Professional Documents
Culture Documents
إش ـ ـراف
فضيلة الدكتـور /زيـاد إبراهيم مقــداد
قدمت هذه الرسالة استكماالً لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في الفقه المقارن
من كلية الشريعة والقانون بالجامعة اإلسالمية بغزة.
1
المبحث األول
مفهوم الدولة اإلسالمية ووظائفها
2
المطلب األول
تعريف الدولة اإلسالمية
3
-2االسالمية :اإلسالم لغة :هو االستسالم واالنقياد والخضوع واإلذعان.
واإلسالم في االصطالح الشرعي هو ":االنقياد واإلذعان هلل تعالى ،بامتثال أمره واجتناب نهيه من
جميــع الجهــات الــثالث أعنــي إذعــان القلــب وانقيــاده باالعتقــاد والقصــد ،واذعــان اللســان وانقيــاده
باإلقرار ،واذعان الجوارح وانقيادها بالعمل".7
قــال الزحيلــي" :فهــو الــدين الســماوي الخــاتم الــذي ارتضــاه اهلل ســبحانه لجميــع البشــر ،مــن لــدن دم
عليه السالم إلى خاتم األنبياء والمرسلين محمـد بـن عبـد اهلل صـلى اهلل عليـه وسـلم لهدايـة الثقلـين:
- 1انظر :ابن فارس ،معجم مقاييس اللغة ،252/2الجوهري ،الصحاح في اللغة.323/4 ،
- 2تهذيب اللغة ،175/14مقاييس اللغة ،314/2الصحاح في اللغة ،212/1الموسوعة الكويتية .33/21
- 3الجوهري ،الصحاح في اللغة .212/1
- 4ابن منظور ،لسان العرب 252/11
ُّ
اس إِلَى ا ِإل ْسالَ ِم َوالنبُ َّو ِة،45/4 ،َّ َّ َّ
صلى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسل َم الن َ َّ - 5البخاري ،صحيح البخاريِ ،كتَابُ ِ
الجهَا ِد َوال ِّسيَ ِر ،بَابُ ُدعَا ِء النبِ ِّي َ
ح(.)2441
-3لسان العرب ()224/12؛ المعجم الوسيط ( ،)443/1تهذيب اللغة (.)245/4
- 7محمد األمين الشنقيطي ،منهج التشريع اإلسالمي وحكمته ،ص.5
3
اإلنــس والجــن ،وتوحيــده ســبحانه وتعــالى توحيــداً خالص ـاً فــي ربوبيتــه وألوهيتــه وأســما ه وصــفاته،
1
واإلذعان لمشي ته عن رضا واختيار ،وتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه".
ولقد أقام النبي-صلى اهلل عليه وسـلم -فـي المدينـة دولـة اإلسـالم األولـى فكـان المسـلمون األولـون
من المهاجرين واألنصار هم شعب الدولة ،والشريعة اإلسالمية هي نظامها ،والمدينة هي إقليمها،
والنب ــي ص ــاحب الس ــلطان ال يش ــاركه في ــه س ــلطة أخ ــرى ،والجماع ــة اإلس ــالمية تمث ــل الشخص ــية
المعنوية للدولة فيكون لها حقوق ،وعليها التزامات ،وتظل المعاهدات التـي يعقـدها الحـاكم األعلـى
1
نافذة المفعول ال تنتقض أو ال تنتهي بوفاته.
والدولة اإلسالمية :هي في الواقع كيان سياسي قانوني يمارس السلطة السياسية على مجموعات
وتنبع أهمية هذا التحديد لوحدة التحليل من أن بعض الباحثين
من األفراد في إقليم معينُ ،
يخلطون بين مفهومي الدولة اإلسالمية والعالم اإلسالمي ،وهما وحدتان مختلفتان للتحليل؛ فالدولة
اإلسالمية هي كيان سياسي -قانوني ،قد يضم بعض الشعوب واألقليات غير اإلسالمية ،كما
هو الحال في مصر والسودان.
أما مفهوم العالم اإلسالمي ،فإنه ينصرف إلى الوجود اإلسالمي في كل مناطق العالم ،بصرف
يتم في إطار دولة إسالمية أو غير إسالمية ،ومن ثم فإن دراسةَ
النظر عما إذا كان الوجود ُّ
ٍ
أقليات تضم ْالدولة اإلسالمية تَعني دراسة الدولة التي يمكن تعريفُها بأنها إسالمية ،حتى ولو َّ
6
غير إسالمية ،أما دراسة العالم اإلسالمي ،فإنها تنصرف إلى دراسة المسلمين أينما ُو ِجدوا.
َ
4
ولعله نظر في تعريفها إلى مسألة المستند أو المرجعية التي تؤوب إليها كأهم ما يميزها ،فبـين أن
مســتندها ومرجعيته ـا الش ـريعة ألنهــا خالفــة النبــوة ،ثــم بــين وظا فهــا أو مهامهــا فــذكر أنهــا تشــمل
ح ارسـة الـدين ،وسياســة الـدنيا بالـدين ،فالــدين هـو األصــل ،فالمهـام التـي أنيطــت باإلمـام أو الحــاكم
فــي الدولــة اإلســالمية هــي اقامــة الــدين ،وانفــاذ األحكــام الشــرعية ،وتصـريف شـ ون األمــة ،وحمايــة
أفرادها وبالدها ،ورعاية ذلك.
وعرفها أبو المعالي الجويني " :اإلمامة رياسة تامة ،وزعامة تتعلق بالخاصة والعامة فـي مهمـات
1
الدين والدنيا ".
ولعلـه نظـر فــي تعريفـه إلــى مسـألة مــدى واتسـاع صــالحياته فبـين أنهــا رياسـة تامــة وزعامـة عامــة،
تتعلق بالخاصة والعامة ،وأن متعلقها مهمات الدين والدنيا.
وعرفها ابن تيمية :بقوله" :المقصود الواجب بالواليات إصالح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا
خس ـرانا مبينــا ،ولــم يــنفعهم مــا نعم ـوا بــه مــن الــدنيا ،واصــالح مــا ال يقــوم الــدين إال بــه مــن أمــر
1
دنياهم".
أمـــا العالمـــة ابـــن خلـــدون فيعرفهــا بقولــه ":هــي حمــل الكافــة علــى مقتضــى النظــر الشــرعي فــي
مصالحهم األخروية والدنيوية الراجعة إليهـا ،إذ أحـوال الـدنيا ترجـع كلهـا عنـد الشـارع إلـى اعتبارهـا
6
بمصال اآلخرة ،فهي في الحقيقة خالفة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به".
5
ينصــب ه ــذا التعريــف عل ــى جع ــل العقيــدة ه ــي أس ــاس نظــام الدول ــة اإلس ــالمية ،ويتمثــل ه ــذا ف ــي
تطبيقها في الحياة والمجتمع.
-1عرف أبو األعلى المودودي -الدولة اإلسالمية تعريفًا شرعيًّا بأنها" :الدولة التي تتسم
شيء من ثالث :السلطة الحقيقية في الدولة هلل تعالى ،ليس ألحد من دون اهللبخصا ص ٍ
ٌ َ
التشريع ،وتحكم بما أنزل اهلل".1
التعريف المختار:
والمختار من هذه التعريفات ما ذكره أبو األعلى المودودي ،ألنه ينص على حقيقة الدولة
اإلسالمية ،وما تقوم عليه من عقيدة ومنهج ،وعلى دورها في جعل عقا د اإلسالم منهج حياة
ألمة اإلسالم ،ودعوة لغيرها.
ومما تقدم من تعريفات العلماء ،لمفهوم الدولة اإلسالمية ،جميعها ركزت ونصت على أمرين
مهمين ،األول :إقامة الدين ،والثاني :سياسة الدنيا بالدين بإنفاذ األحكام الشرعية.
بمعنى أن إقامة الدين أساس ،وأن سياسة الدنيا به بناء وتشييد على هذا األساس.
فهي عالقة ترابط وتالزم ،ويجب األخذ بهما جميعاً في وقت واحد ،وال يجوز وال يصل الفصل
بينهما ،ألن ذلك يرجع بالهدم لهذا البناء المتكامل.
فمن هنا يتجلى لنا بالتجربة والبرهان ،أن كل من نادى وطبق سياسة الدولة بمعزل عن الدين،
بحجة أن تطور وتقدم الدنيا يحتاج الى سياسة حديثة ،وأن الدين ال يساير هذه الحداثة ،فقد
وبناء على هذا قاموا باستيراد القوانين واألنظمة
ً خالف مفهوم الدولة اإلسالمية وخالف مباد ها،
الوضعية من مجتمعات الغرب ،التي ال تدين دين الحق ،وفرضها على البالد ذات المنهج
اإلسالمي.
3
المطلب الثاني
وظائف الدولة اإلسالمية
إن المهام المنوطة بالدولة ثقيلة ،ألنها تتولى تسيير أمور األمة في شتى المجاالت ،وتتمثل في
أصلين
هما محور أعمال الدولة اإلسالمية :إقامة الدين ،وسياسة الدنيا به.
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ":يجب أن يعرف أن والية أمر الناس من أعظم واجبات الدين؛ بل
ال قيام للدين وال للدنيا إال بها .فإن بني دم ال تتم مصلحتهم إال باالجتماع لحاجة بعضهم إلى
1
بعض وال بد لهم عند االجتماع من رأس".
وألن والية أمر الناس من أعظم واجبات الدين ،فهي والبد أمر ثقيل يحتاج إلى عزيمة كبيرة،
وارادة قوية ،للقيام بواجباتها على أكمل وجه .لذلك من قام بهذا الواجب العظيم وأدى ما عليه
فيه ،نال خيري الدنيا واآلخرة ،وكان في ظل عرش الرحمن يوم ال ظل إال ظله.
ولذلك جاء في الصحيحين ،عن أبي هريرة ،عن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال " :سبعة يظلهم
اهلل في ظله ،يوم ال ظل إال ظله "...وذكر منهم ":اإلمام العادل.1"...
وعن عبد اهلل بن عمر ،رضي اهلل عنهما :أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،قال« :أَالَ ُكل ُك ْم
س ُئو ٌل َع ْن َرِعي َِّت ِهَ ،وا َّلر ُج ُل اع َو ُه َو َم ْاس َر ٍ اإلمام الَِّذي َعلَى َّ
الن ِ ِ ِِ ِ
س ُئو ٌل َع ْن َرعيَّته ،فَ َ ُ اع َو ُكل ُك ْم َم ْ َر ٍ
َه ِل َب ْي ِت َز ْو ِج َهاَ ،و َولَِد ِه َو ِه َي الم ْأرَةُ َار ِع َي ٌة َعلَى أ ْ ِ ِِ
س ُئو ٌل َع ْن َرعيَّتهَ ،و َ
اع علَى أ ْ ِ ِ
َه ِل َب ْيتهَ ،و ُه َو َم ْ َر ٍ َ
ال ِ ِ
س ُئو ٌل اع َو ُكل ُك ْم َم ْ س ُئو ٌل َع ْن ُه ،أَالَ فَ ُكل ُك ْم َر ٍ اع َعلَى َم ِ َ
س ِّيده َو ُه َو َم ْ الر ُج ِل َر ٍ
س ُئولَ ٌة َع ْن ُه ْمَ ،و َع ْب ُد َّ
َم ْ
َع ْن َرِعي َِّت ِه».6
ومن أهم الواجبات المنوطة بالدولة ،والتي ذكرها العلماء في كتبهم ،ما يلي:
عدد الماوردي ،وكذلك القاضي أبو يعلى الفراء ،واجبات الخليفة أو اإلمام بما يعتبر أساسا
لكثير من وظا ف الدولة اإلسالمية ،ففي األحكام السلطانية للماوردي يقول:
"والذي يلزم اإلمام من األمور العامة عشرة أشياء:
7
األول :حفظ الدين على أصوله المستقرة ،وما أجمع عليه سلف األمة ،فإن نجم مبتدع ،أو زاغ
ذو شبهة عنه أوض له الحجة وبين له الصواب وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود ،ليكون
1
الدين محروسا من خلل ،واألمة ممنوعة من زلل".
ويتم ذلك بحفظه ،والعمل به ،والدعوة إليه ،وتعليمه ،ودفع الشبه عنه ،وحمل الناس عليه ،وتنفيذ
أحكامه وحدوده ،والجهاد في سبيل اهلل ،والحكم بين الناس بما أنزل اهلل.
والجانب اآلخر من مسئولية اإلمام في حفظ ونشر الدين بالقوة إذا تعينت لذلك األمر ،في
ام اْلقَ َّو ُام على ِ
داخل الدولة وخارجها .وفي هذا يقول أبو المعالي الجويني إمام الحرمينَ ":و ْاإل َم ُ
أهل اإلسالم مأمور باستعمال منهاج الحجاج في أحسن الجدال ،فإن نجع ،واال ترقى إلى أعمال
األبطال المصطلين بنار القتال ،فللدعاء إلى الدين الحق مسلكان :أحدهما :الحجة وايضاح
المحجة ،والثاني :االقتهار بغرار السيوف ،وايراد الجاحدين الجاهدين مناهل الحتوف".1
الثاني :تنفيذ األحكام بين المتشاجرين ،وقطع الخصام بين المتنازعين َحتَّى تَ ُع َّم النَّ َ
صفَةُ ،فال
يعتدي ظالم وال يضعف مظلوم.
