Professional Documents
Culture Documents
األولى
الدرس األول
الحمــد هلل رب العــالمين ،والصــالة والســالم على نبينــا محمــد األمين ،وعلى آلــه
وصحبه أجمعين ،والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا هو أول دروس أصول رواية قالون ،وهي إحــدى المــواد المقــررة في الــدورة
العلمية األولى من دورات معهد اإلمام اآلجري لتحفيظ وإقراء القرآن الكريم.
حيُث إننا اخترنا أن نشرح أصوَل كِّل قارٍئ من القراء العشرِة على حدة ،ثم نشرح
متَني الشــاطبيِة والــدرِة في دروس مســتقلة ،وبــذلك يكــون الطــالب قــد َد َرَس أصــوَل
القراءات منفردة ومجتمعة.
وقد وقع اختياُرنا في هذه الدورة على قــراءة نــافع؛ وذلــك ألن أكــثر طالِب المعهــد
يقرءون برواية قالون ورواية ورش ،وفي الدورة الثانية –إن شاء هللا -سنشـرح أصــوَل
قراءة عاصم؛ ألنها األكثر انتشــارا بين طالب المعهــد بعــد قــراءة نــافع ،ولم يتيســر لنــا
وضُع أصول قراءِة عاصم ضمن مقررات الدورة األولى؛ حتى ال يزيد عدد الحصــص
إلى حٍّد يشّق علينا وعليكم.
وبعد قراءة عاصم سنختار قراءة ثالثًة من القـراءات العشـر ...وهكـذا إلى أن نـأتي
على كل القراءات –إن شاء هللا.-
وأما شرح الشاطبية والدرة فربما سنشرع فيه اعتبارا من الدورة الثالثة أو الرابعة.
وقد اقتسمنا أنا وفضيلة الدكتور إبراهيم كشيدان –وفقه هللا! -تدريَس أصوِل قــراءِة
نافع ،فاخترت أن أقوم بتدريس أصول رواية قالون ،واختار هو –حفظــه هللا! -أن يقــوم
بتدريس أصول رواية ورش.
وسأشرح خالل هذه الدروس –إن شــاء هللا تعــالى -كتــابي« :قــرُة العيــون بتلخيص
أصول رواية قالون» ،وهو كتاٌب مختصر ،لخصُت فيه أصوَل رواية قالون من طريــق
الشاطبية بطريقٍة ميّسرة ،واستعنُت في ذلك بالجداول والتقسيمات المشجرة.
فأسأل هللا الكريم التوفيق والسداد ،واألجر والثواب ،وأن ينفــع بهــذه الــدروس؛ إنــه
ولي ذلك والقادر عليه.
أبدأ بعرض أهداف المحاضرة:
الهــدف األول -معرفــة معــاني المصــطلحات اآلتيــة :األصــول ،الفــرش ،القــراءة،
الرواية ،الطريق ،الخالف الواجب ،الخالف الجائز.
الهدف الثاني -معرفة مفهوم القراءات العشر الصغرى و القراءات العشر الكبرى.
الهدف الثالث -معرفة نبذ مختصرة عن اإلمام قالون شيخه اإلمام نافع.
الهدف الرابع -معرفة إسناد رواية قالون.
الهدف الخامس -معرفة طريق الشاطبية عن قالون وأموٍر تتعلق بها.
طبعــا لن أتطــرق للكالم على مبــادئ علم القــراءات ،ولم أذكــر من مقدماتــه إال مــا
دعت الحاجــة إلى ذكــره؛ ألن هــذا ســبق الكالم عليــه في محاضرة مســتقلة بعنــوان:
«مقدمات في علم القراءات» ،ولعل أكـثركم قـد سـمعها ،ومن لم يسـمعها فهي موجـودة
على صفحة المعهد مسجلًة ،فليرجع إليها.
5 أصول رواية قالون عن نافع
العنصر الثاني
القراءات والروايات والطرق واألوجه والخالف الواجب،
والخالف الجائز
القــراءات جمــع قـراءة ،وهي عــرف علمــاء القــراءة :كــُّل خالف ُينَس ب إلمـاٍم من
العشرة مما َأْج َم َع عليه الرواُة عنه.
