You are on page 1of 17

‫الدورة العلمية‬

‫األولى‬

‫أصـول روايـة قالـون عن نافـع‬


‫المحاِض ر‬
‫أبو عبد الرحمن علي المالكي‬
‫الُمَج از بقراءة عاصم ورواية قالون‬
‫وأحد الحّفاظ المجازين المعتمدين لدى الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم‬

‫الدرس األول‬

‫قام بتفريغه فريُق التفريغ بالمعهد‬


‫أصول رواية قالون عن نافع‬ ‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫أصول رواية قالون عن نافع‬

‫‪‬‬
‫الحمــد هلل رب العــالمين‪ ،‬والصــالة والســالم على نبينــا محمــد األمين‪ ،‬وعلى آلــه‬
‫وصحبه أجمعين‪ ،‬والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فهذا هو أول دروس أصول رواية قالون‪ ،‬وهي إحــدى المــواد المقــررة في الــدورة‬
‫العلمية األولى من دورات معهد اإلمام اآلجري لتحفيظ وإقراء القرآن الكريم‪.‬‬
‫حيُث إننا اخترنا أن نشرح أصوَل كِّل قارٍئ من القراء العشرِة على حدة‪ ،‬ثم نشرح‬
‫متَني الشــاطبيِة والــدرِة في دروس مســتقلة‪ ،‬وبــذلك يكــون الطــالب قــد َد َرَس أصــوَل‬
‫القراءات منفردة ومجتمعة‪.‬‬
‫وقد وقع اختياُرنا في هذه الدورة على قــراءة نــافع؛ وذلــك ألن أكــثر طالِب المعهــد‬
‫يقرءون برواية قالون ورواية ورش‪ ،‬وفي الدورة الثانية –إن شاء هللا‪ -‬سنشـرح أصــوَل‬
‫قراءة عاصم؛ ألنها األكثر انتشــارا بين طالب المعهــد بعــد قــراءة نــافع‪ ،‬ولم يتيســر لنــا‬
‫وضُع أصول قراءِة عاصم ضمن مقررات الدورة األولى؛ حتى ال يزيد عدد الحصــص‬
‫إلى حٍّد يشّق علينا وعليكم‪.‬‬
‫وبعد قراءة عاصم سنختار قراءة ثالثًة من القـراءات العشـر‪ ...‬وهكـذا إلى أن نـأتي‬
‫على كل القراءات –إن شاء هللا‪.-‬‬
‫وأما شرح الشاطبية والدرة فربما سنشرع فيه اعتبارا من الدورة الثالثة أو الرابعة‪.‬‬
‫وقد اقتسمنا أنا وفضيلة الدكتور إبراهيم كشيدان –وفقه هللا!‪ -‬تدريَس أصوِل قــراءِة‬
‫نافع‪ ،‬فاخترت أن أقوم بتدريس أصول رواية قالون‪ ،‬واختار هو –حفظــه هللا!‪ -‬أن يقــوم‬
‫بتدريس أصول رواية ورش‪.‬‬
‫وسأشرح خالل هذه الدروس –إن شــاء هللا تعــالى‪ -‬كتــابي‪« :‬قــرُة العيــون بتلخيص‬
‫أصول رواية قالون»‪ ،‬وهو كتاٌب مختصر‪ ،‬لخصُت فيه أصوَل رواية قالون من طريــق‬
‫الشاطبية بطريقٍة ميّسرة‪ ،‬واستعنُت في ذلك بالجداول والتقسيمات المشجرة‪.‬‬
‫فأسأل هللا الكريم التوفيق والسداد‪ ،‬واألجر والثواب‪ ،‬وأن ينفــع بهــذه الــدروس؛ إنــه‬
‫ولي ذلك والقادر عليه‪.‬‬
‫أبدأ بعرض أهداف المحاضرة‪:‬‬
‫الهــدف األول‪ -‬معرفــة معــاني المصــطلحات اآلتيــة‪ :‬األصــول‪ ،‬الفــرش‪ ،‬القــراءة‪،‬‬
‫الرواية‪ ،‬الطريق‪ ،‬الخالف الواجب‪ ،‬الخالف الجائز‪.‬‬
‫الهدف الثاني‪ -‬معرفة مفهوم القراءات العشر الصغرى و القراءات العشر الكبرى‪.‬‬
‫الهدف الثالث‪ -‬معرفة نبذ مختصرة عن اإلمام قالون شيخه اإلمام نافع‪.‬‬
‫الهدف الرابع‪ -‬معرفة إسناد رواية قالون‪.‬‬
‫الهدف الخامس‪ -‬معرفة طريق الشاطبية عن قالون وأموٍر تتعلق بها‪.‬‬

‫وقد أدرُت هذه المحاضرة على عدة عناصر‪:‬‬


‫األول‪ -‬األصول والفرش‪.‬‬
‫الثاني‪ -‬القراءات والروايات والطرق‪ ،‬والخالف الواجب والخالف الجائز‪.‬‬
‫الثالث‪ -‬القراءات العشر الصغرى والقراءات العشر الكبرى‪.‬‬
‫أصول رواية قالون عن نافع‬ ‫‪4‬‬

‫الرابع‪ -‬ترجمة مختصرة لإلمام نافع‪.‬‬


‫الخامس‪ -‬ترجمة مختصرة لإلمام قالون‪.‬‬
‫السادس‪ -‬إسناد رواية قالون‪.‬‬
‫السابع‪ -‬طريق الشاطبية لرواية قالون‪.‬‬
‫الثامن‪ -‬مسائل تتعلق بطريق الشاطبية‪.‬‬