الثالث :حماية البيضة والذب عن الحريم ،ليتصرف الناس بالمعايش وينتشروا في األسفار منين
من تغرير بنفس أو مال.
الرابع :إقامة الحدود ،لتصان محارم اهلل تعالى عن االنتهاك ،وتحفظ حقوق عباده من إتالف أو
استهالك.
الخامس :تحصين الثغور بالعدة المانعة ،والقوة الدافعة ،حتى ال تظفر األعداء بغرة ينتهكون
فيها محرما أو يسفكون لمسلم أو معاهد دما.
السادس :جهاد من عاند اإلسالم بعد الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمة ،ليقام بحق اهلل
تعالى في إظهاره على الدين كله.
السابع :جباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع نصا أو اجتهادا ،من غير خوف وال
6
عسف.
ِ ِ
س َك ٌن لَ ُه ْم ص ِّل َعلَ ْي ِه ْم إِ َّن َ
صالتَ َك َ ط ِّه ُرُه ْم َوتَُزِّكي ِه ْم ِبها َو َ قال اهلل تعالىُ { :خ ْذ م ْن أ َْموال ِه ْم َ
ص َدقَ ًة تُ َ
يم } [التوبة.]106 : ِ واللَّ ُه ِ
سميعٌ َعل ٌ
َ َ
الثامن :تقدير العطايا وما يستحق في بيت المال من غير سرف وال تقتير ودفعه في وقته ال
تقديم فيه وال تأخير.
- 1الماوردي ،األحكام السلطانية ،ص ،41وبالنص نفسه في األحكام ألبي يعلى الفراء ص27و.22
- 2الجويني ،غياث األمم في التياث الظلم( ،ص .)143-145
- 3الماوردي ،األحكام السلطانية ،ص 15و ،13وبالنص نفسه في األحكام ألبي يعلى الفراء ص27و.22
2
التاسع :استكفاء األمناء وتقليد النصحاء فيما يفوض إليهم من األعمال ،ويكله إليهم من
األموال ،لتكون األعمال مضبوطة واألموال باألمناء محفوظة.
العاشر :أن يباشر بنفسه مشارفة األمور وتصف األحوال لينهض بسياسة األمة وحراسة الملة،
1
وال يعول على التفويض ،تشاغال بلذة أو عبادة ،فقد يخون األمين ويغش الناص ".
هذه هي أهم وظا ف الدولة اإلسالمية ،فاألولى هي الوظيفة الدينية ،والثالثة والخامسة والسادسة
هي الوظيفة الدفاعية ،والثانية والرابعة هي الوظيفة القضا ية ،والسابعة والثامنة هي الوظيفة
المالية ،والتاسعة والعاشرة هي الوظيفة اإلدارية.
ويمكن تصنيف هذه الوظا ف على نحو خر وتقسيمها إلى وظيفتين :داخلية وخارجية.
الوظيفة األولى :وظيفة الدولة في الداخل وذلك بما يلي:
أوالً :تأمين مصالح المجتمع وذلك عن طريق:
-1الحقوق اإلدارية :وهي المتعلقة بتنفيذ القوانين وادارة الدولة ومختلف مرافقها العامة مع
تعرض فقهاؤنا لها فيما ذكرهما يتبع ذلك من حق تعيين وعزل الموظفين .وهذه الحقوق ّ
1
الماوردي من وظا ف (اإلمام) العشرة ،وال سيما األخيرتان منها.
قال الدهلوي ":إن أمهات المقاصد أمور ،منها :تدبير المدينة وسياستها من الحراسة والقضاء
واقامة الحدود والحسبة .ومنها :منافع مشتركة ككري األنهار وبناء القناطر ونحو ذلك".6
-1الحقوق القضائية :كحق العفو الخاص والعام ،وكحق التصديق على بعض األحكام،
وهذا من حيث المبدأ قد ذكره الماوردي في الوظيفة الثانية والرابعة ،والسلطة القضا ية
فهي التي تفسر القانون وتطبقه على الوقا ع التي تعرض عليها في الخصومات .وهذه
4
هي مهمة القاضي في اإلسالم حيث إنه يقوم بتنفيذ أحكام الشريعة بكل دقة وأمانة.
- 1الماوردي ،األحكام السلطانية ،ص ،41وبالنص نفسه في األحكام ألبي يعلى الفراء ص27و.22
اإلسالمي وأدلَّتُهُ.432/2 ،
ُّ الز َح ْيلِي ،الفِ ْقهُ
ُّ - 2
- 3الدهلوي ،حجة هللا البالغة.274/2 ،
اإلسالمي وأدلَّتُهُ.434-432/2 ،
ُّ الز َح ْيلِي ،الفِ ْقهُ
ُّ - 4
4
أهم وظائف الدولة الداخلية من حيث الوظائف اإلدارية والقضائية وهي ما يأتي:
-1المحافظة على األمن والنظام ،واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر :وذلك بالقيام بواجب
األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليتحقق المقصد األساسي للشريعة :وهو إصالح
المجتمع ،أي الحياة االجتماعية إصالحاً جذرياً على نحو يستقر فيه األمن العام.
-1تنظيم القضاء واقامة العدل :وهو تحقيق مصال الناس ورفع الضرر عنهم ،وذلك بإقامة
التوازن والعدل فيما بينهم ،ومنع تعدي بعضهم على بعض ،ومن أهم ضوابط العدل هو
تنفيذ أحكام شريعة اهلل دون تفرقة بين الحاكم والمحكومين ،ألن الكل خاضعون لحكم
اهلل.
-6إدارة المرافق العامة :وهي أن تقوم الدولة نفسها بإدارة المرافق العامة ،كالمساجد
والمدارس والمشافي والجسور والبريد والدفاع والعشور (الجمارك) والري وتوريد المياه
ونحوها ،مستعينة في ذلك بأموالها وموظفيها.
-4اإلعداد لحماية الدولة والدعوة لتدريب الشعب وتصنيع األسلحة :إن من أول واجبات
الدولة ،هو الدفاع عن كيان الدولة وتحصين الثغور ،وحماية الرعية ،واعداد العدة
المال مة والقوة الضاربة وتدريب المقاتلة ،وتعلم فنون الحرب وكيفية استخدام السالح
1
المناسب للزمان والمكان.
11
الوظيفة الثانية :وظيفة الدولة الخارجية :وتتجلى وظا ف الدولة المسلمة في هذا المضمار في
النواحي اآلتية:
-1الدفاع عن أراضي اإلسالم وتحرير شعوبه وحماية أقلياته.
-1دعم التعاون بين أقاليم الدولة اإلسالمية.
-6الدعوة إلى اإلسالم :وواجب الدولة اإلسالمية أصيل في هذا المجال ،باعتبار أن ولي
األمر يمثل جانب الخالفة عن الرسول عليه السالم في هذا الشأن.
-4دفع شبهات أعداء اإلسالم :إن من أهم واجبات والة األمور هو المحافظة على الدين
وعقا ده ،وايضاح الشبهات وحل المشكالت ورد المفتريات وتزييف البدع ،كما ذكر
1
الماوردي في واجبات اإلمام التي سبق ذكرها.
ما هي صفة ومواصفات الدولة اإلسالمية الحقة ،التي يجب علينا مواالتها ونصرتها ،ويحرم
علينا بغضها وعصيانها والخروج عليها؟
اموا اه ْم ِفي ْاأل َْر ِ
ض أَقَ ُ إن الجواب على ذلك هو ما وضحه اهلل تعالى بقوله{ :الَِّذ َ
ين إِ ْن َم َّك َّن ُ
ِ َّ ِ ِ ِ
ور} [الحج.]14: ُم َِم ُروا ِبا ْل َم ْع ُروف َوَن َه ْوا َع ِن ا ْل ُم ْن َك ِر َولله َعاق َب ُة ْاأل ُ الص َالةَ َوآَتَُوا َّ
الزَكاةَ َوأ َ َّ
وقد شرح العلماء صفات هذه الدولة ،التي تجب مواالتها وتحرم معاداتها ،بأنها هي التي تتوفر
1
فيها هذه الصفات التالية:
-1أن يكون الحكم الحقيقي فيها من حيث التشريع والتكوين هلل وحده.
-1أن ال يكون فيها قانون خاص أو عام يخالف الكتاب والسنة ،وأن ال يصدر أي أمر
إداري يخالف التشريع اإللهي.
ِ
أساس ٍ
أساس إقليمي أو عرقي ،وانما تقوم على -6أن ال ترتكز الدولة في قيامها على
شمولية اإلسالم وعالميته للناس عامة.
-4أن تأمر الدولة بالمعروف فتنشر الصفات الحسنة ،وتنهى عن المنكر فتستأصل
الصفات السي ة ،وتعمل على إحياء شعا ر اإلسالم واعال ها بواسطة التعليم اإلسالمي
الحق ،وبواسطة وسا ل االتصال بالناس في الوسا ل المتعددة ،مع محاربة اإللحاد
والمبادئ الضالة وكشف عورتها.
-5أن تعمل الدولة على وحدة المسلمين في العالم أجمع قوالً وفعالً وأن تكون معهم كالجسد
الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سا ر الجسد بالسهر والحمى.
-3أن تكفل الدولة الحاجات الالزمة ألفراد األمة فيها ،من مأكل وملبس ومسكن وعالج
قادر عليه ،أو عجز عنه
وتعليم ،وخاصة من كان غير أهل الكتساب الرزق ،أو لم يعد ًا
11
كليا كالعمى أو
عجز ً
عجز مؤقتًا لسبب من األسباب النازلة كالبطالة أو المرض ،أو ًا
ًا
الشلل أو نحو ذلك ،من غير أن يفرق بين الناس من أجل مراكزهم االجتماعية أو
سالالتهم العرقية.
-7أن يتمتع أهل البالد في حدود األحكام اإلسالمية بجميع الحقوق ،التي منحتها إياهم
الشريعة اإلسالمية ،من حماية النفس والمال والعرض وحرية العبادة ،والحرية الشخصية
وحرية إبداء الرأي ،وحرية التنقل وحرية االجتماع ،وحرية اكتساب الرزق بالطرق
المباحة ،والمساواة في فرص العمل والترقي ،واالستفادة من المؤسسات االجتماعية بال
تمييز.
-8أن ال يسلب أحد من سكان الدولة حقًا من هذه الحقوق ،إال إذا كان له مسوغ شرعي في
الشريعة اإلسالمية ،وال يعاقب أحد على ذنب أو جريمة ،إال بعد ما يسم له بالدفاع عن
نفسه ،وتحكم عليه محكمة شرعية عادلة ،بعد استنادها على النص والدليل من كتاب
اهلل ،أو سنة رسوله -صلى اهلل عليه وسلم -أو إجماع أو قياس معتبر شرًعا عند
علماء األصول وفقهاء األمة.
كر عدالً ،يعتمد الجمهور أو ممثلوهم على تدينه وكفاءته
مسلما ذ ًا
ً -9أن يكون ر يس الدولة
وسداد رأيه.
-10أن يكون ر يس الدولة هو المس ول الحقيقي عن تسيير ش ون الدولة ،غير أنه يجوز له أن
جانبا من صالحياته إلى فرد أو جماعة يوثق بدينها وأمانتها.
يفوض ً
-11أن ال يستبد ر يس الدولة باألمر إنما ُيسير أمر الحكومة على منهاج الشورى ،في مشاورة
أهل العلم الذين هم أهل الحل والعقد في األمة.
كليا أو جز ًيا ،ويستبد بالحكم من دون أهل الشورى.
-11أن ال يعطل ر يس الدولة أحكام الشرع ً
-16أن يكون للجماعة حق انتخاب ر يس الدولة ،وحق عزله عن منصبه بأغلبية أهل العلم
الشرعي ،من أهل الحل والعقد في األمة كما قرر اإلسالم ذلك.
محصنا
ً مساويا لجمهور المسلمين في الحقوق والواجبات وأن ال يكون
ً -14أن يكون ر يس الدولة
من أن تجرى عليه األحكام الشرعية.
-15أن يكون ألعضاء الحكومة وعمالها وعامة من يسكنها نظام واحد ،وال ينفذه فيهم إال
المحاكم الشرعية في البالد.
-13أن تكون الهي ة القضا ية في الدولة منفصلة عن الهي ة التنفيذية ،ومستقلة عنها في إصدار
األحكام ،حتى ال تتأثر في القيام بواجباتها بما للهي ة اإلدارية من السلطة.
-17أن ال يقبل في الدولة تفسير شيء من األحكام بما يخالف الكتاب والسنة.
12
-18أن ال يسم بالنشر أو الدعوة إلى األفكار والنظريات ،التي تناقض المبادئ األساسية
للدعوة اإلسالمية ،والتي تهدد األمة اإلسالمية بالفساد واالضطراب.
