You are on page 1of 67

‫مقدمة‬

‫بسم اهلل الرضبن الرحيم‬

‫احلمد هلل رب العادلني‪ ،‬والصالة والسالـ على النيب اذلادي األمني‪ ،‬نبينا زلمد وعلى آلو وصحبو أصبعني‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬
‫ٔ‬
‫يف رللة صػوت اههػاد‪ ،‬وىػ اللػة‬ ‫فهذا رلموعٌ دلسائل يف االعتقاد قد كتبها الشيخ فرحان بن مشهور الرويلي‬
‫الصادرة عن تنظيم القاعدة يف جزيرة العرب‪.‬‬

‫ونظراً ألمهيتها قمنا جبمعها يف ملف واحد‪.‬‬

‫نس ػ ؿ اهلل العظػػيم‪ ،‬رب العػػرش ال ػػرم‪ ،‬أف ينصػػر الاىػػدين يف كػػل م ػػاف وأف ينػػتقم ذلػػم شلػػن آكاىػػم إنػػو و كل ػ‬
‫والقادر عليو‪.‬‬

‫إخوانكم في موقع القاعدون‬

‫جمادى األول ‪6241‬هـ‬

‫( ٔ ) ىذا احد االمساء اليت كاف ي تب هبا العالمة ‪ :‬عبد العزيز بن رشيد بن ضبداف الطويلع العنزي – ف اهلل اسره واخوانو‪.. -‬‬

‫ٕ‬
‫المحتويات‬
‫شرح نواقض اإلسالـ ________________________________ ____________ٗ‬
‫نواقض اإلسالـ الػ(ٓٓٔ) ________________________________________٘‬
‫الناقض األوؿ‪ :‬الشرؾ يف عبادة اهلل ____________________________________‪ٚ‬‬
‫الناقض الثاين‪ :‬ازباك الوسائط _______________________________________‪ٜ‬‬
‫الناقض الثالث‪ :‬من مل ي فر ال افرين أو ش يف كفرىم أو صحح مذىبهم ______________ ٕٔ‬
‫الناقض الرابع‪” :‬من اعتقد أف غري ىدي النيب صلى اهلل عليو وسلم أكمل من ىديو“ __________ ٗٔ‬
‫الناقض اخلامس‪ :‬من أبغض شيئًا شلا جاء بو الرسوؿ صلى اهلل عليو وسلم ________________ ‪ٔٚ‬‬
‫الناقض السادس‪ :‬االستهزاء بالدين ___________________________________ ‪ٜٔ‬‬
‫الناقض السابع‪ :‬السحر ________________________________ _________ ٖٕ‬
‫الناقض الثامن‪ :‬تو ال افرين ومظاىرهتم على ادلسلمني _________________________ ‪ٕٙ‬‬
‫أحدا يسعو اخلروج عن شريعة زلمد صلى اهلل عليو وسلم _________ ‪ٕٜ‬‬
‫الناقض التاسع‪ :‬من اعتقد أف ً‬
‫الناقض العاشر‪ :‬اإلعراض عن دين اهلل؛ ال يتعلمو وال يعمل بو _____________________ ٖٖ‬
‫إصالح الغلط يف فهم النواقض ______________________________________ ‪ٖٙ‬‬
‫التحذير من الت فري مطل ًقا _______________________________________ ‪ٖٚ‬‬
‫تد بلفظ ال إلو إال اهلل (ٔ) _____________________________ ‪ٖٜ‬‬
‫الغلط يف عصمة ادلر ِّ‬
‫تد بلفظ ال إلو إال اهلل (ٕ) _____________________________ ٔٗ‬
‫الغلط يف عصمة ادلر ِّ‬
‫اخلط يف مناط الت فري يف النواقض ___________________________________ ٗٗ‬
‫اشرتاط ال فر االعتقادي يف ادل فرات العملية ______________________________ ‪ٗٚ‬‬
‫عذر اهاىل من ادلشركني إكا كاف منتسباً إىل ادلسلمني _________________________ ٓ٘‬
‫اخللط بني األمساء اللغوية واحلقائق الشرعية _______________________________ ٖ٘‬
‫تسمية ال فر األصغر بال فر العمل __________________________________ ٘٘‬
‫اخللط بني اإلذلية واألُلوىية _______________________________________ ‪٘ٚ‬‬
‫إدخاؿ االصطالحات العلمية يف احلقائق الشرعية (ٔ‪ٙٓ ________________________ )ٕ/‬‬
‫إدخاؿ االصطالحات العلمية يف احلقائق الشرعية (ٕ‪ٕٙ ________________________ )ٕ/‬‬
‫الذيل على شرح النواقض ________________________________ _________ ٘‪ٙ‬‬
‫أقساـ نواقض اإلسالـ من حيث اإلصباع واخلالؼ ___________________________ ‪ٙٙ‬‬
‫شرح نواقض اإلسالم‬
‫نواقض اإلسالم الـ(‪)611‬‬

‫ػوىم كثػػريٌ مػػن النػػاس أ عف ىػػذا العػػدد مػ خوكٌ عػػن حصػ ٍر واسػػتقر ٍاء‬
‫اعتػػاد النػػاس عبػػارة ”نػواقض اإلسػػالـ العشػػرة“‪ ،‬وتػ ّ‬
‫مانع ل ل ما ينقض اإلسالـ‪..‬‬ ‫جامع ٌ‬
‫للنواقض‪ ،‬وأنعو ٌ‬

‫واإلماـ زلمػد بػن عبػد الوىػاب حػني صػنف رسػالتو ”نػواقض اإلسػالـ“ أراد أف يُنبِّػو علػى عشػرةِ نػو َ‬
‫اقض شلػا كثػر يف‬
‫زمانػِػو واشػػتهر‪ ،..‬وإالع فقػػد قػػاؿ يف بعػػض رسػػائلو‪ ..‬وفػػيهم مػػن ن ػواقض اإلسػػالـ أكثػ ُػر مػػن مائػ ِػة نػ ٍ‬
‫ػاقض (ٔ) (وك نػعػو‬
‫يتح ّدث عن احل ومات ادلس عماة باإلسالميعة اليوـ !)‪.‬‬

‫وقد رب ّدث أىل العلم عن النػواقض يف كتػب الفقػو‪ ،‬يف أبػواب ”حكـم المردـد“‪ ،‬وربػ ّدث كثػريٌ مػن أىػل العلػم عػن‬
‫صػػلةٌ يف كتػػب االعتقػػاد هماعػػة مػػن السػػلف‬ ‫متفرقػةً يف موااػػعها‪ ،‬فػػالنواقض ادلتعلقػػة باألمسػػاء والصػػفات مف ع‬ ‫النػواقض ِّ‬
‫ػيل يف مظا ِّ ػػا مػػن كتػػب‬‫وأئمػػة أىػػل السػػنة شلػػن بعػػدىم‪ ،‬والنػواقض ادلتعلقػػة بتوحيػػد األلوىيعػػة والعبػػادةِ‪ ،‬موجػػودةٌ بتفصػ ٍ‬
‫ري وغ ِريه‪.‬‬
‫الرد على الب ِّ‬
‫التفسري‪ ،‬ويف بعض كتب شيخ اإلسالـ ابن تيميعة ك تاب االستغاةة يف ِّ‬

‫ودلػػا ابتُلػ ادلسػػلموف يف وقػػحم اإلمػػاـ زلمػػد بػػن عبػػد الوىػػاب ومػػن بعػػده مػػن العلمػػاء األئمػػة بانتشػػار الشػػرؾ وعبػػادة‬
‫ّ‬
‫ال ُقبػػور ودعائهػػا والنػػذر والػػذبح ذلػػا واالسػػتغاةة هبػػا‪ ،‬وبػػادلعظعمني ادلعبػػودين مػػن دوف اهلل كػػاف لحممػػاـ زلمػ ِػد بػػن عبػػد‬
‫الوىاب ومن بعده كتب ورسائل كثريةٌ يف كل ‪.‬‬

‫ػرآف وجحػود‬ ‫فتجد السلف عند ظهوِر ِ‬


‫بدعة خل ِػق الق ِ‬ ‫طبقة من أىل العلم اعتنحم دبا ع عمحم بو الفتنة يف زمنها‪ُ ،‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫و ُّ‬
‫َ‬
‫صفة ال الـ هلل‪ ،‬بيّنوا ىذا األمر وأواحوا مناقضتو لحمسػالـ‪ ،‬وكػاف ذلػم يف كلػ مصػنفات كثػريةٌ‪ ،‬منهػا رد الػدارم‬
‫زلمػػد بػػن سػػعيد علػػى بش ػ ٍر ادلريس ػ العنيػػد‪ ،‬ومنهػػا خلػػق أفعػػاؿ العبػػاد للب ػػاري‪ ،‬وغػػري كل ػ ‪ ،‬وعنػػد انتشػػار فتنػػة‬
‫ادلت لمني وعمومها ديار ادلسػلمني يف القػرف السػادس انػا ذلػا شػيخ اإلسػالـ ابػن تيميػة وابػن القػيّم وغػريىم وأحيػوا‬
‫مػػذىب السػػلف ومػػا ك ػاف عليػػو الصػػحابة يف ىػػذه ادلسػػائل‪ ،‬وت لػػم شػػيخ اإلسػػالـ يف مسػػائل مػػن توحيػػد األلوىيػػة‬
‫والنػواقض ادلتعلّقػةً بػػو وكػػاف ذلػػا شػ ءٌ مػػن االنتشػػار يف صػػفوؼ اههلػػة والعػو ِّاـ يف األعػ ِّػم األغلػػب‪ ،‬وكػػاف لػػو يف كلػ‬
‫مفرؽ‪ ،‬وكتاب الرد على الب ري‪.‬‬ ‫كالـ ّ‬

‫ٔ الرسائل الش صية ص ٕٗ‬

‫٘‬
‫ودلا عمحم ىذه الفتنة وانتشرت واستشرت بعػد األلػف خػرج اإلمػاـ زلمػد بػن عبػد الوىػاب‪ ،‬وبػني تلػ النػواقض يف‬
‫صػػل تالميػػذه مػػن بعػػده‬ ‫مصػػنفات عديػػدةٍ سلتصػػرةٍ بينػ ٍػة‪ ،‬ال ت ػػاد ذبػػد مثلهػػا يف اإلاػػاز والبيػ ِ‬
‫ػاف واحل عجػػة وال فايػػة‪ ،‬وف ع‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫وتالميذىم تل ادلسائل يف مصنفات كثرية منشورةٍ‪.‬‬

‫ػورا عشػرًة مػػن النػواقض ادلنتشػػرة يف عصػػره‪،‬‬


‫وكػاف شلػػا كتبػػو اإلمػػاـ تلػ الرسػػالة ”نػواقض اإلسػػالـ“ الػيت ككػػر فيهػػا أمػ ً‬
‫وجل‪.‬‬
‫قادمة بإكف اهلل ععز ع‬ ‫وسنعرض ذلا على اإلااز يف ٍ‬
‫أعداد ٍ‬

‫‪ٙ‬‬
‫الناقض األول‪ :‬الشرك في عبادة اهلل‬

‫احلمد هلل رب العادلني‪ ،‬والصالة والسالـ على أشرؼ ادلرسلني‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫صبيعػا لعبادتػػو وحػػده ال شػري لػػو‪ ،‬وجعػػل أسػػاس الػػدين وقوامػػو كلمػػة ال إلػػو إال اهلل‪ ،‬ولشػػهادة‬ ‫فقػػد خلػػق اهلل اخللػػق ً‬
‫ػوؿ أو اعتقػ ٍ‬
‫ػاد منػ ٍ‬
‫ػاقض لحمديػػاف‬ ‫التوحيػػد ركنػػاف‪ :‬اإلةبػػات والنفػ ‪ ،‬ف ػػل مػػا ا ػػرـ بػػو إةبػػات األلوىيػػة هلل مػػن فعػػل أو قػ ٍ‬
‫كل ما ا ػرـ بػو نفػ األلوىيػة عػن غػري اهلل‬ ‫باهلل وعبادتو‪ ،‬أو ترؾ دلا ال يصح اإلةبات إال بو كرتؾ صبيع العمل‪ ،‬وكذا ُّ‬
‫ناقضا من نواقض اإلسالـ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫من صرفها دلعبود سواه‪ ،‬كل ما كاف من كل مسّ‬

‫وأول النواقض التي ذكرها اإلمام محمد بن عبد الوهاب فـي رسـالة النـواقض‪ :‬الشػرؾ يف عبػادة اهلل فقػاؿ رضبػو‬
‫اهلل‪” :‬األوؿ‪ :‬الشػػرؾ يف عبػػادة اهلل‪ :‬قػػاؿ اهلل ‪ -‬تعػػاىل ‪( :-‬إِ عف اللعػػوَ ال يػَ ْغ ِفػ ُػر أَ ْف يُ ْشػ َػرَؾ بِػ ِػو َويػَ ْغ ِفػ ُػر َمػػا ُدو َف َكلِػ َ لِ َمػ ْػن‬
‫صػا ٍر)‪ ،‬ومنػو الػذبح لغػري اهلل‪،‬‬ ‫اهنعةَ وم ْواه النعػار ومػا لِلظعػالِ ِم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني م ْػن أَنْ َ‬ ‫َ‬ ‫يَ َشاءُ)‪( ،‬إنعوُ َم ْن يُ ْش ِرْؾ باللعو فَػ َق ْد َحعرَـ اللعوُ َعلَْيو َْ َ َ َ ُ ُ َ َ‬
‫كمػػن يػػذبح للجػػن أو للقػػا“ والشػػرؾ يف عبػػادة اهلل إخػػالؿ بػػركن النف ػ مػػن شػػهادة أف ال إلػػو إال اهلل‪ ،‬فمػػن أشػػرؾ‬
‫وجل‪.‬‬
‫ينف الشري عن اهلل ععز ع‬ ‫فقد جعل مع اهلل إذلًا آخر ومل ِ‬

‫وتوحيد اهلل ينقسم قسمني‪:‬‬

‫دوحيد المعرفة واإلثبات‪ :‬أي يف معرفة اهلل عػعز وج عػل وأف يثبػحم هلل مػا اخػتب بػو مػن األمسػاء والصػفات واألفعػاؿ‪،‬‬
‫ويُنفى كل عن غري اهلل‪ ،‬وىو توحيد الربوبية ويدخل فيو توحيد األمساء والصفات‪.‬‬

‫ودوحيد الطلب والقصد‪ :‬وىو أفعاؿ العبد بقلبو وجوارحو وأقوالو مػن العبػادات الػيت يصػرفها هلل عػعز وج عػل ويقصػده‬
‫هبا‪ ،‬وال يصرؼ شيئًا منها لغري اهلل‪.‬‬

‫تبعػػا لػػذل قسػػمني‪ :‬شػػركاً يف الربوبيػػة‪ ،‬وشػػركاً يف األلوىيػػة‪ ،‬فمػػن نسػػب إىل غػػري اهلل مػػا ال ي ػػوف إال‬‫وي ػػوف الشػػرؾ ً‬
‫هلل‪ ،‬كمن نسب القدرة ادلطلقة‪ ،‬واخللق والرزؽ واإلحياء واإلماتة وعلم الغيػب وتػدبري ال ػوف إىل غػري اهلل فقػد أشػرؾ‬
‫يف الربوبية‪ ،‬وازبذ غري اهلل ربًّا‪.‬‬

‫وم ػػن دع ػػا غ ػػري اهلل‪ ،‬وسػ ػ ؿ الغائ ػػب‪ ،‬أو طل ػػب م ػػن احلاا ػػر م ػػا ال يق ػػدر علي ػػو إال اهلل‪ ،‬أو اس ػػتعاك أو اس ػػتعاف أو‬
‫استغاث بغري اهلل‪ ،‬وكذا من سجد أو كبح أو نذر لغري اهلل‪ ،‬ومن صاـ أو ح عج لغري اهلل ؛ فقد أشرؾ يف األلوىيعة‪.‬‬

‫‪ٚ‬‬
‫ػور عديػػدةٌ موجػػودةُ اليػػوـ‪ ،‬فمنهػػا دعػػاء مػن يػػدعو النػػيب زلمػ ًػدا صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم ويسػ لو‬
‫وللشػػرؾ يف األلوىيعػػة صػ ٌ‬
‫شفع ‪ -‬أي شفاعت ‪ ،-‬وىذا من دعاء غري اهلل ادل ػرج مػن ادللعػة‪ ،‬إالع مػن‬ ‫الشفاعة‪ ،‬كمن إكا عثر قاؿ‪ :‬يا زلمد َ‬
‫عارؼ دلعناىػا‪ ،‬أو اعتادىػا ف رجػحم منػو بػال قصػد مػع جهػده يف الػت لب منهػا‪ ،‬معفػو عنػو‪ ،‬أ عمػا مػن‬ ‫تل ّفظ هبا غري ٍ‬
‫ػافر بػاهلل العظػيم‪ ،‬وشػفاعة النػيب ال ػرم صػلى اهلل عليػو وسػلم‬
‫مشرؾ ك ٌ‬‫ويصر عليها فهو ٌ‬ ‫يقوذلا بعد أف يعرؼ معناىا ُّ‬
‫حقيق ػةٌ ةابت ػةٌ‪ ،‬إالع أ ع ػػا تُطلػػب مػػن اهلل‪ ،‬كمػػا أ عف اإلعانػػة ال تُطلػػب مػػن ادلالئ ػػة ال ػراـ‪ ،‬وإف كانػػحم ربصػػل ب يػػدي‬
‫ادلالئ ة إكا أمرىم اهلل‪.‬‬

‫ومن صور الشرؾ يف األلوىيعة‪ :‬ما يُفعل عند القبور واآلةار الػيت تعبػد مػن دوف اهلل عػعز وج عػل‪ ،‬كالػذي يقػع يف األبػواء‬
‫عند قا آمنػة أـ النػيب صػلى اهلل عليػو وسػلم‪ ،‬والػذي يقػع عنػد معبػد البػدوي دبصػر‪ ،‬وغريىػا كثػريٌ ج ًػدا يف العػامل كلِّػو‬
‫يس ظَنعوُ فَاتػعبَػعُوهُ)‪.‬‬‫دبا فيو بالد اهزيرة‪( :‬ولََق ْد صد َ ِ ِ ِ‬
‫عؽ َعلَْيه ْم إبْل ُ‬ ‫َ َ‬

‫ػب راػ اهلل عنػو ولعػن اهلل مػػن‬‫ومػن صػور الشػرؾ يف الػدعاء مػا فعلػو الرافضػة ىػذا العػاـ مػن دعػاء علػ بػن أهلل طال ٍ‬
‫عبػػده مػػن دوف اهلل‪ ،‬واحلسػ ِ‬
‫ني سػػيد شػػباب أىػػل اهنػػة‪ ،‬وفاطمػػة بنػػحم زلمػػد صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم‪ ،‬مػػن دوف اهلل يف‬
‫النجػػف ويف البقي ػ ِع عنػػد قب ػور الص ػػحابة‪ ،‬ح ػ ع بل ػ هبػػم األمػػر أف رفع ػوا أص ػواهتم بػػذل دب ػاات الصػػوت‪ ،‬وبل ػ‬
‫ين‬ ‫باحل ومة السلولية ال فر أف ضبتهم جبنودىا‪ ،‬وساقحم من أن ر عليهم بلسانو مػن ادلوحػدين إىل السػجوف‪ ،‬ع ِ‬
‫(والػذ َ‬
‫َ‬
‫ض)‪.‬‬‫ض ُه ْم أ َْولِيَاءُ بػَ ْع ٍ‬
‫َك َف ُروا بػَ ْع ُ‬
‫ومػػن ص ػػور الش ػ ِ‬
‫ػرؾ يف الربوبي ػػة مػػا يتح ػػدث ب ػػو غ ػػالة الص ػػوفية‪ ،‬ويدرس ػػونو يف ادل ػػدارس ادلرخص ػػة ذل ػػم‪ ،‬وينش ػػرونو يف‬
‫كتػػبهم‪ ،‬واتمػػع النػػاس علػػيهم يف بيػػوهتم كمػػا يفعػػل ادلرتػػد ادلشػػرؾ‪ :‬زلمػػد بػػن علػػوي مػػال الػػذي يس ػ ن بلػػد اهلل‬
‫احلػراـ‪ ،‬وىػو رأس مػن رؤوس ال فػر‪ ،‬داعيػة مػن دعػاة الشػرؾ‪ ،‬أسػ ؿ اهلل أف يثيػب مػن يغتالػو ويطهػر بيػحم اهلل احلػراـ‬
‫يتمَّن من خري الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫منو أعظم شلا ع‬

‫صور أخر ‪ ،‬ت يت بإكف اهلل يف ال الـ على بقيعة النواقض‪.‬‬


‫وللشرؾ يف عبادة اهلل ٌ‬

‫نس ؿ اهلل أف يفقهنا يف الدين‪ ،‬ويهدينا سبيل ادلػممنني‪ ،‬ونسػ لو أف يشػفِّع فينػا زلم ًػدا سػيد ادلرسػلني‪ ،‬صػلى اهلل عليػو‬
‫وعلى آلو وأصحابو أصبعني‪.‬‬

‫‪ٛ‬‬
‫الناقض الثاني‪ :‬ادخاذ الوسائط‬

‫احلمد هلل رب العادلني‪ ،‬والصالة والسالـ نبينا زلمد وعلى آلو وصحابتو أصبعني‪..‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫فقد تقدـ احلديث عن أوؿ نػاقض ككػره شػيخ اإلسػالـ زلمػد بػن عبػد الوىػاب رضبػو اهلل مػن نػواقض اإلسػالـ‪ ،‬وىػو‬
‫الشرؾ يف عبادة اهلل‪ ،‬وككر من صور الشرؾ دعاء غري اهلل‪.‬‬

‫والنػػاقض الثػػاين الػػذي ككػػره اإلمػػاـ رضبػػو اهلل متفػػرع علػػى النػػاقض األوؿ وجػػزء منػػو‪ ،‬وىػػو‪ :‬مػػن ازبػػذ وسػػائط يػػدعوىم‬
‫مػػن دوف اهلل ويسػػتغيث هبػػم ويتوكػػل علػػيهم‪ ،‬وإإلػػا أفػػرده اإلمػػاـ أل عف البلػػو بػػو أكػػا وأعػػم وألف أكثػػر ادلشػػركني مػػن‬
‫ادلنتسبني إىل اإلسالـ يستدؿ بو ويستند إليو‪.‬‬

‫فإ عف من يدعو غري اهلل ال خيرج عن ىذه احلاالت الثالث‪:‬‬

‫أف يعتقػػد أ عف ادلػػدع عو قػػادر مسػػتقل عػػن اهلل عػػز وجػػل‪ ،‬وأنعػػو مسػػتحق ألف يُػػدعى ويُطلػػب منػػو مػػا ي ػػوف مػػن‬ ‫‪‬‬

‫خصائب الرب جل وعال‪ ،‬سواء اعتقد أنو ىو اهلل‪ ،‬أو أن ر وجود اهلل واعتقد ربًّا غريه‪ ،‬مثل مػن يعبػد النمػرود‬
‫وفرعوف وحنوىم شلن ين ر وجود اهلل ويدع أف معبوده ىو ادلعبود األحد الذي ال إلو غريه وال رب سواه‪.‬‬
‫أو أف يعتقد أنو قادر شري هلل عز وجل‪ ،‬ويستحق الػدعاء مػع اهلل‪ ،‬فيػدعوه‪ :‬كمػن يػدعو عيسػى عليػو السػالـ‬ ‫‪‬‬
‫وأمو‪.‬‬
‫أو أف يعتقد أنو ليس شري ً ا هلل بل ىو عبد من عباد اهلل‪ ،‬ول ن يت ذه وسيطًا بينػو وبػني اهلل‪ ،‬كمػا كػاف يفعلػو‬ ‫‪‬‬
‫بعض ادلشركني الذين بُعث إليهم النيب صلى اهلل عليو وسلم‪.‬‬

‫فالنػػاقض األوؿ يشػػمل الصػػور الثالةػػة‪ ،‬والنػػاقض الثػػاين خصػػو شػػيخ اإلسػػالـ زلمػػد بػػن عبػػد الوىػػاب بالصػػورة الثالثػػة‬
‫من ىذه الصور‪.‬‬

‫وصػػاحب ىػػذه الصػػورة الثالثػػة ال ي ػػوف مشػػرًكا يف الربوبيػػة مػػن ىػػذا الوجػػو‪ ،‬بػػل شػػركو يف األلوىيػػة‪ ،‬أي يف صػػرؼ‬
‫العبادة إىل غري اهلل عز وجل‪.‬‬

‫‪ٜ‬‬
‫ين عازبَػ ُذوا ِم ْػن ُدونِ ِػو أ َْولِيَػاءَ َمػا نػَ ْعبُ ُػد ُى ْم إِعال‬ ‫اخلػالِ ع ِ‬
‫ب َوالػذ َ‬
‫ِّين َْ ُ‬
‫ِع ِ‬
‫ومن كلػ ادلشػركوف الػذين ح ػى اهلل عػنهم لأَال للػو الػد ُ‬
‫لِيُػ َقِّربُونَا إِ َىل اللع ِو ُزلْ َفى)‪.‬‬

‫وأمػػا ادلشػػركوف ادلعاصػػروف الػػذين يعبػػدوف النػػيب صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم واألوليػػاء والصػػلحاء ويػػدعو م مػػن دوف اهلل‪،‬‬
‫احلجػػة‪ ،‬فػػإ عف أكثػػر مػػا حيتجػػوف بػػو أ عف اآليػػة فػػيمن دعػػا األصػػناـ الػػيت ىػ أحجػػار ال تضػػر وال تنفػػع‪،‬‬
‫وحيتجػػوف هبػػذه ّ‬
‫ّ‬
‫خبالؼ من دعا الصاحلني واألولياء واألتقياء‪.‬‬

‫ين َز َع ْمػتُ ْم ِم ْػن ُدونِ ِػو‬ ‫عِ‬


‫وقد رعد اهلل على ىػذه الشػبهة بعينهػا‪ ،‬وب عػني أ ػا وقعػحم شلػن قػبلهم فقػاؿ تعػاىل‪ :‬لقُ ِػل ْادعُػوا الػذ َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ عِ‬ ‫ِ‬
‫ب َويػَ ْر ُجػػو َف‬ ‫الضػ ِّػر َعػْن ُ ْم َوال َْربػ ِويالً ا أُولَئػ َ الػػذ َ‬
‫ين يَػ ْدعُو َف يػَْبتَػغُػػو َف إ َىل َرِّهبػ ُػم الْ َوسػػيلَةَ أَيػُّ ُهػ ْػم أَقْ ػ َػر ُ‬ ‫ػف ُّ‬ ‫فَػػال ديَْل ُ ػػو َف َك ْشػ َ‬
‫َر ْضبَتَوُ َوَخيَافُو َف َع َذابَوُ)‪.‬‬

‫ف واػػح اهلل يف خطابػػو للمشػػركني أ ّف الػػذين يػػدعوىم ادلشػػركوف كػػانوا موحػػدين يس ػ لوف اهلل يرجػػوف رضبتػػو وخيػػافوف‬
‫ػناما مػن حجػ ٍر أو‬
‫عذابو‪ ،‬وزكاىم اهلل عز وجل يف ىذا‪ ،‬فهمالء ادلعبودوف من دوف اهلل أولياء هلل سللصػوف وليسػوا أص ً‬
‫سب ٍر‪ ،‬ومع كل فقد جعل اهلل من دعاىم مشرًكا كالذي يدعو احلجر والشجر‪.‬‬

‫وادلشركوف يف حجتهم يف ازباك الوسائط احتجوا ب ع م ال يعبدو م إال ليقربوىم إىل اهلل‪ ،‬فتضمن ىذا أمرين‪:‬‬

‫ادلدعوين كوو جاهٍ عند اهلل وم ٍ‬


‫انة ليسحم لغريىم‪.‬‬ ‫أف ِّ‬ ‫‪‬‬
‫وأ عف الداعني حيتاجوف إىل ما يقرهبم إىل اهلل شلن ىو أقرب منهم إليهم‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫وكػػذل مػػن يػػدعو األوليػػاء والصػػاحلني مػػن دوف اهلل يف ادلشػػركني ادلعاصػرين‪ ،‬حيػػتج فيقػػوؿ‪ :‬ىػػمالء أنػػاس صػػاحلوف ال‬
‫يرد اهلل ذلم طلبًا‪ ،‬وأنا رجل كثري الذنوب لسحم ب ىل إلجابة الػدعوة‪ ،‬فػدعوت ىػذا الػو ع لتُجػاب دعػويت جباىػو ىػو‬
‫حني يطلب من اهلل أف يقض حاجيت‪ ،‬فيتض ّػمن األمػرين بعينهمػا‪ :‬أف ادلػدعو كو جػاه عنػد اهلل‪ ،‬وأف الػداع حيتػاج‬
‫إىل ىذا ادلدعو بسبب قربو من اهلل‪.‬‬

‫ِ‬
‫الغائب أي طلب ولو صغُر‪ ،‬كما لو طلػب مػن الغائػب أف يعينػو علػى‬ ‫وي وف الداع للوسيط مشرًكا إكا طلب من‬
‫صعود جبل وحنوه‪.‬‬

‫وكػذل إف طلػػب مػػن احلااػر مػػا ال يقػػدر عليػػو إال اهلل‪ ،‬كمػن يطلػػب منػػو ادلغفػػرة لذنوبػو‪ ،‬أو أف يصػػرؼ عنػػو ادلػػوت‬
‫وحنو كل ‪.‬‬

‫ٓٔ‬
‫أمػػا مػػن طلػػب مػػن احلااػػر مػػا يقػػدر عليػػو احلااػػر‪ :‬مثػػل أف يطلػػب مػػن الطبيػػب العػػالج الػػذي ىػػو سػػبب الشػػفاء‪،‬‬
‫ومثل قولو دلن عنده ناولين ال س‪ ،‬وأعطين كذا وكذا‪ ،‬فهذا مباح بال ش ‪.‬‬

‫والدليل على التفريق‪ :‬أ عف النيب صلى اهلل عليو وسلم جاء وادلشركوف يطلبػوف مػن األصػناـ أو مػن الصػاحلني أشػياء ال‬
‫يقػػدر عليهػػا إال اهلل كالنصػػر علػػى األعػػداء‪ ،‬وكػػذل يطلبػػوف منهػػا وىػػم غػػائبوف عنهػػا‪ ،‬فبػػني أف ىػػذا شػػرؾ وكفػػر‪،‬‬
‫وح م اهلل عز وجل يف كتابو ب نعو شرؾ‪.‬‬

‫وقد كػاف ادلشػركوف يطلػب بعضػهم مػن بعػض األشػياء الدنيويػة الػيت جعلهػا اهلل أسػبابًا طبيعيػة‪ ،‬كمػن يطلػب اإلعانػة‬
‫على أمر وحنوه‪ ،‬فلم ينههم عن ىذا‪ ،‬بل فعلو النيب صلى اهلل عليو وسلم وصحابتو‪.‬‬

‫ف ان ػػحم الص ػػورة األوىل ش ػػرًكا ب ػػالنب م ػػن ال ت ػػاب والس ػػنة‪ ،‬وباإلصب ػػاع‪ ،‬وكان ػػحم الص ػػورة الثاني ػػة ج ػػائزة ب ػػالنب م ػػن‬
‫ال تاب والسنة‪ ،‬وباإلصباع‪.‬‬

‫أيضػا‪،‬‬
‫ومن صور الشرؾ يف الوسائط اليت ككرىا الشيخ يف ىذا الناقض‪ :‬من يتوكل على الوسطاء‪ ،‬فهذا من الشػرؾ ً‬
‫ويقػػع مػػن أكثػػر ادلشػػركني قػػدديًا وحػػديثًا‪ ،‬وخاصػػة مػػن تقػػرب إىل ادلعبػػود مػػن دوف اهلل بقربػػاف‪ ،‬فإنػعػو يطمػػئن بعػػده مػػن‬
‫اخلوؼ واخلطر وير أف معبوده حيفظو من ىذه األمور وال خيذلو بعد أف قرب لو كل القرباف‪.‬‬

‫وصبيع ما يقع من الصور ادلعاصرة للشرؾ يف الناقض األوؿ‪ ،‬يقع يف ىذا الناقض وإإلا ىذا النػاقض كمػا تقػدـ حجػة‬
‫من حجج من يقع يف بعض صور الناقض األوؿ‪.‬‬

‫ٔٔ‬
‫الناقض الثالث‪ :‬من لم يكفر الكافرين أو شك في كفرهم أو‬
‫صحح مذهبهم‬

‫ىذا الناقض ىو ةالث النواقض اليت ككرىا الشيخ زلمد بػن عبػد الوىػاب يف نػواقض اإلسػالـ‪ ،‬وقػد أصبػع عليػو أىػل‬
‫العلم يف اهملة‪.‬‬

‫ومرجع ىذا الضابط إىل التصديق بالنصوص‪ ،‬والقبوؿ ألح اـ اهلل عز وجل‪ ،‬فمػن مل ي فػر مػن كفػرىم اهلل فقػد رعد‬
‫على اهلل ح مو‪ ،‬وامتنع عن العمل بو‪ ،‬وك عذب خاه وعاند أمره‪.‬‬

‫وقػػد ككػػر أىػػل العلػػم ىػػذه القاعػػدة يف مسػػائل عػدعة‪:‬كمن مل ي ّفػػر مػػن يػػدعو عل ػ بػػن أهلل طالػػب راػ اهلل عنػػو‪،‬‬
‫ومن مل ي فِّر النصريية‪ ،‬ومن مل ي فِّر اليهود والنصار ‪ ،‬وحنو كل ‪.‬‬

‫ومػػن مل يفقػػو ا ػوابط ىػػذا النػػاقض أ عد ب ػو إىل التسلسػػل يف الت فػػري‪ ،‬وىػػذا مػػا وقػػع هماعػػات مػػن الغػػالة أبرزىػػا‬
‫اهماعػػة اإلسػػالمية ادلسػػلحة يف اهزائػػر بعػػد احن ػراؼ مسػػريهتا‪ ،‬والػػيت ىادنػػحم الطواغيػػحم لتتفػػرغ لقتػػاؿ الاىػػدين يف‬
‫سبيل اهلل‪.‬‬

‫ومن مل ي فِّر ال افر فقد ي وف ال يعرؼ حالو‪ ،‬كمن مل يعلم أ عف ّ‬


‫ادلدعو تركيًّا احلمد تلفعظ دبا تل عفػظ بػو مػن ال فػر‪،‬‬
‫معذور وليس داخالً يف القاعدة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫فهذا‬

‫وأ عما إكا كاف يعرؼ حالو‪ ،‬فيُنظر فيو حبسب ال افر الذي مل ي فِّره أو شػ يف كفػره أو صػحح مذىبػو‪ ،‬وىػذا علػى‬
‫أقساـ‪:‬‬

