Professional Documents
Culture Documents
سبق وأن تطرقنا فيما سبق لتعريف املنهج كطريق يؤدي إىل الكشف عن احلقيقة .غري أن تعدد املناهج يطرح
إشكالية التصنيف ،حيث يُ َعد التصنيف على أساس البعد الزمين لوقوع احلدث أكثر التصنيفات شيوعا
واستخداما ،والذي يصنف املناهج البحثية إىل مناهج تارخيية ووصفية وجتريبية .ولذلك سنتطرق هلا فيما تبقى
من حصص هذا الدرس.
إن عملية اختيار منهج حمدد من مناهج البحث العلمي مهمة جدا وتتطلب تكييفها مع طبيعة املشكلة البحثية
من أجل املساعدة يف الفهم املوضوعي والوصول إىل نتائج دقيقة وعملية .وهذا يتطلب أن يكون النهج
املستخدم يف البحث واضحا ومتسقا مع عناصر البحث.
ظهر املنهج التارخيي كمقرتب يدرس األحداث يف عالقتها مع األوضاع التارخيية يف القرن التاسع عشر خصوصا
يف أملانيا ،ومع تطور العلوم التارخيية والتفكري التارخيي فرض نفسه كمنهج يف التحليل.
يشكل التاريخ بصفة عامة حبثا أو استقصاء للماضي ،اعتبارا لكون حاضر الظاهرة ال ينفصل عن ماضيها بل
هو امتداد هلا وفقا ملبدأ التطور .فالتاريخ ليس جمرد سرد ألحداث املاضي ،بل أنه اداة للتفسري وخصوصا عندما
يتعلق االمر باملقارنة ،حيث اعترب إميل دوركامي بأن التاريخ املقارن هو أداة مهمة يف يد علماء االجتماع
تساعدهم على التحليل والشرح.
يضطلع املنهج التارخيي بدور هام وأساسي يف ميدان الدراسات والبحوث العلمية القانونية واإلدارية ،الت
تتمحور حول الوقائع واألحداث والظواهر القانونية ،املتحركة واملتطورة واملتغرية ،باعتبارها وقائع وأحداث
وظواهر إنسانية يف األصل.
فيقدم املنهج التارخيي الطريقة العلمية الصحيحة ،للكشف عن احلقائق العلمية التارخيية للنظم واألصول واملدارس
والنظريات واألفكار القانونية واإلدارية والتنظيمية.
إن املنهج التارخيي هو الذي يقود إىل معرفة األصول والنظم والفلسفات واألسس ،وذلك عن طريق حصر
ومجع كافة الوثائق التارخيية ،وحتليلها ونقدها ،وتركيبها وتفسريها ،ملعرفة وفهم قواعد ومبادئ األفكار القانونية
السائدة ،والسارية املفعول ،والقيام بالبحوث والدراسات العلمية املقارنة ،ولفهم واقع النظم القانونية واإلدارية
املعاصرة فهما سليما حقيقيا أوال ،ولتطويرها مبا جيعلها أكثر مالئمة وتفاعال وانسجاما مع واقع احلياة املعاصرة
ثانيا.
فبواسطة املنهج التارخيي ميكن معرفة احلقائق العلمية والتارخيية ،عن أصل وأساس وغاية القانون ،يف كافة مراحل
وعصور ماضي التاريخ اإلنساين بطريقة علمية صحيحة .كما ميكن التعرف على األحكام والنظريات القانونية
القدمية واملاضية ،مثل النظام القانوين واإلداري اإلغريقي والروماين ،النظام القانوين اإلداري اإلسالمي ،الصيين،
اهلندي...
المبحث األول :المنهج التاريخي ،المفهوم والخطوات
يهتم املنهج التارخيي بدراسة ظواهر سابقة حيث يتم تفسريها هبدف استخراج مضامينها ومعرفة مدى تأثريها
على الواقع احلايل للمجتمعات واستخالص الدروس منها (املطلب األول) ،ويستلزم منهج البحث التارخيي
املرور بعدة خطوات (املطلب الثاين).
المطلب األول :تعريف وخطوات المنهج التاريخي
يُعىن املنهج التارخيي بدراسة األحداث والوقائع الت وقعت يف املاضي ،من خالل رصد عناصرها وحتليلها
ومناقشتها وتفسريها ،واالستناد على ذلك لفهم الواقع احلايل وتوقع االجتاهات املستقبلية القريبة والبعيدة
ويتطلب القيام بالبحث التارخيي خطوات معينة.
يروم منهج البحث التارخيي الوصول اىل املبادئ والقوانني العامة الت حتكم الظواهر االجتماعية من خالل
البحث يف احداثها املاضية كيف نشأت وكيف تطورت؟ وماهي العوامل الت حكمت نشأهتا وتطورها؟ والعودة
اىل املاضي هو ما مييز املنهج التارخيي عن غريه من مناهج العلوم االجتماعية ،فاستقراء الظواهر واالحداث من
خالل دراسة تارخيية مقارنة ميكن بطريقة منطقية من التمييز بني املتغريات االصلية أو املستقلة يف التفسري،
واملتغريات التابعة أو الثانوية.
