You are on page 1of 5

‫‪1‬‬

‫األبعاُد اإلنسانيُة ومخاطُر تجاهِلَها‬


‫بتاريخ‪ 26 :‬ربيع الثاني ‪1445‬هـ ‪ 10 -‬نوفمبر ‪2023‬م‬
‫عناصر الخطبة‪:‬‬
‫أواًل ‪ :‬اإلسالُم ديُن اإلنسانيِة‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬مظاهُر وصوُر الجوانِب اإلنسانيِة‪.‬‬
‫ثالًثا‪ :‬اإلنسانيُة في الحرِب والقتاِل ‪.‬‬
‫المـــوضــــــــــوع‬
‫الحمُد ِهلل نحمُدُه ونستعيُنُه ونتو إليِه ونستغف ُه ونؤم بِه ونتوك عليِه ونعوُذ بِه ِم ن شروِر أنفِس َنا وسيئاِت‬
‫ُل‬ ‫ُن‬ ‫ُر‬ ‫ُب‬
‫أعماِلَنا‪ ،‬ونشهُد أْن ال إلَه إاَّل اُهلل وحَدُه ال شريَك له‪ ،‬وأَّن سِّيَد َنا ُمحمًد ا عبُدُه ورسوُلُه ﷺ‪ .‬أَّم ا بعُد‪:‬‬
‫أواًل ‪ :‬اإلسالُم ديُن اإلنسانيِة‬
‫إَّن ال ‪99‬ديَن اإلس ‪99‬المَّي ديُن اإلنسانيِة‪ ،‬فق ‪99‬د ج ‪99‬اَء ل ‪99‬يراِع ي إنسانيَة اإلنساِن فيَم ا ُأِم َر ب ‪ِ9‬ه أو ُنِه َي عنُه‪ ،‬وإذا نظرَن ا إلى‬
‫المصدِر األوِل لإلسالِم وهو القرآنُ كتاُب اِهلل‪ ،‬وإذا تدبرَنا آياِتِه‪ ،‬وتأملَنا موض‪9‬وعاِتِه واهتماماِتِه‪ ،‬نستطيُع أْن نص‪َ9‬ف ُه‬
‫بأَّنُه كتاُب اإلنساِن ‪ ،‬فالقرآُن كُّلُه إَّما حديٌث إلى اإلنساِن ‪ ،‬أو حديٌث عن اإلنساِن ول‪99‬و تدبرَنا آي‪99‬اِت الق‪99‬رآِن ك‪99‬ذلك‬
‫لوج‪99‬دَنا أَّن كلم‪َ9‬ة "اإلنساِن " تك‪99‬ررْت في الق‪99‬رآِن ثالًث ا وس‪99‬تيَن مرًة‪ ،‬فض‪9‬اًل عن ذك‪99‬رِه بألف‪99‬اٍظ ُأخ‪99‬رى مث‪َ9‬ل "ب‪99‬ني آدَم"‬
‫ال ‪99‬تي ذك ‪99‬رْت س ‪َّ99‬ت مراٍت ‪ ،‬وكلم ‪َ9‬ة "الناِس " ال ‪99‬تي تك ‪99‬ررْت مائتين وأربعيَن مرًة في مكِّي الق ‪99‬رآِن ومدنِّي ِه‪ ،‬وكلم ‪َ9‬ة‬
‫(الع‪99‬المين) وردْت أك‪99‬ث ِم ن س‪99‬بعي م ًة‪ ،‬والحاص ‪ 9‬أَّن إنسانيَة اإلس ‪9‬الِم تب ‪ُ9‬د و ِم ن خالِل ح‪99‬رِص الش‪99‬ريعِة اإلس‪99‬الميِة‬
‫ُل‬ ‫َن ّر‬ ‫َر‬
‫وتأكيِد َه ا على مخاطبِة الناِس والعالمين جمي ا‪ ،‬ولعَّل ِم ن أب‪99‬رِز ال‪99‬دالئِل على ذل‪99‬ك أَّن أ َل ما ن‪99‬زَل ِم ن آي‪99‬اِت الق‪9‬رآِن‬
‫ّو‬ ‫ًع‬
‫على رسوِل اإلسالِم ُمحمٍد ﷺ خمُس آياٍت ِم ن سورِة العل‪ِ9‬ق ذك‪9‬رْت كلم‪َ9‬ة "اإلنساِن " في اثنتين منه‪9‬ا‪ ،‬ومض‪9‬مونَه ا‬
‫كّلها العنايُة بأمِر اإلنساِن ‪ ،‬قاَل تعالى‪{ :‬اْقَر ْأ ِباْس ِم َر ِّبَك اَّلِذ ي َخ َلَق * َخ َلَق اِإْل ْنَس اَن ِم ْن َعَلٍق * اْقَر ْأ َو َر ُّبَك اَأْلْك َر ُم *‬