13
المبحث الثاني
14
المطلب األول
مفهوم العقوبة
أوالً :في اللغة :هي الجزاء على الذنب ،والعقاب والمعاقبة هي أن تجزى الرجل بما فعل من ٍ
ذنب
1
واالسم العقوبة ،وعاقبه بذنبه معاقبة وعقابا أخذ به.
1
وانما سميت عقوبة ألنها خ ار وثاني الذنب ،ألنها تأتي عقب الذنب.
-1عرفها الحنفية فقالوا" :العقوبة تكون على فعل محرم ،أو ترك واجب ،أو سنة ،أو فعل
6
مكروه".
-1وعرفها المالكية فقالوا ":العقوبة هي زواجر ،إما على حدود مقدرة ،واما تعزيرات غير
مقدرة".4
-6وعرفها الشافعية فقالوا" :العقوبة جزاء على اإلصرار على ذنب حاضر ،أو مفسدة
5
مالبسة ال إثم على فاعلها ،أو جزاء على ذنب ماض منصرم ،أو عن مفسدة منصرمة".
3
-4وعرفها الحنابلة فقالوا" :العقوبة تكون على فعل محرم ،أو ترك واجب".
-5وعرفها الماوردي ":زواجر وضعها اهلل تعالى للردع عن ارتكاب ما حظر ،وترك ما أمر
7
به".
8
-3وعرفها عبد القادر عودة ":الجزاء المقرر لمصلحة الجماعة على عصيان أمر الشارع".
المناقشة والترجيح:
هذه جملة من التعريفات للعقوبة في المذاهب األربعة ،والمتأمل فيها يرى ما يلي:
- 1أن فيها توسعا ،فقد تضمنت ما ال يستحق فاعلها أو تاركها العقاب ،كتعريف الحنفية
والشافعية ،والتعريف يجب أن يكون جامعا مانعا.
15
- 1أن فيها طوال بذكر قيود ال حاجة إليها في التعريف ،كتعريف المالكية والشافعية ،والتعاريف
مبناها على االختصار.
- 6أن العقوبة تكون على ترك واجب ،أو فعل محرم محل اتفاق عند الجميع.
- 4أن تعريف الحنابلة هو أسلم التعاريف.
التعريف المختار:
األولى أن يقال في تعريف العقوبة ":جزاء وضعه الشارع للردع عن ارتكاب ما نهى عنه ،وترك
1
ما أمر به".
13
المطلب الثاني
أنواع العقوبات في اإلسالم والغاية منها
17
وقد جعل الشرع القصاص عقابا رادعا للجناة ،شافيا لقلوب أهل المجني عليه ،مذهبة لحقدهم
وليس فيها إسراف في االنتقام ،بل فيها عدالة وحماية وخير ،ولذلك قال اهلل تعالىَ { :ولَ ُك ْم ِفي
1
اب لَ َعلَّ ُك ْم تَتَّقُ َ
ون} [البقرة .]179: اص َح َياةٌ َيا أُولِي ْاألَ ْل َب ِ
ص ِ ِ
ا ْلق َ
ألن الناس كانوا يسيرون على قانون الثأر وعدم تكافؤ الدماء فاألشراف كان قصاصهم شديدا وان
فأتم
كان المقتول ضعيفا ال شرف له ،ظل دمه ،وال يوجد من يطالب به أو يجرؤ على ذلكّ .
اإلسالم به (أي بالقصاص) المساواة بين الجريمة والعقاب وأنه العقاب إال تحت سلطان ولي
ون ِ
األمر ،وأنه ال فرق بين قوي وضعيف ،وكما قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم " :اْل ُم ْسل ُم َ
اؤ ُه ْم ".1 ِ
تَتَ َكافَأُ د َم ُ
وأما التعزير :فهو عقوبة غير مقدرة من الشارع وانما هي متروكة لتقدير الحاكم أو من ينيبه من
القضاة حقا هلل تعالى أو حقا للعبد والتعزير يكون بالقول وبالفعل كالحبس والضرب وبالمال.
6
والتعزير يكون على المعاصي التي لم يرد فيها حد.
والتعزير يكون في كل معصية ليس فيها حد ،فقد قال ابن تيمية رحمه اهلل" :اتفق العلماء على
أن التعزير مشروع في كل معصية ليس فيها حد".4
وقال ابن القيم رحمه اهلل" :واتفق العلماء على أن التعزير مشروع في كل معصية ،ليس فيها حد
وهي نوعان :ترك واجب ،أو فعل محرم ،فمن ترك الواجبات مع القدرة عليها ،كقضاء الديون،
وأداء األمانات :من الوكاالت ،والودا ع ،وأموال اليتامى ،والوقوف ،واألموال السلطانية ،ورد
الغصوب ،والمظالم ،فإنه يعاقب حتى يؤديها ،وكذلك من وجب عليه إحضار نفس الستيفاء حق
وجب عليها ،مثل :أن يقطع الطريق ،ويلتجئ إلى من يمنعه ويذب عنه ،فهذا يعاقب حتى
يحضره".5
-2وتنقسم العقوبات من حيث محلها إلى:
( )1عقوبات بدنية :وهي العقوبات التي تقع على جسم اإلنسان ،كالقتل والجلد والحبس.
( )1عقوبات نفسية :وهي العقوبات التي تقع على نفس اإلنسان دون جسمه كالنص والتوبيخ
والتهديد.
3
( )6عقوبات مالية :وهي العقوبات التي تصيب مال الشخص كالدية والغرامة والمصادرة.
- 1عبد القادر عودة /التشريع الجنائي ،22/1 ،محمد أبو زهرة /الجريمة والعقوبة ص .13
َّريَّ ِة تَ ُر ُّد َعلَى أَ ْه ِل ْال َع ْسك ِ
2
َر ،حديث رقم ( .)2753قال األلباني :حسن -أبو داود ،سنن أبي داود ،34/3 ،كتاب الجهاد ،باب فِي الس ِ
صحيح.
- 3السمرقندي ،تحفة الفقهاء.142/3 ،
-4ابن تيمية ،مجموع الفتاوى .412/35
- 5ابن القيم ،الطرق الحكمية ص .154
- 3عبد القادر عودة ،التشريع الجنائي.333 /1 ،
12
-3وتنقسم العقوبات بحسب الجرائم التي فرضت عليها إلى:
( )1عقوبات الحدود :وهي العقوبات المقررة على ج ار م الحدود.
( )1عقوبات القصاص والدية :وهي العقوبات المقررة لج ار م القصاص والدية.
( )6عقوبات الكفارات :وهي العقوبات المقررة لبعض ج ار م القصاص والدية وبعض ج ار م
التعازير.
1
( )4عقوبات التعازير :وهي العقوبات المقررة لج ار م التعازير.
فهذه أهم أنواع العقوبات باالعتبارات المختلفة ،توض لنا طبيعة هذه العقوبات وما تتصف به
من خصا ص.
6
-1حماية الفضيلة وصيانة المجتمع من الفوضى والفساد وتحكم الرذيلة.
4
-1تأديب الجاني واصالحه.
-6الردع والزجر :ويقصد منه ":نهي الجاني عن الجريمة ،واتخاذه عبرة لمنع غيره عن
5
ارتكاب الج ار م".
3
-4شفاء غيظ المجني عليه.
7
-5حماية المجتمع ورعاية المصلحة العامة.
8
-3حصول األمن وتحقيق العدل في شعب الحياة كلها.
14
المطلب الثالث
شرع اهلل عز وجل العقوبات لتنفذ إذا وجد موجبها؛ حفظا لألمة ،وصيانة لها من الشرور
والمفاسد ،فإذا ثبتت الجريمة على أحد وجب على ولي األمر تنفيذ عقوبتها ،ألن تطبيق
صلَّى اللَّهُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم يقيم الحدود في العقوبات ،منوطة بولي األمر أو نا به ،فقد كان النبي َ
صلَّى اللَّهُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم من يقيم الحد نيابة عنه ،ففي حياته ،ثم خلفاؤه من بعده .فقد َو َكل النبي َ
ام َأر َِة َه َذا ،فَِإ ِن ْ
اعتََرفَ ْت فَ ْار ُج ْم َها) س َعلَى ْحديث قصة العسيف قال عليه السالمَ (:وا ْغ ُد َيا أَُن ْي ُ
1
ت فَ َر َج َمهَا.
اعتََرفَ ْ
فَ َغ َدا َعلَ ْيهَا فَ ْ
وال يجوز ألحد أن يشفع إلسقاط عقوبة الحد عن أحد ،إذا بلغت اإلمام وثبتت عنده ،كما يحرم
على ولي األمر قبول الشفاعة في ذلك ،لما جاء في السنة النبوية الشريفة:
-1عن عبد اهلل بن عمر-رضي اهلل عنهما-قال :سمعت رسول اهلل -صلى اهلل عليه
اد اللَّ َه َو َم ْن َخ َ
اص َم ود اللَّ ِه فَقَ ْد َ
ض َّ ون َح ٍّد ِم ْن ُح ُد ِ اعتُ ُه ُد َ
شفَ َوسلمَ -يقُو ُلَ «:م ْن َحالَ ْت َ
ع ع ْن ُه وم ْن قَ َ ِ ِ َّ ِ ِ ِ ِ
ال في ُم ْؤ ِم ٍن َما لَ ْي َ
س س َخط الله َحتَّى َي ْن ِز َ َ َ َ في َباط ٍل َو ُه َو َي ْعلَ ُم ُه لَ ْم َي َز ْل في َ
ال َحتَّى َي ْخ ُر َج ِم َّما قَ َس َك َن ُه اللَّ ُه رْد َغ َة 2ا ْل َخ َب ِ ِ ِ
6
ال » . َ فيه أَ ْ
-1وعن عائشة رضي اهلل عنها ،قالت :أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت ،فقالوا:
من يكلم رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم ،-ومن يجترئ عليه إال أسامة ،حب رسول اهلل -
شفَعُ ِفي َح ٍّد ِم ْن صلى اهلل عليه وسلم ،-فكلم رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم ،-فقال« :أَتَ ْ
ِ َّ ِ
قس َر َ ض َّل َم ْن قَ ْبلَ ُك ْم ،أ ََّن ُه ْم َكا ُنوا إِ َذا َ
اس ،إِ َّن َما َ الَ « :يا أَي َها َّ
الن ُ ب ،قَ َ ام فَ َخطَ َُح ُدود الله» ثُ َّم قَ َ
ت ُم َح َّم ٍد َن فَ ِ
اط َم َة ِب ْن َ الحدََّ ،و ْاي ُم اللَّ ِه ،لَ ْو أ َّ ِ
اموا َعلَ ْيه َ يف في ِه ْم أَقَ ُ
َّع ُ ِ ق الض ِ س َر َ
يف تََرُكوهَُ ،وِا َذا َ َّ
الش ِر ُ
ِ
سلَّ َمَ ،
صلَّى اهللُ َعلَ ْيه َو َ
4
س َرقَ ْت لَقَطَ َع ُم َح َّم ٌد َي َد َها». َ
21
فتعطيل حدود اهلل يوجب سخطه ،وفساد المجتمع ،واضطراب األمن ،وحصول الخوف ،وتوالي
النقم.
فيجب على والة أمور المسلمين أن يقيموا حدود اهلل في عباده ،وال تأخذهم لومة ال م؛ طاعة هلل
ورسوله ،ورحمة بالعباد ،واحسانا إليهم ،لكف الناس عن المنكرات ،وزجرهم عن الفواحش،
وتخليصهم من اإلثم والخطي ة ،وال يجوز أن يكون قصدهم من إقامتها إشفاء غيظ قلوبهم ،وال
إرادة العلو والفساد ،ألن ولي األمر بمنزلة الوالد الذي يؤدب ولده رحمة به واصالحا له ،ال تشفياً
وال تسلطاً وتجب اًر ،بل يكون مقصده الحفاظ على حرمات اهلل تعالى حتى ال تنتهك.
وقد أجمع المسلمون على أن تعطيل الحد بمال يؤخذ أو غيره ال يجوز ،وأجمعوا على أن المال
المأخوذ ممن وجب عليه الحد لتعطيل الحد مال سحت خبيث .وكثير مما يوجد من فساد أمور
الناس إنما هو لتعطيل الحد بمال أو جاه ،وهذا من أكبر األسباب التي هي فساد أهل البوادي
والقرى واألمصار ،وهو سبب سقوط حرمة المتولي وسقوط قدره في القلوب وانحالل أمرهَ ،وَولِ ُّي
ْم َر بالمعروف وينهى عن المنكر وهذا هو مقصود الوالية .فإذا كان الوالي األَم ِر َّإنما ُنص ِ
ِّب ل َيأ ُ
َ ْ َ
ان َع ُد َّوك ِ ِ ِ ي ِ
مك ُن من ال ُم ْن َك ِر يكون قد أتى بضد المقصود م ْث َل َم ْن َنص ْ
َع َ
َّبته لُيع َينك َعلَى َع ُد ِّوك فَأ َ ُ
1
َعلَ ْيك ،وبمنزلة من أخذ ماالً ليجاهد به في سبيل اهلل فقاتل به المسلمين.
