You are on page 1of 13

‫الخطابة في العصر‬

‫الفاطمي‬
‫خطبة المنصور أبو‬
‫الطاهر إسماعيل‬
‫• هو أبو العباس إسماعيل بن محمد‬
‫بن عبيد اهلل المهدي‪ ،‬المنصور‬
‫بنصر اهلل‪ ،‬ثالث خلفاء الدولة‬
‫الفاطمية‪ ،‬ولد بالمهدية سنة‬
‫التعريف‬ ‫مئتين وتسٍع وتسعين وقيل سنة‬
‫بالحاكم المنصور‬ ‫ثالثمئة وسنتين وولى وله اثنتان‬
‫وثالثون سنة ولم يكن في بني‬
‫عبيد مثله وكان بطاَل شجاًعا بليًغا‬
‫فصيًحا‪.‬‬
‫مناسبة الخطبة‬
‫أنهض المنصور من أهل القيروان‬
‫ألف شيخ وألف حدث فلما وصلوا‬
‫خيرهم في التعييد معه أو االنصراف‬
‫فعيد البعض وانصرف البعض وغيد‬
‫عيد الفطر وهو مجاهد ألبي يزيد‬
‫بقلعة كياته‪ ،‬فقال في خطبته‬
‫اللهم إنك أخرجتني من المهاد والوساد‪ ،‬وجنبتني«‬
‫الرقاد وحالفتني السهاد‪ ،‬وسلكت بي مفاوز البالد‪ ،‬اللهم‬
‫احكم لي على مخلد بن كيداد‪ ( ،‬فرعون ذي األوتاد‬
‫الذين طغوا في البالد فأكثروا فيها الفساد)‪ ،‬اللهم‬
‫أنزلهم بالمرصاد‪ ،‬اللهم إنك تعلم أنني ساللة نبيك‪ ،‬وابن‬
‫رسولك‪ ،‬وبضعة من لحمه‪ ،‬ونقطة من دمه‪ ،‬ما قلت فغرا‬
‫وال لددا‪ ،‬اللهم إنك تعلم من أين أقبلت‪ ،‬وإلى أين‬
‫انتهيت‪ ،‬وما فيك القيت‪ ،‬اللهم إني بذلت مهجتي‬
‫ونفسي في سبيلك مجاهًدا لعدوك طالًبا الثأر لنبيك‪،‬‬
‫وابتغاء مرضاتك‪ ،‬حتى تعبد في األرض حق عبادتك‪،‬‬
‫»ويحكم فيها بحكمك‪ ،‬إنك أهل المن والطول‬
‫تبدأ اخلطب عادًة ابلبسمةل أو امحلد والثناء‪ ،‬ومن مث يبدأ اخلطيب‬
‫مبوضوع تكل اخلطبة‪ ،‬لكن يف هذه اخلطبة مل يرس املنصور عىل هنج‬
‫اخلطباء القدماء‪ ،‬فبدأها مستفتًح ا بذكر نعم هللا عليه من الهدااي والعون هل‬
‫كام يف قوهل‪ < :‬اللهم إ نك أخرجتين من املهاد والوساد>‪ ،‬مث يبدأ‬
‫ابدلعاء عىل خمدل كيداد وهو رجل من اخلوارج اإلابضية‪ ،‬اثئر مشهور‪ ،‬نشأ‬
‫يف توزر وتعمل القرآن الكرمي‪ ،‬وهو ذكل العدو اذلي يدعو عليه‪ ،‬وبدأها‬
‫ابدلعاء مباًرش ا ابستخدام لفظة اللهم كام يف قوهل‪ :‬اللهم أحمك يل عىل خمدل‬
‫بن كيداد‪ ،‬وقد تكررت لفظة اللهم وذكل لتأكيده عىل ادلعاء عىل العدو‬
‫وقد جاء بتناص من القرآن الكريم مستعيًنا به لتشبيه عدوه فكان فرعون هو التشبيه األمثل له من ناحية الطغيان والظلم فقال‪ :‬فرعون ذي األوتاد الذين طغوا في البالد فأكثروا فيها الفساد‪ ،‬ثم يطلب‬
‫‪ ...‬التأيد من اهلل لتحقيق النصر على الخوارج باالستعانة في الدعاء في هذا المحور على اإلقرار بمعرفة اهلل بكل خطوة هو يخطوها كما في قوله‪ :‬اللهم إنك تعلم من أين أقبلت‪ ،‬و إلى أين انتهيت‬
‫ثم يذكر ساللته بالنبي والتأكيد على معرفة اهلل بكل شيء وكأنه يقول أنك تعلم من أنا‪ ،‬وتعلم ما بداخلي وما هو مرادي‪ ،‬فأعني يا اهلل على نشر دينك‪ ،‬ويختم بتأكيد استمراريته‬
‫بالدفاع وبذل نفسه للدفاع عن دينه‪ ،‬ذاكًرا صفتين من صفات اهلل عز وجل فهو أهل المن والطول ولعلنا نلمح من هذه الصفات التي ذكرها بأنه متأمل بإجابة دعائه‬
‫‪:‬السمات الفنية التي تضمنتها الخطبة‬

