيأخذ الحكم
بالقياس ،نقيس هذا الحكم على غيره .إذن نجد أن الطائفة األولى أخذوا داللة اآلية من عمومها ،والطائفة الثانية
أخذوا داللة اآلية من قياسها ،أي بالقياس ،فالذين يرون أن العبرة بعموم اللفظ يقولون أخذنا هذا العموم عن
طريق اللفظ العام ،أما من يرى أن العبرة بخصوص السبب فيقولون لم نأخذ العموم من الحكم عن طريق اللفظ
العام ،ألن هذا اللفظ العام مختص بسببه من جهة النزول ،ولكن أخذنا ذلك العموم من القياس ،أي قياس
الحوادث املشابهة ملا حدث.
مثال :قصة أوس بن الصامت عندما ظاهر من امرأته ،وجاءت هذه املرأة إلى النبي صلى هللا عليه وسلم فأنزل هللا
اّلل َي ْس َم ُع َت َح ُاو َر ُك َما إ َّن َّ َ
اّلل َو َّ ُ َ ْ َ َ َّ ُ َ ْ َل َّ ُ َ ُ َ َ ْو َ َ َ ْ َ َ َّ
اّلل َس ِّم ٌيع َب ِّص ٌير، ِّ عز وجل﴿ :قد س ِّمع اّلل قو ال ِّتي تج ِّادلك ِّفي ز ِّجها وتشت ِّكي ِّإلى ِّ
َ َّ َّ ُ ُ َّ َ ُ َ ُ َ ُ
ون ِّم ْنك ْم ِّم ْن ِّن َس ِّائ ِّه ْم َما ُه َّن أ َّم َه ِّات ِّه ْم ۖ ِّإ ْن أ َّم َه ُات ُه ْم ِّإال الال ِّئي َول ْد َن ُه ْم[ ﴾ ...املجادلة ]4-1:اآليات ،آيات ال ِّذين يظ ِّاهر
املظاهرة،
-على قول من يرى أن العبرة بعموم اللفظ ال بخصوص السبب يقول :إن كل من ظاهر من امرأته ،وقال أنت
ُ
ون ِّم ْن ِّن َس ِّائ ِّه ْم ث َّم ين ُي َظاه ُر َ علي كظهر أمي يلزمه كفارة الظهار ،ما دليلكم؟ قالوا دليلنا عموم اللفظ ﴿ َو َّالذ َ َّ
ِّ ِّ
اسا ۚ [ ﴾ ...املجادلة ،]3:اآليات. ودو َن ملَا َق ُالوا َف َت ْحر ُير َر َق َب ٍة م ْن َق ْبل َأ ْن َي َت َم َّ
َي ُع ُ
ِّ ِّ ِّ ِّ
-أما من يرى أن العبرة ليست بعموم اللفظ وإنما بخصوص السبب قالوا :نحن ال نأخذ العموم من هذه اآلية
ً ً
ولكن نقيس الحادثة التي نزلت عليها هذه اآليات بالحوادث املشابهة لها ،فنستدل بهذه اآلية استدالال قياسيا،
وليس استدالال بعموم اللفظ.
وعند النظر والتأمل في هذين القولين نجد أن األقرب ،وهللا تعالى أعلم ،أن العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص
السبب ،وهذا ما سار عليه واختاره جمهور العلماء كأبي حنيفة ،والشافعي ،وأحمد ،وغيرهم ،اختاروا هذا القول.
ُ
أ ِّنبه إلى أن هذه املسألة وان اختلف العلماء فيها ،فإن خالفهم ال يدل على أنهم الذين يقولون إن العبرة بخصوص
السبب وليس بعموم اللفظ ،ال يدل قولهم هذا على أنهم يقصرون هذه اآليات على من نزلت عليه فقط ،بل يقولون
إننا نقصرها عليهم من حيث سبب النزول ،ولكن من حيث الحكم فإنه ينطبق عليهم وعلى غيرهم عن طريق
القياس.
بهذا نكون قد انتهينا من املسائل املتعلقة بعلم أسباب النزول.
أسأل هللا عز وجل لي ولكم التوفيق والسداد ،وصلى هللا وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
- 66 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات :إسراء الزعيم
قام باملراجعة األولى والتدقيق :خلدون األتاس ي
قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي :رئيفة درويش
اإلشراف العام على فريق العمل :رئيفة درويش
- 67 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
علوم القرآن
د .عمرعبد العزيزالدهيش ي
املحاضرة الثالثة عشرة
بسم هللا الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العاملين وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فهذه الحلقة الثالثة عشرة من حلقات مقرر علوم القرآن املستوى األول من برنامج السعدي .بادئ ذي بدء ،أحيي
الجميع بتحية اإلسالم ،السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته ،أسأل هللا عز وجل لي ولكم التوفيق والتسديد.
بإذن هللا عز وجل في هذه املحاضرة نأخذ علما جديـدا من علوم القرآن ،وهـذا العلم من األهمية بمكان ،بل من
املؤلفين الـذين ألفوا وجمعوا علوم القرآن في مصنف واحد وحاولوا جاهدين على أن يجمعوا ُ
ويض ُّموا جميع العلوم
املتعلقة بهذا العلم ،جعلوا هذا العلم هو فاتحة العلوم في كتبهم ،وما ذاك إال ألهميته ومكانته من بين علوم
القرآن .هذا العلم هو علم املكي واملدني.
علم املكي واملدني
ُ َ ُّ َّ
لومه الثمانين في كتابه اإلتقان
يعتبر هذا العلم من أشرف العلوم وأهمها؛ ولذا صدره اإلمـام السـيوطي في مقدمة ع ِّ
في علوم القرآن .وقد َّبين العلماء أهمية هذا العلم؛ ومن ذلك قول أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب
النيسابوري في كتاب التنبيه على فضل علوم القرآن" :من أشرف علوم القرآن علم نزوله وجهاته ،وترتيب ما نزل
بمكة و املدينة ،و ما نزل بمكة و حكمه مدني ،و ما نزل باملدينة و حكمه مكي ،و ما نزل بمكة في أهل مكة ،وما نزل
باملدينة في أهل مكة ،وما يشبه نزول املكي في املدني ،وما يشبه نزول املدني في املكي ،وما نزل بالجحفة ،وما نزل
ً ً ً
ببيت املقدس ،وما نزل بالطائف ،وما نزل بالحديبية وما نزل ليال وما نزل نهارا ،وما نزل مشيعا ( مثل سور األنعام
ً
وسورة الفاتحة و آية الكرس ي) ،وما نزل مفردا ،واأليات املدنيات من السور املكية ،و األيات املكيات من السور
املدنية ،وما حمل من مكة إلى املدينة ،وما حمل من املدينة إلى مكة ،وما حمل من املدينة إلى أرض الحبشة ،وما
ً ً ً
نزل مجمال ،وما نزل مفسرا ،وما اختلفوا فيه ،فقال بعضهم مدني و بعضهم مكي ،فهذه خمسة و عشرون وجها
من لم يعرفها و ُي َم ِّيزها لم َي ِّح ْل له أن يتكلم في كتاب هللا" انتهى كالمه.
فبهذا العلم استعانوا على تفسير القرآن ،ومعرفة الناسخ واملنسوخ ،وتاريخ التشريع اإلسالمي وغير ذلك .وقـد اعتنى
العلماء -رحمهم هللا -عناية فائقة بمعرفة مكان النزول وزمن النزول؛ ملا في معرفة ذلك من الفوائد العديدة
املتعلقة بفهم النصوص القرآنية واستيفاء معانيها .قال علي -رض ي هللا تعالى عنه " :-وهللا ما نزلت آية إال وقد
ً
ولسانا َسؤوال" .وفي هذا السياق يقول ابن مسعود -رض يً ً فيم ُأنزلت وأين ُأنزلت ،إن ربي َو َهب لي ً
قلبا عقوال مت ََعل ُ
ِّ
نقل هذا القول في مواطن متعددة ،يقول -رض ي هللا عنه" :-وهللا الذي ال إله غيره ،ما هللا عنه ،-وقد سبق معنا ُ
- 68 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
- 70 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
الج َ
حفة وغيرها من اآليات ،ننظر هل هي نزلت قبل الهجرة الطائف ،اآليات التي نزلت في تبوك ،اآليات التي نزلت في ُ
أم بعدها؟ فما كان بعدها فإنه مدني ولو نزل بمكة .
✓ خصائص املكي واملدني
كر لبعض خصائص املكي واملدني ،كقول ابن ما هي خصائص املكي واملدني؟ ورد عـن السلف -رحمهم هللاِّ -ذ ٌ
اس} فإنه نزل بمكة أو كما ين َآ َم ُنوا} فإنه نزل باملدينة ،وما كان { َيا َأ ُّي َها َّ
الن ُ مسعود رض ي هللا عنه :ما كان { َيا َأ ُّي َها َّالذ َ
ِّ
ُ َ َ َ ُّ َ َّ َ َ
قال-رض ي هللا عنه .-وفي هذا السياق يقول عكرمة :كل سورة فيها {يا أيها ال ِّذين آمنوا} فهي مدنية.
والرواية ،وليس فيه ما هو قابل لالجتهاد، َّ َ َّ
واألصل في هذا العلم أعني -علم املكي واملدني -هو النقل والسماع ِّ
وسبيل العلم به عن طريق الصحابة -رض ي هللا عنهم -ممن عاصروا الوقائع وشاهدوا التنزيل ،فهم ُ
العمدة في هذا
َ
العلـم .وما هذه الخصائص -خصائص املكي واملدني -إال أمارات وعالمات لتحديد نوع السورة ،أما األصل في ذلك
دتهم في ذلكوعم ُ
والنقل والرواية .فالعلماء اجتهدوا في بيان خصائص السوراملكيـة والسور املدنيةُ ، السماع َّهـو َّ
هو ما جاء عن طريق الرواية أن هذه السورة مكية أو السورة مدينة.
خصائص السور املكية
قد ذكر العلماء جملة من الخصائص واملزايا للسور املكية ،ومن ذلك قولهم:
-كل سورة فيها (كال) فهي مكية ،كل سورة ورد فيه (كال) التي هي للردع والزجر ،قالوا أنها مناسبة ألهل مكة
َ ُ َ ُُ َ َّ ً
ألنهم كانوا كفارا وكان أغلبهم من املشركين ومن الكفار ،كقول هللا عز وجل{ :كال َب ْل َر َان َعلى قل ِّوب ِّهم َّما كانوا
َ ْ ََ ُ َ َّ َ َّ َ ُ َّ ْ َ ْ ُ ًّ ًّ َ ْ
ض َدكا َدكا} [الفجر{ ،]21:كال َب ْل ت ِّح ُّبون ال َع ِّاجلة} [القيامة.]20: َيك ِّس ُبون} [املطففين{ ،]14:كال ِّإذا دك ِّت األر
قـال العلماء :كل سورة فيها (كال) فهـي مكية .و(كال) وردت في القرآن ثالثا وثالثين مرة ،وذلك في خمس عشرة
سورة ،وهذه السوركلها في النصف األخير من القرآن.
-كل سورة فيهـا سجدة أي -سجدة تالوة -فهي مكية ،وهي أربع عشرة سورة ،يستثنى من ذلك آية من آيتي سورة
الحج عند من يقول إنها مدنية ،السور التي فيها سجدة( :األعراف)( ،الرعد)( ،النحل)( ،اإلسراء)( ،مريم)،
(الحج)( ،الفرقان)( ،النمل)( ،السجدة)( ،ص)( ،فصلت)( ،النجم)( ،االنشقاق)( ،العلق).
-كل سورة مبدوءة بقسم ،فهي مكية وهي خمس عشرة سورة .
ً -كـل سـورة ُم َ
فتتحـة بـأحرف َّ
الت َهجي ،مثـل( :الم)( ،حـم)( ،طـس)( ،طسـم)( ،ص)( ،ق) وهـذا حقيقـة -أعني كل
غلبي وليس ً ٌ َ َ
حدا كليا؛ ألنه يستثنى من هذا سورة البقرة ،وسورة آل سورة تبدأ بأحرف التهجي -هذا حد أ
عمران ،وفي سورة الرعد خالف هل هي مكية أم مدنية.
- 71 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
- 72 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات :سعاد إبراهيم
قام باملراجعة األولى والتدقيق :رغد
قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي :رئيفة درويش
اإلشراف العام على فريق العمل :رئيفة درويش
- 73 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
علوم القرآن
د .عمرعبد العزيزالدهيش ي
املحاضرة الرابعة عشرة
بسم هللا الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العاملين ،وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
وبعد :فهذه الحلقة الرابعة عشر من حلقات مقرر علوم القرآن ضمن برنامج السعدي .بادئ ذي بدء أحيي الجميع
بتحية اإلسالم ،السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته ،وأسأل هللا عز وجل أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح ،يا
معلم داوود علمنا ،ويا مفهم سليمان فهمنا.
نواصل الحديث -في هذه املحاضرة -بإذن هللا -عز وجل عن املسائل املتعلقة بـ علم املكي واملدني ،فقد تكلمنا في
عرجنا على خصائص السور املكية واملدنية ،وقبلها تكلمنا عن الحد املحاضرة املاضية عن أهمية هذا العلم ،ثم َّ
أو الضابط للمكي واملدني ،وقد قلنا أن الراجح في ذلك :أن ما نزل قبل الهجرة فهو مكي ،وما نزل بعد الهجرة فهو
حد ضابط وحاصر .نأتي اآلن إلى مسألة جديدة وهي: مدني ،وهذا ٌ
- 74 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
- 75 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
- 76 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
- 77 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
-كذلك من فوائد معرفة املكي واملدني ،معرفة تاريخ التشريع اإلسالمي وتدرجه في التكليف ،ويترتب على هذا
اإليمان ،بأن هذا التدرج ال يكون إال من عليم خبير سبحانه ،فمثال :في تحريم الخمر تقول عائشة -رض ي هللا
تعالى عنها " :-لو نزل أول ما نزل من القرآن -أي في العهد املكي -ال تزنوا ،وال تشربوا الخمر ،ملا آمن الناس"،
فنزول الخمر ،هذا البالء الذي تشربت به نفوس العرب في ذلك الزمن ،وكان شربا أساسيا ال يمكن أن ينفكوا
عنه ،جاء القرآن الكريم في تحريمه بمراحل ،فلم ُي َح َّرم جملة واحدة ،فأول ما نزل في سورة النحل ،وهي سورة
ً َ َ ََْْ َ ُ َ مكية ،يقول سبحانهَ { :وم ْن َث َم َر َّ
اب ت َّت ِّخذون ِّم ْن ُه َسك ًرا َو ِّر ْزقا َح َس ًنا} [سورة النحل ،]67ثم ات الن ِّخ َ ِّيل واألعن ِّ
ِّ ِّ
َّ ُ َ َ
ْ َ ٌ ٌ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ ُ ْ َ
اس} [سورة بعد ذلك نزل قوله سبحانه وتعالى{ :يسألونك ع ِّن َالخم ِّر واملي ِّس ِّر ۖ قل ِّف ِّيهما ِّإثم ك ِّبيرَ ومنا ِّفع ِّللن ِّ
َ َ َ َّ َ َ ْ َ َ البقرة ،]219 :ثم بعد ذلك نزل قول هللا عز وجلَ { :يا أ ُّي َها َّالذ َ
الصالة َوأن ُت ْم ُسك َارى َح َّتى ت ْعل ُموا ين َآم ُنوا ال ت ْق َرُبوا ِّ
َ ُ َ
َما ت ُقولون }...اآلية [سورة النساء ،]43 :يجوز لكم أن تشربوا ،أي :عند نزول هذه اآلية ،أي يجوز لكم أن
تشربوا الخمر ،ولكن ال تشربوها قبل الصالة؛ حتى ال تصلوا وأنتم سكارى ال تدرون ماذا تقولون ،ثم نزل قول
َّ َ َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َّ َ ْ َ ْ ُ َ ْ َ ْ ُ َ ْ َ ْ َ ُ َ ْ َ
األ ْ َزال ُم ر ْج ٌ
الش ْيط ِّان س ِّم ْن َع َم ِّل ِّ هللا سبحانه وتعالى{ :يا أيها ال ِّذين آمنوا ِّإنما الخمر واملي ِّسر واألنصاب و
وه} [سورة املائدة .]90:فنزول تحريم الخمر كان متدرجا ،فبمعرفتنا باملكي واملدني ،عرفنا هذا التدرج َ ْ
اج َتن ُب ُ
ف ِّ
وهذا التاريخ التشريعي لهذا الحكم .كذلك في الجهاد ،وكذلك كثير من األحكام الشرعية نزلت بالتدرج .إذن،
فمعرفتنا بالسور املكية من املدنية يساعدنا على معرفة التاريخ التشريعي.
-االستعانة بمعرفة املكي و املدني يساعدنا في تفسير القرآن الكريم ،فإن معرفة مكان النزول يعين على فهم
ً
املراد باآلية ،ومعرفة مدلوالتها ،وما يرد فيها من إشارات وفوائد ،مثال ذلك :هب أن قارئا قرأ سورة الكافرون،
ُ َُ
وبالتحديد قوله تعالى{ :لك ْم ِّد ُينك ْم َو ِّل َي ِّد ِّين} [سورة الكافرون ، ]6:ولم يعلم نزول اآلية وهل هي مكية أو
مدنية ،فإنه يحار وبال شك في معنى اآلية؛ إذ أنه ُيفهم من اآلية أن املسلمين غير مكلفين بالجهاد ،ولكن إذا
علم أن السورة إنما نزلت بمكة ،أدرك أن هذه السورة عالج للمرحلة التي كان فيها النبي صلى هللا عليه وسلم،
وليست دليال على عدم مشروعية الجهاد.
-من فوائد معرفة املكي واملدني ،أنها تساعدنا على استخراج سيرة النبي صلى هللا عليه وسلم ،وذلك بمتابعة
أحواله بمكة ،ومواقفه في الدعوة ،ثم بأحواله في املدينة ،وسيرته في الدعوة إلى هللا تعالى.
-من الفوائد :االستفادة من أسلوب القرآن في الدعوة إلى هللا تعالى ،فهو أسلوب يشتد ويلين ،ويفصل
ويجمل ،ويعد ويتوعد ،ويرغب ويرهب ،ويوجز ويطنب ،حسب أحوال املخاطبين ،وهذا من أسرار اإلعجاز في
القرآن الكريم.
- 78 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
-أيضا من الفوائد :الثقة بهذا القرآن الكريم ،وبوصوله إلينا ساملا من التغييروالتحريف ،إذا كان الصحابة
يعرفون أين نزلت هذه السورة ،وأين نزلت هذه اآلية ،مكانها ،زمنها ،مما يدل على أن هذه األمة بذلت جهدا
ُ
كبيرا وعظيما في املحافظة على هذا الكتاب العزيز ،فهو وصل إلينا غضا طريا كما أنزل.
نكتفي بهذا القدر ،ونواصل الحديث بإذن هللا عز وجل في محاضرة قادمة.
وفق هللا الجميع ملا يحب ويرض ى ،وصلى هللا وسلم على نبينا محمد -صلى هللا عليه وسلم.
قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات :راجية الجنان
قام باملراجعة األولى والتدقيق :أخ في هللا
قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي :رئيفة درويش
اإلشراف العام على فريق العمل :رئيفة درويش
- 79 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
علوم القرآن
د .عمرعبد العزيزالدهيش ي
املحاضرة الخامسة عشرة
الحمد هلل رب العاملين ،وصلى هللا وسلم على نبينا محمد ،وعلى آله وصحبه أجمعين ،وبعد ،فهذه الحلقة الخامسة
عشرة من حلقات مقرر علوم القرآن .بادئ ذي بدء ،أحيي الجميع بتحية اإلسالم ،السالم عليكم ورحمة هللا
وبركاته ،أسأل هللا -عز وجل -لي ولكم التوفيق والتسديد ،وأسأله -سبحانه وتعالى -أن يرزقنا جميعا العلم النافع
والعمل الصالح ،وأن يتقبل منا جميعا.
