Professional Documents
Culture Documents
بَهِيمَ ِة األَنْعَامِ
فى
احكام االضحية والذكاة
كتبه
البائس الفقري احلاج ايية سودية احملمودية
معهد رايض املتعلمني الاسالمية
س تيئيس سليلني
{}1
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
{} 2
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
{}3
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
اسْمَ اللَّهِ عَلى مَا رَزقهُمْ ِمنَْبهِيمَةِ األْنعَامِ) (احلج )34 :وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم (كلوا وادخروا
()1
وتصدقوا) .رواه مسلم من حديث عائشة رضي اهلل عنها
وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم( :كلوا وأطعموا وادخروا) .رواه البخاري من حديث سلمة بن
األكوع ( ، )2وهو أعم من األول؛ ألن اإلطعام يشمل الصدقة على الفقراء واهلدية لألغنياء ،وقال أبو بردة
للنيب صلى اهلل عليه وسلم :إني عجلت نسيكيت ألطعم أهلي وجرياني وأهل داري ـ أي أهل حمليت (.)3
وليس يف هذه اآلية واألحاديث نص يف مقدار ما يؤكل ويتصدق به ويهدى ،ولذلك اختلف
العلماء ـ رمحهم اهلل ـ يف مقدار ذلك ،فقال اإلمام أمحد :حنن نذهب إىل حديث عبد اهلل :يأكل هو الثلث،
ويطعم من أراد الثلث ،ويتصدق بالثلث على املساكني ،وقال الشافعي :أحب أن ال يتجاوز باألكل
واالدخار الثلث ،وأن يهدي الثلث ،ويتصدق بالثلث ،ويعين اإلمام أمحد حبديث عبد اهلل ما ذكره علقمة
قال بعث معي عبد اهلل ـ يعين ابن مسعود ـ هبدية فأمرني أن آكل ثلثا ،وأن أرسل إىل أهل أخيه عتبة بثلث،
وأن أتصدق بثلث ( ، )4وعن ابن عمر ـ رضي اهلل عنهما ـ قال :الضحايا واهلدايا :ثلث لك ،وثلث
ألهلك ،وثلث للمساكني .ومراده باألهل :األقارب الذين ال تعوهلم ،نقل هذين األثرين يف (املغين) ثم قال:
ولنا ما روي عن ابن عباس ـ رضي اهلل عنهما ـ يف صفة أضحية النيب صلى اهلل عليه وسلم قال :ويطعم
أهل بيته الثلث.
( )1رواه مسلم ،كتاب األضاحي ،باب بيان ما كان من النهي عن أكل حلوم األضاحي ،رقم ()1٩٧1
) (2رواه البخاري ،كتاب األضاحي ،باب ما يؤكل من حلوم االضاحي وما يتزود منها ،رقم ()٥٥٦٩
) (3رواه مسلم ،كتاب األضاحي ،باب وقتها ،رقم ()1٩٦1
) (4تفسري ابن أبي حامت ()24٨٩/٨
{}4
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
) (٥ا رواه البخاري ،كتاب األضاحي باب الذبح بعد الصالة )٥٥٦٠( ،ومسلم ،كتاب األضاحي باب وقتها ،رقم
()1٩٦1
) (٦رواه البخاري ،كتاب األضاحي ،باب قسمة اإلمام األضاحي بني الناس ،رقم ( )٥٥4٧ومسلم كتاب األضاحي
باب سن األضحية ،رقم ()1٩٦٥
{}5
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
ويف (الصحيحني) أيضاً عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه قال :ضحى النيب صلي اهلل عليه وسلم
بكبشني أملحني ذحبهما بيده ،ومسي وكرب ووضع رجله على صفاحهما ( . )7وعن عبد اهلل بن عمر
رضي اهلل عنهما قال :أقام النيب صلى اهلل عليه وسلم باملدينة عشر سنني يضحي .رواه أمحد والرتمذي
وقال :حديث حسن ( )٨ويف (الصحيحني) أيضاً عن جندب سفيان .البجلي قال :شهدت األضحى مع
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،فلما قضي صالته بالناس نظر إىل غنم قد ذحبت فقال( :من ذبح قبل
الصالة فليذبح شاة مكاهنا ،ومن مل يكن ذبح فليذبح على اسم اهلل) هذا لفظ مسلم (.)9وعن عطاء بن
يسار قال :سألت أبا أيوب األنصاري :كيف كانت الضحايا فيكم على عهد النيب صلى اهلل عليه
وسلم؟ فقال :كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته (احلديث) .رواه ابن ماجه والرتمذي
وصححه (. )10
وأما إمجاع املسلمني على مشروعية األضحية فقد نقله غري واحد من أهل العلم .قال يف (يف
املغين) :أمجع املسلمون على مشروعية األضحية .وجاء يف (فتح الباري شرح صحيح البخاري) :وال
خالف يف كوهنا من شرائع الدين.وبعد إمجاعهم على مشروعية األضحية اختلفوا :أواجبة هي أم سنة
مؤكدة؟ على قولني:
) (٧رواه البخاري ،كتاب األضاحي ،باب التكبري عند الذبح ،رقم ( )٥٥٦٥ومسلم ،كتاب األضاحي ،باب استحباب
الضحية وذحبها مباشرة (. )1٩٦٦
) (٨رواه أمحد ( )2/2٨والرتمذي ،كتاب األضاحي ،باب الدليل على أن األضحية سنة رقم ()1٥٠٧
) (٩رواه البخاري ،كتاب األضاحي ،باب من ذبح قبل الصالة أعاد ،رقم ( )٥٥٦2ومسلم ،كتاب األضاحي ،باب
وقتها ،رقم (. )1٩٦٠
) (1٠رواه الرتمذي ،كتاب األضاحي ،باب ما جاء أن الشاة الواحدة جتزئ عن أهل البيت ،رقم ( )1٥٠٥وابن ماجه،
كتاب األضاحي ،باب من ضحي بشاة عن أهله ،رقم (. )314٧
{}٦
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
{القول األول} :أهنا واجبة ،وهو قول األوزاعي ،والليث ،ومذهب أبي حنيفة ،وإحدى
الروايتني عن اإلمام أمحد ،قال شيخ اإلسالم :وهو أحد القولني يف مذهب مالك ،أو ظاهر مذهب
مالك.
{القول الثاني} :أهنا سنة مؤكدة ،وهو قول اجلمهور ،ومذهب الشافعي ،ومالك ،وأمحد يف
املشهور عنهما ،لكن صرح كثري من أرباب هذا القول بأن تركها يكره للقادر ،ذكره أصحابنا ،نص اإلمام
أمحد وقطع به يف اإلقناع ،وذكر يف (جواهر اإلكليل شرح خمتصر خليل) .أهنا إذا تركها أهل بلد قوتلوا
عليها؛ ألهنا من شعائر اإلسالم.
{ أدلة القائلني بالوجوب}:
{ الدليل األول} :قوله ـ تعاىل ـ( :ف َ
صلَِّلِرَبَِّكَ َوانْحَرْ) (الكوثر )2 :فأمر بالنحر ،واألصل يف األمر
الوجوب.
{ الدليل الثاني} :قوله صلى اهلل عليه وسلم( :من وجد سعة فلم يضح فال يقربن مصالنا) رواه
أمحد وابن ماجه ،وصححه احلاكم من حديث أبي هريرة )11( .قال يف (فتح الباري) ورجاله
ثقات.
{ الدليل الثالث} :قوله صلى اهلل عليه وسلم وهو واقف بعرفة( :يا أيها الناس ،إن على أهل كل
بيت أضحية يف كل عام وعترية) .قال يف (الفتح) :أخرجه أمحد واألربعة بسند قوي (.)12
) (11رواه أمحد ( )321/2وابن ماج ه ،كتاب األضاحي ،باب األضاحي واجبة هي أم ال؟ رقم ( ، )3123واحلاكم
()3٨٩/2
) (12رواه أمحد ( ) 21٥/4وأبو داود ،كتاب األضاحي ،باب ما حاء يف إجياب األضاحي ،رقم (، )2٧٨٨
والرتمذي ،كتاب األضاحي ،باب رقم ( )1٨حديث األضاحي ،باب األضاحي واجبة هي أم ال؟ رقم (. )312٥
{}7
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
{ الدليل الرابع} :قوله صلى اهلل عليه وسلم (من كان ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكاهنا أخرى،
ومن مل يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم اهلل) متفق عليه (. )13
هذه أدلة القائلني بالوجوب ،وقد أجاب عنها القائلون بعدم الوجوب واحداً واحداً.فأجابوا عن
الدليل األول :بأنه ال يتعني أن يكون املراد هبا حنر القربان ،فقد قيل :إن املراد هبا وضع اليدين حتت النحر
عند القيام يف الصالة ،وهذا القول وإن كان ضعيفا لكن مع االحتمال قد ميتنع االستدالل.
وإذا قلنا :إن املراد هبا حنر القربان كما هو ظاهر القرآن ،فإنه ال يتعني أن يكون املراد هبا فعل
النحر ،فقد قيل :إن املراد هبا ختصيص النحر هلل تعاىل وإخالصه له ،وهذا واجب بال شك وال نزاع.
وإذا قلنا :املراد هبا فعل النحر كما هو ظاهر اآلية؛ فهو أمر مطلق حيصل امتثاله بفعل ما ينحر
تقربا إىل اهلل تعاىل من أضحية ،أو هدي ،أوعقيقة ولو مرة واحدة ،فال يتعني أن يكون املراد به األضحية
كل عام .وهذا تقرير جواهبم عن اآلية ،وعندي أنه إذا صح الدليل الثالث؛ صار مبينا لآلية ،وصارت
حجة على الوجوب .واهلل أعلم.
وقد يقال :إن وجوب النحر الذي تدل عليه هذه اآلية خاص بالنيب صلى اهلل عليه وسلم شكرا
منه لربه على ما أعطاه من اخلري الكثري الذي مل يعطه أحد غريه؛ بدليل ترتيبه عليه بالفاء ،وبدليل ما يأتي
يف الدليل األول للقائلني بعدم الوجوب.
وأجابوا عن الدليل الثاني :بأن الراجح أنه موقوف ،ولعل أن أبا هريرة قاله حني كان والياً على
املدينة ،قال يف (بلوغ املرام) :رجح األئمة وقفه ،اهـ .لكن قال يف (الدراية) :إن الذي رفعه ثقة.
قلت :وإذا كان الذي رفعه ثقة؛ فاملشهور عند احملدثني أنه إذا تعارض الوقف والرفع ،وكان الرافع
ثقة فاحلكم للرفع؛ ألنه زيادة من ثقة مقبولة ،لكن قال يف (الفتح) :إنه ليس صرحيا يف اإلجياب.
قلت :هو ليس بصريح يف اإلجياب ،إذ حيتمل أن منعه من املسجد ،وحرمانه من حضور الصالة
ودعوة املسلمني عقوبة له على ترك هذه الشعرية ،وإن مل تكن واجبة ،لكن من أجل تأكدها ،لكن هو
ظاهر يف اإلجياب ،وال يلزم يف إثبات احلكم أن يكون الدليل صرحيا يف الداللة عليه ،بل يكفي الظاهر إذا مل
يعارضه ما هو أقوى منه.
وأجابوا عن الدليل الثالث :بأن أحد رواته أبو رملة (عامر) قال يف (التقريب) :ال يعرف .وقال
اخلطابي :جمهول واحلديث ضعيف املخرج .وقال املعافري :هذا احلديث ضعيف ال حيتج به.
قلت :وقد سبق أن صاحب (الفتح) وصف سنده بالقوة؛ لكنه قال :ال حجة فيه؛ ألن الصيغة
ليست صرحية يف الوجوب املطلق ،وقد ذكر معها العترية ،وليست بواجبة عند من قال بوجوب
األضحية .اهـ.
وقد سبق اجلواب بأنه ال يلزم يف إثبات احلكم أن يكون الدليل صرحيا يف الداللة عليه بل يكفي
الظاهر إذا مل يعارضه ما هو أقوى منه ،وأما ذكر العترية معها وهي غري واجبة؛ فقد ورد ما خيرجها عن
الوجوب بل عن املشروعية عند كثري من أهل العلم ،وهو قوله صلى اهلل عليه وسلم يف حديث أبي هريرة:
(ال فرع وال عترية) ( .)14متفق عليه .لكن العلة يف الدليل جهالة أبي رملة .واهلل أعلم.
) (14رواه البخاري ،كتاب العقيقة ،باب الفرع ،رقم ( )٥4٧3ومسلم ،كتاب األضاحي باب الفرع والعترية ،رقم
()1٩٧٦
{}9
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
أجابوا عن الدليل الرابع :بأن األمر إمنا هو بذبح بدهلا وهو ظاهر؛ ألهنم ملا أوجبوها تعينت،
وذحبهم إياها قبل الوقت ال جيزئ ،فوجب عليهم ضماهنا بأن يذحبوا بدهلا ،وحنن نقول مبقتضى هذا
احلديث ،وأنه لو أوجب أضحية لوجب عليه ذبح بدهلا.
وأما قوله صلى اهلل عليه وسلم( :ومن مل يذبح فليذبح باسم اهلل) فهو أمر بكون الذبح على اسم
اهلل ال مبطلق الذبح ،فال يكون فيه دليل على وجوب األضحية.
{أدلة القائلني بعدم وجوب}:
{ الدليل األول} :حديث( :هن على فرائض ولكم تطوع :النحر ،والوتر ،وركعتا الضحى) .
أخرجه احلاكم والبزاز وابن عدي ،وروى حنوه أمحد ،وأبو يعلى ،واحلاكم ( ، )15وذكر يف التخليص له
طرقا كلها ضعيفة ،وقال :أطلق األئمة على هذا احلديث الضعف كأمحد ،والبيهقي ،وابن الصالح،
وابن اجلوزي ،والنووي وغريهم.قلت :والضعيف ال حيتج به يف إثبات األحكام.
{ الدليل الثاني} :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم ضحى عن أمته ،فعن على بن احلسني عن أبي
رافع رضي اهلل عنه أن النيب صلي اهلل عليه وسلم كان إذا ضحى؛ اشرتى كبشني أقرنني مسينني
أملحني ،فإذا صلى وخطب؛ أتي بأحدمها وهو قائم يف مصاله فذحبه بنفسه باملدية ،ثم يقول( :اللهم
هذا عن أميت مجيعا من شهد لك بالتوحيد وشهد يل بالبالغ) ،ثم يؤتي باآلخر فيذحبه بنفسه ويقول:
(هذا عن حممد ،وآل حممد) .فيطعمها مجيعا املساكني ،ويأكل هو وأهله منهما ،فمكثنا سنني ليس
لرجل من بين هاشم يضحي قد كفاه اهلل املؤونة برسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم والغرم .أخرجه
أمحد والبزاز ( ، )1٦قال يف جممع الزوائد ( )17وإسناده حسن ،سكت عنه يف التلخيص ،وله شواهد
عند أمحد ،والطرباني ،وأبن ماجه ،والبيهقي ،واحلاكم .
ووجه الداللة :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قام بالواجب عن أمته فيكون الباقي تطوعا،ولذلك
مكث بنو هاشم سنني ال يضحون على مقتضى هذا احلديث.