مثال ذلك :في قوله تعالى{ :بل عجبت ويسخرون}؛ قـرأ حمـزة والكسـائي وخلـف
العاشر بالضم ،وقرأ الباقون بــالفتح ،من دون خالف عن أٍّي من هــؤالء القــراء ،فلــذلك
نقول :هي بالضم قراءة حمزة والكسائي وخلف العاشر ،وبالفتح قراءة الباقين.
وأمــا الروايــة فهي كــل مــا ُنســب للــراوي عن اإلمــام القــارئ .زاد بعضــهم :ولــو
بواســطة؛ ليــدخل في ذلــك مثــل روايــة الــدوري عن أبي عمــرو؛ فهي بواســطة يحــيى
اليزيدي.
مثال الرواية{ :وهو} عنـد نـافع؛ اخُتلـف على نـافع في هـذه الكلمـة؛ فرواهـا عنـه
قالون بإسكان الهاء –من جميع طرقه ،-ورواها ورش بضم الهـاء –من جميـع طرقـه،-
فإذن هذا خالف على مستوى الرواة ،فلذلك نقول :هي باإلسكان رواية قالون ،وبالضــم
رواية ورش.
وقد ُيطلق على الرواية قراءًة تجُّو زا.
وأما الطريق فهو ما نسب لآلخذ عن الراوي ـ وإن َس ُفَل .أي :سواء أكان هذا اآلخُذ
آِخ ًذ ا عن الراوي مباشرة أم بواسطة أم بواسطتين ...وهكذا نــزوًال ,فمــا ُنِس َب ألحــد من
هؤالء يسمى« :طريًقا».
مثـــال ذلـــك :في قولـــه تعـــالى{ :يس والقـــرآن الحكيم} وقولـــه{ :ن والقلم ومـــا
يسطرون} اخُتلف عن حفص في هـذين الموضعين؛ فـروى اإلدغـاَم عنـه زرعـان من
جميــع طرقــه إال طريــق المصــباح ،والجمهــور رووا اإلظهــار ،فلــذلك نقــول :اإلدغــام
طريق زرعان عن حفص إال طريق المصباح عنه -أي عن زرعان ،-واإلظهار طريق
الجمهور عن حفص.
وهذا مثال شامل للقراءة والرواية والطريق:
إثبات البسملة بين السـورتين قـراءُة ابن كثــير ،وقـراءُة عاصــم ,وقـراءُة الكسـائي،
وقراءُة أبي جعفر ,وروايـُة قـالون عن نـافع ،وطريـُق األصـفهاني عن ورش ،وطريـُق
صاحب (الهادي) عن أبي عمرو ،وطريُق صاحب (العنــوان) عن ابن عــامر ،وطريــق
صاحب (التذكرة) عن يعقوب ،وطريق صاحب (التبصرة) عن األزرق عن ورش.
وما كان على غير هذه الصفة مما هو راجٌع إلى تخيير القارئ فيــه – كــان وجًه ا؛
وذلك كأوجه البسملة بين السورتين لمن َبْس َم َل ,وأوجه الوقف على أواخر الكلم ,وأوجــه
الوقف على عارِض السكوِن ,واألوجه بين سورتي األنفال وبراءة.
إذا َع ِلمَت ذلـــك؛ فـــاعلم أن خالَف القـــراءاِت والروايـــاِت والطـــرِق خالُف نٍّص
وروايٍة؛ فلو َأَخ َّل القارُئ بشيء منه كان نقًص ا في الرواية ,فهو وضده واجب في إكمال
الرواية.
َأ
وأما خالف األوجه فليس كذلك؛ إذ هو على سبيل التخيير؛ فبــأِّي وجـٍه َتى القــارُئ
َأْج َز َأ في تلك الرواية ،وال يكون إخالًال بشيء منها ,فهـو وضده جـائز في القـراءة؛ من
أصول رواية قالون عن نافع 8
العنصر الثالث
القراءات العشر الصغرى والقراءات العشر الكبرى
القراءات العشر هي :قراءة نافع ،وقراءة ابن كثير ،وقراءة أبي عمرو ،وقراءة ابن
عامر ،وقراءة عاصم ،وقــراءة حمــزة ،وقــراءة الكســائي ،وقــراءة أبي جعفــر ،وقــراءة
يعقوب ،وقراءة خلف العاشر –وهو نفسه أحد رواة رواية حمزة ،-له رواية عن حمزة،
وله قراءة خاصــة بــه ،وعنــدما يتحــدث العلمــاء عن روايتــه عن حمــزة يقولــون :خلــف
حمزة ،وعندما يتحدثون عن قراءته يقولون :قراءة خلف العاشر ،أو اختيار خلف.