‫طبعــا لن أتطــرق للكالم على مبــادئ علم القــراءات‪ ،‬ولم أذكــر من مقدماتــه إال مــا‬
‫دعت الحاجــة إلى ذكــره؛ ألن هــذا ســبق الكالم عليــه في محاضرة مســتقلة بعنــوان‪:‬‬
‫«مقدمات في علم القراءات»‪ ،‬ولعل أكـثركم قـد سـمعها‪ ،‬ومن لم يسـمعها فهي موجـودة‬
‫على صفحة المعهد مسجلًة‪ ،‬فليرجع إليها‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫أصول رواية قالون عن نافع‬

‫نشرع اآلن في الكالم على عناصر المحاضرة‪.‬‬


‫أوال‪ -‬األصول‪.‬‬
‫األصول جمع أصل‪ ،‬واألصل في اللغة ُع ِّر ف بعدة تعريفات متقاربة‪ ،‬وِم ن أشــمِلها‬
‫معنًى قوُلنا‪ :‬األصُل هو ما ينشأ عنه الشيء‪.‬‬
‫وأما في اصطالح علماء القراءة؛ فاألصول هي القواعد المَّطِر دة التي ينطبُق ُحكُم ها‬
‫على كل جزئياتها‪ ،‬والتي َيْك ُثر َدْو ُرها‪ ،‬وَتَّطِر د‪ ،‬وَيْد خل في حكِم الواحِد منها الجميُع؛‬
‫بحيث إذا ُذ كر حرٌف من حروف القرآن الكريم ولم يقَّيد ‪َ -‬يدخل تحَته كُّل ما كان مثَله‪.‬‬
‫فمثًال‪ :‬إشباُع المِّد في حرف المِّد الذي يتلوه سكوٌن الزٌم ‪ -‬يكون مَّطِر ًدا في كل كلمٍة‬
‫َتِر ُد في القرآن فيها حرُف مٍّد يتلوه سكون الزم‪.‬‬
‫وقد يخالُف القارُئ القاعدَة في كلمات يسيرة‪ .‬مثال ذلك‪ :‬نعلم أّن من أصول رواية‬
‫حفص أنه في باب الهمزتين من كلمة يحِّقُق كلتا الهمزتين‪ ،‬لكنه في كلمة {أأعجمي}‬
‫سّهل الهمزة الثانية‪ ،‬فهذا خروج منه عن أصله‪.‬‬
‫واألصول الدائرة على اختالف القراءات هي‪ :‬االستعاذُة‪ ،‬والبسملُة‪ ،‬وسورُة أِّم‬
‫القرآن‪ ،‬واإلدغاُم الكبيُر‪ ،‬وهاُء الكناية‪ ،‬والمُد والقصُر ‪ ،‬والهمزتان من كلمة‪ ،‬والهمزتان‬
‫من كلمتين‪ ،‬والهمُز المفرُد ‪ ،‬ونقُل حركِة الهمزة إلى الساكِن قبلها‪ ،‬والسكُت على الساكِن‬
‫قبل الهمز وغيِر ه‪ ،‬ووْقُف حمزة وهشام على الهمز‪ ،‬واإلدغاُم الصغيُر‪ ،‬والكالُم في ذاِل‬
‫(إذ) وداِل (قد) وتاِء التأنيث والِم (هْل ) و(بْل ) وحروٍف قُربت مخارُجها‪ ،‬وأحكاُم النون‬
‫الساكنة والتنوين‪ ،‬والفتُح واإلمالُة وبين اللفظين‪ ،‬وإمالُة هاء التأنيث وما َقْبلها في‬
‫الوقف‪ ،‬ومذاهُب القراِء في الراءات والالمات‪ ،‬والوقُف على أواخر الكلم‪ ،‬والوقُف على‬
‫مرسوِم الخط‪ ،‬وياءاُت اإلضافة‪ ،‬والياءاُت الزوائد‪.‬‬
‫ويقابل األصول الفرش‪ :‬وُيعنى بهذا المصطلح‪ :‬الكلماُت التي يقل دورها وتكرارها‬
‫ِم ن حروف القراءات المختَلِف فيها في القرآن الكريم‪ ،‬ولم تّطرد‪ .‬فإّن الفرش إذا ُذ ِكر‬
‫فيه حرٌف فإنه ال يتعدى أوَل حرف من تلك السورِة إال بدليل أو إشارة أو نحو ذلك‪.‬‬
‫ُأطِلق عليها (الَفْر ش) النتشارها‪ ,‬فكأنها انفرشــت –أي انتشــرت وُبســطت‪ ,-‬وألنهــا‬
‫َلّم ا كانت مذكورًة في أماكنها من السور فهي كالمفروشة‪.‬‬
‫وهي تسمى ـ أيًض ا ـ‪( :‬الفــروع)؛ مقابل ـًة باألصــول‪ ,‬وتســمى أيضــا‪( :‬الجزئيــات)؛‬
‫مقابلًة بالكليات –وهي األصول‪.-‬‬
‫مثال الفرش‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬ملك يوم الدين}؛ قرأ عاصم والكسائي ويعقوب‪{ :‬مالك‬
‫يوم الدين}‪ ،‬وقرأ الباقون‪{ :‬ملك يوم الدين}‪.‬‬
‫َٰخ‬
‫مثال آخر‪ :‬ما ورد في سورة البقرة من قوله تعالى‪َ+ :‬و َم ا ُي ِد ُع وَن ِإاَّل َأنُفَس ُهۡم _؛‬
‫فقد قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو‪ُ+ :‬يَٰخ ِد ُع وَن _‪ ،‬وقرأ الباقون من العشرة‪:‬‬
‫‪َ+‬يۡخ َد ُع وَن _‪.‬‬
‫ويأتي في الفرش مواضع مطردة حيث وقعت‪ ,‬وهي باألصول أشَبُه منها بالفرش‪,‬‬
‫مثل‪ :‬تقليل ‪+‬ٱلَّتۡو َر ٰي َة_‪ ,‬والكالم في ‪َٰ +‬ه انُتۡم _‪ ،‬واالستفهامين‪ ,‬وغير ذلك‪.‬‬
‫ويبتدئ القراء بذكر الفرش من أول سورة البقرة إلى آخر سورة الناس؛ ألن الكلمات‬
‫الفرشية في سورة الفاتحة يذكرونها عندما يتكلمون على سورة الفاتحة في األصول‪.‬‬
‫أصول رواية قالون عن نافع‬ ‫‪6‬‬
‫‪7‬‬ ‫أصول رواية قالون عن نافع‬

