You are on page 1of 58

‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫بَهِيمَ ِة األَنْعَامِ‬
‫فى‬
‫احكام االضحية والذكاة‬

‫كتبه‬
‫البائس الفقري احلاج ايية سودية احملمودية‬
‫معهد رايض املتعلمني الاسالمية‬
‫س تيئيس سليلني‬

‫شوال ‪ 1444‬هـ ‪2023 /‬‬

‫{‪}1‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫{‪} 2‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫بِسْمِ اللَِّه الرََّحَْم ِن الرََّحِيمِ‬


‫خطبة الكتاب‬
‫احلمد هلل‪ ،‬حنمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات‬
‫أعمالنا‪ .‬من يهده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪،‬‬
‫وأشهد أن حممداً عبده ورسوله‪ ،‬صلى اهلل عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم‬
‫تسليماً‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فإن األضحية شعرية من شعائر اإلسالم‪ ،‬وعبادة عظيمة قرهنا اهلل تعاىل بالصالة‪،‬‬
‫وجاءت السنة ببيان فضلها ومواظبة النيب صلى اهلل عليه وسلم عليها‪ ،‬ومن أجل ذلك أحببت أن أكتب‬
‫هذه الرسالة يف بيان كثري من أحكامها‪ ،‬وقد رتبتها يف مخسة فصول‪:‬‬
‫‪‬الفصل األول‪ :‬يف تعريف األضحية وحكمها‪.‬‬
‫‪‬الفصل الثاني‪ :‬فيما تتعني به األضحية وأحكامه‪.‬‬
‫‪‬الفصل الثالث‪ :‬فيما يؤكل منها وما يفرق‪.‬‬
‫‪‬الفصل الرابع فيما جيتنبه من أراد األضحية‪.‬‬
‫‪‬الفصل اخلامس يف العيوب املكروهة يف األضحية‬
‫‪‬الفصل السادس يف الذكاة وشروطها‪.‬‬
‫واهلل أسأل أن جيعل عملي خالصاً لوجهه‪ ،‬موافق ًا ملرضاته‪ ،‬نافعاً لعباده‪ ،‬إنه قريب جميب‪.‬‬
‫شهَدُوا مَنَافِعَ لهُمْ ويَ ْذكُرُوا اسْمَ اللَِّهفِي أيََّامٍ َمْعلُومَاتٍ عَلى مَا رَزقهُمْ ِمنَْبهِيمَةِ‬
‫قال اهلل تعاىل‪( :‬لِيَ ْ‬
‫األْنعَامِ ف ُكلُوامِْنهَا وَأ ْطعِمُوا الْبَائِسَ الْفقِريَ) (احلج‪ ، )2٨ :‬وقال تعاىل‪( :‬وَِل ُكلَِّ ُأمََّةٍ َجَعلْنَامَنْسَكاًلِيَ ْذكُرُوا‬

‫{‪}3‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫اسْمَ اللَّهِ عَلى مَا رَزقهُمْ ِمنَْبهِيمَةِ األْنعَامِ) (احلج‪ )34 :‬وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم (كلوا وادخروا‬
‫(‪)1‬‬
‫وتصدقوا) ‪ .‬رواه مسلم من حديث عائشة رضي اهلل عنها‬
‫وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬كلوا وأطعموا وادخروا) ‪ .‬رواه البخاري من حديث سلمة بن‬
‫األكوع (‪ ، )2‬وهو أعم من األول؛ ألن اإلطعام يشمل الصدقة على الفقراء واهلدية لألغنياء‪ ،‬وقال أبو بردة‬
‫للنيب صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬إني عجلت نسيكيت ألطعم أهلي وجرياني وأهل داري ـ أي أهل حمليت (‪.)3‬‬
‫وليس يف هذه اآلية واألحاديث نص يف مقدار ما يؤكل ويتصدق به ويهدى‪ ،‬ولذلك اختلف‬
‫العلماء ـ رمحهم اهلل ـ يف مقدار ذلك‪ ،‬فقال اإلمام أمحد‪ :‬حنن نذهب إىل حديث عبد اهلل‪ :‬يأكل هو الثلث‪،‬‬
‫ويطعم من أراد الثلث‪ ،‬ويتصدق بالثلث على املساكني‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬أحب أن ال يتجاوز باألكل‬
‫واالدخار الثلث‪ ،‬وأن يهدي الثلث‪ ،‬ويتصدق بالثلث‪ ،‬ويعين اإلمام أمحد حبديث عبد اهلل ما ذكره علقمة‬
‫قال بعث معي عبد اهلل ـ يعين ابن مسعود ـ هبدية فأمرني أن آكل ثلثا‪ ،‬وأن أرسل إىل أهل أخيه عتبة بثلث‪،‬‬
‫وأن أتصدق بثلث (‪ ، )4‬وعن ابن عمر ـ رضي اهلل عنهما ـ قال‪ :‬الضحايا واهلدايا‪ :‬ثلث لك‪ ،‬وثلث‬
‫ألهلك‪ ،‬وثلث للمساكني‪ .‬ومراده باألهل‪ :‬األقارب الذين ال تعوهلم‪ ،‬نقل هذين األثرين يف (املغين) ثم قال‪:‬‬
‫ولنا ما روي عن ابن عباس ـ رضي اهلل عنهما ـ يف صفة أضحية النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪ :‬ويطعم‬
‫أهل بيته الثلث‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب بيان ما كان من النهي عن أكل حلوم األضاحي‪ ،‬رقم (‪)1٩٧1‬‬
‫)‪ (2‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب ما يؤكل من حلوم االضاحي وما يتزود منها‪ ،‬رقم (‪)٥٥٦٩‬‬
‫)‪ (3‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب وقتها‪ ،‬رقم (‪)1٩٦1‬‬
‫)‪ (4‬تفسري ابن أبي حامت (‪)24٨٩/٨‬‬
‫{‪}4‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫{الفصل األول يف تعريف األضحية وحكمها}‬


‫األضحية‪ :‬ما يذبح من هبيمة األنعام أيام األضحى بسبب العيد؛ تقرباً إىل اهلل عز وجل‪ .‬وهي‬
‫من العبادات املشروعة يف كتاب اهلل وسنة رسوله النيب صلى اهلل عليه وعلي آله وسلم وإمجاع املسلمني‪.‬‬
‫صلَِّلِرَبَِّكَ َواْنحَرْ) (الكوثر‪ )2 :‬وقال تعايل‪ُ ( :‬قلْ إِنََّ صَالتِي‬
‫فأما كتاب اهلل‪ :‬فقد اهلل تعايل‪( :‬ف َ‬
‫سلِمِنيَ) (األنعام‪:‬‬
‫سكِي وََمحْيَايَ وَمَمَاتِيلِلَّهِ َربَِّ اْلعَالمِنيَ) (ال شَ ِريكَ لهُ َوبِذلِكَ أُمِْرتُ وَأنا أوََّلُ الْمُ ْ‬
‫وَنُ ُ‬
‫‪ . )1٦3 ،1٦2‬وقال تعاىل‪( :‬وَِل ُكلَِّ أُمََّةٍ َجَعلْنَامَنْسَكاًِليَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلىمَا رَزقهُمْمِنَْبهِيمَةِ الْأنْعَامِ‬
‫سلِمُوا) (احلج‪. )34 :‬‬
‫فإِلُهكُْم إِلٌه وَاحِ ٌد فلُه أ ْ‬
‫وهذه اآلية تدل على أن الذبح تقرباً إىل اهلل تعايل مشروع يف كل ملة لكل أمة‪ ،‬وهو برهان بني على‬
‫أنه عباده ومصلحة يف كل زمان ومكان وأمَة‪.‬‬
‫وأما سنة رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم‪ :‬فقد ثبت مشروعية األضحية فيها بقول النيب صلي‬
‫اهلل عليه وسلم وفعله وإقراره‪ ،‬فاجتمعت فيها أنواع السنة الثالثة‪ :‬القول‪ ،‬والفعل‪ ،‬والتقرير‪ .‬ففي‪:‬‬
‫(الصحيحني) عن الرباء بن عازب رضي اهلل عنه أن النيب صلي اهلل عليه وسلم قال‪( :‬من ذبح بعد‬
‫الصالة فقد مت نسكه‪ ،‬وأصاب سنة املسلمني) (‪ . )5‬وفيهما أيضاً عن عقبة بن عامر رضي اهلل عنه أن‬
‫النيب صلي اهلل عليه وسلم قسم بني أصحابه ضحايا‪ ،‬فصارت لعقبة جذعة‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل؛‬
‫صارت يل جذعة‪ .‬فقال (ضح هبا) (‪. )٦‬‬

‫)‪ (٥‬ا رواه البخاري‪ ،‬كتاب األضاحي باب الذبح بعد الصالة‪ )٥٥٦٠( ،‬ومسلم‪ ،‬كتاب األضاحي باب وقتها‪ ،‬رقم‬
‫(‪)1٩٦1‬‬
‫)‪ (٦‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب قسمة اإلمام األضاحي بني الناس‪ ،‬رقم (‪ )٥٥4٧‬ومسلم كتاب األضاحي‬
‫باب سن األضحية‪ ،‬رقم (‪)1٩٦٥‬‬
‫{‪}5‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫ويف (الصحيحني) أيضاً عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه قال‪ :‬ضحى النيب صلي اهلل عليه وسلم‬
‫بكبشني أملحني ذحبهما بيده‪ ،‬ومسي وكرب ووضع رجله على صفاحهما (‪ . )7‬وعن عبد اهلل بن عمر‬
‫رضي اهلل عنهما قال‪ :‬أقام النيب صلى اهلل عليه وسلم باملدينة عشر سنني يضحي‪ .‬رواه أمحد والرتمذي‬
‫وقال‪ :‬حديث حسن (‪ )٨‬ويف (الصحيحني) أيضاً عن جندب سفيان‪ .‬البجلي قال‪ :‬شهدت األضحى مع‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فلما قضي صالته بالناس نظر إىل غنم قد ذحبت فقال‪( :‬من ذبح قبل‬
‫الصالة فليذبح شاة مكاهنا‪ ،‬ومن مل يكن ذبح فليذبح على اسم اهلل) هذا لفظ مسلم (‪.)9‬وعن عطاء بن‬
‫يسار قال‪ :‬سألت أبا أيوب األنصاري‪ :‬كيف كانت الضحايا فيكم على عهد النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم؟ فقال‪ :‬كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته (احلديث) ‪ .‬رواه ابن ماجه والرتمذي‬
‫وصححه (‪. )10‬‬
‫وأما إمجاع املسلمني على مشروعية األضحية فقد نقله غري واحد من أهل العلم‪ .‬قال يف (يف‬
‫املغين) ‪ :‬أمجع املسلمون على مشروعية األضحية‪ .‬وجاء يف (فتح الباري شرح صحيح البخاري) ‪ :‬وال‬
‫خالف يف كوهنا من شرائع الدين‪.‬وبعد إمجاعهم على مشروعية األضحية اختلفوا‪ :‬أواجبة هي أم سنة‬
‫مؤكدة؟ على قولني‪:‬‬

‫)‪ (٧‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب التكبري عند الذبح‪ ،‬رقم (‪ )٥٥٦٥‬ومسلم‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب استحباب‬
‫الضحية وذحبها مباشرة (‪. )1٩٦٦‬‬
‫)‪ (٨‬رواه أمحد (‪ )2/2٨‬والرتمذي‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب الدليل على أن األضحية سنة رقم (‪)1٥٠٧‬‬
‫)‪ (٩‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب من ذبح قبل الصالة أعاد‪ ،‬رقم (‪ )٥٥٦2‬ومسلم‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب‬
‫وقتها‪ ،‬رقم (‪. )1٩٦٠‬‬
‫)‪ (1٠‬رواه الرتمذي‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب ما جاء أن الشاة الواحدة جتزئ عن أهل البيت‪ ،‬رقم (‪ )1٥٠٥‬وابن ماجه‪،‬‬
‫كتاب األضاحي‪ ،‬باب من ضحي بشاة عن أهله‪ ،‬رقم (‪. )314٧‬‬
‫{‪}٦‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫{القول األول}‪ :‬أهنا واجبة‪ ،‬وهو قول األوزاعي‪ ،‬والليث‪ ،‬ومذهب أبي حنيفة‪ ،‬وإحدى‬
‫الروايتني عن اإلمام أمحد‪ ،‬قال شيخ اإلسالم‪ :‬وهو أحد القولني يف مذهب مالك‪ ،‬أو ظاهر مذهب‬
‫مالك‪.‬‬
‫{القول الثاني}‪ :‬أهنا سنة مؤكدة‪ ،‬وهو قول اجلمهور‪ ،‬ومذهب الشافعي‪ ،‬ومالك‪ ،‬وأمحد يف‬
‫املشهور عنهما‪ ،‬لكن صرح كثري من أرباب هذا القول بأن تركها يكره للقادر‪ ،‬ذكره أصحابنا‪ ،‬نص اإلمام‬
‫أمحد وقطع به يف اإلقناع‪ ،‬وذكر يف (جواهر اإلكليل شرح خمتصر خليل) ‪ .‬أهنا إذا تركها أهل بلد قوتلوا‬
‫عليها؛ ألهنا من شعائر اإلسالم‪.‬‬
‫{ أدلة القائلني بالوجوب}‪:‬‬
‫‪{ ‬الدليل األول}‪ :‬قوله ـ تعاىل ـ‪( :‬ف َ‬
‫صلَِّلِرَبَِّكَ َوانْحَرْ) (الكوثر‪ )2 :‬فأمر بالنحر‪ ،‬واألصل يف األمر‬
‫الوجوب‪.‬‬
‫‪ { ‬الدليل الثاني}‪ :‬قوله صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬من وجد سعة فلم يضح فال يقربن مصالنا) رواه‬
‫أمحد وابن ماجه‪ ،‬وصححه احلاكم من حديث أبي هريرة‪ )11( .‬قال يف (فتح الباري) ورجاله‬
‫ثقات‪.‬‬
‫‪{ ‬الدليل الثالث}‪ :‬قوله صلى اهلل عليه وسلم وهو واقف بعرفة‪( :‬يا أيها الناس‪ ،‬إن على أهل كل‬
‫بيت أضحية يف كل عام وعترية) ‪.‬قال يف (الفتح) ‪ :‬أخرجه أمحد واألربعة بسند قوي (‪.)12‬‬

‫)‪ (11‬رواه أمحد (‪ )321/2‬وابن ماج ه‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب األضاحي واجبة هي أم ال؟ رقم (‪ ، )3123‬واحلاكم‬
‫(‪)3٨٩/2‬‬
‫)‪ (12‬رواه أمحد (‪ ) 21٥/4‬وأبو داود‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب ما حاء يف إجياب األضاحي‪ ،‬رقم (‪، )2٧٨٨‬‬
‫والرتمذي‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب رقم (‪ )1٨‬حديث األضاحي‪ ،‬باب األضاحي واجبة هي أم ال؟ رقم (‪. )312٥‬‬
‫{‪}7‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫‪{ ‬الدليل الرابع}‪ :‬قوله صلى اهلل عليه وسلم (من كان ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكاهنا أخرى‪،‬‬
‫ومن مل يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم اهلل) متفق عليه (‪. )13‬‬
‫هذه أدلة القائلني بالوجوب‪ ،‬وقد أجاب عنها القائلون بعدم الوجوب واحداً واحداً‪.‬فأجابوا عن‬
‫الدليل األول‪ :‬بأنه ال يتعني أن يكون املراد هبا حنر القربان‪ ،‬فقد قيل‪ :‬إن املراد هبا وضع اليدين حتت النحر‬
‫عند القيام يف الصالة‪ ،‬وهذا القول وإن كان ضعيفا لكن مع االحتمال قد ميتنع االستدالل‪.‬‬
‫وإذا قلنا‪ :‬إن املراد هبا حنر القربان كما هو ظاهر القرآن‪ ،‬فإنه ال يتعني أن يكون املراد هبا فعل‬
‫النحر‪ ،‬فقد قيل‪ :‬إن املراد هبا ختصيص النحر هلل تعاىل وإخالصه له‪ ،‬وهذا واجب بال شك وال نزاع‪.‬‬
‫وإذا قلنا‪ :‬املراد هبا فعل النحر كما هو ظاهر اآلية؛ فهو أمر مطلق حيصل امتثاله بفعل ما ينحر‬
‫تقربا إىل اهلل تعاىل من أضحية‪ ،‬أو هدي‪ ،‬أوعقيقة ولو مرة واحدة‪ ،‬فال يتعني أن يكون املراد به األضحية‬
‫كل عام‪ .‬وهذا تقرير جواهبم عن اآلية‪ ،‬وعندي أنه إذا صح الدليل الثالث؛ صار مبينا لآلية‪ ،‬وصارت‬
‫حجة على الوجوب‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫وقد يقال‪ :‬إن وجوب النحر الذي تدل عليه هذه اآلية خاص بالنيب صلى اهلل عليه وسلم شكرا‬
‫منه لربه على ما أعطاه من اخلري الكثري الذي مل يعطه أحد غريه؛ بدليل ترتيبه عليه بالفاء‪ ،‬وبدليل ما يأتي‬
‫يف الدليل األول للقائلني بعدم الوجوب‪.‬‬
‫وأجابوا عن الدليل الثاني‪ :‬بأن الراجح أنه موقوف‪ ،‬ولعل أن أبا هريرة قاله حني كان والياً على‬
‫املدينة‪ ،‬قال يف (بلوغ املرام) ‪ :‬رجح األئمة وقفه‪ ،‬اهـ‪ .‬لكن قال يف (الدراية) ‪ :‬إن الذي رفعه ثقة‪.‬‬

‫)‪ (13‬تقدم خترجيه‪.‬‬


‫{‪}٨‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫قلت‪ :‬وإذا كان الذي رفعه ثقة؛ فاملشهور عند احملدثني أنه إذا تعارض الوقف والرفع‪ ،‬وكان الرافع‬
‫ثقة فاحلكم للرفع؛ ألنه زيادة من ثقة مقبولة‪ ،‬لكن قال يف (الفتح) ‪ :‬إنه ليس صرحيا يف اإلجياب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هو ليس بصريح يف اإلجياب‪ ،‬إذ حيتمل أن منعه من املسجد‪ ،‬وحرمانه من حضور الصالة‬
‫ودعوة املسلمني عقوبة له على ترك هذه الشعرية‪ ،‬وإن مل تكن واجبة‪ ،‬لكن من أجل تأكدها‪ ،‬لكن هو‬
‫ظاهر يف اإلجياب‪ ،‬وال يلزم يف إثبات احلكم أن يكون الدليل صرحيا يف الداللة عليه‪ ،‬بل يكفي الظاهر إذا مل‬
‫يعارضه ما هو أقوى منه‪.‬‬
‫وأجابوا عن الدليل الثالث‪ :‬بأن أحد رواته أبو رملة (عامر) قال يف (التقريب) ‪ :‬ال يعرف‪ .‬وقال‬
‫اخلطابي‪ :‬جمهول واحلديث ضعيف املخرج‪ .‬وقال املعافري‪ :‬هذا احلديث ضعيف ال حيتج به‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد سبق أن صاحب (الفتح) وصف سنده بالقوة؛ لكنه قال‪ :‬ال حجة فيه؛ ألن الصيغة‬
‫ليست صرحية يف الوجوب املطلق‪ ،‬وقد ذكر معها العترية‪ ،‬وليست بواجبة عند من قال بوجوب‬
‫األضحية‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫وقد سبق اجلواب بأنه ال يلزم يف إثبات احلكم أن يكون الدليل صرحيا يف الداللة عليه بل يكفي‬
‫الظاهر إذا مل يعارضه ما هو أقوى منه‪ ،‬وأما ذكر العترية معها وهي غري واجبة؛ فقد ورد ما خيرجها عن‬
‫الوجوب بل عن املشروعية عند كثري من أهل العلم‪ ،‬وهو قوله صلى اهلل عليه وسلم يف حديث أبي هريرة‪:‬‬
‫(ال فرع وال عترية) (‪ .)14‬متفق عليه‪ .‬لكن العلة يف الدليل جهالة أبي رملة‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫)‪ (14‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب العقيقة‪ ،‬باب الفرع‪ ،‬رقم (‪ )٥4٧3‬ومسلم‪ ،‬كتاب األضاحي باب الفرع والعترية‪ ،‬رقم‬
‫(‪)1٩٧٦‬‬
‫{‪}9‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫أجابوا عن الدليل الرابع‪ :‬بأن األمر إمنا هو بذبح بدهلا وهو ظاهر؛ ألهنم ملا أوجبوها تعينت‪،‬‬
‫وذحبهم إياها قبل الوقت ال جيزئ‪ ،‬فوجب عليهم ضماهنا بأن يذحبوا بدهلا‪ ،‬وحنن نقول مبقتضى هذا‬
‫احلديث‪ ،‬وأنه لو أوجب أضحية لوجب عليه ذبح بدهلا‪.‬‬
‫وأما قوله صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬ومن مل يذبح فليذبح باسم اهلل) فهو أمر بكون الذبح على اسم‬
‫اهلل ال مبطلق الذبح‪ ،‬فال يكون فيه دليل على وجوب األضحية‪.‬‬
‫{أدلة القائلني بعدم وجوب}‪:‬‬
‫‪{ ‬الدليل األول}‪ :‬حديث‪( :‬هن على فرائض ولكم تطوع‪ :‬النحر‪ ،‬والوتر‪ ،‬وركعتا الضحى) ‪.‬‬
‫أخرجه احلاكم والبزاز وابن عدي‪ ،‬وروى حنوه أمحد‪ ،‬وأبو يعلى‪ ،‬واحلاكم (‪ ، )15‬وذكر يف التخليص له‬
‫طرقا كلها ضعيفة‪ ،‬وقال‪ :‬أطلق األئمة على هذا احلديث الضعف كأمحد‪ ،‬والبيهقي‪ ،‬وابن الصالح‪،‬‬
‫وابن اجلوزي‪ ،‬والنووي وغريهم‪.‬قلت‪ :‬والضعيف ال حيتج به يف إثبات األحكام‪.‬‬
‫‪{ ‬الدليل الثاني}‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم ضحى عن أمته‪ ،‬فعن على بن احلسني عن أبي‬
‫رافع رضي اهلل عنه أن النيب صلي اهلل عليه وسلم كان إذا ضحى؛ اشرتى كبشني أقرنني مسينني‬
‫أملحني‪ ،‬فإذا صلى وخطب؛ أتي بأحدمها وهو قائم يف مصاله فذحبه بنفسه باملدية‪ ،‬ثم يقول‪( :‬اللهم‬
‫هذا عن أميت مجيعا من شهد لك بالتوحيد وشهد يل بالبالغ) ‪ ،‬ثم يؤتي باآلخر فيذحبه بنفسه ويقول‪:‬‬
‫(هذا عن حممد‪ ،‬وآل حممد) ‪ .‬فيطعمها مجيعا املساكني‪ ،‬ويأكل هو وأهله منهما‪ ،‬فمكثنا سنني ليس‬
‫لرجل من بين هاشم يضحي قد كفاه اهلل املؤونة برسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم والغرم‪ .‬أخرجه‬

