You are on page 1of 26

‫الحاتكار دراسة فقهية‬

‫مقارنة‬
‫إعداد‬
‫د أحمد عرفة‬
‫معيد بجامعة الزأهر‬

‫‪1‬‬
‫إن الحمد ل نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بال من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ‪ ،‬من‬
‫يهده ال فهو المهتد ‪ ،‬ومن يضلل فل هادى له ‪ ،‬وأشهد أن ل لله إل ال وحده ل شريك‬
‫له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى ال عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا رهبانا‬
‫بالليل وفرسان ا بالنهار وبعد ‪،،،‬‬
‫فقد يسرت الشريعة السلمية للناس سبل التعامل بالحلل لكى تكون أجواء المحبة سائدة‬
‫بين الفراد ‪ ،‬ولكى تبقى الحياة سعيدة نقية ‪ ،‬ل يعكر صفوها كدر ول ضغينة ‪.‬‬
‫ومن أجل هذه الهداف السامية حرم السلم الربا ‪ ‬أحححلل اللهه ايلحبييحع حوححلرحم الررحبا ‪ ) ‬البقرة ‪:‬‬
‫‪ ( 175‬وحرم أكل أموال الناس بالباطل ‪ ‬حيا أحيحها اللذذيحن آحمهنويا لح تحيأهكلهويا أحيمحوالحهكيم حبييحنهكيم‬
‫ذبايلحباذطذل ‪ ) ‬النساء ‪ ( 29 :‬وحرم أكل مال اليتيم ‪ ‬إذلن اللذذيحن حييأهكهلوحن أحيمحواحل ايلحيحتاحمى ظهيلم ا‬
‫صلحيوحن حسذعي ار ‪ ) ‬النساء ‪ ( 10 :‬وحرم الغش ) من غشنا‬ ‫ذإلنحما حييأهكهلوحن ذفيِ هب ه‬
‫طونذذهيم حنا ار حوحسحي ي‬
‫فليس منا ( وحرم الحتكار لما فيه من تضييق على عباد ال بقوله صلى ال عليه وسلم )‬
‫ل يحتكر إل خاطئ (‪ 1‬وقوله صلى ال عليه وسلم ) من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد‬
‫‪2‬‬
‫برئ من ال تعالى وبرئ ال تعالى منه (‬
‫ولما كان الحتكار ركيزة من ركائز النظام الرأسمالى الحديث ‪ ،‬وسمة من سمات التعامل‬
‫القتصادي فى معظم الشركات إن لم يكن فى كلها ‪ ،‬رغم أنه يحمل فى طياته بذور‬
‫الهلك والدمار لما يسببه فى ظلم وعنت وغلء وبلء ‪ ،‬ولما فيه من إهدار لحرية التجارة‬
‫والصناعة ‪ ،‬وسد لمنافذ العمل وأبواب الرزق أمام غير المحتكرين ‪ ،‬فقد رأيت أن يكون‬
‫موضوع بحثى ) الحاتكار دراسة فقهية مقارنة ( فاسأل ال تبارك وتعالى السداد‬
‫والخلصا والقبول ‪.‬‬

‫‪ 1‬أخرجه مسلم ) ‪ ( 16 ، 5‬وأبو داود ) ‪ ، ( 3447‬وابن ماجه ) ‪. ( 2154‬‬


‫‪ 2‬أخرجه أحمد ‪ ، 2/33‬والحاكم ‪ ، 2/12‬وابن أبى شبيه ‪ ) 6/104‬نيل الوطار ص ‪. ( 2665‬‬

‫‪2‬‬
‫خطـــة البحث‬
‫قسمت هذا البحث إلى خمسة مباحث كالتى ‪:‬‬

‫المبحث الول ‪ :‬تعريف الحتكار‬


‫المبحث الثانى ‪ :‬حكم الحتكار فى الفقه السلمى‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬ما يجرى فيه الحتكار‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬شروط الحتكار المحرم‬
‫‪ :‬وسائل منع الحتكار وموقف الحاكم منه‬ ‫المبحث‬
‫الخامس‬
‫الخاتمة‬
‫ثم بعد ذلك أختم البحث بخاتمة أذكر فيها أهم النتائج التى توصلت إليها من خلل هذا‬
‫المبحث‬
‫المصادر والمراجع‬
‫رجعت فى هذا البحث إلى كتب المذاهب الفقهية والمعتمدة فى هذا الموضوع ‪ ،‬واستفدت‬
‫أيض ا من بعض البحاث المعاصرة التى كتبت حول هذا الموضوع ‪.‬‬
‫وال تبارك وتعالى أسأل أن يجنبنى الخطأ والزلل فإن أكون قد وفقت فمن ال عز وجل ‪،‬‬
‫والحمد ل أولا وأخ ار ‪ ،‬إوان كان غير ذلك فجل من ل يسهو ‪ ،‬وهذه عادة العمل البشرى‬
‫يعتريه النقصا ‪ ،‬والكمال ل تبارك وتعالى وحده ولكتابه والعصمة لنبيه ‪‬‬

‫والله ما وراء القصد ‪،،،‬‬

‫‪3‬‬
‫المبحث الول ‪ :‬تعريف الحاتكار‬
‫وفيه مطلبان ‪:‬‬
‫‪ :‬الحاتكار لغة‬ ‫المطلب‬
‫الول‬
‫‪ :‬الحاتكار فى اصطلحا الفقهاء‬ ‫المطلب‬
‫الثانى‬
‫‪1‬‬
‫‪ :‬الحاتكار لغة ‪:‬‬ ‫المطلب‬
‫الول‬
‫عرفت مادة حكر فى قاموس لسان العرب لبن منظور كا يتضح فيما يلى ‪:‬‬
‫أولا ‪ :‬الححكر بفتح الحاء وسكون الكاف ‪ ،‬ادخار الطعام للتربصا وصاحبه محتكر ‪.‬‬
‫ثاني ا ‪ :‬الححكر والهحكر بفتح الحاء فى الول وضمها فى الثانى ‪ ،‬وفتح الكاف فيها بمعنى‬
‫ما احتكر تقول ‪ :‬إنهم ليحتكرون فى بيعهم ينظرون ويتربصون ‪ ،‬وأنه يحكر بكسر الحاء‬
‫وسكون الكاف – ل يزال يحبس سلعته والسوق مادة – أى ملى حتى يبيع بالكثير من‬
‫شدة حكره – بفتح الحاء وسكون الكاف السم من الحتكار ‪.‬‬
‫ومنه الحديث أنه نهى عن الحكرة ومنه حديث عثمان أنه كان يشترى حكرة ) أى جملة‬
‫وقيل جزافا ( وأصل الحكرة الجمع والمساك ‪.‬‬
‫فائدة ‪:‬‬
‫ففى الول معنى الحكر هو جمع الطعام ونحوه واحتباسه وقت الغلء ول يخفى ما يحدثه‬
‫هذا الحبس من المضرة والساءة للمحتاجين ‪.‬‬
‫وفى الثانى معنى الحكر والحكر هو أن المحتكرين يحتبسون الطعام ينتظرون ويتربصون‬
‫به الغلء حتى يبيعون بالكثير من شدة احتكارهم ‪.‬‬
‫أما السم من الحتكار هو الحكر والحكر فمعناهما جمع الطعام ونحوه إوامساكه وحرمان‬
‫الناس منه ‪.‬‬
‫وهكذا وضح أن معانى مادة حكر تعنى كلها جمع الطعام ونحوه وحبسه عن الناس وهذا‬
‫يؤدى إلى ظلم الناس إواساءة معاشرتهم ‪.‬‬