‫اَّلِذ ي َعَّلَم ِباْلَق َلِم * َعَّلَم اِإْل ْنَس اَن َم ا َلْم َيْع َلْم } [العلق‪.]5-1 :‬‬
‫وإذا نظرَنا إلى الشخِص الذي جَّس َد اُهلل فيِه اإلسالَم‪ ،‬وجعَلُه مثااًل حًّي ا لتعاليِم ِه وقيِم ِه اإلنسانيِة‪ ،‬نستطيُع أْن نص‪َ9‬ف ُه‬
‫بأَّنُه "الرسوُل اإلنساُن "؛ وإذا نظ‪9‬رَت في الفق‪ِ9‬ه اإلس‪9‬الِم ي وج‪9‬دَت "العب‪9‬اداِت "‪ ،‬ال تأخ‪ُ9‬ذ إاَّل نح‪َ9‬و الرب‪ِ9‬ع أو الثلِث ِم ن‬
‫مجموِعِه‪ ،‬والباِقي يتعلُق بأحواِل اإلنساِن ِم ن أحواٍل شخصيٍة‪ ،‬ومعامالٍت ‪ ،‬وجناياٍت ‪ ،‬وغيِر َه ا‪.‬‬
‫ولقد ضرَب لنا رسوُل اِهلل ﷺ أروَع األمثلِة في القيِم والمعاِني اإلنسانيِة والخلقي‪ِ9‬ة قب‪َ9‬ل البعث‪ِ9‬ة وبع‪َ9‬د َه ا؛ وقد ش‪9‬هَد‬
‫له العدُّو قبَل القريِب ‪ ،‬ونحن نعلُم قوَل السيدِة خديجَة فيِه لما نزَل عليِه الوحُي وجاَء يرجُف فؤاُدُه‪َ ":‬ك اَّل َو الَّل ِه َم ا‬
‫ُيْخ ِزي ‪َ9‬ك الَّل ُه َأَب ًد ا؛ ِإَّن َك َلَتِص ُل ال ‪َّ9‬ر ِح َم ؛ َو َتْح ِم ُل اْلَك َّل‪َ ،‬و َتْك ِس ُب اْلَم ْع ُد وَم؛ َو َتْق ِر ي الَّض ْيَف ‪َ ،‬و ُتِعيُن َعَلى َنَو اِئِب‬
‫اْل ِّق"‪( .‬متف‪9‬ق علي‪9‬ه)‪ .‬ب‪99‬ل إَّن الرس‪9‬وَل ﷺ ص‪9‬اح الرس‪9‬الِة المحمدي‪ِ9‬ة‪ ،‬ك‪9‬ان مش‪9‬هو ا وملق ا في قريٍش قب‪ 9‬البعث‪ِ9‬ة‬
‫َل‬ ‫ًب‬ ‫ًر‬ ‫ُب‬ ‫َح‬
‫‪2‬‬

‫ِﻈ‬
‫بالصادِق األميِن ‪ ،‬وأَّما بعَد البعثِة فقد شهَد لُه رُّبُه بقوِلِه ‪َ { :‬ﻭِﺇَّﻧَﻚ َﻟَﻌَﻠﻰ ُﺧ ُﻠٍﻖ َﻋ ﻴٍﻢ }(القلم‪) 4 :‬؛ ولق‪99‬د ش‪99‬هَدْت ل‪ُ9‬ه‬
‫زوُج ُه عائش‪ُ9‬ة رض‪99‬ي اُهلل عنه‪99‬ا‪ ،‬وهي ألص‪ُ9‬ق الناِس ب‪ِ9‬ه‪ ،‬وأك‪99‬ثُر ُه م وقوًف ا على أفعاِلِه في بيِتِه‪ ،‬بأَّن ُه ﷺ‪ " :‬ك‪99‬اَن خلُق ُه‬
‫القرآَن "‪( ،‬مسلم )؛ قال اإلماُم الش‪9‬اطبُّي ‪“ :‬وإَّنم‪9‬ا ك‪9‬ان ﷺ خلُق ُه الق‪9‬رآَن ؛ ألَّنُه حَّك َم ال‪9‬وحَي على نفس ح‪9‬تى ص‪9‬اَر‬
‫ِه‬
‫في عمل‪ِ9‬ه وعلم‪ِ9‬ه على وفق‪ِ9‬ه‪ ،‬فك‪99‬ان لل‪99‬وحِي موافًق ا قائاًل مذعًنا ملبًي ا واقًف ا عنَد حكم‪ِ9‬ه”‪ .‬فك‪99‬ان قرآًن ا يمش‪ِ9‬ي على‬
‫األرِض ‪.‬‬
‫وهكذا كان الديُن اإلسالمُّي ديَن اإلنسانيِة‪ ،‬وكان الرسوُل ﷺ رسوَل اإلنسانيِة‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬مظاهُر وصوُر الجوانِب اإلنسانيِة‬
