You are on page 1of 102

‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫‪B. Tahkikli Metin Neşri‬‬

‫رسالة في مباحث الكالم والرؤية‬

‫محي الدين خطيب زاده‬


‫[‪/ ]1‬الحمد لله الذي ّ‬
‫جل جنابه عن أن يكون شريعة لكل وارد أو ي ّطلع على سرائر حكمته‬ ‫[‪44‬و]‬

‫ّإل واحد بعد واحد‪ ،‬تس ّلى من أوراق األطباق آيات توحيده وتحميده‪ ،‬وتج ّلى من اآلفاق‬
‫واألنفس شواهد تقديسه وتمجيده‪ ،‬ت ّقدست سبحات جماله عن سمات الحدوث ّ‬
‫والزوال‬
‫لعز جالله جباه األجرام العلوية‪،‬‬
‫وتنزهت سرادقات جالله عن وصمة التغ ّير واالنتقال‪ ،‬سجدت ّ‬
‫ونطقت بشكر نواله شفاه األنوار القدسية‪ ،‬والصالة على رسوله المسك من ساللة عدنان وعلى‬
‫آله وصحبه أهل الرحمة والرضوان‪.‬‬
‫ِ‬
‫اصا على تحقيق الحق‪ ،‬راغبين في تصديق الصدق‪،‬‬ ‫[‪ ]2‬وبعد؛ ّ‬
‫فلما رأيت طلبة زماننا ح َر ً‬
‫مستكشفين عما ورآء حجب األستار بجودة القريحة‪ ،‬مستطلعين طلع مكامن األسرار بصفاء‬
‫الرؤية‪ ،‬مستفرغين مجهودهم في كل مقال‪ ،‬ومجتهدين في كل مسألة ليتج ّلى لهم حقيقة الحال‪،‬‬
‫أحرر لهم مباحث الرؤية والكالم من عويصات مقاصد علم الكالم‪.‬‬ ‫وكانوا ملتمسين منّي أن ّ‬
‫و ُأرتّبها على أبلغ النظام‪ ،‬وأشير فيه إلى غرر فرائد االعتقاد ونكت مسائل االجتهاد مما قادني‬
‫الدليل إليه‪ ،‬وقوي اعتقادي عليه‪ ،‬حداني ذلك على تأليف رسالة فيها مشتملة على فوائد نفيسة‬
‫وشحت بها كتب القدماء ومحاسن فقد اتخذتها من‬ ‫ّ‬ ‫رشحت بها أذهان األذكياء وفوائد شريفة‬‫ّ‬
‫اهتديت إليها بنور التوفيق‪ .‬والله الهادي إلى سواء الطريق‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫عين التحقيق ولطائف َم َعان‬
‫أطرز عنوانها باسم من له ر ْأي ثاقب وحدس صائب‬
‫رأيت أن ّ‬
‫ُ‬ ‫ست بنيانها‬
‫أس ُ‬ ‫[‪َّ ]3‬‬
‫ثم لما ّ‬
‫وعقل كامل وعدل شامل وإشارة إلى دقائق األمور ومهارة في سياسة الجمهور‪ ،‬واستقا َمة‬
‫على طريقة أهل السنة والجماعة‪ ،‬وإقامة لمرتبة كل طبقة بمبلغ الصناعة‪ ،‬أعني‪ :‬حضرة‬
‫السلطان األعظم والخاقان األفخم والبدر األتم والنير األعظم السلطان ابن السلطان ابن‬
‫السلطان سلطان بايزيد بن محمد خان بن مراد خان‪ ،‬الزالت دولته عال ًيا منارها مضاع ًفا‬
‫اقتدارها منصورة أنصارها مخ ّففة بإحسانها أثقال األيام وأوزارها ‪/‬مبتوتة آمال أعدائها‬ ‫[‪44‬ظ]‬

‫‪31‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫وأعمارها والمسؤول من كرمه وحسن شيمة أن يستر هفواتي عند العثار على خطيئاتي في‬
‫هذه الرسالة‪ ،‬ويقبل معذرتي فيما وقع فيها من السهو والزلل والخبط والخطل؛ ّ‬
‫فإن تفاقم‬
‫صروف الزمان وخطوب الحدثان في هذه األوكار واألوطان وتعاقب نوائب الدهر وتتابع‬
‫شوائب العصر في هذه األقطار والبلدان حين أخذت منّي السن وتقعقع الشن كاد أن ال يبقى‬
‫في قلوبنا حشاشة وفي وجوهنا هشاشة‪ 43‬وأن تزاحم فرط المالل وضيق البال ورثاثة الحال‬
‫وتجرني [من] رفع إلى خفض‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وركاكة األحوال وألجأني إلى أن تلفظني أرض إلى أرض‪،‬‬
‫وجعلني بحيث بعثني على أن أطلب من لطفه الصميم وأسأل جنابه العظيم أن يأذن لي في‬
‫الترحل من مدينة فتح الله عيني منها على جنة النعيم بلدة طيبة ومقام كريم محط رحال‬
‫األفاضل مخ ّيم أرباب الفضائل حرسها الله عن بوائق الزمان وطوارق الحدثان‪ .‬وها أنا‬
‫أفيض في المقصود بعون الملك المعبود‪.‬‬
‫[‪2‬و]‬ ‫‪44‬‬
‫[‪]4‬فأقول‪ :‬الرسالة ‪/‬مرتبة على مطلبين‪.‬‬

‫األول‪ :‬في الكالم‬


‫المطلب ّ‬
‫وفيه ثالثة مباحث‪:‬‬

‫متكلما وتعيين الكالم النفسي الذي أثبتوه أهل الحق ومغايرته‬


‫ً‬ ‫األول‪ :‬في إثبات كونه‬
‫المبحث ّ‬
‫للعبارات‪ 45‬والعلم واإلرادة وبيان وجوده‪.46‬‬
‫فنقول‪ :‬اتفق أرباب الملل والمذاهب على أنه متك ّلم واستد ّلوا عليه بدليل ّ‬
‫نقلي هو المعتمد‬
‫في هذا الباب‪ .‬وهو أنّه تواتر القول بذلك عن األنبياء فإنّهم يقولون‪ :‬أخبر بكذا‪ ،‬وأمر بكذا‪ ،‬ونهى‬
‫‪47‬‬
‫عن كذا‪ ،‬وكل ذلك كالم‪.‬‬

‫ذخيرا لنا ليوم المعاد‪.‬‬


‫م ط‪ :‬أسأل الله تعالى العصمة والسداد وأن يهديني سبيل الرشاد‪ .‬ويجعل هذه المجلة ً‬ ‫‪ 43‬‬
‫ل‪ :‬الحمــد للــه علــى نعمائــه‪ .‬والصــاة علــى أفضــل أنبيائــه‪ ،‬وخيــر أحبائــه‪ ،‬مــن آلــه وأصحابــه‪ .‬وبعــد؛ فهــذه رســالة فــي‬ ‫‪ 44‬‬
‫مباحــث الرؤيــة والــكالم مــن عويصــات مقاصــد الــكالم حررتهــا علــى األبلــغ النظــام مســتعينًا بالملــك العــام‪ ،‬ورتبتهــا على‬
‫مطلبيــن‪.‬‬
‫هامش م‪ :‬التي هي كالم لفظي‪.‬‬ ‫‪ 45‬‬
‫ط ‪ -‬وبيان وجوده‪.‬‬ ‫‪ 46‬‬
‫في هامش م‪ :‬فثبت المدعى‪.‬‬ ‫‪ 47‬‬

‫‪32‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫‪48‬‬
‫قال في شرح المواقف‪:‬‬
‫فإن قيل‪ :‬صدق الرسول موقوف على تصديق الله إ ّياه؛ إذ ال طريق إلى معرفته سوا‪.‬‬ ‫ْ‬
‫وهو إخباره عن كونه صاد ًقا‪ .‬وهذا اإلخبار كالم خاص له تعالى‪ ،‬فإ ًذا قد توقف صدق‬
‫‪49‬‬
‫الرسول على كالمه تعالى‪ .‬فإثبات الكالم به [أي‪ :‬بصدق الرسول] دور‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬ال نس ّلم أن تصديقه له كالم؛ بل هو إظهار المعجزة على وفق دعواه فإنه يدل على‬
‫صدقه ثبت الكالم بأن تكون المعجزة من جنسه كالقرآن الذي يعلم ّأو ًل أنه معجزة‬
‫ثم يعلم به صدق الدعوى‪ ،‬أم لم يثبت كما إذا كانت المعجزة‬‫خارجة عن قوة البشر‪ّ ،‬‬
‫‪50‬‬
‫شي ًئا آخر‪.‬‬

‫أن له كال ًما مطل ًقا من غير نظر إلى خصوصية الكالم‪.‬‬
‫[‪ ]5‬وأقول‪ :‬المطلوب ههنا إثبات ّ‬
‫وما يتوقف هي عليه من تصديق الله كالم مخصوص هو إخبار الله بصدق الرسول عليه‬
‫السالم وهو غير مقصود إثباته له تعالى ههنا‪ .‬وال مما يتوقف على إثبات ذلك المطلق حتى‬
‫فإن‪ 51‬توقف إثبات المطلق على ثبوت الخاص له تعالى كما نحن فيه ليس مما‬‫دورا‪ّ ،‬‬
‫يكون ً‬
‫يتوهم فيه الدور‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقوله في الجواب‪" :‬أنّه معجزة خارجة عن قوة البشر" ْ‬
‫إن أراد به أنه معجزة خارجة عن قوة‬
‫البشر مطل ًقا فال نس ّلم ذلك؛ ّ‬
‫فإن اإلعجاز ال ينافي كون المعجزة مقدورة البشر كما هو الحق من‬
‫المذهب‪ ،‬فبمجرد اإلعجاز ال يعلم كون المعجزة خارجة عن قوة البشر كما يدل عليه توصيف‬
‫المعجزة بخارجة عن قوة البشر‪.‬‬
‫وإن أراد أنه "معجزة خارجة عن قوة البشر" قوة معتادة يكون هذا اعترا ًفا بأنّه ال يعلم بمجرد‬
‫ْ‬
‫اإلعجاز كون المعجزة فعل الله من غير تعلق قدرة العبد به‪ .‬وأنّه ال يعلم بمجرد إعجاز القرآن‬
‫أنه ليس كالم البشر وأنّه كالم خالق القوى والقدر‪ ،‬وهو مخالف لما ذكره في حواشيه ‪/‬للكشاف‬ ‫[‪2‬ظ]‬

‫"من أنّه يعلم بإعجاز القرآن أنه ليس كالم البشر وأنّه كالم خالق القوى والقدر"‬
‫‪52‬‬

‫في هامش م‪ :‬مطلب في بيان لزوم الدور في إثبات كونه متك ّل ًما ودفعه‪.‬‬ ‫‪ 48‬‬
‫في هامش م‪ :‬فيكون صدقه موقو ًفا على اإلخبار‪.‬‬ ‫‪ 49‬‬
‫شرح المواقف للجرجاني‪.133 /3 ،‬‬ ‫‪ 50‬‬
‫ل ط‪ّ :‬‬
‫وأن‪.‬‬ ‫‪ 51‬‬
‫حاشية الكشاف للجرجاني‪ ،‬مكتبة السليمانية باسطنبول‪ ،‬قسم الله لي‪ ،‬رقم ‪ ،332‬ورق ‪.1‬‬ ‫‪ 52‬‬

‫‪33‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫[‪]6‬فإن قيل‪ :‬اخترنا الشق ال ّثاني وال مخالفة ألن كون مجرد اإلعجاز سب ًبا للعلم يكون‬
‫ْ‬
‫القرآن كالم الله تعالى ال ينافي جواز كون المعجزة مقدورة للعبد؛ إذ الجواز الذاتي ألحد‬
‫النقيضين ال ينافي العلم العادي المتعلق بوقوع النقيض اآلخر‪ .‬ومراده أنّه يعلم بإعجاز القرآن‬
‫وإن أمكن كونها كذلك‬‫علما عاد ًّيا أنّه كالم الله بناء على أن المعجزة ال يكون مقدورة عادة ْ‬
‫ً‬
‫إمكانًا ذات ًّيا‪.‬‬
‫بشرا ال يتعلق بخارق العادة؛ ولكن‬
‫أن القدرة المعتادة للبشر من جهة كونه ً‬‫[‪]7‬قلنا‪ :‬س ّلمنا ّ‬
‫ال نس ّلم عدم تعلق القدرة به مطل ًقا من جهة كونه نب ًّيا بحسب عادته في خلق المعجزات‪ .‬إذ لم‬
‫قائما‬
‫يعلم أنه لم يتكرر خلق المعجزة المقدورة في أيدي األنبياء‪ .‬وظاهر أنّه ما دام هذا االحتمال ً‬
‫ال يجزم بمجرد إعجاز القرآن بكونه كالم الله تعالى؛ بل يحتاج في إثباته إلى الشرع‪.‬‬
‫أن عدم التك ّلم عما من شأنه اتصاف بالكالم‬
‫وقد يستدل على ذلك بدليل عقلي وهو‪ّ :‬‬
‫ٌ‬
‫محال‪ .‬هكذا ّقرر‬ ‫نقص واتصاف بأضداد الكالم وهو على الله‬
‫‪-‬أعني‪ :‬الحي العالم القادر‪ٌ -‬‬
‫الدليل في شرح المقاصد‪ 53،‬وهو يدل على أنّه يكون القدرة من شرائط صحة االتصاف بالكالم‬
‫أيضا‪.‬‬
‫حيث اعتبر في تفسير ما من شـأن القادر ً‬
‫[‪]8‬وال يخفى أنّها ليست شر ًطا لصحة اتصاف البارئ به؛ إذ نسبة البارئ إلى صفاته بطريق‬
‫‪56‬‬
‫ضر‬ ‫أن البارئ‪ 54‬موجب‪ 55‬مطل ًقا‪ ،‬أي‪ :‬بالنسبة إلى صفاته وغيرها ً‬
‫أيضا لما ّ‬ ‫اإليجاب‪ ،‬ولو فرضنا ّ‬
‫بصحة اتصافه بصفاته التي غير القدرة واإلرادة‪ .‬وكذا ليست شر ًطا التصاف العبد؛ ّ‬
‫ألن الكالم‬
‫الذي أثبتوه صف ًة له تعالى هو الكالم النفسي الذي هو عبارة عن مدلول الكالم اللفظي‪ .‬وهو‬
‫شك ّ‬
‫أن اتصافنا به ال يلزم أن يكون اختيار ًّيا‪،‬‬ ‫المراد بالكالم في وقوله‪" :57‬اتصافه بالكالم"‪ .‬وال ّ‬
‫ّ‬
‫فإن مدلول قولنا‪" :‬العالم حادث" إذا ألهمنا الله يقوم بأنفسنا الكالم النفسي من غير قدرة عليه‪،‬‬
‫أيضا وهو ظاهر‪.‬‬
‫وكذا ال يلزم القدرة على غيره ً‬

‫شرح المقاصد للتفتازاني‪.99 /2 ،‬‬ ‫‪ 53‬‬


‫ط ‪ -‬البارئ‪.‬‬ ‫‪ 54‬‬
‫ط‪ :‬يوجب‪.‬‬ ‫‪ 55‬‬
‫مر‪.‬‬
‫م‪ّ :‬‬ ‫‪ 56‬‬
‫ل ‪ +‬تعالى‪.‬‬ ‫‪ 57‬‬

‫‪34‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫[‪]9‬فإن قلت‪ :‬قال هذا الفاضل في حواشيه لشرح العضد‪" :‬الكالم النفسي هو النسبة التامة‬
‫قائما‬
‫اإلخبار ّية أو اإلنشائ ّية من حيث يفاد بالكالم اللفظي ال من حيث أنّها تستفاد منه‪ ،‬ولهذا كان ً‬
‫بنفس المتك ّلم دون السامع"‪ 58.‬فإنّه يدل على أنّه يعتبر في كون القائم بنفس المتك ّلم الذي هو‬
‫مدلول اللفظ كال ًما أن يكون القائم بحيث يفيده المتك ّلم بالكالم اللفظي‪ ،‬وال شبهة ّ‬
‫أن ‪/‬اإلفادة‬ ‫[‪3‬و]‬

‫يتصور من القادر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إنّما‬
‫[‪]10‬قلت‪ :‬ما ذكره من حيث ّية اإلفادة إنّما يعتبر في تسمية القائم بالنفس المذكور كال ًما ال‬
‫في حقيقة الكالم النفسي كيف! فإنّه صفة موجودة عندهم وحيث ّية اإلفادة ليست موجودة فال‬
‫المسمى‬
‫ّ‬ ‫يعتبر في حقيقة الموجودة‪ .‬ومراده بقوله‪" :‬الكالم النفسي هو النسبة التامة" إلخ‪ّ .‬‬
‫أن‬
‫بالكالم النفسي هو النسبة التّامة من تلك الحيث ّية‪ ،‬ويكفي في التسمية إفادة ما من متك ّلم ما‪ ،‬ولو‬
‫س ّلم اعتبارها في حقيقته أو جعلها إضافة الزمة له‪.‬‬
‫[‪ ]11‬فنقول‪ :‬المراد بصحة اإلفادة في الجملة من متك ّلم ما‪ 59‬هذا الوجه مما ال يخفي‬
‫فإن كون مطلق الحياة والعلم والقدرة‬ ‫ضعفه؛ إذ ال يس ّلم الخصم صحة اتصافه بالكالم‪ّ ،‬‬
‫فإن حياته تعالى مخالفة لحياتنا فيجوز أن يكون لخصوص ّية‬ ‫مصح ًحا لالتصاف به ممنوع‪ّ ،‬‬‫ّ‬
‫ِ‬
‫حياتنا مدخل في تلك الصحة‪ .‬ولو سلم ذلك فل َم ال يجوز أن يوجد مانع من االتصاف بالفعل؟‬
‫الخلو‬
‫ّ‬ ‫ويكون ذلك المانع الز ًما مساو ًيا لصفة كمال أزيد منه في الكمال‪ .‬وحينئذ ال يكون‬
‫عن‪ 60‬الكالم بسبب وجود المانع المستلزم لكمال آخر أزيد ممتنع االجتماع معه نقصانًا؛ بل هو‬
‫الكمال حقيقة‪ ،‬بل نقول‪ :‬يجوز أن يكون له صفة كمال أزيد منه في الكمال متوقفة على عدمه‬
‫ممتنعة االجتماع معه‪.‬‬
‫أن للخصم أن يقول‪ :‬ال نس ّلم‬
‫[‪ ]12‬وقوله‪" :‬واتصاف بأضداد الكالم" يرد عليه أن يقال‪ّ :‬‬
‫كون االتصاف بالكالم من شـأنه تعالى‪ ،‬ولو س ّلم ذلك فال نس ّلم كون عدم صفة من شيء شأنه‬

‫حاشية على شرح مختصر المنتهى للجرجاني‪.273/2 ،‬‬ ‫‪ 58‬‬


‫ط ق م ف ‪ | -‬أ ‪ +‬وال يبعــد أن يقــال إنّمــا أعتبــر القــادر ليتمشــي الدليــل علــى مذهــب الكراميــة أيضــا‪ ،‬فــان صحــة اتصافــه‬ ‫‪ 59‬‬
‫البــارى بالــكالم الــذي هــو حــرف وصــورة عندهــم بقدرتــه عليــه وكــذا كالم غيــره‪ ،‬فانهــم يقولــون الــكالم عبــارة عــن‬
‫الحــرف والصــوت وهــو حــادث مقــدور‪ .‬وهــذا الوجــه ممــا ال يخفــى‪ |...‬أ ‪ -‬ويكفــي فــي التســمية إفــادة مــا مــن متكلــم مــا‪.‬‬
‫ولــو ســلم اعتبارهــا فــي حقيقتــه أو جعلهــا إضافــة الزمــة لــه‪ ،‬فنقــول المــراد بصحــة اإلفــادة فــي الجملــة مــن متكلــم مــا‪.‬‬
‫ط‪ :‬من‪.‬‬ ‫‪ 60‬‬

‫‪35‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫االتصاف بها مستلز ًما لالتصاف بأضدادها؛ ّ‬


‫فإن األجسام متفقة الحقيقة باعترافكم فيقبل كل منها‬
‫خال عن جميعها‪ ،‬فيجوز‬‫ما يقبل اآلخر من األلوان المتضادة مع أن بعضها الذي هو الشفاف ٍ‬
‫فرضا مستلز ًما لالتصاف‬
‫خلو البارئ عن الكالم الذي كان من شأنه االتصاف به ً‬
‫أن ال يكون ّ‬
‫بأضداده التي هي السكوت‪ 61‬والبكم الباطني‪ .62‬إلّ أن يثبت كون عدم الكالم ّ‬
‫عما من شأنه‬
‫االتصاف به مستلز ًما ألخذ ذينك الضدين‪ 63‬وهو ممنوع؛ ّ‬
‫فإن السكوت ال بدّ له من القدرة على‬
‫قادرا على الكالم الذي هو‬ ‫الكالم والبكم الباطني ال يخلو عن اآلفة‪ .‬وظاهر ّ‬
‫أن البارئ ليس ً‬
‫ٍ‬
‫وخال عن اآلفة‪ ،‬فيجوز أن يخلو عن الكالم واألضداد مع كون االتصاف بالكالم من شأنه‬ ‫صفته‬
‫فإن كون االتصاف ببعض األعراض من شأن شيء‬ ‫فرضا‪ .‬وكذا نمنع صحة االتصاف باألضداد؛ ّ‬
‫ً‬
‫وأيضا‬ ‫ال يستلزم صحة اتصافه بأضداده ً‬
‫بدل منه‪ 64‬حتى يلزم من عدمه صحة اتصافه به‪ 65‬فافهم‪ً 66.‬‬
‫ال نس ّلم كون االتصاف بالسكوت الذي هو ضدّ الكالم ً‬
‫نقصا‪.‬‬
‫[‪3‬ظ]‬ ‫[‪/]13‬ثم إنّهم بعدما اتفقوا في كونه متك ّل ًما اختلفوا في معنى المتك ّلم‪ .‬فقال المعتزلة‪:‬‬
‫جوزوا قيام كالم الله بغيره‪ .‬قال الفاضل الشريف‬ ‫معناه أنّه موجد للكالم ال أنّه ٌ‬
‫محل له؛ فإنّهم ّ‬
‫كالمتحرك واألسود‬
‫ّ‬ ‫في حواشي الكشاف‪" :‬ويرد عليه أن المتك ّلم على قاعدة اللغة في المشت ّقات‬
‫‪67‬‬
‫أوجده"‬
‫من قام به الكالم ال من َ‬
‫فإن قلت‪ :‬إنّما يرد على المعتزلة ما ذكر أن لو جعلوا اإليجاد المذكور معنى حقيق ًّيا‬
‫بأن المراد بما ورد في الشرع وتواتر إجماع األنبياء عليه من كونه متك ّل ًما‬
‫للمتك ّلم واعترفوا ّ‬
‫ومخبرا بشيء معنى هذه األلفاظ معنى حقيق ًّيا‪ ،‬واعتقدوا أن ذلك‬
‫ً‬ ‫وآمرا بشيء وناه ًيا عن شيء‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫المعنى إيجاد األلفاظ والحروف في َم َحا ِّلها‪ ،‬وهو ممنوع‪ .‬ل َم ال يجوز أن يجعلوا ذلك معنى‬
‫‪68‬‬

‫مجاز ًّيا؟‬

‫في هامش م‪ :‬بالنظر إلى الكالم اللفظي‪.‬‬ ‫‪ 61‬‬


‫في هامش م‪ :‬بالنظر إلى الكالم النفسي‪.‬‬ ‫‪ 62‬‬
‫في هامش م‪ :‬السكوت والبكم الباطني‪.‬‬ ‫‪ 63‬‬
‫في هامش م‪ :‬أن قال بدال منه ّ‬
‫لئل يلزم اجتماع الضدين‪.‬‬ ‫‪ 64‬‬
‫في هامش م‪ :‬أي‪ :‬بضده‪.‬‬ ‫‪ 65‬‬
‫الخلو عن جميع األضداد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الخلو عن الشيء ال يستلزم االتصاف بأضداده بجواز‬
‫ّ‬ ‫في هامش أ‪ :‬أن‬ ‫‪ 66‬‬
‫حاشية الكشاف للجرجاني‪ ،‬مكتبة السليمانية باسطنبول‪ ،‬قسم الله لي‪ ،‬رقم ‪ ،332‬ورق ‪.2‬‬ ‫‪ 67‬‬
‫ط‪ :‬محلها‪.‬‬ ‫‪ 68‬‬

‫‪36‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫[‪]14‬قلت‪ :‬ال ضرورة في العدول عن الحمل على المعنى الحقيقي إلمكان‪ 69‬ثبوت الكالم‬
‫النفسي على أنّا نقول‪ :‬المعنى المجازي المشهور إضافة الكالم إلى موجده بكونه قاصدً ا معانى‬
‫ً‬
‫استعمال في‬ ‫تلك األلفاظ؛ ّ‬
‫فإن هذا المعنى الزم في األكثر لمعنى‪ 70‬القيام فيكون االستعمال فيه‬
‫الزم الموضوع له ومجرد اإليجاد ال يستلزم هذا المعنى حتى يكون استعمال المتك ّلم في موجد‬
‫ً‬
‫استعمال في المعنى المجازي المشهور‪.‬‬ ‫األلفاظ والحروف في محا ّلها‬
‫ّ‬
‫للكشاف حيث قال‪" :‬المفهوم‬ ‫[‪]15‬وإلى ما ذكرنا أشار الفاضل التفتازاني في حواشيه‬
‫من المتك ّلم من قام به الكالم وإيجاد العرض في ٍّ‬
‫محل ال يوجب اتصاف الموجد به وال‬
‫إضافته إلى الموجد إضافة الكالم إلى المتك ّلم"‪ 71‬يعني‪ :‬أن إيجاد العرض في ّ‬
‫محل ال يستلزم‬
‫ٍ‬
‫محل إطال ًقا على فرد‬ ‫اتصاف الموجد به حتى يمكن كون إطالق المتك ّلم على الموجد في‬
‫المعنى الحقيقي من حيث هو فرد منه ويكون حقيقة فيه‪ .‬وال يستلزم إضافته إلى الموجد‬
‫إضافة الكالم إلى المتك ّلم‪ 72‬بكون المتك ّلم قاصدً ا معناه حتى يكون استعمال المتك ّلم في‬
‫استعمال في المعنى المجازي المشهور‪ .‬وال يبعد‪ 73‬أن‬‫ً‬ ‫موجد الحروف في محا ّلها مطل ًقا‬
‫يكون مرادهم‪ 74‬بقولهم‪" :‬المتك ّلم من أوجد الكالم" أن المتك ّلم من أوجد الكالم قاصدً ا به‬
‫معناه‪.‬‬
‫[‪]16‬قال هذا الفاضل في شرحه للعقائد‪" :‬أن المعتزلة لما لم يمكنهم إنكار كونه [تعالى]‬
‫‪76‬‬
‫متك ّل ًما ذهبوا إلى أنّه متك ّلم بمعنى إيجاد األصوات والحروف في مح ّلها‪ 75‬أو إيجاد أشكال‬
‫الكتابة في ال ّلوح المحفوظ ْ‬
‫وإن لم ُيقرأ على اختالف [بينهم]‪ .‬وأنت خبير ّ‬
‫بأن المتحرك من قام‬

‫أ ‪ +‬ثبوته‪.‬‬ ‫‪ 69‬‬
‫ل ط‪ :‬بمعنى‪.‬‬ ‫‪ 70‬‬
‫حاشية الكشاف للتفتازاني‪ ،‬مكتبة السليمانية بإسطنبول‪ ،‬قسم الله لي‪ ،‬رقم ‪ ،329‬ورق ‪.2‬‬ ‫‪ 71‬‬
‫ط ق ‪ -‬؛ أ ‪ +‬يعنــى‪ :‬أن إيجــاد العــرض فــي محــل ال يســتلزم اتصــاف الموجــد بــه حتــى يمكــن كــون إطــاق المتك ّلــم علــى‬ ‫‪ 72‬‬
‫محـ ٍ‬
‫ـل إطال ًقــا علــى فــرد المعنــى الحقيقــي مــن حيــث هــو فــرد منــه‪ ،‬ويكــون حيقيقــة فيــه وال يســتلزم إضافتــه‬ ‫الموجــد فــي ّ‬
‫ّ‬
‫إلــى الموجــد إضافــة الــكالم إلــى المتكلــم‪.‬‬
‫في هامش م‪ :‬فيه من التك ّلف ما ال يخفي‪.‬‬ ‫‪ 73‬‬
‫أي‪ :‬المعتزلة‪.‬‬ ‫‪ 74‬‬
‫ل ط‪ :‬محا ّلها‪.‬‬ ‫‪ 75‬‬
‫ل‪ :‬الشكال | ف‪ :‬ألفاظ‪.‬‬ ‫‪ 76‬‬

‫‪37‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫لصح اتصاف البارئ باألعراض المخلوقة‪ 78‬له تعالى عن ذلك‬ ‫به الحركة ال من أوجدها‪ّ 77‬‬
‫وإل ّ‬
‫كبيرا"‪ 79‬انتهى كالمه‪.‬‬
‫علوا ً‬
‫ً‬

‫[‪4‬و]‬ ‫[‪]17‬أقول‪ :‬ربما يفهم من قوله‪" :‬أن المتحرك من قام به الحركة ‪/‬ال من أوجدها أن معنى‬
‫لصح اتصافه باألعراض‬
‫لفظ "المتحرك" من قام به الحركة ال من أوجدها؛ إذ لو كان معناه ذلك ّ‬
‫محل ال يقتضي اتصاف الموجد به‪،‬‬
‫أن إيجاد العرض في ّ‬‫المخلوقة" وال يخفي ضعفه‪ 80‬لظهور ّ‬
‫يصح‬
‫ّ‬ ‫تعسف‪ ،‬وقال‪ :‬أي‪ :‬كما‬ ‫فكيف يلزم صحة اتصافه باألعراض المخلوقة له؟ ومنهم من ّ‬
‫أن يحمل عليه المتك ّلم بمعنى موجد الكالم يصح أن يحمل عليه التك ّيف واألسود ونظائرهما‬
‫التعسف فاعترض ّ‬
‫بأن اتصاف‬ ‫ّ‬ ‫ثم بنى على ذلك‬
‫بمعنى موجد فيه الكيف ّية والسواد وغير ذلك‪َّ .‬‬
‫عقل‪ .‬وجواز االتصاف بالتك ّلم‪ 81‬لورود‬
‫البارئ باألعراض المخلوقة بهذا المعنى ال يمتنع ً‬
‫بأن ما حمل عليه قوله‪" :‬اتصاف البارئ‬ ‫ٍ‬
‫استبعاد وال يفيد‪ .‬وأنت خبير ّ‬ ‫الشرع به دون غيره مجر ُد‬
‫باألعراض المخلوقة له" بعيد عن األذهان السليمة‪.‬‬
‫[‪]18‬فالوجه أن يقال في تقرير كالمه‪ ،‬أن لفظ "المتحرك" يطلق لغة على ما قام به الحركة‪،‬‬
‫محله غير الموجد‪ 82‬كما يقتضيه كالمهم‪ ،‬يعنى‪:‬‬
‫وإن كان ذلك في ّ‬‫وال يطلق على موجدها مطل ًقا ْ‬
‫أنّه ال يطلق عليه حقيق ًة ال على طريقة أنه معناه‪ ،‬وأنّه ظاهر البطالن لظهور قاعدة المشت ّقات‪.‬‬
‫تعرض‬
‫يتعرض له وال على طريقة أنه فرد من معناه‪ ،‬أعني‪ :‬ما قام الحركة‪ .‬وهو الذي ّ‬
‫ولهذا لم ّ‬
‫لصح اتصاف البارئ باألعراض المخلوقة له"‪ ،‬أي‪ :‬وإن أطلق عليه‪ 83‬بناء على‬
‫ّ‬ ‫له بقوله‪ّ :‬‬
‫"وإل‬

‫فــي هامــش م‪ :‬قيــل للمعتزلــة أن يقولــوا هــذا بحــث لفظــي ال يعتــد بــه فــي المباحــث العقل ّيــة‪ ،‬واذا قــام الدليــل علــى امتنــاع‬ ‫‪ 77‬‬
‫كونــه تعالــى متك ّل ًمــا بالمعنــى اللغــوي المشــهور؛ وال نسـ ّلم دليلكــم علــى المعنــى القائــم بالــذات فــا بــدّ مــن التأويــل فــي‬
‫الصــرف عــن الظاهــر‪.‬‬
‫في هامش م‪ :‬الموجودة بايجاده‪.‬‬ ‫‪ 78‬‬
‫شرح العقائد للتفتازاني‪ ،‬مطبعة العامرة في إسطنبول‪.27 ،1266 ،‬‬ ‫‪ 79‬‬
‫فــي هامــش م‪ :‬أقــول‪ :‬مــا قــال الفاضــل مــن لــزوم صحــة اتصــاف البــارئ باألعــراض المخلوقــة لــه ليــس بنــاء علــى اقتضــاء‬ ‫‪ 80‬‬
‫إيجــاد العــرض فــي محــل اتصــاف الموجــد بــه حتــى يــرد عليــه المنــع‪ ،‬بــل بنــاء أنــه تعالــى موصــوف فــي الواقــع بالتك ّلــم‬
‫ـا‪ ،‬فلــو كان التك ّلــم بمعنــى إيجــاد الــكالم بمحــل مــا قالــوا لــزم صحــة اتصــاف البــارئ فــي الواقــع باألعــراض المخلوقــة‬ ‫مثـ ً‬
‫لــه‪ ،‬فتأمــل فيــه‪.‬‬
‫في هامش م‪ :‬في الواقع‪.‬‬ ‫‪ 81‬‬
‫محله غير الموجد‪.‬‬
‫ط ق م ف ‪ -‬؛ أ ‪ +‬وإن كان ذلك في ّ‬ ‫‪ 82‬‬
‫في هامش م‪ :‬فرضا‪.‬‬ ‫‪ 83‬‬

‫‪38‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫لصح‬ ‫أنه فرد مما قام به الحركة من جهة أن إيجاد العرض في ٍّ‬
‫محل يستلزم‪ 84‬اتصاف الموجد به ّ‬
‫اتصاف البارئ باألعراض المخلوقة له‪ .‬وهذا موافق لما نقلناه من هذا الفاضل من ّ‬
‫"أن المفهوم‬
‫من المتك ّلم من قام به الكالم وإيجاد العرض في ٍّ‬
‫محل ال يوجب اتصاف الموجد به"‪.‬‬
‫قائما‬
‫[‪]19‬فإن قلت‪ :85‬قاعدة اللغة في المشتقات تقتضي أن يكون مصدر اسم الفاعل ً‬
‫قائما بالمتك ّلم‪ ،‬ال قيام الكالم به‪ّ .‬‬
‫فإن‬ ‫بالفاعل ال قيام العرض‪ 86‬به‪ .‬فالالزم منه أن يكون التك ّلم ً‬
‫المتمارض من قام به التمارض ال من قام به المرض كيف؟ فإنّه مخالف للقاعدة‪ .‬وما ذكره‬
‫فإن إيجاد الكالم‪ 87‬قائم بالمتك ّلم بالمعنى الذي ذكروه ْ‬
‫وإن لم‬ ‫المعتزلة مطابق لتلك القاعدة‪ّ ،‬‬
‫يقم الكالم به‪.‬‬
‫قائما‬
‫[‪]20‬قلنا‪ :‬ما ذكرنا هو أن قاعدة اللغة في بعض المشتقات تقتضي أن يكون العرض ً‬
‫بالفاعل مطل ًقا‪ 88‬سواء كان ذلك اقتضا ًء ّأول ًّيا كما في أمثال ضارب وأسود أو بواسطة‪ 89‬ما يقتضيه‬
‫والتحرك ً‬
‫محل للكالم‬ ‫ّ‬ ‫فإن تلك القاعدة يقتضي أن يكون محل التك ّلم‬ ‫كما في أمثال التك ّلم؛ ّ‬
‫والحركة‪ّ ،‬‬
‫وأن اقتضاء تلك القاعدة قيام العرض بالفاعل إنّما هو بواسطة ‪/‬أن مصدر اسم الفاعل‬ ‫[‪4‬ظ]‬
‫من تلك الصيغة إنّما يقوم بالفاعل إذا قام العرض به‪ ،‬ال أنه يقتضيه اقتضا ًء ّأول ًّيا كما في مصادر‬
‫الثالثي هذا‪.‬‬
‫أن االتصاف بالتك ّلم ال‬
‫أن األشاعرة جعلوا كالمه صفة له لما ذكروا من ّ‬ ‫[‪]21‬واعلم ّ‬
‫يتصور ّإل باالتصاف بالكالم‪ .‬وأحالوا‪ 90‬كون الكالم اللفظي صفة له لتركّبه من األجزاء الممتنعة‬
‫ّ‬
‫المتـأخر منتف‪ ،‬فكل منهما‬ ‫ّ‬
‫فالمتأخر عند وجود المتقدم معدوم فالمتقدّ م عند وجود‬ ‫االجتماع‪،‬‬
‫ّ‬
‫فالمتأخر مسبوق بعدمه المقارن لوجود‬ ‫حادث؛ إذ القدم ينافي العدم ساب ًقا والح ًقا‪ً .‬‬
‫وأيضا‬
‫أيضا وكذا المركّب‬
‫ان يسير فهو حادث ً‬ ‫المتقدّ م فهو حادث قطعا‪ .‬والمتقدّ م ال يتقدّ مه ّإل بزم ٍ‬
‫َ‬ ‫ً‬

‫في هامش م‪ :‬قيد أنه ال يقول به الخصم فكيف يقول عليه الفاضل ّإل أن يحمل الكالم على الوسع إللزام الخصم‪.‬‬ ‫‪ 84‬‬
‫في هامش م‪ :‬جواب من طرف المعتزلة‪.‬‬ ‫‪ 85‬‬
‫في هامش م‪ :‬الذي هو الكالم‪.‬‬ ‫‪ 86‬‬
‫في هامش م‪ :‬الذي هو التكلم‪.‬‬ ‫‪ 87‬‬
‫في هامش م‪ :‬قيد لالقتضاء‪.‬‬ ‫‪ 88‬‬
‫في هامش م‪ :‬أي‪ :‬الواسطة في العروض‪.‬‬ ‫‪ 89‬‬
‫في هامش م‪ :‬أي‪ :‬جعلوه محال‪.‬‬ ‫‪ 90‬‬

‫‪39‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫وأيضا الكالم اللفظي هو المركّب من الحروف التي تعرض باألصوات‪ 91‬بسبب اآلالت‪.‬‬ ‫منهما‪ً .‬‬
‫فال يكون ّإل من قبيل الكيف ّيات الجسمان ّية التي يمتنع عروضها ّإل للجسم‪ .‬وال يعقل في الكالم‬
‫اللفظي ّإل هذا‪ .‬فلذلك أثبتوا كال ًما نفس ًّيا وهو مدلول األلفاظ والعبارات‪.‬‬
‫[‪]22‬وقالوا‪" :‬أنه [الكالم النفسي] عبارة عن النسبة اإلخبار ّية واإلنشائ ّية مع‪ 92‬مفرديها‬
‫قائمة بنفس المتك ّلم‪ .‬أ ّما تصور النسبة وكون الكالم النفسي نسبة فضروري؛ وأ ّما‬
‫أنّها النسبة القائمة بالنفس فألنّه لو لم تقم بها لكانت هي الخارج ّية‪ ،‬والالزم منتف‪.‬‬
‫ألن الثابت ثابت إ ّما في النفس وإ ّما خارج النفس‪.‬‬ ‫أما المالزمة فإذ ال مخرج عنهما؛ ّ‬
‫فألن الخارج ّية ال يتو ّقف حصولها‬ ‫فاذا انتفى أحدهما تعين اآلخر‪ ،‬وأ ّما انتفاء الالزم ّ‬
‫ألن نسبة القيام إلى زيد إذا ثبتت في الخارج ثبتت سواء عقل زيد‬ ‫على تع ّقل المفردين‪ّ .‬‬
‫والقيام أم ال‪ .‬وهذه متو ّقف حصولها على تع ّقل المفردين فتغايرتا" هذا مما ذكر في‬
‫‪93‬‬
‫شرح العضد‪.‬‬
‫[‪"]23‬وقيل‪ 94:‬والمراد بالقيام بنفس المتك ّلم أن يكون تلك النسبة صفة لها موجودة فيها‬
‫متأص ًل كالعلم واإلرادة ونحوها‪ .‬وليس المراد به أن يكون تلك النسبة معقولة‬ ‫وجو ًدا ّ‬
‫حاصلة صورتها [عندها] للقطع بأن الموجود في نفس المتك ّلم‪ .‬إذا قال‪" :‬ص ّلوا"‬
‫يصح‬
‫ّ‬ ‫هو طلب الصلوة وإيجابها ال صورة ذلك كصورة السمآء [عند تع ّقلها]‪ .‬ولهذا‬
‫اتصاف النفس بأنّها طالبة‪ ،‬والمراد بالخارج ّية ما يقابل ذلك‪ .‬وحقيقتها أنّها مع قطع‬
‫مثل‪ .‬فإن قيل‪ :‬فعلى ما ذكرتم من ّ‬
‫أن المراد‬ ‫بأن زيدً ا قاعد ً‬
‫عما في الذهن يقطع ّ‬ ‫النظر ّ‬
‫بالنسبة النفس ّية ال نس ّلم تو ّقفها على تع ّقل الطرفين‪ .‬قلنا‪ :‬افتقار النسبة إلى الطرفين‬
‫ضروري‪ .‬وال يجوز أن يكون القائم بالنفس الطرفين بوجودهما العيني؛ بل بصورتهما‬
‫العقل ّية وهو معنى التع ّقل"‪.‬‬

‫[‪5‬و]‬ ‫[‪]24‬وأقول‪/ 95:‬في كل مما ذكر نظر‪ ،‬أ ّما ما ذكر في الشرح من قوله‪" :‬والكالم النفسي نسبة‬
‫فإن أراد بالقيام أن صورة النسبة قائمة بالمتك ّلم‪ ،‬فهو قول بالصور‬
‫بين مفردين قائمة بالمتك ّلم" ْ‬
‫والوجود الذهني وهم ال يقولون به‪ .‬ولو فرضنا أنّه قصد بما ذكره تحقيق الكالم على ما هو‬

‫ط‪ :‬األصوات‪.‬‬ ‫‪ 91‬‬


‫في أصل المتن‪ :‬بين‪.‬‬ ‫‪ 92‬‬
‫شرح مختصر المنتهى األصولي لعضد الدين اإليجي‪.272 /2 ،‬‬ ‫‪ 93‬‬
‫قائله سعد الدين التفتازاني‪ .‬أنظر إلى حاشية شرح مختصر المنتهى األصولي للتفتازاني‪.273 /2 ،‬‬ ‫‪ 94‬‬
‫صح هامش‪.‬‬
‫أ‪ :‬فإن أراد بالقيام أن صورة النسبة قائمة بالمتكلم‪ّ .‬‬ ‫‪ 95‬‬

‫‪40‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫الواقع والمختار عنده ال على ما هو قاعدة مثبتيه من األشاعرة يلزم على ما ذكره أن ال يكون‬
‫تأصل لها في الوجود؛ بل هي من‬
‫الكالم النفسي صفة موجودة في الخارج‪ .‬إذ الصور أظالل‪ 96‬ال ّ‬
‫قبيل الموجودات الذهن ّية كما يدل عليه كالم الفاضل الشريف في حاشية المطالع‪.‬‬
‫[‪]25‬والكالم النفسي الذي أثبتوه من الموجودات الخارج ّية ْ‬
‫وإن أراد أن النسبة موجودة‬
‫متأص ًل كما يدل عليه كالم القائل فال نس ّلم ّ‬
‫أن النسبة بين المفردين من‬ ‫ّ‬ ‫في النفس وجو ًدا‬
‫فإن النسب غير األكوان ليست من الموجودات عند المتك ّلمين مثل‬
‫الموجودات الخارج ّية‪ّ .‬‬
‫أيضا‪ .‬ولذلك قالوا‪ :‬أن نسبة القيام‬
‫النسبة بين المحكوم عليه وبه‪ .97‬وليست منها عند الحكماء ً‬
‫إلى زيد بالحصول له ليس الخارج ظر ًفا لوجودها؛ بل ظرف لنفسها‪ ،‬ولو فرض كونها من‬
‫أن المفرد القائم بالنفس قد يكون معدو ًما كما في قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ل ْي َس‬
‫الموجودات فال شبهة ّ‬
‫ك َِم ْث ِل ِه َش ْي ٌء﴾[الشورى‪ ]42/11 ،‬فال يكون المركّب من النسبة ومن مثل هذا المفرد موجو ًدا‬
‫أن النسبة صفة للنفس حتى يكون الكالم النفسي صفة لها‪ّ .‬‬
‫فإن‬ ‫س ّلمنا ذلك؛ ولكن ال نس ّلم ّ‬
‫العاقل ال يقول ّ‬
‫بأن النسبة بين القائم المحكوم به وزيد المحكوم عليه صفة للنفس كالعلم‪ ،‬ولو‬
‫س ّلم كونها صفة لها‪ ،‬لكن ال نس ّلم كون الكالم النفسي صفة واحدة حينئذ؛ إذ النسب يتعدد‬
‫بحسب تعدد المنتسبين والمثبتون للنفسي جعلوه صف ًة واحدةً‪.‬‬
‫[‪]26‬فإن قيل‪ :‬قال بعض األشاعرة انقسام الكالم إلى الخبر واإلنشاء إنّما هو فيما ال يزال‪،‬‬
‫وأما في األزل فهو واحدٌ ٍ‬
‫خال عنهما‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وقال الفاضل الشريف في شرح المواقف‪" :‬وهذا الكالم ليس ببعيد جدًّ ا إذ هذان النوعان‬
‫من الكالم النفسي وأقسامهما أنواع اعتبار ّية؛ إذ يحصل له بحسب تعلقه باألشياء فيجوز أن‬
‫يوجد جنسها بدونها ومعها"‪.98‬‬
‫[‪]27‬وقال البعض اِنّه واحد بحسب ذاته وانقسامه إليها وتعدده بحسب التعلق ْ‬
‫وإن كان‬
‫أيضا فعلى هذين القولين ال يلزم‪ 99‬كون الكالم النفسي نسب ًة مع المفردين أن‬
‫ذلك في األزل ً‬

‫في هامش م‪ :‬ولهذا قال موالنا قطب الدين الرازي (ت‪" :)766.‬األشياء في الخارج أعيان وفي الذهن صور"‪.‬‬ ‫‪ 96‬‬
‫ط ‪ -‬مثل النسبة بين المحكوم عليه وبه‪.‬‬ ‫‪ 97‬‬
‫شرح المواقف للجرجاني‪.139 /3 ،‬‬ ‫‪ 98‬‬
‫أ ط ‪ +‬من‪.‬‬ ‫‪ 99‬‬

‫‪41‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫[‪5‬ظ]‬
‫ال يكون ‪/‬الكالم النفسي بحسب ذاته موجو ًدا واحدً ا؛ إذ مراد ذلك الفاضل بقوله‪" :‬إن الكالم‬
‫النفسي نسبة مع المفردين"‪ .‬أنّه باعتبار تعلقه باألشياء نسبة‪ ،‬فجاز أن يكون باعتبار التعلق نس ًبا‬
‫متعدد ًة غير موجودة‪ ،‬فيكون باعتبار ذاته واحدً ا موجو ًدا؛ فإن اعتبار التعلق في أنواعه االعتبارية‬
‫يقتضي تعدّ د تلك األنواع وعدم ّيتها دون ذات الكالم النفسي التي لم يعتبر فيها ذلك‪ 100‬التعلق‪.‬‬
‫يسمى المتك ّلم‬
‫أن الكالم النفسي الذي ّ‬ ‫يشك عاقل عالم باألوضاع اللغوية ّ‬
‫[‪]28‬قلت‪ :‬ال ّ‬
‫متكلما هو مدلول الكالم اللفظي‪ .‬وما يتع ّقل‪ 101‬أولً‪ّ ،‬‬
‫ثم يقصد إفادته للسامع‬ ‫ً‬ ‫باعتبار اتصافه به‬
‫ثم يقصد المتل ّفظ إفادته ثان ًيا‪،‬‬ ‫أيضا أن مدلول الكالم اللفظي الذي يتع ّقل ً‬
‫أول‪ّ ،‬‬ ‫ثان ًيا‪ ،‬وال ّ‬
‫يشك ً‬
‫ليس غير النسب الخبر ّية واإلنشائ ّية؛ بل نفس النسب فيكون هي الكالم النفسي‪ ،‬وحينئذ ال يكون‬
‫وأيضا‪ 102‬أن العالم بالوضع‬ ‫ً‬
‫مدلول للكالم اللفظي‪ً .‬‬ ‫األمر الذي ال يكون في نفسه نسبة كال ًما نفس ًّيا‬
‫علما ضرور ًّيا بأنّا إذا تل ّفظنا مثل ﴿ ُق ْل ُه َو ال َّلـ ُه َأ َحدٌ ﴾[اإلخالص‪ ]112/1 ،‬وقصدنا إفادة‬
‫يعلم ً‬
‫معناه للسامع فالكالم النفسي الذي يجده المتل ّفظ في نفسه وهو مدلول هذا اللفظ المقصود‬
‫إفادته ليس ّإل تلك النسب ال أمر آخر ال يكون في نفس نسبة‪ .‬وظاهر هو أن الكالم القائم به‬
‫تعالى الدال عليه هذا اللفظ المقصود إفادته ليس ّإل تلك النسب بال فرق لظهور أن مدلول كالم‬
‫فإن مدلول زيد قائم واحد سواء صدر عن الواجب أو الممكن‪.‬‬ ‫واحد ال يتغير بمجرد تغير قائله؛ ّ‬
‫إن كون الجملة الخبر ّية واإلنشائ ّية موضوعة للنسب من‬‫وهذا مما ال يمكن إنكاره؛ بل نقول‪ّ :‬‬
‫‪103‬‬
‫حيث هي مع مفرديها ال ألمر آخر غير النسبة في ذاته أمر ال ينكره ّإل غير العارف بأوضاع‬
‫اللغة‪ .‬فال يكون مدلول الوضعي ّإل تلك النسب‪ 104،‬فتسميته تعالى بالمتك ّلم باعتبار اتصاف بأمر‬
‫ال يكون نسبة في نفسه يكون مخال ًفا للموضوع اللغوي‪ .‬فيكون ما ارتكبوه مثل ما هربوا عنه من‬
‫كون معنى التك ّلم إيجاد الكالم‪ .‬إذ كل منهما مخالف لقاعدة اللغة‪.‬‬
‫خال في األزل عن األنواع الخمسة" أمر مشكل‪ .‬وكذا‬‫[‪]29‬وقولهم‪" :‬الكالم النفسي ٍ‬
‫ألن نسبة القائم إلى زيد نسبة خبرية ً‬
‫مثل‬ ‫قولهم‪" :‬إن انقسامه إليها في األزل باعتبار التعلق"‪ّ .‬‬

‫‪ 100‬ط ‪ -‬ذلك‪.‬‬
‫‪ 101‬ل‪ :‬يتعلق‪.‬‬
‫‪ 102‬ل ط‪ :‬ونقول‪.‬‬
‫‪ 103‬ط ف ‪ -‬بأوضاع‪.‬‬
‫‪ 104‬ط ف ‪ -‬فال يكون مدلول الوضعي إلّ تلك النسب‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫إضافة محضة باعتبار ذاتها‪ .‬وليس تحقق معنى اإلضافة فيها باعتبار جزئها الذي هو تعلق صفة‬
‫ذات إضافة هي جزء آخر كالرحيم‪ .‬فإن معناه ‪/‬إرادة متعلقة باإلنعام على الخلق‪ .‬فإن اإلضافة‬ ‫[‪6‬و]‬

