You are on page 1of 6

‫‪e‬‬

‫إن احلمد هلل حنم ده ونس تعينه ونس تغفره ‪ ،‬ونع وذ باهلل من ش رور أنفس نا وس يئات‬ ‫َّ‬
‫أعمالنا ‪ ،‬من يه ده اهلل فال مضل له ‪ ،‬ومن يض لل فال ه ادي له ‪ ،‬ونش هد أن ال إله إال اهلل‬
‫وحده ال شريك له ‪.‬‬
‫أن حممداً عبده ورسوله ‪ ،‬وأمينه على وحيه ‪ ،‬وخريته من خلقه وسفريه‬ ‫(( ونشهد َّ‬
‫بينه وبني عباده ‪ ،‬املبعوث بالدين القومي ‪ ،‬واملنهج املستقيم ‪ ،‬أرسله اهلل رمحة للعاملني ‪،‬‬
‫وإماماً للمتقني ‪ ،‬وحجةً على اخلالئق أمجعني )) (‪. )1‬‬
‫آمنُوا َّات ُقوا اهللَ َح َّق ُت َقاتِِه َوالَ تَ ُم ْوتُ َّن إِالَّ َوأَْنتُ ْم ُم ْسلِ ُم ْو َن ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫‪‬يا أ َُّي َها الَّذيْ َن َ‬
‫آل عمران ‪.102 :‬‬
‫اح َد ٍة َو َخلَ َق ِم ْن َها َز ْو َج َها‬‫سو ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّاس َّات ُقوا َربَّ ُك ُم الذي َخلَ َق ُك ْم م ْن َن ْف ٍ َ‬ ‫‪ ‬يا أ َُّي َها الن ُ‬
‫وات ُقوا اهللَ الَّ ِذي تَ َساءل ُْو َن ِبه َواأل َْر َح ِام َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وب َّ ِ‬
‫إن اهللَ َكا َن‬ ‫ث م ْن ُه َما ِر َجاالً َكثيراً َون َس ً‬
‫اء َّ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬
‫َعلَْي ُك ْم َرق ْيباً ‪ .‬النساء ‪. 1 :‬‬
‫صلِ ْح لَ ُك ْم أَ ْع َمالَ ُك ْم‬ ‫ِ‬
‫آمنُوا َّات ُقوا اهللَ َو ُق ْولُوا َق ْوالً َسديْداً * يُ ْ‬
‫ِ‬
‫‪ ‬يا أ َُّي َها الَّذيْ َن َ‬
‫ويغْ ِف ْر لَ ُك ْم ذُنُ ْوبَ ُك ْم َو َم ْن يُ ِط ِع اهللَ َو َر ُس ْولَهُ َف َق ْد فَ َاز َف ْوزاً َع ِظ ْيماً ‪ .‬األحزاب ‪– 70 :‬‬ ‫َ‬
‫‪. 71‬‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫وشرفها إذ اختار هلا هذا الدين القومي ‪ ،‬وجعل‬
‫فقد اصطفى اهلل تعاىل هذه األمة ‪ّ ،‬‬
‫أساسها املشيد وركنها الركني (( كتابه العزيز )) ‪ ،‬وهيَّأ هذه األمة لتضطلع بتلك املهمة ‪،‬‬
‫أال وهي حفظ ه ذا الكت اب ال ذي تعهد اهلل تب ارك وتع اىل س لفاً حبفظه ‪ ،‬فق ال ‪:‬‬
‫‪ ‬إنَّا نَ ْح ُن َن َّزلنَا ال ِّذ ْك َر وإنَّا لَ هُ لَح افِظُو َن ‪ .‬احلجر ‪ ، 9 :‬فرزقها ج ودة الفهم وق وة‬

