You are on page 1of 13

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫(مقدمة المؤلف)‬

‫الحمد هلل رب العالمين وصلى اهلل على محمد األمين واله الطاهرين وعلى‬

‫جميع األنبياء والمرسلين ومن واالهم إلى يوم الدين وبعد‪:‬‬

‫وعمل‬
‫ٌ‬ ‫فمما ال ريب فيه أن اإليمان معرفة بالقلب وإ قرار باللسان‬

‫بالجوارح او االركان‪ ،‬وال يكتمل اإليمان اال بمجموع هذه األركان‬

‫رب ما يكره المرء على‬


‫الثالثة‪ -‬االّ من اكره وقلبه مطمئن باأليمان‪ -‬إذ ّ‬

‫ترك اإلقرار باللسان جهراً فيكفي اإلقرار سراً وقد ال يقدر على العمل‬

‫بالجوارح لمانع قهري فيكفي فيه النية ولذلك جاء االستثناء في اآلية‬

‫الكريمة مؤكداً على اطمئنان القلب فإذا زاغ القلب لم يعد في القول‬

‫والعمل نفع وان طابق مراد الشرع‪.‬‬

‫والمعلوم أن الشهادة لعلي (ع) بالوالية بعد الشهادتين هي من‬

‫شعارات شيعة علي (ع) وأولياءهم فبعضهم يؤمن بها من غير مقول وال‬

‫‪1‬‬
‫إعالن وبعضهم يقول الشهادة وقلبه غير مطمئن بصحتها وبعضهم يقول‬

‫الشهادة وهو يؤمن بها على االستحباب ال الوجوب وهم أكثرية الشيعة‬

‫األمامية وأكثرية علمائهم‪.‬‬

‫والظاهر ان سبب التردد في وجوب الشهادة يعود الى عوامل عديدة‬

‫ذات صلة بالبحث التاريخي من جهة والبحث اللغوي من جهة اخرى‬

‫والبحث الكالمي من جهة ثالثة عالوة على القواعد المذكورة في الحديث‬

‫واألسانيد وهناك مدخل ايضاً لآلراء الشخصية والظروف الموضوعية‬

‫وقوة وضعف الشيعة مقابل التيارات والمذاهب االخرى وقوتها وضعفها‬

‫بحيث ان الراي الشرعي الخالص والمرتبط بالكتاب والسنة من غير هذه‬

‫المؤثرات والعوامل قد ال تجده في أي بحث من االبحاث التي تعرضت‬

‫لهذه القضية‪.‬‬

‫والدليل على ذلك ان مسألة الشهادة الثالثة لعلي بن ابي طالب (ع)‬

‫تعرضت لفتاوى وآراء متباينة جداً عن علماء الشيعة انفسهم فمنهم من‬

‫‪2‬‬
‫جعلها من جملة االستحباب المطلق او المؤكد وبعضهم جعلها من جملة‬

‫المندوبات العادية والتي ال صلة لها باآلذان األصلي‪ ،‬بل ان بعضهم افتى‬

‫ببطالن االذان اذا كان فيه نية المؤمن انها واجبة‪ ،‬ولم يكتف بعض‬

‫العلماء بهذا حتى دعا بعضهم الى اسقاط هذه الشهادة من االذان بدعوى‬

‫توحيد المسلمين!‬

‫وسمعنا في االونة االخيرة ان محادثات تجري مع علماء سنة السقاط‬

‫الشهادة الثالثة في اذان الشيعة مقابل ادخال (حي على خير العمل)‬

‫واسقاط (الصالة خير من النوم) على اساس ان الشهادة الثالثة من‬

‫مبتدعات الشيعة وان عبارة (الصالة خير من النوم) من مبتدعات السنة‬

‫وانه يتوجب الرجوع الى االذان االصلي على العهد النبوي والذي يتضمن‬

‫عبارة (حي على خير العمل)‪ .‬بل ان بعض العلماء حرم ذكر الشهادة‬

‫( ‪)1‬‬
‫الثالثة وقال انها بدعة كما نص عليه السيد شرف الدين‬