{ الدليل الثالث} :قوله صلى اهلل عليه وسلم( :إذا رأيتم هالل ذي احلجة وأراد أحدكم أن
يضحي؛ فليمسك عن شعره وأظفاره) رواه اجلماعة إال البخاري ( ، )1٨ويف رواية ملسلم( :فال ميس
()19
من شعره وبشره شيئا)
ووجه الداللة :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم فوض األضحية إىل اإلرادة ،وتفويضها إىل اإلرادة
ينايف وجوهبا ،إذ الوجوب لزوم ال يفوض إىل اإلرادة ،هكذا قالوا.
وعندي أن التفويض إىل اإلرادة ال ينايف الوجوب إذا قام عليه الدليل ،فقد قال النيب صلى اهلل عليه
وسلم يف املواقيت( :هن هلن وملن أتي عليهن من غري أهلهن ممن يريد احلج والعمرة) ( . )20ومل مينع ذلك
) (1٦أخرجه أمحد ( ، )٨3٩1/٦والبزار ( )31٩/٩وابن ماجه ،كتاب األضاحي باب أضاحي رسول اهلل النبى صلي
اهلل عليه وعلي آله وسلم ،رقم (. )3122
)( (1٧جممع الزوائد) ( . )22/4راجع :أمحد ( )3٩1/٦والطرباني يف (الكبري) ( )311/1ابن ماجه رقم (، )3122
والبيهقي ( )2٥٩/٩واحلاكم ()42٥/2
) (1٨رواه مسلم ،كتاب األضاحي ،باب هني من دخل عليه عشر ذي احلجة وهو مريد ،..رقم ( )1٩٧٧وأبو داود،
كتاب الضحايا باب الرجل يأخذ من شعره يف العشر ،رقم ( ، )2٩٧1والرتمذي ،كتاب األضاحي ،باب من ترك أخذ
الشعر ملن أراد أن يضحي ،رقم ( ، )1٥23والنسائي ،كتاب الضحايا باب رقم ( )1حديث رقم ( ، )43٦1وابن
ماجه ،كتاب األضاحي ،باب من أراد أن يضحي فال يأخذ يف العشر ،..رقم )٠314٩
) (1٩رواه مسلم ،كتاب األضاحي ،رقم ()1٩٧٧
{}11
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
من وجوب احلج والعمرة بدليل آخر مرة يف العمر ،فالتعليق على اإلرادة ليس معناه أن اإلنسان خمري يف
املراد على اإلطالق ،فقد جيب أن يريد إذا قام مقتضى الوجوب ،وقد ال جيب أن يريد إذا مل يكن دليل
على الوجوب ،كما لو قلت :جيب الوضوء على من أراد الصالة .والصالة منها ما جتب إرادته
كالفريضة ،ومنها ما ال جتب كالتطوع .وأيضا فاألضحية ال جتب على املعسر فهو غري مريد هلا ،فصح
تقسيم الناس فيها إىل مريد وغري مريد باعتبار اليسار واإلعسار.
{ الدليل الرابع} :أنه صح عن أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما أهنما ال يضحيان خمافة أن يظن أن
األضحية واجبة ( )21وعن أبي مسعود رضي اهلل عنه أنه قال :أني ألدع األضحية ،وأنا من أيسركم،
كراهة أن يعتقد الناس أهنا حتم واجب .أخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح ،وذكره البيهقي
عن ابن عباس وابن عمر وبالل رضي اهلل عنهم قلت :وإذا صح الوجوب عن رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم مل يكن قول غريه حجة عليه.
{الدليل اخلامس} :التمسك باألصل ،فإن األصل براءة الذمة حتى يقوم دليل الوجوب السامل من
املعارضة.قلت :وهذا دليل قوي جدا لكن القائلني بالوجوب يقولون :إنه قدقام دليل الوجوب السامل
من املعارضة فثبت احلكم.
{ الدليل السادس} :أن رجال قال :يا رسول اهلل ،أرايت إن مل أجد إال منيحة أنثى أفأضحي
هبا؟ قال( :ال ،ولكن تأخذ من شعرك وأظفارك وتقص شاربك ،وحتلق عانتك ،فتلك متام
) (2٠رواه البخاري ،كتاب احلج ،باب مهل أهل الشام ،رقم ( ، )1٥2٦ومسلم ،كتاب احلج باب مواقيت احلج والعمرة،
رقم ()11٨1
)( (21السنن الكربي) للبيهقي (( . )2٦4/٩السنن الكربي) البيهقي ()2٦٥/٩
{}12
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
أضحيتك عند اهلل عز وجل) .رواه أبو داود والنسائي ،ورواته ثقات ( . )22واملنيحة :شاة اللنب
تعطى للفقري حيلبها ويشرب لبنها ثم يردها ،وهذا سنة ،ولو كانت األضحية واجبة مل ترتك من أجل
فعل السنة ،إذ املسنون ال يعارض الواجب .وهذا تقرير جيد وفيه تأمل.
قال شيخ اإلسالم ابن تيميه :واألظهر وجوهبا (يعين األضحية) فإهنا من أعظم شعائر اإلسالم،
وهي النسك العام يف مجيع األمصار ،والنسك مقرون بالصالة ،وهي من ملة إبراهيم الذي أمرنا باتباع
ملته ،وقد جاءت األحاديث باألمر هبا ،ونفاه الوجوب ليس معهم نص ،فإن عمدهتم قوله صلى اهلل عليه
وسلم( :من أراد أن يضحي ودخل العشر فال يأخذ من شعره وال من أظفاره)( .)23قالوا :والواجب ال
يعلق باإلرادة ،وهذا كالم جممل ،فإن الواجب ال يوكل إىل إرادة العبد ،فيقال :إن شئت فافعله ،بل يعلق
الواجب بالشرط لبيان حكم من األحكام.
قلت :مثل أن تقول :إذا أردت أن تصلي الظهر فتوضأ ،فصالة الظهر واجبة لكن تعليقها باإلرادة
لبيان حكم الوضوء هلا .قال شيخ اإلسالم يف بقية كالمه على األضحية :ووجوهبا مشروط بأن يقدر
عليها فاضال عن حوائجه األصلية كصدقة الفطر .اهـ .ملخص ًا من (جمموع الفتاوى) البن قاسم (من
ص 1٦2ـ 1٦4ـ جملد . )32
هذه آراء العلماء وأدلتهم سقناها ليبني شأن األضحية وأمهيتها يف الدين ،واألدلة فيها تكاد
تكون متكافئة ،وسلوك سبيل االحتياط أن ال يدعها مع القدرة عليها ،ملا فيها من تعظيم اهلل وذكره وبراءة
) (22رواه أبو داود ،كتاب الضحايا ،باب ما جاء يف إجياب الضاحي ،رقم ( )2٧٨٩والنسائي ،كتاب الضحايا باب من
مل جيد األضحية ،رقم (. )43٦٥
) (23سبق خترجيه ص12
{}13
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
الذمة بيقني.
وذبح األضحية أفضل من الصدقة بثمنها ،نص عليه اإلمام أمحد رمحه اهلل ،قال ابن القيم ـ وهو
أحد تالميذ شيخ اإلسالم ابن تيميه البارزين ـ( :الذبح يف موضعه أفضل من الصدقة بثمنه ،ولو زاد (يعين
ولو زاد يف مثنه فتصدق بأكثر منه) كاهلدايا والضحايا ،فإن نفس الذبح وإراقة الدم مقصود ،فإنه عبادة
سكِي
صلَِّلِرَبَِّكَ وَاْنحَرْ) (الكوثر ، )2 :وقال تعاىلُ ( :قلْ إِنََّ صَالتِي وَنُ ُ
مقرونة بالصالة كما قال تعاىل( :ف َ
وََمحْيَايَ وَمَمَاتِيلِلَّهِ َربَِّ الْعَالمِنيَ) (األنعام ، )1٦2 :ففي كل ملة صالة ونسيكة ال يقوم غريمها مقامهما،
وهلذا لو تصدق عن دم املتعة والقران أضعاف القيمة؛ مل يقم مقامه ،وكذلك األضحية .اهـ.
ويدل على أن ذبح األضحية أفضل من الصدقة بثمنها :أنه هو عمل النيب صلى اهلل عليه وسلم
واملسلمني ،فإهنم كانوا يضحون ،ولو كانت الصدقة بثمن األضحية أفضل؛ لعدلوا إليها وما كان رسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم ليعمل عمال مفضوال يستمر عليه منذ أن كان يف املدينة إىل أن توفاه اهلل مع وجود
األفضل وتيسره ثم ال يفعله مرة واحدة ،وال يبني ذلك ألمته بقوله ،بل استمرار النيب صلى اهلل عليه وسلم
واملسلمني معه على األضحية يدل على أن الصدقة بثمن األضحية ال تساوي ذبح األضحية فضال عن
أن تكون أفضل منه ،إذ لو كانت تساويه لعملوا هبا أحيانا؛ ألهنا أيسر وأسهل ،أو تصدق بعضهم وضحى
بعضهم كما يف كثري من العبادات املتساوية ،فلما مل يكن ذلك؛ علم أن ذبح األضحية أفضل من الصدقة
بثمنها.
ويدل على أن ذبح األضحية أفضل من الصدقة بثمنها :أن الناس أصاهبم ذات سنة جماعة يف
عهد النيب صلى اهلل عليه وسلم يف زمن األضحية ،ومل يأمرهم بصرف مثنها إىل احملتاجني ،بل أقرهم على
ذحبها ،وأمرهم بتفريق حلمها كما يف الصحيحني عن سلمة بن األكوع رضي اهلل عنه قال :قال رسول اهلل
{}14
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
صلى اهلل عليه وسلم( :من ضحى منكم فال يصبحن بعد ثالثة يف بيته شيء) فلما كان العام املقبل قالوا:
يا رسول اهلل ،نفعل كما فعلنا يف العام املاضي؟ فقال صلى اهلل عليه وسلم( :كلوا وأطعموا وادخروا ،فإن
ذلك العام كان يف الناس جهد فأردت أن تعينوا فيها) ( . )24ويف صحيح البخاري أن عائشة رضي اهلل
عنه سئلت :أهنى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن حلوم األضاحي أن تؤكل فوق ثالث؟ فقالت :ما
فعله إال عام جاع الناس فيه فأراد أن يطعم الغين الفقري (. )25
ويدل على أن ذبح األضحية أفضل من الصدقة بثمنها :أن العلماء اختلفوا يف وجوهبا ،وأن
القائلني بأهنا سنة صرح أكثرهم أو كثري منهم بأنه يكره تركها للقادر ،وبعضهم صرح بأنه يقاتل أهل بلد
تركوها ،ومل نعلم أن مثل ذلك حصل يف جمرد الصدقة املسنونة.
ويدل على أن ذبح األضحية أفضل من الصدقة بثمنها :أن الناس لو عدلوا عنه إىل الصدقة؛
لتعطلت شعرية عظيمة نوه اهلل عليها يف كتابه يف عدة آيات ،وفعلها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وفعلها
املسلمون ،ومساها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم سنة املسلمني.
قال شيخ اإلسالم ابن تيميه :فكيف جيوز أن املسلمني كلهم يرتكون هذا ال يفعله أحد منهم ،وترك
املسلمني كلهم هذا أعظم من ترك احلج يف بعض السنني ،كذا قال.قال :وقد قالوا إن احلج كل عام فرض
على الكفاية؛ ألنه من شعائر اإلسالم ،والضحايا يف عيد النحر كذلك ،بل هذه تفعل يف كل بلد هي
والصالة ،فيظهر هبا من عبادة اهلل وذكره والذبح له والنسك له ما ال يظهر باحلج كما يظهر ذكر اهلل بالتكبري
) (24رواه البخاري ،كتاب األضاحي ،باب ما يؤكل من حلوم األضاحي ومايتزود منها ،رقم ( ، )٥٥٦٩ومسلم ،كتاب
األضاحي باب بيان ما كان من النهي عن أكل حلوم األضاحي بعد ثالث ،رقم (. )1٩٧4
) (2٥رواه البخاري ،كتاب األطعمة باب ما كان السلف يدخرون يف بيوهتم واسفارهم ،..رقم (. )٥423
{}15
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
رواه أبو داود ،ورواه بنحوه الرتمذي وقال :غريب ال نعرفه إال من حديث شريك ( .)27اهـ .قلت :ويف
إسناده مقال.
وإذا كانت الوصية بأضاحي متعددة ومل يكف املغل لتنفيذها مثل أن يوصي شخص بأربع
ضحايا :واحدة ألمه ،وواحدة ألبيه وواحدة ألوالده ،وواحد ألجداده وجداته ،ومل يكف املغل إال
لواحدة فإن تربع الوصي بتكميل الضحايا األربع من عنده فنرجو أن يكون حسنا ،وإن مل يتربع مجع اجلميع
يف أضحية واحدة كما لو ضحى عنهم يف حياته.
وإن كانت الوصية يف أضحية واحدة ومل يكف املغل هلا فإن تربع الوصي بتكميلها من عنده
فنرجو أن يكون حسنا ،وإن مل يتربع أبقى املغل إىل السنة الثانية والثالثة حتى يكفي األضحية فيضحي
به ،فإن كان املغل ضئيال ال يكفي ألضحية إال بعد سنوات خيشى من ضياعه يف إبقائه إليها ،أو من أن
تزايد قيم األضاحي فإن الوصي يتصدق باملغل يف عشر ذي احلجة وال يبقيه؛ ألنه عرضة لتلفه ،ورمبا
تتزايد قيم األضاحي كل عام ،فال يبلغ قيمة األضحية مهما مجعه ،فالصدقة به خري.
واخرتنا أن يتصدق به يف عشر ذي احلجة؛ ألنه الزمن الذي عني املوصي تنفيذ وصيته فيه ،وألن
العشر أيام فاضلة ،والعمل الصاحل فيها حمبوب إىل اهلل عز وجل ،قال النيب صلي اهلل عليه وسلم( :ما من
أيام العمل الصاحل فيها حمبوب إىل اهلل من هذه األيام العشر) وقالوا :يا رسول اهلل ،وال اجلهاد يف سبيل اهلل؟
قال( :وال اجلهاد يف سبيل اهلل ،إال رجل خرج بنفسه وماله ثم مل يرجع من ذلك بشيء) (. )2٨
) (2٧رواه أبو داود ،كتاب الضحايا باب األضحية عن امليت ،رقم ( )2٧٩٠والرتمذي ،كتاب األضاحي باب ما جاء
يف األضحية عن امليت ،رقم ()14٩٥
{}17
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
(تنبيه عام) :يذكر بعض املوصني يف وصيته قدراً معيناً للموصي به مثل أن يقول :يضحي عين ولو
بلغت األضحية رياال .يقصد املغاالة يف مثنها؛ ألهنا يف وقت وصيته بربع ريال أو حنوه ،فيقوم بعض من ال
خيشى اهلل من األوصياء فيعطل الوصية حبجة أن الريال ال ميكن أن يبلغ مثن األضحية اآلن ،وهذا حرام
عليه ،وهو آثم بذلك ،وجيب تنفيذ الوصية باألضحية ،وإن بلغت آالف الرياالت مادام املغل يكفي
لذلك؛ ألن مقصود املوصي معلوم ،وهو املبالغة يف قيمة األضحية مهما زادت ،وذكره الريال على سبيل
التمثيل ،ال على سبيل التحديد.