‫‪ 1‬لسنا العرب ‪ :‬لبى الفضل جمال الذين محمد بن مكرم المعروف بابن منظور جـ ‪ ، 5‬صـ ‪ ، 285‬طبعة المطبعة الميرية‬
‫وانظر أيضاا ‪ :‬المنافسة والحتكار بين الشريعة والقاتصاد – محمد متولى محمد عبد الجواد – رسالة دكتوراه بمكتبة كلية الشريعة والقانون بالقاهرة صـ‬
‫‪ 160‬وما بعدها ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫المطلب الثانى ‪ :‬الحاتكار فى اصطلحا الفقهاء ‪:‬‬
‫ل يختلف معنى الحتكار الشرعى الصطلحى عن معناه اللغوى ‪ ،‬وقد عرف عند‬
‫الفقهاء بتعريفات متقاربة فى المعانى واللفاظ ‪.‬‬
‫أول ل ‪ :‬عند الحنفية ‪:‬‬
‫يقول الحصفكى فى شرحا الدر المنتقى ‪ : 1‬الحتكار شرعا اشتراء الطعام‬
‫ونحوه وحبسه إلى الغلء أربعين يوم ا لقوله ‪ ) ‬من احتكر على المسلمين أربعين يوم ا‬
‫ضربه ال بالجذام والفلس ( ‪. 2‬‬
‫‪3‬‬
‫ويقول الشرنبللى فى حااشيته على درر الحكام شرحا غرر الحاكام‬
‫‪ :‬الحتكار حبس الطعام للغلء افتعال من حكر إذا ظلم ونقصا وحكر بالشئ إذا استبد به‬
‫وحبسه عن غيره ‪.‬‬
‫ويقول البابرتى فى شرحا العناية ‪ : 4‬إن المراد بالحتكار " حبس القوات تربص ا‬
‫للغلء " ‪.‬‬
‫وقال المام الكاسانى فى بدائع الضائع ‪: 5‬‬
‫إن الحتكار أن يشترى طعاما فى مصر ويمتنع عن بيعه ‪ ،‬وذلك يضر بالناس وكذلك لو‬
‫اشتراه من مكان قريب يحمل طعامه إلى المصر وذلك المصر صغير وهذا يضر به ‪.‬‬
‫هذه هى كلمة الحنفية حاول تحديد ماهية الحاتكار وبالتأمل فيها‬
‫يستطيع الناظر أن يستخلص التى ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن الكاسانى والحصكفى قد قيدوا الحتكار المحظور بالشراء بينما لم يقيده بذلك‬
‫الشرنبلنى والبابرتى ‪.‬‬
‫‪ -2‬أشار الكاسانى إلى شمول الحتكار للشراء من المصر أو من مكان يجلب طعامه‬
‫إلى المصر ‪.‬‬
‫‪ -3‬قيد غالبية فقهاء الحنفية الحتكار بالقوات بينما عداه إلى غير القوات البعض‬
‫ومنهم الحصكفى ‪.‬‬

‫‪ 1‬الدر المنتقى على متن الملتقى بهامش مجمع النهر جـ ‪ ، 2‬صـ ‪ 547‬طبعة الستانة لسنة ‪ 1327‬هـ ‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرجه ابن ماجه فى سنته من حديث ابن عمر ) ‪ ( 2155‬وسنده صحيح ‪.‬‬
‫‪ 3‬موسوعة الفقة السلمى جـ ‪ ، 3‬صـ ‪ 194‬إصدار المجلس العلى للشئون السلمية‬
‫‪ 4‬العناية بهامش فتح القدير على الهداية جـ ‪ ، 8‬صـ ‪. 126‬‬
‫‪ 5‬بدائع الصنائع لعلءا الدين الكاسانى جـ ‪ ، 3‬صـ ‪. 129‬‬

‫‪5‬‬
‫نبه الكاسانى إلى إلى قيد يفيد حكمة المنع من الحتكار ‪ :‬فأضاف إلى التعريف‬ ‫‪-4‬‬

‫قيد أن يكون ذلك يضر بالناس بدليل قولهم " إلى وقت الغلء "‬
‫‪1‬‬

‫ثانيا ل ‪ :‬مذهب المالكية ‪:‬‬


‫عرف المالكية الحتكار بقولهم ‪ :‬هو الدخار للمبيع وطلب الربح بتقلب السواق أمام‬
‫الدخار للقوت فليس من باب الحتكار ‪. 2‬‬
‫ثالثا ل ‪ :‬مذهب الشافعية ‪:‬‬
‫عرفه الرملى الشافعى بقوله ‪ :‬أنه اشتراء القوت وقت الغلء ليمسكه ويبيعه بعد‬
‫ذلك بأكثر من ثمنه للتضييق‪. 3‬‬
‫كما عرفه الخطيب الشربينى بقوله ‪ :‬هو إمساك ما اشتراه وقت الغلء ليبيعه‬
‫بأكثر مما اشتراه عند اشتداد الحاجة بخلف إمساك ما شاتراه وقت الرخصا ل يحرم مطلق ا‬
‫ول إمساك علة ضيعته ول ما اشتراه فى وقت الغلء لنفسه وعياله أو ليبيعه يمثل ما‬
‫اشتراه‪. 4‬‬
‫رابعا ل ‪ :‬مذهب الحنابلة ‪:‬‬
‫عرف المام ابن قدامه الحنبلى الحاتكار بقوله‪: 5‬‬
‫والحاتكار المحرم ما اجتمع فيه ثلثة شروط ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬أن يشترى فلو جلب شيئا أو أدخل من غلته شيئا فأدخره لم يكن محتك ار ‪.‬‬
‫الثانى ‪ :‬أن يكون المشترى قوت ا ‪ ،‬فأما الدام والحلواء والعسل والزيت وأعلف البهائم‬
‫فليس فيها احتكار محرم ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن يضيق على الناس بشرائه ول يحصل ذلك إل بأمرين ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أن يكون فى بلد يضيق بأهله الحتكار كالحرمين وبالثغور ‪.‬‬
‫الثانى ‪ :‬أن يكون فى حال الضيق بأن البلد قافلة فيتبادر ذو الموال فيشتريها ويضيقون‬
‫على الناس ‪.‬‬
‫التعريف المختار ‪:‬‬
‫‪ 1‬موسوعة الفقة السلمى جـ ‪ ، 3‬صـ ‪ 195 ، 194‬إصدار المجلس العلى للشئون السلمية ‪ ،‬وبحث الحتكار والتسعير الجيرى للدكتور ‪ /‬محمد عبد‬
‫الستار الجبالى جـ ‪ ، 3‬الناشر مكتبة ومطبعة الغد – الطبعة الولى لسنة ‪1999‬م ‪.‬‬
‫‪ 2‬المنتقى شرح الموطأ لبى الوليد سليمان بن خلف الباجى جـ ‪ ، 5‬صـ ‪ 15‬طبع بمصر سنة ‪132‬هـ ‪.‬‬
‫‪ 3‬نهاية المحتاج شرح المنهاج جـ ‪ ، 3‬صـ ‪ 456‬طبعة مصطفى الحلبى سنة ‪1357‬هـ بالقاهرة ‪.‬‬
‫‪ 4‬مغنى المحتاج شرح المنهاج جـ ‪ ، 2‬صـ ‪ 38‬طبعة مصطفى الحلبى بالقاهرة ‪.‬‬
‫‪ 5‬مالغنى لبن قادامة جـ ‪ ، 5‬صـ ‪ 60‬وما بعدها دار الحديث بالقاهرة‬

‫‪6‬‬
‫إن الحتكار هو حبس مال أو منفعه أو عمل ‪ ،‬والمتناع عن بيعه وبذله حتى يغلو سعره‬
‫غلاء فاحشا غير معتاد ‪ ،‬بسبب قلته ‪ ،‬أو انعدام وجوده فى مظانه ‪ ،‬مع شدة حاجة الناس‬
‫أو الدولة أو الحيوان إليه ‪. 1‬‬
‫وقد قام الستاذ الدكتور فتحى الدرينى بتوضيح ما يستفاد من تعريفه‬
‫فبين ما يلى ‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن الحتكار هو حبس ما يحتاج إليه الناس ‪ ،‬سواء مايحتاج إليه الناس ‪ ،‬سواء كان‬
‫طعاما أو غيره مما يكون فى احتباسه إض ار ار بالناس ‪ ،‬ولذلك فإنه يشمل كل المواد‬
‫الغذائية والدوية والثياب ومنافع الدور والراضى ‪ ،‬كما يشمل منافع وخبرات العمال وأهل‬
‫المهن والحرف والصناعات ‪ ،‬إذا كانت تحتاج إلى مثل تلك السلع والخدمات والمنافع ‪.‬‬
‫وأساس هذا المر ‪ :‬أن كل ما ل تقوم مصالح المة أو الدولة إل به فهو واجب‬
‫تحصيله ‪.‬‬
‫ب‪ -‬أنه لم يفرق فى الحتكار بين كون السلعة قد اشتريت من الخارج واستوردت ‪ ،‬أم‬
‫اشتريت من الداخل وحبست انتظا ار للغلء ‪ ،‬أو كانت إنتاجا ذاتيا من محل المحتكر ‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬شمل تعريف الحتكار ‪ :‬كل ما يضر حبسه بالنسان والدولة والحيوان ‪.‬‬
‫د – أظهر التعريف ظاهرة ) الحاجة ( التى هى على تحريم الحتكار فليس كل ظرف من‬
‫الظروف يكون فيه حبس هذه الشياء احتكا ار ‪ ،‬إوانما يكون احتكا ار فى ظرف الحاجة الذى‬
‫يقع فيه الضرر ‪ ،‬فإذا لم يوجد مثل هذا الظرف كان الدخار احتباس ا مباح ا ‪ ،‬لنه تصرف‬
‫فى حق الملكية بل قد يكون واجبا إذا كان اختزانا احتياطيا ‪. 2‬‬
‫المبحث الثانى‬
‫حاكم الحاتكار فى الفقة السلمى‬
‫وفيه ثلثة مطالب ‪:‬‬
‫‪ :‬بيان الحكم التكليفى للحاتكار‬ ‫المطلب‬
‫الول‬
‫‪ :‬الحكمة من تحريم الحاتكار‬ ‫المطلب‬
‫الثانى‬

