Professional Documents
Culture Documents
مقارنة
إعداد
د أحمد عرفة
معيد بجامعة الزأهر
1
إن الحمد ل نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بال من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من
يهده ال فهو المهتد ،ومن يضلل فل هادى له ،وأشهد أن ل لله إل ال وحده ل شريك
له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى ال عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا رهبانا
بالليل وفرسان ا بالنهار وبعد ،،،
فقد يسرت الشريعة السلمية للناس سبل التعامل بالحلل لكى تكون أجواء المحبة سائدة
بين الفراد ،ولكى تبقى الحياة سعيدة نقية ،ل يعكر صفوها كدر ول ضغينة .
ومن أجل هذه الهداف السامية حرم السلم الربا أحححلل اللهه ايلحبييحع حوححلرحم الررحبا ) البقرة :
( 175وحرم أكل أموال الناس بالباطل حيا أحيحها اللذذيحن آحمهنويا لح تحيأهكلهويا أحيمحوالحهكيم حبييحنهكيم
ذبايلحباذطذل ) النساء ( 29 :وحرم أكل مال اليتيم إذلن اللذذيحن حييأهكهلوحن أحيمحواحل ايلحيحتاحمى ظهيلم ا
صلحيوحن حسذعي ار ) النساء ( 10 :وحرم الغش ) من غشنا ذإلنحما حييأهكهلوحن ذفيِ هب ه
طونذذهيم حنا ار حوحسحي ي
فليس منا ( وحرم الحتكار لما فيه من تضييق على عباد ال بقوله صلى ال عليه وسلم )
ل يحتكر إل خاطئ ( 1وقوله صلى ال عليه وسلم ) من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد
2
برئ من ال تعالى وبرئ ال تعالى منه (
ولما كان الحتكار ركيزة من ركائز النظام الرأسمالى الحديث ،وسمة من سمات التعامل
القتصادي فى معظم الشركات إن لم يكن فى كلها ،رغم أنه يحمل فى طياته بذور
الهلك والدمار لما يسببه فى ظلم وعنت وغلء وبلء ،ولما فيه من إهدار لحرية التجارة
والصناعة ،وسد لمنافذ العمل وأبواب الرزق أمام غير المحتكرين ،فقد رأيت أن يكون
موضوع بحثى ) الحاتكار دراسة فقهية مقارنة ( فاسأل ال تبارك وتعالى السداد
والخلصا والقبول .
2
خطـــة البحث
قسمت هذا البحث إلى خمسة مباحث كالتى :
3
المبحث الول :تعريف الحاتكار
وفيه مطلبان :
:الحاتكار لغة المطلب
الول
:الحاتكار فى اصطلحا الفقهاء المطلب
الثانى
1
:الحاتكار لغة : المطلب
الول
عرفت مادة حكر فى قاموس لسان العرب لبن منظور كا يتضح فيما يلى :
أولا :الححكر بفتح الحاء وسكون الكاف ،ادخار الطعام للتربصا وصاحبه محتكر .
ثاني ا :الححكر والهحكر بفتح الحاء فى الول وضمها فى الثانى ،وفتح الكاف فيها بمعنى
ما احتكر تقول :إنهم ليحتكرون فى بيعهم ينظرون ويتربصون ،وأنه يحكر بكسر الحاء
وسكون الكاف – ل يزال يحبس سلعته والسوق مادة – أى ملى حتى يبيع بالكثير من
شدة حكره – بفتح الحاء وسكون الكاف السم من الحتكار .
ومنه الحديث أنه نهى عن الحكرة ومنه حديث عثمان أنه كان يشترى حكرة ) أى جملة
وقيل جزافا ( وأصل الحكرة الجمع والمساك .
فائدة :
ففى الول معنى الحكر هو جمع الطعام ونحوه واحتباسه وقت الغلء ول يخفى ما يحدثه
هذا الحبس من المضرة والساءة للمحتاجين .
وفى الثانى معنى الحكر والحكر هو أن المحتكرين يحتبسون الطعام ينتظرون ويتربصون
به الغلء حتى يبيعون بالكثير من شدة احتكارهم .
أما السم من الحتكار هو الحكر والحكر فمعناهما جمع الطعام ونحوه إوامساكه وحرمان
الناس منه .
وهكذا وضح أن معانى مادة حكر تعنى كلها جمع الطعام ونحوه وحبسه عن الناس وهذا
يؤدى إلى ظلم الناس إواساءة معاشرتهم .
1لسنا العرب :لبى الفضل جمال الذين محمد بن مكرم المعروف بابن منظور جـ ، 5صـ ، 285طبعة المطبعة الميرية
وانظر أيضاا :المنافسة والحتكار بين الشريعة والقاتصاد – محمد متولى محمد عبد الجواد – رسالة دكتوراه بمكتبة كلية الشريعة والقانون بالقاهرة صـ
160وما بعدها .