‫)‪ (1٥‬أخرجه أمحد (‪ ، )231/1‬واحلاكم (‪ )3٠٠/1‬والبيهقي (‪)2٦4/٩‬‬


‫{‪}10‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫أمحد والبزاز (‪ ، )1٦‬قال يف جممع الزوائد (‪ )17‬وإسناده حسن‪ ،‬سكت عنه يف التلخيص‪ ،‬وله شواهد‬
‫عند أمحد‪ ،‬والطرباني‪ ،‬وأبن ماجه‪ ،‬والبيهقي‪ ،‬واحلاكم ‪.‬‬
‫ووجه الداللة‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قام بالواجب عن أمته فيكون الباقي تطوعا‪،‬ولذلك‬
‫مكث بنو هاشم سنني ال يضحون على مقتضى هذا احلديث‪.‬‬
‫‪{ ‬الدليل الثالث}‪ :‬قوله صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬إذا رأيتم هالل ذي احلجة وأراد أحدكم أن‬
‫يضحي؛ فليمسك عن شعره وأظفاره) رواه اجلماعة إال البخاري (‪ ، )1٨‬ويف رواية ملسلم‪( :‬فال ميس‬
‫(‪)19‬‬
‫من شعره وبشره شيئا)‬
‫ووجه الداللة‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم فوض األضحية إىل اإلرادة‪ ،‬وتفويضها إىل اإلرادة‬
‫ينايف وجوهبا‪ ،‬إذ الوجوب لزوم ال يفوض إىل اإلرادة‪ ،‬هكذا قالوا‪.‬‬
‫وعندي أن التفويض إىل اإلرادة ال ينايف الوجوب إذا قام عليه الدليل‪ ،‬فقد قال النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم يف املواقيت‪( :‬هن هلن وملن أتي عليهن من غري أهلهن ممن يريد احلج والعمرة) (‪ . )20‬ومل مينع ذلك‬

‫)‪ (1٦‬أخرجه أمحد (‪ ، )٨3٩1/٦‬والبزار (‪ )31٩/٩‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب األضاحي باب أضاحي رسول اهلل النبى صلي‬
‫اهلل عليه وعلي آله وسلم‪ ،‬رقم (‪. )3122‬‬
‫)‪( (1٧‬جممع الزوائد) (‪ . )22/4‬راجع‪ :‬أمحد (‪ )3٩1/٦‬والطرباني يف (الكبري) (‪ )311/1‬ابن ماجه رقم (‪، )3122‬‬
‫والبيهقي (‪ )2٥٩/٩‬واحلاكم (‪)42٥/2‬‬
‫)‪ (1٨‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب هني من دخل عليه عشر ذي احلجة وهو مريد‪ ،..‬رقم (‪ )1٩٧٧‬وأبو داود‪،‬‬
‫كتاب الضحايا باب الرجل يأخذ من شعره يف العشر‪ ،‬رقم (‪ ، )2٩٧1‬والرتمذي‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب من ترك أخذ‬
‫الشعر ملن أراد أن يضحي‪ ،‬رقم (‪ ، )1٥23‬والنسائي‪ ،‬كتاب الضحايا باب رقم (‪ )1‬حديث رقم (‪ ، )43٦1‬وابن‬
‫ماجه‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب من أراد أن يضحي فال يأخذ يف العشر‪ ،..‬رقم ‪)٠314٩‬‬
‫)‪ (1٩‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬رقم (‪)1٩٧٧‬‬
‫{‪}11‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫من وجوب احلج والعمرة بدليل آخر مرة يف العمر‪ ،‬فالتعليق على اإلرادة ليس معناه أن اإلنسان خمري يف‬
‫املراد على اإلطالق‪ ،‬فقد جيب أن يريد إذا قام مقتضى الوجوب‪ ،‬وقد ال جيب أن يريد إذا مل يكن دليل‬
‫على الوجوب‪ ،‬كما لو قلت‪ :‬جيب الوضوء على من أراد الصالة‪ .‬والصالة منها ما جتب إرادته‬
‫كالفريضة‪ ،‬ومنها ما ال جتب كالتطوع‪ .‬وأيضا فاألضحية ال جتب على املعسر فهو غري مريد هلا‪ ،‬فصح‬
‫تقسيم الناس فيها إىل مريد وغري مريد باعتبار اليسار واإلعسار‪.‬‬
‫‪{ ‬الدليل الرابع}‪ :‬أنه صح عن أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما أهنما ال يضحيان خمافة أن يظن أن‬
‫األضحية واجبة (‪ )21‬وعن أبي مسعود رضي اهلل عنه أنه قال‪ :‬أني ألدع األضحية‪ ،‬وأنا من أيسركم‪،‬‬
‫كراهة أن يعتقد الناس أهنا حتم واجب‪ .‬أخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح‪ ،‬وذكره البيهقي‬
‫عن ابن عباس وابن عمر وبالل رضي اهلل عنهم قلت‪ :‬وإذا صح الوجوب عن رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم مل يكن قول غريه حجة عليه‪.‬‬
‫‪{‬الدليل اخلامس}‪ :‬التمسك باألصل‪ ،‬فإن األصل براءة الذمة حتى يقوم دليل الوجوب السامل من‬
‫املعارضة‪.‬قلت‪ :‬وهذا دليل قوي جدا لكن القائلني بالوجوب يقولون‪ :‬إنه قدقام دليل الوجوب السامل‬
‫من املعارضة فثبت احلكم‪.‬‬
‫‪{ ‬الدليل السادس}‪ :‬أن رجال قال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أرايت إن مل أجد إال منيحة أنثى أفأضحي‬
‫هبا؟ قال‪( :‬ال‪ ،‬ولكن تأخذ من شعرك وأظفارك وتقص شاربك‪ ،‬وحتلق عانتك‪ ،‬فتلك متام‬

‫)‪ (2٠‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب احلج‪ ،‬باب مهل أهل الشام‪ ،‬رقم (‪ ، )1٥2٦‬ومسلم‪ ،‬كتاب احلج باب مواقيت احلج والعمرة‪،‬‬
‫رقم (‪)11٨1‬‬
‫)‪( (21‬السنن الكربي) للبيهقي (‪( . )2٦4/٩‬السنن الكربي) البيهقي (‪)2٦٥/٩‬‬
‫{‪}12‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫أضحيتك عند اهلل عز وجل)‪ .‬رواه أبو داود والنسائي‪ ،‬ورواته ثقات (‪ . )22‬واملنيحة‪ :‬شاة اللنب‬
‫تعطى للفقري حيلبها ويشرب لبنها ثم يردها‪ ،‬وهذا سنة‪ ،‬ولو كانت األضحية واجبة مل ترتك من أجل‬
‫فعل السنة‪ ،‬إذ املسنون ال يعارض الواجب‪ .‬وهذا تقرير جيد وفيه تأمل‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيميه‪ :‬واألظهر وجوهبا (يعين األضحية) فإهنا من أعظم شعائر اإلسالم‪،‬‬
‫وهي النسك العام يف مجيع األمصار‪ ،‬والنسك مقرون بالصالة‪ ،‬وهي من ملة إبراهيم الذي أمرنا باتباع‬
‫ملته‪ ،‬وقد جاءت األحاديث باألمر هبا‪ ،‬ونفاه الوجوب ليس معهم نص‪ ،‬فإن عمدهتم قوله صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪( :‬من أراد أن يضحي ودخل العشر فال يأخذ من شعره وال من أظفاره)(‪ .)23‬قالوا‪ :‬والواجب ال‬
‫يعلق باإلرادة‪ ،‬وهذا كالم جممل‪ ،‬فإن الواجب ال يوكل إىل إرادة العبد‪ ،‬فيقال‪ :‬إن شئت فافعله‪ ،‬بل يعلق‬
‫الواجب بالشرط لبيان حكم من األحكام‪.‬‬
‫قلت‪ :‬مثل أن تقول‪ :‬إذا أردت أن تصلي الظهر فتوضأ‪ ،‬فصالة الظهر واجبة لكن تعليقها باإلرادة‬
‫لبيان حكم الوضوء هلا‪ .‬قال شيخ اإلسالم يف بقية كالمه على األضحية‪ :‬ووجوهبا مشروط بأن يقدر‬
‫عليها فاضال عن حوائجه األصلية كصدقة الفطر‪ .‬اهـ‪ .‬ملخص ًا من (جمموع الفتاوى) البن قاسم (من‬
‫ص‪ 1٦2‬ـ ‪ 1٦4‬ـ جملد ‪. )32‬‬
‫هذه آراء العلماء وأدلتهم سقناها ليبني شأن األضحية وأمهيتها يف الدين‪ ،‬واألدلة فيها تكاد‬
‫تكون متكافئة‪ ،‬وسلوك سبيل االحتياط أن ال يدعها مع القدرة عليها‪ ،‬ملا فيها من تعظيم اهلل وذكره وبراءة‬

‫)‪ (22‬رواه أبو داود‪ ،‬كتاب الضحايا‪ ،‬باب ما جاء يف إجياب الضاحي‪ ،‬رقم (‪ )2٧٨٩‬والنسائي‪ ،‬كتاب الضحايا باب من‬
‫مل جيد األضحية‪ ،‬رقم (‪. )43٦٥‬‬
‫)‪ (23‬سبق خترجيه ص‪12‬‬
‫{‪}13‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫الذمة بيقني‪.‬‬
‫وذبح األضحية أفضل من الصدقة بثمنها‪ ،‬نص عليه اإلمام أمحد رمحه اهلل‪ ،‬قال ابن القيم ـ وهو‬
‫أحد تالميذ شيخ اإلسالم ابن تيميه البارزين ـ‪( :‬الذبح يف موضعه أفضل من الصدقة بثمنه‪ ،‬ولو زاد (يعين‬
‫ولو زاد يف مثنه فتصدق بأكثر منه) كاهلدايا والضحايا‪ ،‬فإن نفس الذبح وإراقة الدم مقصود‪ ،‬فإنه عبادة‬
‫سكِي‬
‫صلَِّلِرَبَِّكَ وَاْنحَرْ) (الكوثر‪ ، )2 :‬وقال تعاىل‪ُ ( :‬قلْ إِنََّ صَالتِي وَنُ ُ‬
‫مقرونة بالصالة كما قال تعاىل‪( :‬ف َ‬
‫وََمحْيَايَ وَمَمَاتِيلِلَّهِ َربَِّ الْعَالمِنيَ) (األنعام‪ ، )1٦2 :‬ففي كل ملة صالة ونسيكة ال يقوم غريمها مقامهما‪،‬‬
‫وهلذا لو تصدق عن دم املتعة والقران أضعاف القيمة؛ مل يقم مقامه‪ ،‬وكذلك األضحية‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫ويدل على أن ذبح األضحية أفضل من الصدقة بثمنها‪ :‬أنه هو عمل النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫واملسلمني‪ ،‬فإهنم كانوا يضحون‪ ،‬ولو كانت الصدقة بثمن األضحية أفضل؛ لعدلوا إليها وما كان رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ليعمل عمال مفضوال يستمر عليه منذ أن كان يف املدينة إىل أن توفاه اهلل مع وجود‬
‫األفضل وتيسره ثم ال يفعله مرة واحدة‪ ،‬وال يبني ذلك ألمته بقوله‪ ،‬بل استمرار النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫واملسلمني معه على األضحية يدل على أن الصدقة بثمن األضحية ال تساوي ذبح األضحية فضال عن‬
‫أن تكون أفضل منه‪ ،‬إذ لو كانت تساويه لعملوا هبا أحيانا؛ ألهنا أيسر وأسهل‪ ،‬أو تصدق بعضهم وضحى‬
‫بعضهم كما يف كثري من العبادات املتساوية‪ ،‬فلما مل يكن ذلك؛ علم أن ذبح األضحية أفضل من الصدقة‬
‫بثمنها‪.‬‬
‫ويدل على أن ذبح األضحية أفضل من الصدقة بثمنها‪ :‬أن الناس أصاهبم ذات سنة جماعة يف‬
‫عهد النيب صلى اهلل عليه وسلم يف زمن األضحية‪ ،‬ومل يأمرهم بصرف مثنها إىل احملتاجني‪ ،‬بل أقرهم على‬
‫ذحبها‪ ،‬وأمرهم بتفريق حلمها كما يف الصحيحني عن سلمة بن األكوع رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل‬

‫{‪}14‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬من ضحى منكم فال يصبحن بعد ثالثة يف بيته شيء) فلما كان العام املقبل قالوا‪:‬‬
‫يا رسول اهلل‪ ،‬نفعل كما فعلنا يف العام املاضي؟ فقال صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬كلوا وأطعموا وادخروا‪ ،‬فإن‬
‫ذلك العام كان يف الناس جهد فأردت أن تعينوا فيها) (‪ . )24‬ويف صحيح البخاري أن عائشة رضي اهلل‬
‫عنه سئلت‪ :‬أهنى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن حلوم األضاحي أن تؤكل فوق ثالث؟ فقالت‪ :‬ما‬
‫فعله إال عام جاع الناس فيه فأراد أن يطعم الغين الفقري (‪. )25‬‬
‫ويدل على أن ذبح األضحية أفضل من الصدقة بثمنها‪ :‬أن العلماء اختلفوا يف وجوهبا‪ ،‬وأن‬
‫القائلني بأهنا سنة صرح أكثرهم أو كثري منهم بأنه يكره تركها للقادر‪ ،‬وبعضهم صرح بأنه يقاتل أهل بلد‬
‫تركوها‪ ،‬ومل نعلم أن مثل ذلك حصل يف جمرد الصدقة املسنونة‪.‬‬
‫ويدل على أن ذبح األضحية أفضل من الصدقة بثمنها‪ :‬أن الناس لو عدلوا عنه إىل الصدقة؛‬
‫لتعطلت شعرية عظيمة نوه اهلل عليها يف كتابه يف عدة آيات‪ ،‬وفعلها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وفعلها‬
‫املسلمون‪ ،‬ومساها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم سنة املسلمني‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيميه‪ :‬فكيف جيوز أن املسلمني كلهم يرتكون هذا ال يفعله أحد منهم‪ ،‬وترك‬
‫املسلمني كلهم هذا أعظم من ترك احلج يف بعض السنني‪ ،‬كذا قال‪.‬قال‪ :‬وقد قالوا إن احلج كل عام فرض‬
‫على الكفاية؛ ألنه من شعائر اإلسالم‪ ،‬والضحايا يف عيد النحر كذلك‪ ،‬بل هذه تفعل يف كل بلد هي‬
‫والصالة‪ ،‬فيظهر هبا من عبادة اهلل وذكره والذبح له والنسك له ما ال يظهر باحلج كما يظهر ذكر اهلل بالتكبري‬

‫)‪ (24‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب ما يؤكل من حلوم األضاحي ومايتزود منها‪ ،‬رقم (‪ ، )٥٥٦٩‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫األضاحي باب بيان ما كان من النهي عن أكل حلوم األضاحي بعد ثالث‪ ،‬رقم (‪. )1٩٧4‬‬
‫)‪ (2٥‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب األطعمة باب ما كان السلف يدخرون يف بيوهتم واسفارهم‪ ،..‬رقم (‪. )٥423‬‬
‫{‪}15‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫يف األعياد‪ .‬اهـ‪. .‬‬


‫واألصل يف األضحية أهنا للحي كما كان النيب صلي اهلل عليه وسلم وأصحابه يضحون عن‬
‫أنفسهم وأهليهم خالفا ملا يظنه بعض العامة أهنا لألموات فقط‪{ .‬وأما األضحية عن األموات}؛ فهي‬
‫ثالثة أقسام ‪:‬‬
‫{القسم األول}‪ :‬أن تكون تبعا لألحياء‪ ،‬كما لو ضحى اإلنسان عن نفسه وأهله وفيهم‬
‫(‪)2٦‬‬
‫أموات‪ ،‬فقد كان النيب صلي اهلل عليه وسلم يضحي ويقول‪( :‬اللهم هذا عن حممد وعن آل حممد)‬
‫وفيهم من مات سابقا‪.‬‬
‫{القسم الثاني}‪ :‬أن يضحي عن امليت استقالال تربعا‪ ،‬مثل‪ :‬أن يتربع لشخص ميت مسلم‬
‫بأضحية‪ ،‬فقد نص فقهاء احلنابلة على أن ذلك من اخلري‪ ،‬وأن ثواهبا يصل إىل امليت وينتفع به؛ قياسا على‬
‫الصدقة عنه‪ ،‬ومل يرالعلماء أن يضحي أحد عن امليت إال أن يوصي به‪ .‬لكن من اخلطأ ما يفعله بعض‬
‫الناس اليوم يضحون عن األموات تربعا أو مبقتضى وصاياهم‪ ،‬ثم ال يضحون عن أنفسهم وأهليهم‬
‫األحياء‪ ،‬فيرتكون ما جاءت به السنة‪ ،‬وحيرمون أنفسهم فضيلة األضحية‪ ،‬وهذا من اجلهل‪ ،‬وإال فلو‬
‫علموا بان السنة أن يضحي اإلنسان عنه وعن أهل بيته فيشمل األحياء واألموات‪ ،‬وفضل اهلل واسع‪.‬‬
‫{القسم الثالث}‪ :‬أن يضحي عن امليت مبوجب وصية منه تنفيذا لوصيته‪ ،‬فتنفذ كما أوصى‬
‫بدون زيادة وال نقص‪ ،‬واألصل يف ذلك قوله تعاىل يف الوصية‪( :‬فَمنْبَدََّلهَُبعْدَ مَا سَِمعَهُ فإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلى‬
‫الَّذِينَيُبَدَِّلُونهُ إِنََّ اللَّهَ سَمِيعٌ َعلِيمٌ) (البقرة‪ . )1٨1 :‬وروي عن على بن أبي طالب رضي اهلل عنه أنه‬
‫ضحى بكبشني وقال‪ :‬إن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم اوصاني أن ضحي عنه فأنا أضحي عنه‪.‬‬