‫ل عن بحث الحتكار دراسة فقهية مقارنة للدكتور ماجد أبورخية ضمن كتاب بحوث‬ ‫‪ 1‬الفقة السلمى المقارن مع المذاهب للدكتور فتحى الدرينى صـ ‪ 90‬نق ا‬
‫فقهية فى قاضايا اقاتصادية معاصرة جـ ‪ ، 2‬صـ ‪ 463‬وما بعدها طبعة دار النفائس بالردن ‪..‬‬
‫‪ 2‬المرجع السابق‪ :‬صـ ‪ 463‬وما بعدها‬

‫‪7‬‬
‫‪ :‬حاكم الحاتكار الدنيوى‬ ‫المطلب‬
‫الثالث‬
‫المطلب الول ‪ :‬بيان الحكم التكليفى للحاتكار‬
‫اختلف الفقهاء فى حاكم الحاتكار على مذهبين ‪:‬‬
‫المذهب الول ‪ :‬أن الحاتكار محرم ‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫وهذا مذهب جمهور الفقهاء منهم المالكية‪ ، 1‬والشافعية على الصحيح عندهم‪ ، 2‬والحنابلة‬
‫‪ ،‬والظاهرية‪ ، 4‬وغيرهم ‪.‬‬

‫‪ 1‬الملتقى شرح موطأ مالك ‪. 5/17‬‬


‫‪ 2‬مغنى المحتاج ‪ ، 2/38‬شرح النووى على صحيح مسلم ‪. 11/43‬‬
‫‪ 3‬كشاف القناع جـ ‪ ، 3‬ص‪ ، 176،‬النصاف فى معرفة الراجح من الخلف جـ ‪ 4‬ـ صـ ‪. 338‬‬
‫‪ 4‬المحلى جـ ‪ ، 9‬صـ ‪. 64‬‬

‫‪8‬‬
‫المذهب الثانى ‪ :‬أن الحاتكار مكروه ‪:‬‬
‫وهذا مذهب جمهور الحنفية‪ ، 1‬وبعض الشافعية حيث عبروا عنه بالكراهة إذا كان يضر‬
‫بالناس ‪.‬‬
‫أدلة المذاهب ومناقشتها‬
‫أدلة المذهب الول ‪:‬‬
‫استدل الجمهور على حارمة الحاتكار بالكتاب والسنة والثر‬
‫والمعقول ‪:‬‬
‫صيدوحن حعن حسذبيذل الللذه حوايلحميسذجذد ايلحح حارذم‬ ‫لذ‬
‫أما الكتاب ‪ :‬فقوله تعالى ‪ ‬ذإلن الذيحن حكفحهروا حوحي ه‬
‫ف ذفيذه حوايلحباذد حوحمن هيذريد ذفيذه بذذإيلححادد بذظهيلدم هنذذيقهه ذمين حعحذادب أحذليدم‬
‫س حسحواء ايلحعاذك ه‬
‫اللذذي حجحعيلحناهه ذلللنا ذ‬
‫‪2‬‬
‫‪‬‬
‫قال المام القرطبى عند تفسيره لهذه الية ‪:‬‬
‫روى عن يعلى بن أمية أن رسول ال ‪ ‬قال ) احتكار الطعام فى الحرم إلحاد فيه ( وقد‬
‫فهم من هذا صاحب الختيار الحنفى أن الية أصل فى إفادة تحريم الحتكار‪. 3‬‬
‫وفى إحاياء علوم الدين للغزالى عند تفسيره لهذه الية ‪:‬‬
‫إن الحتكار من الظلم وداخل تحته فى الوعيد‪. 4‬‬
‫وما ذهب إليه الغزالى فى بيان وجه الدللة هو القول الراجح إذ أن مدلول الية عام ويدخل‬
‫تحت النهى كل من أراد محرم ا ول شك أم الحتكار داخل تحت نطاق هذا العموم الشامل‬
‫للحتكار وغيره ‪ ،‬فإن قيل إن الية نزلت بسبب غير النهى عن الحتكار قلنا إن العبرة‬
‫بعموم اللفظ ل بخصوصا السبب‪. 5‬‬
‫وأما السنة ‪ :‬فقد دلت أحاديث كثيرة فى السنة النبوية على تحريم الحتكار ومنها ‪:‬‬
‫‪ -1‬ما روى عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد ال العدوى أن النبى ‪ ‬قال ‪ ) :‬ل‬
‫يحتكر إل خاطئ (‪. 6‬‬

‫‪ 1‬الختيار لتعليل المختار جـ ‪ ، 4‬صـ ‪ ، 160‬الهداية شرح بداية المبتدى جـ ‪ ، 8‬صـ ‪ 491‬طبعة دار إحياءا التراث العربى ببيروت ‪.‬‬
‫‪ 2‬سورة الحج الية ‪. 25‬‬
‫‪ 3‬الجامع لحكام القرآن ‪ :‬جـ ‪ ، 12‬صـ ‪ 34‬طبعة دار الكتب المصرية ‪.‬‬
‫‪ 4‬إحياءا علوم الدين ‪ :‬جـ ‪ ، 4‬صـ ‪ ، 775‬طبعة دار الشعب ‪.‬‬
‫‪ 5‬المنافسة والحتكار ‪ :‬رسالة دكتوراه للباحث محمد متولى محمد عبد الجواد بمكتبة كلية الشريعة بالقاهرة برقام ) ‪. ( 1294‬‬
‫‪ 6‬أخرجه أحمد ) ‪ ( 6/400‬ومسلم ) ‪ ( 1605‬وأبوداوود ) ‪( 3447‬‬

‫‪9‬‬
‫قال المام الشوكانى رحامة الله فى كتابه " نيل الوطار "‪ : 1‬والتصريح‬
‫بأن المحتكر خاطئ كاف فى إفادة عدم الجواز لن الخاطئ المذنب العاصى ‪.‬‬
‫وقال الصنعانى رحامة الله ‪ : 2‬الخاطئ هو العاصى الثم ‪ ،‬وفى الباب أحاديث‬
‫دالة على تحريم الحتكار ‪.‬‬
‫‪ -2‬ما روى عن معقل بن يسار قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ ) : ‬من دخل فى شئ من أسعار‬
‫المسلمين ليغلبه عليهم كان حقا على ال أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة (‪. 3‬‬
‫وجه الدللة من الحديث ‪:‬‬
‫دل هذا الحديث على معاقبة من يقدم على ذلك بمكان فى النار ‪ ،‬ول يكون ذلك إل‬
‫لرتكابه المحرم‪. 4‬‬
‫‪ -3‬ماروى عن أبى هريرة رضى ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ ) : ‬من احتكر حكرة يريد‬
‫أن يغلى بها على المسلمين فهو خاطئ (‪. 5‬‬
‫‪ -4‬ما رواه ابن عمر رضى ال عنه أن النبى ‪ ‬قال ‪ ) :‬من احتكر طعام ا أربعين ليلة فقد‬
‫برئ من ال وبرئ ال منه ‪ ،‬وأيما أهل عرصة ‪ 6‬أصبح فيهم امرؤ جائعا فقد برئت منهم‬
‫ذمة ال (‪. 7‬‬
‫‪ -5‬ومنها ما رواه عمر رضى ال عنه أن النبى ‪ ‬قال ‪ ) :‬من احتكر على المسلمين‬
‫طعامهم ضربه ال بالجذام والفلس ( رواه ابن ماجة ‪.‬‬
‫‪ -6‬وعن عمر بن الخطاب رضى ال عنه أن النبى ‪ ‬قال ‪ ) :‬الجالب مرزوق والمحتكر‬
‫‪8‬‬
‫ملعون (‬

‫وجه الدللة من هذه الحااديث ‪:‬‬

‫‪ 1‬نيل الوطار ‪ :‬جـ ‪ ، 5‬صـ ‪ ، 267‬طبعة مكتبة اليمان بالمنصورة ‪.‬‬


‫‪ 2‬سبل السلم ‪ :‬جـ ‪ ، 3‬صـ ‪ ، 44‬طبعة دار العقيدة بالقاهرة ‪.‬‬
‫‪ 3‬ذكره الشوكانى فى نيل الوطار جـ ‪ ، 5‬صـ ‪ ، 266‬ثم قاال ‪ :‬وحديث معقل أخرجه الطبرانى فى الكبير والوسط وفى إسناده زيد بن مرة أبوالمعلى قاال فى‬
‫مجمع الزوائد ‪ :‬ولم أجد من ترجمة وبقية رجاله رجال الصحيح ‪.‬‬
‫‪ 4‬الحتكار والتسعير الجيرى ‪ :‬للدكتور محمد عبد الستار الجبالى صـ ‪. 12‬‬
‫‪ 5‬أخرجه الحاكم وزاد " وقاد برئت منه " وفى إسناد حديث أبوهريرة أبومعشر وهو ضعيف وقاد وثق ) نيل الوطاز جـ ‪ ، 5‬صـ ‪. ( 266‬‬
‫‪ 6‬عرصة ‪ :‬البقعة الواسعة التى ليس فيها بناءا ‪ ،‬وعرصة الدار ساحتها أى جهة ‪.‬‬
‫‪ 7‬أخرجة أحمد والحاكم وابن أبى شيبة وأبو يعلى ) نيل الوطار جـ ‪ ، 5‬صـ ‪. ( 266‬‬
‫‪ 8‬سنن ابن ماجة ) ‪( 2/728‬‬