21
الفصل األول
22
المبحث األول
23
المطلب األول
تعريف الحدود وحكم تطبيقها
وفيه فرعان:
الفرع األول :تعريف الحدود
الحــد فــي اللغ ـة :الفصــل بــين الشــي ين ل ـ ال يخــتلط أحــدهما بــاآلخر أو ل ـ ال يتعــدى أحــدهما علــى
اآلخر ،وجمعه حدود .وفصل ما بين كل شي ين :حد بينهما .ومنتهى كل شيء :حـده؛ ومنـه :ح ُّـد
1
حدود األرضين وحدود الحرم.
وسميت العقوبات حدوداً ،لكونها مانعة من ارتكاب أسبابها ،وحدود اهلل :محارمه؛ ألنها ممنوعة،
وها} [البقرة ]187:وحدود اهلل أيضاً :أحكامه أي ما ود اللَّ ِه فَ َال تَ ْق َرُب َ
بدليل قوله تعالىِ { :ت ْل َك ُح ُد ُ
حده وقدره ،فال يجوز أن يتعداه اإلنسان ،وسميت حدوداً؛ ألنها تمنع عن التخطي إلى ما وراءها،
ود اللَّ ِه فَأُولَ ِئ َك ُه ُم الظَّالِ ُم َ
ون} ود اللَّ ِه فَ َال تَ ْعتَ ُد َ
وها َو َم ْن َيتَ َع َّد ُح ُد َ بدليل قوله تعالىِ { :ت ْل َك ُح ُد ُ
1
[البقرة.]119:
-1ابن منظور /لسان العرب ،141/3ابراهيم مصطفى /المعجم الوسيط ،131/1الزبيدي /تاج العروس 3/2
-2ابن نجيم ،البحر الرائق ،2/5 ،الزحيلي ،الفقه االسالمي وأدلته.213/7 ،
-3السرخسي ،المبسوط ،31/4الكاساني ،بدائع الصنائع ،33/7الزيلعي ،تبين الحقائق ،133/3الميداني ،اللباب في شرح الكتاب
.322/1
- 4عبد الرحمن البغدادي ،إرْ شَا ُد السَّالِك،142/1 ،
-5أبي بكر الدمياطي /حاشية إعانة الطالبين .142/4
- 3البهوتي ،كشاف القناع.77/3 ،
24
الفرع الثاني :حكم تطبيق الحدود.
الش ْرعية واجب أساسي ،وفرض على الحاكم في كل زمـان ومكـان ،لتحقيـق النفـع إن إقامة الحدود َّ ّ
الــدا م وهــو منــع الجريمــة ،وردع العصــاة وصــون األمــن ،ورعايــة مقاصــد َّ
الشـ ِـر َ
يعة بجلــب المصــال
ودفع المفاسد ،والحفاظ على الكليات الخمس المتمثلة :بحفظ الدين والنفس والعقل والمال.
األدلة على وجوب تطبيق الحدود:
أوالً :األدلة من القرآن:
ـن اللّ ِـه ﴾[الما ـدة: ـاال ِّم َ
س َـبا َن َك ً ِ
ط ُعواْ أ َْيـد َي ُه َما َج َـزاء ِب َمـا َك َ الس ِ
ـارقَ ُة فَـا ْق َ ق َو َّ الس ِ
ـار ُ -1قال تعالىَ ﴿:و َّ
.]68
اح ٍد ِّم ْن ُه َما ِم َئ َة َج ْل َد ٍة َوَال تَأْ ُخ ْذ ُكم ِب ِه َما َأْرفَ ٌة ِفـي ِد ِ
يـن اجلِ ُدوا ُك َّل و ِ
َ الزِاني فَ ْ
الزِان َي ُة َو َّ
-1قال تعالىَّ ﴿:
اللَّ ِه ﴾[النور.]1 :
وهم ثَم ِ شـه َداء فَ ْ ِ ِ ِ -3قال تعالىَ ﴿:والَّ ِـذ َ
ين َج ْل َـدةً
ـان َ اجل ُـد ُ ْ َ صـ َنات ثُ َّـم لَ ْـم َيـأْتُوا ِبأ َْرَب َعـة ُ َ ـون ا ْل ُم ْح َين َي ْرُم َ
﴾[النور.]4 :
خطاب ــا مطلقً ــا ،لك ــن ق ــد عل ــم أن ً قـــال شـــيخ اإلســـالم ":خاط ــب اهلل الم ــؤمنين بالح ــدود والحق ــوق
ـادر عليــه والعــاجزون ال يجــب علــيهم ،وقــد علــم أن هــذا فــرض المخاطــب بالفعــل ال بــد أن يكــون قـ ًا
ـب َعلَـ ْـي ُك ُم ا ْل ِقتَــا ُل ﴾[البق ـرة: ِ
علــى الكفايــة ،وهــو مثــل الجهــاد؛ بــل هــو نــوع مــن الجهــاد ،فقول ـهُ ﴿:كتـ َ
.]113
ين ُيقَ ِاتلُوَن ُك ْم ﴾[البقرة.]190 :
يل اللّ ِه الَِّذ َ
س ِب ِ ِ ِ
-وقولهَ ﴿:وقَاتلُواْ في َ
-وقوله ﴿:إِالَّ تَ ِ
نف ُرواْ ُي َع ِّذ ْب ُك ْم ﴾[التوبة.]69 :
ونحــو ذلــك هــو فــرض علــى الكفايــة مــن القــادرين و "القــدرة" هــي الســلطان؛ فلهــذا :وجــب إقامــة
1
الحدود على ذي السلطان ونوابه".
25
ـك ِألَن ِفــي اقامتهــا زجــر لِْلخل ـ ِ
ق َعــن إقامــة حــد مــن حــدود اهلل خيــر مــن مطــر أربعــين صــباحا َوَذلِـ َ
قعود َع ْنهَا والتهاون بهَا وانهماكهم ِفـي َّماء بالمطر َوِفي اْل ُ الذنوب َوسبباً ْلفَتْ أ َْب َواب الس َ
اْل ِ
معاصي و ُ
ِ ِ
اْلمعاصي َس َبب ألخذهم بِالسِّن َ
1
ين والجدب واهالك اْلخلق.
-1عن عبادة بن الصامت قال :قال -رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم-
ٍِ 1
يدَ ،وَال تَأْ ُخ ْذ ُك ْم ِفي اللَّ ِه لَ ْو َم ُة َال ئم».
يب وا ْلب ِع ِ « :أ َِقيموا ح ُد َ ِ ِ
ود اللَّه في ا ْلقَ ِر ِ َ َ ُ ُ
الش ْرعية واجب أساسي ،وفرض على الحاكم في كل زمان ومكـان ،وقولـه :اقيمـوا إن إقامة الحدود َّ ّ
يحتَمــل ان ُيـ َـراد بهمــا اْلقــرب والبعــد ِفــي ّ
الن َســب ،أَو اْلقُـ َّـوة والضــعف، ُحـ ُـدود اهلل ِفــي اْلقَ ِريــب والبعيــد ْ
6
يدا لِ ْأل َْم ِر. والثَّانِي انسب ،وَال تأخذكم عطف على اقيموا نهيا تَأ ِ
ْك ً َ َ
الحد قبل أن يبلغ اإلمام فجائز ودل على ذلك: وأما العفو عن ّ
ـول اللَّ ِـه َّ _1عن عمرو بن شعيب عن أبيه َع ْن َع ْبِد اللَّ ِه ْب ِن َع ْم ِرو ْب ِـن اْل َع ِ
ـاص ،أ َّ
صـلى اهللُ َ َن َر ُس َ
4
ب». ِ ِ ال« :تَعافوا ا ْلح ُد َ ِ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قَ َ
يما َب ْي َن ُك ْم ،فَ َما َبلَ َغني م ْن َح ٍّد فَقَ ْد َو َج َ ود ف َ ُ َ
وهـا
ـاوُزوا َع ْنهَـا َوَال تَْرفَ ُع َ
َي تَ َج َود) :أ ْ ـاب ِل َغ ْي ِـر ْاألَِ َّم ِـة( ،اْل ُح ُـد َ
ط ُ ـافي َواْل ِخ َ
قوله( :تَعافُوا) :أَمر ِمـن التَّع ِ
ٌْ َ َ َ
ِ ِ
إِلَ َّي فَِإِّني َمتَى َعل ْمتُهَا أَقَ ْمتُهَا ،أ ْ
5
امتُهُا.ب َعلَ َّي إقَ َ َي فَقَ ْد َو َج َ
ُخ َذ ِم ْن تَ ْح ِت
َّد ِرَداءه ،فَأ ِ ِ
ام في اْل َم ْس ِجد َوتََوس َ َ ُ
_1عن عبد اهلل بن صفوان عن أبيه :أََّنه َن ِ
ُ َ
صلَّى اللَّهُ َعلَ ْي ِهالنبِ ُّي َ - َم َر بِ ِه َّ ِ َّ النبِ ِّي َّ َّ -
صلى اللهُ َعلَ ْيه َو َسل َم ،-فَأ َ َ اء بِ َس ِارِق ِه إِلَى َّ ِِ
َأرْسه ،فَ َج َ
ِ ِ ال ص ْفوان :يا رس َ َّ ِ
ال َر ُسو ُل ول الله ،لَ ْم أ ُِرْد َه َذاِ ،رَدا ي َعلَ ْيه َ
ص َدقَةٌ .فَقَ َ َن ُي ْقطَ َع ،فَقَ َ َ َ ُ َ َ ُ َو َسلَّ َم -أ ْ
ِ 3
َن تَأ ِْت َي ِني ِبه" .صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم " :-فَ َه َّال قَ ْب َل أ ْ
الله َ -
َّ ِ
ِِ ِ
صوله إلي َوأما ْاآلن ص َّدقت َوتركت َحقك قبل ُو ُ قوله :فَهَال قبل ان تَأتيني بِه :أَي فَهَال تَ َ
7
الش ْرع. يه حق ،بل ُهو حق َّ اجب لَ ْيس لَك ِف ِ فَقَطعه و ِ
َ َ َ
23
المطلب الثاني
ضوابط إقامة الحدود
إذا كان من المقرر في الشريعة اإلسالمية وجوب إقامة الحدود ،لكن إقامتها لها ضـوابط البـد مـن
مراعاتها قبل إقامة الحد .وفي هذا المطلب نورد أهم هذه الضوابط.
الضوابط التي يجب مراعاتها قبل إقامة الحدِّ:
للحد :فقد كان النبي صلى اهلل عليه وسلم َّ
يتأك ُد الضابط األول :التثبت من وقوع الفعل الموجب ّ
الحدَّ ،أنه قد استوجب الحدَّ.
ممن يقام عليه ّ
عــن أبــي هريــرة ،أنــه قــال :أتــى رجــل مــن المســلمين رســول اهلل صــلى اهلل عليــه وســلم وهــو فــي
ـاء َو ْج ِه ِـه ،فَقَ َ ِ ـال :يـا رس َ ِ
ـال لَـهَُ :يــا ض َع ْنـهُ ،فَتََنحَّـى تْلقَ َ َع َر َـت ،فَـأ ْ ـول اهلل ،إِِّنـي َزَن ْي ُ المسـجد ،فنـاداه ،فَقَ َ َ َ ُ
ش ِه َد َعلَى َن ْف ِس ِه أ َْرَب َع َعرض ع ْنه ،حتَّى ثََنى َذلِ َك علَ ْي ِه أَربع م َّر ٍ رس َ ِ
اتَ ،فلَ َّما َ َ َْ َ َ ت ،فَأ ْ َ َ َ ُ َ ول اهلل ،إِِّني َزَن ْي ُ َُ
س ـلَّ َم ،فَقَـ َ ِ ِ شــه َ ٍ
ـال« :فَ َهـ ْـل ـالَ :ال ،قَـ َ ـون؟» قَـ َ ـك ُج ُنـ ٌ ـال« :أَِبـ َ ص ـلَّى اهللُ َعلَ ْيــه َو َ ســو ُل اهلل َ ادات َد َعــاهُ َر ُ َ َ
ِ سـلَّ َم« :اذ َ ِ ِ
ـن
ـال ْاب ُ ـار ُج ُموهُ» ،قَ َ ْه ُبـوا ِبـه فَ ْ صـلَّى اهللُ َعلَ ْيـه َو َ سـو ُل اهلل َ ـال َر ُ الَ :ن َع ْم ،فَقَ َت؟» قَ َ ص ْن ََح َ أْ
صـلَّى، اهلل ،يقُـو ُل :فَ ُك ْن ُ ِ ـن ع ْب ِـد ِ َخبرِني م ْـن ِ ِش َه ٍ
ـه ،فَ َر َج ْم َنـاهُ ِبا ْل ُم َ
ـيم ْن َر َج َم ُ
ـت ف َ َ سـم َع َجـا ِب َر ْب َ َ اب :فَأ ْ َ َ َ َ
1
ب ،فَأ َْد َرْك َناهُ ِبا ْل َح َّرِة ،فَ َر َج ْم َناهُ". ِ
َفلَ َّما أَ ْذلَقَتْ ُه ا ْلح َج َارةُ َه َر َ
وجه الداللة :أن النبي صلى اهلل عليه وسلم تثبت من حال من شهد على نفسه بالزنى مـن خـالل
توجيــه أسـ لة لــه ،أراد مــن خاللهــا أن يقطــع بــه أي شــك ،وقــد ورد أنــه ســأل عنــه قومــه إن كــان بــه
جنــون ،وغيـره مــن الشــبهات التــي مــن شــأنها أن تســقط عنــه الحــد ،ومنهــا أنــه ســأله هــل أحصــنت
فأجاب نعم ،بعد هذا التثبت من النبي صلى اهلل عليه وسلم أمر برجمه.