{الفصل الثانى فيما تتعني به األضحية وأحكامه}
تتعني األضحية أضحية بواحد من أمرين:
{ أحدمها} :اللفظ بتعيينها أضحية بأن يقول :هذه أضحية قاصدا بذلك إنشاء
تعيينها.فأما إن قصد اإلخبار عما سيصرفها إليه يف املستقبل؛ فإهنا ال تتعني بذلك؛ ألن هذا إخبار عما
يف نيته أن يفعل ،وليس للتعيني.
{الثاني} :ذحبها بنية األضحية ،فمتى ذحبها بنية األضحية؛ ثبت هلا حكم األضحية ،وإن مل
يتلفظ بذلك قبل الذبح ،هذا هو املشهور من مذهب اإلمام أمحد ،وهو مذهب الشافعي ،أعين أن
األضحية تتعني بأحد هذين األمرين ،وزاد شيخ اإلسالم ابن تيمية أمراً ثالثاً وهو :الشراء بنية األضحية،
فإذا اشرتاها بنية األضحية تعينت ،وهو مذهب مالك وأبي حنيفة .واألول أرجح كما لو اشرتى عبداً
) (2٨رواه البخاري ،كتاب العيدين باب فضل العمل يف أيام التشريق ،رقم ( )٩٦٩وأبو داود ،كتاب الصوم ،باب يف صوم
العشر ،رقم )٠243٨والرتمذي ،كتاب الصوم باب ما جاء يف العمل يف أيام العشر ،رقم ( )٧٥٧وابن ماجه ،كتاب
الصيام ،باب صيام العشر ،رقم (. )1٧2٧
{}1٨
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
يريد عتقه فإنه ال يعتق ،وكما لو اشرتى بيتا ليجعله وقفا؛ فإنه ال يصري وقفا مبجرد النية ،وكما لو أخرج من
جيبه دراهم ليتصدق هبا؛ فإهنا ال تتعني الصدقة هبا بل هو باخليار إن شاء أنفذها وإن شاء منعها.
ويستثين من ذلك ما إذا اشرتى أضحية بدالً عن معينة فإهنا تتعني مبجرد الشراء مع النية.
{وإذا تعينت أضحية تعلق بذلك أحكام}:
{أحدها} :أنه ال جيوز نقل امللك فيها ببيع وال هبة وال غريمها إال أن يبدهلا خبري منها ،أو
يبيعها ليشرتي خرياً منها فيضحي به .وإن مات من عينها مل ميلك الورثة إبطال تعيينها ،ولزمهم ذحبها
أضحية ،ويفرقون منها ويأكلون.
{ الثاني} :أنه ال جيوز أن يتصرف فيها تصرفا مطلقا ،فال يستعملها يف حرث وحنوه ،وال يركبها
بدون حاجة وال مع ضرر ،وال حيلب من لبنها ما فيه نقص عليها أو حيتاجه ولدها املتعني معها .وال جيز
شيئا من صوفها وحنوه إال أن يكون أنفع هلا ،وإذا جزه فليتصدق به أو ينتفع ،والصدقة أفضل.
{الثالث} :أهنا إذا تعيبت عيب ًا مينع اإلجزاء فله حاالن:
احلال األوىل :أن يكون ذلك بدون فعل منه وال تفريط؛ فيذحبها وجتزئه إال أن تكون واجبة يف ذمته
قبل التعيني؛ ألهنا أمانة عنده ،فإذا تعيبت بدون فعل منه وال تفريط فال حرج عليه .مثال ذلك :أن
يشرتي شاةً فيعينها أضحية ،ثم تعثر وتنكسر بدون سبب منه فيذحبها وجتزئه أضحية .فإن كانت
واجبة يف ذمته قبل التعيني كما لو نذر أن يضحي ثم عني عن نذره شاة فتعيبت بدون فعل من وال تفريط
وجب عليه إبداهلا بسليمة جتزئ عما يف ذمته؛ ألن ذمته مشغولة بأضحية سليمة قبل أن يعينها ،فال
خيرج من عهدة الواجب إال بأضحية سليمة.
{}19
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
احلال الثانية :أن يكون تعيبها بفعله أو تفريط؛ فيلزمه إبداهلا مبثلها على كل حال ،سواء كانت
واجبة يف ذمته قبل التعيني أم ال ،وسواء كانت بقدر ما جيزئ يف األضحية أو أعلى منه.مثال ذلك :أن
يشرتي شاة مسينة فيعينها أضحية ثم يربطها برباط ضيق كان سببا يف كسرها فتنكسر؛ فيلزمه إبداهلا
بشاة مسينة يضحي هبا.
وإذا ضحى بالبدل فهل يلزمه ذبح املتعيب أيضا ،أو يعود ملكا له؟ على روايتني عن أمحد:
{إحدامها} :يلزمه ذبح املتعيب ،وهو املذهب املشهور عند األصحاب لتعلق حق الفقراء فيه
يتعيينه{.الثانية} :ال يلزمه ذحبه لرباءة ذمته بذبح بدله ،فلم يضع حق الفقراء فيه ،وهذا هو القول
الراجح ،اختاره املوفق والشارح وغريمها ،وعلى هذا فيعود املتعيب ملكا له يصنع فيه ما شاء من أكل
وبيع وهدية وصدقة وغري ذلك.
{الرابع} :أهنا ضلت (ضاعت) أو سرقت فثم حاالن:
احلال األوىل :أن يكون ذلك بدون تفريط منه فال ضمان عليه إال أن تكون واجبة يف ذمته قبل
التعيني؛ ألهنا أمانة عنده ،واألمني ال ضمان عليه إذا مل يفرط ،لكن متى وجدها أو استنقذها من
السارق؛ لزمه ذحبها ولو فات وقت الذبح ،وإن كانت واجبة يف ذمته قبل التعيني وجب عليه ذبح بدهلا
على أقل ما تربأ به الذمة كما سبق ،فإن وجدها أو استنقذها من السارق بعد ذبح بدهلا مل يلزمه ذحبها
لرباءة ذمته ،وسقوط حق الفقراء بذبح البدل ،لكن إن كان البدل الذي ذحبه أنقص لزمه الصدقة بأرش
النقص؛ لتعلق حق الفقراء به ،واهلل أعلم.
احلال الثانية :أن يكون ذلك بتفريط منه فيلزمه إبداهلا مبثلها على كل حال ،أي سواء كانت واجبة
يف ذمته قبل التعيني أو ال ،وسواء كانت بقدر ما جيزئ يف األضحية أم أعلى منه .مثال ذلك :اشرتى شاة
{}20
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
فعينها أضحية ،ثم وضعها يف مكان غري حمرز فسرقت أو خرجت فضاعت؛ فيلزمه إبداهلا بأضحية
مثلها على صفتها ،وإن شاء أعلى منها.
وإذا ضحى بالبدل ثم وجدها أو استنقذها من السارق؛ عادت ملكا له يصنع هبا ما شاء من بيع
وهبة وصدقة وغري ذلك؛ ألنه برئت ذمته بذبح بدهلا ،وسقط به حق الفقراء.
{اخلامس} :أهنا إذا تلفت فلها ثالث حاالت:
احلال األوىل :ان يكون تلفها بأمر ال صنع لآلدمي فيه؛ كمرض أو آفة مساوية أو سبب تفعله هي،
فال يلزمه بدهلا إال أن تكون واجبة يف ذمته قبل التعيني؛ ألهنا أمانة عنده ،واألمني ال ضمان عليه يف مثل
ذلك ،فإن كانت واجبة يف ذمته قبل التعيني؛ لزمه ذبح بدهلا على أقل ما تربأ به ذمته ،وإن شاء أعلى
منه.
احلال الثانية :أن يكون تلفها بفعل مالكها ،فيلزمه ذبح بدهلا على صفتها بكل حال ،أي سواء
كانت واجبة يف ذمته قبل التعيني أم ال ،وسواء كانت بقدر ما جيزئ يف األضحية أم أعلى منه؛ لقول النبى
صلى اهلل عليه وسلم( :من ذبح قبل أن يصلى فليعد مكاهنا أخرى) ( )29وكما لو تعيبت بفعله فيلزمه
بدهلا على صفتها كما سبق.
احلال الثالثة :أن يكون تلفها بفعل آدمي غري مالكها ،فإن كان ال ميكن تضمينه كقطاع الطريق؛
فحكمه حكم تلفها بأمر ال صنع لآلدمي فيه على ما سبق يف احلال األوىل .وإن كان ميكن تضمينه
كشخص معني ذحبها فأكلها ،فإنه يلزمه ضماهنا مبثلها يدفعه إىل مالكها ليضحي به ،وقيل :يلزمه ضماهنا
بالقيمة ،واألول أصح ،فإن احليوان يضمن مبثله على القول الراجح؛ ملا روى البخاري عن أبي هريرة ـ
رضي اهلل عنه ـ أن رجال أتى النيب صلى اهلل عليه وسلم يتقاضاه بعريا ـ ويف رواية فأغلظ له ـ فهم به
أصحابه فقال( :دعوه ،فإن لصاحب احلق مقاالً ،واشرتوا له بعريا فأعطوه إياه ،وقالوا :ال جند إال أفضل
من سنه ،قال :اشرتوا له وأعطوه إياه ،فإن خريكم أحسنكم قضاء) (. )30وملسلم حنوه ( )31ولو كان البدل
الواجب يف احليوان قيمته مل يعدل النيب صلى اهلل عليه وسلم عنها ،ومل يكلفهم الشراء له.
{السادس} :أهنا إذا ذحبت قبل وقت الذبح ولو بنية األضحية؛ فحكمه حكم إتالفها على
ما سبق ،وإن ذحبت يف وقت الذبح فإن كان الذابح صاحبها أو وكيله؛ فقد وقعت موقعها .وإن كان
الذبح غري صاحبها وال وكيله؛ فله ثالث حاالت:
{احلال األوىل} :أن ينويها عن صاحبها ،فإن رضي صاحبها بذلك أجزأت بال ريب ،وإن مل
يرض أجزأت أيضا على املشهور من مذهب أمحد والشافعي وأبي حنيفة ،ونقل يف املغين عن مالك أهنا
ال جتزئ ،وعلى هذا فينبغي أن يلزم الذابح ضماهنا مبثلها يدفعه إىل مالكها ليضحي به كاإلتالف ،ويكون
اللحم للذابح إال أن يرضى صاحبها بأخذه مع األرش وهو فرق ما بني قيمتها حية ومذبوحة ،فيملكه
ويذبح بدهلا.
{ احلال الثانية} :أن ينويها عن نفسه ال عن صاحبها ،فإن كان يعلم أهنا أضحية غريه مل جتز
عنه وال عن صاحبها؛ ألنه غاضب معتد فال يكون فعله قربة ،ويلزمه ضماهنا مبثلها يدفعه إىل صاحبها
ليضحي به وقيل :جتزئ عن صاحبها إلغاء لنية الذابح دون فعله ،وعلى هذا فال يضمن إال ما فرق من
اللحم ،وإن كان ال يعلم أهنا أضحية غريه؛ أجزأت عن صاحبها بكل حال ،وقيل :إن فرق حلمها مل جتز
) (3٠رواه البخاري ،كتاب االستقراض ،باب استقراض اإلبل ،رقم ()23٩٠
) (31رواه مسلم ،كتاب املساقاة ،باب من استسلف شيئ ًا فقضى خرياً منه ،رقم ()1٦٠1
{}22
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
عن واحد منهما ،واألول أظهر؛ ألن تفرقه اللحم ال أثر هلا يف اإلجزاء وعدمه؛ بدليل ما لو ذحبها ثم
سرقت قبل تفريقها فإهنا جتزئ .نعم تفريق اللحم له أثر يف الضمان وعدمه ،فإنه إذا فرق اللحم؛ لزمه
ضمانه لصاحبها ما مل يرض بتفريقه إياه.
{احلال الثالثة} :أن يذحبها مع اإلطالق؛ فال ينويها عن صاحبها وال عن نفسه ،فتجزئ عن
صاحبها أيضا؛ ألهنا معينة من قبله ،وقيل :ال جتزئ عن واحد منهما.
(تنبيه) :يف حال إجزاء املذبوح عن صاحبه فيما سبق ،إن كان اللحم باقيا أخذه صاحبه وفرقه
أضحية ،وإن كان الذابح قد فرقه تفريق أضحية ورضي به صاحبها ،فقد وقع املوقع ،وإن مل يرض ضمنه
لصاحبه ليفرقه بنفسه.
(تنبيه ثان) حمل ما ذكر من التفصيل إن قلنا حبل ما ذكاه الغري بغري إذن مالكه ،وإال فال جتزئ بكل
حال وعليه الضمان.
(تتمه) :قال األصحاب :وإن ضحى اثنان كل منهما بأضحية اآلخر عن نفسه غلظاً كفتهما وال
ضمان ،فإن فرقاً اللحم؛ فقد وقع موقعه وإال تراداه ليفرق كل واحد منهما حلم أضحيته.
(فائدتان) :
(األوىل) :إذا تلفت بعد الذبح أو سرقت أو أخذها من ال متكن مطالبته ،ومل يفرط صاحبها فال
ضمان عليه ،وإن فرط ضمن ما جتب به الصدقة منها قط.
(الثانية) :إذا ولدت بعد التعيني فحكم ولدها حكمها يف مجيع ما تقدم سواء محلت به بعد
التعيني أم قبله ،وأما ما ولدته قبل التعيني فهو مستقل يف حكم نفسه فال يتبع أمه.
{}23
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
) (32رواه مسلم ،كتاب األضاحي ،باب بيان ما كان من النهي عن أكل حلوم األضاحي ،رقم ()1٩٧1
) (33رواه البخاري ،كتاب األضاحي ،باب ما يؤكل من حلوم االضاحي وما يتزود منها ،رقم ()٥٥٦٩
) (34رواه مسلم ،كتاب األضاحي ،باب وقتها ،رقم ()1٩٦1
) (3٥تفسري ابن أبي حامت ()24٨٩/٨
{}24
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
ولنا ما روي عن ابن عباس ـ رضي اهلل عنهما ـ يف صفة أضحية النيب صلى اهلل عليه وسلم قال :ويطعم
أهل بيته الثلث ،ويطعم فقراء جريانه الثلث ،ويتصدق على السؤال بالثلث .رواه احلافظ أبو موسى
األصفهاني يف الوظائف وقال :حديث حسن؛ وألنه قول ابن مسعود وابن عمر ،ومل نعرف هلما خمالفا يف
الصحابة فكان إمجاع .اهـ.
والقول القديم للشافعي يأكل النصف ،ويتصدق بالنصف؛ لقوله تعاىل ِ( :ف ُكلُوا مِْنهَا وَأ ْطعِمُوا
الْبَائِسَ الْفقِريَ) (احلج :من اآلية )2٨فجعلها بني اثنني فدل على أهنا بينهما نصفني قال يف (املغين) :واألمر
يف ذلك واسع ،فلو تصدق هبا كلها أو بأكثرها جاز ،وإن أكلها إال أوقية تصدق هبا جاز .وقال أصحاب
الشافعي :جيوز أكلها كلها .أه.