هــذه القــراءات هي القــراءات العشــر ،الســبع اُألَو ُل منهــا يطلــق عليهــا :القــراءات
السبع ،والثالث األخيرة يطلق عليها القراءات الثالث المتممة للعشر.
ومن الكتب التي ُألفت في القراءات السبع :منظومة( :حرز األماني ووجه التهاني)
للشــاطبي –رحمــه هللا! ،-وهي المعروفــة بالشــاطبية ،وهي أشــهر الكتب الــتي جمعت
السبع ،وهي الطريق التي يقرأ عامة المسلمين الرواياِت بمَض َّمِنها.
وجمــع ابن الجزري –رحمــه هللا! -بقيــة العشــر في منظومــة لــه بعنــوان( :الــدرة
المضية في القراءات الثالث المرضية).
وكـٌّل من الشـاطبية والـدرة اكتفَت ا عن كـل قـارئ بروايـتين ،وهـذه الروايـات على
التفصيل هي:
روايتا قالون وورش عن نافع.
وروايتا البزي وقنبل عن ابن كثير.
وروايتا الدوري والسوسي عن أبي عمرو.
وروايتا هشام وابن ذكوان عن ابن عامر.
وروايتا شعبة وحفص عن عاصم.
وروايتا خلف وخالد عن حمزة.
وروايتا أبي الحارث والدوري عن الكسائي.
وروايتا ابن وردان وابن جماز عن أبي جعفر.
وروايتا رويس وَر ْو ح عن يعقوب.
وروايتا إسحاق وإدريس عن خلف العاشر.
فصار مجموُع ما احتوته القصيدتان :عشر قــراءات ،وأربــع عشــرة روايــة ،وهــذه
الروايات األربع عشرة ليست هي ما يطلق عليــه :القــراءات األربـَع عشــرة ،هــذه غــيُر
تلك.
ثم إن كال من الشاطبية والدرة اكتفتا عن كــل راٍو بطريــق واحــد ،باســتثناء طريــق
إدريس عن خلف؛ فــإن ابن الجزري اختــار لــه طريقــان ،فبهــذا يكــون مجمــوع مــا في
الشاطبية والدرة :سبع قراءات ،وأربع عشرة رواية ،وإحدى وعشرون طريقا.
والقــراءات العشــر من طــريقي الشــاطبية والــدرة يطلــق عليهــا :القــراءات العشــر
الصغرى ،سميت الصغرى مقابلًة بالكبرى –وسيأتي الكالم عليها بعد لحظات –إن شاء
هللا.--
اآلن انتهينا من بيان معنى العشر الصغرى.
نأتي اآلن إلى الحديث عن العشر الكبرى.
أصول رواية قالون عن نافع 10
اإلمام ابن الجزري عندما أّلف كتابه العظيم( :النشر في القراءات العشر) أورد فيه
كَّل ما صح من القــراءات ،فلم تتجاوز العشـَر الــتي ســبق ســرُد ها ،وأورد المقبــوَل ِم ن
مشهوِر منقوِل الروايات ،واقتصر عن كل قارئ على روايتين ،وهي عيُن ما اقتصرت
عليها الشاطبية والدرة من الروايات ،ثم اختار عن كل رواية طريقين ،وعن كل طريــق
طريقين ،فيكون عن كل راو أربُع طرٍق غالبا ،وحيث لم يتأت له ذلك من روايــة خلــف
وخالد عن حمزة؛ جعــل عن خلــف أربعــة عن إدريس عنــه ،وعن خالد بنفســه أربعــة،
وفي رواية رويس التماِر عنه أربعة ،وفي رواية إسحاق أربعة (اثنان عن نفسه واثنــان
عن أبي عمــر عنــه) ،وفي روايــة إدريس أربعــة عن نفســه؛ ليتم عن كــل راو أربعــة،
ويكون عن الرواة العشرين ثمانون طريقا ،ثم تتشعب هذه الطــرق بعــد ذلــك فتبلــغ عــدُة
الطرق عن القراء العشرة قريبا من ألف طريق.