قال النووي رحمه اهلل " :أجمـع العلمـاء علـى أن الـرجم ال يكـون إال علـى مـن زنـى وهـو محصـن،
1
وأجمعوا على وجوب الرجم على من اعترف بالزنى وهو محصن يص إق ارره بالحد.
ستحب تلقين المتَّهم ما يدفع عنه الحدَّ: ُ الضابط الثانيُ :ي
تؤكد استحباب تلقين اإلمام للمتَّهم ما يسقط ّ
الحد: وفي نيل األوطار :نقل آثا ارً ِّ
"وفــي البــاب ثــار عــن جماعــة مــن الصــحابة منهــا عــن أبــي الــدرداء َّأنــه أُتــي بجاريـ ٍـة سـرقت ،فقــال
لها :أسرقت قولي ال .فقالت :ال ،فخلَّى سبيلها.
-1مسلم ،صحيح مسلم ،كتاب الحدود ،باب من اعترف على نفسه بالزنا ،1312/3،حديث(.)1341
-2النووي ،المنهاج شرح صحيح مسلم.142/11 ،
27
وعن عطاء عنـد عبـد الـرزاق َّأنـه قـال :كـان مـن مضـى ُيـؤتى إلـيهم بالسَّـارق ،فيقـول :أسـرقت قـل
وسمى أبا بكر وعمر رضي اهلل عنهما. الَّ .
برجل فسأله :أسرقت قل ال .فقال :ال ،فتركه. ٍ وأخرج أيضاً عن عمر بن الخطاب أُتى
أن أبا هريرة أُتي بسار ٍ
ق فقال :أسرقت قل ال ،ثالثاً. وعن أبي هريرة عند ابن أبي شيبةَّ :
وعن أبي مسعود األنصاري في جامع سفيان َّ
أن امرأةً سرقت جمالً ،فقال :أسرقت قولي ال.
1
قوله :ما أخالك سرقت في ذلك دليل على َّأنه يستحب تلقين ما يسقط َّ
الحد".
الضابط الثالث :الرحمة بالمحدود:
ِ َّ ِ َّ
ـول
س َ ش ْملَ ًة فَقَـالُواَ :يـا َر ُ
ق َ س َر َ
ق َ سِ
ار ٍ عن أبى هريرة :أن رسول اهلل -صلى اهللُ عليه وسلم-أُت َي ِب َ
سـلَّ َمَ " :مـا إِ َخالُ ُ ِ ِ ِ
ق: الس ِ
ـار ُ ـال َّ ق " قَ َ س َـر َـه َ صلَّى اهللُ َعلَ ْيه َو َ
سو ُل اهلل َ ال َر ُ
ق ،فَقَ َ اهلل إِ َّن َه َذا قَ ْد َ
س َر َ
اح ِس ُموهُ ،2ثُ َّم
ْه ُبوا ِب ِه فَا ْقطَ ُعوهُ ،ثُ َّم ْ
سلَّ َم " :اذ َ ِ
صلَّى اهللُ َعلَ ْيه َو َ
ِ
سو ُل اهلل َ ال َر ُاهلل ،فَقَ َول ِ س ََبلَى َيا َر ُ
ت إِلَى ِ ال " :تُ ْب إِلَى ِ
اهلل َع َّز َو َج َّل " ،قَ َ ا ْئتُوِني ِب ِه ،فَقُ ِط َع فَأ ُِت َي ِب ِه ،فَقَ َ
اب اهللُ ال " :تَ َ اهلل ،قَ َ ال :تُْب ُ
6
َعلَ ْي َك ".
وجه الداللة :تظهر عظمة _ النبي صلى اهلل عليه وسلم _ بالمتهم تلقينه بمـا يـد أر عنـه الحـد ،ث َّـم
األمــر بحســم اليـ َّـد ،حتــى ال يســري العط ـب إلــى ســا ر اليــد .ثــم طلــب منــه التوبــة ،ودعــا اهلل بقبــول
توبته.
الحد:
الضابط الرابع :مراعاة مالبسات الحادثة قبل إقامة ّ
ـال:يد اْل ِه ْج َرةَ َحتَّـى إِ َذا َد َن ْوَنـا ِم َـن اْل َمِد َين ِـة ،قَ َ
ادتِي ُن ِر ُت َم َع َس َال ":أَ ْقَبْل ُعن عمير َم ْولَى بِي اللَّ ْحِم ،قَ َ
ـض ـال :فَ َمـ َّـر بِــي َب ْعـ ُ اعـةٌ َشـ ِـد َ
يدةٌ ،قَـ َ ـابني َم َج َ
ـال :فَأَصـ ِ
َ َ ـورِه ْم ،قَـ َ
ـال :قَـ َ فَـ َـد َخلُوا اْل َمِد َينـةَ َو َخلَّفُــونِي ِفــي ظُهُـ ِ
ت َحا ِطًــا ت ِمـ ْـن ثَ َم ِـر َح َوا ِ ِطهَــا ،فَ َـد َخْل ُ
َص ْـب َ مـن ي ْخـرج ِمــن اْلمِد َين ِـة ،فَقَــالُوا لِـي :لَــو َد َخْل َ ِ
ـت اْل َمد َينـةَ ،فَأ َ ْ َ ْ َ ُُ َ َ
صـلَّى اهللُ َعلَ ْي ِـه َو َسـلَّ َم َوأ ْ ِ ِ ِِ ِ ِ فَقَطَع ُ ِ ِ
َخ َب َـرهُ ب اْل َحا ط ،فَأَتَى بِي إِلَـى َر ُسـول اهلل َ صاح ُ ت م ْنهُ ق ْن َوْي ِن ،فَأَتَاني َ ْ
َع ِطـي ـالُ " :خـ ْذهُ " َوأ ْ َح ِد ِه َما ،فَقَ َ
ت لَ ُه إِلَى أ َ ش ْر ُ ال لِي " :أَي ُه َما أَف َ
ْض ُل؟ " فَأَ َ ان ،فَقَ ََخ َب ِريَ ،و َعلَ َّي ثَ ْوَب ِ
4
س ِبيلِي". ِِ
ب ا ْل َحائط ْاآل َخ َر َو َخلَّى َ
ِ
صاح َ َ
22
وجه الداللة :أن النبي -صلى اهلل عليه وسلم-قد راعى حال هذا الرجـل ،و َّ
أن الجـوع دفعـه للسـرقة
غرمــه قيمــة مــا أخــذه ،فإنــه هنــا أخــذ أحــد ثوبيــه ودفعــه إلــى صــاحب النخــل ،وبــذلك حفــظ
ولكــن َّ
لصاحب الحا ط ما أُخذ من حا طه.
ألن من اضطر ألكل مال الغير ،فإن الضرورة تقتصر على إباحة إقدامه على أكل ما يدفع به
1
الضرورة بال إثم فقط ،ولكن ال تدفع عنه الضمان.
الحد بالشبهة:
الضابط الخامس :درء ِّ
ود
الح ُـد َ ِ َّ ـال رسـو ُل اللَّ ِـه َّ َّ
صـلى اللـهُ َعلَ ْيـه َو َسـل َمْ « :اد َرُءوا ُ َ عن عائشة رضي اهلل تعالى عنها قالت :قَ َ َ ُ
الع ْف ِـو َن ي ْخ ِط ِ ِ ِ ـه َم ْخ َـر ٌج فَ َخلـوا َ ِ استَطَ ْعتُ ْم ،فَِإ ْن َك َ سلِ ِم َ
ـا فـي َ َ ـام أ ْ ُ سـبيلَ ُه ،فَـإ َّن اإل َم َ ان لَ ُ ين َما ْ َع ِن ُ
الم ْ
ِ 2 َن ي ْخ ِط ِ ِ
وبة». العقُ َ
ا في ُ َخ ْيٌر م ْن أ ْ ُ َ
ص ــيَّة ،ترج ــع إل ــى الحـــديث ي ــذهب جمه ــور الفقه ــاء إلـ ــى اعتب ــار درء الح ــدود بالش ــبهات قاع ــدة َن ِّ
ات ،برواياتـه وألفاظـه ،والـى جملـة مـن األحاديـث تتصـل ود بالشـبه ِ الح ُـد َ
َُ المشهور عندهمْ :اد َرؤوا ُ
ؤيـ ُـدها الع َملَِّيـ ِـة فــي ذلــك ،والــى جملــة مــن اآلثــار عــن الصــحابة -رضــي اهلل عــنهم -كمــا ُي ِّ بالســنة َ
6
ضا َِّيةُ منذ عهد الخالفة الراشدة. ِ
الع َمل ُّي والسوابق القَ َ التطبيق َ
ـال اْل َم ْف َسـ ـ َـد ِة
ـت َّإال ِع ْنـ ـ َـد َكمـ ـ ِ
َ اب ُم ْح ِظـ ـ َـرةٌ فَـ ـ َـال تَثُْبـ ـ ُ
َسـ ـ َـب ٌ
ود أ ْ
ويقــــول العــــز بــــن عبــــد الســــالمَ ":واْل ُحـ ـ ُـد ُ
4 وتَمح ِ
ُّضهَا". َ َ
قال عبدالقادر عودة رحمه اهلل ":من المبادئ العامة المقررة في الشريعة أن الخطأ في العفو خيـر
م ـن الخطــأ فــي العقوبــة ،وأصــل هــذا المبــدأ قــول الرســول عليــه الســالم" :إن اإلمــام أن يخطــئ فــي
العفــو خيــر مــن أن يخطــئ فــي العقوبــة" ،ومعنــى هــذا المبــدأ أنــه ال يص ـ الحكــم بالعقوبــة إال بعــد
التثبــت مــن أن الجــاني ارتكــب الجريمــة ،وأن الــنص المحــرم منطبــق علــى الجريمــة ،فــإذا كــان ثمــة
شك في أن الجاني ارتكـب الجريمـة ،أو فـي انطبـاق الـنص المحـرم علـى الفعـل المنسـوب للجـاني،
وجــب العفــو عــن الجــاني ،أي الحكــم ببراءتــه؛ ألن ب ـراءة المجــرم فــي حــال الشــك خيــر للجماعــة،
5
وأدعى إلى تحقيق العدالة من عقاب البريء مع الشك".
24
المبحث الثاني
31
المطلب األول
أهمية تطبيق الحدود
تنبع أهمية تطبيق الحدود الشرعية من أهمية تطبيق األحكام الشرعية ككل بشكل عام ،وذلك:
-1ألن الحــدود جــزء مــن منظومــة الشـ ار ع االســالمية التــي ُكلفــت بهــا األمــة االســالمية ،فهــي
شريعة ربانية من عند اهلل.
-1وكل ما شرع اهلل عز وجل فإنه يحقق السعادة لبني اإلنسان إذا ما التزموا به في حيـاتهم،
ألنه احتوى على قواعد تنظيم حياة اإلنسان ،ويحقق له السعادة والخير.
-6وفــي المقابــل حــد حــدوداً لحمايــة بنــي اإلنســان ،مــن أن تنتهــك أو يعتــدى علــى أنفســهم أو
أموالهم أو أعراضهم ،وصيانة دار اإلسالم عن الفساد.
-4من هنا نرى أن االسالم قد قرر حقوق اإلنسان ،بل وكفلها وصـانها مـن االعتـداء عليهـا،
منـ ُذ أكثــر مــن أربعــة عشــر قرًنــا مــن الزمــان ،فهــي مقــررة بتقريــر اهلل ســبحانه وتعــالى لهــا،
وليست وضع بشرى.
ـن الطَّ ِّيبـ ِ
ـات ـاه ْم ِمـ َ
ـاه ْم ِفــي ا ْل َبـ ِّـر َوا ْل َب ْحـ ِـر َو َرَزْق َنـ ُ فقــد قــال اهلل تعــالىَ ﴿:ولَقَـ ْـد َك َّرْم َنــا َب ِنــي َ
آد َم َو َح َم ْل َنـ ُ
َ
يال﴾[اإلسراء.]70 : ير ِم َّم ْن َخلَ ْق َنا تَ ْف ِ
ضً اه ْم َعلَى َك ِث ٍ
ض ْل َن ُ
َوفَ َّ
-5فتطبيـق الحـدود لـيس كمــا يـدعي الــبعض ،مـن دعــاة حقـوق اإلنســان ،أنهـا مخالفــة لحقــوق
اإلنسـان ،وفيهــا قســوة شــديدة ،ولكــن الحــق أن تطبيــق الحــدود هــو الضــامن الوحيــد للحفــاظ
على حقوق اإلنسان والمجتمع بأسره.