4
المطلب الثانى :الحاتكار فى اصطلحا الفقهاء :
ل يختلف معنى الحتكار الشرعى الصطلحى عن معناه اللغوى ،وقد عرف عند
الفقهاء بتعريفات متقاربة فى المعانى واللفاظ .
أول ل :عند الحنفية :
يقول الحصفكى فى شرحا الدر المنتقى : 1الحتكار شرعا اشتراء الطعام
ونحوه وحبسه إلى الغلء أربعين يوم ا لقوله ) من احتكر على المسلمين أربعين يوم ا
ضربه ال بالجذام والفلس ( . 2
3
ويقول الشرنبللى فى حااشيته على درر الحكام شرحا غرر الحاكام
:الحتكار حبس الطعام للغلء افتعال من حكر إذا ظلم ونقصا وحكر بالشئ إذا استبد به
وحبسه عن غيره .
ويقول البابرتى فى شرحا العناية : 4إن المراد بالحتكار " حبس القوات تربص ا
للغلء " .
وقال المام الكاسانى فى بدائع الضائع : 5
إن الحتكار أن يشترى طعاما فى مصر ويمتنع عن بيعه ،وذلك يضر بالناس وكذلك لو
اشتراه من مكان قريب يحمل طعامه إلى المصر وذلك المصر صغير وهذا يضر به .
هذه هى كلمة الحنفية حاول تحديد ماهية الحاتكار وبالتأمل فيها
يستطيع الناظر أن يستخلص التى :
-1أن الكاسانى والحصكفى قد قيدوا الحتكار المحظور بالشراء بينما لم يقيده بذلك
الشرنبلنى والبابرتى .
-2أشار الكاسانى إلى شمول الحتكار للشراء من المصر أو من مكان يجلب طعامه
إلى المصر .
-3قيد غالبية فقهاء الحنفية الحتكار بالقوات بينما عداه إلى غير القوات البعض
ومنهم الحصكفى .
1الدر المنتقى على متن الملتقى بهامش مجمع النهر جـ ، 2صـ 547طبعة الستانة لسنة 1327هـ .
2أخرجه ابن ماجه فى سنته من حديث ابن عمر ) ( 2155وسنده صحيح .
3موسوعة الفقة السلمى جـ ، 3صـ 194إصدار المجلس العلى للشئون السلمية
4العناية بهامش فتح القدير على الهداية جـ ، 8صـ . 126
5بدائع الصنائع لعلءا الدين الكاسانى جـ ، 3صـ . 129
5
نبه الكاسانى إلى إلى قيد يفيد حكمة المنع من الحتكار :فأضاف إلى التعريف -4
قيد أن يكون ذلك يضر بالناس بدليل قولهم " إلى وقت الغلء "
1
6
إن الحتكار هو حبس مال أو منفعه أو عمل ،والمتناع عن بيعه وبذله حتى يغلو سعره
غلاء فاحشا غير معتاد ،بسبب قلته ،أو انعدام وجوده فى مظانه ،مع شدة حاجة الناس
أو الدولة أو الحيوان إليه . 1
وقد قام الستاذ الدكتور فتحى الدرينى بتوضيح ما يستفاد من تعريفه
فبين ما يلى :
أ -أن الحتكار هو حبس ما يحتاج إليه الناس ،سواء مايحتاج إليه الناس ،سواء كان
طعاما أو غيره مما يكون فى احتباسه إض ار ار بالناس ،ولذلك فإنه يشمل كل المواد
الغذائية والدوية والثياب ومنافع الدور والراضى ،كما يشمل منافع وخبرات العمال وأهل
المهن والحرف والصناعات ،إذا كانت تحتاج إلى مثل تلك السلع والخدمات والمنافع .
وأساس هذا المر :أن كل ما ل تقوم مصالح المة أو الدولة إل به فهو واجب
تحصيله .
ب -أنه لم يفرق فى الحتكار بين كون السلعة قد اشتريت من الخارج واستوردت ،أم
اشتريت من الداخل وحبست انتظا ار للغلء ،أو كانت إنتاجا ذاتيا من محل المحتكر .
جـ -شمل تعريف الحتكار :كل ما يضر حبسه بالنسان والدولة والحيوان .