‫للجوانِب اإلنسانيِة في اإلسالِم صوٌر عديدٌة تشمُل جميَع فئاِت المجتمِع ‪:‬‬
‫منها‪ :‬اإلنسانيُة في التعامِل مع الخدِم والعبيِد ‪ :‬فعن َأَنٍس َق اَل ‪َ" :‬خ َد ْم ُت الَّنِبَّي ﷺ َعْش َر ِس ِنيَن َفَم ا َق اَل ِلي‬
‫وُل الَّلِه ﷺ َش ًئا َق ُّط ِب ِدِه‬ ‫ِئ‬ ‫ِل‬
‫َي‬ ‫ْي‬ ‫ُأٍّف َو اَل َم َص َنْع َت َو اَل َأاَّل َص َنْع َت "(البخاري مسلم)‪ ،‬وَعْن َعا َش َة َقاَلْت ‪َ" :‬م ا َض َر َب َرُس‬
‫ِم‬ ‫ِح ِه‬ ‫ِق ِم‬ ‫ِن ِم‬ ‫ِه‬ ‫ِه ِف‬ ‫ِد‬
‫َو اَل اْم َر َأًة َو اَل َخ ا ًم ا ِإاَّل َأْن ُيَج ا َد ي َس ِبيِل الَّل ‪َ ،‬و َم ا يَل ْنُه َش ْي ٌء َق ُّط َفَيْنَت َم ْن َص ا ِب ِإاَّل َأْن ُيْنَتَه َك َش ْي ٌء ْن‬
‫َمَح اِر ِم الَّلِه َفَيْنَتِق َم ِلَّلِه َعَّز َو َج َّل "(البخاري ومسلم )‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬اإلنساني في التعامِل مع األطفاِل والصبياِن ‪ :‬فق ‪99‬د ك ‪99‬ان ﷺ رحيًم ا باألطف ‪99‬ا ‪ ،‬فق ‪99‬د ك ‪99‬ان يخطُب ‪َ ،‬فَأْقَب َل‬
‫ِل‬ ‫ُة‬
‫اْلَح َسُن َو اْلُح َس ْيُن َعَلْيِه َم ا َقِم يَص اِن َأْح َمَر اِن َيْع ُثَر اِن َو َيُقوَم اِن ‪َ ،‬فَنَز َل َفَأَخ َذ ُه َم ا َفَص ِعَد ِبِه َم ا اْلِم ْنَبَر ‪ُ ،‬ثَّم َقاَل ‪َ ":‬ص َد َق الَّلُه ِإَّنَم ا‬
‫َأْم َو اُلُك ْم َو َأْو الُدُك ْم ِفْتَن ٌة (التغ‪99‬ابن‪َ ،)15 :‬ر َأْيُت َه َذ ْيِن َفَلْم َأْص ِبْر "‪ُ ،‬ثَّم َأَخ َذ ِفي اْلُخ ْطَب ِة‪ ( .‬أب‪9‬و داود والح‪9‬اكم وص‪9‬ححه)؛‬
‫وَعْن َعْب ِد الَّل ِه بن َش َّداِد بن اْلَه اِد ‪َ ،‬عْن َأِبي ‪ِ9‬ه‪َ ،‬ق اَل ‪َ :‬خ َر َج َعَلْيَن ا َرُس وُل الَّل ِه ﷺ ‪ِ ،‬في ِإْح َد ى َص الَتِي الَّنَه اِر ‪ :‬الُّظْه ِر َأِو‬
‫اْلَعْص ِر ‪َ ،‬و ُه َو َح اِم ٌل اْلَح َسَن َأِو اْلُح َس ْيَن ‪َ ،‬فَتَق َّد َم َفَو َض َعُه ِع ْنَد َقَد ِمِه اْلُيْم َنى‪َ ،‬فَس َج َد َرُس وُل الَّلِه َص َّلى الَّلُه َعَلْيِه َو َس َّلَم َس ْج َد ًة‬
‫َفَأَطاَلَه ا‪َ ،‬فَر َفْعُت َر ْأِس َي ِم ْن َبْيِن الَّناِس ‪َ ،‬ف ِإ َذا َرُس وُل الَّل ِه ﷺ َس اِج ٌد ‪َ ،‬و ِإَذا اْلُغالُم َر اِكٌب َظْه َر ُه‪َ ،‬فُع ْد ُت َفَس َج ْد ُت ‪َ ،‬فَلَّم ا‬
‫اْنَص َر َف َرُس وُل الَّلِه َص َّلى الَّلُه َعَلْيِه َو َس َّلَم ‪َ ،‬ق اَل َناٌس ‪َ :‬يا َرُس وَل الَّل ِه ﷺ‪َ ،‬لَق ْد َس َج ْد َت ِفي َص الِتَك َه ِذِه َس ْج َد ًة َم ا ُك ْنَت‬