‫‪10‬‬
‫قال المام الشوكانى رحامة الله ‪ :‬ول شك أن أحاديث الباب تنتهض بمجموعها‬
‫للستدلل على عدم جواز الحتكار ‪ ،‬ولو فرض عدم ثبوت شئ منها فى الصحيح فكيف‬
‫وحديث معمر مذكور فى صحيح مسلم ؟ ) نيل الوطار جـ ‪ ، 5‬صـ ‪. ( 267‬‬
‫وأما الثر ‪ :‬فمنه ‪:‬‬
‫‪ -1‬ماروى عن عمر بن الخطاب رضى ال عنه أنه قال ‪ " :‬ل حكرة فى سوقنا ‪ ،‬ل يعمد‬
‫رجال بأيديهم فضول من أذهاب إلى رزق ال نزل بساحتنا فيحتكرونه علينا ‪ ،‬ولكن أيما‬
‫جالب جلب على عمود كبده فى الشتاء والصيف ‪ ، 1‬فذلك ضيف عمر ‪ ،‬فليبع كيف شاء‬
‫‪2‬‬
‫ال وليمسك كيف شاء ال "‬
‫‪ -2‬ما روى أن عثمان رضى ال عنه كان ينهى عن الحكرة ‪.‬‬
‫‪ -3‬ما روى عن على رضى ال عنه أنه قال ‪ " :‬من احتكر الطعام أربعين يوم ا قسا قلبه "‬
‫‪.‬‬
‫‪ -4‬ما روى عن على رضى ال عنه أنه أحرق طعام ا محتك ار بالنار ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وجه الدللة من هذه الثار ‪:‬‬


‫واضح من هذه الثار النهى عن الحكرة ‪ ،‬والنهى يفيد التحريم ‪ ،‬ما لم تأت قرينة تصرفة‬
‫إلى غير التحريم ‪ ،‬ول قرينة فإن هذه الثار تفيد ما أفادته الحاديث السابقة ‪.‬‬
‫وأم المعقول ‪:‬‬
‫فقد حاكاه الكاسانى بقوله ‪ :‬ولن الحتكار من باب الظلم لن ما بيع فى المصر‬
‫فقد تعلق به حق العامة ‪ ،‬فإذا امتنع المشترى عن بيعه عند شدة حاجتهم إليه فقد منعهم‬
‫حقهم ‪ ،‬ومنع الحق عن المستحق ظلم وحرام ‪ ،‬يستوى فى ذلك قليل المدة وكثيرها ‪ ،‬لتحقق‬
‫الظلم ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫أدلة المذهب الثانى ‪:‬‬


‫استدل القائلون بكراهة الحاتكار بالتى ‪:‬‬

‫‪ 1‬هذا القول يعنى أن الجالب قد حمل ما جلبه على ظهره ‪ ،‬أو على دابته ‪ ،‬وتحمل فى سبيل ذلك برد الشتاء وحر الصيف ‪ ،‬انظر المنتقى ‪ ، 5/17‬الزرقانى‬
‫على الموطأ ‪. 4/252‬‬
‫ل عن الحتكار دراسة فقهية مقارنة للدكتور ماجد أبورخية ضمن كتاب بحوث فقهية فى قضايا اقتصادية جـ ‪ ، 2‬صـ ‪. 473‬‬ ‫‪ 2‬المنتقى جـ ‪ / 5‬صـ ‪ 15‬نق ل‬
‫‪ 3‬المصدر السابق جـ ‪ ، 2‬صـ ‪. 474‬‬
‫‪ 4‬بدائع الصنائع ‪ :‬جـ ‪ ، 3‬صـ ‪ 129‬نق ل‬
‫ل عن الحتكار والتسعير الجبرى للدكتور ‪ /‬محمد عبد الستار الجبالى صـ ‪. 14‬‬

‫‪11‬‬
‫‪ -1‬قصور الروايات الواردة فى تعداد ما يجرى فى الحتكار من ناحية السند والدللة ل‬
‫تقوى بالتحريم ‪ ،‬كما ل تنتهض لن تكون دليلا عليه ‪.‬‬
‫أجيب عن هذا ‪ :‬بأن الروايات غير قاصرة فى دللتها على التحريم لترتبه على اللعن‬
‫والوعيد الوارد فيها كما أن الختلف فى التعداد ل يعنى الكراهة دون تحريم ‪.‬‬
‫فضل ل عن ذلك ‪ :‬فتصريح الحنفية بالكراهة على سبيل الطلق ينصرف إلى الكراهة‬
‫التحريمية وفاعل المكروة تحريما عندهم يستحق العقاب ‪ ،‬كفاعل الحرام ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن الناس سلطون على أموالهم وتحريم التصرف حجر عليهم ‪.‬‬
‫أجيب عن هذا ‪ :‬بأن حرية المالك فى ملكه مطلقة ما لم يترتب على ذلك إض ار ار‬
‫‪1‬‬
‫بالخرين إذ ل ضرر ول ضرار ‪ ،‬والضرر يزال ‪ ،‬ودر المفاسد مقدم على جلب المصالح‬
‫‪.‬‬
‫المذهب المختار ‪:‬‬
‫وبعد عرض مذاهب الفقهاء فى حكم الحتكار وأدلة كل مذهب فإن مجموع الدلة ترجح‬
‫رأى جمهور الفقهاء القائل بتحريم الحتكار وذلك لقوة أدلته وسلمتها من المناقشة ‪.‬‬
‫المطلب الثانى ‪ :‬الحكمة من تحريم الحاتكار‬
‫يتفق الفقهاء على أن الحكمة فى تحريم الحتكار رفع الضرر عن عامة الناس ‪ ،‬ولذا فقد‬
‫أجمع العلماء على أنه لو اتحكر إنسان شيئا ‪ ،‬واضطر الناس إليه ‪ ،‬ولم يجدوا غيره ‪،‬‬
‫وأجبر على بيعه ‪ ،‬دفع ا لضرر الناس ‪ ،‬وتعاون ا حصول العيش ‪. 2‬‬
‫وفى هذا المعنى يقول أفمام مالك رحامة الله ‪ " :‬الحكرة فى كل شئ فى‬
‫السوق من الطعام والزيت والكتان وجميع الشياء والصوف ‪ ،‬وكل ما أضر بالسوق ‪...‬‬
‫فإن كان ل يضر بالسوق فل بأس بذلك " ‪. 3‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬حاكم الحاتكار الدنيوى‬
‫مذهب الحنفية ‪:‬‬
‫يقول المام الكاسانى فى بدائع الصنائع ‪:‬‬

‫‪ 1‬باختصار من بحث ‪ :‬الحتكار والتسعير الجبرى للدكتور ‪ /‬محمد عبد الستار الجبالى صـ ‪. 14‬‬
‫‪ 2‬الموسوعة الفقهية الكويتية جـ ‪ ، 2‬صـ ‪ 91‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ 3‬المدونة جـ ‪ ، 10‬صـ ‪ 123‬نقلل عن الحتكار والتسعير الجبرى صـ ‪. 16‬‬

‫‪12‬‬
‫" إن من أحكام الحتكار أن يؤكر المحتكر بالبيع إزالة للظلم لكن إنما يؤمر ببيع ما فضل‬
‫عن قوته ‪ ،‬وقوت أهله ‪ ،‬فإن لم يفعل وأصر على الحتكار ورفق إلى المام مرة أخرى‬
‫وهو مصر عليه فإن المام يعظه ويهدده ‪ ،‬فإن لم يفعل ورفع إليه مرة ثالثة يحبسه ويعزره‬
‫زج ار له عن سوء صنعه ول يجبر على البيع "‬
‫وقال محمد ‪ " :‬يجبر عليه ‪ ،‬وهذا يرجع إلى مسألة الحجر على الحر لن الجبر على‬
‫البيع فى معنى الحجر "‬
‫‪1‬‬