-3ألن مــن اســتحق العقــاب هــو مجــرم ،أجــرم فــي حــق نفســه أوالً وفــي حــق المجتمــع ،الــذي
يع ــيش في ــه ثانيـ ـاً ،فه ــذا المج ــرم ق ــد خ ــرج ع ــن إنس ــانيته كإنس ــان ،واعت ــدى علـ ـى إنس ــانية
اآلخـرين كمجتمـع ،فبالتـالي وجـب عقابـه ،لكـي يرجـع الـى إنسـانيته مـرة أخـرى ،التـي خـرج
عنها ،ويأمن المجتمع من شره وشر أمثاله ،فبهذا يعيش الفـرد فـي المجتمـع منـاً مطم نـاً،
ال يخشى أن ُيعتدى عليه ،أو على أي حق من حقوقه.
-7وهكذا نرى أن اإلسالم اعتبر االعتداء على الحقوق األساسية جريمة كبرى ،ونص على
عقوبته ــا بم ــا أس ــمي بالح ــدود الش ــرعية ،والح ــدود ه ــي العقوب ــات النص ــية الت ــي ال مج ــال
لالجتهاد فيها.1
- 1أحمد الريسوني ،محمد الزحيلي ،محمد عثمان شبير ،حقوق اإلنسان محور مقاصد الشريعة ،ص.21
31
الحدود رحمة:
اإلسالم ينظر لحقوق اإلنسان على أنها منحة إلهية ،ليست منحة من مخلوق لمخلوق مثلـه ،يمـن
بها عليه إن شاء أو يسلبها منه متى شاء ،بل هي حقوق قررها اهلل له بمقتضى فطرته اإلنسانية،
فهي تتمتع بقدر كاف من الهيبـة واالحتـرام والقدسـية فـال يتجـ أر شـخص علـى انتهاكهـا أو االعتـداء
عليهــا ،وفــي تطبيــق الحــدود الشــرعية علــى المجــرمين خيــر وســيلة للقضــاء علــى الجريمــة ،وخيــر
وسيلة لحفظ الدماء أن تسفك ،والحياة من أن تهدر ،واألعـراض مـن أن تنتهـك ،واألنسـاب مـن أن
ـق
تختلط ،واألموال من أن تضـيع أو تؤكـل بالباطـل ،والعقـول مـن أن تختـل ،وبهـذا يتبـين أن تطبي َ
ِ
الحدود رحمةٌ وحفاظٌ على الفرد والمجتمع ،وليست قسوةً وعذاباً.
في حال التفريط بالحـدود وتركهـا مـع القـدرة عليهـا يوجـب العقوبـة للكافـة ،فالعقوبـة إنمـا كانـت
على التهاون في الحدود عامة.
يقول ابن القيم رحمه اهلل ":وعقوبـات الـذنوب نوعـان :شـرعية وقدريـة ،فـاذا أقيمـت الشـرعية رفعـت
العقوبات القدرية أو خففتها ،وال يكاد الرب تعالى يجمـع علـى عبـده بـين العقـوبتين ،إال إذا لـم ي ِ
ـف
أحــدهما يرفــع موجــب الــذنب ،ولــم يكــن فــي زوال دا ــه ،واذا عطلــت العقوبــات الشــرعية ،اســتحالت
قدرية ،وربما كانت أشد من الشرعية ،وربما كانت دونها ،ولكنهـا تعـم والشـرعية تخـص ،فـان الـرب
تبـارك وتعـالى ال يعاقـب شــرعاً إالَّ مـن باشـر الجنايــة ،أو تسـبب إِليهـا ،وأمــا العقوبـة القدريـة :فإنهــا
تقــع عامـةً وخاصـةً ،فـإن المعصــية إذا خفيــت لــم تضـ َّـر إالَّ صــاحبها ،واذا أعلنــت ضـ َّـرت الخاصــة
والعامة .واذا رأي الناس المنكر فاشتركوا في ت ِ
ـرك إنكـاره ،أَ ْو َشـ َك أن َي ُع َّمهـم اهللُ تعـالى بعقابـه ،وقـد َ
1 ِ
قدر مفسدة الذنب وتقاضي الطبع لها" . ِ تقدم أن العقوبةَ الشرعيةَ شرَعها اهللُ سبحانه علي ِ
لذلك فإن اهلل تعالى أمرنا أن نقيم الحدود على أصحاب المعاصي ،فإذا تخلينـا عـن إقامـة الحـدود
فإن هذه العقوبة الشرعية التي كان من المفـروض أن نقـوم بهـا نحـن ،تتحـول بـإذن اهلل تعـالى إلـى
عقوبة عامة لألمة ،وِان كان الحد الشرعي إنما يتناول العاصي فقط ،فِإن العقوبة تحـل باألمـة إِذا
لم تقم بتطبيق الحـدود ،ولهذا جاء في الحـديث أن النبـي صـلى اهلل عليـه وسـلم لمـا ُكلِّـم فـي المـرأة
المخزومية التي كانت تسرق ،فقالوا :من يكلم فيهـا رسـول اهلل صـلى اهلل عليـه وسـلم إال أسـامة بـن
ض َّل َم ْن قَ ْبلَ ُك ْم ،أ ََّن ُه ْم
اس ،إِ َّن َما َ زيد حبَّه وابن ِحّبه ،فقال :النبي صلى اهلل عليه وسلمَ « :يا أَي َها َّ
الن ُ
الحـدََّ ،و ْاي ُـم اللَّ ِـه ،لَ ْـو أ َّ
َن ِ
ـاموا َعلَ ْيـه َ
َّـع ُ ِ
يف فـي ِه ْم أَقَ ُ
ق الض ِ س َـر َ ق َّ
الش ِر ُ
يف تََرُكـوهَُ ،وِا َذا َ َكا ُنوا إِ َذا َ
س َر َ
ِ ٍ فَ ِ
سلَّ َمَ ،
صلَّى اهللُ َعلَ ْيه َو َ اط َم َة ِب ْن َ
1
ط َع ُم َح َّم ٌد َي َد َها»
س َرقَ ْت لَقَ َ ت ُم َح َّمد َ
32
إذاً يتبين لنا من هذا الحديث ،أن سـبب هـالك َمـ ْن كـان قبلنـا ،ألنهـم عطلـوا الحـدود ،ولـم يقيموهـا
كم ــا أم ــر اهلل تب ــارك وتع ــالى ،وان ك ــانوا يقيم ــون الح ــدود بش ــكل جز ـ ـي عل ــى الض ــعفاء والفقـ ـراء،
ويتركون الشرفاء ،فهذا ظلم وتحايل على الدين ،لذلك عمهم عقاب جمـاعي ،ولقـد كـان هـذا التـرك
ين َكفَ ُـروا ِم ْـن
ـن الَّ ِـذ َ
للشريعة المنزلة سبباً في لعن اهلل لليهود وغضبه عليهم ،كما قال تعـالى { :لُ ِع َ
ون َ )87كـا ُنوا ال يسـى ْاب ِـن َم ْـرَي َم َذلِ َ
ـك ِب َمـا َع َ
ص ْـوا َو َكـا ُنوا َي ْعتَ ُـد َ ان َد ُاوَد َو ِع َ
سِ ِ س َرِائ َ
يل َعلَى ل َ
ِ
َبني إِ ْ
ون [} )87الما دة.]79-78 : اه ْو َن َع ْن ُم ْن َك ٍر فَ َعلُوهُ لَ ِب ْئ َ
س َما َكا ُنوا َي ْف َعلُ َ َيتََن َ
ـر يل ،فيمــا أنــزل علــى داود نبيــه ،عليــه
ففــي اآليــة يخبــر تعــالى :أنــه لعــن الكــافرين مــن بنــي إسـ ا
السـالم ،وعلــى لسـان عيســى ابــن مـريم ،بســبب عصــيانهم هلل واعتـدا هم علــى خلقــه .ثـم بــين حــالهم
ون} اه ْو َن َع ْن ُم ْن َك ٍر فَ َعلُوهُ لَ ِب ْئ َ
س َما َكا ُنوا َي ْف َعلُ َ فيما كانوا يعتمدونه في زمانهم ،فقالَ { :كا ُنوا ال َيتََن َ
أي :كــان ال ينه ـى أحـ ٌـد مــنهم أحـ ًـدا عــن ارتكــاب الم ـ ثم والمحــارم ،ثــم ذمهــم علــى ذل ـك ليحــذر أن
ب مثل الذي ارتكبوا ،فقال{ :لَ ِب ْئ َ
1
ون}.
س َما َكا ُنوا َي ْف َعلُ َ ُي ْرت َك َ
ومعلوم أن أكبر إنكار ونهي عن المنكر هو إقامـة الحـدود التـي هـي بمثابـة الزواجـر عـن ارتكـاب
الفاحشة والظلم في األرض ،ولو أقاموا الحدود لكان هذا أكبر نهي عن المنكر.
فت به ،من تحكيم الشريعة واقامةواألمة االسالمية ليست معصومة من العقاب ،إِذا لم تَقُ ْم بما ُكلَّ ْ
الحدود ،واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر .فالواجب علـى األمـة االسـالمية أن تكـون مسـتقيمة
ثابتــة علــى المــنهج الربــاني القــويم ،وعــدم الميــل أو الركــون الــى المن ـاهج الوضــعية المخالفــة لشــرع
اهلل.
وأنها إن تركت ذلك وركنت إلى الظـالمين فـي شـيء مـن تشـريعهم الباطـل فـإن لعنـة اهلل وعقوبتـه
تحل بهم كما حلت باألمم السالفة.
ـيرَ -وال تَْرَك ُنـوا إِلَـى ـه ِبمـا تَعملُ َ ِ ِ َّ قال تعالى{ :فَاستَ ِقم َكما أ ِ
ـون َبص ٌ اب َم َع َك َوال تَ ْط َغ ْوا إن ُ َ ْ َ ت َو َم ْن تَ َ ُم ْر َ ْ ْ َ
النــار ومــا لَ ُكــم ِمـ ْـن ُد ِ ِ ِ الَّـ ِـذ َ
ون} [هــود-111: صـ ُـر َ ون اللَّــه مـ ْـن أ َْولِ َيـ َ
ـاء ثُـ َّم ال تُْن َ ْ
َّ
س ـ ُك ُم ُ َ َ ين ظَلَ ُم ـوا فَتَ َم َّ
.]111
التحاكم إلى كل ما يخالف شرع اهلل عز وجل ،وتعطيل أحكام الحدود ،ينافي االيمان.
اح ًدا} [التوبـة ]61:أي :الـذي إذا حـرم الشـيء فهـوولهذا قال تعالى{ :وما أُ ِمروا إِال لِيعب ُدوا إِلَها و ِ
ً َ َ ُْ ََ ُ
الحرام ،وما حلله حل ،وما شرعه اتبع ،وما حكم به نفذ.
ـركاء والنظـر ِ
ون} أي :تعـالى وتق َّـدس وتن َّـزه عـن الش ِ
اء واألعـو ِ
ان ش ِـرُك َ {ال إِلَ َه إِال ُه َـو ُ
س ْـب َحا َن ُه َع َّمـا ُي ْ
1
رب سواه.األضداد واألوالد ،الَ إلهَ إالَّ ُه َو ،وال َّ ِ و
33
إِ َّن التحــاكم إلــى شــرع اهلل مــن مقتضــى شــهادة أن ال إلــه إال اهلل ،وأن محمـ ًـدا عبــده ورســوله ،فــإن
التحاكم إلى الطواغيت وما يخالف شرعه ،ينـافي اإليمـان بـاهلل عـز وجـل ،وهـو كفـر وظلـم وفسـق،
ون} [الما دة.]44 : يقول اهلل تعالى{ :وم ْن لَم ي ْح ُكم ِبما أَ ْن َز َل اللَّ ُه فَأُولَ ِئ َك ُهم ا ْل َك ِ
اف ُر َ ُ ََ ْ َ ْ َ
وبين تعالى أن الحكـم بغيـر مـا أنـزل اهلل سـبب مـن أسـباب الفتنـة ،وأن اإلعـراض عـن حكـم اهلل ّ
اح ُكـ ْـم
َن ْتعــالى ســبب لحلــول عقابــه ،وبأســه الــذي ال يــرد عــن القــوم الظــالمين ،يقــول ســبحانهَ { :وأ ِ
ـك فَـِإ ْن ـض َمـا أَ ْن َـز َل اللَّ ُ
ـه إِلَ ْي َ ـوك َع ْـن َب ْع ِ َن َي ْف ِت ُن َ احـ َذ ْرُه ْم أ ْ
اء ُه ْم َو ْ
َه َـو َ ـه َوَال تَتَِّب ْ
ـع أ ْ َب ْي َن ُه ْم ِب َما أَ ْن َـز َل اللَّ ُ
ون )17 اس ـقُ َ ـاس لَفَ ِالنـ ِ ـن َّـر ِمـ َ
ض ُذ ُنــوِب ِه ْم َوِا َّن َك ِثيـ ًاـيب ُه ْم ِبـ َـب ْع ِ ـه أ ْ ِ ـاعلَ ْم أ ََّن َمــا ُي ِريـ ُـد اللَّـ ُ
تََولَّـ ْـوا فَـ ْ
َن ُيصـ َ
ون [ } )05الما دة.]50 - 49 : س ُن ِم َن اللَّ ِه ُح ْك ًما لِقَ ْوٍم ُيوِق ُن َ َح َ
ون َو َم ْن أ ْ َّة َي ْب ُغ َاهلِي ِ أَفَح ْكم ا ْلج ِ
ُ َ َ
34
المطلب الثاني
أثر تطبيق الحدود على الفرد والمجتمع
أساس الحدود في اإلسالم :أنها ضابط يحفظ التوازن بين حقوق الفرد والجماعة معاً.