‫فيه باعتبار جزئه الذي هو تعلق اإلرادة ال باعتبار نفسه‪ .‬وحينئذ اليكون انقسام الكالم النفسي‬
‫إليها انقسام أمر غير إضافة‪.‬‬
‫أيضا‪ ،‬أن النسبة القائمة بالمتك ّلم التي حكم بكونها كال ًما‬
‫[‪]30‬ويرد على القول األول ً‬
‫قائما في نفس‬
‫نفس ًّيا في مثل‪" :‬زيد قائم" ليس معنى قيامها به قيام نفسها الذي يكون زيد باعتباره ً‬
‫األمر‪ .‬فإن اتصاف زيد بالقيام في نفس األمر إنّما هو باعتبار كون خارج النفس ظر ًفا لنفس تلك‬
‫يتصور في صورة القيام بالنفس؛ بل معناه قيام صورة النسبة التي يطابق‬
‫ّ‬ ‫النسبة وهذه الظرفية‪ 105‬ال‬
‫إن كان الخارج ظر ًفا لتلك النسبة وليس ههنا ّإل نسبة خارج ّية يكون الخارج‬‫النسبة الخارج ّية‪ْ ،‬‬
‫ظر ًفا لنفسها‪ 106‬وصورة تلك النسبة‪ .‬واذا لم يكن ذات النسبة الخارج ّية قائمة بالمتك ّلم يكون‬
‫القائم به صورتها‪ .107‬وال يتوهم عاقل أن ههنا نسبة أخرى غير الخارج ّية وصورتها بالذات‪ .‬وأنّها‬
‫مدلولة للكالم اللفظي قائمة بنفس المتك ّلم‪ .‬واذا كان القائم صورة النسبة الخارج ّية يكون النسب‬
‫أيضا ألزلية علمه بالنسب الخارج ّية‪ .‬وكون العلم عند األشعري‬
‫الخبر ّية قائمة به تعالى في األزل ً‬
‫تمييزا هو عبارة عن الصورة في التصورات‪ .‬كما ذكره الفاضل الشريف في حاشية‬
‫صفة توجب ً‬
‫شرح العضد‪ 108.‬حينئذ ال يكون كالمه النفسي خال ًيا عن أحد األنواع الخمسة كما زعمه ابن‬
‫سعيد‪.‬‬
‫أمرا ذات تعلق فال نس ّلم وجوده في الخارج كما‬
‫[‪]31‬ولو س ّلم كون الكالم النفسي ً‬
‫يدعونه‪ّ .‬‬
‫فإن األدلة القائمة على اتصاف البارئ به ال يدل على وجوده الخارجي وأن االتصاف‬
‫والمدلول ّية والمفاد ّية و‪ 109‬كون قيامه به ليس‪ 110‬كقيام األظالل والصور؛ بل كونه مثل قيا ٍم سائر‬
‫فإن هذه األمور يتحقق في المعدومات‬ ‫صح‪ 111‬ال يدل على وجودها‪ّ .‬‬ ‫إن ّ‬‫أنفس األشياء وذواتها‪ْ .‬‬

‫‪ 105‬ل‪ :‬الظرفين‪.‬‬
‫‪ 106‬أ‪ :‬لنسبتها‪.‬‬
‫‪ 107‬ط‪ :‬صورها‪.‬‬
‫‪ 108‬حاشية شرح العضد للجرجاني‪.187/1 ،‬‬
‫‪ 109‬ل ف ط م ق ‪ +‬عدم‪.‬‬
‫‪ 110‬ل ف ط م ق ‪ -‬ليس‪.‬‬
‫صح‪.‬‬
‫‪ 111‬ط ق ‪ -‬إن ّ‬

‫‪43‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫أيضا‪ ،‬وليس وجوده من البديه ّيات المعلومة بالوجدان كوجود اإلرادة‪ ،‬وليس لهم دليل يدل‬ ‫ً‬
‫على وجوده غير ما ذكرنا‪ .‬وأ ّما ما ذكره القائل من أن المراد بقيام النسبة بنفس المتك ّلم كون‬
‫المتأصل الوجود الخارجي حقيقة‬
‫ّ‬ ‫متأص ًل‪ْ ،‬‬
‫فإن أراد بالوجود‬ ‫النسبة صفة موجودة فيها وجو ًدا ّ‬
‫المطول بأن النسب‬
‫ّ‬ ‫صرح في‬
‫فقد عرفت بطالن وجود مثل النسب الخبر ّية‪ .‬مع أن هذا القائل ّ‬
‫ليست موجودة في الخارج‪ .‬ويدل عليه كالمه في حاشية شرح العضد في هذا الموضع ً‬
‫أيضا‪.‬‬
‫‪112‬‬

‫[‪6‬ظ]‬ ‫ْ‬
‫وإن أراد به الوجود المجازي‪ ،‬أعني‪ :‬ما يكون بمنزلة الوجود فهو اعتراف بأن الكالم ‪/‬النفسي‬
‫الذي جعله عبارة عن النسبة الغير الموجودة غير موجود في الخارج وهو خالف مذهبهم‪ .‬وما‬
‫ذكره من الدليل إنّما يتم في الكالم اإلنشائي الطلبي دون الخبري‪ .‬وما ذكره من أن القائم ليس‬
‫صورة النسبة؛ بل نفسها فقد عرفت ما فيه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مناف‬ ‫[‪]32‬وما يدل عليه كالم هذا القائل ههنا من أن النسبة ليست موجودة في الخارج‬
‫لظاهر قول الشارح حيث قال‪ :‬الثابت ثابت إما في النفس أو خارج النفس‪ ،‬فإذا انتفى أحدهما‬
‫تعين اآلخر‪ ،‬فتأ ّمل‪ .‬هذا ما يتعلق بإثبات كونه متك ّل ًما وتعيين الكالم النفسي على ما نقلناه‪.‬‬
‫وأما‪ 113‬في بيان المغايرة للعبارات‪ ،‬فإنه غير العبارات واأللفاظ ألنّها تختلف بحسب األزمنة‬
‫ّ‬
‫واألمكنة واألقوام بخالف الكالم النفسي‪ .‬وفي بيان المغايرة للعلم في صورة الخبر‪ ،‬أنه قد يخبر‬
‫عما ال يعلمه؛ بل يعلم خالفه أو يشك فيه‪ .‬وهذا الفرق ليس بسديد؛ ألنّه ْ‬
‫إن أراد بالعلم‬ ‫الرجل ّ‬
‫مغايرا لمطلق العلم الشامل‬
‫ً‬ ‫العلم بمعنى اليقين أو مطلق االعتقاد فال يلزم من مغايرته له أن يكون‬
‫عما‬ ‫أيضا‪ْ .‬‬
‫وإن أراد مغايرته لمطلق العلم الشامل فالدليل ال يفيده‪ .‬إذ ال يتصور اإلخبار ّ‬ ‫للتصور ً‬
‫ال يعلمه بهذا المعنى؛ بل نقول إذا أريد بالعلم اليقين أو االعتقاد ال يكون الدليل مفيدً ا للمغايرة‪.‬‬
‫ألن المراد بالمغايرة ههنا المغايرة لعلم البارئ دون مطلق العلم‪ .‬فظاهر أن الدليل ال يفيده كما‬ ‫ّ‬
‫عما ال يعلمه بذينك‬
‫منزه عن اإلخبار ّ‬ ‫ال يفيد المغايرة لمطلق العلم الشامل بال فرق؛ ّ‬
‫ألن البارئ ّ‬
‫المعنيين‪.‬‬
‫[‪]33‬قال بعض األفاضل في الفرق بين العلم والكالم النفسي الذي هو الخبر‪ ،‬أن الكالم‬
‫النفسي يلزمه قصد الخطاب إ ّما مع النفس أو مع الغير دون العلم‪ .‬فإنّه ال يكون فيه قصد خطاب‬

‫‪ 112‬حاشية شرح العضد للجرجاني‪.465/1 ،‬‬


‫‪ 113‬ط‪ :‬وقيل‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫ولو كان فصار كال ًما‪ ،114‬وهذا في غاية الضعف‪ .‬ألنّا ب ّينا أن الكالم النفسي ما يتعقله المتك ّلم أولً‬
‫ثم يتكلم إلفادته وأنه مدلول العبارات واأللفاظ التي يع ّبر بها عنه‪ .‬وال يشك عالم بالوضع في‬
‫أن مدلول الجمل الخبر ّية التي يتك ّلم إلفادته ليس ّإل النسب الخبر ّية مع الطرفين‪ .‬وال شبهة في‬
‫أن هذه النسب مع الطرفين ليست مما يلزمها قصد الخطاب‪ .‬واألقرب في بيان الفرق أن يقال أن‬
‫الكالم النفسي مدلول اللفظ والمفاد ّية قصدً ا أصل ًّيا وهو النسب المعلومة دون العلوم‪.‬‬
‫[‪]34‬وأما في بيان مغايرته لإلرادة في صورة األمر أنه ‪/‬قد يأمر الرجل بما ال يريده كالمختبر‬
‫ّ‬ ‫[‪7‬و]‬

‫مجرد االختبار دون إتيان المأمور به‪ ،‬وكالمعتذر من‬ ‫فإن مقصوده ّ‬ ‫لعبده أنّه هل يطيعه أم ال؟ ّ‬
‫ضرب عبده لعصيانه وهو قد يـأمره وهو يريد أن ال يفعل المأمور به ليظهر عذره عند من يلومه‪،‬‬
‫وفيه نظر‪ .‬إذ عدم تحقق اإلرادة في تينك الصورتين ال يستلزم مغايرة الكالم النفسي الذي هو‬
‫عبارة عن مدلول الكالم اللفظي‪ .‬فإن عدم تحقق اإلرادة في نفس األمر ال يقتضي عدم داللة‬
‫اللفظ عليه وعدم قصد إفادته باللفظ‪ .‬فيجوز أن يقصد باللفظ معنى اإلرادة ويدل اللفظ عليه مع‬
‫عدم تحقق هذا المفاد المدلول‪ .‬ويكون الكالم النفسي مفا ًدا ومقصو ًدا إفادته للمخاطب المأمور‬
‫وإن لم يكن موجو ًدا في نفس األمر‪ .‬وبمجرد ما ذكره من تخلف تحقق اإلرادة عن‬ ‫ً‬
‫ومدلول ْ‬ ‫به‬
‫مغايرا لإلرادة‪ّ .‬إل أن يتب ّين أن مدلول األمر فيما ذكر‬
‫ً‬ ‫لفظ األمر ال يعلم كون الكالم النفسي‬
‫متحقق في نفس األمر وال يتحقق اإلرادة‪ .‬وما ذكره من قوله‪" :‬فإن مقصوده مجرد اإلختبار" ال‬
‫يفي بذلك‪،‬‬
‫[‪]35‬بل نقول‪ :‬قوله‪" :‬دون اإلتيان بالمأمور به" يدل على االعتراف بأن مدلول األمر الذي‬
‫هو الطلب ليس متح ّق ًقا في نفس األمر؛ ّ‬
‫ألن اإلرادة إنّما يتصور بالنسبة إلى فعل من له اإلرادة ال‬
‫بالنسبة إلى فعل الغير؛ ّ‬
‫ألن اإلرادة إنّما يتعلق بالمقدور‪ .‬وظاهر أن فعل الغير من حيث هو فعل‬
‫مختبرا أو ال‪.‬‬
‫ً‬ ‫معتذرا أو‬
‫ً‬ ‫مقدورا للعبد‪ .‬فال يتعلق به إرادة األمر سواء كان األمر‬
‫ً‬ ‫الغير ال يكون‬
‫فتخصيص األمر بتينك الصورتين وعدم االكتفاء بقوله‪" :‬كن" يأمر الرجل مما ال يريده‪ ،‬يدل على‬
‫أن المراد باإلرادة في قوله‪" :‬دون اإلتيان بالمأمور به" معنى الطلب‪ّ .‬‬
‫ولعل عدم االكتفاء بمطلق‬
‫األمر للرجل والتعرض لتينك الصورتين لظهور عدم تحقق اإلرادة فيها بخالف‪ 115‬صورة مطلق‬

‫‪ 114‬ط ‪ -‬ولو كان فصار كال ًما‪.‬‬


‫‪ 115‬ط‪ :‬يخالف‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫تم الدليل‬
‫وأيضا لو ّ‬ ‫األمر للرجل‪ّ .‬‬
‫فإن عدم تحققها فيها خفي يحتاج إلى البيان الذي ذكرناه‪ً .‬‬
‫المذكور لزم أن ال يكون الطلب كال ًما نفس ًّيا لعدم تحقق الطلب في تينك الصورتين حقيقة كما‬
‫ال إرادة‪ 116‬فيهما‪.‬‬
‫[‪]36‬فاألولى‪ :‬أن يقال في بيان المغايرة أن الرجل قد يأمر آخر بأن يفعل باختياره وال شبهة‬
‫في أن هذا الفعل المطلوب صدوره من الغير باختياره ليس متعلق إرادة ذلك اآلمر كما ب ّينا من ّ‬
‫أن‬
‫[‪7‬ظ]‬ ‫اإلرادة إنّما يتعلق بالمقدور والفعل والمطلوب حصوله من الغير باختياره‪ ،‬من حيث ‪/‬هو كذلك‬
‫مقدورا للعبد سواء قلنا إن قدرة العبد مؤثرة أو كاسبة‪ .‬قال في شرح المواقف بعد بيان‬
‫ً‬ ‫ال يكون‬
‫مغايرة الكالم النفسي للعلم واإلرادة بهاتين الصورتين‪:‬‬
‫"واعترض [عليه] بأن الموجود في هاتين الصورتين صيغة األمر ال حقيقته إذ ال طلب‬
‫ثم فرغ على ذلك البيان‪ .‬قوله‪ :‬فإذن هو أي المعنى‬ ‫فيها أصال كما ال إرادة فيها قط ًعا‪َّ .‬‬
‫النفسي الذي يعبر عنه بصيغة الخبر واألمر صفة ثالثة مغايرة للعلم واإلرادة قائمة‬
‫‪.‬ثم نزعم أنّه قديم المتناع قيام الحوادث بذاته تعالى‪ ،‬وقال المصنف‪ :‬ولو قالت‬ ‫بالنفس َّ‬
‫المعتزلة إنه أي المعنى النفسي الذي يغاير العبارات في الخبر واألمر هو إرادة فعل‬
‫يصير سببا العتقاد المخاطب علم المتك ّلم بما أخبر به أو يصير سب ًبا العتقاد إرادته‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ألن إرادة الفعل كذلك موجودة في الخبر واألمر‬ ‫إرادة المتك ّلم لما أمر به لم يكن بعيدً ا‪ّ .‬‬
‫ومغايرة لما يدل عليها به من األمور المتغيرة والمختلفة‪ .‬وليس يتجه عليه أن الرجل قد‬
‫يخبر بما ال يعلم أو يأمر بما ال يريد وحينئذ ال يثبت معنى نفسي يدل عليه بالعبارات‬
‫مغايرة لإلرادة كما تدعيه األشاعرة‪ .‬لكني لم أجده في كالمهم؛ بل الموجود فيه‪ ،‬أن‬
‫مدلول العبارات في الخبر راجع إلى العلم القائم بالمتك ّلم وفي األمر راجع إلى إرادة‬
‫المأمور به وفي النهي إلى كراهة المنهي عنه‪ .‬فال يثبت كالم نفسي مغاير لباقي الصفات‬
‫مر ما فيه‪ 117".‬انتهي كالمه‪.‬‬
‫وقد ّ‬
‫"ثم نزعم أنّه قديم المتناع قيام الحوادث به" أن يقال أن المعلوم‬
‫[‪]37‬وأقول‪ :‬يرد على قوله‪ّ :‬‬
‫لنا باألدلة التي ذكروها أن له تعالى صفة مغايرة للعلم واإلرادة‪ .‬هي معنى نفسي يجده المتك ّلم‬
‫في نفسه ويع ّبر عنه بالعبارات‪ .‬وهو ال يقتضي أن يكون ذلك المعنى النفسي موجو ًدا خارج ًّيا‬
‫إن ما نجده في أنفسنا ليس ّإل النسب اإلخبار ّية في الخبر‬
‫قديما؛ بل نقول‪ّ :‬‬
‫حتى يتصور كونه ً‬

‫‪ 116‬ط‪ :‬كاإلرادة فيها‪.‬‬


‫‪ 117‬شرح المواقف للجرجاني‪.135 /3 ،‬‬

‫‪46‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫والطلب ّية في األمر وليستا موجودتين‪ .‬والوجدان ال يدل على وجود ما يجد النفس االتصاف به‪.‬‬
‫ً‬
‫مستحيل‪ ،‬كيف فإنّهم ال يعدّ ون مثل الفرح والغم من‬ ‫إذ وجدان االتصاف باألمور العدمية ليس‬
‫وأن كل ٍ‬
‫أحد اذا رجع إلى وجدانه يجد‬ ‫أن كل ٍ‬
‫أحد يجد في نفسه االتصاف به ّ‬ ‫الموجودات مع ّ‬
‫نفسه متّصفا بالجهل بحقائق األمور‪.‬‬
‫[‪]38‬ويرد على قوله‪" :‬لو قالت المعتزلة" إلخ‪ّ .‬‬
‫فإن مراد األشاعرة بالمعنى النفسي الذي‬
‫أثبتوا كونه صفة مغايرة للعلم واإلرادة هو المعنى الذي يجده نفس المتك ّلم ويدور في َخ َلده‬
‫ويعبر المتك ّلم عنه [بعبارات مختلفة] ويقصد حصوله في نفس المخاطب‪ .‬وأنّه ال يشك في‬
‫أن اللفظ ‪/‬في الصورتين المذكورتين مستعمل في المعنى الذهني الذي يعقله المتك ّلم ّأو ًل‬ ‫[‪8‬و]‬

‫ثم يتك ّلم إلفادته للمخاطب‪ .‬وال شك ّ‬


‫أن ذلك المعنى المع ّبر عنه [باللفظ] المقصود إفادته‬ ‫ّ‬
‫للمخاطب ليس اإلرادة المذكورة [إرادة فعل يصير سب ًبا إلخ] كما أنّه ليس إرادة اإلتيان بالمأمور‬
‫به‪ .‬وتحقق هذه اإلرادة في تينك الصورتين ال يستلزم أن يكون هي المع ّبر عنها‪ .‬واذا كان المعنى‬
‫أيضا‬
‫مغايرا لهذه اإلرادة ً‬
‫ً‬ ‫النفسي المع ّبر عنه المقصود باإلفادة الذي هو المراد بالكالم النفسي‬
‫يثبت مدّ عاهم‪ 118‬ويكون ما ذكره في توجيه كالمهم بعيدً ا‪.‬‬
‫إن ملخص تقرير الفاضل الشريف كالم المواقف هو ّ‬
‫أن ما ذكرتم من بيان مغايرة‬ ‫[‪]39‬ثم ّ‬
‫الكالم النفسي لصفة العلم واإلرادة ال يتم لجواز أن يكون المعنى النفسي في تينك الصورتين‪،‬‬
‫اإلرادة المتعلقة بفعل يكون سب ًبا لما ذكر ومغايرته إلرادة‪ 119‬متعلقة بإتيان المأمور به‪ ،‬وللعلم ال‬
‫يستلزم مغايرته لإلرادة المتعلقة بفعل كذلك‪ .‬وحينئذ يظهر أن ما نقله من االعتراض على بيان‬
‫مغايرة الكالم النفسي لإلرادة في األمر ليس مما يتوهم اتحاده مع كالم المواقف الدال على‬
‫أنه يجوز أن يكون المعنى النفسي اإلرادة المعتلقة بفعل يكون سب ًبا العتقاد المخاطب بإرادة‬
‫المتك ّلم لما أمر به كما ال يتوهم اتحاد االعتراض على بيان مغايرته للعلم في الخبر بأن يقال‪" :‬إن‬
‫الموجود في‪ 120‬تلك الصورة إظهار‪ 121‬أمارة الخبر ال حقيقته"‪ .‬وبما ذكرنا ظهر ّ‬
‫أن ما ذكر في شرح‬
‫المقاصد‪" :‬من أن كالم المواقف من قوله‪" :‬ولو قالت المعتزلة" إلخ‪ .‬مما يشعر به كالم بعض‬

‫‪ 118‬م‪ :‬أي‪ :‬األشاعرة‪.‬‬


‫‪ 119‬ل‪ :‬مغايرة اإلرادة‪.‬‬
‫‪ 120‬ل‪ :‬من‪.‬‬
‫‪ 121‬أ ‪ -‬إظهار‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫المعتزلة حيث قال ال نس ّلم وجود حقيقة اإلخبار والطلب في الصورتين المذكورتين؛ بل إنّما هو‬
‫إظهار أمارتهما"‪ 122‬ليس كما ينبغي‪.‬‬
‫ّ‬
‫[‪]40‬ولعل هذا الفاضل ّقرر كالم المواقف هكذا‪ .‬وأن المعنى القائم بالنفس في الصورتين‬
‫اإلرادة المذكورة دون معنى الطلب وحقيقة اإلخبار‪ .‬فال يكون فيهما ّإل صيغة الخبر واألمر‪.‬‬
‫فيكون حاصل كالمه على هذا التقرير ما قصده بعض المعتزلة؛ إذ مراد ذلك البعض بقوله‪:‬‬
‫"إنّما هو إظهار أمارتهما" أن الموجود فيهما صيغة الخبر واألمر ألنّها أمارة الخبر واألمر‪ .‬وما‬
‫‪123‬‬
‫ذكره الفاضل الشريف من التقرير أولى؛ إ ْذ مدار االعتراض على تقرير شارح المقاصد نفي‬
‫للتعرض لكون المعنى النفسي‬
‫تحقق حقيقة الخبر واألمر وثبوت صيغتهما فقط‪ .‬وال مدخل فيه ّ‬
‫اإلرادة المذكورة‪ .‬ولذلك لم يتعرض له في كالم بعض المعتزلة واالعتراض الذي نقله بقوله‪:‬‬
‫[‪8‬ظ]‬ ‫وجدت في كالم بعض ‪/‬المعتزلة ما يشعر‬ ‫ُ‬ ‫"واعترض"‪ .‬فال يصح قول هذا الفاضل‪" :‬وأنا قد‬
‫بذلك"‪ .‬ويصح قول شرح المواقف‪" :‬بل الموجود فيه ّ‬
‫أن مدلول العبارات" إلخ‪ .‬وكأنّه أشار بهذا‬
‫وجدت [في كالم اإلمام الزاهدي‪ 124‬من المعتزلة]‬
‫ُ‬ ‫القول إلى فساد قول شرح المقاصد‪" :‬وأنا قد‬
‫‪125‬‬
‫ما يشعر بذلك‪".‬‬
‫[‪]41‬بقي ههنا شيء وهو أن الفاضل الشريف نقل اعتراض بعض المعتزلة على بيان كون‬
‫مغايرا للعلم في الخبر‪.‬‬
‫ً‬ ‫مغايرا لإلرادة في األمر ولم ينقل اعتراضه على بيان كونه‬
‫ً‬ ‫الكالم النفسي‬
‫وكأنّه غير مقبول عنده ولذلك لم ينقله ّإل أن مقتضى ما ذكره في بعض مصنفاته أن يكون هذا‬
‫أيضا‪.‬‬
‫ّجها على ذلك البيان ً‬
‫االعتراض مت ً‬
‫بيان ذلك أنه قال في حاشية لشرح الشمسية‪ّ :‬‬
‫«إن طرفي الشرطية بعد حذف األدوات ال‬
‫يكون قضية إذ ال حكم فيهما‪ ،‬وال بدّ في القضية من الحكم‪ 126".‬وعلى هذا القياس ال يكون‬

‫‪ 122‬شرح المقاصد التفتازاني‪.101 /2 ،‬‬


‫‪ 123‬أ ‪ +‬كون‪.‬‬
‫‪ 124‬لعلــه نجــم الديــن أبــو الرجــا مختــار بــن محمــود بــن محمــد بــن محمــد الخوارزمــي الفقيــه الحنفــي المعــروف بالزاهــدي‬
‫(ت‪ .)658 .‬لــه مــن الكتــب‪ :‬مجتبــى فــي األصــول‪ ،‬قنيــة المنيــة لتتــم الغنيــة‪ ،‬الرســالة الناصريــة‪ .‬أنظــر إلــى كشــف الظنــون ‪،‬‬
‫‪.423/6‬‬
‫‪ 125‬شرح المقاصد للتفتازاني‪.101/2 ،‬‬
‫‪ 126‬حاشية شرح الشمسية للجرجاني‪.11-6/2 ،‬‬

‫‪48‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫خبرا حقيقة ما لم يتحقق الحكم‪ .‬وحينئذ ال‪ 127‬يوجد في الصورة المذكورة حقيقة اإلخبار‬
‫الكالم ً‬
‫كما ال يوجد في الصورة األخرى حقيقة األمر بال فرق‪.‬‬
‫[‪]42‬وأ ّما بيان كون الكالم واحدً ا‪ ،‬فقالوا‪" :‬إنه لو تعدد الستند إلى الذات‪ ،‬إما بطريق‬
‫فألن القديم ال يستند إلى المختار‪ ،‬وأ ّما ال ّثاني‪:‬‬
‫األول‪ّ :‬‬
‫االختيار أو اإليجاب‪ ،‬وهما باطالن‪ .‬أ ّما ّ‬
‫ّ‬
‫فألن نسبة الموجب إلى جميع األعداد على السوية فيلزم وجود كال ٍم غير متناه‪ ،‬وهو ضعيف‬
‫وعلى تقدير تمامه يلزم أن ال يتعدد أنواع الكالم النفسي في األزل مع أن المذهب المنصور‬
‫ألن نسبة الذات إلى تلك األنواع ليست باالختيار‪ّ .‬‬
‫ألن ما يكون اختيار ًّيا كما ال يكون‬ ‫تنوعه إليها‪ّ .‬‬
‫وأن تلك األنواع ْ‬
‫وإن فرض كونها‬ ‫قديما في صورة الموجود كذلك ال يكون أزل ًّيا اذا كان اعتبار ًّيا ّ‬
‫ً‬
‫باعتبار تعلق الكالم الواحد‪ ،‬لكن ال يتصور أن يكون ذلك التعلق باالختيار الستلزام‪ 128‬كونه‬
‫أزلي؛ إذ اإلرادة ال تتعلق بالحاصل سواء كان ذلك موجو ًدا أو اتصا ًفا بأمر اعتباري‪.‬‬
‫متجد ًدا غير ّ‬
‫واذا لم يكن النسبة باالختيار يكون باإليجاب فيلزم أن يكون له أنواع غير متناهية‪.‬‬
‫إن أراد بقوله‪" :‬نسبة الموجب إلى جميع األعداد على السوية" أن نسبة‬ ‫[‪]43‬ونقول‪ْ :‬‬
‫الموجب إلى جميع األعداد ممكنة وممتنعة على السوية فهو ممنوع لظهور ّ‬
‫أن الممتنع ال يتصور‬
‫صدوره عن الفاعل‪ .‬فكيف يكون نسبة الفاعل إلى الممكن وممتنع الصدور عنه على السوية؟‬
‫وإن أراد أن نسبته إلى األعداد الممكنة على السوية فعلى تقدير تسليم ذلك‪ ،‬فال نس ّلم كون جميع‬
‫ْ‬
‫األعداد من الكالم والقدرة ممكنة‪ .‬إذ يجوز أن يكون بعض المراتب ‪/‬من أعداد‪ 129‬القدرة‬
‫‪130‬‬
‫[‪9‬و]‬
‫ثم ّ‬
‫إن مبنى ما ذكروا أن‬ ‫ممكنة ويكون ما فوقها ممتنعة‪ .‬وحينئذ ال يلزم ثبوت قدر‪ 131‬ما ال تتناهي‪ّ .‬‬
‫يكون األعداد متماثلة وال يكون متمايزة بخواص؛ وهو في ح ّيز المنع‪.‬‬
‫قلت لبعض مشاهير ديارنا حين قال في أثناء المحاورة‪ّ :‬‬
‫إن الخبر‬ ‫[‪]44‬وأقول‪ُ :‬‬
‫المتواتر توجب العلم دون المشهور‪ ،‬كيف يتصور القول بالتفرقة المذكورة من‬
‫المتك ّلمين؟ فإنّهم يقولون بتماثل األعداد واالشتراك في األحكام‪ ،‬وال يقولون بتمايزها‬

‫‪ 127‬أ ‪ -‬ال‪.‬‬
‫‪ 128‬أ‪ :‬يستلزم‪.‬‬
‫‪ 129‬ط أعدادهما‪.‬‬
‫‪ 130‬ل ط ‪ -‬القدرة‪.‬‬
‫‪ 131‬ل ط ‪ -‬قدر‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫بخواص منوعة يترتب عليها التخالف في األحكام‪ .‬وهو يقتضي أن يكون عدد األخبار‬
‫في صورة المشهور موج ًبا لليقين كما يوجبه العدد الذي في صورة التواتر وال يكون عدد‬
‫المتواتر موج ًبا له كالمشهور‪.‬‬
‫ألقيت إليه هذه المغلطة تح ّير واضطرب وليس مما ينقل ما ارتكب ّ‬
‫وحل المغلطة‬ ‫ُ‬ ‫[‪]45‬فلما‬
‫ّ‬
‫على مذهب األشاعرة في غاية الظهور‪ .‬ألنّهم يقولون الكل من عند الله وال تأثير وال مدخل ّية‬
‫لشيء في شيء‪ ،‬ومعنى إيجاب الخبر المتواتر للعلم خلق الله العلم عقيب ذلك النوع من الخبر‬
‫أيضا‬
‫من غير تأثير ومدخل ّية للخبر فيه‪ .‬فيجوز عندهم أن يخلقه عقيب الخبر المشهور والواحد ً‬
‫ّإل أن عادته جرت في الخبر المتواتر دون المشهور‪.‬‬
‫[‪]46‬وأ ّما المعتزلة ْ‬
‫فإن قالوا بأن العدد ليس أولى من عدد كما يدل عليه كالم شارح‬
‫المواقف في بيان أن العلم الواحد‪ ،‬هل يجوز تعلقه بمعلومين أم ال؟‪ 132‬فما ذكرنا يرد عليهم‪،‬‬
‫ألن استناد العلم إلى الخبر المتواتر بطريق التوليد عندهم‪ .‬قال اإلمام الرازي‪ّ :‬‬
‫إن الكالم النفسي‬ ‫ّ‬
‫في األزل خبر ومرجع البواقي إليه؛ ّ‬
‫ألن األمر بالشيء إخبار بأن فاعله مستحق الثواب وتاركه‬
‫العقاب والنهي على العكس وعلى هذا القياس وضعفه ظاهر‪ّ ،‬‬
‫ألن ذلك الزم األمر والنهي ال‬
‫حقيقتهما‪ .‬وقال عبد الله بن سعيد‪ :‬إنّه في األزل ليس شي ًئا من األقسام وإنّما يصير أحدهما‬
‫‪133‬‬

‫فيما ال يزال وقد عرفت ضعفه‪.‬‬


‫[‪]47‬وقال إمام الحرمين‪ّ :‬‬
‫إن ثبوت الكالم إنّما هو بالسمع دون العقل‪ ،‬ولم يرد السمع‬
‫بالتعدّ د؛ بل انعقد اإلجماع على نفي كالم قديم ٍ‬
‫ثان ولم يمتنع التك ّلم باألمر والنهي والخبر‬
‫وإن‬ ‫ٍ‬
‫واحد‪ .‬فحكمنا بأنّه واحد يتع ّلق بجميع المتعلقات كما في سائر الصفات‪ْ ،‬‬ ‫وغيرها بكال ٍم‬
‫إدراك ك ِ‬
‫ُنه هذا المعنى‪ ،‬قال في شرح المقاصد وهذا هو األقرب‪.‬‬
‫‪134‬‬ ‫ِ‬ ‫كانت العقول قاصرة عن‬
‫[‪]48‬ويرد على الكل أن هذه األقسام؛ إ ّما أن يكون عبارة عن ذلك المعنى القديم مع‬
‫تعلقه بأشياء على أن يكون التعلق جز ًءا من حقائقها‪ ،‬وإ ّما أن يكون عبارة عن نفس المعنى‬
‫واألول‪ :‬يستلزم أن ال يكون هذه األنواع كالم الله حقيقة‪ ،‬إذ التعلق‬
‫ّ‬ ‫بدون اعتبار التعلق فيها‪.‬‬

‫‪ 132‬شرح المواقف للجرجاني‪.200/1 ،‬‬


‫‪ 133‬ل‪ :‬أحدها‪.‬‬
‫‪ 134‬شرح المقاصد للتفتازاني‪.106 /2 ،‬‬

‫‪50‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫لم يعتبر ‪/‬في حقيقة كالمه القديم‪ 135‬بخالف هذه األنواع‪ .‬والثاني‪ :‬يستلزم أن ال يتمايز هذه‬ ‫[‪9‬ظ]‬

‫األنواع بحسب ذواتها؛ بل بحسب األمور الخارج ّية عنها‪ .‬وهي التعلق بأشياء وال يكون‬
‫احتمال الصدق والكذب وعدمه من لوازم ماهياتها وهذه سفسطة ظاهرة‪.‬‬
‫األول وال ّثالث أنه يلزم أن يكون اإلخبار التي بمعنى المضي كذ ًبا‪ ،‬ويرد‬
‫[‪]48‬ويرد على ّ‬
‫األول ّ‬
‫أن ما ذكر الزم األمر والنهي ال حقيقتهما‪ .‬ويرد على الثاني أن المعنى النفسي قبل‬ ‫على ّ‬
‫االنقسام إلى تلك األنواعـ إ ّما أن يكون بحيث لو ع ّبر عنه كان المفهوم إحدى النسب اإلخبار ّية‬
‫أو اإلنشائ ّية أو ال‪.‬‬
‫[‪]50‬واألول‪ :‬يستلزم أن يكون ذلك المعنى إحدى األنواع قبل االنقسام إليها‪ .‬والثاني‪:‬‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫زمان‬ ‫يستلزم أن يكون ذلك مفر ًدا خال ًيا عن معنى النسبة‪ ،‬والمفرد الخالي عن التركيب في‬
‫وإن فرض تعلقه بشيء‪ .‬وكذا المعنى الذي يكون لفظه خال ًيا‬ ‫ٍ‬
‫زمان آخر ْ‬ ‫ال يكون مرك ًبا في‬
‫ٍ‬
‫زمان‬ ‫عن إفادة صحة السكوت عليه وإفادة الفائدة التامة في زمان ال يكون مفيدً ا لهما في‬
‫آخر‪.‬‬
‫[‪]51‬وقال في شرح المواقف‪" :‬أورد على مذهب ابن سعيد [من األشاعرة] أنها أنواع‬
‫فال يوجد دونها‪ .‬إذ الجنس ال يوجد ّإل في ضمن شيء من أنواعه‪ ،‬والجواب منع ذلك في‬
‫أنواع يحصل بحسب التعلق بمعنى أنها ليست أنوا ًعا حقيق ًة له حتى يلزم ما ذكرتم؛ بل هي أنواع‬
‫أيضا"‪.136‬‬
‫اعتبارية تحصل بحسب تعلقه باألشياء‪ .‬فجاز أن يوجد جنسها بدونها ومعها ً‬
‫محصلة حقيق ًة‪ 137‬يمتاز‬
‫ّ‬ ‫[‪]52‬وأقول‪ :‬اإلنصاف ّ‬
‫إن أقسام الكالم من الخبر واإلنشاء أقسام‬
‫ذانك القسمان‪ 138‬بذاتهما‪ .‬ال أقسام يعتبرها العقل ويتم ّيز بأمر يعتبره تارة مقارنًا له وال يعتبره‬
‫كذلك أخرى‪ .‬واحتمال كونها كذلك كاحتمال أقسام الحيوان إلى تم ّيزها بأمور يتعبرها العقل‬
‫مجردة بالكل ّية أخرى‪ .‬وعلى ما ذكره يرتفع الوثوق بأحكام‬
‫تارة مقارنة للحيوان وتارة يعتبرها ّ‬
‫العقل‪.‬‬

‫‪ 135‬ل ط‪ :‬الحقيقي‪.‬‬
‫‪ 136‬شرح المواقف للجرجاني‪.139 /3 ،‬‬
‫‪ 137‬ل‪ :‬حقيق ّية‪.‬‬
‫‪ 138‬أ‪ :‬ذينك القسمين‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬في كالم المخالفين النافين للكالم النفسي المخالف لسائر الصفات‪.‬‬
‫[‪]53‬اعلم أن ما يقوله المعتزلة في كالمه تعالى‪ :‬وهو خلق األصوات والحروف الدالة‬
‫على المعاني المقصودة وكونها حادثة قائمة بغير ذاته تعالى‪ ،‬فنحن نقول به وال نزاع بيننا وبينهم‬
‫في ذلك‪.‬‬
‫[‪]54‬وما نقوله نحن ونثبته من كالم النفس المغاير لسائر الصفات فهم ينكرون ثبوته‪ .‬ولو‬
‫س ّلموه لم ينفوا قدمه الذي ندّ عيه في كالمه فصار محل النزاع بيننا وبينهم نفي المعنى النفسي‬
‫وإثباته‪ .‬فإذن األدلة الدالة على حدوث األلفاظ إنّما يفيدهم بالنسبة إلى الحنابلة القائلين بقدم‬
‫[‪10‬و]‬ ‫دل على حدوث‬ ‫األلفاظ‪ .‬وأ ّما بالنسبة إلينا فيكون نص ًبا ‪/‬للدليل في غير محل النزاع‪ .‬وأ ّما ما ّ‬
‫القرآن مطل ًقا بال تقييد بالنفسي أو اللفظي بحيث يمكن حمله على حدوث األلفاظ ال يكون‬
‫فيه حجة علينا ّإل أن يبرهنوا على عدم المعنى الزائد على العلم واإلرادة‪ .‬إذ على هذا التقدير‬
‫ينحصر القرآن في هذه األلفاظ والعبارات وال سبيل لهم إلى هذا البرهان‪ .‬هكذا قال في شرح‬
‫ثم ذكر أ ّدلتهم الدالة على حدوث القرآن التي سنذكرها وأجاب عنها‪ .‬وال يخفي عليك‬ ‫المواقف ّ‬
‫أن سوق كالمه يدل على أن المعتزلة وإن نصبوا أد ّلتهم بالنسبة إلينا كالحنابلة ّإل أن ذلك في‬
‫ّ‬
‫استدل‬ ‫الحقيقة نصب الدليل في غير محل النزاع‪ .‬وقال في حاشيته للكشاف‪" :‬اعلم ّ‬
‫أن المنصف‬
‫بهذه األوصاف [إنّما هو] على حدوث هذه العبارات المنظومة ر ًّدا على الحنابلة ومن يجري‬
‫مجراهم‪ .‬فإنّهم زعموا أن هذه الحروف والكلمات قديمة قائمة بذاته تعالى [ال] على القائلين‬
‫بالكالم النفسي [العترافهم بحدوث هذه العبارات لكنهم يدعون أن هناك كال ًما نفس ًّيا]"‪.139‬‬
‫وهذا يدل على أن صاحب ّ‬
‫الكشاف لم يقصد بما ذكره من االستدالل على حدوث القرآن الرد‬
‫على أهل السنة‪ ،‬بل على الحنابلة‪.‬‬
‫[‪]55‬والظاهر أن ما ذكره من األدلة التي ذكرها في شرح المواقف في معرض الرد على‬
‫أهل السنة مما قصد به صاحب الكشاف االستدالل على حدوث القرآن مطل ًقا ر ًّدا على أهل‬
‫أيضا‪ .‬كما ذكره مشايخ المعتزلة في ذلك المعرض وأ ّما‪ 140‬دأب صاحب الكشاف في ذلك‬ ‫السنة ً‬
‫الكتاب ّإل متابعتهم والمبالغة في التشبث بكلمات مشايخه في ر ّد أقوال أهل السنة‪ .‬والمناسب‬

‫‪ 139‬حاشية الكشاف للجرجاني‪ ،‬مكتبة السليمانية بإسطنبول‪ ،‬قسم الله لي‪ ،‬رقم ‪ ،332‬ورق ‪.5‬‬
‫‪ 140‬ط ‪ -‬أما‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫لتعصبه وكون مطمح نظره إظهار رد أقوال أهل السنة أن يطوي كالمه على منوال مشايخه ال على‬ ‫ّ‬
‫ما هو الحق في المناظرة‪ّ ،‬‬
‫ولعل مراد الفاضل الشريف بقوله‪" :‬ر ًّدا على الحنابلة" ّ‬
‫أن الرد ال يترتب‬
‫مجازا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مستعمل في معنى الغاية‬ ‫ّإل على الحنابلة بأن يجعل ما يدل على الغرض‬
‫[‪]56‬فإن قلت‪ :‬لما لم يكن القرآن مثبتًا بالشرع ّإل موصو ًفا بصفات توجب حدوثه لم يكن‬
‫ْ‬
‫القرآن‪ 141‬إلّ الموصوف‪ 142‬بها‪.‬قلت‪ :‬لو س ّلم صحة إثبات القرآن بالشرع فال نس ّلم أن ال‪ 143‬يكون‬
‫إثباته مطل ًقا ّإل موصو ًفا بها؛ بل ذلك هو القرآن اللفظي دون كله‪ 144‬ما يطلق عليه القرآن‪.‬‬
‫ويرد على قوله‪" :‬ولو سلموه لم ينفوا قدمه‪ ".‬أنّا ال نس ّلم عدم يفهم ذلك أو يحتمل أن ال‬
‫يقولوا بوجوده على تقدير مغايرته لسائر الصفات؛ بل يقولوا بقدمه فال يلزم أن ينحصر محل‬
‫‪145‬‬
‫النزاع بيننا وبينهم في نفي الكالم النفسي وإثباته إذ يحتمل أن ينازعوا في وجوده‪.‬‬
‫أن لهم ً‬
‫دليل عقل ًّيا ونقل ًّيا على هذا المطلوب‪ ،‬أ ّما المعقول الذي ذكره في‬ ‫[‪]57‬ثم اعلم ّ‬
‫شرح المواقف فوجهان‪:‬‬
‫األول‪ :‬األمر والخبر في األزل وال مأمور وال سامع فيه سفه‪ ،‬فكيف يتصور ثبوته له‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وكذا الحال في سائر أقسام الطلب فإن صدورها بدون وجود المطلوب منه سفه؛ بل‬
‫نقول‪ :‬صدور جميع أقسام الكالم بدون تحقق السامع سفه‪/ .‬إذ المقصود منها إفادة‬ ‫[‪10‬ظ]‬
‫السامع النسب الخبر ّية أو اإلنشائ ّية وهذا ال يتصور بدون السامع فيكون صدورها خال ًيا‬
‫سفها‪.‬‬
‫عن الفائدة المقصودة فيكون ً‬
‫قديما الستوى نسبته إلى جميع المتعلقات؛ ألنّه حينئذ‬
‫والثاني‪ :‬لو كان كالمه تعالى ً‬
‫يكون كالعلم في أن تعلقه بمتعلقاته يكون لذاته فكما أن علمه يتعلق بجميع ما يصح‬
‫تعلقه به كذلك كالمه يتعلق بجميع‪ 146‬ما يصح تعلقه به‪ .‬ولما كان الحسن والقبح‬

‫‪ 141‬ط ق ‪ -‬القرآن‪.‬‬
‫‪ 142‬ط ق‪ :‬موصوفا‪.‬‬
‫‪ 143‬ق ‪ -‬ال‪.‬‬
‫‪ 144‬ق‪ :‬كل‪.‬‬
‫‪ 145‬ط ق م ف – ؛ أ ‪ +‬ويــرد علــى قولــه ولــو ســلموه لــم ينفــوا قدمــه أنــا ال نســلم عــدم يفهــم ذلــك أو يحتمــل أن ال يقولــوا بوجــوده‬
‫علــى تقديــر مغايرتــه لســاير الصفــات؛ بــل يقولــوا بقدمــه‪ .‬فــا يلــزم أن ينحصــر محــل النــزاع بيننــا وبينهــم فــي نفــي الــكالم‬
‫النفســي وإثباتــه إذ يحتمــل أن ينازعــوا فــي وجــوده‪.‬‬
‫‪ 146‬في األصل‪ :‬بكل‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫‪147‬‬
‫كل فعل أن يأمر به وأن ينهى عنه‪ .‬فيلزم تعلق أمره ونهيه باألفعال‬‫صح في ّ‬‫بالشرع ّ‬
‫مأمورا به ومنه ًّيا عنه م ًعا‪ ،‬هذا خلف‪ .‬قال في شرح المواقف‪ :‬وقد‬
‫ً‬ ‫كلها‪ .‬فيكون كل فعل‬
‫صرح به فيما‬ ‫سهو من القلم ّ‬
‫فإن القدرة كما ّ‬ ‫وقع في بعض النسخ كالعلم والقدرة وهو ٌ‬
‫‪148‬‬
‫يصح أن يتعلق به كالعلم‪.‬‬
‫بكل ما ّ‬ ‫بعد ال يجب تعلقها ّ‬

‫[‪ ]58‬وأقول‪ :‬الحكم بأن ما وقع في بعض النسخ سهو سهو‪ .‬إذ ال يخفى أن للقدرة تعلقين‪،‬‬
‫تعلق بالنسبة إلى جميع الممكنات‪ .‬وهذا التعلق هو الذي أراده بقولهم نسبة القدرة إلى الوجود‬
‫يعم جميع الممكنات وهو مقتضي ذاتها ال‬
‫والعدم على السوية والحظوه في حكمهم أن القدرة ّ‬
‫يحتاج فيه إلى انضمام اإلرادة‪ ،‬وتعلق ببعض الممكنات وهو الذي يحتاج إلى انضمام اإلرادة‪.‬‬
‫األول وهو كتع ّلق العلم في العموم بجميع ما يصلح له‪ 149،‬وما ذكره فيما بعد‬
‫وما ذكره ههنا التع ّلق ّ‬
‫األول أن ذلك السفه الذي‬‫هو التع ّلق الث ّاني فال غبار على ما ذكر في النسخة‪ .‬والجواب عن الدليل ّ‬
‫ادعيتموه إنّما هو في الكالم اللفظي‪ ،‬وأ ّما كالم النفسي فال سفه فيه كطلب التع ّلم من ابن سيولد‪.‬‬
‫[‪]59‬قال الفاضل الشريف‪" :‬ويتجه‪ 150‬عليه أن ما يجده أحدنا في باطنه هو العزم على‬
‫سفها‪ ،‬بل قيل‪ :‬هو‬
‫الطلب وتخيله‪ ،‬وهو ممكن وليس بسفه‪ .‬وأ ّما نفس الطلب فال شك في كونه ً‬
‫‪151‬‬ ‫غير ممكن؛ ّ‬
‫ألن وجود الطلب بدون من يطلب منه شيء محال"‬ ‫ُ‬
‫[‪]60‬وما ذكره الفاضل الشريف ظاهر لمن له قلب سليم‪ .‬إذ ال يشك عاقل في أن الطالب‬
‫يعلم أن فائدة الطلب – أعني‪ :‬إتيان المطلوب منه‪ -‬المطلوب‪ 152‬مما ال يتصور حين كون‬
‫وإن طلبه في ٍ‬
‫زمان ال يتصور فائدته فيه؛‬ ‫المطلوب منه معدو ًما؛ بل إنّما يتصور ذلك بعد الوجود‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫زمان آخر مع علمه به سفه بال شبهة‪.‬‬ ‫بل في‬
‫ٍ‬
‫بشيء وال ينهانا عنه‪ .‬واذا رجعت إلى‬ ‫[‪]61‬ال يقال‪ :‬فعلى هذا يلزم أن ال يأمرنا الرسول‬
‫وجدانك فيمن أشرف على الموت وقال لقومه‪ :‬قولوا‪" :‬إلبني الذي سيولد ّ‬
‫أن أباك قد أمرك‬

‫‪ 147‬أ‪ :‬بأفعال‪.‬‬
‫‪ 148‬شرح المواقف للجرجاني‪.136 /3 ،‬‬
‫‪ 149‬أ‪ :‬وتع ّلق بالنسبة إلى بعض الممكنات وهو الذي يحتاج إلى انضمام اإلرادة للترجيح‪ ،‬وهو ليس مقتضي ذاتها‪ .‬صح‬
‫‪ 150‬في األصل‪ :‬يرد‪.‬‬
‫‪ 151‬شرح المواقف للجرجاني‪.136 /3 ،‬‬
‫‪ 152‬ط ‪ -‬المطلوب‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫باالشتغال بالعلوم"‪ ،‬علمت أن المتحقق نفس الطلب ال العزم عليه‪ .‬ألنّا نقول ال شبهة ّ‬
‫أن‬
‫األمر ‪/‬والنهي لله تعالى‪ ،‬وليس النبي ّإل ٍ‬
‫حاك لهما‪.‬‬ ‫[‪11‬و]‬

‫ْ‬
‫[‪]62‬فإن أراد بقوله‪" :‬يلزم أن ال يأمرنا وال ينهانا" أنه يلزم أن ال يقع‪ 153‬في حقنا طلب الفعل‬
‫أو الترك المطلق الذي يراد بصيغة األمر مجازا ‪-‬أعني الطلب العام للطلب بالفعل المتعلق‬
‫بالحاضرين والطلب الذي ليس بالفعل‪ -‬فال نسلم أنّه ال يقع ذلك؛ إذ يجوز أن يراد بصيغ‬
‫الطلب النازلة في حق المكلف مطلق الطلب الشامل للطلب بالفعل المتعلق بالحاضر والطلب‬
‫بالقوة‪ .‬فيقع المراد باألمر في حقنا من ذلك الطلب وقت وجودنا دون زمان األمر ويقع في‬
‫حق الحاضرين وقت وجودهم‪ .‬وإن أراد أن ال يقع في حقنا الطلب بالفعل وقت وجود الصيغة‬
‫فمسلم وال إشكال فيه‪ .‬إذ يكفي في كون العبد مكلفة وقوع ما أريد بتلك الصيغ في حقهم‪ .‬وذلك‬
‫ال يقتضي أن يكون المراد بها معانيها الحقيقية‪ ،‬أعني الطلب بالفعل‪ .‬وما ذكره من الوجدان فليس‬
‫بصحيح‪ .‬فإن الوجدان الصحيح فيما ذكره شاهد على أن التحقق فيه العزم على الطلب وتخ ّيله‪،‬‬
‫وإنما نشأ غلط من ا ّدعى الوجدان وشهادته على تحقق نفس الطلب من إيراد لفظ‪" :‬قد أمرك"‬
‫‪154‬‬
‫وظ ّن أنّه على حقيقته وليس كذلك‪ ،‬بل هو مجاز وتنزيل لقوة عزمه على الطلب منزلة الطلب‪.‬‬
‫[‪]63‬ثم اعلم أنّه ال شك أن الطلب القديم الذي ليس من األمور االختيار ّية‪ ،‬بل من األمور‬
‫َّ‬
‫المستندة إلى ذاته تعالى بطريق اإليجاب ليس مما يتصور اتصافه بالسفه والعبث وإن فرض‬