‫(‪ )1‬من مقدمة زاد املعاد ‪ 1/34‬للعالمة ابن القيم ‪.‬‬


‫‪5‬‬
‫احلافظة ‪ ،‬ووف ور ال ذهن ‪ ،‬فلم يتمكن أحد – حبمد اهلل – من أن جيرأ فيزيد أو ينقص‬
‫حرفاً أو حركةً منه ‪.‬‬
‫تعهد اهلل تعاىل حبفظ القرآن الكرمي ‪ ،‬كان مما احتواه هذا العهد ضمناً حفظ‬
‫وملا َّ‬
‫سنة رسول اهلل ‪ ، ‬ومن ذلك حفظ أحاديث املصطفى ‪ ‬بأسانيدها فكان اإلسناد أحد‬
‫اخلصائص اليت اختص اهلل تعاىل هبا أمة صفيِّه ‪. ‬‬
‫ولقد أدرك الصدر األول أمهية ذلك ‪ ،‬فروى اإلمام مسلم (‪ )1‬وغريه عن حممد ابن‬
‫إن هذا العلم دين ‪ ،‬فانظروا عمن تأخذون دينكم )) وروى (‪ )2‬عنه أنه‬ ‫سريين أنه قَ َال ‪َّ (( :‬‬
‫قال ‪ (( :‬مل يكونوا يسألون عن اإلسناد ‪ ،‬فلما وقعت الفتنة ‪ ،‬قالوا ‪ :‬مسّوا لنا رجالكم ‪،‬‬
‫فينظر إىل أهل السنة فيؤخذ حديثهم ‪ ،‬وينظر إىل أهل البدع فال يؤخذ حديثهم )) ‪.‬‬
‫ومن مَثَّ افتقر األمر إىل معرفة ضبط الراوي وصدقه ‪ ،‬فكانت احلاجة ماسة إىل‬
‫استكمال هذا األمر ‪ ،‬فكان نشوء (( علم اجلرح والتعديل )) أو (( علم الرجال )) ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن هذا العلم مل يكن فجائي الظهور ‪ ،‬إال أنه ال مناص من القول‬
‫بأنه كان مبكر الظهور جداً ‪ ،‬وينجلي ذلك مما نقلناه سالفاً عن ابن سريين ‪ ،‬وقد كان‬
‫املسلمون مطمئنني إىل أن اهلل تعاىل يهيئ هلذا األمر من يقوم به ويتحمل أعباء هذه املهمة‬
‫اجلسيمة ‪ ،‬فقد أسند ابن عدي يف مقدمة " الكامل " (‪ ، )3‬وابن اجلوزي يف مقدمة "‬
‫املوضوعات " (‪ )4‬أنه قيل لعبد اهلل بن املبارك ‪ :‬هذه األحاديث املصنوعة ؟ َف َق َال ‪ :‬تعيش‬
‫الذ ْك َر وإنَّا لَهُ لَحافِظُو َن‪.‬‬
‫هلا اجلهابذة ‪ ،‬إنَّا نَ ْح ُن َن َّزلنَا ِّ‬
‫وعلم احلديث دراية ورواية من أشرف العلوم وأجلِّها ‪ ،‬بل هو أجلها َعلَى اإلطالق‬
‫بعد العلم بالقرآن الكرمي الذي هو أصل الدين ومنبع الطريق املستقيم ‪ ،‬فاحلديث هو‬
‫املصدر الثاين للتشريع اإلسالمي بعضه يستقل بالتشريع ‪ ،‬وكثري منه شارح لكتاب اهلل‬