‫األول‪ :‬أف ي وف كفر ىذا ال افر من ادلعلوـ بالدين بالضػرورة‪ ،‬ومػن مل يعرفػو فلػيس مػن أىػل اإلسػالـ‪ ،‬كمػن شػ‬
‫َّ‬
‫يف كفػر عبػاد األوةػاف والبػػوكيني واليهػود والنصػار علػػى العمػوـ‪ ،‬فمػن شػ يف كفػر بعػض ىػػمالء ال فػار فهػو كػػافر‬
‫مثلهم‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬أف ي وف كفره ليس من ادلعلوـ من الدين بالضرورة‪ ،‬ول ن النصوص تدؿ عليو داللة قطعية‪ ،‬فمػن شػ يف‬
‫كفػػره بػُيِّنػػحم لػػو النصػػوص فػإف مل يقبلهػػا كفػػر‪ ،‬ومثػػاؿ كلػ ‪ :‬عبػػاد القبػػور الػػذين يػػدعو ا وينػػذروف ذلػػا وحيجػػوف إليهػػا‬
‫من ادلنتسبني إىل اإلسالـ‪ ،‬فمن ش يف كفرىم بػُيِّنحم لو األدلعة على كل فإف مل ي فرىم كفر‪.‬‬

‫ٕٔ‬
‫الثالــث‪ :‬أف ي ػػوف ت فػػريه زلػػتمالً للشػػبهة‪ ،‬كاحل ػػاـ احلػػاكمني بغػػري مػػا أنػػزؿ اهلل وحنػػوىم‪ ،‬فهػػمالء وإف كػػاف كفػػرىم‬
‫قطعيًّػػا عنػػد مػػن حقػػق ادلس ػ لة‪ ،‬فػػإ عف ورود الشػػبهة زلتمػػل فػػال ي عفػػر مػػن مل ي ِّفػػرىم‪ ،‬إالع إف أُقيمػػحم عليػػو احلجػػة‪،‬‬
‫وٌكشفحم عنو الشبهة وأزيلحم‪ ،‬وعرؼ أ عف ح م اهلل فيهم ىو ت فريىم‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬أف ي وف ت فريه مس لةً اجتهاديعةً فيها خالؼ بني ادلسلمني‪.‬‬

‫وقد ككر الشيخ زلمد بن عبد الوىاب يف ىذا الناقض ةالث صور‪:‬‬

‫الصورة األولى‪ :‬من مل ي فِّر ال فعار‪ ،‬وىو ما تقدعـ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫الصــورة الثانيــة‪ :‬مػػن ش ػ ع يف كفػػرىم‪ ،‬وىػػو عائػػد إىل مػػا تقػػدـ‪ ،‬مقيػػد بالض ػوابط نفسػػها‪ ،‬فػػإ عف مػػن مل ي ِّفػػر‬ ‫‪‬‬
‫افر ي فر لت ذيبو خا اهلل ورده لو‪ ،‬ومن ش يف كفر ال افر ي فر لش و يف خا اهلل وعدـ قبولو لو‪.‬‬ ‫ال َ‬
‫والصـورة الثالثــة‪ :‬مػن صػػحح مػذىبهم‪ ،‬وىػػذه الصػورة يف احلقيقػػة داخلػة يف النػػاقض الرابػع التػػا ذلػذا النػػاقض‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وإعإلا ككرىا اإلماـ ىنا دلشاهبتها ادلس لة ال باعتبارىا صورًة من صورىا‪ ،‬وسي يت احلديث عنها بإكف اهلل‪.‬‬

‫ٖٔ‬
‫الناقض الرابع‪” :‬من اعتقد أن غير هدي النبي صلى اهلل عليه‬
‫وسلم أكمل من هديه“‬

‫ىػػذا النػػاقض ىػػو رابػػع الن ػواقض الػػيت ككرىػػا الشػػيخ زلمػػد بػػن عبػػد الوىػػاب رضبػػو اهلل تعػػاىل‪ ،‬وىػػو نػػاقض اعتقػػادي‪،‬‬
‫دبعػػَّن أ عف ال فػػر فيػػو ي ػػوف باالعتقػػاد‪ ،‬وإف كػػاف ىػػذا االعتقػػاد قػػد يعػػرؼ بػػالقوؿ وبالفعػػل‪ ،‬إالع أ عف ادل ِّفػػر فيػػو ىػػو‬
‫االعتقاد ال فري‪.‬‬

‫وتتمػػة كػػالـ الشػػيخ يف ىػػذا النػػاقض‪” :‬أو ح ػػم غػػريه أحسػػن مػػن ح مػػو؛ كالػػذي يفضػػل ح ػػم الطواغيػػحم علػػى‬
‫ح مو صلى اهلل عليو وسلم“‪.‬‬

‫وال بػػد مػػن التنبػػو إىل مس ػ لة‪ :‬وى ػ أف ىػػدي النػػيب ادل ػراد ىػػو ىديػػو التش ػريع ‪ ،‬أمػػا مػػا كػػاف مػػن أمػػور الػػدنيا الػػيت ال‬
‫تشػريع فيهػػا‪ ،‬فقػػد ي ػػوف اذلػػدي الػػذي يفعلػػو النػػيب صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم مناسػػبًا لزمانػػو دوف األزمػػاف الػػيت بعػػده‪ ،‬أو‬
‫دل انو دوف األم نة ادل تلفة عنو‪.‬‬

‫(وَمػػا يػَْن ِطػ ُػق َعػ ِن‬


‫أمػػا ىػػدي النػػيب صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم الػػذي ىػػو مػػن وحػ اهلل عػػز وجػػل وشػػرعو كمػػا قػػاؿ تعػػاىل‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ػوحى)‪ ،‬فمػػن اعتقػػد أف غػػريه أكمػػل منػػو‪ ،‬فقػػد اعتقػػد أ عف غػػري شػػرع اهلل أكمػػل مػػن شػػرعو‪،‬‬ ‫ا ْذلػََػو ‪ ،‬إ ْف ُىػ َػو إعال َو ْحػ ٌ يػُ َ‬
‫وأف غري ح م اهلل أكمل من ح مو‪ ،‬وىذا الناقض يناقض شهادة اإلسالـ بشقيها‪ :‬التوحيد والرسالة‪.‬‬

‫ف ما التوحيد فألنعو طعن يف اهلل عز وجل ويف شرعو وكماؿ دينو‪ ،‬وىػذا طعػن يف الربوبيػة ألف التشػريع مػن خصػائب‬
‫الربوبيػػة‪ ،‬فه ػػو مػػن نسػػبة الػػنقب إىل اهلل يف شػػرعو‪ ،‬كمػػا لػػو نسػػب الػػنقب إىل اهلل عػػز وجػػل يف خلقػػو‪ ،‬أو نس ػػب‬
‫وجل يف قدرتو وحنو كل ‪.‬‬ ‫النقب إليو ععز ع‬

‫وأمػا الرسػػالة فألنػػو طعػػن يف رسػػالة النػػيب صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم وكماذلػػا وصػػحتها‪ ،‬فػػإ عف الػػذي يعتقػػد غػػري ىػػدي النػػيب‬
‫صلى اهلل عليػو وسػلم أكمػل مػن ىديػو‪ ،‬إ عمػا أف يعتقػد أنػو ىػدي مػن عنػد اهلل ول نعػو نػاقب‪ ،‬وإ عمػا أف يعتقػد أنػو مػن‬
‫عند غري اهلل‪ ،‬وعليػو فإمػا أف ت ػوف رسػالة النػيب صػلى اهلل عليػو وسػلم ناقصػة باعتبػار أ ػا جػاءت بػالنقب‪ ،‬وإمػا أف‬
‫ت وف باطلة باعتبار أ ا من عند غري اهلل‪.‬‬

‫َح َس ُن ِم َن اللع ِو ُح ْماً لَِق ْػوٍـ يُوقِنُػو َف)‬


‫(وَم ْن أ ْ‬
‫وكل ما تقدـ من ال فر األكا ادل رج من ادللة‪ ،‬وقد قاؿ اهلل عز وجل‪َ :‬‬
‫؟‪.‬‬
‫ٗٔ‬
‫وأمػػا مػػن اعتقػػد أف غػػري ىػػدي النػػيب صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم أكمػػل مػػن ىديػػو ول نعػػو عػػَّن بػػذل الرسػػاالت السػػابقة‪،‬‬
‫وجل إىل موسػى وعيسػى وغريمهػا مػن األنبيػاء أكمػل ولػو مػن بعػض الوجػوه شلػا أنػزؿ علػى‬ ‫فظ عن أ عف ما أوحى اهلل ع عز ع‬
‫صػدِّقاً لِ َمػا‬ ‫اب بِ ْ‬
‫ػاحلَ ِّق ُم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(وأَنْػَزلْنَا إلَْي َ الْ تَ َ‬ ‫يبني لو الدليل‪ ،‬من مثل قوؿ اهلل تعاىل‪َ :‬‬ ‫زلمد صلى اهلل عليو وسلم‪ ،‬فهذا ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ني ي َديِْو ِمن الْ ِتَ ِ‬
‫ػحم َعلَ ْػي ُ ْم ن ْع َم ِػيت َوَرا ُ‬
‫ػيحم‬ ‫حم لَ ُ ْػم ديػنَ ُ ْم َوأَْسبَ ْم ُ‬
‫اب َوُم َهْيمناً َعلَْيو)‪ ،‬وقوؿ اهلل تعاىل‪( :‬الْيَػ ْوَـ أَ ْك َم ْل ُ‬ ‫َ‬ ‫بػَ ْ َ َ‬
‫الـ ِديناً) وال ماؿ ما ال يقبل الزيادة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لَ ُ ُم ْاأل ْس َ‬

‫وخَر َج من ادللة‪ ،‬بت ذيبو خلا اهلل عز وجل وكػالـ نبيػو صػلى اهلل عليػو‬
‫ا َح لو َك َفَر َ‬
‫وو ِّ‬
‫فإف أصعر بعد أف عُِّرؼ الدليل ُ‬
‫وسلم‪.‬‬

‫وىذا الناقض يشمل من اعتقد أف غري ىػدي النػيب صػلى اهلل عليػو وسػلم أكمػل مػن ىديػو علػى جهػة العمػوـ‪ ،‬كمػا‬
‫حاؿ مػن األحػواؿ أكمػل مػن ىديػو‪ ،‬كمػن اعتقػد أف‬ ‫يشمل من اعتقد أف غري ىدي النيب يف مس ٍلة من ادلسائل أو ٍ‬
‫ىػدي الغػػرب ال ػافر يف مسػ ٍلة أكمػل شلػػا جػػاء بػو الرسػػوؿ صػلى اهلل عليػػو وسػػلم‪ ،‬أو اعتقػد أف مػػا ينتهػ إليػػو عقلػػو‬
‫وىواه يف أمر من األمور أكمل شلا اده يف ىدي النيب صلى اهلل عليو وسلم‪.‬‬

‫أيضا يف بقية ىػذا النػاقض‪ :‬أو حكـم غيـرأ أح ـن مـن حكمـه‪ ،‬فمػن اعتقػد أف رب ػيم ق ٍ‬
‫ػانوف مػن القػوانني‬ ‫ً‬ ‫وكذل‬
‫الواػػعية‪ ،‬أو ملػة مػػن ادللػػل ادلنسػػوخة أحسػػن مػػن رب ػػيم شػػرع اهلل وسػػنة نبيػػو صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم؛ فقػػد خػػرج مػػن‬
‫ادللة‪ ،‬ومن اعتقد أف ح م القانوف يف مس ٍلة من ادلسائل كمسائل احلدود والقطػع والػرجم وغريىػا أكمػل مػن ح ػم‬
‫اهلل ورسولو فقد كفر‪.‬‬

‫وتفضيل غري ح م اهلل على ح م اهلل ي وف على ةالث حاالت‪:‬‬

‫األولى‪ :‬أف يعتقد أف غري ح م اهلل أكمل من ح مو على العموـ‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫الثانية‪ :‬أف يعتقد أف غري ح م اهلل يف مس ٍلة ٍ‬
‫معينة أكمل من ح مو‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫الثالثــة‪ :‬أف يعتقػػد أف ح ػػم اهلل أكمػػل مػػن ح ػػم غػػريه يف كػػل مس ػ لة‪ ،‬ول ػػن لػػيس يف كػػل العصػػور‪ ،‬بػػل يف‬ ‫‪‬‬
‫بعض العصور ي وف ح م غري اهلل أكمل من ح مو سواء يف مس ٍلة معينة أو يف صبيع الشريعة‪.‬‬

‫وىذه احلاالت الثالث كلها من ال فر األكا ادل رج من ادللة الناقض لعر التوحيد‪ ،‬وإإلا ى ألػوا ٌف لل فػ ِر‪ ،‬وكلهػا‬
‫ترجػػع إىل نسػػبة الػػنقب يف شػػرع اهلل وح مػػو‪ :‬إمػػا الػػنقب يف بعػػض التش ػريعات‪ ،‬وإمػػا اهمػػود يف بعػػض األزمػػاف‪،‬‬
‫وعدـ ادلناسبة للعصر احلديث‪ ،‬وك ف اهلل جل وعال جهل العصر احلديث أو عزب عن علمو منو مثقػاؿ كرةٍ‪ ،‬تعػاىل‬
‫كبريا‪.‬‬
‫علوا ً‬
‫اهلل عما يقوؿ الظادلوف ًّ‬

‫٘ٔ‬
‫ومػػن ص ػػور تفضػػيل غػػري ح ػػم اهلل علػػى ح مػػو‪ :‬مػػا يعتقػػده بعػػض مػػن زاغ قلبػػو وعميػػحم بص ػريتو‪ ،‬أف تش ػريعات‬
‫القػػانوف الفرنسػ يف نظػػاـ العمػػل والع عمػاؿ احمل ػػوـ بػػو يف بػػالد احلػػرمني‪ ،‬أكمػػل مػػن شػػرع اهلل عػػز وجػػل‪ ،‬أل ػػا ربفػػظ‬
‫ػريا ًّ‬
‫وحقػا وكمػاالً وعػدالً‪ ،‬دلػا خػال منػو شػرع‬ ‫حقوؽ العامل‪ ،‬وربميو من ظلم أرباب العمل وحنو كلػ ‪ ،‬شلػا لػو كػاف خ ً‬
‫اهلل عز وجل‪ ،‬وإإلا ىو زبالة أف ار الصليبيني‪ ،‬فعجبًا دلن يقدمها على شرع اهلل العزيز احل يم!‬

‫وم ػػن ص ػػور تفض ػػيل غ ػػري ح ػػم اهلل عل ػػى ح م ػػو‪ ،‬م ػػن يعل ػػم أف ح ػػم اهلل يف احل ػػاـ ادلرت ػػدين وج ػػوب مناب ػػذهتم‬
‫بالسػػيف عنػػد القػػدرة‪ ،‬وقتػػاذلم ح ػ ي ػػوف الػػدين كلػػو هلل‪ ،‬ل يعتقػػد أ عف غػػري القتػػاؿ الػػذي ىػػو ح ػػم اهلل أنفػػع مػػن‬
‫القتاؿ‪ ،‬وأ عف القتاؿ فيو مفاسد أرجح من مصلحتو‪ ،‬مع علمو أ عف ح م اهلل ىو القتاؿ‪.‬‬

‫واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على نبينا زلمد وعلى آلو وصحبو أصبعني‪.‬‬

‫‪ٔٙ‬‬
‫الناقض الخامس‪ :‬من أبغض شيئًا مما جاء به الرسول صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‬

‫وىػػذا مػػن ن ػواقض اإلسػػالـ المػػع عليهػػا‪ ،‬ف ػػل مػػن أبغػػض الػػدين الػػذي بُعػػث بػػو زلمػػد صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم‪ ،‬أو‬
‫أبغض ح ًما من أح امو‪ ،‬أو شريعةً من شرائعو‪ ،‬فقد خرج من ادللة‪ ،‬وخلع ربقة اإلسالـ من عنقو‪.‬‬

‫وىػػذا النػػاقض كالػػذي قبلػػو يُنػػاقض شػػهادة أف ال إلػػو إال اهلل‪ ،‬كمػػا ينػػاقض شػػهادة أف زلمػ ًػدا رسػػوؿ اهلل‪ ،‬لتضػ ّػمنو‬
‫الطعن يف اهلل عز وجل وتشريعو‪ ،‬ويف النيب صلى اهلل عليو وسلم وكماؿ رسالتو وىديو وسنتو‪ ،‬أو يف أمانتو وتبليغو‪.‬‬

‫ين َك َفػ ُػروا فَػتَػ ْعسػاً َذلػُ ْػم‬ ‫ودليػػل كفػػر مػػن أبغػػض شػػيئا شلػػا جػػاء بػػو الرسػػوؿ صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم قولػػو عػػز وجػػل‪ :‬ع ِ‬
‫(والػػذ َ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫ط أ َْع َما َذلُ ْم)‪ ،‬فعلل الػتعس واػالؿ األعمػاؿ وإحباطهػا للػذين‬ ‫َا عل أ َْع َما َذلُ ْم ا َكل َ بَِنػ ُعه ْم َك ِرُىوا َما أَنْػَزَؿ اللعوُ فَ ْ‬
‫َحبَ َ‬ ‫َوأ َ‬
‫كفروا ب ع م كرىوا ما أنزؿ اهلل عز وجل‪.‬‬

‫وال دي ػػن أف اتمػػع بغػػض شػ ٍء مػػن ديػػن اهلل عػػز وجػػل مػػع زلبػػة اهلل‪ ،‬بػػل ادلػػممن بػػاهلل عػػز وجػػل حيبػػو وحيػػب أوامػػره‪،‬‬
‫وادلنػافق ال حيػػب اهلل وال حيػب أوامػػره‪ ،‬كمػػا أف ادلػممن إكا علػػم كمػػاؿ الػدين واشػػتمالو علػى ادلصػا العاجلػػة واآلجلػػة‬
‫يستحيل أف يبغض شيئًا منها‪ ،‬وكيف يبغض شيئًا يعلم أنّو ىو اخلري وادلصلحة لو يف عاجلو وآجلو؟‬

‫ومن األدلة على كفر من أبغػض شػيئًا شلػا جػاء بػو الرسػوؿ صػلى اهلل عليػو وسػلم قولػو تعػاىل‪( :‬فَػال َوَربػِّ َ ال يػُ ْمِمنُػو َف‬
‫حم َويُ َسلِّ ُموا تَ ْسلِيماً)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ح ع ُحي ِّ م َ ِ‬
‫يما َش َجَر بػَْيػنَػ ُه ْم لُع ال َِا ُدوا ِيف أَنْػ ُفس ِه ْم َحَرجاً شلعا قَ َ‬
‫ضْي َ‬ ‫وؾ ف َ‬ ‫َ َ ُ‬

‫فاشرتط لحمدياف ةالةة أشياء‪:‬‬

‫رب يم الرسوؿ صلى اهلل عليو وسلم يف النزاع‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫التسليم حل مو صلى اهلل عليو وسلم وعدـ منازعتو‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫عدـ وجود احلرج يف األنفس شلا يقض النيب صلى اهلل عليػو وسػلم‪ ،‬فمػن وجػد يف نفسػو أدٍ حػرٍج مػن احل ػم‬ ‫‪‬‬

‫الشرع فلػيس دبػمم ٍن حػ يػزوؿ احلػرج مػن نفسػو ويسػلم تس ً‬


‫ػليما كػامالً بقلبػو وجوارحػو‪ ،‬ف يػف دبػن زاد مػا يف‬
‫نفسو عن احلرج ووصل إىل البغض حل م اهلل والعياك باهلل؟!‬

‫‪ٔٚ‬‬
‫واػػب االنتبػػاه إىل مواػػع مػػن موااػػع الزلػػل يف ىػػذا البػػاب‪ ،‬وىػػو عػػدـ التفريػػق بػػني الػػبغض ادلقصػػود يف اآليػػة وىػػذه‬
‫النصػػوص‪ ،‬وىػػو أف يػػبغض كات ح ػػم اهلل عػػز وجػػل‪ ،‬وبػػني الػػبغض الطبع ػ للمشػػقة ادلصػػاحبة لػػبعض األح ػػاـ‪،‬‬
‫فرؽ بني من يبغض ح م القتاؿ يف سػبيل اهلل‪ ،‬ومػن ي ػره القتػاؿ مػن حيػث ىػو مشػقة علػى الػنفس وركػوب‬ ‫فهناؾ ٌ‬
‫ٍ‬
‫أىػو ٍاؿ عظيم ػة وسلػػاطرةٍ بػػالنفس‪ ،‬وقػػد وجػ ُ‬
‫ػدت مػػن يغلػػط فػػي لط بػػني ادل ػرأة الػػيت تػػبغض مشػػروعية تعػػدد الزوجػػات‪،‬‬
‫وت ره ىذا احل م الشرع ‪ ،‬وبني اليت تبغض أف يتزوج زوجها عليها امرأ ًة أُخػر شلػا ىػو مقتضػى الغػرية الفطريػة الػيت‬
‫عليهن‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مل زبل منها أمهات ادلممنني راواف اهلل‬

‫ػب َعلَػ ْػي ُ ُم الْ ِقتَػ ُ‬


‫ػاؿ َوُىػ َػو ُكػ ْػرهٌ لَ ُ ػ ْػم)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫ودليػػل ىػػذا التفريػػق الػػذي ككرنػػاه‪ ،‬أ عف اهلل ع ػعز وجػ عػل قػػاؿ يف كتابػػو العزيػػز‪ُ ( :‬كتػ َ‬
‫ػاحلَ ِّق َوإِ عف فَ ِريقػاً ِم َػن‬
‫َخَر َج َ َربُّ َ ِم ْن بػَْيتِ َ بِ ْ‬ ‫واخلطاب للمممنني ف ةبحم كره ادلممنني للقتاؿ‪ ،‬وقاؿ عز وجل‪َ ( :‬ك َما أ ْ‬
‫ت َوُىػ ْػم يػَْنظػُ ُػرو َف)‪ .‬فػ خا عػػنهم أ ع ػػم‬ ‫احلػ ِّػق بػعػ َػد مػػا تَػب ػ عػني َك َعإلػَػا يسػػاقُو َف إِ َىل الْمػػو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َْ‬ ‫َُ‬ ‫ني لَ َ ػػا ِرُىو َف ا ُاَادلُونَػ َ ِيف َْ َ ْ َ َ َ‬‫الْ ُمػ ْػممن َ‬
‫كػارىوف لل ػروج ُاػادلوف فيػو بعػد تبيّنػو وعلمهػم أنعػو احل ّػق‪ ،‬أي أنػو ح ػم اهلل سػبحانو‪ ،‬وشػبّو عػز وجػل حػاذلم دبػػن‬
‫يُساؽ إىل ادلوت وىو ينظر‪.‬‬

‫كرىػا لػنفس احل ػم ادلشػروع‪ ،‬وإعإلػا ىػو كػره لألمػور الشػاقة‬‫كفرا‪ ،‬ألنعو ليس ً‬ ‫ومل ي ن ال ره يف ىذه احلالة وىذه احلالة ً‬
‫علػػى الػػنفس الػػيت تضػ ّػمنها احل ػػم‪ ،‬ومػػن ادلعلػػوـ أ عف األح ػػاـ الشػػرعية تتضػ ّػمن أمػ ً‬
‫ػورا م روىػةً للػػنفس ول ػ عن عاقبتهػػا‬
‫كافرا‪.‬‬
‫روىا للنفس ل مل ينقلب كرىو لو زلبةً ي وف ً‬ ‫أمرا م ً‬ ‫اخلري كلو‪ ،‬فال يُقاؿ إ عف من علم حب م شرع يتضمن ً‬
‫بل كل من كره مشقة نفسػو الػيت يف احل ػم وسػلم مػع كلػ هلل عػز وجػل‪ ،‬وصػا علػى مػا ي ػره ألمػر اهلل عػز وجػل‪،‬‬
‫فهو مممن من الصاحلني ادلطيعني هلل‪.‬‬

‫وم ػػن ت ػػرؾ احل ػػم ال ػػذي يتض ػ ّػمن م ػػا ت رى ػػو نفس ػو‪ ،‬أل عف نفس ػػو ت ػػره ادلش ػ ّقة ادلص ػػاحبة ل ػػو‪ ،‬أو التن ػػازؿ ع ػػن ىواى ػػا‬
‫ادلعػػارض لػػو‪ ،‬دوف أف يػػبغض ح ػػم اهلل عػػز وجػػل‪ ،‬فلػػم يػػبغض مشػػروعية اههػػاد‪ ،‬ومل ي ػػره أمػػر اهلل بػػو‪ ،‬وإعإلػػا أبغػػض‬
‫ػاص هلل عػز وجػل بفعلػو‪ ،‬فاس ٌػق برتكػو اههػاد‪ ،‬ول نػو مسػلم مػن ادلسػلمني ال خيػرج‬ ‫القتاؿ دلا فيو من ادلشقة‪ ،‬فهػذا ع ٍ‬
‫من ادللة‪.‬‬

‫واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على نبينا زلمد وعلى آلو وصحبو أصبعني‪.‬‬

‫‪ٔٛ‬‬
‫الناقض ال ادس‪ :‬االستهزاء بالدين‬

‫احلمػػد هلل رب العػػادلني‪ ،‬والصػػالة والسػػالـ علػػى إمػػاـ ادلرسػػلني‪ ،‬وعلػػى آلػػو وصػػحبو والتػػابعني ذلػػم بإحسػػاف إىل يػػوـ‬
‫الدين‪ ،‬أ عما بعد‪:‬‬

‫فقد ككػر اهلل عػز وجػل مػن صػفة ال عفػار اسػتهزاءىم بػدين اهلل عػز وجػل ورسػلو وآياتػو‪ ،‬وح ػى عػنهم كلػ يف غػري‬
‫ِ عِ‬ ‫ِِ‬ ‫(وَم ػػا نػُْرِس ػػل الْ ُم ْر َس ػػلِ َ ِع‬
‫ين َك َف ػ ُػروا‬
‫ين َوُاَػػاد ُؿ ال ػػذ َ‬ ‫ين َوُمْن ػػذر َ‬ ‫ني إال ُمبَ ِّش ػ ِر َ‬ ‫ُ‬ ‫مواػػع م ػػن كتاب ػػو‪ ،‬فح ػػى اس ػػتهزاءىم ب يات ػػو‪َ :‬‬
‫ػاؾ أَةِػي ٍم ا يسػػمع آي ِ‬
‫ػات اللعػ ِػو تػُْتػلَػػى‬ ‫احلػ عق و عازبَػ ُذوا آيػ ِػايت ومػا أُنْػ ِػذروا ىػػزواً)‪ ،‬وقػاؿ‪( :‬ويػػل لِ ُ ِّػل أَفعػ ٍ‬ ‫اط ِػل لِي ْد ِح ِ ِ‬ ‫بِالْب ِ‬
‫ََُْ َ‬ ‫َْ ٌ‬ ‫َ ََ ُ ُ ُ‬ ‫ضػوا بػو َْ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫اب أَلِػػي ٍم ا َوإِكَا َعلِػ َػم ِمػ ْػن آيَاتِنَػػا َش ػْيئاً عازبَػ َذ َىا ُىػ ُػزواً أُولَئِ ػ َ َذلػُ ْػم‬ ‫ِ ِ‬
‫صػ ُّػر مسػػتَ ِْااً َك ػ َ ْف َمل يسػػم ْعها فَػب ِّشػػره بِع ػ َذ ٍ‬
‫ْ َ ْ َ َ َ ُْ َ‬ ‫َعلَْيػػو لُع يُ ُ ْ‬
‫ين َك َفػ ُػروا إِ ْف يػَتع ِ ػ ُذونَ َ إِعال ُىػ ُػزواً أ ََىػ َذا‬ ‫عػ َذاب م ِهػػني)‪ ،‬وككػػر اسػػتهزاءىم بنبيػػو صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم‪( :‬وإِكَا ر َ ع ِ‬
‫آؾ الػػذ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ٌ ُ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عِ‬
‫ػث اللعػػوُ َر ُسػػوالً)‪ ،‬وبػ ّػني أ عف اسػػتهزاء‬ ‫(وإِكَا َرأ َْو َؾ إِ ْف يػَتع ِ ػ ُذونَ َ إِعال ُىػ ُػزواً أ ََى ػ َذا العػػذي بػَ َعػ َ‬
‫الػػذي يَػ ْذ ُك ُر آذلػَػتَ ُ ْم)‪ ،‬وقػػاؿ‪َ :‬‬
‫ئ بُِر ُس ٍػل ِم ْػن قَػْبلِػ َ فَ َح َ‬
‫ػاؽ‬ ‫اسػتُػ ْه ِز َ‬ ‫ال فعار كاف جبميع الرسل وليس دبحمد صلى اهلل عليو وسلم وحده فقػاؿ‪ِ :‬‬
‫(ولََقػد ْ‬ ‫َ‬
‫ػني ا َوَمػا يػَ ْتِي ِه ْم ِم ْػن نَِػيب إِعال َكػانُوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ عِ‬
‫(وَك ْم أ َْر َس ْلنَا م ْن نَِػيب ِيف ْاألَعول َ‬ ‫ِ‬
‫ين َس ُروا مْنػ ُه ْم َما َكانُوا بو يَ ْستَػ ْهزئُو َف)‪ ،‬وقاؿ‪َ :‬‬ ‫بالذ َ‬
‫وؿ إِعال َكانُوا بِِو يَ ْستَػ ْه ِزئُو َف)‪.‬‬ ‫ني ا وما ي ْتِي ِهم ِمن رس ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫(ولََق ْد أ َْر َس ْلنَا م ْن قَػْبل َ ِيف شيَ ِع ْاألَعول َ َ َ َ ْ ْ َ ُ‬ ‫بو يَ ْستَػ ْه ِزئُو َف)‪ ،‬وقاؿ‪َ :‬‬

‫واآليػػات والنصػػوص يف كلػ أكثػػر مػػن أف ربصػػر‪ ،‬فػػإ عف االسػػتهزاء كفػٌػر مغلّػ ٌ‬
‫ظ وقػػع فيػػو أكثػػر األ عولػػني‪ ،‬ف ػػاف كفػػرىم‬
‫بالرد والت ذيب‪ ،‬أو باإلباء واالست بار واالمتناع‪ ،‬وأاػافوا إليػو االسػتهزاء بالرسػل والرسػاالت‪ ،‬وككػر اهلل كلػ عػن‬
‫صبيع األمم ال افرة‪.‬‬

‫وع ػ عد اإلمػػاـ زلمػػد بػػن عبػػد الوىػػاب رضبػػو اهلل تعػػاىل ىػػذا النػػاقض سػػادس الن ػواقض الػػيت صبعه ػػا يف رسػػالة ن ػواقض‬
‫اإلسالـ‪ ،‬وىو من أعظم النواقض وأغلظها وأكثرىا زلا عدةً هلل ورسولو‪.‬‬

‫وىػػذه الصػػفة مػػن صػػفات ال عفػػار (االسػػتهزاء) ىػ أكثػػر مػػا يرتػ ُّػد بػػو ادلرتػػدُّوف مػػن ادلنتسػػبني إىل اإلسػػالـ يف القػػدم‬
‫واحلديث‪ ،‬وقػد حفػظ الػرواة قصػة مػن قصػب االسػتهزاء وقعػحم زمػن النػيب صػلى اهلل عليػو وسػلم‪ ،‬فػ خرج ابػن جريػر‬
‫ػناد جيػ ٍػد عػػن عبػػد اهلل بػػن عمػػر را ػ اهلل عنػػو‪ :‬قػػاؿ رجػػل يف غػػزوة تبػػوؾ يف رللػػس‪ :‬مػػا رأينػػا مثػػل ّقرائنػػا‬
‫وغػػريه بإسػ ٍ‬
‫ىمالء أرغب بطونػا وال أكػذب ألسػنة وال أجػد عنػد اللقػاء فقػاؿ رجػل يف اللػس‪ :‬كػذبحم ول نػ منػافق‪ ،‬ألخػا ّف‬
‫ػيب صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم ونػػزؿ القػػرآف‪ ،‬قػػاؿ عبػػد اهلل بػػن عمػػر‪ :‬ف نػػا‬
‫رسػػوؿ اهلل صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم؛ فبلػ كلػ النػ ّ‬
‫رأيتػػو متعلقػػا حبقػػب ناقػػة رسػػوؿ اهلل صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم تن بػػو احلجػػارة وىػػو يقػػوؿ‪ :‬يػػا رسػػوؿ اهلل إإلػػا كنػػا ػػوض‬

‫‪ٜٔ‬‬
‫ونلعػػب‪ ،‬ورسػػوؿ اهلل صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم يقػػوؿ‪( :‬أَبِاللعػ ِػو َوآيَاتػِ ِػو َوَر ُسػولِِو ُكْنػػتُ ْم تَ ْسػتَػ ْه ِزئُو َف ال تَػ ْعتَػ ِػذ ُروا قَػ ْد َك َفػ ْػرُْ بػَ ْعػ َػد‬
‫إِديَانِ ُ ْم)‪.‬‬

‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اس ػتَػ ْه ِزئُوا إِ عف اللعػػوَ‬
‫ػورةٌ تػُنَبِّػئُػ ُه ْم دبػَػا ِيف قُػلُػػوهب ْم قُػ ِػل ْ‬ ‫ِ‬
‫(حي ػ َذ ُر الْ ُمنَػػاف ُقو َف أَ ْف تػُنَ ػعزَؿ َعلَػ ْػيه ْم ُسػ َ‬
‫ونزلػػحم يف كل ػ ىػػذه اآليػػات‪َْ :‬‬
‫ػب قُػ ْػل أَبِاللعػ ِػو َوآيَاتػِ ِػو َوَر ُس ػولِِو ُكْنػػتُ ْم تَ ْس ػتَػ ْه ِزئُو َف ا ال‬ ‫ِ‬
‫ِج َمػػا َْرب ػ َذ ُرو َف ا َولَػػئ ْن َس ػ َلْتَػ ُه ْم لَيَػ ُق ػولُ عن إِعإلػَػا ُكنعػػا َ ُػ ُ‬
‫ػوض َونػَْل َعػ ُ‬ ‫ُسلْ ػر ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني)‪.‬‬‫ب طَائ َفةَ بَِنػ ُعه ْم َكانُوا ُْرل ِرم َ‬ ‫ف َع ْن طَائ َفة مْن ُ ْم نػُ َع ِّذ ْ‬ ‫تَػ ْعتَذ ُروا قَ ْد َك َف ْرُْ بػَ ْع َد إِديَان ُ ْم إِ ْف نػَ ْع ُ‬

‫وقد كاف أولئ النفر من ادلنافقني مممنني قبل كل ‪ ،‬كما قاؿ اهلل عز وجل‪ :‬قد كفػر بعػد إديػان م‪ ،‬وكػانوا مػممنني‬
‫اعيف ضبلهم على االستهزاء‪.‬‬‫ٌ‬ ‫وبني شيخ اإلسالـ ابن تيمية‪ ،‬ول ن كاف ذلم إديا ٌف‬
‫وظاىرا كما قعرر ّ‬
‫ً‬ ‫باطنًا‬

‫ويف القص ػػة أ عف مرت ػػب ال ف ػػر ال يش ػػرتط ل ف ػػره أف يعل ػػم أ عف فعل ػػو كف ػػر‪ ،‬وإعإل ػػا يش ػػرتط أف يعل ػػم ب ػػالتحرم‪ ،‬فه ػػمالء‬
‫ػب مػن صبلػة الػذنوب ال خيػرج مػن اإلديػاف‪ ،‬ومل يقبػل اهلل عػز وجػل‬ ‫ادلستهزئوف مل يعلموا أ عف ىذا كفر‪ ،‬بل ظنُّوا أنعو كن ٌ‬
‫منهم كل العذر‪.‬‬