د – أظهر التعريف ظاهرة ) الحاجة ( التى هى على تحريم الحتكار فليس كل ظرف من
الظروف يكون فيه حبس هذه الشياء احتكا ار ،إوانما يكون احتكا ار فى ظرف الحاجة الذى
يقع فيه الضرر ،فإذا لم يوجد مثل هذا الظرف كان الدخار احتباس ا مباح ا ،لنه تصرف
فى حق الملكية بل قد يكون واجبا إذا كان اختزانا احتياطيا . 2
المبحث الثانى
حاكم الحاتكار فى الفقة السلمى
وفيه ثلثة مطالب :
:بيان الحكم التكليفى للحاتكار المطلب
الول
:الحكمة من تحريم الحاتكار المطلب
الثانى
ل عن بحث الحتكار دراسة فقهية مقارنة للدكتور ماجد أبورخية ضمن كتاب بحوث 1الفقة السلمى المقارن مع المذاهب للدكتور فتحى الدرينى صـ 90نق ا
فقهية فى قاضايا اقاتصادية معاصرة جـ ، 2صـ 463وما بعدها طبعة دار النفائس بالردن ..
2المرجع السابق :صـ 463وما بعدها
7
:حاكم الحاتكار الدنيوى المطلب
الثالث
المطلب الول :بيان الحكم التكليفى للحاتكار
اختلف الفقهاء فى حاكم الحاتكار على مذهبين :
المذهب الول :أن الحاتكار محرم :
3
وهذا مذهب جمهور الفقهاء منهم المالكية ، 1والشافعية على الصحيح عندهم ، 2والحنابلة
،والظاهرية ، 4وغيرهم .
8
المذهب الثانى :أن الحاتكار مكروه :
وهذا مذهب جمهور الحنفية ، 1وبعض الشافعية حيث عبروا عنه بالكراهة إذا كان يضر
بالناس .
أدلة المذاهب ومناقشتها
أدلة المذهب الول :
استدل الجمهور على حارمة الحاتكار بالكتاب والسنة والثر
والمعقول :
صيدوحن حعن حسذبيذل الللذه حوايلحميسذجذد ايلحح حارذم لذ
أما الكتاب :فقوله تعالى ذإلن الذيحن حكفحهروا حوحي ه
ف ذفيذه حوايلحباذد حوحمن هيذريد ذفيذه بذذإيلححادد بذظهيلدم هنذذيقهه ذمين حعحذادب أحذليدم
س حسحواء ايلحعاذك ه
اللذذي حجحعيلحناهه ذلللنا ذ
2
قال المام القرطبى عند تفسيره لهذه الية :
روى عن يعلى بن أمية أن رسول ال قال ) احتكار الطعام فى الحرم إلحاد فيه ( وقد
فهم من هذا صاحب الختيار الحنفى أن الية أصل فى إفادة تحريم الحتكار. 3
وفى إحاياء علوم الدين للغزالى عند تفسيره لهذه الية :
إن الحتكار من الظلم وداخل تحته فى الوعيد. 4
وما ذهب إليه الغزالى فى بيان وجه الدللة هو القول الراجح إذ أن مدلول الية عام ويدخل
تحت النهى كل من أراد محرم ا ول شك أم الحتكار داخل تحت نطاق هذا العموم الشامل
للحتكار وغيره ،فإن قيل إن الية نزلت بسبب غير النهى عن الحتكار قلنا إن العبرة
بعموم اللفظ ل بخصوصا السبب. 5
وأما السنة :فقد دلت أحاديث كثيرة فى السنة النبوية على تحريم الحتكار ومنها :
-1ما روى عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد ال العدوى أن النبى قال ) :ل
يحتكر إل خاطئ (. 6
1الختيار لتعليل المختار جـ ، 4صـ ، 160الهداية شرح بداية المبتدى جـ ، 8صـ 491طبعة دار إحياءا التراث العربى ببيروت .
2سورة الحج الية . 25
3الجامع لحكام القرآن :جـ ، 12صـ 34طبعة دار الكتب المصرية .
4إحياءا علوم الدين :جـ ، 4صـ ، 775طبعة دار الشعب .
5المنافسة والحتكار :رسالة دكتوراه للباحث محمد متولى محمد عبد الجواد بمكتبة كلية الشريعة بالقاهرة برقام ) . ( 1294
6أخرجه أحمد ) ( 6/400ومسلم ) ( 1605وأبوداوود ) ( 3447
9
قال المام الشوكانى رحامة الله فى كتابه " نيل الوطار " : 1والتصريح
بأن المحتكر خاطئ كاف فى إفادة عدم الجواز لن الخاطئ المذنب العاصى .
وقال الصنعانى رحامة الله : 2الخاطئ هو العاصى الثم ،وفى الباب أحاديث
دالة على تحريم الحتكار .