‫العنصر الثاني‬
‫القراءات والروايات والطرق واألوجه والخالف الواجب‪،‬‬
‫والخالف الجائز‬
‫القــراءات جمــع قـراءة‪ ،‬وهي عــرف علمــاء القــراءة‪ :‬كــُّل خالف ُينَس ب إلمـاٍم من‬
‫العشرة مما َأْج َم َع عليه الرواُة عنه‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬في قوله تعالى‪{ :‬بل عجبت ويسخرون}؛ قـرأ حمـزة والكسـائي وخلـف‬
‫العاشر بالضم‪ ،‬وقرأ الباقون بــالفتح‪ ،‬من دون خالف عن أٍّي من هــؤالء القــراء‪ ،‬فلــذلك‬
‫نقول‪ :‬هي بالضم قراءة حمزة والكسائي وخلف العاشر‪ ،‬وبالفتح قراءة الباقين‪.‬‬
‫وأمــا الروايــة فهي كــل مــا ُنســب للــراوي عن اإلمــام القــارئ‪ .‬زاد بعضــهم‪ :‬ولــو‬
‫بواســطة؛ ليــدخل في ذلــك مثــل روايــة الــدوري عن أبي عمــرو؛ فهي بواســطة يحــيى‬
‫اليزيدي‪.‬‬
‫مثال الرواية‪{ :‬وهو} عنـد نـافع؛ اخُتلـف على نـافع في هـذه الكلمـة؛ فرواهـا عنـه‬
‫قالون بإسكان الهاء –من جميع طرقه‪ ،-‬ورواها ورش بضم الهـاء –من جميـع طرقـه‪،-‬‬
‫فإذن هذا خالف على مستوى الرواة‪ ،‬فلذلك نقول‪ :‬هي باإلسكان رواية قالون‪ ،‬وبالضــم‬
‫رواية ورش‪.‬‬
‫وقد ُيطلق على الرواية قراءًة تجُّو زا‪.‬‬
‫وأما الطريق فهو ما نسب لآلخذ عن الراوي ـ وإن َس ُفَل ‪ .‬أي‪ :‬سواء أكان هذا اآلخُذ‬
‫آِخ ًذ ا عن الراوي مباشرة أم بواسطة أم بواسطتين‪ ...‬وهكذا نــزوًال‪ ,‬فمــا ُنِس َب ألحــد من‬
‫هؤالء يسمى‪« :‬طريًقا»‪.‬‬
‫مثـــال ذلـــك‪ :‬في قولـــه تعـــالى‪{ :‬يس والقـــرآن الحكيم} وقولـــه‪{ :‬ن والقلم ومـــا‬
‫يسطرون} اخُتلف عن حفص في هـذين الموضعين؛ فـروى اإلدغـاَم عنـه زرعـان من‬
‫جميــع طرقــه إال طريــق المصــباح‪ ،‬والجمهــور رووا اإلظهــار‪ ،‬فلــذلك نقــول‪ :‬اإلدغــام‬
‫طريق زرعان عن حفص إال طريق المصباح عنه ‪-‬أي عن زرعان‪ ،-‬واإلظهار طريق‬
‫الجمهور عن حفص‪.‬‬
‫وهذا مثال شامل للقراءة والرواية والطريق‪:‬‬
‫إثبات البسملة بين السـورتين قـراءُة ابن كثــير‪ ،‬وقـراءُة عاصــم‪ ,‬وقـراءُة الكسـائي‪،‬‬
‫وقراءُة أبي جعفر‪ ,‬وروايـُة قـالون عن نـافع‪ ،‬وطريـُق األصـفهاني عن ورش‪ ،‬وطريـُق‬
‫صاحب (الهادي) عن أبي عمرو‪ ،‬وطريُق صاحب (العنــوان) عن ابن عــامر‪ ،‬وطريــق‬
‫صاحب (التذكرة) عن يعقوب‪ ،‬وطريق صاحب (التبصرة) عن األزرق عن ورش‪.‬‬
‫وما كان على غير هذه الصفة مما هو راجٌع إلى تخيير القارئ فيــه – كــان وجًه ا؛‬
‫وذلك كأوجه البسملة بين السورتين لمن َبْس َم َل ‪ ,‬وأوجه الوقف على أواخر الكلم‪ ,‬وأوجــه‬
‫الوقف على عارِض السكوِن ‪ ,‬واألوجه بين سورتي األنفال وبراءة‪.‬‬
‫إذا َع ِلمَت ذلـــك؛ فـــاعلم أن خالَف القـــراءاِت والروايـــاِت والطـــرِق خالُف نٍّص‬
‫وروايٍة؛ فلو َأَخ َّل القارُئ بشيء منه كان نقًص ا في الرواية‪ ,‬فهو وضده واجب في إكمال‬
‫الرواية‪.‬‬
‫َأ‬
‫وأما خالف األوجه فليس كذلك؛ إذ هو على سبيل التخيير؛ فبــأِّي وجـٍه َتى القــارُئ‬
‫َأْج َز َأ في تلك الرواية‪ ،‬وال يكون إخالًال بشيء منها‪ ,‬فهـو وضده جـائز في القـراءة؛ من‬
‫أصول رواية قالون عن نافع‬ ‫‪8‬‬