‫ِض‬ ‫ِج‬ ‫ِر‬ ‫ِن‬ ‫ِك ِن‬ ‫ِإ‬ ‫ِم ِبِه‬
‫َتْسُج ُد َه ا‪َ ،‬أَش ْيًئا ُأ ْر َت ‪َ ،‬أْو َك اَن ُيوَح ى َلْيَك ؟ َق اَل ‪ُ ":‬ك ٌّل َلْم َيُك ْن ‪َ ،‬و َل َّن اْب ي اْر َتَح َل ي‪َ ،‬فَك ْهُت َأْن ُأْع َل ُه َح َّتى َيْق َي‬
‫َح اَج َتُه"‪( .‬أحمد والطبراني والحاكم وصححه)‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬اإلنسانيُة في التعامِل مع النساِء ‪ :‬فكان ﷺ دائَم الوصيِة بالنساِء ‪ ،‬وكان يقوُل ألصحابِه‪" :‬اْس َتْو ُصوا‬
‫ِبالِّنَس اِء َخ ْيًر ا"[البخاري]‪ ،‬ويقوُل أنُس بُن مالٍك ‪ِ" :‬إْن َك اَنْت اَأْلَم ُة ِم ْن ِإَم اِء َأْه ِل اْلَم ِد يَن ِة َلَتْأُخ ُذ ِبَي ِد َرُس وِل الَّل ِه ﷺ‬
‫َفَتْنَطِلُق ِبِه َح ْيُث َش اَءْت !"[ البخاري]‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬اإلنسانيُة في التعامِل مع الحيواِن ‪ :‬فق ‪99‬د تج ‪99‬اوزْت إنسانيتُه ﷺ ذل ‪99‬ك كّل ه إلى الحي ‪99‬واِن والبهيم‪ِ9 9‬ة‪،‬‬
‫فيروي عبُد اِهلل بُن جعفٍر رضي اُهلل عنهما أَّن النبَّي ﷺ دخ‪َ9‬ل حائًط ا لرج‪ٍ9‬ل ِم ن األنص‪9‬اِر ‪ ،‬ف‪9‬إذا في‪ِ9‬ه جم‪ٌ9‬ل‪ ،‬فلَّم ا رأى‬
‫النبَّي ﷺ حَّن وذرفْت عيناُه‪ ،‬فأتاُه ﷺ فمسَح ظف ‪َ9 9‬ر اُه فسكْت ‪ ،‬فق‪99 9‬اَل ﷺ‪َ":‬م ن رُّب ه‪99 9‬ذا الجم ‪ِ9 9‬ل ؟ لَم ن ه‪99 9‬ذا‬
‫ِذِه‬ ‫ِل‬ ‫ِم‬
‫الجمل؟" فجاَء فتًى ن األنصاِر فقاَل ‪ :‬ي يا رسوَل اِهلل‪ ،‬فقاَل لُه‪َ " :‬أَفاَل َتَّتِق ي الَّلَه ِفي َه اْلَبِه يَم ِة اَّلِتي َم َّلَك َك الَّل ُه‬
‫ِإَّيا ا َفِإ َّنُه َش َك ا ِإَلَّي َأَّنَك ُتِج ي ُه ُتْد ِئ ُه " (أبو داود)‪ُ ( ،‬تْد ِئبُه‪َ :‬أ ُتْك ِر هُه ْتِعبُه ْزًنا ْعًنى)‪ ،‬وقد َّر وُل الَّل ِه‬
‫َم َرُس‬ ‫َو ُت َو َو َم‬ ‫ْي‬ ‫َو‬ ‫ُع َو ُب‬ ‫َه‬
‫‪3‬‬

‫ﷺ ِبَبِع يٍر َق ْد َلِح َق َظْه ُر ُه ِبَبْطِنِه َفَق اَل ‪" :‬اَّتُق وا الَّل َه ِفي َه ِذِه اْلَبَه اِئِم اْلُم ْع َجَم ِة َفاْر َك ُبوَه ا َص اِلَح ًة َو ُك ُلوَه ا َص اِلَح ًة"‬
‫(أبوداود وابن خزيمة بسند صحيح)‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬اإلنسانيُة في التعامِل مع كباِر السِّن ‪ :‬فق‪99‬د ج‪99‬اَء أب‪99‬و بك‪ٍ9‬ر بأبي‪ِ9‬ه ع‪99‬اَم الفتِح يق‪99‬وُدُه نح‪99‬و رس‪99‬وِل اِهلل ﷺ‬