جديدا من علوم القرآن ،وهذا العلم هو علم فضائل القرآن، ً بإذن هللا -عز وجل -في هذه املحاضرة نأخذ ً
علما
كتاب في علوم القرآن إال ويذكروقد خصها ُج ُّل َمن َك َتب في علوم القرآن بمزيد ذكر وعناية واهتمام ،فال يخلو ٌ
هذا العلم ضمن أبوابه وعلومه ،وما ذاك إال ألهمية هذا العلم ،وكذلك أن السنة النبوية حافلة باألحاديث
املتعددة واملتنوعة في ذكر فضائل القرآن ،ففضائل القرآن علمها ودراستها ومدارستها مما يعين على تدبر كتاب
هللا -عز وجل ، -والتلذذ بحلو خطابه ،واالهتداء بهديه ،فمعرفة فضائله ،واستحضار األجور املترتبة على تالوته -
تالوة القرآن -واآلثار الظاهرة على قارئه ،واملستمع إليه ،كلها مما ُيبين ُويظهر أهمية هذا العلم.
علم فضائل القرآن
ً
يشمل علم فضائل القرآن عددا من املوضوعات التي تتعلق بما ورد لهذا القرآن الكريم من فضائل كثيرة ،والتي
يمكن أن نصنفها إلى ثالثة أنواع:
ً
أوال :فضائل القرآن عامة.
ثانيا :فضائل السور.
ثالثا :فضائل اآليات.
كما يدخل موضوع تفاضل القرآن ضمن ما يشمله هذا العلم من موضوعات.
ً
✓ أوال -فضائل القرآن العامة
َّ َ
فضلته على ما سواه من الكتب السماوية ،ومن باب أولى على ما سواه من سائر لهذا القرآن الكريم فضائل عامة،
الكتب البشرية.
.1الفضيلة األولى لهذا القرآن هي :تفضيل كتاب هللا -عز وجل -على ما سواه من الكتب السماوية ،وكالمه
تعالى على غيره من الكالم ،ودليل ذلك:
- 80 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
ما رواه جابر بن عبد هللا -رض ي هللا تعالى عنهما -قال" :كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إذا خطب احمرت
عيناه ،وعال صوته واشتد غضبه .حتى كأنه منذر جيش ،يقول :صبحكم ومساكم .ويقول( :بعثت أنا والساعة
كهاتين) ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى ،ويقول( :أما بعد .فإن خير الحديث كتاب هللا .وخير الهدي
هدي محمد ،وشر األمور محدثاتها ،وكل بدعة ضاللة) "...الحديث رواه اإلمام مسلم.
.2كذلك من فضائل القرآن العامة :الثواب األخروي لتالي كتاب هللا تعالى .ودليله :
ما رواه أبو أمامة الباهلي -رض ي هللا عنه -قال :سمعت رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -يقول( :اقرؤوا القرآن،
شفيعا ألصحابه) ،وعن أبي هريرة -رض ي هللا عنه -عن النبي -صلى هللا عليه وسلم -قال: ً فإنه يأتي يوم القيامة
فيلبس تاج الكرامة ،ثم يقول :يا رب زده ،فيلبس حلة الكرامة، )يجيء القرآن يوم القيامة ،فيقول :يا رب حلهُ ،
ِّ
ق ُ
ثم يقول :يا رب ارض عنه ،فيرض ى عنه ،فيقال له :اقرأ وار ،وتزاد بكل آية حسنة) ،الحديث رواه الترمذي في
سننه.
أيضا من فضائل القرآن العامة :تفضيل أصحابه -أصحاب القرآن -وتقديمهم على غيرهم .ودليله: ً .3
عن عمر بن الخطاب -رض ي هللا عنه -قال" :إن نبيكم -صلى هللا عليه وسلم -قد قال( :إن هللا يرفع بهذا الكتاب
أقواما ويضع به آخرين)" .وفي الحديث اآلخر الذي رواه عمرو بن سلمة -رض ي هللا عنه -قال" :فلما كانت ً
كل قوم بإسالمهم ،وبدر أبي قومي بإسالمهم ،فلما قدم قال ُ : وقعةأهل الفتح ،بادر ُّ ُ
النبي
ِّ عند من وهللا
ِّ كم جئت ِّ ٍ ِّ
ُ ُّ َ ًّ َ ِّ َّ َّ ُ
حضرت الصالة ِّ عليه وسلم حقا ،فقال ( :صلوا صالة كذا في حين كذا ،وصلوا كذا في حين كذا ،فإذا صلى هللا ِّ
أكثر قر ًآنا مني ،ملا كنت أتلقى من الركبان، أكثركم قر ًآنا ) ،فنظروا فلم يكن أحد َ أحدكم ،وليؤمكم ُ ْفليؤذن ُ
ِّ
ٌ ُ ست أو سبع سنين ،"....الحديث رواه اإلمام البخاريٌ . َّ
وفضل صبي صغير ق ِّدم ِّ ِّ فقدموني بين أيديهم ،وأنا ابن ِّ
تفضيل على غيره ٌ على من هو أكبر منه من الرجال بفضيلة هذا القرآن الكريم (يؤمكم أكثركم قر ًآنا) ،ففيه
وتقديم على من سواه. ٌ
لتعلم القرآن وتعليمه وتدريسه ً َّ ُّ َ ُّ ً
أيضا ِّ ِّ ِّ .4أيضا من فضائل القرآن العامة :فضيلة تعلمه وتعليمه وتالوته ،فإن ِّ
ً ً ً
وتالو ِّته فضيلة ومكانة علية ،ودليله :في الحديث أن النبي -صلى هللا عليه وسلم -قال( :خيركم من تعلم القرآن
َّ َّ ُ ُ
عليه وسل َم هللا صلى هللا ِّ وعلمه) ،وفي الحديث اآلخر حديث عقبة بن عامر -رض ي هللا عنه -قال" :خرج رسول ِّ
كوماوي ِّن ، ْ ْ
بناقتي ِّن بطحان أو إلى العقيق فيأتي ُ
منه َ يوم إلى يحب أن يغدو َّ
كل الص َّف ِّة .فقال( :أيكم ُّ ونحن في ُ ُ
َ ِّ ٍ
في َع ِّل َم أو يقرأ املسجد ُ هللا! ُّ َ
ِّ نحب ذلك ،قال( :أفال يغدو أحدكم إلى حم؟) ،فقلنا :يا رسول ِّ قطع ر ٍ ِّ إثم وال
غير ٍ في ِّ
ٌ
أعدادهن َّ خير ُله من أر ٍبع .ومن ثالث .وأر ٌبع ٌخير له من ٍ
وثالث ٌ ُ خير ُله من ْ
ناقتي ِّن . وجل ٌ عز َّ آيتين من كتاب هللا َّ
ِّ ِّ ِّ
ْ
اإلبل)" الحديث رواه مسلم. من ِّ
- 81 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
هذه إملاحة سريعة لفضل القرآن عموما ،ولو استطردنا وأسهبنا الحديث في فضائل القرآن لطال بنا الحديث،
َ
وألمضينا الحلقة والحلقتين في الحديث عن فضائل القرآن ،وهي ال تخفى على شريف علمكم ،ولكن أردت أن أذكر
ً
نبذة من تلك الفضائل ،وأقتصر على جزء من األحاديث التي وردت في ذكر تلك الفضائل.
ً
✓ ثانيا -فضائل السور
يدخل ضمن فضائل القرآن :الفضائل الخاصة بسورة معينة ،أو مجموعة سور معينة ،وقد ورد في السنة النبوية
مجموعة أحاديث في ذكر فضائل السور ،وهي على أصناف وأنواع ،أعني بها األحاديث الورادة في فضائل السور.
.1فضائل سورة مفردة :قد تأتي تلك الفضائل في سورة مفردة ،ومن ذلك ما ورد في فضل سورة البقرة ،وما
ورد في سورة الفتح وغيرهما.
ْ
فعن أبي أمامة الباهلي -رض ي هللا عنه -قال :قال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم( :اق َرؤوا القر َآن .فإنه يأتي
َ
وسورة آل عمر َان .فإنهما تأتيان َ َ اقرؤوا َّ
القيامة كأنهما
ِّ يوم ِّ ِّ هر َاوين :البقرة
الز َ شفيعا ألصحابه َ . ً القيامة
ِّ
َ
يوم
َّ ُ ْ َ َ
طير صواف تحاجان عن أصحابهما، ٍ قان من يايتان أو كأنهما ِّفر ِّ
مامتان أو كأنهما َغ ِّ ِّ غ
ُ َ ََ ُ ٌ ٌ َ َّ ْ َ َ َ
البطلة) الحديث رواه مسلم. فإن أخذها بركة وتركها حسرة .وال يستطيعها البقرة
ِّ اقرؤوا سورة
وفي صحيح البخاري" :أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره ،وعمر ابن الخطاب
يسير معه ليال ،فسأله عمر بن الخطاب عن ش يء فلم يجبه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،ثم سأله فلم
يجبه ،ثم سأله فلم يجبه ،فقال عمر بن الخطاب :ثكلت أم عمر ،نزرت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
ثالث مرات ،كل ذلك ال يجيبك ،قال عمر :فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس ،وخشيت أن ينزل في القرآن
فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي ،فقلت :لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن ،فجئت رسول هللا صلى
هللا عليه وسلم فسلمت عليه ،فقال ( :لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس) .
ثم قرأ { :إنا فتحنا لك فتحا مبينا } "
لسور مفردة ،لسورة واحدة ينص عليها النبي -صلى هللا عليه ثنائية ،ذكرنا قبل قليل
ٍ لسور ٌ
فضل .2وقد يرد
ٍ ٍ
لسور ثنائية ،كفضل سورتي البقرة وآل عمران ،وسورتي املعوذتين. ٍ وسلم ، -وقد يرد فضل
ْ
فعن أبي أمامة الباهلي -رض ي هللا عنه -قال :سمعت النبي -صلى هللا عليه وسلم -يقول( :اق َرؤوا القر َآن .فإنه
َ َ َ اقرؤوا َّ
القيامة
ِّ
عمران فإنهما تأتيان َ
يوم ِّ هر َاوين :البقرة وسورة ِآلالز َ شفيعا ألصحابه َ ً القيامة
ِّ
يأتي َ
يوم
َّ ُ ْ َ َ
طير صواف تحاجان عن أصحابهما، قان من ٍ يايتان أو كأنهما ِّفر ِّ
كأنهما غ ِّ مامتان أوِّ كأنهما غ
ُ َ ََ ُ ٌ ٌ َ َّ َ ْ َ َ َ
البطلة) الحديث رواه مسلم. فإن أخذها بركة وتركها حسرة .وال يستطيعها البقرة
ِّ اقرؤوا سورة
- 82 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ْ َ َ َ ُ ْ َ َّ َ َ َ
ات أن ِّزل ْت الل ْيلة ل ْم
اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم( :ألم تر آي ٍ وعن عقبة بن عامر -رض ي هللا عنه -قال" :قال رسول ِّ
وذ ب َرب َّ ُ َ ْ ُ ُ َّ َ ُّ ُ ْ َ ُ ُ َ ْ َ َ َ ُ ْ َ ُ ُ
اس)". ِّ الن ير ِّمثلهن قط قل أعوذ ِّبر ِّب الفل ِّق وقل أع ِّ ِّ
ُ ُ ٌ
جامع لها.
ٍ باسم
ٍ عرف وت واحد، وصف في جمع وت سور من القرآن،ملجموعة ٍِ فضل .3وقد يرد
ومن ذلك ما روته عائشة -رض ي هللا تعالى عنها -قالت :قال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم( : -من أخذ السبع
األول من القرآن فهو ٌ ُ
حبر) ،رواه اإلمام أحمد في مسنده ،وصححه الحاكم .وقوله -عليه الصالة والسالم:-
)فهو حبر) ،الحبر بفتح الحاء وكسرها :أي العالم ،وقوله -عليه الصالة والسالم) :-من أخذ السبع األول) السور
السبع التي هي أول القرآن :سورة البقرة ،وآل عمران ،وسورة النساء ،واملائدة ،واألنعام ،واألعراف ،واألنفال.
ان َّ
الت ْو َر ِّاة أيضا ما رواه واثلة بن األسقع -ض ي هللا عنه -أن النبي -صلى هللا عليه وسلم -قال(ُ :أ ْعط ُ
يت َم َك َ
ِّ ر
الزُبور ْاملَ ِّئين َوأ ْع ِّطيت َمكان اإلنجيل املثا ِّن َي َوفضلت باملف َّ
َ ُ ْ ُ ْ ُ َ َ ْ ْ ْ َ َ ُ ُ َ ان َّ الس ْب َع َو ُأ ْعط ُ
يت َم َك َ َّ
ص ِّل) ،الحديث رواه اإلمام ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
أحمد في مسنده .يقول ابن جرير صاحب التفسير" :والسبع الطوال :البقرة ،وآل عمران ،والنساء ،واملائدة،
واألنعام ،واألعراف ،ويونس ،وإنما سميت هذه السور السبع الطوال لطولها على سائر سور القرآن ،وأما
شيئااملئون من السور فهي ما كان من سور القرآن عدد آياته مائة آية ،أو تزيد عليها شيئا ،أو تنقص منها ً
ْ ً
يسيرا ،وأما املثاني فإنها ما تث ِّني املئين فتتلوها ،وكأن املئون -السور التي يبلغ آياتها مائة آية -كأنها لها أوائل،
ً
وكأن املثاني لها ثواني ،وأما املفصل فإنها سميت مفصال لكثرة الفصول التي بين سورها بـ (بسم هللا الرحمن
الرحيم)" ،انتهى كالم ابن جرير الطبري رحمه هللا .املئون ما كان من سور القرآن يبلغ عدد آياته مائة آية،
واملثاني فإنها ما جاء بعد املئين فتلتها ،فكأن املئين لها أوائل ،واملثاني تتلوها ،هذا مجمل كالم ابن حجر رحمه
هللا تعالى في شرحه لحديث واثلة بن األسقع -رض ي هللا تعالى عنه.
هذه الفضائل التي ذكرت فضائل واضحة وظاهرة ،ونص عليها النبي -صلى هللا عليه وسلم ، -سواء كانت في سور
مفردة ،أو كانت في سور ثنائية ،أو كانت في مجموعة سور يجمعها جامع واحد ورابط واحد.
.4مما يلحق بفضائل السور تلك السور التي كان النبي -صلى هللا عليه وسلم -يداوم على قراءتها في الصالة بين
الحين واآلخر ،وهذه تعد فضيلة لهذه السورة .ومن ذلك :قراءة سورتي السجدة واإلنسان ،فعن أبي هريرة -
رض ي هللا عنه -قال" :كان النبي -صلى هللا عليه وسلم -يقرأ في الجمعة في صالة الفجر (ألم تنزيل) السجدة،
ََ َ ْ
و(هل أتى على اإلنسان)" ،قال ابن حجر :هذا فيه دليل على استحباب قراءة هاتين السورتين في هذه الصالة
من هذا اليوم ،ملا تشعر الصيغة به من مواظبته -صلى هللا عليه وسلم -على ذلك أو إكثاره منه.
- 83 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
وعن النعمان بن بشير -رض ي هللا عنه -قال" :كان النبي -صلى هللا عليه وسلم -يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ
على) و(هل َأ َتاك َحديث ْال َغ َ
اشية)" ،قال" :وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد ،يقرأ
َ َ
(سبح ْ اسم َرِّبك األ
ِّ
بهما أيضا في الصالتين" ،أال يدل هذا على فضيلة هاتين السورتين؟ بلى ،ملحافظة النبي -صلى هللا عليه وسلم-ً
عليها وقراءتها ،يكررها في األسبوع مرة ،في كل أسبوع يقرؤها ،إما في صالة الفجر ،سورة السجدة واإلنسان،
أو يقرأ بهما في صالة الجمعة ،وهي سورة سبح والغاشية ،بل إذا صلى -صلى هللا عليه وسلم -صالة االستسقاء
أو صالة العيد فإنه يقرأ بهاتين السورتين ،كما ورد ذلك عنه -عليه الصالة والسالم.
.5أيضا قد تكون هناك سورة يداوم النبي -صلى هللا عليه وسلم -على قراءتها خارج الصالة ،وهذا يدل على
فضيلة هذه السورة .ومن ذلك ما رواه عقبة بن عامر الجنهي -رض ي هللا عنه -قال" :أمرني رسول هللا -صلى هللا
عليه وسلم -أن أقرأ باملعوذات دبر كل صالة".
ُ َّ ُّ ُ ُّ
عليه
هللا صلى هللا ِّ وعن أم هشام بنت حارثة بن النعمان -رض ي هللا عنها -قالت" :لقد كان تنورنا وتنور رسو ِّل ِّ
َّ املج ُ َ ْ ُ ْ َْ ُ ُ ً ً وسل ََّ
هللا صلى لسان رسو ِّل ِّ ِّ عن إال ) يد ِّ آن
ِّ رق ال و ق ( أخذت وما سنة
ٍ وبعض سنة أو سنتين
ِّ ا واحد م
َ َّ وسل ََّ ُ
املنبر إذا خطب الناس" ،رواه مسلم. ِّ على جمعة
ٍ يومِّ كل يقرؤها م عليه
هللا ِّ
.6مما يلحق بفضائل السور :كون السورة أول ما نزل من القرآن ،هذا يدل على فضيلة هذه السورةِّ ،ل َم؟ ألن
الناس ال تذكر إال األوائل ،وال ُيذكر في أوائل الش يء إال أفضله وأعظمه.
َّ صلى ُ ُ َّ َّ ُ َ ُ َ
هللا عليه وسلم من فعن عائشة زوج النبي -صلى هللا عليه وسلم -قالت" :أول ما ب ِّدئ به رسول ِّ
اّلل
ُ ْ ْ َ ََ َّ َُ
في َت َح َّنث فيه، الص ْبح ،فكان يأتي ح َر ًاء َ
ِّ ِّ ِّ
ُّ قِّ ل ف ل ثم ِّ جاءت إال رؤيا ى َ
ر ي الن ْوم ،فكان ال َ
ِ في ة ق الصاد
ِ الرؤيا ي
ِّ
الو ْ
ح َ
خديج َة ُفت َزو ُد ُه مل ْثلها ،حتى َفج َئ ُه الحقُّ َ الع َد ِّدَ ،ويت َز َّو ُد لذلك ،ثم َي ْر ِّج ُع إلى
َ الت َع ُّب ُد ،الليال َي ذوات َ وهو َّ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
ُْ َّ ُّ َّ ْ ْ ََ
فقل ُت :ما أنا ِّب َق ِّار ٍئ، هللا عليه وسلم ( : صلى ُ غار ِّح َر ٍاء ،فجاءه امل ـل ُك فيه ،فقال :اق َرأ ،فقال له النبي وهو في ِّ
َ َ َّ َ َ َ ْ ْ ْ َ َ فأخ َذني َف َغطني حتى َبل َغ مني َ َ َّ َ
فقل ُت :ما أنا ِّب َق ِّار ٍئ ،فأخذني فغطني الثانية حتى الج ْه ُد ،ثم أ ْ َسلني فقال :اق َرأُ ،
ر ِّ ِّ
الثالثة حتى َب َل َغ مني َ َ َ َ َ َ َّ ْ َْ ُ ْ َ َ َب َل َغ مني َ
الج ْه ُد ،ثم ِِّّ فقل ُت :ما أنا ِّب َق ِّار ٍئ ،فأخذ ِّني فغط ِّني الج ْه ُد ،ثم أ ْر َسلني فقال :اقرأ، َ ِّ ِّ
ُ َ َ
ان َما ل ْم َي ْعل ْم} َ َ َ َ ْ
{عل َم اإلن َس َ َّ َ
اسم َرب َك الذي خل َق} -حتى َبل َغ َ -َ َ َّ ْ
أ ْر َس َلني فقال{ :اق َرأ ب ْ
ْ
واد ُر ُه ،حتى ُ َ
فرجع ِّب َها ت ْرجف ب ِّ ِّ ِّ َ ِّ َ ِّ ِّ ِّ
َد َخل على خ ِّديجة ،فقال« :ز ِّملوني ز ِّملوني» فزملوه حتى ذهب عنه الروع "...الحديث في صحيح البخاري
ُ ْ َّ َّ َ َ َ َ َ َ َ
ومسلم .فاألولية في كل ش يء له مزية على غيره ،ويكون مما يهتم به ُويعتنى بشأنه ،وسورة العلق هي كما مر
معنا في مسألة أول ما نزل من القرآن هي على القول الصحيح هي أول ما نزل من كتاب هللا -عز وجل ، -فتلحق
من هذا الباب بفضائل السور.