‫حيث إن القارئ مخَّير في اإلتيان ِبَأِّيِهما شاء‪.‬‬


‫‪9‬‬ ‫أصول رواية قالون عن نافع‬

‫العنصر الثالث‬
‫القراءات العشر الصغرى والقراءات العشر الكبرى‬
‫القراءات العشر هي‪ :‬قراءة نافع‪ ،‬وقراءة ابن كثير‪ ،‬وقراءة أبي عمرو‪ ،‬وقراءة ابن‬
‫عامر‪ ،‬وقراءة عاصم‪ ،‬وقــراءة حمــزة‪ ،‬وقــراءة الكســائي‪ ،‬وقــراءة أبي جعفــر‪ ،‬وقــراءة‬
‫يعقوب‪ ،‬وقراءة خلف العاشر –وهو نفسه أحد رواة رواية حمزة‪ ،-‬له رواية عن حمزة‪،‬‬
‫وله قراءة خاصــة بــه‪ ،‬وعنــدما يتحــدث العلمــاء عن روايتــه عن حمــزة يقولــون‪ :‬خلــف‬
‫حمزة‪ ،‬وعندما يتحدثون عن قراءته يقولون‪ :‬قراءة خلف العاشر‪ ،‬أو اختيار خلف‪.‬‬
‫هــذه القــراءات هي القــراءات العشــر‪ ،‬الســبع اُألَو ُل منهــا يطلــق عليهــا‪ :‬القــراءات‬
‫السبع‪ ،‬والثالث األخيرة يطلق عليها القراءات الثالث المتممة للعشر‪.‬‬
‫ومن الكتب التي ُألفت في القراءات السبع‪ :‬منظومة‪( :‬حرز األماني ووجه التهاني)‬
‫للشــاطبي –رحمــه هللا!‪ ،-‬وهي المعروفــة بالشــاطبية‪ ،‬وهي أشــهر الكتب الــتي جمعت‬
‫السبع‪ ،‬وهي الطريق التي يقرأ عامة المسلمين الرواياِت بمَض َّمِنها‪.‬‬
‫وجمــع ابن الجزري –رحمــه هللا!‪ -‬بقيــة العشــر في منظومــة لــه بعنــوان‪( :‬الــدرة‬
‫المضية في القراءات الثالث المرضية)‪.‬‬
‫وكـٌّل من الشـاطبية والـدرة اكتفَت ا عن كـل قـارئ بروايـتين‪ ،‬وهـذه الروايـات على‬
‫التفصيل هي‪:‬‬
‫روايتا قالون وورش عن نافع‪.‬‬
‫وروايتا البزي وقنبل عن ابن كثير‪.‬‬
‫وروايتا الدوري والسوسي عن أبي عمرو‪.‬‬
‫وروايتا هشام وابن ذكوان عن ابن عامر‪.‬‬
‫وروايتا شعبة وحفص عن عاصم‪.‬‬
‫وروايتا خلف وخالد عن حمزة‪.‬‬
‫وروايتا أبي الحارث والدوري عن الكسائي‪.‬‬
‫وروايتا ابن وردان وابن جماز عن أبي جعفر‪.‬‬
‫وروايتا رويس وَر ْو ح عن يعقوب‪.‬‬
‫وروايتا إسحاق وإدريس عن خلف العاشر‪.‬‬
‫فصار مجموُع ما احتوته القصيدتان‪ :‬عشر قــراءات‪ ،‬وأربــع عشــرة روايــة‪ ،‬وهــذه‬
‫الروايات األربع عشرة ليست هي ما يطلق عليــه‪ :‬القــراءات األربـَع عشــرة‪ ،‬هــذه غــيُر‬
‫تلك‪.‬‬
‫ثم إن كال من الشاطبية والدرة اكتفتا عن كــل راٍو بطريــق واحــد‪ ،‬باســتثناء طريــق‬
‫إدريس عن خلف؛ فــإن ابن الجزري اختــار لــه طريقــان‪ ،‬فبهــذا يكــون مجمــوع مــا في‬
‫الشاطبية والدرة‪ :‬سبع قراءات‪ ،‬وأربع عشرة رواية‪ ،‬وإحدى وعشرون طريقا‪.‬‬
‫والقــراءات العشــر من طــريقي الشــاطبية والــدرة يطلــق عليهــا‪ :‬القــراءات العشــر‬
‫الصغرى‪ ،‬سميت الصغرى مقابلًة بالكبرى –وسيأتي الكالم عليها بعد لحظات –إن شاء‬
‫هللا‪.--‬‬
‫اآلن انتهينا من بيان معنى العشر الصغرى‪.‬‬
‫نأتي اآلن إلى الحديث عن العشر الكبرى‪.‬‬
‫أصول رواية قالون عن نافع‬ ‫‪10‬‬