ينبين املنهج التارخيي على عرض األحداث املاضية وحتليل اجتاهات ظاهرة معينة .ويهدف إىل االستفادة من
املاضي لفهم وحتليل احلاضر ،وحماولة ربط الوقائع بسياق زمين معني ،من أجل استقراء احلقائق .بشكل عام،
جيب أن يُعاجل الباحث الظاهرة التارخيية مبنهج علمي لوضعها يف سياقها الزماين واملكاين واملؤسسي .بطبيعة
احلال ،فمهمة الباحث هي دراسة املاضي البشري بعد سرد سلسلة من األحداث باتباع األدلة التارخيية املتاحة
والوثائق واآلثار وما إىل ذلك .وميكن أن تكون هذه األدلة والوثائق واآلثار غري كافية وغري حمايدة وغري موثقة
بالكامل ،مما يؤدي إىل استخدام أدلة إضافية مثل الرتاث االجتماعي والشفهي.
يف الوقت احلاضر ،حياول الباحثون تأسيس املنهج التارخيي على أساس علمي يستوحي مبادئه وأغراضه وطرق
إدارته من منهجية البحث العلمي للحصول على تفسريات إلشكاليات البحث .وامتد جمال استخدام املنهج
التارخيي إىل غاية ال تقتصر على ما يسمى مبادة التاريخ ،بل تستخدم يف خمتلف جماالت العلوم الطبيعية
واالجتماعية .وهذا يعين أنه ميكن للباحثني استخدام املنهج التارخيي بغض النظر عما إذا كانت الدراسة تارخيية
حبتة أو ال ،فقد أصبح منهجا علميا يعتمد الطريقة العلمية يف تناول خطواته وإجراءاته.
تتم مالحظة الوقائع التارخيية إما بشكل مباشر عند حدوثها ،مما يتطلب توثيق وحتليل أسباب وتأثريات ما
حدث على اإلنسان ،أو بشكل غري مباشر من خالل تتبع آثار األحداث .وعموما فاملعرفة التارخيية بشكل
عام غري مباشرة .إن تقييم ما حدث هو عملية مهمة للغاية ،حيث ميكن أن تتعلق "بآراء" و "مشاعر" ،والت
جيب أوال استبعادها ألن اهلدف هو احلصول على معلومات دقيقة وموضوعية .وتؤدي عملية التقييم اخلارجي
(أي موثوقية املصادر) والداخلي (أي حتليل املستندات) إىل إجياد نسق بني األحداث املعزولة أو املتفرقة.
فعملية مجع وتصنيف األحداث التارخيية تؤدي إىل ارتباطها وتفسريها ووضعها يف سياق عام .وميكن أن يساعد
ذلك يف استخالص استنتاجات للتغريات يف اجملتمع الت يتم حتليلها ارتباطا بالظاهرة التارخيية قيد الدراسة.
وميكن استخدام هذا النهج أيضا من أجل الوصول إىل املبادئ والقوانني الت ميكن من خالهلا تفسري الظواهر
التارخيية.
المطلب الثاني :خطوات البحث التاريخي
يستلزم منهج البحث التارخيي املرور بعدة خطوات:
تحديد المشكلة واختيار موضوع البحث :على الباحث أن يراعي عند اختيار اإلشكالية موضوع الدراسة
امتدادها التارخيي حبيث تتصف باالستمرار مما ميكن من تتبع الظاهرة والتعرف على مراحل تطورها .وعادة ما
يستقي الباحث إشكالية الدراسة من جمال ختصصه ومن خالل اطالعه على الدراسات السابقة.
جمع الوقائع وحصر الوثائق التاريخية أي المادة التاريخية :يقوم الباحث جبمع البيانات واملعلومات من
مصادرها .وتنقسم هذه املصادر إىل أولية وثانوية.
املصادر األولية :هي املصادر األصلية ،مثل :األشخاص ،السجالت الرمسية ،اآلثار.
املصادر الثانوية :هي املصادر الت متثل نسخة عن املصادر األصلية مثل :تقرير ملقابلة مع شاهد عيان ،الصحف
والدوريات.
تحليل ونقد وتقييم المصادر :يرتبط البحث التارخيي باملصادر غري املباشرة والقدمية وهذا يضفي تساؤالت
حول مدى دقتها وصدقها؛ لذا يلجأ الباحث للتأكد من صحة املعلومات للنقد اخلارجي ويتضمن التأكد من
صحة الوثيقة حمل البحث ،والنقد الداخلي الذي يهدف إىل تقييم حمتوى الوثيقة وصحة ومعىن املضمون الذي
حتتويه.
عملية التركيب والتفسير التاريخي :بعد أ ن ينهي الباحث املراحل السابقة ويتحقق من فرضياته ،خيلص إىل
الباحث إىل النتائج ث يقوم بتحرير التقرير النهائي للبحث العلمي حمرتما قواعد الشكل واملضمون .حيث يكون
الباحث ملزما بتحليل معطياته عرب استخالص االختالفات واملتمايزات واملتعارضات ،وكلها أهداف يلعب
احلس النقدي دورا أساسيا يف الوصول إليها.
وفيما يلي أمثلة لدراسات اعتمدت املنهج التارخيي:
● مؤسسة احملتسب باملغرب من احلماية إىل االستقالل.
● مديونية املقاوالت املغربية يف بداية القرن العشرين.