You are on page 1of 5

‫مناهج العلوم القانونية واالجتماعية‬

‫الدورة الخريفية‪2021-2020 :‬‬


‫المحاضرة ‪7‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬مناهج البحث العلمي‬
‫‪La méthode historique‬‬ ‫المنهج التاريخي‬

‫سبق وأن تطرقنا فيما سبق لتعريف املنهج كطريق يؤدي إىل الكشف عن احلقيقة‪ .‬غري أن تعدد املناهج يطرح‬
‫إشكالية التصنيف‪ ،‬حيث يُ َعد التصنيف على أساس البعد الزمين لوقوع احلدث أكثر التصنيفات شيوعا‬
‫واستخداما‪ ،‬والذي يصنف املناهج البحثية إىل مناهج تارخيية ووصفية وجتريبية‪ .‬ولذلك سنتطرق هلا فيما تبقى‬
‫من حصص هذا الدرس‪.‬‬
‫إن عملية اختيار منهج حمدد من مناهج البحث العلمي مهمة جدا وتتطلب تكييفها مع طبيعة املشكلة البحثية‬
‫من أجل املساعدة يف الفهم املوضوعي والوصول إىل نتائج دقيقة وعملية‪ .‬وهذا يتطلب أن يكون النهج‬
‫املستخدم يف البحث واضحا ومتسقا مع عناصر البحث‪.‬‬
‫ظهر املنهج التارخيي كمقرتب يدرس األحداث يف عالقتها مع األوضاع التارخيية يف القرن التاسع عشر خصوصا‬
‫يف أملانيا‪ ،‬ومع تطور العلوم التارخيية والتفكري التارخيي فرض نفسه كمنهج يف التحليل‪.‬‬
‫يشكل التاريخ بصفة عامة حبثا أو استقصاء للماضي‪ ،‬اعتبارا لكون حاضر الظاهرة ال ينفصل عن ماضيها بل‬
‫هو امتداد هلا وفقا ملبدأ التطور‪ .‬فالتاريخ ليس جمرد سرد ألحداث املاضي‪ ،‬بل أنه اداة للتفسري وخصوصا عندما‬
‫يتعلق االمر باملقارنة‪ ،‬حيث اعترب إميل دوركامي بأن التاريخ املقارن هو أداة مهمة يف يد علماء االجتماع‬
‫تساعدهم على التحليل والشرح‪.‬‬
‫يضطلع املنهج التارخيي بدور هام وأساسي يف ميدان الدراسات والبحوث العلمية القانونية واإلدارية‪ ،‬الت‬
‫تتمحور حول الوقائع واألحداث والظواهر القانونية‪ ،‬املتحركة واملتطورة واملتغرية‪ ،‬باعتبارها وقائع وأحداث‬
‫وظواهر إنسانية يف األصل‪.‬‬
‫فيقدم املنهج التارخيي الطريقة العلمية الصحيحة‪ ،‬للكشف عن احلقائق العلمية التارخيية للنظم واألصول واملدارس‬
‫والنظريات واألفكار القانونية واإلدارية والتنظيمية‪.‬‬
‫إن املنهج التارخيي هو الذي يقود إىل معرفة األصول والنظم والفلسفات واألسس‪ ،‬وذلك عن طريق حصر‬
‫ومجع كافة الوثائق التارخيية‪ ،‬وحتليلها ونقدها‪ ،‬وتركيبها وتفسريها‪ ،‬ملعرفة وفهم قواعد ومبادئ األفكار القانونية‬
‫السائدة‪ ،‬والسارية املفعول‪ ،‬والقيام بالبحوث والدراسات العلمية املقارنة‪ ،‬ولفهم واقع النظم القانونية واإلدارية‬
‫املعاصرة فهما سليما حقيقيا أوال‪ ،‬ولتطويرها مبا جيعلها أكثر مالئمة وتفاعال وانسجاما مع واقع احلياة املعاصرة‬
‫ثانيا‪.‬‬
‫فبواسطة املنهج التارخيي ميكن معرفة احلقائق العلمية والتارخيية‪ ،‬عن أصل وأساس وغاية القانون‪ ،‬يف كافة مراحل‬
‫وعصور ماضي التاريخ اإلنساين بطريقة علمية صحيحة‪ .‬كما ميكن التعرف على األحكام والنظريات القانونية‬
‫القدمية واملاضية‪ ،‬مثل النظام القانوين واإلداري اإلغريقي والروماين‪ ،‬النظام القانوين اإلداري اإلسالمي‪ ،‬الصيين‪،‬‬
‫اهلندي‪...‬‬
‫المبحث األول‪ :‬المنهج التاريخي‪ ،‬المفهوم والخطوات‬
‫يهتم املنهج التارخيي بدراسة ظواهر سابقة حيث يتم تفسريها هبدف استخراج مضامينها ومعرفة مدى تأثريها‬
‫على الواقع احلايل للمجتمعات واستخالص الدروس منها (املطلب األول)‪ ،‬ويستلزم منهج البحث التارخيي‬
‫املرور بعدة خطوات (املطلب الثاين)‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف وخطوات المنهج التاريخي‬
‫يُعىن املنهج التارخيي بدراسة األحداث والوقائع الت وقعت يف املاضي‪ ،‬من خالل رصد عناصرها وحتليلها‬
‫ومناقشتها وتفسريها‪ ،‬واالستناد على ذلك لفهم الواقع احلايل وتوقع االجتاهات املستقبلية القريبة والبعيدة‬
‫ويتطلب القيام بالبحث التارخيي خطوات معينة‪.‬‬
‫يروم منهج البحث التارخيي الوصول اىل املبادئ والقوانني العامة الت حتكم الظواهر االجتماعية من خالل‬
‫البحث يف احداثها املاضية كيف نشأت وكيف تطورت؟ وماهي العوامل الت حكمت نشأهتا وتطورها؟ والعودة‬
‫اىل املاضي هو ما مييز املنهج التارخيي عن غريه من مناهج العلوم االجتماعية‪ ،‬فاستقراء الظواهر واالحداث من‬
‫خالل دراسة تارخيية مقارنة ميكن بطريقة منطقية من التمييز بني املتغريات االصلية أو املستقلة يف التفسري‪،‬‬
‫واملتغريات التابعة أو الثانوية‪.‬‬