- 84 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
.7أيضا مما يلحق بفضائل السور أمر هللا تعالى نبيه -صلى هللا عليه وسلم -بتالوة سورة معينة على أحد
أصحابه ،فاهلل -عز وجل -يأمر نبيه -صلى هللا عليه وسلم -بتالوة سورة معينة من سور القرآن ،بأن يقرأها
على أحد الصحابة.
َُ
ومن ذلك ما رواه أنس بن مالك -رض ي هللا تعالى عنه -قال" :قال النبي صلى هللا عليه وسلم ألبي :
يبكي قال ي اك لي ) فجعل ُأ َ
ب لك؟ قال ( :هللا سم َ عليك القر َآن ) .قال أبي :آهلل سماني َ هللا أمرني أن أق َرأ َ
( إن َ
ِّ ِّ ِّ
اب}" .يقول النووي في شرحه لهذا الحديث ين َك َف ُروا م ْن َأ ْهل الك َ
ت نبئت أنه ق َرأ عليه َ { :ل ْم َي ُكن الذ َ
قتادة ُ :فأ ُ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
وتعليقه على هذا الحديث" :وأما تخصيص هذه السورة فألنها وجيزة جامعة لقواعد كثيرة من أصول الدين
وفروعه ومهماته ،واإلخالص وتطهير القلوب" ،انتهى كالمه .فكما أن هذه الحادثة تعد من مناقب أبي بن كعب
-رض ي هللا تعالى عنه ،-فكذلك السورة التي نص عليها الرب -سبحانه وتعالى -تعد من فضائل السور وبال شك.
ومجموع تلك الفضائل الورادة في السور القرآنية يمكن أن تجمع في أربعة مضامين ،سآتي عليها بإذن هللا -عز وجل-
بعد إيراد فضائل اآليات؛ إذ مضامين فضائل السور وفضائل اآليات متقاربة ،فخشية التكرار أرجئ تلك املضامين
إلى نهاية فضائل اآليات بإذن هللا -عز وجل.
أكتفي بهذا القدر ،ونواصل الحديث في الحلقة القادمة ،وسيكون حديثنا بإذن هللا -عز وجل -عن فضائل آيات
القرآن .وفق هللا الجميع ملا يحب ويرض ى ،وصلى هللا وسلم على نبينا محمد -صلى هللا عليه وسلم.
قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات :نهى الخشن
قام باملراجعة األولى والتدقيق :أحمد عبد الرحمن
قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي :رئيفة درويش
اإلشراف العام على فريق العمل :رئيفة درويش
- 85 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
علوم القرآن
د .عمرعبد العزيزالدهيش ي
املحاضرة السادسة عشرة
بسم هللا الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العاملين ،وصلى هللا على نبينا محمد ،وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فهذه الحلقة هي الحلقة السادسة عشرة من حلقات مقرر علوم القرآن ،ضمن برنامج السعدى .بادئ ذي بدء
أحيي الجميع بتحية اإلسالم ،السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته ،وأسأل هللا لي ولكم التوفيق والتسديد .في هذه
املحاضرة بإذن هللا عز وجل سنواصل الحديث عن علم فضائل القرآن ،وقد ذكرنا في املحاضرة السابقة أن هذا
العلم يمكن أن نقسمه إلى ثالثة أقسام:
ً
أوال :فضائل القرآن عامة.
ثانيا :فضائل السور.
ثالثا :فضائل اآليات
انتهينا من الحديث عن فضائل القرآن العامة ،وفضائل السور ،وحديثنا اليوم عن ما يتعلق بفضائل اآليات.
✓ ثالثا -فضائل اآليات
قد حوت السنة النبوية على جملة من األحاديث املتعلقة بفضائل اآليات ،وهي على أنواع ،من ذلك:
.1فضل آية واحدة من القرآن الكريم :قد ترد أحاديث نبوية في فضل آية واحدة من آيات القرآن يخصها هللا
عز وجل ،ويخصها النبي -صلي هللا عليه وسلم -بمزيد فضل وعناية؛ ومن ذلك :ما رواه أبو هريرة -رض ي هللا
ُ َ َ َ َ َّ َ َ ُ ُل َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ
آت ف َج َع َل َي ْحثو ِّم ْن اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم ِّب ِّحف ِّظ زك ِّاة رمضان ،فأ ِّ ٍ
ي ن ات عنه -قال" :قال :وكل ِّني رسو ِّ
َّ َ َ َ َ ْ ُ ُ َ ُ ْ ُ َ َّ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ُ ل َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ُ ْ َ ٌ َ َ َ َّ َ ٌ َ َ َ ٌ
اجة اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم ،قال ِّإ ِّني محتاج وعلي ِّعيال و ِّلي ح اّلل ألرفعنك ِّإلى رسو ِّ ِّ الطع ِّام فأخذته وقلت و ِّ
َ َ َ َ َّ َ
َ َ ٌ َ َ َ َ َّ ْ ُ َ ْ ُ َ ْ َ ْ ُ َ َ َ َّ ُّ َ َّ َّ ُ َ
اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َمَ ( :يا أ َبا ُه َرْي َرة َما ف َع َل أ ِس ُير َك ش ِّديدة ،قال :فخليت عنه فأصبحت ،فقال الن ِّبي صلى
َّ َ َ َ َ اج ًة َش ِّد َيد ًة َو ِّع َي ًاال َف َر ِّح ْم ُت ُه َف َخ َّل ْي ُت َسب َيل ُهَ ،ق َاّلل َش َكا َح َ ْ َ َ َ ُ ْ ُ َ ُ َ َّ
ال( :أ َما ِإن ُه ق ْد كذ َب َك ِّ البا ِرحة) ،قلت :يا َرسول ِّ
ُ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َّ ُ َ َ ُ ُ َ َ َ ُ َ
ص ْدت ُه ف َج َاء َي ْحثو ِّم ْن اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم ِّإنه سيعود ،فر ل وس ود ل َق ْول َر ُ ود)َ ،ف َع َر ْف ُت َأ َّن ُه َس َي ُع ُ َو َس َي ُع ُ
ِّ ِّ ِّ ِّ
َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ َ ٌ َ َ َ َّ َ ٌ َ
ال ال اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم ،قال دع ِّني ف ِّإ ِّني محتاج وعلي ِّعي لو سالط َعام َف َأ َخ ْذ ُت ُه َف ُق ْل ُت َ َأل ْر َف َع َّن َك إ َلى َر ُ
َّ
ِّ ِّ ِّ ِّ
َ َ َ َّ َ ُ ُ َ َ ْ ُ ُ َ َ َّ ْ ُ َ َ ُ َ َ ْ َ ْ ُ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ
اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َمَ ( :يا أ َبا ُه َرْي َرة َما ف َع َل اّلل صلى أعود ،فر ِّحمته فخليت س ِّبيله فأصبحت ،فقال ِّلي رسول ِّ
َ َ َ َ َّ َ اج ًة َش ِّد َيد ًة َو ِّع َي ًاال َف َر ِّح ْم ُت ُه ف َخل ْي ُت َسبيل ُه ،ق َ
َ َ َّ َ اّلل َش َكا َح َ َ ُ َ ُ ْ ُ َ َ ُ َل َّ
ال( :أ َما ِإن ُه ق ْد كذ َبك ِّ ِّ أ ِسيرك) ،قلت :يا رسو
ُ ََ َّ َ َ َ ُ َ َ َّ َ َ َ َ ْ َ
َ ُُ ُ ُ ْ َ َ َ َّ ْ ُ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ ُ ُ َ َ ْ ُ ُ َّ
اّلل ،وهذا ِّآخر ثال ِّث وسيعود) ،ف َرصدته الث ِّالثة فج َاء يحثو ِّمن الطع ِّام فأخذته فقلت أل ْرفعنك ِّإلى َرسو ِّل ِّ
- 86 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
َ َ َّ َ َّ َ َ ْ ُ ُ َ َ ُ ُ ُ َّ َ ُ ُ َ َ َ ْ ُ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ َ َّ ُ َ ُ ْ ُ َ ُ َ َ َ َ َ
الِّ :إذا أ َو ْي َت ِّإلى ات ينفعك اّلل ِّبها ،قلت :ما هو ،ق ات أنك تزعم ال تعود ثم تعود ،قال دع ِّني أع ِّلمك ك ِّلم ٍ مر ٍ
ٌ َّ ُ َ َ َ َّ ُ َ ْ َ ُّ ْ َ ُّ ُ َ َّ َ ْ َ ْ َ َ َ َّ َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ ْ َّ َ ْ َ ُْ ْ
اّلل َحا ِّفظ ال عليك ِّمن ِّ ِّف َر ِّاش َك فاق َرأ َآية الك ْر ِّس ِّي {اّلل ال ِّإله ِّإال هو الحي القيوم } حتى تخ ِّتم اآلية ف ِّإنك لن يز
َ َّ َ َ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ َ ٌ َ َّ ُ ْ َ َ َ َّ ْ ُ َ َ ُ َ َ ْ َ ْ ُ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ
اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َمَ ( :ما ف َع َل اّلل صلى وال يقربنك شيطان حتى تص ِّبح ،فخليت س ِّبيله فأصبحت ،فقال ِّلي رسول ِّ
ُْ اّلل ب َها َف َخ َّل ْي ُت َسبي َل ُهَ ،ق َ اّلل َز َع َم َأ َّن ُه ُي َعل ُمني َكل َمات َي ْن َف ُعني َّ ُ َ ُ َ ْ َ َ َ ُ ْ ُ َ َ ُ َل َّ
الَ ( :ما ِه َي) قل ُت: ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ٍ أ ِسيرك البا ِرحة) ،قلت :يا رسو ِّ
ال وم } َو َق َ اّلل َال إ َل َه إ َّال ُه َو ْال َح ُّي ْال َق ُّي ُ ال لي إ َذا َأ َو ْي َت إ َلى ف َراش َك َف ْاق َ ْرأ َآي َة ْال ُك ْرس ي م ْن أ َّول َها َح َّتى َت ْخت َم ْاآل َي َة { َّ ُ
َ َق َ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
الن ِّب ُّي ال َّ ص َش ْي ٍء َع َلى ْال َخ ْيرَ ،ف َق َ صب َحَ ،و َك ُانوا َأ ْح َر َ ال َع َل ْي َك م ْن َّ َ ٌ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ٌ َ َّ ُ ْ لي َل ْن َي َز َ
َ ِّ اّلل حا ِّفظ وال يقربك شيطان حتى ت ِّ ِّ
َ
ِّ ِّ
َ َ ْ ُ َ
اطب منذ ثال ِث ليال يا أبا ه َري َرة) ،ق َ َ َ َ َ َ ُ ْ ُ ُ َ ُ ْ َ ُ َ ْ َ ٌ ُ َ َ ُ َ َ َ َ َ ْ َ ُ َّ َ َ َّ َ َ ْ َ َ ُ َّ َّ َ
ال: ٍ صلى اّلل علي ِّه وسلم( :أما ِإنه قد صدقك وهو كذوب تعلم من تخ ِ
ان) ".رواه البخارى. اك َش ْي َط ٌ الَ ( :ذ َ َالَ ،ق َ
َ َ َّ ُّ َ َّ
صلى .2فضل آيتان من القرآن الكريم :مثاله ما رواه أبو مسعود األنصاري -رض ي هللا عنه -قال " :قال الن ِّبي
َ َ َ ََ َ َ ُ َ ْ َ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ ْ َ َ
ور ِة ال َبق َر ِة َم ْن ق َرأ ِب ِه َما ِفي ل ْيل ٍة كفت ُاه) ".الحديث في البخاري. آخ ِرس ْ
اّلل علي ِّه وسلم( :اآليت ِان ِمن ِ
ً
.3فضل ملجموعة آيات من القرآن الكريم :وحقيقة األدلة واألمثلة كثيرة ،ولكن نكتفي بجزء منها ،ونكتفي
كذلك بالشاهد قدر االستطاعة ،قد يرد فضل ملجموعة آيات ،من ذلك ما رواه النواس بن سمعان -رض ي
َ َّ ات َغ َد ٍاةَ ،ف َخ َّف َ ال َذ َ اّلل َع َل ْيه َو َس َّل َم َّ ص َّلى َّ ُ َ َ ُ ُ َّ
ض ِّف ِّيه َو َرف َع َح َّتى ظ َن َّن ُاه ِّفي الد َّج َ ِّ
اّلل َ
هللا عنه -قال" :ذك َر َرسول ِّ
َ َ َّ ْ َ َ َّ ُ ْ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ ُ ُ ْ ُ ْ َ َ َ ُ َل َّ َ َ ْ َ َّ َّ َ َ ً
ال غ َداة، اّلل ،ذكرت الدج طا ِّئف ِّة النخ ِّل ،فلما رحنا ِّإلي ِّه عرف ذ ِّلك ِّفينا ،فقال( :ما شأنكم؟) ،قلنا :يا رسو ِّ
َ ُ َ َ ُ ْ ْ َ ْ ُ َ َ َّ ْ َ َ َّ َ َ َّ ُ َ َ َّ ْ َ َ َ َ َف َخ َّف ْ
الد َّج ِال أخ َوف ِني َعل ْيك ْم ِإن َيخ ُر ْج َوأنا ِفيك ْم (غ ْي ُر َّ ض َت ِّف ِّيه ورفعت حتى ظنناه ِّفي طا ِّئف ِّة النخ ِّل ،فقال:
َ ُ َ َّ ُ َ َ َََ َ ُ ُ ُ َ ُ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ ََ ْ ُ ُ ْ َ ْ ٌُ َ ُ َ ْ
اَّلل خ ِليف ِتي َعلى ك ِ ِّل ُم ْس ِل ٍم) ..الحديث... يج نف ِس ِه و فأنا ح ِجيجه دونكم و ِإن يخرج ولست ِفيكم فامرؤ ح ِج
َ ْ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ َ ُ َ ْ َْ َ َ َ ُْ
وفيه قال عليه الصالة والسالم( :ف َم ْن أ ْد َرك ُه ِمنك ْم -أي الدجال -فليقرأ علي ِه فوا ِتح سور ِة الكهف)،
الحديث رواه اإلمام مسلم.
ففي هذه الحديث بيان لفضل اآليات التي افتتحت بها سورة الكهف ،وأنها تعصم بعد هللا عز وجل من أعظم
ً ً
فتنة على وجه األرض ،وهي فتنة الدجال ،وهذا بال شك يدل داللة واضحة على فضيلة هذه اآليات ،ويستحب
حفظها ،وتحفيظها كذلك األوالد من الذكور واإلناث عل هللا عز وجل أن يحفظنا من هذه الفتنة العظيمة،
َّ ُ ُ
نبي إال قد حذر أ َّم َته ، فتنة َّ
الد َّجال ،فإنه لم يكن ٌّ
ِ التي قال عنها النبي صلي هللا عليه وسلم( :أما
ِّ ْ ٌّ ُ ُ َ ِّ ُ ُ
نبي أ َّم َته) ،فدلنا النبي -صلي هللا عليه وسلم -وهو الرؤوف الرحيم بهذه يحذره
ِ لم بحديث
ٍ موهك وسأح ِذر
األمة إلى ما يعصمنا من هذه الفتنة؛ وهي قراءة فواتح سورة الكهف.
- 87 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
.4قد يخص النبي صلي هللا عليه وسلم بعض اآليات بقراءتها في صالته يكررها في كل يوم ،أو في كل يومين،
ُ ْ َّ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ
اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َم َي ْق َرأ ِّفي َرك َع َت ْي اّلل صلى ومن ذلك :ما رواه ابن عباس -رض ي هللا تعالى عنهما -قال" :كان رسول ِّ
َ َ َ َ َ َّ ُْ َ ْ َ ْ ُ ُ َ َّ َّ
اّلل َو َما أن ِّز َل ِّإل ْي َنا} ]البقرة َ [ 136 :وال ِّتي ِّفي ِّآل ِّع ْم َر َان { ت َعال ْوا ِّإلى ك ِّل َم ٍة َس َو ٍاء َب ْين َنا
الفج ِّر {قولوا آمنا ِّب ِّ
ُ
َو َب ْي َنك ْم} ]آل عمران ،"[64 :الحديث رواه اإلمام مسلم.
.5وقد يتلو النبي صلى هللا عليه وسلم آيات معينة في أماكن خاصة وأزمنة محددة ،ومن ذلك :ما رواه ابن
َّ ُ َ َ َ ْ َ ً ْ َ َ ْ ُ َ َ ُ ْ ُ ْ َ َ َ َ َ ُ ُ َ َ َ ْ َ
اضط َج ْع ُت ِّفي عباس -رض ي هللا تعالى عنهما -قال" :أنه بات ليلة ِّعندميمونة أ ِّم املؤ ِّم ِّنين و ِّهي خالته قال ف
َ ْ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ْ ُ ُ ُ َ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ ََّ
اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم وأهله ِّفي ط ِّولها فنام رسول ِّ ض ال ِّوساد ِّة واضطجع رسول ِّ عر ِّ
َ َّ َ
اّلل َعل ْيه َو َسل َم ف َج َع َل َي ْم َس ُح َّ َّ
صلى َّ ُ ُ ُ َّ
اّلل َ َ َ
ْ َْ ْ ََُْ َ َ َ
ْ ْ ْ ُ َ َ َ َّ َ َ َّ ْ َ َ
الن ْو َم ِّ حتى انتصف اللي ُل أو قبله ِّبق ِّل ٍيل أو بعده ِّبق ِّل ٍيل استيقظ َرسول ِّ
ََ
ضأ ِّم ْن َها فأ ْح َس َن
ْ َ َ ُ َّ َ َ َ َ ُ َ َّ َ َ َ َ َّ َ
ور ِة ِآل ِعمران ثم قام ِّإلى ش ٍن معلق ٍة فتو َع ْن َو ْجهه ب َيده ُث َّم َق َرَأ ْال َع ْش َر ْاآل َيات ْال َخ َوات َم م ْن ُس َ
ِ ِ ِ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
َ ُ َّ َ َّ َّ َّ
ص َن َع َر ُسو ُل اّلل َ ْ
ص َن ْع ُت مث َل َما َ َ َ
ال ْاب ُن َع َّباس ف ُق ْم ُت ف َ َ َّ وء ُه ُث َّم َق َام ف َ
َ
اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َم ث َّم ذ َه ْب ُت صلى ُ
ِّ ِّ ٍ
صلى ق َ ض َ ُو ُ
َ ُ ْ ُ َ َ ْ َ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ُ ْ ُ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ُ ُ ْ ُ ْ َ َ ْ ُ َ َ َ َّ
صلى اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم يده اليمنى على رأ ِّس ي وأخذ ِّبأذ ِّني اليمنى يف ِّتلها ف فقمت ِّإلى جن ِّب ِّه فوضع رسول ِّ
َ ْ َ َ ْ ُ َّ َ ْ َ َ ْ ُ َّ َ ْ َ َ ْ ُ َّ َ ْ َ َ ْ ُ َّ َ ْ َ َ ْ ُ َّ َ ْ َ َ ْ ُ َّ َ ْ َ َ ُ َّ ْ َ َ َ َ َّ َ َ ْ ُ َ ُ َ َ َ َ َ َّ
صلى ركعتي ِّن ثم ركعتي ِّن ثم ركعتي ِّن ثم ركعتي ِّن ثم ركعتي ِّن ثم ركعتي ِّن ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاء املؤ ِّذن فقام ف
الص ْب َح" .الحديث في صحيح مسلم ،ويعلق اإلمام النووي على هذا الحديث ص َّلى ُّ َر ْك َع َت ْين َخف َيف َت ْين ُث َّم َخ َر َج َف َ
ِّ ِّ ِّ
بقوله :وفيه استحباب قراءة هذه اآليات عند القيام من النوم.