‫)‪ (2٦‬سبق خترجيه‬


‫{‪}1٦‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫رواه أبو داود‪ ،‬ورواه بنحوه الرتمذي وقال‪ :‬غريب ال نعرفه إال من حديث شريك (‪ .)27‬اهـ‪ .‬قلت‪ :‬ويف‬
‫إسناده مقال‪.‬‬
‫وإذا كانت الوصية بأضاحي متعددة ومل يكف املغل لتنفيذها مثل أن يوصي شخص بأربع‬
‫ضحايا‪ :‬واحدة ألمه‪ ،‬وواحدة ألبيه وواحدة ألوالده‪ ،‬وواحد ألجداده وجداته‪ ،‬ومل يكف املغل إال‬
‫لواحدة فإن تربع الوصي بتكميل الضحايا األربع من عنده فنرجو أن يكون حسنا‪ ،‬وإن مل يتربع مجع اجلميع‬
‫يف أضحية واحدة كما لو ضحى عنهم يف حياته‪.‬‬
‫وإن كانت الوصية يف أضحية واحدة ومل يكف املغل هلا فإن تربع الوصي بتكميلها من عنده‬
‫فنرجو أن يكون حسنا‪ ،‬وإن مل يتربع أبقى املغل إىل السنة الثانية والثالثة حتى يكفي األضحية فيضحي‬
‫به‪ ،‬فإن كان املغل ضئيال ال يكفي ألضحية إال بعد سنوات خيشى من ضياعه يف إبقائه إليها‪ ،‬أو من أن‬
‫تزايد قيم األضاحي فإن الوصي يتصدق باملغل يف عشر ذي احلجة وال يبقيه؛ ألنه عرضة لتلفه‪ ،‬ورمبا‬
‫تتزايد قيم األضاحي كل عام‪ ،‬فال يبلغ قيمة األضحية مهما مجعه‪ ،‬فالصدقة به خري‪.‬‬
‫واخرتنا أن يتصدق به يف عشر ذي احلجة؛ ألنه الزمن الذي عني املوصي تنفيذ وصيته فيه‪ ،‬وألن‬
‫العشر أيام فاضلة‪ ،‬والعمل الصاحل فيها حمبوب إىل اهلل عز وجل‪ ،‬قال النيب صلي اهلل عليه وسلم‪( :‬ما من‬
‫أيام العمل الصاحل فيها حمبوب إىل اهلل من هذه األيام العشر) وقالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬وال اجلهاد يف سبيل اهلل؟‬
‫قال‪( :‬وال اجلهاد يف سبيل اهلل‪ ،‬إال رجل خرج بنفسه وماله ثم مل يرجع من ذلك بشيء) (‪. )2٨‬‬

‫)‪ (2٧‬رواه أبو داود‪ ،‬كتاب الضحايا باب األضحية عن امليت‪ ،‬رقم (‪ )2٧٩٠‬والرتمذي‪ ،‬كتاب األضاحي باب ما جاء‬
‫يف األضحية عن امليت‪ ،‬رقم (‪)14٩٥‬‬
‫{‪}17‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫(تنبيه عام) ‪ :‬يذكر بعض املوصني يف وصيته قدراً معيناً للموصي به مثل أن يقول‪ :‬يضحي عين ولو‬
‫بلغت األضحية رياال‪ .‬يقصد املغاالة يف مثنها؛ ألهنا يف وقت وصيته بربع ريال أو حنوه‪ ،‬فيقوم بعض من ال‬
‫خيشى اهلل من األوصياء فيعطل الوصية حبجة أن الريال ال ميكن أن يبلغ مثن األضحية اآلن‪ ،‬وهذا حرام‬
‫عليه‪ ،‬وهو آثم بذلك‪ ،‬وجيب تنفيذ الوصية باألضحية‪ ،‬وإن بلغت آالف الرياالت مادام املغل يكفي‬
‫لذلك؛ ألن مقصود املوصي معلوم‪ ،‬وهو املبالغة يف قيمة األضحية مهما زادت‪ ،‬وذكره الريال على سبيل‬
‫التمثيل‪ ،‬ال على سبيل التحديد‪.‬‬
‫{الفصل الثانى فيما تتعني به األضحية وأحكامه}‬
‫تتعني األضحية أضحية بواحد من أمرين‪:‬‬
‫{ أحدمها}‪ :‬اللفظ بتعيينها أضحية بأن يقول‪ :‬هذه أضحية قاصدا بذلك إنشاء‬
‫تعيينها‪.‬فأما إن قصد اإلخبار عما سيصرفها إليه يف املستقبل؛ فإهنا ال تتعني بذلك؛ ألن هذا إخبار عما‬
‫يف نيته أن يفعل‪ ،‬وليس للتعيني‪.‬‬
‫{الثاني}‪ :‬ذحبها بنية األضحية‪ ،‬فمتى ذحبها بنية األضحية؛ ثبت هلا حكم األضحية‪ ،‬وإن مل‬
‫يتلفظ بذلك قبل الذبح‪ ،‬هذا هو املشهور من مذهب اإلمام أمحد‪ ،‬وهو مذهب الشافعي‪ ،‬أعين أن‬
‫األضحية تتعني بأحد هذين األمرين‪ ،‬وزاد شيخ اإلسالم ابن تيمية أمراً ثالثاً وهو‪ :‬الشراء بنية األضحية‪،‬‬
‫فإذا اشرتاها بنية األضحية تعينت‪ ،‬وهو مذهب مالك وأبي حنيفة‪ .‬واألول أرجح كما لو اشرتى عبداً‬

‫)‪ (2٨‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب العيدين باب فضل العمل يف أيام التشريق‪ ،‬رقم (‪ )٩٦٩‬وأبو داود‪ ،‬كتاب الصوم‪ ،‬باب يف صوم‬
‫العشر‪ ،‬رقم ‪ )٠243٨‬والرتمذي‪ ،‬كتاب الصوم باب ما جاء يف العمل يف أيام العشر‪ ،‬رقم (‪ )٧٥٧‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب‬
‫الصيام‪ ،‬باب صيام العشر‪ ،‬رقم (‪. )1٧2٧‬‬
‫{‪}1٨‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫يريد عتقه فإنه ال يعتق‪ ،‬وكما لو اشرتى بيتا ليجعله وقفا؛ فإنه ال يصري وقفا مبجرد النية‪ ،‬وكما لو أخرج من‬
‫جيبه دراهم ليتصدق هبا؛ فإهنا ال تتعني الصدقة هبا بل هو باخليار إن شاء أنفذها وإن شاء منعها‪.‬‬
‫ويستثين من ذلك ما إذا اشرتى أضحية بدالً عن معينة فإهنا تتعني مبجرد الشراء مع النية‪.‬‬
‫{وإذا تعينت أضحية تعلق بذلك أحكام}‪:‬‬
‫{أحدها}‪ :‬أنه ال جيوز نقل امللك فيها ببيع وال هبة وال غريمها إال أن يبدهلا خبري منها‪ ،‬أو‬
‫يبيعها ليشرتي خرياً منها فيضحي به‪ .‬وإن مات من عينها مل ميلك الورثة إبطال تعيينها‪ ،‬ولزمهم ذحبها‬
‫أضحية‪ ،‬ويفرقون منها ويأكلون‪.‬‬
‫{ الثاني}‪ :‬أنه ال جيوز أن يتصرف فيها تصرفا مطلقا‪ ،‬فال يستعملها يف حرث وحنوه‪ ،‬وال يركبها‬
‫بدون حاجة وال مع ضرر‪ ،‬وال حيلب من لبنها ما فيه نقص عليها أو حيتاجه ولدها املتعني معها‪ .‬وال جيز‬
‫شيئا من صوفها وحنوه إال أن يكون أنفع هلا‪ ،‬وإذا جزه فليتصدق به أو ينتفع‪ ،‬والصدقة أفضل‪.‬‬
‫{الثالث}‪ :‬أهنا إذا تعيبت عيب ًا مينع اإلجزاء فله حاالن‪:‬‬
‫‪ ‬احلال األوىل‪ :‬أن يكون ذلك بدون فعل منه وال تفريط؛ فيذحبها وجتزئه إال أن تكون واجبة يف ذمته‬
‫قبل التعيني؛ ألهنا أمانة عنده‪ ،‬فإذا تعيبت بدون فعل منه وال تفريط فال حرج عليه‪ .‬مثال ذلك‪ :‬أن‬
‫يشرتي شاةً فيعينها أضحية‪ ،‬ثم تعثر وتنكسر بدون سبب منه فيذحبها وجتزئه أضحية‪ .‬فإن كانت‬
‫واجبة يف ذمته قبل التعيني كما لو نذر أن يضحي ثم عني عن نذره شاة فتعيبت بدون فعل من وال تفريط‬
‫وجب عليه إبداهلا بسليمة جتزئ عما يف ذمته؛ ألن ذمته مشغولة بأضحية سليمة قبل أن يعينها‪ ،‬فال‬
‫خيرج من عهدة الواجب إال بأضحية سليمة‪.‬‬

‫{‪}19‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫‪ ‬احلال الثانية‪ :‬أن يكون تعيبها بفعله أو تفريط؛ فيلزمه إبداهلا مبثلها على كل حال‪ ،‬سواء كانت‬
‫واجبة يف ذمته قبل التعيني أم ال‪ ،‬وسواء كانت بقدر ما جيزئ يف األضحية أو أعلى منه‪.‬مثال ذلك‪ :‬أن‬
‫يشرتي شاة مسينة فيعينها أضحية ثم يربطها برباط ضيق كان سببا يف كسرها فتنكسر؛ فيلزمه إبداهلا‬
‫بشاة مسينة يضحي هبا‪.‬‬
‫وإذا ضحى بالبدل فهل يلزمه ذبح املتعيب أيضا‪ ،‬أو يعود ملكا له؟ على روايتني عن أمحد‪:‬‬
‫{إحدامها}‪ :‬يلزمه ذبح املتعيب‪ ،‬وهو املذهب املشهور عند األصحاب لتعلق حق الفقراء فيه‬
‫يتعيينه‪{.‬الثانية}‪ :‬ال يلزمه ذحبه لرباءة ذمته بذبح بدله‪ ،‬فلم يضع حق الفقراء فيه‪ ،‬وهذا هو القول‬
‫الراجح‪ ،‬اختاره املوفق والشارح وغريمها‪ ،‬وعلى هذا فيعود املتعيب ملكا له يصنع فيه ما شاء من أكل‬
‫وبيع وهدية وصدقة وغري ذلك‪.‬‬
‫{الرابع}‪ :‬أهنا ضلت (ضاعت) أو سرقت فثم حاالن‪:‬‬
‫‪ ‬احلال األوىل‪ :‬أن يكون ذلك بدون تفريط منه فال ضمان عليه إال أن تكون واجبة يف ذمته قبل‬
‫التعيني؛ ألهنا أمانة عنده‪ ،‬واألمني ال ضمان عليه إذا مل يفرط‪ ،‬لكن متى وجدها أو استنقذها من‬
‫السارق؛ لزمه ذحبها ولو فات وقت الذبح‪ ،‬وإن كانت واجبة يف ذمته قبل التعيني وجب عليه ذبح بدهلا‬
‫على أقل ما تربأ به الذمة كما سبق‪ ،‬فإن وجدها أو استنقذها من السارق بعد ذبح بدهلا مل يلزمه ذحبها‬
‫لرباءة ذمته‪ ،‬وسقوط حق الفقراء بذبح البدل‪ ،‬لكن إن كان البدل الذي ذحبه أنقص لزمه الصدقة بأرش‬
‫النقص؛ لتعلق حق الفقراء به‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ ‬احلال الثانية‪ :‬أن يكون ذلك بتفريط منه فيلزمه إبداهلا مبثلها على كل حال‪ ،‬أي سواء كانت واجبة‬
‫يف ذمته قبل التعيني أو ال‪ ،‬وسواء كانت بقدر ما جيزئ يف األضحية أم أعلى منه‪ .‬مثال ذلك‪ :‬اشرتى شاة‬

‫{‪}20‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫فعينها أضحية‪ ،‬ثم وضعها يف مكان غري حمرز فسرقت أو خرجت فضاعت؛ فيلزمه إبداهلا بأضحية‬
‫مثلها على صفتها‪ ،‬وإن شاء أعلى منها‪.‬‬
‫وإذا ضحى بالبدل ثم وجدها أو استنقذها من السارق؛ عادت ملكا له يصنع هبا ما شاء من بيع‬
‫وهبة وصدقة وغري ذلك؛ ألنه برئت ذمته بذبح بدهلا‪ ،‬وسقط به حق الفقراء‪.‬‬
‫{اخلامس}‪ :‬أهنا إذا تلفت فلها ثالث حاالت‪:‬‬
‫‪ ‬احلال األوىل‪ :‬ان يكون تلفها بأمر ال صنع لآلدمي فيه؛ كمرض أو آفة مساوية أو سبب تفعله هي‪،‬‬
‫فال يلزمه بدهلا إال أن تكون واجبة يف ذمته قبل التعيني؛ ألهنا أمانة عنده‪ ،‬واألمني ال ضمان عليه يف مثل‬
‫ذلك‪ ،‬فإن كانت واجبة يف ذمته قبل التعيني؛ لزمه ذبح بدهلا على أقل ما تربأ به ذمته‪ ،‬وإن شاء أعلى‬
‫منه‪.‬‬
‫‪ ‬احلال الثانية‪ :‬أن يكون تلفها بفعل مالكها‪ ،‬فيلزمه ذبح بدهلا على صفتها بكل حال‪ ،‬أي سواء‬
‫كانت واجبة يف ذمته قبل التعيني أم ال‪ ،‬وسواء كانت بقدر ما جيزئ يف األضحية أم أعلى منه؛ لقول النبى‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬من ذبح قبل أن يصلى فليعد مكاهنا أخرى) (‪ )29‬وكما لو تعيبت بفعله فيلزمه‬
‫بدهلا على صفتها كما سبق‪.‬‬
‫‪ ‬احلال الثالثة‪ :‬أن يكون تلفها بفعل آدمي غري مالكها‪ ،‬فإن كان ال ميكن تضمينه كقطاع الطريق؛‬
‫فحكمه حكم تلفها بأمر ال صنع لآلدمي فيه على ما سبق يف احلال األوىل‪ .‬وإن كان ميكن تضمينه‬
‫كشخص معني ذحبها فأكلها‪ ،‬فإنه يلزمه ضماهنا مبثلها يدفعه إىل مالكها ليضحي به‪ ،‬وقيل‪ :‬يلزمه ضماهنا‬
‫بالقيمة‪ ،‬واألول أصح‪ ،‬فإن احليوان يضمن مبثله على القول الراجح؛ ملا روى البخاري عن أبي هريرة ـ‬

‫)‪ (2٩‬سبق خترجيه‬


‫{‪}21‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫رضي اهلل عنه ـ أن رجال أتى النيب صلى اهلل عليه وسلم يتقاضاه بعريا ـ ويف رواية فأغلظ له ـ فهم به‬
‫أصحابه فقال‪( :‬دعوه‪ ،‬فإن لصاحب احلق مقاالً‪ ،‬واشرتوا له بعريا فأعطوه إياه‪ ،‬وقالوا‪ :‬ال جند إال أفضل‬
‫من سنه‪ ،‬قال‪ :‬اشرتوا له وأعطوه إياه‪ ،‬فإن خريكم أحسنكم قضاء) (‪. )30‬وملسلم حنوه (‪ )31‬ولو كان البدل‬
‫الواجب يف احليوان قيمته مل يعدل النيب صلى اهلل عليه وسلم عنها‪ ،‬ومل يكلفهم الشراء له‪.‬‬
‫{السادس}‪ :‬أهنا إذا ذحبت قبل وقت الذبح ولو بنية األضحية؛ فحكمه حكم إتالفها على‬
‫ما سبق‪ ،‬وإن ذحبت يف وقت الذبح فإن كان الذابح صاحبها أو وكيله؛ فقد وقعت موقعها‪ .‬وإن كان‬
‫الذبح غري صاحبها وال وكيله؛ فله ثالث حاالت‪:‬‬
‫{احلال األوىل}‪ :‬أن ينويها عن صاحبها‪ ،‬فإن رضي صاحبها بذلك أجزأت بال ريب‪ ،‬وإن مل‬
‫يرض أجزأت أيضا على املشهور من مذهب أمحد والشافعي وأبي حنيفة‪ ،‬ونقل يف املغين عن مالك أهنا‬
‫ال جتزئ‪ ،‬وعلى هذا فينبغي أن يلزم الذابح ضماهنا مبثلها يدفعه إىل مالكها ليضحي به كاإلتالف‪ ،‬ويكون‬
‫اللحم للذابح إال أن يرضى صاحبها بأخذه مع األرش وهو فرق ما بني قيمتها حية ومذبوحة‪ ،‬فيملكه‬
‫ويذبح بدهلا‪.‬‬
‫{ احلال الثانية}‪ :‬أن ينويها عن نفسه ال عن صاحبها‪ ،‬فإن كان يعلم أهنا أضحية غريه مل جتز‬
‫عنه وال عن صاحبها؛ ألنه غاضب معتد فال يكون فعله قربة‪ ،‬ويلزمه ضماهنا مبثلها يدفعه إىل صاحبها‬
‫ليضحي به وقيل‪ :‬جتزئ عن صاحبها إلغاء لنية الذابح دون فعله‪ ،‬وعلى هذا فال يضمن إال ما فرق من‬
‫اللحم‪ ،‬وإن كان ال يعلم أهنا أضحية غريه؛ أجزأت عن صاحبها بكل حال‪ ،‬وقيل‪ :‬إن فرق حلمها مل جتز‬

‫)‪ (3٠‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب االستقراض‪ ،‬باب استقراض اإلبل‪ ،‬رقم (‪)23٩٠‬‬
‫)‪ (31‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب املساقاة‪ ،‬باب من استسلف شيئ ًا فقضى خرياً منه‪ ،‬رقم (‪)1٦٠1‬‬
‫{‪}22‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫عن واحد منهما‪ ،‬واألول أظهر؛ ألن تفرقه اللحم ال أثر هلا يف اإلجزاء وعدمه؛ بدليل ما لو ذحبها ثم‬
‫سرقت قبل تفريقها فإهنا جتزئ‪ .‬نعم تفريق اللحم له أثر يف الضمان وعدمه‪ ،‬فإنه إذا فرق اللحم؛ لزمه‬
‫ضمانه لصاحبها ما مل يرض بتفريقه إياه‪.‬‬
‫{احلال الثالثة}‪ :‬أن يذحبها مع اإلطالق؛ فال ينويها عن صاحبها وال عن نفسه‪ ،‬فتجزئ عن‬
‫صاحبها أيضا؛ ألهنا معينة من قبله‪ ،‬وقيل‪ :‬ال جتزئ عن واحد منهما‪.‬‬
‫(تنبيه) ‪ :‬يف حال إجزاء املذبوح عن صاحبه فيما سبق‪ ،‬إن كان اللحم باقيا أخذه صاحبه وفرقه‬
‫أضحية‪ ،‬وإن كان الذابح قد فرقه تفريق أضحية ورضي به صاحبها‪ ،‬فقد وقع املوقع‪ ،‬وإن مل يرض ضمنه‬
‫لصاحبه ليفرقه بنفسه‪.‬‬
‫(تنبيه ثان) حمل ما ذكر من التفصيل إن قلنا حبل ما ذكاه الغري بغري إذن مالكه‪ ،‬وإال فال جتزئ بكل‬
‫حال وعليه الضمان‪.‬‬
‫(تتمه) ‪ :‬قال األصحاب‪ :‬وإن ضحى اثنان كل منهما بأضحية اآلخر عن نفسه غلظاً كفتهما وال‬
‫ضمان‪ ،‬فإن فرقاً اللحم؛ فقد وقع موقعه وإال تراداه ليفرق كل واحد منهما حلم أضحيته‪.‬‬
‫(فائدتان) ‪:‬‬
‫(األوىل) ‪ :‬إذا تلفت بعد الذبح أو سرقت أو أخذها من ال متكن مطالبته‪ ،‬ومل يفرط صاحبها فال‬
‫ضمان عليه‪ ،‬وإن فرط ضمن ما جتب به الصدقة منها قط‪.‬‬
‫(الثانية) ‪ :‬إذا ولدت بعد التعيني فحكم ولدها حكمها يف مجيع ما تقدم سواء محلت به بعد‬
‫التعيني أم قبله‪ ،‬وأما ما ولدته قبل التعيني فهو مستقل يف حكم نفسه فال يتبع أمه‪.‬‬

‫{‪}23‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫{الفصل الثالث فيما يؤكل منها وما يفرق}‬