‫ينبين املنهج التارخيي على عرض األحداث املاضية وحتليل اجتاهات ظاهرة معينة‪ .‬ويهدف إىل االستفادة من‬
‫املاضي لفهم وحتليل احلاضر‪ ،‬وحماولة ربط الوقائع بسياق زمين معني‪ ،‬من أجل استقراء احلقائق‪ .‬بشكل عام‪،‬‬
‫جيب أن يُعاجل الباحث الظاهرة التارخيية مبنهج علمي لوضعها يف سياقها الزماين واملكاين واملؤسسي‪ .‬بطبيعة‬
‫احلال‪ ،‬فمهمة الباحث هي دراسة املاضي البشري بعد سرد سلسلة من األحداث باتباع األدلة التارخيية املتاحة‬
‫والوثائق واآلثار وما إىل ذلك‪ .‬وميكن أن تكون هذه األدلة والوثائق واآلثار غري كافية وغري حمايدة وغري موثقة‬
‫بالكامل‪ ،‬مما يؤدي إىل استخدام أدلة إضافية مثل الرتاث االجتماعي والشفهي‪.‬‬
‫يف الوقت احلاضر‪ ،‬حياول الباحثون تأسيس املنهج التارخيي على أساس علمي يستوحي مبادئه وأغراضه وطرق‬
‫إدارته من منهجية البحث العلمي للحصول على تفسريات إلشكاليات البحث‪ .‬وامتد جمال استخدام املنهج‬
‫التارخيي إىل غاية ال تقتصر على ما يسمى مبادة التاريخ‪ ،‬بل تستخدم يف خمتلف جماالت العلوم الطبيعية‬
‫واالجتماعية‪ .‬وهذا يعين أنه ميكن للباحثني استخدام املنهج التارخيي بغض النظر عما إذا كانت الدراسة تارخيية‬
‫حبتة أو ال‪ ،‬فقد أصبح منهجا علميا يعتمد الطريقة العلمية يف تناول خطواته وإجراءاته‪.‬‬
‫تتم مالحظة الوقائع التارخيية إما بشكل مباشر عند حدوثها‪ ،‬مما يتطلب توثيق وحتليل أسباب وتأثريات ما‬
‫حدث على اإلنسان‪ ،‬أو بشكل غري مباشر من خالل تتبع آثار األحداث‪ .‬وعموما فاملعرفة التارخيية بشكل‬
‫عام غري مباشرة‪ .‬إن تقييم ما حدث هو عملية مهمة للغاية‪ ،‬حيث ميكن أن تتعلق "بآراء" و "مشاعر"‪ ،‬والت‬
‫جيب أوال استبعادها ألن اهلدف هو احلصول على معلومات دقيقة وموضوعية‪ .‬وتؤدي عملية التقييم اخلارجي‬
‫(أي موثوقية املصادر) والداخلي (أي حتليل املستندات) إىل إجياد نسق بني األحداث املعزولة أو املتفرقة‪.‬‬
‫فعملية مجع وتصنيف األحداث التارخيية تؤدي إىل ارتباطها وتفسريها ووضعها يف سياق عام‪ .‬وميكن أن يساعد‬
‫ذلك يف استخالص استنتاجات للتغريات يف اجملتمع الت يتم حتليلها ارتباطا بالظاهرة التارخيية قيد الدراسة‪.‬‬
‫وميكن استخدام هذا النهج أيضا من أجل الوصول إىل املبادئ والقوانني الت ميكن من خالهلا تفسري الظواهر‬
‫التارخيية‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬خطوات البحث التاريخي‬
‫يستلزم منهج البحث التارخيي املرور بعدة خطوات‪:‬‬
‫تحديد المشكلة واختيار موضوع البحث‪ :‬على الباحث أن يراعي عند اختيار اإلشكالية موضوع الدراسة‬
‫امتدادها التارخيي حبيث تتصف باالستمرار مما ميكن من تتبع الظاهرة والتعرف على مراحل تطورها‪ .‬وعادة ما‬
‫يستقي الباحث إشكالية الدراسة من جمال ختصصه ومن خالل اطالعه على الدراسات السابقة‪.‬‬
‫جمع الوقائع وحصر الوثائق التاريخية أي المادة التاريخية‪ :‬يقوم الباحث جبمع البيانات واملعلومات من‬
‫مصادرها‪ .‬وتنقسم هذه املصادر إىل أولية وثانوية‪.‬‬
‫املصادر األولية‪ :‬هي املصادر األصلية‪ ،‬مثل‪ :‬األشخاص‪ ،‬السجالت الرمسية‪ ،‬اآلثار‪.‬‬
‫املصادر الثانوية‪ :‬هي املصادر الت متثل نسخة عن املصادر األصلية مثل‪ :‬تقرير ملقابلة مع شاهد عيان‪ ،‬الصحف‬
‫والدوريات‪.‬‬
‫تحليل ونقد وتقييم المصادر‪ :‬يرتبط البحث التارخيي باملصادر غري املباشرة والقدمية وهذا يضفي تساؤالت‬
‫حول مدى دقتها وصدقها؛ لذا يلجأ الباحث للتأكد من صحة املعلومات للنقد اخلارجي ويتضمن التأكد من‬
‫صحة الوثيقة حمل البحث‪ ،‬والنقد الداخلي الذي يهدف إىل تقييم حمتوى الوثيقة وصحة ومعىن املضمون الذي‬
‫حتتويه‪.‬‬
‫عملية التركيب والتفسير التاريخي‪ :‬بعد أ ن ينهي الباحث املراحل السابقة ويتحقق من فرضياته‪ ،‬خيلص إىل‬
‫الباحث إىل النتائج ث يقوم بتحرير التقرير النهائي للبحث العلمي حمرتما قواعد الشكل واملضمون‪ .‬حيث يكون‬
‫الباحث ملزما بتحليل معطياته عرب استخالص االختالفات واملتمايزات واملتعارضات‪ ،‬وكلها أهداف يلعب‬
‫احلس النقدي دورا أساسيا يف الوصول إليها‪.‬‬
‫وفيما يلي أمثلة لدراسات اعتمدت املنهج التارخيي‪:‬‬
‫● مؤسسة احملتسب باملغرب من احلماية إىل االستقالل‪.‬‬
‫● مديونية املقاوالت املغربية يف بداية القرن العشرين‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مزايا وعيوب المنهج التاريخي‬