قال –رحمه هللا! -في مقدمة طيبة النشر (وهي األرجوزة الــتي َنَظم فيهــا مضــموَن
كتاِب النشر) -قال:
َّق ُط
وهذه الرواُة عنهم ُر ُق ** أصُّح ها في نشرنا ُيح ُق
باثنين في اثنين وإال أربع ** فهي ُز ها ألِف طريٍق َتْج َم ُع
فهذا أضعاُف أضعاِف ما َح َو اه طريقا الشاطبية والدرة ،ولــذا يطلــق على القــراءات
العشر من طريق طيبة النشر :القراءات العشر الكبرى.
فــالقراءات العشــر الصــغرى هي الــتي من طــريقي الشــاطبية والــدرة ،والقــراءات
العشر الكبرى هي التي من طريق طيبة النشر.
هنا سؤال :هل الطرق التي حوتها طريقا الشاطبية والــدرة موجــودة ضمن طريــق
طيبة النشر؟
الجواب نعم.
إذن فمعنى هذا أن القراءات العشر الصغرى جزٌء من القراءات العشر الكبرى.
وعليه؛ فمن قرأ بالعشر الكبرى أو ُأجيز بها؛ فقد قرأ وُأجيز بالعشر الصغرى.
11 أصول رواية قالون عن نافع
العنصر الرابع
ترجمة اإلمام نافع
هو اإلماُم الَح ْبُر الَع َلُم نــافُع بُن عبـِد الــرحمِن بِن أبي ُنَع ْيٍم الليــثُّي َ-م ْو الُهم -المــدنُّي
القارُئ ,أحُد القّراء الَّسْبَع ة.
أشهر كناه :أبو رويم.
أصله من أصبهان.
ولد في خالفة عبد الملك بن مروان سنة ِبْض ٍع وسبعين من الهجرة.
كان أسَو َد اللوِن حالًك ا ,صبيَح الوجه –أي مجيَلهَ ,-ح َس َن الُخ ُلق ,فيه ُد عابة ,زاهًدا
جَو اًدا.
وقد اشتهر من مناقبه ما أورده الذهبي في (طبقات القراء) وابن الجزري في
(غاية النهاية) وغيُرهما من طريق أحمد بن هالل المصري؛ قال :قال لي
الشيباني :قال لي رجل ممن قرأ على نافع« :إن نافًعا كان إذا تكلم ُيَش ُّم ِم ن ِفيِه
رائحُة المسك .فقلت له :يا أبا عبد هللا -أو :يا أبا رويم , -أتتطيب كلما قعدَت تقرئ؟
فقال :ما أَم ُّس طيًبا ,ولكني رأيت -فيما يرى النائُم -النبَّي –صلى اله عليه وسلم!-
وهو يقرأ في ِفَّي ؛ فمن ذلك الوقت أشم ِم ن ِفَّي هذه الرائحة».
وهذا السند فيه رجل مبهم ،وفيه من هو مجهول.
قال الذهبي :ال َتْثُبُت هذه الحكايُة من جهِة جهالِة رواتها ,وحين ْو َر َد هذا الخبَر
َأ
في سير أعالم النبالء صَّد َر ه بصيغة التمريض؛ فقال :وُر ِو َي أَّن نافًعا....
ولم أعثر لهذا الخبر -فيما بين يدّي من مصادر -على إسناٍد غير هذا.
أخذ نافٌع القراءة عرًض ا عن جماعة من التابعين ,منهم :أبو جعفر يزيــد بن القعقــاع
المخزومي المدني ,وَش ْيَبة بن ِنَص ــاح بن َس ْر َج س بن يعقـوب المـدني ,وأبـو داود عبـد
الرحمن بن ُهْر ُم ز األعرج المدني ,وأبــو َر ْو ح يزيــد بن ُروَم ان المــدني ,وأبــو عبــد هللا
مسلم بن ُجندب المدني ,وصالح بن َخ َّو ات ,واألصــبغ بن عبــد العزيــز النحــوي ,وعبــد
الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ,والُّز ْهري.
قال أبو ُقَّر ة موسى بن طارق :سمعته يقول :قرأت على سبعين من التابعين.
وقال ابن الجزري :قد تواتر عندنا عنه أنه قرأ على الخمسة اُألَو ل.
روى القــراءة عنــه عرًض ا وســماًعا خل ـٌق كثــير ,منهم :عيســى بن ِم يَن ا (قــالون),
وعثمان بن سعيد (ورش) ,واإلمام مالك بن أنس -وهو من أقرانه.-
كان عالًم ا بوجوه القراءات ,متبًعا آلثار األئمة الماضين ببلــده ,وانتهت إليــه رياسـة
القراءة بالمدينة ,وصار الناُس إليها مدًة من الزمن.