أيضا ما رواه جابر بن عبد هللا -رض ي هللا عنهما -في حديثه الطويل في صفة حج النبي صلي هللا عليه وسلم
بعا ،ثم نفذ إلي مقام إبراهيم -عليه السالم وفيه قال" :حتى إذا أتينا البيت استلم الركن فرمل ثالثا ،ومش ي أر ً
َّ َ ْ َ َ ُ َ ًّ ُ ْ
صلى} فجعل املقام بينه وبين البيت ،فكان أبي يقول :وال أعلم ذكره إال -فقرأ{َ :و َّات ِّخذوا ِّمن مق ِّام ِّإبر ِّاهيم م
اّلل َأ َح ٌد} ،و{ ُق ْل َيا َأ ُّي َها ْال َكاف ُر َ
ون} ،ثم رجع إلي عن النبي صلي هللا عليه وسلم :كان يقرأ في الركعتينُ { :ق ْل ُه َو َّ ُ
ِّ
الركن فاستلمه ثم خرج من الباب" .الحديث
هذه طرف لفضائل السور وفضائل اآليات التي ورد عن النبي صلى هللا عليه وسلم ذكرها ،أو في املحافظة عليها،
أو في الحث على قراءتها .ونستطيع أن نجمع تلك الفضائل في أربعة مضامين أو على أربعة اعتبارات وهي:
.1باعتبارالنظرإلي ما اشتملت عليه السور أو اآليات من املعاني:
فقد خص النبي صلي هللا عليه وسلم بعض السور واآليات من بين سور القرآن الكريم ببعض الفضائل ملا
اشتملت عليه من املعاني ،ومن ذلك علي سبيل املثال:
َّ ُ ُ ُ ُ ُ َّ
عليه
هللا صلى هللا ِّ املسجد ،فدعاني رسول ِّ ِّ صلي في
ما رواه ابو سعيد بن املعلى -رض ي هللا عنه -قال" :كنت أ ِّ
ُ َ ُ ْ َ ُ َّ
َّلل َو ِل َّلر ُسو ِل ِإذا َد َعاك ْم
يقل هللا{ :است ِجيبوا ِ ِ ألم ( : كنت ُأصليَ ،
فقال فقلت :يا سو َل هللا ،إني ُ
ِّ ر فلم ُأ ْ
جب ُهُ ، َّ
وسل َم ْ
ِ ِّ
- 88 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
املسجد) ثم أخذ منتخرج ََ السو ِر في القر ِّآن ،قبل أن أعظم َ ُ ً
من َك سورة هي يك ْم}) ،ثم قال لي ُ ( :ألعل َّ َ ُ ْ ُ
ِملا يح ِي
ِ ِّ
ُ ً ُ قلت ُله :ألم ْ يخرجُ ،
هلل ر ِ ِّب
سورة في القر ِّآن .قال{( :الحمد ِ ٍ ُ
أعظم من َك سورة هي تقل :ألعل َّ
ِّ
بيدي فلما أراد أن َ َّ
ُ ُ
العظيم الذي أوتيت ُه) .وهذا الفضل -وهللا أعلم -ملا اشتملت عليه هذه ُ السبع املثاني ،والقرآن ُ العا ِملين} هي
السورة من املعاني العظيمة والدالئل الجليلة التي اشتمل عليها جميع القرآن ،من الثناء علي هللا عز وجل،
أمر، والتعبد بأمره ونهيه ،وبيان وعده ووعيده ،ولذلك سميت بأم الكتاب وأم القرآن ،والعرب تسمي كل جامع ٍ
أو متقدم ألمر اذا كانت لو توابع تتبعه ،هو لها إمام.
َ َ ُْْ ََ
وعن أبي بن كعب -رض ي هللا عنه -قال" :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلمَ ( :يا أ َبا املن ِذ ِر ،أت ْد ِري أ ُّي َآي ٍة ِم ْن
الَ ( :يا َأ َبا ْاملُ ْنذرَ ،أ َت ْدري َأ ُّي َآية م ْن ك َتاب َّ
اَّلل َم َع َك َ َّ َ َ َ َ ْ َ ُ َ َ ُ ْ ُ َّ ُ َ َ ُ ُ ُ َ ْ َ ُ َ
ق اَّلل معك أعظم؟) قال :قلت :اّلل ورسوله أعلم،
َ
ٍ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ اب ِ ِ ِكت
َ ْ ْ َ الَ ( :و َّ ََ صْ الَ :ف َ َّ ُ َ َ ُ َ ْ َ ُّ ْ َ ُّ ُ َ َ ْ َُ َ َ ُ
اَّلل ِل َي ْه ِنك ال ِعل ُم أ َبا
ِ َ قو ،ي رِّ د ض َر َب في َ
ِّ
َ ق ، } وم يق ال ي ح ال و ه ال إ ه
ِّ ِّل إ ال اّلل { لت: ق أعظم؟) قال:
ُْ
نذر) ".فهذه اآلية أعظم آيات القرآن وأفضلها ،وأجلها ،وذلك ملا اشتملت عليه من األمور العظيمة، امل ِ
والصفات الكريمة هلل سبحانه وتعالي ،ولهذا كثرت األحاديث في الترغيب في قراءتها ،وجعلها ور ًدا لإلنسان في
ومساء ،بل وعند نومه وفي أدبار صالوته. ً أوقاته صباحا
.2باعتبارالنظرإلى ما يترتب علي قراءتها من األجروالثواب:
ْ َّ ُ َ ُ
صار َي ُؤ ُّم ُه ْم في َم ْسجد ق َباءَ ،وك َ َ ْ
ان َر ُج ٌل م ْن األ ْن َ ومثال ذلك ما رواه أنس -ض ي هللا عنه -قال "َ :ك َ
ان كل َما اف َت َت َح ِّ ِّ ٍ ِّ ِّ ِّ ر
ُ ً ُ ُ َ
ْ ُ َ َّ ُ َ ٌ َ َّ َ ْ ُ ْ َ َّ َ ْ َ ُ َ ْ َ ُ ْ ُ َّ َ ُ ًَ ُ َ
ورة أخ َرى َم َع َها، الصال ِّة ِّم َّما َي ْق َرأ ِّب ِّه اف َت َت َح ِّب ـ ـ {قل هو اّلل أحد} ،حتى يفرغ ِّمنها ثم يقرأ س ورة َي ْق َرأ ِّب َها ل ُه ْم ِّفي س
ُّ َ ُ َّ َ َ َ َ َّ َ ُ ْ ُ َ َ َّ َ ْ َ َ َ ُ َ َ َّ َ َ ْ ُ َ َو َك َ
ص َح ُاب ُه ف َقالوا ِّإ َّن َك ت ْف َت ِّت ُح ِّب َه ِّذ ِّه السور ِّة ثم ال ترى أنها تج ِّزئك حتى تقرأ ص َن ُع ذل َك في كل َرك َعة ٍ،فكل َم ُه أ ْ
ِّ ِّ ِّ
ان َي ْ
ال َما َأ َنا ب َتارك َها ،إ ْن َأ ْح َب ْب ُت ْم َأ ْن َأ ُؤ َّم ُك ْم ب َذل َك َف َع ْل ُت َوإنَْ ب ُأ ْخ َرى َفإ َّما َت ْق َ ُرأ ب َها َوإ َّما َأ ْن َت َد َع َها َو َت ْق َ َرأ ب ُأ ْخ َرىَ ،فقَ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
َ ْ ُ ْ َ َ ْ ُ ُ ْ َ َ ُ َ َ ْ َ َ َّ ُ ْ َ ْ َ ْ َ َ ُ َ ْ َ ُ َّ ُ ْ َ ْ ُ ُ َ َ َّ َ َ ُ ْ َّ ُّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ ََّ
ك ِّرهتم تركتكم ،وكانوا يرون أنه ِّمن أفض ِّل ِّهم وك ِّرهوا أن يؤمهم غيره ،فلما أتاهم الن ِّبي صلى اّلل علي ِّه وسلم
وم َه ِذ ِه زص َح ُاب َك َو َما َي ْحم ُل َك َع َلى ُل ُ الَ ( :يا ُف َال ُن َما َي ْم َن ُع َك َأ ْن َت ْف َع َل َما َي ْأ ُم ُر َك به َأ ْ وه ْال َخ َب َر َف َق َ َأ ْخ َب ُر ُ
ِ ِ ِِ
اها َأ ْد َخ َل َك ْال َج َّن َة) ".الحديث رواه البخاري ً الُ ( :ح ُّب َك إ َّي َ ال :إ ِّني ُأ ِّح ُّب َهاَ ،ف َق َََ َ ُ ِّ َ ْ َ ُّ َ
معلقا ِ السور ِة ِفي ك ِل ركع ٍة؟) ،فق ِّ
بصيغة الجزم .وأي ثواب أعظم من دخول الجنة.
وورد في فضل هذه السورة (سورة اإلخالص) أنها تعدل ثلث القرآن .فعن أبي هريرة -رض ي هللا عنه -قال :
َ ُ َ َ َ َ ِّ َ ْ ُ َ ُ ُ ُ َ ْ ُ َ َ َ ُ ُل َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ ْ ُ
احش ُدوا ف ِإ ِني َسأق َرأ َعل ْيك ْم ثلث الق ْر ِآن) ف َحش َد َم ْن َحش َد ،ث َّم خ َر َج اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم ( : "قال رسو ِّ
َ َ ُ َ َ َ َ ُ َ ُ َّ ُ َ َ َ َّ َ ص َّلى ُ
َّ
اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َم فق َرأ{ :ق ْل ُه َو اَّلل أ َح ٌد} ث َّم َدخ َل ،فق َ
ال َب ْع ُ َ ُّ َّ
ضِّ :إ ِّني أ َرى َهذا خ َب ٌر َج َاء ُه
ٍ
ضنا ل َب ْ
ع ِّ
اّلل َ
ِّ ن ِّبي
ْ َّ َ َ َ َ َّ َ ْ َ َ ُ ُ َّ َ َ َ َ ُّ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َ ِّ ُ ْ ُ َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ َ َ ْ ُْ
اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم فقالِ ( :إ ِني قلت لكم سأقرأ عليكم ِّمن السم ِّاء ،فذاك ال ِّذي أدخله ،ثم خرج ن ِّبي ِّ
- 89 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
ُ َ ْ
ال ُع َم ُر ف َح َّرك ُت َب ِّع ِّيري ث َّم ات ُك ُّل َذ ِّل َك َال ُيج ُيب َك َق َ َّ َ َ َ َ ُ َ ُ َ َ ْ َ َ ُ َ َّ َ َّ َّ ُ َ َ
صلى اّلل عل ْي ِّه َو َسل َم ثالث َم َّر ٍ يا عمر نزرت رسول ِّ
اّلل
ِّ
ال َف ُق ْل ُت َل َق ْد َخش ُ َ َ َ َّ ْ ُ َ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ ُ ْ َ ْ َ َّ ُ ْ ٌ َ َ َ ْ ُ ْ َ ْ ُ َ ً َ ْ ُ ُ َ
َ َ
يت ِّ ق تقدمت أمام املس ِّل ِّمين وخ ِّشيت أن ين ِّزل ِّفي قرآن فما ن ِّشبت أن س ِّمعت صا ِّرخا يصرخ ِّبي
ُ
َ ْ َ ُ َ َ َ َ َّ ُ ْ ٌ َ ْ ُ َ ُ َ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َّ ْ ُ َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ ْ َ
ال( :لق ْد أن ِزلت َعل َّي اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم فسلمت علي ِّه فق أن يكون نزل ِّفي قرآن و ِّجئت رسول ِّ
َ َ َ َ َّ ْ َ َ ُ َ ٌ َ َ َ َ ُّ َ َّ َّ َ َ َ ْ َ َ ْ َّ ْ ُ ُ َ
س) ث َّم ق َرأ { ِّإ َّنا ف َت ْح َنا ل َك ف ْت ًحا ُم ِّب ًينا}" .وهذا األثر في فضائل الليلة سورة لهِي أحب ِإلي ِمما طلعت علي ِه الشم
السور هو أثر معنوي.
ً
استحبابا: .4باعتبارالنظرإلى تالوة سورة أو آية معينة في أزمان محددة ،وذلك إما ً
وجوبا ،أو
-من أمثلة التالوة الواجبة :تالوة سورة الفاتحة في الصالة ،ففي الحديث ":ال صالة ملن لم يقرأ بفاتحة الكتاب".
-ومن األمثلة علي التالوة املستحبة :تالوة النبي صلي هللا عليه وسلم لسور معينة في الصالة مثل :سور املؤمنون،
والسجدة ،والليل ،وق ،والطور ،والقلم ،واملنافقون ،واإلنسان ،واملرسالت ،هذه السور كلها وردت فيها
أحاديث تدل علي أن النبي صلى هللا عليه وسلم كان يقرأها بين الحين واآلخر في صالته ،أو خارج الصالة مثل:
سورة البقرة وآل عمران ،كما مر معنا في حلقات ماضية ،كذلك سورة الزلزلة ،وسور املعوذتين ،أو آيات
محددة في الصالة ،آيات قبل سور ،أو قد تكون آيات محددة كان يقرأ بها النبي صلى هللا عليه وسلم في صالته،
ْ ُ َّ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ
اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َم َي ْق َرأ ِّفي َرك َع َت ْي اّلل صلى ومن ذلك ما رواه ابن عباس -رض ي هللا عنهما -قال" :كان رسول ِّ
َ َ َ َ َ َّ ُْ َ ْ َ ْ ُ ُ َ َّ َّ
اّلل َو َما أن ِّز َل ِّإل ْي َنا} ]البقرة َ [ 136 :وال ِّتي ِّفي ِّآل ِّع ْم َر َان { ت َعال ْوا ِّإلى ك ِّل َم ٍة َس َو ٍاء َب ْين َنا الفج ِّر {قولوا آمنا ِّب ِّ
ُ
َو َب ْي َنك ْم} ]آل عمران ،"[64 :أو في خارج الصالة كما في حديث جابر -رض ي هللا عنه -في صفة حجه عليه الصالة
الص َفا والسالم ،وفيه :ثم رجع إلي الركن فاستلمه ،ثم خرج من الباب إلي الصفا ،فلما دنا من الصفا قرأ{ :إ َّن َّ
ِّ
َ َّ َ َ َ َ َّ َ َ ْ َ َّ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ َ ُ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ َْ َ َ
اح َعل ْي ِّه أن َيط َّوف ِّب ِّه َما ۚ َو َمن تط َّو َع خ ْي ًرا ف ِّإ َّن اّلل ش ِّاك ٌر
َ اّلل ۖ فمن حج البيت أ ِّو اعتمر فال جن وامل ْروة ِّمن شعا ِّئ ِّر ِّ
يم} [البقرة".]158: َع ِّل ٌ
فهذه أربعة مضامين تجمع ،وتربط بين مجموع فضائل السور ،سواء كانت فضائل لسور مفردة ،أو لسور ثنائية،
أو ملجموعة سور ،وكذلك تجمع فضائل اآليات القرآنية ،سواء كانت آية واحدة ،أو آيتين ،أو مجموعة آيات.
تلك املضامين اختصارا هي:
أوال :ما يكون بالنظر إلى ما اشتملت عليه السور أو اآليات من املعاني.
ثانيا :بالنظر إلى ما يترتب عليها من األجر والثواب ،سواء كانت سورة ،أو كانت آية.
ثالثا :بالنظر إلى ما يترتب عليها من أثر حس ي أو معنوي.
وجوبا ،أو اس ً
تحبابا ،سواء كانت سور أو آيات. رابعا :بالنظر إلى تالوتها في أزمان محددة ،إما ً
- 91 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
أكتفي بهذا القدر ،ونواصل الحديث في الحلقة القادمة ،وسيكون حديثنا بإذن هللا عز وجل عن مسألة تفاضل
القرآن ،وهل القرآن آياته وسوره فضلها واحد؟ أو أن هناك تفاضل ،فتكون بعض السور أفضل من بعضها؟
وبعض اآليات تكون أفضل من بعض اآليات؟.
أسأل هللا عز وجل لي ولكم التوفيق والسداد ،وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العاملين ،وصلي هللا وسلم على نبينا
محمد.
- 92 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
علوم القرآن
د .عمرعبد العزيزالدهيش ي
املحاضرة السابعة عشرة
بسم هللا الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العاملين وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،وبعد
فهذه هي الحلقة السابعة عشرة من الحلقات املتعلقة بعلوم القرآن .بادئ ذي بدء أحيي الجميع بتحية اإلسالم
السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته ،وأسأل هللا َع َّز َو َج َّل لي ولكم التوفيق والتسديد ،اللهم يا معلم داود علمنا ويا
مفهم سليمان فهمنا ،اللهم إني أسألك علما نافعا وعمال صالحا متقبال.
نواصل الحديث في هذه الحلقة في علم فضائل القرآن ،وقد تكلمنا في حلقتين مضتا عن فضائل القرآن عموما -
الفضائل العامة للقرآن كله ،-ثم تكلمنا عن فضائل سور القرآن ثم انتهى بنا الحديث إلى فضائل آيات القرآن،
وفي كل نوع تكلمنا عن جملة من املعاني التي اشتملت عليها ،وهي ملاذا خصت هذه السور أو هذه اآليات ،وذكرنا
أمثلة لذلك بحديث النبي صلى هللا عليه وسلم ،وختمنا الحديث بأن فضائل السور وفصائل اآليات ،قد تجمع في
أربع مضامين ،وقد سبق ذكرها .في هذه الحلقة سنتكلم عن مسألة جديدة وهي مسألة تفاضل القرآن،
✓ تفاضل القرآن
يث}... د اّلل َن َّز َل َأ ْح َس َن ْال َ
ح القرآن الكريم هو كالم هللا عز وجل ،وهو خير الكالم ،هو أحسن الحديث ،قال تعالىُ َّ { :
ِّ ِّ
اآلية [الزمر ،]23:وفي الحديث" :أفضل الكالم بعد القرآن أربع وهي من القرآن ،ال يضرك بأيهن بدأت :سبحان هللا،
والحمد هلل ،وال إله إال هللا ،وهللا أكبر" رواه أحمد .في هذا الحديث يقول النبي صلى هللا عليه وسلم" :أفضل الكالم
بعد القرآن" ،مما يدل على أن القرآن وهو كالم هللا أفضل الكالم على اإلطالق ،وما سواه من كالم البشر فهو
مفضول ،وإذا كان كالم هللا سبحانه وتعالى أفضل الكالم على اإلطالق ،إال أنه يتفاضل ،كالم هللا عز وجل في
القرآن يتفاضل ،فبعضه أفضل من بعض ،على قول أئمة الفقهاء وأكثر السلف ،كما تدل عليه الفضائل السابقة
لبعض سور القرآن وآياته التي ذكرناها من قبل ،ومنها على سبيل املثال :فضل سورة الفاتحة ،وقد ذكرنا الحديث
في ذلك ،وذلك ملا اشتملت عليه هذه السورة من املعاني وحوته من الدالالت.