‫وفيهػػا أف ادلشػػارؾ يف ال فػػر والرااػ بػػو والػػالس قائلػػو علػػى وجػػو يتضػ ّػمن اإلقػرار‪ ،‬كلهػػم ك عفػػار‪ ،‬فقػػد ح ػػم اهلل يف‬
‫اآليػػة ب فػػر أولئ ػ النفػػر اهلػػوس صبػػيعِهم ومل يسػػتثن مػػنهم أحػ ًػدا‪ ،‬مػػع أف ادلػػت لم أحػػدىم والبقيػػة يسػػتمعوف‪ ،‬وأمػػا‬
‫الطائفة اليت يعفو اهلل عنها‪ ،‬فقيل ىػو رجػل أن ػر علػيهم بعػض حػديثهم‪ ،‬وقيػل بػل ادلػراد طائفػة مػنهم تتػوب ويعفػو‬
‫اهلل عنها‪ ،‬وطائفة تبقى على كفرىا وتُنافق فه اليت تُع عذب‪.‬‬

‫وفيها أف من ارت ب ال فر حبط عملو وخرج من ادللة ولو كاف رجالً صاحلًا‪ ،‬ولو كاف لو مػن األعمػاؿ العظيمػة مػا‬
‫لػػيس آلحػػاد ادلسػػلمني‪ ،‬فهػػمالء ككػػرىم اهلل عػػز وجػػل باإلديػػاف‪ ،‬وقػػد خرج ػوا يف غػػزوة العسػػرة الػػيت كانػػحم مػػن أعظػػم‬
‫امتحػػاف اهلل عػػز وجػػل لعبػػاده‪ ،‬وقعػػد عنهػػا ادلنػػافقوف والثالةػػة ادل لعفػػوف‪ ،‬وزعكػػى اهلل عػعز وجػ عػل أىػػل تلػ الغػػزوة‪( :‬لََقػ ْد‬
‫اع ِة الْعُ ْسَرةِ) واههاد أعظم األعماؿ‪ ،‬فقػد قػاؿ اهلل عػز‬ ‫اج ِرين و ْاألَنْ ِ ع ِ‬ ‫ِ‬
‫ين اتػعبَػعُوهُ ِيف َس َ‬ ‫صار الذ َ‬ ‫عيب َوالْ ُم َه َ َ َ‬ ‫اب اللعوُ َعلَى النِ ِّ‬‫تَ َ‬
‫اىػ َد ِيف َسػبِ ِيل اللع ِػو ال يَ ْسػتَػ ُوو َف‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫اج َو ِع َم َارةَ الْ َم ْس ِج ِد ْ‬ ‫َج َع ْلتُ ْم ِس َقايَةَ ْ‬
‫احلََرِاـ َك َم ْن َآم َن بِاللعو َوالْيَػ ْوـ ْاآلخ ِر َو َج َ‬ ‫احلَ ِّ‬ ‫وجل‪( :‬أ َ‬
‫ِعْن َد اللع ِو) فإكا مل ي ن إديا م قبل ارتدادىم‪ ،‬وجهادىم يف غزوة العسرة مانعني ذلم من ال فػر‪ ،‬ف يػف دبػن لػيس لػو‬
‫إالع سػقاية احلػػاج وعمػػارة ادلسػػجد احلػراـ‪ ،‬ولػػيس يفعػػل كلػ مػن مالػػو وال بيػػده‪ ،‬ويتبعػػو ألػواف ادلػ ِّػن واألك ؟ عػػن غػػري‬
‫إخالص دفع إليو‪ ،‬بل ىو البطر ورئاء الناس والصد عن سبيل اهلل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫إسالـ سبق كل ‪ ،‬وال‬ ‫ٍ‬

‫ف صحاب األعماؿ العظيمة‪ ،‬من العلماء والاىدين والدعاة وادلنفقني ال ي منوف ال فػر وال يعصػمهم مػا قػ ّدموه مػن‬
‫ٍ ُ‬
‫منثورا‪.‬‬
‫ً ً‬ ‫ىباء‬ ‫اهلل‬ ‫اعلو‬ ‫بل‬ ‫‪،‬‬ ‫كفري‬ ‫أعماؿ عظيمة إكا خرجوا من ادللة بقوؿ أو ٍ‬
‫عمل أو اعتقاد‬
‫ٕٓ‬
‫ين َآمنُػوا ال تَػتع ِ ػ ُذوا‬ ‫عِ‬ ‫ع‬
‫وأدلػػة كفػػر ادلسػػتهزئني كثػػريةٌ يف ال تػػاب والسػػنة منهػػا مػػا تقػدعـ‪ ،‬ومنهػػا قولػػو تعػػاىل‪( :‬يػَػا أَيػُّ َهػػا الػػذ َ‬
‫ني ا َوإِ َكا‬ ‫ِِ‬ ‫الع ِذين عازب ُذوا ِدين ُ م ىزواً ولَعِباً ِمن الع ِذين أُوتوا الْ ِتاب ِمن قَػبلِ ُ م والْ ُ ف ِ‬
‫عار أ َْوليَاءَ َواتػع ُقوا اللعوَ إِ ْف ُكْنػتُ ْم ُم ْػممن َ‬ ‫َ َ ُ َ َ ْ ْ َْ َ‬ ‫َ ْ ُُ َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫نَاديػتم إِ َىل ال ع ِ‬
‫َخ َسػ ِر َ‬
‫ين‬ ‫وىا ُى ُزواً َولَعبػاً َكلػ َ بِػ َنػ ُعه ْم قَػ ْػوٌـ ال يػَ ْعقلُػو َف)‪ ،‬وقولػو عػز وجػل‪( :‬قُ ْػل َى ْػل نػُنَبِّػئُ ُ ْم بِ ْاأل ْ‬ ‫صالة عازبَ ُذ َ‬ ‫َ ُْ ْ‬
‫احليػاةِ ال ُّػدنْػيا وىػم َحيسػبو َف أَنػعهػم ُحي ِسػنُو َف صػْنعاً ا أُولَئِػ الع ِػذين َك َفػروا بِ ي ِ‬
‫ػات َرِّهبِ ْػم‬ ‫عِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َُ ْ ْ َُ ُ ْ ْ‬ ‫ا عل َس ْػعيُػ ُه ْم ِيف ََْ‬‫ين َ‬ ‫أ َْع َماالً ا الذ َ‬
‫عم ِدبَا َك َف ُروا َو عازبَػ ُذوا آيَ ِػايت َوُر ُسػلِ ُى ُػزواً)‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫يم َذلُ ْم يػَ ْوَـ الْقيَ َامة َوْزناً ا َكل َ َجَز ُاؤُى ْم َج َهن ُ‬ ‫َول َقائو فَ َحبِطَ ْ‬
‫حم أ َْع َما ُذلُ ْم فَال نُق ُ‬
‫ني) إىل قولػو‪َ ( :‬كلِ ُ ْػم‬ ‫ِ‬
‫ين َك َف ُػروا أَفَػلَ ْػم تَ ُ ْػن آيَ ِػايت تػُْتػلَػى َعلَ ْػي ُ ْم فَ ْ‬
‫اسػتَ ْ بَػ ْرُْ َوُكْنػتُ ْم قَػ ْومػاً ُْرلػ ِرم َ‬
‫عِ‬
‫(وأَعمػا الػذ َ‬
‫وقاؿ عز وجػل‪َ :‬‬
‫الدنْػيَا فَالْيَػ ْوَـ ال ُخيَْر ُجو َف ِمْنػ َها َوال ُى ْم يُ ْستَػ ْعتَبُو َف)‪.‬‬ ‫ات اللع ِو ُى ُزواً َو َغعرتْ ُ ُم ْ‬
‫احلَيَاةُ ُّ‬ ‫بَِنع ُ م عازب ْذ ُ آي ِ‬
‫ُ َ ْ َ‬

‫كفر يف الظاىر والباطن‪ُ ،‬حي م فيو ب فر من قالو دوف اسػتتابة‪ ،‬وي ػوف بلحػن‬ ‫واالستهزاء ي وف صرحيًا مبيّػنًا‪ ،‬وىذا ٌ‬
‫ػاىرا بػػل يُسػػتحلف علػػى قصػػده إف ُرفػػع إىل‬
‫القػػوؿ الػػذي حيتمػػل أكثػػر مػػن معػ ًػَّن‪ ،‬في فػػر صػػاحبو باطنًػػا وال ي فػػر ظػ ً‬
‫قػػا ٍ‬
‫ض حي ػػم بالشػػرع‪ ،‬ومعػػَّن كفػػره باطنًػػا أنػعػا حن ػػم بإسػػالمو دلػػا ظهػػر لنػػا‪ ،‬وإف كػػاف قصػػد االسػػتهزاء فهػػو كػ ٌ‬
‫ػافر يف‬
‫حقيقتو‪.‬‬

‫وحلن القوؿ قد ي وف ب الـ حيتمػل االسػتهزاء وغػري االسػتهزاء‪ ،‬أو ب ػالـ وااػح يف االسػتهزاء ول نػو ال يواػح مػا‬
‫اسػػتهزأ بػػو‪ ،‬فيحتمػػل االسػػتهزاء بػػاهلل ورس ػولو وآيات ػو وحيتمػػل االسػػتهزاء بغػػري كل ػ ‪ ،‬أو ب ػػالـ وااػػح يف االسػػتهزاء‬
‫بشػ ب ول ػػن حيتمػػل االسػػتهزاء بش صػػو واالسػػتهزاء بالػػدين‪ ،‬وأكثػػر اسػػتهزاء ادلنػػافقني زمػػن النػػيب صػػلى اهلل عليػػو‬
‫وسػػلم كػػاف مػػن حلػػن القػػوؿ وكػػاف النػػيب صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم يعػػرفهم بػػو ول ػػن احلػػدود واألح ػػاـ ال تنػعزؿ إالع علػى‬
‫اى ْم‬ ‫ِِ‬
‫ػيم ُ‬
‫(ولَػ ْػو نَ َش ػػاءُ َأل ََريْػنَػػا َك ُه ْم فَػلَ َع ػ َػرفْػتَػ ُه ْم بس ػ َ‬
‫األم ػػور البيّن ػػة ال ػػيت ُحي ػػيط هب ػػا الش ػػهود وتثب ػػحم يف الواق ػػع‪ ،‬ق ػػاؿ تع ػػاىل‪َ :‬‬
‫عه ْم ِيف َحلْ ِن الْ َق ْوِؿ)‪.‬‬
‫َولَتَػ ْع ِرفَػنػ ُ‬

‫ومػػن اخلط ػ يف احل ػػم علػػى ادلسػػتهزئني أف ُحي ػػم ب ف ػ ِر ادلسػػتهزئ ب ىػػل الػػدين ورجالػػو مػػن علم ػاء أو رلاىػػدين أو‬
‫متصدِّقني دوف التفريق بني أمرين‪:‬‬

‫األول‪ :‬االسػػتهزاء بالػػدين‪ ،‬أو برجػ ٍػل مػػن أىػػل الػػدين ألجػػل الػػدين‪ ،‬كمػػن يسػػتهزئ بالعلمػػاء أل ع ػػم علمػػاءُ الشػريعة‪،‬‬
‫َّ‬
‫ومن يسػتهزئ بػذات العلػم الشػرع الػذي حيملػو العلمػاء‪ ،‬أو مػن يسػتهزئ بالاىػدين أل ع ػم رلاىػدوف‪ ،‬أو يسػتهزئ‬
‫بػػذات اههػػاد يف سػػبيل اهلل‪ ،‬أو مػػن يسػػتهزئ بعمػػوـ علمػػاء اإلسػػالـ دوف اسػػتثناء‪ ،‬أو بعمػػوـ الاىػػدين وجبهػػات‬
‫يتعني فيو أف ادلستهزأَ بو ىو الدين‪.‬‬ ‫اههاد دوف استثناء‪ ،‬شلا ّ‬
‫ُ‬
‫والثــاني‪ :‬االسػػتهزاء برجػ ٍػل مػػن أىػػل الػػدين مػػن جهػ ٍػة غػػري دينػػو‪ ،‬كمػػن اسػػتهزأ بعػػا ٍمل أو رلاىػ ٍػد يف أمػ ٍر مػػن صػورتو أو‬
‫كالمو أو حنو كل من العادات اليت ليسحم من الدين‪ ،‬أو استهزأ بعا ٍمل ير أنعو ليس عادلا يف احلقيقػة‪ ،‬أو أنعػو عػامل‬
‫ً‬

‫ٕٔ‬
‫ٍ‬
‫دبجاىد يف احلقيقػة‪ ،‬أو أ عف جهػاده باط ٌػل‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫دبجاىد ير أنعو ليس‬ ‫ٍ‬
‫سوء من الذين ح عذر اهلل منهم يف كتابو‪ ،‬أو استهزأ‬
‫فهذا وإف كاف يقع يف ٍإل عظيم يف بعض الصور إالع أنعو ال ي فر ح ي وف استهزاؤه ر ً‬
‫اجعا إىل الدين‪.‬‬

‫ومػػن أمثلػػة كلػ ‪ :‬مػػن اسػػتهزأ بػػاللحى ومساىػػا م ػػانس‪ ،‬فهػػو كػػافر دوف توقػػف‪ ،‬أمػػا مػػن اسػػتهزأ بلحيػ ِػة رجػ ٍػل معػ ّػني‪،‬‬
‫صػة ال بعمػوـ اللحػى أو بػاحل م الشػرع يف إعفػاء اللحيػة‪ ،‬فهػذا ال ي فػر وإف كػاف‬
‫وكاف استهزاؤه بصػورة حليتػو خا ع‬
‫قد يفسق أو ي ل حبسب حالو‪.‬‬

‫فػػال اػػوز التسػػرع بػػالت فري لػ ّػرد مسػػاع االسػػتهزاء دوف االستفصػػاؿ والنظػػر يف ىػػذا االسػػتهزاء إىل أي ش ػ ء يعػػود؟‬
‫وب ي أي ش ٍء عُلِّق؟ واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على نبينا زلمد وعلى آلو وصحبو أصبعني‪.‬‬

‫ٕٕ‬
‫الناقض ال ابع‪ :‬ال حر‬

‫احلمد هلل رب العادلني‪ ،‬والصالة والسالـ على أشرؼ ادلرسلني نبينا زلمد وعلى آلو وصحابتو أصبعني‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ني َك َفػ ُػروا‬ ‫(واتػعبَػعُػوا َمػػا تَػْتػلُػوا ال عشػػيَاط ُ‬
‫ني َعلَػػى ُم ْلػ ُسػلَْي َما َف َوَمػػا َك َفػ َػر ُسػلَْي َما ُف َولَ ػ عن ال عشػيَاط َ‬ ‫فقػػد قػػاؿ اهلل عػػز وجػػل‪َ :‬‬
‫َح ٍد َح ع يػَ ُقوال إِعإلَػا َْحن ُػن فِْتػنَػةٌ‬ ‫ِِ‬
‫وت َوَما يػُ َعلِّ َماف م ْن أ َ‬ ‫ني بِبَابِ َل َى ُار َ‬
‫وت َوَم ُار َ‬ ‫الس ْحر وَما أُنْ ِزَؿ َعلَى الْملَ َ ْ ِ‬
‫َ‬ ‫عاس ِّ َ َ‬ ‫ِّ‬
‫يػُ َعل ُمو َف الن َ‬
‫فَال تَ ْ ُف ْر) واآلية ظاىرة يف ت فري الساحر للفاء الدالة على التعقيب‪ ،‬فقوذلم‪ :‬فال ت فر يعين فػال تػتعلم فت فػر‪ ،‬أو‬
‫فال تعمل بالسحر فت فر‪.‬‬

‫وقػػد ككػػر الشػػيخ زلمػػد بػػن عبػػد الوىػػاب يف رسػػالة النػواقض ىػػذا النػػاقض سػػابع النػواقض الػػيت زبػػرج العبػػد مػػن ادللػػة‪،‬‬
‫واستدؿ عليو هبذه اآلية‪.‬‬

‫كافرا على اإلطالؽ أـ ح ع ي وف يف سحره مػا خيرجػو‬


‫وقد وقع اختالؼ بني أىل العلم يف كفر الساحر ىل ي وف ً‬
‫من ادللة من استغاةة بالشياطني ودعاء ذلا ولل واكب وحنو كل ؟‬

‫ف ػػذىب اهم ػػاىري إىل كف ػػر الس ػػاحر مطل ًق ػػا أخ ػ ًذا بظ ػػاىر اآلي ػػة‪ ،‬وكى ػػب الش ػػافع إىل التفص ػػيل ادل ػػذكور‪ ،‬ورأ أف‬
‫حاؿ‪ ،‬بل يستفصل ويُس ؿ عن سحره فإف كاف فيو كفر ح م ب فره وإال فال‪.‬‬ ‫الساحر ال ي فر ب ل ٍ‬

‫واألرجح واهلل أعلم أف يُقاؿ‪:‬‬

‫إف للسحر حقيقة شرعية‪ ،‬وحقيقة لغوية‪ ،‬فاحلقيقة اللغوية كما قاؿ أىل العلػم شػاملة ل ػل مػا خفػ ولطُػف سػببو‪،‬‬
‫فتشمل سػحر البيػاف‪ ،‬وتشػمل أنػواع احليػل واخلػدع الػيت تػ يت بػ مور مسػتغر ٍبة عنػد مػن مل يعرفهػا علػى التفصػيل‪ ،‬وإف‬
‫كانػػحم راجع ػةً إىل الطبيعػػة وخصائصػػها وتفػػاعالت ادل ػواد ال يميائيػػة أو اخل ػواص الفيزيائيػػة لألشػػياء‪ ،‬وىػػذا كلػػو مػػن‬
‫ادلباح ما مل يُستعمل يف زلرـ وتشمل السحر ادلعروؼ وغريه‪.‬‬

‫وأمػػا احلقيقػػة الشػػرعية فإ ع ػػا سلتصػػة بالسػػحر الػػذي ككػػره اهلل يف اآليػػة ادل ػ خوك عػػن الشػػياطني وىػػو سػػحر قػػائم علػػى‬
‫الشػػرؾ معتم ػ ٌد عليػػو‪ ،‬ال يػػتم إال باالسػػتغاةة بػػاهن والشػػياطني‪ ،‬واالسػػتهزاء بالػػدين وسػػب رب العػػادلني‪ ،‬وىػػذا أمػػر‬
‫كادلسلعم عند العارفني بو‪.‬‬

‫ٖٕ‬
‫ػحرا باحلقيقػػة الشػػرعية مػػن سػػحر السػػحرة الػػذي يُعػػرؼ ب ماراتػػو مػػن الطالسػػم ادلعهػػودة عػػن السػػحرة‪،‬‬
‫فمػػا كػػاف سػ ً‬
‫والعقد اليت يُنفث فيها‪ ،‬واآلةار اليت يُعرؼ أ ا ت وف عن ىذا السحر كالتفريق بني ادلرء وزوجو وىػو الصػرؼ‪ ،‬وكػذا‬
‫أسباب ظاىرٍة‪ ،‬ويثبحم كونو ناذبًا عن سحر كل الساحر‪ ،‬وحنو ىػذه األمػارات‪ ،‬فهػ ظػاىرة‬ ‫ٍ‬ ‫العطف شلا ي وف بال‬
‫يثبحم هبا السحر كما تثبحم األح اـ بالبينات ادلعروفة‪ ،‬ما كاف من ىذا الباب فهو كفر سلرج من ادللة‪.‬‬

‫وأمػػا مػػا نُظػػر فيػػو ُفوجػػد أنػعػو راجػػع إىل أمػػور مػػن السػػنن ال ونيػػة واخلصػػائب الطبيعيػػة الػػيت يعرفهػػا أىػػل كػػل شػ ف يف‬
‫سحرا لبعد أكىاف كثري من النػاس عػن إدراؾ كنههػا‪ ،‬وكػبعض احليػل ادلعروفػة‬ ‫ش م‪ ،‬كادل رتعات احلديثة اليت ظُنعحم ً‬
‫ػاح لػيس فيػو إال اسػتعماؿ مػا خلػق‬ ‫ةريا خارقًػا للعػادة يف وىػم مػن اهلهػا وحنػو كلػ ‪ ،‬فهػذا مب ٌ‬ ‫من خلط مواد تمةر ت ً‬
‫اهلل على وجو ال زلذور فيو ما مل يُتو عسل هبا إىل زلعرـ‪.‬‬

‫وهبذا القوؿ اتمع قوؿ الشافع مع قوؿ اهمهور‪ ،‬فالشافع عمم اسم السحر واشػرتط ةبػوت فعػل الشػرؾ يف كػل‬
‫و ٍ‬
‫اقعة من السحر حني رأ أف السحر ي وف بشرؾ وبػدوف شػرؾ‪ ،‬فػرأ أف ال ُحي ػم ب فػر السػاحر حػ يثبػحم أف‬
‫سحره من النوع الذي فيو الشرؾ‪.‬‬

‫كما أ عف اهمهور حني أطلقوا كفر الساحر مل يريدوا األنواع اليت ترجع إىل طبائع ادلواد‪ ،‬وال يمياء الصػحيحة‪ ،‬وحنػو‬
‫كل من األمور اليت ال دييزىا إال خفاء أسباهبا عن كثري من الناس‪.‬‬

‫وحنن نقوؿ‪ :‬إ عف الساحر ُحي م بسػحره دبجػرد ةبػوت السػحر عنػو‪ ،‬ونريػد بالسػحر معنػاه الشػرع ع الػذي ال ي ػوف إالع‬
‫ِ‬
‫بالشرؾ‪ ،‬فما علق الشافع احل م على ةبوتو‪ ،‬علمنا ةبوتَو فاستغنينا عن تعليق احل م بو‪.‬‬

‫والنوع اآلخر الذي ككره الشافع وجعلو دوف ال فر وىو ما كاف بغري األلفػاظ الشػركية‪ ،‬فإنعػو مل يثبػحم وجػوده وإعإلػا‬
‫احتمل لوجود ما ال يُفهم من طالسم السحرة‪ ،‬وتعليق احل م هبا ال يصػح عنػد مػن علػم أ ع ػا وإف مل تُعلػم تفاصػيل‬
‫معانيهػػا ال زبلػػو مػػن الشػػرؾ حبػ ٍ‬
‫ػاؿ مػػن األحػواؿ‪ ،‬علػػى أ عف معرفػػة مػػا فيهػػا اليػػوـ ليسػػحم بادلتعػػذرة بػػل يف كتػػب السػػحر‬
‫ػريا فلػم يوجػد شػ ء مػن طالمسهػم وكتابػاهتم خيلػو مػن‬ ‫اليت توجد عندىم ما يواح معانيها ويبينهػا وقػد نُظػر فيهػا كث ً‬
‫الشرؾ‪ ،‬ومثل ىذا مع استفااتو دبنزلة البينة اليت اشرتطها الشافع يف احل م ب فر الساحر‪.‬‬

‫ناقضػػا مسػػتقالًّ عػػن غػػريه مػػن النػواقض‪ ،‬بػػل ىػػو يف احلقيقػػة عائػػد إىل نػواقض أخػػر‬
‫وعلػػى ىػػذا فػػال ي ػػوف السػػحر ً‬
‫م فرةٍ بذاهتا‪.‬‬

‫ومن األح اـ الثابتة يف الساحر الذي ةبحم كفػره عنػد الشػافع ومطل ًقػا عنػد اهمهػور‪ :‬اػرب عنقػو بالسػيف‪ ،‬وقػد‬
‫ةبحم من كالـ جندب بن جنادة وعمر بن اخلطاب ومن فعل حفصػة بنػحم عمػر بػن اخلطػاب راػ اهلل عػنهم قت ُػل‬
‫الساحر‪ ،‬ف اف يف كتاب عمر بن اخلطاب الػذي رواه جبالػة بػن عبػدة‪ :‬اقتلػوا كػل سػاحر وسػاحرة‪ ،‬قػاؿ جبالػة فقتلنػا‬
‫ٕٗ‬
‫ةػػالث س ػواحر‪ ،‬وقػػد اختصػػر الب ػػاري ىػػذا احلػػديث فػػرو بعضػػو وأسػػنده غػػريه بتمامػػو وىػػو علػػى ش ػػرطو‪ ،‬وقػػاؿ‬
‫جندب‪ :‬حد الساحر اربو بالسيف‪ ،‬وأمرت حفصة بقتل جار ٍية ذلا سحرهتا‪.‬‬

‫وأما لبيد بن األعصم الذي سحر النيب صلى اهلل عليو وسلم ومل يقتلو النيب‪ ،‬فح مو سلتلف من وجوه‪:‬‬

‫األول‪ :‬أف علة قتل الساحر ى الردة‪ ،‬ولبيد يهودي مل يسلم أصالً فانتفحم العلة فيو من جهة السػحر وبقيػحم مػن‬
‫جهػة العػػدواف‪ ،‬وىػػذا حػػق خػاص للنػػيب صػػلى اهلل عليػػو وسػلم لػػو إسػػقاطو ولػػو ادلطالبػة بػػو‪ ،‬وانتقػػاض عهػػده بالعػػدواف‬
‫إإلا ي وف حيث ال يسقط صاحب احلق حقو أما إف أسقطو فال ألف احلق فيو حق خاص‪.‬‬

‫الثــاني‪ :‬أف ةبػػوت السػػحر عليػػو مل ي ػػن ببينػػة‪ ،‬وإإلػػا كػػاف بػػالوح ‪ ،‬واألرجػػح أف النػػيب صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم مل ي ػػن‬
‫ي خذ يف األح اـ القضائية بالوح بل كاف ي خذ بالبينات‪.‬‬

‫الثالـث‪ :‬أ عف تػرؾ النػػيب صػلى اهلل عليػػو وسػلم لقتلػػو متقػدـ علػى فعػػل الصػحابة وأمػػر عمػر بػػن اخلطػاب‪ ،‬فيحتمػػل أف‬
‫حد الساحر إإلا ُشرع بعد كل وأفعاؿ الصحابة دليل على آخر األمرين‪.‬‬

‫ىذا واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على نبينا زلمد وعلى آلو وصحبو أصبعني‪.‬‬

‫ٕ٘‬
‫الناقض الثامن‪ :‬دولي الكافرين ومظاهردهم على الم لمين‬

‫احلمد هلل رب العادلني‪ ،‬والصالة والسالـ على أشرؼ ادلرسلني‪ ،‬نبينا زلمد وعلى آلو وصحابتو أصبعني‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فإف من نواقض اإلسالـ اليت كثر الوقوع فيها يف قدم العصػور وحػديثها‪ :‬تػو ال ػافرين ومظػاىرهتم علػى ادلسػلمني‪،‬‬
‫ػرؾ يف عبادتػػو‪ ،‬ومل ي ػواؿ ادلػػممنني ويعػ ِ‬
‫ػاد ال ػػافرين فلػػيس دبسػػلم‪ ،‬إك قيػػاـ الػػدين علػػى‬ ‫والعبػػد إكا و عحػػد اهلل وتػػرؾ الشػ َ‬
‫ُ‬
‫ومعاداةِ أعدائِو‪.‬‬
‫توحيد اهلل عز وجل وال فر دبا يُعبد من دونو‪ ،‬ومواالة أولياء اهلل ُ‬
‫ض ُػه ْم أ َْولِيَػاءُ بػَ ْع ٍ‬
‫ػض َوَم ْػن يػَتَػ َػوعذلُ ْم ِمػْن ُ ْم‬ ‫ِ‬
‫عص َػار أ َْوليَػاءَ بػَ ْع ُ‬
‫ػود َوالن َ‬
‫ِ‬
‫ين َآمنُػوا ال تَػتع ػ ُذوا الْيَػ ُه َ‬
‫عِ‬
‫قاؿ اهلل عز وجل (يَا أَيػُّ َهػا الػذ َ‬
‫ض يُ َسػػا ِرعُو َف فِ ػي ِه ْم يػَ ُقولُػػو َف َ ْ َشػػى أَ ْف‬ ‫ِِ‬
‫ين ِيف قُػلُػػوهب ْم َمػ َػر ٌ‬
‫عِ‬
‫ني ا فَػتَ ػ َػر الػػذ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فَِإنػعػوُ م ػْنػ ُه ْم إِ عف اللعػػوَ ال يػَ ْهػػدي الْ َقػ ْػوَـ الظعػػالم َ‬
‫ػوؿ‬
‫ني ا َويػَ ُقػ ُ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َسػ ُّػروا ِيف أَنْػ ُفس ػ ِه ْم نػَػادم َ‬ ‫صػػيبَػنَا َدائػِػرةٌ فَػ َعسػػى اللعػػوُ أَ ْف يَػ ِْيت بِػػالْ َفْت ِح أ َْو أ َْمػ ٍر ِمػ ْػن ِعْنػ ِػدهِ فَػيُ ْ ِ‬
‫تُ ِ‬
‫صػب ُحوا َعلَػػى َمػػا أ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ عِ‬ ‫عِ‬
‫ين)‪.‬‬‫َصبَ ُحوا َخاس ِر َ‬ ‫حم أ َْع َما ُذلُ ْم فَ ْ‬ ‫ين أَقْ َس ُموا بِاللعو َج ْه َد أَْديَا ْم إِنػ ُعه ْم لَ َم َع ُ ْم َحبِطَ ْ‬ ‫ين َآمنُوا أ ََى ُمالء الذ َ‬ ‫الذ َ‬

‫وقد نزلحم ىػذه اآليػات يف عبػد اهلل بػن أهلل بػن سػلوؿ ومواالتػو ألوليائػو مػن اليهػود‪ ،‬ومل يعػرؼ أكثػر الصػحابة نفاقػو‬
‫ين أَقْ َسػ ُػموا بِاللعػ ِػو َج ْهػ َػد أَْديػَػا ِِ ْم إِنػ ُعهػ ْػم لَ َم َع ُ ػ ْػم‬ ‫ِ عِ‬ ‫إال يومئػػذ ويف ىػػذا قػػاؿ اهلل سػػبحانو‪( :‬ويػ ُقػ ُ ع ِ‬
‫ين َآمنُػوا أ ََىػ ُػمالء الػػذ َ‬
‫ػوؿ الػػذ َ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬
‫ين)‪ ،‬وادل ػواالة لل ػػافرين ت ػػوف كفػ ًػرا بالقلػػب وبالعمػػل وباالعتقػػاد وال يشػػرتط أف‬ ‫َصػػبَ ُحوا َخاس ػ ِر َ‬ ‫َحبِطَػ ْ‬
‫ػحم أ َْع َمػػا ُذلُ ْم فَ ْ‬
‫يقار ػا صبيعهػا االعتقػػاد‪ ،‬بػل مػػذىب أىػل السػػنة أف اإلديػاف واخلػروج منػػو ي ػوف بقػػوؿ رلػرد أو عمػػل رلػرد أو اعتقػ ٍ‬
‫ػاد‬
‫رلرد‪.‬‬

‫صػيبَػنَا َدائَِػرةٌ) فػدافعهم لػيس احملبػة لل فػر وأىلػو‪ ،‬بػل‬


‫ويف ىذه اآلية خاصة نب صريح يف قولو‪( :‬يػ ُقولُو َف َ ْ َشى أَ ْف تُ ِ‬
‫َ‬
‫وال الرغبة يف دنيا وماؿ‪ ،‬وإإلا ىو اخلوؼ واتقاء الدوائر‪.‬‬

‫فػػإف قيػػل يع ػػر علػػى االسػػتدالؿ باآليػػة أ ػػم قػػالوه كػػاكبني يف كل ػ فػػال يُلحػػق هبػػم مػػن يعتػػذر بػػذل وىػػو صػػادؽ‬
‫فاهواب من وجوه‪:‬‬

‫األول‪ :‬أ م كانوا ازبذوا أولياءىم من اليهود أوليػاء يف اهاىليػة‪ ،‬ومل ي ػن لػذل سػبب إال خػوؼ الػدوائر‪ ،‬وقلػوهبم‬
‫مل تشبع من التوحيد وحسن الظن باهلل ما اعلها تستغين عن واليتها اهاىلية فهػ علػى خوفهػا وىلعهػا‪ ،‬ومقتضػى‬
‫ىذا أ م صادقوف يف قوذلم شى أف تصيبنا دائرة‪.‬‬
‫‪ٕٙ‬‬
‫الثاني‪ :‬أ عف اهلل عز وجل مل يُ ِّذهبم يف ىذا ومل يرده عليهم فهو دليل علػى صػحتو‪ ،‬مػع وجػود غػريه مػن النػواقض يف‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َسُّروا ِيف أَنْػ ُفس ِه ْم نَادم َ‬
‫ني)‪.‬‬ ‫قلوهبم كما قاؿ‪( :‬فَػيُ ْ ِ‬
‫صب ُحوا َعلَى َما أ َ‬
‫ع‬
‫سرونو‪ ،‬وادلممنوف ح موا ب فػرىم وقػحم‬ ‫الثالث‪ :‬أف ال فر إإلا ُحي م بو يف الدنيا على ما يُظهره الناس ال على ما يُ ّ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ عِ‬ ‫كلػ كمػػا يف اآليػػة‪( :‬ويػ ُقػ ُ ع ِ‬
‫ين أَقْ َسػ ُػموا بِاللعػػو َج ْهػ َػد أَْديػَػا ْم إِنػ ُعهػ ْػم لَ َم َع ُ ػ ْػم َحبِطَػ ْ‬
‫ػحم أ َْع َمػػا ُذلُ ْم‬ ‫ين َآمنُػوا أ ََىػ ُػمالء الػػذ َ‬
‫ػوؿ الػػذ َ‬ ‫ََ‬
‫ػب مسػػتقل للح ػػم ب فػػرىم‪ ،‬والػذي ظهػػر مػػنهم إإلػػا‬ ‫ػدؿ علػػى أ عف مػا ظهػػر مػػنهم وحػػده موج ٍ‬ ‫ِ‬
‫اسػ ِرين)‪ ،‬فػ ع‬
‫َصػبَ ُحوا َخ َ‬‫فَ ْ‬
‫ىو ادلواالة العملية‪ ،‬وال دي ن الشق عن قلوهبم ومعرفة أفعلوا كل عن زلبة لل فر وأىلو أـ ال؟‬

‫ػحيحا‪ ،‬وأ عف اخلط ػ مل ي ػػن يف اعتػػذارىم بػػو‬ ‫الرابــع‪ :‬أف مقتضػػى ىػػذا القػػوؿ أ عف عػػذر ادلنػػافقني كػػاف عػ ً‬
‫ػذرا شػػرعيًّا صػ ً‬
‫ػذرا‬
‫ػذـ مػع كونػو ع ً‬‫وإعإلا دبا يف قلوهبم‪ ،‬مع أ عف اهلل سبحانو ككر عنهم ىذا العذر بعينو على جهة الػذـ وال دي ػن أف ي ّ‬
‫شرعيًّا‪.‬‬

‫ػذرا شػرعيًّا ول نػو معصػية ولػيس كف ًػرا‪ ،‬فػاهواب‪ :‬أ ع ػم ارت بػوا كف ًػرا بػنب اآليػة‪،‬‬
‫فإف قيل‪ :‬ال يلزـ أف ي ػوف العػذر ع ً‬
‫فإف مل ي ن العذر شرعيًّا لزمهم ح م ال فر وال ةالث بني احلالني‪.‬‬

‫واآليػػة مػػن أصػػرح النصػػوص يف ت فػػري مػػن تػػوىل ال ػػافرين بعملػػو أو بقولػػو وإف مل ي ػػن عػػن زلبػػة لػػدينهم‪ ،‬وال دي ػػن‬
‫اهواب عنها إال بتحريف ال لم عن موااعو و اللساف بال تاب‪ ،‬كما يفعل كل اليوـ من ال خالؽ ذلم‪.‬‬