‫شهَدُوا مَنَافِعَ لهُمْ ويَ ْذكُرُوا اسْمَ اللَّهِفِي أيََّامٍ َمعْلُومَاتٍ عَلى مَا رَزقهُمْ ِمنَْبهِيمَةِ‬
‫قال اهلل تعاىل‪( :‬لِيَ ْ‬
‫األْنعَامِ ف ُكلُوامِْنهَا وَأ ْطعِمُوا الْبَائِسَ الْفقِريَ) (احلج‪ ، )2٨ :‬وقال تعاىل‪( :‬وَِل ُكلَِّ ُأمََّةٍ َجَعلْنَامَنْسَكاًلِيَ ْذكُرُوا‬
‫اسْمَ اللَّهِ عَلى مَا رَزقهُمْ ِمنَْبهِيمَةِ األْنعَامِ) (احلج‪ )34 :‬وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم (كلوا وادخروا‬
‫وتصدقوا) ‪ .‬رواه مسلم من حديث عائشة رضي اهلل عنها (‪ )32‬وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬كلوا‬
‫وأطعموا وادخروا) ‪ .‬رواه البخاري من حديث سلمة بن األكوع (‪ ، )33‬وهو أعم من األول؛ ألن اإلطعام‬
‫يشمل الصدقة على الفقراء واهلدية لألغنياء‪ ،‬وقال أبو بردة للنيب صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬إني عجلت‬
‫نسيكيت ألطعم أهلي وجرياني وأهل داري ـ أي أهل حمليت (‪. )34‬‬
‫وليس يف هذه اآلية واألحاديث نص يف مقدار ما يؤكل ويتصدق به ويهدى‪ ،‬ولذلك اختلف‬
‫العلماء ـ رمحهم اهلل ـ يف مقدار ذلك‪ ،‬فقال اإلمام أمحد‪ :‬حنن نذهب إىل حديث عبد اهلل‪ :‬يأكل هو الثلث‪،‬‬
‫ويطعم من أراد الثلث‪ ،‬ويتصدق بالثلث على املساكني‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬أحب أن ال يتجاوز باألكل‬
‫واالدخار الثلث‪ ،‬وأن يهدي الثلث‪ ،‬ويتصدق بالثلث‪ ،‬ويعين اإلمام أمحد حبديث عبد اهلل ما ذكره علقمة‬
‫قال بعث معي عبد اهلل ـ يعين ابن مسعود ـ هبدية فأمرني أن آكل ثلثا‪ ،‬وأن أرسل إىل أهل أخيه عتبة بثلث‪،‬‬
‫وأن أتصدق بثلث (‪ ، )35‬وعن ابن عمر ـ رضي اهلل عنهما ـ قال‪ :‬الضحايا واهلدايا‪ :‬ثلث لك‪ ،‬وثلث‬
‫ألهلك‪ ،‬وثلث للمساكني‪ .‬ومراده باألهل‪ :‬األقارب الذين ال تعوهلم‪ ،‬نقل هذين األثرين يف (املغين) ثم قال‪:‬‬

‫)‪ (32‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب بيان ما كان من النهي عن أكل حلوم األضاحي‪ ،‬رقم (‪)1٩٧1‬‬
‫)‪ (33‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب ما يؤكل من حلوم االضاحي وما يتزود منها‪ ،‬رقم (‪)٥٥٦٩‬‬
‫)‪ (34‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب وقتها‪ ،‬رقم (‪)1٩٦1‬‬
‫)‪ (3٥‬تفسري ابن أبي حامت (‪)24٨٩/٨‬‬
‫{‪}24‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫ولنا ما روي عن ابن عباس ـ رضي اهلل عنهما ـ يف صفة أضحية النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪ :‬ويطعم‬
‫أهل بيته الثلث‪ ،‬ويطعم فقراء جريانه الثلث‪ ،‬ويتصدق على السؤال بالثلث‪ .‬رواه احلافظ أبو موسى‬
‫األصفهاني يف الوظائف وقال‪ :‬حديث حسن؛ وألنه قول ابن مسعود وابن عمر‪ ،‬ومل نعرف هلما خمالفا يف‬
‫الصحابة فكان إمجاع‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫والقول القديم للشافعي يأكل النصف‪ ،‬ويتصدق بالنصف؛ لقوله تعاىل‪ ِ( :‬ف ُكلُوا مِْنهَا وَأ ْطعِمُوا‬
‫الْبَائِسَ الْفقِريَ) (احلج‪ :‬من اآلية‪ )2٨‬فجعلها بني اثنني فدل على أهنا بينهما نصفني قال يف (املغين) ‪ :‬واألمر‬
‫يف ذلك واسع‪ ،‬فلو تصدق هبا كلها أو بأكثرها جاز‪ ،‬وإن أكلها إال أوقية تصدق هبا جاز‪ .‬وقال أصحاب‬
‫الشافعي‪ :‬جيوز أكلها كلها‪ .‬أه‪.‬‬
‫وما ذكرناه من األكل واإلهداء؛ فعلى سبيل االستحباب ال الوجوب‪ ،‬وذهب بعض العلماء إىل‬
‫وجوب األكل منها‪ ،‬ومنع الصدقة جبميعها لظاهر اآلية واألحاديث‪ ،‬وألن النيب صلى اهلل عليه وسلم أمر‬
‫يف حجة الوداع من كل بدنة ببضعة‪ ،‬فجعلت يف قدر فطبخت‪ ،‬فأكل من حلمها وشرب من مرقها‪ .‬رواه‬
‫مسلم من حديث جابر (‪. )3٦‬‬
‫وجيوز ادخار ما جيوز أكله منها؛ ألن النهي عن االدخار منها فوق ثالث منسوخ على قول اجلمهور‪،‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ :‬بل حكمه باق عند وجود سببه وهو اجملاعة؛ حلديث سلمة بن األكوع ـ‬
‫رضي اهلل عنه ـ قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬من ضحى منكم فال يصبحن بعد ثالثة ويف بيته‬
‫منه شيء) ‪ ،‬فلما كان العام املقبل قالوا يا رسول اهلل‪ ،‬نفعل كما فعلنا يف العام املاضي‪ ،‬فقال صلى اهلل عليه‬

‫)‪ (3٦‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب احلج‪ ،‬باب حجة النيب صلى اهلل عليه وسلم رقم ‪)٠121٨‬‬
‫{‪}25‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫(‪)37‬‬
‫وسلم‪( :‬كلوا وأطعموا وادخروا‪ ،‬فإن ذلك العام كان الناس يف جهد فأردت أن تعينوا فيها) متفق عليه‬
‫فإذا كان يف الناس جماعة زمن األضحى؛ حرم االدخار فوق ثالث وإال فال بأس به‪.‬‬
‫وال فرق فيما سبق من األكل والصدقة واإلهداء من حلوم األضاحي بني األضحية الواجبة‬
‫والتطوع‪ ،‬وال بني األضحية عن امليت أو احلي‪ ،‬وال بني األضحية اليت ذحبها من عنده أو اليت ذحبها لغريه‬
‫بوصية‪ ،‬فإن املوصى إليه يقوم مقام املوصي يف األكل واإلهداء والصدقة‪ ،‬فأما الوكيل عن احلي فإن أذن له‬
‫املوكل يف ذلك أو دلت القرينة أو العرف عليه فعله‪ ،‬وإال سلمها للموكل كاملة وهو الذي يقوم‬
‫بتوزيعها‪.‬وحيرم أن يبيع شيئا منها من حلم أو شحم أو دهن أو جلد أو غريه؛ ألهنا مال أخرجه هلل فال جيوز‬
‫الرجوع فيه كالصدقة‪ ،‬وال يعطي اجلازر شيئا منها يف مقابلة أجرته أو بعضها؛ ألن ذلك مبعنى البيع‪.‬‬
‫فأما من أهدي له شيء منها أو تصدق به عليه فله أن يتصرف فيه مبا شاء من بيع وغريه؛ ألنه‬
‫ملكه ملكا تاما فجاز له التصرف فيه‪ ،‬ويف (الصحيحني) عن عائشة ـ رضي اهلل عنها ـ أن النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم دخل بيته فدعا بطعام فأتي خببز وأدم من أدم البيت فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬أمل أر‬
‫الربمة فيها حلم؟) قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬ولكن ذلك حلم تصدق به على بريرة وأنت ال تأكل الصدقة‪ ،‬قال (عليها‬
‫صدقة ولنا هدية) ويف لفظ البخاري‪( :‬ولكنه حلم تصدق به على بريرة فأهدته لنا) وملسلم‪( :‬هو عليها‬
‫صدقة‪ ،‬وهو منها لنا هدية) (‪.)3٨‬‬
‫لكن ال يشرتيه من أهداه أو تصدق به؛ ألنه نوع من الرجوع يف اهلبة والصدقة‪ ،‬ويف (الصحيحني)‬

‫)‪ (3٧‬سبق خترجيه‬


‫)‪ (3٨‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب احلرة حتت العبد‪ ،‬رقم (‪ )٥٠٩٧‬ومسلم‪ ،‬كتاب العتق‪ ،‬باب إمنا الوالء ملن‬
‫أعتق‪ ،‬رقم (‪)1٥٠4‬‬
‫{‪}2٦‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫عن عمر بن اخلطاب ـ رضي اهلل عنه ـ قال‪ :‬محلت على فرس يف سبيل اهلل فأضاعه الذي كان عنده‬
‫فأردت أن أشرتيه منه وظننت أنه بائعه برخص‪ ،‬فسألت عن ذلك النيب صلى اهلل عليه وسلم فقال (ال‬
‫(‪)39‬‬
‫تشرته وإن أعطاكه بدرهم‪ ،‬فإن العائد يف صدقته كالكلب يعود يف قيئه)‬
‫فإن عاد إىل من أهداه أو تصدق به بإرث مثل أن يهدي إىل قريب له أو يتصدق عليه ثم ميوت فريثه‬
‫من أهداه أو تصدق به‪ ،‬فإنه يعود إليه ملكا تاما يتصرف فيه كما شاء على وجه مباح؛ ملا رواه مسلم عن‬
‫بريدة ـ رضي اهلل عنه ـ أن امرأة أتت النيب صلى اهلل عليه وسلم فقالت‪ :‬يا رسول اهلل‪ )1٦20( ،‬إني‬
‫تصدقت على أمي جبارية وإهنا ماتت‪ .‬فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬وجب أجرك وردها عليك‬
‫املرياث) (‪. )40‬‬
‫{الفصل الرابع فيما جيتنبه من أراد األضحية}‬
‫عن أم سلمة رضي اهلل عنها أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪( :‬إذا رأيتم هالل ذي احلجة ـ ويف‬
‫لفظ‪ :‬إذا دخلت العشر ـ وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره) رواه أمحد ومسلم وأبو‬
‫داود والرتمذي والنسائي وابن ماجه)(‪ ، )41‬ويف لفظ ملسلم وأبي داود والنسائي (‪( : )42‬فال يأخذ من‬

‫)‪ (3٩‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب هل يشرتي صدقته؟ رقم (‪ ، )14٩٠‬ومسلم كتاب اهلبات‪ ،‬باب كراهة شراء‬
‫اإلنسان ما تصدق به‪ ،‬رقم (‪)1٦2٠‬‬
‫)‪ (4٠‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب الصيام‪ ،‬باب قضاء الصيام عن امليت‪ ،‬رقم (‪)114٩‬‬
‫)‪ (41‬رواه مسلم‪ ،‬باب هني من دخل عليه عشر ذي احلجة وهو مريد التضحية أن يأخذ من شعره ‪ ، ...‬رقم‬
‫(‪ ، ) 1٩٧٧‬وأبو داود‪ ،‬كتاب الضحايا‪ ،‬باب الرجل يأخذ من شعره يف العشر‪ ،‬رقم (‪ ، )2٧٩1‬والرتمذي‪ ،‬كتاب‬
‫األضاحي‪ ،‬باب ترك أخذ الشعر ملن أراد أن يضحي‪ ،‬رقم (‪ )1٥23‬والنسائي‪ ،‬كتاب الضحايا‪ ،‬باب رقم (‪ )1‬حديث‬
‫رقم (‪ ) 43٦1‬وابن ماجه كتاب االضاحي‪ ،‬باب من أراد أن يضحي فال يأخذ من شعره ‪ ، ...‬رقم (‪، )314٩‬‬
‫وأمحد (‪)2٨٩/٦‬‬
‫{‪}27‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫شعره شيئا حتى يضحي) ‪ ،‬وملسلم والنسائي أيضا وابن ماجه (‪( : )43‬فال ميس من شعره وال بشره شيئا)‬
‫ففي هذا احلديث النهي عن أخذ شيء من الشعر أو الظفر أو البشرة ممن أراد أن يضحي من دخول شهر‬
‫ذي احلجة حتى يضحي‪ ،‬فإن دخل العشر وهو ال يريد األضحية ثم أرادها يف أثناء العشر أمسك عن‬
‫أخذ ذلك منذ إرادته‪ ،‬وال يضره ما أخذ قبل إرادته‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء رمحهم اهلل تعاىل يف هذا النهي‪ ،‬هل هو للكراهة أو للتحريم؟ واألصح أنه‬
‫للتحريم؛ ألنه األصل يف النهي وال دليل يصرفه عنه‪ ،‬ولكن ال فدية فيه إذا أخذه لعدم الدليل على ذلك‪.‬‬
‫واحلكمة يف هذا النهي واهلل أعلم أنه ملا كان املضحي مشاركا للمحرم يف بعض أعمال النسك‪،‬‬
‫وهو التقرب إىل اهلل بذبح القربان‪ ،‬كان من احلكمة أن يعطى بعض أحكامه‪ ،‬وقد قال اهلل يف احملرمني‪( :‬وَال‬
‫سكُمْ حَتَّىيَْبلُغ اْلهَدْيُ َمحِلَّهُ) (البقرة‪ . )19٦ :‬وقيل‪ :‬احلكمة أن يبقى املضحي كامل‬
‫حلِقُوا رُؤُو َ‬
‫تْ‬
‫األ جزاء للعتق من النار‪ ،‬ولعل قائل ذلك استند إىل ما ورد من أن اهلل تعاىل يعتق من النار بكل عضو من‬
‫األضحية عضوا من املضحي‪ ،‬لكن هذا احلديث قال ابن الصالح‪ :‬غري معروف ومل جند له سندا يثبت‬
‫به‪ ،‬ثم هو منقوض مبا ثبت يف الصحيحني وغريمها من حديث أبي هريرة أن النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫قال‪( :‬أميا رجل مسلم أعتق امرأً مسلما استنقذ اهلل بكل عضو منه عضوا منه من النار) (‪ )44‬ومل ينه من‬
‫أراد العتق عن أخذ شيء من شعره وظفره وبشرته حتى يعتق‪.‬‬

‫)‪ (42‬انظر ختريج احلديث السابق‪.‬‬


‫)‪ (43‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب هني من دخل عليه عشر ذي احلجة ‪ ، ...‬رقم (‪ ، )1٩٧٧‬والنسائي‪ ،‬كتاب‬
‫الضحايا‪ ،‬باب رقم (‪ )1‬حديث رقم (‪ ، )43٦4‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب من أراد أن يضحي فال يأخذ يف‬
‫العشر من شعره‪ ،..‬رقم (‪)314٩‬‬
‫)‪ (44‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب العتق‪ ،‬باب يف العتق وفضله‪ ،‬رقم (‪ ، )2٥1٧‬ومسلم‪ ،‬كتاب العتق‪ ،‬رقم (‪)1٥٠٩‬‬
‫{‪}2٨‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫وقيل‪ :‬احلكمة‪ :‬التشبه باحملرم‪ ،‬وفيه نظر‪ ،‬فإن املضحي ال حيرم عليه الطيب والنكاح والصيد‬
‫واللباس احملرم على احملرم‪ ،‬فهو خمالف للمحرم يف أكثر األحكام‪ ،‬ثم رأيت ابن القيم أشار إىل أن احلكمة‬
‫توفري الشعر والظفر ليأخذه مع األضحية‪ ،‬فيكون ذلك من متام األضحية عند اهلل وكمال التعبد هبا‪ ،‬واهلل‬
‫أعلم‪.‬‬
‫(تنبيه) ‪ :‬يتوهم بعض العامة أن من أراد األضحية ثم أخذ من شعره أو ظفره أو بشرته شيئا يف أيام‬
‫العشر؛ مل تقبل أضحيته‪ ،‬وهذا خطأ بني‪ ،‬فال عالقة بني قبول األضحية واألخذ مما ذكر‪ ،‬لكن من أخذ‬
‫بدون عذر فقد خالف أمر النيب صلى اهلل عليه وسلم باإلمساك‪ ،‬ووقع فيما هنى عنه من األخذ‪ ،‬فعليه‬
‫أن يستغفر اهلل ويتوب إليه وال يعود‪ ،‬وأما أضحيته فال مينع قبوهلا أخذه من ذلك‪.‬‬
‫وأما من احتاج إىل أخذ الشعر والظفر والبشرة فأخذها فال حرج عليه‪ ،‬مثل أن يكون به جرح‬
‫فيحتاج إىل قص الشعر عنه‪ ،‬أو ينكسر ظفره فيؤذيه فيقص ما يتأذى به‪ ،‬أو تتدىل قشرة من جلده فتؤذيه‬
‫فيقصها‪ ،‬فال حرج عليه يف ذلك كله‪.‬‬
‫(تنبيه ثان) ‪ :‬ظاهر احلديث وكالم أهل العلم أن هني املضحي عن أخذ الشعر والظفر والبشرة‬
‫يشمل ما إذا نوى األضحية عن نفسه أو تربع هبا عن غريه‪ ،‬وهو كذلك‪ ،‬وذكر بعض احملشني من أصحابنا‬
‫أن من تربع باألضحية عن غريه ال يشمله النهي‪ ،‬وما ذكرناه أوىل وأحوط‪ .‬فأما من ضحى عن غريه‬
‫بوكالة أو وصية؛ فال يشمله النهي بال ريب‪.‬‬
‫وأما من يضحى عنه فظاهر احلديث وكالم كثري من أهل العلم أن النهي ال يشمله‪ ،‬فيجوز له األخذ‬
‫من شعره وظفره وبشرته‪ ،‬ويؤيد ذلك أن النيب صلى اهلل عليه وسلم كان يضحي عن آل حممد ومل ينقل أنه‬
‫كان ينهاهم عن ذلك‪ ،‬وذكر املتأخرون من أصحابنا أنه يشمل املضحى عنه‪ ،‬فال يأخذ من شعره وال‬

‫{‪}29‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫ظفره وال بشرته من دخول شهر ذي احلجة‪ ،‬أو من حني يعلم أنه سيضحى عنه إن كان مل يعلم حتى تذبح‬
‫األضحية وذلك ألنه مشارك للمضحي يف الثواب‪ ،‬فشاركه يف احلكم‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫{الفصل اخلامس يف العيوب املكروهة يف األضحية}‬
‫ذكرنا يف الفصل السابق العيوب املانعة من اإلجزاء املنصوص عليها واملقيسة‪ ،‬وها حنن بعون اهلل‬
‫نذكر العيوب املكروهة اليت ال متنع اإلجزاء وهي‪:‬‬
‫{األويل}‪ :‬العضباء‪ ،‬وهي مقطوعة القرن أو األذن‪ ،‬ملا روى قتادة عن جري بن كليب عن‬
‫على بن أبي طالب رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم هني أن يضحي بأعضب األذن والقرن‪.‬‬
‫قال قتادة‪ :‬فذكرت ذلك لسعيد بن املسيب فقال‪ :‬العضب‪ :‬النصف فأكثر من ذلك‪ .‬رواه اخلمسة‪.‬‬
‫وقال الرتمذي‪ :‬حسن صحيح (‪ . )45‬قلت‪ :‬جري بن كليب قال عنه يف (خالصة التذهيب) ‪ :‬روى عنه‬
‫قتادة فقط‪ .‬وقال أبو حامت‪ :‬ال حيتج به‪ .‬اهـ‪ .‬ولذلك قال يف (الفروع) ويف صحة اخلرب ـ يعنى خرب العضب‬
‫ـ نظر‪ .‬فأما مفقودة القرن واألذن بأصل اخللقة فال تكره‪ ،‬لكن غريها أوىل‪.‬‬
‫{ الثانية}‪ :‬املقابلة‪ ،‬وهي اليت شقت أذهنا من األمام عرضاً‪.‬‬
‫{ الثالثة}‪ :‬املدابرة‪ ،‬وهي اليت شقت أذهنا من اخللف عرضاً‪.‬‬
‫{ الرابعة}‪ :‬الشرقاء‪ ،‬وهي اليت شقت أذهنا طوال‪.‬‬
‫{اخلامسة}‪ :‬اخلرقاء‪ ،‬وهي اليت خرقت أذهنا‪ .‬حلديث على رضي اهلل عنه‪ ،‬قال أمرنا‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن نستشرف العني واألذن‪ ،‬وأن ال نضحي مبقابلة وال مدابرة وال شرقاء‬