‫اإلمام ابن الجزري عندما أّلف كتابه العظيم‪( :‬النشر في القراءات العشر) أورد فيه‬
‫كَّل ما صح من القــراءات‪ ،‬فلم تتجاوز العشـَر الــتي ســبق ســرُد ها‪ ،‬وأورد المقبــوَل ِم ن‬
‫مشهوِر منقوِل الروايات‪ ،‬واقتصر عن كل قارئ على روايتين‪ ،‬وهي عيُن ما اقتصرت‬
‫عليها الشاطبية والدرة من الروايات‪ ،‬ثم اختار عن كل رواية طريقين‪ ،‬وعن كل طريــق‬
‫طريقين‪ ،‬فيكون عن كل راو أربُع طرٍق غالبا‪ ،‬وحيث لم يتأت له ذلك من روايــة خلــف‬
‫وخالد عن حمزة؛ جعــل عن خلــف أربعــة عن إدريس عنــه‪ ،‬وعن خالد بنفســه أربعــة‪،‬‬
‫وفي رواية رويس التماِر عنه أربعة‪ ،‬وفي رواية إسحاق أربعة (اثنان عن نفسه واثنــان‬
‫عن أبي عمــر عنــه)‪ ،‬وفي روايــة إدريس أربعــة عن نفســه؛ ليتم عن كــل راو أربعــة‪،‬‬
‫ويكون عن الرواة العشرين ثمانون طريقا‪ ،‬ثم تتشعب هذه الطــرق بعــد ذلــك فتبلــغ عــدُة‬
‫الطرق عن القراء العشرة قريبا من ألف طريق‪.‬‬
‫قال –رحمه هللا!‪ -‬في مقدمة طيبة النشر (وهي األرجوزة الــتي َنَظم فيهــا مضــموَن‬
‫كتاِب النشر) ‪ -‬قال‪:‬‬
‫َّق‬ ‫ُط‬
‫وهذه الرواُة عنهم ُر ُق ** أصُّح ها في نشرنا ُيح ُق‬
‫باثنين في اثنين وإال أربع ** فهي ُز ها ألِف طريٍق َتْج َم ُع‬
‫فهذا أضعاُف أضعاِف ما َح َو اه طريقا الشاطبية والدرة‪ ،‬ولــذا يطلــق على القــراءات‬
‫العشر من طريق طيبة النشر‪ :‬القراءات العشر الكبرى‪.‬‬
‫فــالقراءات العشــر الصــغرى هي الــتي من طــريقي الشــاطبية والــدرة‪ ،‬والقــراءات‬
‫العشر الكبرى هي التي من طريق طيبة النشر‪.‬‬
‫هنا سؤال‪ :‬هل الطرق التي حوتها طريقا الشاطبية والــدرة موجــودة ضمن طريــق‬
‫طيبة النشر؟‬
‫الجواب نعم‪.‬‬
‫إذن فمعنى هذا أن القراءات العشر الصغرى جزٌء من القراءات العشر الكبرى‪.‬‬
‫وعليه؛ فمن قرأ بالعشر الكبرى أو ُأجيز بها؛ فقد قرأ وُأجيز بالعشر الصغرى‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫أصول رواية قالون عن نافع‬

‫العنصر الرابع‬
‫ترجمة اإلمام نافع‬
‫هو اإلماُم الَح ْبُر الَع َلُم نــافُع بُن عبـِد الــرحمِن بِن أبي ُنَع ْيٍم الليــثُّي ‪َ-‬م ْو الُهم‪ -‬المــدنُّي‬
‫القارُئ‪ ,‬أحُد القّراء الَّسْبَع ة‪.‬‬
‫أشهر كناه‪ :‬أبو رويم‪.‬‬
‫أصله من أصبهان‪.‬‬
‫ولد في خالفة عبد الملك بن مروان سنة ِبْض ٍع وسبعين من الهجرة‪.‬‬
‫كان أسَو َد اللوِن حالًك ا‪ ,‬صبيَح الوجه –أي مجيَله‪َ ,-‬ح َس َن الُخ ُلق‪ ,‬فيه ُد عابة‪ ,‬زاهًدا‬
‫جَو اًدا‪.‬‬
‫وقد اشتهر من مناقبه ما أورده الذهبي في (طبقات القراء) وابن الجزري في‬
‫(غاية النهاية) وغيُرهما من طريق أحمد بن هالل المصري؛ قال‪ :‬قال لي‬
‫الشيباني‪ :‬قال لي رجل ممن قرأ على نافع‪« :‬إن نافًعا كان إذا تكلم ُيَش ُّم ِم ن ِفيِه‬
‫رائحُة المسك‪ .‬فقلت له‪ :‬يا أبا عبد هللا ‪-‬أو‪ :‬يا أبا رويم‪ , -‬أتتطيب كلما قعدَت تقرئ؟‬
‫فقال‪ :‬ما أَم ُّس طيًبا‪ ,‬ولكني رأيت ‪-‬فيما يرى النائُم ‪ -‬النبَّي –صلى اله عليه وسلم!‪-‬‬
‫وهو يقرأ في ِفَّي ؛ فمن ذلك الوقت أشم ِم ن ِفَّي هذه الرائحة»‪.‬‬
‫وهذا السند فيه رجل مبهم‪ ،‬وفيه من هو مجهول‪.‬‬
‫قال الذهبي‪ :‬ال َتْثُبُت هذه الحكايُة من جهِة جهالِة رواتها‪ ,‬وحين ْو َر َد هذا الخبَر‬
‫َأ‬
‫في سير أعالم النبالء صَّد َر ه بصيغة التمريض؛ فقال‪ :‬وُر ِو َي أَّن نافًعا‪....‬‬
‫ولم أعثر لهذا الخبر ‪-‬فيما بين يدّي من مصادر‪ -‬على إسناٍد غير هذا‪.‬‬
‫أخذ نافٌع القراءة عرًض ا عن جماعة من التابعين‪ ,‬منهم‪ :‬أبو جعفر يزيــد بن القعقــاع‬
‫المخزومي المدني‪ ,‬وَش ْيَبة بن ِنَص ــاح بن َس ْر َج س بن يعقـوب المـدني‪ ,‬وأبـو داود عبـد‬
‫الرحمن بن ُهْر ُم ز األعرج المدني‪ ,‬وأبــو َر ْو ح يزيــد بن ُروَم ان المــدني‪ ,‬وأبــو عبــد هللا‬
‫مسلم بن ُجندب المدني‪ ,‬وصالح بن َخ َّو ات‪ ,‬واألصــبغ بن عبــد العزيــز النحــوي‪ ,‬وعبــد‬
‫الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق‪ ,‬والُّز ْهري‪.‬‬
‫قال أبو ُقَّر ة موسى بن طارق‪ :‬سمعته يقول‪ :‬قرأت على سبعين من التابعين‪.‬‬
‫وقال ابن الجزري‪ :‬قد تواتر عندنا عنه أنه قرأ على الخمسة اُألَو ل‪.‬‬
‫روى القــراءة عنــه عرًض ا وســماًعا خل ـٌق كثــير‪ ,‬منهم‪ :‬عيســى بن ِم يَن ا (قــالون)‪,‬‬
‫وعثمان بن سعيد (ورش)‪ ,‬واإلمام مالك بن أنس ‪-‬وهو من أقرانه‪.-‬‬
‫كان عالًم ا بوجوه القراءات‪ ,‬متبًعا آلثار األئمة الماضين ببلــده‪ ,‬وانتهت إليــه رياسـة‬
‫القراءة بالمدينة‪ ,‬وصار الناُس إليها مدًة من الزمن‪.‬‬
‫قال الليث بن سعد‪َ :‬قِد مُت المدينة ســنة ثالث عشــر ومئــة‪ ,‬فوجــدُت نافًع ا إماًم ا في‬
‫القراءة ال ُيناَز ع‪.‬‬
‫وقال مالٌك لمن سأله عن البســملة‪َ :‬س ُلوا عن كــِّل علٍم أهَل ه‪ ,‬ونــافٌع إمــاُم النــاس في‬
‫القراءة‪.‬‬
‫أقر الناَس نِّيًفا عن سبعين عاًم ا‪ ,‬وأَّم الناَس بمسجد رسول هللا ج ستين سنة‪.‬‬ ‫َأ‬
‫وأما في رواية الحديث فقد اخُتِلَف فيه؛ فقال أحمــد‪ :‬ليس في الحــديث بشــيء‪ ,‬وقــال‬
‫َم رًة‪َ :‬لِّيٌن ‪ ,‬وقال ابن معين‪ :‬ثقة‪ ,‬وقال أبو حاتم‪َ :‬ص ُدٌق صالـــُح الحـديث‪ ,‬وقـال النسـائي‪:‬‬
‫أصول رواية قالون عن نافع‬ ‫‪12‬‬