وما ذكرناه من األكل واإلهداء؛ فعلى سبيل االستحباب ال الوجوب ،وذهب بعض العلماء إىل
وجوب األكل منها ،ومنع الصدقة جبميعها لظاهر اآلية واألحاديث ،وألن النيب صلى اهلل عليه وسلم أمر
يف حجة الوداع من كل بدنة ببضعة ،فجعلت يف قدر فطبخت ،فأكل من حلمها وشرب من مرقها .رواه
مسلم من حديث جابر (. )3٦
وجيوز ادخار ما جيوز أكله منها؛ ألن النهي عن االدخار منها فوق ثالث منسوخ على قول اجلمهور،
وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية :بل حكمه باق عند وجود سببه وهو اجملاعة؛ حلديث سلمة بن األكوع ـ
رضي اهلل عنه ـ قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم( :من ضحى منكم فال يصبحن بعد ثالثة ويف بيته
منه شيء) ،فلما كان العام املقبل قالوا يا رسول اهلل ،نفعل كما فعلنا يف العام املاضي ،فقال صلى اهلل عليه
) (3٦رواه مسلم ،كتاب احلج ،باب حجة النيب صلى اهلل عليه وسلم رقم )٠121٨
{}25
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
()37
وسلم( :كلوا وأطعموا وادخروا ،فإن ذلك العام كان الناس يف جهد فأردت أن تعينوا فيها) متفق عليه
فإذا كان يف الناس جماعة زمن األضحى؛ حرم االدخار فوق ثالث وإال فال بأس به.
وال فرق فيما سبق من األكل والصدقة واإلهداء من حلوم األضاحي بني األضحية الواجبة
والتطوع ،وال بني األضحية عن امليت أو احلي ،وال بني األضحية اليت ذحبها من عنده أو اليت ذحبها لغريه
بوصية ،فإن املوصى إليه يقوم مقام املوصي يف األكل واإلهداء والصدقة ،فأما الوكيل عن احلي فإن أذن له
املوكل يف ذلك أو دلت القرينة أو العرف عليه فعله ،وإال سلمها للموكل كاملة وهو الذي يقوم
بتوزيعها.وحيرم أن يبيع شيئا منها من حلم أو شحم أو دهن أو جلد أو غريه؛ ألهنا مال أخرجه هلل فال جيوز
الرجوع فيه كالصدقة ،وال يعطي اجلازر شيئا منها يف مقابلة أجرته أو بعضها؛ ألن ذلك مبعنى البيع.
فأما من أهدي له شيء منها أو تصدق به عليه فله أن يتصرف فيه مبا شاء من بيع وغريه؛ ألنه
ملكه ملكا تاما فجاز له التصرف فيه ،ويف (الصحيحني) عن عائشة ـ رضي اهلل عنها ـ أن النيب صلى اهلل
عليه وسلم دخل بيته فدعا بطعام فأتي خببز وأدم من أدم البيت فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم( :أمل أر
الربمة فيها حلم؟) قالوا :بلى ،ولكن ذلك حلم تصدق به على بريرة وأنت ال تأكل الصدقة ،قال (عليها
صدقة ولنا هدية) ويف لفظ البخاري( :ولكنه حلم تصدق به على بريرة فأهدته لنا) وملسلم( :هو عليها
صدقة ،وهو منها لنا هدية) (.)3٨
لكن ال يشرتيه من أهداه أو تصدق به؛ ألنه نوع من الرجوع يف اهلبة والصدقة ،ويف (الصحيحني)
عن عمر بن اخلطاب ـ رضي اهلل عنه ـ قال :محلت على فرس يف سبيل اهلل فأضاعه الذي كان عنده
فأردت أن أشرتيه منه وظننت أنه بائعه برخص ،فسألت عن ذلك النيب صلى اهلل عليه وسلم فقال (ال
()39
تشرته وإن أعطاكه بدرهم ،فإن العائد يف صدقته كالكلب يعود يف قيئه)
فإن عاد إىل من أهداه أو تصدق به بإرث مثل أن يهدي إىل قريب له أو يتصدق عليه ثم ميوت فريثه
من أهداه أو تصدق به ،فإنه يعود إليه ملكا تاما يتصرف فيه كما شاء على وجه مباح؛ ملا رواه مسلم عن
بريدة ـ رضي اهلل عنه ـ أن امرأة أتت النيب صلى اهلل عليه وسلم فقالت :يا رسول اهلل )1٦20( ،إني
تصدقت على أمي جبارية وإهنا ماتت .فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم( :وجب أجرك وردها عليك
املرياث) (. )40
{الفصل الرابع فيما جيتنبه من أراد األضحية}
عن أم سلمة رضي اهلل عنها أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال( :إذا رأيتم هالل ذي احلجة ـ ويف
لفظ :إذا دخلت العشر ـ وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره) رواه أمحد ومسلم وأبو
داود والرتمذي والنسائي وابن ماجه)( ، )41ويف لفظ ملسلم وأبي داود والنسائي (( : )42فال يأخذ من
) (3٩رواه البخاري ،كتاب الزكاة ،باب هل يشرتي صدقته؟ رقم ( ، )14٩٠ومسلم كتاب اهلبات ،باب كراهة شراء
اإلنسان ما تصدق به ،رقم ()1٦2٠
) (4٠رواه مسلم ،كتاب الصيام ،باب قضاء الصيام عن امليت ،رقم ()114٩
) (41رواه مسلم ،باب هني من دخل عليه عشر ذي احلجة وهو مريد التضحية أن يأخذ من شعره ، ...رقم
( ، ) 1٩٧٧وأبو داود ،كتاب الضحايا ،باب الرجل يأخذ من شعره يف العشر ،رقم ( ، )2٧٩1والرتمذي ،كتاب
األضاحي ،باب ترك أخذ الشعر ملن أراد أن يضحي ،رقم ( )1٥23والنسائي ،كتاب الضحايا ،باب رقم ( )1حديث
رقم ( ) 43٦1وابن ماجه كتاب االضاحي ،باب من أراد أن يضحي فال يأخذ من شعره ، ...رقم (، )314٩
وأمحد ()2٨٩/٦
{}27
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
شعره شيئا حتى يضحي) ،وملسلم والنسائي أيضا وابن ماجه (( : )43فال ميس من شعره وال بشره شيئا)
ففي هذا احلديث النهي عن أخذ شيء من الشعر أو الظفر أو البشرة ممن أراد أن يضحي من دخول شهر
ذي احلجة حتى يضحي ،فإن دخل العشر وهو ال يريد األضحية ثم أرادها يف أثناء العشر أمسك عن
أخذ ذلك منذ إرادته ،وال يضره ما أخذ قبل إرادته.
وقد اختلف العلماء رمحهم اهلل تعاىل يف هذا النهي ،هل هو للكراهة أو للتحريم؟ واألصح أنه
للتحريم؛ ألنه األصل يف النهي وال دليل يصرفه عنه ،ولكن ال فدية فيه إذا أخذه لعدم الدليل على ذلك.
واحلكمة يف هذا النهي واهلل أعلم أنه ملا كان املضحي مشاركا للمحرم يف بعض أعمال النسك،
وهو التقرب إىل اهلل بذبح القربان ،كان من احلكمة أن يعطى بعض أحكامه ،وقد قال اهلل يف احملرمني( :وَال
سكُمْ حَتَّىيَْبلُغ اْلهَدْيُ َمحِلَّهُ) (البقرة . )19٦ :وقيل :احلكمة أن يبقى املضحي كامل
حلِقُوا رُؤُو َ
تْ
األ جزاء للعتق من النار ،ولعل قائل ذلك استند إىل ما ورد من أن اهلل تعاىل يعتق من النار بكل عضو من
األضحية عضوا من املضحي ،لكن هذا احلديث قال ابن الصالح :غري معروف ومل جند له سندا يثبت
به ،ثم هو منقوض مبا ثبت يف الصحيحني وغريمها من حديث أبي هريرة أن النيب صلى اهلل عليه وسلم
قال( :أميا رجل مسلم أعتق امرأً مسلما استنقذ اهلل بكل عضو منه عضوا منه من النار) ( )44ومل ينه من
أراد العتق عن أخذ شيء من شعره وظفره وبشرته حتى يعتق.
وقيل :احلكمة :التشبه باحملرم ،وفيه نظر ،فإن املضحي ال حيرم عليه الطيب والنكاح والصيد
واللباس احملرم على احملرم ،فهو خمالف للمحرم يف أكثر األحكام ،ثم رأيت ابن القيم أشار إىل أن احلكمة
توفري الشعر والظفر ليأخذه مع األضحية ،فيكون ذلك من متام األضحية عند اهلل وكمال التعبد هبا ،واهلل
أعلم.
(تنبيه) :يتوهم بعض العامة أن من أراد األضحية ثم أخذ من شعره أو ظفره أو بشرته شيئا يف أيام
العشر؛ مل تقبل أضحيته ،وهذا خطأ بني ،فال عالقة بني قبول األضحية واألخذ مما ذكر ،لكن من أخذ
بدون عذر فقد خالف أمر النيب صلى اهلل عليه وسلم باإلمساك ،ووقع فيما هنى عنه من األخذ ،فعليه
أن يستغفر اهلل ويتوب إليه وال يعود ،وأما أضحيته فال مينع قبوهلا أخذه من ذلك.
وأما من احتاج إىل أخذ الشعر والظفر والبشرة فأخذها فال حرج عليه ،مثل أن يكون به جرح
فيحتاج إىل قص الشعر عنه ،أو ينكسر ظفره فيؤذيه فيقص ما يتأذى به ،أو تتدىل قشرة من جلده فتؤذيه
فيقصها ،فال حرج عليه يف ذلك كله.
(تنبيه ثان) :ظاهر احلديث وكالم أهل العلم أن هني املضحي عن أخذ الشعر والظفر والبشرة
يشمل ما إذا نوى األضحية عن نفسه أو تربع هبا عن غريه ،وهو كذلك ،وذكر بعض احملشني من أصحابنا
أن من تربع باألضحية عن غريه ال يشمله النهي ،وما ذكرناه أوىل وأحوط .فأما من ضحى عن غريه
بوكالة أو وصية؛ فال يشمله النهي بال ريب.
وأما من يضحى عنه فظاهر احلديث وكالم كثري من أهل العلم أن النهي ال يشمله ،فيجوز له األخذ
من شعره وظفره وبشرته ،ويؤيد ذلك أن النيب صلى اهلل عليه وسلم كان يضحي عن آل حممد ومل ينقل أنه
كان ينهاهم عن ذلك ،وذكر املتأخرون من أصحابنا أنه يشمل املضحى عنه ،فال يأخذ من شعره وال
{}29
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
ظفره وال بشرته من دخول شهر ذي احلجة ،أو من حني يعلم أنه سيضحى عنه إن كان مل يعلم حتى تذبح
األضحية وذلك ألنه مشارك للمضحي يف الثواب ،فشاركه يف احلكم ،واهلل أعلم.
{الفصل اخلامس يف العيوب املكروهة يف األضحية}
ذكرنا يف الفصل السابق العيوب املانعة من اإلجزاء املنصوص عليها واملقيسة ،وها حنن بعون اهلل
نذكر العيوب املكروهة اليت ال متنع اإلجزاء وهي:
{األويل} :العضباء ،وهي مقطوعة القرن أو األذن ،ملا روى قتادة عن جري بن كليب عن
على بن أبي طالب رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم هني أن يضحي بأعضب األذن والقرن.
قال قتادة :فذكرت ذلك لسعيد بن املسيب فقال :العضب :النصف فأكثر من ذلك .رواه اخلمسة.
وقال الرتمذي :حسن صحيح ( . )45قلت :جري بن كليب قال عنه يف (خالصة التذهيب) :روى عنه
قتادة فقط .وقال أبو حامت :ال حيتج به .اهـ .ولذلك قال يف (الفروع) ويف صحة اخلرب ـ يعنى خرب العضب
ـ نظر .فأما مفقودة القرن واألذن بأصل اخللقة فال تكره ،لكن غريها أوىل.
{ الثانية} :املقابلة ،وهي اليت شقت أذهنا من األمام عرضاً.
{ الثالثة} :املدابرة ،وهي اليت شقت أذهنا من اخللف عرضاً.
{ الرابعة} :الشرقاء ،وهي اليت شقت أذهنا طوال.
{اخلامسة} :اخلرقاء ،وهي اليت خرقت أذهنا .حلديث على رضي اهلل عنه ،قال أمرنا
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن نستشرف العني واألذن ،وأن ال نضحي مبقابلة وال مدابرة وال شرقاء
) (4٥رواه الرتمذي ،كتاب األضاحي ،باب يف الضحية بعضباء القرن واألذن ،رقم ()1٥٠4
{}30
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
وال خرقاء .رواه اخلمسة ،وقال الرتمذي :حسن صحيح ( )4٦وأخرجه ابن حبان واحلاكم والبيهقي
والبزار ( ، )47وأعله الدارقطين ،ونقل يف (عون املعبود) عن البخاري أن هذا احلديث مل يثبت رفعه ،واهلل
أعلم.
{السادسة} املصفرة ،وهي اليت تستأصل أذهنا حتى يبدو صماخها ،وهكذا يف اخلرب ،ويف
(التلخيص) :أهنا املهزولة ،وذكرها يف النهاية بقيل كذا وقيل كذا.
{ السابعة} :املستأصلة ،وهي اليت ذهب قرهنا من أصله.
{ الثامنة} :البخقاء ،وهي اليت خبقت عينها ،قال يف (النهاية) :والبخق أن يذهب البصر
وتبقى العني قائمة .ويف (القاموس) :البخق أقبح العور وأكثره غمصا ،وعلى هذا فإذا كان البخق عورا
بينا مل جتز كما يدل عليه حديث الرباء السابق.
{التاسعة} :املشيعة ،وهي اليت ال تتبع الغنم عجفاً وضعفا ،تكون وراء الغنم كاملشيع
للمسافر ،وقيل بفتح الياء حلاجتها إىل من يشيعها لتلحق بالغنم ،وهذه إن مل يكن فيها مخ فال جتزئ حلديث
الرباء ،وإن كان فيها مخ وال تستطيع معانقة الغنم مل جتز أيضا؛ ألهنا كالعرجاء البني ظلعها ،وإن كانت
تستطيع معانقة الغنم إذا زجرت فهي مكروهة؛ حلديث يزيد ذي مصر قال :أتيت عتبة بن عبد السلمي
فقلت :يا أبا الوليد ،إني خرجت ألتمس الضحايا فلم أجد شيئا يعجبين غري ثرماء فما تقول؟ قال :أال
جئتين أضحي هبا؟ قلت :سبحان اهلل ،جتوز عنك وال جتوز عين .قال نعم ،إنك تشك وال أشك ،إمنا
) (4٦رواه أمحد ( ) 14٩/1والرتمذي ،كتاب األضاحي ،باب ما يكره من األضاحي ،رقم ( ، )14٩٨والنسائي يف
(الكربي) رقم ( )44٦2وابن ماجه ،كتاب األضاحي ،باب ما يكره أن يضحي به ،رقم ()3143 ،3142
) (4٧رواه البزار ( )321/2واحلاكم ( )24٩/4والبيهقي ()2٧٥/٩
{}31
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
هنى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن املصفرة واملستأصلة والبخقاء واملشيعة ،والكسراء،
فاملصفرة اليت تستأصل أذهنا حتى يبدو صماخها ،واملستأصلة اليت ذهب قرهنا من أصله ،والبخقاء
اليت تبخق عينها ،واملشيعة اليت ال تتبع الغنم عجفاء وضعفا ،والكسراء اليت ال تنقي ،رواه أمحد وأبو
داود والبخاري يف تارخيه ،وقال احلاكم :صحيح اإلسناد ومل خيرجاه ( . )4٨وقوله :والكسراء اليت ال
تنفي سبق ذكرها يف العيوب املانعة من اإلجزاء.