‫أدى استخدام املنهج التارخيي إىل إبراز عدد من املزايا (املطلب األول) والعيوب (املطلب الثاين)‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مزايا المنهج التاريخي‬
‫إن أهم ميزة للمنهج التارخيي هي أنه منهج ناقد يتحرى احلقيقة من خالل منهجية علمية تبدأ بتحديد‬
‫اإلشكالية مرورا بوضع الفرضيات املالئمة ومجع البيانات واملعلومات واختبار الفرضيات ومن ث الوصول إىل‬
‫نتائج منشودة‪.‬‬
‫يساعد املنهج التارخيي على حل مشاكل معاصرة باالستفادة من خربات املاضي‪ ،‬اي توظيف احلاضر‬
‫الستشراف املستقبل‪.‬‬
‫ويُعترب اعتماد النسبية يف هذا املنهج موطن قوة‪ ،‬مبعىن أن االفكار تتحول وتتبدل مع الزمان العلمي‪ ،‬كما أن‬
‫نقد املصادر واملراجع يعد من مميزات املنهج التارخيي‪ .‬وميكن القول بأن االعتماد على املالحظة غري املباشرة يف‬
‫هذا املنهج كتقنية للبحث ال ينقص من قيمته‪ ،‬خصوصا إذا ما مت إخضاع البيانات للنقد والفحص والتمحيص‬
‫الدقيق‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬عيوب المنهج التاريخي‬
‫بالرغم من أمهية املنهج التارخيي‪ ،‬فقد تعرض لالنتقاد نظرا حملدودية قدرة الباحث التارخيي مهما كان دقيقا‬
‫للوصول إىل كل احلقائق املتصلة بإشكالية الدراسة‪ ،‬فاملعرفة التارخيية تبقى جزئية تستند إىل أدلة جزئية ولن‬
‫يستطيع الباحث اختبار كل األدلة‪.‬‬
‫إن التعامل مع خمتلف املصادر التارخيية يفرض على الباحث دراسة واسعة ومعمقة بالتاريخ وحيادا ودقة‪ ،‬غري‬
‫أن حتكمه يف الظواهر املدروسة يظل حمدودا‪ ،‬لذلك فإن النتائج الت يتم التوصل إليها من خالل توظيف املنهج‬
‫التارخيي تكون غري دقيقة باملعايري العلمية احلديثة ألهنا غري كاملة وتستند إىل أدلة وبراهني جزئية‪.‬‬
‫وقد يواجه الباحث ارتفاعا يف التكاليف للوصول إىل املصادر األولية‪ ،‬كما قد تطول مدة البحث لصعوبة‬
‫الوصول إليها‪.‬‬

You might also like