‫والػدائرة الػيت كػػانوا خيشػو ا قيػػل ىػ الفقػر‪ ،‬وقيػػل احلػرب‪ ،‬وكالمهػػا يعتػذر بػو ادلرتػػدوف اليػوـ‪ ،‬فإ عمػػا أف يتػذرعوا خبػػوؼ‬
‫واػػادؿ‬
‫الفقػػر وانقطػػاع الػػنفط والرواتػػب كمػػا قػػاؿ كلػ بعػػض مػػن يلػػبس ةيػػاب العلػػم وينطػػق باسػػم طواغيػػحم اهزيػػرة ُ‬
‫عنهم يف احلياة الدنيا‪ ،‬وإ عما أف يتذرعوا باخلوؼ من العدو كالنظاـ العراق البعث السابق وحنػوه‪ ،‬وكالمهػا سػريٌ مػنهم‬
‫على سنّة أسالفهم من ادلنافقني‪.‬‬

‫وللتػػو صػػور عديػػدة وأن ػواع سلتلفػػة‪ ،‬فمنهػػا الوقػػوؼ مػػع ال ػػافرين علػػى ادلػػممنني وأعظػػم كل ػ مػػا ي ػػوف يف احلػػرب‬
‫والقتػػاؿ‪ ،‬وقػػد قػػاؿ اهلل عػػز وجػػل‪( :‬أَ َمل تَػػر إِ َىل العػ ِػذين نػَػافَػ ُقوا يػ ُقولُػػو َف ِِإل ْخػػوا ِِم العػ ِػذين َك َفػػروا ِمػػن أ َْىػ ِػل الْ ِتَػ ِ‬
‫ػاب لَػػئِ ْن‬ ‫َ ُ َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫ِ‬
‫صػ َػرنع ُ ْم َواللعػػوُ يَ ْشػ َػه ُد إِنػ ُعهػ ْػم لَ َ ػػاكبُو َف)‪ ،‬فعػػد اهلل‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َحػػداً أَبػَػداً َوإِ ْف قُػػوت ْلتُ ْم لَنَػْن ُ‬
‫ُخػ ِر ْجتُ ْم لَنَ ْ ػ ُػر َج عن َم َع ُ ػ ْػم َوال نُطيػ ُػع فػػي ُ ْم أ َ‬
‫أْ‬
‫كفرا ومسػى مػن فعلػو منػافقني‪ ،‬ف يػف دبػن خػرج حقيقػة وسػار ربػحم لػوائهم وقاتػل‬ ‫وعدىم إلخوا م ال فار بالنصرة ً‬
‫ػات شػهد اهلل ب ػذهبا وال وجػود‬ ‫يف صفهم؟ ىذا وىم كاكبوف يف قوذلم ووعدىم فليس وعػدىم ذلػم بالنصػرة إال كلم ٍ‬
‫وى ْم لَيُ ػ َػولُّ عن ْاأل َْدبَػ َػار لُع ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ػ ُر ُ‬ ‫ُخ ِر ُج ػوا ال َخيُْر ُجػػو َف َم َع ُهػ ْػم َولَػػئ ْن قُوتلُ ػوا ال يػَْن ُ‬
‫صػ ُػرونػَ ُه ْم َولَػػئ ْن نَ َ‬ ‫ذلػػا يف الواقػػع‪ ،‬بػػل (لَػػئ ْن أ ْ‬
‫صػ ُػرو َف)‪ ،‬ف يػػف دبػػن كػػاف صػػادقًا بقولػػو وفعلػػو يف نصػػرة ال ػػافرين علػػى ادلسػػلمني ومظػػاىرة أمري ػػا علػػى الشػػعوب‬
‫يػُْن َ‬
‫ادلسلمة‪ ،‬واهماعات الاىدة يف سبيل اهلل؟‬

‫‪ٕٚ‬‬
‫ػودا كليًّػا‪ ،‬فضػالً عػن الزيػادة يف‬
‫ومن تػوليهم التصػريح بإن ػار عػداوهتم وبغضػهم‪ ،‬وجحػود ىػذا األصػل الشػرع جح ً‬
‫كل بإعالف احملبة واالتفاؽ واالرباد ووحدة ادلصري والصداقة الدائمة وادلودة اخلالصة‪.‬‬

‫وقػػد ككػػر الشػػيخ زلمػػد بػػن عبػػد الوىػػاب رضبػػو اهلل تعػػاىل ىػػذا النػػاقض ةػػامن الن ػواقض يف رسػػالتو ادلشػػهورة‪ ،‬واقتصػػر‬
‫على ككر ادلظاىرة وى أصل ادلودة وقطب رحاىا الذي تدور أكثر صورىا عليو‪ ،‬والشيخ يف رسػالتو كمػا أسػلفنا مل‬
‫يقصد إىل االستيعاب يف النواقض بل اقتصر على ما ت ثر احلاجة إليو والوقوع فيو يف وقتو‪.‬‬

‫وصلى اهلل وسلم على عبده ورسولو زلمد وعلى آلو وصحبو أصبعني‪.‬‬

‫‪ٕٛ‬‬
‫الناقض التاسع‪ :‬من اعتقد أن أح ًدا ي عه الخروج عن شريعة‬
‫محمد صلى اهلل عليه وسلم‬

‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالـ على رسولو اهلل‪ ،‬وعلى آلو وصحبو ومن اىتد هبداه‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فقد أكمل اهلل عز وجل لنا الدين وأ النعمة‪ ،‬وكاف الدين عنده اإلسالـ فمن ابتغى غريه دينًػا مل يُقبػل منػو وىػو يف‬
‫اآلخرة من اخلاسرين‪.‬‬

‫أحدا من البشػر يسػعو أف خيػرج عػن شػرع خػا النبيػني‬ ‫ومن النواقض االعتقادية اليت ُزبرج العبد من ادللعة‪ :‬اعتقاد أف ً‬
‫وسػػيد األولػػني واآلخ ػرين‪ ،‬س ػواء إىل ش ػر ِ‬
‫يعة غػػريه مػػن األنبيػػاء مػػن الش ػرائع ادلنسػػوخة‪ ،‬أو اتبػػاع مػػا واػػعو البشػػر مػػن‬ ‫ً‬
‫القوانني أو أماله اذلو وإبليس اللعني‪.‬‬

‫وقػػد ككػػر الشػػيخ زلمػػد بػػن عبػػد الوىػػاب ىػػذا النػػاقض فقػػاؿ‪” :‬النػػاقض التاسػػع‪ :‬مػػن اعتقػػد أف بعػػض النػػاس يسػػعو‬
‫اخلػػروج عػػن ش ػريعة زلمػػد صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم‪ ،‬كمػػا وسػػع اخلضػػر اخلػػروج عػػن ش ػريعة موسػػى عليػػو السػػالـ‪ ،‬فهػػو‬
‫كافر‪“.‬‬

‫والذي يعتقد أف من الناس من يسعو اخلروج عن شريعة زلمد صػلى اهلل عليػو وسػلم‪ ،‬يلزمػو ت ػذيب النػيب صػلى اهلل‬
‫عليو وسلم يف عموـ رسالتو‪ ،‬وت ػذيب اهلل عػز وجػل يف خػاه بإرسػاؿ زلمػد صػلى اهلل عليػو وسػلم إىل النػاس كافعػة‪،‬‬
‫ػالـ ِدينػاً فَػلَ ْػن يػُ ْقبَ َػل‬
‫األس ِ‬ ‫ِ‬
‫وجحود أوامر اهلل عز وجل باتباع الشريعة والدين كافعة‪ ،‬قاؿ اهلل عز وجل‪َ :‬‬
‫(وَم ْن يػَْبتَ ِ َغْيػ َػر ْ ْ‬
‫ِمْنو وىو ِيف ْاآل ِخرِة ِمن ْ ِ‬
‫اخلَاس ِر َ‬
‫ين)‪.‬‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ََُ‬
‫ويدخل يف ىذا الناقض ةالث مقاالت كفرية مشهورة‪:‬‬

‫المقالــة األولــى‪ :‬مػػن يعتقػػد أنػػو اػػوز لليهػػود والنصػػار أو بعضػػهم أف يبقػوا علػػى أديػػا م بعػػد بعثػػة زلمػػد صػػلى اهلل‬
‫زلمدا صلى اهلل عليو وسلم‪ ،‬وىذا القوؿ كفػر صػريح ال مريػة فيػو‪ ،‬وقػد‬ ‫عليو وسلم‪ ،‬أو أ م ال ي فروف إف مل يتبعوا ً‬
‫قػػاؿ أكػػرـ اخللػػق صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم‪” :‬والػػذي نفس ػ بيػػده ال يسػػمع هلل يهػػودي وال نص ػراين ل ال يػُػممن هلل إالع‬
‫كاف من أصحاب النعار“‪.‬‬

‫‪ٕٜ‬‬
‫وقد كاف من اليهود والنصار من يعلنوف وال ين روف إديا م بنبوة زلمد صلى اهلل عليػو وسػلم وصػحة رسػالتو‪ ،‬وقػد‬
‫ككػػر كلػ ابػػن القػػيم عػػن بعػػض علمػػاء أىػػل ال تػػاب وأنػػو قػػاؿ‪ :‬كػػل منصػػف منػػا يعلػػم نبوتػػو‪ ،‬ول ػػنهم ي ػدععوف أف‬
‫رسػالتو خاصػػة بػػالعرب‪ ،‬وىػػذا ال ي فػيهم وال خيػػرجهم مػػن ال فػػر‪ ،‬بػل إف كػػاف نبيًػػا صػػادقًا فقػد أخػػا بعمػػوـ رسػػالتو‬
‫وب فر من مل يتبعو‪ ،‬وأبػاح دمػاءىم وأمػواذلم وأوجػب قتػا َذلم‪ ،‬وتصػديقهم لػو بػبعض رسػالتو مػن جػنس كفػرىم الػذي‬
‫ض)‪ ،‬وال ش ػ أف ال فػػر بػػبعض ال تػػاب أو‬ ‫ض الْ ِتَػ ِ‬
‫ػاب َوتَ ْ ُفػ ُػرو َف بِػبَػ ْع ٍ‬ ‫ح ػػاه اهلل عػػنهم يف القػػرآف (أَفَػتُػ ْمِمنُػػو َف بِػبَػ ْع ِ‬
‫ببعض نبوة النيب صػلى اهلل عليػو وسػلم‪ ،‬أو بشػ ء شلػا أخػا بػو كفػر جبميػع ال تػب والرسػل‪ ،‬ولػذل قػاؿ اهلل تعػاىل‪:‬‬
‫ِ‬
‫نوح عليو السالـ‪.‬‬ ‫ني) ومل يُبعث يف وقتهم رسوؿ غري ٍ‬ ‫وح الْ ُم ْر َسل َ‬ ‫( َك عذبَ ْ‬
‫حم قَػ ْوُـ نُ ٍ‬

‫المقالــة الثانيــة‪ :‬مػػن يعتقػػد أف اخلػػروج عػػن بعػػض أح ػػاـ الشػريعة جػػائز يف العصػػور ادلتػ خرة‪ ،‬وأف مػػن اخلطػ األخػػذ‬
‫بال عشػريعة كلهػػا بػػل ال بػػد مػن أف يُضػػاؼ إليهػػا مػػا ي ملهػػا‪ ،‬سػواء كػػاف مػػا يريػػدوف ت ميػل شػػرع اهلل بػػو مػػن ادلػػذاىب‬
‫الف رية العصرية‪ ،‬أو القوانني الواعية ال فرية‪.‬‬

‫َح َسػ ُػن ِمػ َػن اللعػ ِػو ُح ْ مػاً لَِقػ ْػوٍـ يُوقِنُػػو َف)‬ ‫وىػػذا كفػػر صػريح وابتغػػاء لغػػري ح ػػم اهاىليػػة (أَفَح ْ ػػم ْ ِ ِ ِ‬
‫اهَاىليعػػة يػَْبػغُػػو َف َوَمػ ْػن أ ْ‬ ‫ُ َ‬
‫والػػنقب والباطػػل ال يػ يت مػػن قبػػل كتػػاب اهلل ودينػػو وشػػرعو‪ ،‬بػػل مػػن عقػػوذلم القاصػػرة الضػػعيفة‪ ،‬أمػػا كتػػاب اهلل فػػ(ال‬
‫ضب ٍ‬‫ني ي َدي ِو وال ِمن خ ْل ِف ِو تَػْن ِزيل ِمن ح ِي ٍم َِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬
‫يد)‪.‬‬ ‫ٌ ْ َ‬ ‫يَْتيو الْبَاط ُل م ْن بػَ ْ ِ َ ْ َ ْ َ‬

‫ومػػن ىػػمالء ادلرتػػدين مػػن ُاػػادلوف اليػػوـ عػػن القػوانني الواػػعية‪ ،‬فيػدععوف أف نظػػاـ العمػػل والعمػػاؿ الواػػع الطػػاغويت‬
‫وإف كػػاف مػ خوكًا عػػن الغػػرب إال أنػػو ال بػػد منػػو حلفػػظ حقػػوؽ العمػػاؿ‪ ،‬وأف نظػػاـ احمل مػػة التجاريػػة اػػروري ألجػػل‬
‫مسػػتجدعات العصػػر‪ ،‬ويقػػوؿ بعضػػهم بلسػػاف حالػػو‪ ،‬وبعػػض بلسػػاف مقالػػو‪ :‬إف األح ػػاـ الشػػرعية ال ت فػ وال تف ػ‬
‫ػاب ِم ْػن َشػ ْ ٍء)‪،‬‬
‫دبتطلبات العصر ومستجدعاتو‪ ،‬وىػذا كفػر صػريح وت ػذيب هلل عػز وجػل القائػل‪( :‬مػا فَػعرطْنَػا ِيف الْ ِتَ ِ‬
‫َ‬
‫والعجيػػب أف اػػرتئ أصػػحاب ىػػذا ال فػػر علػػى علػػوـ الش ػريعة فيح مػػوف عليهػػا بػػالنف وخبلوىػػا مػػن األح ػػاـ يف‬
‫ادلستجدات‪ ،‬والنفػ ال ي ػوف إال عػن علػم‪ ،‬وىػمالء أجهػل النػاس بشػرع اهلل‪ ،‬وأبعػدىم عػن معرفػة األح ػاـ وأدلتهػا‬
‫وقواعدىا واستنباطاهتا‪ ،‬ومع كلػ فهػم حي مػوف بقػوانني مواػوعة منػذ مئػات السػنني ومل يغػري فيهػا شػ ء إال مػا ال‬
‫يػُػذكر‪ ،‬وال يػػروف أف العصػػر ذبػػاوز ىػػذه القػوانني فيبحثػػوف ذلػػا عػػن بػػديل‪ ،‬بػػل ال يريػػدوف ذلػػا بػػديالً‪ ،‬وال يبحثػػوف عػػن‬
‫كف ٍر سواىا‪ ،‬وما كاؾ إال تلبيس عدو اهلل إبليس على أوليائو‪.‬‬

‫ومػػن يقػػوؿ هبػػذه ادلقالػػة شلػػن حي ػػم هبػػذه الق ػوانني الواػػعية امػػع كف ػرين‪ :‬ال فػػر العمل ػ دبػػا حي ػػم بػػو مػػن الق ػوانني‬
‫ال فرية‪ ،‬وال فر االعتقادي باستحاللو لل فر وذبويزه لو ودفاعو عنو‪ ،‬وقد الشيخ قػاؿ زلمػد بػن عبػد الوىػاب رضبػو‬
‫اهلل‪ :‬وكذل ن فِّر من زيّن الشرؾ وأقاـ الشبهة الباطلة على إباحتو‪ ،‬وكفر مػن يسػتحل احل ػم بغػري مػا أنػزؿ اهلل شلػا‬
‫يُنازع فيو ح ع ادلرجئة‪.‬‬

‫ٖٓ‬
‫المقالــة الثالثــة‪ :‬مػػن يعتقػػد أنػػو اػػوز لل اصػػة‪ ،‬أو لألوليػػاء اخلػػروج عػػن الشػريعة الػػيت جػػاء هبػػا زلمػػد صػػلى اهلل عليػػو‬
‫ػب‪ ،‬وىػمالء غػالة الصػوفية وىػم‬ ‫وسلم‪ ،‬والعمل دبا يسمونو احلقيقة‪ ،‬واعلوف الشريعة دبنزلة القشػر واحلقيقػة دبنزلػة اللُّ ِّ‬
‫الذين يستدلوف بفعل اخلضر مع موسى‪.‬‬

‫وخَر َؽ سفينةَ من أحسػن إليػو‪ ،‬وكػاف‬ ‫واستدالذلم ىو ب ف اخلضر تصرؼ بغري ما يقتضيو ظاىر الشرع‪ :‬فقتل الصيب‪َ ،‬‬
‫فعلو يف الظاىر من ًرا‪ ،‬ويف الباطن عني ح م اهلل‪ ،‬ومل يلتزـ اخلضر شريعة موسى اليت تقتضػ منعػو مػن قتػل الػنفس‬
‫ِ‬ ‫ػحم نػَ ْفسػاً َزكِيعػةً بِغَػ ِْػري نػَ ْفػ ٍ‬
‫ػحم‬
‫ػس لََقػ ْد جْئػ َ‬ ‫وزبريػػب السػػفينة‪ ،‬وال اسػػتمع إىل إن ػػار موسػػى عليػػو السػػالـ حػػني قػػاؿ‪( :‬أَقَػتَػ ْلػ َ‬
‫حم َشْيئاً إِ ْمراً)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َخَرقْػتَػ َها لتُػ ْغ ِر َؽ أ َْىلَ َها لََق ْد جْئ َ‬
‫َشْيئاً نُ ْ راً)‪ ،‬وقاؿ يف خرؽ السفينة‪( :‬أ َ‬

‫وىػذا اسػػتدالؿ باطػػل؛ فاخلضػر أوالً كػػاف أعلػػم مػن موسػػى كمػػا يف الصػحيحني مػػن حػػديث أهلل بػن كعػػب عػػن النػػيب‬
‫صلى اهلل عليو وسلم‪ :‬أف موسى وعظ الناس‪ ،‬فذكر احلديث وفيو أف رجالً س ؿ موسػى أي النػاس أعلػم؟ قػاؿ أنػا‪،‬‬
‫عبدا من عبادي دبجمع البحرين ىو أعلم من ‪.‬‬‫فعتب اهلل عليو أف مل يرد العلم إليو ف وحى إليو‪ :‬أف ً‬

‫وما فعلو اخلضر شلا أن ػره موسػى كػاف لػد اخلضػر فيػو زيػادة علػم‪ ،‬فػإكا قيػل إف العلػم الػذي اخػتب بػو اخلضػر ىػو‬
‫ػدما نفسػػو علػػى موسػػى يف العلػػم‬ ‫علػم احلقيقػػة كمػػا يػدععوف‪ ،‬كػػاف مػػن يػ ّدع كلػ العلػم مػػن أوليػػائهم وُشل ػػرقيهم مقػ ً‬
‫ألف موسػػى مل ي ػن يعلػػم مػػا علمػػو اخلضػػر‪ ،‬وإف أُريػػد علػػم الش ػريعة فلػػيس فيػػو ح عجػػة ذلػػم يف التفريػػق بػػني احلقيقػػة‬
‫والشريعة وادعاء أف فعل اخلضر جر على علم احلقيقة‪.‬‬

‫وما فعلو اخلضر شلا جاء يف القصة ةالةة أنواع‪:‬‬

‫األول‪ :‬ما ظاىره أنو جائز ال حيرـ‪ ،‬وباطنو أنو عمل صا ‪ ،‬وىو بناء اهدار ألف بنػاء اهػدار ولػو مل ي ػن ربتػو كنػز‬
‫ألحد جائز مباح‪ ،‬وإإلا استن ر موسى ارت ابو لتل ادلشقة بال أجرة‪ ،‬شلن ال يستحق التاع لو بذل ‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬ما ظاىره أنو زلرـ‪ ،‬وسػبب اسػتثنائو مػن التحػرم داخػل يف علػوـ البشػر غػري األنبيػاء‪ ،‬فػيُم ن أف يفعلػو النػيب‬
‫وغػري النػيب‪ ،‬وىػو خػػرؽ السػفينة‪ ،‬فلػو أف رجػالً علػػم عػن ملػ ظػػامل يغصػب السػفن‪ ،‬جػاز لػػو أف يعيػب سػفينة غػػريه‬
‫الستنقاكىا‪ ،‬وإإلا استن ار موسى ألنعو مل يعلم سبب االستثناء‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬ما ظاىره أنػو زلػرـ‪ ،‬وسػبب اسػتثنائو مػن التحػرم شلػا ال يُعػرؼ إال بػالوح ‪ ،‬وىػو قتػل الصػيب‪ ،‬فػال ُدي ػن أف‬
‫ػريا منػػو‬
‫يعػرؼ أحػد أف كلػ الصػػيب سػي فر وت ػوف مفسػدة بقائػػو أعظػم مػن مفسػدة قتلػػو‪ ،‬وأف اهلل سػيبدؿ أبويػو خ ً‬
‫إال بوح من اهلل عز وجل‪ ،‬فهو ح م شرع صحيح ول ن ال ُدي ػن أف يعمػل بػو إال األنبيػاء‪ ،‬وقػد يُػوح اهلل إىل‬
‫نيب من األنبياء بسبب إباحة القتل دوف اآلخر‪.‬‬

‫ٖٔ‬
‫والعلة يف القتل يف صبيع الصور الثالث اليت فعلها اخلضر علة صحيحة ذبري علػى أح ػاـ الشػريعة ادلعروفػة‪ ،‬والفػرؽ‬
‫إإلا ىو يف زيادة معرفة بػالواقع أو بالغيػب ادلسػتقبل لػد نػيب اهلل اخلضػر‪ ،‬ومػع كلػ فلػم يسػ حم اخلضػر عػن كلػ‬
‫ث لَػ َ ِمْنػوُ ِك ْكػراً) فػ خاه قبػل‬ ‫ػاؿ فَػِإ ِف اتػعبػعت ِػين فَػال تَسػ َلِْين عػن شػ ٍء حػ ع أ ِ‬
‫ُحػد َ‬
‫ْ َْ َْ َ ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫وي تمو عن موسى‪ ،‬بل قػاؿ لػو‪( :‬قَ َ‬
‫ويواح لو العلل واألح اـ‪.‬‬ ‫أف يفعل ما فعل أنو سيُ ّبني لو األمر ّ‬

‫ولو أف رجالً فعل ما فعلو نيب اهلل اخلضر ل عُلم منو سبب ُمبيح دلا فعلػو سػقط عنػو الضػماف‪ ،‬بػل واسػتحق الشػ ر‬
‫والثػواب علػػى فعلػػو‪ ،‬بشػػرط أف ي ػػوف كلػ شلػػا ُدي ػن إةباتػػو بالبينػػة يف حػػق عامػػة النػػاس أمػػا األنبيػػاء فهػػم لصػػدقهم‬
‫مستغنوف عن البينات‪.‬‬

‫ف ػ ين ىػػذا شلػػا يرت بػػو زنادقػػة التصػػوؼ مػػن ركػػوب الفػػروج احملرمػػة‪ ،‬وارت ػػاب احملرمػػات الػػيت ال ُدي ػػن أف تُبػػاح ل مػػع‬
‫كل ال يظهروف علةً تُبيح ما فعلوه وال جوابًا عما ينته وف من حدود اهلل؟!‬

‫وادلقاالت الثالث سواء يف ال فػر وقػد ظهػرت كػل مقالػة يف عصػر‪ ،‬وابتُلػ ب ػل فتن ٍػة وردة أقػواـ‪ ،‬نسػ ؿ اهلل الثبػات‬
‫على احلق واذلد والتوحيد واههاد ح نلقاه‪ ،‬وآخر دعوانا أف احلمد هلل رب العادلني‪.‬‬

‫ٕٖ‬
‫الناقض العاشر‪ :‬اإلعراض عن دين اهلل؛ ال يتعلمه وال يعمل به‬

‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالـ على رسولو اهلل‪ ،‬وعلى آلو وصحبو ومن اىتد هبداه‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فػػإ عف مػػن ال فػػر ادلبػػني‪ ،‬ادل ػػرج عػػن ادللػػة والػػدين‪ :‬اإلعػراض عػػن ديػػن اهلل عػػز وجػػل‪ ،‬وتػػرؾ تعلُّمػػو أو العمػػل بػػو‪ ،‬وىػػو‬
‫ُ‬
‫آخر النواقض اليت ككرىا زلمد بن عبد الوىاب يف رسالتو الشهرية‪ :‬نواقض اإلسالـ‪.‬‬

‫واإلعراض العمل ّ ي وف على وجهني‪:‬‬

‫داخل يف مس لة تػرؾ جػنس األعمػاؿ‪ ،‬وتػرؾ جػنس العمػل‬ ‫التاـ عن دين اهلل بال ليعة‪ ،‬وىذا ٌ‬ ‫الوجه األول‪ :‬اإلعراض ّ‬
‫اض عػػن العمػػل بال ليػػة‪ ،‬فهػ داخلػةٌ يف ىػػذا النػػاقض مػػن ىػػذا الوجػػو‪ ،‬والظػػاىر مػػن كػػالـ الشػػيخ أنػعػو يعػػين ىػػذا‬
‫إعػر ٌ‬
‫الناقض‪.‬‬

‫ٍ‬
‫والوجه الثاني‪ :‬ترؾ التزاـ شػ ء مػن أح ػاـ اهلل وشػريعتو‪ ،‬وىػذا إعػر ٌ‬
‫اض خػاص عػن بعػض األح ػاـ‪ ،‬وتػارؾ االلتػزاـ‬
‫ي فػػر إف تػػرؾ الت ػزاـ ش ػ ء مػػن األح ػػاـ الشػػرعية‪ ،‬فلػػم حيػػرـ مػػا حػػرـ اهلل‪ ،‬ومل يسػػتحل مػػا أحػػل اهلل‪ ،‬ومل يوجػػب مػػا‬
‫أوجب اهلل‪.‬‬

‫ناقض مستقل‪ ،‬يسػتحق إفػراده بالشػرح والتواػيح‪ ،‬وحنػن نػذكر مػا يتعلػق ب ػل منهمػا علػى‬
‫وكل من ىذين الوجهني ٌ‬
‫جهة اإلااز واالختصار بإكف اهلل‪.‬‬

‫الوجه األول‪ :‬ترؾ جنس العمل‪.‬‬

‫ىذه ادلس لة شلا أصبعػحم عليػو األمػة‪ ،‬بػل جػاء عػن بعػض السػلف أنعػو ح ػم ب فػر مػن مل ي ِّفػر تػارؾ جػنس العمػل‪،‬‬
‫والنصػػوص كثػػرية يف ىػػذا البػػاب‪ ،‬باسػػم التػػو وباسػػم اإلعػراض وحنػػو كل ػ ‪ ،‬واإلديػػاف قػػوؿ وعمػػل واعتقػػاد‪ ،‬فمػػن مل‬
‫(اعبُ ُػدوا اللعػوَ َمػا لَ ُ ْػم‬
‫ي ن لو من العمل ش ء مل يقم إديانو بدوف ىذا الركن‪ ،‬وىذا أصل ما أمر اهلل بو عباده فقاؿ‪ْ :‬‬
‫(اعبُ ُدوا َربع ُ ُم الع ِػذي َخلَ َق ُ ْػم) وغػري كلػ ‪ ،‬والتوحيػد ركنػاف‪ :‬عبػادة اهلل‪ ،‬وتػرؾ عبػادة غػريه‪ ،‬فالػذي ال‬
‫ِم ْن إِلٍَو َغْيػ ُرهُ)‪ْ ،‬‬
‫يعمل من األعماؿ شيئًا ترؾ أحد الركنني‪.‬‬

‫ٖٖ‬
‫والقػػائلوف ب فػػر تػػارؾ الصػػالة ال حيتػػاجوف إىل التنبيػػو علػػى كفػػر تػػارؾ جػػنس العمػػل‪ ،‬ألف مػػن أتػػى بالصػػالة مل ي ػػن‬
‫ويفرقػوف بػني ادلسػ لة ومسػ لة تػارؾ الصػػالة عنػد ال ػالـ عػػن ادل ػالف‪ ،‬فيُعػػذر‬ ‫ع‬
‫تارًكػا هػنس العمػػل‪ ،‬وإإلػا ينبّهػوف إليػػو ّ‬
‫من ُخيالف يف تارؾ الصالة خبالؼ من ُخيالف يف تارؾ صبيع العمل‪.‬‬

‫كفر عمل ‪ ،‬وإف كاف يف الواقع ال ُدي ن أف يُتص عور إالع شلن اشتمل قلبػو علػى ال فػر‪ ،‬فيمتنػع‬
‫وكفر تارؾ صبيع العمل ٌ‬
‫أف يُوجد أصل اإلدياف يف قلب رجل‪ ،‬ل ال يدفعو إىل عبادة اهلل والتقرب إليو بش ء من األعماؿ‪.‬‬

‫الوجه الثاني‪ :‬ترؾ االلتزاـ‪.‬‬

‫حاج ػػا‪ ،‬لع ديتن ػػع ع ػػن التػ ػزاـ شػ ػ ء م ػػن أح ػػاـ اهلل‬
‫ػائما مزكيً ػػا ًّ‬
‫وى ػػذا وج ػػو مس ػػتقل‪ ،‬فق ػػد ي ػػوف الرج ػػل مص ػػليًّا ص ػ ً‬
‫كافرا مرتدًّا عن دينو‪.‬‬ ‫كمشروعية اههاد أو ربرم اخلمر في وف ً‬
‫وتػػرؾ االلت ػزاـ لػػو صػػور متعػػددة‪ ،‬فمنهػا االمتنػػاع عػػن ش ػ ء مػػن الش ػرائع‪ ،‬كمػػا ح ػػم الصػػحابة ب فػػر مػػانع الزكػػاة‪،‬‬
‫يل َذلُ ْػم تَػ َعػالَ ْوا إِ َىل َمػا أَنْػ َػزَؿ اللعػوُ َوإِ َىل‬‫ومنو االمتناع عن ح م الرسوؿ صلى اهلل عليو وسلم كما فعل ادلنافقوف ِ ِ‬
‫(وإ َكا ق َ‬
‫َ‬
‫ص ُدوداً)‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫صدُّو َف َعْن َ ُ‬
‫ني يَ ُ‬
‫حم الْ ُمنَافق َ‬
‫العر ُسوؿ َرأَيْ َ‬

‫ومن شروط ال إلو إال اهلل‪ ،‬االنقياد والقبوؿ ذلا ودلا تقتضيو‪ ،‬ومػن تػرؾ التػزاـ شػ ء شلػا جػاء بػو اهلل ورسػولو فلػم ينقػد‬
‫ومل يقبل‪ ،‬بل ىو شلن علم ومل يعمل‪ ،‬وعرؼ التوحيد وأعرض عنو‪.‬‬

‫ومن ىذا النوع كفر إبليس لعنة اهلل عليو‪ ،‬فإنعو امتنع عن قبوؿ أمػر اهلل بالسػجود آلدـ‪ ،‬ومل ي ػن قبػل كلػ االمتنػاع‬
‫إماما لل افرين‪ ،‬وحلعحم عليو اللعنة إىل يوـ الدين‪.‬‬
‫كافرا‪ ،‬لع كفر بفعلو وصار ً‬
‫ً‬
‫وأما اإلعراض العلم ‪ ،‬فهو على قسمني‪:‬‬

‫الق م األول‪ :‬اإلعراض عن تعلم اروريات الػدين ومػا ال يصػح اإلديػاف واإلسػالـ إال بػو‪ ،‬فمػن قبػل اإلسػالـ وقػاؿ‬
‫ال إلػػو إال اهلل‪ ،‬ل أعػػرض عػػن الػػدين ومل يػػتعلم مػػا اػػب عليػػو مػػن العمػػل هبػػا‪ ،‬ومل يػػتعلم أركػػاف اإلسػػالـ‪ ،‬وال تعلػػم‬
‫كافر معرض عن اإلسالـ‪.‬‬ ‫الصالة والصياـ‪ ،‬وال تعلم ما تصح بو عباداتو‪ ،‬فهو ٌ‬

‫وكػػذا مػػن شػػهد أف ال إلػػو إال اهلل وأف زلمػ ًػدا رسػػوؿ اهلل‪ ،‬ل أعػػرض عػػن معرفػػة الرسػػوؿ ومػػا اػػب مػػن حقوقػػو‪ ،‬وعػػن‬
‫أحدا جهلو من صفاتو وحقوقو‪ ،‬فهو يف ال فر كسابقو‪.‬‬ ‫معرفة اهلل وما ال يسع ً‬

‫والق ــم الثــاني‪ :‬اإلعػراض عػػن شػ ء مػػن أح ػػاـ الػػدين دوف الضػػروريات‪ ،‬وىػػذا لػػيس بنػ ٍ‬
‫ػاقض مسػػتقل‪ ،‬ول ػػن مػػن‬
‫ػانع مػػن موانػػع الت فػػري يف مرت ػػب النػواقض‪ ،‬فػػإكا وجػد مػػن ارت ػػب‬
‫النػػاس مػػن خيلػػط بينػػو وبػػني اههػػل الػػذي ىػػو مػ ٌ‬
‫ٖٗ‬
‫ناقضا من نواقض اإلسالـ كاحل م بغػري مػا أنػزؿ اهلل‪ ،‬وأعػرض عػن معرفػة احل ػم الشػرع فيمػا فعلػو‪ ،‬جعػل إعرااػو‬
‫ً‬
‫مانعا لو من اخلروج من الدين‪.‬‬
‫عذرا لو يف كفره‪ ،‬وجعل جهلو االختياري ً‬ ‫ً‬

‫وال فار مل ي ونوا كلهم عادلني معانػدين‪ ،‬بػل مػنهم مػن ال يعلمػوف احلػق فريت بػوف ال فػر‪( ،‬بَ ْػل أَ ْكثَػ ُػرُى ْم ال يػَ ْعلَ ُمػو َف‬
‫مانعا من ت فري صاحبو؟‬‫او َف)‪ ،‬وإكا كاف اههل كنبًا مستقالً ف يف ي وف ً‬ ‫احلَ عق فَػ ُه ْم ُم ْع ِر ُ‬
‫ْ‬

‫واههل الذي يُعذر بو إعإلا ىو اههل االاطراري دلن ال يستطيع دفعو‪ ،‬أمػا اهاىػل ادلػتم ن مػن العلػم فػال يُعػذر يف‬
‫ادلسائل الظاىرة من الدين‪ ،‬واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على نبينا زلمد وعلى آلو وصحابتو أصبعني‪.‬‬