‫ليس بـه بـأس‪ ,‬وذكـره ابن ِح َّب ان في الثقـات‪ ,‬وقـال ابن َع ِد ّي‪... :‬لم أَر في حديثـه شـيًئا‬
‫منَك ًر ا‪ ,‬وأرجو أنه ال بأس به‪.‬‬
‫وهو قليــل الحــديث‪ ,‬مــع أنــه روى عن نــافع عن ابن عمــر‪ ,‬وعن األعــرج عن أبي‬
‫هريرة‪ ,‬وجماعٍة‪ ,‬ولكنه َتَص دى لإلقراء‪ ,‬ولم يخرج له شيء في الكتب الستة‪.‬‬
‫لَّم ا حضــرْته الوفـاُة قـال لــه أبنــاؤه‪َ :‬أْو ِص نا‪ .‬قـال‪ :‬اتقــوا هللا‪ ,‬وأصــلحوا ذاَت بيِنكم‪,‬‬
‫وأطيعوا َهللا ورسوَله إن كنتم مؤمنين‪.‬‬
‫توفي سنة ‪ 169‬هـ‪ .‬وقيل غيُر ذلك‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫أصول رواية قالون عن نافع‬

‫العنصر الخامس‬
‫ترجمة اإلمام قالون‬
‫هو قارئ المدينة ونحوُّيها‪ ،‬اإلماُم أبو موسى عيســى بُن ِم يَن ا بِن َو ْر َداَن بِن عيســى‬
‫عبد الصمِد بِن عمَر بن عبد هللا الُّز َر قي‪ ,‬مولى بني زهرة‪.‬‬ ‫بِن‬
‫ولد سنة ‪ 120‬هـ‪.‬‬
‫يقال‪ :‬إنه ربيُب نافٍع‪ .‬وقد اختص به نافٌع كثــيًرا‪ ,‬وهــو الــذي ســماه‪ :‬قــالون؛ لجودة‬
‫قراءته‪ ,‬فإن (قالون) لفظٌة روميٌة تعني‪َ :‬ج ِّيد‪.‬‬
‫قــال ابن الجزري‪« :‬ســألُت الــروَم عن ذلــك فقــالوا‪« :‬نعم»‪ .‬غــير أنهم نطقــوا لي‬
‫بالقاف كاًفا ‪-‬على عادتهم‪.»-‬‬
‫قرأ على نافع سنة ‪ 150‬هـ ‪ ,‬وَلم َيَز ل يقرأ عليه حتى َم َهَر وَح َذ ق‪.‬‬
‫قال‪ :‬قرأت على نافع قراءَته غيَر مرٍة ‪ ,‬وكتبتها في كتابي‪.‬‬
‫وقال الَّنَّقاش‪ :‬قيل لقالون‪ :‬كم قرأَت على نــافع؟ قــال‪ :‬مــاال أحصــيه َك ْث َر ًة‪ ,‬إال أنــني‬
‫جالسته َبعد الفراغ عشرين سنة‪.‬‬
‫وقال عثمان بن خّر زاذ‪ :‬حدثنا قالون قــال‪ :‬قــال لي نــافع‪ :‬كم تقــرأ علّي ! اجلس إلى‬
‫أسطوانٍة حتى ُأرسل إليك من يقرأ عليك‪.‬‬
‫وقد أخذ عن نافٍع ـ أيًض ا ـ قــراءَة أبي جعفــر ـ َع ْر ًض ا ـ ‪ ,‬وَع َر َض ـ أيًض ا ـ على‬
‫عيسى بن وردان (أحد رواة أبي جعفر)‪.‬‬
‫طال عُم ُره‪ ,‬وَبُعد صيُته‪ ,‬واشـَتَهر أمـُره‪ ,‬وانتهت إليـه رئاسـة اإلقـراء بالحجاز في‬
‫زمانه‪ ,‬ورحل إليه الناس‪.‬‬
‫ْل‬
‫روى القــراءَة عنــه َخ ٌق كثــيٌر‪ ,‬منهم‪ :‬ولــداه أحمــد وإبــراهيم‪ ,‬وأحمــد بن صــالح‬
‫المصري الحافظ‪ ,‬وأبو الحسن أحمد بن يزيـد الُح ْل واني‪ ,‬وأبـو َنِش يط محمـد بن هـارون‬
‫الَّر َبعي‪.‬‬
‫قال عبد الرحمن بن أبي حاتم‪ :‬سمعت علي بن الحسن الِهِس ْنَج اني قال‪ :‬كــان قــالوُن‬
‫عيسى ابُن مينا أصَّم شديَد الصمم‪ ,‬فلو رفعَت صوَتك حــتى ال غايــة؛ لم َيســمْعك‪ ,‬وكــان‬
‫ُيقَر أ عليه القرآن‪ ,‬فكان َينُظر إلى شفَتِي القارِئ وَيُر ُّد عليه اللحَن والخطَأ‪.‬‬
‫وأما في رواية الحديث؛ فقد ذكره ابن ِح بان في الثقات‪ ,‬وقال الهيثمي‪ :‬حديُثه َح َس ن‪,‬‬
‫وقال الذهبي‪ :‬أما في القراءة َفَثْبٌت ‪ ،‬وأمــا في الحـديث فُيكَتب حديُث ه ‪-‬في الجملــة‪ ,-‬سـئل‬
‫أحمــد بن صــالح المصــري عن حديثــه فضــحك وقــال‪ :‬تكتبــون عن كــل أحــد!)‪ ,‬وقــال‬
‫األلباني‪ :‬لم يوثقه غيُر ابِن حبان‪.‬‬
‫توفي بالمدينة سنة ‪ 220‬هـ‪.‬‬
‫أصول رواية قالون عن نافع‬ ‫‪14‬‬