قد أفاض شيخ اإلسالم ،ابن تيمية -رحمه هللا تعالى ،-في االستدالل لهذه املسألة ،مسألة :هل كالم هللا بعضه
أفضل من بعض أم ال؟ وبين -رحمه هللا تعالى -أن الصحيح في املسألة أن القرآن يتفاضل ،فبعضه أفضل من
بعض ،يقول رحمه هللا تعالى :
- 93 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
ً ً
(( والناس متنازعون فيه نزاعا منتشرا فطوائف يقولون :بعض كالم هللا أفضل من بعض ،كما نطقت
النصوص النبوية :حيث أخبر عن (الفاتحة) أنه لم ينزل في الكتب الثالثة مثلها ،وأخبر عن سورة (اإلخالص) أنها
تعدل ثلث القرآن وعدلها لثلثه يمنع مساواتها ملقدارها في الحروف ،وجعل (آيه الكرس ي) أعظم آية في القرآن كما
َ
ثبت ذلك في الصحيح أيضا وكما ثبت ذلك في صحيح مسلم أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ألبي بن كعبَ ( :يا أ َبا
َ ََ َّ َ َ َ َ ْ َ ُ َ َ ُ ْ ُ َّ ُ َ َ ُ ُ ُ َ ْ َ ُ َ َ َ ْ ُ ْاملُ ْنذرَ ،أ َت ْدري َأ ُّي َآية م ْن ك َ
الَ ( :يا أ َبا امل ْن ِّذ ِّر ،أت ْد ِّري أ ُّي َآي ٍة اّلل معك أعظم؟) قال :قلت :اّلل ورسوله أعلم ،ق اب ت
ٍ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
اّلل ل َي ْهنكََ ْ ي َ َ َ َ َّ َ َ َ َ ُ َ ْ َ ْ َ ُ َ َ ُ َّ ُ
ال :قلت { :اّلل ال إله إال هو الح ُّي الق ُّيوم} ،ق َ َ َ ْ َ َ
اّلل معك أعظ ُم؟) ق ََ َ َّ َ ْ
ال :فض َرب ِّفي صد ِّر ،وقال( :و ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ اب ِّ ِّمن ِّكت َ ِّ
ً ْ ْ ُ َ ُْ
نذر) ،ورواه ابن أبي شيبة في مسنده بإسناد مسلم وزاد فيه (والذي نفس ي بيده! إن لهذه اآلية لسانا ال ِّعلم أبا امل ِّ
وشفتين تقدس امللك عند ساق العرش) ،وروي أنها سيدة آي القرآن .وقال في املعوذتين( :لم ير مثلهن قط)...))....
إلى أن قال ابن تيمية -رحمه هللا(( :-فالتوراة واإلنجيل والقرآن جميعها كالم هللا مع علم املسلمين بأن القرآن
َ
اب َو ُم َه ْي ِّم ًنا َعل ْي ِّه} ،...))... صد ًقا ملَا َب ْي َن َي َد ْيه م َن ْالك َ
ت ِّ أفضل الكتب الثالثة ،قال تعالىَ { :و َأ ْن َ ْزل َنا إ َل ْي َك ْالك َت َ
اب ب ْال َحق ُم َ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
ثم قال رحمه هللا(( :والقول بأن كالم هللا بعضه أفضل من بعض هو القول املأثور عن السلف ،وهو الذي عليه
أئمة الفقهاء من الطوائف األربعة وغيرهم ،وكالم القائلين بذلك كثير منتشر في كتب كثيرة)).
وفي موضع آخر يقول شيخ اإلسالم -رحمه هللا(( : -القرآن هل يتفاضل في نفسه ،فيكون بعضه أفضل من بعض؟
وهذا فيه للمتأخرين قوالن مشهوران :منهم من قال :ال يتفاضل في نفسه؛ ألنه كله كالم هللا ،وكالم هللا صفة له،
قالوا :وصفة هللا ال تتفاضل ،ال سيما مع القول بأنه قديم ،فإن القديم ال يتفاضل ،كذلك قال هؤالء في قوله
َ َ َ ْ ْ َ َ ْ ُ َ َ ْ َ ْ ْ َ َ ْ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ َّ َّ َ َ ُ َ َ
اّلل َعل ٰى ك ِّل ش ْي ٍء ق ِّد ٌير}[ ،البقرة ]106 :قالوا نسها نأ ِّت ِّبخي ٍر ِّمنها أو ِّمث ِّلها ۗ ألم تعلم أن
تعالى{ :ما ننسخ ِّمن آي ٍة أو ن ِّ
(بخير) إنما يعود إلى غير اآلية مثل نفع العباد وثوابهم .والقول الثاني :أن بعض القرآن أفضل من بعض ،وهذا
قول األكثرين من الخلف والسلف؛ فإن النبي صلى هللا عليه وسلم قال في الحديث الصحيح في الفاتحة :إنه لم
ينزل في القرآن وال في اإلنجيل وال الزبور وال القرآن مثلها ،فنفى أن يكون لها ِّمثل ،فكيف يجوز أن يقال :أنه متماثل؟
َّ َ َ َ َ ْ َ ُ َ َ ُ وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال ألبي بن كعبَ ( :يا َأ َبا ْاملُ ْنذرَ ،أ َت ْدري َأ ُّي َآية م ْن ك َ
ال :قلت: اّلل معك أعظم؟) ق اب ت
ٍ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
ُ ْ َ ْ ْ َ َّ َ
ص ْدريَ ،وق َ َ َّ ُ َ َ ُ َ ْ َ ُّ ْ َ ُّ ُ َ َ َ َ َ َ
نذر) ،فقد َّبين أن هذه َ
اّلل ِّل َي ْه ِّنك ال ِّعل ُم أبا امل ِّ
ال( :و ِّ
َ
{ اّلل ال ِّإله ِّإال هو الحي القيوم} ،قال :فضرب ِّفي ِّ
اآلية أعظم آية في القرآن ،وهذا َّبي َن أن بعض اآليات أعظم من بعض .وأيضا فإن القرآن كالم هللا والكالم يشرف
ً ً
املخبر عنه ،واألمر يشرف بشرف اآلمر باملتكلم به ،سواء كان خبرا أو أمرا ،فالخبر يشرف بشرف املخبر ،وبشرف ِّ
وبشرف املأمور به ......1)).....إلى آخر كالم ابن تيمية رحمه هللا تعالى.
مجموع فتاوى شيخ اإلسالم أحمد ابن تيمية ،المجلد السابع عشر. 1
- 94 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
وهذا الكالم يدل على أن الصحيح في هذه املسألة أن القرآن يتفاضل ،وأن بعض سوره أفضل من بعض ،وأن
بعض آياته أفضل من بعض كما هو الحال في آية الكرس ي ،فإنها أفضل آيات القرآن على اإلطالق ،وهذا القول هو
قول جماهير الفقهاء وأكثر ما عليه السلف الصالح.
وهنا أود أن أنبه الى مسألة :وهو أنه إذا قررنا أن القرآن يتفاضل ،فال يدل ذلك على أن املفضول غير فاضل ،بل
إن كل القرآن فاضل ،وكله كالم هللا عز وجل ،وكله أفضل الكالم على اإلطالق ،لكن هذا الكالم قد يتفاضل ،يكون
بعضه أفضل من بعض ،هناك فاضل ومفضول ،ومجموع اآليات والسور كلها فاضلة بال شك ألنها كالم هللا عز
وجل ،وكالم هللا عز وجل هو أفضل الكالم على اإلطالق ،هذا ما يتعلق بهذه املسألة مسألة تفاضل القرآن.
علم خصائص القرآن
نأتي اآلن الى علم جديد من علوم القرآن وهو علم خصائص القرآن والذي ال يخلو كتاب في علوم القرآن من ذكره،
ص ِّدر به كتابه مع صنوه من العلوم وهو علم فضائل القرآن ،تجده يذكر بل إن بعض من ألف في هذا العلم ُي َ
فضائل القرآن ثم يلحقه بخصائص القرآن ،فيا ترى هل للقرآن خصائص وله مزايا؟ نعم ،بال شك ،فقد اشتملت
جملة من األحاديث على ذكر تلك الخصائص ،وتنوعت وتعددت وهي كثيرة ،فاهلل عز وجل أنزل كتابه الخاتم
ً ً ً
محفوظا بحفظ هللا ومكلوءا بعناية هللا ،فال يمكن أن ُيزاد فيه وال أن ُينقص منه ،مشتمال على كل فضل ،حاويا
ً ً
كل بر ،مختصا بخصائص تميزه عن سائر الكتب السماوية السابقة فضال عن الكتابات األرضية الالحقة ،وسائر
ٌ ً ً ُ
سلطان باد ،وتأثيره ظاهر،
ما سواه من األدلة الشرعية ،فأخذه نماء ،وتركه بالء ،وحفظه رفعة ،وتالوته بركة ،أثره ٍ
َ َّ
يأسر القلوب ،وبرهان ُيبهر العقول ،أنى نظرت إليه في جانب من جوانبه هال َك رونقه ،وأبهرك مطلعه من خصائص
ً
احتفت به ،وشمائل اشتمل عليها ،شهد على ذلك األولياء بل وأقر بها األعداء ،فخصائص القرآن كثيرة جدا يعجز
عنها العد ،وال يمكن أن يحويها الكد.
✓ خصائص القرآن الواردة في السنة النبوية
وردت في األحاديث النبوية املطهرة مجموعة متعددة ومتنوعة من خصائص القرآن الكريم ،ويمكن أن نجمع تلك
الخصائص في عناوين رئيسة تجمع متفرقها ،وهي:
.1خصائص تتعلق باألثر الدنيوي واالنتفاع به
-أن أهل القرآن هم خير الناس وأفضلهم واملقدمون على غيرهم ،وهذه بال شك خصيصة من خصائص
َّ َّ
خيركم َمن تعلم القر َآن وعلمه"،
القرآن ،فعن عثمان رض ي هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلمُ " :
- 95 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
وعن أبي مسعود األنصاري البدري -رض ي هللا عنه -قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:
َ ُ " ُّ
هللا".
لكتاب ِّ
ِّ القوم أقرؤهم يؤم
-تأثير القرآن في النفوس ونزول الطمأنينة والسكينة على قلب قارئه ،فمن قرأه بتدبر شعر بأثر روحي يدب
في جسده ،وطمأنينة تسكن قلبه ،مما يظهر أثره على جوارحه ويحثه على العمل والتطبيق ،فها هو نبي هللا
صلى هللا عليه وسلم عندما قرأ عليه ابن مسعود رض ي هللا عنه آيات من سورة النساء لم يملك دموعه عليه
َّ ُّ َ َّ َّ ُ َ
اّلل َعل ْي ِّه ال ِّلي الن ِّبي صلى الصالة والسالم أن تخرج من خدرها ،فعن ابن مسعود -رض ي هللا عنه -قال" :ق َ
ََ َ َ َ َّ َ ْ َ ْ َ َ َّ ُ ْ ُ َ َ ُ َل َّ ْ َ ُ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ َل َ َ َ َ َ َ ْ ُ ُ َ َ
الن َس ِّاء َح َّتى أت ْي ُت ِّإلى
ال( :نع ْم) ،فق َرأت سورة ِّاّلل آقرأ عليك وعليك أن ِّز ق وسلم( :اقرأ علي) قلت يا رسو ِّ
َ ْ َ َ َ َ َ ُ َ َ ً َ َ َ ْ ُ َ ْ َ َ ْ َ َ ُّ َْ َ َ َ َ َ َْ ْ ُ ُ َ ْ
يد و ِّجئنا ِّبك على هؤال ِّء ش ِّهيدا} قال( :حسبك اآلن) ،فالتفت ِّإلي ِّه ه ِّذ ِّه اآل َي ِّة {فك ْيف ِّإذا ِّجئنا ِّمن ك ِّل أ َّم ٍة ِّبش ِّه ٍ
َْ َ َ َ
ف ِّإذا َع ْي َن ُاه تذ ِّرف ِّان".
-بل إن أثر القرآن يمتد إلى الحيوانات ويؤثر فيها ،فال ريب وال غرو هو كالم هللا عز وجل الذي احتفت به
َ الخصائص واملزايا ،فعن البراء بن عازب -رض ي هللا تعالى عنه -قال" :كان ر ٌ
الكهف ،وإلى جانبه
ِّ جل يقرأ سورة
ٌ ُّ َ ٌ
النبي فرسه ُ
ينفر ،فلما أصبح أتى َّ سحابة ،فجعلت تدنو وتدنو ،وجعل ُ فتغشته حصان مربوط بشط َن ِّين،
ٌ
ُ
السكينة َّ َّ َّ ُ
تنزلت بالقر ِّآن)" ،الحديث في البخاري ،وفي لفظ عليه وسل َم فذكر ذلك له ،فقال( :تلك صلى هللا ِّ
مسلم" :تنزلت للقرآن" ،يقول النووي في معنى السكينة هنا :املختار أنها ش يء من املخلوقات فيه طمأنينة
ورحمة ومعه املالئكة .وهللا أعلم.
.2خصائص تتعلق باألجراألخروي وعظيم الثواب
َّ َ َ َ ْ ُ َ ُ َ َّ َ َّ َّ ُ َ َُ َ َ ْ
اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َم َي ُقو ُل: اّلل صلى
ِّ لوس تعم
ِّ ر س الق عنه هللا ي ض َ
-شفاعة القرآن ألهله :فعن أبي أمامة ِّ ِّ ر
يل اه ب ال
ص َح ِّاب ِّه).يعا َأل ْ
(اق َر ُءوا ْال ُق ْر َآن َفإ َّن ُه َي ْأتي َي ْو َم ْالق َي َامة َشف ً
ْ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
-القرآن إما يكون حجة لصاحبه أو يكون حجة عليه -وال حول وال قوة إال باهلل ،-فعن أبي مالك األشعري
َْ ُ َ ُ ور َش ْط ُر اإل ْ ُّ
هلل ت ْمأل امليز َان،
ِّ د م والح ،ان مَ
ِّ ِّ ي (الط ُه ُ رض ي هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:
والص َد َق ُة ُب ْر َه ٌ الة ُن ٌَ َّ ُ َ هلل َت ْمآلن َ -أو َت ْم ُأل َ -ما َب ْي َن َّ َ ُ ُ ْ َ َ
الص ْب ُر
انَ ،و َّ َّ ور، ض ،والص ِّ رالس َم ِّاء واأل ْ
ِّ هللا والح ْمد ِّ وسبحان ِّ
َ َ ْ َ َ الق ْر ُآن ُح َّج ٌة َل َك َأو َع َل ْي َكُ ،ك ُّل َّ
اس َيغ ُدو ف َبا ِّئ ٌع ن ْف َس ُه ف ُم ْع ِّت ُق َها أو ُم ِّوب ُق َها) رواه مسلم. ِّ الن ض َي ٌاءَ ،و ُ
ِّ
قال النووي في التعليق على هذا الحديث" :أي تنتفع به إن تلوته وعملت به ،وإال فهو حجة عليك"،
وقال القرطبي" :يعني أنك إذا امتثلت أوامره واجتنبت نواهيه كان حجة لك في املواقف التي تسأل منه عنه،
كمساءلة امللكين في القبر ،واملساءلة عند امليزان ،وفي عقاب الصراط ،وإن لم يمتثل ذلك احتج به عليك،
- 96 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
ويحتمل أن يراد به أن القرآن هو الذي ينتهى إليه عند التنازع في املباحث الشرعية والوقائع الحكمية ،فبه
تستدل على صحة دعواك ،وبه يستدل عليك خصمك".
-ولذا ورد أن القرآن يحبس أقواما في النار -وال حول وال قوة إال باهلل -وال تنفعهم شفاعة الشافعين ،ففي
حديث الشفاعة الذي رواه أنس بن مالك -رض ي هللا تعالى عنه -عن النبي صلى هللا عليه وسلم ،واملحدث هو
آدم فيقولون :أنت أبو استشف ْعنا إلى ربنا ،فيأتون َ َ يجت ِّم ُع املؤمنون يوم القيامة فيقولون :لو البخاري قالَ " :
ِّ َّ َ
يحنا من أسماء كل َش يء ،فاشفع لنا عند ربك حتى ير َ َ ك وعل َ
م ه، َ
مالئكت لك وأسجد بيده، هللا ك ق خل َ اس، َّ
َ ِّ ٍ ِّ الن ِّ
فإنه َّأو ُل رسول بعثه هللا إلى أهل األرض. نوحا؛ َّ ائتوا ً فيستحيُ ، َ لست ُهناكم ،ويذكر ذنبه مكاننا هذا .فيقولُ :
خليل َّ َ سؤاله رَّ َ َ
حمن.ِّ الر ائتوا :ل فيقو فيستحي، علم به له ليس ما ه ب ويذكر هناكم، لست : ل فيقو ن فيأتو
عبدا كل َمه هللا وأعطاه التوراة .فيأتونه فيقولُ : َّ لست هناكم ،ائتوا موس ىً ، فيأتونه فيقولُ :
لست هناكم،
وكلمة هللا و ُر ََ َ َ َ َّ
وحه. هللا ورسوله، فس بغير نفس ،فيستحي من رِّبه ،فيقول :ائتوا عيس ى عبد ِّ ويذكر قتل الن ِّ
تأخ َر، غف َر هللا له ما َتق َّد َم من َذنبه وما َّ عبدا َ وسلمً ، َّ
عليه صلى ُ
هللا
َّ ً َّ
لست هناكم ،ائتوا محمدا فيقولُ :
ِّ ِّ
َ
في َد ُعني ما شاء هللا ،ثم يقال: ساجداَ ، ً ُ
وقعت أستأذ َن على ربي فيؤذ َن لي ،فإذا رأيت رِّبي ِّ فأنطل ُق حتى ِّ فيأتونني،
َ ُ َ َّ ُ َ ْ َ ُ ار َف ْع رأسكَ ،
فيح ُّديعل َمنيه ،ثم أشف ُعُ ، َ
بتحميد ِّ
ٍ فأحمده سم ْع ،واشف ْع تشف ْع .فأرف ُع رأس يَ ، وقل ُي َ
وس ْل تعطهْ ،
الجن َة ،ثم ُ
أعود حدا فأدخ ُلهم َّ في ُح ُّد لي ًّ أشف ُع َ أيت بي م َثله ،ثم َ الجن َة ،ثم أعود إليه ،فإذا ُ حدا ُفأدخ ُلهم َّ لي ًّ
ِّ ر ر ِّ ِّ
ُ ووج َب عليه حب َسه القر ُآنَ ، النارإ َّال َمن ََّ َ َّ َ
الخلود" الرابعة فأقول :ما ِبقي في ِ
-وهذا األجر وذاك األثر يحصل ملن قرأ القرآن بتدبر وتعقل وفهم ملراد هللا عز وجل ،وقاده ذلك إلى العمل
بالطاعات واجتناب املنهيات ،أما من اقتصر على مجرد القراءة بال تدبر وعمل فإنه ال يحصل له أي ش يء من
تلك الخصائص ،فعن أبي سعيد الخدري -رض ي هللا عنه -قال :سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول:
َ
ويقرؤو َن
عملهم َ ، َ
صيامهم ،وعملكم مع ِّ ِّ معوصيامكم َ
َ صالتهم ،
ِّ مع
َ
صالتكم َ قوم َتحق َ
رون يخرج فيكم ٌ ِّ
" ُُ
ُ
ينظ ُر في النصل فال َيرى ً الرم َّ السهم َ
ُ َ ُُ مرقو َن َ
القر َآن ال ُيجاو ُز حناج َرهم َ ،ي ُ
شيئا ، ِّ ، ة
ِّ ي ِّ من قمري كما الدين ِّ من ِّ ِّ
َ َ ً َ ُ ُ ً َ ُ
وينظ ُ
الريش فال يرى شيئا ،ويتمارى في الفو ِّق" ،رواه البخاري .واملقصود ِّ في ر وينظ ، اشيئ ى ر فالي القدح
ِّ في ر
أن هناك قوم يقرأون القرآن قراءة جوفاء عن التدبر والتأثر والعمل ،قراءة ال خير فيها وال تجاوز ألسنتهم،
ولن تنفع صاحبها ،وبالتالي لم ينتفع باألجر والثواب املتعلق بتالوة هذا الكتاب بتدبر والعمل به.
.3خصائص تتعلق بتالوته ومدارسته وتعاهده ومراجعته
-تحسين الصوت والتغني به ،فعن أبي هريرة -رض ي هللا عنه -أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال (َ ":ما َأذ َن ُ
هللا ِّ
وسئل الشافعي ل َش ْي ٍء َما َأذ َن لل َنبي َي َت َغ َّنى ب ْال ُق ْرآن) ،قال سفيان بن عيينة :تفسيره :يستغني به" ،رواه البخاريُ .