‫ٖ٘‬
‫إصالح الغلط في فهم النواقض‬
‫التحذير من التكفير مطل ًقا‬

‫احلمد هلل رب العادلني‪ ،‬والصالة والسالـ على أشرؼ ادلرسلني‪ ،‬نبينا زلمد وعلى آلو وصحابتو أصبعني‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فشػ ف نػواقض اإلسػػالـ واحلػػديث عنهػػا وتنزيػػل أح امهػػا شػ ف خطػػريٌ‪ ،‬والنػػاس فيػػو طرفػػاف ووسػػط‪ ،‬فمػػن النػػاس مػػن‬
‫يغلػػو يف تطبيػػق النػواقض وي ِّفػػر بػػالالزـ والزـ الػػالزـ‪ ،‬وبػػالفهم اخلػػاطش للنػػاقض‪ ،‬ودبػػا يُشػػبهو ويشػػاكلو‪ ،‬ومػػن النػػاس‬
‫مػن يعطّلهػػا بال ليػة‪ ،‬ويػوا ألػ عد أعػػداء اهلل مػن ادلرتػ ّدين وحي ػػم بإسػالمهم ُ‬
‫واػػادؿ مػن يُنػ ّػزؿ ح ػم اهلل فػػيهم‪ ،‬وأىػػل‬
‫السػػنة وأىػػل العلػػم وسػػط بػػني الغػػا واهػػايف‪ ،‬فهػػم ال يُعطّلػػوف أح ػػاـ اهلل‪ ،‬وال يُعملو ػػا دوف ا ػوابطها وشػػروطها‬
‫والنظر يف ادلوانع واألحواؿ ادل تلفة‪.‬‬

‫حسػػن‬
‫وبعػػد أف انتهينػػا مػػن احلػػديث عػػن ن ػواقض اإلسػػالـ الػػيت ككرىػػا الشػػيخ زلمػػد بػػن عبػػد الوىػػاب رضبػػو اهلل‪ُ ،‬‬
‫احلديث عن الغلط العذي يقع يف النواقض وأسبابِو ومواطن الزلل واخللل فيو‪.‬‬

‫وأوؿ األغالط اليت نذكرىا‪ :‬غلػط مػن حي ِّػذر مػن الت فػري مطل ًقػا‪ ،‬وال حي ػم علػى أحػد بػال ف ِر‪ ،‬ويسػت ُّ‬
‫دؿ علػى كلػ‬
‫بػػبعض النصػػوص الػػيت ال ُحيسػػن تنزيلهػػا يف موااػػعها‪ ،‬كمػػن يسػػتدؿ بقػػوؿ النػػيب صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم‪” :‬مػػن قػػاؿ‬
‫ألخيو يا كافر فقد باء بو أحدمها“‪ ،‬مع أ عف احلديث يف ت فري ادلسلم بال دليل وبينة‪ ،‬أما ما كػاف بالػدليل فػال‪ ،‬أل عف‬
‫من قاـ الدليل على كفره ال ي وف أخاً‪ ،‬وال يدخل يف قولو صلى اهلل عليو وسلم‪” :‬من قاؿ ألخيو“‪.‬‬

‫يستدؿ ذلذا القػوؿ يف ت فػري احلػاكم بقػوؿ النػيب صػلى اهلل عليػو وسػلم‪” :‬مػن مػات ولػيس يف عنقػو بيعػة‬ ‫ّ‬ ‫ومنهم من‬
‫مات ميتة جاىلية“ وىذا احلديث يف العذي يرتؾ بيعة اإلماـ ادلسػلم‪ ،‬أمػا ال ػافر ادلتسػلط علػى ادلسػلمني فبيعتػو مػن‬
‫ادلػواالة الػيت ػى اهلل عنهػا وحػ عذر منهػا‪ ،‬ويلػزمهم هبػذا صػ عحة واليػة بػوش وشػاروف وأمثاذلمػا علػى ادلسػلمني العػػذين يف‬
‫ديارمها‪.‬‬

‫ومنشػ الغلػػط يف ىػػذا‪ :‬اخلطػ يف تصػػور معػػَّن اإلديػػاف وال فػػر‪ ،‬فمػػن القػػائلني هبػػذا مػػن ين ػػر زيػػادة اإلديػػاف ونقصػػانو‪،‬‬
‫إ عمػػا مطل ًقػػا‪ ،‬وإ عمػػا أف يُن ػػر أ عف اإلديػػاف يػػنقب ح ػ ال يبقػػى منػػو ش ػ ء‪ ،‬بػػل يػػر أ عف اإلديػػاف يػػنقب ح ػ ع يبقػػى منػػو‬
‫ػاد‪ ،‬ول نعػػو ال يػػر ال فػػر كػػذل بػػل اعػػل ال فػػر‬ ‫ػزوؿ وال يػػنقب‪ ،‬أو يػػر أ عف اإلديػػاف قػ ٌ‬
‫ػوؿ وعمػ ٌػل واعتقػ ٌ‬ ‫شػ ءٌ ال يػ ُ‬
‫اعتقادا فحسب‪ ،‬أو ير أ عف اإلدياف يزيد بالعمل وينقب بالعمل ح ال يبقػى منػو إالع كرة ال تػنقب مهمػا فعػل إالع‬ ‫ً‬
‫جبحود التوحيد القليب ال غري‪.‬‬

‫‪ٖٚ‬‬
‫وىذه كلُّها من مقاالت ادلرجئة اخللعب‪ ،‬ومن فروعها واألقواؿ ادلرعكبة عليها‪ ،‬وقػد ي ػوف قائلهػا يف كثػ ٍري مػن األحيػاف‬
‫يُن رىػا لػو مسعهػػا بامسهػا العػذي حػ عذر منػو السػػلف‪ ،‬وإف كػاف يعتقػد معناىػػا وىػو اهلػو‪ ،‬وىػذا مػن نقػػب العلػم وقلػػة‬
‫ادلعرفػػة دبػػذىب أىػػل السػػنة‪ ،‬وكثػػري مػػن القػػائلني هبػػذا يتعصػػبوف فيػػو لػػبعض مػػن كىػػب إىل مػػذىب ادلرجئػػة ونصػػره مػػن‬
‫ادلعظعمني عندىم‪.‬‬

‫والت فري إ عما أف ي وف ح ًما شرعيًّا‪ ،‬وإف وقع فيػو بعػض الغلػط‪ ،‬وإ عمػا أف ي ػوف بػاطالً‪ ،‬والثػاين ال قائػل بػو‪ ،‬واألوؿ‬
‫وىػو ادلتعػػني يقتضػ أنػعػو ال اػػوز التحػػذير مػػن الت فػػري بػػإطالؽ‪ ،‬بػػل احملػ ِّػذر مػػن الت فػػري يلزمػػو التفصػػيل فيحػ ِّػذر مػػن‬
‫احلق يف مواعو وبشروطو‪.‬‬ ‫الت فري بالباطل‪ ،‬وي مر بالت فري ِّ‬

‫ول عن من يتولعوف كػا ىػذه ادلسػ لة يتحاشػوف ىػذا ويتهعربػوف منػو‪ ،‬أل ع ػم يعلمػوف أ عف التفصػيل احلػ عق يُبطػل مػذاىبهم‪،‬‬
‫وأ عف إةبات الت فري يف مواعو الصحيح يثبحم بو ت فري الطواغيحم العذين ُاادلوف عنهم‪.‬‬

‫صػػل يف التحػػذير مػػن الغلػػو يف الت فػػري‪،‬‬ ‫وذلػػذا السػػبب ذبػػد أ عف الػػادلني عػػن الطواغيػػحم لػػيس ذلػػم كػ ٌ‬
‫ػالـ علم ػ مف ع‬
‫لعلمهم هبشاشة أصوذلم وتناقض قواعدىم يف أبػواب الت فػري‪ ،‬وال ذبػد مػن كتػب يف الػرد علػى مػن يغلػو يف الت فػري‬
‫أحسػػن مػػن أهلل زلمػػد ادلقدسػ فػ ع اهلل أسػػره‪ ،‬لواػػوح مذىبػػو وصػػحة أصػولو وقواعػػده يف أبػواب الت فػػري واإلديػػاف‪،‬‬
‫أحدا‪.‬‬
‫ولصدعو باحلق دوف مداىنة فيما حنسبو واهلل حسيبو وال نزك على اهلل ً‬

‫وكتػػاب أهلل زلمػػد ادلقدسػ موسػػوـ بالثالةينيػػة يف التحػػذير مػػن الغلػػو يف الت فػػري‪ ،‬وىػػو كتػػاب نفػػيس ال يسػػتغين عنػػو‬
‫طالػػب العلػػم‪ ،‬وأكثػػر مػػن ن َفػػر مػػن أهلل زلمػػد ون عفػػر وح ػ عذر مل يق ػرأ لػػو حرفًػػا ومل يعلػػم مػػن مقالتػػو شػػيئًا‪ ،‬ولػػو أنصػػفوا‬
‫ونظ ػػروا يف أصػ ػولو وقواع ػػده لعلمػ ػوا أ ع ػػا احل ػ ّػق‪ ،‬إالع م ػػا ال يس ػػلم من ػػو أح ػػد م ػػن اخلطػ ػ اليس ػػري يف الف ػػروع وادلس ػػائل‬
‫االجتهادية‪.‬‬

‫واهلل أعلم‪ ،‬والصالة والسالـ على نبينا زلمد وعلى آلو وصحابتو أصبعني‪.‬‬

‫‪ٖٛ‬‬
‫الغلط في عصمة المردد بلفظ ال إله إال اهلل (‪)6‬‬

‫احلمد هلل رب العادلني‪ ،‬والصالة والسالـ على أشرؼ ادلرسلني‪ ،‬نبينا زلمد وعلى آلو وصحابتو أصبعػني‪ ،‬ومػن تػبعهم‬
‫بإحساف إىل يوـ الدين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فمن الغلط الشائع عند كثري من الناس‪ ،‬ظنُّهم أ عف من قػاؿ ال إلػو إال اهلل مل ُخيرجػو مػن اإلسػالـ شػ ٍء‪ ،‬ولػو ارت ػب‬
‫الن ػواقض وتع ػ عود ادل ِّف ػرات‪ ،‬لع يبن ػػوف عل ػػى ى ػػذا حرم ػػة القت ػػل‪ ،‬وعص ػػمة ال ػػدـ وادل ػػاؿ‪ ،‬ف ػػال ي ّف ػػروف م ػػن يس ػ ُّ‬
‫ػب اهلل‬
‫يتوىل أعداء اهلل‪ ،‬أو حي م بغري ما أنزؿ اهلل‪ ،‬أو يدعو ادل لػوقني مػن دوف اهلل‪ ،‬ويف ىػذا مناقضػةٌ عظيمػةٌ‬ ‫ورسولو‪ ،‬أو ع‬
‫ألصل التوحيد‪ ،‬ومعاراةٌ ل تاب اهلل وسنة نبيو صلى اهلل عليو وسلم وإصباع األمة‪.‬‬

‫ُوحػ إِلَيػ َ وإِ َىل العػ ِذ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫ين مػ ْػن قَػْبلػ َ لَػػئ ْن أَ ْشػ َػرْك َ‬
‫حم لَيَ ْحػػبَطَ عن‬ ‫َ‬ ‫(ولََقػ ْد أ َ ْ َ‬‫وحسػػب أف اهلل قػػاؿ لنبيػػو صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم‪َ :‬‬
‫عملُػ َ ولَتَ ُ ػػونَ عن ِمػػن ْ ِ‬
‫ين)‪ ،‬فػػإكا كػػاف النػػيب ال ػػرم صػػلوات اهلل عليػػو داخػالً يف ىػػذا العمػػوـ‪ ،‬غػػري مسػػتثَّن مػػن‬ ‫اخلَاسػ ِر َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬
‫ىذا احل م‪ ،‬مع اليقني بعصمتو منو وبعده عنو‪ ،‬ف يف دبن كاف من أ عمتو؟‬

‫والعػػذي يطػػرد ىػػذا األصػػل يعسػػر عليػػو أف حي ػػم ب فػػر مسػػيلمة ال ػ عذاب واألسػػود العنس ػ ‪ ،‬وأمثػػاذلم مػػن ادلرت ػ ّدين‬
‫بإصب ػػاع الص ػػحابة والس ػػلف الص ػػاحلني‪ ،‬بع ػػد أف يعل ػػم أ ع ػػم ً‬
‫صبيع ػػا ك ػػانوا يش ػػهدوف أف ال إل ػػو إال اهلل‪ ،‬وينتس ػػبوف إىل‬
‫اإلسالـ‪ ،‬بل كانوا يشهدوف هلل بالوحدانية وللنيب زلمد صلى اهلل عليو وسلم بالرسالة‪.‬‬

‫وقد أُيت ىمالء من فهم ٍ‬


‫باطل لبعض األحاديث كقوؿ النيب صػلى اهلل عليػو وسػلم‪” :‬مػا مػن عبػد قػاؿ ال إلػو إال اهلل‬
‫ل مات على كل إال دخل اهنة“‪ ،‬وحديث‪” :‬خيرج من النار من قاؿ ال إال اهلل ويف قلبو مثقػاؿ كرة مػن اخلػري“‪،‬‬
‫وحنو ىذه األحاديث‪.‬‬

‫وقوؿ ال إلو إال اهلل‪ ،‬يثبحم بو اإلسالـ ابتداء باإلصبػاع لع يطالَػب مػن قاذلػا بػالتزاـ مقتض ِ‬
‫ػياهتا‪ ،‬مػن األقػواؿ واألعمػاؿ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ػافرا‪ ،‬وإف جػاء دبػا يُناقضػها كػاف‬
‫واالعتقادات‪ ،‬فإف مل يلتزمها ُسلب اسم اإلسالـ الذي ُح م لػو بػو‪ ،‬وكػاف مرتػدًّا ك ً‬
‫مرتدًّا كذل ‪.‬‬

‫ت يقصػد اإلسػالـ دوف اسػتهزاء‪ ،‬أو صػلى مػع ادلسػلمني‪ ،‬أو فعػل شػيئًا شلػا‬ ‫أسلمحم أو قاؿ‪ :‬صػب ُ‬
‫ُ‬ ‫وكذل من قاؿ‪:‬‬
‫ػتب باإلسػػالـ‪ ،‬فإنعػو ُحي ػػم لػو باإلسػػالـ‪ ،‬ولػيس معػػَّن ىػذا أ عف اإلسػػالـ ال يػزوؿ ولػػو جحػد الشػػهادتني مػع التزامػػو‬
‫خي ُّ‬
‫بش ٍء من الشعائر‪.‬‬

‫‪ٖٜ‬‬
‫وقػػد ح ػػم اهلل جػػل جاللػػو ب فػػر ادلسػػتهزئني بالػػدين‪ ،‬شلػػن كػػانوا خيواػػوف ويلعبػػوف يف اسػػتهزائهم‪ ،‬فقػػاؿ تعػػاىل ذلػػم‪:‬‬
‫(الَ تَػ ْعتَ ِذ ُرواْ قَ ْد َك َف ْرُ بػَ ْع َد إِديَانِ ُ ْم)‪ ،‬وكػانوا ينتسػبوف إىل اإلسػالـ ويشػهدوف ب لسػنتهم أف ال إلػو إال اهلل‪ ،‬وأف زلم ًػدا‬
‫مانعا ذلم من ال فر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫رسوؿ اهلل‪ ،‬ومل ي ن كل‬

‫ين‬ ‫وح م ب فر ادلنافقني الذين يتولوف ال افرين‪ ،‬وككػر عػن ادلػممنني أ ع ػم ح مػوا علػيهم بػذل فقػاؿ‪( :‬ويػ ُق ُ ع ِ‬
‫ػوؿ الػذ َ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫عِ‬
‫ين)‪.‬‬‫َصبَ ُحواْ َخاس ِر َ‬ ‫ين أَقْ َس ُمواْ بِاللّو َج ْه َد أَْديَا ْم إِنػ ُعه ْم لَ َم َع ُ ْم َحبِطَ ْ‬
‫حم أ َْع َما ُذلُ ْم فَ ْ‬ ‫َآمنُواْ أ ََى ُػمالء الذ َ‬

‫وح ػػم رسػػوؿ اهلل صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم علػػى العػػذي ن ػػح امػرأة أبيػػو‪ ،‬بالقتػػل وزبمػػيس ادلػػاؿ‪ ،‬وىػػذا ح ػػم منػػو عليػػو‬
‫بال فر‪ ،‬وكفره من االستحالؿ العمل ‪ ،‬واحلديث صححو صباعةٌ من أىل العلم منهم ابن تيمية‪.‬‬

‫وح ػػم الصػػحابة بػػرعدة مػػن اسػػتحلُّوا اخلمػػر‪ ،‬يف قصػػة قدامػػة بػػن مظعػػوف ادلشػػهورة يف الصػػحيح‪ ،‬فػ مر هبػػم عمػػر بػػن‬
‫اخلطاب را اهلل عنهإف استحلُّوىا بعد إقامة احلجة أف يُقتلوا ردةً وإف ُّ‬
‫أقروا هبا أف ُالدوا حدًّا‪.‬‬

‫يفرقوا بني اهاحد منهم وادلقر بوجوهبا الباخػل هبػا‪ ،‬مػع‬


‫وح م الصحابة برعدة مانع الزكاة‪ ،‬وقاتلوىم على منعها ومل ِّ‬
‫أ ع م مل احدوا الشهادتني‪ ،‬بل مل احدوا الصالة وال غري الزكاة من فرائض الدين وشعائره‪.‬‬

‫وح م الصحابة برعدة من ا عدعوا النبوة‪ ،‬كمسيلمة ال عذاب واألسػود العنسػ ِّ ‪ ،‬وسػجاح التميميعػة‪ ،‬وطليحػة األسػدي‪،‬‬
‫وغػػريىم مػػن ادلتنبئػػني‪ ،‬مػػع إق ػرارىم أو أكثػػرىم بشػػهادة أف ال إلػػو إال اهلل‪ ،‬وب ػ ف زلمػ ًػدا رسػػوؿ اهلل‪ ،‬وإعإلػػا ا عدع ػوا أ ع ػػم‬
‫ةابحم باألسانيد الصحيحة عن مسيلمة رأس ال عذابني‪.‬‬
‫أُش ِركوا يف األمر‪ ،‬وىذا ٌ‬

‫وىذه ادلس لة من ادلسائل الظاىرة اليت ال زبفى على من يفهم التوحيد‪ ،‬ومنش الغلط فيها كمػا ككرنػا‪ ،‬عػدـ التفريػق‬
‫بني ما يُدخل بو يف اإلسالـ‪ ،‬وما يبقى اإلسالـ مع وجوده‪ ،‬فيُدخل باإلسالـ بش ٍء من الشػعائر ادل تصػة بػو‪ ،‬وال‬
‫بػ عد مػػن القيػػاـ ب ركػػاف اإلسػػالـ والسػػالمة مػػن نواقضػػو لبقػػاء اإلسػػالـ‪ ،‬وسػػي يت ذلػػذا مزيػػد مػػن البيػػاف يف ادلقػػاؿ القػػادـ‬
‫بإكف اهلل‪ ،‬يف بياف الغلط فيما يثبحم بو اإلدياف وال فر‪.‬‬

‫ٓٗ‬
‫الغلط في عصمة المردد بلفظ ال إله إال اهلل (‪)4‬‬

‫احلمد هلل رب العادلني‪ ،‬والصالة والسالـ على أشرؼ ادلرسلني‪ ،‬نبينا زلمد وعلى آلو وصحابتو أصبعني‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فػػإ عف معرفػػة مػػا يثبػػحم بػػو اإلديػػاف وال فػػر مػػن أىػػم أح ػػاـ اإلديػػاف‪ ،‬فبػػذل يُعػػرؼ ادلػػممن مػػن ال ػػافر‪ ،‬وأح ػػاـ الػػدنيا‬
‫واآلخػػرة متعلقػػة هبػػذا التمييػػز بػػني ادلػػممنني وال فػػار‪ ،‬ومػػن مل يعػػرؼ يثبػػحم اإلديػػاف وال فػػر مل يعػػرؼ ادلػػممن مػػن‬
‫ال ػػافر‪ ،‬وبػػاب معرفػػة مػػا يثبػػحم بػػو اإلديػػاف وال فػػر واسػػع ع ػريض‪ ،‬يػػدخل فيػػو ال ػػالـ عل ػػى حقيقػػة اإلديػػاف وزللػػو‬
‫ونواقضو وشروط الت فري وموانعو‪ ،‬وادلراد يف ىذا ادلقاؿ ادل تصػر احلػديث عػن مزل ٍػق مػن ادلزالػق يف ىػذا البػاب وةغػرة‬
‫ي ثر الغلط فيها‪.‬‬

‫أصل لحمديػاف ال يػتم إال بػو‪ ،‬أو أصػل مػن أصػوؿ‬


‫شعب وفروعٌ‪ ،‬وىذه الفروع منها ما ىو ٌ‬
‫وكل من اإلدياف وال فر لو ٌ‬
‫ال فر ي فر من وقع فيها‪ ،‬ومنها ما ىو دوف كل من م مالت اإلدياف أو مسائل ال فر األصغر‪.‬‬

‫والغلػػط الػػذي يقػػع فيػػو كثػػريٌ مػػن النػػاس ىنػػا‪ ،‬ىػػو ادلسػػاواة بػػني اإلديػػاف وال فػػر‪ ،‬وبػػني شػػعب اإلديػػاف وشػػعب ال فػػر‪،‬‬
‫وفروع ىذا الغلط تتجلعى يف صورتني‪:‬‬

‫وأن الكفــر يمتنــع بــبعض شــعب اإليمــان كفعػػل مػػن يسػ ُّ‬
‫ػتدؿ‬ ‫أن اإليمــان يثبــع بــبعض شــعبه َّ‬
‫األولــى‪ :‬اعتقــاد َّ‬
‫علػى إديػاف الرجػػل بػبعض الشػػعائر‪ ،‬كمػن يسػ ُّ‬
‫ػتدؿ علػى إسػػالـ احل ومػة السػػعودية ادلرتػدعة دبػػا يتظػاىروف بػػو مػن رعايػػة‬
‫ػعب مػػن شػػعب اإلديػػاف‪ ،‬واإلديػػاف ال‬
‫ػاج‪ ،‬وطباعػػة ادلصػػحف‪ ،‬والقيػػاـ علػػى شػػئوف احلػػرمني‪ ،‬وىػػذه لػػو ص ػ عححم ُشػ ٌ‬
‫احلػ ِّ‬
‫يثبحم ببعض ُشعبو‪ ،‬ودينع يف ادلقابل من ت فػري مػن ةبػحم كفػره باألدلعػة‪ ،‬لوجػود بعػض شػعائر اإلسػالـ وفػروع اإلديػاف‬
‫حيب اهلل‪ ،‬وال من توىل ال افرين ألنعو ناصػر مػرًة بعػض طوائػف ادلػممنني‪ ،‬وال مػن‬ ‫عنده‪ ،‬فال ي فر من سب اهلل ألنو ُّ‬
‫يسجد لألصناـ والقبور واألولياء واألارحة ألنعو يسجد هلل ويصل لو‪.‬‬

‫أن الكفر ال يثبع إالَّ باجتماع ُشـعبه كمػن يػر أ عف العػذي يعبػد األصػناـ ال ي فػر حػ ع امػع مػع‬ ‫الثانية‪ :‬اعتقاد َّ‬
‫فري االعتقاد بربوبيػة تلػ األصػناـ‪ ،‬ويػر أ عف مػن عبػد األوليػاء ال ي فػر ألنعػو مل يػرتؾ عبػادة اهلل‪ ،‬ويعتقػد‬
‫العمل ال ِّ‬
‫كفر ويقصػد إليػو‪ ،‬أو أ عف مػن فعػل ال فريػات الػيت كانػحم‬ ‫ٌ‬ ‫أ عف من عبد األارحة والقبور ال ي فر ح ع يعتقد أ عف كل‬
‫صبيعػػا‪ ،‬بػػل ح ػ ع امػػع صبيػػع مػػا لػػد كفػػار اهاىليػػة مػػن ال فػػر؛ فين ػػر‬
‫لػػد كفػػار ق ػريف ال ي فػػر ح ػ ع امعهػػا ً‬
‫الرسػالة والبعػث بعػد ادلػػوت ويعتقػد هلل الولػد والصػاحبة وحنػػو كلػ ‪ ،‬ويػر أ عف الطواغيػحم احلػػاكمني بغػري مػا أنػػزؿ اهلل‬

‫ٔٗ‬
‫صبيعػػا‪ ،‬ويسػػبوا اهلل‬
‫وحيرم ػوا إعػػالف التوحيػػد واههػػر بػػو‪ ،‬ويُبيح ػوا ادلن ػرات ً‬
‫ال ي فػػروف ح ػ ع دينع ػوا الصػػالة والزكػػاة‪ّ ،‬‬
‫ورسولو ودينو وكتابو على رؤوس األشهاد‪.‬‬

‫وىذا الغلط ين شف عند من لو أدٍ ت ُّمل يف األدلعة‪ ،‬ويف حاؿ من كفػرىم اهلل ورسػولو‪ ،‬وح ػم ب فػرىم أصػحاب‬
‫رسػػوؿ اهلل صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم‪ ،‬وكثػػريٌ شلػػن يقػػع يف ىػػذا الغلػػط ال يعلػػم بػػو ولػػو أُلػػزـ بػػو أن ػػره ومػػا التزمػػو‪ ،‬ول نعػ‬
‫ذبػػده عنػػد النظػػر يف ادلسػػائل وادلنػػاظرة يف احل ػػم بت فػػري بعػػض ادلعينػػني‪ ،‬يقػػع فيػػو مػػن حيػػث ال يشػػعر‪ ،‬وي ػػوف مػػن‬
‫أكثر أسباب الغلط والزلل عنده‪.‬‬

‫أيضػػا ىػػو منش ػ غلػػط ادلعتزلػػة الػػذين قػػالوا بادلنزلػػة بػػني ادلن ػزلتني‪ ،‬فتصػػوروا ال فػػر كاإلديػػاف ال يثبػػحم إال‬
‫وىػػذا الغلػػط ً‬
‫باجتماع بعض الشعب‪ ،‬فلما قالوا بسلب اإلدياف عن فاعل ال برية مل يسػتطيعوا إدخالػو يف ال فػر ألنعػو مل امػع مػا‬
‫حيصل بو ال فر عندىم‪ ،‬فقالوا ب نعو خرج من اإلدياف ودخػل يف ال فػر‪ ،‬مػع أ ع مػا نقيضػاف ال اتمعػاف وال يرتفعػاف‪،‬‬
‫كما أ عف من خرج من النور فهو يف الظلمة ومن خرج من النهار فهو يف الليل‪.‬‬

‫والتصػػور الصػػحيح لحمديػػاف وحقيقتػػو ومػػا يثبػػحم بػػو‪ ،‬ىػػو أ عف اإلديػػاف كيفيػػة مػػن األعمػػاؿ واألق ػواؿ واالعتقػػادات‪ ،‬ال‬
‫يثبػػحم اسػػم اإلديػػاف واإلسػػالـ إال بوجودىػػا‪ ،‬والسػػالمة مػػن نواقضػػها وموانعهػػا‪ ،‬فػػال بػػد يف اإلديػػاف مػػن اجتمػػاع أركانػػو‬
‫والسالمة من نواقضو‪ ،‬أ عمػا ال فػر ف ُّػل مػا أخػرج عػن اإلديػاف‪ :‬مػن انتقػاص شػ ٍء مػن أركانػو‪ ،‬أو ارت ػاب شػ ٍء مػن‬
‫ػحم يف كػل صػورةٍ ح منػا‬ ‫مدخل يف ال فر بالضرورة‪ ،‬وليس بينهما منزلة‪ ،‬فػال فر ةاب ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫نواقضو ادل رجة من ادللعة‪ ،‬فهو‬
‫فيها بانتفاء اإلدياف وانتقااو‪.‬‬

‫يما فَػػاتعبِعُوهُ َوالَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫(وأَ عف َىػ ػ َذا صػ َػراط ُم ْسػػتَق ً‬
‫وذلػػذا األمػػر كػػاف اإلديػػاف سػػبيالً واحػ ًػدا وال فػػر سػػبالً متفرقػػة‪ ،‬قػػاؿ تعػػاىل‪َ :‬‬
‫الس ػػبُ َل فَػتَػ َف ػعر َؽ بِ ُ ػ ْػم َع ػػن َس ػبِيلِ ِو)‪ ،‬ف ػ مر باتب ػػاع الس ػػبيل ادلس ػػتقيم ال ػػذي ى ػػو اإلدي ػػاف‪ ،‬وال حيص ػػل اإلدي ػػاف إال‬
‫تَػتعبِعُ ػواْ ُّ‬
‫ػبيل منهػا غػري سػبيل اإلديػاف ىػو ال فػر‪ ،‬وسػبب كثػرة ألػواف‬ ‫باتباعو‪ ،‬و ى عن اتباع السبل ادلفرقة عن سبيلو‪ ،‬وكل س ٍ‬
‫ػعب كثػػريةٍ‪ ،‬فيقابػػل كػػل شػ ٍ‬ ‫ػدـ‪ ،‬يثبػػحم حيػػث انتفػػى اإلديػػاف‪ ،‬وىػػذا ي ػػوف يف فػػروع وشػ ٍ‬
‫ػعبة مػػن‬ ‫ُ‬ ‫ال فػػر وأنواعػػو أنػعػو عػ ٌ‬
‫معارض ذلا‪ ،‬أما اإلدياف فهو سبيل واحد ال خيتلف‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫شعب اإلدياف كفر مناقض‬

‫وادلػ مور بػ م ٍر لػو سػبيل واحػد يف امتثػاؿ ىػذا األمػر‪ ،‬أمػػا سلالفتػو فسػبلها أكثػر مػن أف تنحصػر‪ ،‬وىػذا معلػوـ باألمثلػػة‬
‫اليت يعيشها الناس ويعرفو ا من أمور الػدنيا‪ ،‬فلػو أُمػر رج ٌػل بسػلوؾ طري ٍػق‪ ،‬مل ي ػن امتثػاؿ األمػر إال بسػلوؾ الطريػق‬
‫بعينهػػا‪ ،‬أمػػا ادل الفػػة فت ػػوف بسػػلوؾ مائػػة طريػ ٍػق غػػريه‪ ،‬أو بػػالقعود عػػن سػػلوؾ ش ػ ٍء مػػن الطػػرؽ كلهػػا‪ ،‬فه ػذا مثػػاؿ‬
‫اإلدياف وال فر‪.‬‬

‫ٕٗ‬
‫عِ‬
‫ومثل اآلية السابقة يف الداللة علػى أ عف سػبيل اإلديػاف واحػدة وسػبل ال فػر كثػرية متفرقػة قولػو تعػاىل‪( :‬اللّػوُ َوِ ُّ الػذ َ‬
‫ين‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ عِ‬ ‫ُّ ِ ِ‬
‫وت ُخيْ ِر ُجػػونػَ ُهم ِّمػ َػن النُّػػوِر إِ َىل الظُّلُ َمػػات أ ُْولَػػئِ َ‬
‫ين َك َفػ ُػرواْ أ َْوليَػ ُؤُى ُم الطعػػاغُ ُ‬
‫َآمنُػواْ ُخيْػ ِر ُج ُهم ِّمػ َػن الظلُ َمػػات إ َىل النُّػ ُػور َوالػػذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ووحػػد النػػور م ػرتني‪ :‬عنػػد ككػػر خػػروج ادلػػممنني مػػن الظلمػػات‬ ‫اب النعػػا ِر ُىػ ْػم ف َيهػػا َخالػ ُػدو َف) فجمػػع الظلمػػات ّ‬ ‫ػح ُ‬ ‫َصػ َ‬‫أْ‬
‫ادلتفرقة إىل النور الواحد‪ ،‬وعند ككر خروج ال افرين من النور إىل الظلمات‪.‬‬

‫ويف احلديث الذي رواه أضبد وأصحاب السنن عن ابن مسعود‪ :‬خط رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم خطًّػا بيػده ل‬
‫مستقيما‪ ،‬وخط عػن ديينػو ولالػو ل قػاؿ‪ :‬ىػذه السػبل‪ ،‬لػيس منهػا سػبيل إال عليػو شػيطاف يػدعو‬ ‫ً‬ ‫قاؿ ىذا سبيل اهلل‬
‫السبُ َل فَػتَػ َفعر َؽ بِ ُ ْم َعن َسبِيلِ ِو)‪.‬‬
‫يما فَاتعبِعُوهُ َوالَ تَػتعبِعُواْ ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫(وأَ عف َىػ َذا صَراط ُم ْستَق ً‬
‫إليو‪ ،‬ل قرأ‪َ :‬‬

‫واألمثلة اليت يُفهم هبا ىذا الغلط ووجو الصواب فيو مػن سػرية النػيب صػلى اهلل عليػو وسػلم وكتػاب اهلل وسػنة رسػولو‪،‬‬
‫ومػن أفعػػاؿ الصػػحابة راػواف اهلل علػػيهم أكثػػر مػن أف ربصػػر‪ ،‬ولينظػػر مػن أراد التثبػػحم يف كػػل صػورٍة مػػن الصػػور الػيت‬
‫ُح ػم فيهػا باإلسػالـ علػى أح ٍػد أو بػػال فر عليػو‪ ،‬وسػيجد مػا ككرنػاه جليًّػا مػػن ةبػوت ال فػر مػع بقػاء بعػض شػػعائر‬
‫اإلسػػالـ وعػػدـ اجتمػػاع شػػعب ال فػػر‪ ،‬وعػػدـ الػػدخوؿ يف اإلسػػالـ مػػع وجػػود بعػػض شػػعائره والعبػػادات الصػػحيحة‬
‫فيو‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫ٖٗ‬
‫الخطأ في مناط التكفير في النواقض‬

‫احلمد هلل رب العادلني‪ ،‬والصالة والسالـ على أشرؼ ادلرسلني‪ ،‬نبينا زلمد وعلى آلو وصحابتو أصبعني‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فإف من اخلط يف فهم نواقض اإلسالـ ما ي وف خط ً يف االستنباط واالستدالؿ‪ ،‬ومن كل اخلطػ يف تنقػيح ادلنػاط‬
‫الذي كاف بو ادل فر‪ ،‬ويف ربقيق ادلناط يف الصورة ادلعينة‪ ،‬وىػذا البػاب مػن اخلطػ شػائع كثػري عنػد بعػض مػن يعػدوف‬
‫يف طالب العلم وأىل التحقيق والفهم‪.‬‬

‫ومػػن األخطػػاء الواقع ػػة يف كل ػ يف الن ػواقض‪ ،‬اخلط ػ الػػذي ي ث ػػر الوق ػػوع في ػػو عنػػد ال ػػالـ عل ػػى نػػاقض االس ػػتهزاء‬
‫وحي م بال فر على من وقع فيما ليس دب فر‪.‬‬ ‫بالدين‪ ،‬فيُدخل فيو ما ليس منو‪ُ ،‬‬

‫واالسػػتهزاء بػػاهلل عػػز وجػػل‪ ،‬أو برس ػولو أو ب ياتػػو‪ ،‬أو ش ػ ء شلػػا يعػػود االسػػتهزاء بػػو إىل االسػػتهزاء بػػذل كفػػر ص ػراح‬
‫سلرج من ادللة‪ ،‬ال يُعذر فيو إال ادل ره‪ ،‬أو من استهزأ دبا ال يعلم أنعو من دين اهلل شلا خيفى على مثلو‪.‬‬

‫واسػػتهزاء ادلنػػافقني دلػػا قػػالوا‪ :‬مػػا رأينػػا مثػػل قرائنػػا ىػػمالء أرغػػب بطونػًػا وال أكػػذب ألسػػنًا وال أجػػد عنػػد اللقػػاء‪ ،‬كفػػر‬
‫صريح‪ ،‬فهو متضمن لالستهزاء بالنيب صلى اهلل عليو وسلم وىو كفر مستقل‪ ،‬وبالقراء ضبلة العلػم وأىػل القػرآف مػن‬
‫أصػػحابو الػػذين يُعلػػم بالضػػرورة أ ع ػػم مػػن أىػػل العلػػم الصػػادقني ادل ػ مور بتػػوقريىم يف الش ػريعة‪ ،‬والػػذين انتقاصػػهم مػػن‬
‫انتقاص الدين‪.‬‬