‫العنصر السادس‬
‫إسناد رواية قالون‬
‫قرأ قالون على نافع‪ ،‬وقرأ نــافع على سـبعين من التــابعين –كمــا سـبق‪ ،-‬منهم‪ :‬أبــو‬
‫جعفر يزيُد بُن القعقاِع‪ ،‬وأبو داود عبد الرحمن بُن هرمٍز األعرُج‪ ،‬وَشْيَبُة بن ِنَص اِح بِن‬
‫َس ْر َج ٍس‪ ،‬وأبو عبد هللا مســلُم بُن جنــدٍب الُه َذ لي‪ ،‬وأبــو َر ْو ح يزيـُد بُن ُروَم ان‪ ,‬وهــؤالء‬
‫المذكورون كلهم مدنّيون‪ ،‬وهم أخذوا عن أبي هريرة وعبــد هللا بن عبــاس وعبــد هللا بن‬
‫َع َّي اش بن أبي ربيعـــة ‪ ,‬وهم عن ُأَبّي بن كعب ‪ ,‬وهـــو عن خـــاتم النبـــيين وســـِّيد‬
‫المرسلين نبينا ورسولنا ‪. ‬‬
‫‪15‬‬ ‫أصول رواية قالون عن نافع‬

‫العنصر السابع‬
‫طريق الشاطبية لرواية قالون‬
‫لقالون من طريق طيبة النشر ‪ 83‬طريقا‪ ،‬يجمع هذه الطرق طريقان رئيستان‪:‬‬
‫طريق أبي نشيط محمد بن هارون الرَبعي (ويتفرع منها ‪ 43‬طريقا)‬
‫وطريق أحمد بن يزيَد الحلواني (ويتفرع منها ‪ 49‬طريقا)‬
‫‪....‬‬
‫ْأ‬
‫فبان لك أن طريق الشاطبية ليست هي طريــَق أبي نشــيط َر ًس ا كمــا يظن البعُض ؛‬
‫وإنما هي إحدى الطرق التي تندرج تحت طريــق أبي نشـيط‪ ،‬فطريــق أبي نشـيط أوسـع‬
‫من طريق الشاطبية‪.‬‬
‫أصول رواية قالون عن نافع‬ ‫‪16‬‬