-2ما روى عن معقل بن يسار قال :قال رسول ال ) : من دخل فى شئ من أسعار
المسلمين ليغلبه عليهم كان حقا على ال أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة (. 3
وجه الدللة من الحديث :
دل هذا الحديث على معاقبة من يقدم على ذلك بمكان فى النار ،ول يكون ذلك إل
لرتكابه المحرم. 4
-3ماروى عن أبى هريرة رضى ال عنه قال :قال رسول ال ) : من احتكر حكرة يريد
أن يغلى بها على المسلمين فهو خاطئ (. 5
-4ما رواه ابن عمر رضى ال عنه أن النبى قال ) :من احتكر طعام ا أربعين ليلة فقد
برئ من ال وبرئ ال منه ،وأيما أهل عرصة 6أصبح فيهم امرؤ جائعا فقد برئت منهم
ذمة ال (. 7
-5ومنها ما رواه عمر رضى ال عنه أن النبى قال ) :من احتكر على المسلمين
طعامهم ضربه ال بالجذام والفلس ( رواه ابن ماجة .
-6وعن عمر بن الخطاب رضى ال عنه أن النبى قال ) :الجالب مرزوق والمحتكر
8
ملعون (
10
قال المام الشوكانى رحامة الله :ول شك أن أحاديث الباب تنتهض بمجموعها
للستدلل على عدم جواز الحتكار ،ولو فرض عدم ثبوت شئ منها فى الصحيح فكيف
وحديث معمر مذكور فى صحيح مسلم ؟ ) نيل الوطار جـ ، 5صـ . ( 267
وأما الثر :فمنه :
-1ماروى عن عمر بن الخطاب رضى ال عنه أنه قال " :ل حكرة فى سوقنا ،ل يعمد
رجال بأيديهم فضول من أذهاب إلى رزق ال نزل بساحتنا فيحتكرونه علينا ،ولكن أيما
جالب جلب على عمود كبده فى الشتاء والصيف ، 1فذلك ضيف عمر ،فليبع كيف شاء
2
ال وليمسك كيف شاء ال "
-2ما روى أن عثمان رضى ال عنه كان ينهى عن الحكرة .
-3ما روى عن على رضى ال عنه أنه قال " :من احتكر الطعام أربعين يوم ا قسا قلبه "
.
-4ما روى عن على رضى ال عنه أنه أحرق طعام ا محتك ار بالنار .
3
1هذا القول يعنى أن الجالب قد حمل ما جلبه على ظهره ،أو على دابته ،وتحمل فى سبيل ذلك برد الشتاء وحر الصيف ،انظر المنتقى ، 5/17الزرقانى
على الموطأ . 4/252
ل عن الحتكار دراسة فقهية مقارنة للدكتور ماجد أبورخية ضمن كتاب بحوث فقهية فى قضايا اقتصادية جـ ، 2صـ . 473 2المنتقى جـ / 5صـ 15نق ل
3المصدر السابق جـ ، 2صـ . 474
4بدائع الصنائع :جـ ، 3صـ 129نق ل
ل عن الحتكار والتسعير الجبرى للدكتور /محمد عبد الستار الجبالى صـ . 14
11
-1قصور الروايات الواردة فى تعداد ما يجرى فى الحتكار من ناحية السند والدللة ل
تقوى بالتحريم ،كما ل تنتهض لن تكون دليلا عليه .
أجيب عن هذا :بأن الروايات غير قاصرة فى دللتها على التحريم لترتبه على اللعن
والوعيد الوارد فيها كما أن الختلف فى التعداد ل يعنى الكراهة دون تحريم .
فضل ل عن ذلك :فتصريح الحنفية بالكراهة على سبيل الطلق ينصرف إلى الكراهة
التحريمية وفاعل المكروة تحريما عندهم يستحق العقاب ،كفاعل الحرام .
-2أن الناس سلطون على أموالهم وتحريم التصرف حجر عليهم .
أجيب عن هذا :بأن حرية المالك فى ملكه مطلقة ما لم يترتب على ذلك إض ار ار
1
بالخرين إذ ل ضرر ول ضرار ،والضرر يزال ،ودر المفاسد مقدم على جلب المصالح
.
المذهب المختار :
وبعد عرض مذاهب الفقهاء فى حكم الحتكار وأدلة كل مذهب فإن مجموع الدلة ترجح
رأى جمهور الفقهاء القائل بتحريم الحتكار وذلك لقوة أدلته وسلمتها من المناقشة .
المطلب الثانى :الحكمة من تحريم الحاتكار
يتفق الفقهاء على أن الحكمة فى تحريم الحتكار رفع الضرر عن عامة الناس ،ولذا فقد
أجمع العلماء على أنه لو اتحكر إنسان شيئا ،واضطر الناس إليه ،ولم يجدوا غيره ،
وأجبر على بيعه ،دفع ا لضرر الناس ،وتعاون ا حصول العيش . 2
وفى هذا المعنى يقول أفمام مالك رحامة الله " :الحكرة فى كل شئ فى
السوق من الطعام والزيت والكتان وجميع الشياء والصوف ،وكل ما أضر بالسوق ...