‫مذهب المالكية ‪:‬‬


‫يقول أبو الوليد الباجى ‪ :‬إوان احتكر شيئا من ذلك ممن ل يجوز له احتكاره ‪ ،‬ففى‬
‫كتاب ابن مزين عن عيسى بن دينار أنه قال يتوب وتخرجه إلى السوق ويبيعه من أهل‬
‫الحاجة إليه بمثل ما اشتراه به ل يزداد فيه شيئ ا ووجه ذلك أن المنع قد تعلق بشرائه لحق‬
‫الناس وأهل الحاجة ‪ ،‬فإذا صرفه إليهم بمثل ما كانوا يأخذونه أو لحين إبتياعه إياه ‪ ،‬فقد‬
‫رجع عن فعله الممنوع منه فإن لم يعلم فبسعره يوم احتكاره ‪ ،‬ووجه ذلك أنه لما كان هذا‬
‫‪2‬‬
‫الواجب عليه فلم يفعله أجبر عليه وصرف الحق إلى مستحقه‬

‫مذهب الشافعية ‪:‬‬


‫يقول ابن حاجر الهيثمى ‪ :‬أجمع العلماء على أنه لو كان عند إنسان طعام واضطر‬
‫إليه الناس " يجبر على بيعه ‪ ،‬دفع ا للضرر عنه " ‪. 3‬‬
‫‪4‬‬
‫ويقول الرملى ‪ " :‬ويجبر من عنده زائد على ذلك بيعه فى زمن الضرورة "‬
‫مذهب الحنابلة ‪:‬‬
‫يقول البهوتى ‪ " :‬ويجبر المحتكر على بيعه كما يبيع الناس دفعا للضرر ‪ ،‬فإن أبى‬
‫أن يبيع ما احتكره من الطعام وضيق التلف بحبسه عن الناس ‪ ،‬فرقه المام على‬
‫المحتاجين إليه ويردون مثله عند زوال الحاجة "‪. 5‬‬

‫‪ 1‬بدائع الصنائع ‪ :‬جـ ‪ ، 3‬صـ ‪. 129‬‬


‫‪ 2‬المنتقى جـ ‪ ، 17/ 5‬والقوانين الفقهية صـ ‪. 255‬‬
‫‪ 3‬الزواجر عند اقتراف الكبائر جـ ‪ ، 1‬صـ ‪ 451‬طبعة دار الحديث بالقاهرة ‪.‬‬
‫‪ 4‬نهاية المحتاج ‪ :‬جـ ‪ ، 3‬صـ ‪. 456‬‬
‫‪ 5‬كشاف القناع ‪ :‬جـ ‪ ، 3‬صـ ‪. 176‬‬

‫‪13‬‬
‫ويقول ابن القيم ‪ " :‬ومن أقبح الظلم أن يلزم الناس أل يبيعوا الطعام أو غيره من‬
‫الصناف إل ناس معروفون ‪ ،‬فل تباع تلك السلع إل لهم ‪ ،‬ثم يبيعونها هم بما يريدون ‪،‬‬
‫فلو باع غيرهم ذلك منعوه ‪ ،‬وهذا يمكن تسميته احتكار الصنف " ‪. 6‬‬
‫للفقهاء تفصيلتا جاءتا على النحو التالى ‪:‬‬
‫أول ل ‪ :‬إذا خيف الضرر على العامة ‪ ،‬أجبر ‪ ،‬بل أخذ منه ما احتكره ‪ ،‬وباعه ‪ ،‬وأعطاه‬
‫المثل عند وجوده ‪ ،‬أو قيمته ‪ ،‬وهذا قدر متفق عليه بين الئمة ‪ ،‬ول يعلم خلل فى ذلك ‪.‬‬
‫ثانيا ل ‪ :‬إذا لم يكن هناك خوفا على العامة فالمالكية والشافعية والحنابلة ومحمد بن الحسن‬
‫من الحنفية يرون أن للحاكم جبره إذا لم يمتثل المر بالبيع ‪ ،‬وأما أبو حنيفة وأبويوسف‬
‫فيريان أنه‬

‫‪ 6‬الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية صـ ‪ 226‬نقلل عن موسوعة الفقة السلمى جـ ‪ ، 3‬صـ ‪ 199‬إصدار المجلس العلى للشئون السلمية بالقاهرة ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ل يجبر على البيع ‪ ،‬إوانما إذا امتنع عن البيع عزره الحاكم ‪ ،‬وعند من يرى الجبر فمنهم‬
‫من يرى الجبر بدئ ذى بدئ ‪ ،‬ومنهم من يرى النذار من قبل ‪ ،‬وقيل اثنين ‪ ،‬وقيل ثلثا‬
‫‪.1‬‬
‫ثالثا ل ‪ :‬تعزيز الحاكم للمحتكر عند المتناع عن البيع بما يراه زاج ار له ودافعا للضرر عن‬
‫الناس ‪.‬‬
‫رابعا ل ‪ :‬مشروعية تأديب المحتكر ولو بإحراق أمواله المحتكرة ‪.‬‬
‫خامسا ل ‪ :‬سياسة الحكام فى اتخاذ ما يرونه نافع ا لتحقيق الصالح العام ومقاومة البغى‬
‫والفساد ‪ ،‬يختلف باختلف اعتبارات كثيرة ‪ ،‬وهذا يؤكد أن السلم قد جاء بإصلحا يوافق‬
‫مصلحة البشر فى كل زمان ومكان ‪. 2‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫ما يجرى فيه الحاتكار‬
‫اختلف الفقهاء فيما يجرى فيه الحاتكار على ثلثة مذاهب كالتى ‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫المذهب الول ‪ :‬أن المحرم إنما هو احتكار القوات خاصة وممن قال بهذا الشافعية‬
‫‪ ،‬وجمهور الحنابلة ‪. 4‬‬
‫المذهب الثانى ‪ :‬يجرى الحتكار فى كل ما يحتاجه الناس ويتضررون بحبسه حيث‬
‫قرار من قال بهذا الرأى أن كل ما ينفع المسلمين ‪ ،‬ويحصل بحبسه الذى فإن احتكاره إثم‬
‫غير مشروع وبهذا قال المالكية ‪ ،‬والظاهرية ‪ ،‬وبه قال أبويوسف من الحنفية ‪ ،‬والشوكانى‬
‫‪ ،‬والصنعانى ‪.5‬‬
‫المذهب الثالث ‪ :‬يجرى الحتكار فى قوت الدمى فقط ‪ ،‬وبهذا الرأى ذهب الحنابلة‬
‫فى الصحيح من المذهب ‪. 6‬‬

‫‪ 1‬الموسوعة الفقهية الكويتية جـ ‪ ، 2‬صـ ‪. 95‬‬


‫‪ 2‬الحتكار والتسعير الجبرى للدكتور ‪ /‬محمد عبد الستار الجبالى صـ ‪ 20‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ 3‬المهذب ‪ ، 1/387‬وشرح النووى على صحيح مسلم ‪ ، 11/36‬البيان للعمرانى ‪ ، 2/104‬وإحياء علوم الدين ‪. 2/105‬‬
‫‪ 4‬المغنى ‪ ، 5/275‬شرح منتهى الرادات ‪ ، 2/159‬الروض المربع صـ ‪. 254‬‬
‫‪ 5‬الملتقى جـ ‪ ، 5/16‬المدونة جـ ‪ ، 10/123‬المحلى جـ ‪ ، 65-19/64‬نيل الوطار للشوكانى جـ ‪ ، 5‬صـ ‪ ، 267‬سبل السلم للصنعانى جـ ‪ ، 3‬صـ ‪. 44‬‬
‫‪ 6‬راجع ‪ :‬النصاف جـ ‪ 4/338‬كشاف القناع جـ ‪. 3/176‬‬

