You are on page 1of 3

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫األحرف السبعة والقراءات العشر‬


‫ٍ‬
‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬ ‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا‬
‫ٍ‬
‫بلمحة تجويدية‪ ،‬لمحتنا التجويدية‬ ‫فالسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪ ،‬وحياكم اهلل يف هذه الفقرة المتعلقة‬
‫يف هذا األسبوع بإذن اهلل تعالى عن‪ :‬األحرف والقراءات الواردة يف القرآن الكريم‪.‬‬

‫أخرج البخاري ومسلم عن النبي صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪( :‬إن القرآن ُأنزل على سبعة أحرف فاقرءوا‬
‫ما تيسر منه)‪ ،‬وهذه السبعة أحرف التي وردت يف هذا الحديث ليس المراد هبا القراءات السبع‪ ،‬بل وال‬
‫القراءات العشر‪ ،‬بل القراءات السبع والعشر جزء من األحرف السبعة‪.‬‬

‫والصحيح من أقوال العلماء أن المراد باألحرف السبعة‪ :‬األوجه التي يقع هبا التغاير يف اللفظ‪ :‬مثال‪:‬‬
‫االختالف يف اإلفراد والتثنية والجمع‪ ،‬وكذلك االختالف يف الفتح واإلمالة‪ ،‬واالختالف يف التصريف‬
‫واإلعراب‪ ،‬واالختالف يف الزيادة والنقصان‪ ،‬والتقديم والتأخير‪ ،‬يف القلب واإلبدال‪ ،‬وما شابه ذلك‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬المراد باألحرف السبعة لهجات العرب التي كانوا هبا يتكلمون‪ ،‬فكان هذا األمر يف أول اإلسالم‬
‫تخفيفا على الناس الداخلين يف اإلسالم‪.‬‬

‫ثم لما تويف النبي صلى اهلل عليه وسلم وقام باألمر بعده من هو أحق به أبو بكر الصديق رضي اهلل عنه‪،‬‬
‫وحصل قتال أهل الردة‪ ،‬وقتل من الصحابة عدد كبير‪ ،‬أشار الصحابة على أبى بكر رضي اهلل عنه بجمع‬
‫القرآن الكريم يف مصحف واحد خشية أن يذهب بذهاب الصحابة وقتلهم‪ ،‬فتوقف يف ذلك أول األمر؛‬
‫ألن النبي صلى اهلل عليه وسلم لم يأمر يف ذلك بشيء‪ ،‬ثم اجـتمع رأيه ورأي الصحابة رضي اهلل عنهم على‬
‫ذلك‪ ،‬يعني على جمع القرآن‪ ،‬فأمر زيد بن ثابت رضي اهلل عنه بتتبع القرآن وجمعه‪ ،‬فجمعه يف صحف‪،‬‬
‫فكانت عند أبي ٍ‬
‫بكر رضي اهلل عنه حتى ُتويف‪ ،‬ثم كانت عند عمر رضي اهلل عنه حتى ُتويف‪ ،‬ثم كانت عند‬
‫حفصة رضي اهلل عنها‪.‬‬

‫ولما كان يف خالفة عثمان رضي اهلل عنه حضر حذيفة بن اليمان فتح أرمينية وأذربيجان‪ ،‬فرأى الناس‬
‫يختلفون يف القرآن‪ ،‬ويقول أحدهم لآلخر‪ :‬قراءيت أصح من قراءتك‪ ،‬فأفزعه ذلك‪ ،‬وقدم على عثمان رضي‬
‫اهلل عنه‪ ،‬وقال‪ :‬أدرك هذه االمة قبل أن يختلفوا اختالف اليهود والنصارى‪ ،‬فأرسل عثمان رضي اهلل عنه‬
‫‪1‬‬
‫إلى حفصة رضي اهلل عنها‪ :‬أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها ثم نردها إليك‪ ،‬فأرسلتها إليه‪ ،‬فأمر زيد بن‬
‫ثابت وعبداهلل بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث أن ينسخوها يف المصاحف‪ ،‬ثم قال‬
‫لهم‪ :‬إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فاكتبوه بلسان قريش‪ ،‬فإنما نزل بلساهنم‪ ،‬فكتب منها عثمان رضي اهلل‬
‫عنه عدة مصاحف‪ ،‬فوج ه بمصحف إلى البصرة وإلى الكوفة وإلى الشام وإلى مكة وإلى اليمن وإلى‬
‫ٍ‬
‫بمصحف لنفسه‪ ،‬وهو الذي يقال له المصحف اإلمام‪ ،‬وأجمعت األمة على ما تضمنته‬ ‫البحرين واحتفظ‬
‫ٍ‬
‫كلمة بأخرى‪ ،‬كما ذكر ذلك ابن الجزري رحمه‬ ‫نقص وإبدال‬ ‫ٍ‬
‫زيادة و ٍ‬ ‫هذه المصاحف وترك ما خالفها من‬
‫اهلل‪.‬‬

‫وهذه المصاحف التي كتبها عثمان رضي اهلل عنه ُجردت من النقط والشكل‪ ،‬حتى تحتمل كل ما صح نقله‬
‫وثبت تالوته عن النبي صلى اهلل عليه وسلم؛ إذ كان االعتماد يف ذلك الزمان على الحفظ ال على مجرد‬
‫الخط‪ ،‬فصار الناس يف ذاك الزمان متقيدين بمصاحف عثمان رضي اهلل عنه يف القراءة واإلقراء‪ ،‬ال يخالفوهنا‬
‫كما ذكرت أنه قد وقع اإلجماع على ذلك‪.‬‬