قال الليث بن سعدَ :قِد مُت المدينة ســنة ثالث عشــر ومئــة ,فوجــدُت نافًع ا إماًم ا في
القراءة ال ُيناَز ع.
وقال مالٌك لمن سأله عن البســملةَ :س ُلوا عن كــِّل علٍم أهَل ه ,ونــافٌع إمــاُم النــاس في
القراءة.
أقر الناَس نِّيًفا عن سبعين عاًم ا ,وأَّم الناَس بمسجد رسول هللا ج ستين سنة. َأ
وأما في رواية الحديث فقد اخُتِلَف فيه؛ فقال أحمــد :ليس في الحــديث بشــيء ,وقــال
َم رًةَ :لِّيٌن ,وقال ابن معين :ثقة ,وقال أبو حاتمَ :ص ُدٌق صالـــُح الحـديث ,وقـال النسـائي:
أصول رواية قالون عن نافع 12
ليس بـه بـأس ,وذكـره ابن ِح َّب ان في الثقـات ,وقـال ابن َع ِد ّي... :لم أَر في حديثـه شـيًئا
منَك ًر ا ,وأرجو أنه ال بأس به.
وهو قليــل الحــديث ,مــع أنــه روى عن نــافع عن ابن عمــر ,وعن األعــرج عن أبي
هريرة ,وجماعٍة ,ولكنه َتَص دى لإلقراء ,ولم يخرج له شيء في الكتب الستة.
لَّم ا حضــرْته الوفـاُة قـال لــه أبنــاؤهَ :أْو ِص نا .قـال :اتقــوا هللا ,وأصــلحوا ذاَت بيِنكم,
وأطيعوا َهللا ورسوَله إن كنتم مؤمنين.
توفي سنة 169هـ .وقيل غيُر ذلك.
13 أصول رواية قالون عن نافع
العنصر الخامس
ترجمة اإلمام قالون
هو قارئ المدينة ونحوُّيها ،اإلماُم أبو موسى عيســى بُن ِم يَن ا بِن َو ْر َداَن بِن عيســى
عبد الصمِد بِن عمَر بن عبد هللا الُّز َر قي ,مولى بني زهرة. بِن
ولد سنة 120هـ.
يقال :إنه ربيُب نافٍع .وقد اختص به نافٌع كثــيًرا ,وهــو الــذي ســماه :قــالون؛ لجودة
قراءته ,فإن (قالون) لفظٌة روميٌة تعنيَ :ج ِّيد.
قــال ابن الجزري« :ســألُت الــروَم عن ذلــك فقــالوا« :نعم» .غــير أنهم نطقــوا لي
بالقاف كاًفا -على عادتهم.»-
قرأ على نافع سنة 150هـ ,وَلم َيَز ل يقرأ عليه حتى َم َهَر وَح َذ ق.
قال :قرأت على نافع قراءَته غيَر مرٍة ,وكتبتها في كتابي.
وقال الَّنَّقاش :قيل لقالون :كم قرأَت على نــافع؟ قــال :مــاال أحصــيه َك ْث َر ًة ,إال أنــني
جالسته َبعد الفراغ عشرين سنة.
وقال عثمان بن خّر زاذ :حدثنا قالون قــال :قــال لي نــافع :كم تقــرأ علّي ! اجلس إلى
أسطوانٍة حتى ُأرسل إليك من يقرأ عليك.
وقد أخذ عن نافٍع ـ أيًض ا ـ قــراءَة أبي جعفــر ـ َع ْر ًض ا ـ ,وَع َر َض ـ أيًض ا ـ على
عيسى بن وردان (أحد رواة أبي جعفر).
طال عُم ُره ,وَبُعد صيُته ,واشـَتَهر أمـُره ,وانتهت إليـه رئاسـة اإلقـراء بالحجاز في
زمانه ,ورحل إليه الناس.