‫‪15‬‬
‫أدلة المذاهب ومناقشتها‬
‫أدلة المذهب الول‪:‬‬
‫استدل أصحاب المذهب الول على أن الحاتكار ل يكون إل فى‬
‫أقواتا الناس خاصة بالسنة والثر والمعقول ‪:‬‬
‫أما السنة ‪ :‬استدلوا بأحاديث منها ما رواه ابن ماجة فى سنته عن عمر بن الخطاب‬
‫رضى ال عنه قال ‪ :‬سمعت رسول ال ‪ ": ‬من احتكر على المسلمين طعامهم ضربة ال‬
‫بالجذام والفلس " ‪. 1‬‬
‫اعترض على هذا الحديث ‪ :‬حايث قال المام الشوكانى ‪ :‬حديث عمر فى‬
‫إسناده الهيثم بن رافع ‪ ،‬قال أبو داوود ‪ :‬روى حديث ا منك ار ‪ ،‬قال الذهبى ‪ :‬هو الذى خرجه‬
‫‪2‬‬
‫ابن ماجه يعنى هذا ‪ ،‬وفى إسناده أبو يحيى المكى وهو مجهول‬
‫ومنها ‪ :‬حديث بن عمر عند الحاكم وابن أبى شيبة والبراز وأبو يعلى يلفظ ‪ " :‬من احتكر‬
‫الطعام أربعين ليلة فقد برئ من ال ‪ ،‬وبرئ ال منه " زاد الحاكم " وأيما أهل عرصة أصبح‬
‫فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة ال "‪.‬‬
‫وفى إسناده أصبغ بن زيد وكثير بن مرة والول مختلف عنه ‪ ،‬والثانى قال ابن حزم ‪ :‬إنه‬
‫مجهول وقال غيره ‪ :‬معروف ووثقه ابن سعد وروى عنه جماعة ‪ ،‬واحتج به النسائى ‪.‬‬
‫قال الحافظ بن حجر ‪ :‬ووهم ابن الجوزى فأخرج هذا الحديث فى الموضوعات ‪ ،‬وحكى‬
‫ابن أبى حاتم عن أبيه أنه منكر ‪. 3‬‬
‫وأما الثر ‪ :‬فمنهما رواه الثرم قال ‪ :‬سمعت أبا عبد ال يسأل عن أى شئ الحتكار ؟‬
‫فقال ‪ :‬إذا كان من قوت الناس فهو الذى يكره ‪ ،‬وهذا قول ابن عمر ‪.‬‬
‫وجه الدللة ‪ :‬واضح فى جواز احتكار غير الطعام ‪ ،‬لنه لو كان احتكار غير الطعام‬
‫محرما لما فعله هؤلء ‪ ،‬ولما أفتوا بجوازه ‪.‬‬
‫وأمل المعقول ‪ :‬فقد حكاه الكاسانى بقوله ‪ " :‬أن الضرر العم إنما يلحق العامة‬
‫‪4‬‬
‫بحبس القوت والعلف "‬

‫‪ 1‬أرخجه بن ماجة ) ‪. ( 2115‬‬


‫‪ 2‬نيل الوطار ‪ :‬جـ ‪ ، 5‬صـ ‪. 266‬‬
‫‪ 3‬المرجع السابق ‪ :‬جـ ‪ ، 5‬صـ ‪ 266‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ 4‬بدائع الصنائع ‪ :‬جـ ‪. 4/160‬‬

‫‪16‬‬
‫وحاكاه المرغينانى بقوله ‪ " :‬اعتبار الضرر المعهود والمتعارف عليه اللحق‬
‫للعامة بحبس القوت والعلف "‬ ‫‪1‬‬

‫أدلة المذهب الثانى ‪:‬‬


‫استدلوا بظاهر الحاديث التى حرمت الحتكار بصفة عامة من غير فرق بين قوت‬
‫‪2‬‬
‫الدمى والدواب وبين غيره ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬ما رواه مسلم وغيره عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد ال عن رسول ال ‪‬‬
‫أنه قال ‪ " :‬ل يحتكر إل الخاطئ " ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬ما رواه أحمد عن معقل بن يسار أن النبى ‪ ‬قال ‪ " :‬من دخل فى شئ من أسعار‬
‫المسلمين ليغليه عليهم فإن حقا على ال أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة "‬
‫فإن هذه الحااديث وغيرها مما فى معناها صريحة فى تحريم الحاتكار‬
‫‪3‬‬
‫مطلقا ل فى كل ما يضر بالناس قوتا ل كان أو غيره ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬إن فى بعضها ضعف ا ‪.‬‬
‫فالجواب ‪ :‬كما قال المام الشوكانى ‪ " :‬لو فرض عدم ثبوت شئ منها فى الصحيح فكيف‬
‫وحديث معمر المذكور فى صحيح مسلم ‪ ،‬والتصريح بأن المحتكر خاطئ كاف فى إفادة‬
‫‪4‬‬
‫عدم الجواز ‪ ،‬لن الخاطئ المذنب العاصى "‪.‬‬
‫أدلة المذهب الثالث ‪:‬‬

‫استدل أصحاب المذهب على أن الحاتكار ل يكون إل فى أقواتا‬


‫الدمى وعلف الحيوان فقط بالمعقول ‪:‬‬
‫ومنه ‪ :‬ما قاله الكاسانى ‪ " :‬إن الضرر فى العم الغلب إنما يلحق العامة بحبس‬
‫القوت والعلف ‪ ،‬فل يتحقق الحتكار إل به " ‪.5‬‬

‫‪ 1‬الهداية ‪ .‬هامش فتح القدير جـ ‪. 8/492‬‬


‫‪ 2‬نيل الوطار ‪ :‬جـ ‪ ، 5‬صـ ‪. 267‬‬
‫‪ 3‬الحتكار دراسة فقهية مقارنة لستاذنا ‪ /‬محمد حلمى عيسى ‪ ،‬ضمن حولية كلية الشريعة والقانون بالقاهرة العدد الثامن عشر صـ ‪. 437‬‬
‫‪ 4‬نيل الوطار ‪ :‬جـ ‪ ، 5‬صـ ‪. 267‬‬
‫‪ 5‬بدائع الصنائع ‪ :‬جـ ‪. 3/129‬‬

‫‪17‬‬
‫ويعترض عليه ‪ :‬بأن الضرر قد يلحق باحتكار غير القوات ‪ ،‬كاحتكار السلحا فى‬
‫وقت الجهاد واحتكار الدواء استغللا لحاجة المرضى ‪. 1‬‬
‫المذهب المختار‬
‫بعد ذكر أدلة المذاهب ومناقشتها فيما يجرى فيه الحتكار يتضح أن المذهب الراجح هو‬
‫المذهب التالى والذى يرى أصحابه أن الحتكار يكون فى كل ما يضر بالناس حبسه ‪،‬‬
‫قوتا كان أو غيره وذلك لقوة أدلته ‪ ،‬فمعظم الحاديث الواردة فى منع الحتكار جاءت‬
‫مطلقة عن القيد ‪ ،‬فيجب العمل بمطلقها من غير تقييد ‪.‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫شروط الحاتكار المحرم‬
‫من المتفق عليه بين الفقهاء ‪ 2 :‬أن الحتكار ليس هو مطلب الحبس ‪ ،‬قد يحبس النسان‬
‫قوته وقوت عياله لسنة أو لكثر دون أن يعد هذا الفعل من قبيل الحتكار لما روى‬
‫البخارى فى باب حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله ‪ :‬عن ابن شهاب الزهرى ‪ ،‬عن‬
‫مالك بن أوس عن عمر رضى ال عنه أن النبى ‪ ) ‬كان يبيع نخيل بنى النضير ويحبس‬
‫لهله قوت سنتهم (‪. 3‬‬
‫والحديث واضح الدللة على أن هذا النوع من المساك حلل مباحا ‪ ،‬وأنه ليس من‬
‫باب الحتكار المنهى عنه ‪ ،‬ومن ناحية أخرى فإن الحديث ل دللة فيه على عدم جواز‬
‫حبس القوت أكثر من سنة ‪. 4‬‬
‫وبناء عليه فإن الحاتكار المحرم هو ما توافرتا فيه شروط مهينة‬
‫ذكرها الفقهاء فى كتبهم وأقوالهم ‪ ،‬منها ما يلى ‪:‬‬
‫أول ل ‪ :‬أن يكون الشئ المحتكر من القواتا ‪:‬‬
‫وقد بينت سابق ا أراء الفقهاء فى هذه المسألة ‪ ،‬وأن القول الراجح هو أن الحتكار يجرى فى‬
‫حبس كل ما يحتاج إليه الناس من قوت وغيره فى الولى بالعتبار ‪ ،‬لن الحاديث‬
‫المطلقة تفيد ذلك ‪ ،‬وحملها على إطلقها هو الذى يناسب ما ط أر على الحتكار من‬
‫مستجدات ومتغيرات فى العصر الحديث ‪.‬‬

‫‪ 1‬بحث الحتكار لستاذنا ‪ /‬محمد حلمى عيسى صـ ‪. 436‬‬


‫‪ 2‬المرجع السابق ‪ :‬صـ ‪. 438‬‬
‫‪ 3‬صحيح البخارى ‪. 7/81 :‬‬
‫‪ 4‬مغنى المحتاج ‪. 2/38 :‬‬