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ٍ ِّ
- 97 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
-رحمه هللا -عن تأويل ابن عيينة فقال" :نحن أعلم بهذا ،لو أراد به االستغناء لقال(( :من لم يستغن بالقرآن))،
التغني" ،ويشهد لقول الشافعي الرواية األخرى ملسلم وفيها: َّ
ولكن ملا قال(( :يتغنى َبالقرآن)) ،علمنا أنه أراد به ِّ
َ ْ َ(ما َأذ َن َّ ُ
اّلل ِّل َش ْي ٍء َما أ ِّذ َن ِّل َنبي َح َسن َّ
الص ْو ِّتَ ،ي َتغ َّنى ِّبال ُق ْر ِّآن َي ْج َه ُر ِّبه). ِّ ِّ ٍ ِّ
أكتفي بهذا القدر ،ونواصل الحديث بإذن هللا َع َّز َو َج َّل عن خصائص القرآن في حلقة قادمة ،وفق هللا الجميع ملا
-
قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات :أخت في هللا
قام باملراجعة األولى والتدقيق :خلدون األتاس ي.
قام باملراجعة والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي :رئيفة درويش
اإلشراف العام على فريق العمل :رئيفة درويش
- 98 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
علوم القرآن
د .عمرعبد العزيزالدهيش ي
املحاضرة الثامنة عشرة
بسم هللا الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العاملين ،وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ُ
وبعد،أحيي الجميع بتحية اإلسالم السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته ،وأسأل هللا عز وجل لي ولكم التوفيق
والتسديد ،وأسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا العلم النافع ،والعمل الصالح وأن يجعلنا مباركين أينما كنا.
بإذن هللا عز وجل في هذه املحاضرة التي هي ضمن سلسلة محاضرات مقرر علوم القرآن ببرنامج السعدي،
شعبت فيه اآلراء ،ونحن ال نريد سنخصص الحديث عن موضوع مهمَ ،تكلم فيه العلماء َوتعددت فيه األقوالَ ،وت َّ
ُ
َ ُ ُ
صح األقوال ،أنا
وجل سنقتصر على ِّ
أ أن نفيض ونتحدث عن هذا املوضوع من جميع جوانبه ،وإنما بإذن هللا عز
ُ َ
خذ ُوت ُلق َي َ أقول نقتصر على أصح األقوال ،وليس على الصحيح الذي ُ
بالقبول والتسليم ،وإنما هناك ِّ انتهي منه ،وأ
عدة أقوال ،من أصح تلك األقوال ما سنذكره بإذن هللا (عز وجل) في هذا املوضوع ،وهو موضوع األحرف َّ
السبعة.
األحرف السبعة
نزل القرآن الكريم على نبينا صلى هللا عليه وسلم في مكة أول البعثة ،وكان املسلمون ِّقلة وغالبيتهم من قريش أو
من القبائل القريبة منها ،فنزل القرآن بلغتهم ،بلغة قريش أو بلهجة قريش ،أو بلسان قريش ،وكانت الحال ال
عدد اللغات ،وتعدد األحرف ،ولكن بعد هجرة املصطفى صلى هللا عليه وسلم إلى املدينة ،أصبحت املدينة تستدعي َت ُّ
ْ َ
مركز اإلسالم َومأ ِّرز اإليمان ،وبدأ القوم يتوافدون ُويهاجرون إليها ،فاجتمع في املدينة أصناف من قبائل العرب،
ُ
وش ِّرع حينها جهاد الكفار واملشركين ،فبدأ الناس يدخلون في دين هللا تعالى أفواجا ،فأصبح من الصعوبة بمكان
ُ ُّ
أن يقرأ أولئك القوم كلهم القرآن بلغة قريش ،فسأل النبي صلى هللا عليه وسلم ربه ،وهو الرحيم الرؤوف بأمته
عليه الصالة والسالم ،سأل ربه التخفيف والتيسير على أمته ،وجاءت اإلجابة الربانية مباشرة ،بنزول جبريل عليه
السالم ومعه ميكائيل ،بالتيسير على أمة محمد صلى هللا عليه وسلم في قراءة القرآن.
ُ َّ
تفصيل ذلك في ُسنن الن َسائي ،في حديث أنس -رض ي هللا تعالى عنه -عن أ َبي بن كعب -رض ي هللا تعالى عنه - ُ ورد
ُ َّ ُ آخر َ َ
آية وقرأها ُُ ً ُ َّ ُ قال" :ما َ
غير قراءتي فقلت :أقرأنيها رسول ِّ
اّلل صلى هللا أسلمت إال ِّأني قرأت حاك في صدري منذ
َّ َّ الن َّبي صلى هللا عليه وسلم ُ ُ
فأتيت َّ ُ َّ وقال ُعليه وسلم َ
اّلل
نبي ِّ فقلت :يا اّلل صلى هللا عليه وسلم.اآلخر :أقرأنيها رسول ِّ
وميكائيل ْ
َ َ قال( :نعم َّ َ
آية كذا َوكذاَ . وقال ُ آية كذا َوكذا َ
قال( :نعم)َ ، َ
عليهما جبريل إن اآلخر :ألم تقرئني أقرأتني
- 99 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
بعض من معاني الحرف في اللغة ،وله هناك كذلك عدة معاني َي ُهمنا منها هذه املعاني الثالثة وخاصة املعنى
ٌ هذه
ُ
الثاني واملعني الثالث ،وهي أنها تطلق على اللغة فيقال َحرف محمد كذا أي لغة محمد كذا ،وكذلك ُيطلق على وجه
القراءة ،محمد يقرأ على حرف نافع أو على حرف ابن مسعود أو على حرف ابن عباس ،أي على وجه قراءته ،هذه
معاني الحرف في اللغة .
معنى السبعة :السبعة معروفة وهي العدد الذي بين الستة والثمانية يطلق عليه سبعة.
✓ األدلة َّ
الدالة على نزول القرآن على سبعة أحرف
هل هناك أدلة وأحاديث تدل على نزول القرآن على سبعة أحرف؟ نقول :نعم ،هي كثيرة ومتعددة ،بل حكى العلماء
ِّ
ومنهم أبو عبيد القاسم بن سالم تواتر أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف ،في هذا السياق يقول أبو ُعبيد
ُّ
القاسم بن سالم أنه قد تواترت هذه األحاديث كلها على األحرف السبعة .ومن الصعوبة بمكان أن نأتي على جميع
هذه األحاديث ولكن نقتصر على حديثين أو ثالثة أحاديث فقط .من هذه األحاديث:
قرأني جبريل على حرف -حديث ابن عباس -رض ي هللا تعالى عنهما -أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قالَ " :أ َ
زيده َوي ُ
ست ََُ َ َ َ ُ
زيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف " ،رواه البخاري ومسلم . فراجعته ،فلم أزل أ
ُ
-وهذا كذلك ُيذكرنا بحديث أنس وأ َبي بن كعب -رض ي هللا تعالى عنهما – الذي ذكرناه في أول املحاضرة والذي
يحكي عندما قعد جبريل -عليه السالم -على يمين النبي صلى هللا عليه وسلم وميكائيل على يساره ،فقال له
َْ
است ِّزده حتى بلغ سبعة أحرف. جبريل اقرأ على حرف ،فقال له ميكائيل
-ومن األحاديث كذلك ما أخرجه البخاري ومسلم ،عن ابن شهاب ،أن عمر بن الخطاب -رض ي هللا تعالى عنه-
َّ َّ َ َّ َّ ُ َ َ َْ ُ ُ ََ ُْ َ َ ْ ُ َ َ ْ َ َ
اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َم اّلل صلى ُ ََ
قال" :س ِّمعت ِّهشام بن ح ِّك ِّيم ب ِّن ِّحز ٍام يق َرأ سورة الف ْرق ِّان ِّفي حي ِّاة َرسو ِّل ِّ
ْ
ُ َّ َ َ َ َ ْ ُ ْ ْ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ َ َ ُ َ َ ْ ُ ََ ُ َ ْ َ ْ ُ
اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َم ف ِّك ْد ُت أ َس ِّاو ُر ُه اّلل صلى وف ك ِّثير ٍة لم يق ِّرئ ِّنيها رسول ِّ فاست َمعت ِّل ِّق َر َاء ِّت ِّه ف ِّإذا هو يق َرأ على ح ُر ٍ
ُّ َ َ َّ َ ْ ُ َ َ ْ َ ُ َ َ َ ْ َ َْ َ َ ْ َّ َ َ الص َالة َف َت َ
ال أق َرأ ِّن َيها َر ُسو ُل ص َّب ْر ُت َح َّتى َسل َم فل َّب ْب ُت ُه ِّب ِّر َدا ِّئ ِّه ف ُقل ُت َم ْن أق َرأ َك َه ِّذ ِّه السورة ال ِّتي س ِّمعتك تقرأ ق ِّ
في َّ
ِّ
اّلل َع َل ْيه َو َس َّل َم َق ْد َأ ْق َ َرأن َيها َع َلى َغ ْير َما َق َ ْرأتَ ص َّلى َّ ُ اّلل َ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ ُ ْ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ ُ َل َّ
ِّ ِّ ِّ اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم فقلت كذبت ف ِّإن رسو ِّ ِّ
َ َُ َ ُ ْ ُ َ ُ ْ َ
َ ْ َ َ ُ ُ ْ ُ َ َّ ُ َ َ َ َ َّ َّ َ َّ ُ َ ُُ ُ َ ُ ْ َ َ َ ْ
وف اّلل صلى اّلل عل ْي ِّه وسل َم فقلت ِّإ ِّني س ِّمعت هذا يق َرأ ِّبسور ِّة الف ْرق ِّان على ح ُر ٍ فانطلقت ِّب ِّه أقوده ِّإلى َرسو ِّل ِّ
َ ْ ُ ْ ْ َ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ ْ ُ ْ َ ْ َ َ ُ َ َ َ ْ َ َّ
ام) ،ف َق َرأ َعل ْي ِّه ال ِّق َر َاءة ال ِّتي اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم (أر ِسله ،اقرأ يا ِهش لم تق ِّرئ ِّنيها فقال رسول ِّ
ْ َ َّ ْ َ ْ ُ
َ ْ ُ ُ َ ْ َ ُ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َ ْ َ ْ ُ َّ َ َ ْ
ال( :اق َرأ َيا ُع َم ُر) ف َق َرأ ُت ال ِّق َر َاءة ال ِّتي اّلل صلى اّلل علي ِّه وسلم( :كذ ِلك أن ِزلت) ثم ق س ِّمعته يقرأ فقال رسول ِّ
َ ْ َ َ ُ
َ ُْ َ ْ ْ َ ْ ُ َّ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َّ ُ َ
اّلل َعل ْي ِّه َو َسل َم( :كذ ِل َك أن ِزلت ِإ َّن َهذا الق ْرآن أن ِز َل َعلى َس ْب َع ِة أ ْح ُر ٍف فاق َر ُءوا أقرأ ِّني فقال رسول ِّ
اّلل صلى
ُ ْ َ
َما ت َي َّس َر ِمن ُه)" الحديث رواه البخاري ومسلم .قال عليه الصالة والسالم( - :إن هذا القرآن أ ِّنز َل على سبعة
َّ
بس ويكشف الغطاء ُويبين الحقيقة. الل َ تيسر منه) ،حتى ُيزيل أحرف فاقرءوا ما َّ
خصة للقبائل التي كانت ال تستطيع أن والذي ُيفهم من قوله عليه الصالة والسالم َف ْاق َر ُءوا َما َت َي َّس َر م ْن ُه ،أنها ُر َ
ِ
َّ ُ َ َ ُْ ُت َّ
ومنة ونعمة من هللا عز وجل ِّ خصة ر فهذه ، األصلية اللهجة على أو ، قريش لهجة على ها ألسنت ره ك ذل ألسنتها وت
َ َت َّ
فضل بها على هذه األمة املرحومة ،أمة الخاتم عليه الصالة والسالم ،بأن هللا عز وجل َي َّسر عليها أن تقرأ هذا
القرآن على سبعة أحرف ،لم ُيلزم هللا سبحانه وتعالى هذه األمة على أن يقرؤوا على َحرف بل يسر ذلك لهم ،قال
َ ُ ُ َّ ُ ُ ْ ُ َ ْ ََ ُ َ َ َ َ ََ ُ
اّلل ِّبك ُم ال ُي ْس َر َوال الد ِّين ِّم ْن َح َر ٍج }..اآلية ]الحج ،[78 :وقال تعالى { :ي ِّريد
تعالى{ :هو اجتباك ْم وما جع َل عل ْيك ْم ِّفي ِّ
ُ ْ
ُي ِّر ُيد ِّبك ُم ال ُع ْس َر }..اآلية ]البقرة .[185 :هذه بعض من األحاديث الواردة في نزول القرآن على سبعة أحرف.
✓ ما املراد باألحرف السبعة؟
ٌ تعددت األقوال َّ
وتنوعت اآلراء وحصل اختالف كثير في املراد باألحرف السبعة ،ألن هذه األحرف السبعة كانت بعد
ضة األخيرة التي َعا َرض فيها اكت ُفوا بما جاء في َ
الع ْر َ وجمع عثمان -ض ي هللا تعالى عنهما -فهما قد َ
ر َج ْمع أبي بكر َ
ِّ
َ
جبريل النبي صلى هللا عليه وسلم القرآن ،فنسخوا وجمعوا القرآن على تلك العرضة ،وتركوا ما سواها من بقية
األحرف.
العرضة اشتملت على مجموع األحرف السبعة وليس كل األحرف السبعة ،وذلك كون عثمان وأبو بكر -رض ي هذه َ
خاص متعلق َ ٌ ٌ
بجمع أبي بكر هللا تعالى عنهما -عملوا ذلك باجتهاد منهما -وقد يأتي معنا بإذن هللا عز وجل حديث
َ َ
وجمع عثمان ،ال نستبق الكالم عليه اآلن -ولكن فقط أريد أن أنبه أن هذه األحرف السبعة كانت موجودة في زمن
النبي صلى هللا عليه وسلم ،ثم بعد ذلك في أول زمن أبي بكر ،ثم بعد ذلك اجتهد الصحابة -رضوان هللا تعالى عليهم
العرضة األخيرة ،تقول ملاذا؟ وكيف؟ أقول لك ألن هذا القرآن نزوله على سبعة أحرف إنما -واكتفوا بما جاء في َ
هو للتيسير " ،فاقرؤوا ما تيسر منه " -كما أشرت قبل قليل -فهو للتيسير ،وبحمد هللا انتفت هذه َّ
النازلة أو هذا
ألسنتها واختلطت بقريش وغيرهم ،فبعد مرحلة وفترة لم تعد هناك حاجة َ األمر الشاق على بقية القبائل فإنها ذلت
إلى جميع تلك األحرف السبعة ،فاكتفى أبو بكر -رض ي هللا عنه -وعثمان -رض ي هللا عنه -بما جاء في العرضة األخيرة،
وهي من مجموع األحرف السبعة وليست كل األحرف السبعة .
فإذا سألت :كيف يجتهدون والقرآن نزل على سبعة أحرف ،أو كيف يحق لهم أن يجتهدوا؟ نقول :أن النبي صلى هللا
َ بسنته وأوامره ،وكذلك حث على أن نهتدي ُ
عليه وسلم حث وأمر على االقتداء ُ
بسنة الخلفاء الراشدين املهديين
من بعده عليه الصالة والسالم ،وهم أبو بكر ،وعمر ،وعثمان ،وعلي -رض ي هللا تعالى عنهم ،-ففي الحديث ،قال
ً
اختالفا ً رسول هللا صلى هللا عليه وسلم" :إنه من يعش منكم بعدي فسيرى
كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء
الراشدين املهديين عضوا عليها بالنواجذ " ،نقول أن هذا العمل إنما حصل في عهد أبي بكر ،وحصل كذلك في عهد
عثمان ،وقبل هذا ،وبعده حصل بإجماع من الصحابة ،كلهم اتفقوا على هذا الصنيع الذي صنعه وعمله أبو بكر-
رض ي هللا تعالى عنه -وعمله كذلك من بعده عثمان -رض ي هللا تعالى عنه -عندما رأوا بوادر االنشقاق وبوادر
االختالف .
ً
اختلف العلماء -رحمهم هللا -كثيرا في املراد باألحرف السبعة اختالفا كبيرا ،أوصلها بعضهم إلى خمسة وثالثين
ً
قوال ،ولكن تلك األقوال تتداخل وقد ُيجمع بين عدة أقوال في قول واحد ،ولعل أقرب األقوال إلى املراد باألحرف
السبعة قوالن نأتي عليهما بإذن هللا عز وجل في املحاضرة القادمة .
أكتفي بهذا وأسأل هللا عز وجل لي ولكم التوفيق والسداد ،وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العاملين ،وصلي هللا وسلم
على نبينا محمد.
قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات :إسراء الزعيم /أم براء
قام باملراجعة األولى والتدقيق :رغد
قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي :رئيفة درويش
اإلشراف العام على فريق العمل :رئيفة درويش
علوم القرآن
د .عمرعبد العزيزالدهيش ي
املحاضرة التاسعة عشرة
بسم هللا الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العاملين ،وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
وبعد .أحيي الجميع بتحية اإلسالم ،السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته ،أسأل هللا عز وجل التوفيق للجميع ،هذه
املحاضرة ضمن محاضرات مقرر علوم القرآن في برنامج السعدي ،في أكاديمية تفسير ،وهذه املحاضرة ستكون
تتميما للمحاضرة السابقة ،التي تكلمت فيها عن علم من علوم القرآن وهو األحرف السبعة .وقد سبق لي ذكر ً
معنى الحرف في اللغة ،كذلك معنى األحرف السبعة في اللغة ،ثم ذكرت ً
بعضا من األحاديث الواردة في هذا العلم،
وانتهى حديثنا إلى النقطة األهم واألساس في هذا املوضوع وهو السؤال العريض والكبير وهو:
✓ ما املراد باألحرف السبعة؟
ذكرت في املحاضرة السابقة أن األقوال تعددت ،واآلراء تنوعت حتى أوصلها بعضهم إلى خمسة وثالثين ،وبعضهم
ً
إلى أربعين قوال كما ذكر ذلك السيوطي؛ ولكن أقرب األقوال -وهللا أعلم -قوالن:
القول األول:
املراد باألحرف السبعة هي الوجوه التي يقع بها التغاير واالختالف في الكلمات القرآنية ،في األلفاظ وال يخرج
َ َ عنها ،مثل قول هللا عز وجل{َ :ف َق ُالوا َرَّب َنا َباع ْد َب ْي َن َأ ْس َفارَنا} [سورة سبأ ،]19 :وفي قراءة أخرى{َ :ب َ
اع َد َب ْي َن أ ْس َفا ِّرنا}، ِّ ِّ
َ ْ َ
يم} [سورة البقرة ،]132 :وفي قراءة أخرى{ :وأوص ى} ،فهذه في موضع آخر قال هللا عز وجل{َ :و َو َّص ى ب َها إب َراه ُ
ْ
ِّ ِّ ِّ
الوجوه املتغايرة املختلفة في األلفاظ قالوا :إنها هي املراد باألحرف السبعة ،وهي الوجوه التي يقع فيها التغاير
واالختالف في الكلمات القرآنية وال يخرج عنها .وقد اتفقوا على أنها سبعة أوجه ،ثم اختلفوا في تحديد هذه
ُ
قرئ ،ذكر سبعة أوجه وقال :إنها هي املراد بالتغاير األوجه إلى أقوال ،أقربها ما ذكره أبو الفضل الرازي امل ِ
واالختالف في معنى هذه األحرف السبعة.