‫ا ال وقــت عــدم المطلــوب منــه وال وقــت وجــوده فــا يلــزم ممــا ذكرنــا ذلــك؛ بــل‬ ‫‪ 153‬ط ق م ف ‪ -‬؛ أ ‪ +‬الطلــب مــن اللــه أصـ ً‬
‫الــازم عــدم تحقــق الطلــب وحقيقــة األمــر وقــت عــدم المطلــوب منــه فقــط‪ ،‬وإن أراد أنــه يلــزم أن ال يقــع الطلــب وحقيقــة‬
‫األمــر وقــت وجــود المطلــوب منــه فعــدم لزومــه ظاهــر فجــاز أن يصــدر صيغــة األمــر عنــه‪ ،‬وأريــد بــه الداللــة علــى الطلــب‬
‫ـا حيــن صــدور صغــة األمــر بالنســبة إلــى الموجوديــن وال‬ ‫وقــت وجــود المطلــوب منــه ويكــون الطلــب وحقيقــة األمــر حاصـ ً‬
‫يكونــان حاصليــن فــي ذلــك الحيــن بالنســبة إلــى المعدوميــن؛ بــل حاصليــن فــي زمــان وجــود المطلــوب منــه فــإن مدلــوالت‬
‫ـان مخصــوص‪.‬‬ ‫ـا عــن تخلفهــا زمـ ٍ‬ ‫األلفــاظ ربمــا يتخ ّلــف عنهــا لــوال تهــا فــي جميــع األزمــان فضـ ً‬
‫صحيحــا بالنســبة إلــي‬
‫ً‬ ‫ـفها وإن كان‬‫ـم إن مــا ذكــره الفاضــل مــن نفــي الشــك فــي كــون الطلــب المذكــور سـ ً‬ ‫‪ 154‬ط ق م ف ‪ -‬؛ أ ‪ +‬ثـ ّ‬
‫طلــب مــن مــن شــأن أفعالــه وأحكامــه أن يكــون معللــة باألغــراض كمــا فــي صــورة طلــب التعلــم مــن ابــن ســيولد؛ وأمــا‬
‫بالنســبة إلــي مطلــق الطلــب الشــامل لطلــب مــن تنــزه أفعالــه وأحكامــه عــن العلــل واألعــراض فليــس بصحيــح إذ العبــث‬
‫ـو‬
‫ـو؛ وإن ارادوا بالعبــث والســفه مطلــق الخلـ ّ‬ ‫ـو الفعــل والحكــم الــذي مــن شــأنه أن يعلــل بالغــرض ال مطلــق الخلـ ّ‬ ‫والســفه خلـ ّ‬
‫ألن أفعالــه وأحكامــه ال يجــب تعليلهــا بالغــرض وبمــا ذكرنــا ظهــر أنــه لــو فــرض أن األمــر قديــم مــع‬ ‫فــا نســلم اســتحالته ّ‬
‫كونــه أثــرا لــه تعالــى ال يلــزم الســفه والعبــث لمــا ذكرنــا مــن أن أفعــال اللــه وأحكامــه ال يجــب تعليلهــا باألغــراض وإن‬
‫القضيــة القائلــة أن ذلــك الســفه الــذي ادعيتمــوه إنمــا هــو فــي اللفــظ ليســت صحيحــة علــى مقتضــي مذهــب األشــاعرة؛‬
‫اللهــم ّإل ان يجعــل التفرقــة بيــن اللفــظ والطلــب فــي كــون قــدم األول مســتلز ًما للســفه وقــدم الثانــي غيــر مســتلزم لــه مبن ّيــا‬
‫علــى مقتضــي مذهــب المعتزلــة‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫خلوه في األزل عن الفائدة؛ إ ْذ الموصوف بهما األفعال االختيار ّية التي من شأنها كونها مع ّللة‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫باألغراض أو يتبعها الحكَم والمصالح وإن لم يكن من شأنها ذلك كأفعال الله تعالى اذا فرض‬
‫خلوها عن الغرض واالشتمال على الحكم والمصالح‪ .‬وال شك ّ‬
‫أن الطلب الذي أثبته أهل‬ ‫ّ‬
‫خلوه عن‬
‫الحق هو معنى قديم مستند إليه بطريق اإليجاب ال من األفعال االختيار ّية‪ .‬فعلى تقدير ّ‬
‫الفائدة في األزل ال يلزم السفه والعبث اللذين من صفات األفعال االختيار ّية‪.‬‬
‫تمهد هذا فنقول‪ّ :‬‬
‫إن منع ثبوت السفه له واسند بطلب التعلم من ابن سيولد‬ ‫[‪ ]64‬وإذا ّ‬
‫ً‬
‫إبطال للسند األخص‪ .‬إذ ما ذكرنا‬ ‫وهو الكافي في هذا المقام‪ .‬يكون إبطال السند المذكور‬
‫‪155‬‬ ‫يصلح للسند ّية ْ‬
‫وإن قصد إبطال المقدمة القائلة وجود األمر في األزل بدون وجود المأمور به‬
‫ثم‬
‫سفه‪ .‬واستدل عليه به كما يدل عليه العبارة‪ .‬يمكن أن يجاب عنه بتغيير الدليل إلى ما ذكرنا‪ّ .‬‬
‫إن تفرقة أهل الحق بين النفسي واللفظي بأن الدليل المذكور يتم في اللفظي دون النفسي محل‬ ‫ّ‬
‫بحث‪.‬‬
‫[‪11‬ظ]‬ ‫الخلو ‪/‬عن الفائدة مطل ًقا حتى‬
‫ّ‬ ‫[‪]65‬إذ يمكن أن يقال ال نسلم استلزام أزل ّية الكالم اللفظي‬
‫الخلو عن الفائدة التي يترتب على الكالم اللفظي فيما ال‬
‫ّ‬ ‫يلزم العبث والسفه‪ .‬وغايته أن يستلزم‬
‫مثل‪ -‬وال نس ّلم انحصار فائدة إيجاد اللفظ فيه‪.‬‬
‫يزال ‪-‬أعني اإلتيان بالمأمور به وإفادة السامع ً‬
‫فيجوز أن يترتّب على إيجاده األزلي فائدة غير ما ذكر وال يترتّب ذلك على تقدير حدوثه وال بدّ‬
‫لنفي ذلك من دليل دال‪.‬‬
‫[‪]66‬قال‪ :‬والجواب عن ال ّثاني ّ‬
‫أن الشي القديم الصالح لألمور المتعددة قد يتعلق ببعض‬
‫من تلك األمور دون بعض كالقدرة القديمة فإنّها تتعلق ببعض المقدورات‪ 156‬وهو ما تعلقت‬
‫اإلرادة به منها دون بعض‪.‬‬
‫مخصص ويعود الكالم‬
‫ّ‬ ‫أيضا من‬
‫مخصص القدرة هو اإلرادة فال بد في الكالم ً‬
‫ّ‬ ‫فإن قيل‪:‬‬
‫إليه فيلزم التسلسل‪ .‬قلنا‪ :‬تعلق الكالم ببعض دون آخر كتعلق اإلرادة لذاتها ببعض‪ 157‬ما يصلح‬
‫تعلقها به دون بعض فال تسلسل‪ .‬انتهى كالمه‬

‫‪ 155‬ط‪ :‬فيه‪.‬‬
‫‪ 156‬ل ‪ +‬تعلقات‪.‬‬
‫‪ 157‬ط ‪ -‬ببعض‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫[‪]67‬وأقول‪ :‬مساق كالمه يقتضي أن يحمل داللة الوجه ال ّثاني على داللته على حدوث‬
‫اللفظي‪ .‬ويقال أن قوله‪" :‬إن الشيء القديم" إلخ سيق لبيان أن الدليل ال يجري في الكالم النفسي؛‬
‫أيضا أظهر من أن يخفي‪.‬‬
‫بل في اللفظي وهذا مشكل؛ إذ عدم داللة هذا الوجه على حدوث اللفظ ً‬
‫فإن الكالم اللفظي الذي نفرض قدمه ليس ّإل الكالم اللفظي المخصوص الذي يشمل على‬
‫األوامر المخصوصة باألفعال التي يتعلق بها والنواهي المخصوصة باألفعال التي يتعلق بها‪ .‬وال‬
‫يصح كل من هذين المخصوصين بمتعلقيهما أن يتعلق بمتعلق اآلخر لظهور أن لفظ "ص ّلوا" ال‬‫ّ‬
‫يتعلق بما يتعلق به لفظ "ال تسرفوا" وال يلزم من تعلق كل لفظ قائم به بما يصلح أن يتعلق به أن‬
‫صح تعلق اللفظ القائم به المتعلق بفعل‬
‫مأمورا به ومنه ًّيا عنه‪ .‬إنّما يلزم ذلك أن لو ّ‬
‫ً‬ ‫يكون كل ٍ‬
‫فعل‬
‫المأمور به بما تعلق به اآلخر من لفظ النهي‪ .‬وصح تعلق اللفظ القائم به المتعلق بالمنهي عنه بما‬
‫ٍ‬
‫صالح للتعلق بالفعل على أحد الوجهين من‬ ‫تعلق به لفظ األمر أو كان المفروض قيام كل لفظ‬
‫جهة النهي أو من جهة األمر وقدمه وكالهما ظاهر الفساد‪.‬‬
‫ّ‬
‫فألن الكالم في الكالم اللفظي الذي يقوم مدلوله‬ ‫األول‪ :‬فظاهر‪ .‬وأ ّما ال ّثاني‪:‬‬
‫[‪]69‬أ ّما ّ‬
‫نسميه بكالم النفسي والطلب في صورتي األمر والنهي ويسمونه باإلرادة والكراهة فيهما‪.‬‬
‫الذي ّ‬
‫فظاهر أن اللفظ الدال على ذلك الطلب القائم به ليس كل لفظ صالح للتع ّلق بالفعل المطلوب‬
‫على أحد الوجهين؛ بل اللفظ المخصوص الدال ‪/‬على الطلب القائم به بالفعل المتعلق بالفعل‬ ‫[‪12‬و]‬
‫على الوجه المخصوص‪ .‬وظاهر أن الطلب القائم ليس طل ًبا لكل فعل على وجه األمر والنهي‬
‫م ًعا؛ بل أحدهما فيكون اللفظ القديم المفروض هو اللفظ المخصوص الدال على ذلك الطلب‬
‫فقط‪.‬‬
‫صح‬
‫صح في كل فعل أن يأمر به وأن ينهي عنه إن أراد به أنه ّ‬
‫إن قول المستدل ّ‬ ‫[‪]70‬ثم نقول‪ّ :‬‬
‫أن يتحقق حقيقة األمر والنهي م ًعا‪ .‬فال نس ّلم ذلك‪ .‬فإن كون الحسن والقبح شرعيين ال يستلزم‬
‫بدل أحدهما عن األخرى‪ .‬فإن حقيقتهما ومدلولهما‬ ‫ّإل أن يصح تحقق حقيقة األمر أو النهي ً‬
‫الحقيقي هو الطلب‪ .‬فاذا لم يتصور اجتماع طلب الفعل والترك‪ ،‬كيف يتصور اجتماع ما يدلهما‬
‫فرضا هو حقيقة األمر والنهي المتحقق‬ ‫حال تحقق مدلوليهما؟ وال شبهة ّ‬
‫أن القائم بالبارئ تعالى ً‬
‫صح في كل‬ ‫مدلوليهما ال مجرد صيغتهما الدالتين على الطلب من غير تحققه هناك‪ْ .‬‬
‫وإن أراد أنه ّ‬
‫مأمورا به‬
‫ً‬ ‫بدل أحدهما عن اآلخر فال استحالة فيه وال يلزم أن يكون كل‬ ‫ٍ‬
‫فعل أن يأمر وينهي عنه ً‬
‫ومنه ًّيا عنه م ًعا‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫[‪]71‬ونقول‪ :‬قوله‪" :‬ويعود الكالم إليه ويلزم التسلسل" يرد عليه أنه لم ال يجوز أن يكون‬
‫يصح أن يتعلق به الكالم على السوية؟‬
‫هناك صفة ثالثة‪ 158‬غير اإلرادة ال يكون نسبتها إلى جميع ما ّ‬
‫مما يصح أن يتعلق به دون جميع ما يصلح أن‬
‫بأن يكون لذاتها خصوص ّية لما يتعلق به الكالم ّ‬
‫يتعلق به‪ .‬فيرجح تلك الخصوص ّية تعلقه ببعض ما يصلح أن يتعلق به و حينئذ ال يلزم التسلسل‬
‫مرجح آخر؛ بل‬
‫‪.‬إذ ليس ترجيحها بسبب تعلقها ببعض ما يصلح أن يتعلق به حتى يحتاج إلي ّ‬
‫ترجيحها بخصوص ّية ذاتها التي لم يكن لها استواء النسبة إلى جميع ما يصلح أن يتعلق به الكالم‪.‬‬
‫[‪]72‬ويرد على قوله‪" :‬تعلق الكالم ببعض" إلخ أن يقال‪ْ :‬‬
‫إن كان نسبة الكالم إلي كل ما‬
‫وأيضا على هذا التقدير ال معنى‬
‫يصلح تعلقه به على السواء فال بدّ له من مرجح ويلزم التسلسل" ً‬
‫لكون تعلقه بالبعض لذاته‪ .‬وإن لم يكن كذلك‪ ،‬بل كان لذاته متعل ًقا بالفعل كالصالة دون ضدّ ه‬
‫وهو تركها‪ .‬كان طلب الفعل واج ًبا وطلب تركه ممتن ًعا وهو باطل‪ ،‬ألن الحسن والقبح شرع ّيان‪.‬‬
‫يتصور أن يقال‬
‫ّ‬ ‫أيضا‪ .‬وال‬
‫فكما يجوز أن يكون فعل الصلوة مطلوبا يجوز أن يكون تركها مطلو ًبا ً‬
‫فيه ما يقال في تعلق اإلرادة لذاتها من أن يكون الوجوب باالختيار محقق االختيار‪.‬‬
‫[‪12‬ظ]‬ ‫أيضا القول بأن تعلق الكالم ببعض ما يصح أن يتعلق به ‪/‬لذاته كاإلرادة قول‬
‫[‪]73‬ونقول ً‬
‫ألن معنى صحة التعلق بالشيء وإمكانه أن ال يكون التع ّلق مقتضي ذات ما ّ‬
‫يصح‬ ‫بالمتناقضين‪ّ .‬‬
‫اتصافه بالتعلق‪ .‬إذ معنى اإلمكان المقيس إلى الوجود هو معنى اإلمكان الذي هو من جهات‬
‫صرح به الفاضل الشريف في بعض‬‫القضايا وال فرق بينهما ّإل في الخصوص والعموم كما ّ‬
‫مصنفاته‪ .‬وال شك أن معنى إمكان الوجود والعدم أن ال تقتضي الماهية شي ًئا منهما‪ .‬فعلى هذا‬
‫القياس معنى صحة التعلق بالفعل والترك أن ال يقتضي التعلق بهما‪.‬‬
‫[‪]74‬وليس المراد باإلمكان والصحة في قوله‪" :‬تعلق الكالم ببعض دون بعض" أي ما‬
‫يصح تعلقه ببعض دون بعض اإلمكان العام المق ّيد بجانب الثبوت ّ‬
‫ألن الترك والفعل مندرجان‬ ‫ّ‬
‫فيما يصح التعلق به‪.‬‬
‫جوزوا كون صفة الكالم واإلرادة متعلقة لذاتها ببعض ما‬
‫أيضا أن األشاعرة اذا ّ‬
‫[‪]75‬ونقول ً‬
‫يصح أن يتعلق به دون بعض يلزمهم أن يجوزوا كون الماهية مقتضية لوجودها مع صحة اتصافها‬
‫ّ‬

‫‪ 158‬ط‪ :‬ثابت‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫بالعدم‪ .‬والفرق بين الوجود والعدم اللذين يصح اتصاف الماهية بأحدهما ً‬
‫بدل عن اآلخر وبين‬
‫تعلق الكالم بالفعل أو الترك وتعلق اإلرادة بهذا الضد أو ذاك الضد‪ .‬في أن كل واحد منهما صحة‬
‫اتصاف الشيء بأحد المتقابلين ً‬
‫بدل عن اآلخر‪ .‬فاذا لم يناف الصحة الثانية لعلية ما له الصحة‬
‫لترجيح خصوصية إحدى الصفتين من التعلقين لم يناف الصحة األولى لعلية الماهية لترجيح‬
‫الوجود‪ ،‬وخصوصية الصفة مما ال مدخل له‪ 159‬في جواز الترجيح بديهة‪ .‬وحينئذ يلزمهم انسداد‬
‫باب إثبات الصانع‪.‬‬
‫وأما األدلة المنقولة فوجوه‬
‫﴿و َهـ َٰذا ِذك ٌْر ُّم َب َار ٌك﴾[األنبياء‪ ]50/21 ،‬وهذا إشارة‬
‫[‪]76‬األول‪ :‬القرآن ذكر لقوله تعالى‪َ :‬‬
‫ّ‬
‫﴿وإِ َّن ُه َل ِذك ٌْر َّل َك َولِ َق ْو ِم َك﴾[الزخرف‪ ]44/43 ،‬والضمير عائد إلى‬
‫إلى القرآن‪ ،‬ولقوله تعالى‪َ :‬‬
‫ث﴾[األنبياء‪]2/21 ،‬‬ ‫القرآن وكل ذكر محدث لقوله تعالى‪﴿ :‬ما ي ْأتِ ِيهم من ِذك ٍْر من رب ِهم محدَ ٍ‬
‫ِّ َّ ِّ ُّ ْ‬ ‫ِّ‬ ‫َ َ‬
‫أن ّ‬
‫كل‬ ‫ث﴾[الشعراء‪ ]5/26 ،‬فإنّهما ّ‬
‫يدلن على ّ‬ ‫وقوله‪﴿ :‬ما ي ْأتِ ِيهم من ِذك ٍْر من الرحمـ ِٰن محدَ ٍ‬
‫ِّ َ َّ ْ َ ُ ْ‬ ‫ِّ‬ ‫َ َ‬
‫أن في المركّبات التقييد ّية إشارة إلى النسب‬ ‫ألن المحدث وإن كان صفة للذكر ّإل ّ‬ ‫ذكر محدث‪ّ .‬‬
‫الخبر ّية‪ .‬فهي بذلك االعتبار يحتمل الصدق والكذب وإن لم يحتملهما باعتبار مفهومهما‪.‬‬
‫وبمالحظة تلك النسبة الخبر ّية التي أشير إليها في ذكر محدث جعال دليلين للكبرى‪ ،‬واليخفى‬
‫عليك أن هذا الدليل إنما يدل على أن الذكر اآلتي المنزل على الرسول محدث وال يدل على ّ‬
‫أن‬
‫قائما بالبارئ ‪/‬غير‬
‫قديما ً‬
‫كل فرد من أفراد الذكر محدث‪ .‬فإنه يجوز أن يكون بعض أفراد الذكر ً‬ ‫[‪13‬و]‬

‫قابل نفسه لإلتيان والنزول المتناع نزول مح ّله‪ .‬ويكون بعض أفراده المماثل لذلك الفرد القديم‬
‫المشترك معه في صحة إطالق القرآن عليه أعني الفرد اآلتي المنزل على الرسول بنزول محله‬
‫حاد ًثا‪ .‬فعلى هذا ال يدل ما ذكروه على أن الكالم اللفظي مطل ًقا حاد ًثا كما أنّه ال يدل على أن‬
‫وأيضا لم ال يجوز أن يكون محدث صفة مقيدة‪ 160‬مثل قولك "ما يأتي زيدا من‬
‫النفسي حادث‪ً ،‬‬
‫األول‪.‬‬ ‫رجل عالم ّإل يكرمه"‪ ،‬فهذا ال يدل على ّ‬
‫أن كل رجل عالم وكذا ّ‬
‫[‪]77‬وال ّثاني‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬إِن ََّما َق ْو ُلنَا لِ َش ْي ٍء إِ َذا َأ َر ْدنَا ُه َأن َّن ُق َ‬
‫ول َل ُه كُن َف َيك ُ‬
‫ُون﴾[النحل‪،‬‬
‫ُون﴾[يس‪]82/36 ،‬‬ ‫ول َل ُه كُن َف َيك ُ‬ ‫‪ ]40/16‬وقوله تعالى‪﴿ :‬إِن ََّما َأ ْم ُر ُه إِ َذا َأ َرا َد َش ْي ًئا َأن َي ُق َ‬

‫‪ 159‬أ ط ق‪ :‬لها‪.‬‬
‫‪ 160‬أ‪ :‬مقررة‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫وصاحب المواقف سها في نقله اآلية فقال ال ّثاني قوله تعالى‪" :‬إنّما امرنا اذا اردنا شي ًئا أن نقول‬
‫ألن نظم اآلية في سورة النحل على ما نقلناه ّأو ًل وفي سورة يس على ما نقلناه‬ ‫له كن فيكون" ّ‬
‫األبهري في شرحه‪ 161‬إلى كون ما ذكر في المواقف سهوا حيث نقل اآليتين على ما‬
‫ّ‬ ‫ثان ًيا‪ ،‬وأشار‬
‫عما نقله المواقف‪ ،‬وأنا ّ‬
‫أتعجب من الفاضل الشريف حيث ن ّبه على كون ما وقع‬ ‫نقلناه وعدل ّ‬
‫سهوا وكأنّه‬
‫سهوا ولم ينتبه على كون ما نقله من نظم اآلية ً‬
‫في بعض من النسخ من لفظ القدرة ً‬
‫تركه لظهوره‪.‬‬
‫أن المعنى ّ‬
‫إن الله اذا أراد شي ًئا يقول له كن‬ ‫[‪]78‬ونقول في وجه االستدالل باآليتين‪ّ ،‬‬
‫فيكون‪ ،‬قوله‪" :‬كن" و هو قسم من الكالم ّ‬
‫متأخر عن اإلرادة الواقعة في االستقبال لكونه جزآء له‬
‫ً‬
‫حاصل قبل وجود الشيء لداللة الفآء على الترتيب بال مهلة وكالهما يوجب الحدوث‪.‬‬ ‫ويكون‬
‫خصوصا اذا كان ذلك الشيء حاد ًثا واق ًعا‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ألن ّ‬
‫التأخر الزماني عن الشيء يوجب الحدوث‬
‫أيضا داللته على‬ ‫في االستقبال‪ .‬وأ ّما التقدّ م الزماني على الكائن الحادث بمدة يسيرة فظاهر ً‬
‫الحدوث‪ .‬هذا اذا كان اذا شرط ّية وأ ّما اذا كانت ظرفي ًة فتوجيهه أن يقال ّ‬
‫إن قولنا مبتدأ واذا أردناه‬
‫ظرف زمان له دال على االستقبال‪ّ .‬‬
‫ألن اذا موضوعة له وأن يقول خبر المبتدأ وهو في تأويل‬
‫المصدر‪ .‬كأنّه قيل إنّما قولنا لشيء حين أردناه وهو قولنا له "كن" واذا كان قول "كن" هو األمر‬
‫الواقع في زمان االستقبال يكون حاد ًثا فيه‪.‬‬
‫[‪]79‬فإن قلت‪ :‬يمكن أن يستدل باآليتين على قدم الكالم بأن يقال إنها تدل على أن مصدر‬
‫كل الحوادث قول "كن" فلو كان "كن" من الحوادث لكان له قول آخر هو "كن" فيتسلسل‪ .‬فال بدّ‬
‫قديما إذ ال قائل بالفصل‪.‬‬
‫أيضا ً‬
‫قديما فيكون سائر كالمه ً‬
‫أن يكون "كن" ً‬
‫[‪]80‬قلنا‪ :‬اآلية إنّما تدل على أن مصدر األشياء التي تتعلق اإلرادة بإيجادها وإحداثها قوله‪:‬‬
‫قديما ال تتعلق اإلرادة بإيجاده إذ القديم يمتنع أن يكون مرا ًدا‪،162‬‬ ‫"كُن" ال كل األشياء‪ّ .‬‬
‫فإن "كن" اذا كان ً‬

‫‪ 161‬ســيف الديــن أحمــد األبهــري (ت‪ .‬؟)‪ ،‬شــرح المواقــف‪ ،‬مكتبــة الســليمانية فــي إســطنبول‪ ،‬قســم اللــه لــي‪ ،‬رقــم ‪ ،2372‬ورق‬
‫‪...[ .213‬وفــي بعــض نســخ المتــن الســتوى إلــى المتعلقــات العلــم والقــدرة؛ وبتصويــب ســقاط لفــظ القــدرة ّ‬
‫ألن القــدرة‬
‫ـح تعلقاتــه بخــاف العلــم]‬
‫ليســت واجبــة التعلــق بجميــع مــا يصـ ّ‬
‫‪ 162‬ط ق م ف ‪ -‬؛ أ ‪ +‬اآليــة إنمــا تــدل علــى أن مصــدر األشــياء التــي تتعلــق اإلرادة بإيجادهــا وإحداثهــا قولــه‪ُ " :‬كــن" ال كل األشــياء‬
‫قديمــا ال تتعلــق اإلرادة بإيجــاده إذ القديــم يمتنــع أن يكــون مــرا ًدا‪.‬‬
‫فــإن "كــن" اذا كان ً‬

‫‪60‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫المراد بـ"شي ًئا" هو الشيء الذي يكون إيجاده ‪/‬بطريق األمر والقول ال ّ‬ ‫[‪13‬ظ]‬
‫كل الحوادث‪ .‬وال يلزم أن يكون‬
‫"كن" من تلك الحوادث حتى يلزم أن يكون إيجاده ب"كن" فيلزم التسلسل‪.163‬‬
‫مجازا عن سرعة اإليجاد وسهولته على الله تعالى وكمال‬
‫ً‬ ‫ثم نقول‪ :‬إن جعل هذا الكالم‬ ‫َّ‬
‫ً‬
‫تمثيل للغائب أعني تأثير قدرته في المراد بالشاهد أعني أمر المطاع للمطيع في حصول‬ ‫قدرته‬
‫المأمور به من غير امتنا ٍع وتوقف وال افتقار إلى مزاولة ٍ‬
‫عمل واستعمال آلة‪.‬‬
‫[‪]82‬وقيل‪ :‬ليس ههنا قول وال كالم وإنّما وجود األشياء بالخلق والتكوين مقرونا بالعلم‬
‫‪165‬‬
‫والقدرة واإلرادة‪. 164‬وهو الذي اختاره أكثر المفسرين وذهب إليه صاحب ّ‬
‫الكشاف مع حرصه‬
‫على إبطال كالم أئمتنا وسعيه في التشبث بما يمكن أن يتشبث به‪ .‬لذلك لم يكن للمعتزلة في‬
‫اآليتين حجة علينا وال يكون فيهما داللة على حدوث شيء من اللفظي والنفسي‪.‬‬
‫[‪]83‬وإن قيل‪ :‬أنه حقيقة وأنه تعالى أجرى سنته في تكوين األشياء أن يكونها بهذه الكلمة‬ ‫ْ‬
‫﴿وإِ َذا َل ُقوا ا َّل ِذي َن‬ ‫ْ‬
‫وإن لم يمتنع تكوينها بغيرها‪ .‬وجعل "اذا" ههنا لالستمرار كما في قوله‪ :‬تعالى َ‬
‫آ َمنُوا َقا ُلوا آ َمنَّا﴾ اآلية [البقرة‪.]14/2 ،‬‬
‫وقيل‪ :‬معنى اآلية‪ ،‬اذا استمر إرادته وتعلقها بإيجاد الحادث في األزل فإن هذا االستمرار‬
‫مذهبنا في تعلق اإلرادة‪.‬‬
‫وإن كان لالستقبال ّإل أنّه لم يرد هناك ذلك المعنى؛ بل استعمل في‬ ‫إن "اذا" ْ‬ ‫وقيل‪ّ :‬‬
‫فإن األمور األزل ّية التي نسبتها إلي جميع األزمنة على السوية وليس لها‬ ‫مجرد التعلق الشرطي‪ّ .‬‬
‫بزمان دون زمان‪ .‬اذا ع ّبر عنها بما يدل على اختصاصها به يصرف الكالم عن ظاهره‬ ‫ٍ‬ ‫اختصاص‬
‫َاك﴾ إلخ‪[ .‬الفتح‪]8/48 ،‬‬ ‫كما قيل مثله في قوله تعالى‪﴿ :‬إِنَّا َأ ْر َس ْلن َ‬

‫يصح أن يقال إن‬ ‫[‪]84‬وقيل‪ :‬ليس يلزم أن يكون الجزاء ّ‬


‫متأخ ًرا بالزمان عن الشرط‪ .‬ولذلك ّ‬
‫كانت الشمس طالع ًة فالنهار موجود‪ .‬وقيل‪ :‬الفآء في فيكون ليس للتعقيب الزماني؛ بل لمجرد‬
‫الترتيب العقلي‪ .‬والتأخر الذاتي فإنّها ر ّبما يستعمل فيه كما يقال وجد السواد فقام بالمحل‪ّ .‬‬
‫وإن‬

‫‪ 163‬أ ‪ -‬المــراد بشــيء هــو الشــيء الــذي يكــون إيجــاده بطريــق األمــر والقــول ال ّ‬
‫كل الحــوادث وال يلــزم أن يكــون "كــن" مــن تلــك‬
‫الحــوادث حتــى يلــزم أن يكــون إيجــاده بـ"كــن" فيلزم التسلســل‪.‬‬
‫‪ 164‬ط ‪ -‬واإلرادة‪.‬‬
‫‪ 165‬ل‪ :‬فرصه‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫متأخرا بالزمان عن الوجود ولم يكن فيما ذكروه داللة على حدوث الكالم ال اللفظي‬
‫ً‬ ‫القيام ليس‬
‫وال النفسي‪ .‬وما ذكره في المواقف من ّ‬
‫أن اآليتين تدالن على حدوث اللفظ الذي ال تنازع فيه‬
‫وجعل "اذا"‬
‫يدل على أنّه حمل اآليتين على ما يتبادر منهما من حمل كلمة "كن" على نفس اللفظ ُ‬
‫جائزا لكن في غير‬
‫ألن حدوث اللفظ وإن كان ً‬‫لالستقبال والفآء للتعقيب الزماني وهو مشكل‪ّ .‬‬
‫[‪14‬و]‬ ‫ذات الله تعالى وأما فيها فال‪ .‬ومقتضي اآلية على تقدير ‪/‬أن يحمل على ما حمل عليه حدوث‬
‫اللفظ في ذات الله تعالى‪ّ .‬‬
‫ألن الجزاء هو التكلم بقول "كن" إذ معنى "أن يقول له كن" أن يتكلم‬
‫ب"كن" فيلزم حدوث اللفظ فيه تعالى‪.‬‬
‫﴿وإِ ْذ َق َال َر ُّب َك لِ ْل َم َل ِئك َِة﴾[البقرة‪" ]30/2 ،‬وإذ" ظرف‬
‫[‪]85‬والوجه ال ّثالث‪ :‬قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ٍ‬
‫بزمان مع ّين محدث‪.‬‬ ‫مختصا بزمان مع ّين والمختص‬ ‫زمان ماض فيكون قوله الواقع في هذا الزمان‬
‫ًّ‬
‫بأن هذا إنّما يدل على حدوث اللفظي دون النفسي كما وقع في المواقف مشكل ً‬
‫أيضا‪.‬‬ ‫والقول ّ‬
‫اللهم ّإل أن‬
‫ّ‬ ‫ألن داللته على حدوث التكلم وتجدده وهو يستلزم حدوث صفة الكالم القائم به‪.‬‬ ‫ّ‬
‫يحمل التكلم في اآليتين على معنى إيجاد الكالم وهو الذي هربوا عنه فتأ ّمل‪ .‬ويمكن أن يقال‬
‫ٍ‬
‫بزمان مع ّين هو زمان ظهور اللفظ‬ ‫في الجواب عن هذا الوجه‪ّ ،‬‬
‫بأن المراد مقارنة مطلق الطلب‬
‫الدال على ذلك الطلب ال الظرفية الحقيقية‪ .‬وظاهر أن القديم يقارن جميع األزمنة وتخصيص‬
‫المقارنة ههنا بخصوص ّية ذلك الزمان الظاهر فيه لفظ "اسجدوا" لكون الطلب والدال عليه من‬
‫اللفظ ظاهرين للملئكة فيه‪ 166‬دون سائر األزمان‪.167‬‬
‫َاب ُأ ْح ِك َم ْت آ َيا ُت ُه ُث َّم ُف ِّص َل ْت﴾[الهود‪ ]1/11 ،‬فإنّه يدل على ّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫الرابع‪﴿ :‬كت ٌ‬
‫[‪]86‬والوجه ّ‬
‫القرآن مركّب من اآليات التي هي أجزآء متعاقبة فيكون حاد ًثا‪ .‬والجواب‪ّ :‬‬
‫إن المراد بالكتاب‬
‫كل فرد من القرآن‪ .‬فال يكون ما ذكر ً‬
‫دال على حدوث اللفظي مطل ًقا كما ال‬
‫‪168‬‬ ‫الفرد المنزل ال ّ‬
‫يدل على النفسي‪.‬‬
‫ـه﴾[التوبة‪ ]6/9 ،‬فأنّه يدل على ّ‬
‫أن‬ ‫والخامس‪ :‬من قوله تعالى‪﴿ :‬حتَّى يسمع ك ََلم ال َّل ِ‬
‫َ‬ ‫َ ٰ َْ َ َ‬
‫ألن المسموع ال يكون ّإل حر ًفا وصوتًا‪ .‬والجواب‪ :‬المراد بكالم‬ ‫كالمه مسموع فيكون حاد ًثا ّ‬

‫‪ 166‬أ ‪ +‬حينئذ‪.‬‬
‫‪ 167‬أ‪ :‬األوقات‪.‬‬
‫‪ 168‬ط ‪ -‬ال‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫الله هو المنزل ال الفرد القائم به تعالى وال شك في حدوثه‪ .‬وال يلزم منه أن يكون ّ‬
‫كل فرد من‬
‫اللفظي حاد ًثا كما ال‪ 169‬يلزم أن يكون النفسي حاد ًثا‪.‬‬
‫السادس‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬إِنَّا َأ َنز ْلنَا ُه ُق ْرآنًا َع َربِ ًّيا﴾[يوسف‪ ]2/12،‬فإنّه يدل‬
‫[‪]87‬والوجه ّ‬
‫أن كالم الله تعالى يكون عرب ًّيا تارة وعبر ًّيا أخرى فيكون متغ ّيرا وذلك دليل لحدوثه‪ ،‬هكذا‬ ‫على ّ‬
‫قال في شرح المواقف‪ 170.‬وأنت خبير بأنّه إن أراد بقوله‪" :‬كالم الله يكون عرب ًّيا" إلخ ّ‬
‫إن نوع‬
‫القرآن اللفظي قد يوجد في ضمن اللفظي العربي وقد يوجد في ضمن العبري أو‪ 171‬إن الفرد‬
‫اللفظي للقرآن قد يكون عرب ًّيا وقد يكون عبر ًّيا ففسادهما واضح‪.‬‬
‫[‪]88‬ألن نوع القرآن ليس ّإل هذا المؤلف المخصوص المفتتح بالتحميد المختتم‬
‫ّ‬
‫باالستعاذة مع قطع النظر عن تعيين محله‪ .‬وإنّما وضع لفظ القرآن لهذا النوع وال ينفك عنه‬
‫العربية‪/ 172،‬وال يحتمل أن يكون عبر ًّيا تارة أخرى‪ .‬وكذا الحال في الفرد اللفظي الذي اخترعه‬ ‫[‪14‬ظ]‬

‫الله في لسان الملك أو النبي‪ .‬ليس ّإل عرب ًّيا‪ ،‬وال يحتمل أن يكون عبريا‪ْ .‬‬
‫وإن أراد الكالم اللفظي‬
‫قد يكون عبر ّيا وقد يكون عرب ًّيا فما ذكره ال يفيده ً‬
‫أصل‪ .‬ألنّه ال يدل على أن اللفظي المخصوص‬
‫يدل على ّ‬
‫أن الكالم اللفظي‪ 174‬قد يتحقق في‬ ‫يتوارد عليه العبرية ويتصف‪ 173‬بالعربية؛ بل إنّما ّ‬
‫ضمن العربي ويتصف بالعربية‪ 175‬في ضمن بعض أفراده وقد يتحقق في ضمن العبري ويتصف‬
‫بالعبرية في ضمن بعض أفراده‪ .‬وهذا ال يقتضي حدوث مطلق اللفظي ّإل إذا ثبت أن العربية‬
‫‪177‬‬ ‫والعبرية متحدان‪ 176‬وهو ممنوع‪ّ ،‬‬
‫فإن من يزعم أن اللفظي قديم يقول بأزليتهما‪.‬‬

‫‪ 169‬ط ‪ -‬ال‪.‬‬
‫‪ 170‬شرح المواقف للجرجاني‪.138 /3 ،‬‬
‫‪ 171‬أ ‪ +‬أراد‪.‬‬
‫‪ 172‬أ ‪ +‬وال يحتمــل أن يكــون عبر ّيــا وإن أراد أن الــدال علــى القــرآن قــد يكــون عرب ّيــا وقــد يكــون عبر ّيــا فمــا ذكــره إنّمــا يفيــد كــون‬
‫ـدل علــى أن نفســه متغيــر؛ بــل نقــول‪ :‬مــا ذكــره إنمــا يفيــد تغيــر صفــة الداللــة وقصــد‬ ‫ـدل ويـ ّ‬‫الــدال علــى القــرآن متغ ّيـ ًـرا ومتبـ ً‬
‫ـري الــدال علــى المعنــى القائــم بــه تعالــى مــن الــكالم النفســي أو العلــم‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫العب‬ ‫ـظ‬
‫ـ‬ ‫اللف‬ ‫ّ‬
‫ـإن‬
‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـدال‪،‬‬‫الداللــة علــى المعنــى ال ذات الـ‬
‫واإلرادة علــى اختــاف الرأييــن ال يرتفــع وال يتغ ّيــر قصــد الداللــة علــى ذلــك المعنــى القائــم بــه باللفــظ العربــي‪.‬‬
‫‪ 173‬ط م ف ‪ | -‬أ ‪ +‬ويتصف‪.‬‬
‫‪ 174‬أ ل ‪ -‬إنّما ّ‬
‫يدل على ّ‬
‫أن الكالم اللفظي‪.‬‬
‫‪ 175‬ف‪ :‬العبرية‪.‬‬
‫‪ 176‬أ ل ف‪ :‬متجددتان‪.‬‬
‫‪ 177‬أ ‪ -‬وال يحتمــل أن يكــون عبر ّيــا تــارة أخــرى وكــذا الحــال فــي الفــرد اللفظــي الــذي اخترعــه اللــه فــي لســان الملــك أو النبــي‬
‫ليــس ّإل عرب ًيــا؛ وال يحتمــل أن يكــون عبريــا ْ‬
‫وإن أراد الــكالم اللفظــي قــد يكــون عبريــا وقــد يكــون عربيــا فمــا ذكــره ال يفيــده‬

‫‪63‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫أن القرآن معجز إجما ًعا ويجب مقارنته للدعوى حتى يكون تصدي ًقا‬ ‫والوجه السابع‪ّ :178‬‬
‫قديما ساب ًقا‬
‫للمدعى في دعواه فيكون حاد ًثا مع حدوثها‪ .‬وإن لم يكن مقارنًا لها حاد ًثا معها يكون ً‬
‫عليها فال اختصاص له بذلك المدعي وتصديقه‪.‬‬
‫[‪]89‬والجواب‪ :‬إن المعجز المتحدي به هو هذا المؤ ّلف المخصوص الكلي المتعدد‬
‫األفراد بحسب تعدد محا ّله مع قطع النظر عن خصوصية المحل ال خصوصية الفرد من حيث‬
‫هي خصوصية بأن يكون لتلك الخصوصية والتشخص الناشي من المحل مدخال في اإلعجاز‬
‫والتحدي‪ ،‬وال شك أنّه يكفي في إعجاز ذلك الكلي حدوث فرد منه ومقارنته للدعوى‪ .‬وال يلزم‬
‫أن يكون كل فرد منه حادثا ومقارنا للدعوى ويجوز أن يكون الفرد القائم بالرسول حاد ًثا ومقارنًا‬
‫قائما بالبارئ وبعضه اآلخر حاد ًثا ساب ًقا على الدعوى كالقائم‬
‫قديما ً‬
‫للدعوى ويكون بعض أفراده ً‬
‫قديما ساب ًقا عليها" منع ظاهر‬
‫بجبرائيل قبل اإلنزال‪ ،‬وفي قوله‪" :‬لو لم يكن حاد ًثا مقارنًا لها يكون ً‬
‫لجواز أن يكون حاد ًثا ساب ًقا عليها‪ .‬ويجب أن يجعل ذلك مبن ًّيا على أن ال قائل بالفصل‪ً ،‬‬
‫وأيضا‬
‫أنّهم يقولون الكالم الذي ك ّلم الله به ما خلقه في جبريل في اللوح وهو غير حادث مع الدعوى‪.179‬‬
‫والوجه ال ّثامن‪ّ :‬‬
‫إن الله تعالى وصف القرآن بأنّه منزل وتنزيل وذلك يوجب حدوثه الستحالة‬
‫االنتقال باإلنزال والتنزيل على الصفات القديمة القآئمة بذاته تعالى‪.‬‬
‫رب طه ويس﴾‬
‫‪180‬‬
‫﴿يارب القرآن العظيم ويا ّ‬
‫ّ‬ ‫والوجه التّاسع‪ :‬قوله عليه الصلوة والسالم‪:‬‬
‫وبعضا والمربوب محدث اتفا ًقا‪ .‬وجوابهما‪ّ :‬‬
‫إن المراد أن القرآن الذي ظهر بيد‬ ‫ً‬ ‫كل‬ ‫فإنّه مربوب ّ‬
‫أن ّ‬
‫كل أفراده كذلك فال يلزم أن‬ ‫الرسول وحمله جبريل هو منزل وتنزيل ومربوب وليس المراد ّ‬
‫يكون ّ‬
‫كل فرد من اللفظي والنفسي حاد ًثا‪.‬‬

‫أصــا‪ .‬أل ّنــه ال يــدل علــى أن اللفظــي المخصــوص يتــوارد عليــه العبريــة ويتصــف بالعربيــة؛ بــل إنّمــا يـ ّ‬
‫ـدل علــى ّ‬
‫أن الــكالم‬
‫اللفظــي قــد يتحقــق فــي ضمــن العربــي و يتصــف بالعربيــة فــي بعــض أفــراده وقــد يتحقــق فــي ضمــن العبــري ويتصــف‬
‫بالعبريــة فــي ضمــن بعــض أفــراده وهــذا ال يقتضــي حــدوث مطلــق اللفظــي ّإل إذا ثبــت أن العربيــة والعبريــة متحــدان وهــو‬
‫ممنــوع؛ فـ ّ‬
‫ـإن مــن يزعــم أن اللفظــي قديــم يقــول بأزليتهمــا‪.‬‬
‫‪ 178‬أ‪ :‬السادس‪.‬‬
‫وأيضــا أنّهــم يقولــون الــكالم الــذي كلــم اللــه بــه مــا خلقــه فــي جبريــل فــي اللــوح وهــو غيــر حــادث مــع‬
‫‪ 179‬ط م ف ل ‪ |-‬أ ‪ً +‬‬
‫الدعــوى‪.‬‬
‫‪ 180‬لــم أعثــر علــى هــذه الروايــة فــي كتــب األحاديــث المســندة؛ لكــن يقــال عنــه أن النبــي صلــى اللــه عليــه وســلم كان يقــول‬
‫فــي دعائــه‪( :‬يــا رب! "طــه" و"يــس" ويــا رب القــرآن العظيــم )؛ قــال ابــن تيميــة رحمه اللــه فــي الفتــاوى الكبــرى‪" :493/6 ،‬ال‬
‫خــاف بيــن أهــل العلــم بالحديــث أن هــذا الحديــث كــذب علــى رســول اللــه صلــى اللــه عليــه وســلم" انتهــى‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫إن الله تعالى أخبر بلفظ الماضي نحو ﴿إِنَّا َأ َنز ْلنَا ُه﴾[يوسف‪]2/12 ،‬‬
‫والوجه العاشر‪ّ :‬‬
‫قديما لكان كذ ًبا‬
‫"وإنّا أرسلناه"‪ . 181‬وال شك ‪/‬أنّه ال إنزال وال إرسال في األزل فلو كان كالمه ً‬ ‫[‪15‬و]‬
‫إن تلك‬ ‫ماض بالقياس إلى األزل‪ .‬والجواب‪ّ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫يتصور ما هو‬
‫ّ‬ ‫ألنّه إخبار بالوقوع في الماضي وال‬
‫اإلخبار متروكة الظاهر ولم يرد بها المضي الحقيقي؛ بل الحكمة اقتضت التعبير بتلك األلفاظ‪.‬‬
‫أيضا‪ ،‬وال يخفي عليك أنّه لو س ّلم داللة ما ذكر على‬
‫فعلى هذا ال يدل ما ذكر على حدوث اللفظ ً‬
‫حدوث اللفظ ينبغي أن يسلم داللته على حدوث النفسي‪ ،‬بال فرق فتسليم األولى دون الثانية كما‬
‫في المواقف تحكم‪.‬‬
‫[‪]90‬بيان ذلك أنّه إ ّما أن يسلم كون المضي ومعاني تلك اإلخبار الحقيقية مرادة منها أو ال‪،‬‬
‫أيضا‪ .‬إذ معنى‬‫أيضا بديهة‪ ،‬وعلى األول‪ :‬يلزم حدوث النفسي ً‬ ‫فعلى ال ّثاني‪ :‬ال يلزم حدوث األلفاظ ً‬
‫معتبرا في المعنى النفسي حينئذ؛ إذ ليس النفسي ّإل مدلول اللفظي وما يع ّبر عنه به‪.‬‬
‫ً‬ ‫المضي يكون‬
‫ولو كان المعنى النفسي المعتبر فيه معنى المضي أزل ّيا لكان النفسي كاذبا لعدم الماضي بالنسبة إلي‬
‫األزل‪.‬‬
‫والوجه الحادي عشر‪ :‬النسخ حق بإجماع األمة وواقع في القرآن وهو رفع أو انتهاء‪ .‬وال‬
‫ألن ما ثبت قدمه يمتنع عدمه‪ .‬والجواب‪ :‬ليس المراد بالرفع‬ ‫يتصور شيء منهما في القديم‪ّ .‬‬
‫واالنتهاء ّإل زوال وانتهاء ما يظن من تعلق الطلب بالمستقبل بمعنى أنه لوال الناسخ لكان‬
‫في عقولنا ظ ّن بقاء التعلق الماضي في المستقبل‪ .‬وليس‪ 182‬المراد زوال ذات الطلب واللفظ‬
‫إن المصنّف أجاب عن الكل بأنّه إنّما يدل على حدوث اللفظ دون المعنى‪ ،‬وما‬ ‫ثم ّ‬
‫وانتهائهما‪ّ .‬‬
‫بأن األدلة المذكورة أظهر في حدوث اللفظ من حدوث النفسي‪ ،‬وال يخفى على‬ ‫ذكره يشعر ّ‬
‫المنصف ّ‬
‫أن األمر ليس كذلك في الدليلين األخيرين‪.‬‬
‫أ ّما الدّ ليل العاشر‪ :‬فإنّه ال فرق بين النفسي والفظي في عدم الداللة على حدوثهما في نفس‬
‫األمر وداللتهما عليه بحسب الظاهر‪.‬‬
‫وأ ّما الحادي عاشر‪ّ :‬‬
‫فألن النسخ بحسب الشرع على ما عرفوه أن يرد دليل شرعي متراخ ًيا‬
‫عن دليل شرعي آخر مقتض ًيا خالف حكمه‪ .‬وهو يقتضي أن يكون االرتفاع أو االنتهاء في حكم‬
‫الدليل الشرعي الذي هو المعنى النفسي ال في الدليل الشرعي الدال على ذلك الحكم هذا‪.‬‬

‫‪ 181‬لعله اقتصر لكثرة وروده يقصد به هذه اآلية‪﴿ :‬إِنَّا َأرس ْلنَاك﴾[البقرة‪.]119/2 ،‬‬
‫‪ 182‬ط ‪ -‬ليس‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫[‪]91‬واعلم ّ‬
‫أن ما ذكره في المواقف من األدلة العقلية وبعض النقلية على الوجه الذي‬
‫ذكره‪ 183‬مما يخالفه ما قاله‪ 184‬الفاضل الشريف في حاشيته للكشاف‪" :‬اعلم ّ‬
‫أن للمعتزلة على‬
‫[‪15‬ظ]‬ ‫ً‬
‫ودليل‬ ‫دليل عقل ًّيا وهو تركّبه من أجزآء ممتنعة االجتماع ‪[ /‬في الوجود]‬ ‫حدوث القرآن ً‬
‫فاألول‪:‬‬ ‫سمعيا هو نحو قوله تعالى‪﴿ :‬ما ي ْأتِ ِيهم من ِذك ٍْر من رب ِهم محدَ ٍ‬
‫ث﴾[األنبياء‪]2/21 ،‬‬
‫ّ‬ ‫ِّ َّ ِّ ُّ ْ‬ ‫ِّ‬ ‫َ َ‬ ‫ًّ‬
‫استدالل بما علم اتصافه به عقال‪ ،‬وال ّثاني‪ :‬استدالل عليه بما ورد في الشرع ّ‬
‫ودل على حدوثه‬
‫ال على اتصافه بما يوجب حدوثه كما توهم هذا القائل"‪ ،185‬وقوله‪" :‬وهو تركبه" يشعر بانحصار‬
‫الدليل العقلي في التركيب المذكور وهو مخالف لما في ذلك الكتاب من قوله‪" :‬وأ ّما المعقول‬
‫وأيضا جعل التركيب المذكور مستفا ًدا من العقل في‬ ‫فوجهان"‪ .186‬ولع ّله أراد وهو نحو تركبه‪ً ،‬‬
‫َاب ُأ ْح ِك َم ْت آ َيا ُت ُه‬ ‫ِ‬
‫الحاشية‪ 187‬وجعله في شرح المواقف مستفا ًدا من األدلة النقلية حيث قال‪﴿ :‬كت ٌ‬
‫أن القرآن مركّب من اآليات التي هي أجزاء متعاقبة‪.‬‬‫يدل على ّ‬‫ُث َّم ُف ِّص َل ْت﴾[الهود‪ ]1/11 ،‬فإنّه ّ‬
‫فإنّه تصريح ّ‬
‫بأن تركبه من األجزاء المتعاقبة مما استدل عليه بالدليل النقلي‪ .‬والظاهر أنه بني ما‬
‫ذكره في الحاشية ّ‬
‫أن القرآن أمر حسي يعلم تركبه من تلك األجزاء بال استعانة بالشرع‪.‬‬
‫[‪]92‬وأقول‪ّ :‬فرق بين كون القرآن الذي كالم الله مرك ًبا وبين كون هذا المؤ ّلف المشار إليه‬
‫الحس ال يستلزم‬
‫ّ‬ ‫فإن األحكام تختلف باختالف العنوان وكون الحكم ال ّثاني مستفا ًدا من‬ ‫مر ّك ًبا؛ ّ‬
‫األول مستفا ًدا منه ومن‪ 188‬حكم ّ‬
‫بأن الحكم بتركّبه من تلك األجزاء شرعي جعل عنوان‬ ‫أن يكون ّ‬
‫الحكم مفهوم القرآن الذي هو كالم الله وهو الذي قصدوا إثباته في الكتب الكالم ّية وأوردوا في‬
‫إثباته الدليل النقلي‪ .‬وهو مراد صاحب المواقف ولذلك أورد تلك اآلية في إثباته‪.‬‬
‫[‪]93‬واعلم أن ما أورده في الحاشية من قوله وهو نحو‪َ ﴿ :‬ما َي ْأتِ ِيهم ِّمن ِذك ٍْر ِّمن َّر ِّب ِهم‬
‫ودل على‬ ‫إن أراد به انحصار دليلهم السمعي فيما ورد في الشرع ّ‬ ‫ث﴾[األنبياء‪ْ ]2/21 ،‬‬ ‫محدَ ٍ‬
‫ُّ ْ‬
‫ث﴾[األنبياء‪ ]2/21 ،‬فال نسلم‬ ‫حدوثه مثل قوله تعالى‪﴿ :‬ما ي ْأتِ ِيهم من ِذك ٍْر من رب ِهم محدَ ٍ‬
‫ِّ َّ ِّ ُّ ْ‬ ‫ِّ‬ ‫َ َ‬