‫وكذل من استهزأ بالصحابة الاىػدين مػع رسػوؿ اهلل صػلى اهلل عليػو وسػلم‪ ،‬أو اسػتهزأ جبيػوش حػرب ادلرتػدين‪ ،‬أو‬
‫جػػيف الريمػػوؾ مػػن أصػػحاب رسػػوؿ اهلل صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم ومػػن معهػػم‪ ،‬وحنػػوىم شلػػن يُعلػػم مػػن الػػدين بالضػػرورة‬
‫اجعا إىل أمر من الدين‪ ،‬فمن فعل كل فهو كافر مرت ّد‪.‬‬ ‫جهادا شرعيًّا‪ ،‬وي وف االستهزاء هبم ر ً‬‫أ ع م رلاىدوف ً‬

‫اجعػػا إىل الػػدين أو لػػيس‬


‫أمػػا مػػن اسػػتهزأ بنػػاس مػػن القػراء أو صباعػػة مػػن العلمػػاء لوصػػف خػػاص خيتصػػوف بػػو لػػيس ر ً‬
‫معلومػػا رجوعػػو إىل الػػدين‪ ،‬كمػػن اسػػتهزأ بعلمػػاء مػػذىب مػػن ادلػػذاىب‪ ،‬أو بلػػدة مػػن الػػبالد‪ ،‬أو دولػػة مػػن الػػدوؿ أو‬
‫ً‬
‫ح ومة من احل ومات‪ ،‬فإنعو يفصل يف حالو على ما ي يت‪.‬‬

‫ومثلو من استهزأ جبماعة من الاىدين القدماء أو ادلعاصرين الذين تدخل الشػبهة يف حػاذلم علػى مػن مل يعػرفهم أو‬
‫ُشبّو عليػو أمػرىم‪ ،‬كمػن اسػتهزأ بػبعض اهيػوش األمويػة أو العباسػية أو أفػراد منهػا غػري عػامل أ ع ػم يف جهػاد يف سػبيل‬
‫اهلل‪ ،‬كم ػػن ي ػ ػراىم مرتزقػ ػػة للقت ػػاؿ ال خيػ ػػرجهم إال الطمػ ػػع وادل ػػاؿ‪ ،‬أو حنػ ػػو كل ػ ػ ‪ ،‬وكم ػػن اسػ ػػتهزأ بػ ػػبعض الاىػ ػػدين‬
‫ٗٗ‬
‫ادلعاصرين‪ ،‬ولػو كػاف مػن أئمػتهم وقػادهتم‪ ،‬أو بػبعض جبهػات اههػاد‪ ،‬كالاىػدين يف جزيػرة العػرب أو يف العػراؽ أو‬
‫يف اهزائػػر سػػددىم اهلل‪ ،‬ومل ي ػػن اس ػػتهزاؤه ألجػػل جه ػػادىم يف س ػػبيل اهلل نفسػػو‪ ،‬ب ػػل دل ػػا يظن ػػو عن ػػدىم مػػن خل ػػل‬
‫فيسبهم ويستهزئ هبم من ىذا الوجو ويصفهم بالفسػوؽ والضػالؿ وحنػو كلػ ‪ ،‬فهػذا وإف كػاف مفرتيًػا جػاىالً اػاالًّ‬
‫إالع أنعو ال ي فر إال على التفصيل اآليت‪.‬‬

‫ػافرا مرتػػدًّا‪،‬‬
‫وكػػذل احل ػػاـ والػػوالة‪ ،‬فمػػن اسػػتهزأ بػ هلل ب ػػر وعمػػر وعثمػػاف وعلػ راػ اهلل عػػنهم وأراػػاىم‪ ،‬كػػاف كػ ً‬
‫ومػػن اسػػتهزأ بغػػريىم مػػن الػػوالة الصػػاحلني فػػال حي ػػم ب فػػره حػ يُعلػػم أف كالمػػو يتنػػاوؿ الواليػػة أمػػر ادلسػػلمني‪ ،‬مػػن‬
‫حيث ى والية ألمر ادلسلمني‪.‬‬

‫فليس كل استهزاء بعامل أو دبجاىػد أو بػو ٍاؿ مسػل ٍم كف ًػرا‪ ،‬وال كػل كلػ لػيس ب فػر‪ ،‬وإعإلػا ال فػر مػن كلػ مػا يعػود‬
‫إىل االستهزاء بالدين وكـ ش ء شلا جاء بو رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم‪.‬‬

‫ومػػن أقػػبح الغلػػط يف ىػػذا مػػا فعلػػو صػػا الفػػوزاف حػػني جعػػل االسػػتماع إىل إكاعػػة اإلصػػالح مػػن رلالسػػة ادلسػػتهزئني‬
‫اخلائضػػني يف آيػػات اهلل‪ ،‬أل ع ػػا اسػػتهزاء بالعلمػػاء ووالة أمػػر ادلسػػلمني يعػػين طواغي ػحم اهزي ػػرة! وى ػػذا الغل ػػط الشػػنيع‬
‫يدل على ما يوصل إليو الغلط يف ىذا الباب من مذىب اخلوارج‪.‬‬

‫واالسػػتهزاء دبػػا ىػػو معلػػوـ بالضػػرورة مػػن الػػدين كفػػر ص ػريح ال يُتوقػػف فيػػو‪ ،‬أمػػا االسػػتهزاء دبػػا ُدي ػػن فيػػو اخلفػػاء مػػن‬
‫الدين فإعإلا ي فػر مػن قامػحم عليػو احلجػة وأصػر‪ ،‬واالسػتهزاء دبػا اختُلػف يف كونػو مػن الػدين اختالفًػا اجتهاديًّػا قويًّػا‪،‬‬
‫عظيما‪ ،‬إالع أف فاعلو إف كاف يفعلو ةقةً ب حد القولني وأنعو لػيس مػن الػدين مل ي فػر باالتفػاؽ‪ ،‬كمػن‬ ‫وإف كاف غلطًا ً‬
‫يستهزئ بالتشديد يف أمور الطهارة عند بعض الفقهاء‪ ،‬كمن يقوؿ‪ :‬الوسوسة يف الطهارة حنبلية‪.‬‬

‫ويقػػع يف ىػػذا بع ػض مػػن ي فػػر مػػن اسػػتهزأ برجػػل مػػن الاىػػدين أو مػػن قػػادهتم‪ ،‬أو ي فػػر مػػن اسػػتهزأ جببهػػة مػػن‬
‫جبهات اههاد خبصوصها‪ ،‬ويظن أ عف كل من االستهزاء بالدين ألنو استهزاء بالاىدين وباههاد‪.‬‬

‫ومثلو الغلػط يف مسػ لة مػن اعتقػد أف غػري ىػدي الرسػوؿ صػلى اهلل عليػو وسػلم أكمػل مػن ىديػو‪ ،‬فػإكا اختػار بعػض‬
‫الناس شيئًا من األمور اليت فيها زبيري فيما ليس من الواجبات‪ ،‬كمن خيتػار تػ خري الصػالة عػن الوقػحم الفااػل وحنػو‬
‫كل ‪ ،‬رأ أنو اختار غري ىدي النيب على ىديو‪.‬‬

‫والضػػابط يف ىػػذه ادلس ػ لة أف مػػن اختػػار غػػري ىػػدي النػػيب صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم بػػإطالؽ يف عمػػوـ ادلسػػائل أو يف‬
‫مسػ لة معينػػة‪ ،‬فػرأ أف شػػيئًا مػػن السػػنن تركػػو خػػري مػػن فعلػػو‪ ،‬أو أف شػػيئًا مػػن ادل روىػػات فعلػػو خػػري مػػن تركػػو‪ ،‬فقػػد‬
‫ػريا مػػن تركػػو‪ ،‬أو رأ تػػرؾ‬ ‫كفػػر‪ ،‬أمػػا احملرمػػات والواجبػػات فتجتمػػع فيهػػا عػػدة مناطػػات م فػػرة إكا رأ فعػػل احملػػرـ خػ ً‬
‫خريا من فعلو‪.‬‬
‫الواجب ً‬
‫٘ٗ‬
‫أمػػا مػػن رأ أ عف فعػػل ادلسػػتحب خػ ً‬
‫ػريا مػػن تركػػو يف العمػػوـ‪ ،‬ول نػػو يف حػػاؿ مػػن األحػواؿ أو وقػػحم مػػن األوقػػات يػػر‬
‫كفرا‪.‬‬
‫مرجحا لرتكو‪ ،‬مع كونو يف نفسو فااالً لوال كل ادلرجح‪ ،‬فلم يرت ب خط فضالً عن أف ي وف ً‬ ‫ً‬

‫وىذا اري يف كثري من النواقض ومن تتبعو ودقق النظر فيو سلم بإكف اهلل من كثري من الغلط يف ىذه األبواب‪.‬‬

‫‪ٗٙ‬‬
‫اشتراط الكفر االعتقادي في المكفرات العملية‬

‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالـ على رسوؿ اهلل‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فػإف أصػػل مػػا خػػالف فيػػو ادلرجئػػة أىػػل السػػنة‪ ،‬حصػػرىم اإلديػػاف وال فػػر بالقلػػب ومػػا يعتقػػد أو مػػا يعمػػل‪ ،‬وإخػراجهم‬
‫األعمػػاؿ عػػن مسػػمى اإلديػػاف‪ ،‬أو عػػن حصػػوؿ ال فػػر هبػػا‪ ،‬والنتشػػار اإلرجػػاء وكثػػرة دعاتػػو ومنظريػػو وادلت ػ ةرين بػػو‪،‬‬
‫دخلحم على بعض أىل السنة وادلنتسبني إليهم شبهات كثرية منبنية على أصل قػوؿ ادلرجئػة دوف أف يعلمػوا أ ع ػا مػن‬
‫مقالة ادلرجئة‪ ،‬ومن كل ما يشرتطو كثري من الناس يف بعض النواقض مػن موافقػة القلػب للجػوارح‪ ،‬واجتمػاع ال فػر‬
‫االعتقادي مع ال فر العمل فيها‪ ،‬وذلذا مراتب متعددة‪.‬‬

‫فمن الناس من أخذ بقوؿ اههميعة اخللعب صبلةً وتفصيالً يف ىذا الباب‪ ،‬كمػن يقػوؿ إ عف عابػد القبػور ال ي فػر حػ‬
‫اررا‪ ،‬أو يدع أ عف العبادة ال ت وف إالع على ىذا االعتقػاد‪ ،‬وديتنػع عػن ت فػري ادلسػتهزئ بالػدين‬
‫نفعا أو ً‬‫يعتقد فيها ً‬
‫ػودا لربوبيػة رب العػزة جػػل‬ ‫والسػاب هلل ورسػولو ودينػو حػ يعلػم أنعػو فعػل كلػ اسػت فافًا بالػدين أو ً‬
‫كرىػا لػو أو جح ً‬
‫وعال‪.‬‬

‫وشلن يقوؿ هبذه ادلقالة وينشرىا وينصرىا رجل مػن أىػل الريػاض شلػن ينتسػبوف إىل سػلفية الطػاغوت وىػو مػن خلعػب‬
‫اههميػػة يف بػػاب اإلديػػاف‪ ،‬يػػر أ عف مػػن سػػجد لغػػري اهلل ال ي فػػر إالع بقصػػد التقػ ُّػرب إىل صػػاحب الػػوةن‪ ،‬فلػػو سػػجد‬
‫رجل لالت والعز ومناة الثالثة األخر وىبل وفرعػوف وىامػاف‪ ،‬مػا كفػر علػى مقالػة ىػذا اههمػ ِّ حػ يعتقػد بقلبػو‬ ‫ٌ‬
‫التقػػرب إلػػيهم واسػػتحقاقهم للعبػػادة والتقػػرب والسػػجود‪ ،‬أمػػا الراغػػب أو الراىػػب فهػػو عنػػده مػػن ادلوحػػدين ادلسػػلمني‬
‫أىل القبلة! وصاحب ىذه ادلقالة يُستتاب ويُ عبني لو احلق وتُقاـ عليو احل عجة فإف تاب وإالع فهو من ال افرين‪.‬‬

‫ومػػن النػػاس مػػن مل يبلػ بػػو الػػتجهم واإلرجػػاء ىػػذا ادلبلػ ‪ ،‬ول نعػػو دخػػل يف شػ ء منػػو يف بعػػض ادلسػػائل‪ ،‬كمػػن يعػػذر‬
‫بعػػض ال فػػار باههػػل ويعػػين جهلهػػم بػ عف فعلهػم كفػػر‪ ،‬وىػػذا القػػوؿ حقيقتػػو أنػعػو ال ي فػػر إال مػػن قصػػد إىل ال فػػر‪،‬‬
‫أل عف مػػن علػػم بػػالتحرم وارت بػػو ومل يعلػػم بػػال فر مسػػتوجب للشػػروط ول نػػو مل يقصػػد أف ي ُفػ َػر ألنػػو مل يعلػػم أنػعػو دبػػا‬
‫فعل ي فر‪ ،‬أ عما من علم ب عف الفعل كفر وارت بو عادلا أنعو ي فر بذل فقػد قصػد إىل ال فػر‪ ،‬وإف مل ي ػن ال فػر يف‬
‫ً‬
‫كاتو مطلوبًا لو‪ ،‬ول ن مطلوبو يتضمن ال فر وىو يريده دبا تضمنو من ال فر‪.‬‬

‫وأما غالب من يقع يف ىذا الغلط فإعإلا يقػع لػو يف مسػ لتني‪ ،‬مهػا مسػ لتا‪ :‬احل ػم بغػري مػا أنػزؿ اهلل‪ ،‬وتػو ال ػافرين‪،‬‬
‫سلرجا من ادللة‪.‬‬
‫اعتقادا كفريًّا ً‬
‫ً‬ ‫فيشرتط فيهما‬

‫‪ٗٚ‬‬
‫تبعا دلا ككره زلمػد بػن عبػد الوىػاب رضبػو‬ ‫ناقضا من نواقض اإلسالـ ً‬ ‫فاحل م بغري ما أنزؿ اهلل‪ ،‬يعده كثري من الناس ً‬
‫اهلل يف النواقض‪ ،‬وىو احلق الذي ال ريب فيو‪ ،‬ول ن عند تفصيل ىذا الناقض وال الـ عليو‪ ،‬يشػرتط كثػري مػنهم يف‬
‫كفػػر احلػػاكم بغػػري مػػا أنػػزؿ اهلل أف يعتقػػد أ عف فعلػػو ص ػواب وأ عف احل ػػم بػػالقوانني خػػري مػػن احل ػػم دبػػا أنػػزؿ اهلل‪ ،‬وحنػػو‬
‫كل من ادل فرات االعتقادية اليت ي فر معتقدىا وإف مل يرت بها‪.‬‬

‫وفرؽ بني من ال يعد احل م بغري ما أنزؿ اهلل من النواقض‪ ،‬ومن يعده مػن النػواقض ويشػرتط فيػو ىػذا الشػرط‪ ،‬وىػذا‬ ‫ٌ‬
‫الفرؽ وإف كاف يبدو لفظيًّا لغري ادلت مػل إال أنعػو فػرؽ معنػوي مهػم دلػن ت عملػو‪ ،‬فالػذي ال يعػد احل ػم بغػري مػا أنػزؿ اهلل‬
‫من النػواقض‪ ،‬وإعإلػا اعلػو مػن ال بػائر كالزنػا والربػا وشػرب اخلمػر ال يتنػاقض‪ ،‬واعػل اسػتحالؿ احل ػم بغػري مػا أنػزؿ‬
‫ناقضا داخػالً يف النػواقض االعتقاديػة كاسػتحالؿ الزنػا‪ ،‬واحل ػم العملػ بغػري مػا أنػزؿ‬
‫اهلل أو تفضيلو على ح م اهلل ً‬
‫اهلل فسوقًا عمل ًّ كالزنا والربا‪ ،‬ف صولو مطردة وى أصوؿ أىػل السػنة‪ ،‬وإف خػالف مقػالتهم يف احل ػم بغػري مػا أنػزؿ‬
‫اهلل‪.‬‬

‫وتو ال افرين‪ ،‬يشرتط فيو كثري من الناس‪ ،‬وخاصة بعد حدوث النازلة الصليبية مػن احلملػة األمري يػة العادليػة علػى‬
‫ما يسمونو اإلرىػاب‪ ،‬يشػرتطوف فيػو أف ي ػوف عػن زلبػة لػدين ال ػافرين وديػنهم وتفضػيل ذلػم علػى ادلػممنني‪ ،‬والواقػع‬
‫يف ىػػذا كالػػذي قبلػػو أف النػػاقض ىػػو زلبػػة ديػػن ال ػػافرين‪ ،‬أو زلبػػة علػػوىم علػػى ادلسػػلمني‪ ،‬ال رلػػرد ت ػوليهم‪ ،‬وىػػذا‬
‫االستدالؿ كما تقػدـ يف ال ػالـ علػى النػاقض مغالطػة عجيبػة‪ ،‬وتعػد علػى الداللػة الصػرحية ل يػة الػيت يوافقػوف علػى‬
‫أ ع ػػا دليػػل كفػػر ادلتػػو لل ػػافرين‪ ،‬وقػػد تقػػدـ بيػػاف بطػػالف ىػػذا الضػػابط عنػػد ال ػػالـ علػػى النػػاقض الثػػامن‪ ،‬وألهلل‬
‫مصػػعب ناصػػر الفهػػد ف ػ اهلل أسػػره وفػػرج عنػػو كػػالـ نفػػيس يف ىػػذه الشػػبهة يف أوؿ كتابػػو وقفػػات مػػع الوقفػػات‪،‬‬
‫فقاؿ‪:‬‬

‫األمر األول‪:‬‬

‫أف (ال اتػػب) وفقػػو اهلل وى ػػداه قػػد بػػَّن رده وكالم ػػو يف معػػَّن مظػػاىرة ال ف ػػار عل ػػى أصػػل (اهه ػػم ب ػػن ص ػػفواف) يف‬
‫اإلرجػاء‪ ،‬وىػو رد ادل فػرات القوليػة والعمليػة إىل (االعتقػاد)‪ ،‬فجعػػل ادلظػاىر لل فػار وادلناصػر ذلػم علػى ادلسػػلمني ال‬
‫ي فػػر مهمػػا فعػػل ح ػ يعلػػن راػػاه بػػدين ال فػػار‪ ،‬وعلػػى مقتضػػى مػػذىبهم فػػإف ادلنتسػػب لحمسػػالـ لػػو قػػاد جيػػوش‬
‫الصليبيني اد ادلسلمني ال ي فر‪.‬‬

‫وعلى أصلهم ىذا فجميع األعماؿ ‪ -‬ح الطاعات ‪ -‬اوز جعلها مػن نػواقض اإلسػالـ‪ ،‬فمػن ادلم ػن أف تقػوؿ‪:‬‬
‫من نواقض اإلسالـ‪ :‬أكل الربا !!!‪.‬‬

‫‪ٗٛ‬‬
‫فػػإف احػػتج علي ػ أح ػ ٌد‪ ،‬فقػػل‪ :‬إكا صػػاحب الربػػا اعتقػػاد كفػػري كالرا ػا بػػال فر أو االسػػتحالؿ فإنػػو ي ػػوف كف ػراً‪،‬‬
‫وى ػذا‪ ،‬فت ػػوف صبيػػع األعمػػاؿ واألقػواؿ مػن بػػاب نػواقض اإلسػػالـ علػػى ىػذا االعتبػػار !‪ .‬فهػػذا حقيقػػة مػػذىبهم يف‬
‫(مظاىرة ال فار) !!‪.‬انتهى كالمو‪.‬‬

‫ومػػن الن ػواقض االعتقاديػػة ال ػػيت ُجعلػػحم شػػرطًا يف كثػػري م ػػن الن ػواقض اسػػتحالؿ مػػا ح ػػرـ اهلل‪ ،‬ونػػاقض مػػن ن ػواقض‬
‫كثريا من الناس خيطػش فيػو واعلػو شػرطًا يف‬ ‫اإلسالـ اليت خيرج هبا العبد من ادللة ويلحق ب ىل ال فر والشرؾ‪ ،‬ول ن ً‬
‫ػتحل ال إف مل‬
‫ػافرا إف اسػ ع‬
‫بعػػض نػواقض اإلسػػالـ‪ ،‬مػػع عػػده ذلػػا مػػن النػواقض‪ ،‬كمػػن اعػػل احلػػاكم بغػػري مػػا أنػػزؿ اهلل كػ ً‬
‫يستحل‪ ،‬ويع ّد احل م بغري ما أنزؿ اهلل مع كل من نواقض اإلسالـ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ػافرا‪ ،‬فػػإ عف مسػػتحل النػػاقض كػػافر وال شػ ‪ ،‬وىػػذا ي ػػوف يف صبيػػع احملرمػػات مػػا كػػاف منهػػا‬
‫وإكا كػػاف مسػػتحل احلػراـ كػ ً‬
‫فرا وما كاف غري م فر‪ ،‬ول ػن مػن عػد شػيئًا مػن النػواقض ال ي فػر فاعلػو إال باالسػتحالؿ‪ ،‬كمػن يعػد شػيئًا مػن‬ ‫م ً‬
‫النػواقض ال ي فػػر صػػاحبو إال بػػدعاء غػػري اهلل‪ ،‬أو باعتقػػاد شػري هلل يف ربوبيتػػو‪ ،‬ومقتضػػى ىػػذا أ عف النػػاقض لػػو ذبػػرد‬
‫ناقضا‪ ،‬فلم يتحصل فرؽ بني احملرمات والنواقض‪.‬‬ ‫من االستحالؿ مل ي ن ً‬

‫فل ػػو ق ػػاؿ ى ػػذا القائ ػػل إف الزن ػػا والرب ػػا م ػػن نػ ػواقض اإلس ػػالـ‪ ،‬مل خيتل ػػف ع ػػن مقالت ػػو‪ ،‬ف ػػإف فاعله ػػا ال ي ف ػػر إف مل‬
‫يستحلها‪ ،‬ومستحلها ي فر وإف مل يفعلها‪ ،‬وىذا عني قولو يف احل م بغري ما أنزؿ اهلل وتو ال افرين‪.‬‬

‫واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على نبينا زلمد وعلى آلو وصحابتو أصبعني‪.‬‬

‫‪ٜٗ‬‬
‫عذر الجاهل من المشركين إذا كان منت باً إلى الم لمين‬

‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالـ على رسوؿ اهلل‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فػػإ عف مػػن ادلسػػائل الػػيت كثػػر فيهػػا االخػػتالؼ والغلػػط‪ ،‬مس ػ لة العػػذر باههػػل يف أصػػل الػػدين‪ ،‬وكثػػري شلػػن يػػر عػػذر‬
‫اهاىل الذي يرت ب الشرؾ األكا‪ ،‬اعل العلة يف كل انتسابو إىل اإلسالـ‪ ،‬ودعواه أنعو من ادلسلمني‪.‬‬

‫فإكا عبد غري اهلل‪ ،‬ودعاه وكبػح لػو‪ ،‬ونشػ علػى كلػ مػن مولػده إىل شلاتػو‪ ،‬وكػاف يقػوؿ بلسػانو إين مسػلم‪ ،‬عػده مػن‬
‫إين علػى الػدين الػذي أمػرين اهلل بػو مل يعػذره‪ ،‬وىػذا‬
‫ادلسلمني‪ ،‬وإكا عبد غري اهلل ودعاه وكبح لو‪ ،‬وكاف يقوؿ بلسانو ِّ‬
‫من التناقض وال ش ع ‪.‬‬

‫وإكا أُورد عليػو التسػػوية بػػني عبػػاد القبػػور وعبػػاد األوةػػاف وعػدـ عػػذر أحػػد مػػنهم باههػػل‪ ،‬جعػػل الفػػرؽ االنتسػػاب إىل‬
‫اإلسالـ‪ ،‬وبسبب ىذا االنتساب حي م ب فر عابد الوةن‪ ،‬وبإسالـ عابد القا‪.‬‬

‫واالنتسػػاب إىل اإلسػػالـ إف أُريػػد بػػو االنتسػػاب إىل اإلسػػالـ وحػػده دوف سػػائر الش ػرائع‪ ،‬فهػػو ح ػػم ال دليػػل عليػػو‪،‬‬
‫وإف أُريػػد بػػو االنتسػػاب إىل ديػػن اهلل عػػز وجػػل‪ ،‬س ػواء كػػاف االنتسػػاب إىل اإلسػػالـ الػػذي بُعػػث بػػو زلمػػد صػػلى اهلل‬
‫عليػػو وسػػلم‪ ،‬أو إىل اليهوديػػة أو النصػرانية أو غريىػػا مػػن األديػػاف الػػيت بُعػػث هبػػا الرسػػل‪ ،‬لػػزـ صػػاحب ىػػذه ادلقالػػة أف‬
‫حي م بإسالـ جهاؿ اليهود والنصار وغػريىم أل ػم منتسػبوف إىل ديػن اهلل الػذي أمػرىم باتباعػو‪ ،‬ووقعػوا يف نػواقض‬
‫لو عن جهل‪ ،‬ومن عذر ىمالء كفر وخرج من ادللة‪ ،‬وك ّذب الصحيح الصريح من األدلة‪.‬‬

‫بل يلزمو أف حي ػم بإسػالـ مشػرك قػريف قبػل بعثػة رسػوؿ اهلل صػلى اهلل عليػو وسػلم‪ ،‬أل ػم علػى ديػن إبػراىيم فيمػا‬
‫يزعمػوف ويظنػػوف‪ ،‬وكػػاف عنػدىم بعػػض الشػػعائر منػو واألح ػػاـ كػػاحلج واخلتػاف وتعظػػيم ادلشػػاعر‪ ،‬ويقػروف بػػاهلل ربػًّػا ال‬
‫شري لو يف اخللق والرزؽ واإلحياء واإلماتػة‪ ،‬ول ػنهم يشػركوف مػع اهلل غػريه لتقػرهبم إىل اهلل معتقػدين أف اهلل أكف لػو‬
‫بالنيابة عنو والوساطة بينو وبني خلقو تعػاىل اهلل عمػا يزعمػوف‪ ،‬وعبػاد القبػور مػثلهم يف كػل ىػذا‪ ،‬إال أف عبػاد القبػور‬
‫ينتسػػبوف إىل خػػا النبيػػني صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم بػػدؿ انتسػػاب اهػػاىليني إىل إب ػراىيم‪ ،‬ل ىػػم وإيػػاىم س ػواء يف كػػل‬
‫ش ء‪ ،‬وال ينفػع عبػاد القبػور اتبػاعهم النػيب صػلى اهلل عليػو وسػلم أو التػزامهم بعػض شػرائع دينػو‪ ،‬كمػا ال ينفػع كفػار‬
‫قريف اتباعهم إبراىيم أو التزامهم بعض شرائع دينو‪.‬‬

‫ٓ٘‬
‫فاالنتساب إىل اإلسالـ يُقابلو االنتساب إىل ملة إبػراىيم‪ ،‬وبعػض الشػرائع الػيت يتعبػدوف هبػا تقابلهػا شػرائع‪ ،‬وال ثػرة‬
‫ػافر‬
‫والقلػػة ال تػػمةر يف ةبػػوت اإلديػػاف وال فػػر‪ ،‬واإلقػرار بالربوبيػػة هلل يُقابلػػو إقػرار أولئػ بالربوبيػػة‪ ،‬وكػػل مػػن الفػريقني كػ ٌ‬
‫بػػاهلل خػػارج مػػن ادللػػة مػػارؽ مػػن الػػدين‪ ،‬وإف كػػاف انتسػػب إىل ديػػن صػػحيح وارتػػد عنػػو مػػن أوؿ نشػ تو كمػػا ىػػو حػػاؿ‬
‫كثري من القبورية ومن اهاىليني‪ ،‬وبعد أف سبق كلػ إسػالـ الفطػرة كمػا ىػو حػاؿ بعػض القبػوريني وأوائػل مػن ارتػد‬
‫من اهاىليني‪.‬‬

‫بل ح زعم القبوريني أ عف ما يفعلونو من أمر اهلل ورسولو‪ ،‬يُقابلو قوؿ ادلشركني يف اهاىلية كما ح ػى اهلل عػز وجػل‬
‫اح َشػةً قَػػالُوا َو َجػ ْدنَا َعلَْيػ َهػا آبَاءَنػَػا َواللعػػوُ أ ََمَرنَػا ِهبػَػا)‪ ،‬وىػػذا حجػة غالػػب ادلشػػركني مػن عبػاد القبػػور‬
‫عػنهم‪( :‬وإِكَا فَػعلُػوا فَ ِ‬
‫َ َ‬
‫اليوـ‪ ،‬بل قد لقيحم من كبار مشايخ أىل الشرؾ ادلعمرين‪ ،‬من حيتج حبجة ال فار األولػني بعينهػا‪ ،‬ويقػوؿ لػيس لػ‬
‫أف تن ػػر مػػا عليػػو النػػاس أل ع ػػم أخػػذوه عػػن آبػػائهم‪ ،‬وآبػػاؤىم ال شػ أ ع ػػم أخػػذوه عػػن آبػػائهم‪ ،‬وأخػػذه اخللػػف عػػن‬
‫السلف‪ ،‬ل ىو عن رسػوؿ اهلل صػلى اهلل عليػو وسػلم !‪ ،‬وىػذا عػني مػا يف اآليػة مػن احتجػاج ادلشػركني بػ مرين‪ :‬أ ػم‬
‫وجػػدوا عليػػو آبػػاءىم‪ ،‬وأف اهلل أمػػرىم بػػو قػػاؿ احلػػافظ ابػػن كثػػري يف تفسػػري اآليػػة‪” :‬ويعتقػػدوف أف فعػػل آبػػائهم مسػػتند‬
‫إىل أمر من اهلل وشرع“‪ ،‬وىذا وإف كاف ورد يف سياؽ الفاحشة اليت فسرت ب ا طوافهم بالبيػحم عػراة‪ ،‬إال أنػو يػدؿ‬
‫على وجو استدالذلم بفعل آبائهم‪ ،‬وىو ظنهم أف فعل آبائهم عن شريعة من اهلل‪.‬‬

‫وىػػذا الغلػػط كمػػا يقػػع مػػن بعػػض ادل ػػالفني يف مسػ لة العػػذر باههػػل مػػن طػػالب العلػػم‪ ،‬فإنػعػو يقػػع يف العامػػة كثػ ً‬
‫ػريا يف‬
‫عػػذر ادلعانػػد ادلنتسػػب إىل اإلسػػالـ‪ ،‬فػػال ي فػػروف منتسػػبًا إىل اإلسػػالـ أبػ ًػدا‪ ،‬بػػل قػػد مسعػػحم بعػػض مػػن كػػانوا يسػػموف‬
‫أكفػػر مػػن يقػػوؿ أنػػا مسػػلم‪ ،‬عنػػد س ػمالو عػػن مثػػل حػػافظ األسػػد‬ ‫ػريا يقػػوؿ‪ :‬ال ِّ‬
‫دعػػاة الصػػحوة شلػػن بػػدؿ تبػػديالً كثػ ً‬
‫ًّ‬
‫وحقػا‪،‬‬ ‫العاميعػة‪ ،‬وليػحم شػعري إف كػاف ىػذا ادلسػل ىػد‬ ‫وطواغيحم العرب من احل اـ ادلرتدين‪ ،‬وىذه عني الشبهة ِّ‬
‫فلػػم كلػػف الصػػديق نفسػػو مقاتلػػة مسػػيلمة ومػػن معػػو حػ فػػين خيػػار الصػػحابة واسػػتحعر القتػػل يف الق ػراء أىػػل العلػػم‬
‫والقرآف؟! وأكثر من ح م أىل العلم ب فرىم مػن ادلرتػدين‪ ،‬إف مل ي ػن غػالبهم كػانوا ينتسػبوف إىل اإلسػالـ ويػ بوف‬
‫أف يُوصفوا بغريه‪.‬‬

‫بػػل طػػرد ىػػذا القػػوؿ‪ :‬أف ال ي فػػر مػػن يقػػوؿ أنػػا علػػى ديػػن موسػػى‪ ،‬أو أنػػا علػػى ديػػن عيسػػى مػػن اليهػػود والنصػػار ‪،‬‬
‫وىذا القوؿ شلعن يف الضاللة بعيد كل البعد عن دين اهلل وكتاب اهلل وسنة رسولو صلى اهلل عليو وسلم‪.‬‬

‫فإف قيل‪ :‬ال يُسلعم هبذا فإ ع م كفروا بعد بعثة زلمد ونسػخ أديػا م‪ ،‬فمقتضػى ىػذا أ ع ػم لػو انتسػبوا إىل اإلسػالـ بعػد‬
‫أيضػػا أ عف جهػػاذلم كػػانوا ً‬
‫صبيعػػا مسػػلمني‬ ‫ػلما‪ ،‬ومقتضػػاه ً‬
‫بعثػػة زلمػػد وبقػوا علػػى مػػا ىػػم عليػػو عُػػذر جػػاىلهم وكػػاف مسػ ً‬
‫مممنني وقحم بعثة النيب صلى اهلل عليو وسلم‪ ،‬وإعإلا كفروا ببعثتو‪ ،‬وىذا معلوـ البطالف‪.‬‬

‫ٔ٘‬
‫ولػػيس معػػَّن مػػا تق ػدعـ أننػػا نقػػوؿ إنػعػو ال فػػرؽ بػػني ادلنتسػػب إىل اإلسػػالـ وغػػري ادلنتسػػب إليػػو مػػن ادلشػػركني البتػػة‪ ،‬بػػل‬
‫انتساب الرجل إىل اإلسالـ بعد كفره يثبحم لػو بػو اإلسػالـ يف الظػاىر‪ ،‬فػإكا مل يلتػزـ أح امػو‪ ،‬أو ارت ػب ادل فػرات‬
‫اليت تُناقض أصػل التوحيػد‪ ،‬فإنعػو ُحي ػم عليػو بػالردة‪ ،‬وأمػا الطوائػف ال فريػة الػيت تنشػ علػى ىػذا القػوؿ‪ ،‬ففػ إةبػات‬
‫اإلسػػالـ ذلػػم بانتسػػاهبم إىل اإلسػػالـ قػػوالف ألىػػل العلػػم‪ ،‬فمػػنهم مػػن يػػر أ عف اإلسػػالـ يثبػػحم ذلػػم باالنتسػػاب وتثبػػحم‬
‫الردة دبا يرت بوف من ادل فرات‪ ،‬ومنهم من ير أ ع م كفار أصليوف‪ ،‬وأف انتسػاهبم كانتسػاب مشػرك قػريف إىل ملػة‬
‫إبراىيم‪ ،‬وىو األصح دلا تقدـ من عدـ الفرؽ بني االنتسابني واهلل أعلم‪.‬‬