ْل
روى القــراءَة عنــه َخ ٌق كثــيٌر ,منهم :ولــداه أحمــد وإبــراهيم ,وأحمــد بن صــالح
المصري الحافظ ,وأبو الحسن أحمد بن يزيـد الُح ْل واني ,وأبـو َنِش يط محمـد بن هـارون
الَّر َبعي.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم :سمعت علي بن الحسن الِهِس ْنَج اني قال :كــان قــالوُن
عيسى ابُن مينا أصَّم شديَد الصمم ,فلو رفعَت صوَتك حــتى ال غايــة؛ لم َيســمْعك ,وكــان
ُيقَر أ عليه القرآن ,فكان َينُظر إلى شفَتِي القارِئ وَيُر ُّد عليه اللحَن والخطَأ.
وأما في رواية الحديث؛ فقد ذكره ابن ِح بان في الثقات ,وقال الهيثمي :حديُثه َح َس ن,
وقال الذهبي :أما في القراءة َفَثْبٌت ،وأمــا في الحـديث فُيكَتب حديُث ه -في الجملــة ,-سـئل
أحمــد بن صــالح المصــري عن حديثــه فضــحك وقــال :تكتبــون عن كــل أحــد!) ,وقــال
األلباني :لم يوثقه غيُر ابِن حبان.
توفي بالمدينة سنة 220هـ.
أصول رواية قالون عن نافع 14
العنصر السادس
إسناد رواية قالون
قرأ قالون على نافع ،وقرأ نــافع على سـبعين من التــابعين –كمــا سـبق ،-منهم :أبــو
جعفر يزيُد بُن القعقاِع ،وأبو داود عبد الرحمن بُن هرمٍز األعرُج ،وَشْيَبُة بن ِنَص اِح بِن
َس ْر َج ٍس ،وأبو عبد هللا مســلُم بُن جنــدٍب الُه َذ لي ،وأبــو َر ْو ح يزيـُد بُن ُروَم ان ,وهــؤالء
المذكورون كلهم مدنّيون ،وهم أخذوا عن أبي هريرة وعبــد هللا بن عبــاس وعبــد هللا بن
َع َّي اش بن أبي ربيعـــة ,وهم عن ُأَبّي بن كعب ,وهـــو عن خـــاتم النبـــيين وســـِّيد
المرسلين نبينا ورسولنا .
15 أصول رواية قالون عن نافع
العنصر السابع
طريق الشاطبية لرواية قالون
لقالون من طريق طيبة النشر 83طريقا ،يجمع هذه الطرق طريقان رئيستان:
طريق أبي نشيط محمد بن هارون الرَبعي (ويتفرع منها 43طريقا)
وطريق أحمد بن يزيَد الحلواني (ويتفرع منها 49طريقا)
....
ْأ
فبان لك أن طريق الشاطبية ليست هي طريــَق أبي نشــيط َر ًس ا كمــا يظن البعُض ؛
وإنما هي إحدى الطرق التي تندرج تحت طريــق أبي نشـيط ،فطريــق أبي نشـيط أوسـع
من طريق الشاطبية.
أصول رواية قالون عن نافع 16
العنصر الثامن
مسائل تتعلق بطريق الشاطبية
المســألة األولى -من المعــروف أن المقصــَد الــرئيَس لإلمــام الشــاطبي من تــأليف
الشاطبية هو اختصار كتاب( :التيسير في القراءات السبع) لإلمام أبي عمرو الداني.
قال:
وفي يسرها التيسير رمت اختصاره ** فأجنت بعون هللا منه مؤمال
السؤال هنا :هل الشاطبية اختصار محٌض للتيسير؟ أم أن ناظمها ترك من التيســير
أشياء وزاد عليه أشياء؟
الجواب :الشاطبية ليست اختصاًرا َم ْح ًض ا للتيسير ,إنما زاد فيها ناظمهــا أشــياَء ِم َن
اختياراته ,وَتَر َك أشياء ِم ما في التيسير لم ُيَض ِّم ْنها إَّياها.
والدليل على أنه زاد أشياَء ِم ن اختياراته :قُو له في ُخ طبتها:
َفـَلَّفْت حيـاًء َو ْج َهها أن ُتَفَّضال وَأْلَفـاُفهــا زادت ِبَنْش ـِر فـوائــٍد
قال أبو شامة... :فتلك األلفاُف َنَش َر ْت فوائـَد زيـادًة على مـا في كتـاب التيسـير؛ ِم ن
زيادة وجوٍه ،أو إشارٍة إلى تعليٍل ،وزيادِة أحكاٍم ،وغير ذلك مما يــذكره في مواضعه...
اهـ.