‫‪ 183‬أ ‪ +‬يشــعر بــأن الدليــل العقلــي الــدال علــى حــدوث القــرآن الــذي أوردوه فــي االســتدالل عليــه منحصــر فــي الوجهيــن حيــث‬
‫قــال‪" :‬وأمــا المعقــول فوجهــان"‪.‬‬
‫‪ 184‬أ ‪ -‬مما يخالفه ما قاله‪.‬‬
‫‪ 185‬حاشية الكشاف للجرجاني‪ ،‬مكتبة السليمانية بإسطنبول‪ ،‬قسم الله لي‪ ،‬رقم ‪ ،332‬ورق ‪.3‬‬
‫‪ 186‬أ ‪ +‬ذكر في المواقف من االنحصار على الدليلين المذكورين‪.‬‬
‫‪ 187‬أ ‪ +‬النقلية‪.‬‬
‫‪ 188‬أ‪ :‬والذي‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫ذلك‪ .‬فإنّهم استدلوا بأد ّلة نقل ّية تدل على اتصافه بصفات توجب حدوثه كما ذكر تلك األد ّلة في‬
‫المواقف‪ .‬وهي التي تدل على إنزاله وتنزيله وكونه مسمو ًعا ومربو ًبا‪ْ ،‬‬
‫وإن أراد أن دليلهم السمعي‬
‫هو نحو ذلك في مجرد استفادة الحدوث منه ْ‬
‫وإن لم يكن تلك االستفادة بالذات فبطالن قوله‪:‬‬
‫أتعجب من هذا الفاضل أنه سلم ّأولً‬
‫"ال‪ 189‬على اتصافه بما يوجب حدوثه" مما ال يخفي‪ ،‬وأنا ّ‬
‫دال على ‪/‬حدوث القرآن‪ .‬وأن‬‫كون اإلنزال والتنزيل وما أردفهما به صاحب الكشاف في خطبته ًّ‬ ‫[‪16‬و]‬

‫أن هذه الصفات مما يستفاد من‬‫إظهارا لمذهبه وال شبهة ّ‬


‫ً‬ ‫المصنف استدل بها على حدوث القرآن‬
‫خص السؤال بعدم االستفادة من الشرع بالتأليف والتنظيم دون‬
‫الشرع ال يمكن إنكاره‪ .‬ولذلك ّ‬
‫بأن بعض الدليل السمعي‪ 190‬لهم يدل على اتصافه‬‫أن االعتراف به اعتراف ّ‬
‫سائرهما‪ ،‬وال شبهة ّ‬
‫بما يوجب حدوثه وإنكاره ثان ًيا يخالف له‪.‬‬
‫[‪]94‬هذا هي الكلمات الدائرة في ألسنة القوم ولصاحب المواقف كالم ههنا نقله محصوله‬
‫في شرح المواقف‪:‬‬
‫وهو أن لفظ المعنى يطلق تار ًة على مدلول اللفظ وأخرى على األمر القائم بالغير‪.‬‬
‫فالشيخ األشعري لم ّا قال الكالم هو المعنى النفسي فهم األصحاب منه أن مراده مدلول‬
‫مجازا‪ 191‬لداللتها على‬
‫ً‬ ‫اللفظ وحده وهو القديم عنده‪ .‬وأما العبارات فإنّما يسمى كال ًما‬
‫أيضا لكنّها ليست كالمه‬‫بأن األلفاظ حادثة عنده‪ً 192‬‬‫صرحوا ّ‬ ‫ما هو كالم حقيقي‪ .‬حتى ّ‬
‫حقيقة‪ ،‬وهذا الذي فهموه من كالم الشيخ له لوازم كثيرة فاسدة كعدم إكفار من أنكر‬
‫كالمية ما بين دفتي المصاحف‪ .193‬مع أنّه علم من الدين ضرورة كونه كالم الله تعالى‬
‫حقيقة وكعدم المعارضة والتحدي بكالم الله تعالى الحقيقي وكعدم كون المقروء‬
‫مما ال يخفى على المتفطن في األحكام الدينية‪.‬‬
‫والمحفوظ كالمه حقيقة إلي غير ذلك ّ‬
‫أمرا‬
‫فوجب حمل كالم الشيخ على أنه أراد به المعنى الثاني‪ .‬فيكون الكالم النفسي عنده ً‬
‫قائما بذات الله تعالى‪ .‬وهو مكتوب في المصاحف مقروء‬ ‫ً‬
‫شامل للفظ والمعنى جمي ًعا ً‬
‫باأللسن محفوظ في الصدور وهو غير الكتابة والقراءة والحفظ الحادثة‪ .‬وما يقال‪:‬‬
‫من أن الحروف واأللفاظ مترتبة متعاقبة‪ .‬فجوابه‪ّ :‬‬
‫أن ذلك الترتيب إنّما هو في التلفظ‬

‫‪ 189‬ط ‪ -‬ال‪.‬‬
‫‪ 190‬ط ‪ -‬السمعي‪.‬‬
‫‪ 191‬ل ‪ -‬مجازً ا‪.‬‬
‫‪ 192‬في األصل‪ :‬على مذهبه‪.‬‬
‫‪ 193‬في األصل‪ :‬المصحف‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫بسبب‪ 194‬عدم‪ 195‬مساعدة اآلالت فالتل ّفظ حادث‪ .‬واألدلة الدالة على الحدوث يجب‬
‫حملها على حدوثه دون حدوث الملفوظ‪ 196‬جم ًعا بين األدلة‪ .‬وهذا الذي ذكرناه وإن‬
‫‪197‬‬
‫كان مخال ًفا لما عليه متأخروا أصحابنا ّإل أنّه بعد التأ ّمل يعرف حقيقته‪ّ ،‬‬
‫تم كالمه‪.‬‬

‫[‪]95‬وقال الفاضل الشريف‪" :‬وهذا المحمل من‪ 198‬كالم الشيخ مما اختاره الشيخ محمد‬
‫الشهرستاني في كتابه المسمى بنهاية اإلقدام‪ ،‬وال شبهة في أنه أقرب إلى األحكام الدينية الظاهرية‬
‫المنسوبة إلى قواعد الملة"‪.‬‬
‫[‪]96‬وأقول‪ :‬ال شبهة أن المقروء حقيقة ما قام باللسان من األصوات المكتسبة للعبد أو‬
‫[‪16‬ظ]‬ ‫المخترعة ‪/‬لله القائمة بلسان الملك ال المعنى النفسي والفرد اللفظي القائمين به تعالى‪ .‬ولما‬
‫حكم بكون الكالم اللفظي القائم به تعالى مقرو ًءا حقيقة حيث قال وهو مقروء باأللسن كما‬
‫يدل عليه سوق كالمه‪ .‬علم أن مراده باللفظ القائم بالبارئ الذي حكم بكونه مقرو ًءا باأللسن‬
‫حال في اللسان‪ .‬فإن‬‫ماهية ذلك الفرد القائم به ال نفس الفرد من حيث هي لظهور أنه ال يكون ًّ‬
‫الحال فيه فرد آخر مماثل‪ 199‬له في الماهية‪ .‬ف ّإن الصفة الواحدة بالشخص كيف يتصور حلولها‬
‫في زمان واحد في المحلين؟ وأما الماهية النوعية للفظ فيجوز حلولها فيه في ضمن الفرد الحال‬
‫فيه كما يجوز قيامها بذات البارئ تعالى في ضمن الفرد القائم به‪ ،‬ويحتمل أن يريد بالقرآءة‬
‫والكتابة والحفظ معناها الظاهر‪ .‬ويريد بقوله‪" :‬وهو غير الكتابة والقراءة" إلخ أنه أي نوع الكالم‬
‫اللفظي القائم به ليس نوع الكتابة والقراءة حتى يلزمه الحدوث كما يلزم تلك األنواع‪ ،‬ويريد‬
‫بالتلفظ في قوله‪" :‬يجب حملها على حدوثه" معناه الظاهر‪ ،‬ويحتمل أن يراد بالكتابة النقوش‬
‫ّ‬
‫الحال في اللسان الذي اخترعه الله فيه أو اكتسبه العبد‬ ‫والصور وبالقراءة الصوت و‪200‬الجزئي‬
‫بقدرته الكاسبة‪ ،‬وبالحفظ الصور المخزونة في الخيال‪ ،‬وبالتلفظ القراءة بهذا المعنى‪ .‬ويريد‬
‫‪201‬‬

‫‪ 194‬ل ‪ -‬بسبب‪.‬‬
‫‪ 195‬ل‪ :‬لعدم‪.‬‬
‫‪ 196‬ل ط‪ :‬الفظ‪.‬‬
‫تم كالمه‪.‬‬
‫‪ 1 97‬ل ط ‪ّ -‬‬
‫‪ 198‬في األصل‪ :‬لكالم‪.‬‬
‫‪ 199‬أ‪ :‬مماثلة‪.‬‬
‫‪ 200‬ط ‪ -‬و‪.‬‬
‫‪ 201‬ط‪ :‬يرد‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫بكون القائم بالله غيرها أن ماهية ذلك الفرد القائم به ليس عينها وعدم عينية الكتابة ظاهر‪ .‬وأما‬
‫فألن األصوات الحالة التي أريدت بالقراءة وصورها التي‬‫عدم عينية الكتابة‪ 202‬والقراءة والحفظ ّ‬
‫أريدت بالحفظ جزئيات بخالف تلك الماهية‪ .‬وفيما ذكره بحيث من وجوه‪:‬‬
‫[‪]95‬األول‪ :‬إن حمل جملة األدلة على حدوث التلفظ بعيد عن األذهان السليمة س ّيما اذا‬
‫فإن المربوب ليس تل ّفظ القرآن‪ ،‬بل نفسه‪ .‬وما اتفقوا عليه من‬
‫حمل التلفظ على معناه الظاهر‪ّ .‬‬
‫حدوثه هو نفس المربوب‪ .‬وكذا النسخ انتهاء تعلق الطلب أو رفعه كما سبق ال ارتفاع التلفظ‬
‫‪203‬‬

‫أو انتهاؤه‪.‬‬
‫وأيضا الدليل الثاني‪ :‬ال يدل على حدوث اللفظ والتلفظ وسوق كالمه يدل على أنّه محمول‬
‫ً‬
‫على حدوث أحدهما فتأ ّمل‪.‬‬
‫ألن اللفظ ليس ّإل إلفادة‬
‫األول المعقول يفيد حدوث اللفظ‪ّ .‬‬ ‫ْ‬
‫[‪]96‬فإن قلت‪ :‬الدليل ّ‬
‫المخاطب فائدة‪ .‬ولذلك قالوا من لطف‪ 204‬الله إحداث الموضوعات اللغوية‪ .‬فإنّه لما علم حاجة‬
‫بعضا ما في أنفسهم في أمر معاشهم في المعامالت والمشاركات‬
‫الناس إلى تعريف ‪/‬بعضهم ً‬ ‫[‪17‬و]‬
‫وأمر مع ِ‬
‫ادهم إلفادة المعرفة واألحكام أقدرهم على الصوت وتقطيعه على وجه ّ‬
‫يدل على ما في‬ ‫ََ‬
‫يتصور للموجود‪ .‬واذا كان اللفظ أزل ًّيا يخلو في األزل‬ ‫ّ‬ ‫النفس بسهولة‪ .‬وال شك ّ‬
‫أن اإلفادة إنّما‬
‫سفها فال وجه لحمل كالم األشعري‬ ‫عن ترتّب فائدته له لعدم المخاطب فيكون عب ًثا والتل ّفظ به ً‬
‫على ما حمله عليه‪.‬‬
‫[‪]97‬قلت‪ :‬ما ذكر من فائدة اللفظ إنّما هو بالنظر إلى صدور اللفظ بطريق االختيار‪ .‬ولذلك‬
‫قيل إحداث الموضوعات‪ .‬وأ ّما بالنظر إلى وجود اللفظ بطريق اإليجاب كما هو الالزم لكون‬
‫ألن المع ّلل باألغراض والحكم هو الفعل االختياري دون‬
‫قائما به فال‪ّ .‬‬‫الكالم اللفظي أزل ًّيا ً‬
‫المستند بطريق اإليجاب‪ .‬واذا لم يتعلق األزلي بالحكمة والغرض فخلوه عنهما ال يكون عب ًثا‪،‬‬
‫أصل والكالم األزلي لم يخل عنها ّإل في األزل وأ ّما فيما ال‬
‫وأيضا العبث ما يخلو عن الحكمة ً‬
‫ً‬
‫يزال ّ‬
‫فكل‪.‬‬

‫‪ 202‬ط ‪ -‬الكتابة‪.‬‬
‫‪ 203‬أ ‪ +‬والصوت القائم‪.‬‬
‫‪ 204‬أ‪ :‬نطق‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫فإن قلت‪ :‬ما ذكره ساب ًقا في األجوبة اإلجمال ّية في أد ّلة المعتزلة على حدوث القرآن من‬
‫قائما به تعالى‪.‬‬
‫قديما ً‬
‫حملها على حدوث اللفظ ينافي اختيار كون الكالم اللفظي ً‬
‫[‪]98‬قلت‪ :‬ما ذكره ّأو ًل‪ :‬مبني على ما اختاره القدمآء من كون اللفظي حاد ًثا أو يكون‬
‫المراد باللفظ هناك اللفظ القائم باللسان دون مطلقه‪.‬‬
‫وال ّثاني‪ :‬أنه ال شك ّ‬
‫أن نسبة الذات إلى جميع األلفاظ الموضوعة لطلب الفعل وطلب‬
‫تركه على السوية مثل "كلوا"‪" ،‬وال تأكلوا" كيف؟ ّ‬
‫فإن حسن الفعل وقبحه شرعيان عندهم‪.‬‬
‫ويجوزون أن ينسخ الكتاب ويأتي بدله كتاب آخر‬
‫ّ‬ ‫يجوزون أن يـأمر بفعل وينهي عنه‬
‫وأنّهم ّ‬
‫ناسخ له وإن لم يكن واق ًعا لتأبيد ديننا‪ .‬وال شبهة في جواز كون الكتاب الناسخ كالم الله‬
‫أيضا‪ .205‬فعلى هذا يكون اختصاص بعض األلفاظ به دون بعض بسبب‬
‫من ضرورات الدين ً‬
‫تعلق الطلب بالفعل دون الترك وتعلق إرادته في األزل بإيجاد لفظ دال على ذلك الطلب في‬
‫لسان الملك دون اللفظ الدال على الترك‪ .‬وال شبهة ّ‬
‫أن الطلب كما يمكن أن يتعلق بالفعل‬
‫يمكن أن يتعلق بالترك لما ذكرنا من كون الحسن والقبح شرعيين وكذا اإلرادة كما يمكن أن‬
‫[‪17‬ظ]‬ ‫يتعلق باللفظ الدال على طلب الفعل يمكن أن يتعلق باللفظ الدال على طلب الترك ‪/‬واذا‬
‫أمكن عدم ما يتوقف عليه قيام بعض األلفاظ بالنظر إلى ذات الواجب أمكن عدم قيامه به‬
‫نظرا إليها‪ .‬وحينئذ يمكن أن يخلو عن الكمال الذي اتصف به بسبب اتصافه بتلك األلفاظ‬
‫ً‬
‫نقص فيلزم‬
‫ألن جميع صفاته كذلك والخلو عن الكمال الممكن ٌ‬ ‫التي هي صفة كمالية‪ّ .‬‬
‫إمكان النقص له تعالى فتأ ّمل‪.‬‬
‫الكلمات‬ ‫[‪]99‬والثالث‪ :‬إن كالم الله حقيقة على ما اختاره يكون عبارة عن مواد‬
‫‪206‬‬

‫والتراكيب من غير اعتبار الهيئات والصور الحاصلتين من التقديم والتأخير الزمانين‪ .‬وهو‬
‫يستلزم أن ال يكفر من يقول بقرآنية الكالم المركب من تلك الكلمات حال كون كلماته مهمالت‬
‫ـه َر ِّب ا ْل َعا َل ِمي َن﴾[الفاتحة‪]2/1 ،‬‬
‫وتراكيبه أمر من الهذيانات‪ .‬كما اذا حرف مثل ﴿ا ْلحمدُ لِ َّل ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ّ‬
‫تحري ًفا يكون ألفاظه مهمل ًة وتركي ًبا يكون المركّب من الهذيانات‪ .‬وكعدم إعجاز كالمه الحقيقي‬
‫ً‬
‫مدخل في إفادة المعاني‬ ‫إذ ال يشك عاقل عالم بأوضاع اللغة في ّ‬
‫أن لترتيب الحروف والكلمات‬

‫أيضا‪.‬‬
‫‪ 205‬ل ط ف ‪ | -‬أ ‪ +‬وال شبهة في جواز كون الكتاب الناسخ كالم الله من ضرورات الدين ً‬
‫‪ 206‬أ‪ :‬مراد‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫التي يتوقف عليها البالغة التي بها إعجازه‪ .‬وكعدم داللة كالمه الحقيقي على شيء هو المقصود‪.‬‬
‫إذ للهيئة مدخل في الداللة على ذلك المقصود حتى لو غ ّير تلك الهيئة لم يكن ًّ‬
‫دال على شيء أو‬
‫يكون ً‬
‫دال على شيء غير مقصود من ذلك الكالم‪ .‬واذا لم يكن الهيئة معتبرة في حقيقة كالمه كان‬
‫الدال أعني مجموع المواد والهيئة خارجة عن حقيقة كالمه‪ .‬فال يكون كالمه الحقيقي ًّ‬
‫دال على‬
‫خواص ومزايا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫شيء هو المقصود مع ّ‬
‫أن جميع العلمآء متفقون بأن لكالمه الحقيقي‬

‫إن في القرآن ألفا ًظا ّ‬


‫مكرر ًة كما في سورة الرحمن فلو كان تلك األلفاظ قائمة‬ ‫والرابع‪ّ :‬‬
‫بالبارئ تعالى مع عدم ترتبها يلزم اجتماع األمثال في ّ‬
‫محل واحد‪.‬‬
‫[‪]100‬والخامس‪ :‬إنّه ثبت ّ‬
‫أن داللة األلفاظ على المعانى الوضع ّية ليست بحسب ذواتها؛‬
‫بل بسبب الوضع االختياري الحاصل فيما ال يزال‪ .‬فيكون تلك األلفاظ خالي ًة في األزل عن‬
‫الداللة على المعنى فيلزم أن يكون األلفاظ القرآنية مهمالت في األزل ويكون قيامها به فيه كقيام‬
‫لفظ حسق وعسق‪ .‬وهذا قول ال يجترأ عليه مس ّلم؛ بل ال يتفوه به من له أدنى مسكة‪.‬‬
‫والسادس‪ّ :‬‬
‫إن العقل ال يفرق بين قيام األلفاظ بال ترتّب وبين قيام الحركات بال تقدم‪ .‬فاذا‬ ‫ّ‬
‫جوز ذلك في األلفاظ وقيل‪ :‬إن امتناع قيامها بال ترتب ليست لذاتها؛ ‪/‬بل لعدم مساعدة اآللة‬
‫ّ‬ ‫[‪18‬و]‬
‫فإذا قام بشيء ال يحتاج في االتصاف به إلي اآللة يجوز أن يقوم به بال ترتب جواز أن ال يكون‬
‫ً‬
‫حاصل بسبب عدم‬ ‫وجوز كون امتناعه امتنا ًعا غير ًّيا‬
‫امتناع قيام الحركات بال ترتب امتنا ًعا ذات ًيا‪ّ .‬‬
‫مساعدة اآللة‪ ،‬وهذه سفسطة ظاهرة‪.‬‬
‫[‪]101‬ولو فرضنا جواز القيام بال ترتب فتجويز بقاء الحروف الحاصلة بتقطيع األصوات‬
‫الس ّيالة ودوامها من األزل إلى األبد وقيام حقيقة الكيفية الحاصلة للنفس الضروري بحضرته‬
‫المقدّ سة عن جميع شوائب المادة والكيفيات الجسمانية ارتكاب على ما ال يقبله العقول السليمة‬
‫والطباع المستقيمة‪ .‬فإن قيل‪ :‬ليس كالمه من جنس كالمنا حتى يكون من قبيل الصوت؛ بل هو‬
‫مخالف له في الحقيقة‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬فعلى هذا يلزم تلك اللوازم الفاسدة الكثيرة التي هرب عنها‪.‬‬
‫األول‪ :‬معنى القيام وكون الكالم صف ًة‬ ‫ٍ‬ ‫والسابع‪ّ :‬‬
‫إن إلضافة الكالم إلى الله تعالى معان‪ّ .‬‬
‫وآمرا‬
‫مخبرا ً‬
‫ً‬ ‫له‪ .‬وال ّثاني‪ :‬كون معنى الكالم اللفظي مقصو ًدا إفادته للمخاطب وكونه تعالى‬
‫وناه ًيا بما فيه من األخبار واألوامر والنواهي‪ .‬الثالث‪ :‬كون الكالم مخلوق الله ومخترعه‬

‫‪71‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫من غير مدخل ّية الغير فيه كس ًبا وإيجا ًدا ومن ال يقول بقيام اللفظ به ويقول بحدوثه‪ 207‬كيف‬
‫يقول بأن كونه كالم الله بالمعنى األول من ضرورات الدين؟ وكيف يقول بكون التحدي‬
‫والمعارضة بكالم الله بهذا المعنى؟ وكيف يقول ّ‬
‫بأن المقروء والمحفوظ كالمه بهذا المعنى؟‬
‫بل يقول بأنه كالم الله بالمعنيين األخيرين‪ .‬فال يلزم تلك المفاسد الكثيرة على تقدير حدوث‬
‫اللفظي هذا‪.‬‬
‫[‪]102‬واعلم‪ :‬أن الفاضل التفتازاني أبطل‪ 208‬كالم المواقف في شرح المقاصد والتلويح‬
‫‪209‬‬

‫خواص األجسام‪ .‬والمفهوم مما ذكره في شرح‬


‫ّ‬ ‫بما ذكرنا من لزوم قيام الصوت الذي هو من‬
‫العقائد إن المانع من القيام بذاته لزوم الترتيب بين أجزاء الكالم اللفظي حتى لو جاز القيام بال‬
‫ترتيب كان كالم المواقف جيدً ا ال غبار عليه والصحيح ما ذكر في ذينك الكتابين‪.‬‬
‫[‪]103‬واعلم‪ :‬أنّه ينبغي أن يحمل الكالم على النفسي فيما نقل من الحديث من ّ‬
‫﴿إن‬
‫صح ألنّه ذكر الصغاني فيما‬ ‫صح كونه حدي ًثا‪ ،‬وإنّما قلنا‪ْ :‬‬
‫إن ّ‬ ‫القرآن كالم الله غير مخلوق﴾ ْ‬
‫إن ّ‬
‫جمعه من الموضوعات "إن هذا الحديث موضوع"‪ 210‬وأنا أتعجب ّ‬
‫أن أهل السنة استدلوا به على‬
‫[‪18‬ظ]‬ ‫عدم خلق القرآن والخصوم ‪/‬أجابوا بأن المخلوق بمعنى المفتري‪ .‬ولم يتفطن الفريقان بكونه‬
‫وأيضا يجب أن يحمل عليه لفظ القرآن فيما نقل في مناظرة أبي خنيفة مع أبي يوسف‬
‫موضو ًعا‪ً .‬‬
‫واستقر رأيهما على ّ‬
‫أن من قال بخلق القرآن فهو كافر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ستة أشهر‬

‫المبحث الثالث‪ :‬في امتناع الكذب عليه تعالى‬


‫اتفقو ّ‬
‫الكل على أنّه يمتنع الكذب عليه‪.‬‬
‫أن األشاعرة قالوا بشمول‬‫[‪]104‬فإن قلت‪ :‬كيف يتصور االتفاق في امتناع الكذب مع ّ‬
‫قدرته لجميع الممكنات التي من جملتها الخبر الكاذب؟ وليس معنى القدرة ّإل إمكان الفعل‬
‫وصرح الفاضل الشريف في شرح المواقف في مباحث ّ‬
‫أن الثواب والعقاب واجب‬ ‫ّ‬ ‫والترك‪.‬‬
‫له تعالى أم ال؟ يمنع استحالة الكذب له تعالى مستندً ا بأنّه من جملة الممكنات التي تشملها‬

‫‪ 207‬أ‪ :‬محدثة‪.‬‬
‫‪ 208‬ط‪ :‬أشكل‪.‬‬
‫‪ 209‬شرح التلويح للتفتازاني‪.292 /1 ،‬‬
‫‪ 210‬الموضوعات لرضي الدين الصغاني‪.76 ،‬‬

‫‪72‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫قدرته‪ّ ،211‬‬
‫وأن الجبائي ذهب إلى أن قبح األفعال وحسنها ليس لذاتها وال لصفة الزمة لها؛ بل‬
‫ٍ‬
‫الزمة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫واعتبارات غير‬ ‫لوجوه‬
‫[‪]105‬قلت‪ :‬لم يرد باالمتناع الذاتي المقابل لإلمكان الذاتي؛ بل مطلق االمتناع العام‬
‫أيضا‪ .‬واإلمكان المعتبر في معنى القدرة هو اإلمكان الذاتي‪ّ .‬‬
‫فإن معنى كون الخبر‬ ‫لالمتناع بالغير ً‬
‫جوز العقل أن‬
‫مقدورا له أنّه اذا نظر إلى ذاته مع قطع النظر عما سواها و مقتضياتها‪ّ ،212‬‬
‫ً‬ ‫الكاذب‬
‫نظرا إلى الغير‪ ،‬الغير المقتضي‪ّ .‬‬
‫فإن‬ ‫يفعل وأن يترك‪ .‬وهذا المعنى ال ينافي أن يستحيل أحدهما ً‬
‫نظرا إلى ذات الخبر الكاذب لكنّهم‬ ‫األشاعرة والجبائي ْ‬
‫وإن قاال بإمكان صدور الكذب عنه ً‬
‫يقولون بالمانع الصارف عن فعله‪ 213‬وهو كونه سب ًبا إلختالل النظام الذي ليس من مقتضيات‬
‫ذاته‪ .‬وبالنظر إلى ذلك الصارف يمتنع صدوره عنه امتنا ًعا بالغير ْ‬
‫وإن كان ممكنًا بالنظر إلى ذاته‪.‬‬
‫وهذا مثل ما قالوا أنّه لو س ّلم قبح األشياء بالنسبة إليه تعالى فالقدرة عليها ال ينافي امتناع صدورها‬
‫نظرا إلى وجود الصارف عنه وعدم الداعي ْ‬
‫وإن كان ممكنًا في نفسه‪.‬‬ ‫عنه ً‬
‫[‪]106‬فإن قلت‪ :‬الممكن ال يلزم من فرض وقوعه محال وصدور الكذب عنه يستلزم‬ ‫ْ‬
‫المحال‪ .‬ألنّه إ ّما أن ال يعلم كونه كذ ًبا فهو ٌ‬
‫جهل وإ ّما أن يعلم ففعله س َف ٌه فال يكون صدور الكذب‬
‫عنه ممكنًا‪.‬‬
‫قبيحا كما‬
‫قبيحا وعلم قبحه وأ ّما اذا لم يكن ً‬
‫قلت‪ :‬إنّما يلزم السفه أن لو كان فعل الكذب ً‬
‫ّ‬
‫استدل عليه بكون الفعل المذكور خال ًيا عن الفائدة ومستلز ًما‬ ‫هو مذهبنا فال سفه في فعله ْ‬
‫وإن‬
‫للمفسدة‪.‬‬
‫[‪]107‬فنقول‪ :‬ال نس ّلم أن الفعل الخالي عن الفائدة ‪/‬سفه محال‪ّ .‬‬
‫فإن أفعال الله ال يجب‬ ‫[‪19‬و]‬

‫وأن الممكن ر ّبما يستلزم المحال بسبب الغير‪ّ .‬‬


‫فإن استلزام الفعل‬ ‫تعليلها بالفوائد عندنا‪ّ .‬‬
‫للمفسدة في صورة صدور الكذب عنه ليس ّإل ً‬
‫أمرا ناش ًيا عن الغير وليس من مقتضيات ذات‬
‫الخبر الكاذب‪ .‬إذ الجريان على موجب الكاذب الذي هو السبب‪ 214‬لإلختالل ليس من مقتضيات‬

‫‪ 211‬لعــل المصنــف يشــير إلــي هــذا الــكالم‪" :‬ال يقــال إنــه يســتلزم جوازهمــا [خلــف؛ كــذب] وهــو أيضــا محــال؛ أل ّنــا نقــول‬
‫اســتحالته ممنوعــة كيــف وهمــا مــن الممكنــات التــي تشــملها قدرتــه تعالــى‪ .‬أنظــر‪ :‬شــرح المواقــف للجرجانــي‪.493/3 ،‬‬
‫‪ 212‬أ‪ :‬من مقتضيات ذاته‪.‬‬
‫‪ 213‬ل‪ :‬قوله‪.‬‬
‫‪ 214‬أ ‪ +‬على‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫ثم إن استد ّلوا‬


‫الخبر‪ .‬فإنّه يجوز عند العقل أن يتل ّفظ بخبر كاذب وال يجرى على موجبه أحد‪َّ ،‬‬
‫المعتزلة على المطلوب بوجهين‪:‬‬
‫قبيح وهو ال يفعل‬
‫إن الكذب في الكالم الذي هو من قبيل األفعال عندهم ٌ‬‫[‪]108‬األول‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫القبيح أي يمتنع أن يفعله وهو مبني على أصلهم الفاسد من إثبات حكم العقل بحسن األفعال‬
‫وقبحها بالنسبة إلى الله تعالى‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مناف لمصلحة العالم؛ إ ْذ لو جاز ذلك لجاز أن يخلق‬ ‫وال ّثاني‪ّ :‬‬
‫إن صدور الكذب عنه‬
‫الكذب في النبي فال يتميز النبي عن المتنبي ويرتفع المصالح المتعلقة بمتابعة النبيء‪.‬م‪ .‬ومجانبة‬
‫واجب عليه‪.‬‬ ‫وكل ما هو ٍ‬
‫مناف لمصلحة العالم يمتنع صدوره عنه إذ األَ ْصلح‬ ‫المتنبي‪ّ .‬‬
‫ٌ‬
‫[‪]109‬وال يخفي عليك أن جواز خلق الكذب مطل ًقا وهو الذي نفى عنه اتفا ًقا ال يستلزم‬
‫جواز خلق الكذب في النبي‪ .‬إذ العام ال يستلزم الخاص‪ ،‬وال يمكن أن يقال ال فرق بين جواز خلق‬
‫شخص آخر‪ .‬فاذا جاز في أحدهما جاز في اآلخر بالضرورة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الكذب في شخص وبين خلقه في‬
‫ألن المراد بالجواز ههنا سلب‬ ‫نبي مما ال مدخل له في الجواز‪ّ .‬‬ ‫وخصوصية كون الشخص غير ّ‬
‫مطلق االمتناع الذي ادعي ثبوته له‪ ،‬واستدل عليه بالوجوه المذكورة‪ .‬وال شك أن الشخص الذي‬
‫يتصور فيه سلب االمتناع بهذا المعنى بخالف‬ ‫ّ‬ ‫يكون خلق الكذب فيه مناف ًيا لمصلحة العالم ال‬
‫الشخص الذي ال يكون خلقه فيه‪ .‬كذلك فال يلزم من جواز خلقه في مثل هذا الشخص جوازه‬
‫النبي ء م بهذا المعنى الفرق الظاهر بينهما‪ .‬فال يلزم مما ذكره امتناع الكذب عنه تعالى مطل ًقا‪.‬‬
‫في ّ‬
‫[‪]110‬وأجيب‪ :‬عن شبهتهم هذه بما ثبت عندنا أن األصلح ليس واج ًبا عليه واستدل‬
‫األصحاب على االمتناع بثلثة أوجه‬
‫وأيضا يلزم أن يكون‬
‫األول‪ :‬إن الكذب على الله نقص والنقص على الله محال إجما ًعا‪ً .‬‬
‫ّ‬
‫أحدنا أكمل منه في بعض األوقات الذي يتصف بالصدق فيه‪.‬‬

‫[‪19‬ظ]‬ ‫[‪]111‬قال في شرح المواقف‪" :‬وهذا الوجه إنما يدل على أن الكالم ‪/‬النفسي الذي هو‬
‫وإل‪ 215‬يلزم النقصان في صفته تعالى مع أن كمال صفتنا‪ ،‬وال يدل‬ ‫صف ٌة قائم ٌة به يكون صاد ًقا ّ‬
‫‪216‬‬ ‫ٍ‬
‫معان مقصودة‪".‬‬ ‫على صدقه في الحروف والكلمات التي يخلقها في جس ٍم دا ّلة على‬

‫‪ 215‬ط‪ :‬وال يلزم‪.‬‬


‫‪ 216‬شرح المواقف للجرجاني‪.140 /3 ،‬‬

‫‪74‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫بأن داللة ما ذكروه على الصدق في الصفة محل بحث على مقتضي ما ذكروه‬ ‫وأنت خبير ّ‬
‫في مغايرة الخبر للعلم‪ .‬ألنّهم جوزوا تح ّقق الخبر بدون العلم والتصديق بمدلوله‪ .‬وقالوا‪ :‬بل‬
‫عما يعلم ويصدق بخالف مدلول الخبر‪ ،‬وحينئذ يكون الخبر متح ّق ًقا في صورة‬
‫يجوز أن يخبر ّ‬
‫الخبر الكاذب الذي يعلم خالف مدلوله‪ .‬وال شبهة أن المتحقق في هذه الصورة تصور مدلول‬
‫الخبر ال الحكم المتعلق بمدلوله‪ ،‬ولو فرضنا قيام مدلول الخبر الكاذب به تعالى ال يلزم منه ّإل‬
‫مجرد قيام النسبة التامة به تعالى ال الحكم الغير المطابق للواقع المتعلق بتلك النسبة‪ .‬وهذا القيام‬
‫إنّما يستلزم مطلق التصور المتعلق بتلك النسبة سواء كان تصور ًّيا أو تصديق ًّيا‪ .‬وال يلزم من هذا‬
‫فإن صور جميع الكواذب حاصلة فيه مع أنّه يحكم بخالف مدلوالته‪.‬‬ ‫القيام النقص ّ‬

‫أيضا نقص في فعله فيعود‬


‫[‪]112‬وقال فيه‪ :‬ولما كان لقائل أن يقول خلق الكاذب ً‬
‫المحذور [بعينه] أشار إلى دفعه بقوله‪" :‬واعلم أنه لم يظهر لي فرق بين النقص في الفعل وبين‬
‫القبح العقلي فيه" ّ‬
‫فإن النقص في األفعال هو القبح العقلي بعينه فيها وإنما يختلف العبارة دون‬
‫يتمسكون في دفع الكذب عن الكالم اللفظي‬
‫المعنى‪ .‬فأصحابنا المنكرون للقبح العقلي كيف ّ‬
‫‪217‬‬
‫بلزوم النقص في أفعاله تعالى‪.‬‬
‫[‪]113‬والظاهر أنّه الحاجة ههنا إلى تقدير سؤآل وجواب يكون ما قاله صاحب المواقف‬
‫ر ًّدا عليه؛ بل الظاهر ّ‬
‫أن ما ذكره اعتراض على الدليل إبتدا ًء وهو عين ما ذكره إمام الحرمين في‬
‫نقصا‪ّ .‬‬
‫ألن الكذب عندنا‬ ‫ر ّده حيث قال‪ :‬ال يمكن التمسك في تنزه الرب تعالى عن الكذب بكونه ً‬
‫نقص ْ‬
‫إن‬ ‫ال يقبح بعينه‪ .‬وهو الذي ذكره صاحب التلخيص ً‬
‫أيضا حيث قال الحكم بأن الكذب ٌ‬
‫‪218‬‬
‫عقل إلخ‪.‬‬ ‫كان عقل ًّيا كان ً‬
‫قول بحسن األشياء وقبحها ً‬
‫والوجه ال ّثاني‪ :‬إنّه لو جاز كذبه لكان أزل ًّيا المتناع قيام الحوادث به وحينئذ يمتنع زواله‪ّ .‬‬
‫ألن‬
‫وإل المتنع صدقه وهو باطل‪ّ .‬‬
‫ألن من علم شي ًئا أمكن له‬ ‫ما ثبت قدمه يمتنع عدمه‪ .‬والالزم باطل ّ‬
‫‪/‬أن يخبر عنه على ما هو به‪ .‬قال في شرح المواقف هذا الوجه ً‬
‫أيضا إنّما يتم في الكالم النفسي‬ ‫[‪20‬و]‬
‫‪219‬‬
‫دون اللفظي‪.‬‬

‫‪ 217‬شرح المواقف للجرجاني‪.140 /3 ،‬‬


‫‪ 218‬شرح المقاصد للتفتازاني‪.103 /2 ،‬‬
‫‪ 219‬شرح المواقف للجرجاني‪.141 /3 ،‬‬

‫‪75‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫[‪]114‬وأقول‪ :‬فيه بحث من وجوه‬


‫األول‪ :‬إنّه قد سبق ّ‬
‫أن الكالم واحدٌ عندهم وإنّما ينقسم إلى الخبر وغيره باعتبار التعلق‪.‬‬ ‫ّ‬
‫معتبرا في الخبر وهو أمر اعتباري فال يكون الخبر الكاذب الذي اعتبر في ماهية‬
‫ً‬ ‫فيكون التعلق‬
‫األمر االعتباري ّإل اعتبار ًّيا‪ .‬فكيف يتصور كونه ً‬
‫قديما؟ ألنّه قسم من الموجود وال يمكن أن‬
‫ألن حكمهم ّ‬
‫بأن ما ثبت‬ ‫يحمل‪ 220‬القديم على المعنى األزلي العام لالعتباري الغير المتجدّ د‪ّ .‬‬
‫قدمه يمتنع عدمه إنّما هو على القديم الذي هو قسم من الموجود دون مطلق األزلي‪ّ .‬‬
‫ألن بعض‬
‫وأيضا قوله‪" :‬إذ ال يقوم الحادث بذاته"‬
‫األزل ّيات العدم ّية يجوز زوالها كعدم الحادث األزلي‪ً ،‬‬
‫قسم من الموجود دون األمر االعتباري المتجدّ د‪ .‬فال يلزم من‬ ‫إنّما يصح في الحادث الذي هو ٌ‬
‫قديما أن يكون حاد ًثا هو غير جائز القيام بذاته تعالى لجواز أن يكون متجدّ ًدا‪.‬‬
‫عدم كون الخبر ً‬
‫ّ‬
‫فإن بعض المتجدّ دات يجوز قيامه به‪.‬‬
‫إن قوله‪ّ :‬‬
‫"ألن من علم شي ًئا أمكن له أن يخبر عنه على ما هو به بالضرورة"‬ ‫[‪]115‬وال ّثاني‪ّ :‬‬
‫في ح ّيز المنع‪ّ .‬‬
‫ألن إمكان الخبر إنّما يثبت لمن ال يقتضي ذاته كذبه وأمكن زوال الكذب عنه‪.‬‬
‫فرضا ويمتنع زوال الكذب عنه بالنظر إلى ذاته فال يلزم أن يمكن له الخبر‬
‫وأ ّما من يقتضي كذبه ً‬
‫على ما هو به ً‬
‫فضل عن كون العلم بذلك اإلمكان ضرور ًّيا‪ .‬ونظير ذلك منعهم إمكان العلم بكون‬
‫الشخص عالم ًا‪ 221‬بأنه عالم بأمر على تقدير امتناع علمه بنفسه‪ .‬وهو مما ذكر في شرح المواقف‬
‫في بيان عموم علمه تعالى باألشياء‪.‬‬
‫إن أراد بقوله‪ّ :‬‬
‫"إن من علم شي ًئا أمكن له أن يخبر عنه على ما هو به"‬ ‫[‪]116‬وال ّثالث‪ :‬إنّه ْ‬
‫علما تصديق ًّيا متعل ًقا بالحكم على ذلك الشيء بمعنى الوقوع أو الالوقوع‬ ‫ّ‬
‫أن من علم شي ًئا ً‬
‫المقابل لما يشمل عليه الخبر الكاذب من الحكم بذلك المعنى نمنع أن ال يمكن له الخبر‬
‫خال عن الحكم بمعنى اإليقاع‪.‬‬‫الصادق‪ .‬إذ الخبر الكاذب الذي يعلم خالفه علما تصديق ًّيا ٍ‬
‫ً‬
‫ْ‬
‫إن كان هذا العلم في زمان الخبر الكاذب كما هو الاليق بشـأن علم الله العام بجميع األشياء‬
‫وليس حصوله في الخبر ّإل‪ 222‬حصول تصوري‪ .‬ومثل هذا الخبر الحاصل على هذا الوجه‬

‫‪ 220‬م؛ ط‪ :‬الحمل‪.‬‬
‫‪ 221‬ط ‪ -‬يكون الشخص عالم ًا‪.‬‬
‫‪ 222‬أ ‪ +‬على‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫التصور ال يضا ّد‬


‫ّ‬ ‫علما تصديق ًّيا‪ّ .‬‬
‫فإن‬ ‫يجوز أن يجتمع مع الخبر المشتمل على الحكم المعلوم ً‬
‫التصديق‪ .‬فعلى تقدير قدم الخبر الكاذب على هذا الوجه وامتناع زواله ‪/‬يجوز أن يجتمع‬ ‫[‪20‬ظ]‬

‫مع الخبر الصادق‪ْ ،‬‬


‫وإن أراد العلم التصديقي المتعلق بالحكم المشتمل عليه الخبر الكاذب‬
‫فال نس ّلم أنّه يستلزم إمكان الخبر الصادق وسنده ما ّ‬
‫مر من كون الكاذب مقتضي ذاته أو نمنع‬
‫استحالة الالزم بناء على أنّه يجوز أن يكون الخبر الصادق خال ًيا عن حكم الخبر بمعنى اإليقاع‪.‬‬
‫تصور الوقوع‪ 223.‬فال يلزم زوال الخبر الكاذب في األخبار‬
‫مجرد ّ‬
‫ويكون الحاصل في الخبر ّ‬
‫‪224‬‬
‫على ما هو به على هذا الوجه‪.‬‬
‫تصور ًيا متعل ًقا بنفسه‬
‫علما ّ‬ ‫علما مطل ًقا ْ‬
‫وإن كان ذلك ً‬ ‫[‪]117‬وإن أراد ّ‬
‫"إن من علم شي ًئا" ً‬ ‫ْ‬
‫أو أحواله فال نس ّلم أنه يمكن له أن يخبر عنه على ما هو به‪ّ .‬‬
‫فإن في إمكان الخبر المذكور ال بدّ‬
‫تصور المحمول والنسبة وإمكان الحكم المتعلق بوقوع النسبة أو الوقوعها إن كان‬
‫من إمكان ّ‬
‫تصور وقوع النسبة ال يستلزم‬
‫تصور الموضوع أو ّ‬ ‫مجرد ّ‬ ‫المراد بالخبر المقارن للحكم‪ .‬وظاهر أن ّ‬
‫إن كان حصوله‬ ‫إمكان الخبر عنه على ما هو به‪ .‬وإن س ّلم إمكانه فال يضا ّد بينه وبين الخبر الكاذب ْ‬
‫لتنزهه عن الجهل كما ظهر ذلك مما تقدّ م‬ ‫ً‬
‫حصول تصور ًّيا كما هو المفروض في البارئ تعالى ّ‬
‫على هذا المبحث‪ْ ،‬‬
‫وإن كان المراد بالخبر الصادق مطلق الخبر وإن كان ذلك تصور ًّيا فال يضا ّد‬
‫أيضا أو تصديق ًّيا‪.‬‬
‫بينه وبين الخبر الكاذب سواء كان هذا عا ًّما ً‬
‫[‪]118‬وبالجملة ما ذكره إنما يتم أن لو كان حصول الخبر الكاذب على وجه التصديق‪.‬‬
‫وكان المراد بالعلم في قوله‪ّ :‬‬
‫"فإن من علم شي ًئا" العلم التصديقي وكان العلم التصديقي بشيء‬
‫وظاهر أن ّ‬
‫المصدق بالخبر الكاذب ال يلزم‬ ‫ٌ‬ ‫مطل ًقا مستلز ًما للخبر عنه على ما هو به مصد ًقا به‪.‬‬
‫إمكان تصديقه بخالف الخبر الكاذب حتى يمكن له أن يخبر على ما يطابق علمه؛ بل الالزم هو‬
‫العلم بالموضوع وسائر ما ال بدّ منه في مطلق الخبر‪ .‬فال يلزم من العلم بالشيء الذي يستلزمه‬
‫الخبر إمكان الخبر على ما هو به‪ .‬وإن ّقرر الدليل هكذا لو جاز له الخبر الكاذب أي الخبر الذي‬

‫مر من كون الكاذب صح‪.‬‬ ‫‪ 2 23‬ط ق م ف ‪ | -‬أ ‪ :‬إمكان الخبر الصادق وسنده ما ّ‬
‫‪ 224‬أ ‪ -‬العلــم التصديقــي المتعلــق بالحكــم المشــتمل عليــه الخبــر الــكاذب فــا نســلم أ ّنــه يســتلزم إمــكان الخبــر الصــادق وســنده‬
‫مــا مـ ّـر مــن كــون الــكاذب مقتضــي ذاتــه أو نمنــع اســتحالة الــازم نبــاء علــى أ ّنــه يجــوز أن يكــون الخبــر الصــادق خال ًيــا‬
‫ـور الوقــوع‪ .‬فــا يلــزم زوال الخبــر الــكاذب فــي‬ ‫عــن حكــم الخبــر بمعنــى اإليقــاع ويكــون الحاصــل فــي الخبــر مجـ ّـرد تصـ ّ‬
‫األخبــار علــى مــا هــو بــه علــى هــذا الوجــه‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫قديما يمتنع زواله ويمتنع له‪ 225‬الصدق‪ .‬والالزم‬


‫يقارن الحكم بوقوع النسبة التي يشملها لكان ً‬
‫ٍ‬
‫شخص يمكن له هذا العلم يمكن أن يخبر‬ ‫باطل ألنّه يمكن أن يعلم األشياء على ما هو به وكل‬
‫على ما هو به‪.‬‬
‫[‪ ]119‬فنقول هذا يقتضي تخصيص الدعوى ببعض أفراد الخبر الكاذب‪ّ .‬‬
‫فإن الخبر‬
‫الكاذب يتحقق في صورة العلم والحكم بخالف الخبر الكاذب عندهم كما سبق‪ .‬ومثل هذا‬
‫[‪21‬و]‬ ‫أيضا يكون المدعى أوضح من الدليل حينئذ؛ إذ بطالن‬
‫الخبر ‪/‬يخرج عن المدعى وحينئذ ً‬
‫حكما غير مطابق للواقع في الظهور بحيث ال يخفي على أكثر العوا ّم بخالف‬
‫ً‬ ‫عدم حكم الله‬
‫إن لوحظ في هذا الدليل عموم علمه‬‫وأيضا ْ‬
‫الدليل المذكور المشتمل على المقدمات الخف ّية‪ً ،‬‬
‫تعالى باألشياء وأد ّلته الدا ّلة عليه كان أكثر مقدمات الدليل المذكور مستدركًا‪ .‬إذ يكفي أن يقال‬
‫المتنع زوال الكذب المقارن للحكم المذكور وهو باطل‪ .‬إذ يعلم جميع األشياء على ما هو‬
‫وإن لم يعتبر عموم علمه تعالى في الدليل ً‬
‫أصل كان قوله‪" :‬فإنّه يمكن أن يعلم األشياء"‬ ‫به‪ْ .‬‬
‫في ج ّيز المنع‪.‬‬
‫وإن أرادوا باالمتناع االمتناع المطلق إلّ أنّه ال يخلو إ ّما أن يجعلوا‬
‫[‪]120‬وقد يقال إنّهم‪ْ 226‬‬
‫مطلق االمتناع متح ّق ًقا في ضمن االمتناع الغيري أو في ضمن االمتناع الذاتي أو في ضمن كل‬
‫منهما بأن يتحقق في ضمن الذاتي في صورة النفسي وفي ضمن الغيري في صورة اللفظي وعلى‬
‫كل تقدير يرد عليهم اإلشكال‪:‬‬
‫األول‪ :‬فألنّه يستلزم كون الخبر الكاذب بمعنى النفسي ممكنًا لذاته فيلزم إمكان النقص‬
‫أ ّما ّ‬
‫وهو محال‪.‬‬
‫وأ ّما ال ّثاني‪ :‬فيستلزم‪ 227‬أن ال يكون الخبر الكاذب بمعنى اللفظي ممكنًا لذاته وهو خالف‬
‫مذهبهم‪.‬‬

‫[‪]121‬وأ ّما ال ّثالث‪ :‬فيستلزم أن يكون الكاذب بمعنى النفسي ممكنًا ً‬


‫أيضا‪ .‬بيان ذلك أن‬
‫إمكان الخبر الكاذب اللفظي يستلزم إمكان الخبر الكاذب النفسي ّ‬
‫ألن من يتلفظ بالخبر اللفظي‬

‫‪ 225‬ل‪ :‬ال لصدق‪.‬‬


‫‪ 226‬أ‪ :‬والرابع ّ‬
‫أن ما ذكروه ومعارض بأن يقال إنّهم‪.‬‬
‫وإن جعلوه متحق ًقا في ضمن الذاتي يلزمهم‪.‬‬
‫‪ 227‬أ ‪ْ +‬‬

‫‪78‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫قاصدً ا به إفادة معناه وهو المراد بإمكان الخبر اللفظي عندهم‪ .‬ال بدّ أن يتعقل مدلول اللفظ ّأو ًل‬
‫ثم يقصد إفادته للمخاطب ثان ًيا‪ .‬وليس المراد بالخبر النفسي ّإل هذا المدلول المعقول ّأو ًل‬ ‫َّ‬
‫والمقصود إفادته ثان ًيا‪.‬‬
‫[‪]122‬وال شبهة أن إمكان الخبر اللفظي المذكور يستلزم إمكان ذلك المدلول المعقول القائم‬
‫بنفس المتك ّلم فاذا أمكن الكاذب اللفظي أمكن الكاذب النفسي‪ .‬وال يتوهم أن الممكن عندهم‬
‫إمكان‪ 228‬الخبر الكاذب اللفظي من حيث هو ال الكاذب من حيث يقصد به معناه‪ .‬إذ ليس علمنا‬
‫بإمكان الخبر الكاذب له ّإل من جهة أنه قادر على جميع الممكنات التي من جملتها ذلك الخبر‪.‬‬
‫أيضا‬
‫أن العلم الحاصل بمدخل ّية ذلك اللفظ الكاذب من جملة الممكنات ً‬ ‫[‪]123‬وال شبهة ّ‬
‫قادرا عليه وممكنًا إرادته‪ .‬وليس إمكان قصد إفادة معناه ّإل إمكان إرادة خلق العلم ‪/‬‬
‫فيكون ً‬ ‫[‪21‬ظ]‬

‫بمعناه لمدخلية اللفظ العادية‪.‬‬


‫أيضا‪ .‬بأنّه لو اتصف‬
‫أيضا بأنه يقتضي أن يمتنع الخبر الصادق ً‬
‫[‪]124‬واعترض على الدليل ً‬
‫قديما ممتنع الزوال وهو يستلزم امتناع كذبه‪ .‬والحال ّ‬
‫"أن من علم شي ًئا أمكن له‬ ‫به لكان صدقه ً‬
‫أن يخبر عنه ال على ما هو به"‪.‬‬
‫[‪]125‬وأجيب‪ :‬بأن الكالم في الصدق والكذب النفسيين ال اللفظيين وأن المعلوم لنا ّ‬
‫أن‬
‫من علم شيئا يتعذر‪ 229‬عليه أن يحكم بخالف ما يعلمه‪ ،230‬وال يخفي عليك أن الخبر الكاذب‬
‫والصادق ال فرق بينهما في اإلمكان واالمتناع‪ .‬إن أريد بالعلم في قوله‪ّ :‬‬
‫"فإن من علم شي ًئا" العلم‬
‫مجرد التصور الخالي عن مقارنة الحكم عليه بشيء‪ .‬وإن أريد به‬
‫بموضوع الخبر وإن كان ذلك ّ‬
‫أيضا‪ .‬كل ذلك ظاهر مما‬‫العلم المقارن للحكم المطابق للواقع أو غير المطابق فال فرق بينهما ً‬
‫علما مقارنًا للحكم الغير المطابق‬ ‫أسلفناه فتذكر‪ .231‬إلّ أن المقدمة القائلة ّ‬
‫إن الله يعلم األشياء ً‬
‫للواقع ظاهر الفساد‪ْ .‬‬
‫وإن أريد العلم المقارن للحكم المطابق فظاهر أنه ال يستلزم إمكان الخبر‬
‫‪232‬‬
‫عن الشيء ال على ما هو به‪.‬‬