‫ىذا وصلى اهلل وسلم على عبده ورسولو زلمد وعلى آلو وصحابتو أصبعني‪.‬‬

‫ٕ٘‬
‫الخلط بين األسماء اللغوية والحقائق الشرعية‬

‫احلمد هلل رب العادلني‪ ،‬والصالة والسالـ على أشرؼ ادلرسلني‪ ،‬نبينا زلمد وعلى آلو وصحابتو أصبعني‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫عمومػا‪ ،‬ويف ال ػالـ علػى مسػائل اإلديػاف ونػواقض اإلسػالـ خبصوصػها‪ :‬أف‬ ‫فإف من موارد الغلػط يف ادلسػائل العلميػة ً‬
‫ػوي ادل ػالف للمعػَّن الشػرع ادلػراد‪ ،‬وقػد ي ػوف كلػ ‪ - ٔ :‬لتعػدد ادلعػاين اللغويػة‬ ‫يُعلعق احل م الشػرع باالسػم اللغ ِّ‬
‫لل لمػػة فيُعلعػػق احل ػػم دبعػػَّن غػػري ادلػراد‪ ،‬أو ٕ ‪ -‬لتعػػدد احلقػػائق الداخلػػة ربػػحم اسػػم لغػػوي واحػػد‪ ،‬فيعلػػق احل ػػم دبػػا‬
‫ليس مر ًادا منها ٖ ‪ -‬أو ألف الشريعة نقلحم االسػم عػن ادلعػَّن اللغػوي إىل معػَّن شػرع خػاص بتقييػد أو اسػتعارة أو‬
‫غري كل شلا ىو معروؼ من مباحث أصوؿ الفقو‪.‬‬

‫ػريا‪ ،‬وسػنذكر ةالةػة أمثل ٍػة لػذل يُعػرؼ هبػا مػا عػداىا مػن ادلسػائل‬
‫ويقع الغلط يف ىذا اهانب يف نػواقض اإلسػالـ كث ً‬
‫والفروع ادل تلفة وطرؽ االستدالؿ عليها‪.‬‬

‫ػب‪ ،‬مشػػتق مػػن‬ ‫الم ــألة األولــى‪ :‬اسػػم اإللػػو‪ ،‬حيػػث لػػو يف اللغػػة معػ ً‬
‫ػَّن ىػػو أصػػل االشػػتقاؽ‪ ،‬وىػػو احملبػػوب غايػػة احلػ ِّ‬
‫ػَّن آخػر منقػوؿ عػن‬
‫أيضػا مع ً‬
‫الولو‪ ،‬وإف كاف ىذا ادلشتق خبصوصػو‪ :‬اإللػو مل يُسػتعمل إال دلعػَّن ادلعبػود‪ ،‬ولػو يف اللغػة ً‬
‫ادلعبود‪.‬‬
‫ُ‬ ‫كل ادلعَّن وىو‬

‫فمػػن النػػاس مػػن التفػػحم إىل أصػػل االشػػتقاؽ‪ ،‬وأدخلػػو يف معػػَّن اإللػػو‪ ،‬وجعػػل اإللػػو ىػػو احملبػػوب غايػػة احلػػب‪ ،‬وفسػػر‬
‫بػػذل ال إلػػو إال اهلل‪ ،‬وال شػ ع أف ىػػذا جػػزء مػػن ادلعػػَّن ادلثبػػحم هلل عػػز وجػػل‪ ،‬ول ػػن ال يُفهػػم منػػو أف ازبػػاك اإللػػو ال‬
‫ي ػوف إال دبحبتػو غايػػة احملبػة‪ ،‬بػػل قػد ي ػوف ازبػػاك اإللػو بصػػرؼ العبػادة لػػو رغبػةً أو رىبػةً ولػػو أبغضػو‪ ،‬كمػػا ىػو حػػاؿ‬
‫كثري من عباد القبور الذين يعبدو ا ألجل ما يصلهم من أمواؿ‪ ،‬أو بعض أصحاب ادللل الػذين يعبػدوف آذلػةً للشػر‬
‫وي رىو ا ويبغضو ا‪ ،‬ول ن يعبدو ا خوفًا دوف زلبة‪ ،‬فعلى ىذا القوؿ ال ي ونوف مت ذين ذلا آذلة‪ ،‬وىذا باطل‪.‬‬

‫وأمهيػػة ىػػذه ادلسػ لة‪ ،‬مػػن جهػػة أف فهػػم كلمػػة التوحيػػد ال إلػػو إال اهلل يتعلػػق هبػػا ويعتمػػد عليهػػا‪ ،‬والغلػػط ادلػػذكور آن ًفػػا‬
‫يلػزـ منػػو ل ػوازـ كثػػرية مػػن أق ػواؿ ادلرجئػػة‪ ،‬ووقػػع كثػػري مػػن النػػاس يف الزلػػل بسػػبب غلطهػػم يف معػػَّن اإللػػو‪ ،‬حػ كانػػحم‬
‫ادلس لة من أعظم مسائل احلجاج واخلالؼ بني ادلوحدين وادلشركني‪.‬‬

‫الم ألة الثانية‪ :‬بغض ما أنزؿ اهلل بو الرسوؿ‪ ،‬وللبغض معَّن لغوي واحد‪ ،‬إال أنو يتنػاوؿ جهتػني‪ :‬الػبغض الطبعػ ‪،‬‬
‫والبغض اإلرادي‪ ،‬ف ما البغض الطبعػ فإنػو ال ي ػوف كف ًػرا إكا مل ي ػن معػو بغػض إرادي‪ ،‬ألف الػبغض الطبعػ لػيس‬

‫ٖ٘‬
‫ػب‬ ‫ِ‬
‫متعلقػو األمػػر الشػػرع وصػػفتو الشػػرعية‪ ،‬بػػل متعلقػػو مػػا يتضػػمنو األمػػر الشػػرع مػػن ادلشػػقة‪ ،‬كمػػا قػػاؿ تعػػاىل‪ُ ( :‬كتػ َ‬
‫اؿ َوُى َو ُك ْرهٌ)‪ ،‬فػذكر أف القتػاؿ كػره ذلػم‪ ،‬ومػع كلػ مل ي ػن كلػ كف ًػرا‪ ،‬وكػره القتػاؿ كػره طبعػ كمػا ىػو‬ ‫َعلَْي ُ ُم الْ ِقتَ ُ‬
‫ظاىر‪ ،‬خبالؼ لو أطلق كره اههاد فإ عف إطالقو ال اػوز دلػا فيػو مػن التلبػيس‪ ،‬وحيتمػل كػره ادلشػقة الػيت يتضػمنها كمػا‬
‫حيتمل كره احل م الشرع ‪.‬‬

‫ُّح‪ ،‬أ عما كره الصدقة والزكػاة فػال اػوز إطالقػو دلػا فيػو‬ ‫كفرا بل أكثر ما فيو الش ُّ‬ ‫ِ‬
‫ومثلو كره اإلنفاؽ وبذؿ ادلاؿ فإنعو ليس ً‬
‫كرىػػا طبعيًّػػا ناذبًػػا عػػن طبيعػػة‬
‫كرىػػا إراديػًّػا‪ ،‬وكػػره بػػذؿ ادلػػاؿ ً‬
‫مػػن اإليهػػاـ‪ ،‬وىػػو زلتمػػل للمعنيػػني‪ :‬كػػره األمػػر الشػػرع ً‬
‫(وإِكَا َم عسوُ ْ‬
‫اخلَْيػ ُر َمنُوعاً)‪.‬‬ ‫ىلوعا‪َ :‬‬
‫اإلنساف فقد ُخلق ً‬

‫الغلو يف الت فري‪.‬‬


‫ادلمديَة إىل ِّ‬
‫لق من ادلزالق ِّ‬
‫واخللط بني ىذين ادلعنيني لل ره مز ٌ‬

‫الم ألة الثالثة‪ :‬السحر‪ ،‬وقد وقع فيو خالؼ كثري بني العلماء يف ح م السػحر‪ ،‬ومػنهم مػن قػاؿ منػو اهػائز ومنػو‬
‫صػػل أح امػػو فػػذكر مػػن السػػحر ادلبػػاح سػػحر البيػػاف الػػذي قػػاؿ فيػػو النػػيب صػػلى اهلل عليػػو‬
‫احملػػرـ ومنػػو مػػا ىػػو كفػػر‪ ،‬وف ع‬
‫ػحرا“‪ ،‬وىػػذا شلػا ال يػدخل يف االسػم الشػرع للسػػحر‪ ،‬وإإلػا ىػو داخػل يف االسػم اللغػػوي‬ ‫وسػلم ”إ عف مػن البيػاف لس ً‬
‫الذي يشمل كل ما خف ولطف سببو‪ ،‬وإف كاف خفاؤه ولطف سببو بالنسبة لبعض الناس دوف بعض‪.‬‬

‫اص األشػياء ادلدركػة بػاحلس أو‬


‫وبسبب ىذا الغلط أدخل ناس مسائل من علم ال يميػاء الصػحيح ادلعتمػد علػى خػو ِّ‬
‫تبعا لذل من السحر احملرـ‪.‬‬ ‫ادلعروفة بالنظر والتجربة يف السحر‪ ،‬وعدوىا ً‬

‫وكػػذل دخػػل ىػػذا الغلػػط يف مسػ لة كفػػر السػػاحر‪ ،‬فمػػن فػعرؽ يف السػػحرة وك عفػػر بعضػػهم دوف بعػػض‪ ،‬جعػػل أسػػاس‬
‫اعتقادا شػركيًّا يف النجػوـ أو غريىػا كفػر‪ ،‬ومػن مل‬
‫ً‬ ‫تفريقو أف ما تضمن دعاءً لغري اهلل واستغاةة بالشياطني وحنوىا‪ ،‬أو‬
‫يعتقػػد كلػ وإعإلػػا اعتمػػد علػػى خػواص ادلػواد فلػػيس ي فػػر‪ ،‬مػػع أ عف حقيقػػة السػػحر الشػػرعية ال زبلػػو مػػن الشػػرؾ مػػن‬
‫استغاةة بغري اهلل وغري كل ‪ ،‬أما االعتماد على خواص ادلواد فال يدخل يف السحر إال بادلعَّن اللغوي‪.‬‬

‫فهذه ةالث مسائل من اليت ينبين الغلط فيها على اخللط بني االسم اللغوي واحلقيقة الشرعية اليت قد ت ػوف منقولػةً‬
‫عػػن االسػػم اللغػػوي كمػػا يف السػػحر‪ ،‬أو سلصصػػة دبعػػَّن مػػن معانيػػو كمػػا يف اإللػػو‪ ،‬أو بػػبعض احلقػػائق الداخلػػة ربػػحم‬
‫معناه الواحد كما يف البغض‪ ،‬وقد ككرنا مثاالً ل ل مس لة واألمثلة كثرية جدًّا ال تنحصر‪.‬‬

‫واهلل أعلم وصلى اهلل على نبينا زلمد وعلى آلو وصحابتو وسلم‪.‬‬

‫ٗ٘‬
‫د مية الكفر األصغر بالكفر العملي‬

‫نيب بعده‪ ،‬أما بعد‪:‬‬


‫احلمد هلل وحده‪ ،‬والصالة والسالـ على من ال ع‬

‫ٍ‬
‫ف ػػإ عف ال ف ػػر قس ػػماف‪ ،‬عمل ػ واعتق ػػادي‪ ،‬وك ػ ُّػل قس ػم م ػػن ى ػػذين القس ػػمني ي ػػوف كف ػ ًػرا أك ػ َ‬
‫ػا وي ػػوف كف ػ ًػرا أص ػػغر‪،‬‬
‫فالسػػجود لألصػػناـ ووطء ادلصػػحف باألقػػداـ وحنػػو كل ػ مػػن ال فػػر العمل ػ ِّ األكػػا‪ ،‬واعتقػػاد ش ػري ٍ هلل يف اخللػػق‬
‫االعتقادي األكا‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫والرزؽ من اإلحياء واإلماتة ىو من ال فر‬

‫ومػػن األخطػػاء الشػػائعة الػػيت تتػػابع عليهػػا كثػػريٌ مػػن النػػاس‪ ،‬بػػل مػػن النػػاس مػػن مل يسػػمع غريىػػا‪ :‬جعػػل ال فػػر العملػ ِّ‬
‫االعتقادي مرادفًا لل فر األكا‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫امسًا لل فر األصغر‪ ،‬وجعل ال فر‬

‫وال خيفػػى مػػا يف ىػػذا القػػوؿ مػػن كريعػ ٍػة إىل اإلرجػػاء‪ ،‬فػػإ عف مقتضػػى كػػوف ال فػػر العملػ ِّ كفػ ًػرا أصػػغر واالعتقػ ِّ‬
‫ػادي ىػػو‬
‫األكػػا أف ي ػػوف ال فػػر باالعتقػػاد فقػػط‪ ،‬وىػػذا مػػدار مقػػاالت أىػػل اإلرجػػاء بػػدرجاهتم‪ ،‬وإف كػػاف مػػن يسػػتعمل ىػػذا‬
‫ػافرا كف ًػرا اعتقاديًّػا‬
‫كفرا اعتقاديًّا إكا كاف أكػا‪ ،‬فيجعػل مػن سػجد للصػنم ك ً‬
‫فيسم ال فر العمل ع ً‬ ‫القوؿ قد يتناقض ِّ‬
‫تناقض يف اللفظ وادلعَّن صحيح‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫دبجرد سجوده وإف مل يعتقد اعتقاداًكفرياً‪ ،‬وىذا‬

‫وسبب ىذا الغلط ىو اخللط بني النفاؽ يف ىذا التقسيم وال فر‪ ،‬فإ عف النفاؽ ينقسم كال فر قسمني‪:‬‬
‫ُ‬

‫نفاقًػػا عمليًّػػا وىػػو النفػػاؽ األصػػغر‪ ،‬ونفاقًػػا اعتقاديػًّػا وىػػو النفػػاؽ األكػػا‪ ،‬فال ػػذب يف احلػػديث واخللػػف يف الوعػػد‬
‫واخليانػػة إكا اؤسبػػن‪ ،‬والفجػػور يف اخلصػػومة‪ ،‬كلُّهػػا مػػن أمػػارات النفػػاؽ العمليػػة الػػيت ُخيشػػى علػػى صػػاحبها مػػن النفػػاؽ‬
‫االعتقادي‪ ،‬أ عما النفػاؽ االعتقػادي فهػو مػا ككػر اهلل عػز وجػل عػن ادلنػافقني األ َُو ْؿ مػن العقائػد ال فريػة كظ ِّػن أ عف اهلل‬
‫ِّ‬
‫خيػػذؿ دينػػو وأىػػل دينػػو وال ينصػػرىم‪ ،‬وأ عف ادلشػػركني يست صػػلوف بيضػػة اإلسػػالـ ويقتلعػػوف شػػجرتو‪ ،‬ومثػػل اعتقػػادىم‬
‫بغض رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم ومعاداتو‪ ،‬وحنو كل ‪.‬‬

‫دائمػا خبػالؼ ال فػر العملػ ِّ ‪،‬‬


‫وسبب الفرؽ بني النفاؽ وال فػر يف ىػذا التقسػيم‪ ،‬وكػوف النفػاؽ العملػ نفاقًػا أصػغر ً‬
‫كفرا صػرحيًا‪ ،‬وإف كػاف صػاحبها قػد يُسػ عمى‬
‫أمر قليب‪ ،‬ولو ظهر النفاؽ على العمل كاف رعد ًة و ً‬‫ىو أ عف النفاؽ يف أصلو ٌ‬
‫مناف ًقا بسبب ما ُخيفى من مزيد ال فر‪.‬‬

‫وهبػػذا يظهػػر الفػػرؽ بػػني اسػػم (ادلنػػافق) واسػػم (النفػػاؽ)؛ فالنفػػاؽ ال ي ػػوف إالع اعتقاديػًّػا‪ ،‬أمػػا (ادلنػػافق) فػػإ عف مػػا أخفػػاه‬
‫من ال فر وكاف يف اعتقاده يس عمى نفاقًا‪ ،‬وإف أظهر شػيئًا مػن كفػره مل يسػ عم نفاقًػا بػل يسػ عمى كف ًػرا صػرحيًا‪ ،‬وإف كػاف‬
‫٘٘‬
‫يبقى لو اسم ادلنافق بقاءً على األصػل الػذي بػَّن عليػو دينػو وىػو أنعػو يُػبطن ال فػر‪ ،‬وكػذل ألنعػو خيفػ بعػض ال فػر‬
‫وإف أعلن بعضو‪.‬‬

‫فلػػو قػػاؿ قائػػل بوجػػود نفػ ٍ‬


‫ػاؽ عملػ أكػػا‪ ،‬وقيػػل لػػو‪ :‬مػػا ىػػو النفػػاؽ العملػ ُّ األكػػا؟ فإنػعػو لػػن يػ يت دبثػ ٍ‬
‫ػاؿ إالع كػػاف مػػن‬ ‫ٌ‬
‫ال فػػر الظػػاىر ولػػيس مػن النفػػاؽ‪ ،‬ولػػو أنػعػو أظهػػر نفاقػػو وجػػاىر بػػو وأمسعػػو النػػاس كػػاف ىػػذا الػػذي أظهػػره كفػ ًػرا ظػ ً‬
‫ػاىرا‬
‫ُمعلنًا‪.‬‬

‫وإف كاف ادلنافق قد يُظهػر بعػض مػا يف قلبػو للمنػافقني مثلػو اطمئنانًػا إلػيهم وةقػةً هبػم‪ ،‬وردبػا ظهػرت منػو ال لمػة الػيت‬
‫يسػػمعها منػػو الرجػػل أو ت ػػوف مػػن حلػػن القػػوؿ‪ ،‬ول نعػػو يف مثػػل ىػػذه بػػني أمػرين‪ :‬أف تظهػػر منػػو وتثبػػحم عليػػو في ػػوف‬
‫كافرا صرحيًا‪ ،‬وأف زبتف وال تثبحم فت وف ملحقةً دبا يُبطنو ألنعو الغالب من أمر نفاقو‪.‬‬ ‫ً‬
‫ػرتؽ عػػن ال فػػر الػػذي ي ػػوف بالقلػػب‬ ‫وذلػػذا مل ي ػػن لقسػػمة النفػػاؽ العمل ػ إىل أكػػا أو أصػػغر ِ‬
‫موجػػب‪ ،‬وهبػػذا افػ َ‬
‫واللساف والعمل‪ ،‬أ عما النفاؽ فال ي وف إالع بالقلب يف األصل‪.‬‬

‫وعلى ىذا فال فر ينقسم أربعة ٍ‬


‫أقساـ‪:‬‬

‫ال فر العمل ُّ األصغر‪ :‬كالطعن يف األنساب والنياحة على ادليّحم‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫وال فر العمل ُّ األكا‪ :‬كالسجود للصنم وإعانة ال فار على ادلسلمني‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫االعتقادي األصغر‪ :‬كاحملبة الشركية لغري اهلل ما مل تصل إىل حد العبادة فه من الشرؾ األكا‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫وال فر‬ ‫‪‬‬
‫االعتقادي األكا‪ :‬كاعتقاد األقطاب األربعة الذين يديروف ال وف ويدِّبروف األمور‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫وال فر‬ ‫‪‬‬

‫والنفاؽ ينقسم ةالةة أقساـ‪:‬‬

‫نفاؽ أصغر‪ ،‬ومثالو ما جاء يف حديث آية ادلنافق ةالث‪.‬‬ ‫النفاؽ العمل ُّ ‪ :‬وكلُّو ٌ‬ ‫‪‬‬
‫ػادي األصػػغر‪ :‬كاشػػتماؿ القلػػب علػػى شػ ٍء مػػن زلبػ ِػة غػػري اهلل زلبػةً شػػركيةً غػػري م فػػرة‪ ،‬دوف‬
‫النفػػاؽ االعتقػ ُّ‬ ‫‪‬‬

‫ظهور كل يف العمل‪.‬‬
‫ػادي األكػػا‪ :‬كمػػا تق ػدعـ ككػػره مػػن عقائػػد ادلنػػافقني‪ ،‬مثػػل اعتقػػادىم أ عف اهلل لػػن ينصػػر دينػػو‪،‬‬
‫النفػػاؽ االعتقػ ُّ‬ ‫‪‬‬
‫وبغضهم هلل ولدينو ولرسولو صلى اهلل عليو وسلم‪.‬‬

‫ىذا واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على عبده ورسولو زلمد وعلى آلو وصحابتو أصبعني‪.‬‬

‫‪٘ٙ‬‬
‫الخلط بين اإللهية واألُلوهية‬

‫احلمد هلل رب العادلني‪ ،‬والصالة والسالـ على أشرؼ ادلرسلني نبينا زلمد وعلى آلو وصحابتو أصبعني‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فػإ عف مػػن أبػواب الغلػػط الػػيت ق عػل التنبُّػػو إليهػػا يف مسػائل التوحيػػد‪ ،‬ومل أجػػد مػن نػ ع‬
‫ب عليػػو مػع كثػػرة مػػن يقػع فيػػو‪ ،‬وشبػػرة‬
‫ىذا الغلػط إدخػاؿ توحيػد األلوىيػة يف توحيػد الربوبيػة‪ ،‬وإخػراج العبػادة واالمتثػاؿ وتوحيػد الطلػب والقصػد مػن أصػل‬
‫ط يف ادلسػميات وادلعػاين كمػا‬ ‫معَّن ال إلو إال اهلل‪ ،‬وىذا اخللط احلاصل ليس خلطًا بني االمسني فحسػب بػل ىػو خلػ ٌ‬
‫ي يت توايحو بإكف اهلل‪.‬‬

‫واإلذليػػة‪ :‬مصػػدر صػػناع مػػن اسػػم اإللػػو‪ ،‬يػُراد بػػو اتّصػػاؼ الػػرب ب ونػػو إذلػًػا يف نفسػػو‪ ،‬وادلعػػَّن اسػػتحقاؽ الػػرب جػػل‬
‫وعال أف يُعبد وتُصرؼ إليو وجوه ال ُقربة‪ ،‬واتّصافو دبا يُوجب إفراده بالعبادة من الربوبية وصفات ال ماؿ‪.‬‬

‫وجل‪ ،‬وى دبعَّن اإلذلة‪.‬‬


‫وصرؼ أنواعها هلل ععز ع‬
‫ُ‬ ‫واألُلوىيعة‪ :‬العبادةُ‬

‫فاإلذلية صفة من صفات ربوبيعة اهلل سبحانو وتعاىل‪ ،‬واأللوىية ى صرؼ أفعاؿ العباد اليت يستحقُّها اهلل جل وعػال‬
‫القصد إليو ب فعاؿ ادل لوقني‪.‬‬
‫ُ‬ ‫إليو وحده‪ ،‬فاألوىل صفة اخلالق والثانية‬

‫داخل يف توحيػد ادلعرفػة‬


‫وجل أ عما األُلوىيعة ف فعاؿ العباد‪ ،‬وعلى ىذا فتوحيد اإلذلية ٌ‬ ‫فاإلذليعةُ صفةٌ من صفات اهلل ععز ع‬
‫واإلةبات ال يف توحيد الطلب والقصػد‪ ،‬ومػن ف عسػر ال إلػو إال اهلل دبعػَّن اإلذليػة فقػد قصػرىا علػى ادلعرفػة واإلةب ِ‬
‫ػات ومل‬
‫مفسًرا ل لمة التوحيد بالربوبية حقيقة‪.‬‬
‫يُدخل فيها توحيد الطلب والقصد ودخل عليو اخللل من ىنا‪ ،‬وكاف ّ‬

‫ػرد باسػػتحقاؽ العبػػادةِ ومػػن اعتقػػد ىػػذا‬


‫ومعػػَّن ال إلػػو إال اهلل يشػػمل ادلعرفػػة والطلػػب‪ ،‬فمػػن ادلعرفػػة معرفػػة أ عف اهلل منفػ ٌ‬
‫موح ًدا هلل توحي ًػدا حقيقيًّػا حػ امػع إىل كلػ عملػو بػو وقصػده إليػو بػ ف يُفػرد اهلل وحػده بالعبػادة‬
‫االعتقاد مل ي ن ّ‬
‫واتنب عبادة غريه‪.‬‬

‫وقد نش الغلط عند أكثر الناس يف ىذا الناقض من التعريف ادلشهور ل لمة التوحيد‪ :‬ال معبػود حبػق إال اهلل‪ ،‬فظنُّػوا‬
‫أ عف معػػَّن اإللػػو يف كلمػػة التوحيػػد متعلّػ ٌػق ب لمػػة‪” :‬حبػػق“‪ ،‬واحلػػق أ عف معػػَّن اإللػػو ىػػو يف كلمػػة ”معبػػود“ أ عمػػا كلمػػة‬
‫”حبق“ فه قي ٌد إلخراج ادل لوىات من دوف اهلل‪ ،‬وىذا ظاىر إكا ت عملحم أ عف كلمة اإللو الػيت تعػين ادلعبػود لػيس فيهػا‬
‫زبصيب كل بادلعبود حبق وال دوف حق بل متعلّق بالعابد فمن عبد شيئًا فهػو إذلُػوُ‪ ،‬أ عمػا قػوذلم ”حبػق“ يف شػرح ال‬

‫‪٘ٚ‬‬
‫إلو إال اهلل فإعإلا ىو ٌ‬
‫إظهار للجواب ادلق ّدر بعد ال النافية للجنس ألف التقدير ”ال إلو (حػق) إال اهلل“ ولػيس داخػالً‬
‫يف لفظ اإللو بل ىو مقدر يف سياؽ اهملة‪.‬‬

‫يم ألبِ ِيو َوقَػ ْوِم ِو إِن ِعين بػََراء ِّشلعا تَػ ْعبُ ُػدو َف ا إالّ الع ِػذي فَطَ َػرِين‬ ‫ومعَّن ال إلو إال اهلل مف عسر يف قوؿ اهلل تعاىل‪( :‬وإِ ْك قَ َ ِ ِ‬
‫اؿ إبْػَراى ُ‬ ‫َ‬
‫فَِإنعوُ َسيَػ ْه ِدي ِن ا و َج َعلَ َها َكلِمةً بَاقِيَةً ِيف َع ِقبِ ِو لَ َعلع ُهم يػَرِجعُو َف)؛ فتاأ إبػراىيم مػن اآلذلػة ادلعبػودة مػن دوف اهلل ومل يت ع‬
‫ػوؿ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أصح القولني‪ ،‬فليسػحم رل ّػرد الت ػذيب باآلذلػة‬ ‫إال اهلل وجعل ىذا األمر كلمةً باقيةً يف عقبو وى كلمة التوحيد على ِّ‬
‫أو اعتقاد استحقاؽ اهلل للعبادة‪ ،‬بل ى الااءة الفعلية من كل ما يُعبد مػن دوف اهلل‪ ،‬فهػذه ىػ ال لمػة الػيت عليهػا‬
‫مدار الدين وى أصل اإلدياف واليقني‪.‬‬

‫وخػػذ فسػػاد ىػػذا القػػوؿ والغلػػط مػػن فسػػاد لوازمػػو األوليػػة البدىيػػة‪ ،‬فإنػعػو لػػو اقتُصػػر علػػى تفسػػري ال إلػػو إال اهلل دبعػػَّن‬
‫ػتحق للعبػػادة‪ ،‬ويعلػػم أ عف مػػا يفعلػػو‬
‫اإلذليػػة لػػزـ كػػوف إبلػػيس مممنًػػا فإنػعػو يعتقػػد ويقػ ُّػر ب ػ عف اهلل سػػبحانو ىػػو وحػػده ادلسػ ُّ‬
‫موحػ ٍػد وال يقػوؿ أحػػد مػػن أىػل اإلسػػالـ إ عف إبلػػيس‬ ‫ػني وغوايػةٌ‪ ،‬ومػع كلػ فإنعػو كػ ٌ‬
‫ػافر بػػاهلل غػري ِّ‬ ‫ػالؿ مبػ ٌ‬
‫ويػدعو إليػػو ا ٌ‬
‫شلن يشهد أف ال إلو إال اهلل فضالً عن كونو من ادلوحدين‪ ،‬ف ذل كل من أقػر باسػتحقاؽ اهلل عػز وجػل للعبػادة ل‬
‫معتقدا بطالف ما يفعل‪.‬‬
‫أعرض أو است ا أو عبد غري اهلل معو ولو ً‬

‫األصناـ وسجد ذلا مػن دوف اهلل ودعػا ال واكػب والنجػوـ‪ ،‬وكػاف معتق ًػدا أ عف اهلل ىػو مسػتحق‬
‫َ‬ ‫وكذا لو أ عف رجالً عبد‬
‫موح ًدا على تفسػري التوحيػد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫العبادة وحده‪ ،‬ول ن باع دينو بعرض من الدنيا وعبد غري اهلل لرغبة أو رىبة‪ ،‬فإنعو يبقى ّ‬
‫باإلذلية دوف األُلوىية‪ ،‬وإصباع ادلوحدين على كفر من ىذه حالو‪ ،‬ومثلو من كاف يقر باسػتحقاؽ اهلل العبػادة وحػده‪،‬‬
‫ل يسبو جل وعال فإكا ُسئل قاؿ إين ال أعتقد ما أقوؿ وإعإلا أخوض وألعب وأقطع عناء السفر وطوؿ الطريق‪.‬‬

‫اجتَنِبُػ ػوا‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬


‫(ولََقػ ػ ْد بػَ َعثْػنَ ػػا ِيف ُك ػ ِّػل أُعم ػػة َر ُس ػػوالً أَف ْاعبُػ ُػدوا اللع ػػوَ َو ْ‬
‫وذل ػػذا يق ػػوؿ األنبي ػػاء فيم ػػا ح ػػاه اهلل لن ػػا م ػػن دعػ ػواهتم‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫الطعػػاغُوت)‪ ،‬وح ػػى عػػن عيسػػى‪( :‬وقَػ َ ِ‬
‫ائيل ْاعبُػ ُػدوا اللعػػوَ َرِّهلل َوَربع ُ ػ ْػم)‪ ،‬ويف آخػػر ادلائػػدة‪َ :‬‬
‫(مػػا‬ ‫ػيح يػَػا بػَ ِػين إ ْس ػر َ‬ ‫ػاؿ الْ َمسػ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ػاؿ يَػا قَػ ْػوِـ ْاعبُ ُػدوا‬
‫حم َذلُ ْم إِعال َما أ ََم ْػرتَِين بِ ِػو أ َِف ْاعبُ ُػدوا اللعػوَ َرِّهلل َوَربع ُ ْػم)‪ ،‬وعػن نػوح‪( :‬لََقػ ْد أ َْر َسػ ْلنَا نُوحػاً إِ َىل قَػ ْوِم ِػو فَػ َق َ‬‫قُػ ْل ُ‬
‫ِ ٍِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ٍِ‬
‫(وإِ َىل َشبػُ َ‬
‫ػود‬ ‫ػاؿ يػَػا قَػ ْػوـ ْاعبُػ ُػدوا اللعػػوَ َمػػا لَ ُ ػ ْػم مػ ْػن إلَػػو َغْي ػ ُػرهُ)‪َ ،‬‬ ‫ػاى ْم ُىػػوداً قَػ َ‬ ‫(وإِ َىل َعػػاد أ َ‬
‫َخػ ُ‬ ‫اللعػػوَ َمػػا لَ ُ ػ ْػم مػ ْػن إلَػػو َغْي ػ ُػرهُ)‪َ ،‬‬
‫ػاؿ يَػا قَػ ْػوِـ ْاعبُ ُػدوا اللعػوَ َمػا‬‫ػاى ْم ُش َػعْيباً قَ َ‬
‫َخ ُ‬ ‫(وإِ َىل َمػ ْديَ َن أ َ‬
‫ِ ٍِ‬ ‫ِ‬
‫اؿ يَا قَػ ْوـ ْاعبُ ُدوا اللعوَ َمػا لَ ُ ْػم م ْػن إلَػو َغْيػ ُػرهُ)‪َ ،‬‬
‫أَخاىم ص ِ‬
‫احلاً قَ َ‬ ‫َ ُْ َ‬
‫لَ ُ ػ ْػم ِمػ ْػن إِلَػ ٍػو َغْي ػ ُػرهُ)‪ ،‬ومثلػػو عػػن غػػريىم مػػن األنبيػػاء والرسػػل‪ ،‬وكانػػحم ىػػذه دعػػوة خػػا النبيػػني زلمػػد صػػلى اهلل عليػػو‬
‫وسلم‪.‬‬

‫فسروا معَّن كلمة اإللو بفعل األمػر الػذي يقتضػ االمتثػاؿ‬ ‫ع‬
‫فت عمل دعوة ىمالء األنبياء إىل ال إلو إال اهلل‪ ،‬وكيف أ م ّ‬
‫صبيعا‪.‬‬
‫والعمل‪ ،‬فليس األمر رلرد استحقاؽ اهلل أف يُعبد بل األلوىية حقيقة عبادتو كما دعا إليو األنبياء والرسل ً‬

‫‪٘ٛ‬‬
‫ويتفعرع على ىذا أ عف األوىل يف تفسػري ال إلػو إال اهلل‪ ،‬أالع يُقػاؿ‪ :‬نفػ لعبػادة غػري اهلل‪ ،‬وإةبػات لعبػادة اهلل وحػده‪ ،‬وإف‬
‫كانػػحم الصػػيغة النفػ إالع أ عف مػػا تضػ عمنو اسػػم اإللػػو مػػن الفعػػل يػ ّ‬
‫ػرجح أف يعػ ّػا بػػالنه فيُقػػاؿ‪ :‬لػػال إلػػو إال اهلل ركنػػاف‪:‬‬
‫األمػػر بعبػػادة اهلل وحػػده‪ ،‬والنهػ عػػن عبػػادة غػػريه‪ ،‬فػػإ عف الصػػيغة وإف مل ت ػػن صػػيغة ػ فقػػد تضػ عمنحم كلػ والنهػ‬
‫أوىف دبعَّن ال إلو إال اهلل من النه ‪.‬‬

‫وىػػذا الػػذي قػدعمنا مػػن لػػزوـ تفسػػري ال إلػػو إال اهلل بعبػػادة اهلل وتػػرؾ عبػػادة غػػريه ال رلػػرد اسػػتحقاقو وحػػده ‪-‬سػػبحانو‪-‬‬
‫ػادا‪ ،‬أم ػػا تفس ػػريىا‬
‫ػث يعتق ػػدوف اإلدي ػػاف ق ػػوالً وعم ػ ػالً واعتق ػ ً‬
‫العب ػػادة ى ػػو معتق ػػد أى ػػل الس ػػنة يف ب ػػاب اإلدي ػػاف‪ ،‬حي ػ ُ‬
‫باستحقاؽ العبادة فهو اعتقاد فحسب‪.‬‬

‫وكمػػا أنػعػا نقػػوؿ إ عف النػػيب صػػلى اهلل عليػػو وسػػلم دلػػا كػػاف يػػدعو قومػػو إىل أف يقولػوا ال إلػػو إال اهلل كلمػةً تػػدين ذلػػم هبػػا‬
‫العرب وتمدي العجم إليهم اهزية‪ ،‬مل ي ن يُريد التلفظ هبا فحسب ومل يفهموا ىم منو كل ‪ ،‬وإالع لفعلػوا مػا أمػرىم‬
‫هبم كمػا أ ػم راػوا منػو أف يعبػد إذلهػم سػنة ويعبػدوا إذلػو سػنة‪ ،‬ف ػذل نعلػم بالضػرورة أنعػو مل ي ػن يريػد اعتقػاد أ عف‬
‫ػتحق للعبػػادة فحسػػب‪ ،‬بػػل يُريػػد مػػنهم الػػتلفظ والعمػػل هبػػا واعتقػػاد معناىػػا‪ ،‬وكػ ُّػل كلػ داخػ ٌػل يف معػػَّن‬
‫اهلل ىػػو ادلسػ ُّ‬
‫كلمة ال إلو إال اهلل‪.‬‬

