Professional Documents
Culture Documents
أخرج البخاري ومسلم عن النبي صلى اهلل عليه وسلم أنه قال( :إن القرآن ُأنزل على سبعة أحرف فاقرءوا
ما تيسر منه) ،وهذه السبعة أحرف التي وردت يف هذا الحديث ليس المراد هبا القراءات السبع ،بل وال
القراءات العشر ،بل القراءات السبع والعشر جزء من األحرف السبعة.
والصحيح من أقوال العلماء أن المراد باألحرف السبعة :األوجه التي يقع هبا التغاير يف اللفظ :مثال:
االختالف يف اإلفراد والتثنية والجمع ،وكذلك االختالف يف الفتح واإلمالة ،واالختالف يف التصريف
واإلعراب ،واالختالف يف الزيادة والنقصان ،والتقديم والتأخير ،يف القلب واإلبدال ،وما شابه ذلك.
وقيل :المراد باألحرف السبعة لهجات العرب التي كانوا هبا يتكلمون ،فكان هذا األمر يف أول اإلسالم
تخفيفا على الناس الداخلين يف اإلسالم.
ثم لما تويف النبي صلى اهلل عليه وسلم وقام باألمر بعده من هو أحق به أبو بكر الصديق رضي اهلل عنه،
وحصل قتال أهل الردة ،وقتل من الصحابة عدد كبير ،أشار الصحابة على أبى بكر رضي اهلل عنه بجمع
القرآن الكريم يف مصحف واحد خشية أن يذهب بذهاب الصحابة وقتلهم ،فتوقف يف ذلك أول األمر؛
ألن النبي صلى اهلل عليه وسلم لم يأمر يف ذلك بشيء ،ثم اجـتمع رأيه ورأي الصحابة رضي اهلل عنهم على
ذلك ،يعني على جمع القرآن ،فأمر زيد بن ثابت رضي اهلل عنه بتتبع القرآن وجمعه ،فجمعه يف صحف،
فكانت عند أبي ٍ
بكر رضي اهلل عنه حتى ُتويف ،ثم كانت عند عمر رضي اهلل عنه حتى ُتويف ،ثم كانت عند
حفصة رضي اهلل عنها.
ولما كان يف خالفة عثمان رضي اهلل عنه حضر حذيفة بن اليمان فتح أرمينية وأذربيجان ،فرأى الناس
يختلفون يف القرآن ،ويقول أحدهم لآلخر :قراءيت أصح من قراءتك ،فأفزعه ذلك ،وقدم على عثمان رضي
اهلل عنه ،وقال :أدرك هذه االمة قبل أن يختلفوا اختالف اليهود والنصارى ،فأرسل عثمان رضي اهلل عنه
1
إلى حفصة رضي اهلل عنها :أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها ثم نردها إليك ،فأرسلتها إليه ،فأمر زيد بن
ثابت وعبداهلل بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث أن ينسخوها يف المصاحف ،ثم قال
لهم :إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فاكتبوه بلسان قريش ،فإنما نزل بلساهنم ،فكتب منها عثمان رضي اهلل
عنه عدة مصاحف ،فوج ه بمصحف إلى البصرة وإلى الكوفة وإلى الشام وإلى مكة وإلى اليمن وإلى
ٍ
بمصحف لنفسه ،وهو الذي يقال له المصحف اإلمام ،وأجمعت األمة على ما تضمنته البحرين واحتفظ
ٍ
كلمة بأخرى ،كما ذكر ذلك ابن الجزري رحمه نقص وإبدال ٍ
زيادة و ٍ هذه المصاحف وترك ما خالفها من
اهلل.
وهذه المصاحف التي كتبها عثمان رضي اهلل عنه ُجردت من النقط والشكل ،حتى تحتمل كل ما صح نقله
وثبت تالوته عن النبي صلى اهلل عليه وسلم؛ إذ كان االعتماد يف ذلك الزمان على الحفظ ال على مجرد
الخط ،فصار الناس يف ذاك الزمان متقيدين بمصاحف عثمان رضي اهلل عنه يف القراءة واإلقراء ،ال يخالفوهنا
كما ذكرت أنه قد وقع اإلجماع على ذلك.