‫ورأُس ُه كالَّثغامِة بياًض ا ِم ن شّد ِة الشيِب ‪ ،‬فرحَم النبُّي ﷺ شيخوَخَتُه وقاَل ‪" :‬هاَّل تركَت الش‪9‬يَخ في بيت‪ِ9‬ه ح‪9‬تى أك‪9‬وَن‬
‫أَنا َآِتَيُه فيِه‪ ،‬قاَل أبو بكٍر رضي اُهلل عنه‪ :‬هو أحُّق أْن يمِش ي إليَك يا رسوَل اِهلل ِم ن أْن تمِش ي إليِه‪[ ".‬مجم‪99‬ع الزوائ‪99‬د‬
‫للهيثمي]‪ .‬وهو القائُل ﷺ‪َ ":‬لْيَس ِم َّنا َمْن َلْم َيْر َحْم َص ِغيَر َنا َو ُيَو ِّقْر َك ِبيَر َنا" [الحاكم وصححه]‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬اإلنسانيُة في التعامِل مع الكفاِر‪ :‬فاإلنسانيُة في اإلسالِم لم تقتصْر على المسلميَن فحسب‪ ،‬ب‪99‬ل تع‪99‬دْت‬
‫لتش‪99‬مَل الكف‪99‬اَر ك‪99‬ذلك‪ ،‬فعندما ِقي ‪َ9‬ل ل ‪ُ9‬ه ﷺ ادُع على المش‪99‬ركين قال‪ ":‬إِّني لم ُأبَعث لعاًن ا‪ ،‬وإَّنم‪99‬ا بعثُت رحم ‪ً9‬ة"‬
‫(مسلم) ‪ ،‬وقال في أهِل مكَة – لما ج‪9‬اَءُه مل‪ُ9‬ك الجب‪9‬اِل لي‪9‬أمَر ُه بم‪9‬ا ش‪9‬اَء‪ " : -‬ب‪99‬ل أرُج و أْن يخ‪9‬رَج اُهلل ِم ن أص‪9‬الِبِه م‬
‫َم ن يعبُد اَهلل وحَدُه ال يشرك بِه شيًئا " (البخاري ومسلم)‪ ،‬ولم‪9‬ا أص‪9‬يَب في ُأح‪ٍ9‬د قاَل ل‪ُ9‬ه الص‪9‬حابُة الك‪9‬راُم ادُع على‬
‫المشركيَن فقال‪ ":‬اللُه َّم اهِد قوِم ي فإَّنهم ال يعلمون"‪( .‬شعب اإليمان للبيهقي) ‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬اإلنسانيُة في التعامِل مع المخطِئ ‪ :‬فَعْن أِبي ُه َر ْيَر َة َر ِض َي اُهلل َعْنُه َقاَل ‪َ :‬قاَم أعَر اِبٌّي َفَباَل في اْلَمْس ِج ِد ‪،‬‬
‫َفَتَناَو َل ُه الَّن اُس َفَق اَل َلُه ُم الَّنِبُّي ﷺ‪َ ":‬دُع وُه َو َه ِرْيُق وا َعَلى َبْو َس ْج ًال ْن َم ا ‪ ،‬أْو َذُنوب‪ً9 9‬ا ْن َم ا ‪َ ،‬فِإ َّنَم ا ُب ْثُتْم‬
‫ِع‬ ‫ٍء‬ ‫ِم‬ ‫ٍء‬ ‫ِم‬ ‫ِلِه‬
‫وِل الَّل ِه‬ ‫ِم‬
‫ُمَيِّس ِريَن َو َلم ُتْبَعُث وا ُمَعِّس ِريَن "‪( .‬البخ‪99‬اري)‪ .‬وَعْن ُمَعاِو َي َة ْبِن اْلَح َك ِم الُّس َل ِّي ‪َ ،‬ق اَل ‪َ :‬بْيَن ا َأَن ا ُأَص ِّلي َم َع َرُس‬
‫ِم‬
‫ﷺ‪ِ ،‬إْذ َعَطَس َرُج ٌل َن اْلَق ْو ‪َ ،‬فُقْلُت ‪َ :‬يْر َحُم َك الَّل ُه‪َ ،‬فَر َم ا ي اْلَق ْو ُم ِبَأْبَص اِر ْم ‪َ ،‬فُقْلُت ‪َ :‬و ا ُثْك َل ُأِّم َي اْه‪َ ،‬م ا َش ْأُنُك ْم‬
‫ِه‬ ‫ِن‬ ‫ِم‬
‫َتْنُظ ُر وَن ِإَلَّي ؟ َفَجَعُل وا َيْض ِرُبوَن ِبَأْي ِد يِه ْم َعَلى َأْفَخ اِذِه ْم ‪َ ،‬فَلَّم ا َر َأْيُتُه ْم ُيَص ِّم ُتوَنِني‪َ ،‬لِكِّني َس َك ُّت ‪َ ،‬فَلَّم ا َص َّلى َرُس وُل‬