فإن كان ل يضر بالسوق فل بأس بذلك " . 3
المطلب الثالث :حاكم الحاتكار الدنيوى
مذهب الحنفية :
يقول المام الكاسانى فى بدائع الصنائع :
1باختصار من بحث :الحتكار والتسعير الجبرى للدكتور /محمد عبد الستار الجبالى صـ . 14
2الموسوعة الفقهية الكويتية جـ ، 2صـ 91وما بعدها .
3المدونة جـ ، 10صـ 123نقلل عن الحتكار والتسعير الجبرى صـ . 16
12
" إن من أحكام الحتكار أن يؤكر المحتكر بالبيع إزالة للظلم لكن إنما يؤمر ببيع ما فضل
عن قوته ،وقوت أهله ،فإن لم يفعل وأصر على الحتكار ورفق إلى المام مرة أخرى
وهو مصر عليه فإن المام يعظه ويهدده ،فإن لم يفعل ورفع إليه مرة ثالثة يحبسه ويعزره
زج ار له عن سوء صنعه ول يجبر على البيع "
وقال محمد " :يجبر عليه ،وهذا يرجع إلى مسألة الحجر على الحر لن الجبر على
البيع فى معنى الحجر "
1
13
ويقول ابن القيم " :ومن أقبح الظلم أن يلزم الناس أل يبيعوا الطعام أو غيره من
الصناف إل ناس معروفون ،فل تباع تلك السلع إل لهم ،ثم يبيعونها هم بما يريدون ،
فلو باع غيرهم ذلك منعوه ،وهذا يمكن تسميته احتكار الصنف " . 6
للفقهاء تفصيلتا جاءتا على النحو التالى :
أول ل :إذا خيف الضرر على العامة ،أجبر ،بل أخذ منه ما احتكره ،وباعه ،وأعطاه
المثل عند وجوده ،أو قيمته ،وهذا قدر متفق عليه بين الئمة ،ول يعلم خلل فى ذلك .
ثانيا ل :إذا لم يكن هناك خوفا على العامة فالمالكية والشافعية والحنابلة ومحمد بن الحسن
من الحنفية يرون أن للحاكم جبره إذا لم يمتثل المر بالبيع ،وأما أبو حنيفة وأبويوسف
فيريان أنه
6الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية صـ 226نقلل عن موسوعة الفقة السلمى جـ ، 3صـ 199إصدار المجلس العلى للشئون السلمية بالقاهرة .
14
ل يجبر على البيع ،إوانما إذا امتنع عن البيع عزره الحاكم ،وعند من يرى الجبر فمنهم
من يرى الجبر بدئ ذى بدئ ،ومنهم من يرى النذار من قبل ،وقيل اثنين ،وقيل ثلثا
.1
ثالثا ل :تعزيز الحاكم للمحتكر عند المتناع عن البيع بما يراه زاج ار له ودافعا للضرر عن
الناس .
رابعا ل :مشروعية تأديب المحتكر ولو بإحراق أمواله المحتكرة .
خامسا ل :سياسة الحكام فى اتخاذ ما يرونه نافع ا لتحقيق الصالح العام ومقاومة البغى
والفساد ،يختلف باختلف اعتبارات كثيرة ،وهذا يؤكد أن السلم قد جاء بإصلحا يوافق
مصلحة البشر فى كل زمان ومكان . 2
المبحث الثالث
ما يجرى فيه الحاتكار
اختلف الفقهاء فيما يجرى فيه الحاتكار على ثلثة مذاهب كالتى :
3
المذهب الول :أن المحرم إنما هو احتكار القوات خاصة وممن قال بهذا الشافعية
،وجمهور الحنابلة . 4
المذهب الثانى :يجرى الحتكار فى كل ما يحتاجه الناس ويتضررون بحبسه حيث
قرار من قال بهذا الرأى أن كل ما ينفع المسلمين ،ويحصل بحبسه الذى فإن احتكاره إثم
غير مشروع وبهذا قال المالكية ،والظاهرية ،وبه قال أبويوسف من الحنفية ،والشوكانى
،والصنعانى .5
المذهب الثالث :يجرى الحتكار فى قوت الدمى فقط ،وبهذا الرأى ذهب الحنابلة
فى الصحيح من المذهب . 6
15
أدلة المذاهب ومناقشتها
أدلة المذهب الول:
استدل أصحاب المذهب الول على أن الحاتكار ل يكون إل فى
أقواتا الناس خاصة بالسنة والثر والمعقول :
أما السنة :استدلوا بأحاديث منها ما رواه ابن ماجة فى سنته عن عمر بن الخطاب
رضى ال عنه قال :سمعت رسول ال ": من احتكر على المسلمين طعامهم ضربة ال
بالجذام والفلس " . 1
اعترض على هذا الحديث :حايث قال المام الشوكانى :حديث عمر فى
إسناده الهيثم بن رافع ،قال أبو داوود :روى حديث ا منك ار ،قال الذهبى :هو الذى خرجه
2
ابن ماجه يعنى هذا ،وفى إسناده أبو يحيى المكى وهو مجهول
ومنها :حديث بن عمر عند الحاكم وابن أبى شيبة والبراز وأبو يعلى يلفظ " :من احتكر
الطعام أربعين ليلة فقد برئ من ال ،وبرئ ال منه " زاد الحاكم " وأيما أهل عرصة أصبح
فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة ال ".