ثم كثر القراء وتفرقوا يف البالد وانتشروا ،وكان منهم المتقن للتالوة ومنهم من هو دون ذلك ،حتى كثر
بينهم االختالف وقل الضبط ،فقام علماء األمة الجهابذة واجتهدوا ،وجمعوا الحروف والقراءات ،وعزوا
الوجوه والروايات ألصحاهبا ،وميزوا بين المشهور والشاذ والصحيح وغيره ،ووضعوا لذلك أصو ً
ال
أصلوها وأركانًا فصلوها ،وهي ثالثة أصول:
ٍ
بوجه من الوجوه. األصل األول :أن تكون القراءة موافق ًة للغة العربية ولو
واألصل الثاين :أن تكون موافق ًة ألحد المصاحف العثمانية ولو احتما ً
ال ،ألن المصاحف قد خلت من
النقط ومن الشكل فلو وافقت أحد المصاحف ولو احتما ً
ال فإهنا مقبولة.
ولما طبقت هذه الشروط على قراءات األئمة الموجودة يف ذلك الزمان توفرت يف القراءات العشر
المتواترة التي وصلت الينا متواترة ،ولم تنطبق هذه الشروط على غيرها من القراءات ،ومن هنا جاءت
2
القراءات العشر ،ونسبت هذه القراءات إلى األئمة الذين أقرؤوا هبا ،وهم :نافع وابن كثير وأبو عمرو
البصري وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وأبو جعفر المدين ويعقوب الحضرمي وخلف البغدادي.
ثم جاء ما تفرع عنها وهو ما يسمى بالرواية ،والرواية هي رواية الراوي عن اإلمام الذي أخذ عنه ،كان
اإلمام ُيقرئ بعدة أوجه :فيأيت الراوي عنه فيختار وجهًا أو أكثر من هذه األوجه ليقرئ هبا طالبه ،فتنسب
ٍ
عاصم ،يرويها شعبة وحفص، إليه هذه الرواية ،فيقال :رواية حفص عن عاصم ،بينما القراءة تسمى قراءة
ٍ
حفص عن عاصم كذا ،ورواية شعبة عن عاصم كذا ،وكله أخذوه بالرواية ،لكنهم اختاروا فيقال :رواية
بعض هذه األوجه إلقراء طالهبم فاشتهرت عنهم هذه األوجه.
وهناك ما يسمى يف علم القراءات بالطريق ،فيقال :هذه رواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية ،ورواية
ٍ
حفص عن عاصم من طريق طيبة النشر ،أو من طريق روضة الحفاظ ،أو من طريق المصباح ،أو ما شابه
ذلك ،فهذه هي الكتب التي نقلت لنا هذه الروايات ،فيقال يف القراءة المشهورة عندنا اآلن مثالً :قراءة
ٍ
ورش عن نافع من طريق الشاطبية ،فهذا هو المقصود حفص عن عاصم من طريق الشاطبية ،ورواية
بالرواية وبالقراءة وبالطريق.
ٍ
حفص وكل قارئ من هؤالء القراء العشرة له روايتان معتمدتان عند أهل العلم :مثالً لإلمام عاصم رواية
ٍ
ورش ورواية قالون ،وهكذا. ورواية شعبة ،ولإلمام نافع رواية
ومما ينبغي أن ُيعلم أن اإلمام الشاطبي رحمه اهلل قد جمع يف كتابه سبع قراءات ،ثم جاء اإلمام ابن الجزري
رحمه اهلل يف الدرة وأتم الثالث قراءات المتممة للعشر ،وهذه تسمى بالقراءات العشر الصغرى ،وجاء
االمام ابن الجزري يف النشر وطيبة النشر وجمع القراءات العشر التي تسمى بالقراءات العشر الكربى،
ٍ
وطريق واحدة ،أما طيبة النشر وإنما سميت من طريق الشاطبية والدرة بالصغرى القتصارها على روايتين
ٍ
طريق طريقين ،فكثرت الطرق وتشعبت ،فلذلك سميت بالقراءات فإنه اعتمد لكل ٍ
راو طريقين ،ولكل
العشر الكربى.
هذا خالصة ما أردت إتحافكم به فيما يتعلق باألحرف والقراءات ،واهلل تعالى أعلم ،وصلى اهلل وسلم
على نبينا محمد ،وعلى آله وصحبه أجمعين ،والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته.
3