‫)‪ (4٥‬رواه الرتمذي‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب يف الضحية بعضباء القرن واألذن‪ ،‬رقم (‪)1٥٠4‬‬
‫{‪}30‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫وال خرقاء‪ .‬رواه اخلمسة‪ ،‬وقال الرتمذي‪ :‬حسن صحيح (‪ )4٦‬وأخرجه ابن حبان واحلاكم والبيهقي‬
‫والبزار (‪ ، )47‬وأعله الدارقطين‪ ،‬ونقل يف (عون املعبود) عن البخاري أن هذا احلديث مل يثبت رفعه‪ ،‬واهلل‬
‫أعلم‪.‬‬
‫{السادسة} املصفرة‪ ،‬وهي اليت تستأصل أذهنا حتى يبدو صماخها‪ ،‬وهكذا يف اخلرب‪ ،‬ويف‬
‫(التلخيص) ‪ :‬أهنا املهزولة‪ ،‬وذكرها يف النهاية بقيل كذا وقيل كذا‪.‬‬
‫{ السابعة}‪ :‬املستأصلة‪ ،‬وهي اليت ذهب قرهنا من أصله‪.‬‬
‫{ الثامنة}‪ :‬البخقاء‪ ،‬وهي اليت خبقت عينها‪ ،‬قال يف (النهاية) ‪ :‬والبخق أن يذهب البصر‬
‫وتبقى العني قائمة‪ .‬ويف (القاموس) ‪ :‬البخق أقبح العور وأكثره غمصا‪ ،‬وعلى هذا فإذا كان البخق عورا‬
‫بينا مل جتز كما يدل عليه حديث الرباء السابق‪.‬‬
‫{التاسعة}‪ :‬املشيعة‪ ،‬وهي اليت ال تتبع الغنم عجفاً وضعفا‪ ،‬تكون وراء الغنم كاملشيع‬
‫للمسافر‪ ،‬وقيل بفتح الياء حلاجتها إىل من يشيعها لتلحق بالغنم‪ ،‬وهذه إن مل يكن فيها مخ فال جتزئ حلديث‬
‫الرباء‪ ،‬وإن كان فيها مخ وال تستطيع معانقة الغنم مل جتز أيضا؛ ألهنا كالعرجاء البني ظلعها‪ ،‬وإن كانت‬
‫تستطيع معانقة الغنم إذا زجرت فهي مكروهة؛ حلديث يزيد ذي مصر قال‪ :‬أتيت عتبة بن عبد السلمي‬
‫فقلت‪ :‬يا أبا الوليد‪ ،‬إني خرجت ألتمس الضحايا فلم أجد شيئا يعجبين غري ثرماء فما تقول؟ قال‪ :‬أال‬
‫جئتين أضحي هبا؟ قلت‪ :‬سبحان اهلل‪ ،‬جتوز عنك وال جتوز عين‪ .‬قال نعم‪ ،‬إنك تشك وال أشك‪ ،‬إمنا‬

‫)‪ (4٦‬رواه أمحد (‪ ) 14٩/1‬والرتمذي‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب ما يكره من األضاحي‪ ،‬رقم (‪ ، )14٩٨‬والنسائي يف‬
‫(الكربي) رقم (‪ )44٦2‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب ما يكره أن يضحي به‪ ،‬رقم (‪)3143 ،3142‬‬
‫)‪ (4٧‬رواه البزار (‪ )321/2‬واحلاكم (‪ )24٩/4‬والبيهقي (‪)2٧٥/٩‬‬
‫{‪}31‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫هنى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن املصفرة واملستأصلة والبخقاء واملشيعة‪ ،‬والكسراء‪،‬‬
‫فاملصفرة اليت تستأصل أذهنا حتى يبدو صماخها‪ ،‬واملستأصلة اليت ذهب قرهنا من أصله‪ ،‬والبخقاء‬
‫اليت تبخق عينها‪ ،‬واملشيعة اليت ال تتبع الغنم عجفاء وضعفا‪ ،‬والكسراء اليت ال تنقي‪ ،‬رواه أمحد وأبو‬
‫داود والبخاري يف تارخيه‪ ،‬وقال احلاكم‪ :‬صحيح اإلسناد ومل خيرجاه (‪ . )4٨‬وقوله‪ :‬والكسراء اليت ال‬
‫تنفي سبق ذكرها يف العيوب املانعة من اإلجزاء‪.‬‬
‫وإمنا قلنا‪ :‬هذه العيوب التسعة مكروهة لورود النهي أو األمر بعدم التضحية مبا عاب هبا‪ ،‬ومل‬
‫نقل‪ :‬إهنا مانعة من اإلجزاء؛ ألن حديث الرباء بن عازب رضي اهلل عنه خرج خمرج البيان واحلصر؛ ألنه‬
‫جواب سؤال‪ ،‬والظاهر أنه كان حال خطبة وإعالن‪ ،‬ولو كان غري العيوب املذكورة فيه مانعاً من اإلجزاء؛‬
‫للزم ذكره المتناع تأخري البيان عن وقت احلاجة‪ ،‬فاجلمع بينه وبني هذه األحاديث ال يتأتى إال على هذا‬
‫الوجه بأن نقول‪ :‬العيوب املذكورة يف حديث الرباء مانعة من اإلجزاء‪ ،‬والعيوب املذكورة يف هذه‬
‫األحاديث موجبة للكراهة غري مانعة من اإلجزاء ملا يقتضيه سياق حديث الرباء؛ وألهنا دون العيوب‬
‫املذكورة فيه‪ ،‬وقد فهم الرتمذي رمحه اهلل ذلك فرتجم على حديث الرباء‪( :‬باب ما ال جيوز من‬
‫األضاحي) وعلى حديث علي‪( :‬باب ما يكره من األضاحي) ‪.‬‬
‫{ويلحق هبذه العيوب املكروهة ما يأتي}‪:‬‬
‫{األوىل}‪ :‬البرتاء من اإلبل والبقر واملعز‪ ،‬وهي اليت قطع ذنبها‪ ،‬فتكره التضحية هبا قياسا‬
‫على العضباء؛ ألن يف الذنب مصلحة كبرية للحيوان ودفاعا عما يؤذيه‪ ،‬ومجاال ملؤخره‪ ،‬ويف قطعه فوات‬
‫هذه األمور‪ .‬فأما البرتاء بأصل اخللقة فال تكره لكن غريها أوىل‪ .‬وأما البرتاء من الضأن وهي اليت‬

‫)‪ (4٨‬رواه أمحد (‪ )1٨٥/4‬وأبو داود‪ ،‬كتاب الضحايا باب ما يكره من الضحايا‪ ،‬رقم (‪ ، )2٨٠3‬واحلاكم (‪)2٥٠/4‬‬
‫{‪}32‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫قطعت أليتها أو أكثرها فال جتزئ؛ ألن ذلك نقص بني يف جزء مقصود منها‪ .‬فأما إن قطع من أليتها‬
‫النصف فأقل فإهنا جتزئ مع الكراهة قياسا على العضباء‪ ،‬قال الشافعية‪ :‬إال التطريف وهو قطع شي‬
‫يسري من طرف األلية‪ ،‬فإنه ال يضر؛ ألن ذلك ينجرب بزيادة مسنها فأشبه اخلصاء‪.‬وأما مفقودة األلية بأصل‬
‫اخللقة فإن كانت من جنس ال ألية له يف العادة أجزأت بدون كراهة؛ ألهنا ال نقص فيها عن جنسها‪ ،‬وإن‬
‫كانت من جنس له ألية يف العادة لكن مل خيلق هلا أجزأت‪ ،‬ويف الكراهة تردد؛ ألننا إذا نظرنا إليها باعتبار‬
‫جنسها قلنا‪ :‬إهنا ناقصة بفقد جزء مقصود لكن ال مينع اإلجزاء ألنه بأصل اخللقة‪ ،‬وإذا نظرنا إليها‬
‫باعتبار اخللقة قلنا‪ :‬إهنا ناقصة فلم تكره كاجلماء‪ .‬وعلى كل حال فغريها أوىل منها‪.‬‬
‫{الثانية}‪ :‬ما قطع ذكره فتكره التضحية به قياسا على العضباء‪ ،‬فأما ما قطعت خصيتاه فال‬
‫تكره التضحية به ملا سبق من احلديث‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم ضحى به‪ ،‬وألن اخلصاء يزيد يف‬
‫مسنه وطيب حلمه‪.‬‬
‫{الثالثة}‪ :‬اهلتماء‪ ،‬وهي اليت سقط بعض أسناهنا‪ ،‬فتكره التضحية هبا قياسا على عضباء‬
‫القرن‪ ،‬فإن يف األسنان مجاال ومنفعة‪ ،‬ففقد شيء منها خيل بذلك‪.‬فإن فقد شيء منها بأصل اخللقة مل‬
‫تكره إال أن يؤثر ذلك يف اعتالفها‪.‬‬
‫{الرابعة}‪ :‬ما قطع شيء من حلمات ضرعها‪ ،‬فتكره التضحية هبا قياساً على العضباء‪.‬‬
‫فإن فقد شيء منها بأصل اخللقة مل تكره قياسا على املخلوقة بال أذن‪ .‬وإن توقف ضرعها عن الدر‬
‫فنشف لبنها أجزأت بال كراهة؛ ألنه ال نقص يف حلمها وال يف خلقتها‪ ،‬واللنب غري مقصود يف األضحية‪،‬‬
‫واألصل اإلجزاء وعدم الكراهة حتى يقوم دليل على خالف ذلك‪.‬‬
‫هذه هي العيوب املكروهة اليت يوجب وجودها يف األضحية كراهة التضحية هبا‪ ،‬وال مينع من‬

‫{‪}33‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫إجزائها وهي ثالثة عشر‪ :‬تسعة منها ورد هبا النص‪ ،‬وأربعة منها رأيناها مقيسة على ما ورد به النص‪،‬‬
‫وأسأل اهلل تعاىل أن نكون فيها موفقني للصواب هداة مهتدين‪.‬‬
‫{الفصل السادس يف الذكاة وشروطها}‬
‫أخرنا الكالم عن الذكاة وشروطها وما يتعلق هبا؛ ألن أحكامها عامة يف األضحية وغريها‪.‬‬
‫الذكاة‪ :‬حنر احليوان الربي احلالل أو ذحبه أو جرحه يف أي موضع من بدنه‪ .‬فالنحر لإلبل‪ ،‬والذبح ملا‬
‫سواها‪ ،‬واجلرح لكل ما ال يقدر عليه إال به من إبل وغريها‪.‬‬
‫{ ويشرتط حلل احليوان بالذكاة شروط تسعة}‪:‬‬
‫‪ )1‬أن يكون املذكي ممن ميكن منه قصد التذكية‪ ،‬وهو املميز العاقل‪ ،‬فال حيل ما ذكاه صغري دون‬
‫التمييز‪ ،‬وال هرم ذهب متييزه‪ ،‬والتمييز فهم اخلطاب واجلواب بالصواب‪.‬وال حيل ما ذكاه جمنون وسكران‬
‫ومربسم وحنوهم؛ لعدم إمكان القصد من هؤالء‪.‬وإمنا اشرتط إمكان القصد؛ ألن اهلل أضاف التذكية‬
‫إىل املخاطبني يف قوله‪( :‬إِال مَا ذكَّيْتُمْ) (املائدة‪ )3 :‬وهو ظاهر يف إرادة الفعل‪ ،‬ومن ال ميكن منه القصد‬
‫متكن منه اإلرادة‪.‬‬
‫‪ )2‬أن يكون املذكي مسلما أو كتابيا‪ ،‬وهو من ينتسب لدين اليهود أو النصارى‪ .‬فأما املسلم فيحل‬
‫ما ذكاه وإن كان فاسقا أو مبتدعا ببدعة غري مكفرة‪ ،‬أو صبيا مميزاً‪ ،‬أو امرأة؛ لعموم األدلة وعدم‬
‫املخصص‪ ،‬قال يف (املغين) عن ابن املنذر‪ :‬أمجع كل من حنفظ عنه من أهل العلم على إباحة ذبيحة املرأة‬
‫والصيب‪ ،‬قال‪ :‬وقد روي أن جارية لكعب بن مالك كانت ترعى غنما بسلع فأصيبت شاة منها فأدركتها‬
‫فذكتها حبجر‪ ،‬فسأل النيب صلى اهلل عليه وسلم فقال (كلوها) (‪ )49‬متفق عليه‪ .‬قال‪ :‬ويف هذا احلديث‬

‫)‪ (4٩‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب الوكالة‪ ،‬باب إذا أبصر الراعي أو الوكيل شاة متوت ‪ ، ...‬رقم (‪. )23٠4‬‬
‫{‪}34‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫فوائد سبع‪ :‬إحداها‪ :‬إباحة ذبيحة املرأة‪ .‬الثانية‪ :‬إباحة ذبيحة األمة‪ .‬الثالثة‪ :‬إباحة ذبيحة احلائض؛‬
‫ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم مل يستفصل‪ .‬الرابعة‪ :‬إباحة الذبح حبجر‪ .‬اخلامسة‪ :‬إباحة ذبح ما خيف‬
‫عليه املوت‪ .‬السادسة‪ :‬حل ما يذحبه غري مالكه بغري أذنه‪ .‬السابعة‪ :‬إباحة ذحبه لغري مالكه عند اخلوف‬
‫عليه‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفائدة ثامنة‪ :‬وهي إباحة ذبح اجلنب‪ .‬وتاسعة‪ :‬وهي أن األصل يف تصرفات من يصح‬
‫تصرفه احلل والصحة حيث مل يسأل‪ :‬أذكرت اسم اهلل عليها أم ال‪ ،‬وزاد يف (شرح املنتهى) حل ذبيحة‬
‫الفاسق واألقلف (‪ )50‬فتكون الفوائد إحدى عشرة‪ .‬وقول الشيخ رمحه اهلل يف (املغين) ‪ :‬السادسة‪ :‬حل‬
‫ما يذحبه غري مالكه بغري إذنه‪ ،‬إن كان مراده بالغري من كان أمينا عليه أو ذحبه ملصلحة مالكه فمسلم‬
‫وواضح‪ ،‬وإن كان مراده ما يشمل الغاصب وحنوه؛ ففيه خالف يأتي إن شاء اهلل‪ ،‬واحلديث املذكور ال‬
‫يدل على حل ما ذكاه وال عدمه؛ ألن الذكاة فيه واقعة من اجلارية اليت ترعى الغنم وهي أمينة عليها‪ ،‬ثم‬
‫إهنا ملصلحة مالكها أيضا‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬السابعة‪ :‬إباحة ذحبه لغري مالكه عند اخلوف عليه‪ :‬إن أراد به اإلباحة املطلقة اليت تقتضي‬
‫أن يكون مستوي الطرفني‪ ،‬ففيه نظر‪ ،‬وإن أراد اإلباحة يف املنع فال تنايف الوجوب فمسلم‪ ،‬وذلك أن األمني‬
‫إذا رأى فيما اؤمتن عليه خوف ضياع أو تلف وجب عليه أن يتدارك ذلك؛ ألنه مؤمتن عليه‪ ،‬جيب عليه‬
‫فعل األصلح‪ ،‬ففي مثل هذه الصورة جيب على الراعي تذكيتها؛ ألنه أصلح األمرين‪ ،‬وهو أمني مقبول قوله‬
‫يف خوف التلف‪ ،‬أما غري األمني فال جيب عليه ذلك إن خاف تبعة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ومقتضى ما سبق حل ذكاة األقلف بدون كراهة‪ ،‬وهو ظاهر النصوص وإطالق كثري من‬

‫)‪ (٥٠‬األقلف‪ :‬هو الذي مل خينت مسي بذلك ألن قلفته مل تقطع‪.‬‬
‫{‪}35‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫أصحابنا منهم صاحب املنتهى‪ ،‬ونقل يف املغين عن ابن عباس‪ :‬ال تؤكل ذبيحة األقلف‪ ،‬وأن عن اإلمام‬
‫أمحد مثله‪ ،‬قال يف (الرعاية) ‪ :‬وعنه تكره ذبيحة األقلف واجلنب واحلائض والنفساء‪ ،‬وجزم بكراهة‬
‫ذكاة األقلف يف (اإلقناع) ‪.‬‬
‫‪ ‬وأما الكتابي‪ :‬فيحل ما ذكاه بالكتاب والسنة واإلمجاع‪.‬‬
‫‪ ‬أما الكتاب‪ :‬فقوله ـ تعاىل ـ‪( :‬الَْيوْمَ أُحِلَّ لكُمُ الطَّيَِّبَاتُ َوطعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا اْلكِتابَ حِلَّ لكُمْ)‬
‫(املائدة‪ )5 :‬قال ابن عباس ـ رضي اهلل عنهما ـ‪ :‬طعامهم ذبائحهم‪ ،‬وروي ذلك عن جماهد‬
‫وسعيد واحلسن وغريهم‪.‬‬
‫‪ ‬وأما السنة‪ :‬ففي صحيح مسلم عن أنس بن مالك ـ رضي اهلل عنه ـ أن امرأة يهودية أتت رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها‪ .‬احلديث (‪ . )51‬ويف مسند اإلمام عن أنس أيضا‬
‫أن يهوديا دعا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إىل خبز شعري وإهالة سنخة فأجابه (‪. )52‬‬
‫واإلهالة السنخة‪ :‬الشحم املذاب إذا تغريت رائحته‪ ،‬ويف صحيح البخاري عن عبد اهلل بن مغفل‬
‫قال‪ :‬كنا حماصرين قصر خيرب فرمى إنسان جبراب فيه شحم‪ ،‬ويف صحيح مسلم قال‪ :‬فالتزمته‬
‫فقلت‪ :‬ال أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا‪ ،‬فالتفت فإذا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم مبتسما‬
‫(‪)53‬‬

‫)‪ (٥1‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب اهلبة‪ ،‬باب قبول اهلدية من املشركني‪ ،‬رقم (‪ ، )2٦1٧‬ومسلم كتاب الطب‪ ،‬باب السم‪ ،‬رقم‬
‫(‪)21٩٠‬‬
‫)‪ (٥2‬رواه أمحد (‪)21٠/3‬‬
‫)‪ (٥3‬رو اه البخاري‪ ،‬كتاب فرض اخلمس‪ ،‬باب ما يصيب من الطعام يف أرض احلرب‪ ،‬رقم (‪ ، )31٥3‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫اجلهاد والسري باب أخذ الطعام من أرض العدو‪ ،‬رقم (‪)1٧٧2‬‬
‫{‪}3٦‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫‪ ‬وأما اإلمجاع‪ :‬فقد حكى إمجاع املسلمني على حل ذبائح أهل الكتاب غري واحد من العلماء‪،‬‬
‫منهم صاحب (املغين) وشيخ اإلسالم ابن تيمية وابن كثري يف تفسريه‪ ،‬قال شيخ اإلسالم‪ :‬ومن‬
‫املعلوم أن حل ذبائحهم ونسائهم ثبت بالكتاب والسنة واإلمجاع‪ ،‬قال‪ :‬وما زال املسلمون يف كل‬
‫عصر ومصر يأكلون ذبائحهم‪ ،‬فمن خالف ذلك؛ فقد أنكر إمجاع املسلمني‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫واختلف العلماء ـ رمحهم اهلل ـ‪ :‬هل يشرتط حلل ما ذكاه الكتابي أن يكون أبواه كتابيني‪ ،‬أو أن‬
‫املعترب هو بنفسه بقطع النظر عن أبويه؟ فاملشهور من املذهب أن ذلك شرط‪ ،‬وانه ال حيل ما ذكاه كتابي‬
‫أبوه أو أمه من اجملوس أو حنوهم‪ ،‬والصحيح أن ذلك ليس بشرط‪ ،‬وأن املعترب هو بنفسه‪ ،‬فإذا كان كتابيا؛‬
‫حل ما ذكاه‪ ،‬وإن كان أبواه أو أحدمها من غري أهل الكتاب‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيميه‪ :‬الصواب‬
‫املقطوع به أن كون الرجل كتابيا أو غري كتابي هو حكم يستفيده بنفسه ال بنسبه‪ ،‬فكل من تدين بدين أهل‬
‫الكتاب؛ فهو منهم سواء كان أبوه أو جده داخال يف دينهم‪ ،‬أو مل يدخل‪ ،‬وسواء كان دخوله قبل النسخ‬
‫والتبديل أو بعد ذلك‪ ،‬وهذا مذهب مجهور العلماء كأبي حنيفة ومالك واملنصوص الصريح عن أمحد‬
‫وإن كان يف ذلك بني أصحابه نزاع معروف وهذا القول هو الثابت عن الصحابة‪ ،‬ـ رضي اهلل عنهم ـ وال‬
‫أعلم يف ذلك بينهم نزاعا‪ ،‬وقد ذكر الطحاوى أن هذا إمجاع قديم‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫وأما غري الكتابي فال حيل ما ذكاه؛ ملفهوم قوله تعاىل‪( :‬وَطعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا اْلكِتابَ حِلَّ لكُمْ)‬
‫(املائدة‪ . )5 :‬قال اخلازن يف تفسريه‪ :‬أمجعوا على حتريم ذبائح اجملوس وسائر أهل الشرك من مشركي‬
‫العرب وعبدة األصنام ومن ال كتاب له‪ ،‬وقال اإلمام أمحد‪ :‬ال أعلم أحدا قال خبالفه إال أن يكون صاحب‬
‫بدعة‪.‬‬