‫الَّل ِه ﷺ‪َ ،‬فِب َأِبي ُه َو َو ُأِّم ي‪َ ،‬م ا َر َأْيُت ُمَعِّلًم ا َقْبَل ُه‪َ ،‬و اَل َبْع َدُه َأْح َس َن َتْع ِليًم ا ِم ْن ُه‪َ ،‬فَو الَّل ِه َم ا َك َه َر ِني َو اَل َض َر َبِني َو اَل‬
‫َش َت ِني‪َ ،‬ق اَل ‪ِ ":‬إَّن َه ِذِه الَّص اَل َة‪ ،‬اَل ْص ُل ِفيَه ا َش ِم َكاَل ِم الَّناِس ‪ِ ،‬إَّن ا ُه الَّت ِبي الَّتْك ِب ي ِق ا ُة اْلُق آِن‬
‫ُر َو َر َء ْر‬ ‫َم َو ْس ُح َو‬ ‫ْي ٌء ْن‬ ‫َي ُح‬ ‫َم‬
‫"(مسلم)‪.‬‬
‫وهك‪99‬ذا ج‪99‬اَء ال‪99‬ديُن اإلس‪99‬المُّي ليش‪99‬مَل بإنسانيتِه ك‪َّ9‬ل ما في الك‪99‬وِن ِم ن إنساٍن وحي‪99‬واٍن وط‪99‬يٍر ودواٍب وغيِر َه ا‪ ،‬دوَن‬
‫التفرقِة بيَن جنٍس أو لغٍة أو لوٍن أو عرٍق أو غيِر ذل‪99‬ك‪ ،‬وفي ذل‪99‬ك يق‪9‬وُل ﷺ‪َ“ :‬ي ا َأُّيَه ا الَّناُس ‪َ ،‬أَال ِإَّن َر َّبُك ْم َو اِح ٌد ‪،‬‬
‫َو ِإَّن َأَب اُك ْم َو اِح ٌد ‪َ ،‬أَال َال َفْض َل ِلَع َر ِبٍّي َعَلى َعَج ِم ٍّي ‪َ ،‬و َال ِلَعَج ِم ٍّي َعَلى َع َر ِبٍّي ‪َ ،‬و َال َأْح َم َر َعَلى َأْس َو َد‪َ ،‬و َال َأْس َو َد َعَلى‬
‫َأْح َمَر ‪ِ ،‬إَّال ِبالَّتْق َو ى”‪( .‬أحمد والطبراني بسند صحيح)‪.‬‬
‫ثالًثا‪ :‬اإلنسانيُة في الحرب والقتال‬
‫إّن فلسفَة الحرِب في اإلسالم تقوُم على جميِع المعاني اإلنسانيِة واألخالقيِة في الحروِب والغزواِت ومنها‪:‬‬
‫عدُم البدِء بالقتال‪ :‬فجميُع غزواِت الرسوِل ﷺ إنما جاءْت دفاًعا عن الوطن‪ ،‬ولم تكْن يوًما من باِب االعتداِء على‬
‫اآلخرين دوَن وجِه حٍق ‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬مراعاُة الضعفاِء والنساِء والشيوِخ واألطفاِل ‪ :‬ففي الح‪99‬رِب ال‪99‬تي تأك‪ُ9‬ل األخض‪َ9‬ر والي‪99‬ابَس ‪ ،‬وتزه‪ُ9‬ق فيه‪99‬ا‬
‫األرواُح وتدمُر المدُن والقرى ويموُت الصغيُر والكبيُر ‪ ،‬أمَر اإلسالُم بالسماحِة والعدِل وحرَم الظلَم ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫فق ‪99‬د روى مسلٌم في ص ‪99‬حيحِه َعْن ُس َلْيَم اَن ْبِن ُبَر ْي َد َة‪َ ،‬عْن َأِبي ‪ِ9‬ه‪َ ،‬ق اَل ‪َ ” :‬ك اَن َرُس وُل اِهلل ﷺ ِإَذا َأَّم َر َأِم يًر ا َعَلى‬
‫َج ْيٍش ‪َ ،‬أْو َس ِرَّيٍة‪َ ،‬أْو َص اُه ِفي َخ اَّص ِتِه ِبَتْق َو ى اِهلل َو َمْن َمَع ُه ِم َن اْلُمْس ِلِم يَن َخ ْيًر ا‪ُ ،‬ثَّم َق اَل ‪ :‬اْغ ُز وا ِباْس ِم اِهلل ِفي َس ِبيِل‬