واألوُجُه التي زادها الشاطبي على مـا في التيسـير ُيطَل ق عليهـا :زيـادات القصـيد,
وهي مما زاده ِم ن مروَّياِته الواسعة المسَندة ،وهو ممن توفرت فيه آلُة االختيار.
وأما الدليل على أنه ترك أشياء ِم ن التيسير فهو التتُّب ُع واالســتقراُء ؛ فــإن َم ن قــارَن
بين الشــاطبية والتيســير َيِج ُد أن الشــاطبي يــترك أحياًن ا بعَض األشــياء ِم ن التيســير ال
ُيَض ِّم ُنها منظومَته(.)1
ومن هنا نعلم خطأ َم ن قال من المتــأخرين أن أســانيَد الشــاطبي تنحصــُر في طــرٍق
تؤدي إلى الداني فقط ,وبناًء على هذا ُيْلِز ُم ون اإلمـاَم الشـاطبَّي أّال َيْخ ُر َج عَّم ا في كُتب
اإلمام الداني!
وهذا أمٌر مخالٌف للواقع ,بل هو مخالٌف ِلما في النشر ِم ن األسانيد ,فما بالك بأسانيد
الشاطبي األخرى التي لم ُتذَك ر في النشر؟!
فاإلمام الشاطبي مروياُته واسعة؛ ِم نها ما ُيسِنُد ه ِم ن طريق اإلمام الداني ,وِم نهــا مــا
ُيسِنُد ه ِم ن طريِق غيِر ه.
وقد سقُت في مقــدمات الكتــاب مــا جــاء في النشــر ِم ن أســانيد الشــاطبي إلى قــالون
كمثاٍل على َتَع ُّد ِد أسانيِد ه وعدِم انحصاِر ها في الداني.
ومما سبق نعلم أيضا أن أسانيد الداني في كتابـه( :التيسـير) ال تنحصـر فيمـا ذكـره
في أَّو ِله .وهذا قد َنَّص عليه هو نفُسه؛ فقال بعـد أن سـاق األسـانيد :هـذه بعض األسـانيد
التي أدت إلينا الروايات روايًة وتالوًة.
وهذا يفيد أنه لم يذكر إال بعَض أسانيده ِلمــا أورده في التيسـير ,ال كَّلهــا .فكــان على
َم ن تعَّقبوه وألزموه بأال يخرج عن طريق أبي الفتح – كان عليهم أن يقولوا فيمــا َيخــرج
فيه عن طرقه التي ذكرها :إنه خروج منه عن طريقه الــذي َذ كــر إســناَده ,ال على مــا لم
َيذكر إسناَده؛ إذ كالُم ه واضٌح في أن له طرًقا أخرى ِلما أورده في كتابه َلم يذكرها.
المسألة الثانية -شاع بين كثير من الطلبة المبتدئين أن لقــالون من طريــق الشــاطبية
سبعَة -أو ثمانيَة -أوجٍه فقــط ,وهــذا خطــأ؛ فــإن األوجــه الــتي تجوز لقــالون من طريــق
الشاطبية أكثر من هذا بكثير.
وحسبنا ههنا مثاًال واحًدا يبين خطأ تلك المقالة:
قال تعالىَ + :أُثَّم ِإَذ ا َم ا َو َقَع َء اَم نُتم ِبۚۦِه َء ٓاَلٰـَن َو َقۡد ُك نُتم ِبِهۦ َتۡس َتۡع ِج ُلوَن _.
لو أردنا قراءة هذه اآلية مقتصرين على َج ْم ِع األوجـه الجائزة بين المـِّد المنفصــل
وميِم الجمع و َء ٓاَلٰـَن -ألمَك َنَنا أن نقرأها باثني عشر وجًها!
كيف ذلك؟
قالون من طريق الشاطبية له في المد المنفصل وجهان :القصر والتوسط
وله في ميم الجمع وجهان :اإلسكان والصلة
وله في آالن ثالثة أوجه :اإلبدال مع المد الطويل ،واإلبدال مع القصر ،والتسهيل.
فــإذا أردنــا أن نحســب مجمــوع مــا ينتج من األوجــه الممكنــة في هــذه اآلن؛ فإننــا
نضرب أعداد األوجه في بعضها ،ف 2ضرب 2ضرب 12 = 3
وهذه األوجه تجوز كلها ،ليس بينها وجه ممتنع.
وفي الجدول المذكور في الصفحة الثامنة عشرة بياُن هذه األوجه .فلُيرجع إليها.