-1فمــن حــق الفــرد علــى الجماعــة :تحقيــق مصــالحه وحفظهــا ،وصــيانة حياتــه ومقوماتهــا،
والعمل على حمايته ليس فقط من غيره ،بل من نفسه كذلك.
-1وللمجتمع كذلك الحق في صيانة كيانه من كل اعتداء أو مسـاس ،وفـي الحصـول علـى
حياة منة وادعة تتسم بالطهر والعفاف ،وجميع الج ار م التي حرمها اإلسالم إنما هي مـن
النوع الذي لـو تـرك وشـأنه ألدى الضـطراب المجتمـع واشـاعة الفوضـى والقالقـل فيـه ،فـال
بد من رادع يردع من يخرج على هذا القانون اإللهي الذي شرعه المولى عز وجل.
-6وينبغــي أن ُيعلــم أن اإلســالم ال يعتمــد علــى العقوبــة فــي إنشــاء الحيــاة النظيفــة ،بــل إنمــا
يعتمد على الوازع الديني ،ولذلك اإلسالم قبل أن يحـرم الزنـا ،والقـذف ،والشـرب ،والسـرقة،
والقتــل َب َّغـ َ
ض فعلهــا إلــى قلــوب الخلــق ،ونفــرهم وزجــرهم وبــين لهــم المغــرم الــذي لــو أقــدموا
على هذا الذنب لتحملوا نتيجة فعلهم المشين ،وفي القرن والسـنة الـنص علـى هـذه الجـ ار م
وعقوباتها.
-4تكفل اهلل سبحانه وتعالى -وهو العليم بمـا خلـق وبمـا يضـر اإلنسـان ومـا ينفعـه -بتعيـين
هــذه الج ـ ار م ،وتقــدير عقوبــات مناســبة لخطورتهــا ومــدى تأثيرهــا الســلبي علــى حيــاة الفــرد
والمجتمع اإلسالمي بل اإلنساني ككل.
-5لهذا نجـد أن االسـالم اعتنـى عنايـة بالغـة ،فـي إعـداد الفـرد إعـداداً أخالقيـاً فاضـالً َّبنـ ً
اء،
فالفرد هو اللبنة األولى في وحدة وبناء المجتمع ،ففي صالح الفرد صالح المجتمـع الـذي
هو جزٌء منه.
-3فهــذا يؤكــد علــى أن بنــاء الفــرد المســلم علــى العقيــدة واألخــالق اإلســالمية ،هــو مقدمــة
ضرورية ،إلقامة البنيان االجتماعي ،الذي تحتل الحدود فيه مكان الحراسة والحفاظ علـى
مقدســاته .بنــاء الفــرد أوالً ،وبنــاء المجتمــع بمقوماتــه اإلســالمية ثانيـاً ،ثــم يــأتي الــدور إقامــة
الحدود سياجاً ،وتحصيناً ،وتأميناً ،لما تم تشيده ،هذا ما حـدث فـي إقامـة مجتمـع اإلسـالم
1
ألول مرة.
- 1محمد حسين الذهبي ،أثر إقامة الحدود في استقرار المجتمع ،صفحة .13
35
إن إقامــة حــد مــن حــدود اهلل عبــادة هلل تعــالى ورحمــة بــالخلق .بــل أعظــم بكثيــر مــن العبــادات
الفردية ،ألن نفعها جماعي ،وال شك أن العبادات التي يكون نفعها متعد أفضل من العبادات التي
يكون نفعها قاصر على الفرد.
يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية:
"فإن إقامة الحد من العبادات كالجهاد في سبيل اهلل ،فينبغي أن يعرف أن إقامة الحدود رحمة مـن
اهلل بعباده ،فيكون الـوالي شـديدا فـي إقامـة الحـد ال تأخـذه أرفـة فـي ديـن اهلل فيعطلـه ،ويكـون قصـده
رحمة الخلق بكف الناس عن المنكـرات ،ال شـفاء لغيظـه وارادة العلـو علـى الخلـق بمنزلـة الوالـد إذا
أدب ولـده فإنــه لــو كــف عــن تأديــب ولــده -كمــا تشـير بــه األم رقــة و أرفــة -لفســد الولــد ،وانمــا يؤدبــه
رحمة به واصالحا لحاله؛ مع أنه يود ويؤثر أن ال يحوجه إلى تأديب وبمنزلة الطبيب الذي يسقى
الم ـريض الــدواء الكريــه ،وبمنزلــة قطــع العضــو المت كــل ،وقطــع العــروق بالفصــاد ،ونحــو ذلــك بــل
1
بمنزلة شرب اإلنسان الدواء الكريه ،وما يدخله على نفسه من المشقة لينال به الراحة".
قال الزحيلي ":ولقد أثبت التاريخ أن المجتمع اإلسالمي عندما طبق الحدود الشرعية ،عاش مناً
مطم ناً على أمواله وأعراضه ونظامه ،حتى إن المجرم نفسه كان يسعى إلقامة الحد عليه ،رغبة
في تطهير نفسه ،والتكفير عن ذنبه .هذا مع العلم بأن تطبيق القصاص والحدود يتطلب تشدداً
كبي اًر في شروط إثبات الجريمة ،إلى أن قال :إن القسوة على المجرم رحمة عامة للمجتمع في
مجموعه ،حتى يتخلص من الجريمة وخطرها الوبيل ،والتضحية بعدد محدود من المجرمين أهون
كثي اًر من ترك الجريمة تفتك ب الف األبرياء .والشريعة اإلسالمية هي شريعة الرحمة الحقة
بالناس ،واهلل سبحانه أدرى بما يعالج به خطر بعض المجرمين وهو أرحم بهم.
وقد أدى كل هذا إلى أن يكون تطبيق الحد ناد اًر جداً في المجتمع اإلسالمي ،فقطـع اليـد مـثالً فـي
1
السعودية ال يزيد عن حالة واحدة أو حالتين طوال العام".
33
إذن إذا كان المجتمع ال يقوم على أسس إسالمية ،وال يوفر للفرد مقومات الحياة ،يكون هناك من
ـدود بـرغم وجـود هـذه الشـبهات الدار ـة
الشبهات ما يكفي للتوقف في إقامة الحـدود ،واذا أُقيمـت الح ُ
1
لها ،كانت إقامتها مما ال يرضى عنه اهلل ،وال يتسق مع أمره بالعدل واإلحسان.
إن العقوبة إن لم تكن مساوية بالجناية من حيث اكتمالها ،فال يجوز أن تزيد عنها بحال من
األحوال .فإذا ما شابت الجناية شبهة ،فالعقاب عليها بالعقوبة المقررة للجناية الكاملة ظلم وجور،
يأباهما عدل اإلسالم وانصافه.
يقول الكاساني ":وألن َّ
الحد عقوبةٌ متكاملةٌ فتستدعي جنايةً متكاملةً".1
وان كان في إقامة الحـدود مصـلحة ،إال أن الضـرر الـذي يقـع بسـببها علـى مـن تقـام عليـه ضـرر
ظلم ،واهللُ ال يحب الظالمين. ِ ِ
الضرر بدون تأكد موجبه ٌ َ فادح فال يجوز؛ ألن
يقــول الشــوكاني " :وال شـ َّ
ـك أن إقامــة الحـ ِّـد إض ـرٌار بمــن ال يجــوز اإلض ـرار بــه وهــو قبــي عق ـالً
وشرعاً فال يجوز منه إال ما أجازه الشارع كالحدود والقصاص وما أشـبه ذلـك بعـد حصـول اليقـين؛
ألن مجرد الحدس والتهمة والشك مظنة للخطإ والغلط ،وما كان كذلك فال يستباح بـه تـأليم المسـلم
واض ارره بال خالف".6
اإلسالم دين شامل متكامل بعقائده وتشريعاته وأحكامه:
ويجــب علــى المســلمين األخــذ بــه ،والتحــاكم إليــه ،وعــدم التفريــق بــين أحكامــه بحيــث يعمــل بـ ٍ
ـبعض
بعضا وقد ذم اهلل -عز وجل-هذا المسلك. ويترك ً
ون ِب َب ْع ٍ
ض} [البقرة.]85 : ض ا ْل ِكتَ ِ
اب َوتَ ْكفُُر َ كما قال تعالى{ :أَفَتُ ْؤ ِم ُن َ
ون ِب َب ْع ِ
والحــدود جــزء ال تتج ـ أز مــن تشــريعات اإلســالم وقــد شــرعت لحكــم ومقاصــد عظيمــة حيــث يتحقــق
بإقامتهــا المحافظــة علــى الضــروريات التــي جــاءت الش ـريعة بحفظهــا وهــي حفــظ الــدين ،والــنفس،
والعقل ،والعرض ،والمال .واهلل -سبحانه وتعالى-شـرع هـذه الحـدود ،وأمـر بالعـدل وأداء الحقـوق،
ونهى عن الظلم ،وأكل أموال الناس بالباطل.
نتبين من هذا إذا تأسس الفرد والمجتمع إسالمياً ،وتوفرت مقومات الحياة للجميع ،ويعلم الجميع
مــا لــه مــن حقــوق ومــا عليــه مــن واجبــات ،وأنــه ال يجــوز لــه أن يعتــدي علــى غيـره ،بــأي شــكل مــن
أش ــكال االعت ــداء ،وأن يعل ــم أن الجمي ــع أم ــام الش ــرع س ــواء ،فهن ــا أص ــب مجتمعـ ـاً فاضـ ـالً ِقوام ــه
37
األخالق ومتماسك ،فبعد هذا من اعتدى على وحدة المجتمع الفاضل صاحب المنهج اإللهي ،فقد
استحق العقوبة المناسبة لفعله ،المقررة في الكتاب والسنة.
32
النطق بالشـهادتَْي ِن ،للحفـاظ علـى
ُ ثانياً :أصول العبادات من صالة وزكاة وصيام وحج ومن قبلها
الدين خالصاً راسخاً في نفوس العباد.
وذلك فيما يلي:
شرعت الصالة فهي تنهى عن ارتكاب الفواحش والمنكرات ،وفيهـا ذكـر اهلل المهـيمن علـى ُ -1
السـ ّـر والعلــن ،وادامــة ال ـ ّذكر وترطيــب اللســان بــه يشــعر المصــلي بكمــال
كــل شــيء فــي ّ
عظمة اهلل ،وذكر اهلل أكبر من كل شيء في هذا العالم على اإلطالق.
الصـالةَ تَ ْنهـى ع ِـن ا ْلفَ ْح ِ
شـاء تاب َوأ َِقِم َّ
الصالةَ إِ َّن َّ ُوحي إِلَ ْي َك ِم َن ا ْل ِك ِِ
َ قال تعالى{ :ا ْت ُل ما أ َ
ِ ِ
ون} [العنكبوت.]45: َوا ْل ُم ْن َك ِر َولَذ ْك ُر اللَّه أَ ْك َب ُر َواللَّ ُه َي ْعلَ ُم ما تَ ْ
ص َن ُع َ
ِ ِ
ص َـدقَ ًة تُطَ ِّه ُـرُه ْمشرعت الزكاة لطهارة المال وتزكية الـنفس .قال تعـالىُ { :خـ ْذ م ْـن أ َْم َـوال ِه ْم َ ُ -1
َوتَُزِّكي ِه ْم ِب َها} [التوبة.]106 :
شرع الصوم تهذيباً للنفس البشرية وتقويماً لها ،وطريقاً إلعداد النفس لتقـوى اهلل ع ّـز وجـ ّل ُ -6
الس ــر والعل ــن ،ومدرسـ ـةً للص ــبر والجه ــاد ،والص ــيام ل ــيس مفروض ــا عل ــى المس ــلمين
ف ــي ّ
وحدهم ،وانما هو عبادة قديمة مفروضة في مختلف الش ار ع اإللهية.
ين ِم ْن قَ ْبلِ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم
ب َعلَى الَِّذ َ ِ
يام َكما ُكت َ
الص ُ
ب َعلَ ْي ُك ُم ِّ ِ
آم ُنوا ُكت َ قال تعالى{ :يا أَي َها الَِّذ َ
ين َ
ون} [البقرة.]186 /: تَتَّقُ َ
شرع الحج لمنافع دينية ودنيوية واجتماعية وتربوية كثيرة ،دينية بالظفر برضوان اهلل والجنة،
ُ -4
والتجارات ،وتعارف المسلمين ،وليذكروا اسم اهلل ،أي يحمدوه ودنيوية بتحقيق منافع البدن والذبا
ويشكروه ،ويثنون عليه بالتكبير والتسبي .