‫‪ 228‬ل م ‪ -‬إمكان‪.‬‬
‫‪ 229‬أ‪ :‬يقتدر‪.‬‬
‫‪ 230‬ط ق م ‪ | -‬أ ‪ +‬ليس بحيث يقدر ان يخبر عنه على ما هو به‬
‫‪ 231‬أ ‪ -‬كل ذلك ظ [ظاهر] مما أسلفناه فتذكر‪.‬‬
‫‪ 232‬ط ق م ف ‪ | -‬أ ‪ +‬إلّ أن المقدمــة القائلــة [إن اللــه يعلــم األشــياء ً‬
‫علمــا مقار ًنــا للحكــم الغيــر المطابــق للواقــع] ظاهــر الفســاد‬
‫وإن أريــد العلــم المقــارن للحكــم المطابــق فظاهــر أنــه ال يســتلزم إمــكان الخبــر عــن الشــيء ال علــى مــا هــو بــه‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫[‪]126‬والوجه ال ّثالث من الدليل‪ ،‬وعليه االعتماد لصحته وداللته على الصدق في الكالم‬
‫النفسي اللفظي م ًعا خبر النبي صلى الله عليه وس ّلم بكونه صاد ًقا في كالمه كله‪ .‬وذلك مما علم‬
‫من الدين ضرورة وال حاجة بنا إلي بيان إسناده وصحته وال إلى تعيين ذلك الخبر؛ بل نقول تواتر‬
‫متكلما‪.‬‬
‫ً‬ ‫من األنبياء كونه تعالى صاد ًقا كما تواتر عنهم كونه‬
‫فإن قلت‪ :‬المدّ عى امتناع الكذب والدليل السمعي ال يفيد ّإل عدم وقوع الكذب منه‪ّ .‬‬
‫فإن‬ ‫ْ‬
‫كون جميع أخباره صاد ًقا في قوة قولنا‪ 233‬ال شيء من أخباره كاذ ًبا وهو ال يقتضي أنّه يمتنع كذب‬
‫جميع أخباره‪.‬‬
‫[‪ ]127‬قلت‪ :‬المراد أنّه "صادق في جميع أخباره" التي يمكن أن يصدق عليه مفهوم خبره‬
‫إمكانًا بمعنى سلب مطلق االمتناع‪ .‬وصدق جميع األخبار بهذا المعنى من ضرورات الدين‪ .‬وال‬
‫يصح كون جميع أخباره‬ ‫شك ّ‬
‫أن الخبر الكاذب لو كان من أفراد خبره الممكنة بهذا المعنى لم ّ‬
‫صاد ًقا‪.234‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬في رؤيته تعالى‬


‫وفيه ثالثة مقامات‪.235‬‬

‫المقام األول‪ :‬في صحتها‬


‫التعرض لوقوعها وذكر أد ّلته يكفي في‬
‫أن ّ‬ ‫تعرضوا لبيان إمكانها مع ّ‬
‫[‪]128‬فإن قيل‪ :‬إنّما ّ‬
‫معرفته‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أد ّلة الوقوع ليست ّإل نقل ّية وهي يفيد اليقين في كل الشرع ّيات المفسرة بأنّها أمور‬
‫المفسرة بما ليس كذلك إذ يجزم‬
‫ّ‬ ‫يجزم العقل بإمكانها وال طريق له إليها دون كل العقل ّيات‬
‫[‪22‬و]‬ ‫العقل في األولى‪ 236‬بعدم المعارض ‪/‬العقلي الذي هو امتناع المطلوب المانع من إفادتها اليقين‬

‫‪ 233‬أ‪ :‬أنه‪.‬‬
‫‪ 234‬أ‪ :‬صادقة‪.‬‬
‫‪ 235‬فــي هامــش ل ط ف م‪ :‬وقــال فــي المواقــف‪ :‬وههنــا ثلــث مقامــات بتأويــل المقامــة ونظايــره كثيــرة فــي ذلــك الكتــاب؛ ويــدل‬
‫علــى مــا ذكرنــا مــا وقــع فــي بعــض نســخ المتــن المعتمــد عليــه مــن قولــه المقامــة األولــى المقــام الثانــي المقــام الثالــث‬
‫فافهــم‪ .‬منــه ســلمه اللــه‬
‫‪ 236‬أ‪ :‬األول‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫‪237‬‬
‫ألن العقل إذا لم يجزم باإلمكان واالمتناع فألجل هذا االحتمال‬ ‫وال يجزم في الثانية ألبتّة ّ‬
‫ر ّبما لم يجزم بعدم المعارض العقلي للدليل النقلي فال يفيد الدليل النقلي فيها‪ 238‬اليقين حينئذ‬
‫للنقلي فال يفيد‬
‫ّ‬ ‫العقلي‬
‫ّ‬ ‫بخالف األولى‪ .‬ولو لم يتب ّين اإلمكان لم يجزم العقل بعدم المعارض‬
‫الدليل النقلي لنا جز ًما يقين ّيا‪ .‬فإفادة األدلة النقلية الجزم اليقيني الذي هو المطلوب في هذا الباب‬
‫ثم أدلة الوقوع النقلية‪.‬‬
‫موقوف على بيان صحة الرؤية فعلى ما ذكرنا ينبغي أن يذكر أدلة اإلمكان ّ‬
‫أن المعتمد في إثبات اإلمكان‬ ‫ألن أد ّلة الوقوع إنّما يفيد اليقين بسبب الجزم باإلمكان‪ .‬وقولهم ّ‬ ‫ّ‬
‫إجماع األمة قبل ظهور المخالفين على وقوع الرؤية المستلزم لصحتها محل بحث‪ .‬فإنّه مخالف‬
‫لما حققناه وحققه الفاضل الشريف في آخر الموقف األول من تحقيق كون األدلة النقلية مفيدة‬
‫لليقين في الشرع ّيات وغير مفيدة له في العقل ّيات‪.‬‬
‫‪239‬‬

‫أيضا أن يترك الدليل النقلي على اإلمكان إذ إفادة النقلي‬


‫[‪]129‬فإن قلت‪ :‬ما ذكرته تقتضي ً‬
‫لليقين إنّما هي في الشرع ّيات المفسرة بما ذكر وإمكان رؤيته بدون مالحظة الدليل العقلي عليه‬
‫مجرد العقل‪ .‬فيكون الدليل النقلي عليه بدون تلك المالحظة في حكم‬ ‫مما ال يتصور أن يجزم به ّ‬ ‫ّ‬
‫مجرد العقل بإمكانها في احتمال المعارض العقلي‬ ‫الدليل النقلي على العقليات التي ال يجزم ّ‬
‫فكما ال يفيد النقلي اليقين في هذه كذلك ال يفيد في‪ 240‬ذلك‪.‬‬
‫[‪]130‬قلت‪ :‬إحدى مقدمتي الدليل النقلي المذكور من الشرع ّيات المذكورة فيكون النقل‬
‫أيضا يقين ّية‪ .‬فال‬
‫فيها مفيدً ا لليقين واألخرى عقلية استدل عليها بالدليل العقلي البرهاني فيكون ً‬
‫عقلي وما ذكر من المعارض العقلي ليس جار ًيا في جميع العقل ّيات؛‬
‫ّ‬ ‫يتصور فيه احتمال ُم َعارض‬
‫بل في بعضها‪ ،‬ولذلك قلنا ر ّبما لم يجزم بعدم المعارض العقلي ولم نقل لم يجزم بدون كلمة‬
‫ر ّبما الدالة على البعضية وهو الموافق لما ذكر في شرح المواقف فتأ ّمل‪ .‬وسيجيء عليك ما هو‬
‫"بأن األصل‬ ‫الحق في هذا المقام‪ .‬وبما ذكرنا ظهر أن ما ذكر في شرح المقاصد من أن القول‪ّ :‬‬
‫في الشيء س ّيما فيما ورد به الشرع هو اإلمكان ما لم يرد عنه ‪/‬الضرورة أو البرهان‪ .‬فمن ا ّدعى‬ ‫[‪22‬ظ]‬

‫يحسن في مقام النظر واالستدالل دون مقام المناظرة واالحتجاج"‪.241‬‬‫االمتناع فعليه البيان إنّما ُ‬

‫‪ 237‬ل ‪ -‬فألجل هذا االحتمال‪.‬‬


‫‪ 238‬ف ط م ل‪ :‬فك ّلها‪.‬‬
‫‪ 239‬شرح المواقف للجرجاني‪.210/1 ،‬‬
‫‪ 240‬ل‪ :‬فيها‪.‬‬
‫‪ 241‬شرح المقاصد للتفتازاني‪.111/2 ،‬‬

‫‪81‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫[‪]131‬ليس بصحيح على إطالقه ألنّه يشعر ّ‬


‫بأن هذا المقام لو كان مقام النظر واالستدالل‬
‫دون المناظرة واالحتجاج كان ذلك القول حسنًا وليس كذلك‪ّ .‬‬
‫فإن هذا المقام لو كان مقام النظر‬
‫واالستدالل لكان مقام االستدالل بالبرهان‪ .‬إذ المسألة من المطالب العلمية التي يطلب في‬
‫العلم تحصيل اليقين بها ال مقام االستدالل بغير البرهان المفيد للظن‪ .‬وال شك أن ما ذكره ذلك‬
‫القائل ال يفيد الجزم باإلمكان الذي يتوقف عليه االستدالل باألدلة النقلية الدالة على الوقوع‪.‬‬
‫هذا كالم وقع في البيان فلنرجع إلي المقصود‪.‬‬
‫[‪]132‬فنقول‪ :‬اختلف أرباب الملل والنحل في هذه المسألة فمنع جميع الفرق صحة‬
‫المنزهة عن الكيف ّإل األشاعرة‪ .‬فعلى هذا االشكال في مخالفة الفالسفة والمعتزلة لهم‬
‫الرؤية ّ‬
‫في امتناع رؤيته تعالى ألنّهم يوافقونهم في تنزهه عن الكيف‪ .‬فإذا خالفوهم في إمكان الرؤية‬
‫المنزهة عن الكيف ال بدّ أن يخالفوا في صحة رؤية المنزهة عن الكيف‪.‬‬
‫[‪]133‬وأ ّما المش ّبهة والكرام ّية وإن خالفوهم في المسألة المذكورة لكنهم لم يوافقهم في‬
‫تنزهه البارئ عن الكيف فلذلك لم يخالفوهم في صحة رؤيته تعالى مثل ما خالفوهم في تلك‬
‫ثم إن أصحابنا القائلين بصحة رؤيته تعالى في الدنيا واآلخرة ً‬
‫عقل اختلفوا في جوازها‬ ‫المسألة‪ّ .‬‬
‫في الدنيا سم ًعا فمنهم من قال به ومنهم من نفاه‪ .‬وال يخفي عليك ّ‬
‫أن الدليل النقلي الذي استدل‬
‫ثم اختلفوا في جوازها في المنام‪ ،‬فقيل‪ :‬ال‪،‬‬ ‫به على الجواز ّ‬
‫يدل بعينه على الجواز في الدنيا‪ّ .‬‬
‫وقيل‪ :‬نعم‪.‬‬
‫[‪ ]134‬قال الفاضل الشريف في شرح المواقف‪" :‬والحق أنه ال مانع من هذه الرؤية وإن‬
‫لم تكن رؤية حقيقة"‪ 242‬يعني أن الرؤية حقيقة هي العلم بالبصر والنوم ضدّ العلم واإلدراك فال‬
‫يتصور أن يجامع معه فال يكون الرؤية المجامعة مع النوم رؤية باتفاق القعالء؛ بل مشابهة لها‪،‬‬
‫وال بدّ قبل الخوض في البرهان من تحرير محل النزاع‪.‬‬
‫[‪ ]135‬فنقول‪ :‬ال نزاع للمخالفين في جواز االنكشاف التام العلمي وال في ارتسام‬
‫صورة من المرئي في العين أو اتصال الشعاع الخارج من العين بالمرئي‪ 243‬أو حالة إدراكية‬
‫ثم أغمضنا العين نجد في األول حالة‬ ‫مستلزمة لذلك‪ .‬إنّما النّزاع إنّا إذا أبصرنا الشمس ً‬
‫مثل ّ‬

‫‪ 242‬شرح المواقف للجرجاني‪.173/3 ،‬‬


‫‪ 243‬أ‪ :‬في العين‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫ثم أبصرناه نجد في ال ّثاني ً‬


‫أمرا زائدً ا على‬ ‫زائدة ‪/‬على ال ّثاني‪ .‬وكذا إذا علمنا شي ًئا ً‬
‫علما جل ًّيا َّ‬ ‫[‪23‬و]‬

‫األول‪ .‬وهو الذي نسميه بالرؤية وال يتعلق في عادته تعالى في هذه الدار ّإل بما هو في جهة‬
‫ومقابلة‪ .‬فمثل هذه الحالة اإلدراك ّية هل يصح أن ال يكون مقارنًا للمقابلة والجهة وأن يتعلق‬
‫به تعالى؟‬
‫[‪ ]136‬قالت الفالسفة‪ :‬هذه الحالة الزائدة المسماة بالرؤية عائدة إلى تأ ّثر الحدقة ال إلى‬
‫اإلدراك والعلم واستدلوا على ذلك بوجوه ثلثة‪.‬‬
‫حاضرا‬
‫ً‬ ‫ثم غمض عينه فإنّه يبقى قرص الشمس‬
‫األول‪ :‬إن من نظر إلى الشمس باإلستقصاء ّ‬
‫عنده بحيث ال يقدر على دفعه عنه وليس ذلك ّإل ّ‬
‫ألن الحاسة قد تأ ّثرت عن صورة القرص‬
‫فبقيت عندها‪.244‬‬
‫حولنا العين إلى شيء أبيض فإنّا‬
‫ثم ّ‬ ‫ً‬
‫طويل ّ‬ ‫الثاني‪ :‬إنّا إذا نظرنا إلى روضة خضرآء زمانًا‬
‫ممتزجا من البياض والخضرة‪ .‬وما ذلك ّإل ّ‬
‫ألن الحدقة قد تأ ّثرت من الخضرة فبقيت‬ ‫ً‬ ‫نرى لونًا‬
‫صورتها فيها‪.‬‬
‫الثالث‪ّ :‬‬
‫إن الشعاع‪ 245‬القوي يؤثر‪ 246‬في الباصرة وكذا البياض القوي‪ 247‬يقهرها بحيث لو‬
‫نظر شخص‪ 248‬بعد رؤيتهما إلى ضوء ضعيف و‪ 249‬بياض ضعيف لم يرهما وليس ذلك ّإل لتأ ّثر‬
‫الحاسة‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬إنّها إنّما تدل على أن فيما ذكر من الصور تأ ّثر الحاسة وال يدل على أن األمر‬
‫مشروط بذلك التأ ّثر‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫الزائد الذي هو الرؤية نفس التأ ّثر كما هو مطلوبهم وال على أنّه‬
‫[‪ ]137‬ونقول إنّا ال نسلم أن صورة المرئي باقية في حالتي التغميض والتحويل في الحدقة‬
‫والرطوبة الجليدية؛ بل إنّما تبقى في الخيال؛ بل نقول‪ّ :‬‬
‫إن المتحقق في الحالتين المذكورتين‬

‫‪ 244‬ل‪ :‬فيها‪.‬‬
‫‪ 245‬في األصل‪ :‬الضوء‪.‬‬
‫‪ 246‬في األصل‪ :‬يقهر‪.‬‬
‫‪ 247‬في األصل‪ :‬الشديد‪.‬‬
‫‪ 248‬في األصل‪ :‬الرائي‪.‬‬
‫‪ 249‬في األصل‪ :‬أو‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫مجرد الحالة االنكشاف ّية المخصوصة من غير بقاء صورة حاصلة قبلهما‪ .‬وهذه الحالة االنكشافية‬
‫ّ‬
‫بمحض خلق الله تعالى بال مدخلية شيء آخر فيها بحسب العقل‪ ،‬مناسب لهذه الحالة مناسبة‬
‫أصل‪ .‬وكذا نقول ّ‬
‫إن‬ ‫تكون بحسبها مرتبتة عليه ترتي ًبا عقل ًّيا فال ّ‬
‫يدل حصولها على تأ ّثر الحاسة ً‬
‫الرؤية بمحض خلق الله تعالى من غير مدخلية الغير فيها‪ .‬فعدم الرؤية في صورة قهر الشعاع‬
‫يدل على أنّه لتأ ّثر الحاسة؛ بل ذلك لعدم إرادة الرؤية فال ّ‬
‫يدل ما ذكره على تأ ّثر‬ ‫والبياض ال ّ‬
‫أيضا‪.‬‬
‫الحاسة في هذه الصورة ً‬
‫[‪ ]138‬فإن قيل‪ :‬ما ذكر صور جزئية فال يدل رجوع الرؤية فيها إلى التأ ّثر على رجوعها إليه‬
‫[‪23‬ظ]‬ ‫في جميع الصور لجواز أن يكون ‪/‬أفراد الرؤية مختلفة بالحقيقة ويكون اشتراكها فيها اشتراك‬
‫العرض العام أو الجنس فال يثبت بما ذكروا مطلوبهم الذي هو الرجوع إلى التأ ّثر في جميع‬
‫الصور‪.‬‬
‫[‪ ]139‬قلنا‪ :‬البديهة ال تفرق بين أفراد الرؤية فيما يرجع إليه من التأ ّثر واالنكشاف التام‪.‬‬
‫فإذا ثبت الرجوع ال أحدهما في بعض الصور ثبت في الكل بنا ًء على تلك البديهة وحينئذ يكون‬
‫ما ذكرت من االحتمال راج ًعا إلى احتمال كون أفراد الثأ ّثر أو ذلك االنكشاف التام مختلف‬
‫بالحقيقة‪،‬‬
‫األولين ال ّ‬
‫يدلن على أن في تينك الصورتين تأ ّثر الحاسة‬ ‫[‪ ]140‬بل نقول‪ّ :‬‬
‫إن الوجهين ّ‬
‫ّ‬
‫ألن الحالتين الحاصلتين حين التغميض ورؤية البياض حالة انكشافية حاصلة بخلق الله تعالى‬
‫من غير تأثير للغير ومدخليته‪ .‬وليس ترتب تلك الحالة على الحالة األولى من النظر إلى القرص‬
‫مقتض لمناسبة المترتِب للمرتَب عليه مناسبة عقلية‬
‫ٍ‬ ‫واألبيض ّإل ترتب عادي من غير أمر‬
‫مصححة لمدخل ّية ال ّثاني في ّ‬
‫األول بحسب العقل‪ .‬فال يلزم من هذا الترتب تحقق تأثر الحاسة‬
‫‪250‬‬
‫في الحالتين األولين‪.‬‬

‫األوليــن ال يــدلّن علــى أن فــي تينــك الصورتيــن تأثــر الحاســة ّ‬


‫ألن الحالتيــن‬ ‫‪ 250‬ل ط م ف ‪ -‬؛ أ ‪ +‬بــل نقــول إن الوجهيــن ّ‬
‫الحاصلتيــن حيــن التغميــض ورؤيــة البيــاض حالــة انكشــافية حاصلــة بخلــق اللــه تعالــى مــن غيــر تأثيــر للغيــر ومدخليتــه‬
‫وليــس ترتــب تلــك الحالــة علــى الحالــة األولــى مــن النظــر إلــي القــرص واألبيــض ّإل ترتــب عــادي مــن غيــر أمــر مقتـ ٍ‬
‫ـض‬
‫لمناســبة المترتِــب للمر َتــب عليــه مناســبة عقليــة مصححــة لمدخليــة الثانــي فــي األول بحســب العقــل فــا يلــزم مــن هــذا‬
‫الترتــب تحقــق تأثــر الحاســة فــي الحالتيــن األوليــن‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫[‪ ]141‬وقالت االشاعرة‪ :‬تلك الحالة الزائدة حالة انكشافية غير عائدة إلى تأثر الحاسة‬
‫ويصح أن يتعلق به تعالى ويكون‬
‫ّ‬ ‫مما يلزمه ذلك التأثر والمقابلة والجهة‬
‫وال هي مشروطة به وال ّ‬
‫لحاستنا نسبة مخصوصة إليه تعالى فيحصل ذلك االنكشاف التام المسمى بالرؤية كما ينكشف‬
‫القمر ليلة البدر‪ .‬كما روى عن رسول الله ء م‪ .‬واستدلوا على ذلك بالدليل النقلي والعقلي‪.‬‬
‫عول عليه أبو منصور ماتريدي فالعمدة فيه قوله تعالى حكاية‬ ‫[‪ ]142‬أ ّما النقلي‪ :‬وهو الذي ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ر ِّب َأ ِرني َأن ُظ ْر إِ َل ْي َك َق َال َلن ت ََراني َو َلـٰك ِن ان ُظ ْر إِ َلى ا ْل َج َب ِل َفإِن ْ‬
‫اس َت َق َّر َمكَا َن ُه‬ ‫عن موسى ع م‪َ :‬‬
‫ف ت ََرانِي﴾ [األعراف‪ ]143/7 ،‬واالحتجاج به من وجهين‬ ‫َف َس ْو َ‬
‫األول‪ :‬أن موسى ع م طلب رؤيته بالنص واإلجماع والتواتر وتسليم الخصم‪ .‬ولو لم يكن‬
‫الرؤية ممكنة لكان طلبه ذلك إ ّما لجهله بامتناعها‪ 251‬أو كان عالم ًا به لكنه طلبها وكالهما فاسد‪.‬‬
‫فألن الجاهل بما يجوز وما ال يجوز عليه ال يصلح أن يكون نب ًّيا ً‬
‫فضل عن أن‬ ‫األول‪ّ :‬‬
‫أ ّما ّ‬
‫كليما موصو ًفا بذلك في كتابه تعالى‪ .‬إذ حكمة اإلرسال ليست ّإل دعوة الخلق للعقائد‬
‫يكون نب ًّيا ً‬
‫الح ّقة واألعمال الصالحة‪.‬‬
‫‪252‬‬ ‫وأ ّما الثاني‪ّ :‬‬
‫فألن طلب المحال عبث ال يقع من العاقل هكذا ّقرر في شرح المقاصد‪.‬‬
‫نفسه حقيقة الرؤية‪.‬‬
‫إن اإلجماع وتسليم الخصم ليس على أنّه طلب َ‬‫[‪ ]143‬وأقول‪ّ :‬‬
‫فإن المعتزلة خالفوا في ذلك فقال بعضهم إنه طلب العلم الضروري وبعضهم إنه طلب علم ًا‬
‫ّ‬
‫وبعضهم على أن نفسه لم يطلب الرؤية؛ بل ذلك من لسان قومه‪ .‬ولعل مراده بتسليم الخصم‬
‫بنبوته على ما سيجيء‪.‬‬
‫تسليم بعضه وهو الذي يقول أنه لم يعلم استحالة رؤيته وذلك ال يضر ّ‬
‫وأ ّما دعوى اإلجماع فال شك في بطالنها لظهور مخالفة مشايخ المعتزلة ودعوى إجماع من‬
‫قبلهم غير مس ّلمة ‪/‬عندهم‪.‬‬ ‫[‪24‬و]‬

‫والوجه ال ّثاني‪ :‬أنه ع ّلق الرؤية على استقرار الجبل وهو أمر ممكن والمع ّلق على الممكن‬
‫‪253‬‬
‫وإل أل ْمكن صدق الملزوم بدون الالزم‪.‬‬ ‫ممكن ّ‬

‫‪ 251‬أ‪ :‬بإمكانه‪.‬‬
‫‪ 252‬شرح المقاصد للتفتازاني‪.111/2 ،‬‬
‫‪ 253‬هامش م‪ّ :‬‬
‫فإن المحال ال يثبت على شيء من التقادير الممكنة‪ .‬منه‬

‫‪85‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫[‪ ]144‬وأقول‪ :‬قد سبق أن هذه المسألة من المسائل العلم ّية التي يطلب في العلم تحصيل‬
‫اليقين بها وأن المقصود بهذا الدليل إفادة اليقين‪ ،‬وال شبهة في أنه ما دام احتمال المعارض‬
‫قائما ال يتصور الجزم‪ ،‬وال شبهة أن المعارض العقلي ليس مما ينحصر في االمتناع؛ بل‬
‫العقلي ً‬
‫كون طلب الرؤية المعلوم امتناعها عب ًثا معارض عقلي لطلب ّ‬
‫النبي رؤيته‪.‬‬
‫تمهد هذا فنقول‪ :‬إن امتناع الرؤية لم يعلم بعد؛ بل إنّما يعلم بهذا الدليل الذي هو‬
‫[‪]145‬إذا ّ‬
‫العمدة بين األدلة‪ .‬وحينئذ يجوز عند العقل أن يكون الرؤية ممتنعة ويكون طلبها طل ًبا للمحال‬
‫الذي هو العبث‪ 254‬الصادر عن األنبياء‪.‬‬
‫مما يعارض إحدى مقدمتي الدليل وهي أن النبي عليه السالم طلب‬
‫[‪]146‬وال شبهة أنه ّ‬
‫الرؤية‪ .‬وما دام هذا االحتمال باق ًيا ال يفيد الدليل النقلي على هذه المقدمة مفيدة لليقين الذي هو‬
‫المطلوب‪ .‬وال فرق بين هذا المعارض والمعارض الذي هو االمتناع‪ .‬فعدم جعله دليل الوقوع‬
‫قاط ًعا لهذا االحتمال وحكمهم ّ‬
‫بأن الدليل الدال على الوقوع ال يفيد اليقين ما لم يعلم إمكانه‬
‫بالعقل وجعلهم ذلك الدليل قاط ًعا لذلك االحتمال ومفيدً ا لليقين بدون أن يعلم عدم ذلك‬
‫المعارض بالعقل تحكّم محض‪ .‬وما يدل عليه كالم الفاضل الشريف في شرح المواقف في‬
‫آخر الموقف‪.‬‬
‫األول‪ :‬من انحصار المعارض العقلي في الشرع ّيات في االمتناع محل بحث لما ذكرنا من‬
‫ّ‬
‫فتبصر‪ ،‬هذا ما وعدناك فيما سبق من أنه سيجيء عليك ما هو الحق في هذا المقام‪.‬‬
‫المثال ّ‬
‫[‪]147‬ويرد على المقدمة القائلة في الوجه ال ّثاني إن المعلق على الممكن ممكن منع‬
‫ظاهر‪ .‬إذ الممكن ر ّبما يستلزم المحال وإن كان ذلك بحسب الغير ال بحسب ذاته‪ .‬فإن عدم‬
‫ألن عدم المعلول ال يكون ّإل بعدم علته‪ .‬فبقي مثل هذه‬
‫المعلول األول يستلزم عدم الواجب ّ‬
‫الصورة ال يلزم من تعليق الالزم على الملزوم الممكن إمكان صدق الملزوم بدون الالزم‪ّ .‬‬
‫ألن‬
‫الملزوم ليس هو الممكن من حيث هو ذاته؛ بل هو من حيث هو مأخوذ مع الغير وهو من هذه‬
‫األول إذا اعتبر في نفسه فعدمه ممكن وال يستلزم عدم الواجب‬
‫الحيث ّية ممتنع‪ .‬فإن عدم المعلول ّ‬
‫[‪24‬ظ]‬ ‫واجب بالعلة‪ .‬فعدمه ممتنع بها ومستلزم لعدمها‬
‫ٌ‬ ‫‪/‬من هذه الحيث ّية وإن اعتبر من حيث أن وجوده‬
‫ولكن ليس عدمه ممكنًا بالذات من هذه الحيث ّية حتى يلزم إمكان الزمه وإمكان صدق الملزوم‬

‫‪ 254‬أ ‪ +‬الغير‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫نظرا إلى ذاته إمكان العدم‬ ‫ً‬


‫محال‪ .‬إذ ال يلزم من إمكان العدم ً‬ ‫بدون الالزم على تقدير كون الالزم‬
‫الممتنع بالغير أبدً ا بالنظر إليه‪ .‬وال يلزم من ذلك كونه واج ًبا لذاته‪ .‬وإنّما يلزم أن لو امتنع نسبة‬
‫العدم إليه لذاته‪ .‬فإذا كان المع َّلق عليه ههنا استقرار الجبل من حيث هو يلزم من إمكانه إمكان‬
‫المع ّلق‪ .‬أما اذا كان استقراره مع‪ 255‬مالحظة الغير الذي يمتنع االستقرار عنده فال يلزم من إمكانه‬
‫إمكان الرؤية‪ .‬فللمعتزلة أن يقول إن المع َّلق عليه استقرار الجبل عقيب النظر أي استقرار الجبل‬
‫وإن كان ممكنًا في نفسه عقيب النظر ّإل‬
‫مع كون الجبل مقيدً ا بالحركة فيه‪ .‬فإن استقرار الجبل ْ‬
‫أنه بحسب تقييده بما ينافيه من الحركة ممتنع بالغير في ذلك الوقت‪ .‬فجاز أن يستلزم المحال‬
‫وتعلق عليه الرؤية من تلك الحيث ّية‪ .‬وحينئذ ال يرد أن يقال إن استقرار الجبل ممكن في نفسه في‬
‫جميع األوقات ً‬
‫بدل من الحركة‪.‬‬
‫[‪]148‬فإن قيل‪ :‬الظاهر أنه ع ّلق على استقرار الجبل من حيث هو ْ‬
‫وإن كان ذلك في‬ ‫ْ‬
‫االستقبال‪ ،‬وكونه ممتن ًعا بالغير في ذلك الوقت من جهة تقييده بالحركة فيه ال يستلزم أن يؤخذ‬
‫المع َّلق عليه بتلك الجهة وال ينافي أن يكون الظاهر ما ذكرنا‪.‬‬
‫إن عدم المعلول األول عدم الواجب في كون المع َّلق‬
‫[‪]150‬قلنا‪ :‬ال فرق بينه وبين قولنا ّ‬
‫عليه الممكن من حيث هو أم ال‪ .‬فلو جعلنا المع َّلق عليه ههنا الممكن من حيث هو لم يصدق‬
‫وأيضا‪ 256‬التبادر ال يد َف ُع احتمال الغير المنافي لليقين وإن كان ذلك‬
‫الشرط ّية وليس كذلك‪ً .‬‬
‫مرجوحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫احتمال‬ ‫االحتمال‬
‫‪257‬‬ ‫[‪]151‬فإن قلت‪ّ :‬‬
‫إن المتبادر يجب أن يصار عليه إذا لم يدل دليل على خالفه فبمالحظة‬ ‫ْ‬
‫ما ذكر مفيدً ا لليقين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فحينئذ يمنع التبادر من اللفظ الملقى إلى موسى ع م حين القى إليه‪ .‬إذ يحتمل أن‬
‫يكون حين القآئه إليه قرينة حالية أو مقالية دالة على التعليق باستقرار الجبل المق ّيد بالحركة‪ .‬وال‬
‫وإل يلزم أن ال يكون كالمه‬‫يكون تلك القرآئن منقولة إلينا ومجمالت كتاب الله من هذا القبيل ّ‬
‫المشتمل على ذلك غير بليغ لعدم كونه متضح الداللة على المعنى المراد‪.‬‬

‫‪ 255‬ل‪ :‬معنى‪.‬‬
‫[إن عــدم المعلــول األول عــدم الواجــب] فــي كــون المع َّلــق عليــه الممكــن مــن‬
‫‪ 256‬ل ط م ف ‪ |-‬أ ‪ +‬ال فــرق بينــه وبيــن قولنــا ّ‬
‫حيــث هــو أم ال فلــو جعلنــا المع َّلــق عليــه ههنــا الممكــن مــن حيــث هــو لــم يصــدق الشــرطية وليــس كذلــك ً‬
‫وأيضــا‪.‬‬
‫‪ 257‬أ ‪ +‬يكون | ف‪ :‬فبمالحظته‬

‫‪87‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫األول فمن وجوه‪.‬‬


‫[‪]152‬وأجاب المعتزلة عن وجهي الدليل أ ّما عن ّ‬
‫األول‪ :‬أنّه تجوز بالرؤية عن العلم الضروري إطال ًقا‪ 258‬للملزوم على الالزم وهو مجاز‬
‫ّ‬
‫[‪25‬و]‬ ‫"رأي" بمعنى "علم" و"أرى" بمعنى "أعلم"‪ .‬فكأنّه قال اجعلني عالم ًا لك ً‬
‫علما‬ ‫شائع ‪/‬س ّيما َ‬
‫ضرور ًّيا وهذا تأويل أبي الهذيل ّ‬
‫العلف وتبعه الجبائي وأكثر البصريين‪.‬‬
‫أيضا‬ ‫[‪]153‬وأجيب عنه‪ّ :‬‬
‫بأن الرؤية لو كانت بمعنى العلم لكان النظر المترتَّب عليه بمعناه ً‬
‫ً‬
‫موصول بإلى مستبعدٌ جدًّ ا‪.‬‬ ‫وإن استعمل بمعنى العلم ّإل أن استعماله فيه‬
‫والنظر ْ‬

‫[‪]154‬وأقول‪ :‬ال نس ّلم كون الرؤية بمعنى العلم مستلز ًما لكون النظر المترتَّب عليه‬
‫بمعنى العلم‪ ،‬لِ َم ال يجوز أن يكون بمعنى التوجه فإن التوجه الزم للنظر بمعنى تقليب الحدقة؟‬
‫مجازا يكون ذلك المجاز قرينة‪ .‬وأن العلم الضروري بمثل تلك الذات الذي‬ ‫ً‬ ‫أيضا‬
‫فيكون هذا ً‬
‫ً‬
‫اتصال معنو ًّيا مما يستلزم التوجه إليه بالكل ّية‪.‬‬ ‫هو االنكشاف التام المستلزم التصال النفس به‬
‫ويحتمل أن يكون النظر بمعنى العلم وتعديته باعتبار تضمين معنى التوجه‪ .‬وال ُب ْعدَ في تعدية‬
‫وأيضا يجوز أن يكون مجموع النظر المعدّ ى بإلي الذي بمعنى تقليب‬ ‫فعل باعتبار التضمين‪ً .‬‬
‫مجازا عن العلم الضروري الالزم لذلك التقليب‪ .‬كما أنه مجاز عن‬
‫ً‬ ‫الحدقة المؤدي إلى الرؤية‬
‫الرؤية عندهم ضرورة أن تقليب الحدقة ال يتصور بالنسبة إليه‪ ،‬وتعدية النظر بإلى ال ينافي أن‬
‫مجازا عن الرؤية عندهم وهذا مثل قوله‬
‫ً‬ ‫عما ذكرنا‪ ،‬أنه ال ينافي أن يكون‬ ‫مجازا ّ‬ ‫ً‬ ‫يكون المجموع‬
‫است ََو ٰى﴾ [طه‪ ]5/20 ،‬حيث قيل إنه مجاز في معنى تملك مع‬ ‫ش ْ‬‫﴿الر ْح َمـٰ ُن َع َلى ا ْل َع ْر ِ‬
‫تعالى‪َّ :‬‬
‫أن تملك ال يعدّ ى بعلى‪ .‬وال وجه ألن يقال في مقام البرهان على إمكان الرؤية‪ .‬أن التجويزين‬
‫المذكورين خالف الظاهر بعيد عن داللة اللفظ عليهما فال يصار إليهما ّإل بدليل وال دليل عليه‪.‬‬
‫ّ‬
‫ألن احتمال بامتناع الرؤية المستلزم الحتمال المجاز لكونه احتمال كونه قرينة مانعة من الحمل‬
‫على المعنى الحقيقي للرؤية ينفي كون الدليل المذكور برهانًا‪ .‬وإن كانت التاويالت المذكورة‬
‫بعيدة عن داللة اللفظ واحتماالت مرجوحة ويكفي للمعتزلي في جواب أهل الحق منع برهانية‬
‫الدليل المذكور وإفادته اليقين مستندً ا باحتمال تلك التأويالت بسبب احتمال امتناع الرؤية‪ .‬وال‬
‫يلزم ادعاء الجزم أو الظن بها‪ .‬وقول أهل الحق إبطال تأويالتهم التي ذكروها على طريقة الحكم‬
‫[‪25‬ظ]‬ ‫دون االحتمال بأنها خالف الظاهر وال يصار إليها ّإل بدليل وال ‪/‬دليل عليها‪ .‬ليس مما يفيدهم‬

‫‪ 258‬ل‪ :‬إفادا ال‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫كثير نفع‪ .‬إذ قيام االحتماالت لها مما يكفي في إبطال أد ّلتهم التي قصدوا بها إفادة اليقين بالمسألة‬
‫دون مجرد الظن‪.‬‬
‫[‪]155‬قال الفاضل الشريف في شرح المواقف‪" :‬فوجب أن يحمل على الرؤية؛ بل على‬
‫أيضا"‪.259‬‬
‫تقليب الحدقة نحو المرئي المؤدي إلى الرؤية فيكون الطلب للرؤية ً‬
‫[‪]156‬وأقول‪ :‬ذكر في حواشيه للمطول‪ :‬اعلم أن استعمال بسط اليد في الجود بالنظر إلى من‬
‫وصحت أو شلت أو قطعت أو فقدت لنقصان في الخلقة كناية‬ ‫ّ‬ ‫جاز أن يكون له يد سوآء وجدت‬
‫محضة لجواز إرادة المعنى األصلي في الجملة وبالنظر إلى من تنزه عنه اليد كقوله تعالى‪َ ﴿:‬ب ْل َيدَ ا ُه‬
‫ِ‬
‫متفرع على الكناية المتناع تلك اإلرادة‪ .‬فقد استعمل بطريق‬ ‫َم ْب ُسو َطتَان﴾[المائدة‪ ]64/5 ،‬مجاز ّ‬
‫مجازا‬
‫ً‬ ‫ثم استعمل ههنا‬
‫الكناية هناك حتى صار بحيث يفهم منه الجود من غير أن يتصور يدٌ أو بسط‪ّ .‬‬
‫ش ْاست ََو ٰى﴾ [طه‪]5/20 ،‬‬ ‫﴿الر ْح َمـٰ ُن َع َلى ا ْل َع ْر ِ‬
‫في معنى الجود وقس عليه نظائره في قوله تعالى‪َّ :‬‬
‫فإن االستواء على العرش أي الجلوس عليه فيمن‬ ‫﴿و َل َين ُظ ُر إِ َل ْي ِه ْم﴾ [آل عمران‪ّ .]77/3 ،‬‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫متفرع عليها‪ ،‬وعدم النظر‬
‫يتصور منه ذلك كناية محضة عن الملك‪ 260‬وفيمن ال يجوز عليه مجاز ّ‬
‫فيمن يجوز منه النظر كناية محضة عن عدم اإلعتداد وفيمن ال يجوز منه كذلك‪ .‬هكذا ح ّقق الكالم‬
‫ً‬
‫محمول على الرؤية على طريقة المجاز‬ ‫في الكشاف‪ .‬فعلى قياس هذا التحقيق يكون النظر ههنا‬
‫المتفرعة على الكناية مما سبق تحقيقه بال فرق‪ .‬وجعله كناية عن‬
‫ّ‬ ‫المتفرع على الكناية كالمجازات‬
‫ّ‬
‫الرؤية مناف لما ذكره في شرح المفتاح‪ .‬وبنى عليه التحقيق المذكور من أنّه ال بدّ في الكناية من‬
‫جواز إرادة الموضوع له‪ .‬وال شبهة في أنه ال يجوز إرادة تقليب الحدقة في ح ّقه تعالى ً‬
‫فضل عن‬
‫محمول على تقليب الحدقة"‪ .‬والظاهر أنّه جعله‬ ‫ً‬ ‫إرادته بالفعل كما يدل عليه قوله "فوجب أن يكون‬
‫ً‬
‫مستعمل في معناه كما في سائر التمثيالت‪ ،‬ويرد عليه أن الرؤية‬ ‫من قبيل التمثيل فيكون لفظ النظر‬
‫الكشاف‪َ ﴿ :‬أن ُظ ْر إِ َل ْي َك﴾ [األعراف‪،‬‬
‫أيضا قال في ّ‬
‫إذا استعملت بمعنى العلم يتأتي هذا التوجيه ً‬
‫‪" ]143/7‬اعرفك [معرف ًة] اضطرار ّي ًة كأني انظر إليك"‪ .261‬فإنّه يدل على أن انظر إليك من تتمة‬
‫وأن النّظر محمول على تقليب الحدقة وأنّه مرتبط بامر معنوي في الكالم وهو اعرفك‬ ‫الجواب ّ‬
‫معرف ًة اضطرار ّي ًة‪ .‬فعلى هذا يكون النظر معدًّ ى ب"إلى" بال استبعاد ‪/‬فـتأ ّمل‪.‬‬ ‫[‪26‬و]‬

‫‪ 259‬شرح المواقف للجرجاني‪.176/3 ،‬‬


‫‪ 260‬أ ‪ : +‬اعتداد‪.‬‬
‫‪ 261‬الكشاف للزمخشري‪.156/2 ،‬‬

‫‪89‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫[‪]157‬وأجيب بوجهين آخرين‪.‬‬


‫األول‪ :‬أن ما ذكر من التأويل يستلزم أن ال يكون موسى عالم ًا بر ّبه علم ًا ضرور ًّيا مع أنّه‬
‫ّ‬
‫ألن المخاطب في حكم الحاضر المشاهد وما يعلم بالنظر ليس كذلك‬ ‫يخاطبه‪ ،‬وذلك ال يعقل؛ ّ‬
‫هكذا قال في شرح المواقف‪ 262،‬وقال في شرح المقاصد "كيف وموسى عالم بربه [تعالى] سمع‬
‫كالمه وجعل يناجيه ويخاطبه"‪.263‬‬
‫[‪]158‬وأقول‪ :‬الغائب الغير المعلوم بالضرورة إذا كان عالم ًا بما يخاطب ومن يخاطب‬
‫ينزل منزلة الحاضر المشاهد فذكر معه الفاظ الخطاب ولذلك يخاطب إليه من ليس في ذروة‬
‫العيان وال يتجاوز منزلة في العلم عن حضيض البرهان‪ .‬ومن هذا القبيل مخاطبات األكثرين في‬
‫أدعيتهم وأثنيتهم‪ .‬وما ذكر في شرح المقاصد "سمع كالم الله" ليس بشيء؛ ّ‬
‫ألن سماع كالمه‬
‫ٍ‬
‫معان مقصودة وهو ال يقتضي أن يكون خالق‬ ‫ليس ّإل سماع ألفاظ مخلوقة في الجسم دالة على‬
‫هذه األلفاظ معلو ًما بالضرورة لسامعها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنّه لو حمل الرؤية على العلم الضروري لم يطابق السؤال للجواب ّ‬
‫ألن الرؤية في‬
‫﴿ َل ْن ت ََرانِي﴾ [األعراف‪ ]143/7 ،‬محمول على معنى الرؤية الحقيقي بإجماع المعتزلة‪.‬‬
‫يضر مخالفة المق ّلد‬
‫ّ‬ ‫[‪]159‬وأقول‪ :‬يريد بإجماع المعتزلة إجماع مجتهديهم فال‬
‫فسرها به صاحب الكشاف‬ ‫فسرها منهم بالعلم الضروري كما ّ‬
‫من أصحاب الجهل ممن ّ‬
‫منهم حيث قال ﴿ َل ْن ت ََرانِي﴾ [األعراف‪" ]143/7 ،‬أي لن يطيق معرفتي على‪ 264‬هذه‬
‫‪265‬‬
‫الطريقة"‪.‬‬
‫[‪]160‬الثاني من وجوه أجوبة المعتزلة أن المراد بالرؤية رؤية علم من أعالمه الدالة على‬
‫الساعة ومعنى "انظر إليك" "انظر إلى علمك" على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقا َمه‬
‫اس َأ ِل ا ْل َق ْر َي َة﴾ [يوسف‪ ]82/12 ،‬أي أهلها‪ .‬وهذا تأويل الكعبى والغداديين من‬
‫﴿و ْ‬
‫كما في َ‬
‫المعتزلة ويرد عليه بوجوه‬

‫‪ 262‬شرح المواقف للجرجاني‪.176/3 ،‬‬


‫‪ 263‬شرح المقاصد للتفتازاني‪.112/2 ،‬‬
‫‪ 264‬أ‪ :‬علما‪.‬‬
‫‪ 265‬الكشاف للزمخشري‪.157/2 ،‬‬

‫‪90‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫[‪]161‬األول‪ :‬أنّه خالف األصل‪ 266‬فال يرتكب إلّ لدليل وما زعموا من أن الرؤية ممتنعة‬
‫ّ‬
‫عقل فيكون طل ُبها عب ًثا‪ .‬فال بدّ من أن ّ‬
‫يؤول بأمثاله كما في سائر المتشابهات ليس بشيء‬ ‫في ح ّقه ً‬
‫يظهر ذلك مما حققناه من أن القائم هناك احتمال المعارض العقلي المستلزم الحتمال التأويل‬
‫ال نفس المعارض العقلي كما زعموا‪.‬‬
‫وال ّثاني‪ :‬أن الجواب أعني ﴿ َل ْن ت ََرانِي﴾ [األعراف‪ ]143/7 ،‬ال يطابق السؤال إلجماع‬
‫المعتزلة على أن المراد بنفي الرؤية في الجواب نفي رؤيته ال نفي علم من أعالمه‪.‬‬

‫وال ّثالث‪ :‬أنه لو كان المراد في السؤال ما ذكروا لكان المراد في الجواب ذلك ً‬
‫أيضا وهو‬
‫ألن تدكّك الجبل من ‪/‬أعظم األعالم‪.‬‬‫يستلزم كذب الجواب ّ‬ ‫[‪26‬ظ]‬

‫صرح به في شرح المواقف للس ّيف‬


‫[‪ ]162‬وأقول‪ :‬إذا أرادوا بالعلم ما يدل على الساعة كما ّ‬
‫ووقع في بعض نسخ شرح المواقف للس ّيد وهو الموافق لما ذكر في أبكار األفكار ال يرد ما ذكر‬
‫كل خارق العادة ال يدل على الساعة‬ ‫فإن ّ‬
‫ألن داللة تدكّك الجبل على الساعة ممنوع ّ‬
‫عليهم‪ّ .‬‬
‫بل الدال عليه أمور مخصوصة ر ّبما يعلمها بإخبار‪ 267‬تعالى بها بعض عباده المخلصين‪ ،‬نعم لو‬
‫أرادوا به العلم الدال على ذاته كما وقع في بعض نسخ شرح المواقف وهو الموافق لما في نهاية‬
‫العقول لتوجيه ذلك الرد‪.‬‬
‫[‪]163‬ويمكن أن يقال إن مرادهم بالعلم الدال على ذاته العلم الذي يكون إرائته بمنزلة‬
‫واضحا جل ًّيا كأنّه أراه في جالله‪ 268‬مثل آيات القيامة التي‬
‫ً‬ ‫إرائتها أي العلم الذي يعرفه تعريفا‬
‫يضطر الخلق إلى معرفته وتدكيك الجبل ليس من ذلك القبيل‪.‬‬
‫ِ‬
‫«وأيضا [قوله] ﴿ َفإِن ْ‬
‫اس َت َق َّر َمكَا َن ُه﴾ [األعراف‪]143/7 ،‬‬ ‫ً‬ ‫[‪]164‬قال في شرح المواقف‪:‬‬
‫ال يالئم رؤيتها ّ‬
‫ألن اآلية في تدكّك الجبل دون‪ 269‬استقراره"‪.270‬‬

‫‪ 266‬في األصل المتن‪ :‬الظاهر‪.‬‬


‫‪ 267‬أ‪ :‬ويخبرها البارئ‪.‬‬
‫‪ 268‬أ م‪ :‬جالئه‪.‬‬
‫‪ 269‬في األصل‪ :‬ال في‪.‬‬
‫‪ 270‬شرح المواقف للجرجاني‪.177/3 ،‬‬

‫‪91‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫ليم إن المتبادر من قوله‪﴿ :‬ان ُظ ْر إِ َلى ا ْل َج َب ِل َفإِ ِن‬


‫قلب َس ٌ‬
‫[‪]165‬وأقول‪ :‬ال يخفى على من له ٌ‬
‫ف ت ََرانِي﴾ [األعراف‪ ]143/7 ،‬على ذلك التأويل "أنّه انظر إلى الجبل فإن‬ ‫اس َت َق َّر َمكَا َن ُه َف َس ْو َ‬
‫ْ‬
‫استقر مكانه فسوف تراني "علم ًا في الجبل"‪ .‬ومن المعلوم أنه ال يقتضي أن يكون اآلية نفس‬
‫ّ‬
‫االستقرار حتى ال يالئم بل المقتضي أن يكون العلم في الجبل على تقدير االستقرار فالمالئمة‬
‫حاصلة على ذلك التأويل‪.‬‬
‫[‪]166‬فاألولى أن يقال‪ :‬إن المتبادر في اللغة من التعليق الشرطي هو التعليق والربط في‬
‫جانبي الوجود والعدم ال في جانب الوجود فقط كما يدل عليه كالم الفاضل الشريف في شرح‬
‫سبب لرؤية‬ ‫المواقف‪ .‬فيلزم على هذا التأويل أن يكون الشرط ّية كاذبة‪ّ .‬‬
‫ألن عدم استقرار الجبل ٌ‬
‫العلم ال ٍ‬
‫مناف لها‪.‬‬
‫[‪ ]167‬الثالث‪ :‬من تلك الوجوه أن موسى عليه السالم لم يسأل الرؤية لنفسه بل سألها‬
‫لقومه حيث قالوا ﴿ َأ ِرنَا ال َّلـ َه َج ْه َرةً﴾ [النساء‪]153/4 ،‬؛ وقالوا ﴿ َل ْن ن ُّْؤ ِم َن َل َك َحت َّٰى ن ََرى ال َّلـ َه‬
‫َج ْه َرةً﴾ [البقرة‪ .]55/2 ،‬وإنّما أضافت إلى نفسه ليمنع عنها فيعلم به قومه أنّها بالنسبة إليهم‬
‫الس َف َها ُء ِمنَّا﴾ [األعراف‪ ]155/7 ،‬وفيه‬ ‫ِ‬
‫أبعد وأشدّ في االستحالة‪ .‬ولهذا قال ﴿ َأت ُْهل ُكنَا بِ َما َف َع َل ُّ‬
‫تأثيرا في عقولهم وأنسب‬
‫من المبالغة ما ليس في إضافتها إليهم‪ .‬فهذا أدعى إلى قبولهم وأشد ً‬
‫[‪27‬و]‬ ‫بالبالغة القرآن ّية ولهذا لم يقل "و َأ ِر ِهم ينظروا إليك‪ "271‬مع أن الظاهر المناسب السؤال ألجل ‪/‬‬
‫قومه أن يقول كذلك‪ .‬وبما ذكرنا ظهر الجواب عما وقع في شرح المقاصد وهذا مع مخالفة‬
‫الظاهر حيث لم يقل وأرهم ينظرون إليك‪.‬‬
‫[‪]168‬واألولى وقع في شرح المواقف أنّه خالف الظاهر فال بدّ له من دليل‪ .‬وما ذكروه‬
‫في الدليل أن المسؤل عنه مستحيل بدليل أخذ الصاعقة لهم والسؤال عن المحال عبث ال يليق‬
‫باألنبياء ليس بشيء‪ّ .‬‬
‫ألن أخذ الصاعقة لهم إنّما كان بسبب تعنّتهم وإلزامهم على موسى وقصد‬
‫إعجازه بما طلبوه من اآليات ال لكون‪ 272‬المسؤل عنه محالً‪ .‬وهذا مثل ما أنكر قولهم‪َ ﴿ :‬ل ْن‬
‫ض َين ُبو ًعا﴾ [اإلسراء‪ ]90/17 ،‬وقولهم‪ُ ﴿ :‬تن َِّز َل َع َل ْي ِه ْم ِكتَا ًبا‬
‫ن ُّْؤ ِم َن َل َك َحت َّٰى َت ْف ُج َر َلنَا ِم َن ْالَ ْر ِ‬
‫وإن كان المسؤل عنه ممكنًا‪ .‬وما قالوا في دليل‬ ‫اء﴾ [النساء‪ ]153/4 ،‬بسبب التعنت ْ‬ ‫من السم ِ‬
‫ِّ َ َّ َ‬