‫{‪}37‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫‪ )3‬الشرط الثالث‪ :‬أن يقصد التذكية‪ ،‬فإن مل يقصد التذكية؛ مل حتل الذبيحة‪ ،‬مثل أن تصول عليه‬
‫هبيمة فيذحبها للدفاع عن نفسه فقط‪ ،‬أو يريد قطع شيء فتصيب السكني حلق هبيمة فال حتل؛ لقوله ـ‬
‫تعاىل ـ‪( :‬إِلاَّمَا ذكَّيْتُمْ) (املائدة‪ )3 :‬فأضاف الفعل إىل املخاطبني‪ ،‬وهو فعل خاص (تذكية) فيحتاج إىل‬
‫نيته؛ لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم (إمنا األعمال بالنيات‪ ،‬وإمنا لكل امرئ ما نوى)(‪.)54‬‬
‫{وهل يشرتط مع ذلك أن يقصد األكل؟ على قولني}‪:‬‬
‫{ أحدمها}‪ :‬ال يشرتط فلو ذكاها إلراحتها أو تنفيذا ليمني حلف به كقوله‪ :‬واهلل ألذحبن هذه الشاة‪،‬‬
‫فذحبها لتنفيذ ميينه فقط حلت لعموم األدلة‪.‬‬
‫{ القول الثاني}‪ :‬أنه يشرتط‪ ،‬اختاره الشيخ تقي الدين فقال‪ :‬وإذا مل يقصد املذكي األكل أو قصد حل‬
‫ميينه مل تبح الذبيحة‪.‬‬
‫ويف (سنن النسائي) عن عبد اهلل بن عمرو ـ رضي اهلل عنهما ـ أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‬
‫(ما من إنسان قتل عصفوراً فما فوق بغري حقها إال سأله اهلل عز وجل عنها) ويف رواية‪( :‬عنها يوم القيامة)‬
‫قيل يا رسول اهلل‪ ،‬فما حقها؟ قال (حقها أن تذحبها فتأكلها‪ ،‬وال تقطع رأسها فرتمي هبا) (‪ ، )55‬وله من‬
‫حديث عمرو بن الشريد عن أبيه مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول (من قتل عصفوراً عبثا‬
‫عج إىل اهلل يوم القيامة يقول‪ :‬إن فالنا قتلين عبثا‪ ،‬ومل يقتلين ملنفعة) (‪. )5٦‬‬

‫)‪ (٥4‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب بدء الوحي‪ ،‬باب كيف بدء الوحي إىل رسول اهلل ‪ ، .‬رقم (‪ )1‬ومسلم‪ ،‬كتاب اجلهاد‪ ،‬باب‬
‫قوله النيب صلى اهلل عليه وعلي آله وسلم‪( :‬إمنا األعمال بالنية) رقم (‪)1٩٠٧‬‬
‫)‪ (٥٥‬رواه النسائي‪ ،‬كتاب الصيد والذبائح‪ ،‬باب إباحة أكل العصافري‪ ،‬رقم (‪)434٩‬‬
‫)‪ (٥٦‬رواه النسائي‪ ،‬كتاب الضحايا‪ ،‬باب من قتل عصفوراً بغري حقها‪ ،‬رقم (‪)444٦‬‬
‫{‪}3٨‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫ونقل صاحب الفروع عن صاحب الفنون وهو ابن عقيل احلنبلي أن بعض املالكية قال له‪ :‬الصيد‬
‫فرجة ونزهة ميتة لعدم قصد األكل‪ ،‬قال‪ :‬وما أحسن ما قال؛ ألنه عبث حمرم‪ ،‬وال أحد أحق هبذا من‬
‫مذهب أمحد حيث جعل يف إحدى الروايتني كل حظر يف مقصود شرعي مينع صحته‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫‪ )4‬الشرط الرابع‪ :‬أن ال يذبح لغري اهلل‪ ،‬مثل أن يذبح تقربا لصنم أو وثن أو صاحب قرب‪ ،‬أو يذبح‬
‫تعظيما مللك أو رئيس أو وزير أو وجيه أو والد أو غريهم من املخلوقني‪ ،‬فإن ذبح لغري اهلل مل حيل وإن ذكر‬
‫اسم اهلل عليه؛ لقوله تعاىل‪( :‬حُرَِّمَتْ عَلْيكُمُ الْمَيْتةُ وَالدََّمُ) إىل قوله تعاىل‪( :‬وَمَا ذُبِحَ عَلى النَُّصُبِ)‬
‫(املائدة‪ )3 :‬وقول النيب صلى اهلل عليه وسلم (لعن اهلل من ذبح لغري اهلل) ‪ .‬رواه مسلم من حديث على بن‬
‫أبي طالب رضي اهلل عنه (‪.)57‬‬
‫‪ )5‬الشرط اخلامس‪ :‬أال يهل لغري اهلل به‪ ،‬بأن يذكر عليه اسم غري اهلل مثل أن يقول‪ :‬باسم النيب‪ ،‬أو‬
‫باسم جربيل‪ ،‬أو باسم احلزب الفالني‪ ،‬أو الشعب الفالني‪ ،‬أو امللك‪ ،‬أو الرئيس‪ ،‬أو حنو ذلك‪ ،‬فإن ذكر‬
‫عليه اسم غري اهلل مل حيل وإن ذبح هلل أو ذكر معه امسه؛ لقوله تعاىل‪( :‬حُرَِّمَتْ عَلْيكُمُ الْمَيْتةُ وَالدََّمُ)‬
‫(املائدة‪ )3 :‬إىل قوله تعاىل‪( :‬وَمَا ُأهِلَّلِغيْرِ اللَّهِ بِهِ) وقد ذكر ابن كثري يف تفسري اإلمجاع على حتريم ما أهل‬
‫لغري اهلل به‪.‬‬
‫‪ )6‬الشرط السادس‪ :‬أن يسمي اهلل عليها؛ لقوله تعاىل‪( :‬ف ُكلُوامِمََّا ُذكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَليْهِ إِنْ كُنْتُمْ ِبآياتِهِ‬
‫سقٌ) (األنعام‪ )121 :‬وقول‬
‫ُمؤْمِنِنيَ) (األنعام‪ ، )11٨ :‬وقوله (وَال ت ْأ ُكلُوامِمََّا لمْيُذْكرِ اسْمُ اللَّهِ عَليْهِ وَإِنَّهُ لفِ ْ‬

‫)‪ (٥٧‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب حتريم الذبح لغري اهلل‪ ،‬رقم (‪)1٩٧٨‬‬
‫{‪}39‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫(‪)5٨‬‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم (ما أهنر الدم وذكر اسم اهلل عليه فكلوا)أخرجه اجلماعة واللفظ للبخاري‬
‫فشرط النيب صلى اهلل عليه وسلم للحل ذكر اسم اهلل عليه مع إهنار الدم‪.‬‬
‫ويشرتط أن تكون التسمية عند إرادة الذبح‪ ،‬فلو فصل بينهما وبني الذبح بفاصل كثري مل تنفع؛ لقوله‬
‫ـ تعاىل ـ‪( :‬ف ُكلُوامِمََّا ُذكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَليْهِ) (األنعام ‪ )1٨‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬وذكر اسم اهلل عليه)‬
‫وكلمة (عَليْهِ) تدل على حضوره وأن التسمية تكون عند الفعل‪ ،‬وألن التسمية ذكر مشرتط لفعل فاعترب‬
‫اقرتاهنا به لتصح نسبتها إليه‪ ،‬لكن لو كان الفصل من أجل هتيئة الذبيحة كاضجاعها واخذ السكني مل‬
‫يضر ما دام يريد التسمية على الذبح ال على فعل التهيئة‪ ،‬قياسا على ما لو فصل بني أعضاء الوضوء ألمر‬
‫يتعلق بالطهارة‪.‬‬
‫ويشرتط أن تكون بلفظ بسم اهلل‪ ،‬فلو قال بسم الرمحن أو باسم رب العاملني مل جتز‪ ،‬هذا هو‬
‫املشهور من املذهب‪ ،‬والصواب أنه إذا أضاف التسمية إىل ما خيتص باهلل كالرمحن ورب العاملني ومنزل‬
‫الكتاب وخالق الناس أو إىل ما يشركه فيه غريه وينصرف إليه تعاىل عند اإلطالق ونواه به‪ ،‬كاملوىل‬
‫والعظيم وحنومها مثل أن يقول‪ :‬باسم الرمحن أو باسم العظيم وينوي به اهلل؛ فإنه جيزئ حلصول املقصود‬
‫بذلك‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ويعترب أن تكون التسمية على ما أراد ذحبه‪ ،‬فلو مسى على شاة ثم تركها إىل غريها أعاد التسمية‪،‬‬

‫)‪ (٥٨‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب الشركة‪ ،‬باب قسمة الغنم‪ ،‬رقم (‪ ، )24٨٨‬ومسلم‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب جواز الذبح بكل‬
‫ما أهنر الدم إال السن‪ ،..‬رقم ‪ ، ) ٠1٩٦٨‬وأبو داود‪ ،‬كتاب الضحايا‪ ،‬باب يف الذبيحة باملروة‪ ،‬رقم (‪2٨21‬‬
‫والرتمذي‪ ،‬كتاب الصيد‪ ،‬باب ما جاء يف الذكاة بالقصب وغريه‪ ،‬رقم (‪ )14٩1‬والنسائي‪ ،‬كتاب الضحايا‪ ،‬باب ذكر‬
‫املنفلتة اليت ال يقدر على أخذها‪ ،‬رقم (‪ ، )441٠ ،44٠٩‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب الذبائح‪ ،‬باب ما يذكي به‪ ،‬رقم‬
‫(‪)31٧٨‬‬
‫{‪}40‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫وأما تغيري اآللة فال يضر‪ ،‬فلو مسى وبيده سكني ثم ألقاه وذبح بغريها فال بأس‪.‬‬
‫واختلف العلماء ـ رمحهم اهلل ـ فيما إذا ترك التسمية على الذبيحة فهل حتل الذبيحة؟ على ثالثة‬
‫أقوال‪:‬‬
‫{أحدها}‪ :‬أهنا حتل سواء ترك التسمية عاملا ذاكرا أم جاهال ناسيا‪ ،‬وهو مذهب الشافعي‬
‫بناء على أن التسمية سنة وال شرط‪.‬‬
‫{ القول الثاني}‪ :‬أهنا حتل إن تركها نسيانا‪ ،‬وال حتل إن تركها عمدا ولو جاهال‪ ،‬وهو مذهب‬
‫أبي حنيفة ومالك وأمحد يف املشهور عنه‪ ،‬وهنا فرقوا بني النسيان واجلهل‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن ترك التسمية ناسياً‬
‫حلت الذبيحة‪ ،‬وإن تركها جاهال مل حتل‪ ،‬كما فرق أصحابنا بني الذبيحة والصيد‪ ،‬فقالوا يف الذبيحة كما‬
‫ال ناسيا‪.‬‬
‫ترى‪ ،‬وقالوا يف الصيد‪ :‬إن ترك التسمية عليه مل حيل سواء تركها عاملا ذاكرا أم جاه ً‬
‫{القول الثالث}‪ :‬أهنا ال حتل سواء ترك التسمية عاملا ذاكرا أم جاهال ناسيا‪ ،‬وهو إحدى‬
‫الروايتني عن أمحد قدمه يف الفروع‪ ،‬واختاره أبو اخلطاب يف خالفه وشيخ اإلسالم ابن تيمية وقال‪ :‬إنه قول‬
‫غري واحد من السلف‪ .‬وهذا هو القول الصحيح؛ لقوله تعاىل ـ‪( :‬وَال ت ْأ ُكلُوامِمََّا لمْيُذْكرِ اسْمُ اللَّهِ عَليْهِ)‬
‫(األنعام‪ ، ) 121 :‬وهذا عام‪ ،‬لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم (ما أهنر الدم وذكر اسم اهلل عليه فكلوا)‬
‫(‪ ، )59‬فقرن بني إهنار الدم وذكر اسم اهلل على الذبيحة يف شرط احلل‪ ،‬فكما أنه لو مل ينهر الدم ناسيا أو‬
‫جاهال مل حتل الذبيحة‪ ،‬فكذلك إذا مل يسم؛ ألهنما شرطان قرن بينهما النيب صلى اهلل عليه وسلم يف مجلة‬
‫واحدة‪ ،‬فال ميكن التفريق بينهما إال بدليل صحيح‪ ،‬وألن التسمية شرط وجودي‪ ،‬والشرط الوجودي ال‬
‫يسقط بالنسيان كما لو صلى بغري وضوء ناسيا‪ ،‬فإن صالته ال تصح‪ ،‬وكما لو رمى صيدا بغري تسمية‬

‫)‪ (٥٩‬سبق خترجيه‬


‫{‪}41‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫ناسيا‪ ،‬فإن الصيد ال حيل عند املفرقني بني الذبيحة والصيد‪ ،‬كما لو ذبح بغري تسمية جاهال‪ ،‬فإن الذبيحة‬
‫ال حتل عند املفرقني بني اجلهل والنسيان‪ ،‬مع اجلهل عذر مقرون بالنسيان يف الكتاب والسنة ومساو له‪،‬‬
‫ورمبا يكون أحق بكونه عذرا؛ كجهل حديث العهد باإلسالم الذي مل ميض عليه زمن يتمكن من العلم‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ما اجلواب عن قوله تعاىل‪( :‬رَبََّنَا ال ُتؤَاخِذْنا إِنْ نسِينَا أوْ أخْطأْنا) (البقرة‪ ، )2٨٦ :‬وقد‬
‫فعل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وقوله تعاىل‪( :‬وَليْسَ عَلْيكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أخْطأْتُمْ بِهِ وَل ِكنْ مَا تعَمََّدَتْ ُقلُوُبكُم)‬
‫(األحزاب‪ )5 :‬واجلاهل خمطئ‪ ،‬والناسي مل يتعمد قلبه‪ ،‬وقد رفع اهلل عنهما املؤاخذة واجلناح‪ .‬قلنا‪:‬‬
‫اجلواب‪ :‬أننا نقول مبقتضى هاتني اآليتني الكرميتني وال نعدو قول ربنا‪ ،‬فمن ترك التسمية على الذبيحة ناسيا‬
‫أو جاهال فال مؤاخذة عليه وال جناح‪ ،‬لكن ال يلزم من انتفائهما عنه حل ذبيحته‪ ،‬فإن حل ذبيحته أثر‬
‫حكم وضعي حيث إنه مرتب على شرط يوجد بوجوده وينتفى بانتفائه‪ ،‬وأما املؤاخذة واجلناح فهما أثر‬
‫حكم تكليفي من شرطه الذكر والعلم‪ ،‬فلذلك انتفيا بانتفائهما‪.‬يوضح ذلك‪ :‬أنه لو صلى بغري وضوء‬
‫ناسيا فال مؤاخذة عليه وال جناح‪ ،‬وال يلزم من انتفائهما عنه صحة صالته‪ ،‬فصالته باطلة وإن كان ناسيا‬
‫لفقد شرطها الوجودي وهو الوضوء‪ .‬ويوضح ذلك أيضا‪ :‬أنه لو ذحبها يف غري حمل الذبح ناسيا أو جاهال‬
‫فال مؤاخذة عليه وال جناح‪ ،‬وال يلزم من انتفائهما عنه حل ذبيحته‪ ،‬فذبيحته حرام لفقد شرطها‬
‫الوجودي‪ ،‬وهو إهنار الدم يف حمل الذبح‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ما اجلواب عما ثبت يف صحيح البخاري وغريه من حديث عائشة رضي اهلل عنها‪ :‬أن‬
‫قوما قالوا للنيب صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬إن قوما يأتوننا بلحم ال ندري أذكروا اسم اهلل عليه أم ال؟ فقال‪:‬‬
‫(مسوا عليه أنتم وكلوه) قالت‪ :‬وكانوا حديثي عهد بالكفر (‪. )٦0‬‬

‫)‪ (٦٠‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب الذبائح والصيد‪ ،‬باب ذبيحة األعراب وحنوهم‪ ،‬رقم (‪)٥٥٠٧‬‬
‫{‪}42‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫قلنا‪ :‬اجلواب‪ :‬أننا نقول مبقتضى هذا احلديث‪ ،‬وأنه لو أتانا من حتل ذكاته من مسلم أو كتابي بلحم‬
‫حل لنا أكله وإن كنا ال ندري هل ذكر اسم اهلل عليه أو ال‪ ،‬ألن األصل يف التصرفات الواقعة من أهلها‬
‫الصحة حتى يقوم دليل الفساد‪ ،‬ولسنا خماطبني بفعل غرينا‪ ،‬وإمنا خناطب بفعلنا حنن‪ ،‬وقد أشار النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم إىل ذلك حيث قال‪( :‬مسوا عليه أنتم وكلوه) كأنه يقول‪ :‬أنتم خماطبون بالتسمية عند‬
‫فعلكم وهو األكل‪ ،‬فسموا عليه‪ ،‬وأما الذبح والتسمية عليه فمخاطب به غريكم‪ ،‬فعليكم ما محلتم‬
‫وعليهم ما محلوا‪ ،‬وليس يعين أن تسميتكم هذه تغين عن التسمية على الذبح‪ ،‬وذلك ألن الذبح قد فات‪.‬‬
‫وليس يف احلديث دليل على سقوط التسمية باجلهل‪ ،‬وال على أهنا ليست بشرط حلل الذبيحة؛‬
‫ألنه ليس فيه أهنم تركوا التسمية فأحل هلم النيب صلى اهلل عليه وسلم اللحم‪ ،‬وإمنا فيه أهنم ال يدرون‬
‫أذكروا اسم اهلل عليه أم ال‪ ،‬واألصل أن الفعل وقع على الصحة‪ ،‬بل قد يقال‪ :‬إن يف احلديث دليال على أن‬
‫التسمية شرط حلل الذبيحة‪ ،‬وأنه البد منها‪ ،‬وإال ملا أشكل حكم هذا اللحم على الصحابة حتى سألوا‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم عنه‪ ،‬ثم لو كانت التسمية غري شرط أو كانت تسقط يف مثل هذه احلال لقال‬
‫هلم النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬وما يضركم إذا تركوها أو حنو هذا الكالم؛ ألنه أبني وابلغ يف إظهار احلكم‬
‫وسقوط التسمية‪ ،‬ومل يرشدهم إىل ما ينبغي أن يعتنوا به وهو التسمية على فعلهم‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ما اجلواب عن اآلثار اليت احتج هبا من ال يرى أن التسمية شرط حلل الذبيحة أو أهنا‬
‫تسقط بالنسيان؟ قلنا‪ :‬اجلواب‪ :‬أن هذه اآلثار ال تصح مرفوعة إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم وإمنا هي‬
‫موقوفة على بعض الصحابة على ما يف أسانيدها من مقال‪ ،‬فال يعارض هبا ظاهر الكتاب والسنة‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ما اجلواب عما قاله ابن جرير رمحه اهلل من أن القول بتحريم ما مل يذكر اسم اهلل عليه‬
‫نسيانا خارج عما عليه احلجة جممعة من حتليله‪ ،‬يعين أن اإلمجاع على حتليل ما مل يذكر اسم اهلل عليه‬

‫{‪}43‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫نسيانا؛ فالقول بتحرميه خارج عن اإلمجاع؟ قلنا‪ :‬اجلواب عليه‪ :‬أنه مدفوع مبا نقله غريه من اخلالف فيه‪،‬‬
‫فقد قال شيخ اإلسالم‪ :‬إن القول بالتحريم قول غري واحد من السلف‪ ،‬وقد قال ابن كثري‪ :‬إنه مروي عن ابن‬
‫عمر ونافع مواله وعامر الشعيب وحممد بن سريين‪ ،‬وهو رواية عن اإلمام مالك ورواية عن أمحد ابن حنبل‪،‬‬
‫نصرها طائفة من أصحابه املتقدمني واملتأخرين‪ ،‬وهو اختيار أبي ثور وداود الظاهري‪ ،‬واختار ذلك أبو‬
‫الفتوح حممد بن حممد بن على الطائي من متأخري الشافعية يف كتابه (األربعني) ‪ ،‬قال ابن اجلوزي‪ :‬وإىل‬
‫هذا املعنى ذهب عبد اهلل بن يزيد اخلطمي‪ .‬قلت‪ :‬واختاره ابن حزم وذكر أدلته‪ ،‬وأجاب عن اآلثار‬
‫املروية يف احلل‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬إن حترميها إضاعة للمال‪ ،‬والنيب صلى اهلل عليه وسلم هنى عن إضاعة املال‪ .‬فاجلواب‪:‬‬
‫أن الذبيحة اليت مل يذكر اسم اهلل عليها ليست مبال؛ ألهنا ميتة حيث مل تذك ذكاة شرعية لفقد شرط من‬
‫شروط الذكاة‪ ،‬فليس حترميها بإضاعة للمال‪ ،‬وإمنا هو امتثال وطاعة هلل تعاىل يف قوله‪( :‬وَال ت ْأ ُكلُوامِمََّا لمْ‬
‫يُذْكرِ اسْمُ اللَّهِ عَليْهِ) (األنعام‪ )121 :‬على أن حتريم أكلها ال مينع من االنتفاع بشحمها وودكها على وجه ال‬
‫يتعدى كطلي السفن وإيقاد املصابيح وحنو ذلك‪ ،‬فعن ميمونة بنت احلارث أم املؤمنني رضي اهلل عنها‬
‫قالت‪ :‬مر النيب صلى اهلل عليه وسلم بشاة جيروهنا‪ ،‬فقال‪( :‬لو أخذمت إهاهبا) فقالوا‪ :‬إهنا ميتة‪ .‬قال‪:‬‬
‫(يطهرها املاء والقرظ) أخرجه أبو داود النسائي (‪ ، )٦1‬وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما أن النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم قال‪( :‬إذا دبغ اإلهاب فقد طهر) ‪ .‬رواه مسلم (‪ . )٦2‬وعنه رضي اهلل عنه أن النيب صلى‬