✓ ما هي هذه األوجه السبعة؟ قال أبو الفضل الرازي:
وتأنيث:
ٍ وتذكير
ٍ وجمع،
ٍ .1الوجه األول :اختالف األسماء من ٍ
إفراد
َ َ َ َّ ُ ُ َ ُ ْ َ َ ْ ْ َ َ ُ ْ ُ َ ُ ٌّ َ َ َّ َ َ ُ
َ ْ
اّلل َو َمال ِّئك ِّت ِّه َوك ُت ِّب ِّه} [سورة البقرة]285 :
كقوله تعالى{ :آمن الرسول ِّبما أن ِّزل ِّإلي ِّه ِّمن رِّب ِّه واملؤ ِّمنون كل آمن ِّب ِّ
َ
تابه} كما في قراءة حمزة والكسائي ،فهذا اختالف األسماء في هذه قراءة عاصم وغيره ،وفي قراءة أخرى{ :و ِّك ِّ
اإلفراد والجمع ،قال :هذا وجه من أوجه ،أو حرف من األحرف السبعة؛ ألنه قد يكون االختالف في األسماء،
- 104 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
َ َّ ُ َ ْ ً َ َ ْ ي َ ْ ٌ َ ْ َ ْ َ ْ ً َ َ ُ ْ َ ُ ْ َ َ َ َ ٌ
اعة} [سورة البقرة: س شيئا وال يقبل ِّمنها شف كذلك من األمثلة قوله تعالى{ :واتقوا يوما ال تج ِّز نفس عن نف ٍ
ََ ُ َ ُ َْ َ َ َ ٌ
اعة} ،هذا هو الوجه األول ،هو االختالف في األسماء بين تذكير ،]48وفي قراءة ابن كثير{ :وال تقبل ِّمنها شف
وجمع.
وتأنيث ،أو بين إفر ٍاد ٍ
ومضارع وأمر:
ٍ ماض
بين ٍ .2الوجه الثاني :اختالف تصريف األفعال
َ
كقوله سبحانه وتعالى{َ :ف َق ُالوا َرَّب َنا َباع ْد َب ْي َن أ ْس َفارَنا} [سورة سبأ ،]19 :وفي قراءة أخرى{َ :ف َقالوا َرَّب َنا َب َ
ُ
اع َد َب ْي َن ِّ ِّ
َ َ
أ ْس َفا ِّرنا}.
.3الوجه الثالث :االختالف في وجوه اإلعراب:
ُ َّ َ ْ َ َ َ ُْ َ ْ َُ
كقوله تعالى{ُ :ه َّن أط َه ُر لك ْم} [سورة هود ،]78 :وفي قراءة أخرى{ :هن أطهر لكم}.
.4الوجه الرابع :الزيادة والنقصان:
كقوله تعالى{َ :و َو َّص ى ب َها إ ْب َراه ُ
يم} [سورة البقرة ،]132 :وفي قراءة أخرى{َ :و ْأو َص ى ب َها إ ْب َراه ُ
يم} ،زيادة األلف. ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
.5الوجه الخامس :االختالف في التقديم والتأخير:
ُ َ ُ َ َ ُ َ
كقوله تعالى{ :ف َي ْق ُتلون َو ُي ْق َتلون} [سورة التوبة ،]111 :ببناء األول للمعلوم والثاني للمجهول ،وق ِّرأت بالعكس،
ُ َ َ ُ َ
األول للمجهول والثاني للمعلوم{ :ف ُي ْق َتلون َو َي ْق ِّتلون}.
.6الوجه السادس :من أوجه االختالف اإلبدال:
َ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ َ ُ َ َّ َ ْ َ ْ ْ ُ ُ َ َ ْ َ ْ َ ْ َّ
اّلل} [سورة الجمعة،]9 :
ودي ِّللصال ِّة ِّمن يو ِّم الجمع ِّة فاسعوا ِّإلى ِّذك ِّر ِّ
كقوله تعالى{ :يا أيها ال ِّذين آمنوا ِّإذا ن ِّ
َ ْ ُ َ ْ َّ
اّلل}.
هناك قراءة{ :فامضوا ِّإلى ِّذك ِّر ِّ
.7الوجه السابع :اختالف اللغات كالفتح واإلمالة:
نافع{َ :و ُّ
الض ِّحى} باإلمالة ،قالوا :هذا الوجه السابع من مثل قراءة عاصم{َ :و ُّ
الض َحى} [سورة الضحى ،]1 :قرأها ٌ
أوجه االختالف.
✓ ما هي األدلة على أن هذه األوجه السبعة هي املراد باألحرف السبعة؟
ويستدل بهذا القول -أعني القول :إن املراد باألحرف السبعة أنها سبعة أوجه يقع فيها التغاير واالختالف في كلمات
القرآن ،في ألفاظ القرآن ال يخرج عنها -استدلوا بأدلة منها:
-أن تأويل الحرف املذكور في الحديث بالوجه موافق ملا فسر به الحرف في اللغة ،كما قلنا :إن الحرف في اللغة
له إطالقات ،يطلق على الوجه ،ويطلق على اللغة ،ويطلق كذلك على حروف الهجاء ،قالوا :إن تأويل الحرف
ُ
املذكور في الحديث بالوجه ،موافق ملا ف ِّسر به الحرف في اللغة.
- 105 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
ً ُ ُ
-كذلك جاء في بعض الروايات ما يشير إلى أن الحرف أو األحرف تقرأ قراءة ،وفي بعض الروايات أن األحرف
ُ َ ْ ُ َ َ َ َّ ْ ُ ُ
تقرأ قراءة ،كما جاء في حديث عمر" :نزل القرآن على سبعة أحرف {فاق َرءوا ما تيس َر ِّمنه} [سورة امل ِّ
زمل."]20 :
-وكذلك أن هذا املذهب يعتمد على االستقراء التام ألوجه االختالف بين القراءات.
متحقق في اختالف اللغات واللهجات ٌ -كذلك أن الحكمة من نزول األحرف السبعة هي التيسير على األمة وهذا
في القراءات ،هذه مجمل أدلة هذا القول.
القول الثاني:
أن املراد باألحرف السبعة ،سبع لغات من لغات العرب في املعنى الواحد ،بمعنى أنه إذا جاءت لغة العرب وقد
لغات منها ،هؤالء يقولون كذا ،وأولئك يقولون كذا ،وغيرهم يسمي
اختلفت في كلمة من الكلمات ،جاء القرآن بسبع ٍ
هذه تسمية أخرى ،أنه إذا اختلفت اللغة في كلمة جاء القرآن بسبع لغات منها ،ما هذه اللغات؟ قالوا :إنها لغة
قريش ،وهذيل ،وتميم ،وهوازن ،وكنانة ،وثقيف ،واليمن ،وقيل غير ذلك.
✓ ما هي أدلتهم؟ استدلوا بعدة أدلة ،من أدلتهم:
أوال :أن الصحابة رضوان هللا عليهم تماروا في القرآن فخالف بعضهم ً ً
بعضا في نفس التالوة دون ما في ذلك من -
املعاني.
شاف ً
-ثانيا :يؤيد هذا حديث أبي بكرة رض ي هللا عنه ،عن األحرف السبعة قوله عليه الصالة والسالم" :كلها ٍ
ُ
كاف [وفيه] كقولك :هلم وتعال" ،فقد أوضح هذا النص أن اختالف األحرف السبعة إنما هو اختالف ألفاظ، ٍ
َ ً ُ
أحكام.
ٍ معان موجبة اختالف
باختالف ٍ
ِّ كقولك" :هلم وتعال" ،باتفاق املعاني ال
✓ تعريف األحرف السبعة
تعريف ملعنى األحرف السبعة املذكورة في األحاديث النبوية ،أي :من ٍ ومن خالل القولين السابقين ،يمكن صياغة
حادا ومعنى لألحرف ً
تعريفا ً خالل القول األول والقول الثاني ،نستطيع أن نخلص إلى تعريف بإذن هللا يكون
السبعة ،حتى يتجلى لنا معنى املراد باألحرف السبعة .هذا التعريف لألحرف السبعة يمكن أن نقول هو:
لغات العرب[ ،تغاير أي :اختالف وتنوع لغات من ٍ تغاير األلفاظ مع اتفاق املعنى ،مع اتفاق املعنى في سبع ٍ
اع ْد"، َ ْ َ َ َّ
األلفاظ] ،نقول تغاير األلفاظ ألنه قد يأتي هنا" :وص ى" ،وفي القراءة في الحرف اآلخر" :أوص ى" ،يأتي هنا" :ب ِ
َ ُ َ ُ َ َ ُ َ َ َ َ
اع َد" ،يأتي هنا" :ف َت َب َّي ُنوا" ،ويأتي هناك" :ف َتث َّب ُتوا" ،يأتي هنا" :ف َي ْق ُتلون َو ُي ْق َتلون" ،ويأتي هناك" :ف ُي ْق َتلون
وهناكَ " :ب َ
ْ ُ َ
َو َيق ِتلون" ،تغاير األلفاظ مع اتفاق املعنى ،ما تأتي لغة فيها أمر باإلحسان إلى الوالدين ،وتأتي لغة أخرى وحرف
آخر يخالف هذا األمر ،كال ،تغاير األلفاظ مع اتفاق املعنى في سبع لغات من لغات العرب ،وذكرت قبل هذا ما هي
اللغات؟ قيل :إنها لغة قريش ،وهذيل ،وتميم ،وهوازن ،وكنانة ،وثقيف ،واليمن ،وغيرها .إذن ،نقول في تعريف
لغات من لغات العرب.
سبع ٍ األحرف السبعة :هي تغايراأللفاظ مع اتفاق املعنى في ِ
الخالصة :أن املراد باألحرف السبعة ،وجوه القراءات املتغايرة في سبع لغات من لغات العرب ،وليست لغات
القبائل على حد سواء ،بل بعضها قد يكون أكثر من بعض في هذه الوجوه ،قد تكون لغة قريش هي أكثر األلفاظ
كانت بلغة قريش ،ولعل هذا القول ،وهذا التعريف ،وبيان املراد من األحرف السبعة لعله هو األقرب إلى معنى
ُ ْ
وأشرت إلى ملاذا ال نجزم بهذا في املحاضرة األحرف السبعة وال يمكن الجزم بذلك ،وهللا تعالى أعلم ،وقد َب َّينت
املاضية.
✓ الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف
ما الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف؟ هل هناك حكمة؟ هل هناك فائدة؟ نقول :نعم.
ُ ٌ ٌ
تيسير على أمة محمد ،ورحمة بهم ،يقول ابن قتيبة" :فكان من تيسيره .1نزول القرآن على سبعة أحرف فيه
ُ
أن أمره بأن ُيقرئ كل قوم بلغتهم وما جرت عليه عادتهم ،ولو أن كل فريق من هؤالء أمر أن يزول عن لغته وما
ً ً ً
وناشئا وكهال؛ الشتد ذلك عليه وعظمت املحنة ،فأراد هللا برحمته ولطفه جرى عليه اعتياده حين كان طفال
ً
تسعا في اللغاتُ ،ومتصرفا في الحركات".
أن يجعل لهم ُم ً
.2كذلك من الحكمة :اإليجاز مع اإلعجاز ،إيجاز وإعجاز في تعدد األحرف السبعة ،ففي تعدد األحرف السبعة
كمال اإليجاز مع غاية الكمال في اإلعجاز ،إذ إن كل حرف بالنسبة لآلخر بمنزلة آية مستقلة.
الحكم :الداللة على مصدرالقرآن وأنه وحي من هللا تعالى ،فتعدد القراءات وتعدد األحرف واتساق .3كذلك من ِّ
ً
بعضها مع بعض ،وترابطها من غير اختالف ،فضال عن التضاد أو التنافي يدل وبال شك على أن هذا القرآن
ْ َ ً َ َ ْ َ َ ْ ْ َ ْ َّ َ
اّلل ل َو َج ُدوا ِّف ِّيه اخ ِّتالفا
حميد سبحانه وتعالى{ :ولو كان ِّمن ِّعن ِّد غي ِّر ِّ
ٍ حكيم،
ٍ وأن هذا الكتاب أنه من عند
َ
ك ِّث ًيرا} [سورة ِّ
النساء.]82 :
الحكمة في نزول القرآن على سبعة أحرف :أن األحرف السبعة هي من خصائص أمة محمد صلى .4كذلك من ِّ
ً ً
تيسيرا ورحمة ،فالكتب السابقة كانت تنزل على حرف واحد ،أما نزول القرآن على عدة هللا عليه وسلم ،وذلك
أحرف إنما كان في كتاب هذه األمة املرحومة.
حرف
الحكمة :أن األحرف السبعة من خصائص القرآن الكريم ،والكتب السابقة نزلت على ٍ .5كذلك من ِّ
أوجه،
أحرف ،وعلى سبعة ٍ
ٍ واحدة ،أما هذا القرآن فإنه نزل على سبعة
ٍ اءة
واحد ،وعلى قر ٍ
وجه ٍواحد ،وعلى ٍ
ٍ
ً ً
لغات ،فضال ورحمة منه سبحانه وتعالى.
سبع ٍوعلى ِّ
- 107 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
ُ
ذكرت أن هذا بهذا نختم الحديث عن األحرف السبعة ،وكان حديثنا بصورة مختصرة ،وبطريقة مقتضبة ،كما
ُ ٌ ٌ
متشعب واألقوال فيه كثيرة ،ولكن لعل ما ذ ِّك َر فيه الكفاية وتقريب الصورة ،وتقريب املعنى إلى األذهان، املوضوع
أخطأت فمن نفس ي والشيطان ،وأستغفر ُ بتوفيق من هللا عز وجل ،وإن أصبت فهو ُ هذا مبلغ الجهد واالجتهاد ،فإن
ْ َ ٍ
ْ َّ َ َ ُ َ َ َ َ َ َ ْ ُ َ َ َ ْ َ ُ َّ َّ ُ َ َ َّ
ّلل َر ِّب ال َع ِّامل َين ،وصلى هللا ُ ْ َ َ َ
هللا إنه كان غفا ًرا ،سبحان َرِّبك َر ِّب ال ِّعز ِّة ع َّما ي ِّصفون ،وسال ٌم على امل ْرس ِّلين ،والح ْمد ِّ ِّ
وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،ونلتقي بإذن هللا عز وجل في محاضرة قادمة بإذن هللا.
والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته.
قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات :إيمان عثمان
قام باملراجعة األولى والتدقيق :أحمد عبد الرحمن
قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي :رئيفة درويش
اإلشراف العام على فريق العمل :رئيفة درويش
علوم القرآن
د .عمرعبد العزيزالدهيش ي
املحاضرة العشرون
بسم هللا الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العاملين ،وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
وبعد .نواصل الحديث بإذن هللا عز وجل فيما قد ابتدأناه في الحلقة السابعة عشرة ،والتي تحدثنا فيها عن
خصائص القرآن.
✓ تابع :خصائص القرآن الواردة في السنة النبوية
توقفنا عند الخصيصة الثالثة؛ وهي أن هناك خصائص تتعلق بتالوة القرآن ومدارسته وتعهده ،ومن ذلك تحسين
الصوت في قراءته ،نكمل بإذن هللا هذه الخصائص فيما يلي:
خصائص تتعلق بتالوة القرآن ومدارسته وتعاهده ومراجعته
-تحسين الصوت والتغني به ،فعن أبي هريرة -رض ي هللا عنه -أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال (َ " :ما َأذ َن ُ
هللا ِّ
وسئل الشافعي ل َش ْي ٍء َما َأذ َن لل َنبي َي َت َغ َّنى ب ْال ُق ْرآن) ،قال سفيان بن عيينة :تفسيره :يستغني به" ،رواه البخاريُ .
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ٍ ِّ
-رحمه هللا -عن تأويل ابن عيينة فقال" :نحن أعلم بهذا ،لو أراد به االستغناء لقال(( :من لم يستغن بالقرآن))،
التغني" ،ويشهد لقول الشافعي الرواية األخرى ملسلم وفيها: َّ
ولكن ملا قال(( :يتغنى َبالقرآن)) ،علمنا أنه أراد به ِّ
َ ْ َ(ما َأذ َن َّ ُ
اّلل ِّل َش ْي ٍء َما أ ِّذ َن ِّل َنبي َح َسن َّ
الص ْو ِّتَ ،ي َتغ َّنى ِّبال ُق ْر ِّآن َي ْج َه ُر ِّبه). ِّ ِّ ٍ ِّ
-نزول السكنية عند مدارسة كتاب هللا عزوجل ،واملالئكة تحف الذين يتدارسون كتاب هللا عزوجل :فعن
وت هللاَ ،ي ْت ُلو َن ك َت َ ْ ُُ َ َ ْ َ َ َ ْ َْ
اب ِّ أبي هريرة -رض ي هللا عنه -قال النبي صلى هللا عليه وسلم" :وما اجت َمع قو ٌم ِّفي بي ٍت ِّمن بي ِّ ِّ
الر ْح َم ُة َو َح َّف ْت ُه ُم ْامل َالئ َك ُةَ ،و َذ َك َر ُه ُم ُ
هللا ِّف َيم ْن هللاَ ،و َي َت َدا َر ُس َون ُه َب ْي َن ُه ْم ،إ َّال َن َ َزل ْت َع َل ْيهم َّ
الس ِّك َين ُةَ ،و َغ ِّش َي ْت ُه ُم َّ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
ِّع ْند ُه" ،رواه اإلمام مسلم. َ
-كان جبريل -عليه السالم -يدارس النبي صلى هللا عليه وسلم القرآن في كل سنة مرة؛ فعن ابن عباس -رض ي
ض َ ان َي ْل َق ُاه في ُكل َل ْي َلة م ْن َر َم َالناس ،"....وفيه"َ :و َك َ هللا َع َل ْيه َو َس َّل َم َأ ْج َو َد َّ
ص َّلى ُ
اّلل َ َ َ ُ ُ َّ
ان ِّ ِّ ٍ ِّ ِّ ِّ هللا عنهما -قال" :كان َرسول ِّ
ُ َ َ ُ َ ُ ُ ُ ْ َ َ َ َ ُ ُل َّ َ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ َ ُ َ
الخ ْير م َ
الر ِّيح امل ْر َسل ِّة" ،رواه البخاري ومسلم. اّلل صلى هللا علي ِّه وسلم أجود ِّب ِّ ِّ ِّ
ن فيدا ِّرسه القرآن ،فلرسو ِّ
-ومن الخصائص املتعلقة باملدارسة؛ أنه إذا حصل اختالف أو تنازع بين املتدارسين فقد أمروا بالقيام والتفرق
ْ
الق ْر َآن َما
"اق َر ُءوا ُ وعدم االسترسال ،فعن جندب بن عبد هللا -رض ي هللا عنه -قال النبي صلى هللا عليه وسلم:
اخ َت َل ْف ُت ْم َف ُق ُ
وموا َع ْن ُه" ،رواه البخاري ومسلم؛ قال ابن حجر" :قوله :فإذا اختلفتم؛ أي
ََْ َ ْ ُُ ُ ُ ْ َ َ ْ
ائتلفت قلوبكم ،ف ِّإذا
في فهم املعاني ،فقوموا عنه؛ أي تفرقوا لئال يتمادى بكم االختالف إلى الشر" [فتح الباري.]101/9 ،
-الحث على تعهد القرآن وتالوته والتحذير من نسيانه ،فعن أبي موس ى -رض ي هللا عنه -أن النبي صلى هللا
اإل ِّب ِّل ِّفي ُع ُق ِّل َها" ،رواه البخاري. نالق ْر َآنَ ،ف َو َّالذي َن ْفس ي ب َيده َل ُه َو َأ َش ُّد َت َفص ًيا م َعليه وسلم قال"َ :ت َع َاه ُدوا ُ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
ْ َ َ ََ ْ َ ْ َُ َ َ ُ َ
يت َآية وعن ابن مسعود -رض ي هللا تعالى عنه -قال النبي صلى هللا عليه وسلم"ِّ :بئس ما ِّألح ِّد ِّهم أن يقول ن ِّس
الن َع ِّم" ،رواه البخاريص ُدور الر َجال م َن َّ الق ْر َآنَ ،فإ َّن ُه َأ َش ُّد َت َفص ًيا م ْن ُ اس َت ْذك ُروا ُ َك ْي َت َو َك ْي َتَ ،ب ْل ُنس َي َو ْ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
ومسلم ،فورد هنا بأسلوب الذم لحال من حفظ كتاب هللا ثم نسيه ،ألن من خصائص هذا الكتاب العزيز:
سرعة التفلت كما في الحديث السابق ،قال القاض ي عياض" :معناه ذم الحال وكراهته ال ذم املقال ،أي بئست
الحالة والصفة ملن أوتي القرآن فغفل عنه حتى نسيه ،هذا عندي أولى ما يتأول في الحديث إن شاء هللا" ،انتهى
َ ُ ُ
ال امل ْع ِّل ِّم َبف َوا ِّئ ِّد ُم ْس ِّلم ،للقاض ي عياض.]155/3 : كالمه رحمه هللا تعالى ِّ[إكم
خصائص تتعلق بحفظ القرآن واملحافظة عليه
أيضا من الخصائص املتعلقة بالقرآن الكريم :خصائص تتعلق بحفظ القرآن واملحافظة عليه.