‫‪ 271‬م ط ل‪ :‬إليه‪.‬‬
‫‪ 272‬ل‪ :‬يكون‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫الس َف َها ُء ِمنَّا﴾ [األعراف‪ ]155/7 ،‬إنّما‬ ‫ِ‬


‫تأويلهم أن قوله حكاية عن موسى‪َ ﴿ :‬أت ُْهل ُكنَا بِ َما َف َع َل ُّ‬
‫مجرد طلب الرؤية بل طلبهم تعنّتًا‬
‫يالئم هذا التأويل بين الفساد‪ .‬إذ ليس مراده بفعل السفهاء ّ‬
‫وعنا ًدا‪ .‬وقيل هذا التأويل مع كونه خالف الظاهر غير مستقيم من وجوه‪.‬‬
‫[‪ ]169‬أ ّما ّأو ًل‪ّ :‬‬
‫فألن القوم الذي طلبها موسى من لسانهم إ ّما أن يكونوا مؤمنين بموسى‬
‫فكفاه أن يقول هذا ممتنع‪ .‬فكان يجب عليه أن يعرفهم امتناعه حين جرى بهذه المقالة العظيمة‬
‫﴿اج َعل َّلنَا إِ َلـ ًٰها ك ََما َل ُه ْم آلِ َه ٌة﴾‬
‫على ألسنتهم وال يؤخر إلى أن يسأل كما زجرهم حيث قالوا‪ْ :‬‬
‫ون﴾ [األعراف‪ ]138/7 ،‬أو ال يكونوا‬ ‫[األعراف‪ ]138/7 ،‬بأن قال‪﴿ :‬إِ َّنك ُْم َق ْو ٌم ت ْ‬
‫َج َه ُل َ‬
‫إخبارا عن الله‬
‫ً‬ ‫أيضا في الجواب‪َ ﴿ :‬ل ْن تَراني﴾ [األعراف‪]143/7 ،‬‬
‫مصدّ قين لم يصدقوه ً‬
‫ألن الك ّفار لم يحضروا وقت السؤال ولم يسمعوا الجواب بل الحاضرون هم السبعون‬
‫تعالى‪ّ .‬‬
‫فكيف يفيدهم إخباره مع إنكارهم بمعجراته الباهرة؟ فإذا لم يكن إخباره مفيدً ا فعدم إخبار أمتّه‬
‫وهي السبعون المختارون بالطريق األولى‪.‬‬

‫[‪ ]170‬وأقول‪ :‬نختار الشق ال ّثاني من الترديد ونقول لعل البارئ َا ْ‬


‫له َم موسى أنّه إذا سئل‬
‫عن الرؤية ترتّب عليه تلك اآلية العظيمة الدالة على ذاته وأنه يشاهدها بعد ذلك السبعون‬
‫متواترا‪ .‬وأنه يجيبه على ذلك التقدير بجواب يسمع هو‬
‫ً‬ ‫خبرا‬
‫المختارون ويخبرون بها قومه ً‬
‫والمتخارون سما ًعا من خوارق العادات لكونه من جميع الجهات‪ .‬وأن السبعون يخبرون القوم‬
‫بذلك الخبر وكان ذلك سب ًبا لطمعه منهم أن يؤمنوا ويصدّ قوا في إخباره إ ّياهم بعد ذلك ب"لن‬
‫‪/‬ألن لتزاحم األد ّلة وتواردها ً‬
‫تأثيرا بلي ًغا في إذعان الحق‪ .‬ولذلك نقل من األنبياء كثرة‬ ‫ّ‬ ‫تراني"‪.‬‬ ‫[‪27‬ظ]‬
‫المعجزات س ّيما من نبينا‪ 273‬وعدم إفادة إخباره ّأولً إلنكارهم بالمعجزات السابقة ال ّ‬
‫يدل على‬
‫عدم إفادته بعد علمهم بتينك اآليتين بسبب الخبر المتواتر لهم‪ّ .‬‬
‫فإن اإلنكار بمعجزة ال يستلزم‬
‫وأيضا على تقدير كونهم مؤمنين يجوز أن يؤخر الر ّد لفائدة أن الطريق‬
‫اإلنكار بمعجزة أخرى‪ً .‬‬
‫مجرد‬
‫السؤال والجواب أوثق وأهدى إلى الحق من جهة أن فيه داللة على أن بعدها في مرتبة أن ّ‬
‫سؤالها يؤ ّدي إلى وقوع ذلك األمر إليها بل من تدكدك الجبل وكون سائلها صع ًقا‪ .‬وقيل لما‬
‫سألوا الرؤية ﴿ َف َقا ُلوا َأ ِرنَا ال َّلـ َه َج ْه َرةً﴾ [النساء‪ ]153/4 ،‬زجرهم الله وردعهم عن السؤال بأخذ‬
‫الصاعقة فلم يحتج موسى في زجرهم إلى سؤال الرؤية وإضافتها إلى نفسه‪.‬‬

‫‪ 273‬ل م ف ‪ | +‬أ ‪ -‬سيما من نبينا‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫[‪ّ ]171‬‬
‫والرابع‪ :‬من الوجوه أن موسى علم امتناع رؤيته لكنّه سألها لنفسه ليظهر له الدليل‬
‫مما‬ ‫السمعي على امتناعها بعد علمه به بالدليل العقلي ليتقوى يقينه واعتقاده‪ّ .‬‬
‫فإن كثرة األدلة ّ‬
‫يزيد االعتقاد س ّيما اذا كان من جنسين‪.‬‬
‫[‪ ]172‬وأجيب‪ :‬عنه تارة بأن تفاوت االعتقاد إنّما يتصور فيما يقبل احتمال النقيض‬
‫كالظن‪ .‬وأ ّما فيما ال يقبله من اليقين كما نحن فيه فال يتصور ذلك‪ .‬وهذا هو الموافق للمشهور‬
‫بين الجمهور من أن اليقين ال يقبل الشدة والضعف وإنّما يكون ذلك في الظن بحسب احتمال‬
‫النقيض‪.‬‬
‫[‪ ]173‬وأ ّما على ما هو المختار عند صاحب المواقف وغيره من أهل التحقيق من أنّه يقبل‬
‫وإن انحصار سبب التفاوت‬ ‫التفاوت‪ .‬ألنّه من الكيف ّيات النفسان ّية التي يقبل الشدة والضعف ّ‬
‫مما يمكن أن‬
‫في احتمال النقيض ممنوع‪ .‬فينبغي أن يقال في الجواب تلك الزيادة في االعتقاد ّ‬
‫يتحقق على تقدير عدم السؤال بما ال يليق به تعالى بأن يعرفه تعالى بالدليل السمعي بدون ذلك‬
‫خصوصا [من] األنبياء‪.‬‬
‫ً‬ ‫قبيحا من العقالء‬
‫السؤال‪ .‬فيكون طلبها بالسؤال ً‬

‫[‪ ]174‬الخامس‪ :‬من تلك الوجوه إنّا اخترنا أن موسى لم يعلم امتناع رؤيته وهو ال ّ‬
‫يضر‬
‫بنبوته‪ .‬فأن النبوة ال يتوقف على العلم بجميع العقائد الح ّقة وجميع ما يجوز وما ال يجوز عليه بل‬
‫ّ‬
‫يتوقف على معرفة األمور التي كان الغرض من البعثة الدعوة إليها وهي وحدان ّية وتكليف عباده‬
‫ٍ‬
‫ونواه ليحرصهم على النعيم المقيم‪.‬‬ ‫بأوامر‬
‫وال نس ّلم أن امتناع الرؤية من ذلك القبيل أو نختار أنه يعلم امتناعها ومع ذلك سأل عنها وال‬
‫[‪28‬و]‬ ‫بنبوته‪ .‬إذ غايته أن يكون ‪/‬ذلك السؤال صغيرة وهي ال يمنتع عن األنبياء‪.‬‬
‫يضر ذلك ّ‬
‫ّ‬
‫[‪ ]175‬وأقول‪ :‬قد تقدم في استداللنا أنه على تقدير العلم بامتناعها يكون السؤال عنها عب ًثا‬
‫غير صادر عن العقالء وما ذكروه في االعتراض من أنّه على تقدير كونه محر ًما يكون صغيرة ال‬
‫أصل وال يالئم بينهما قط ًعا‪ ،‬نعم لو قلنا في االستدالل أنه لو كان موسى عالم ًا‬
‫يدفع ما ذكرنا ً‬
‫لتوجه عليه ما ذكروا ويرتبط به‪.‬‬
‫بامتناعها يكون السؤال عنها محر ًما ّ‬
‫[‪ ]176‬وأجيب عن اختيار الشق ّ‬
‫األول بأن فيه التزام أن يكون النبي المختار بتكليم الله‬
‫دون آحاد المعتزلة ودون من حصل طر ًفا من علم الكالم في معرفة الله ومعرفة ما يجوز عليه‬

‫‪94‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫وما ال يجوز‪ .‬وهي البدعة الشنعاء والطريقة العوجاء ال يسكلها واحد من العقالء كيف! واألمة‬
‫أجمعوا على أن علم األنبياء بذات الله وصفاته أكمل من علم آحاد األمة‪.‬‬
‫[‪ ]177‬وأقول‪ :‬للمعتزلة أن يقول ْ‬
‫إن أردتم بااللتزام المذكور التزام كون النبي المختار‬
‫أدنى من آحاد المعتزلة ومن حصل طر ًفا من الكالم أدنى في تلك المسألة في جميع األوقات‬
‫نبوته‬ ‫فظاهر أنه لم يلزم مما ذكرنا ذلك االلتزام‪ْ ،‬‬
‫وإن أردتم به التزام كونه أدنى في بعض أوقات ّ‬
‫فال نس ّلم كونه بدعة شنعاء‪ .‬وما ذكرتم استبعا ٌد وهمي ال استبعاد عقلي يكون خالف ما يتعلق به‬
‫يجوز أن يكون شغل النبي بإصالح‬ ‫أمرا يقين ًيا غير قابل للمنع في مقام المناظرة كيف! ّ‬
‫فإن العقل ّ‬ ‫ً‬
‫وتحمل‬
‫ّ‬ ‫قوم يكون جبلتهم على العناد ومخالفته وإيذائه وعدم قبولهم لما يبلغه من األحكام‬
‫التوجه التام إلى تحصيل ٍ‬
‫أمر ال يكون‬ ‫ّ‬ ‫المشاق في ذلك س ّيما ما وقع لموسى من قومه عائ ًقا عن‬
‫بعثته لتبليغ ذلك‪ .‬وكون آحاد المعتزلة أزيد منه في ذلك في بعض األوقات ال يخرج نسبتهم إليه‬
‫عن أن يكون نسبة القطرة إلى البحر المحيط‪ .‬وما ذكر من "أن األمة أجمعت على أن علم النبي‬
‫إن أريد به ّ‬
‫أن النبي يعلم كل صفة وأن علمه به أكمل من‬ ‫بذاته وصفاته أكمل من علم آحاد األمة" ْ‬
‫علم آحاد األمة‪.‬‬
‫[‪ ]178‬فالمجيب‪ :‬ال يس ّلم اإلجماع على أنه يعلم كل ٍ‬
‫صفة بل نقول اإلجماع على أنه يعلم‬
‫وإن أريد أن علمه بكل ٍ‬
‫صفة يعلمه أكمل وأشد قوة من علم اآلحاد بتلك‬ ‫كل صفة بعث لتبليغها‪ْ ،‬‬
‫الصفة فهذا ال يقتضي علم النبي بكل صفة‪ ،‬وبالجملة ما ذكر في ر ّد الجواب المذكور ال يتم‬
‫بطريق المناظرة‪.‬‬
‫[‪ ]179‬وأ ّما الجواب عن الوجه ‪/‬ال ّثاني من االستدالل فمن وجهين‪.‬‬ ‫[‪28‬ظ]‬

‫األول‪ :‬أنّه ع ّلق الرؤية على استقرار الجبل في الزمان المستقبل بداللة ْ‬
‫"إن" فال يخلو إ ّما‬ ‫ّ‬
‫واألول يستلزم وقوع الرؤية لوجوب وجود‬
‫ّ‬ ‫أن يكون الجبل في المستقبل ساكنًا أو متحركًا‪،‬‬
‫المشروط عند وجود الشرط وهو االستقرار‪ .‬وال ّثاني وهو االستقرار حال الحركة محال‪ .‬قال‬
‫ألن المشروط ال يجب وجوده عند وجود الشرط فال‬ ‫المحصل‪» :‬وفيه مؤاخذة لفظ ّية ّ‬
‫ّ‬ ‫في نقد‬
‫ٍ‬
‫يلزم إمكان الرؤية مطل ًقا بل إنّما يجب بشرط يتم به عل ّية العلة فالواجب أن يقال يجب وجود‬
‫المشروط عند وجود شرط يتم به عل ّية العلة"‪.274‬‬

‫‪ 274‬نقد المحصل لنصير الدين الطوسي‪ ،‬ص ‪.320‬‬

‫‪95‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫[‪]180‬وأقول‪ :‬كيف خفي على هذا الفاضل أن المراد بالشرط ههنا الشرط التعليقي‬
‫والمقام ي ِ‬
‫ناديه وهو ما يتم به عل ّية العلة الفاعل ّية‪ ،‬وآخر ما يحصل من أجزاء العلة التامة أو ما هو‬ ‫ُ‬
‫ملزوم دون الشرط الذي هو من مصطلحات الحكماء في زمان الحركة حتى يدعى أنّه محال ‪.‬‬
‫‪275‬‬

‫إن االستقرار المع ّلق عليه هو االستقرار من حيث هو دون االستقرار بقيد‬
‫[‪ ]181‬قيل‪ّ :‬‬
‫إضمار في الكالم وتقييدٌ بال دليل واالستقرار من حيث هو ممكن‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫الحركة ألنّه‬
‫[‪ ]182‬وأقول‪ْ :‬‬
‫إن أرادوا أنّه إضمار وتقييد بال دليل في نفس األمر بالنسبة إلى المخاطب‬
‫الذي خوطب بهذا الكالم وقصد إفادته فال نس ّلم ذلك الحتمال أن يكون حين القآئه إلى موسى‬
‫الذي هو المخا َطب به قرينة حالية دالة على ذلك اإلضمار وال يكون تلك القرينة منقولة إلينا‪.‬‬
‫وهذا االحتمال مانع من إفادة الدليل المذكور اليقين وفي ودفع احتمال اإلضمار الذي ينافي‬
‫اليقين ال بدّ من قرينة مشاهدة أو منقولة دالة على انتفاء اإلضمار كما ذكروا في إفادة الدليل النقلي‬
‫اليقين في الشرعيات‪ ،‬وال نس ّلم تحقق تلك القرائن‪ 276‬فيما ذكرنا من دفع اإلضمار المذكور‪.‬‬
‫وتحقق هذا االحتمال المنافي لليقين‪ .‬يكفي للمعتزلي في مقام المناظرة في دفع استدالل أهل‬
‫السنة عن أنفسهم‪ْ .‬‬
‫وإن أرادوا أنّه ال دليل بالنسبة إلينا فهو ال يستلزم أن ال يكون دليل بالنسبة إلى‬
‫المخاطب‪.‬‬
‫[‪ ]183‬قالوا س ّلمنا أن المع َّلق عليه هو االستقرار حال الحركة ولكن ال نس ّلم أنّه ممتنع‬
‫للج َبل بدل حركته‪ .‬نعم أنه ممتنع بشرط اتصاف‬
‫لذاته بل ممكن لذاته إذ يمكن أن يحصل ذلك َ‬
‫الجبل بالحركة وذلك ضرورة بشرط المحمول وامتناع بالغير وال ينافي اإلمكان الذاتي‪.‬‬

‫[‪29‬و]‬ ‫[‪ ]184‬وأقول‪ّ :‬قرر في نقد المحصل اعتراضهم ‪/‬هكذا‪" :‬فإذن الجبل حال ما ع ّلقه الله‬
‫المتحرك حال كونه متحركًا محال فثبت أن‬
‫ّ‬ ‫الرؤية باستقراره كان متحركًا ومعلوم أن استقرار‬
‫الشرط ممتنع فلم يلزم القطع بجواز المشروط"‪.277‬‬
‫[‪]185‬فعلى هذا التقرير يمكن أن يقال‪ :‬لم ال يجوز أن يكون مراد المعتزلي باالمتناع‬
‫واالستحالة في قوله‪" :‬أن استقرار الجبل حال الحركة محال"‪ .‬وقوله "فثبت أن الشرط ممتنع‬

‫‪ 275‬ل ط م ف ‪ -‬؛ أ ‪ +‬في زمان الحركة حتى يدعى أنّه محال‪.‬‬


‫‪ 276‬أ‪ :‬القرينة‪.‬‬
‫‪ ، 277‬محصل للرازي‪ ،‬ص ‪.191‬‬

‫‪96‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫الضرورة بشرط المحمول"‪ .‬ومعنى االمتناع بالغير وهو الكافي في مطلوبه وهو عدم القطع‬
‫ألن الممتنع بالغير قد يستلزم المحال كما ذكرنا ساب ًقا‪ .‬وزاد الفاضل الشريف‬
‫بجواز المشروط‪ّ .‬‬
‫في التقرير فقال‪" :‬فيكون تعليق الرؤية على االستقرار في حال الحركة تعلي ًقا بالمحال فال يدل‬
‫‪278‬‬
‫على إمكان المعلق بل على استحالته"‬
‫[‪]186‬وال يخفي عليك أن التعليق بالممتنع سواء أريد بالممتنع الممتنع بالذات أو بالغير‬
‫ال يدل علي امتناع المع ّلق باالمتناع الذي هو مطلوب المعتزلة إثباتًا ومطلوب األشاعرة نف ًيا‪.‬‬
‫ألن علة الممكن ر ّبما يكون ممتن ًعا لذاته فإذا ع ّلق ذلك الممكن بذلك الممتنع كان المع َّلق عليه‬
‫ّ‬
‫األول هذا‪.‬‬
‫ممتن ًعا والمعلق ممكنًا كقولنا أن عدم الواجب عدم المعلول ّ‬
‫[‪ ]187‬واعلم أن اختيار الشق الثاني من الترديد ومنع المالزمة على ذلك التقرير أعني منع‬
‫وإن كان يبطل اعتراض المعتزلة ّإل‬
‫كون المعلق عليه ممتن ًعا بالذات وتسليم كونه ممتن ًعا بالغير ْ‬
‫أنّه ال يفيد األشاعرة بل ينافي في مطلوبهم أعني كون التعليق بالممكن مستلز ًما إلمكان المعلق‬
‫ألن الممكن الممتنع بالغير ر ّبما يستلزم المحال‪ .‬وال ّثاني من وجهي الجواب أن المقصود من‬ ‫ّ‬
‫هذا التعليق عدم وقوع الرؤية لعدم وقوع المعلق عليه وليس بيان إمكانها أو امتناعها من المقصود‬
‫في شيء فال يلزم إمكان المعلق‪.‬‬
‫[‪]188‬وأجيب عنه ّ‬
‫بأن الشيء ر ّبما ال يقصد من الكالم بالذات ولكن يلزم منه قط ًعا وههنا‬
‫أيضا ّ‬
‫وإل‬ ‫كذلك‪ .‬ألنّه إذا فرضنا وقوع الشرط الذي هو ممكن يقع وجود المشروط فيلزم إمكانه ً‬
‫منتف على تقديري وجود الشرط وعدمه‪.‬‬ ‫فال معنى للتعليق وإيراد الشرط والمشروط ألنّه حينئذ ٍ‬

‫[‪ ]189‬ال يقال‪ :‬فائدة التعليق ربط العدم بالعدم مع السكوت عن ربط الوجود بالوجود؛‬
‫ألنّا نقول‪ :‬إن المتبادر في اللغة من مثل قولنا ْ‬
‫"إن ضربتني ضربتك" [هو] الربط في جانبي الوجود‬
‫والعدم ‪/‬م ًعا ال في جانب العدم فقط كما هو المعتبر في الشرط المصطلح‪.‬‬ ‫[‪29‬ظ]‬

‫[‪ ]190‬قال في المواقف‪« :‬كل ما سنتلوه عليك في المقام ال ّثاني مما يدل على وقوع الرؤية‬
‫نطول بذكرها في هذا الكتاب كما فعله جمع‬ ‫[فهو] دليل على [جوازها و] صحتها بال شبهة فال ّ‬
‫من األصحاب"‪.279‬‬

‫‪ 278‬شرح المواقف للجرجاني‪.180/3 ،‬‬


‫‪ 279‬شرح المواقف للجرجاني‪.181/3 ،‬‬

‫‪97‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫[‪ ]191‬وأقول‪ :‬قد سبق إن إفادة الدليل النقلي اليقين إنّما هو في الشرعيات بمعنى األمور‬
‫المجزوم إمكانها أو امتناعها الغير المجزوم وقوعها أو الوقوعها‪ .‬فعلى هذا يكون الجزم بالوقوع‬
‫في الشرعيات واليقين به بسبب اليقين باإلمكان فال يتصور أن يستدل على اإلمكان بالوقوع‪ .‬فال‬
‫معنى لقول صاحب المواقف "كل ما يدل على الوقوع يدل على اإلمكان"‪.280‬‬
‫[‪ ]192‬وأ ّما الدليل العقلي على اإلمكان فالمعتمد فيه مسلك الوجود‪ .‬وهو إنّا نرى‬
‫األول فظاهر وأ ّما ال ّثاني فألنّا نرى الطول والعرض في الجسم‬
‫األعراض الجواهر‪ 281‬أ ّما ّ‬
‫ولذلك نم ّيز بينهما ونم ّيز الطويل من األطول‪ .‬وليس الطول والعرض عرضين قائمين بالجسم‬
‫قائما‬
‫قائما به لكان ً‬
‫أو بجزئه‪ .‬لما ثبت عندهم من أن الجسم مركب من الجواهر الفردة ولو كان ً‬
‫بم ّ‬
‫حال ْ‬
‫وإن قام بجزئه دون الجسم يلزم‬ ‫بتلك الجواهر فيلزم قيام العرض الواحد بمح ّلين أو َ‬
‫حجما من أجزاء‪ 282‬آخر فيلزم القسمة‪ .‬وهذا التقرير أولى من تقرير‬
‫ً‬ ‫أن يكون ذلك الجزء أكثر‬
‫شرح المواقف ألنّه قال‪" :‬وليس [الطول والعرض] عرضين قائمين بالجسم [لما تقرر من أنه‬
‫ثم قال في دليله فالطول‬
‫مركب من الجواهر الفردة]"‪ 283‬فجعل المدعى نفي قيامهما بالجسم ّ‬
‫مثل ْ‬
‫إن قام بجزء واحد من الجواهر الفردة لزم أن يكون الجزء أكثر من جزء آخر‪ .‬وال يخفي‬ ‫ً‬
‫أنه ال وجه أن يذكر في دليل نفي القيام بالجسم ما يدل على نفي القيام بالجزء الواحد الذي لم‬
‫يجعله مدعى ههنا‪ .‬ولك أن تتك ّلف أنّه أراد أنّهما "ليسا عرضين قائمين بالجسم أو بجزئه"‪ّ .‬‬
‫ثم‬
‫‪284‬‬
‫يقول قوله‪" :‬إنّا نرى الطول [و]العرض [في الجسم] ولذلك نم ّيز الطويل [من العريض]"‬
‫إلخ‪ .‬محل بحث‪.‬‬
‫محسوسا بتلك الحاسة‪ .‬فإنّا‬
‫ً‬ ‫مجرد التميز بواسطة الحس ال ّ‬
‫يدل على أن يكون‬ ‫[‪ّ ]193‬‬
‫ألن ّ‬
‫نم ّيز بين الخشن واألملس بواسطة الالمسة مع أن الخشونة والمالسة ليستا ملموستين عندهم‪.‬‬
‫وكذا نم ّيز بين البصير واألعمى مع أن العمي ليس من المبصرات فيجوز أن يكون تمييزنا للطول‬
‫والعرض بواسطة الباصرة من قبيل تمييز األعمى والخشونة وادعاء الفرق بينهما ليس بمسموع‪.‬‬

‫‪ 280‬شرح المواقف للجرجاني‪.358-350/3 ،‬‬


‫‪ 281‬أ‪ :‬الحوادث‪.‬‬
‫‪ 282‬ل‪ :‬جزء‪.‬‬
‫‪ 283‬شرج المواقف للجرجاني‪.182/3 ،‬‬
‫‪ 284‬شرح المواقف للجرجاني‪.182/3 ،‬‬

‫‪98‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫[‪ ]194‬ويرد على قوله‪" :‬وإن قام بالجسم‪ ...‬يلزم قيام العرض الواحد بمحلين [وهو‬
‫إن أراد به أنه يلزم على تقدير قيامهما بكل ‪/‬من المح ّلين أن يقوم العرض الواحد‬
‫محال]"‪ 285‬أنّه ْ‬ ‫[‪30‬و]‬

‫بكل من المحلين نمنع الحصر الحتمال أن يكونا قائمين بمجموع الجزئين من‬ ‫بمح ّلين أي ّ‬
‫حيث هو مجموع ْ‬
‫وإن أراد أنّهما على تقدير قيامهما بهما أعم من أن يكون القيام بكل واحد أو‬
‫بالمجموع يلزم قيام العرض الواحد بمحلين فالمالزمة ممنوعة‪.‬‬
‫ّ‬
‫الحال‬ ‫[‪ ]195‬قد يقال‪ :‬إن العرض المنقسم القائم بالمحل المنقسم ال بدّ أن يكون جزء‬
‫ّ‬
‫حال في جزء المحل‪ .‬فعلى هذا التقدير أن الطول القائم بمجموع الجزئين ال بدّ أن يكون جزؤه‬
‫قائما بجزء المحل الذي هو الجوهر الفرد فيلزم قيام الطول بالجوهر الفرد‪ّ .‬‬
‫ألن جزء الطول‬
‫طول بالضرورة ّ‬
‫ألن ما ال يكون له مساحة ال يحصل بانضمامه إلى مثله مساحة‪ .‬وكذا ما ال‬
‫يكون في جزئه طول ال يحصل بانضمامه إلى مثله طول‪ .‬ونظيره ما قيل في إبطال تركب الجسم‬
‫من الجواهر الفردة‪ .‬أن ما ال يكون له ّ‬
‫حظ من المساحة والبعد ال يكون بانضمامه إلى مثله ُبعد‪.‬‬
‫فال يتصور حصول ال ُبعد الجسمى الذي ال بدّ منه في الجسم بانضمام جوهر فرد ليس له ّ‬
‫حظ‬
‫مقبول عند العقول السليمة ّإل أنه ليست‬
‫ً‬ ‫من ال ُب ْع ِد إلى جوهر آخر مثله‪ .‬وما ذكرنا ْ‬
‫وإن كان ح ًقا‬
‫لألشاعرة أن يتشبثوا به في دفع احتمال القيام بالمجموع من حيث هو مجموع ألنّه مخالف‬
‫لمقتضي أقوالهم من تركب جس ٍم ذي بعد من أجزاء خالية عن البعد هذا كالم وقع في البيان‬
‫فلنرجع إلى ما كنّا فيه‪.‬‬
‫[‪ ]196‬فنقول‪ :‬فقد ثبت أن صحة الرؤية مشتركة بين الجواهر واألعراض‪ .‬فهذه الصحة لها‬
‫علة مختصة بحال الوجود لتحققها عند الوجود وانتفائها عند العدم‪ّ .‬‬
‫فإن األجسام واألعراض لو‬
‫كانت معدومة الستحال كونها مرئية بالضرورة واالتفاق‪ .‬ولوال تحقق أمر مصحح حال الوجود‬
‫ٍ‬
‫مرجح‪ .‬وتلك العلة‬ ‫ترجيحا بال‬
‫ً‬ ‫غير متحقق حال عدم لكان اختصاص الصحة بحال الوجود‬
‫وإل لزم تعليل األمر الواحد‬‫المصححة للرؤية ال بدّ أن يكون مشتركة بين الجوهر والعرض ّ‬
‫بالعلل المختلفة التي هي األمور المختصة بالجواهر واألعراض وهو غير جائز لما ذكروا في‬
‫مختصا‬
‫ً‬ ‫مباحث العلل‪ .‬وتلك العلة المشتركة إ ّما الوجود أو الحدوث إذ ال ثالث مشتركًا بينهما‬
‫بحال الوجود قابال لكونه علة الصحة‪ .‬لكن الحدوث ال يصلح أن يكون علة ألنّه عبارة عن‬

‫‪ 285‬شرح المواقف للجرجاني‪.182/3 ،‬‬

‫‪99‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫الوجود بعد العدم والعدم ال يصلح أن يكون جزء العلة‪ 286‬الصحة‪ّ .‬‬
‫ألن التأثير صفة إثبات فال‬
‫[‪30‬ظ]‬ ‫يتصف به العدم وال ما هو مركب ‪/‬منه‪ .‬فإذا سقط العدم من اعتباره في العل ّية بقي الوجود‬
‫وهو مشترك‪ .‬فيكون العلة مشتركة بينها وبين الواجب وغيره لما ثبت من اشتراك الوجود بين‬
‫الموجودات‪.‬‬
‫[‪ ]197‬وأقول‪ :‬قوله‪" :‬وهذه الصحة لها علة مختصة بحال الوجود لتحققها عند الوجود‬
‫وعدم تحققها عند العدم‪ 287".‬يرد عليه أن تخصيص الصحة بحال الوجود يقتضي أن ال يكفي في‬
‫صحة الرؤية إمكان الوجود وليس كذلك‪ .‬فإن إمكان عوارض الوجود ال يتوقف على الوجود‪.‬‬
‫فإن إمكان اتصاف زيد باللون ال يتوقف على وجود زيد بالفعل بل على إمكانه وإنّما الموقوف‬
‫على الوجود نفس االتصاف باللون‪.‬‬
‫[‪]198‬وما ذكره من "أن األعراض واألجسام لو كانت معدومة الستحال كونها مرئية‬
‫بالضرورة"‪ْ ،288‬‬
‫إن أراد به أن رؤيتها تستحيل في حالة العدم على أن يكون حالة العدم ظرفا‬
‫الستحالة فال نسلم ذلك‪ .‬فإن استحالة الرؤية الكائنة في حالة العدم ال يستلزم كون تلك الحالة‬
‫ظرفا لنفس االستحالة‪ْ .‬‬
‫وإن أراد به أنّها يستحيل كونها مرئية حالة العدم فهو ال يقتضي أن يكون‬
‫صحة الرؤية في الجملة متحققة في حالة العدم بمعنى أنّه إذا نظر إلى نفس الشيء يجوز أن يرى‬
‫بأن يتحقق بدل العدم والوجود الموقوف عليه وهذا مثل إمكان الوجود‪ .‬فإن الشيء يتصف بإمكان‬‫ّ‬
‫الوجود حالة العدم وال يلزم من ذلك صحة اتصاف الشيء بالوجود المقارن للعدم‪ .‬فإن زمان‬
‫العدم ظرفي لنفس إمكان الوجود وهو ال يستلزم ظرفيته إلمكان الوجود المقارن للعدم‪ .‬فكذا ههنا‬
‫أن حالة العدم ظرف إلمكان المرئية وهو ال يستلزم ظرفيته إلمكان المرئ ّية الكائنة في حالة العدم‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬والحدوث ال يصلح للعل ّية"‪ 289‬منقوض بما قالوا إن الحدوث علة االحتياج إلى العلة‪.‬‬
‫[‪]199‬وأيضا لم ال يجوز أن يكون الحدوث شر ًطا ال علة فاعلية كما قال بعض المتك ّلمين‬
‫ً‬
‫إن الحدوث شرط االحتياج‪ .‬وما ذكره في إبطال عليته من أن التأثير صفة إثبات فال يتصف به‬
‫مؤثرا‪.‬‬
‫العدم ال يجرى في الشرط ألنّه ليس ً‬

‫‪ 286‬ط ل‪ :‬لعلة‪.‬‬
‫‪ 287‬شرج المواقف للجرجاني‪.182-161/3 ،‬‬
‫‪ 288‬شرج الماوقف للجرجاني‪.182/3 ،‬‬
‫‪ 289‬شرج الماوقف للجرجاني‪.162/3 ،‬‬

‫‪100‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫[‪]200‬وأيضا لم ال يجوز أن يكون الوجود عل ًة لصحة رؤية األجسام واألعراض بشرط‬


‫ً‬
‫ٍ‬
‫بوجه من‬ ‫قبول البعد واالنقسام؟ فال يلزم صحة رؤية ما ال يتصور فيه ال ُبعد وقبول االنقسام‬
‫الوجوه‪.‬‬

‫[‪ً ]201‬‬
‫وأيضا لم ال يجوز أن يكون الوجود علة لصحة رؤية األجسام واألعراض بشرط‬
‫قبول البعد واالنقسام؟ فال يلزم صحة رؤية ما ال يتصور فيه البعد وقبول االنقسام بوجه من‬
‫وأيضا لم ال يجوز أن يكون العلة الوجود الممكن أو الوجود ‪/‬بشرط اإلمكان؟‬
‫الوجوه‪ً .‬‬ ‫[‪31‬و]‬

‫وقيل‪ :‬يلزم مما ذكر أن يصح رؤية األصوات والروائح وسائر مدركات الحواس اآلخر غير‬
‫الباصرة‪.‬‬
‫وأجيب عنه بأن الشيخ األشعري يلتزمه ويقول بصحة رؤية األمور المذكورة‪ّ .‬‬
‫ألن الرؤية‬
‫ٍ‬
‫بشيء فيجوز أن يخلقها الله في كل موجود ّإل أن عادته‬ ‫عنده بخلق الله فينا من غير اشتراط‬
‫جرت بخلقها فيما ال يختص إدراكها عادة بسائر الحاسة والخصم ُيشدّ د عليه النكير ويقول هذا‬
‫خروج عن ح ّيز العقل بالكل ّية‪.‬‬
‫[‪]202‬ونحن نقول‪ :‬هذا استبعاد وهمي ٍ‬
‫ناش عن العادة حيث لم يقع العادة في رؤية‬
‫مدركات سائر الحواس فوقع الوهم منه أنّه يمتنع أن يرى تلك المدركات وال اعتبار للعادات في‬
‫األحكام الثابتة المطابقة للواقع بل المعتبر فيها العقل السليم من أمراض الهوى والنظر الخالص‬
‫من شوائب التقليد‪.‬‬
‫[‪]203‬واعترضوا على الدليل المذكور بوجوه‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنّه ال نسلم رؤية الجوهر والعرض م ًعا بل المرئي هو األعراض فقط وما ذكر من أن‬
‫ّ‬
‫الطول جوهر ليس كما ينبغي بل مرجعه إلى المقدار‪.‬‬
‫[‪ ]204‬وأقول‪ :‬يمكن أن يحذف رؤية الجوهر من الدليل ويستدل على المطلوب هكذا‪.‬‬
‫إنّا نرى األعراض المختلفة من األلوان واألضواء وال بدّ لصحة رؤيتها من علة مشتركة بينها‬
‫فتلك العلة إ ّما الوجود أو الحدوث أو العرضية‪ .‬وال يجوز أن يكون الحدوث لما ذكرنا وال‬
‫ّ‬
‫الحال في المتح ّيز والحلول في المتح ّيز هو االختصاص‬ ‫العرضية‪ّ .‬‬
‫ألن معنى العرض الموجود‬
‫الناعت واالختصاص من قبيل اإلضافات الغير الموجودة إذ غير األكوان من اإلضافات ليس‬
‫من الموجودات فبقي الوجود‪ .‬وليس بين العدم والمعدوم الغير العدم فرق في امتناع االتصاف‬

‫‪101‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫بالتأثير الذي هو صفة إثبات وال فرق بين ما ذكرنا وبين ما ذكروا في ورود النقض بالوجود الذي‬
‫جعلوه علة لصحة الرؤية وأبطلوا ما سواه من المحتمالت من جهة أن الوجود كسائر ما ذكر‬
‫عدمي لكونه من المعقوالت الثان ّية‪.290‬‬
‫ّ‬
‫مقدارا‪ ،‬أنّا إذا الحظنا تأ ّلف األجزاء من السماء إلى‬
‫ً‬ ‫[‪ ]205‬وقيل في إبطال كون الطول‬
‫وإن لم يخطر ببالنا شيء من األعراض‪ .‬فعلم أنّه ال‬‫األرض فإنّا نعلم بالضرورة كونها طويل ًة جدًّ ا ْ‬
‫حاجة في الطول إلى شيء سوى األجزاء فالمرئي هو تلك األجزاء ال عرض قائم بها‪.‬‬

‫[‪31‬ظ]‬ ‫[‪ً ]206‬‬


‫وأيضا االمتداد الحاصل فيما ‪/‬بين األجزاء شرط لقيام العرض الواحد الذي هو‬
‫ضروري البطالن‪ .‬واذا كان االمتداد‬
‫ّ‬ ‫وإن كانت متناثرة وهو‬ ‫المقدار بها ّ‬
‫وإل لقام المقدار بها ْ‬
‫قائما بها ّ‬
‫وإل لكان الشيء شر ًطا‬ ‫شر ًطا لقيام المقدار العرضي باألجزاء فال يكون االمتداد ً‬
‫عرضا ً‬
‫لنفسه‪ .‬فمرجع الطول إلى األجزاء المتأ ّلفة في سمت مخصوص فرؤيته رؤية تلك األجزاء‬
‫المتح ّيز وهو المطلوب‪.‬‬
‫[‪ ]207‬وأقول‪ :‬قوله‪" :‬فعلم أنّه ال حاجة [في الطول]"‪ 291‬إلخ‪ .‬يرد عليه أنّه ْ‬
‫إن أراد باألجزاء‬
‫يتجزأ فللحكيم أن يقول إن التركب منها محال وما حكم به الطول على تقدير‬
‫األجزاء التي ال َّ‬
‫مالحظة التأليف من تلك األجزاء إنّما هو أمر غير محقق في نفس األمر يطلق عليه الطول بحسب‬
‫اللغة وإنّما كالمنا في الطول المحقق الذي يوصف به األمور الممتدة في نفس األمر وما ذكرتم‬
‫يتجزأ فال نسلم كون المتألف ههنا‬ ‫مقدارا‪ْ .‬‬
‫وإن أراد باألجزاء غير األجزاء التي ال َّ‬ ‫ً‬ ‫ال ينفي كونه‬
‫بتلك الطريقة محكوما عليه بالطول بدون مالحظة شيء من األعراض‪.‬‬
‫وأيضا إن انتفآء الواسطة في التصديق ال يستلزم انتفاء الواسطة في الثبوت‪ .‬فإنّا نعلم‬
‫[‪ً ]208‬‬
‫جسما عنصر ّيا مع أن ثبوت الحرارة لها بواسطة‬
‫ً‬ ‫أن النّار حارة بالضرورة بدون مالحظة كونها‬
‫ً‬
‫طويل بدون‬ ‫العنصرى‪ .‬فال يلزم من حكمنا على المركب من تلك األجزاء بكونه‬
‫ّ‬ ‫ثبوتها للجسم‬
‫ٍ‬
‫مالحظة شيء من األعراض أن ال يحتاج في الطول إلى شيء سوى األجزاء‪.‬‬
‫ً‬
‫طويل إلى المقدار‪ .‬وحينئذ ال‬ ‫[‪ ]209‬فاألولى أن يقال فعلم أنّه ال حاجة في كون الجسم‬
‫مقدارا ّ‬
‫وإل ال حاجة في األطول ّية إليه فتأ ّمل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يكون الطول‬

‫‪ 290‬أ‪ :‬الثابتة‪.‬‬
‫‪ 291‬شرح المواقف للجرجاني‪.184/3 ،‬‬

‫‪102‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫[‪ ]210‬وقوله‪ّ :‬‬


‫"وإل لقام المقدار الواحد بها ْ‬
‫وإن كانت متناثرة [متفاصلة وهو ضروري‬
‫البطالن]"‪ 292‬يرد عليه أنه لم ال يجوز أن يكون المقدار الواحد بتلك األجزاء ويكون شرط قيامه‬
‫مجرد التأليف دون االمتداد؟ فال يلزم من كون االمتداد نفس المقدار أن يكون الشيء شر ًطا‬
‫بها ّ‬
‫لنفسه وال يلزم جواز قيام المقدار الواحد بتلك األجزاء ْ‬
‫وإن كانت متناثرة‪ .‬إذ المفروض شرط ّية‬
‫وإن أراد‬ ‫ً‬
‫اتصال حس ًّيا‪ْ .‬‬ ‫التأليف الذي ال يوجد في األجزاء المتناثرة المتفاصلة بمعنى غير المتصلة‬
‫حسي فال نس ّلم امتناع‬
‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫اتصال‬ ‫باألجزاء المتفاصلة األجزاء التي يكون بينها مفاصل ْ‬
‫وإن كان بينها‬
‫قيام العرض الواحد الذي هو المقدار باألجزاء المتناثرة بهذا المعنى‪ .‬إن أراد باألجزاء غير األجزاء‬
‫يتجزأ؛ إذ المقدار القائم بها حينئذ يكون واحدا باالجتماع مرك ًبا من المقادير المجتمعة‬
‫التي ‪/‬ال َّ‬ ‫[‪32‬و]‬

‫القائمة بتلك األجزاء المجتمعة‪ .‬فال حاجة في قيامه بها إلى االمتداد‪ْ .‬‬
‫وإن أراد باألجزاء التي ال‬
‫يتجزأ فللحكيم أن يقال األد ّلة الدال على الجزء غير تام فيجوز أن يكون التركب منه محاال مستلزم‬
‫َّ‬
‫وأيضا جواز قيام االمتداد فيما بين األجزاء الذي جعل شر ًطا لقيام المقدار بمجموع‬
‫بالمحال آخر‪ً .‬‬
‫قائما‬
‫األجزاء المتفاصلة‪ .‬فليجوز قيام المقدار بها ابتداء إذ ال فرق بينهما بديهة في ذلك وإن جعل ً‬
‫بمجموع األجزاء الغير المتفاصلة من غير اشتراط بشيء فلم ال يجوز أن يكون المقدار كذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫حاصل على‬ ‫[‪ ]211‬فإن أراد باالمتداد األمر الممتد المتصل في نفس األمر فليس ذلك‬
‫يتجزأ‪ْ .‬‬
‫وإن أراد الممتد الحسي فبشرط ّيته ال يندفع لزوم‬ ‫تقدير تركب الجسم من األجزاء التي ال َّ‬
‫جواز قيام المقدار الواحد العرضي باألجزاء التي بينها مفاصل‪.‬‬
‫[‪ ]212‬ونقول حكم بأن الطويل والعريض متميزان بسبب الرؤية‪ ،‬وال‪ 293‬معنى لتميزهما‬
‫بسبب الرؤية ّإل تمييز ما يتميز به كل منهما بسبب الرؤية المتعلقة بذلك المميز‪.‬‬
‫[‪ ]213‬وال شبهة أن مرجع التميز ليس الجواهر إذ ر ّبما يبقى الجواهر بعينها مع ثبوت هذا‬
‫المميز والتميز‪ ،‬لنا بواسطة تعلق الرؤية بالمميز‪ .‬فإنّا إذا فرضنا تأ ّلف األجزاء على وجه يحصل‬
‫ثم غ ّيرنا التأليف وجعلنا التأليف على وجه يحصل العرض فههنا ال يمكن أن يقال‬
‫الطول فقط‪ّ .‬‬
‫إن المميز بين الطويل والعريض نفس الجواهر التحادهما فيها بل المميز أمر آخر متعلق بتلك‬
‫الجواهر فيكون رؤية ذلك المميز رؤية الطول فال يكون رؤية الجواهر ً‬
‫أصل‪.‬‬

‫‪ 292‬شرح المواقف للجرجاني‪.184/3 ،‬‬


‫‪ 293‬ل‪ :‬بدل (وال معنى) يوجد (وأنّه)‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫عدمي لما ذكر من األدلة‬


‫ّ‬ ‫[‪]214‬وال ّثاني‪ :‬من وجوه االعتراض على الدليل أن اإلمكان أمر‬
‫علة‪ .‬وقيل في الجواب ً‬
‫جدل إنّا نعارضه باألد ّلة الدا ّلة على كونه‬ ‫والعدمي ال حاجة له إلى ٍ‬
‫ّ‬
‫وجود ًّيا‪.‬‬
‫[‪]215‬وال يخفي عليك أن غير اليقين ّيات ال يعارض اليقين ّيات‪ .‬فإن أدلة الوجود ّية مغالطات‬
‫لتأخر عن وجود موصوفه ضرورة‬ ‫بخالف بعض أدلة العدم ّية مثل أن اإلمكان لو كان موجو ًدا ّ‬
‫فيلزم أن ال يكون اإلمكان ساب ًقا على وجود موصوفه وال يكون موصوفه متص ًفا به حال العدم‬
‫هذا خلف‪ .‬فإنّه برهان قاطع بخالف أدلة الوجود ّية وذلك معلوم لمن تتبعها‪.‬‬
‫[‪]216‬وقيل في الجواب تحقي ًقا ّ‬
‫إن المراد بعلة صحة الرؤية ما يمكن أن يتعلق به الرؤية ال‬
‫ما يؤثر في الصحة‪ ،‬واحتياج الصحة سواء كانت وجود ّية أو عدم ّية إلى العلة بمعنى متعلق الرؤية‬
‫يصح رؤيته‪.‬‬
‫ألن المعدوم ال ّ‬ ‫أيضا إن متعلق الرؤية أمر موجود ّ‬
‫ضروري‪ .‬ونعلم ً‬
‫ّ‬

‫[‪32‬ظ]‬ ‫[‪]217‬وأقول ‪/‬فرق بين احتياج صحة الرؤية إلى متعلق الرؤية وبين احتياجها إلى العلة‬
‫ً‬
‫محال فهذا‬ ‫وإن فرض كون ال ّثاني‬
‫األول ضروري ال ينافي عدم ّية المحتاج ْ‬ ‫المؤثرة وحكم ّ‬
‫بأن ّ‬
‫صريح في أن االحتياج إلى المتعلق ليس احتياج األثر إلى المؤثر حتى يحكم باستحالته بل هو‬
‫نوع آخر من االحتياج مجامع مع عدم ّية المحتاج كما يجوز أن يجامع مع وجوديته‪.‬‬
‫[‪ ]218‬وال يخفى على المنصف أن احتياج الصحة إلى متعلق الرؤية ليس ّإل احتياج األثر‬
‫إلى المؤثر‪ .‬إذ ليس معنى احتياج األثر إلى المؤثر ّإل أن المحتاج إنّما حصل لحصول المحتاج‬
‫أثرا بأن عدم المعلول لعدم العلة‪.‬‬
‫إليه‪ .‬ولذلك استدلوا على صحة كون العدم ً‬
‫وال شبهة أن صحة الرؤية إنّما يحصل بسبب ما يمكن أن يتعلق به الرؤية وال يحتاج إلى‬
‫غيره‪ .‬ولذلك استدلوا على صحة رؤيته تعالى بمجرد تحقق متعلق الرؤية فيه وال معنى لنفي‬
‫االحتياج إلى المؤثر عن العلة بهذا المعنى‪.‬‬
‫أثرا بنى ذلك على أن العدم نفي محض ال تم ّيز‬ ‫[‪ً ]219‬‬
‫وأيضا من قال بأن العدم ال يكون ً‬
‫أيضا‬
‫أثرا ال بدّ أن يكون متم ّي ًزا‪ .‬فهذا المبنى يجري في االحتياج إلى سائر العلل ً‬
‫فيه‪ ،‬وما يكون ً‬
‫بأن يقال إن ما يكون حصوله بمدخل ّية الغير فيه ال بدّ أن يكون متم ّي ًزا عن الغير وما هو نفي محض‬
‫أثرا‬
‫ال تم ّيز فيه فال يتصور فيه مدخل ّية الغير فال يحتاج إليه‪ .‬فالفرق بتسليم استحالة كون العدم ً‬
‫بنآء على ذلك المبنى دون االحتياج بطريق آخر مشكل‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫فاألولى في الجواب أن يمنع المقدمة القائلة ّ‬


‫إن العدمي ال حاجة له إلى العلة‪.‬‬
‫[‪ ]220‬وقوله‪ّ :‬‬
‫"ألن المعدوم ال يصح رؤيته قط ًعا"‪ 294‬يرد عليه أنّكم قلتم إن الرؤية حالة‬
‫انكشاف ّية وأن الزيادة الحاصلة في رؤية الشمس على العلم الحاصل حين التغميض راجعة‬
‫إلى العلم وهي ليست تأثر الحاسة وال مشرو ًطا به وال مستلز ًما له‪ .‬وال حاجة فيها إلى المقابلة‬
‫منزها عن الجهة‬ ‫وجوزتم تعلق هذا النوع األجلى من العلم بالله ْ‬
‫وإن كان ً‬ ‫والكون في الجهة‪ّ .‬‬
‫والبعد والمقابلة‪ .‬فلم ال يجوزون تعلقه بواسطة الحاسة إلى المعدوم الجزئي؟ ّ‬
‫فإن مانع ّية العدم‬
‫من تعلق الرؤية بالمعدوم ليس ّإل القتضائها المقابلة والجهة وتأثر الحاسة‪ .‬فإذا جعلنا حقيقة ما‬
‫يطلق عليه الرؤية نو ًعا من العلم الذي ال يقتضي شي ًئا منها لم ينقبض العقل عن تجويز تعلق هذا‬
‫وهمي ٍ‬
‫ناش من اإللف‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫النوع بالمعدوم‪ .‬وليس الحكم بأن المعدوم ال يصح ‪/‬رؤيته ّإل حكم‬ ‫[‪33‬و]‬

‫وأن الرؤية ال تكون ّإل بالمقابلة التي ال يتصور في المعدوم‪.‬‬


‫وما هي العادة من رؤية الموجودات ّ‬
‫مما ُيدرك بغير البصر‪.‬‬
‫كما ذكروا مثله في رؤية الروائح وغيرها ّ‬
‫أن صحة رؤية الجوهر ليست واحدة بالشخص وال‬ ‫[‪ ]221‬وال ّثالث من تلك الوجوه‪ّ :‬‬
‫مماثلة لصحة رؤية العرض إ ْذ ال يسد كل منهما مسد اآلخر‪ .‬والمتخالفان يجوز تعليلهما بعلتين‬
‫مختلفتين‪ .‬ولو س ّلم تماثلهما واتحادهما في النوع نمنع استحالة تعليلهما بعلل مختلفة فإن‬
‫الواحد يجوز تعليله بها لما ذكروا في مباحث العلل‪.‬‬
‫وإن المدعى أن متعلق الرؤية‬ ‫مر متعلق الرؤية ّ‬
‫[‪ ]222‬والجواب‪ :‬أن المراد بعلة الصحة كما ّ‬
‫ليس خصوصية واحد من الجوهر والعرض‪ .‬فإنّا إذا رأينا شبحا من ٍ‬
‫بعيد ر ّبما ال يدرك منه ّإل أنه‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫هو ّية وأ ّما أن تلك الهوية أي خصوصية من الخصوصيات فال ُيدرك منه ً‬
‫أصل‪ .‬وإذا رأينا زيدً ا فإنّا‬
‫رأيناه رؤية واحدة متعلقة بهوية ولسنا نرى أعراضه من الضوء واللون كما يقول الفالسفة من أن‬
‫المرئي بالذات هي األلوان واألضواء وأ ّما األجسام فهي مرئ ّية بالعرض والتبع ّية بل يرى هو ّيته‬
‫ثم يفصله إلى جواهر هي أعضاؤه وإلى أعراض يقوم بها‪ .‬ور ّبما نغفل عن ذلك التفصيل حتى لو‬
‫ّ‬
‫سئلنا عن كثير منها لم نعلمها‪ .‬ولم نكن قد أبصرنا حين إبصارنا الهوية‪ .‬ولو لم يكن متعلق الرؤية‬
‫هو الهو ّية التي بها االشتراك بين الخصوص ّيات بل األمر الذي به االمتياز بينها لما كان الحال‬
‫كذلك هذا مختار صاحب المواقف‪.‬‬