وفى إسناده أصبغ بن زيد وكثير بن مرة والول مختلف عنه ،والثانى قال ابن حزم :إنه
مجهول وقال غيره :معروف ووثقه ابن سعد وروى عنه جماعة ،واحتج به النسائى .
قال الحافظ بن حجر :ووهم ابن الجوزى فأخرج هذا الحديث فى الموضوعات ،وحكى
ابن أبى حاتم عن أبيه أنه منكر . 3
وأما الثر :فمنهما رواه الثرم قال :سمعت أبا عبد ال يسأل عن أى شئ الحتكار ؟
فقال :إذا كان من قوت الناس فهو الذى يكره ،وهذا قول ابن عمر .
وجه الدللة :واضح فى جواز احتكار غير الطعام ،لنه لو كان احتكار غير الطعام
محرما لما فعله هؤلء ،ولما أفتوا بجوازه .
وأمل المعقول :فقد حكاه الكاسانى بقوله " :أن الضرر العم إنما يلحق العامة
4
بحبس القوت والعلف "
16
وحاكاه المرغينانى بقوله " :اعتبار الضرر المعهود والمتعارف عليه اللحق
للعامة بحبس القوت والعلف " 1
17
ويعترض عليه :بأن الضرر قد يلحق باحتكار غير القوات ،كاحتكار السلحا فى
وقت الجهاد واحتكار الدواء استغللا لحاجة المرضى . 1
المذهب المختار
بعد ذكر أدلة المذاهب ومناقشتها فيما يجرى فيه الحتكار يتضح أن المذهب الراجح هو
المذهب التالى والذى يرى أصحابه أن الحتكار يكون فى كل ما يضر بالناس حبسه ،
قوتا كان أو غيره وذلك لقوة أدلته ،فمعظم الحاديث الواردة فى منع الحتكار جاءت
مطلقة عن القيد ،فيجب العمل بمطلقها من غير تقييد .
المبحث الرابع
شروط الحاتكار المحرم
من المتفق عليه بين الفقهاء 2 :أن الحتكار ليس هو مطلب الحبس ،قد يحبس النسان
قوته وقوت عياله لسنة أو لكثر دون أن يعد هذا الفعل من قبيل الحتكار لما روى
البخارى فى باب حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله :عن ابن شهاب الزهرى ،عن
مالك بن أوس عن عمر رضى ال عنه أن النبى ) كان يبيع نخيل بنى النضير ويحبس
لهله قوت سنتهم (. 3
والحديث واضح الدللة على أن هذا النوع من المساك حلل مباحا ،وأنه ليس من
باب الحتكار المنهى عنه ،ومن ناحية أخرى فإن الحديث ل دللة فيه على عدم جواز
حبس القوت أكثر من سنة . 4
وبناء عليه فإن الحاتكار المحرم هو ما توافرتا فيه شروط مهينة
ذكرها الفقهاء فى كتبهم وأقوالهم ،منها ما يلى :
أول ل :أن يكون الشئ المحتكر من القواتا :
وقد بينت سابق ا أراء الفقهاء فى هذه المسألة ،وأن القول الراجح هو أن الحتكار يجرى فى
حبس كل ما يحتاج إليه الناس من قوت وغيره فى الولى بالعتبار ،لن الحاديث
المطلقة تفيد ذلك ،وحملها على إطلقها هو الذى يناسب ما ط أر على الحتكار من
مستجدات ومتغيرات فى العصر الحديث .
18
ثانيا ل :أن يكون الشئ المحتكر قد اشترى من سوق البلدة :
فإن كان مجلوبا من الخارج أو منتجا من ضيعة المحتكر فإن حبسه ل يعد من قبيل
الحتكار لمرين :
الول :قوله " : الجالب مرزوق والمحتكر ملعون " .