‫‪ )(1‬مقدمة صحيح مسلم ‪ 14 / 1‬طبعة عبد الباقي ‪.‬‬


‫‪ )(2‬املصدر السابق ‪. 15 / 1‬‬
‫‪. 192 / 1 )(3‬‬
‫‪. 46 / 1 )(4‬‬
‫‪6‬‬
‫الذ ْك َر لِتَُبيِّ َن لِلن ِ‬
‫َّاس َما ُن ِّز َل إِل َْي ِه ْم ‪ )5( ‬وعلم‬ ‫ك ِّ‬ ‫َت َعاىَل مبني له قال َت َعاىَل ‪  :‬وأَْن َزلْنا إِل َْي َ‬
‫احلديث تتفرع حتته علوم كثرية ومن تلك العلوم ‪ :‬علم مصطلح احلديث وهو العلم الذي‬
‫يكشف عن مصطلحات احملدِّثني اليت يتداولوهنا يف مصنفاهتم ودروسهم ‪ ،‬وكتاب ابن‬
‫ت يف علم مصطلح احلديث ‪ .‬قال‬ ‫الصالح هذا كان واحداً من أحسن ال ُكتُب اليت أُلَِّف ْ‬
‫احلافظ العراقي ‪ (( :‬أحسن ما صنف أهل احلديث يف معرفة االصطالح كتاب علوم‬
‫ك ملا حبا اهلل به ابن الصالح من فطنة عالية ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫(‪)2‬‬
‫احلديث البن الصالح )) ‪ ،‬ورمبا كان َذل َ‬
‫وجودة ذهن ‪ ،‬وحسن قرحية ‪ ،‬وسالسة أسلوب ‪ ،‬واستفادته من مَلِّ شتات كتب من‬
‫(‪)3‬‬
‫ك‬ ‫ِ‬
‫سبقه هبذا الباب ‪ ،‬قال احلافظ ابن حجر العسقالين ‪ (( :‬من أول من صنف يف ذَل َ‬
‫القاضي أبو حُمَ َّمد الرامهرمزي كتابه " الْ ُم َحدِّث الفاصل " لكنه مَلْ يستوعب ‪ ،‬واحلاكم‬
‫أبو عبد اهلل النيسابوري ‪ ،‬لكنه مَلْ يهذب ومل يرتب ‪ ،‬وتاله أبو نعيم األصبهاين ‪ ،‬فعمل‬
‫َعلَى كتابه مستخرجاً وأبقى أشياء للمتعقب‪ .‬مُثَّ جاء بعدهم اخلطيب أبو بكر البغدادي ‪،‬‬
‫فصنف يف قوانني الرواية كتاباً مساه " اجلامع آلداب الشَّْيخ والسامع … ‪ ،‬مُثَّ جاء‬
‫عياض‬
‫ٌ‬ ‫بعدهم بعض من تأخر عن اخلطيب فأخذ من هذا العلم بنصيب ‪ :‬فجمع القاضي‬
‫كتاباً لطيفاً مساه " اإلملاع " وأبو حفص املياجني جزءاً مساه " مااليسع الْ ُم َحدِّث جهله "‬
‫ك من التصانيف اليت اشتهرت وبسطت ليتوفر علمها واختصرت ليتيسر فهمها‬ ‫ِ‬
‫وأمثال ذَل َ‬
‫إىل أن جاء احلافظ الفقيه تقي الدين أبو عمرو عثمان بن الصالح عبد الرمحان‬
‫الشهرزوري نزيل دمشق – فجمع ملا ويل تدريس احلديث باملدرسة األشرفية – كتابه‬
‫فهذب فنونه وأماله شيئاً بعد شيء ؛ فلهذا مَلْ حيصل ترتيبه َعلَى الوضع‬ ‫املشهور ‪َّ ،‬‬
‫وضم إليها من غريها‬ ‫املتناسب ‪ ،‬واعتىن بتصانيف اخلطيب املتفرقة فجمع شتات مقاصدها َّ‬
‫تفر َق يف غريه ‪ ،‬فلهذا عكف الناس عليه وساروا‬ ‫خنب فوائدها ‪ ،‬فاجتمع يف كتابه ما َّ‬