‫‪ 294‬شرح المواقف للجرجاني‪.184/3 ،‬‬

‫‪105‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫ٍ‬
‫امتداد ما من الطول أو‬ ‫[‪ ]223‬وأقول‪ :‬ال ّ‬
‫يشك عاقل في أن الشبح المرئي إنّما ُيرى على‬
‫جهة ما‪ 295‬من الجهات وفي ٍ‬
‫حيز ما من األحياز وعلى لون ما من األلوان‪ .‬وأن رؤية‬ ‫العرض وفي ٍ‬
‫وجه يحتمل عند العقل أن يكون ذلك المرئي شفا ًفا خال ًيا عن جميع األلوان ْ‬
‫وإن كان‬ ‫الشيء على ٍ‬
‫ممكنًا عندهم لكنّه غير واق ٍع بحسب العادة‪.‬‬
‫أن ما يرى من ذي األبعاد والجهات واألحياز ال ُيرى ّإل مع‬‫[‪ ]224‬وال يشك عاقل في ّ‬
‫رؤية امتداده‪ .‬وال يتعلق به رؤية ّإل من حيث أنه متح ّيز وفي جهة ويحصل بواسطة هذا التعلق‬
‫العلم بكونه في ٍ‬
‫جهة وح ّيز‪ .‬فال يكون متعلق الرؤية في هذه الصورة مجرد أو صاد ًقا على ما ال‬
‫ألن رؤية االمتداد رؤية الجواهر‪.‬‬‫يقبل االمتداد والكون في الجهة واأللوان وال يحتمل للعرض‪ّ .‬‬
‫[‪33‬ظ]‬ ‫وإن فرض أن األمر الكلي مما‬ ‫‪/‬مما يتحقق في الواجب‪ْ .‬‬
‫يدل ما ذكره على أن متعلق الرؤية ّ‬‫فال ّ‬
‫يعم على ما ذكرنا‬ ‫يصح أن يتعلق به الرؤية‪ّ .‬‬
‫فإن األمر الكلي الذي فرض كونه متعلق الرؤية إنّما ّ‬
‫ألفراد ذي األبعاد المتحيز الكائن في جهة المتصف بلون ما‪.‬‬
‫أيضا ال يخفي عليك أن صحة الرؤية المتعلقة بالهوية المطلقة ليست صحة الرؤية‬ ‫[‪ً ]225‬‬
‫ّ‬
‫يستدل به على الوقوع من قوله‪:‬‬ ‫المتعلقة بالهوية المخصوصة وال مستلزمة لها وحينئذ ال يفيد ما‬
‫َّاض َر ٌة إِ َل ٰى َر ِّب َها نَاظِ َرةٌ﴾ [القيامة‪ ]23-22/75 ،‬اليقين بالمطلوب إذ المطلوب‬
‫﴿وجوه يوم ِئ ٍذ ن ِ‬
‫ُ ُ ٌ َْ َ‬
‫بذلك الدليل اليقين بوقوع الرؤية المتعلقة بخصوصية ذاته المتميزة عن سائر الذوات ليحصل‬
‫البشارة التي سبقت اآلية لها‪ .‬فإذا لم يكن الصحة األولى مستلمة للثانية يرد المنع على الصحة‬
‫ال ّثانية فال يحصل اليقين الذي يتوقف على العلم باإلمكان من جهة العقل‪.‬‬
‫[‪ ]226‬ويرد على ما ذكروا أنه لو كان المراد بالعلة متعلق الرؤية ينبغي أن يقال‪ :‬وتلك العلة‬
‫اللهم ّإل‬
‫ّ‬ ‫إ ّما الموجود المطلق أو الحادث لظهور أن الوجود المشترك ليس متعلق الرؤية اتفا ًقا‪.‬‬
‫أن يقال‪ :‬أراد بالوجود والحدوث معنى ما يشتق منهما‪.‬‬
‫[‪ً ]227‬‬
‫وأيضا المعلوم لنا استحالة تعليل األمر الواحد بالعلل المختلفة المستقلة بالتأثير ال‬
‫استحالة صحة تعليل الشيء بالعلل المختلفة بمعنى متعلق ذلك الشيء واستداللهم باالستحالة‬
‫المذكورة على أنّه ال بدّ لصحة الرؤية من علة مستركة ال يالئم بكون المراد بالعلة معنى متعلق‬
‫الرؤية‪ .‬ولعل صاحب المواقف نسب هذا االستدالل إلى متأخري االشاعرة بناء على ما فهموا‬
‫من كالم األشعري ولم يرتضه فغ ّير االستدالل على ما ذكره‪.‬‬

‫‪ 295‬ل ‪ : -‬ما‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫[‪ ]228‬والوجه الرابع‪ :‬من وجوه االعتراض إنّا ال نسلم أن المشترك بين الجوهر والعرض‬
‫ليس ّإل الوجود أو الحدوث ّ‬
‫فإن المفهوم ّية والمعلوم ّية والمذكور ّية واإلمكان وسائر األمور‬
‫أيضا‪.‬‬
‫العامة أمور مشتركة ً‬
‫يضر‬
‫مما ال ّ‬ ‫[‪ ]229‬وأقول‪ :‬ال يخفي عليك أن التعرض للمعلوم ّية والمذكورية وأمثالهما ّ‬
‫أيضا وكذلك لم يتعرض‬ ‫المستدل لعمومها الواجب‪ .‬فإذا كانت هي علة الصحة يثبت المدعي ً‬
‫فسر به العلة‬ ‫لها في المواقف ْ‬
‫وإن ذكر في الشرح‪ .‬وأجيب عن االعتراض‪ ،‬بأن متعلق الرؤية الذي ّ‬
‫لصح رؤية المعدوم‪ ،‬واإلمكان وسائر المفهومات العامة لشمولها ‪/‬‬ ‫مما يختص بالموجود ّ‬
‫وإل ّ‬ ‫ّ‬ ‫[‪34‬و]‬

‫للعدم ال يكون متعلق الرؤية‪.‬‬


‫[‪ ]230‬وأقول‪ :‬لم ال يجوز أن يكون ذلك المتعلق اإلمكان المقارن للموجود دون مطلق‬
‫وأيضا قد تقدم كالمنا في‬
‫أيضا‪ .‬وكذا نقول في سائر المفهومات ً‬
‫اإلمكان الذي يتحقق مع العدم ً‬
‫صحة رؤية المعدوم على مقتضي قواعدهم‪.‬‬
‫والخامس‪ :‬إنّا ال نسلم أن الحدوث ال يكون علة الصحة ّ‬
‫ألن الصحة عدم ّية فيجوز أن يعلل‬
‫بالعدمي‪ .‬وأجيب‪ :‬بأن المراد بالعلة متعلق الرؤية وهو ال يصح أن يكون عدم ًّيا‪.‬‬
‫ّ‬
‫خاص‬
‫ّ‬ ‫أن متعلق الرؤية موجود‬‫إن أراد بكون متعلق الرؤية موجو ًدا ّ‬
‫[‪ ]231‬وأقول‪ْ :‬‬
‫وإن أراد ّ‬
‫أن متعلق الرؤية مفهوم‬ ‫جزئي فهو ال يكون مشتركًا فال يلزم صحة رؤية الواجب ْ‬
‫عدمي بال فرق بينه وبين الحدوث‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أيضا‬
‫الوجود‪ 296‬الكلي المشترك بين الواجب وغيره فهو ً‬
‫فنفي كون الحدوث متعلق الرؤية دون مفهوم الوجود مع أنّه ال فرق بينهما في كونه عدم ًّيا‬
‫تحكم محض‪.‬‬
‫[‪]232‬وقيل‪ :‬ال فرق بين الحدوث والوجود في أنّهما أمران وجود ّيان‪ .‬إذ المراد بالحدوث‬
‫المسبوق ّية بالعدم ال العدم السابق حتى يكون عدم ًّيا فجعل أحدهما متعلق الرؤية دون اآلخر‬
‫تحكم‪.‬‬
‫أيضا أمر اعتباري فال يصح أن يرى ّ‬
‫وإل لم يحتج في‬ ‫[‪ ]233‬وأجيب‪ :‬بأن المسبوقية ً‬
‫حدوث األجسام إلى دليل‪.‬‬

‫‪ 296‬ف م ل‪ :‬الموجود‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫السادس‪ :‬إنّا ال نسلم اشتراك الوجود بين الموجودات كيف! ّ‬


‫فإن األشعري‬ ‫[‪ ]234‬والوجه ّ‬
‫جزم بأن [وجود كل شيء عين ماهيته] وظاهر أنّه ينفي االشتراك إذ لو اشترك الكل في الوجود‬
‫مثل الشترك الكل في حقيقة واحدة هي تمام ماه ّيته لكون‬ ‫الذي هو عين الحقيقة اإلنسان ّية ً‬
‫الوجود المشترك الذي عين تلك الحقيقة عين الحقائق المشتركة فيه‪ .‬ألنّه وجودها كما أنّه وجود‬
‫تلك الحقيقة‪ ،‬وكون اتحاد الشيء بشيء مستلز ًما التحاد ما اتحد به مع هذا الشيء‪.‬‬
‫[‪ ]235‬وأجاب عنه اآلمدي بأن المتمسك بهذا الدليل إن كان ممن يعتقد اشتراك الوجود‬
‫الزامي‪ .‬ولم ّا لم يكن‬
‫ّ‬ ‫معنى ال يرد عليه هذا السؤال‪ .‬وإن كان ممن ال يعتقده كالشيخ فالدليل‬
‫هذا مرض ًّيا عند صاحب المواقف أجاب عن االعتراض بأن قال ال يشك عاقل في أن مفهوم‬
‫الوجود ليس عين مفهوم اإلنسان بل الشك في أن ذات اإلنسان في الخارج عين ذات الوجود‬
‫وإن ما صدق عليه أحدهما عين ما صدق عليه اآلخر ّأو ًل‪ .‬فالشيخ أراد بالعين ّية اتحاد ذواتهما في‬
‫[‪34‬ظ]‬ ‫الخارج وأن ال يكون لكل منهما ‪/‬هوية ممتازة في الخارج‪ .‬وقد ذكر الفاضل الشريف في شرح‬
‫المواقف في ّأول األمور العامة ما يتعلق بهذا المقام فارجع إليه‪.‬‬
‫[‪ ]236‬والوجه السابع‪ :‬إنّا ال نس ّلم أنّه لو تح ّقق علة الصحة لتحقق الصحة لجواز أن يكون‬
‫خصوص ّية األصل شر ًطا أو خصوص ّية الفرع مان ًعا‪.‬‬
‫أعني كون‬ ‫‪297‬‬
‫وأجيب بأن المراد بعلة الصحة متعلق الرؤية وأن متعلقها هو الوجود‬
‫الشيء ذا هوية ال خصوصيات الهو ّيات والوجودات كما في الشبح المرئي من بعيد بال ادراك‬
‫الخصوص ّية واذا كان متعلقها مطلق الهوية المشتركة لم يتصور هناك اشتراط بشرط وال تقييد‬
‫بارتفاع مانعٍ‪.‬‬
‫[‪ ]237‬وأقول‪ :‬لم ال يجوز أن يكون صحة كون الهوية المطلقة متعلقة الرؤية مشرو ًطا‬
‫بكونها في ضمن الممكن أو الحادث أو يكون كونها في الواجب مان ًعا عن صحة كونها متعلق‬
‫الرؤية‪ .‬وال يتوقف تصور االشتراط والمانع على كون العلة بمعنى المؤثر بل يتصور في العلة‬
‫أيضا‪.‬‬
‫بمعنى المتعلق ً‬
‫[‪ ]238‬قال الفاضل الشريف في شرح المواقف‪:‬‬

‫‪ 297‬أ ‪ +‬مطل ًقا‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫ولقد بالغ المصنف في ترويج المسلك العقلي إلثبات صحة رؤيته تعالى لكن ال يلتبس‬
‫على الفطن المنصف أن مفهوم الهوية المطلقة المشتركة بين خصوصيات الهويات أمر‬
‫أصل‪ .‬وأن المدرك من الشبح‬‫اعتباري كمفهوم الماهية والحقيقية فال تتعلق بها الرؤية ً‬
‫البعيد هو خصوصيته الموجودة ّإل أن إدراكها إجمالي ال يتمكن به على تفصيلها‪.‬‬
‫فإن مراتب اإلجمالي متفاوتة قو ًة وضع ًفا كما ال يخفى على ذي بصيرة‪ .‬فليس يجب‬ ‫ّ‬
‫المدرك وما يتعلق به من األحوال‪ .‬أآل‬
‫َ‬ ‫أن يكون كل إجمال وسيلة إلي تفصيل أجزاء‬
‫ترى إلى قولك كل شيء فهو كذا‪ ،‬وفي هذا الترويج تكلفات ُأخر يطلعك عليها أدنى‬
‫تأ ّمل‪ .‬فإذن األولى ما قد قيل من أن التعويل في هذه المسألة على الدليل العقلي متعذر‬
‫فلنذهب إلى ما اختاره الشيخ أبو منصور الماتريدي من التمسك بالظواهر النقل ّية وقد‬
‫‪298‬‬
‫مر عمدتها‪.‬‬‫ّ‬
‫[‪ ]239‬وأقول‪ :‬لعل الفاضل أراد بالتك ّلفات األُخر ما ن ّبهناك من االعتراضات على هذا‬
‫مر‬ ‫الترويج وال يخفي عليك أن الدليل النقلي الذي ادعى كونه عمدة األد ّلة ّ‬
‫مما ال يفيد اليقين لما ّ‬
‫من كلماتنا المتعلقة به فتبصر‪ .‬قال في شرح المقاصد‪:‬‬
‫[‪ ]240‬نقض هذا الدليل بصحة المخلوقية‪ ،‬فإنها مشتركة بين الجوهر والعرض‪ .‬فال بد‬
‫من علة مشترك وال مشترك بينهما يصلح علة لذلك سوى الوجود فيلزم صحة مخلوقية‬
‫الواجب [وهو محال]‪ ،‬والجواب‪ :‬أنها أمر اعتباري محض ال يقتضي علة إذ ليست‬
‫مما يتحقق عند الوجود وينتفي عند العدم ‪/‬كصحة الرؤية س ّلمنا لكن الحدوث يصلح‬ ‫[‪35‬و]‬
‫ههنا علة ألن المانع من ذلك في صحة الرؤية إنما هو امتناع تعلق الرؤية بما ال تحقق‬
‫فقوي [واإلنصاف أن ضعف هذا الدليل‬ ‫ّ‬ ‫له في الخارج وأما النقض بصحة الملموسية‬
‫جلي]‪ 299‬انتهى كالمه‪.‬‬
‫إن أراد باالعتباري المحض ما يكون بمحض اعتبار المعتبر وفرض‬ ‫[‪ ]241‬وأقول‪ْ :‬‬
‫الفارض بدون اتصاف الشيء به في نفس األمر فظاهر أن صحة المخلوق ّية ليست‬
‫وإن أراد به االعتباري المعدوم الذي ال يوصف بالتجدد والحصول بعدما‬‫كذلك‪ْ .‬‬
‫مما يتحقق‬
‫لم يكن وإن اتصف الشيء به في نفس األمر كما يشعر به قوله‪" :‬إذ ليس ّ‬
‫فإن المتجدد عندهم في حكم الموجود الحادث في‬ ‫عند الوجود وينتفي عند العدم" ّ‬

‫‪ 298‬شرح المواقف للجرجاني‪.189-188/3 ،‬‬


‫‪ 299‬شرح المقاصد للتفتازاني‪.115/2 ،‬‬

‫‪109‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫الحصول بعدما لم يكن ولذلك يحتاج إلى العلة فال نسلم كون الصحة المذكورة ثابتة‬
‫إن أريد بالمخلوق ّية المخلوقية في حالة العدم ْ‬
‫وإن أريد مجرد المخلوقية‬ ‫في حالة العدم‪ْ ،‬‬
‫أيضا ثابتة في حالتي العدم والوجود كما سبق‪ ،‬فال فرق‬ ‫بدون التقييد بها فصحة الرؤية ً‬
‫أصل‪ .‬على أنّا نقول‪ :‬احتياج االتصاف باألمور االعتبارية في نفس األمر‬ ‫بين الصحتين ً‬
‫ضروري سواء قلنا إنّها متجددة أو ال‪ ،‬وما نحن فيه من ذلك القبيل‪ .‬وما‬ ‫ّ‬ ‫إلى العلة‬
‫ذكروا في دليل احتياج صحة الرؤية إلى العلة من أن الصحة ثابتة في حالة الوجود دون‬
‫مما يجري مثله ههنا‪ّ .‬‬
‫فإن‬ ‫ٍ‬
‫مرجح ّ‬ ‫مرجحة ّ‬
‫لئل يلزم الترجيح بال‬ ‫العدم فال بدّ من علة ّ‬
‫صحة المخلوقية ثابتة للجواهر واألعراض وليست ثابتة للواجب والممتنع فال بدّ من‬
‫أن لكل من‬ ‫وأيضا ال فرق بينهما في ّ‬
‫مرجح ً‬‫ٍ‬ ‫مخصصة بهما ّ‬
‫لئل يلزم الترجيح بال‬ ‫ّ‬ ‫علة‬
‫احتياجا إلى المتعلق‪ .‬فاحتياج الصحتين إلى العلة بمعنى المتعلق أمر‬ ‫ً‬ ‫الخلق والرؤية‬
‫ضروري سواء قيل بأنّهما اعتباري محض أو ال‪ .‬وقوله‪" :‬سلمنا لكن الحدوث" إلخ‪.‬‬
‫ألن متعلق الرؤية كما يكون موجو ًدا كذلك متعلق الخلق يكون موجو ًدا‬ ‫ليس بشيء‪ّ .‬‬
‫أيضا بال‬
‫ألبتة‪ .‬فالمانع لعل ّية الحدوث لصحة الرؤية متحقق لعل ّيته لصحة المخلوقية ً‬
‫إن الحصر المستفاد من قوله‪" :‬إنّما هو امتناع تعلق الرؤية"‬‫فرق بينهما‪ .‬على أنّا نقول ّ‬
‫يدل عليه صحة‬ ‫ألن تأخر الحدوث عن صحة المخلوقية الذي ّ‬ ‫إلخ‪ .‬ليس بصحيح‪ّ .‬‬
‫"صح مخلوقيته فحدث" مانع من علية الحدوث لتلك الصحة‪ ،‬بل‬ ‫ّ‬ ‫التفريع في قولنا‬
‫يدل عليه عدم صحة التفريع في‬ ‫نقول عدم تقدم الحدوث على تلك الصحة وهو الذي ّ‬
‫مما يمنع من علية الحدوث لها‪ .‬وقوله‪" :‬وأ ّما النقض‬ ‫فصح مخلوقيته" ّ‬ ‫ّ‬ ‫قولنا‪" :‬حدث‬
‫ألن ملموس ّية الجواهر غير مسلم‪ ،‬نعم يدرك‬ ‫فقوي" ليس كما ينبغي‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫بصحة الملموسية‬
‫الجواهر بواسطة المال َم َسة ولكن يجوز أن يكون ذلك من جهة العقل بمعاونة الحس‬
‫بخالف الرؤية فأنّه ذكر أن الطول مرئي وهو عبارة عن الجوهر وال يتصور أن يقال مثل‬
‫[‪35‬ظ]‬
‫ذلك في اللمس‪/ .300‬‬

‫المقام الثاني‪ :‬في وقوع الرؤية‬


‫واستدل عليه بقوله‪ :‬تعالى ﴿وجوه يوم ِئ ٍذ ن ِ‬
‫َّاض َر ٌة إِ َل ٰى َر ِّب َها‬ ‫ّ‬ ‫[‪]242‬وما يتعلق به من أدلته‬
‫ُ ُ ٌ َْ َ‬
‫نَاظِ َرةٌ﴾ [القيامة‪ .]23-22/75 ،‬وجه االحتجاج فيه أن النظر قد يطلق بمعنى االنتظار وتعديته‬

‫ـوي" ليــس كمــا ينبغــي ّ‬


‫ألن ملموسـ ّية الجواهــر غيــر مســلم؛‬ ‫‪ 300‬ل ط م ف ق ‪ -‬؛ أ ‪ +‬وقولــه‪" :‬وأ ّمــا النقــض بحصــة الملموســية فقـ ّ‬
‫ِ‬
‫المالم َســة ولكــن يجــوز أن يكــون ذلــك مــن جهــة العقــل بمعاونــة الحــس بخــاف الرؤيــة فأ ّنــه‬ ‫نعــم يــدرك الجواهــر بواســطة‬
‫ذكــر أن الطــول مرئــي وهــو عبــارة عــن الجوهــر وال يتصــور أن يقــال مثــل ذلــك فــي اللمــس‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫بنفسه قال الله تعالى‪﴿ :‬ان ُظ ُرونَا َن ْقتَبِ ْس ِمن ن ِ‬


‫ُّورك ُْم﴾ [الحديد‪ ]13/57 ،‬وبمعنى انتظرونا‪ .‬وقال‬
‫ون إِ َّل صيح ًة و ِ‬
‫احدَ ةً﴾ [يس‪ ]49/36 ،‬أي‪ :‬ينتظرون‪ .‬وقد يطلق على التفكّر‬ ‫الله تعالى ﴿ َما َين ُظ ُر َ‬
‫َ ْ َ َ‬
‫واالعتبار واستعماله ب"في" يقال نظرت في األمر الفالني تفكرت واعتبرت‪ .‬وقد يطلق على‬
‫ٍ‬
‫لفالن أي تعطف به‪ .‬ورأف به وقد يطلق على‬ ‫معنى التع ّطف والرأفة وصلته الالم يقال نظر فالن‬
‫حسن الله َو ْج َهه‪ .‬والنظر ههنا‬
‫معنى الرؤية وحينئذ ويستعمل ب"إلى" قال الشاعر‪ :‬نظرت إلى من ّ‬
‫موصول ب"إلى" فوجب حمله على الرؤية‪.‬‬
‫[‪ْ ]243‬‬
‫فإن قلت‪ :‬النظر الموصول بــــ"إلى" ال يلزم أن يكون بمعنى الرؤية حتى يجب أن‬
‫حمله ههنا عليها فإنّه ر ّبما يستعمل بمعنى التوقع والرجاء يقال إنّا إلى فالن ناظر ما يصنع بي يريد‬
‫معنى التوقع والرجاء ومنه قول القائل‪:‬‬

‫والبحر دونك زدتني نعما‬ ‫واذا نظرت إليك من ملك‬

‫[‪ ]244‬فعلى هذا التقدير يكون معنى اآلية أنّهم ال يتوقعون النعمة والكرامة ّإل من ربهم‬
‫كما كانوا في الدنيا ال يخشون وال يرجون ّإل إ ّياه‪ .‬ومما يؤ ّيد هذا المعنى أنّه تقديم المفعول أعني‬
‫إلى ر ّبها‪ .‬يدل على االختصاص تحقي ًقا كما هو الظاهر‪ .‬فإذا حمل على معنى الرؤية يفوت هذا‬
‫مقصورا عليه في ذلك اليوم بل يريدون الخالئق وكون الرؤية أقرب‬
‫ً‬ ‫المعنى ّ‬
‫ألن نظرهم ليس‬
‫مجازا فيها كما ّ‬
‫يدل عليه قول الفاضل الشريف حيث‬ ‫ً‬ ‫المعاني المجازية على تقدير كون النظر‬
‫قال‪" :‬فوجب حمله على الرؤية بل على تقليب الحدقة"‪ 301‬يعارضه تبادر االختصاص الحقيقي‬
‫من تقديم المفعول فال يرجح الحمل على الرؤية على الحمل على معنى التوقع‪.‬‬
‫[‪ ]245‬قلت‪ :‬ليس تبادر االختصاص الحقيقي من التقديم مثل تبادر الرؤية من النظر‬
‫ملحق بالحقائق في الشهرة والتبادر وما‬
‫ٌ‬ ‫الموصول بـــ"إلى"‪ّ .‬‬
‫فإن النظر المستعمل في الرؤية‬
‫ذكرتم من االختصاص ليس كذلك‪ .‬ولو سلم ذلك فال نس ّلم تبادر عموم االختصاص بجميع‬
‫أوقات ذلك اليوم حتى ينافي تحققه لحمل النظر على الرؤية‪.‬‬
‫صرح في مواضع بأن ظرف‬ ‫[‪ ]246‬وأنا أتعحب من صاحب الكشاف ومتابعة هواه‪ .‬فإنّه ّ‬
‫يؤخر من ‪/‬عامله ّإل أنّه قد تقدم لالهتمام بشأنه‪ .‬ومن جملتها ما ذكره‬
‫وإن كان ح ّقه أن ّ‬
‫اللغوي ْ‬ ‫[‪36‬و]‬

‫‪ 301‬شرح المواقف للجرجاني‪.176/3 ،‬‬

‫‪111‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫في قوله تعالى‪َّ ﴿ :‬ل ُه ُك ُف ًوا َأ َحدٌ ﴾ [اإلخالص‪ ]4/112 ،‬حيث قال قدّ م الظرف ههنا ْ‬
‫وإن كان ح ّقه‬
‫ألن الكالم إنّما سبق لنفي المكافات عن ذات البارئ تعالى وهذا المعنى مصبه ومركزه‬ ‫التأخير ّ‬
‫هو هذا الظرف فكان لذلك أتم شيء وأعناه وأح ّقه بالتقديم وأحراه‪ .‬وجعل الظرف فيما نحن‬
‫محمول على االختصاص وجعل ذلك مان ًعا من حمل النظر على الرؤية ْ‬
‫وإن فرض صحة‬ ‫ً‬ ‫فيه‬
‫رؤيته وجعله منش ًئا لحمله على معنى التوقع مع كونه بعيدً ا مع أنّه يمكن أن يقال في تقديمه‬
‫مثل ما يقال في تقديم الظرف في ﴿ َل ُه ُك ُف ًوا َأ َحدٌ ﴾ [اإلخالص‪ .]4/112 ،‬إذ الكالم سبق ههنا‬
‫لبشارة المؤمنين بالنظر إلى وجهه الكريم‪ .‬وظاهر أن هذا المعنى مص ّبه ومركزه هو هذا الظرف‬
‫فكان أهم شيء وأعناه وأح ّقه بالتقديم وأحراه‪ .‬وال داعي إلى ما ذكره ههنا ّإل قصد مخالفة أهل‬
‫السنة والمبالغة في ذلك والتجنّب عما قالوا بأبلغ ما يمكن‪ .‬وأسأل الله هدنا الهداية ونعوذ به من‬
‫الغباوة والغوايه‪.‬‬
‫[‪]247‬واعترض على الدليل بوجوه‬
‫األول‪ :‬إنّا ال نسلم أن "إلى" ههنا صلة النظر بل هو بمعنى عند أو واحد آال ومفعول به للنظر‬
‫ّ‬
‫بمعنى االنتظار فمعنى اآلية نعمة ربها منتظرة أو عند ربها منتظرة نعمة‪.‬‬
‫ثم قيل االنتظار موت األحمر فال ّ‬
‫يدل اآلية حينئذ‬ ‫غم ومن ّ‬
‫وأجيب عنه‪ :‬بأن انتظار النعمة ّ‬
‫على البشارة مع أنّها سيقت لها‪.‬‬

‫[‪ ]248‬وأقول‪ :‬االنتظار إنّما يكون ً‬


‫غما إذا لم يعتقد حصول المطلوب المنتظر أو اعتقد‬
‫حصوله في الزمان البعيد‪ .‬وأ ّما االنتظار المقرون باعتقاد حصول المطلوب عن قريب فال نس ّلم‬
‫أن سبب الغم في االنتظار فوات المطلوب‪ .‬فإذا كان المطلوب فائتًا‬‫كونه ألم ًا‪ ،‬وما قيل من ّ‬
‫ألن الغم الحاصل بفوات المطلوب الذي‬‫حاصل فمردود‪ّ .‬‬‫ً‬ ‫كما في صورة االنتظار كان الغم‬
‫لم ُيعلم حصوله ر ّبما يزول ويحصل بدله السرور‪ .‬إذا حصل االعتقاد بحصول ذلك المطلوب‬
‫أيضا وذلك ظاهر لمن حصل له هذا المعنى وكيف ال!‬ ‫ً‬
‫حاصل بالفعل ً‬ ‫وإن لم يكن المطلوب‬ ‫ْ‬
‫فإنّه إذا بشر زيد بأنّه يكون سلطانًا غدً ا واعتقده وانتظر إلى الغد أتحسب أن زيدً ا يتألم ويغتم‬
‫باالنتظار إلى الغد المقرون ببقاء هذا االعتقاد‪ .‬وال يحصل السرور بالتوقع والرجآء المقرون‬
‫[‪36‬ظ]‬ ‫بذلك االعتقاد وإنكاره مخالف ‪/‬لما يقتضيه الوجدان الصحيح‪ .‬فإذا كان انتظار السلطنة الدنيو ّية‬
‫الدنية موج ًبا للسرور فانتظار السلطنة األخرو ّية السنية المقرونة باعتقاد وقوع المنتظر عن قريب‬
‫بالطريق األولى‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫[‪ ]249‬واستوضح ما ذكرناه مما نقول إذا قيل لك في مقام البشارة انتظر أنت السلطنة‬
‫اآلتية لك إلى الغد‪ ،‬هل يمكن أن يرد عليك بهذا الكالم الحزن وال يقع بسببه السرور أو تخطئ‬
‫من تكلم به في مقام البشارة‪ .‬وما ذكروا من أن االنتظار أشدّ من موت األحمر فالمراد به هو‬
‫أن ما ذكر في شرح‬ ‫ً‬
‫حصول قريب ًا‪ .‬وبما ذكرنا ظهر ّ‬ ‫االنتظار الذي ال يتوقع حصول المطلوب فيه‬
‫ٍ‬
‫يومئذ في غاية الفرح والسرور واإلخبار‬ ‫المقاصد‪" :‬من أن سوق اآلية لبشارة المؤمنين وبيان أنّهم‬
‫بانتظارهم النعمة والثواب ال يالئم ذلك بل ربما ينافيه‪ّ .‬‬
‫ألن االنتظار موت األحمر فهو بالغم‬
‫والحزن والقلق وضيق الصدر أجدر ْ‬
‫وإن كان مع القطع بالحصول"‪ ،302‬ليس كما ينبغي‪.‬‬
‫بأن كون "إلى" بمعنى النعمة ْ‬
‫وإن ثبت في اللغة فال شبهة في بعده‬ ‫[‪ ]250‬وقد أجيب أيض ًا ّ‬
‫‪303‬‬
‫وغرابته وإخالله بالفهم عند تعلق النظر فيه ولذا لم يحمل اآلية عليه أئمة التفسير في القرن‬
‫األول وال ّثاني بل أجمعوا على خالفه‪.‬‬
‫ّ‬
‫الثاني من وجوه االعتراض أن النظر الموصول بالى قد جاء بمعنى االنتظار‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬

‫كما نظر الظمآء حيا الغمام‪.‬‬ ‫وشعث‪ 304‬ينظرون إلى بالل‬

‫[‪ ]251‬ومن المعلوم ّ‬


‫أن العطاش ينتظرون مطر الغمام فوجب حمل النظر المشبه على‬
‫االنتظار ليصح التشبيه‪.‬‬

‫إلى الرحمن يأتي بالفالح‬ ‫وقال‪ :‬وجوه ناظرات يوم بدر‬

‫أي منتظرات إتيانه بالظفر والفالح‬

‫ٍ‬
‫هالل‬ ‫نظر الحجيج إلى طلوع‬ ‫وقال‪ :‬كل الخالئق ينظرون سجاله‬

‫أي ينتظرون عطاياه انتظار الحجاج طلوع الهالل‪،‬‬

‫‪ 302‬شرح المقاصد للتفتازاني‪.116/2 ،‬‬


‫‪ 303‬ل‪ :‬القرآن‪.‬‬
‫‪ 304‬فــي هامــش ف م ط‪ :‬الشــعث بضــم الشــين جمــع أشــعث وهــو مغبــر الوجــه؛ وبــال هــو ابــن أبــي بــردة بــن أبــي موســى‬
‫األشــعري قاضــي البصــرة وكان جــوادا فياضــا والمــراد تشــبيه انتظــار الفقــرآء والوارديــن إلــى بابــه مــن كل أدب نعمــه وعطاياه‬
‫بانتظــار العطــاش نــزول المطــر أو تشــبيه رؤيــة بــال الــذي يشــتاقونه ويطلبونــه ألجــل عطايــاه برؤيــة العطــاش المطــر الــذي‬
‫يشــتاقونه‪ .‬مــن سـ ّلمه اللــه فــي الداريــن‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫األول‬ ‫[‪ ]252‬والجواب‪ :‬إنّا ال نسلم ّ‬


‫أن النظر فيما ذكر من األبيات بمعنى االنتظار‪ .‬ففي ّ‬
‫أي بمعنى الرؤية والمعنى وشعث ترون ً‬
‫هالل كما ترى الظمآء ماء يطلبونه ويشتاقون إليه وال‬
‫امتناع أن يحمل النظر المطلق عن الصلة على معنى الرؤية بطريق الحذف واإليصال‪ .‬ويحتمل‬
‫ً‬
‫محمول على معنى‬ ‫مجازا من التوجه وااللتفات إطالقا للملزوم على الالزم أو يكون‬
‫ً‬ ‫أن يكون‬
‫التوقع والرجاء كما نقلنا مثله عن صاحب الكشاف‪ .305‬وفي الثاني بمعنى الرؤية ً‬
‫أيضا والمعنى‬
‫وجوه ترون جهة الله أي العلو‪ .‬فإنّها في العرف سمي بجهة الله أو يكون المضاف محذو ًفا أي‬
‫[‪37‬و]‬ ‫ترون أثار الله من الضرب والطعن الصادر ‪/‬من المالئكة التي أرسلها الله لنصرة المؤمنين يوم‬
‫بدر‪ .‬وذكر بعض الرواة أن الرواية هكذا وجوه ناظرات يوم بكر‪ .‬وأن قائله شاعر من أتباع ُم َس ْيلمة‬
‫الكذاب‪ ،‬والمراد بيوم بكر يوم القتال مع بني حنيفة ألنّهم بطن من بكر بن وائل وأراد بالرحمن‬ ‫ّ‬
‫مسيلمة فإنّهم يسمونه برحمن اليمامة‪.‬‬
‫مجازا أو بمعنى التوقع‬
‫ً‬ ‫[‪ ]253‬فالجواب على هذا ظاهر ويحتمل أن يكون بمعنى التوجه‬
‫أيضا بمعنى الرؤية أي يرون سجاله ويستعمل‪ 306‬النظر المجرد عن الصلة‬
‫والرجآء‪ .‬وفي الثالث ً‬
‫بمعنى الرؤية كما ذكرناه‪.‬‬
‫[‪ ]254‬وأقول‪ :‬تشبيه رؤية سجاله إلى رؤية طلوع هالل ليس بحسن‪ّ .‬‬
‫ألن رؤية هالل رؤية‬
‫أمر خفي وأنها تشتهر بها وإنّما يشبه بها رؤية األمور الخف ّية فال يحسن في مقام المدح بالجود‬
‫وشموله كل الخالئق‪ .‬فالوجه أن يقال النظر بمعنى التوجه وااللتفات أو بمعنى التوقع والرجآء‪.‬‬
‫قيل‪ :‬ولو سلم مجيئه مع إلى بمعنى االنتظار فال يصح حمله عليه في اآلية ألنّها سيقت‬
‫لبشارة المؤمنين واالنتظار ال يصلح للبشارة كما سبق‪.‬‬
‫أيضا ّ‬
‫أن استناد األشياء إلى الله‬ ‫[‪ ]255‬وأقول‪ :‬قد سبق ما يتعلق بذلك ويمكن أن يقال ً‬
‫أيضا‬
‫تعالى فالغم الحاصل عقيب االنتظار فعل الله فيجوز أن يستند السرور إليه عقيب االنتظار ً‬
‫وغايته أن يكون ذلك على خرق العادة وأفعاله تعالى في تلك الدار في األكثر على خرق العادة‬
‫الجارية في هذه الدار فيجوز أن يقصد باإلخبار باالنتظار بقرينة المقام تبشير المؤمنين‪ .‬وال يلزم‬

‫‪ 305‬ل ط م ف ‪ -‬؛ أ ‪ +‬ويحتمــل أن يكــون مجــازً ا مــن التوجــه وااللتفــات إطال ًقــا للملــزوم علــى الــازم أو يكــون محمــولً علــى‬
‫معنــى التوقــع والرجــاء كمــا نقلنــا مثلــه عــن صاحــب الكشــاف‪.‬‬
‫‪ 306‬في األصل‪ :‬يجوز‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫أن يكون التبشير به مواف ًقا لفعله العادي‪ً .‬‬


‫وأيضا يجوز أن يكون النظر بمعنى االنتظار ولكن يكون‬
‫تمثيل مسو ًقا لتشبيه حالهم بحال من يجزم بشيء معتد به فينظر في حصوله الشتراك كل‬
‫ً‬ ‫الكالم‬
‫أعز األشياء ومطمح النظر‪ .‬وال شبهة ّ‬
‫أن الخبر بطلب المجزوم‬ ‫منهما في أن المطلوب فيهما ّ‬
‫وقوعه كما يدل عليه المقام مما يدل على السرور‪ ،‬وعدم داللة االنتظار الذي لم يسق الكالم له‬
‫ال يستلزم أن ال يدل ما ذكرنا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ظاهر وال دليل عليه ههنا‬ ‫[‪]256‬قلت‪ :‬ما ذكرته كله أمور بعيدة ال يصار إليه ّإل بدليل‬
‫على أن القول بأن الغم الحاصل عقيب االنتظار من أفعال الله‪ .‬فيجوز أن يخلق السرور عقيب‬
‫االنتظار مبني على أن يكون الغم والسرور من الموجودات وهم ال يقولون به‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬إن النظر الموصول بــــ"إلى" حقيقة لتقليب الحدقة ال للرؤية‪ .‬إ ْذ يقال‬
‫متناقضا‪ ،‬ويقال ولم أزل أنظر‬
‫ً‬ ‫نظرت ‪/‬إلى الهالل فما رأيته ولو كان بمعنى الرؤية لكان‬ ‫[‪37‬ظ]‬

‫إلى الهالل حتى رأيته ولو كان بمعنى الرؤية لكان الشيء غاية لنفسه‪ ،‬وانظر كيف ينظر‬
‫ٍ‬
‫فالن‪.‬‬ ‫إلى‬
‫﴿وت ََر ُاه ْم َين ُظ ُر َ‬
‫ون‬ ‫والرؤية ال ينظر إليها وإنّما ينظر إلى تقليب الحدقة وقال الله تعالى َ‬
‫إِ َل ْي َك﴾ [األعراف‪ .]198/7 ،‬ويدل عليه ً‬
‫أيضا أن النظر الموصول بــــ"إلى" ر ّبما يوصف‬
‫بأوصاف ال يتصف بها الرؤية بل هي أحوال يكون عليها عين الناظر عند تقليب الحدقة وهي‬
‫مثل الرضى والتحير والذل والخشوع فإذا كان النظر حقيقة في تقليب الحدقة ال يكون حقيقة في‬
‫مجازا وحينئذ نقول هذا المجاز‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫استعمال‬ ‫الرؤية ّ‬
‫وإل لزم االشتراك فيكون استعماله في الرؤية‬
‫ً‬
‫محتمل لكل‬ ‫ليس مما يتعين حمل اللفظ عليه لجواز أن يراد ناظرة إلى نعم الله واذا كان اللفظ‬
‫مرجح ههنا بعين المجاز المذكور‪.‬‬
‫مرجح وال ّ‬
‫منهما فال بدّ لترجيح أحدهما من ّ‬
‫مر ذكره‬ ‫[‪]257‬وأجيب عنه ّ‬
‫بأن النظر الموصول بــــ"إلى" حقيقة في الرؤية بالنقل الذي ّ‬
‫فال يكون حقيقة في غيرها وما استشهد به على كونه بمعنى تقليب الحدقة فنمنع كون كله‬
‫وأيضا‬
‫كالم العرب الموثوق بعربيتهم‪ .‬ولو سلم فيمكن أن يحمل بعضه على حذف المضاف ً‬
‫يمكن أن يقال إنّها مجازات عن تقليب الحدقة من باب إطالق المسبب على السبب‪ .‬وكل‬
‫ذلك ظاهر لمن له أدنى مس ٍ‬
‫كة وعلى تقدير كونه حقيقة في التقليب الذي ليس بمراد في اآلية‬ ‫ْ‬
‫وجوها كثير ًة كنعمة الله‬
‫ً‬ ‫ال بدّ أن يحمل فيها على الرؤية لرجحانه على اإلضمار الذي يحتمل‬

‫‪115‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫وأيضا‬
‫وجهة الله وآثار الله‪ .‬وال قرينة ههنا تعيين‪ 307‬بعضها فوجب المصير إلى المجاز المتعين ً‬
‫تقليب الحدقة بدون الرؤية ال يكون نعمة بل فيه نوع عقوبة وتقليب الحدقة مع الرؤية يكفيه‬
‫التجوز وحده‪ .‬فال ينضم‪ 308‬إليه اإلضمار تقليال لما هو خالف األصل‪ّ .‬‬
‫فإن تقليب الحدقة‬
‫يكون سب ًبا عاد ًّيا للرؤية وإطالق اسم السبب المس ّبب مجاز مشهور فيحمل اآلية على التجوز‬
‫بال إضمار شيء‪.‬‬
‫[‪ ]258‬وأقول‪ :‬ما سبق من الدليل على كون النظر بمعنى الرؤية أعني قول الشاعر نظرت‬
‫إلى من أحسن الله وجهه ليس أولى من أد ّلة كون‪ 309‬النظر بمعنى تقليب الحدقة‪ .310‬فإنّه أجاب‬
‫مجازا‪ .‬كذلك يمكن أن يقال ههنا‪.‬‬
‫ً‬ ‫عن تلك األدلة بحمل النظر فيها على معنى تقليب الحدقة‬
‫[‪38‬و]‬ ‫لم ال يجوز أن يكون معنى النظر الحقيقي تقليب ‪/‬الحدقة ويستعمل في البيت في معنى الرؤية‬
‫مجازا‪ .‬فال ّ‬
‫يدل البيت على أن معنى النظر الحقيقي هو الرؤية‪.‬‬ ‫ً‬
‫[‪ ]259‬وقال هذا المجيب بل يجب حمل النظر في قوله تعالى‪﴿ :‬إِ َل ٰى َر ِّب َها نَاظِ َرةٌ﴾‬
‫‪311‬‬

‫يدل على النظر المعدي ب"إلى"‬ ‫[القيامة‪ ]23/75 ،‬على تقليب الحدقة المؤدي إلى الرؤية‪ .‬فإنّه ّ‬
‫معناه تقليب الحدقة المؤدي إلى الرؤية ال نفس الرؤية‪ّ .‬‬
‫وإل لم يكن لذلك اإلضراب وجه‪.‬‬
‫فادعاء كون الرؤية نفس معناه ههنا مخالف لمختاره‪ 312‬هناك‪ .‬قوله‪" :‬وعلى تقدير كون النظر‬
‫حقيقة في التقليب الذي ليس بمراد يجب حمله في اآلية على الرؤية"‪ .‬يرد عليه إنّا ال نس ّلم‬
‫ً‬
‫محمول على تقليب الحدقة‬ ‫أن معنى تقليب الحدقة ليس بمراد في اآلية لم ال يجوز أن يكون‬
‫المؤدي إلى الرؤية كما حمل عليه في قوله تعالى‪َ ﴿ :‬أن ُظ ْر إِ َل ْي َك﴾ [األعراف‪ ]143/7 ،‬وعدم‬
‫تصور تقليب الحدقة بالنسبة إليه ال ينافي أن يحمل اللفظ على ذلك ويحمل اآلية على التمثيل‬
‫بأن يشبه حالهم في مشاهدة جمال الله بحال من تقليب الحدقة نحو المرئي فيراه كما حمل عليه‬ ‫ّ‬
‫قوله تعالى‪َ ﴿ :‬أن ُظ ْر إِ َل ْي َك﴾ [األعراف‪.]143/7 ،‬‬

‫‪ 307‬ف‪ :‬يعين‪.‬‬
‫‪ 308‬ل‪ :‬ينتظم‪.‬‬
‫‪ 309‬أ‪ :‬حمل‪.‬‬
‫‪ 310‬أ‪ :‬بدل (تقليب الحدقة) االنتظار‪.‬‬
‫‪ 311‬أ‪َ ﴿ :‬أن ُظ ْر إِ َل ْي َك﴾ [األعراف‪]143/7 ،‬‬
‫‪ 312‬م ط‪ :‬لمختار‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫وجوها كثيرة" يرد عليه أن إضمار‬


‫ً‬ ‫[‪]260‬وقوله‪" :‬لرجحانه على اإلضمار الذي يحتمل‬
‫النعمة أظهر من إضمار غيرها الذي يناسب هذا المقام‪ّ .‬‬
‫ألن الكالم سيق لبشارة المؤمنين‬
‫مما يشترك فيه الكفرة‪ّ .‬‬
‫وأن‬ ‫في مقابلة بيان سوء حال الكفرة‪ .‬وظاهر أن مشاهدة آثار الله ّ‬
‫النظر إلى جهة الله ال يفيد البشارة ّإل بمالحظة ٍ‬
‫أمر زائد على مالحظة الجهة وهي مالحظة‬
‫أن الجهة منظورة يتوقع ظهور النعم منها‪ .‬وإذا أضمر النعمة ال يحتاج إلى مالحظة أمر زائد‬
‫على المضمر فيكون أولى من سائر المحتمالت فيكون هي المتعين من سائره وبما ذكرنا‬
‫من االحتمالت ظهر أن أمثال هذا الدليل من الظواهر ال يفيد اليقين في هذه المسألة التي‬
‫هي من المسائل العلم ّية ولذلك قال صاحب المواقف‪" :‬وال يخفي عليك أن أمثال هذه‬
‫وحينئذ ال تصلح للتعويل عليها في المسائل العلم ّية‬ ‫ٍ‬ ‫الظواهر ال تفيد ّإل ظنونًا ضعيف ًة جدً ا‪،‬‬
‫ل إِن َُّه ْم َعن َّر ِّب ِه ْم َي ْو َم ِئ ٍذ‬
‫التي يطلب فيها اليقين‪ 313".‬واستدل على المطلوب بقوله تعالى‪َ ﴿ :‬ك َّ‬
‫مبرؤون‬ ‫ون﴾ [المطففين‪ ]15/83 ،‬ذكره تعالى في حق الكفار فيكون المؤمنون ّ‬ ‫َّل َم ْح ُجو ُب َ‬
‫عن حجابه فيلزم رؤيتهم‪ .‬والقول بإضمار الثواب قول بما ال دليل عليه وهذا الدليل من‬
‫األول ّ‬
‫فإن الحجاب ر ّبما يستعمل في الحجاب القلبي كالعمى في العمى القلبي فال‬ ‫الطراز ّ‬
‫أيضا‪.‬‬
‫تعويل على هذا الدليل ً‬
‫[‪/]261‬قال في شرح المواقف‪" :‬المعتمد في إثبات الوقوع بل في صحته أيضا إجماع األمة‬ ‫[‪38‬ظ]‬

‫قبل ظهور المخالفين على وقوع الرؤية المستلزم لصحتها وعلى كون هاتين اآليتين محمولتين‬
‫‪314‬‬
‫على الظاهر المتبادر منهما ومثل هذا اإلجماع مفيد اليقين"‬
‫[‪ ]262‬وأقول‪ :‬إن ما ذكره في آخر الموقف األول ّ‬
‫يدل على أن الدليل النقلي على وقوع‬
‫شيء إنّما يفيد اليقين به اذا علم إمكانه بمجرد العقل وما ذكره ههنا ّ‬
‫يدل على أن اإلمكان يستدل‬
‫عليه بدليل الوقوع من غير توقف على الدليل العقلي‪.‬‬

‫‪ 313‬شرح المواقف للجرجاني‪.167/3 ،‬‬


‫‪ 314‬شرح المواقف للجرجاني‪.195/3 ،‬‬

‫‪117‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫المقام الثالث‪ :‬في شبه المنكرين‬


‫فهي منقسمة إلى عقل ّية ونقل ّية‪ ،‬أما العقل ّية فثلث‬
‫‪315‬‬

‫األولى‪ :‬شبهة الموانع وتقريرها أنّه لو جازت رؤيته تعالى لجازت في الحاالت ك ّلها ّ‬
‫ألن‬
‫اإلمكان حكم ثابت إما لذاته أو لصفة الزمة له فال يتصور انفكاكه عنه في شيء من األزمنة‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ يلزم جواز رؤيته اآلن ولو جازت رؤيته اآلن لرأيناه والتّالي باطل‪.‬‬
‫[‪]263‬بيان المالزمة أنّه ال بدّ من حصول الشيء عند اجتماع شرائطه‪ ،‬وال شبهة أن شرائط‬
‫الرؤية تكون مجتمعة في حقه تعالى على تقدير جواز رؤيته المستلزم لجواز رؤيته اآلن‪ّ ،‬‬
‫ألن‬
‫شرائط الرؤية على ما ذكر في المواقف في هذا الموضع ثمانية‪:‬‬
‫[‪]264‬األول‪ :‬سالمة الحاسة‪ ،‬وال ّثاني‪ :‬وكون الشيء جائز الرؤية مع حضوره للحاسة‬
‫ّ‬
‫بأن تكون الحاسة ملتفتة إليه ولم يعرض هناك ما يضاد اإلدراك كالنوم والغفلة والتوجه إلي‬
‫شيء آخر‪ ،‬وال ّثالث‪ :‬مقابلته للباصرة أو كونه في حكم المقابلة كما في رؤية األعراض فإنّها في‬
‫حكم َمحا ّلها المتحيزة بالذات المحاذية للرآئي وكما في رؤية اإلنسان وجهه في المرآة‪ ،‬والرابع‪:‬‬
‫عدم غاية الصغر‪ ،‬والخامس‪ :‬عدم غاية اللطافة أي يكون [كثيفا أي] ذا لون في الجملة ْ‬
‫وإن‬
‫كان ضعي ًفا‪ ،‬السادس‪ :‬عدم غاية البعد‪ ،‬السابع‪ :‬عدم غاية القرب؛ والثامن‪ :‬من عدم الحجاب‬
‫الملون المتوسط بينهما‪ .‬وهناك شرط تاسع وهو أن يكون مضي ًئا بذاته أو‬
‫ّ‬ ‫الحائل وهو الجسم‬
‫مذكورا في بحث الكيفيات [المبصرة] مع أنّه يمكن‬
‫ً‬ ‫بغيره‪ .‬ولم يذكره في هذا الموضع لكونه‬
‫حق رؤية‬
‫ثم ال يعقل من هذه الشرائط في ّ‬
‫إدراجه في حضوره للحاسة المعتبرة في الشرط الثاني‪ّ .‬‬
‫الله تعالى ّإل سالمة الحاسة وصحة الرؤية [لكون الست البواقي منها مختصة باألجسام] وهما‬
‫حاصالن اآلن‪ .‬فوجب حصول رؤيته ّ‬
‫وإل لجاز أن يكون بحضرتنا جبال شاهقة ونحن ال نراها‬
‫‪316‬‬
‫وأنها سفسطة‪.‬‬

‫[‪39‬و]‬ ‫[‪]265‬وأقول ْ‬
‫‪/‬إن أراد بقوله‪" :‬لو جازت رؤيته لجازت اآلن" أنّه لو جازت الرؤية لجاز‬
‫رؤيته الواقعة في اآلن بأن يكون الظرف ظر ًفا للرؤية دون الجواز فالشرطية ممنوعة‪ّ .‬‬
‫ألن المطلق‬
‫أعني جواز الرؤية في الجملة وهو الذي يدعي الخصم سلبه ال يستلزم المقيد أعني جواز الرؤية‬