‫(‪ )1‬النص واالجتهاد‪243/‬‬

‫‪3‬‬
‫وعلى العموم فان علماء الشيعة ما بين محرم للشهادة الثالثة وما بين‬

‫حامل لها على االستحباب او االستحباب المؤكد وما بين محرم لها حال‬

‫االعتقاد بأنها جزء من االذان ولم يصدر عن احدهم وجوبها اال ما ذكره‬

‫السيد صاحب المستمسك في قوله‪" :‬بل ذلك في هذه االعصار معدود من‬

‫شعار االيمان ورمز التشيع فيكون من هذه الجهة راجحاً شرعاً بل قد‬

‫( ‪)2‬‬
‫يكون واجباً"‪.‬‬

‫وقد تالحظ معي انعكاس الظروف واألحوال على الفتاوى فان السيد‬

‫رحمه اهلل قد كانت له مكانة عظيمة في زمانه حتى أن رئيس الدولة كان‬

‫يأتيه ويقبل يديه فقوله باحتمال وجوبها إنما هو قول الرجل القوي في‬

‫سلطانه بخالف من سبقه ومن تاله‪.‬‬

‫لكن عبارته "في هذه االعصار" توحي بل تصرح بان الشهادة لم تكن‬

‫موجودة سابقاً حتى عند الشيعة انفسهم!‬

‫(‪ )2‬مستمسك العروة الوثقى‪/‬ج‪5/545‬‬

‫‪4‬‬
‫فان كان كذلك فمن اين يأتي بأمكان وجوبها اذ المقصود هو الوجوب‬

‫الشرعي ال غيره وهو يحتاج دوماً الى دليل قطعي في الوجوب من‬

‫الس نة‪.‬‬
‫القرآن او ُ‬

‫والواقع ان هناك شبه اتفاق بين علماء الفريقين على ان الشهادة الثالثة‬

‫للوالية لعلي (ع) هي مثل زيادة عمر بن الخطاب في االذان وانقاص‬

‫فقرة منه فهي اذن زيادة من الشيعة لكنها مبررة عند علماء االمامية او‬

‫بعضهم اكثر من زيادة عمر من جهة ان هناك نصوص في والية علي‬

‫(ع) بينما ال يوجد نص يبيح لعمر انقاص عبارة (حي على خير العمل)‬

‫حتى لو كان المبرر لذلك هو الجهاد الن الصالة تبقى خير االعمال في‬

‫وقتها ولو في ساحة الحرب فهي فتوى من عمر اغفلت عدم تزاحم السنن‬

‫واالوامر االلهية فان اهلل اجل واعظم من ان يأمر بأمر يناقض او يهون‬

‫امراً اخر‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫لكن هذا في حالة ان االذان منصوص عليه بالوحي والواقع ان هذه‬

‫المسألة فيها خالف ايضاً فبعضهم ادعى ان االذان كله ليس من الوحي‬

‫وانما هو (حلم رآه عمر) وجرى على لسانه والظاهر ان هذه الرواية‬

‫تحاول اعطاء تبرير للزيادة والنقيصة في االذان على اعتبار ان صاحبه‬

‫يعد ل فيه كما يشاء خالفاً لغيره‪.‬‬


‫عمر فهو ّ‬

‫وهذه الرواية ساقطة من اعتبار علماء السنة النها تضمنت اساءة للنبي‬

‫(ص) حيث زعمت انه بقي في حيرة من امره في كيفية صياغة نداء‬

‫لجمع الناس للصالة فأقترحوا الطبل فكره الطبل واقترحوا الناقوس ِ‬


‫فكر ه‬

‫الناقوس ثم اسعفه عمر برؤياه التي ذكر فيها االذان كامال‪.‬‬

‫في حين ذكرت في روايات اخرى ان الرائي رجل من االنصار او هو زيد‬

‫بن حارثة مولى النبي (ص)‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫وعلى اية حال فان هذا االضطراب في االذان اذ هو شعار من شعارات‬