‫‪ )(1‬النحل ‪44 :‬‬


‫‪ )(2‬التقييد واإليضاح ‪. 11 :‬‬
‫‪ )(3‬يعين ‪ :‬املصطلح ‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫))‬ ‫بسريه ‪ ،‬فال حيصى كم ناظم له وخمتصر ومستدرك عليه ومقتصر ومعارض له ومنتصر‬
‫(‪. )1‬‬
‫وحنن نكتفي بق ول احلافظ ابن حجر عن س وق أق وال أئمة آخ رين يف بي ان أمهية‬
‫وعلَى ال رغم من نفاسة ه ذا الكت اب وأمهيته البالغة فإنه مل يطبع‬
‫وج ودة ه ذا الكت اب ‪َ ،‬‬
‫طبعة علمية حمققة تتجلى من خالهلا نص وص الكت اب ‪ ،‬وتض بط بالش كل ‪ ،‬ويتكلم يف‬
‫إيض اح مس ائله وغوامضه والتنكيت والتعقيب على بعض ما انتقد َعلَى املص نف ‪ .‬من هنا‬
‫اجلد يف حتقيق نص الكتاب وضبطه وضبط نص الكتاب َعلَى ثالث نسخ‬ ‫مشّرنا عن ساعد ِّ‬
‫خطية مع اإلفادة من الطبعات املتداولة ‪ ،‬وكان من أفضل الطبعات السابقة هلذا الكتاب ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬طبعة الدكتور الفاضل نور الدين عرت ‪ :‬سنة ‪ ، 1966‬نشر املكتبة العلمية باملدينة‬
‫املنورة ‪ ،‬وهي طبعة جيدة قياساً َعلَى سوابقها ‪ ،‬لكن مع اجلهد الذي قام به‬
‫الدكتور الفاضل إالَّ أنَّهُ حصل يف نشرته بعض سقط وزيادات وتصحيفات وراجع‬
‫َعلَى سبيل املثال تعليقنا على الصفحات اآلتية ‪:‬‬
‫‪، 264 ، 263 ، 250 ، 244 ، 232 ، 95 ، 76 ، 74 ، 73 ، 71‬‬
‫‪، 319 ، 313 ، 309 ، 306 ، 298 ، 297 ، 290 ، 286 ، 271‬‬
‫‪،335 ،334 ،333 ،331 ،329 ،326 ،325 ،323 ، 321 ، 320‬‬
‫‪384 ، 367 ، 355 ، 354 ، 353 ، 351 ، 347 ، 340 ، 339 ،337‬‬
‫‪. 401 ، 395 ، 392 ،‬‬
‫ثانياً ‪ :‬طبعة الدكتورة الفاضلة عائشة عبد الرمحان (بنت الشاطئ) ‪ :‬فقد حققت‬
‫الدكتورة الفاضلة عائشة كتاب "حماسن االصطالح" للبلقيين سنة ‪ 1974‬م ‪،‬‬
‫وطبعت معه كتاب "معرفة أنواع علم احلديث" البن الصالح ‪ ،‬وجعلته متناً يف‬
‫األعلى وجعلت احملاسن يف احلاشية ‪ ،‬وهذه الطبعة دون الطبعة السابقة ‪ ،‬وقد حصل‬
‫فيها كسابقتها بعض سقط وتصحيف وزيادات ‪ ،‬راجع على سبيل املثال‬
‫الصفحات اآلتية ‪:‬‬
‫‪ )(1‬نزهة النظر ‪ ، 51 – 46 :‬حتقيق ‪ :‬علي احلليب ‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪، 242 ، 97 ، 87 ، 85 ، 82 ، 78 ، 77 ، 76 ، 75 ، 74 ، 73 ، 71‬‬
‫‪، 268 ، 267 ، 266 ، 265 ، 262 ، 258 ، 256 ، 253 ، 246‬‬
‫‪، 284 ، 283 ، 282 ، 281 ، 279 ، 278 ، 275 ، 274 ، 271‬‬
‫‪، 307 ، 305 ، 304 ، 303 ، 297 ، 294 ، 293 ، 288 ، 287‬‬
‫‪، 324 ، 322 ، 318 ، 317 ، 316 ، 314 ، 312 ، 311 ، 309‬‬
‫‪،365 ،362 ،352 ،348 ،345 ،336 ، 334 ، 332 ، 329 ، 326‬‬
‫‪، 389 ، 385 ، 382 ، 377 ، 375 ، 373 ،372 ،369 ،367‬‬
‫‪. 409 ، 401 ، 398 ، 395 ، 392 ، 391‬‬
‫ك ان ه ذا وأمثاله هو ال دافع الوحيد ال ذي جعلنا نعيد حتقيق الكت اب َعلَى أحسن‬
‫الطرق العصرية يف حتقيق النص وضبطه مزدان اً بالشكل التام للكلمات مع التخريج الوافر‬
‫والتعليق الن افع مع تتبع من عقَّب َّ‬
‫ونكت على ابن الص الح ‪ ،‬باإلض افة إىل حتلية الكت اب‬
‫بالفهارس املتنوعة املتقنة ‪.‬‬
‫وقد رأينا أن نق دَّم هلذا الكت اب بدراسة متوس طة دالة على س رية ابن الص الح‬
‫ومنهجه يف هذا الكتاب ‪ ،‬وقد جعلناها يف أربعة فصول ‪:‬‬
‫تكلمنا يف الفصل األول عن سريته ‪ ،‬وتناولنا يف الفصل الثاين ثقافته ‪ ،‬وذكرنا يف الفصل‬
‫الثالث دراسة وافية عن الكتاب ‪ ،‬وختمناه بالفصل الرابع الذي تكلمنا فيه عن حتقيق‬
‫الكتاب واملنهج الذي سرنا عليه ‪.‬‬
‫وبعد ‪:‬‬
‫فهذا كتاب " معرفة أنواع علم احلديث " البن الصالح ‪ ،‬نقدمه حمليب املصطفى ‪‬‬
‫السائرين على هديه الراجني شفاعته يوم القيامة ‪ ،‬قد خدمناه اخلدمة اليت توازي تعلقنا‬
‫بسيدنا املصطفى ‪ ، ‬بذلنا فيه ما وسعنا من جهد ومال ووقت ‪ ،‬ومل نبخل عليه‬
‫قضيناه فيه كله مباركاً ‪.‬‬
‫بشيء ‪ ،‬وكان الوقت الذي ّ‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد هلل ربِّ العالمين والصالة والسالم على سيدنا محمد وعلى‬
‫ِ‬
‫آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين‬

‫‪9‬‬
‫د‪ .‬م اهر ياس ين‬
‫الفحل‬
‫‪2001 / 9 / 1‬‬

‫‪10‬‬

You might also like