‫)‪ (٦1‬االقن رواه أبو داود‪ ،‬كتاب اللباس‪ ،‬باب يف أهب امليتة‪ ،‬رقم (‪ ، )412٦‬والنسائي‪ ،‬كتاب الفرع والعترية‪ ،‬باب ما‬
‫يدبغ به جلود امليتة‪ ،‬رقم (‪. )424٨‬ع‬
‫)‪ (٦2‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب احليض‪ ،‬باب طهارة جلود امليتة بالدباغ‪ ،‬رقم (‪)3٦٦‬‬
‫{‪}44‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫اهلل عليه وسلم مر بشاة ميتة فقال‪( :‬هال استمتعتم بإهاهبا) قالوا‪ :‬إهنا ميتة‪ .‬قال‪( :‬إمنا حرم أكلها) ‪.‬‬
‫رواه البخاري (‪. )٦3‬‬
‫فإن قيل‪ :‬إن يف حترميها حرجا وتضييقا على الناس حيث يكثر نسيان التسمية فيكثر ما يضيع‬
‫عليهم من أمواهلم‪ ،‬وقد نفى اهلل سبحانه احلرج يف الدين فقال تعاىل‪( :‬وَمَا جَعَل عَليْكُمْفِي الدَِّينِ ِمنْ‬
‫حَرَجٍ) (احلج‪. )7٨ :‬‬
‫فاجلواب‪ :‬أننا نقول مبقتضى هذه اآلية الكرمية‪ ،‬وأن دين اإلسالم ليس فيه ـ وهلل احلمد ـ حرج وال‬
‫ضيق‪ ،‬فكل شيء أمر اهلل به؛ فال حرج يف فعله‪ ،‬وكل شيء هنى اهلل عنه؛ فال حرج يف تركه ملن قويت‬
‫عزميته‪ ،‬وصحت رغبته يف دين اهلل‪ ،‬وها هو اجلهاد أمر اهلل به وهو من أشق شيء على النفوس من حيث‬
‫طبيعتها ملا فيه من عرض الرقاب للسيوف وترك األموال واألوالد واملألوف‪ ،‬ومع هذا نفى بعد األمر به أن‬
‫يكون قد جعل علينا يف الدين حرجاً فقال تعاىل‪( :‬وَجَاهِدُوافِي اللَّهِ َحقََّ ِجهَاِدهِ ُهوَ اجْتبَاكُمْ وَمَا َجعَل‬
‫عَلْيكُْمفِي الدَِّينِ ِمنْ حَرَجٍ) (احلج‪ ، )7٨ :‬وأي حرج يف اجتناب ذبيحة مل يذكر اسم اهلل عليها يرتكها‬
‫طاعة لربه يف قوله (وَال تأْ ُكلُوا مِمََّا لمْيُذْكرِ اسْمُ اللَّهِ عَليْه) وهو ليس مضطراً إليها‪ ،‬ولو اضطر إليها يف‬
‫خممصة غري متجانف إلثم لو سعته رمحة ربه وحلت له‪.‬‬
‫ثم إن يف حتريم الذبيحة إذا مل يذكر اسم اهلل عليها نسيانا تقليال للنسيان‪ ،‬فإن اإلنسان إذا حرمها‬
‫بعد أن ذحبها وتشوفت نفسه هلا من أجل أنه مل يسم اهلل عليها؛ فسوف ينتبه يف املستقبل وال ينسى‬
‫التسمية‪ .‬وبعد‪ ،‬فإمنا أطلنا الكالم يف هذا ألمهيته؛ وألن اإلنسان رمبا ال يظن أن القول بتحريم الذبيحة‬
‫اليت مل يذكر اسم اهلل عليها نسيانا يبلغ إىل هذا املكان من القوة‪ ،‬واهلل املوفق‪.‬‬

‫)‪ (٦3‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب الذبائح والصيد‪ ،‬باب جلود امليتة‪ ،‬رقم (‪)٥٥31‬‬
‫{‪}45‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫(تتمه) يشرتط التلفظ بالتسمية إال مع العجز عن النطق‪ ،‬فتكفي اإلشارة‪.‬‬


‫‪ )7‬أن تكون الذكاة مبحدد ينهر الدم غري سن وظفر من حديد وحجر وخشب وزجاج وغريها‪،‬‬
‫حلديث رافع بن خديج رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪( :‬ما أهنر الدم وذكر اسم اهلل‬
‫عليه فكلوا ما مل يكن سناً أو ظفراً‪ ،‬وسأحدثكم عن ذلك‪ ،‬أما السن فعظم‪ ،‬وأما الظفر فمدى احلبشة)‬
‫رواه اجلماعة (‪ . )٦4‬وقوله (وسأحدثكم عن ذلك) إىل آخره زعم ابن القطان أهنا مدرجة‪ ،‬نقله ابن حجر‬
‫يف (الدراية) وهذا الزعم مردود مبا جاء يف بعض روايات البخاري بلفظ‪( :‬غري السن والظفر‪ ،‬فإن السن‬
‫عظم‪ ،‬والظفر مدى احلبشة) ‪ ،‬وبأن األصل عدم اإلدراج‪ ،‬فال يصار إليه إال بدليل لفظي أو معنوي‪.‬فإن‬
‫ذحبها بغري حمدد مثل أن يقتلها باخلنق أو بالصعق الكهربائي أو غريه‪ ،‬أو بالصدم أو بضرب الرأس وحنوه‬
‫حتى متوت مل حتل‪ ،‬وإن ذحبها بالسن أو بالظفر مل حتل وإن جرى دمها بذلك‪.‬‬
‫وظاهر احلديث ال فرق يف السن والظفر بني أن يكونا متصلني أو منفصلني من آدمي أو غريه للعموم‪،‬‬
‫خالفا للحنفية حيث خصوه باملتصل وقالوا‪ :‬إنه الواقع من فعل احلبشة‪ ،‬وظاهر تعليلهم أنه خاص بظفر‬
‫اآلدمي‪ ،‬قال يف (املغين) ردا عليهم‪ :‬ولنا عموم حديث رافع‪ ،‬وألن ما مل جتز الذكاة به متصال مل جتز به‬
‫منفصال كغري احملدد‪ .‬اهـ‪ .‬ويف تشبيهه بغري احملدد غموض‪.‬‬
‫وقد علل النيب صلى اهلل عليه وسلم منع الذكاة بالسن بأنه عظم‪ ،‬فاختلف العلماء رمحهم اهلل هل‬
‫احلكم خاص يف حمله وهو السن أو عام يف مجيع العظام لعموم علته على قولني‪:‬‬
‫{أحدمها}‪ :‬أنه خاص يف حمله وهو السن‪ ،‬وأما ما عداه من العظام فتحل الذكاة به‪ ،‬وهو‬
‫مذهب أبي حنيفة واملشهور من مذهب أمحد؛ ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم لو أراد العموم لقال غري‬

‫)‪ (٦4‬سبق خترجيه‬


‫{‪}4٦‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫العظم والظفر لكونه أخصر وأبني‪ ،‬والنيب صلى اهلل عليه وسلم أعطي جوامع الكلم ومفاتيح البيان‪ ،‬وألننا‬
‫ال نعلم وجه احلكمة يف تأثري العظم فكيف نعدي احلكم مع اجلهل‪.‬‬
‫{الثاني}‪ :‬أن احلكم عام يف مجيع العظام‪ ،‬لعموم العلة‪ ،‬وهو قول الشافعي وإحدى الروايتني عن‬
‫أمحد؛ ألن النص على العلة يدل على أهنا مناط احلكم‪ ،‬متى وجدت وجد احلكم‪ ،‬وختصيص السن‬
‫بالذكر قد يكون من أجل أنه عادة يرتكبها بعض الناس بالتذكية به‪ ،‬ثم أشار إىل عموم احلكم بذكر العلة‪،‬‬
‫أو يقال‪ :‬إن تعليله بكونه عظما يدل على أنه كان من املتقرر عندهم أن العظام ال يذكى هبا‪ ،‬وهذا القول‬
‫أحوط‪.‬‬
‫وأما كوننا ال نعلم وجه احلكمة يف تأثري العظم‪ ،‬فهذا ال مينع من تعدية احلكم إىل ما ينطبق عليه اسم‬
‫العظم؛ ألنه معلوم على أنه ميكن أن يقال‪ :‬وجه احلكمة‪ :‬أنه إن كان العظم طاهرا فهو طعام إخواننا من‬
‫اجلن‪ ،‬ففي الذبح به تلويث له بالنجاسة‪ ،‬وإن كان العظم جنسا فليس من احلكمة أن يكون وسيلة للذكاة‬
‫اليت هبا تطهري احليوان وطيبه للتضاد‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫وأما الظفر‪ :‬فعلله النيب صلى اهلل عليه وسلم مبدى احلبشة‪ ،‬وظاهر التعليل مشكل إن قلنا‪ :‬أن‬
‫احلكم عام بعموم علته؛ ألنه يقتضي منع الذكاة مبا خيتص به احلبشة من املدى ولو كان حديدا أو خشبا أو‬
‫حنومها مما جتوز الذكاة به‪.‬‬
‫واألقرب عندي‪ :‬أن األصل يف ذلك أن احلبشة كانوا يذحبون بأظافرهم‪ ،‬فنهى الشارع عن ذلك؛‬
‫ألنه يقتضي خمالفة الفطرة من وجهني‪:‬‬
‫‪‬أحدمها‪ :‬أنه يستلزم توفري األظافر ليذبح هبا‪ ،‬وهذا خمالف للفطرة اليت هي تقليم األظافر‪.‬‬

‫{‪}47‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫‪‬الثاني‪ :‬أن يف القتل بالظفر مشاهبة لسباع البهائم والطيور اليت فضلنا عليها وهنينا عن التشبه به‪،‬‬
‫ولذلك جتد اإلنسان ال يشبه البهائم إال يف مقام الذم‪.‬‬
‫‪ )8‬إهنار الدم‪ ،‬أي إجراؤه؛ لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬ما أهنر الدم وذكر اسم اهلل عليه فكل)‬
‫(‪ )٦5‬وله حاالن‪:‬‬
‫{احلال األوىل}‪ :‬أن يكون املذكي غري مقدور عليه‪ ،‬مثل أن يهرب أو يسقط يف بئر أو يف مكان‬
‫سحيق ال ميكن الوصول إليه‪ ،‬أو يدخل مقدمه يف غار حبيث ال ميكن الوصول إىل رقبته أو حنو ذلك‬
‫فيكفي يف هذه احلال إهنار الدم يف أي موضع كان من بدنه حتى ميوت‪ ،‬واألوىل أن يتحرى أسرع شيء يف‬
‫موته‪ ،‬ويف (الصحيحني) من حديث رافع بن خديج رضي اهلل عنه أهنم كانوا مع النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم يف غزوة فأصابوا إبالً وغنماً فند منها بعري فرماه رجل فحبسه‪ ،‬فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫(إن هلذه اإلبل أوابد الوحش‪ ،‬فإذا غلبكم منها شيء فاصنعوا به هكذا) (‪ . )٦٦‬ويف لفظ ملسلم‪ :‬فند‬
‫علينا بعري منها فرميناه بالنبل حتى وهصناه‪ .‬وهصناه (‪ : )٦7‬رميناه رميا شديدا حتى سقط على‬
‫األرض‪ ،‬قال ابن عباس رضي اهلل عنهما‪ :‬ما أعجزك من البهائم مما يف يديك فهو كالصيد‪ ،‬ويف بعري تردى‬
‫(‪)٦٨‬‬
‫يف بئر من حيث قدرت عليه فذكه‪ .‬رواه البخاري تعليقا‪ .‬قال‪ :‬ورأى ذلك علي وابن عمر وعائشة‬
‫{احلال الثانية}‪ :‬أن يكون مقدوراً عليه حبيث يكون حاضرا أو ميكن إحضاره بني يدي‬
‫املذكي‪ ،‬فيشرتط أن يكون اإلهنار يف موضع معني وهو الرقبة‪ ،‬قال ابن عباس رضي اهلل عنهما‪ :‬الذكاة يف‬

‫)‪ (٦٥‬سبق خترجيه‬


‫)‪ (٦٦‬سبق خترجيه‬
‫)‪ (٦٧‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب األضاحي‪ ،‬باب جواز الذبح بكل ما أهنر الدم إال ‪ ...‬رقم (‪)1٩٦٨‬‬
‫)‪ (٦٨‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الذبائح والصيد‪ ،‬باب ما ند من البهائم فهو مبنزلة الوحش‪.‬‬
‫{‪}4٨‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫احللق واللبة‪ .‬وقال عطاء‪ :‬ال ذبح وال حنر إال يف املذبح واملنحر‪ ،‬ذكره البخاري عنهما تعليقا‪ .‬ومتام ذلك‬
‫بقطع أربعة أشياء وهي‪:‬‬
‫‪ .1‬احللقوم‪ ،‬وهو جمرى النفس‪ ،‬ويف قطعه حبس النفس الذي ال بقاء للحيوان مع احنباسه‪.‬‬
‫‪ .2‬املريء‪ ،‬وهو جمرى الطعام والشراب‪ ،‬ويف قطعه منع وصول الغذاء إىل احليوان من طريقه املعتاد‪.‬‬
‫‪ 4/ .3‬ـ الودجان‪ ،‬ومها عرقان غليظان حميطان باحللقوم واملريء‪ ،‬ويف قطعهما تفريغ الدم الذي به‬
‫بقاء احليوان حيا وتنقية احليوان من احنباس الدم الضار فيه بعد املوت‪ .‬فمتى قطعت هذه األشياء‬
‫األربعة؛ حلت املذكاة بإمجاع أهل العلم‪ ،‬ثم اختلفوا‪ :‬فقال بعضهم‪ :‬البد من قطع األربعة كلها‪ ،‬ونقله‬
‫النووي عن الليث وداود وقال‪ :‬اختاره ابن املنذر‪ .‬قلت‪ :‬هو رواية عن أمحد نقلها يف (املغين) و‬
‫(اإلنصاف) وقال‪ :‬اختاره أبو بكر وابن البناء‪ ،‬وجزم به يف الروضة‪ ،‬واختاره أبو حممد اجلوزي‪ ،‬قال يف‬
‫(الكايف) { األوىل} قطع اجلميع‪{.‬القول الثاني}‪ :‬البد من قطع ثالثة معينة وهي إما (احللقوم‬
‫والودجان) كما هو مذهب مالك‪ ،‬ونقله يف اإلنصاف عن اإليضاح‪ .‬وإما (املريء والودجان) نقله يف‬
‫(اإلنصاف) عن كتاب اإلشارة‪{ .‬القول الثالث}‪ :‬البد من قطع ثالثة‪ :‬اثنان منهما على التعيني‬
‫وواحد غري معني‪ ،‬وهي احللقوم واملريء وأحد الودجني وهو إحدى الروايات عن اإلمام أمحد‪ ،‬وأحد‬
‫القولني يف مذهب أبي حنيفة‪{.‬القول الرابع}‪ :‬البد من قطع ثالثة بدون تعيني وهي‪ :‬إما (احللقوم‬
‫والودجان) ‪ ،‬وإما (املريء والودجان) ‪ ،‬وإما (احللقوم واملريء وأحد الودجني) وهو املشهور من مذهب‬
‫أبي حنيفة‪ ،‬وأحد الوجهني يف مذهب أمحد‪ ،‬اختاره شيخ اإلسالم ابن تيمية وقال‪ :‬إن قطع الودجني أبلغ‬
‫من قطع احللقوم وأبلغ يف إهنار الدم‪{.‬القول اخلامس}‪ :‬البد من قطع اثنني على التعيني ومها‪ :‬إما‬
‫(احللقوم واملريء) وهو املشهور من مذهب أمحد والشافعي‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ :‬وعلى هذا‬

‫{‪}49‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫فقطع أحد الودجني واحللقوم أوىل باإلباحة من قطع احللقوم واملريء‪ .‬وإما (الودجان) فقط وهو إحدى‬
‫الروايات عن أمحد ذكرها شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬ونقل عن مالك‪ ،‬واملشهور عنه ما سبق‪ ،‬وذكره يف‬
‫(اإلنصاف) عن (الرعاية) و (الكايف) ‪ .‬قلت‪ :‬عبارة (الكايف) ‪ :‬وإن قطع األوداج وحدها فينبغي أن‬
‫حتل استدالال باحلديث واملعنى‪ .‬اهـ‪ .‬ويعين باحلديث ما رواه أبو داود يف النهي عن شريطة الشيطان‪،‬‬
‫وسنذكره إن شاء اهلل‪ ،‬ويعين باملعنى ما قطع يف األوداج من إهنار الدم املنصوص على اعتباره‪.‬‬
‫فهذه أراء العلماء فيما يشرتط قطعه يف حمل الذكاة‪ ،‬ثم اختلفوا أيضا فيما يشرتط قطعه من ذلك‪،‬‬
‫هل يشرتط فيه متام القطع حبيث ينفصل املقطوع بعضه عن بعض أوال يشرتط؟ على قولني‪:‬‬
‫{أحدمها}‪ :‬ال يشرتط‪ ،‬فلو قطع بعض ما جيب قطعه؛ حلت الذبيحة وإن مل ينفصل بعض‬
‫املقطوع عن بعض‪ ،‬وهو املشهور من مذهب أمحد‪ ،‬وظاهر مذهب أبي حنيفة‪ ،‬وهو الصواب إذا حصل‬
‫إهنار الدم بذلك حلصول املقصود‪.‬‬
‫{الثاني}‪ :‬يشرتط‪ ،‬فيجب أن تستوعب القطع ما جيب قطعه حبيث ينفصل بعض املقطوع‬
‫عن بعض‪ ،‬وهو قول مالك والشافعي وبعض أصحاب أمحد‪.‬‬
‫واختلفوا أيضا هل يشرتط أن يكون القطع من ناحية احللق أو ال يشرتط؟ على قولني ‪:‬‬
‫{أحدمها}‪ :‬ال يشرتط‪ ،‬فلو ذكاها من قفا الرقبة حلت إن وصل إىل حمل الذكاة قبل أن‬
‫متوت‪ ،‬وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأمحد‪ ،‬وهو الصواب حلصول الذكاة بذلك‪.‬‬
‫{الثاني}‪ :‬يشرتط فلو ذحبها من قفا الرقبة مل حتل‪ ،‬وهو مذهب مالك‪.‬‬
‫وسبب اختالف العلماء فيما يشرتط قطعه يف الذكاة ويف كيفيته أنه ليس يف النصوص الواردة ذكر‬
‫ما يقطع‪ ،‬وإمنا فيها اعتبار إهنار الدم‪ ،‬وفيها أيضا تعيني األوداج بالقطع فيما رواه أبو داود عن ابن عباس‬