‫جاء نص اخلطبة بعبارات بليغة موجزة بعيدة عن الاطناب‪ ،‬وإ ن املعاين جاءت‬
‫سهةل واحضة بعيدة عن الغموض ال ترتك جمااًل للتأويل‪ ،‬فاألثر ادليين واًحض ا ظهر‬
‫من خالل التناص مع القرآن الكرمي‬
‫استخدم فهيا السجع ( املهاد‪ ،‬والوساد)( الرقاد‪ ،‬السهاد)‬
‫تكرار لفظة اللهم وذكل لتأكيده عىل ادلعاء ( اللهم إ نك تعمل أنين سالةل نبيك)‬
‫التوكيد إبن( إ نك تعمل من أين أقبلت)‬
‫الوقوف على الفكر اإلسماعيلي‬

‫وقد ظهر يف النص وال سامي ترسمي فكرة انتساب الفاطميني آلل البيت‪• ،‬‬
‫فيقول املنصور‪ :‬اللهم إ نك تعمل أنين سالةل نبيك‪ ،‬وابن رسوكل‪ ،‬وبضعة‬
‫من محله‪ ،‬ونقطة من دمه‬
‫أساليب الحجاج في الخطبة‬

‫الحجاج عملية ترتكز على اإلقناع في الخطاب‪ ،‬فالملقي لديه موضوع يحمل مجموعة من المعاني •‬
‫واألفكار التي يريد أن يتلفظ بها‪ ،‬وينقلها إلى المتلقي الذي من المفترض أن يتقبلها ويستوعبها‬
‫ويتأثر بها‪ ،‬وسأتحدث عن أمرين اثنين‪ :‬األول ما يتصل بالمكونات اللغوية‪ ،‬والثاني ما يتعلق‬
‫‪.‬بترتيب أجزاء الخطاب‬
‫‪:‬أواًل ‪ :‬المكون اللغوي‬
‫وفيه يركز على ملفوظات الخطيب ‪ ،‬وأثر اختياراته اللغوية على خطابه الذي تحول من مجرد خطاب‬
‫عادي هدفه اإلبالغ إلى خطاب خاص وظيفته الحجاج‪ ،‬فالخطيب هنا واع لما ينتقي ويختار من ألفاظ‬
‫وتراكيب‪ ،‬واالنتقاء في حد ذاته قانون حجاجي عام‪ ،‬تدعم خطبه وقضاياه المتبناة‪ .‬ومن هنا سنقف‬
‫عند أبرز ما ظهر في الخطبة من مكونات لغوية دعمت الحجاج‪ ،‬وعملت على تقويته ومنها‪ :‬حسن‬
‫اختياره لأللفاظ ووضعها في أماكنها المناسبة لغاية حجاجيةن فعلى سبيل المثال نجد أن األلفاظ ذات‬
‫المسحة الدينية لها أثر في خطبته والتناص مع الفران الكريم‪ ،‬وفي ذلك لما فيه من إضغاء الصيغة‬
‫الشرعية على الخالفة الفاطمية‪ ،‬ونجد كذلك يلجأ إلى األلفاظ السياسية التي تتعلق بنسبه آلل البيت‪،‬‬
‫وأيًضا توظيف السجع( الرقاد‪ ،‬السهاد)‪ ،‬واختم حديثي عن المكنون اللغوي بالضمائر فجاءت في‬
‫‪.‬كلمتين( لحمه‪ ،‬دمه) ويعود الضمير على النبي عليه الصالة والسالم‬
‫أساليب الحجاج في الخطبة‬

‫‪:‬ثانًيا‪ :‬ترتيب أجزاء الخطاب‬


‫أن للنص الحجاجي بناء لغوي يختلف عن غيره من النصوص؛ لكونه‬
‫يبنى بناء تفاعلًيا مدعوًما بأدوات و وسائل توظيف لغرض اإلقناع‬
‫والتأثير‪ ،‬فينبغي استحضار الترتيب باعتباره مرحلة أساسيه في بناء‬
‫النص‪ ،‬وللخطبة بناؤها االعتيادي المكون من االستهالل( المقدمة)‬
‫العرض( موضوع الخطبة)‪ ،‬والخاتمة‪ ،‬وسأركز على االستهالل‬
‫‪.‬والخاتمة‪ ،‬ألهميتهما من جانب؛ إذ بهما تفتتح وتختتم الخطبة‬
‫أساليب الحجاج في الخطبة‬

‫‪:‬االستهالل •‬
‫كانت العرب تسمي الخطبة التي ال تبدأ بالتحميد والتمجيد (البتراء)‪ ،‬فهذه الخطبة لم •‬
‫تبدأ بالبسملة أو الحمد والثناء‪ ،‬إنما دخل المنصور بموضوع الخطبة مباشرة بعد‬
‫حمده هلل على النعم التي أنعمها عليه‪ ،‬فكان االستغناء عن المقدمة يهدف إلى التقليل‬
‫من شأن المخاطب الذي ال يستحق أن يوجه له ما يطمئنه‪ ،‬وزرع الخوف والهيبة‬
‫في نفسه؛ لجهله بما سيصدر عن الحطيب الذي اعتلى المنبر في صورة ال تبشر‬
‫بالخير‬

‫الخاتمة‪ :‬فهي عنوان لنجاح الخطيب؛ فعن طريقها يقطف ثمر المرتجى؛ ألنها آخر •‬
‫ما يعلق بذهن المتلقي ويلج إلى سمعه‪ ،‬فالخاتمة هنا كانت بذكر صفات هللا‬
‫ومعرفته بكل شيء وإظهار إن المنصور قد بذل حياته ونفسه في سبيل مرضاة هللا‬

You might also like