‫‪18‬‬
‫ثانيا ل ‪ :‬أن يكون الشئ المحتكر قد اشترى من سوق البلدة ‪:‬‬
‫فإن كان مجلوبا من الخارج أو منتجا من ضيعة المحتكر فإن حبسه ل يعد من قبيل‬
‫الحتكار لمرين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬قوله ‪ " : ‬الجالب مرزوق والمحتكر ملعون " ‪.‬‬
‫الثانى ‪ :‬إن حق العامة قد تعلق بالشئ المشترى من الداخل ‪ ،‬فشراؤه وحبسه إلحاق ضر‬
‫بهم فى حين أنه ل يوجد هذا الحق فيما اشترى من الخارج ثم جلبه ‪ ،‬لنه بإمكان المشترى‬
‫الذى اشترى واحتكر أن ل يشترى ول يجلب أصلا ‪ ،‬وبإمكانه أيض ا أن ل يزرع ‪ ،‬إوان كان‬
‫الولى والفضل أن ل يقوم بحبس ما جلبه أو أنتجه حتى ل يلحق ضر ار بالناس ‪.‬‬
‫ثالثا ل ‪ :‬أن يكون الشئ المحتكر قد اشترى فى وقت الضيق والشدة‬
‫وغلء السعار وأن شراءه واحاتكاره قد ألحق ضررا ل بالناس ‪.‬‬
‫رابعا ل ‪ :‬الوقت‬
‫قيدت بعض الحاديث الواردة فى النهى عن الحتكار مدة الحتكار بأربعين يوما فقد ورد‬
‫فى حديث ابن عمر رضى ال عنهما ) من احتكر طعام ا أربعين يوم ا فقد برئ من ال‬
‫تعالى وبرئ ال تعالى منه ‪. ( ...‬‬

‫فهل يعد هذا القيد الوارد فى الحديث شرطا ل من شروط الحاتكار أم‬
‫ل؟‬
‫اختلف الفقهاء على أربعة أقوال ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن أقل مدة الحتكار أربعون يوم ا اعتمادا على ظاهر حديث ابن عمر ‪.‬‬
‫الثانى ‪ :‬أن أقل مدة الحتكار شهر لن ما دونه عاجل ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن الحتكار احتكار طالت المدة أم قصرت ‪ ،‬ذلك أن التقييد الوارد فى الحديث‬
‫ل يراد بها لتحديد ‪ ،‬إوانما المراد جعل المحتكر الحتكار حرفة يقصد بها نفع نفسه ‪،‬‬
‫إوالحاق الضرر بغيره ‪.‬‬
‫يقول الشوكانى ‪ " :‬ولم أجد من ذهب إلى العمل بهذا العدد " ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫الرابع ‪ :‬أن المحتكر إنما يكون آثما ديانة بنفس الحتكار ‪ ،‬طالت المدة أم قصرت ‪ ،‬وأن‬
‫بيان المدة إنما يكون لبيان ما يتعلق بها من أحكام الدنيا ‪ ،‬كإجبار المحتكر على بيع ما‬
‫عنده ‪ ،‬دفع ا للضرر ‪ ،‬ونحو ذلك ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫المبحث الخامس‬
‫وسائل منع الحاتكار وموقف الحاكم منه‬
‫ل شك أن الحتكار جريمة اجتماعية كبرى ‪ ،‬ولهذا كان محرم ا ممنوع ا ‪.‬‬
‫وما من شك أن من كان عنده وازع دينى فإنه ل يحتكر ‪ ،‬لن هذا الوازع الدينى قد غرس‬
‫فيه الخوف من عقاب ال فى الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫وقد مر بنا من أحاديث النبى ‪ ‬أن المحتكر خاطئ ‪ ،‬أى آثم عاصا ‪ ،‬وأن ال يقعده بمكان‬
‫عظيم من النار يوم القيامة ‪ ،‬وأنه يصاب بالجذام والفلس ‪ ،‬وسواء أكان هذا على الحقيقة‬
‫أم أنه رمز على أنه يصاب بعذاب دنيوى ‪.‬‬
‫كل هذا كفيل بغرس الوازع الدينى الناهى عن هذه الجريمة التى هى فى حقيقتها جريمة‬
‫استغلل رأس المال لحاجة الجماعة الملحة إلى الغذاء والكساء والمأوى وسائر شئون‬
‫مرافقها الخاصة والعامة ‪.‬‬
‫والفقهاء متفقون على أن الحاكم بأمر المحتكر بالبيع لزالة هذا الظلم ‪ ،‬فإن لم يفعل يبيع‬
‫القاضى عليه جب ار ودون اعتبار لرضاه ‪.‬‬
‫جاء فى الدر المختار‪ " : 2‬ويجب أن يأمره القاضى ببيع ما فضل عن قوته وقوت‬
‫أهله ‪ ،‬فإن لم يبع ‪ ،‬بل خالف أمر القاضى عزره بما يراه رادعا له ‪ ،‬وباع القاضى عليه‬
‫طعامه وفاق ا "‬
‫قال ابن عابدين معلقا ل على ذلك ‪ " : 3‬وهل يبيع القاضى على المحتكر طعامه‬
‫من غير رضاه ؟‬
‫قيل ‪ :‬هو على اختلف عرف فى بيع مال المديون ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬يبيع بالتفاق ‪ ،‬لن أبا حنيفة يرى الحجر لدفع ضرر عام ‪ ،‬وهو كذلك "‬
‫‪ 1‬انظر ‪ :‬الحتكار دراسة فقهية مقارنة للدكتور ‪ /‬ماجد ابورخية ضمن كتاب قضايا فقهية اقتصادية جـ ‪ ، 2‬صـ ‪ 470‬والحتكار فى ميزان الشريعة وأثره على‬
‫القتصاد والمجتمع للدكتور ‪ /‬أسامة عبد السميع صـ ‪ – 53‬صـ ‪ ، 75‬طبعة دار الجامعة الجديدة ‪.‬‬
‫‪ 2‬الدرر المختار وحاشية ابن عابدين عليه ‪. 5/351‬‬
‫‪ 3‬حاشية ابن عابدين ‪. 352 – 5/351 :‬‬

‫‪20‬‬
‫وقال النووى ‪ : 1‬قال العلماء ‪ :‬والحكمة فى تحريم الحاتكار ‪ :‬دفع‬
‫الضرر عن عامة الناس ‪ ،‬كما أجمع العلماء على أنه لو كان عند إنسان طعام واضطر‬
‫الناس إليه ‪ ،‬ولم يجدوا غيره ‪ ،‬أجبر على بيعه دفع ا للضرر عن الناس " ‪.‬‬
‫ونخلص من هذا ‪ :‬بأن الحاكم أو نائبه يأمر المحتكر ببيع ما فضل عن قوته وقوت‬
‫عياله بثمن المثل "‬
‫فإن لم يفعل " عزره القاضى بما يراه مناسبا ‪ ،‬وباع عليه جب ار ودون اعتبار لرضاه وذلك‬
‫مراعاة للمصلحة العامة ‪ . 2‬وال أعلم ‪.‬‬
‫الخاتمـــة‬
‫وبعد ‪ :‬فهذا هو بحث ) الحتكار دراسة فقهية مقارنة ( وقد توصلت من خلله إلى ما يلى‬
‫‪:‬‬
‫أول ل ‪ :‬إن الحتكار جريمة اقتصادية اجتماعية ‪ ،‬وثمرة من ثمرات النحراف عن منهج‬
‫ال ‪ ،‬وقد تنوعت صورة ‪ ،‬وتعددت أساليبه ‪.‬‬
‫ثانيا ل ‪ :‬إن الحتكار ل يكون فى القوات فحسب ‪ ،‬إوانما يكون فى كل ما يحتاج إليه‬
‫الناس من مال وأعمال ومنافع ‪ ،‬ذلك أنه من المقرر فقه ا ) أن الحاجة تنزل منزلة الضرورة‬
‫عامة كانت أم خاصة ( فمواقع الضرورة والحاجة الماسة مستثناة من قواعد الشرع‬
‫وعموماته إواطلقاته ‪ ،‬فالحتكار المحرم شامل لكل ما تحتاج إليه المة من القوات‬
‫والسلع والعقارات ‪ ،‬من الراضى والمساكن ‪ ،‬وكذلك العمال والخبرات العلمية والمنافع‬
‫لتحقق مناطه ‪ ،‬وهو الضرر اللحق بعلمه المسلمين من جراء احتباسه إواغلء سعره ‪.‬‬
‫ثالثا ل ‪:‬فيما يتعلق بالسلع واحتكارها ‪ ،‬فإنه ل فرق بين أن تكون السلعة المحتكرة منتجة‬
‫إنتاج ا خاص ا ‪ ،‬أو مشتراة من السوق الداخلية ‪ ،‬أم مستوردة من الخارج ‪ ،‬فالكل احتكار ما‬
‫دامت النتيجة واحدة وهى لحوق الضرر ‪.‬‬

‫‪ 1‬شرح النووى على صحيح مسلم ‪. 11/36‬‬


‫‪ 2‬الحتكار دراسة فقهية مقارنة – بحث لستاذنا الدكتور ‪ /‬محمد حلمى عيسى ‪ ،‬منشور بمجلة كلية الشريعة والقانون بالقاهرة العدد الثامن عشر صـ ‪،448‬‬
‫صـ ‪. 450‬‬

‫‪21‬‬
‫رابعا ل ‪ :‬إن على الدولة أن تتدخل لحماية أفرادها من عبث العابثين ومصاصى دماء‬
‫الشعوب ‪ ،‬وذلك باتخاذ الجراءات المناسبة الكفيلة بقطع دابر الحتكار إواعادة الثقة‬
‫‪3‬‬
‫والطمأنينة إلى نفوس المواطنين ‪.‬‬