وإمنا قلنا :هذه العيوب التسعة مكروهة لورود النهي أو األمر بعدم التضحية مبا عاب هبا ،ومل
نقل :إهنا مانعة من اإلجزاء؛ ألن حديث الرباء بن عازب رضي اهلل عنه خرج خمرج البيان واحلصر؛ ألنه
جواب سؤال ،والظاهر أنه كان حال خطبة وإعالن ،ولو كان غري العيوب املذكورة فيه مانعاً من اإلجزاء؛
للزم ذكره المتناع تأخري البيان عن وقت احلاجة ،فاجلمع بينه وبني هذه األحاديث ال يتأتى إال على هذا
الوجه بأن نقول :العيوب املذكورة يف حديث الرباء مانعة من اإلجزاء ،والعيوب املذكورة يف هذه
األحاديث موجبة للكراهة غري مانعة من اإلجزاء ملا يقتضيه سياق حديث الرباء؛ وألهنا دون العيوب
املذكورة فيه ،وقد فهم الرتمذي رمحه اهلل ذلك فرتجم على حديث الرباء( :باب ما ال جيوز من
األضاحي) وعلى حديث علي( :باب ما يكره من األضاحي) .
{ويلحق هبذه العيوب املكروهة ما يأتي}:
{األوىل} :البرتاء من اإلبل والبقر واملعز ،وهي اليت قطع ذنبها ،فتكره التضحية هبا قياسا
على العضباء؛ ألن يف الذنب مصلحة كبرية للحيوان ودفاعا عما يؤذيه ،ومجاال ملؤخره ،ويف قطعه فوات
هذه األمور .فأما البرتاء بأصل اخللقة فال تكره لكن غريها أوىل .وأما البرتاء من الضأن وهي اليت
) (4٨رواه أمحد ( )1٨٥/4وأبو داود ،كتاب الضحايا باب ما يكره من الضحايا ،رقم ( ، )2٨٠3واحلاكم ()2٥٠/4
{}32
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
قطعت أليتها أو أكثرها فال جتزئ؛ ألن ذلك نقص بني يف جزء مقصود منها .فأما إن قطع من أليتها
النصف فأقل فإهنا جتزئ مع الكراهة قياسا على العضباء ،قال الشافعية :إال التطريف وهو قطع شي
يسري من طرف األلية ،فإنه ال يضر؛ ألن ذلك ينجرب بزيادة مسنها فأشبه اخلصاء.وأما مفقودة األلية بأصل
اخللقة فإن كانت من جنس ال ألية له يف العادة أجزأت بدون كراهة؛ ألهنا ال نقص فيها عن جنسها ،وإن
كانت من جنس له ألية يف العادة لكن مل خيلق هلا أجزأت ،ويف الكراهة تردد؛ ألننا إذا نظرنا إليها باعتبار
جنسها قلنا :إهنا ناقصة بفقد جزء مقصود لكن ال مينع اإلجزاء ألنه بأصل اخللقة ،وإذا نظرنا إليها
باعتبار اخللقة قلنا :إهنا ناقصة فلم تكره كاجلماء .وعلى كل حال فغريها أوىل منها.
{الثانية} :ما قطع ذكره فتكره التضحية به قياسا على العضباء ،فأما ما قطعت خصيتاه فال
تكره التضحية به ملا سبق من احلديث :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم ضحى به ،وألن اخلصاء يزيد يف
مسنه وطيب حلمه.
{الثالثة} :اهلتماء ،وهي اليت سقط بعض أسناهنا ،فتكره التضحية هبا قياسا على عضباء
القرن ،فإن يف األسنان مجاال ومنفعة ،ففقد شيء منها خيل بذلك.فإن فقد شيء منها بأصل اخللقة مل
تكره إال أن يؤثر ذلك يف اعتالفها.
{الرابعة} :ما قطع شيء من حلمات ضرعها ،فتكره التضحية هبا قياساً على العضباء.
فإن فقد شيء منها بأصل اخللقة مل تكره قياسا على املخلوقة بال أذن .وإن توقف ضرعها عن الدر
فنشف لبنها أجزأت بال كراهة؛ ألنه ال نقص يف حلمها وال يف خلقتها ،واللنب غري مقصود يف األضحية،
واألصل اإلجزاء وعدم الكراهة حتى يقوم دليل على خالف ذلك.
هذه هي العيوب املكروهة اليت يوجب وجودها يف األضحية كراهة التضحية هبا ،وال مينع من
{}33
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
إجزائها وهي ثالثة عشر :تسعة منها ورد هبا النص ،وأربعة منها رأيناها مقيسة على ما ورد به النص،
وأسأل اهلل تعاىل أن نكون فيها موفقني للصواب هداة مهتدين.
{الفصل السادس يف الذكاة وشروطها}
أخرنا الكالم عن الذكاة وشروطها وما يتعلق هبا؛ ألن أحكامها عامة يف األضحية وغريها.
الذكاة :حنر احليوان الربي احلالل أو ذحبه أو جرحه يف أي موضع من بدنه .فالنحر لإلبل ،والذبح ملا
سواها ،واجلرح لكل ما ال يقدر عليه إال به من إبل وغريها.
{ ويشرتط حلل احليوان بالذكاة شروط تسعة}:
)1أن يكون املذكي ممن ميكن منه قصد التذكية ،وهو املميز العاقل ،فال حيل ما ذكاه صغري دون
التمييز ،وال هرم ذهب متييزه ،والتمييز فهم اخلطاب واجلواب بالصواب.وال حيل ما ذكاه جمنون وسكران
ومربسم وحنوهم؛ لعدم إمكان القصد من هؤالء.وإمنا اشرتط إمكان القصد؛ ألن اهلل أضاف التذكية
إىل املخاطبني يف قوله( :إِال مَا ذكَّيْتُمْ) (املائدة )3 :وهو ظاهر يف إرادة الفعل ،ومن ال ميكن منه القصد
متكن منه اإلرادة.
)2أن يكون املذكي مسلما أو كتابيا ،وهو من ينتسب لدين اليهود أو النصارى .فأما املسلم فيحل
ما ذكاه وإن كان فاسقا أو مبتدعا ببدعة غري مكفرة ،أو صبيا مميزاً ،أو امرأة؛ لعموم األدلة وعدم
املخصص ،قال يف (املغين) عن ابن املنذر :أمجع كل من حنفظ عنه من أهل العلم على إباحة ذبيحة املرأة
والصيب ،قال :وقد روي أن جارية لكعب بن مالك كانت ترعى غنما بسلع فأصيبت شاة منها فأدركتها
فذكتها حبجر ،فسأل النيب صلى اهلل عليه وسلم فقال (كلوها) ( )49متفق عليه .قال :ويف هذا احلديث
) (4٩رواه البخاري ،كتاب الوكالة ،باب إذا أبصر الراعي أو الوكيل شاة متوت ، ...رقم (. )23٠4
{}34
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
فوائد سبع :إحداها :إباحة ذبيحة املرأة .الثانية :إباحة ذبيحة األمة .الثالثة :إباحة ذبيحة احلائض؛
ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم مل يستفصل .الرابعة :إباحة الذبح حبجر .اخلامسة :إباحة ذبح ما خيف
عليه املوت .السادسة :حل ما يذحبه غري مالكه بغري أذنه .السابعة :إباحة ذحبه لغري مالكه عند اخلوف
عليه .اهـ.
قلت :وفائدة ثامنة :وهي إباحة ذبح اجلنب .وتاسعة :وهي أن األصل يف تصرفات من يصح
تصرفه احلل والصحة حيث مل يسأل :أذكرت اسم اهلل عليها أم ال ،وزاد يف (شرح املنتهى) حل ذبيحة
الفاسق واألقلف ( )50فتكون الفوائد إحدى عشرة .وقول الشيخ رمحه اهلل يف (املغين) :السادسة :حل
ما يذحبه غري مالكه بغري إذنه ،إن كان مراده بالغري من كان أمينا عليه أو ذحبه ملصلحة مالكه فمسلم
وواضح ،وإن كان مراده ما يشمل الغاصب وحنوه؛ ففيه خالف يأتي إن شاء اهلل ،واحلديث املذكور ال
يدل على حل ما ذكاه وال عدمه؛ ألن الذكاة فيه واقعة من اجلارية اليت ترعى الغنم وهي أمينة عليها ،ثم
إهنا ملصلحة مالكها أيضا.
وقوله :السابعة :إباحة ذحبه لغري مالكه عند اخلوف عليه :إن أراد به اإلباحة املطلقة اليت تقتضي
أن يكون مستوي الطرفني ،ففيه نظر ،وإن أراد اإلباحة يف املنع فال تنايف الوجوب فمسلم ،وذلك أن األمني
إذا رأى فيما اؤمتن عليه خوف ضياع أو تلف وجب عليه أن يتدارك ذلك؛ ألنه مؤمتن عليه ،جيب عليه
فعل األصلح ،ففي مثل هذه الصورة جيب على الراعي تذكيتها؛ ألنه أصلح األمرين ،وهو أمني مقبول قوله
يف خوف التلف ،أما غري األمني فال جيب عليه ذلك إن خاف تبعة ،واهلل أعلم.
ومقتضى ما سبق حل ذكاة األقلف بدون كراهة ،وهو ظاهر النصوص وإطالق كثري من
) (٥٠األقلف :هو الذي مل خينت مسي بذلك ألن قلفته مل تقطع.
{}35
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
أصحابنا منهم صاحب املنتهى ،ونقل يف املغين عن ابن عباس :ال تؤكل ذبيحة األقلف ،وأن عن اإلمام
أمحد مثله ،قال يف (الرعاية) :وعنه تكره ذبيحة األقلف واجلنب واحلائض والنفساء ،وجزم بكراهة
ذكاة األقلف يف (اإلقناع) .
وأما الكتابي :فيحل ما ذكاه بالكتاب والسنة واإلمجاع.
أما الكتاب :فقوله ـ تعاىل ـ( :الَْيوْمَ أُحِلَّ لكُمُ الطَّيَِّبَاتُ َوطعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا اْلكِتابَ حِلَّ لكُمْ)
(املائدة )5 :قال ابن عباس ـ رضي اهلل عنهما ـ :طعامهم ذبائحهم ،وروي ذلك عن جماهد
وسعيد واحلسن وغريهم.
وأما السنة :ففي صحيح مسلم عن أنس بن مالك ـ رضي اهلل عنه ـ أن امرأة يهودية أتت رسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها .احلديث ( . )51ويف مسند اإلمام عن أنس أيضا
أن يهوديا دعا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إىل خبز شعري وإهالة سنخة فأجابه (. )52
واإلهالة السنخة :الشحم املذاب إذا تغريت رائحته ،ويف صحيح البخاري عن عبد اهلل بن مغفل
قال :كنا حماصرين قصر خيرب فرمى إنسان جبراب فيه شحم ،ويف صحيح مسلم قال :فالتزمته
فقلت :ال أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا ،فالتفت فإذا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم مبتسما
()53
) (٥1رواه البخاري ،كتاب اهلبة ،باب قبول اهلدية من املشركني ،رقم ( ، )2٦1٧ومسلم كتاب الطب ،باب السم ،رقم
()21٩٠
) (٥2رواه أمحد ()21٠/3
) (٥3رو اه البخاري ،كتاب فرض اخلمس ،باب ما يصيب من الطعام يف أرض احلرب ،رقم ( ، )31٥3ومسلم ،كتاب
اجلهاد والسري باب أخذ الطعام من أرض العدو ،رقم ()1٧٧2
{}3٦
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
وأما اإلمجاع :فقد حكى إمجاع املسلمني على حل ذبائح أهل الكتاب غري واحد من العلماء،
منهم صاحب (املغين) وشيخ اإلسالم ابن تيمية وابن كثري يف تفسريه ،قال شيخ اإلسالم :ومن
املعلوم أن حل ذبائحهم ونسائهم ثبت بالكتاب والسنة واإلمجاع ،قال :وما زال املسلمون يف كل
عصر ومصر يأكلون ذبائحهم ،فمن خالف ذلك؛ فقد أنكر إمجاع املسلمني .اهـ.
واختلف العلماء ـ رمحهم اهلل ـ :هل يشرتط حلل ما ذكاه الكتابي أن يكون أبواه كتابيني ،أو أن
املعترب هو بنفسه بقطع النظر عن أبويه؟ فاملشهور من املذهب أن ذلك شرط ،وانه ال حيل ما ذكاه كتابي
أبوه أو أمه من اجملوس أو حنوهم ،والصحيح أن ذلك ليس بشرط ،وأن املعترب هو بنفسه ،فإذا كان كتابيا؛
حل ما ذكاه ،وإن كان أبواه أو أحدمها من غري أهل الكتاب ،قال شيخ اإلسالم ابن تيميه :الصواب
املقطوع به أن كون الرجل كتابيا أو غري كتابي هو حكم يستفيده بنفسه ال بنسبه ،فكل من تدين بدين أهل
الكتاب؛ فهو منهم سواء كان أبوه أو جده داخال يف دينهم ،أو مل يدخل ،وسواء كان دخوله قبل النسخ
والتبديل أو بعد ذلك ،وهذا مذهب مجهور العلماء كأبي حنيفة ومالك واملنصوص الصريح عن أمحد
وإن كان يف ذلك بني أصحابه نزاع معروف وهذا القول هو الثابت عن الصحابة ،ـ رضي اهلل عنهم ـ وال
أعلم يف ذلك بينهم نزاعا ،وقد ذكر الطحاوى أن هذا إمجاع قديم .اهـ.
وأما غري الكتابي فال حيل ما ذكاه؛ ملفهوم قوله تعاىل( :وَطعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا اْلكِتابَ حِلَّ لكُمْ)
(املائدة . )5 :قال اخلازن يف تفسريه :أمجعوا على حتريم ذبائح اجملوس وسائر أهل الشرك من مشركي
العرب وعبدة األصنام ومن ال كتاب له ،وقال اإلمام أمحد :ال أعلم أحدا قال خبالفه إال أن يكون صاحب
بدعة.