‫‪ 315‬في األصل ‪ :‬فثالث‪.‬‬


‫‪ 316‬شرح المواقف للجرجاني‪.196-195/3 ،‬‬

‫‪118‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫في هذا الوقت‪ .‬وكون سبب الجواز المذكور هو الذات أو الزمها إنّما يستلزم امتناع انفكاك هذا‬
‫الجواز المسبب دون جواز المقيد الذي لم يعلم ثبوته وسبب ثبوته بعد‪ْ .‬‬
‫وإن أراد أنّه لو جازت‬
‫جوازا في الجملة بأن يكون الظرف ظرف الجواز‬
‫ً‬ ‫الرؤية لجازت جواز في الحال ْ‬
‫وإن كان ذلك‬
‫دون الرؤية فالشرطية مسلمة ولكن ال يفيد المطلوب لظهور أن جواز الرؤية في الجملة في هذا‬
‫الوقت ال يستلزم جواز الرؤية الواقعة في هذا الوقت‪.‬‬
‫إن أراد أن شرائط جواز الرؤية مطل ًقا أي سوآء كان في الغائب أو الشاهد هذه‬
‫وأيضا ْ‬
‫[‪ً ]266‬‬
‫ألن األمور الستة ليست شر ًطا للغائب بديهة‪ْ ،‬‬
‫وإن أراد أن شرائطها في‬ ‫الثمانية فبطالنه ظاهر‪ّ .‬‬
‫الشاهد هذه الثمانية فهذا ال يفيد حصر شرائط مطلق الجواز فيها‪ .‬وحينئذ يجوز أن يكون للغائب‬
‫شرط آخر منتف في هذا الوقت‪.‬‬
‫لتفتة إلى المرئي‪ .‬وهذا االلتفات هو الشرط‬‫وأيضا اعتبر في الشرط الثاني كون الحاسة م ِ‬
‫ً‬
‫ُ‬
‫ً‬
‫مستقل‪ .‬وال يخفي عليك أن القصد‬ ‫الذي ع ّبر بعضهم عنه بالقصد إلى اإلحساس وجعله شر ًطا‬
‫راج‬ ‫ِ‬
‫إلى اإلحساس ليس بالزم في الرؤية‪ .‬إذ من المعلوم أنّا اذا كنّا في بيت مظلم وأدخل فيه س ٌ‬
‫حال كون عيوننا مفتوحة نرى الضوء في ذلك البيت سواء قصدنا اإلحساس أو ال‪ ،‬وليس بين‬
‫قسرا يدرك‬
‫فإن النار اذا جعلت مماسة بيد شخص ً‬ ‫الرؤية وإدراكات سائر الحواس فرق في هذا‪ّ .‬‬
‫لضم الحضور إلى‬
‫ّ‬ ‫ذلك الشخص حرارتها سواء قصد أو ال‪ .‬وكذا الحال في سائرها وليس‬
‫الجواز وجعل مجموعهما شر ًطا ثان ًيا دون غيره وجه تخصيص‪.‬‬
‫ّ‬
‫واستدل بثبوت أحدهما في‬ ‫فإن قلت‪ :‬حصر سبب الجواز في ذاته أو صفته الالزمة‬ ‫[‪ْ ]267‬‬
‫اآلن على ثبوت الجواز فيه‪ ،‬وهذا ّ‬
‫يدل على أنّه جعل أحديهما علة تامة للجواز‪ ،‬وليس كذلك؛‬
‫لشخص كما يتوقف على ذات المرئي ‪/‬أو صفته الالزمة كذلك‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫ألن صحة كون الشيء مرئ ًّيا‬ ‫[‪39‬ظ]‬

‫يتوقف على ذات الرائي أو صفته الالزمة‪ .‬ولذلك يمتنع أن يرى الشيء اذا كان الرائي معدو ًما‬
‫ممتن ًعا‪.‬‬
‫[‪ ]268‬قلت‪ :‬أراد أن سبب الرؤية الذي من جهة المرئي هو الذات أو الصفة الالزمة ولم‬
‫يتعرض للسبب الذي من جهة الرائي من وجوده وإمكانه لظهور تحققه اآلن‪.‬‬
‫وإن ّ‬
‫دل على وجوب الرؤية عند اجتماع تلك الشرائط لكن‬ ‫وأجيب عن الشبهة بأن دليلكم ْ‬
‫كبرا بحسب القرب والبعد‬
‫صغرا أو ً‬
‫عندنا ما ينفيه‪ .‬وهو أنّا نرى الجسم الواحد متفاوة المقدار ً‬

‫‪119‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫وما ذلك ّإل من جهة أنّه نرى بعض أجزائه فقط في صورة بعده مع أن جميع الشرائط حاصل‬
‫أيضا‪.‬‬
‫بالنسبة إلى ذلك الجزء الغير المرئي ً‬
‫[‪ ]269‬ال يقال‪ :‬ال نسلم حصول جميع الشرائط بالنسبة إلى جميع أجزاء المرئي المذكور‪.‬‬
‫ألن الخطين المتوهمين الخارجين من‬‫ألن طرفي المرئي أبعد بالنسبة إلينا من الجزء الوسط‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫خارج من‬ ‫العين المتصلين بطرفي المرئي كساقي المثلث قاعدته سطح المرئي أطول من ٍّ‬
‫خط‬
‫يقسم المثلث المذكور إلى مثلثين قائمتي الزواي الواقعة‬
‫ُ‬ ‫العين إلى وسطه قائم على سطحه‬
‫عن جنبي الخط القائم ألنّه وتر لكل واحد من الزاويتين الحادتين وكل واحد من الخطين‬
‫المتوهمين المتصلين بطرفي المرئي وتر لزاوية قائمة ووتر القائمة في المثلث أطول من وتر‬
‫الحادة‪.‬‬
‫[‪]270‬ألنّا نقول تفاوت أجزاء المرئي بالقرب والبعد عن الرائي ال ينافي تحقق الشرائط‬
‫بالنسبة إلى الجميع‪ .‬وإنّما يكون كذلك أن لو كان الجزء األبعد في مرتبة البعد المفرط المنافي‬
‫للرؤية وليس كذلك‪ .‬فإنّا لو فرضنا تفاوت الخطوط المذكورة ذرا ًعا وال شك أن هذا التفاوت‬
‫ليس مما يوجب البعد المفرط ّ‬
‫وإل يلزم أن ال يرى ذلك الجسم إذا جعل بعده عن الرائي ذلك‬
‫المقدار والوجدان ُي ّ‬
‫كذبه‪.‬‬
‫[‪ ]271‬وقال بعض الفضالء ليس التفاوت المذكور بحسب رؤية بعض األجزاء ورؤية‬
‫كلها بل بحسب ضيق الزاوية وسعتها الحاصلتين في رأس الحدقة بسبب زيادة إنفراج الخطين‬
‫المحيطين بها وعدم زيادته‪.‬‬
‫إن المرئي اذا كان على بعد مفروض من الرائي ّ‬
‫فإن الخطين‬ ‫فإن القائل باإلنطباع قال ّ‬
‫[‪ْ ]272‬‬
‫الخارجين من البصر الواقعين على طرفي المرئي يحيطان بزاوية عند البصر يرتسم صورة المرئي‬
‫[‪40‬و]‬ ‫‪/‬فيها‪ .‬فاذا بعد المرئي أكثر مما فرض كانت الزاوية التي بين الخارجين من البصر الواقعين‬
‫ٍ‬
‫حينئذ أصغر من الزاوية األولى كما يشهد به التخيل الصحيح‪ .‬فيرتسم صورة‬ ‫على طرفي المرئي‬
‫المرئي في هذه الزاوية الصغرى فيرى أصغر وك ّلما يتزايد البعد ّ‬
‫قل انفراج الخ ّطين فيتزايد صغر‬
‫الزاوية وصغر المرئي حتى يصير الخطان لشدة قرب أحدهما من اآلخر عند الباصرة كأنّهما ّ‬
‫خط‬
‫واحد فينمحى الزاوية ويبطل الرؤية‪ .‬وك ّلما قرب المرئي ازداد انفراج الخطين فيكون الزاوية‬
‫أكبر فيرى أكبر فيصل زيادة االنفراج إلى حيث ينمحى الزاوية فيبطل الرؤية‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫[‪ ]273‬وال يخفى عليك أن ما ذكره الفاضل مع كونه مبن ًّيا على القول باالنطباع الذي‬
‫ليس أظهر األقوال في اإلبصار ّ‬
‫وأن القول بخروج الشعاع أظهرها يرد عليه أنّه ال شك أن رؤية‬
‫المركب وانكشافه الذي هو نفس الرؤية أو الزمها ال يتصور بدون رؤية أجزائه ْ‬
‫وإن كانت رؤية‬
‫إجمال ّية‪ .‬فرؤية األجزاء إ ّما أن يكون رؤية بعضها أو ك ّلها‪ .‬فإن كان ّ‬
‫األول ثبت مدّ عانا من عدم‬
‫وجوب الرؤية عند اجتماع شرائطها‪ْ .‬‬
‫وإن كان الثاني فإن كانت رؤية األجزاء على ما هي به فال‬
‫يتصور التفاوت بديهة سواء تفاوت صغر الزاوية أو ال‪ّ .‬‬
‫وإل فإن كان رؤية كل جزء أو بعضه أقل‬
‫مما هو عليه يلزم انقسام الجزء وإن كان رؤية كل أكبر مما هو عليه بمثله أو بأزيد يلزم أن ال يرى‬
‫ّإل ضع ًفا ضع ًفا أو أزيد ورؤيته بأقل يوجب االنقسام ورؤية بعضه على ما هو عليه وبعضه أكبر‬
‫ٍ‬
‫مرجح‪.‬‬ ‫بمثله يستلزم الترجيح بال‬
‫[‪ ]274‬وأقول‪ :‬قد سبق أن األجزاء الوسطية أقرب من األجزاء الطرفية‪ِ .‬‬
‫فل َم ال يجوز أن‬
‫يرى األجزاء الوسطية أكبر بمثلها ويرى األجزاء الطرفية على ما هي عليه‪ .‬فال يلزم من كون‬
‫ٍ‬
‫مرجح فتأ ّمل ما فيه‪.‬‬ ‫بعضها مرئ ًّيا على ما هو به وبعضها أكبر بمثله الترجيح بال‬
‫يتجزأ ّ‬
‫فإن من جملة شرائط الرؤية أن ال يكون‬ ‫ْ‬
‫فإن قلت‪ :‬كيف يتصور رؤية األجزاء التي ال َّ‬
‫المرئي في غاية الصغر‪.‬‬

‫[‪ ]275‬قلت‪ :‬أرادوا بغاية ّ‬


‫الصغر التي جعلوها مانعة من الرؤية غاية الصغر التي ال تكون‬
‫في ضمن الغير الصغير وأ ّما ما يكون في ضمن الغير الصغير المرئي فرؤيته في ّ‬
‫الكل المرئي‬
‫مر في‬
‫ضرورية‪ .‬وال يلزم من عدم القدرة على تفصيل األجزاء المرئية أن ال يكون مرئيته ‪/‬كما ّ‬ ‫[‪40‬ظ]‬

‫رؤية الشبح المرئي من بعيد‪.‬‬


‫[‪ ]276‬ثم نقول‪ْ :‬‬
‫إن أراد بقوله‪" :‬إن لم يجب لجاز أن يكون بحضرتنا جبال شاهقة ال نراها"‬
‫أنّه اذا لم يجب الرؤية عند اجتماع الشرائط وجو ًبا عقل ًّيا لجاز أن ال نرى الجبال الشاهقة على تقدير‬
‫جوازا ذات ًّيا فالشرط ّية مسلمة ونمنع بطالن التالي‪ّ .‬‬
‫ألن رؤية الجبال‬ ‫وجودها مع وجود شرائط رؤيتها ً‬
‫جوازا ذات ًّيا ْ‬
‫وإن لم يقع‬ ‫ً‬ ‫الشاهقة مع وجود تلك الشرائط أمر عادي كسائر العاديات فيجوز خالفه‬
‫إن أريد جواز نفس وجود الجبال الشاهقة حال كونها‬ ‫ولم يحتمل لذلك عند العقل‪ .‬وكذا الحال ْ‬
‫غير مرئ ّية‪ْ .‬‬
‫وإن أريد الجواز العقلي بمعنى أن العقل ال يجزم بعدم ثبوت الجبال أو بعدم رؤيتها‬

‫‪121‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫عند تحقق الشرائط فالمالزمة ممنوعة‪ْ 317.‬‬


‫وإن أراد أنّه اذا لم يجب الرؤية عند تحقق تلك الشرائط‬
‫وجو ًبا عاد ًّيا لجاز أن يكون كذلك فالشرط ّية مس ّلمة ونمنع بطالن التالي وسنده ما ذكرنا من رؤية‬
‫صغيرا لعدم رؤية بعض أجزائه‪ّ .‬‬
‫فإن الشرائط متحققة هناك بدون الرؤية‬ ‫ً‬ ‫الجسم الكبير من البعيد‬
‫فجاز أن ال يرى الجبال الشاهقة على تقدير وجودها وما ذكرتم ليس ّإل استبعاد ّ‬
‫مجرد فال يفيد‪.‬‬
‫إن أريد بجواز وجود الجبال‬ ‫وإن لم يقع ولم يحتمل لذلك عند العقل وكذا الحال ْ‬
‫[‪ْ ]277‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ اتفاق ّي ًة مثل قولنا‬ ‫وأيضا يكون القضية‬
‫يجوز وجودها في نفسها ونحن ال نراها ً‬
‫الشاهقة أن ّ‬
‫لو لم يجب الرؤية عند تحقق شرائطها لكان العالم ممكنًا ْ‬
‫وإن أريد بالجواز العقلي بمعنى العقل‬
‫ال يجزم بعدم ثبوت الجبال أو بعدم رؤيتها عند تحقق الشرائط فالمالزمة ممنوعة‪.‬‬
‫"إن كان مأخذ الجزم بعدم الجبل المذكور ما ذكرتم من‬ ‫[‪ ]278‬وقال في شرح المواقف‪ْ :‬‬
‫وجوب الرؤية عند اجتماع شرائطها لوجب أن ال نجزم به ّإل بعد العلم بهذا والالزم باطل‪ .‬ألنّه‬
‫يجزم به من ال يخطر بباله هذه المسألة‪ .‬وألنه ينجر إلى أن يكون هذا‪ 318‬الجزم نظر ّيا مع اتفاق‬
‫الكل على كونه ضرور ًّيا"‪.319‬‬
‫[‪ ]279‬وأقول‪ :‬إنّما يتم ما ذكره أن لو كان المراد بقول الشاك لجاز أن يكون بحضرتنا جبال‬
‫شاهقة ال نراها هو التجويز العقلي بمعنى االحتمال وهو ممنوع بل الظاهر أن يكون المراد جواز‬
‫ينجر أن يكون هذا الجزم نظر ًّيا"‬
‫عدم رؤية الجبال الشاهقة مع اجتماع شرائطها‪ ،‬وقوله‪" :‬وألنّه ّ‬
‫فإن الحدسيات والقضايا الفطرية‬ ‫ير ّد عليه أن توقف الجزم على تلك المسألة ال يستلزم النظرية‪ّ ،‬‬
‫القياس يتوقف على مقدمات مع كونهما ضرورية‪.‬‬
‫وقد أجيب عن الشبهة بأنّا سلمنا وجوب الرؤية عند اجتماع الشرائط المذكورة‪ .‬ولكن ال‬
‫[‪41‬و]‬ ‫نسلم وجوبها عند اجتماعها في الغائب ّ‬
‫ألن ماه ّيتي الرؤية في الشاهد والغائب مختلفتان ‪/‬فجاز‬
‫اختالفهما في ال ّلوازم‪.‬‬

‫إن أريــد بجــواز وجــود الجبــال الشــاهقة أن‬ ‫وإن لــم يقــع ولــم يحتمــل لذلــك عنــد العقــل وكــذا الحــال ْ‬ ‫‪ 317‬ل ط م ف ‪ -‬؛ أ ‪ْ +‬‬
‫وأيضــا يكــون القضيــة حينئـ ٍ‬
‫ـذ اتفاق ّيـ ًة مثــل قولنــا لــو لــم يجــب الرؤيــة عنــد تحقق‬ ‫ـوز وجودهــا فــي نفســها ونحــن ال نراهــا ً‬
‫يجـ ّ‬
‫ْ‬
‫شــرائطها لــكان العالــم ممكنًــا وإن أريــد بالجــواز العقلــي بمعنــى العقــل ال يجــزم بعــدم ثبــوت الجبــال أو بعــدم رؤيتهــا عنــد‬
‫تحقــق الشــرائط فالمالزمــة ممنوعــة‪.‬‬
‫‪ 318‬في األصل‪ :‬ذلك‪.‬‬
‫‪ 319‬شرح المواقف للجرجاني‪.199-198/3 ،‬‬

‫‪122‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫[‪ ]280‬وأقول‪ :‬ال يذهب عليك أن الجزم ّ‬


‫بأن ماهيتي الرؤية في الغائب والشاهد مختلفتان‬
‫مشكل على مقتضي مذهب األشعري فيها؛ إذ هي حالة انكشافية متعلقة بالهوية المطلقة‬
‫والمخصوصة عنده‪ ،‬فيحتمل أن يكون التمايز بين أفرادها بسبب المتعلقات الخارجة عنها‬
‫مقومها‪ .‬وكذا الظن به فإنّه ال ترجيح لكون ذلك‬
‫ومقومها وأن يكون بسبب ذاتها أو ّ‬
‫ّ‬ ‫دون ذاتها‬
‫التمايز بالذاتي دون الخارج ال بطريق البداهة وال بالكسب‪ .‬فاألولى أن يكتفي في السند بتجويز‬
‫االختالف بدون الحكم به‪.‬‬
‫وصرح هذا القائل ّ‬
‫بأن‬ ‫ّ‬ ‫[‪ ]281‬وأقول‪ :‬إن اإلحساس عند األشعري هو العلم بالمحسوس‬
‫الرؤية انكشاف مخصوص‪ .‬وال شبهة أن العلم المتعلق بالشاهد إنّما يتميز عن العلم المتعلق‬
‫بالغائب بسبب التعلق بالشاهد وهو أمر خارج عن ماه ّية العلم وكيف ال! ّ‬
‫فإن المرئي في الشبح‬
‫البعيد هو الهوية على ما توهمه هذا القائل‪ ،‬فاذا فرضنا في الغائب مثل هذه الرؤية يكون المرئي‬
‫هو الهوية المطلقة بعينها فال يتصور في هذه الرؤية أن يقال ّ‬
‫إن رؤية الشاهد مخالفة لها في‬
‫الماهية‪ .‬إذ ال يتصور االختالف في الماهية في أفراد صفة ذات إضافة كالعلم اذا كان متعلقات‬
‫تلك األفراد متحدة كأفراد الرؤية المتعلقة بالشبح البعيد ّإل باإلجمال والتفصيل‪ .‬واذا لم يقع‬
‫بأن رؤية الشاهد مطل ًقا‬
‫التفاوت بهذا االعتبار ال يتصور االختالف في الماهية‪ .‬فال وجه للحكم ّ‬
‫مخالف بالماهية لرؤية الغائب مطل ًقا‪ .‬ويمكن أن يمنع القول بأن تم ّيز رؤية الشاهد عن رؤية‬
‫الغائب باإلضافة إلى المرئي‪.‬‬
‫[‪ ]282‬ويقال‪ :‬ال نسلم ذلك لِ َم ال يجوز أن يكون العلمان متميزين بذاتهما أو مقو ّمهما ال‬
‫وأيضا أن عدم التفاوت باإلجمال والتفصيل إلى خصوصيات الهويات ال‬
‫بدّ لنفي ذلك من دليل‪ً .‬‬
‫يستلزم عدم تفاوت العلم المتعلق بمطلق الهوية‪ .‬فإنّه يجوز أن يتعلق العلم بمطلق كنه الهوية في‬
‫صورة الغائب وال يتعلق العلم به في صورة الشاهد‪ .‬واشتركا في تعلق العلم اإلجمالي بمطلق‬
‫‪320‬‬
‫الهوية ويكون ذلك التفاوت تفاوتًا في الماهية‪.‬‬

‫ـأن الرؤيــة انكشــاف‬‫‪ 320‬ل ط م ف ‪ -‬؛ أ ‪ +‬وأقــول‪ :‬إن اإلحســاس عنــد األشــعري هــو العلــم بالمحســوس وصـ ّـرح هــذا القائــل بـ ّ‬
‫مخصــوص وال شــبهة أن العلــم المتعلــق بالشــاهد إنّمــا يتميــز عــن العلــم المتعلــق بالغائــب بســبب التعلــق بالشــاهد وهــو أمر‬
‫خــارج عــن ماه ّيــة العلــم وكيــف ال! فـ ّ‬
‫ـإن المرئــي فــي الشــبح البعيــد هــو الهويــة علــى مــا توهمــه هــذا القائــل؛ فــاذا فرضنــا‬
‫فــي الغائــب مثــل هــذه الرؤيــة يكــون المرئــي هــو الهويــة المطلقــة بعينهــا فــا يتصــور فــي هــذه الرؤيــة أن يقــال ّ‬
‫إن رؤيــة‬
‫الشــاهد مخالفــة لهــا فــي الماهيــة إذ ال يتصــور االختــاف فــي الماهيــة فــي أفــراد صفــة ذات إضافــة كالعلــم اذا كان متعلقــات‬
‫تلــك األفــراد متحــدة كأفــراد الرؤيــة المتعلقــة بالشــبح البعيــد ّإل باإلجمــال والتفصيــل‪ ،‬واذا لــم يقــع التفــاوت بهــذا االعتبــار‬

‫‪123‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫الثانية‪ :‬من تلك الشبه شبهة المقابلة وهي إنّا علمنا بالضرورة بالتجربة أنّه ال بد في الرؤية‬
‫من المقابلة أو ما في حكمها كالمرئي في المرآة وال يتصور ذلك في الله تعالى‪.‬‬
‫جوزوا الرؤية بال مقابلة وال ما‬ ‫[‪ ]283‬والجواب منع ذلك االشتراط مطل ًقا‪ّ .‬‬
‫فإن األشاعرة ّ‬
‫هو في حكمها‪ .‬وقوله‪" :‬كما علم بالضروري من التجربة"‪ 321‬ليس بشيء‪ .‬اذا التجربة إنّما تفيد‬
‫أصل‪ .‬وقال في شرح المقاصد‪" :‬والحق أنّه‬ ‫اللزوم والمقارنة في هذه الدار وهو ال يفيد الشرط ّية ً‬
‫ال حاجة إلى هذا التفصيل‪ّ .‬‬
‫ألن المرئي بالمرآة هي الصورة المنطبعة فيها المقابلة للرائي حقيقة‬
‫ال ما له الصورة كالوجه"‪.322‬‬
‫[‪]284‬وأقول‪ :‬قد ذكر في الكتب الحكمية والكالمية ّ‬
‫إن اإلنسان اذا رأى وجهه في المرآة‬
‫وإل لكانت منطبعة في موض ٍع مع ّين منها ولم يختلف‬‫فليس ذلك النطباع صورة في المرآة ّ‬
‫باختالف أمكنة الرائي من الجوانب‪ .‬أآل يرى أن الحائط اذا أخضر النعكاس الضوء من الخضرة‬
‫إليه لزم ذلك اللون موض ًعا مع ّينًا من الجدار‪ ،‬ولم يختلف باختالف الرائي من مكان إلى آخر‪.‬‬
‫لكنّك ترى صورة الشجر يختلف مكانها في المآء أو المرآة بحسب انتقالك‪ .‬وما ذكروا من ّ‬
‫أن‬
‫المرئي في المرآة هو الوجه دون الصورة المنطبعة منبي على هذا الدليل النافي لالنطباع في‬
‫المرآة‪.‬‬
‫يتصور‬
‫ّ‬ ‫[‪]285‬الثالثة‪ :‬من الشبة شبهة االنطباع وهو أنّه ال بدّ في الرؤية من االنطباع وهو ال‬
‫فيه تعالى‪.‬‬
‫مر من منع كونه شرط الرؤية والزمه إ ّما مطل ًقا أو بالنسبة إلى الغائب‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬مثل ما ّ‬
‫وأ ّما الشبه السمع ّية‪ :‬فأربع‪.‬‬

‫ـأن رؤيــة الشــاهد مطل ًقــا مخالــف بالماهيــة لرؤيــة الغائــب مطل ًقــا‪،‬‬
‫ال يتصــور االختــاف فــي الماهيــة فــا وجــه للحكــم بـ ّ‬
‫ـم ال‬ ‫ِ‬
‫ويمكــن أن يمنــع القــول بــأن تم ّيــز رؤيــة الشــاهد عــن رؤيــة الغائــب باإلضافــة إلــى المرئــي‪ .‬ويقــال‪ :‬ال نســلم ذلــك لـ َ‬
‫وأيضــا أن عــدم التفــاوت باإلجمــال‬ ‫يجــوز أن يكــون العلمــان متميزيــن بذاتهمــا أو مقو ّمهمــا ال بــدّ لنفــي ذلــك مــن دليــل ً‬
‫والتفصيــل إلــى خصوصيــات الهويــات ال يســتلزم عــدم تفــاوت العلــم المتعلــق بمطلــق الهويــة فإ ّنــه يجــوز أن يتعلــق العلــم‬
‫بمطلــق كنــه الهويــة فــي صــورة الغائــب وال يتعلــق العلــم بــه فــي صــورة الشــاهد واشــتركا فــي تعلــق العلــم اإلجمالــي بمطلق‬
‫الهويــة ويكــون ذلــك التفــاوت تفاو ًتــا فــي الماهيــة‪.‬‬
‫‪ 321‬شرح المواقف للجرجاني‪.199/3 ،‬‬
‫‪ 322‬شرح المقاصد للتفتازاني‪.117/2 ،‬‬

‫‪124‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫﴿ل تُدْ ِر ُك ُه ْالَ ْب َص ُار﴾ [األنعام‪ّ ]103/6 ،‬‬


‫فإن معنى اإلدراك‬ ‫[‪ ]286‬األولى‪ :‬قوله تعالى‪َّ :‬‬
‫وإل لجاز أن يقال أدركته ببصري ولم أره ورأيته‬‫‪/‬بالبصر ليس ّإل هي الرؤية أو هما متالزمان ّ‬ ‫[‪41‬ظ]‬

‫وما أدركته ببصري‪ .‬وهذا النفي عام لجميع األبصار بواسطة الالم الجنسية في مقام المبالغة وعام‬
‫لجميع األوقات‪ .‬إ ْذ نقيضه أعني تدركه األبصار قضية مطلقة ال تفيد العموم في جميع األوقات‪.‬‬
‫فيكون عا ًّما لجميع األوقات‪ّ .‬‬
‫ألن نقيض المطلقة هو الدائمة‪ .‬واذا ثبت هذه المقدمات يلزم أن‬
‫ال يرى شيء من األبصار في شيء من األوقات وهو المطلوب‪.‬‬
‫تمدحا في اثنآء المدائح وما كان نفيه من‬
‫ً‬ ‫[‪ً ]287‬‬
‫وأيضا أنّه تعالى نفي إدراك األبصار عنه‬
‫نقصا فيجب تنزيه الله عنه‪ .‬فيمتنع ثبوت المرئية له تعالى وهو‬
‫مدحا يكون ثبوته له ً‬
‫الصفات ً‬
‫المطلوب‪ .‬وأجيب عنه بوجوه‪،‬‬
‫مما يلزمها بل هو رؤية األشياء على‬
‫إن اإلدراك بالبصر ليس رؤية مطلقة وال ّ‬ ‫األول‪ّ :‬‬
‫[‪ّ ]288‬‬
‫ألن اإلدراك حقيقة في البلوغ واللحوق والوصول سواء كان‬ ‫وجه اإلحاطة بجوانب المرئي‪ّ .‬‬
‫ُون﴾ [الشعراء‪ ]61/26 ،‬أي‬ ‫وس ٰى إِنَّا َل ُمدْ َرك َ‬ ‫في المكان كما في قوله‪ :‬تعالى ﴿ َق َال َأ ْص َح ُ‬
‫اب ُم َ‬
‫ملحقون‪ ،‬وأ ّما في الزمان كما يقال أدرك قتادة الحسن وأ ّما في صفة وحالة كما يقال أدرك الغالم‬
‫ثم نقل إلى إبصار الشيء المتناهي لتوهم معنى‬
‫أي بلغ وأدركت الثمرة أي وصلت إلى حدّ النضج‪ّ .‬‬
‫اللحوق فيه‪ .‬كان البصر قطع المسافة التي بينه وبين الشيء حتى بلغه ووصل إليه فلذلك تناوله ولم‬
‫يتناول غيره‪ .‬وأما إبصار الشيء الذي ال يكون في ٍ‬
‫جهة ً‬
‫أصل ال يتحقق فيه معنى البلوغ فال‪ 323‬يصح‬ ‫ّ‬
‫إطالق اإلدراك عليه‪ .‬واذا كان معنى اإلدراك الرؤية المخصوصة التي ال يتصور نسبتها إليه تعالى‬
‫يكون نفي اإلدراك في اآلية نفي الرؤية المخصوصة وهو ال يستلزم نفي الرؤية المطلقة‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫‪324‬‬
‫"وال يصح نفي أحدهما مع إثبات اآلخر فال يجوز أن يقال رأيته وما أدركته ببصري وال عكسه"‬
‫إن اإلدراك أخص من الرؤية كيف يسلم امتناع األول‪.‬‬ ‫ألن من قال ّ‬
‫ليس بشيء‪ّ .‬‬
‫[‪ ]289‬وأقول‪ :‬قوله‪" :‬وأما إبصار الشيء الذي ال يكون في ٍ‬
‫جهة ً‬
‫أصل‪ 325".‬إلخ يرد عليه‬ ‫ّ‬
‫أنّه ْ‬
‫إن أراد أنّه ال يتحقق فيه معنى البلوغ في نفس األمر فهو ال ينفي تحقق البلوغ المتوهم‪ .‬فإنّه‬

‫‪ 323‬ل ‪ -‬فال‪.‬‬
‫‪ 324‬شرح المواقف للجرجاني‪.200/3 ،‬‬
‫‪ 325‬لــم أجــد هــذه الكلمــات بنصــه إلّ فــي حاشــية حســن جلبــي علــى شــرح المواقــف‪ ،‬أنظــر‪ :‬حاشــية علــى شــرح المواقــف‬
‫لحســن جلبــي‪.156/8 ،‬‬

‫‪125‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫يجوز أن يتوهم بين طالب رؤيته وبينه مسافة يتخيل من بعده عن جنابه ويتخيل قطع تلك المسافة‬
‫[‪42‬و]‬ ‫بسبب ‪/‬مباشرته أسباب الرؤية من العبادات ّ‬
‫اللئقة بجنابه المقربية منه‪ .‬ويتخيل البلوغ بعد قطع‬
‫تلك المسافة بالكلية وتحقق البلوغ المتخيل بهذا الوجه يكفي في إطالق اإلدراك على رؤية‪.‬‬
‫متوهما فال نس ّلم ذلك على أنّا نقول‪ :‬يكفي في‬
‫ً‬ ‫أمرا‬ ‫وإن أراد أنّه ال تحقق فيه البلوغ ْ‬
‫وإن كان ذلك ً‬ ‫ْ‬
‫إطالق اإلدراك عليها تحقق معنى البلوغ في بعض أفراد الرؤية‪.‬‬
‫﴿ل تُدْ ِر ُك ُه‬
‫األول من وجهي االستدالل‪ ،‬بأن قوله تعالى‪َّ :‬‬ ‫[‪]290‬وأجيب عن الوجه ّ‬
‫ْالَ ْب َص ُار﴾ [األنعام‪ ]103/6 ،‬يحتمل أن يكون رفع اإليجاب الكلي بأن يالحظ اإليجاب‬
‫ٍ‬
‫بأن الكفار ال يرون‪.‬‬ ‫وحينئذ ال احتجاج لهم علينا فإنّا قائلون ّ‬ ‫الكلي ّأو ًل‪ّ ،‬‬
‫ثم يرد عليه النفي‬
‫ويحتمل أن يكون النفي نفي اإلدراك على وجه تقليب الحدقة نحو المرئي‪ .‬فإنّه المتبادر من‬
‫إطالق اإلدراك بالبصر لكثرة استعماله فيما يطابق العادة‪ .‬وما ذكرنا إنّما يحتاج‪ 326‬إليه ْ‬
‫إن أريد‬
‫بالالم االستغراق ّ‬
‫وإل يكون القضية سالب ًة مهمل ًة في قوة السالبة الجزئية بمعنى [ال يدرك بعض‬
‫األبصار]‪ .‬وتخصيص النفي بالبعض ّ‬
‫يدل بالمفهوم على اإلثبات للبعض‪ .‬فاآلية حجة لنا ال علينا‬
‫وعلى تقدير تسليم عمومها لألشخاص‪ .‬فال نسلم عمومها لألوقات ألنّها سالبة مطلقة وهي أعم‬
‫من السالبة الدائمة‪ .‬وما ذكرتم من أن [يدرك األبصار] موجبة مطلقة فيكون نقيضها سالبة دائمة‬
‫إن الظاهر هو عكسه ّ‬
‫ألن قوله في مقابلة هذا‬ ‫ممنوع لجواز أن يكون األمر بالعكس بل نقول‪ّ :‬‬
‫النفي "وهو يدرك األبصار دائمة" فافهم‪.‬‬
‫[‪ ]291‬وأقول‪ :‬قوله‪[" :‬فالمعنى "ال تدركه بعض األبصار" وتخصيص البعض بالنفي]‬
‫محل ٍ‬
‫نظر‪ّ .‬‬
‫ألن القضية المهملة والقضية الدالة على‬ ‫يدل بالمفهوم على اإلثبات للبعض"‪ُّ 327‬‬
‫والتعرض للنفي عن البعض‬
‫ّ‬ ‫رفع اإليجاب الكلي ليس مفهومهما الصريح السلب الجزئي‪.‬‬
‫وتخصيصه بالبعض بل السلب الجزئي الزم معناهما الصريح المحتمل للسلب الكلي‪ .‬والسلب‬
‫فبمجرد كون مفهومهما مستلز ًما للسلب الجزئي ال يلزم داللته‬
‫ّ‬ ‫عن البعض مع اإليجاب للبعض‬
‫بطريق المفهوم على ما ّ‬
‫يدل عليه السلب الجزئي بطريق المفهوم‪ .‬فال يكون فيما ذكر حجة لنا‬
‫إنّما يكون حجة ْ‬
‫إن لو كان السلب الجزئي صريح مفهوم القضية‪.‬‬

‫‪ 326‬أ‪ :‬يثبت‪.‬‬
‫‪ 327‬شرح المواقف للجرجاني‪.201 /3 ،‬‬

‫‪126‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫[‪]292‬والجواب عن الوجه الثاني لالستدالل‪ ،‬إنّا ال نس ّلم أن ما كان من الصفات عدمه‬


‫فإن من الصفات االعتبار ّية العارضة له تعالى ما يكون بسبب فعله‬‫نقصا‪ّ .‬‬
‫مدحا كان وجوده ً‬
‫ً‬
‫كالمعلوم ّية ‪/‬العارضة‪ 328‬له بسبب خلق العلم في عالم ذاته تعالى وكونه مرئ ًّيا من ذلك القبيل‬ ‫[‪42‬ظ]‬

‫ألنّه إنّما يعرض له بسبب خلق الرؤية في الرائي‪.‬‬


‫وحينئذ نقول‪ :‬لِ َم ال يجوز أن يكون كونه مرئ ًّيا وخلق الرؤية في عباده مما يمدح به من‬
‫ٍ‬
‫ظاهرا كظهور المحسوسات ويمدح بعدم خلق‬ ‫ً‬ ‫جهة أنّه إفاضة للغير وأنّه اتصاف بكونه منكش ًفا‬
‫الرؤية وعدم كونه مرئ ًّيا من جهة أن عظمته وكبرياءه بحيث احتجب عن أعين الناس كما كان‬
‫شأن الملوك في الشاهد‪ .‬وقد قال في شرح المواقف‪" :‬بل لنا فيه حجة على صحة الرؤية ألنّه لو‬
‫امتنعت رؤيته لما حصل المدح بنفيه ّ‬
‫فإن المعدوم ال يرى حيث ال يمكن له ذلك وإنّما المدح به‬
‫للممتنع المتعزز بحجاب الكبرياء كما في الشاهد"‪.329‬‬
‫ويدل عليه قوله‪ :‬تعالى‬ ‫التجرد ّ‬
‫ّ‬ ‫[‪ ]293‬وأقول‪ :‬المدح في التحقيق بمنشأ االمتناع الذي هو‬
‫يف﴾ [األنعام‪ ]103/6 ،‬قال في الكشاف‪" :‬أي يلطف عن أن يدركه األبصار"‪.330‬‬ ‫﴿و ُه َو ال َّلطِ ُ‬
‫َ‬
‫وال شبهة أن المعدوم ال يشاركه في ذلك المنشأ وهذا مثل قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ل ْم َي ِلدْ َو َل ْم ُيو َلدْ ﴾‬
‫وإن كانت مشاركة له في هاتين الصفتين ّإل أنّه يمدح به‬ ‫فإن المعدومات ْ‬ ‫[اإلخالص‪ّ ]3/112 ،‬‬
‫فإن المدح بهذا الطريق شائع في مجاري العادات هذا‪.‬‬ ‫التجرد ّ‬
‫ّ‬ ‫باعتبار منشائهما أعني‬
‫[‪]294‬واعلم أنّه لم يرد أن سلب الممتنع عنه تعالى مطل ًقا ليس مما يمدح به حتى يرد أنّه‬
‫يمدح بأمثال ذلك من نفي الشريك واتخاذ الولد الذي يمتنع في ح ّقه‪ .331‬بل أراد سلب الممتنع‬
‫الذي ال يكون المعدوم وما ال يكون له شرف ومنزلة في العقول شريكًا له فيه ذلك‪ .‬وال ّ‬
‫شك‬
‫للتجرد ليس فيه‬
‫ّ‬ ‫مما يشترك فيه شيء وكذا نفي اتخاذ الولد‬
‫أن نفي الشريك في الوجوب ليس ّ‬
‫اشتراك شيء ليس له شرف‪.‬‬

‫‪ 328‬ل ‪ -‬العارضة‪.‬‬
‫‪ 329‬شرح المواقف للجرجاني‪.202-201 /3 ،‬‬
‫‪ 330‬الكشاف للزمخشري‪.54 /2 ،‬‬
‫‪ 331‬ل ط م ف ‪ |-‬أ ‪ +‬حتى يرد أنّه يمدح بأمثال ذلك من نفي الشريك واتخاذ الولد الذي يمتنع في ح ّقه‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫الشبهة الثانية‪ :‬أنّه تعالى ما ذكر سؤآل الرؤية في موض ٍع من كتابه ّإل استعظمه وذلك في‬
‫ثلث ٍ‬
‫آيات‪.‬‬
‫ون لِ َقا َءنَا َل ْو َل ُأ ِنز َل َع َل ْينَا ا ْل َم َل ِئ َك ُة َأ ْو ن ََر ٰى َر َّبنَا ۗ َل َق ِد‬
‫﴿و َق َال ا َّل ِذي َن َل َي ْر ُج َ‬
‫[‪]295‬األولى‪َ :‬‬
‫اس َت ْك َب ُروا فِي َأن ُف ِس ِه ْم َو َعت َْوا ُعت ًُّوا كَبِ ًيرا﴾ [الفرقان‪ ]21/25 ،‬فلو كانت الرؤية ممكن ًة لما كان‬ ‫ْ‬
‫مستكبرا راف ًعا نفسه إلى مرتبة ال يليق به بل كان ذلك ً‬
‫نازل منزلة طلب‬ ‫ً‬ ‫مجاوزا للحد‬
‫ً‬ ‫طالبها عات ًيا‬
‫ساير المعجزات‪.‬‬
‫واآلية الثانية‪﴿ :‬وإِ ْذ ُق ْلتُم يا موسى َلن ن ُّْؤ ِمن َل َك حتَّى نَرى ال َّلـه جهر ًة َف َأ َخ َذ ْتكُم الص ِ‬
‫اع َق ُة‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫َ ٰ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ُ َ ٰ‬ ‫َ‬
‫[‪43‬و]‬ ‫ون﴾ [البقرة‪ ]55/2 ،‬ولو كانت الرؤية ممكنة لما عاتبهم بسؤآلها في الحال‪/ .‬‬ ‫َو َأنت ُْم تَن ُظ ُر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اآلية الثالثة‪َ ﴿ :‬ي ْس َأ ُل َك َأ ْه ُل ا ْل ِكت ِ‬
‫َاب َأن ُتن َِّز َل َع َل ْي ِه ْم كتَا ًبا ِّم َن َّ‬
‫الس َماء ۚ َف َقدْ َس َأ ُلوا ُم َ‬
‫وس ٰى َأ ْك َب َر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سمى ذلك‬ ‫الصاع َق ُة بِ ُظ ْلم ِه ْم﴾ [النساء‪ّ ]153/4 ،‬‬ ‫من َٰذل َك َف َقا ُلوا َأ ِرنَا ال َّلـ َه َج ْه َر ًة َف َأ َخ َذت ُْه ُم َّ‬
‫ظلما وجازيهم به في الحال بأخذ الصاعقة‪ .‬ولو كان الرؤية ممكنة لكان سؤالهم بهذا‬
‫السؤال ً‬
‫ظلما وال سب ًبا للعقاب‪.‬‬ ‫ً‬
‫سؤال عن معجزة زايدة ولم يكن ً‬
‫[‪]296‬والجواب‪ّ :‬‬
‫أن االستعظام إنّما كان بسبب أنّهم سألوا ذلك تعنتًا وعنا ًدا ال لطلب‬
‫الحق‪ .‬ولهذا استعظم إنزال المآلئكة في اآلية األولى واستكبر إنزال الكتاب في اآلية الثانية مع‬
‫أنّهما ممكنان‪ .‬ويحتمل أن يكون ذلك االستعظام لطلبهم في الحال ما ال يليق بهم من رؤيتهم في‬
‫الدنيا‪ ،‬ويحتمل أن يكون ذلك لكون سؤالهم ناش ًيا من اعتقادهم بأنّه يمكن رؤيته بطريق الرؤية‬
‫العادية من المقابلة‪.‬‬
‫[‪]297‬والجهة الثالثة من تلك الشبه "لن تراني"‪ّ .‬‬
‫فإن "لن" للتأبيد واذا لم يره موسى أبدً ا لم‬
‫‪332‬‬
‫يره غيره باإلجماع‪.‬‬
‫[‪]298‬والجواب‪ :‬أنّا ال نسلم أن "لن" ههنا للتـأبيد بل هو النفي المؤكد في المستقبل‬
‫﴿و َلن َيت ََمن َّْو ُه َأ َبدً ا﴾ [البقرة‪ ]95/2 ،‬أي‪ :‬لن يتمنوا الموت‪ ،‬وال شك أنّهم‬
‫كما في قوله تعالى‪َ :‬‬
‫يتمنونه في اآلخرة للتخلص عن العقوبة‪ .‬س ّلمنا كونه للتأبيد ولك ّن المراد التأبيد العرفي ّ‬
‫فإن لفظ‬

‫للزمخشري ‪ ،‬ص ‪.32‬‬


‫ّ‬ ‫الزمخشري‪ .‬أنظر‪ :‬األنموذج في النحو‬
‫ّ‬ ‫‪ 332‬قائله محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي‬

‫‪128‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫ويدل عليه األد ّلة الدا ّلة على‬


‫طويل فكذا "لن" ّ‬
‫ً‬ ‫"ما دام" و"أبدا" ر ّبما يستعمل في االستمرار زمانًا‬
‫وقوع الرؤية‪.‬‬
‫َان لِ َب َش ٍر َأن ُي َك ِّل َم ُه ال َّلـ ُه إِ َّل َو ْح ًيا َأ ْو ِمن َو َر ِاء‬
‫﴿و َما ك َ‬
‫[‪]299‬الشبهة الرابعة منها قوله تعالى‪َ :‬‬
‫وح َي بِإِ ْذنِ ِه َما َي َشا ُء﴾ [الشورى‪ ]51/42 ،‬حصر تكليمه للبشر في‬ ‫ول َفي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِح َج ٍ‬
‫اب َأ ْو ُي ْرس َل َر ُس ً ُ‬
‫األشياء الثلثة‪ .‬واذا لم يره من يكلمه في وقت الكالم لم يره في غيره إجما ًعا‪ .‬واذا لم يره هو ً‬
‫أصل‬
‫أيضا إ ْذ ال قائل بالفصل‪.‬‬
‫لم يره غيره ً‬
‫والجواب‪ :‬أنّه يحتمل أن يكون المراد حصر التكليم في الدنيا في هذه الثلثة‪ ،‬أو نقول يجوز‬
‫بس ْر َع ٍة وهو ال ينافي الرؤية‪ .‬فال دليل فيه على‬
‫أن يقع الرؤية حال التكليم وح ًيا إ ْذ الوحي كالم ُ‬
‫ما ذكروا‪ 333‬أصلً‪.‬‬
‫[‪/]300‬قد وقع فراغ بنان البيان وأسنان األقالم عن نظم‬ ‫[‪43‬ظ]‬

‫ما َج َم ْع ُت من الفرائد ورقم ما سمعت من الفوائد مع توزع البال‬


‫بالغدو واآلصال‬
‫ّ‬ ‫وتشتت األحوال وتفاقم األهوال وتتابع األفزاع‬

‫وتزاحم الموانع والعوائق وتكاثر القواطع والصواعق وتواتر حوادث أورثت الطبع ً‬
‫مالل‬
‫والخواطر ً‬
‫كالل‪ ،‬لك ّن الله ج ّلت حكمته قد و ّفقنا لإلتمام وح ّقق لنا الفوز بهذا المرام‪ .‬ونسأل‬
‫الله تعالى التجاوز عن خطرات األوهام والعفو عن سقطات الكالم وهفوات األقالم‪ .‬وأن يهب‬
‫لي خاتمة الخير ويقيني مصارع السوء‪ .‬ويتجاوز عن فرطاتي يوم التناد‪ .‬وال يفضحني بها على‬
‫رؤس األشهاد ويح ّلني دار المقامة من فضله بواسع طوله وسابغ نوله‪ .‬والحمد لله المفضل‬
‫المبجلين وأصحابه الغر‬ ‫ٍ‬
‫محمد خير األنام وعلى آله‬ ‫ذي اإلنعام والصلوة والسالم على سيدنا‬
‫ّ‬
‫المحجلين‪.‬‬
‫ّ‬
‫قد فرغ الفراغ يوم السبت في أوائل صفر سنة أربع وتسعمائة‪.‬‬
‫تم الكتاب بعون الوهاب‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪ 333‬ل‪ :‬الذكرنا‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫المصادر والمراجع‬
‫األنموذج في النحو؛‬

‫الزمخشري جار الله (ت‪ 538 .‬هـ)‪.‬‬


‫ّ‬ ‫أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي‪،‬‬

‫المحقق‪ :‬سامي بن حمد المنصور‪1999 ،‬م‪.‬‬

‫حاشية على شرح المواقف؛‬

‫حسن جلبي بن محمد شاه بن محمد بن حمزة الفناري (ت‪.) 886 .‬‬

‫صححه‪ :‬محمود عمر الدمياطي‪.‬‬

‫دار الكتب العلمية‪ ،‬لبنان‪ ،2012 ،‬ج‪.8 .‬‬

‫حاشية شرح الشمسية؛‬

‫علي بن محمد بن علي الشريف الحسيني الجرجاني المعروف بسيد مير شريف‪( ،‬ت‪.)816 .‬‬

‫مطبعة بوالق ‪1328‬ه‪ .‬اسطنبول‪ ،‬ج‪.2 .‬‬

‫حاشية الكشاف للزمخشري؛ [مخطوط]‬

‫سيد شريف الجرجاني‪ ،‬مكتبة السليمانية باسطنبول‪ ،‬قسم الله لي‪ ،‬رقم ‪.332‬‬

‫حاشية الكشاف الزمخشري؛‬

‫سعد الدين التفتازاني‪ ،‬مكتبة السليمانية باسطنبول‪ ،‬قسم الله لي‪ ،‬رقم ‪.329‬‬

‫شرح [مختصر المنتهى األصولي لإلمام أبي عمرو عثمان ابن الحاجب المالكي (ت‪ 646 .‬هـ)]؛‬

‫عضد الدين عبد الرحمن اإليجي (ت‪ 756 .‬هـ)‪.‬‬

‫وعلى المختصر والشرح‪ /‬حاشية سعد الدين التفتازاني (ت‪ 791.‬هـ)‪.‬‬

‫وحاشية السيد الشريف الجرجاني (ت‪ 816 .‬هـ)‪.‬‬

‫وعلى حاشية الجرجاني‪ /‬حاشية الشيخ حسن الهروي الفناري (ت‪ 886 .‬هـ)‪.‬‬

‫وعلى المختصر وشرحه وحاشية السعد والجرجاني‪ /‬حاشية الشيخ محمد أبو الفضل الوراقي الجيزاوي (ت‪ 1346 .‬هـ)‪.‬‬

‫المحقق‪ :‬محمد حسن محمد حسن إسماعيل‪.‬‬

‫الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى ‪ 1424‬هـ‪2004/.‬م‪ ،‬عدد األجزاء‪.3 :‬‬

‫شرح المواقف في علم الكالم؛‬

‫علي بن محمد بن علي الشريف الحسيني الجرجاني المعروف بسيد مير شريف (ت‪816 .‬هـ)‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫‪Öztürk, Kelâm ve Rü’yet: Hatibzâde ve Risâle fî kelâmillâh ve rü’yetih Adlı Eserin Tahkiki‬‬

‫تحقيق‪ :‬د‪.‬عبد الرحمن عميرة‪.‬‬

‫الناشر‪ :‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1997‬م‪ ،‬عدد األجزاء‪.3 :‬‬

‫شرح المواقف؛ [مخطوط]‬

‫سيف الدين أحمد األبهري (ت‪ .‬؟)؛‬

‫مكتبة السليمانية في إسطنبول‪ ،‬قسم الله لي‪ ،‬رقم ‪.2372‬‬

‫شرح المقاصد في علم الكالم؛‬

‫سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني (ت‪.)793 .‬‬

‫مطبعة الحاج محرم أفندي البسنوي‪ ،‬األستانة‪.1305 ،‬‬

‫شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه؛‬

‫سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني (ت‪.)793 .‬‬

‫المحقق‪ :‬زكريا عميرات‪.‬‬

‫الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية بيروت – لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1416‬هـ‪1996/.‬مـ‪.‬‬

‫شرح العقائد؛‬

‫سعد الدين التفتازاني‪.‬‬

‫مطبعة العامرة في اسطنبول‪.1266 ،‬‬

‫الفتاوى الكبرى؛‬

‫تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي‬
‫الدمشقي (ت‪٧٢٨ .‬هـ)‪.‬‬

‫المحقق‪ :‬محمد عبدالقادر عطا ‪ -‬مصطفى عبدالقادر عطا‪.‬‬

‫الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األولى ‪1408‬هـ ‪1987/‬م‪.‬‬

‫الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل؛‬

‫أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد الخوارزمي‪ ،‬الزمخشري جار الله (ت‪538 .‬هـ)‪.‬‬

‫الناشر‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ 1407 -‬هـ‪.‬‬

‫الموضوعات؛‬

‫رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي (ت‪650 .‬هـ)‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫‪Tahkik İslami İlimler Araştırma ve Neşir Dergisi‬‬

‫المحقق‪ :‬نجم عبد الرحمن خلف‪.‬‬

‫الناشر‪ :‬دار المأمون للتراث – دمشق‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1405 ،‬ه‪ .‬عدد األجزاء‪.1 :‬‬

‫محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتك ّلمين؛‬

‫فخر الدين محمد بن عمر بن الخطيب الرازي (ت‪606.‬ه‪1209/‬م‪.).‬‬

‫راجعه وقدم له‪ :‬طه عبد الرؤوف سعد‪.‬‬

‫مكتبة الكليات األزهرية‪ ،‬القاهرة‪ .‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫نقد المحصل؛‬

‫الخواجة نصير الدين محمد بن حسن الطوسي‪.‬‬

‫دار الضياء‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬بيروت‪1975 ،‬م‪.‬‬

‫‪132‬‬

You might also like