-حفظ القرآن وتيسيره مما ورد الحث عليه والترغيب فيه :فعن عياض بن حمار املجاشعي -رض ي هللا عنه-
َْ ْ َ َّ ْ َ ُ ُ َ ََ
قال النبي صلى هللا عليه وسلم " :أال ِّإ َّن َرِّبي أ َم َرِّني أ ْن أ َع ِّل َمك ْم َما َج ِّهل ُت ْمِّ ،م َّما َعل َم ِّني َي ْو ِّمي َهذا ...،وفيهَ :وأن َزل ُت
ان " ....الحديث ،رواه مسلم .قال ابن الجزري" :أخبر تعالى أن َع َل ْي َك ك َت ًابا َال َي ْغس ُل ُه ْاملَ ُاءَ ،ت ْق َر ُؤ ُه َنائ ًما َو َي ْق َظ َ
ِّ ِّ ِّ
القرآن ال يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل باملاء بل يقرأونه في كل حال كما جاء في صفة أمتي أناجيلهم في
صدورهم وذلك بخالف أهل الكتاب الذين ال يحفظونه ال في الكتب وال يقرأونه كله إال نظرا ال عن ظهر قلب"،
انتهى كالمه[ ،النشر.]6/1 ،
-النهي عن السفر بالقرآن إلى األعداء :فعن ابن عمر-رض ي هللا عنهما -قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه
َ ْ َ َ َ ْ َ ُ
وسلم " :ال ت َسا ِّف ُروا ِّبال ُق ْر ِّآن ،ف ِّإ ِّني ال َآم ُن أ ْن َي َنال ُه ال َع ُدو" ...الحديث ،رواه البخاري ومسلم ،واللفظ ملسلم.
-النهي عن املراء والجدال في القرآن :عن عمرو بن العاص -رض ي هللا عنه -أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال:
ُ َ َ ْ َ َ "إ َّن َه َذا ْال ُق ْر َآن ُأ ْنز َل َع َلى َس ْب َعة َأ ْح ُرفَ ،ف َأ َّي َذل َك َق َ ْرأ ُت ْم َف َق ْد َأ َ
ص ْب ُت ْمَ ،وال ت َم َار ْوا ِّف ِّيه ،ف ِّإ َّن ِّامل َر َاء ِّف ِّيه ك ْف ٌر أ ْو ِّ ٍ ِّ ِّ ِّ
ْ َُ ُْ
آية الكفر" ،رواه أحمد؛ وحقيقة املراء أن يتمادى اثنان في آية يجحدها أحدهما ويدفعها ،أو يصير فيها إلى
الشك ،فهذا هو املراء الذي هو الكفر ،وأما التنازع في أحكام القرآن ومعانيه ،فقد تنازع أصحاب النبي صلى
هللا عليه وسلم في كثير من ذلك بخالف الجدال املؤدي إلى الشك والتكذيب ،فعن أبي هريرة -رض ي هللا عنه-
قال النبي صلى هللا عليه وسلم" :جدال في القرآن كفر" رواه اإلمام أحمد في مسنده.
-أيضا مما يتعلق بهذه الخصيصة ؛ األمر بالعمل به واملحافظة عليه ،حتى ال ُي ْس َرى به من القلوب :فعن
َ ْ ُ ُ ْ ْ َ ُ َ َ َ ْ ُ ُ ْ َّ
س َوش ُي الث ْو ِّبَ ،ح َّتى اإلسالم كما يدر حذيفة بن اليمان -رض ي هللا عنه -قال النبي صلى هللا عليه وسلم" :يدرس ِّ
ْ َْ َ َ َ
اّلل َع َّز َو َج َّل في ل ْيلةَ ،فال َي ْب ََّ ص َد َق ٌةَ ،و َل ُي ْس َرى َع َلى ك َص َال ٌةَ َ ،وال ُن ُس ٌكَ َ ،وال َ
َال ُي ْد َرى َما ص َي ٌامَ ،وَال َ
ضِّ ر األ يفِّ ى ق ٍ ِّ ابت
ِّ ِّ ِّ ِّ
َّ ْ ُ ْ َ ُ َ ْ َ ُ ُ َ ُ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َّ َّ َ ُ َ ْ ُ َ ٌ َََْ َ
اس الشيخ الك ِّبير والعجوز ،يقولون :أدركنا آباءنا على ه ِّذ ِّه الك ِّلم ِّة ،ال ِّإله ِّإال ِّمنه آية ،وتبقى طوا ِّئف ِّمن الن ِّ
َ ُ َّ ُ َ
اّلل ،ف َن ْح ُن ن ُقول َها" ،رواه ابن ماجه في سننه.
هذه مجمل الخصائص لهذا الكتاب العزيز ،لم أقصد أن أحصيها كلها وأستقرئها جميعا ،وإنما اكتفيت ببعض
منها مع ذكر شواهد عليها ،وإال فخصائص القرآن كثيرة؛ فهناك خصائص تتعلق بالتالي ،وهناك خصائص تتعلق
باملكان …..ألخ ،هناك خصائص كثيرة ،وقد ألفت مؤلفات مستقلة في هذا العلم ،ولكن يكفينا من القالدة ما أحاط
بالعنق ،ويكفينا اإلشارة واإلشارات عن كل ما كتب في هذا العلم.
✓ خواص القرآن
نأتي بعد ذلك إلى مسألة ،وهي تتعلق بخصائص القرآن وبينهما ارتباط ،وهي مسألة خواص القرآن؛ فإن للقرآن
خواص في الشفاء من األمراض ،في املداواة ،في الرقية ،هذه أطلق عليها العلماء هذا االسم :خواص القرآن؛ وهي
َ
ما يترتب على قراءته أو كتابة سورة أو آيات معينة من القرآن في حدث خاص ،ينتج عن تلك القراءة :شفاء أو ف َرج
أو حفظ .هذا هو مفهوم خواص القرآن ،نذكر طرفا من تلك الخواص؛ من تلك الخواص:
َ َّ ُ َ
هللا َعل ْي ِّه هللا صلى ل و ص َحاب َر ُ
س اسا م ْن َأ ْ -الشفاء من كل داء ،فعن أبي سعيد الخدري -رض ي هللا عنهَ ( -أ َّن َن ً
ِّ ِّ ِّ ِّ
ُ َ َ ُ َ َ ُ ُ َ َ َ َ ُّ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ ُ ُ َ َ َّ َ ُ
وه ْم فل ْم ُي ِّضيفوه ْم ،فقالوا ل ُه ْم :ه ْل ِّفيك ْم َر ٍاق؟ َو َسل َم كانوا ِّفي سف ٍر ،فمروا ِّبح ٍي ِّمن أحي ِّاء العر ِّب ،فاستضاف
الر ُج ُلَ ،ف ُأ ْعط َي َقط ًَّ َ َ ََ ال َ ُج ٌل م ْن ُه ْمَ :ن َع ْمَ ،ف َأ َت ُاه َف َر َق ُاه ب َفات َحة ْالك ََ ابَ ،ف ٌَ َفإ َّن َسي َد ْال َحي َلد ٌيغ َأ ْو ُم َ
يعا ِّ ِّ أ
ر ب ف ،اب ت
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ر ق ص ِّ ِّ ِّ ِّ
هللا َع َل ْيه َو َس َّلمَ
ص َّلى ُ
النب َّي َ هللا َع َل ْيه َو َس َّل َمَ ،ف َأ َتى َّ ص َّلى ُ الَ :ح َّتى َأ ْذ ُك َر َذل َك ل َّلنبي َ َ َ َ
ِّم ْن َغ َنم ،فأبى أن يقبل َها ،وق َ
َ َ ْ َ ْ َ َ َ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ٍ
َ َ َ َ ْ ُ َّ َ َ ْ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َّ َ ُ ْ َ ٌ َُّ َ ُ َ َ ُ َ
َف َذ َك َر ذ ِّلك له ،فق َ
َ َ َ
اب فتبسم وقال" :وما أدراك أنها رقية؟" ثم هللا ما رقيت ِّإال ِّبفا ِّتح ِّة ال ِّكت ِّ ال :يا َرسول ِّ
هللا و ِّ
ُ الُ " :خ ُذوا م ْن ُه ْمَ ،و ْ َق َ
اض ِّرُبوا ِّلي ِّب َس ْه ٍم َم َعك ْم") رواه البخاري ومسلم ،واللفظ ملسلم. ِّ
-أيضا من خواص القرآن :الفرج من كل بالء ،الفرج واملخرج من كل بالء ونازلة ،عن سعد بن أبي وقاص -رض ي
َ َ َّ َ ْ ْ َ َ ََُ َ ْ ُ َ َُْ
وت :ال ِّإل َه ِّإال أن َت ُّ
هللا عنه -قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم( :دعوة ِّذي النو ِّن ِّإذ دعا وهو ِّفي بط ِّن الح ِّ
ُ ْ ُ َ َّ َ َ َّ ُ َ ْ َ ْ ُ َ َ ُ ٌ ُ ْ ٌ َ ْ َ ُّ َّ ْ َ َ َ َّ ُ َ َ
اّلل ل ُه) ،رواه الترمذي ُس ْب َحان َك ِّإ ِّني كنت ِّمن الظ ِّ ِّاملين ،ف ِّإنه لم يدع ِّبها رجل مس ِّلم ِّفي ش ي ٍء قط ِّإال استجاب
والنسائي.
َ َ َ
-أيضا من خواص القرآن :الحفظ والصون :ففي الحديث أن النبي صلى هللا عليه وسلم قالَ " :م ْن ق َرأ َهات ْي ِّن
الر ُسو ُل ور ِّة ْال َب َق َر ِّة ِّفي َل ْي َل ٍة َك َف َت ُاه" ،راوه البخاري ومسلم ،واللفظ ملسلم ،واآليتان هماَ { :آم َن َّ
ْاآل َي َت ْين م ْن آخر ُس َ
ِّ ِّ ِّ ِّ
َ ُ ْ َ َ ْ ْ َ َ ْ ُ ْ ُ َ ُ ٌّ َ َ َّ َ َ َ َ
اّلل ومال ِّئك ِّت ِّه ،}....اآلية[ ،البقرة ،]286-285 :قال ابن حجر " :كفتاه ِّبما أن ِّزل ِّإلي ِّه ِّمن رِّب ِّه واملؤ ِّمنون كل آمن ِّب ِّ
قيل معناه؛ كفتاه كل السوء ،وقيل كفتاه شر الشيطان ،وقيل دفعتا عنه شر اإلنس والجن ،وقيل معناه
كفتاه ما حصل له بسببهما من الثواب عن طلب ش ئ آخر وكأنهما أختصتا بذلك ملا تضمنته من الثناء على
الصحابة بجميل انقيادهم إلى هللا وابتهالهم ورجوعهم إليه ،وما حصل لهم من اإلجابة إلى مطلوبهم" ..إلى آخر
ما قال -رحمه هللا تعالى[ -فتح الباري.]56/9 :
✓ خصائص متفرقة للقرآن الكريم
أختم الحديث عن خصائص القرآن بخصائص متفرقة ،ومن ذلك:
-نزوله على سبعة أحرف :وهذه خصيصة اختص بها القرآن الكريم من بين الكتب املنزلة وهو أنه نزل على
ْ ُ َ َْ َ
يل َعلى سبعة أحرف ،وقد بينا معنى ذلك ،ففي الحديث؛ أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال " :أق َرأ ِّني ِّجب ِّر
َ َ ْ ََ َ َ َ
َح ْر ٍف ،فل ْم أ َز ْل أ ْست ِّز ُيد ُه َح َّتى ان َت َهى ِّإلى َس ْب َع ِّة أ ْح ُر ٍف" ،رواه البخاري ومسلم ،واللفظ للبخاري.
-هذا القرآن هو املعجزة الكبرى :فعن أبي هريرة -رض ي هللا عنه -أن النبي صلى هللا عليه وسلم قالَ " :ما ِّم َن
ْ َ ْ َ ْ َ َّ َ ُ ْ َ َ ْ َ َ ْ ُ ُ َ َ َ َ ْ ْ َ َ ُ َ َّ َ َ َ َّ ُ ُ َ ْ ً َ ْ َ ُ َ
هللا ِّإل َّي، ات ما ِّمثله آمن علي ِّه البشر ،وِّإنما كان ال ِّذي أو ِّتيت وحيا أوحى األن ِّبي ِّاء ِّمن ن ِّب ٍي ِّإال ق ِّد اع ِّطي ِّمن اآلي ِّ
ْ َ َُ َ ََْ َ ََ
فأ ْر ُجو أ ْن أكون أكث َر ُه ْم ت ِّاب ًعا َي ْو َم ال ِّق َي َام ِّة" رواه البخاري ومسلم ،واللفظ ملسلم.
بهذا نكون قد انتهينا من مقرر علوم القرآن في هذا البرنامج ،ولعلي أراجع معكم مراجعة سريعة ملفردات
وموضوعات هذا املقرر.
ثم بعد ذلك تحدثت عن الوحي وما يتعلق به من مباحث وعناوين ،تكلمت عن معنى الوحي في اللغة واالصطالح، -
وأحوال مجيء الوحي؛ مجيء جبريل -عليه السالم -ونزوله بالقرآن ،وكذلك عن معنى الوحي في اللغة ،ومعنى
الوحي في الشرع ،وذكرت أن الوحي الشرعي ذكره هللا عز وجل في آية من كتابه وهي قوله سبحانه وتعالى{َ :و َما
يم}وح َي بإ ْذ ِّن ِّه َما َي َش ُاء إ َّن ُه َع ِّل ٌّي َح ِّك ٌ ياّلل إ َّال َو ْح ًيا َأ ْو م ْن َو َر ِّاء ح َجاب َأ ْو ُي ْرس َل َر ُس ًوال َف ُ
ان ل َب َشر َأ ْن ُي َكل َم ُه َّ ُ
َ َ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ٍ ِّ ِّ ِّ ك ِّ ٍ
[الشورى.]51:
ثم عرجت بعد ذلك على أحوال متلقي الوحي؛ وهو نبينا صلى هللا عليه وسلم ،وذكرت ما يحصل له من عالمات -
ومن شدة ومن قوة عندما ينزل عليه جبريل بالوحي.
ثم تواصل الحديث عن العلم الثاني :وهو علم نزول القرآن ،وذكرت جملة من املسائل ،ومن ذلك أن القرآن -
َ
ُمن َّزل وليس بمخلوق ،كذلك أن القرآن ابتدأ نزوله في شهر رمضان ،وأيضا أن نزوله ابتدأ في يوم االثنين ،كما
جاء ذلك في حديث قتادة -رض ي هللا تعالى عنه.-
ثم بعد ذلك تكلمت عن مسألة مهمة؛ وهى مسألة نزول القرآن جملة ومنجما ،وذكرت أقوال العلماء في ذلك -
وبينت الراجح بأدلته.
ثم بعد ذلك تكلمت عن علم من علوم القرآن؛ وهو علم أسباب النزول وبينت معنى السبب ،وذكرت أن القرآن -
ابتداء وقد ينزل بسبب ،وذكرت أن هذا السبب قد يكون لواقعة حصلت من النبي صلى هللا ً الكريم قد ينزل
عليه وسلم أو من الصحابة رضوان هللا عليهم ،أو بسؤال من الصحابة ،أو بسؤال من املنافقين أو من أهل
الكتاب،
ثم عرجت بعد ذلك على صيغ أسباب النزول؛ وأن هناك صيغ صريحة ،وصيغ غير صريحة ،وانتهى القول في -
هذه املسألة أنه -حقيقة -ليس هناك صيغ صريحة وصيغ غير صريحة ،قد تكون الصيغة غير الصريحة داخلة
في سبب النزول ،وقد تكون الصيغة الصريحة غير داخلة في سبب النزول ،وإنما يراد بها التفسير ،ثم ختمت
ُّ
الحديث في علم أسباب النزول عن فوائد معرفة وتعلم علم أسباب النزول.
ثم تطرقت إلى مسألة تتعلق بنزول القرآن؛ وهي نزول القرآن على سبعة أحرف ،وتكلمت في هذا املوضوع، -
وبينت أقوال العلماء ،وخلصت فيه إلى تعريف يجلي لنا معنى هذه األحرف السبعة واملراد منها ،ثم بعد ذلك
بينت الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف.
ثم انتقلت بعد ذلك في الحديث عن علم جديد؛ وهو علم املكي واملدني ،وبينت الحد الضابط بين املكي و -
املدني ،وقلنا أن ما نزل قبل الهجرة فهو مكي ،وما نزل بعد الهجرة فهو مدني ،وبينت أيضا الطريق والسبيل إلى
معرفة املكي واملدني ،وأنه يكون طريقا سماعيا بالرواية ،وقد يكون طريقا قياسيا اجتهاديا ،وذكرت جملة من
الضوابط ،وختمت الحديث في املكي واملدني عن فوائد معرفة مكي السور من مدنيها ،أو مدنيها من مكيها.
- 113 -
إعداد :فريق عمل تفريغ املحاضرات تفريغ محاضرات مادة "علوم القرآن"
-ثم بعد ذلك انتقل بنا الحديث عن فضائل القرآن ،وبينت أن للقرآن فضائل ،عامة للقرآن كله ،وهناك فضائل
تقسيم ذكرته في أثناء الحديث الخاص عن فضائل القرآن.
ٍ للسور ،وهناك فضائل لآليات ،في
-ثم بعد ذلك تكلمت عن علم جديد؛ وهو علم خصائص القرآن ،وذكرت جملة من الخصائص التي ذكرها
العلماء؛ وهي مذكورة وواردة في األحاديث النبوية.
-وتكلمت أيضا عن خواص القرآن ،وذكرت جملة من ذلك.
هذا هو مجمل ما جاء معنا في دراسة هذا املقرر في هذا املستوى ،وفي هذا البرنامج ،برنامج السعدي.
أسأل هللا عز وجل أن أكون قد ُوفقت في عرض تلك املادة ،وأسأله سبحانه وتعالى أن يرزقني وإياكم اإلخالص في
القول والعمل ،وما كان من صواب وتوفيق فهو من هللا سبحانه وتعالى وحده ،وما كان من خطأ وتقصير وخطل
َ َ ُْ َ ْ كان َغ َّفا ً اُ ،س ْب َح َ
ان َرِّب َك َر ِّب ال ِّع َّز ِّة َع َّما َي ِّص ُفونَ ،و َسال ٌم َعلى امل ْر َس ِّل َين، ر
فهو من نفس ي والشيطان ،وأستغفر هللا َّإن ُه َ
ْ َ َ ْ َ ُ َّ
ّلل َر ِّب ال َع ِّامل َين ،وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والح ْمد ِّ ِّ
والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته.
قام بتفريغ هذه املحاضرة من فريق عمل تفريغ املحاضرات :صفاء بودي
قام باملراجعة األولى والتدقيق :أخ في هللا
قام باملراجعة النهائية والتدقيق وضبط الصياغة واإلخراج النهائي :رئيفة درويش
اإلشراف العام على فريق العمل :رئيفة درويش
رئيفة درويش
5صفر 1439ه 25 /أكتوبر 2017م