{}37
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
)3الشرط الثالث :أن يقصد التذكية ،فإن مل يقصد التذكية؛ مل حتل الذبيحة ،مثل أن تصول عليه
هبيمة فيذحبها للدفاع عن نفسه فقط ،أو يريد قطع شيء فتصيب السكني حلق هبيمة فال حتل؛ لقوله ـ
تعاىل ـ( :إِلاَّمَا ذكَّيْتُمْ) (املائدة )3 :فأضاف الفعل إىل املخاطبني ،وهو فعل خاص (تذكية) فيحتاج إىل
نيته؛ لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم (إمنا األعمال بالنيات ،وإمنا لكل امرئ ما نوى)(.)54
{وهل يشرتط مع ذلك أن يقصد األكل؟ على قولني}:
{ أحدمها} :ال يشرتط فلو ذكاها إلراحتها أو تنفيذا ليمني حلف به كقوله :واهلل ألذحبن هذه الشاة،
فذحبها لتنفيذ ميينه فقط حلت لعموم األدلة.
{ القول الثاني} :أنه يشرتط ،اختاره الشيخ تقي الدين فقال :وإذا مل يقصد املذكي األكل أو قصد حل
ميينه مل تبح الذبيحة.
ويف (سنن النسائي) عن عبد اهلل بن عمرو ـ رضي اهلل عنهما ـ أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال
(ما من إنسان قتل عصفوراً فما فوق بغري حقها إال سأله اهلل عز وجل عنها) ويف رواية( :عنها يوم القيامة)
قيل يا رسول اهلل ،فما حقها؟ قال (حقها أن تذحبها فتأكلها ،وال تقطع رأسها فرتمي هبا) ( ، )55وله من
حديث عمرو بن الشريد عن أبيه مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول (من قتل عصفوراً عبثا
عج إىل اهلل يوم القيامة يقول :إن فالنا قتلين عبثا ،ومل يقتلين ملنفعة) (. )5٦
) (٥4رواه البخاري ،كتاب بدء الوحي ،باب كيف بدء الوحي إىل رسول اهلل ، .رقم ( )1ومسلم ،كتاب اجلهاد ،باب
قوله النيب صلى اهلل عليه وعلي آله وسلم( :إمنا األعمال بالنية) رقم ()1٩٠٧
) (٥٥رواه النسائي ،كتاب الصيد والذبائح ،باب إباحة أكل العصافري ،رقم ()434٩
) (٥٦رواه النسائي ،كتاب الضحايا ،باب من قتل عصفوراً بغري حقها ،رقم ()444٦
{}3٨
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
ونقل صاحب الفروع عن صاحب الفنون وهو ابن عقيل احلنبلي أن بعض املالكية قال له :الصيد
فرجة ونزهة ميتة لعدم قصد األكل ،قال :وما أحسن ما قال؛ ألنه عبث حمرم ،وال أحد أحق هبذا من
مذهب أمحد حيث جعل يف إحدى الروايتني كل حظر يف مقصود شرعي مينع صحته .اهـ.
)4الشرط الرابع :أن ال يذبح لغري اهلل ،مثل أن يذبح تقربا لصنم أو وثن أو صاحب قرب ،أو يذبح
تعظيما مللك أو رئيس أو وزير أو وجيه أو والد أو غريهم من املخلوقني ،فإن ذبح لغري اهلل مل حيل وإن ذكر
اسم اهلل عليه؛ لقوله تعاىل( :حُرَِّمَتْ عَلْيكُمُ الْمَيْتةُ وَالدََّمُ) إىل قوله تعاىل( :وَمَا ذُبِحَ عَلى النَُّصُبِ)
(املائدة )3 :وقول النيب صلى اهلل عليه وسلم (لعن اهلل من ذبح لغري اهلل) .رواه مسلم من حديث على بن
أبي طالب رضي اهلل عنه (.)57
)5الشرط اخلامس :أال يهل لغري اهلل به ،بأن يذكر عليه اسم غري اهلل مثل أن يقول :باسم النيب ،أو
باسم جربيل ،أو باسم احلزب الفالني ،أو الشعب الفالني ،أو امللك ،أو الرئيس ،أو حنو ذلك ،فإن ذكر
عليه اسم غري اهلل مل حيل وإن ذبح هلل أو ذكر معه امسه؛ لقوله تعاىل( :حُرَِّمَتْ عَلْيكُمُ الْمَيْتةُ وَالدََّمُ)
(املائدة )3 :إىل قوله تعاىل( :وَمَا ُأهِلَّلِغيْرِ اللَّهِ بِهِ) وقد ذكر ابن كثري يف تفسري اإلمجاع على حتريم ما أهل
لغري اهلل به.
)6الشرط السادس :أن يسمي اهلل عليها؛ لقوله تعاىل( :ف ُكلُوامِمََّا ُذكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَليْهِ إِنْ كُنْتُمْ ِبآياتِهِ
سقٌ) (األنعام )121 :وقول
ُمؤْمِنِنيَ) (األنعام ، )11٨ :وقوله (وَال ت ْأ ُكلُوامِمََّا لمْيُذْكرِ اسْمُ اللَّهِ عَليْهِ وَإِنَّهُ لفِ ْ
) (٥٧رواه مسلم ،كتاب األضاحي ،باب حتريم الذبح لغري اهلل ،رقم ()1٩٧٨
{}39
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
()5٨
النيب صلى اهلل عليه وسلم (ما أهنر الدم وذكر اسم اهلل عليه فكلوا)أخرجه اجلماعة واللفظ للبخاري
فشرط النيب صلى اهلل عليه وسلم للحل ذكر اسم اهلل عليه مع إهنار الدم.
ويشرتط أن تكون التسمية عند إرادة الذبح ،فلو فصل بينهما وبني الذبح بفاصل كثري مل تنفع؛ لقوله
ـ تعاىل ـ( :ف ُكلُوامِمََّا ُذكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَليْهِ) (األنعام )1٨وقوله صلى اهلل عليه وسلم( :وذكر اسم اهلل عليه)
وكلمة (عَليْهِ) تدل على حضوره وأن التسمية تكون عند الفعل ،وألن التسمية ذكر مشرتط لفعل فاعترب
اقرتاهنا به لتصح نسبتها إليه ،لكن لو كان الفصل من أجل هتيئة الذبيحة كاضجاعها واخذ السكني مل
يضر ما دام يريد التسمية على الذبح ال على فعل التهيئة ،قياسا على ما لو فصل بني أعضاء الوضوء ألمر
يتعلق بالطهارة.
ويشرتط أن تكون بلفظ بسم اهلل ،فلو قال بسم الرمحن أو باسم رب العاملني مل جتز ،هذا هو
املشهور من املذهب ،والصواب أنه إذا أضاف التسمية إىل ما خيتص باهلل كالرمحن ورب العاملني ومنزل
الكتاب وخالق الناس أو إىل ما يشركه فيه غريه وينصرف إليه تعاىل عند اإلطالق ونواه به ،كاملوىل
والعظيم وحنومها مثل أن يقول :باسم الرمحن أو باسم العظيم وينوي به اهلل؛ فإنه جيزئ حلصول املقصود
بذلك ،واهلل أعلم.
ويعترب أن تكون التسمية على ما أراد ذحبه ،فلو مسى على شاة ثم تركها إىل غريها أعاد التسمية،
) (٥٨رواه البخاري ،كتاب الشركة ،باب قسمة الغنم ،رقم ( ، )24٨٨ومسلم ،كتاب األضاحي ،باب جواز الذبح بكل
ما أهنر الدم إال السن ،..رقم ، ) ٠1٩٦٨وأبو داود ،كتاب الضحايا ،باب يف الذبيحة باملروة ،رقم (2٨21
والرتمذي ،كتاب الصيد ،باب ما جاء يف الذكاة بالقصب وغريه ،رقم ( )14٩1والنسائي ،كتاب الضحايا ،باب ذكر
املنفلتة اليت ال يقدر على أخذها ،رقم ( ، )441٠ ،44٠٩وابن ماجه ،كتاب الذبائح ،باب ما يذكي به ،رقم
()31٧٨
{}40
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
وأما تغيري اآللة فال يضر ،فلو مسى وبيده سكني ثم ألقاه وذبح بغريها فال بأس.
واختلف العلماء ـ رمحهم اهلل ـ فيما إذا ترك التسمية على الذبيحة فهل حتل الذبيحة؟ على ثالثة
أقوال:
{أحدها} :أهنا حتل سواء ترك التسمية عاملا ذاكرا أم جاهال ناسيا ،وهو مذهب الشافعي
بناء على أن التسمية سنة وال شرط.
{ القول الثاني} :أهنا حتل إن تركها نسيانا ،وال حتل إن تركها عمدا ولو جاهال ،وهو مذهب
أبي حنيفة ومالك وأمحد يف املشهور عنه ،وهنا فرقوا بني النسيان واجلهل ،فقالوا :إن ترك التسمية ناسياً
حلت الذبيحة ،وإن تركها جاهال مل حتل ،كما فرق أصحابنا بني الذبيحة والصيد ،فقالوا يف الذبيحة كما
ال ناسيا.
ترى ،وقالوا يف الصيد :إن ترك التسمية عليه مل حيل سواء تركها عاملا ذاكرا أم جاه ً
{القول الثالث} :أهنا ال حتل سواء ترك التسمية عاملا ذاكرا أم جاهال ناسيا ،وهو إحدى
الروايتني عن أمحد قدمه يف الفروع ،واختاره أبو اخلطاب يف خالفه وشيخ اإلسالم ابن تيمية وقال :إنه قول
غري واحد من السلف .وهذا هو القول الصحيح؛ لقوله تعاىل ـ( :وَال ت ْأ ُكلُوامِمََّا لمْيُذْكرِ اسْمُ اللَّهِ عَليْهِ)
(األنعام ، ) 121 :وهذا عام ،لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم (ما أهنر الدم وذكر اسم اهلل عليه فكلوا)
( ، )59فقرن بني إهنار الدم وذكر اسم اهلل على الذبيحة يف شرط احلل ،فكما أنه لو مل ينهر الدم ناسيا أو
جاهال مل حتل الذبيحة ،فكذلك إذا مل يسم؛ ألهنما شرطان قرن بينهما النيب صلى اهلل عليه وسلم يف مجلة
واحدة ،فال ميكن التفريق بينهما إال بدليل صحيح ،وألن التسمية شرط وجودي ،والشرط الوجودي ال
يسقط بالنسيان كما لو صلى بغري وضوء ناسيا ،فإن صالته ال تصح ،وكما لو رمى صيدا بغري تسمية
ناسيا ،فإن الصيد ال حيل عند املفرقني بني الذبيحة والصيد ،كما لو ذبح بغري تسمية جاهال ،فإن الذبيحة
ال حتل عند املفرقني بني اجلهل والنسيان ،مع اجلهل عذر مقرون بالنسيان يف الكتاب والسنة ومساو له،
ورمبا يكون أحق بكونه عذرا؛ كجهل حديث العهد باإلسالم الذي مل ميض عليه زمن يتمكن من العلم.
فإن قيل :ما اجلواب عن قوله تعاىل( :رَبََّنَا ال ُتؤَاخِذْنا إِنْ نسِينَا أوْ أخْطأْنا) (البقرة ، )2٨٦ :وقد
فعل سبحانه وتعاىل ،وقوله تعاىل( :وَليْسَ عَلْيكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أخْطأْتُمْ بِهِ وَل ِكنْ مَا تعَمََّدَتْ ُقلُوُبكُم)
(األحزاب )5 :واجلاهل خمطئ ،والناسي مل يتعمد قلبه ،وقد رفع اهلل عنهما املؤاخذة واجلناح .قلنا:
اجلواب :أننا نقول مبقتضى هاتني اآليتني الكرميتني وال نعدو قول ربنا ،فمن ترك التسمية على الذبيحة ناسيا
أو جاهال فال مؤاخذة عليه وال جناح ،لكن ال يلزم من انتفائهما عنه حل ذبيحته ،فإن حل ذبيحته أثر
حكم وضعي حيث إنه مرتب على شرط يوجد بوجوده وينتفى بانتفائه ،وأما املؤاخذة واجلناح فهما أثر
حكم تكليفي من شرطه الذكر والعلم ،فلذلك انتفيا بانتفائهما.يوضح ذلك :أنه لو صلى بغري وضوء
ناسيا فال مؤاخذة عليه وال جناح ،وال يلزم من انتفائهما عنه صحة صالته ،فصالته باطلة وإن كان ناسيا
لفقد شرطها الوجودي وهو الوضوء .ويوضح ذلك أيضا :أنه لو ذحبها يف غري حمل الذبح ناسيا أو جاهال
فال مؤاخذة عليه وال جناح ،وال يلزم من انتفائهما عنه حل ذبيحته ،فذبيحته حرام لفقد شرطها
الوجودي ،وهو إهنار الدم يف حمل الذبح.
فإن قيل :ما اجلواب عما ثبت يف صحيح البخاري وغريه من حديث عائشة رضي اهلل عنها :أن
قوما قالوا للنيب صلى اهلل عليه وسلم :إن قوما يأتوننا بلحم ال ندري أذكروا اسم اهلل عليه أم ال؟ فقال:
(مسوا عليه أنتم وكلوه) قالت :وكانوا حديثي عهد بالكفر (. )٦0
) (٦٠رواه البخاري ،كتاب الذبائح والصيد ،باب ذبيحة األعراب وحنوهم ،رقم ()٥٥٠٧
{}42
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
قلنا :اجلواب :أننا نقول مبقتضى هذا احلديث ،وأنه لو أتانا من حتل ذكاته من مسلم أو كتابي بلحم
حل لنا أكله وإن كنا ال ندري هل ذكر اسم اهلل عليه أو ال ،ألن األصل يف التصرفات الواقعة من أهلها
الصحة حتى يقوم دليل الفساد ،ولسنا خماطبني بفعل غرينا ،وإمنا خناطب بفعلنا حنن ،وقد أشار النيب
صلى اهلل عليه وسلم إىل ذلك حيث قال( :مسوا عليه أنتم وكلوه) كأنه يقول :أنتم خماطبون بالتسمية عند
فعلكم وهو األكل ،فسموا عليه ،وأما الذبح والتسمية عليه فمخاطب به غريكم ،فعليكم ما محلتم
وعليهم ما محلوا ،وليس يعين أن تسميتكم هذه تغين عن التسمية على الذبح ،وذلك ألن الذبح قد فات.
وليس يف احلديث دليل على سقوط التسمية باجلهل ،وال على أهنا ليست بشرط حلل الذبيحة؛
ألنه ليس فيه أهنم تركوا التسمية فأحل هلم النيب صلى اهلل عليه وسلم اللحم ،وإمنا فيه أهنم ال يدرون
أذكروا اسم اهلل عليه أم ال ،واألصل أن الفعل وقع على الصحة ،بل قد يقال :إن يف احلديث دليال على أن
التسمية شرط حلل الذبيحة ،وأنه البد منها ،وإال ملا أشكل حكم هذا اللحم على الصحابة حتى سألوا
النيب صلى اهلل عليه وسلم عنه ،ثم لو كانت التسمية غري شرط أو كانت تسقط يف مثل هذه احلال لقال
هلم النيب صلى اهلل عليه وسلم :وما يضركم إذا تركوها أو حنو هذا الكالم؛ ألنه أبني وابلغ يف إظهار احلكم
وسقوط التسمية ،ومل يرشدهم إىل ما ينبغي أن يعتنوا به وهو التسمية على فعلهم.