‫الدين وينادى به خمس مرات في اليوم والليلة قد دفعنا الى اجراء دراسة‬

‫ابتداء ‪ ،‬فمن تلك المالحظات ‪:‬‬


‫ً‬ ‫في الموضوع وتكونت لدينا عدة مالحظات‬

‫االولى‪ :‬ان ذكر الوجه في تحريم الشهادة الثالثة او استحبابها قد جرى‬

‫بمعزل تام عن علم االصول في الفقه خالفاً للمسائل الشرعية االخرى‬

‫وكانت االراء فيها شخصية محضة ال تمت حتى الى اسس هذا العلم بصلة‬

‫تذكر النها احكام لم تتضمن أي تخريج فقهي مبني على الكتاب او السنة‬

‫مما دفعنا لالعتقاد بان احتمال وجوبها اصال احتمال قوي وان الظروف‬

‫الخاصة بالردة واالنقالب على االعقاب من بعد النبي (ص) قد اسدل‬

‫الستار على هذه الشهادة ووجوبها الشرعي وبقيت معطلة مثلها مثل أي‬

‫واجب شرعي معطل او محرف‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬ان الذي يؤكد ذلك هو المبررات المذكورة لتحريم الشهادة الثالثة‬

‫فان غاية ما ذكروه هو (جمع المسلمين) وتوحيدهم ومعلوم ان الجمع‬

‫‪7‬‬
‫والتوحيد هو مبرر ال شرعي اذ الناس غالبا ما يتفقون على الباطل اكثر‬

‫من اتفاقهم على الحق كما صرح القرآن الكريم بذلك‪ ..‬فهل يرى العلماء‬

‫سنة او شيعة ان الشهادة الثالثة اذا كانت واجبة وتفرق االمة يجب‬

‫ابطالها من اجل اجتماع االمة؟!‬

‫على هذا المنطق المريض والملتوي يتوجب عليهم بعد فترة وتطاول من‬

‫الزمان ان يتركوا القبلة الكعبة الحرام النها من اعظم مواضيع الخالف‬

‫بينهم وبين اهل الكتاب!‬

‫والمبرر نفس المبرر الننا نؤمن بكتاب هؤالء ورسلهم (ع) وقد اكد‬

‫القرآن في اكثر من موضع ان القبلة فتنة للملل لتمحيص نواياهم‬

‫واخراج مكنون صدورهم‪.‬‬

‫قال تعالى‪:‬‬

‫"وما جعلنا القبلة التي كنت عليها اال لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب‬

‫‪/143‬البقرة‬ ‫على عقبيه"‬

‫‪8‬‬
‫ذلك ان تغ ير القبلة من بيت المق دس الى الكعبة المش رفة ادى الى ارت داد‬

‫كث يرين عن االس الم فهل يعقل ان نبطل ه ذا الحكم الش رعي من اجل ان‬

‫يتوحد المسلمون؟‬

‫وقال تعالى‪:‬‬

‫بتابع‬
‫ٍ‬ ‫"ولئن اتيت الذين اوتوا الكتاب بكل اية ما اتبعوا قبلتك وما انت‬

‫قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض والن اتبعت اهواءهم من بعد ما‬

‫جاءك من العلم انك اذاً لمن الظالمين" ‪/145‬البقرة‬

‫اذن فه ذا الم برر الس قاط الش هادة الثالثة م برر غ ير ش رعي بل هو اتب اع‬

‫لأله واء وظلم‪ ،‬النه ليس المقص ود من الش رع الجمع القس ري للن اس بل‬

‫التوحيد والجمع تحص يل حاصل التب اعهم الش رع فمن ت رك االس الم الن‬

‫هواه مع قبلة النصارى كفر النه متبعٌ لهواه ال للحكم الشرعي ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫وإ ني ألعجب من علم اء دين ي بررون االحك ام الش رعية وفق م بررات‬