‫التمس ػ بػػاللفظ والغفلػػة عػػن ادلعػػَّن‪ ،‬فم ػ جػ ّػرد النظػػر إىل كلمػػة ال إلػػو إال اهلل عػػن‬
‫والغلػػط يف ىػػذا النػػاقض سػػببو ُّ‬
‫صلتها من كتاب اهلل وسنة نبيػو صػلى اهلل عليػو وسػلم‪ ،‬واقتصػر النظػر علػى حػد وتعري ٍ‬
‫ػف ذلػا مل‬ ‫فسرهتا وف ع‬ ‫ع‬
‫األدلة اليت ّ‬
‫يُممن ىذا الغلط وأمثالو‪ ،‬فينبغ لصػاحب العلػم والداعيػة أالع يغفػل عنػد شػرح كلمػة ال إلػو إال اهلل عػن بيا ػا ب ػالـ‬
‫اهلل عز وجل‪ ،‬وتفسريىا بالقرآف والسنعة فإنعو ال بياف كبيا ما وال برىاف كاىا ما‪ ،‬واهلل أعلم وصػلى اهلل وسػلم علػى‬
‫عبده ورسولو زلمد وعلى آلو وصحابتو أصبعني‪.‬‬

‫‪ٜ٘‬‬
‫إدخال االصطالحات العلمية في الحقائق الشرعية (‪)4/6‬‬

‫احلمػػد هلل رب العػػادلني‪ ،‬والصػػالة والسػػالـ علػػى أشػػرؼ األنبيػػاء وادلرسػػلني‪ ،‬نبينػػا زلمػد وعلػػى آلػػو وصػػحابتو أصبعػػني‪،‬‬
‫أما بعد‪:‬‬

‫فػػإ عف أىػػل العلػػم يف تواػػيحهم ادلسػػائل العلميػػة احتػػاجوا إىل االصػػطالح علػػى بعػػض الرسػػوـ مػػن أمسػػاء ادلسػػائل أو‬
‫ِ‬
‫ػطالحات يف كثػػري مػػن العلػػوـ الشػػرعية‪،‬‬ ‫اعػػا مػػن االصػ‬
‫تقسػػيمها وحنػػو كلػ بقصػػد التواػػيح والتيسػػري‪ ،‬فاسػػتعملوا أنو ً‬
‫ونشػ الغلػػط يف كثػػري مػػن العلػػوـ بسػػبب ىػػذه االصػػطالحات عنػػد غلػػط مػػن يغلػػط فيُػػدخل االصػػطالحات يف أصػػل‬
‫العلم‪.‬‬

‫اخلط ػ يف التعريفػػات‪ :‬مػػن األمػػور الػػيت اصػػطلح عليهػػا أىػػل العلػػم احلػػدود ادلس ػ عماة بالتعريفػػات‪ ،‬وكثػػري مػػن الغلػػط يف‬
‫التمس ػ بػػالتعريف وتعليػػق األح ػػاـ بػػو‪ ،‬وقػػد تق ػدعـ يف‬
‫صػػة َمنشػػمه ُّ‬ ‫أب ػواب الش ػريعة عامػػة ويف مسػػائل االعتقػػاد خا ع‬
‫العدد ادلاا التنبيو على خط ناشش من تفسري ال إلو إال اهلل والتمس بلفظ التعريف‪.‬‬

‫ومن الغلط يف التعريفات مػا ينشػ عنػد كثػري مػن النػاس مػن تعريػف العبػادة‪ ،‬فممػن عػعرؼ العبػادة مػن ععرفهػا باعتبػار‬
‫ػب مػع غايػػة الػ ِّ‬
‫ػذؿ‪ ،‬وىػذا التعريػػف يُسػاؽ يف الػػوعظ وال ػالـ علػػى أعمػػاؿ‬ ‫كمػاؿ العبػػادة الصػحيحة فقػػاؿ‪ :‬غايػة احلػ ِّ‬
‫القلوب‪ ،‬وال يُراد بو اهمع وادلنػع كمػا ىػو شػ ف احلػدود‪ ،‬فاتع ػ عليػو غػالة ادلرجئػة فجعلػوا مػن مل يصػرؼ احلػب مػع‬
‫موحدا مممنًا ألنعو مل يعبد غري اهلل‪.‬‬
‫الذؿ أو الذؿ مع احلب أو صرفهما ومل يصرؼ غايتهما لغري اهلل ً‬

‫وشلن ععرؼ العبادة من ععرفها تعري ًفا شامالً للعبادة باعتبار الثواب ال باعتبار الفعل فقػاؿ‪ :‬صبيػع مػا حيبػو اهلل ويراػاه‬
‫من األفعاؿ واألقواؿ الظاىرة والباطنة‪ ،‬واستند إىل كل طوائف من غالة ادلرجئة فقالوا‪ :‬كما أ عف من ابتسػم يف وجػو‬
‫أخيػػو لغػػري وجػػو اهلل ال ي فػػر‪ ،‬ف ػػذل مػػن صػػرؼ العبػػادة لغػػري اهلل‪ ،‬ودلػػيلهم أ عف تعريػػف العبػػادة ال يُفػ ِّػرؽ بينهمػػا‪،‬‬
‫وخلطوا معتمدين على التعريف بني العبادة باألصل والعبادة بالقصد‪.‬‬

‫وىػػذه األغػػالط العظيمػػة ناشػػئة عػػن اخلطػ يف تعريػػف حقيقػػة شػػرعية واحػػدة ى ػ حقيقػػة العبػػادة‪ ،‬فحصػػر مػػن غلػػط‬
‫احلقيقة الشػرعية يف مػدلوؿ اللفػظ اللغػوي واسػتند إىل مػا يعػروه مػن إصبػاؿ أو عػدـ صبػع أو عػدـ منػع‪ ،‬وحػعرؼ معػَّن‬
‫الشرؾ الذي أرسل اهلل رسلو يف التحذير منو‪ ،‬وطمس معَّن التوحيد الذي خلق اهلل العبادة ألجلو‪.‬‬

‫ٓ‪ٙ‬‬
‫يظن الواجب من فهم كلمػة ال إلػو إال اهلل أو مػن معرفػة معػَّن العبػادة‬‫ومن األغالط يف التعريفات أف من الناس من ُّ‬
‫يظن الواجب ىػو معرفػة التعريػف وحفظػو‪ ،‬فيجعػل تعريػف ال إلػو إال اهلل بقػوؿ القائػل‪ :‬ال معبػود حػق‬ ‫أو حنو كل ؛ ُّ‬
‫إال اهلل‪ ،‬من أصوؿ الدين وأسسو اليت ال ي وف الدين إالع هبا‪.‬‬

‫تقسيمات عد ًة يف كثري من ادلسائل العقدية‪ ،‬ومػن أشػهر التقسػيمات‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫اخلط يف التقسيمات‪ :‬ككر بعض أىل العلم‬
‫تقسػيم التوحيػد ةالةػة أقسػاـ‪ ،‬ةالثهػػا توحيػد األمسػاء والصػفات‪ ،‬فػذىب بعضػػهم وجعػل ىػذا التقسػيم حقيقػة شػػرعية‬
‫ابعػػا كمػػن أاػػاؼ توحيػػد‬ ‫ال اػػوز االجتهػػاد فيهػػا وال الزيػػادة عليهػػا‪ ،‬وبػػَّن علػػى كل ػ تبػػديع مػػن أاػػاؼ قسػ ًػما ر ً‬
‫احلاكميػػة‪ ،‬وىػػذا قسػػم صػػحيح ةابػػحم ب دلعت ػو وإف كػػاف توحيػػد احلاكميػػة يتػػداخل مػػع غػػريه مػػن أقسػػاـ التوحيػػد فػػإ عف‬
‫توحيد األمساء والصفات يف أصلو داخل يف توحيد الربوبية‪ ،‬ويف كثػري مػن فروعػو داخػل يف توحيػد األلوىيػة كمسػائل‬
‫دعػػاء الصػػفة واالسػػتعاكة هبػػا‪ ،‬ومػػع كلػ مل يػػر أىػػل العلػػم قاطبػةً مػػن عػ عد ىػػذا القسػػم الثالػػث مبتػ ً‬
‫ػدعا حيػػث كانػػحم‬
‫فهومهم أوسع‪ ،‬وفعرقوا بني االصطالحات واألمساء الشرعية‪.‬‬

‫اخلط ػ يف الشػػروط االسػػتقرائية والن ػواقض وحنوىػػا‪ :‬اسػػتنبط بعػػض أىػػل العلػػم شػػروطًا لػػبعض األح ػػاـ م ػ خوكة مػػن‬
‫رلموع أدلة الشريعة يف الباب‪ ،‬ومن كل صبع من صبع شروط ال إلو إال اهلل يف سػبعة شػروط أو شبانيػة‪ ،‬فمػن النػاس‬
‫ط من شروط ال إلػو إال اهلل‪ ،‬فػيظن مػن مل‬ ‫شرط شر ٌ‬‫من ألزـ حبفظ ىذه الشروط وابطها‪ ،‬وكثري توعىم أ عف معرفة كل ٍ‬

‫ػاحف‪ ،‬فػإ عف ادلػراد مػن تلػ الشػروط ُ‬


‫وجودىػا يف العبػد وربققهػا‬ ‫طف ٌ‬ ‫يع ّدىا ويسردىا مل حيقق ال إلو إال اهلل‪ ،‬وىذا غلػ ٌ‬
‫فيو ال حفظها وسردىا‪ ،‬ولػو كػاف كػذل لعلعمهػا النػيب صػلى اهلل عليػو وسػلم أ عمتػو وأرشػدىم إىل حفظهػا وتدارسػها‪،‬‬
‫وقد كاف كثري شلن نقب علمو ديتحن الناس هبذه الشروط وما شاهبها‪ ،‬وكُكػر عػن بعضػهم ت فػري مػن مل حيفظهػا أو‬
‫الغلو ادلفرط والعياك باهلل‪.‬‬
‫مل يُدرؾ معناىا عند االمتحاف وىذا من اههل البال و ِّ‬
‫ُ‬
‫ومػػن الغلػػط يف ىػػذا البػػاب‪ ،‬التمسػ يف ن ػواقض اإلسػػالـ بالعشػػرة الػػيت ككرىػػا الشػػيخ زلمػػد بػػن عبػػد الوىػػاب رضبػػو‬
‫اهلل‪ ،‬وحصر النواقض يف ىػذا العػدد وإن ػار مػا خػرج عنهػا أو اسػتغرابو والشػيخ مل يقصػد االسػتيعاب‪ ،‬بػل مل يقصػد‬
‫حقيقػػة القسػػمة بػػدليل أنػعػو ككػػر بعػػض الن ػواقض يف ناقضػػني أو ةالةػػة حػػني رأ أ عف بعػػض صػػور النػػاقض ربتػػاج إىل‬
‫إفرادىػػا بالػػذكر‪ ،‬وأشػػار إىل ِ‬
‫موجػػب كتابتػػو ذلػػا بقولػػو‪ :‬وكلهػػا مػػن أعظػػم م ػػا ي ػػوف خط ػراً‪ ،‬وأكثػػر مػػا ي ػػوف وقوع ػاً‪،‬‬
‫وظاىر عند ت ُّملها أ عف الشيخ كتبها من النظر إىل واقعو وأنواع الشرؾ ادلنتشرة فيو‪.‬‬

‫فهذه ةالةة أنواع من الغلط يف االصطالحات العقدية‪ ،‬وأمثلتها كثرية جػدًّا ول ننػا ككرنػا مػا يُعػرؼ بػو ادلعػَّن ويُقػاس‬
‫عليو سائر ما شاكلو‪ ،‬واهلل و التوفيق‪.‬‬

‫ٔ‪ٙ‬‬
‫إدخال االصطالحات العلمية في الحقائق الشرعية (‪)4/4‬‬

‫احلمػػد هلل رب العػػادلني‪ ،‬والصػػالة والسػػالـ علػػى أشػػرؼ األنبيػػاء وادلرسػػلني‪ ،‬نبينػػا زلمػػد وعلػػى آلػػو وصػػحابتو أصبعػػني‪،‬‬
‫أما بعد‪:‬‬

‫فػػإ عف الػػدين منػػو مػػا ىػػو أصػ ٌػل إكا زاؿ خػػرج صػػاحبو إىل الشػػرؾ وال فػػر أو إىل البدعػػة والضػػاللة‪ ،‬ومنػػو مػػا ىػػو فػػرع‬
‫يسػػوغ فيػػو اخلػػالؼ ويُعػػذر ادل ػػالف‪ ،‬وي ػػوف تاركػػو مفرطًػػا عاصػػيًا غػػري مبتػػدع وال مشػػرؾ‪ ،‬وادل ػػالف فيػػو رلتهػ ًػدا‬
‫معذورا‪ ،‬وقد صنعف أىل العلم مسػائل العلػم ادلصػطلح علػى تسػميتو بعلػم االعتقػاد يف كتػب‪ ،‬وفيػو‬ ‫ً‬ ‫جورا أو سلطئًا‬
‫م ً‬
‫فروعٌ كمػا يف غػريه مػن العلػوـ‪ ،‬ويف العلػوـ األخػر أصػوؿ كمػا يف ىػذا العلػم‪ ،‬ول ػ عن أغلػب أصػوؿ الػدين داخلػة يف‬
‫علػػم االعتقػػاد خاصػػة مػػا وقػػع فيػػو اخلػػالؼ بػػني أىػػل السػػنة وأىػػل األى ػواء‪ ،‬فلػػذل غلػػب تسػػمية ىػػذا العلػػم بعلػػم‬
‫أصوؿ الدين‪ ،‬واشتهر بو ح ع توعىم كثري من الناس أ عف أصوؿ الدين كلها من ىذا العلم وأ عف الفروع من غريه‪.‬‬

‫وقػػد أن ػػر شػػيخ اإلسػػالـ ابػػن تيميػػة ىػػذه القسػػمة مػػن ىػػذا الوجػػو‪ ،‬وأطػػاؿ يف ادلسػ لة يف موااػػع مػػن كتبػػو‪ ،‬واػػرب‬
‫أمثلةً بالصالة وحنوىا من أصوؿ الدين وى على ىػذا االصػطالح مػن الفػروع‪ ،‬وت لػم عػن ادلسػائل الدقيقػة يف علػم‬
‫ػدؽ يف األصػػوؿ ال ت ػػاد تتفػػق عليهػػا طائفػػة مػػن السػػلف‪،‬‬
‫االعتقػػاد وبػ عػني وقػػوع االخػػتالؼ فيهػػا فقػػاؿ‪ :‬مسػػائل الػ ّ‬
‫الصحابة والتابعني فمن بعدىم‪.‬‬

‫وقد نشػ عػن ىػذا الغلػط تعظػيم مسػائل الفػروع الػيت تُػذكر يف كتػب االعتقػاد علػى وجػو التبػع أو التفريػع علػى أص ٍػل‬
‫مػػن أصػػوؿ الػػدين‪ ،‬ل التعصػػب ذلػػا والتشػػنيع علػػى مػػن خػػالف فيهػػا وعقػػد الػػوالء وال ػااء عليهػػا‪ ،‬كمػػا ذبػػد كل ػ يف‬
‫مس ػ لة تعليػػق التمػػائم الػػيت فيهػػا القػػرآف؛ فػػإ عف اإلمػػاـ أضبػػد سػػئل عنهػػا فقػػاؿ‪ :‬اختلػػف فيهػػا الصػػحابة فعبػػد اهلل بػػن‬
‫وروي‬
‫مسعود ينهى عنها وعبد اهلل بػن عمػرو ال يػر هبػا ب ًسػا‪ ،‬واختلفػحم الروايػة عػن أضبػد فيهػا ف ُػروي عنػو جوازىػا ُ‬
‫تبعػا دلسػ لة التمػائم‪ ،‬خبػالؼ التميمػة الػيت فيهػا كػالـ غػري مفهػوـ أو‬
‫عنو ادلنع‪ ،‬وى مس لة من مسائل الفػروع تُػذكر ً‬
‫صػب ذلػا نػاس‪ ،‬وقػالوا فيهػا‬ ‫شرؾ معلوـ كدعاء الصاحلني وحنوه‪ ،‬فنش عن ككػر ىػذه ادلسػ لة يف كتػب التوحيػد أف تع ع‬ ‫ٌ‬
‫مػػا مل يقلػػو أحػػد مػػن أىػػل العلػػم‪ ،‬حػ ع مػػن ككػػر ادلسػ لة يف مسػػائل التوحيػػد كالشػػيخ زلمػػد بػػن عبػػد الوىػػاب وشػعراح‬
‫صبيعا ليس فيهم من غلعظ يف ىذه ادلس لة ح وجد اليوـ من غلعظ فيها تغليظًػا مزي ًػدا‪ ،‬وواىل وعػاد عليهػا‪،‬‬ ‫كتابو ً‬
‫بل قد بل األمر إىل ت فري من يعلِّق التميمة عند بعض اههلة‪ ،‬ووقع ىذا يف أفغانسػتاف أيػاـ اههػاد الروسػ كث ً‬
‫ػريا‪،‬‬
‫حػ ع كػػاف نػػاس يعػػادوف قائػ ًػدا مػػن قػػادة اههػػاد مػػن أىػػل التوحيػػد أل عف معػػو مػػن يلػػبس التمػػائم‪ ،‬وعنػػد سػماؿ غػػالبهم‬
‫يظهػػر أ عف فيهػػا القػػرآف حقيقػػة فهػ مػػن التمػػائم ادلباحػػة يف قػػوؿ بعػػض السػػلف‪ ،‬أو أ ع ػػم يظنػػوف فيهػػا قرآنػًػا فػػإكا نظػػر‬

‫ٕ‪ٙ‬‬
‫ػذور باالتفػاؽ‪،‬‬
‫فيها وعلم أف الذي فيها ليس من القرآف معزقها وىذا الذي يتعلقها يظن أف لػيس فيهػا إال القػرآف مع ٌ‬
‫كما ككر الشيخ عبد اهلل ععزاـ رضبو اهلل‪.‬‬

‫وليس ادلػراد مػن ىػذا أف يُتسػاىل يف تعليػق الػودع واخليػوط وحنوىػا شلػا ال اخػتالؼ يف كونػو مػن البػدع وقػد يصػل إىل‬
‫الشرؾ‪ ،‬وال التساىل يف تعليق التمائم اليت ال يُدر ما فيها‪ ،‬وال التساىل يف تػرؾ بيػاف ىػذا احل ػم بػل اػب ربػذير‬
‫الناس من التمائم احملرمة‪ ،‬وتعليم اهاىػل واإلن ػار علػى ادلعانػد‪ ،‬ل ػن بعػد أف يعػرؼ ادلن ِػر ح مهػا ودييّػز مػا يُن ػر‬
‫ُ‬
‫منها وما ال يُن َ ر‪.‬‬

‫تبعػػا ألصػػوذلا‪ ،‬ف ػػاف الغلػػط أ عف مػػن النػػاس مػػن أحلقهػػا ب صػػلها‬
‫وىػػذه ادلسػ لة مػػن مسػػائل فػػروع االعتقػػاد الػػيت تػػذكر ً‬
‫وشػدعد فيهػػا وواىل وعػػاد عليهػػا‪ ،‬ومل يفػ ِّػرؽ بػػني أصػػوؿ االعتقػػاد‪ ،‬ومسػػائل االجتهػػاد منػػو الػػيت يُعػػذر فيهػػا ادل ػػالف‬
‫واخلالؼ فيها قدم منػذ الصػحابة‪ ،‬ظنًّػا منػو أ عف كػل مػا يف كتػب االعتقػاد مػن أصػوؿ الػدين الػيت ال يسػوغ االجتهػاد‬
‫فيها‪.‬‬

‫أيضا‪ :‬تعظيم مسائل الفروع اليت تُذكر يف مصنفات العقيػدة وإف مل ت ػن مػن مسػائل االعتقػاد أصػالً ال‬ ‫ومن الغلط ً‬
‫الفرعيػػة وال األصػػلية‪ ،‬كػػذكر بعػػض السػػلف مس ػ لة اههػػر بالبسػػملة وأ ع ػػا ال تسػػن يف كتػػب االعتقػػاد‪ ،‬وى ػ مس ػ لة‬
‫خالؼ بني أىل السػنة والشػافعية يقولػوف هبػا ودليلهػا قػوي وإف كػاف اإلسػرار أرجػح‪ ،‬وكىػب ابػن تيميػة إىل اإلسػرار‬
‫مػػرة واههػػر مػػرة ورآىػػا شلػػا السػػنة فيػػو التنويػػع‪ ،‬وككػػر بعػػض السػػلف يف كتػػب االعتقػػاد عػػدـ القنػػوت يف الفجػػر إال‬
‫للنػوازؿ‪ ،‬والشػافع يػر القنػػوت يف الفجػر سػنةً مطل ًقػا لنازلػػة أو لغريىػا مسػتدالًّ ب حاديػث عػػن النػيب صػلى اهلل عليػػو‬
‫وسلم‪ ،‬فليسحم من مسائل االعتقاد األصلية وال الفرعية‪.‬‬

‫ومن الغلط‪ :‬أف تُمخذ عبارات من عُرؼ عنو اإلمامة يف السنة واالعتقػاد‪ ،‬ك ئمػة السػلف والاهبػاري وشػيخ اإلسػالـ‬
‫ػائرا علػػى ط ػريقتهم شلػػن‬
‫ابػػن تيميػػة وابػػن القػػيم وزلم ػد بػػن عبػػد الوىػػاب وبعػػض أئمػػة الػػدعوة ومػػن تومهػػو النػػاس سػ ً‬
‫بعدىم‪ :‬أف تمخذ عباراهتم أصوالً وعقائػد ال يسػوغ دل ػالف أف ُخيالفهػا‪ ،‬وغالػب مػا ي ػوف ىػذا فػيمن مل يشػتهر لػو‬
‫ش ػ ء إال ال ػػالـ يف االعتقػػاد كالاهبػػاري‪ ،‬فػػرت مػػن النػػاس مػػن اعػػل ىػػذه ادلقػػاالت أدل ػةً مسػػتقلة‪ ،‬تسػػتنبط منهػػا‬
‫األح اـ دوف تعريج على ال تاب والسنة وألفاظهما‪ ،‬ويتفرع على ىذا الغلط يف احل م على بعػض النػاس بػال فر‪،‬‬
‫أو الع ػػس يف عػػذر بعػػض مػػن ال يُعػػذر لعبػػارة رلملػػة أو فهػػم غلػ ٍػط ذلػػا‪ ،‬كمػػا وقػػع مػػن أحػػد األفااػػل يف ت فػػري‬
‫الرافضػػة ادلوجػػودين اليػػوـ إك استشػػهد ب ػػالـ البػػن تيميػػة قػػاؿ فيػػو‪( :‬ومػػن قػػاؿ‪ :‬إف الثنتػػني وسػػبعني فرقػػة كػػل واحػػد‬
‫منهم ي فر كفراً ينقل عن ادللة فقد خالف ال تاب والسنة وإصباع الصحابة راػواف اهلل علػيهم أصبعػني‪ ،‬بػل وإصبػاع‬
‫األئمة األربعة وغري األربعة‪ ،‬فليس فيهم من كفعر كل واحد مػن الثنتػني وسبع ػػني فرقػػة)‪ ،‬فاسػتدؿ ب المػو علػى عػدـ‬
‫ووىػم شػنيع‪ ،‬فلػيس يف كػالـ ابػن تيميػة رضبػو اهلل‬ ‫ت فري الرافضة وعلى أ عف ىذا مذىب أىل السنة‪ ،‬وىذا غلط قبػيح َ‬

‫ٖ‪ٙ‬‬
‫منػػع ت فػػري واحػػدة مػػن الفػػرؽ‪ ،‬بػػل فيػػو الػػرد علػػى مػػن كفػػر صبيػػع تلػ الفػػرؽ عػػدا الطائفػػة الناجيػػة‪ ،‬والػػذي نفػػاه ابػػن‬
‫تيمية عن السلف واألئمة ىو ت فري كل واحدة من الثنتني والسبعني فرقة‪ ،‬ال ت فػري واحػدةٍ منهػا‪ ،‬والبػن تيميػة مػن‬
‫ال الـ يف ىذه ادلس لة ما يبني ىذا الغلط‪.‬‬

‫ومن صور الغلط يف ىذا الناقض‪ :‬أ عف من الناس من اعتمػد كتابًػا مػن ال تػب الػيت خصصػحم بعػض أبػواب االعتقػاد‬
‫ناقضػػا غريىػػا‪ ،‬أو اعتمػػد كتػػاب‬
‫فجعلهػػا أصػػوؿ الػػدين كلهػػا فمػػنهم مػػن اعتمػػد رسػػالة ن ػواقض اإلسػػالـ فلػػم يقبػػل ً‬
‫التوحيد فلػم اعػل توحي ًػدا غػريه‪ ،‬وأمهػل يف كلػ توحيػد الربوبيػة وتوحيػد األمسػاء والصػفات‪ ،‬ومػن النػاس مػن ع ػس‬
‫كل ‪ ،‬فاعتمد كتب السلف يف األمساء والصفات حيث كثر يف وقػتهم االبتػداع فيهػا‪ ،‬فجعلهػا الػدين كلػو والتوحيػد‬
‫كل ػػو واهت ػػم م ػػن ص ػػنف بع ػػد كلػ ػ يف مس ػػائل أنػ ػواع التوحي ػػد األخ ػػر بالزي ػػادة واالبت ػػداع‪ ،‬وك ػػل كلػ ػ م ػػن اعتم ػػد‬
‫اصطالحات ورسوـ حادةة يف العلم وإحالذلا زلل احلقائق الشرعية‪.‬‬

‫فالواجب على أىل العلم وطالبو الرجوع إىل ال تاب والسنة والنظر يف ال تػب ادلصػنفة مػن تصػانيف السػلف فمػن‬
‫بعػػدىم‪ ،‬والبعػػد عػػن اإلفػراط يف االتبػػاع ادلوصػػل إىل التقليػػد‪ ،‬واإلفػراط يف تركػػو ادلفضػ إىل ألػو ٍاف مػػن االبتػػداع‪ ،‬واهلل‬
‫و التوفيق‪.‬‬

‫ٗ‪ٙ‬‬
‫الذيل على شرح النواقض‬
‫أق ام نواقض اإلسالم من حيث اإلجماع والخالف‬

‫احلمد هلل رب العادلني‪ ،‬والصالة والسالـ على أشرؼ ادلرسلني‪ ،‬نبينا زلمد وعلى آلو وصحابتو أصبعني‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫ػيحم‬
‫ػات كثػري منهػػا عزمػحم علػػى كتابتػو ونسػ ُ‬ ‫فقػد فػاتَين أةنػػاء كتابػة ادلقػػاالت السػابقة يف نػواقض اإلسػالـ فوائ ُػد وتنبيهػ ٌ‬
‫ي أةناء كتابة ادلقاالت ف عخرتو إىل ما بعػد الفػراغ منهػا‪ ،‬ومنهػا (أقسػاـ نػواقض‬ ‫كل يف مواعو‪ ،‬ومنها ما استج عد لد ع‬
‫اإلس ػػالـ)‪ ،‬وق ػػد كك ػػرت م ػػن أقس ػػاـ النػ ػواقض م ػػا خيتل ػػف ب ػػو احل ػػم‪ ،‬أو ُحيت ػػاج إلي ػػو يف تص ػػور النػ ػواقض وفهمه ػػا‪،‬‬
‫وأعراػػحم ع عمػػا عػػدا كل ػ مػػن األقسػػاـ؛ فمػػن االعتبػػارات الػػيت تُق عسػػم هبػػا ن ػواقض اإلسػػالـ اإلصبػػاع واخلػػالؼ علػػى‬
‫النػػاقض‪ ،‬ومنهػػا التقسػػيم باعتبػػار ادلتعلػػق فه ػ قوليػػة أو عمليػػة أو اعتقاديػػة‪ ،‬ومنهػػا التقسػػيم باعتبػػار الػػرتؾ والفعػػل‬
‫ول ل من ىذه األقساـ فروعٌ سلتلفة‪ ،‬وسنذكر ما يتعلق هبذه التقسيمات يف مقاالت آتية إف شػاء اهلل‪ ،‬وسػنذكر مػا‬
‫يتعلق بتقسيم نواقض اإلسالـ من حيث اإلصباع واخلالؼ يف ىذا ادلقاؿ‪:‬‬

‫فمن النواقض‪ :‬المع عليو‪ ،‬وادل تلف فيو؛ والمجمع عليه ق مان‪:‬‬

‫األول منهمــا‪ :‬مػػا ىػػو أصػػل ديػػن اإلسػػالـ ال يصػػح اإلسػػالـ إال بػػو وكلػ أصػػل وجػػود اهلل وربوبيتػػو وإفػراده بالعبػػادة‬
‫واسػػتحقاقو ال مػػاؿ يف اإلصبػػاؿ‪ ،‬فلػػو جهػػل أح ػ ٌد وجػػود اهلل أو جحػػد أنػعػو اخلػػالق أو أق ػعر بػػذل و ّادعػػى أنعػػو أحػػد‬
‫ػافرا ال أةػر لبلػوغ احلجػة إليػو باالتفػاؽ‪ ،‬وقػد تقػدعـ طػرؼ مػن‬
‫البشر‪ ،‬أو جحد استحقاقو جل وعػال ال مػاؿ‪ ،‬كػاف ك ً‬
‫مباحث ىذه ادلس لة‪.‬‬

‫والثاني منهما‪ :‬ما ىو من األصوؿ اليت يصح إسػالـ اهاىػل وادلتػ وؿ بػدو ا‪ ،‬فمنهػا المعلـوم مـن الـدين بالرـرورة‬
‫فػػيُح م ل ػػل أحػ ٍػد بعلمػػو كفػػرض الصػػالة وربػػرم الزنػػا وي فػػر مػػن أن رىػػا‪ ،‬ويُلحػػق بػػو مػػن كانػػحم معلومػػة عنػػده‬
‫بالضػرورة دلعرفتنػا حبالػو‪ ،‬ويُسػتتثَّن منهػا مػن أم ػن جهلػو بػادلعلوـ مػن الػدين اػرورةً كاهاريػة الػيت زنػحم وذبهػل حرمػػة‬
‫الزنػػا وقػػد درأ عنهػػا الفػػاروؽ احل ػ ّد أل ع ػػا حديثػػة عهػػد بإسػػالـ‪ ،‬وقػػد ككػػر بعػػض أىػػل العلػػم ةػػالث صػػور يُعػػذر فيهػػا‬
‫ػح تنزيلهمػا علػػى‬ ‫اهاىػل‪ :‬حػديث العهػد بإسػالـ‪ ،‬ومػن نشػ بباديػة بعيػدة‪ ،‬وىاتػاف الصػورتاف مػن ىػذا القسػم ال يص ُّ‬
‫أصػػل ديػػن اإلسػػالـ وال يقػػوؿ بػػذل أحػػد‪ ،‬والصػػورة الثالثػػة ى ػ ادلس ػ لة اخلفيػػة‪ ،‬وىػػو القسػػم التػػا ‪ :‬المعلــوم مــن‬
‫الــدين باالســتدالل والنظــر؛ واالجتهػػاد فيػػو غػػري سػػائ ٍ ألنػعػو ي ػػوف سلال ًفػػا لحمصبػػاع أ عمػػا االجتهػػاد السػػائ فيػ يت عنػػد‬
‫معلومػػا مػػن الػػدين بالضػػرورة‪ ،‬ومثػػاؿ كل ػ ‪ :‬كفػػر مػػن‬ ‫ككػػر ادل تلػػف فيػػو‪ ،‬ول ػ عن كونػػو اختالفًػػا غػػري معتػػا ال اعلػػو ً‬
‫ظػاىر ال فػار علػػى ادلسػلمني‪ ،‬وكفػػر مػن ح ػم بغػػري مػا أنػػزؿ اهلل وح ع ػم قانونًػا واػػعيًّا‪ ،‬فهاتػاف ادلسػ لتاف مػع صػ عحة‬

‫‪ٙٙ‬‬
‫اإلصباع عليهما إالع أ عف الوصوؿ إليو ال بد فيو من اس ٍ‬
‫ػتدالؿ‪ ،‬وقػد اهلػو كثػري مػن طلبػة العلػم فضػالً عػن العامػة‪ ،‬إىل‬
‫ما يُش ل على من مل حيقِّق ادلس لة من اآلةػار ادل تلفػة عػن السػلف‪ ،‬واألقػواؿ ادلتعاراػة عػن أىػل العلػم‪ ،‬فػال ي فػر‬
‫من خالف فيهما أو جهل اإلصباع‪.‬‬

‫السػػحر وتػػرؾ الزكػػاة أو شػ ٍء مػػن نػواقض اإلسػػالـ‪ ،‬وكاالمتنػػاع عػػن‬


‫َّأمــا النــواقض المختلـ فيهــا؛ كػػرتؾ الصػػالةِ و ِّ‬
‫الشعائر والقتاؿ على كل ‪ ،‬فللم الف فيها حاالف‪:‬‬

‫ػيب أحػػد‬
‫ػذور يف خالفػػو مصػ ٌ‬ ‫الحــال األولــى‪ :‬أف ي ػػوف خالفػػو مسػ ً‬
‫ػتندا إىل أصػػوؿ أىػػل السػػنة واهماعػػة‪ ،‬فهػػذا معػ ٌ‬
‫األج ػرين‪ ،‬كمػػن ُخيػػالف يف كفػػر السػػاحر جريػًػا علػػى األصػػل‪ ،‬وحيمػػل النصػػوص الدال ػة علػػى كفػػر السػػاحر علػػى مػػن‬
‫ػافرا‪ ،‬وقػد اعػل سػحر الشػياطني‬ ‫ٍ‬
‫مستعمل للشػرؾ مل ي ػن ك ً‬ ‫استعمل الشرؾ يف سحره‪ ،‬وير أف لو سحر أح ٌد غري‬
‫ادلذكور يف اآلية مشتمالً على ال فر فلذل كفروا ومن تعلعمو وعمل بو‪.‬‬

‫ػتندا إىل أصػ ٍػل مػػن أصػػوؿ أىػػل البػػدع‪ ،‬ولػو خػػالف يف مسػ لة اجتهاديػػة‪ ،‬كمػػن‬
‫الحــال الثانيــة‪ :‬أف ي ػػوف خالفػػو مسػ ً‬
‫ُخيالف يف كفر تارؾ الصالة ويبػين كلػ علػى أ عف اإلديػاف ىػو ادلعرفػة أو التصػديق أو عمػل القلػب دوف اهػوارح وحنػو‬
‫كل ‪ ،‬فهذا مبتدعٌ ال دل الفتو يف تارؾ الصالة‪ ،‬بل أل عف خالفو فرعٌ على ٍ‬
‫بدعة من البدع‪.‬‬

‫ردا‬
‫افرا بػػذل ‪ ،‬كمػػن ُخيػػالف يف تػػارؾ الصػػالة ال سلالفػةً يف فهػػم الػػنب بػػل ًّ‬ ‫ٍ‬
‫ػتندا إىل كفػر كػػاف كػ ً‬
‫وإف كػػاف خالفػػو مسػ ً‬
‫للحديث مػع علمػو بثبوتػو‪ ،‬أو تقػدديًا لػرأي أحػد علػى احلػديث مػع علمػو ب نعػو خػالؼ مػراد الشػارع إالع أف ي ػوف لػو‬
‫ويل سائ ٌ‪.‬‬
‫ت ٌ‬

‫‪ٙٚ‬‬

You might also like