فإن قيل :ما اجلواب عن اآلثار اليت احتج هبا من ال يرى أن التسمية شرط حلل الذبيحة أو أهنا
تسقط بالنسيان؟ قلنا :اجلواب :أن هذه اآلثار ال تصح مرفوعة إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم وإمنا هي
موقوفة على بعض الصحابة على ما يف أسانيدها من مقال ،فال يعارض هبا ظاهر الكتاب والسنة.
فإن قيل :ما اجلواب عما قاله ابن جرير رمحه اهلل من أن القول بتحريم ما مل يذكر اسم اهلل عليه
نسيانا خارج عما عليه احلجة جممعة من حتليله ،يعين أن اإلمجاع على حتليل ما مل يذكر اسم اهلل عليه
{}43
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
نسيانا؛ فالقول بتحرميه خارج عن اإلمجاع؟ قلنا :اجلواب عليه :أنه مدفوع مبا نقله غريه من اخلالف فيه،
فقد قال شيخ اإلسالم :إن القول بالتحريم قول غري واحد من السلف ،وقد قال ابن كثري :إنه مروي عن ابن
عمر ونافع مواله وعامر الشعيب وحممد بن سريين ،وهو رواية عن اإلمام مالك ورواية عن أمحد ابن حنبل،
نصرها طائفة من أصحابه املتقدمني واملتأخرين ،وهو اختيار أبي ثور وداود الظاهري ،واختار ذلك أبو
الفتوح حممد بن حممد بن على الطائي من متأخري الشافعية يف كتابه (األربعني) ،قال ابن اجلوزي :وإىل
هذا املعنى ذهب عبد اهلل بن يزيد اخلطمي .قلت :واختاره ابن حزم وذكر أدلته ،وأجاب عن اآلثار
املروية يف احلل.
فإن قيل :إن حترميها إضاعة للمال ،والنيب صلى اهلل عليه وسلم هنى عن إضاعة املال .فاجلواب:
أن الذبيحة اليت مل يذكر اسم اهلل عليها ليست مبال؛ ألهنا ميتة حيث مل تذك ذكاة شرعية لفقد شرط من
شروط الذكاة ،فليس حترميها بإضاعة للمال ،وإمنا هو امتثال وطاعة هلل تعاىل يف قوله( :وَال ت ْأ ُكلُوامِمََّا لمْ
يُذْكرِ اسْمُ اللَّهِ عَليْهِ) (األنعام )121 :على أن حتريم أكلها ال مينع من االنتفاع بشحمها وودكها على وجه ال
يتعدى كطلي السفن وإيقاد املصابيح وحنو ذلك ،فعن ميمونة بنت احلارث أم املؤمنني رضي اهلل عنها
قالت :مر النيب صلى اهلل عليه وسلم بشاة جيروهنا ،فقال( :لو أخذمت إهاهبا) فقالوا :إهنا ميتة .قال:
(يطهرها املاء والقرظ) أخرجه أبو داود النسائي ( ، )٦1وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما أن النيب صلى
اهلل عليه وسلم قال( :إذا دبغ اإلهاب فقد طهر) .رواه مسلم ( . )٦2وعنه رضي اهلل عنه أن النيب صلى
) (٦1االقن رواه أبو داود ،كتاب اللباس ،باب يف أهب امليتة ،رقم ( ، )412٦والنسائي ،كتاب الفرع والعترية ،باب ما
يدبغ به جلود امليتة ،رقم (. )424٨ع
) (٦2رواه مسلم ،كتاب احليض ،باب طهارة جلود امليتة بالدباغ ،رقم ()3٦٦
{}44
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
اهلل عليه وسلم مر بشاة ميتة فقال( :هال استمتعتم بإهاهبا) قالوا :إهنا ميتة .قال( :إمنا حرم أكلها) .
رواه البخاري (. )٦3
فإن قيل :إن يف حترميها حرجا وتضييقا على الناس حيث يكثر نسيان التسمية فيكثر ما يضيع
عليهم من أمواهلم ،وقد نفى اهلل سبحانه احلرج يف الدين فقال تعاىل( :وَمَا جَعَل عَليْكُمْفِي الدَِّينِ ِمنْ
حَرَجٍ) (احلج. )7٨ :
فاجلواب :أننا نقول مبقتضى هذه اآلية الكرمية ،وأن دين اإلسالم ليس فيه ـ وهلل احلمد ـ حرج وال
ضيق ،فكل شيء أمر اهلل به؛ فال حرج يف فعله ،وكل شيء هنى اهلل عنه؛ فال حرج يف تركه ملن قويت
عزميته ،وصحت رغبته يف دين اهلل ،وها هو اجلهاد أمر اهلل به وهو من أشق شيء على النفوس من حيث
طبيعتها ملا فيه من عرض الرقاب للسيوف وترك األموال واألوالد واملألوف ،ومع هذا نفى بعد األمر به أن
يكون قد جعل علينا يف الدين حرجاً فقال تعاىل( :وَجَاهِدُوافِي اللَّهِ َحقََّ ِجهَاِدهِ ُهوَ اجْتبَاكُمْ وَمَا َجعَل
عَلْيكُْمفِي الدَِّينِ ِمنْ حَرَجٍ) (احلج ، )7٨ :وأي حرج يف اجتناب ذبيحة مل يذكر اسم اهلل عليها يرتكها
طاعة لربه يف قوله (وَال تأْ ُكلُوا مِمََّا لمْيُذْكرِ اسْمُ اللَّهِ عَليْه) وهو ليس مضطراً إليها ،ولو اضطر إليها يف
خممصة غري متجانف إلثم لو سعته رمحة ربه وحلت له.
ثم إن يف حتريم الذبيحة إذا مل يذكر اسم اهلل عليها نسيانا تقليال للنسيان ،فإن اإلنسان إذا حرمها
بعد أن ذحبها وتشوفت نفسه هلا من أجل أنه مل يسم اهلل عليها؛ فسوف ينتبه يف املستقبل وال ينسى
التسمية .وبعد ،فإمنا أطلنا الكالم يف هذا ألمهيته؛ وألن اإلنسان رمبا ال يظن أن القول بتحريم الذبيحة
اليت مل يذكر اسم اهلل عليها نسيانا يبلغ إىل هذا املكان من القوة ،واهلل املوفق.
) (٦3رواه البخاري ،كتاب الذبائح والصيد ،باب جلود امليتة ،رقم ()٥٥31
{}45
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
العظم والظفر لكونه أخصر وأبني ،والنيب صلى اهلل عليه وسلم أعطي جوامع الكلم ومفاتيح البيان ،وألننا
ال نعلم وجه احلكمة يف تأثري العظم فكيف نعدي احلكم مع اجلهل.
{الثاني} :أن احلكم عام يف مجيع العظام ،لعموم العلة ،وهو قول الشافعي وإحدى الروايتني عن
أمحد؛ ألن النص على العلة يدل على أهنا مناط احلكم ،متى وجدت وجد احلكم ،وختصيص السن
بالذكر قد يكون من أجل أنه عادة يرتكبها بعض الناس بالتذكية به ،ثم أشار إىل عموم احلكم بذكر العلة،
أو يقال :إن تعليله بكونه عظما يدل على أنه كان من املتقرر عندهم أن العظام ال يذكى هبا ،وهذا القول
أحوط.
وأما كوننا ال نعلم وجه احلكمة يف تأثري العظم ،فهذا ال مينع من تعدية احلكم إىل ما ينطبق عليه اسم
العظم؛ ألنه معلوم على أنه ميكن أن يقال :وجه احلكمة :أنه إن كان العظم طاهرا فهو طعام إخواننا من
اجلن ،ففي الذبح به تلويث له بالنجاسة ،وإن كان العظم جنسا فليس من احلكمة أن يكون وسيلة للذكاة
اليت هبا تطهري احليوان وطيبه للتضاد ،واهلل أعلم.
وأما الظفر :فعلله النيب صلى اهلل عليه وسلم مبدى احلبشة ،وظاهر التعليل مشكل إن قلنا :أن
احلكم عام بعموم علته؛ ألنه يقتضي منع الذكاة مبا خيتص به احلبشة من املدى ولو كان حديدا أو خشبا أو
حنومها مما جتوز الذكاة به.
واألقرب عندي :أن األصل يف ذلك أن احلبشة كانوا يذحبون بأظافرهم ،فنهى الشارع عن ذلك؛
ألنه يقتضي خمالفة الفطرة من وجهني:
أحدمها :أنه يستلزم توفري األظافر ليذبح هبا ،وهذا خمالف للفطرة اليت هي تقليم األظافر.
{}47
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
الثاني :أن يف القتل بالظفر مشاهبة لسباع البهائم والطيور اليت فضلنا عليها وهنينا عن التشبه به،
ولذلك جتد اإلنسان ال يشبه البهائم إال يف مقام الذم.
)8إهنار الدم ،أي إجراؤه؛ لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم( :ما أهنر الدم وذكر اسم اهلل عليه فكل)
( )٦5وله حاالن:
{احلال األوىل} :أن يكون املذكي غري مقدور عليه ،مثل أن يهرب أو يسقط يف بئر أو يف مكان
سحيق ال ميكن الوصول إليه ،أو يدخل مقدمه يف غار حبيث ال ميكن الوصول إىل رقبته أو حنو ذلك
فيكفي يف هذه احلال إهنار الدم يف أي موضع كان من بدنه حتى ميوت ،واألوىل أن يتحرى أسرع شيء يف
موته ،ويف (الصحيحني) من حديث رافع بن خديج رضي اهلل عنه أهنم كانوا مع النيب صلى اهلل عليه
وسلم يف غزوة فأصابوا إبالً وغنماً فند منها بعري فرماه رجل فحبسه ،فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم:
(إن هلذه اإلبل أوابد الوحش ،فإذا غلبكم منها شيء فاصنعوا به هكذا) ( . )٦٦ويف لفظ ملسلم :فند
علينا بعري منها فرميناه بالنبل حتى وهصناه .وهصناه ( : )٦7رميناه رميا شديدا حتى سقط على
األرض ،قال ابن عباس رضي اهلل عنهما :ما أعجزك من البهائم مما يف يديك فهو كالصيد ،ويف بعري تردى
()٦٨
يف بئر من حيث قدرت عليه فذكه .رواه البخاري تعليقا .قال :ورأى ذلك علي وابن عمر وعائشة
{احلال الثانية} :أن يكون مقدوراً عليه حبيث يكون حاضرا أو ميكن إحضاره بني يدي
املذكي ،فيشرتط أن يكون اإلهنار يف موضع معني وهو الرقبة ،قال ابن عباس رضي اهلل عنهما :الذكاة يف
احللق واللبة .وقال عطاء :ال ذبح وال حنر إال يف املذبح واملنحر ،ذكره البخاري عنهما تعليقا .ومتام ذلك
بقطع أربعة أشياء وهي:
.1احللقوم ،وهو جمرى النفس ،ويف قطعه حبس النفس الذي ال بقاء للحيوان مع احنباسه.
.2املريء ،وهو جمرى الطعام والشراب ،ويف قطعه منع وصول الغذاء إىل احليوان من طريقه املعتاد.
4/ .3ـ الودجان ،ومها عرقان غليظان حميطان باحللقوم واملريء ،ويف قطعهما تفريغ الدم الذي به
بقاء احليوان حيا وتنقية احليوان من احنباس الدم الضار فيه بعد املوت .فمتى قطعت هذه األشياء
األربعة؛ حلت املذكاة بإمجاع أهل العلم ،ثم اختلفوا :فقال بعضهم :البد من قطع األربعة كلها ،ونقله
النووي عن الليث وداود وقال :اختاره ابن املنذر .قلت :هو رواية عن أمحد نقلها يف (املغين) و
(اإلنصاف) وقال :اختاره أبو بكر وابن البناء ،وجزم به يف الروضة ،واختاره أبو حممد اجلوزي ،قال يف
(الكايف) { األوىل} قطع اجلميع{.القول الثاني} :البد من قطع ثالثة معينة وهي إما (احللقوم
والودجان) كما هو مذهب مالك ،ونقله يف اإلنصاف عن اإليضاح .وإما (املريء والودجان) نقله يف
(اإلنصاف) عن كتاب اإلشارة{ .القول الثالث} :البد من قطع ثالثة :اثنان منهما على التعيني
وواحد غري معني ،وهي احللقوم واملريء وأحد الودجني وهو إحدى الروايات عن اإلمام أمحد ،وأحد
القولني يف مذهب أبي حنيفة{.القول الرابع} :البد من قطع ثالثة بدون تعيني وهي :إما (احللقوم
والودجان) ،وإما (املريء والودجان) ،وإما (احللقوم واملريء وأحد الودجني) وهو املشهور من مذهب
أبي حنيفة ،وأحد الوجهني يف مذهب أمحد ،اختاره شيخ اإلسالم ابن تيمية وقال :إن قطع الودجني أبلغ
من قطع احللقوم وأبلغ يف إهنار الدم{.القول اخلامس} :البد من قطع اثنني على التعيني ومها :إما
(احللقوم واملريء) وهو املشهور من مذهب أمحد والشافعي ،قال شيخ اإلسالم ابن تيمية :وعلى هذا
{}49
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
فقطع أحد الودجني واحللقوم أوىل باإلباحة من قطع احللقوم واملريء .وإما (الودجان) فقط وهو إحدى
الروايات عن أمحد ذكرها شيخ اإلسالم ابن تيمية ،ونقل عن مالك ،واملشهور عنه ما سبق ،وذكره يف
(اإلنصاف) عن (الرعاية) و (الكايف) .قلت :عبارة (الكايف) :وإن قطع األوداج وحدها فينبغي أن
حتل استدالال باحلديث واملعنى .اهـ .ويعين باحلديث ما رواه أبو داود يف النهي عن شريطة الشيطان،
وسنذكره إن شاء اهلل ،ويعين باملعنى ما قطع يف األوداج من إهنار الدم املنصوص على اعتباره.
فهذه أراء العلماء فيما يشرتط قطعه يف حمل الذكاة ،ثم اختلفوا أيضا فيما يشرتط قطعه من ذلك،
هل يشرتط فيه متام القطع حبيث ينفصل املقطوع بعضه عن بعض أوال يشرتط؟ على قولني:
{أحدمها} :ال يشرتط ،فلو قطع بعض ما جيب قطعه؛ حلت الذبيحة وإن مل ينفصل بعض
املقطوع عن بعض ،وهو املشهور من مذهب أمحد ،وظاهر مذهب أبي حنيفة ،وهو الصواب إذا حصل
إهنار الدم بذلك حلصول املقصود.
{الثاني} :يشرتط ،فيجب أن تستوعب القطع ما جيب قطعه حبيث ينفصل بعض املقطوع
عن بعض ،وهو قول مالك والشافعي وبعض أصحاب أمحد.
واختلفوا أيضا هل يشرتط أن يكون القطع من ناحية احللق أو ال يشرتط؟ على قولني :
{أحدمها} :ال يشرتط ،فلو ذكاها من قفا الرقبة حلت إن وصل إىل حمل الذكاة قبل أن
متوت ،وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأمحد ،وهو الصواب حلصول الذكاة بذلك.