الثانى :إن حق العامة قد تعلق بالشئ المشترى من الداخل ،فشراؤه وحبسه إلحاق ضر
بهم فى حين أنه ل يوجد هذا الحق فيما اشترى من الخارج ثم جلبه ،لنه بإمكان المشترى
الذى اشترى واحتكر أن ل يشترى ول يجلب أصلا ،وبإمكانه أيض ا أن ل يزرع ،إوان كان
الولى والفضل أن ل يقوم بحبس ما جلبه أو أنتجه حتى ل يلحق ضر ار بالناس .
ثالثا ل :أن يكون الشئ المحتكر قد اشترى فى وقت الضيق والشدة
وغلء السعار وأن شراءه واحاتكاره قد ألحق ضررا ل بالناس .
رابعا ل :الوقت
قيدت بعض الحاديث الواردة فى النهى عن الحتكار مدة الحتكار بأربعين يوما فقد ورد
فى حديث ابن عمر رضى ال عنهما ) من احتكر طعام ا أربعين يوم ا فقد برئ من ال
تعالى وبرئ ال تعالى منه . ( ...
فهل يعد هذا القيد الوارد فى الحديث شرطا ل من شروط الحاتكار أم
ل؟
اختلف الفقهاء على أربعة أقوال :
الول :أن أقل مدة الحتكار أربعون يوم ا اعتمادا على ظاهر حديث ابن عمر .
الثانى :أن أقل مدة الحتكار شهر لن ما دونه عاجل .
الثالث :أن الحتكار احتكار طالت المدة أم قصرت ،ذلك أن التقييد الوارد فى الحديث
ل يراد بها لتحديد ،إوانما المراد جعل المحتكر الحتكار حرفة يقصد بها نفع نفسه ،
إوالحاق الضرر بغيره .
يقول الشوكانى " :ولم أجد من ذهب إلى العمل بهذا العدد " .
19
الرابع :أن المحتكر إنما يكون آثما ديانة بنفس الحتكار ،طالت المدة أم قصرت ،وأن
بيان المدة إنما يكون لبيان ما يتعلق بها من أحكام الدنيا ،كإجبار المحتكر على بيع ما
عنده ،دفع ا للضرر ،ونحو ذلك .
1
المبحث الخامس
وسائل منع الحاتكار وموقف الحاكم منه
ل شك أن الحتكار جريمة اجتماعية كبرى ،ولهذا كان محرم ا ممنوع ا .
وما من شك أن من كان عنده وازع دينى فإنه ل يحتكر ،لن هذا الوازع الدينى قد غرس
فيه الخوف من عقاب ال فى الدنيا والخرة .
وقد مر بنا من أحاديث النبى أن المحتكر خاطئ ،أى آثم عاصا ،وأن ال يقعده بمكان
عظيم من النار يوم القيامة ،وأنه يصاب بالجذام والفلس ،وسواء أكان هذا على الحقيقة
أم أنه رمز على أنه يصاب بعذاب دنيوى .
كل هذا كفيل بغرس الوازع الدينى الناهى عن هذه الجريمة التى هى فى حقيقتها جريمة
استغلل رأس المال لحاجة الجماعة الملحة إلى الغذاء والكساء والمأوى وسائر شئون
مرافقها الخاصة والعامة .
والفقهاء متفقون على أن الحاكم بأمر المحتكر بالبيع لزالة هذا الظلم ،فإن لم يفعل يبيع
القاضى عليه جب ار ودون اعتبار لرضاه .
جاء فى الدر المختار " : 2ويجب أن يأمره القاضى ببيع ما فضل عن قوته وقوت
أهله ،فإن لم يبع ،بل خالف أمر القاضى عزره بما يراه رادعا له ،وباع القاضى عليه
طعامه وفاق ا "
قال ابن عابدين معلقا ل على ذلك " : 3وهل يبيع القاضى على المحتكر طعامه
من غير رضاه ؟
قيل :هو على اختلف عرف فى بيع مال المديون .
وقيل :يبيع بالتفاق ،لن أبا حنيفة يرى الحجر لدفع ضرر عام ،وهو كذلك "
1انظر :الحتكار دراسة فقهية مقارنة للدكتور /ماجد ابورخية ضمن كتاب قضايا فقهية اقتصادية جـ ، 2صـ 470والحتكار فى ميزان الشريعة وأثره على
القتصاد والمجتمع للدكتور /أسامة عبد السميع صـ – 53صـ ، 75طبعة دار الجامعة الجديدة .