‫ال ذين كف روا بل ك ان عليهم ان يبطل وا الش هادة الثالثة بالوالية لعلي (ع)‬

‫من الكتاب والسنة ال وفق أهواءهم‪.‬‬

‫الثالث ة‪ :‬ان ن داء االذان ن داء ه ام ج داً بل يمكن الق ول انه ص رخة تتك رر‬

‫خمس م رات في الي وم ال يتحمل س ماعه اال م ؤمن باهلل ورس وله وم ذعن‬

‫اد ى الى انزعاج الطغاة دوماً وقض مض اجعهم‬


‫للحكم الشرعي وهو شعار ّ‬

‫حتى تمنوا في فتح مكة ان يكونوا قد ماتوا قبل سماع االذان‪.‬‬

‫قال بن االثير في حوادث فتح مكة‪:‬‬

‫"ولما جاء وقت الظهر امر رسول اهلل (ص) بالالً ان ي ؤذن على ظهر‬

‫الكعبة وق ريش ف وق الجب ال فمنهم من يطلب االم ان ومنهم من قد أمن‬

‫فلما أذن وق ال‪ :‬اش هد ان محم داً رس ول اهلل ق الت جويرية بنت ابي جهل‬

‫(وكان قد قتل ابوها في بدر) قالت‪ :‬لقد اك رم اهلل ابي حيث لم يش هد نهيق‬

‫بالل فوق الكعبة"‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫مت قبل هذا اليوم‍‍!"‍‍‪.‬‬
‫قال بن االثير ‪:‬وقال الحرث بن هشام‪" :‬ليتني ُ‬

‫وقال بن االثير‪ :‬وق ال جماعة نحو ه ذا الق ول ولم ي ذكر اس ماءهم ثم عقب‬

‫وحس ن اسالمهم رضي اهلل عنهم!‬


‫ُ‬ ‫بالقول‪ :‬ثم اسلموا‬

‫اق ول‪ :‬اوالً ‪ ،‬ال علم له ب القلوب وانما يعلم الم رء من أفعاله ومن ك ره‬

‫سماع اسم رسول اهلل مع احتم ال ان يك ون مرسل من اهلل إنما هو ش خص‬

‫ك افر‪ .‬نعم اس لموا (او قل استس لموا) ليحقن وا دم اءهم حسب اعتق ادهم‬

‫وهو ش يء غ ير األيم ان فك أن ه ؤالء العلم اء والم ؤرخين يعط ون للكف ار‬

‫والمش ركين م بررات في ح ربهم وعن ادهم وك أنهم يبحث ون عن ال دليل‬

‫والبرهان!‬

‫فهل يق ال ان البره ان النب وي اكتمل ب الفتح؟ وهل ك انت األدلة وال براهين‬

‫غير كافية مدة إحدى وعشرين سنة والقرآن يتلى عليهم؟‬

‫ومن ال ي ؤمن م دة إح دى وعش رين س نة فكيف ن زعم انه إذا اس لم ي وم‬

‫الفتح حسن إس المه ورضي اهلل عن ه؟ بل ال ذي حصل إن أف واج المن افقين‬

‫‪11‬‬
‫دخلت في ال دين الجديد ي وم الفتح ول ذلك ن زلت س ورة التوبة بعد الفتح‬

‫مباش رة وكش فت جميع اص نافهم واعم الهم ونواي اهم وهو ما اجمع عليه‬

‫المفس رون ف الغريب لم يتكلم الم ؤرخ بش يء ين اقض فيه ق ول المفسر‬

‫ويتكلم المفسر بكالم ين اقض ق ول الفقيه والحق ال ذي ال شك فيه ان ت راث‬

‫امتنا عبارة عن كشكول من المتناقضات فيه كل ما لذ وطاب‪.‬‬

‫اء على ه ذه المالحظة يمكن الق ول ان اآلذان عنصر ه ام من‬


‫لكن وبن ً‬

‫عناصر الص راع وقض ية مهمة ح دثت بش أن فقراته مش اكل عدي دة فك ان‬

‫ذكرهم ذاكر لكن‬ ‫رى ان أبو بكر وعمر ذهبا ولم يعد ي‬ ‫معاوية مثال ي‬

‫المش كلة هي فيمن ين ادى باس مه خمس م رات في الي وم على رأس‬

‫الخليف ة! بينما الخليفة نفسه ال ين ادى باس مه! وه ذه بالنس بة له مش كلة‬

‫إعالمية كب يرة والحق ان الحك ام جميع اً الزال وا يع انون من ه ذه المش كلة‬

‫في األذان‪.‬‬

‫‪12‬‬
13

You might also like