‫العنصر الثامن‬
‫مسائل تتعلق بطريق الشاطبية‬
‫المســألة األولى‪ -‬من المعــروف أن المقصــَد الــرئيَس لإلمــام الشــاطبي من تــأليف‬
‫الشاطبية هو اختصار كتاب‪( :‬التيسير في القراءات السبع) لإلمام أبي عمرو الداني‪.‬‬
‫قال‪:‬‬
‫وفي يسرها التيسير رمت اختصاره ** فأجنت بعون هللا منه مؤمال‬
‫السؤال هنا‪ :‬هل الشاطبية اختصار محٌض للتيسير؟ أم أن ناظمها ترك من التيســير‬
‫أشياء وزاد عليه أشياء؟‬
‫الجواب‪ :‬الشاطبية ليست اختصاًرا َم ْح ًض ا للتيسير‪ ,‬إنما زاد فيها ناظمهــا أشــياَء ِم َن‬
‫اختياراته‪ ,‬وَتَر َك أشياء ِم ما في التيسير لم ُيَض ِّم ْنها إَّياها‪.‬‬
‫والدليل على أنه زاد أشياَء ِم ن اختياراته‪ :‬قُو له في ُخ طبتها‪:‬‬
‫َفـَلَّفْت حيـاًء َو ْج َهها أن ُتَفَّضال‬ ‫وَأْلَفـاُفهــا زادت ِبَنْش ـِر فـوائــٍد‬
‫قال أبو شامة‪... :‬فتلك األلفاُف َنَش َر ْت فوائـَد زيـادًة على مـا في كتـاب التيسـير؛ ِم ن‬
‫زيادة وجوٍه ‪ ،‬أو إشارٍة إلى تعليٍل ‪ ،‬وزيادِة أحكاٍم ‪ ،‬وغير ذلك مما يــذكره في مواضعه‪...‬‬
‫اهـ‪.‬‬
‫واألوُجُه التي زادها الشاطبي على مـا في التيسـير ُيطَل ق عليهـا‪ :‬زيـادات القصـيد‪,‬‬
‫وهي مما زاده ِم ن مروَّياِته الواسعة المسَندة‪ ،‬وهو ممن توفرت فيه آلُة االختيار‪.‬‬
‫وأما الدليل على أنه ترك أشياء ِم ن التيسير فهو التتُّب ُع واالســتقراُء ؛ فــإن َم ن قــارَن‬
‫بين الشــاطبية والتيســير َيِج ُد أن الشــاطبي يــترك أحياًن ا بعَض األشــياء ِم ن التيســير ال‬
‫ُيَض ِّم ُنها منظومَته(‪.)1‬‬
‫ومن هنا نعلم خطأ َم ن قال من المتــأخرين أن أســانيَد الشــاطبي تنحصــُر في طــرٍق‬
‫تؤدي إلى الداني فقط‪ ,‬وبناًء على هذا ُيْلِز ُم ون اإلمـاَم الشـاطبَّي أّال َيْخ ُر َج عَّم ا في كُتب‬
‫اإلمام الداني!‬
‫وهذا أمٌر مخالٌف للواقع‪ ,‬بل هو مخالٌف ِلما في النشر ِم ن األسانيد‪ ,‬فما بالك بأسانيد‬
‫الشاطبي األخرى التي لم ُتذَك ر في النشر؟!‬
‫فاإلمام الشاطبي مروياُته واسعة؛ ِم نها ما ُيسِنُد ه ِم ن طريق اإلمام الداني‪ ,‬وِم نهــا مــا‬
‫ُيسِنُد ه ِم ن طريِق غيِر ه‪.‬‬
‫وقد سقُت في مقــدمات الكتــاب مــا جــاء في النشــر ِم ن أســانيد الشــاطبي إلى قــالون‬
‫كمثاٍل على َتَع ُّد ِد أسانيِد ه وعدِم انحصاِر ها في الداني‪.‬‬
‫ومما سبق نعلم أيضا أن أسانيد الداني في كتابـه‪( :‬التيسـير) ال تنحصـر فيمـا ذكـره‬
‫في أَّو ِله‪ .‬وهذا قد َنَّص عليه هو نفُسه؛ فقال بعـد أن سـاق األسـانيد‪ :‬هـذه بعض األسـانيد‬
‫التي أدت إلينا الروايات روايًة وتالوًة‪.‬‬
‫وهذا يفيد أنه لم يذكر إال بعَض أسانيده ِلمــا أورده في التيسـير‪ ,‬ال كَّلهــا‪ .‬فكــان على‬
‫َم ن تعَّقبوه وألزموه بأال يخرج عن طريق أبي الفتح – كان عليهم أن يقولوا فيمــا َيخــرج‬
‫فيه عن طرقه التي ذكرها‪ :‬إنه خروج منه عن طريقه الــذي َذ كــر إســناَده‪ ,‬ال على مــا لم‬

‫‪ )(1‬انظرها يف «تقريب الشاطبية» (ص‪.)565-564‬‬


‫‪17‬‬ ‫أصول رواية قالون عن نافع‬

‫َيذكر إسناَده؛ إذ كالُم ه واضٌح في أن له طرًقا أخرى ِلما أورده في كتابه َلم يذكرها‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ -‬شاع بين كثير من الطلبة المبتدئين أن لقــالون من طريــق الشــاطبية‬
‫سبعَة ‪-‬أو ثمانيَة‪ -‬أوجٍه فقــط‪ ,‬وهــذا خطــأ؛ فــإن األوجــه الــتي تجوز لقــالون من طريــق‬
‫الشاطبية أكثر من هذا بكثير‪.‬‬
‫وحسبنا ههنا مثاًال واحًدا يبين خطأ تلك المقالة‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ + :‬أُثَّم ِإَذ ا َم ا َو َقَع َء اَم نُتم ِبۚۦِه َء ٓاَلٰـَن َو َقۡد ُك نُتم ِبِهۦ َتۡس َتۡع ِج ُلوَن _‪.‬‬
‫لو أردنا قراءة هذه اآلية مقتصرين على َج ْم ِع األوجـه الجائزة بين المـِّد المنفصــل‬
‫وميِم الجمع و َء ٓاَلٰـَن ‪ -‬ألمَك َنَنا أن نقرأها باثني عشر وجًها!‬
‫كيف ذلك؟‬
‫قالون من طريق الشاطبية له في المد المنفصل وجهان‪ :‬القصر والتوسط‬
‫وله في ميم الجمع وجهان‪ :‬اإلسكان والصلة‬
‫وله في آالن ثالثة أوجه‪ :‬اإلبدال مع المد الطويل‪ ،‬واإلبدال مع القصر‪ ،‬والتسهيل‪.‬‬
‫فــإذا أردنــا أن نحســب مجمــوع مــا ينتج من األوجــه الممكنــة في هــذه اآلن؛ فإننــا‬
‫نضرب أعداد األوجه في بعضها‪ ،‬ف ‪ 2‬ضرب ‪ 2‬ضرب ‪12 = 3‬‬
‫وهذه األوجه تجوز كلها‪ ،‬ليس بينها وجه ممتنع‪.‬‬
‫وفي الجدول المذكور في الصفحة الثامنة عشرة بياُن هذه األوجه‪ .‬فلُيرجع إليها‪.‬‬

You might also like