‫{‪}50‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫وأبي هريرة رضي اهلل عنهم أن النيب صلى اهلل عليه وسلم هنى عن شريطة الشيطان‪ ،‬وهي اليت تذبح‬
‫فيقطع اجللد وال تفرى األوداج‪ ،‬ثم ترتك حتى متوت (‪ ، )٦9‬وفيما رواه ابن أبي شيبة عن رافع بن خديج‬
‫رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم سئل عن الذبح بالليطة (‪ )70‬فقال‪( :‬كل ما أفرى األوداج إال‬
‫سناً أو ظفراً) (‪ )71‬وفيما أخرجه الطرباني عن أبي أمامة رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫قال‪( :‬كل ما أفرى األوداج ما مل يكن قرض سن أو حز ظفر) (‪ ، )72‬وهذه األحاديث وإن كانت ضعيفة ال‬
‫تقوم هبا احلجة مبفردها إال أهنا تعضد مبعنى ما ثبت يف الصحيحني من حديث رافع بن خديج رضي اهلل‬
‫عن ه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال (ما أهنر الدم وذكر اسم اهلل عليه فكلوا ما مل يكن سنا أو ظفر) ‪،‬‬
‫فعلق احلكم على إهنار الدم‪ ،‬ومن املعلوم أن أبلغ ما يكون به اإلهنار قطع الودجني ‪.‬وعلى هذا فيشرتط‬
‫حلل الذبيحة بالزكاة قطع الودجني‪ ،‬فلو ذحبها ومل يقطعهما مل حتل‪ ،‬ولو قطعهما حلت وإن مل يقطع احللقوم أو‬
‫املريء‪.‬‬
‫قال ابن عباس رضي اهلل عنهما‪ :‬كل ما أفرى األوداج غري مرتد‪ ،‬ذكره عنه يف (احمللى) قال‪ :‬وعن‬
‫النخعي والشعيب وجابر بن زيد وحييى بن يعمر كذلك‪ .‬وقال عطاء‪ :‬الذبح قطع األوداج (‪ ، )73‬وقال‬
‫سفيان الثوري‪ :‬إن قطع الودجني فقط؛ حل أكله‪.‬وليس يف اشرتاط قطع احللقوم واملريء نص جيب املصري‬
‫إليه‪ ،‬قال ابن رشد يف (بداية اجملتهد) ‪ :‬وأما من اشرتط قطع احللقوم واملريء فليس له حجة من السماع‪،‬‬

‫)‪ (٦٩‬رواه أبو داود‪ ،‬كتاب الضحايا‪ ،‬باب يف املبالغة يف الذبح‪ ،‬رقم (‪)2٨2٦‬‬
‫)‪ (٧٠‬قال يف‪( :‬النهاية) الليط قشر القصب والقناة وكل شيء كانت له صالبة ومتانة‪ ،‬والقطعة منه‪ :‬ليطة‪.‬‬
‫)‪ (٧1‬رواه ابن شيبة (‪)2٥٥ ،2٥3/4‬‬
‫)‪ (٧2‬رواه الطرباني يف (الكبري) (‪)211/٨‬‬
‫)‪ (٧3‬ذكره عنه البخاري تعليق ًا يف كتاب الذبائح والصيد‪ ،‬باب النحر والذبح‪.‬‬
‫{‪}51‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫وأكثر من ذلك من اشرتاط املريء واحللقوم دون الودجني‪ .‬اهـ‪ .‬والرقبةكلهاحمل للذكاة‪ ،‬فلو ذكى من‬
‫أعلى الرقبة أو أسفلها أو وسطها حلت الذبيحة‪ ،‬لكن األفضل حنر اإلبل وذبح ما سواها‪.‬‬
‫(والنحر)‪ :‬يكون يف أسفل الرقبة مما يلى الصدر يف الوهدة اليت بني الصدر وأصل العنق‪.‬‬
‫(والذبح)‪ :‬يكون فيما فوق ذلك إىل اللحيني‪ ،‬فلو ذحبها من فوق اجلوزة وهي العقدة الناتئة يف أعلى‬
‫احللقوم‪ ،‬وصارت العقدة تبع الرقبة؛ حلت الذبيحة على القول الصحيح؛ ألن ذلك من الرقبة وهي‬
‫حمل الذكاة‪.‬‬
‫وإن قطع الرأس مرة واحدة؛ حلت حلصول الذكاة بذلك‪ ،‬وقد روى ابن حزم من طريق ابن أبي‬
‫شيبة عن على بن أبي طالب رضي اهلل عنه أنه سئل عن رجل ضرب عنق بعري بالسيف‪ ،‬وذكر اسم اهلل‬
‫فقطعه‪ ،‬فقال علي رضي اهلل عنه‪ :‬ذكاة وحية أي سريعة‪ ،‬وقال ابن عمر وابن عباس وانس رضي اهلل‬
‫عنهم‪ :‬إذا قطع الرأس فال بأس‪ ،‬ذكره البخاري تعليقا‪.‬‬
‫وإن شرع يذحبها فرأى يف السكني خلال فألقاها وأخذ غريها ثم أمت الذكاة قبل موت الذبيحة‬
‫حلت‪ ،‬وكذلك لو رفع يده بعد أن شرع يف ذحبها ليستمكن منها ثم أمت الذكاة قبل موهتا حلت؛ حلصول‬
‫املقصود بذلك‪ ،‬وليست بأقل حاال مما أكل السبع فأدركناه حيا وذكيناه فإنه حالل بنص القرآن‪.‬‬
‫وإذا حصلت الذكاة ملا أصاهبا سبب املوت؛ حلت إذا أدركها وفيها حياة‪ ،‬لقوله تعاىل‪( :‬حُرَِّمَتْ‬
‫عَلْيكُمُ الْمَيْتةُ وَالدََّمُ وَلحْمُ اْلخِنْزِيرِ وَمَا ُأهِلَّلِغيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخنِقةُ وَالَْموْقُوذةُ وَالْمُتَر َّدِيَةُ وَالَّنَطِيحَةُ وَمَا أكل‬
‫السََّبُعُ إِلاَّ مَا ذكَّيْتُمْ) (املائدة‪ )3 :‬فاملنخنقة املنحبس نفسها‪ ،‬واملوقوذة املضروبة بعصا وحنوها حتى‬
‫تدهور حياهتا‪ ،‬واملرتدية اهلاوية من جبل أو يف بئر وحنوه‪ ،‬والنطيحة اليت نطحتها أختها حتى أردهتا‪ ،‬وما‬

‫{‪}52‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫أكل السبع ما أكلها ذئب وحنوه‪ ،‬فكل هذه اخلمس إذا ذكيت قبل أن متوت؛ فهي حالل‪ ،‬ويعرف عدم‬
‫موهتا بأحد أمرين‪:‬‬
‫{األمر األول}‪ :‬احلركة‪ ،‬فمتى حتركت بعد ذكاهتا حبركة قليلة أو كثرية بيد أو رجل أو عني أو‬
‫أذن أو ذنب حلت‪ .‬قال علي بن أبي طالب رضي اهلل عنه يف قوله تعاىل‪( :‬إِلاَّ مَا ذكَّيْتُمْ) إن مصعت‬
‫بذنبها أو ركضت برجلها أو طرفت بعينها فكل‪ ،‬وقال حنوه غري واحد من السلف‪ ،‬وألن احلركة دليل بني‬
‫علي بقاء الروح فيها إذ امليت ال يتحرك‪.‬‬
‫{األمر الثاني}‪ :‬جريان الدم بقوة؛ لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬ما أهنر الدم وذكر اسم‬
‫اهلل عليه فكل) ‪ .‬فمتى ذكيت فجرى منها الدم األمحر الذي خيرج من املذكى املذبوح عادة حلت وإن مل‬
‫تتحرك‪ ،‬قاله شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬قال‪ :‬والناس يفرقون بني دم ما كان حياً ودم ما كان ميتاً‪ ،‬فإن امليت‬
‫جيمد دمه ويسود‪ .‬قلت‪ :‬ولذلك يكون باردا بطيئا‪.‬‬
‫وإذا شك يف وجود ما يعرف به عدم املوت بأن شك يف حركتها أو يف محرة الدم وجريانه كما جيري‬
‫دم املذبوح عادة ـ مل حتل الذبيحة؛ لقوله تعاىل‪( :‬إِلاَّمَا ذكَّيْتُمْ) وما شككنا يف بقاء حياته ـ مل تتحقق ذكاته‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬األصل بقاء احلياة فلنحكم به فتحل الذبيحة إال أن نتيقن املوت‪ .‬اجلواب‪ :‬األصل بقاء احلياة‬
‫لكن عارضه ظاهر أقوى منه وهو السبب املفضي إىل املوت‪ ،‬فأنيط احلكم به ما مل نتحقق بقاء حياته‪.‬‬
‫(تنبيه) املنفصل من أكيلة السبع وحنوها قبل ذكاهتا ليس حبالل؛ ألنه بائن من حي‪ ،‬وما بان من‬
‫حي فهو كميته‪ ،‬فإن انفصل شيء من املذكاة قبل موهتا فهو حالل‪ ،‬لكن الواجب االنتظار يف قطعه حتى‬
‫متوت‪.‬‬
‫‪ ‬الشرط التاسع‪ :‬أن يكون املذكي مأذونا يف ذكاته شرعاً‪ ،‬فإن كان غري مأذون فيها شرع ًا ـ فهو‬

‫{‪}53‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫على قسمني ‪:‬‬


‫{القسم األول}‪ :‬أن يكون ممنوعاً منه حلق اهلل تعاىل كالصيد يف احلرم‪ ،‬أو حال اإلحرام حبج أو‬
‫عمرة‪ ،‬فمتى صاد صيدا فذحبه وهو حمرم‪ ،‬أو ذبح صيداً داخل حدود احلرم؛ فهو حرام؛ لقوله تعاىل‪:‬‬
‫(أُحِلَّتْ لكُمَْبهِيمَةُ األْنعَامِ إِلاَّمَايُتْلى عَلْيكُمْ غيْرَُمحِلَِّي الصََّيْدِ وَأنْتُمْ حُرُمٌ) (املائدة‪ ، )1 :‬وقوله تعاىل‪( :‬يَا‬
‫أَّيُهَا الَّذِينَ آمَنُوا ال تقُْتلُوا الصََّيْدَ وَأنْتُمْ حُرُمٌ) (املائدة‪ ، )95 :‬وقوله سبحانه‪( :‬وَحُرَِّمَ عَلْيكُمْ صَيْدُ الْبَرَِّمَا‬
‫دُمْتُمْ حُرُماً) (املائدة‪ ، )9٦ :‬قال يف املغين‪ :‬وال خالف يف حتريم الصيد على احملرم إذا صاده أو ذحبه‪ .‬ثم‬
‫قال بعد فصول‪ :‬وإذا ذحبه صار ميتة حيرم أكله على مجيع الناس‪ ،‬وهذا قول احلسن‪ ،‬والقاسم‪،‬‬
‫والشافعي‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬وأصحاب الرأي‪ ،‬قال‪ :‬كذلك احلكم يف صيد احلرم إذا ذحبه‬
‫احلالل‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫{القسم الثاني}‪ :‬أن يكون ممنوعاً منه حلق اآلدمي‪ ،‬وهو ما ليس ملكا له‪ ،‬وال ميلك ذحبه بوكالة‬
‫أو حنوها؛ كاملغصوب يذحبه الغاصب‪ ،‬واملسروق يذحبه السارق وحنو ذلك‪ ،‬ففي حله قوالن ألهل العلم‪:‬‬
‫{أحدمها}ال حيل‪ ،‬وهو قول إسحاق‪ ،‬وأهل الظاهر‪ ،‬وإحدى الروايتني عن أمحد‪ ،‬اختارها‬
‫أبو بكر من أصحابنا‪ ،‬وإليه ميل البخاري‪ ،‬قال يف (صحيحه) ‪ :‬باب إذا أصاب قوم غنيمة فذبح بعضهم‬
‫غنما أو إبال بغري أمر أصحاهبا مل تؤكل؛ حلديث رافع عن النيب صلى اهلل عليه وسلم ثم ذكر حديث رافع‬
‫بسنده وفيه‪ :‬وتقدم سرعان الناس فأصابوا من الغنائم والنيب صلى اهلل عليه وسلم يف آخر الناس فنصبوا‬
‫قدورا‪ ،‬فأمر هبا فأكفئت فقسم بينهم وعدل بعرياً بعشرة شياه (‪. )74‬‬

‫)‪ (٧4‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب الذبائح والصيد‪ ،‬باب إذا أصاب قوم غنيمة‪ ،..‬رقم (‪)٥٥43‬‬
‫{‪}54‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫وروى أبو داود من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من األنصار قال‪ :‬خرجنا مع النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم يف سفر فأصاب الناس حاجة شديد وجهد‪ ،‬فأصابوا غنما فانتهبوها‪ ،‬فإن‬
‫قدورنا لتغلي إذ جاء رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ميشي على قوسه فأكفأ قدورنا بقوسه‪ ،‬ثم جعل‬
‫يرمل اللحم بالرتاب ثم قال‪( :‬إن النهبة ليست بأحل من امليتة‪ ،‬أو إن امليتة ليست بأحل من النهبة) (‪. )75‬‬
‫قال أبو داود‪ :‬الشك من هناد ـ يعين أحد رواته‪.‬‬
‫{القول الثاني}‪ :‬أنه حيل‪ ،‬وهو املشهور من مذهب أمحد وقول مجهور العلماء ملا روى أمحد‬
‫وأبو داود من حديث جابر رضي اهلل عنه قال‪ :‬خرجنا مع النيب صلى اهلل عليه وسلم يف جنازة‪ ،‬فلما‬
‫رجع استقبله داعي امرأة ـ ويف لفظ ألمحد داعي امرأة من قريش ـ فقال يا رسول اهلل‪ ،‬إن فالنة تدعوك‬
‫ومن معك إىل طعام فانصرف‪ ،‬فانصرفنا معه فجيء بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم أيديهم‪ ،‬فنظر آباؤنا‬
‫إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يلوك لقمة يف فمه ثم قال‪( :‬أجد حلم شاة أخذت بغري إذن أهلها)‬
‫فأرسلت املرأة ـ ويف رواية‪ :‬قامت ـ فقالت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إني أرسلت إىل البقيع من يشرتي يل شاة فلم‬
‫أجد‪ ،‬فأرسلت إىل جار يل قد اشرتى شاة أن أرسل إيل هبا بثمنها‪ ،‬فلم أجد‪ ،‬فأرسلت إىل امرأته‬
‫(‪)7٦‬‬
‫فأرسلت إيل هبا‪ ،‬فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬أطعميه األسارى)‬
‫هذا ما استدل به اجلمهور‪ ،‬ووجه الداللة‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم أمر بإطعامه األسارى‪،‬‬
‫ولو كان حراما ما أمر النيب صلى اهلل عليه وسلم بإطعامهم إياه‪ .‬وأجابوا عن دليلي القائلني بعدم احلل بأن‬
‫إكفاء القدور على سبيل التعزير واملبالغة يف الزجر‪ ،‬وهو جواب قوي لكن يعكر عليه قول النيب صلى اهلل‬

‫)‪ (٧٥‬رواه أبو داود‪ ،‬كتاب اجلهاد‪ ،‬باب يف النهي عن النهي‪..‬ن رقم (‪)2٧٠٥‬‬
‫)‪ (٧٦‬رواه أمحد (‪ )2٩4/٥‬وأبو داود‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب يف اجتناب الشبهات‪ ،‬رقم (‪)3332‬‬
‫{‪}55‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫عليه وسلم‪( :‬إن النهبة ليست بأحل من امليتة) إال أن يقال‪ :‬املراد بيان حكم أصل النهبة‪ ،‬وأن من انتهب‬
‫شيئا بغري حق ـ كان حراما عليه كامليتة وإن مل يكن من شرطه الذكاة‪ ،‬وأنه ليس املراد أن ذبح املنهوب ال‬
‫حيله فيكون ميتة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫وأما حديث جابر الذي استدل به اجلمهور على احلل؛ فليس بظاهر الداللة إذ ليس أخذ املرأة‬
‫للشاة عدواناً حمضاً‪ ،‬فإمنا أخذهتا مضمونة بالثمن من امرأة املالك‪ ،‬وقد جرت العادة بالسماح يف مثل‬
‫ذلك غالبا السيما وهي مقدمة لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وأصحابه‪ ،‬فهو من املشتبه الذي ينبغي‬
‫التنزه عنه عند عدم احلاجة إليه ولذا تنزه عنه النيب صلى اهلل عليه وسلم لعدم حاجته إليه‪ ،‬وأمر‬
‫بإطعامه األسارى حلاجتهم إليه غالبا‪.‬‬
‫وإذا تبني أال داللة للجمهور فيما استدلوا به وال ملخالفيهم؛ وجب الرجوع إىل القواعد الشرعية‬
‫العامة‪ .‬فنقول‪ :‬املغصوب وحنوه مما أخذ بغري رضا صاحبه حرام على الغاصب وحنوه‪ ،‬وعلى كل من‬
‫علم به‪ ،‬سواء أكان مما يشرتط حبله يف األصل الذكاة أم ال‪ ،‬حتى لو غصب حلماً كان حراماً عليه وعلى من‬
‫علم به وأما ذكاة الغاصب وحنوه؛ فهي ذكاة من مسلم أهل ذكر اسم اهلل عليها مبا ينهر الدم‪ ،‬فكانت‬
‫مبيحة للمذكى كغري الغاصب‪ ،‬واهلل أعلم بالصواب‪.‬‬

‫{‪}5٦‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫فهرسة‬
‫ص‬ ‫مباحث‬ ‫رقم‬
‫‪2‬‬ ‫خطبة الكتاب ‪.........................................‬‬
‫‪3‬‬ ‫أ {الفصل األول يف تعريف األضحية وحكمها}‪......................‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪ ‬اختلف العلماء فى حكمها وادلة كل؟ ‪........................‬‬
‫‪٥‬‬ ‫‪ { ‬أدلة القائلني بالوجوب}‪..............................‬‬
‫‪٧‬‬ ‫‪{ ‬أدلة القائلني بعدم وجوب}‪.............................‬‬
‫‪1٠‬‬ ‫‪ ‬وذبح األضحية أفضل من الصدقة بثمنها‪.......................،‬‬
‫‪12‬‬ ‫‪{ ‬وأما األضحية عن األموات}؛ فهي ثالثة أقسام ‪................:‬‬
‫‪14‬‬ ‫ب {الفصل الثانى فيما تتعني به األضحية وأحكامه}‪....................‬‬
‫‪1٧‬‬ ‫‪ ‬وإن كان الذبح غري صاحبها وال وكيله؛ فله ثالث حاالت‪.............:‬‬
‫‪1٨‬‬ ‫{الفصل الثالث فيما يؤكل منها وما يفرق}‪.........................‬‬ ‫ج‬
‫‪1٩‬‬ ‫والقول القديم للشافعي يأكل النصف‪ ،‬ويتصدق بالنصف‪...................‬‬
‫‪2٧‬‬ ‫{الفصل الرابع فيما جيتنبه من أراد األضحية}‪......................‬‬ ‫د‬
‫‪3٠‬‬ ‫{الفصل اخلامس يف العيوب املكروهة يف األضحية}‪...................‬‬
‫‪32‬‬ ‫‪ ‬ويلحق هبذه العيوب املكروهة ما يأتي‪.........................‬‬
‫‪34‬‬ ‫{الفصل السادس يف الذكاة وشروطها}‪..........................‬‬
‫‪3٨‬‬ ‫‪{ ‬وهل يشرتط مع ذلك أن يقصد األكل؟ على قولني}‪..............:‬‬
‫‪41‬‬ ‫‪ ‬واختلف العلماء رمحهم اهلل فيما إذا ترك التسمية على الذبيحة‪..........‬‬
‫‪4٩‬‬ ‫‪ ‬ومتام الذكة بقطع أربعة أشياء‪..............................‬‬
‫‪٥٠‬‬ ‫‪ ‬هل يشرتط فيه متام القطع حبيث ينفصل املقطوع بعضه عن بعض أوال يشرتط؟‪..‬‬
‫‪٥٠‬‬ ‫‪ ‬واختلفوا أيضا هل يشرتط أن يكون القطع من ناحية احللق أو ال‪...........‬‬
‫‪٥2‬‬ ‫‪ ‬وإن شرع يذحبها فرأى يف السكني خلال فألقاها وأخذ غريها‪............‬‬
‫‪٥4‬‬ ‫‪ ‬املغصوب يذحبه الغاصب‪ ،‬واملسروق يذحبه السارق وحنو ذلك‪ ،‬ففي حله قوالن‬

‫{‪}57‬‬
‫هبيمة االنعام فى حكم االضحية والذكاة‬

‫{املراجع}‬
‫‪ .1‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الذبائح والصيد‪ ،‬باب إذا أصاب قوم غنيمة‬
‫‪ .2‬صحيح مسلم‬
‫‪ .3‬مسند امام أمحد (‪)294/5‬‬
‫‪ .4‬مسند أبو داود‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب يف اجتناب الشبهات‬
‫‪ .5‬معجم الكبري للطرباني (‪)211/٨‬‬
‫‪ .6‬املصنف البن شيبة (‪)255 ،253/4‬‬
‫‪ .7‬النهاية البن ابى شيبة‬
‫‪ .8‬السنن الكبري المام النسائي‪ ،‬كتاب الفرع والعترية‪ ،‬باب ما يدبغ به جلود امليتة‬
‫‪ .9‬مسندامام الرتمذى‬
‫‪ .10‬مسندامام ابن ماجه‬
‫‪ .11‬مسندامام احلاكم‬
‫‪ .12‬مسندامام البيهقى‬
‫‪ .13‬مسندامام البزارى‬

‫{‪}5٨‬‬

You might also like