‫اِهلل‪َ ،‬قاِتُلوا َمْن َكَف َر ِبالَّلِه‪ ،‬اْغُز وا َو اَل َتُغُّلوا‪َ ،‬و اَل َتْغِد ُروا‪َ ،‬و اَل َتْمُثُلوا‪َ ،‬و اَل َتْق ُتُلوا َو ِليًد ا"‬
‫فال يجوُز أْن ُيقصَد بالقتاِل َم ن ليسوا بأهٍل له‪ ،‬كالِّنساِء واألطف‪9‬اِل والُّش يوِخ ‪ ،‬والَّز منى والُعمي والَعَج زِة‪ ،‬وال‪9‬ذين ال‬
‫ُيباشروَنه عادًة كالُّر هباِن والفَّالحيِن ‪ ،‬إَّال إذا اشترَك هؤالِء في الِق تاِل وبدؤوا هم باالعتداِء ‪ ،‬فعندها يجوُز قتاُلهم‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬النهُي عن اإلغارِة على العدو لياًل حتى يصبَح ‪ :‬فقد كان ﷺ ال يغيُر على ع‪99‬دوِه ليال وهم ن‪99‬ائمون‪،‬‬
‫وال يأخُذ ُه م وهم نائمون‪ .‬فَعْن ‌َأَنٍس َر ِض َي اُهلل َعْنُه َيُقوُل ‪ « :‬كاَن َر سوُل الَّلِه ﷺ إَذا َغَز ا َقْو ًم ا َلْم ُيِغْر حَّتى ُيْص ِبَح ‪،‬‬
‫فإْن َس ِم َع َأَذاًنا َأْم َس َك ‪ ،‬وإْن َلْم َيْسَم ْع َأَذاًنا َأَغاَر َبْع َد ما ُيْص ِبُح ‪َ ،‬فَنَز ْلَنا َخ ْيَبَر َلْياًل ‪(».‬البخاري)‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬اإلنسانيُة في التعامِل مع األسرى‪ :‬فق ‪99‬د ك ‪99‬ان ﷺ ي ‪99‬دفُع األس ‪99‬يَر إلى بعِض ص ‪99‬حِبه ويق ‪99‬وُل ‪{ :‬أحسْن‬
‫إليِه} فيؤثُر على نفِس ِه وأهِلِه إمعاًنا في العمِل بوصيِة رسوِل اِهلل‪ ،‬وأماًل في دخوِلِه ضمَن أبراِر عباِد اهلل‪ ،‬وه‪99‬ذا مع‪99‬نى‬
‫قوِلِه تعالى‪َ { :‬و ُيْطِعُم وَن الَّطَعاَم َعَلى ُح ِّبِه ِم ْس ِكيًنا َو َيِتيًم ا َو َأِس يًر ا * ِإَّنَم ا ُنْطِعُم ُك ْم ِلَو ْج ِه الَّل ِه اَل ُنِري‪ُ9‬د ِم ْنُك ْم َج َز اًء َو اَل‬
‫ُش ُك وًر ا }‪ (.‬اإلنسان‪ 8 :‬؛ ‪ ) 9‬قال البيض‪99‬اوي‪" :‬مسكيًنا ويتيًم ا وأس‪99‬يًر ا يع‪99‬ني أس‪99‬راء الكف‪99‬اِر فإن‪99‬ه ﷺ ك‪99‬ان ُي ؤَتى‬
‫باألسيِر فيدفُعُه إلى بعِض المسلمين فيقوُل ‪ :‬أحسْن إليِه" ‪ .‬أ‪ .‬ه‬
‫وها هو أبو عزيٍز ‪ -‬أحُد األسرى وشقيُق مصعِب بِن ُعميٍر ‪ -‬يحكي ما حدَث فيقوُل ‪" :‬كنُت في رهٍط ِم ن األنص‪99‬اِر‬
‫حيَن أقبُلوا ِبي ِم ن بدٍر ‪ ,‬فكاُنوا إذا قَّد ُموا غداَءُه م وعشاَءُه م َخ َّصْو ِني بالخبِز ‪ ،‬وأكُلوا التمَر لوصيِة رسوِل اِهلل إياُه م‬
‫بَنا‪ ،‬ما تقُع في يِد رجٍل منهم كسرَة خبٍز إاّل نفحِني بها؛ فأستِح ي فأرّدَه ا فيرّدَه ا َعَلَّي ما يمّس َه ا!‬