‫ثم كثر القراء وتفرقوا يف البالد وانتشروا‪ ،‬وكان منهم المتقن للتالوة ومنهم من هو دون ذلك‪ ،‬حتى كثر‬
‫بينهم االختالف وقل الضبط‪ ،‬فقام علماء األمة الجهابذة واجتهدوا‪ ،‬وجمعوا الحروف والقراءات‪ ،‬وعزوا‬
‫الوجوه والروايات ألصحاهبا‪ ،‬وميزوا بين المشهور والشاذ والصحيح وغيره‪ ،‬ووضعوا لذلك أصو ً‬
‫ال‬
‫أصلوها وأركانًا فصلوها‪ ،‬وهي ثالثة أصول‪:‬‬
‫ٍ‬
‫بوجه من الوجوه‪.‬‬ ‫األصل األول‪ :‬أن تكون القراءة موافق ًة للغة العربية ولو‬

‫واألصل الثاين‪ :‬أن تكون موافق ًة ألحد المصاحف العثمانية ولو احتما ً‬
‫ال‪ ،‬ألن المصاحف قد خلت من‬
‫النقط ومن الشكل فلو وافقت أحد المصاحف ولو احتما ً‬
‫ال فإهنا مقبولة‪.‬‬

‫واألصل الثالث‪ :‬أن يصح سندها‪.‬‬

‫فإن اجتمع فيها هذه األمور الثالثة قبلت القراءة‪.‬‬

‫ولما طبقت هذه الشروط على قراءات األئمة الموجودة يف ذلك الزمان توفرت يف القراءات العشر‬
‫المتواترة التي وصلت الينا متواترة‪ ،‬ولم تنطبق هذه الشروط على غيرها من القراءات‪ ،‬ومن هنا جاءت‬

‫‪2‬‬
‫القراءات العشر‪ ،‬ونسبت هذه القراءات إلى األئمة الذين أقرؤوا هبا‪ ،‬وهم‪ :‬نافع وابن كثير وأبو عمرو‬
‫البصري وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وأبو جعفر المدين ويعقوب الحضرمي وخلف البغدادي‪.‬‬

‫ثم جاء ما تفرع عنها وهو ما يسمى بالرواية‪ ،‬والرواية هي رواية الراوي عن اإلمام الذي أخذ عنه‪ ،‬كان‬
‫اإلمام ُيقرئ بعدة أوجه‪ :‬فيأيت الراوي عنه فيختار وجهًا أو أكثر من هذه األوجه ليقرئ هبا طالبه‪ ،‬فتنسب‬
‫ٍ‬
‫عاصم‪ ،‬يرويها شعبة وحفص‪،‬‬ ‫إليه هذه الرواية‪ ،‬فيقال‪ :‬رواية حفص عن عاصم‪ ،‬بينما القراءة تسمى قراءة‬
‫ٍ‬
‫حفص عن عاصم كذا‪ ،‬ورواية شعبة عن عاصم كذا‪ ،‬وكله أخذوه بالرواية‪ ،‬لكنهم اختاروا‬ ‫فيقال‪ :‬رواية‬
‫بعض هذه األوجه إلقراء طالهبم فاشتهرت عنهم هذه األوجه‪.‬‬

‫وهناك ما يسمى يف علم القراءات بالطريق‪ ،‬فيقال‪ :‬هذه رواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية‪ ،‬ورواية‬
‫ٍ‬
‫حفص عن عاصم من طريق طيبة النشر‪ ،‬أو من طريق روضة الحفاظ‪ ،‬أو من طريق المصباح‪ ،‬أو ما شابه‬
‫ذلك‪ ،‬فهذه هي الكتب التي نقلت لنا هذه الروايات‪ ،‬فيقال يف القراءة المشهورة عندنا اآلن مثالً‪ :‬قراءة‬
‫ٍ‬
‫ورش عن نافع من طريق الشاطبية‪ ،‬فهذا هو المقصود‬ ‫حفص عن عاصم من طريق الشاطبية‪ ،‬ورواية‬
‫بالرواية وبالقراءة وبالطريق‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حفص‬ ‫وكل قارئ من هؤالء القراء العشرة له روايتان معتمدتان عند أهل العلم‪ :‬مثالً لإلمام عاصم رواية‬
‫ٍ‬
‫ورش ورواية قالون‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫ورواية شعبة‪ ،‬ولإلمام نافع رواية‬

‫ومما ينبغي أن ُيعلم أن اإلمام الشاطبي رحمه اهلل قد جمع يف كتابه سبع قراءات‪ ،‬ثم جاء اإلمام ابن الجزري‬
‫رحمه اهلل يف الدرة وأتم الثالث قراءات المتممة للعشر‪ ،‬وهذه تسمى بالقراءات العشر الصغرى‪ ،‬وجاء‬
‫االمام ابن الجزري يف النشر وطيبة النشر وجمع القراءات العشر التي تسمى بالقراءات العشر الكربى‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وطريق واحدة‪ ،‬أما طيبة النشر‬ ‫وإنما سميت من طريق الشاطبية والدرة بالصغرى القتصارها على روايتين‬
‫ٍ‬
‫طريق طريقين‪ ،‬فكثرت الطرق وتشعبت‪ ،‬فلذلك سميت بالقراءات‬ ‫فإنه اعتمد لكل ٍ‬
‫راو طريقين‪ ،‬ولكل‬
‫العشر الكربى‪.‬‬

‫هذا خالصة ما أردت إتحافكم به فيما يتعلق باألحرف والقراءات‪ ،‬واهلل تعالى أعلم‪ ،‬وصلى اهلل وسلم‬
‫على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪3‬‬

You might also like