{الثاني} :يشرتط فلو ذحبها من قفا الرقبة مل حتل ،وهو مذهب مالك.
وسبب اختالف العلماء فيما يشرتط قطعه يف الذكاة ويف كيفيته أنه ليس يف النصوص الواردة ذكر
ما يقطع ،وإمنا فيها اعتبار إهنار الدم ،وفيها أيضا تعيني األوداج بالقطع فيما رواه أبو داود عن ابن عباس
{}50
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
وأبي هريرة رضي اهلل عنهم أن النيب صلى اهلل عليه وسلم هنى عن شريطة الشيطان ،وهي اليت تذبح
فيقطع اجللد وال تفرى األوداج ،ثم ترتك حتى متوت ( ، )٦9وفيما رواه ابن أبي شيبة عن رافع بن خديج
رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم سئل عن الذبح بالليطة ( )70فقال( :كل ما أفرى األوداج إال
سناً أو ظفراً) ( )71وفيما أخرجه الطرباني عن أبي أمامة رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم
قال( :كل ما أفرى األوداج ما مل يكن قرض سن أو حز ظفر) ( ، )72وهذه األحاديث وإن كانت ضعيفة ال
تقوم هبا احلجة مبفردها إال أهنا تعضد مبعنى ما ثبت يف الصحيحني من حديث رافع بن خديج رضي اهلل
عن ه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال (ما أهنر الدم وذكر اسم اهلل عليه فكلوا ما مل يكن سنا أو ظفر) ،
فعلق احلكم على إهنار الدم ،ومن املعلوم أن أبلغ ما يكون به اإلهنار قطع الودجني .وعلى هذا فيشرتط
حلل الذبيحة بالزكاة قطع الودجني ،فلو ذحبها ومل يقطعهما مل حتل ،ولو قطعهما حلت وإن مل يقطع احللقوم أو
املريء.
قال ابن عباس رضي اهلل عنهما :كل ما أفرى األوداج غري مرتد ،ذكره عنه يف (احمللى) قال :وعن
النخعي والشعيب وجابر بن زيد وحييى بن يعمر كذلك .وقال عطاء :الذبح قطع األوداج ( ، )73وقال
سفيان الثوري :إن قطع الودجني فقط؛ حل أكله.وليس يف اشرتاط قطع احللقوم واملريء نص جيب املصري
إليه ،قال ابن رشد يف (بداية اجملتهد) :وأما من اشرتط قطع احللقوم واملريء فليس له حجة من السماع،
) (٦٩رواه أبو داود ،كتاب الضحايا ،باب يف املبالغة يف الذبح ،رقم ()2٨2٦
) (٧٠قال يف( :النهاية) الليط قشر القصب والقناة وكل شيء كانت له صالبة ومتانة ،والقطعة منه :ليطة.
) (٧1رواه ابن شيبة ()2٥٥ ،2٥3/4
) (٧2رواه الطرباني يف (الكبري) ()211/٨
) (٧3ذكره عنه البخاري تعليق ًا يف كتاب الذبائح والصيد ،باب النحر والذبح.
{}51
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
وأكثر من ذلك من اشرتاط املريء واحللقوم دون الودجني .اهـ .والرقبةكلهاحمل للذكاة ،فلو ذكى من
أعلى الرقبة أو أسفلها أو وسطها حلت الذبيحة ،لكن األفضل حنر اإلبل وذبح ما سواها.
(والنحر) :يكون يف أسفل الرقبة مما يلى الصدر يف الوهدة اليت بني الصدر وأصل العنق.
(والذبح) :يكون فيما فوق ذلك إىل اللحيني ،فلو ذحبها من فوق اجلوزة وهي العقدة الناتئة يف أعلى
احللقوم ،وصارت العقدة تبع الرقبة؛ حلت الذبيحة على القول الصحيح؛ ألن ذلك من الرقبة وهي
حمل الذكاة.
وإن قطع الرأس مرة واحدة؛ حلت حلصول الذكاة بذلك ،وقد روى ابن حزم من طريق ابن أبي
شيبة عن على بن أبي طالب رضي اهلل عنه أنه سئل عن رجل ضرب عنق بعري بالسيف ،وذكر اسم اهلل
فقطعه ،فقال علي رضي اهلل عنه :ذكاة وحية أي سريعة ،وقال ابن عمر وابن عباس وانس رضي اهلل
عنهم :إذا قطع الرأس فال بأس ،ذكره البخاري تعليقا.
وإن شرع يذحبها فرأى يف السكني خلال فألقاها وأخذ غريها ثم أمت الذكاة قبل موت الذبيحة
حلت ،وكذلك لو رفع يده بعد أن شرع يف ذحبها ليستمكن منها ثم أمت الذكاة قبل موهتا حلت؛ حلصول
املقصود بذلك ،وليست بأقل حاال مما أكل السبع فأدركناه حيا وذكيناه فإنه حالل بنص القرآن.
وإذا حصلت الذكاة ملا أصاهبا سبب املوت؛ حلت إذا أدركها وفيها حياة ،لقوله تعاىل( :حُرَِّمَتْ
عَلْيكُمُ الْمَيْتةُ وَالدََّمُ وَلحْمُ اْلخِنْزِيرِ وَمَا ُأهِلَّلِغيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخنِقةُ وَالَْموْقُوذةُ وَالْمُتَر َّدِيَةُ وَالَّنَطِيحَةُ وَمَا أكل
السََّبُعُ إِلاَّ مَا ذكَّيْتُمْ) (املائدة )3 :فاملنخنقة املنحبس نفسها ،واملوقوذة املضروبة بعصا وحنوها حتى
تدهور حياهتا ،واملرتدية اهلاوية من جبل أو يف بئر وحنوه ،والنطيحة اليت نطحتها أختها حتى أردهتا ،وما
{}52
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
أكل السبع ما أكلها ذئب وحنوه ،فكل هذه اخلمس إذا ذكيت قبل أن متوت؛ فهي حالل ،ويعرف عدم
موهتا بأحد أمرين:
{األمر األول} :احلركة ،فمتى حتركت بعد ذكاهتا حبركة قليلة أو كثرية بيد أو رجل أو عني أو
أذن أو ذنب حلت .قال علي بن أبي طالب رضي اهلل عنه يف قوله تعاىل( :إِلاَّ مَا ذكَّيْتُمْ) إن مصعت
بذنبها أو ركضت برجلها أو طرفت بعينها فكل ،وقال حنوه غري واحد من السلف ،وألن احلركة دليل بني
علي بقاء الروح فيها إذ امليت ال يتحرك.
{األمر الثاني} :جريان الدم بقوة؛ لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم( :ما أهنر الدم وذكر اسم
اهلل عليه فكل) .فمتى ذكيت فجرى منها الدم األمحر الذي خيرج من املذكى املذبوح عادة حلت وإن مل
تتحرك ،قاله شيخ اإلسالم ابن تيمية ،قال :والناس يفرقون بني دم ما كان حياً ودم ما كان ميتاً ،فإن امليت
جيمد دمه ويسود .قلت :ولذلك يكون باردا بطيئا.
وإذا شك يف وجود ما يعرف به عدم املوت بأن شك يف حركتها أو يف محرة الدم وجريانه كما جيري
دم املذبوح عادة ـ مل حتل الذبيحة؛ لقوله تعاىل( :إِلاَّمَا ذكَّيْتُمْ) وما شككنا يف بقاء حياته ـ مل تتحقق ذكاته.
فإن قيل :األصل بقاء احلياة فلنحكم به فتحل الذبيحة إال أن نتيقن املوت .اجلواب :األصل بقاء احلياة
لكن عارضه ظاهر أقوى منه وهو السبب املفضي إىل املوت ،فأنيط احلكم به ما مل نتحقق بقاء حياته.
(تنبيه) املنفصل من أكيلة السبع وحنوها قبل ذكاهتا ليس حبالل؛ ألنه بائن من حي ،وما بان من
حي فهو كميته ،فإن انفصل شيء من املذكاة قبل موهتا فهو حالل ،لكن الواجب االنتظار يف قطعه حتى
متوت.
الشرط التاسع :أن يكون املذكي مأذونا يف ذكاته شرعاً ،فإن كان غري مأذون فيها شرع ًا ـ فهو
{}53
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
) (٧4رواه البخاري ،كتاب الذبائح والصيد ،باب إذا أصاب قوم غنيمة ،..رقم ()٥٥43
{}54
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
وروى أبو داود من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من األنصار قال :خرجنا مع النيب
صلى اهلل عليه وسلم يف سفر فأصاب الناس حاجة شديد وجهد ،فأصابوا غنما فانتهبوها ،فإن
قدورنا لتغلي إذ جاء رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ميشي على قوسه فأكفأ قدورنا بقوسه ،ثم جعل
يرمل اللحم بالرتاب ثم قال( :إن النهبة ليست بأحل من امليتة ،أو إن امليتة ليست بأحل من النهبة) (. )75
قال أبو داود :الشك من هناد ـ يعين أحد رواته.
{القول الثاني} :أنه حيل ،وهو املشهور من مذهب أمحد وقول مجهور العلماء ملا روى أمحد
وأبو داود من حديث جابر رضي اهلل عنه قال :خرجنا مع النيب صلى اهلل عليه وسلم يف جنازة ،فلما
رجع استقبله داعي امرأة ـ ويف لفظ ألمحد داعي امرأة من قريش ـ فقال يا رسول اهلل ،إن فالنة تدعوك
ومن معك إىل طعام فانصرف ،فانصرفنا معه فجيء بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم أيديهم ،فنظر آباؤنا
إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يلوك لقمة يف فمه ثم قال( :أجد حلم شاة أخذت بغري إذن أهلها)
فأرسلت املرأة ـ ويف رواية :قامت ـ فقالت :يا رسول اهلل ،إني أرسلت إىل البقيع من يشرتي يل شاة فلم
أجد ،فأرسلت إىل جار يل قد اشرتى شاة أن أرسل إيل هبا بثمنها ،فلم أجد ،فأرسلت إىل امرأته
()7٦
فأرسلت إيل هبا ،فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم( :أطعميه األسارى)
هذا ما استدل به اجلمهور ،ووجه الداللة :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم أمر بإطعامه األسارى،
ولو كان حراما ما أمر النيب صلى اهلل عليه وسلم بإطعامهم إياه .وأجابوا عن دليلي القائلني بعدم احلل بأن
إكفاء القدور على سبيل التعزير واملبالغة يف الزجر ،وهو جواب قوي لكن يعكر عليه قول النيب صلى اهلل
) (٧٥رواه أبو داود ،كتاب اجلهاد ،باب يف النهي عن النهي..ن رقم ()2٧٠٥
) (٧٦رواه أمحد ( )2٩4/٥وأبو داود ،كتاب البيوع ،باب يف اجتناب الشبهات ،رقم ()3332
{}55
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
عليه وسلم( :إن النهبة ليست بأحل من امليتة) إال أن يقال :املراد بيان حكم أصل النهبة ،وأن من انتهب
شيئا بغري حق ـ كان حراما عليه كامليتة وإن مل يكن من شرطه الذكاة ،وأنه ليس املراد أن ذبح املنهوب ال
حيله فيكون ميتة ،واهلل أعلم.
وأما حديث جابر الذي استدل به اجلمهور على احلل؛ فليس بظاهر الداللة إذ ليس أخذ املرأة
للشاة عدواناً حمضاً ،فإمنا أخذهتا مضمونة بالثمن من امرأة املالك ،وقد جرت العادة بالسماح يف مثل
ذلك غالبا السيما وهي مقدمة لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وأصحابه ،فهو من املشتبه الذي ينبغي
التنزه عنه عند عدم احلاجة إليه ولذا تنزه عنه النيب صلى اهلل عليه وسلم لعدم حاجته إليه ،وأمر
بإطعامه األسارى حلاجتهم إليه غالبا.
وإذا تبني أال داللة للجمهور فيما استدلوا به وال ملخالفيهم؛ وجب الرجوع إىل القواعد الشرعية
العامة .فنقول :املغصوب وحنوه مما أخذ بغري رضا صاحبه حرام على الغاصب وحنوه ،وعلى كل من
علم به ،سواء أكان مما يشرتط حبله يف األصل الذكاة أم ال ،حتى لو غصب حلماً كان حراماً عليه وعلى من
علم به وأما ذكاة الغاصب وحنوه؛ فهي ذكاة من مسلم أهل ذكر اسم اهلل عليها مبا ينهر الدم ،فكانت
مبيحة للمذكى كغري الغاصب ،واهلل أعلم بالصواب.
{}5٦
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
فهرسة
ص مباحث رقم
2 خطبة الكتاب .........................................
3 أ {الفصل األول يف تعريف األضحية وحكمها}......................
4 اختلف العلماء فى حكمها وادلة كل؟ ........................
٥ { أدلة القائلني بالوجوب}..............................
٧ { أدلة القائلني بعدم وجوب}.............................
1٠ وذبح األضحية أفضل من الصدقة بثمنها.......................،
12 { وأما األضحية عن األموات}؛ فهي ثالثة أقسام ................:
14 ب {الفصل الثانى فيما تتعني به األضحية وأحكامه}....................
1٧ وإن كان الذبح غري صاحبها وال وكيله؛ فله ثالث حاالت.............:
1٨ {الفصل الثالث فيما يؤكل منها وما يفرق}......................... ج
1٩ والقول القديم للشافعي يأكل النصف ،ويتصدق بالنصف...................
2٧ {الفصل الرابع فيما جيتنبه من أراد األضحية}...................... د
3٠ {الفصل اخلامس يف العيوب املكروهة يف األضحية}...................
32 ويلحق هبذه العيوب املكروهة ما يأتي.........................
34 {الفصل السادس يف الذكاة وشروطها}..........................
3٨ { وهل يشرتط مع ذلك أن يقصد األكل؟ على قولني}..............:
41 واختلف العلماء رمحهم اهلل فيما إذا ترك التسمية على الذبيحة..........
4٩ ومتام الذكة بقطع أربعة أشياء..............................
٥٠ هل يشرتط فيه متام القطع حبيث ينفصل املقطوع بعضه عن بعض أوال يشرتط؟..
٥٠ واختلفوا أيضا هل يشرتط أن يكون القطع من ناحية احللق أو ال...........
٥2 وإن شرع يذحبها فرأى يف السكني خلال فألقاها وأخذ غريها............
٥4 املغصوب يذحبه الغاصب ،واملسروق يذحبه السارق وحنو ذلك ،ففي حله قوالن
{}57
هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة
{املراجع}
.1صحيح البخاري ،كتاب الذبائح والصيد ،باب إذا أصاب قوم غنيمة
.2صحيح مسلم
.3مسند امام أمحد ()294/5
.4مسند أبو داود ،كتاب البيوع ،باب يف اجتناب الشبهات
.5معجم الكبري للطرباني ()211/٨
.6املصنف البن شيبة ()255 ،253/4
.7النهاية البن ابى شيبة
.8السنن الكبري المام النسائي ،كتاب الفرع والعترية ،باب ما يدبغ به جلود امليتة
.9مسندامام الرتمذى
.10مسندامام ابن ماجه
.11مسندامام احلاكم
.12مسندامام البيهقى
.13مسندامام البزارى
{}5٨