2الدرر المختار وحاشية ابن عابدين عليه . 5/351
3حاشية ابن عابدين . 352 – 5/351 :
20
وقال النووى : 1قال العلماء :والحكمة فى تحريم الحاتكار :دفع
الضرر عن عامة الناس ،كما أجمع العلماء على أنه لو كان عند إنسان طعام واضطر
الناس إليه ،ولم يجدوا غيره ،أجبر على بيعه دفع ا للضرر عن الناس " .
ونخلص من هذا :بأن الحاكم أو نائبه يأمر المحتكر ببيع ما فضل عن قوته وقوت
عياله بثمن المثل "
فإن لم يفعل " عزره القاضى بما يراه مناسبا ،وباع عليه جب ار ودون اعتبار لرضاه وذلك
مراعاة للمصلحة العامة . 2وال أعلم .
الخاتمـــة
وبعد :فهذا هو بحث ) الحتكار دراسة فقهية مقارنة ( وقد توصلت من خلله إلى ما يلى
:
أول ل :إن الحتكار جريمة اقتصادية اجتماعية ،وثمرة من ثمرات النحراف عن منهج
ال ،وقد تنوعت صورة ،وتعددت أساليبه .
ثانيا ل :إن الحتكار ل يكون فى القوات فحسب ،إوانما يكون فى كل ما يحتاج إليه
الناس من مال وأعمال ومنافع ،ذلك أنه من المقرر فقه ا ) أن الحاجة تنزل منزلة الضرورة
عامة كانت أم خاصة ( فمواقع الضرورة والحاجة الماسة مستثناة من قواعد الشرع
وعموماته إواطلقاته ،فالحتكار المحرم شامل لكل ما تحتاج إليه المة من القوات
والسلع والعقارات ،من الراضى والمساكن ،وكذلك العمال والخبرات العلمية والمنافع
لتحقق مناطه ،وهو الضرر اللحق بعلمه المسلمين من جراء احتباسه إواغلء سعره .
ثالثا ل :فيما يتعلق بالسلع واحتكارها ،فإنه ل فرق بين أن تكون السلعة المحتكرة منتجة
إنتاج ا خاص ا ،أو مشتراة من السوق الداخلية ،أم مستوردة من الخارج ،فالكل احتكار ما
دامت النتيجة واحدة وهى لحوق الضرر .
21
رابعا ل :إن على الدولة أن تتدخل لحماية أفرادها من عبث العابثين ومصاصى دماء
الشعوب ،وذلك باتخاذ الجراءات المناسبة الكفيلة بقطع دابر الحتكار إواعادة الثقة
3
والطمأنينة إلى نفوس المواطنين .
22
المصادر والمراجع
أول ل :القرآن الكريم
ثانيا ل :التفسير :
-1أحكام القرآن للقاضى أبوكبير بن العربى المتوفى سنة 543هـ ،طبعة دار الكتب
العلمية .
-2أحكام القرآن للمام أبوبكر بن على الرازى المتوفى سنة 370هـ ،طبعة دار الفكر
.
-3الجامع لحكام القرآن للمام شمس الدين أبى عبد ال محمد بن أحمد بن أبى بكر
بن فرج النصارى القرطبى المتوفى المتوفى سنة 671هـ ،طبعة دار الشعب .
ثالثا ل :الحديث وشروحاه :
-4فتح البارى شرحا صحيح البخارى لبن حجر العسقلنى المتوفى سنة 852هـ ،
طبعة دار مصر للطباعة .
-5شرحا صحيح مسلم للمام أبى زكريا يحيى بن شرف النووى المتوفى سنة 676هـ
،طبعة مكتبة فياض بالمنصورة .
الموطأ للمام مالك بن أنس المتوفى سنة 179هـ ،طبعة دار إحياء التراث -6
العربى .
-7سبل السلم شرحا بلوغ المرام للعلمة محمد بن المير الصنعانى المتوفى سنة
1182هـ ،طبعة دار العقيدة .
نيل الوطار شرحا منتقى الخبار للمام الشوكانى المتوفى سنة 1250هـ ،طبعة -8
23
-10تبيين الحقائق شرحا كنز الدقائق فخر الدين عثمان بن على الزيلعى المتوفى سنة
743هـ ،طبعة دار الكتاب السلمى .
-11الهداية شرحا بداية المبتدى لشيخ السلم برهان الدين على بن أبى بكر
المرغينانى المتوفى سنة 893هـ ،طبعة دار الفكر .
الدسوقى المتوفى سنة 1230هـ ،طبعة دار إحياء الكتب العربية .
جـ -الفقة الشافعى :
-15مغنى المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج للمام شمس الدين محمد بن أحمد
الشربينى الخطيب المتوفى سنة 977هـ ،طبعة دار الكتب العلمية .
نهاية المحتاج إلى شرحا ألفاظ المنهاج للمام شمس الدين محمد ابن أحمد الرملى -16
26