‫وكان أبو عزيٍز هذا صاحُب لواِء المشركيَن ببدٍر بعَد النضِر بِن الحارِث ‪( .‬السيرة النبوية البن كثير)‪.‬‬
‫وهناَك صوٌر ومجاالٌت أخَر ى كثيرٌة في فلسفِة الحرِب وأخالِقِه وإنسانيِتِه في اإلسالِم ال يتسُع المقاُم لذكِر َه ا‪.‬‬
‫ويكِف ي في ذلك مقولُة أحِد المفكرين‪ :‬لو لم يكْن ِم ن مظاهِر العدِل في اإلسالِم إاّل قوانيَنُه الحربي‪َ9‬ة لك‪9‬ان في ذل‪99‬ك‬
‫ما يقنُع المنصفيَن على اعتناِقِه ‪.‬‬
‫ِن‬ ‫ِء‬ ‫ِم‬ ‫ِب‬
‫إّن إنسانيَة الحر في اإلسال لم تقتصْر على النهِي عن االعتدا على ب ي الَبش‪ِ9‬ر فق‪99‬ط؛ وإَّنم‪9‬ا تج‪99‬اوَز ذل‪99‬ك ليش‪9‬مَل‬
‫النهَي عن اإلتالِف ‪ ،‬وقطَع الَّش جِر ‪ ،‬وقْتَل الحيواناِت ‪ ،‬وتخ‪9‬ريَب الممتلك‪9‬اِت والمنش‪9‬آِت العامِة‪ ،‬وه‪9‬ذا ُس مٌّو أخالقٌّي‬
‫لم تعرْف له البشريُة مثياًل في تاريخها قديًم ا وحديًثا!!‬
‫ِة‬ ‫ِم‬ ‫ِة‬
‫إَّن ه‪99‬ذه هي رس‪99‬الُة اإلنساني إلى الع‪99‬الِم أجم‪99‬ع‪ ،‬ألَّن االنسالَخ ن اإلنساني ل‪99‬ه مخ‪99‬اطُر عدي‪99‬دٌة ته‪99‬دُد أمَن واس‪99‬تقراَر‬
‫البالِد والعب‪99‬اِد ‪ ،‬كم‪99‬ا نش‪99‬اهُدُه في جمي‪ِ9‬ع وس‪99‬ائِل اإلعالِم المسموعِة والمرئي‪ِ9‬ة والمق‪99‬روءِة‪ِ ،‬م ن قت‪ٍ9‬ل وتخ‪99‬ريٍب وتدميٍر‬
‫وتفجيٍر وسفِك دماٍء ‪ ،‬وكم‪9‬ا ِقي‪َ9‬ل‪ :‬س‪9‬قطْت تفاح‪ٌ9‬ة فعرُف وا مع‪9‬نى الجاذبي‪ِ9‬ة‪ ،‬ثم س‪9‬قًط آالُف الجثِث ولم يعرُف وا مع‪9‬ني‬
‫اإلنسانيِة!! وص‪9‬دَق فيهم قوُل الرس‪9‬وِل ﷺ‪ِ ":‬إَذا َلْم َتْس َتِح َفاْص َنْع َم ا ِش ْئَت "‪(.‬ابن ماج‪9‬ة بسند ص‪9‬حيح)‪َ .‬و َم ْعَن اُه‪":‬‬
‫ِإَذا ُنِز َع ِم ْنَك اْلَحَياُء َفاْفَعْل َم ا ِش ْئَت ؛ َفِإ َّن الَّلَه ُمَج اِزيَك َعَلْيِه‪َ ،‬و ِفيِه ِإَش اَر ٌة ِإَلى َتْع ِظ يِم َأْم ِر اْلَحَياِء "‪ (.‬فتح الباري)‪.‬‬
‫وبعُد‪ ،‬فهذه دعوٌة وعودٌة إلى اإلنسانيِة مع كِّل األفراِد والدوِل والجماعاِت ‪ ،‬حتى يعيَش الجميُع في أمٍن وسالٍم ‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫نسأُل َهللا أْن يصلَح ذاَت بيِنَنا‪ ،‬وأْن يؤلَف بيَن قلوِبَنا‪ ،‬وأْن يحفَظ مصَر َنا ِم ن كِّل مكروٍه وسوٍء ‪،،،‬‬
‫كتبه ‪ :‬خادم الدعوة اإلسالمية د ‪ /‬خالد بدير بدوي‬ ‫وأقم الصالة‪،،،،،‬‬ ‫الدعاء‪،،،،،،،‬‬

You might also like