‫والله ما وراء القصد‬


‫وهو حاسبنا ونعم الوكيل‬

‫‪ 3‬الحتكار دكتور ‪ /‬ماجد أبورخية جـ ‪ ، 2‬صـ ‪.494‬‬

‫‪22‬‬
‫المصادر والمراجع‬
‫أول ل ‪ :‬القرآن الكريم‬
‫ثانيا ل ‪ :‬التفسير ‪:‬‬
‫‪ -1‬أحكام القرآن للقاضى أبوكبير بن العربى المتوفى سنة ‪ 543‬هـ ‪ ،‬طبعة دار الكتب‬
‫العلمية ‪.‬‬
‫‪ -2‬أحكام القرآن للمام أبوبكر بن على الرازى المتوفى سنة ‪370‬هـ ‪ ،‬طبعة دار الفكر‬
‫‪.‬‬
‫‪ -3‬الجامع لحكام القرآن للمام شمس الدين أبى عبد ال محمد بن أحمد بن أبى بكر‬
‫بن فرج النصارى القرطبى المتوفى المتوفى سنة ‪671‬هـ ‪ ،‬طبعة دار الشعب ‪.‬‬
‫ثالثا ل ‪ :‬الحديث وشروحاه ‪:‬‬
‫‪ -4‬فتح البارى شرحا صحيح البخارى لبن حجر العسقلنى المتوفى سنة ‪852‬هـ ‪،‬‬
‫طبعة دار مصر للطباعة ‪.‬‬
‫‪ -5‬شرحا صحيح مسلم للمام أبى زكريا يحيى بن شرف النووى المتوفى سنة ‪ 676‬هـ‬
‫‪ ،‬طبعة مكتبة فياض بالمنصورة ‪.‬‬
‫الموطأ للمام مالك بن أنس المتوفى سنة ‪ 179‬هـ ‪ ،‬طبعة دار إحياء التراث‬ ‫‪-6‬‬

‫العربى ‪.‬‬
‫‪ -7‬سبل السلم شرحا بلوغ المرام للعلمة محمد بن المير الصنعانى المتوفى سنة‬
‫‪1182‬هـ ‪ ،‬طبعة دار العقيدة ‪.‬‬
‫نيل الوطار شرحا منتقى الخبار للمام الشوكانى المتوفى سنة ‪ 1250‬هـ ‪ ،‬طبعة‬ ‫‪-8‬‬

‫مكتبة اليمان بالمنصورة ‪.‬‬


‫رابعا ل ‪ :‬مصادر الفقه السلمى ‪:‬‬

‫أ – الفقة الحنفى ‪:‬‬


‫‪ -9‬بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للمام علء الدين أبوبكر بن مسعود الكاسانى‬
‫المتوفى سنة ‪ 587‬هـ ‪ ،‬طبعة دار الكتب العلمية ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫‪ -10‬تبيين الحقائق شرحا كنز الدقائق فخر الدين عثمان بن على الزيلعى المتوفى سنة‬
‫‪ 743‬هـ ‪ ،‬طبعة دار الكتاب السلمى ‪.‬‬
‫‪ -11‬الهداية شرحا بداية المبتدى لشيخ السلم برهان الدين على بن أبى بكر‬
‫المرغينانى المتوفى سنة ‪ 893‬هـ ‪ ،‬طبعة دار الفكر ‪.‬‬

‫ب – الفقة المالكى ‪:‬‬


‫‪ -12‬المدونة الكبرى للمام مالك بن أنس المتوفى سنة ‪ 179‬هـ ‪ ،‬طبعة دار الكتب‬
‫العلمية ‪.‬‬
‫المنتقى شرحا الموطأ أبو الوليد سليمان بن خلف الباجى الندلسى المتوفى سنة‬ ‫‪-13‬‬

‫‪ 474‬هـ ‪ ،‬طبعة دار الكتاب السلميِ ‪.‬‬


‫حاشية الدسوقى على الشرحا الكبير للمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عرفة‬ ‫‪-14‬‬

‫الدسوقى المتوفى سنة ‪ 1230‬هـ ‪ ،‬طبعة دار إحياء الكتب العربية ‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬الفقة الشافعى ‪:‬‬
‫‪ -15‬مغنى المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج للمام شمس الدين محمد بن أحمد‬
‫الشربينى الخطيب المتوفى سنة ‪ 977‬هـ ‪ ،‬طبعة دار الكتب العلمية ‪.‬‬
‫نهاية المحتاج إلى شرحا ألفاظ المنهاج للمام شمس الدين محمد ابن أحمد الرملى‬ ‫‪-16‬‬

‫المتوفى سنة ‪ 1004‬هـ ‪ ،‬طبعة دار الفكر ‪.‬‬


‫‪ -17‬الم للمام محمد بن إدريس الشافعى المتوفى سنة ‪ 204‬هـ ‪ ،‬طبعة دار المعرفة‬
‫بيروت ‪.‬‬

‫د – الفقة الحنبلى ‪:‬‬


‫‪ -18‬المغنى للمام موفق الدين عبد ال بن أحمد المعروف بابن قدامة الحنبلى المتوفى‬
‫سنة سنة ‪ 620‬هـ ‪ ،‬طبعة دار الحديث بالقاهرة ‪.‬‬
‫‪ -19‬شرحا منتهى الرادات للمام منصور بن يونس بن إدريس البهوتى المتوفى سنة‬
‫‪ 1051‬هـ ‪ ،‬طبعة عالم الكتب ‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫‪ -20‬النصاف فى معرفة الراجح من الخلف للمام علء الدين أبو الحسن بن‬
‫سليمان المرداوى المتوفى سنة ‪ 885‬هـ ‪ ،‬طبعة دار إحياء التراث العربى ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬الفقه الظاهرى ‪:‬‬
‫‪ -21‬المحلى بالثار ‪ :‬أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن ذحزم الظاهرى المتوفى‬
‫سنة ‪ 456‬هـ ‪ ،‬طبعة دار الفكر ‪.‬‬
‫خامسا ل ‪ :‬مراجع فقهية حاديثة ‪:‬‬
‫‪ -22‬الحتكار فى ميزان الشريعة وأثره فى القتصاد والمجتمع‬
‫للدكتور أسامة عبد السميع ‪ ،‬طبعة دار الجامعة الجديدة ‪.‬‬
‫‪ -23‬الحتكار دراسة فقهية مقارنة‬
‫بحث للدكتور ماجد أبورخية ضمن كتاب بحوث فقهية فى قضايا اقتصادية‬
‫معاصرة ‪ ،‬طبعة دار النفائس بالردن ‪.‬‬
‫‪ -24‬الحتكار دراسة فقهية مقارنة‬
‫بحث لستاذنا الدكتور محمد حلمى عيسى ‪ ،‬منشور بمجلة كلية الشريعة والقانون‬
‫بالقاهرة العدد الثامن عشر ‪.‬‬
‫‪ -25‬الحتكار والتسعير الجبرى‬
‫للدكتور محمد عبد الستار الجبالى ‪ ،‬طبعة مكتبة الغد ‪.‬‬
‫‪ -26‬الحتكار ومعالجته فى الفقه السلمى ‪.‬‬
‫بحث للدكتور محمد أبوزيد المير ‪ ،‬منشور ضمن حولية كلية الدراسات السلمية‬
‫للبنات بالمنصورة جـ ‪ 1‬سنة ‪2002‬م ‪.‬‬
‫‪ -27‬المنافسة والحتكار فى الفقة والقتصاد ‪.‬‬
‫رسالة دكتوراه للدكتور محمد عبد الجواد ‪ ،‬بمكتبة كلية الشريعة والقانون بالقاهرة‬
‫برقم ‪. 1294‬‬
‫‪ -28‬الزواجر عند اقتراف الكبائر‬
‫للمام ابن حجر المكى الهتيمى ‪ ،‬طبعة دار الحديث بالقاهرة ‪.‬‬
‫سادسا ل ‪ :‬اللغة ‪:‬‬
‫‪25‬‬
‫‪ -29‬لسان العرب‬
‫لبى الفضل جمال الدين محمد بن مكرم المعروف بابن منظور المتوفى سنة‬
‫‪ 711‬هـ ‪ ،‬طبعة المطبعة الميرية باقاهرة ‪.‬‬
‫‪ -30‬المصباحا المنير‬
‫أحمد بن محمد على الفيومى المقرئ المتوفى سنة ‪ 770‬هـ ‪ ،‬طبعة المطبعة‬
‫الميرية‬
‫‪ -31‬المعجم الوجيز‬
‫طبعة مجمع اللغة العربية بالقاهرة ‪.‬‬

‫‪26‬‬

You might also like