نافع لَهم وي ْذ ُكروا اسم اللَّ ِه ِفي أَي ٍ
َّام َم ْعلُومات} [الحج.]18: ِ قال تعالى{ :لِ َي ْ
َْ ش َه ُدوا َم َ ُ ْ َ َ ُ
ثالثاً :وجوب الدعوة إلى اهلل واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وذلك بتكوين جماعة منظمة
موحدة ،ال ترهب أحداً ،وتقول الحق ،وترفع الظلم ،وال تخشى في اهلل لومة الئم.
وف وي ْنهو َن ع ِن ا ْلم ْن َك ِر وأ ِ ِ ُم ٌة َي ْد ُع َ ِ قال تعالىَ { :وْلتَ ُك ْن ِم ْن ُك ْم أ َّ
ُولئ َك َ ُ ون ِبا ْل َم ْع ُر َ َ َ ْ َ ْم ُر َون إلَى ا ْل َخ ْي ِر َوَيأ ُ
ُه ُم ا ْل ُم ْفلِ ُحو َن} [ ل عمران.]104:
ـالَ « :مـا ِم ْـن صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم -قَ َ َن رس َ ِ اهلل ْب ِن م ْس ُع ٍ وعن عبِد ِ
ول اهللَ - ضي اهللُ عنه ،-أ َّ َ ُ ودَ -ر ِّ َ َ ْ َْ
س َّـن ِت ِه َوَي ْقتَ ُـد َ
ون اب َيأْ ُخـ ُذو َن ِب ُ
ـح ٌ َص َ
ـونَ ،وأ ْ
اري َ ُم ِت ِـه َح َو ِ
ـه ِم ْـن أ َّ ُم ٍة قَ ْبلِي إَِّال َك َ
ان لَ ُ َن ِب ٍّي َب َعثَ ُه اهللُ ِفي أ َّ
ون ،فَ َم ْـنـون َمـا َال ُي ْـؤ َم ُر َ ـونَ ،وَي ْف َعلُ َ
ـون َمـا َال َي ْف َعلُ َ
ـوف َيقُولُ َ ف ِم ْـن َب ْع ِـد ِه ْم ُخلُ ٌ ِبأ َْم ِرِه ،ثُ َّم إِ َّن َها تَ ْخلُ ُ
34
اه َـد ُه ْم ِب َق ْل ِب ِـه فَ ُه َـو ُم ْـؤ ِم ٌن،
ـان ِه فَ ُه َـو ُم ْـؤ ِم ٌنَ ،و َم ْـن َج َ
اه َد ُهم ِبلِس ِ ِِ
اه َد ُه ْم ِب َيده فَ ُه َو ُم ْؤ ِم ٌنَ ،و َم ْن َج َ ْ َ
َج َ
1
ان َح َّب ُة َخ ْرَد ٍل».
يم ِ اء َذلِ َك ِم َن ِْ
اإل َ س َو َر َ
َولَ ْي َ
وأيضـاً شــرع وســائل لحفــظ الــدين مــن جانــب البقــاء ،لكــي يبقــى مصــاناً مــن عبــث العــابثين ،مــن
المعتدين والمرتدين والمشككين الحاسدين ،وذلك عن طريق:
-1شرع اهلل-سبحانه وتعالى-الجهاد تمكيناً للدين ودرءاً للعدوان وحمايةً للعقيدة.
-1إن اإلسالم ال ُي ْك ِرهُ أحداً على اعتناقه ،بل يكفل حرية العقيدة والتدين وحمايتها ،وهـذا مـن
أهداف الجهاد.
-3حذر اهلل-تبارك وتعالى-عباده المـؤمنين مـن كيـد وحسـد اليهـود لهـم ،وذلـك بأسـاليبهم الخبيثـة،
لردهم من بعد إيمانهم كافرين.
س ًـدا ِم ْـن ِع ْن ِـد أَ ْنفُ ِسـ ِه ْم}
ار َح َ يم ِان ُك ْم ُكفَّ ًاِ ِ ِ قال تعالىَ { :وَّد َك ِثير ِم ْن أ ْ ِ ِ ِ
َهل ا ْلكتَاب لَ ْو َي ُردوَن ُك ْم م ْن َب ْعد إ َ ٌ
[البقرة.]109:
ـه َّ
الن َهـ ِ
ـار آم ُنـوا َو ْجـ َين َ ـزل َعلَـى الَّـ ِـذ َ آم ُنـوا ِبالَّـ ِـذي أُنـ َ
ـاب ِ َهـ ِـل ا ْل ِكتَـ ِ
ـت طَ ِائفَـ ٌة ِمـ ْـن أ ْوقــال تعــالىَ { :وقَالَـ ْ
ون} [ ل عمران.]71: وا ْكفُروا ِ
آخ َرهُ لَ َعلَّ ُه ْم َي ْر ِج ُع َ َ ُ
هــذه الطا فــة مــن يهــود خيبــر ،حاولــت اإلضــالل بالمخادعــة ،فقــالوا لطا فــة مــن أتبــاعهم :من ـوا
بمحمـ ٍـد أول النهــار مظه ـرين أنكــم صــدقتموه ،ثــم اكفــروا خــر النهــار ليظهــر أنكــم كف ـرتم بــه عــن
بصــيرة وتجربــة ،فيقــول المســلمون مــا صــرف ه ـؤالء عنــا إال مــا انكشــف لهــم مــن حقيقــة أمــر هــذا
1
الدين ،وأنه ليس هو الدين المبشر به في الكتب السالفة ففعلوا ذلك.
-1تشريع عقوبة الردة لصيانة وحفظ الدين من الهدم ،لكل من يريد إِثارة الفتن والشكوك ،التي
تتناقض مـع معتقـدات ديـن اإلسـالم ،وبـذلك يرتـدع مـن ُيقـدم علـى مثـل هـذا الفعـل ،ويحفـظ الـدين
على معتنقيه كامالً غير منقوص.
َع َمــالُ ُه ْم ِفــي الــد ْن َيا ـافٌر فَأُولَ ِئـ َ
ـك َح ِبطَـ ْ
ـت أ ْ ـت و ُهــو َكـ ِ ِ ِِ ِ ِ
قــال تعــالىَ { :و َمـ ْـن َي ْرتَــد ْد مـ ْن ُك ْم َعـ ْـن دينــه فَ َي ُمـ ْ َ َ
ون} [البقرة.]117: يها َخالِ ُد َ ِ
ار ُه ْم ف َ اب َّ
الن ِ َص َح ُ
ِ ِ
َو ْاآلخ َرِة َوأُولَئ َك أ ْ
العطف في قوله :فيمت بالفاء المفيـدة للتعقيـب إلـى أن المـوت يعقـب االرتـداد ،ومـن المعلـوم أن
معظم المرتدين ال تحضـر جـالهم عقـب االرتـداد ،فَـُي ْعلم أن المرتـد يعاقـب بـالموت عقوبـة شـرعية،
6
فتكون اآلية دليالً على وجوب قتل المرتد.
41
فخط ــر ال ــردة يه ــدد النظ ــام االجتم ــاعي ف ــي المجتم ــع اإلس ــالمي بالتفك ــك المفض ــي إل ــى الس ــقوط
بالكامل ،فتهدم العقيدة واالخالق وكل فضيلة ،على مستوى الفرد والمجتمع.
الــردة اعتـداء علــى النظــام االجتمــاعي وهــو اإلســالم؛ وألن الــردة معناهــا الكفــر باإلســالم والخــروج
على مباد ه والتشكيك في صحته ،وال يمكن أن يستقيم حال المجتمع إذا وضع نظامه االجتماعي
1
موضع التشكيك والطعن؛ ألن ذلك قد يؤدي في النهاية إلى هدم هذا النظام.
ففي تطبيق حد الردة أثر واضح في الحفاظ على:
-1سالمة االعتقاد ،على المستوى الفردي والمجتمعي.
-1اتساق المسلم مع نفسه ،بتحكيم الشريعة المطهرة من كل نقص.
-6حفظ الدين ،وصيانته في وجه المرتدين ،الخارجين عليه ،المحادين هلل ورسوله.
-4لهــذا الحــد أثــره الواضــح فــي المجتمــع ،وذلــك أنــه يكــون مــؤث اًر فــي التمســك بالــدين؛ ألن
المسلم يشهد أن ال إله إال اهلل وأن محمداً رسول اهلل ،وهي شهادة إقرار على التسليم بكـل
أحكام اإلسالم ،وهو يعلم حين يقر بالشهادة أن من أحكام هـذا الـدين قتلـه إن ارتـد ،فقبـل
وأذعن مختا اًر وحافظ على دينه وازداد تمسكه به.
يقول شيخ اإلسالم" :فإنه لو لـم ُيقتَـل لكـان الـداخ ُل فـي الـدين يخـرج منـه ،فقتلُـه حفـظٌ ألهـل الـدين
وللدين ،فإن ذلك يمنع من النقص ويمنعهم من الخروج عنه".1
-5فــي حــد الــردة إصــالح للمرتــد واســتنقاذه مــن الــردة :أي فا ــدةٌ للمرتــد نفســه ،أال وهــي:
إصالح المرتد ،واستِنقاذه من الردة وال ُكفر ،وارشاده من الضـاللة ،وكفُّـه عـن الـردة ،وحثُّـه
على اإليمان.
التمرد
-3في إقامة حد الردة ردع المجتمع عن الردة :خاصة َمن تتوافَر لديه دوافع الكفر ،و ُّ
حد اهلل إذا ما وقَع في الكفر. فيد األمة ستُ ِ
الحق من َيرتد وتطبِّق عليه َّ على الشرعُ ،
حد الردة فيـه تحقيـق العدالـة؛ إذ ح ُّ
ـق اهلل مـن -7في إقامة حد الردة تحقيق العدالة :وتطبيق ِّ
ك اإلنسـان الـذي ارت َّـد دون
األمور الواجبة االحترام ،ومن ثَم فليس من العدل في شيء تَْر ُ
وتشجيعا للناس على الردة.ً حق اهلل، أن َيناله ُّ
أشد العقاب؛ فإن في ذلك إجحافًا في ِّ
-8في حد الـردة باعـث علـى التـأني والتثبـت قبـل دخـول اإلسـالم" :ومـن حكمـة اإلسـالم أن
ُيعلِن ُح ْكـم الـردة لمـن أراد أن يـؤمن ،نقـول لـهِ :ق ْ
ـف قبـل أن تـدخل اإلسـالم ،اعلـم أنـك إن
41
اجعت عنـه وارتـددت ،قتْلنـاك ،وهـذا الحكـم يضـعُ العقبـة أمـام ال ارغـب فـي اإلسـالم حتـى تر َ
يفكر أوالً ،وال ِ
يقدم عليه إال على بصيرة وبيِّنة".1 ِّ
زجــر لمــن يريــد الــدخول فــي اإلسـالم ثــم يخــرجِ ،
وباعــث لــه علــى ُّ
التثبــت فـي أي :إن ح َّـد الــردة فيــه ْ
األمر؛ فال ُي ِقدم على الدخول في اإلسالم إال على بصيرة وبينة.
42
وجـــه الداللـــة :أن الــزواج يــة مــن يــات اهلل-ســبحانه وتعــالى-الــذي يعتبــر أســاس نظــام النــاس،
وأساس التناسل والتكاثر لعمارة األرض ،وغيرها من المعاني التي ال يدركها إال متأمل ذو بصيرة.
-1حث الشـرع علـى الـزواج ،لمـا فيـه مـن حفـظ الـنفس بـالنظر إلـى الحـرام ،وذلـك بغـض البصـر،
وحفظها من ارتكاب الفاحشة ،وذلك بأحصان الفرج.
ـاءةَ َف ْل َيتَ َـزَّو ْج،
الب َ
اع َ ابَ ،م ِـن ْ
اسـتَطَ َ الش َـب ِ
ش َر َّ ويتجلى هذا بقوله-صلى اهلل عليه وسلمَ « :-يا َم ْع َ
ستَ ِط ْع فَ َعلَ ْي ِه ِب َّ
الص ْوِم فَِإ َّن ُه لَ ُه ِو َج ٌ
ِ ِ
فَِإ َّن ُه أَ َغض ل ْل َب َ
ص ِر َوأ ْ
1
اء» ص ُن ل ْلفَ ْر ِجَ ،و َم ْن لَ ْم َي ْ
َح َ
-3نهى الشرع عن االقتراب من فاحشة الزنا ،وعن كل المقدمات والوسا ل الموصلة لها.
س ِبيالً} [اإلسراء.]61: كان ِالزنى إِ َّن ُه َ
قال تعالىَ { :وال تَ ْق َرُبوا ِّ
ساء َ
ش ًة َو َفاح َ
النهي عن قرب الزنى ،وهـو يتضـمن النهـي ،فلـم يقـل سـبحانهَ :ال تزنـوا ،بـل قـالَ :ال تقربـوا ،وهـذا
1
يتضمن النهي عن الزنى وعن كل ما يؤدي -أو يظن أنه يؤدي -إليه ،كالقبلة والمالمسة...
بعد كل ما سبق من التحذيرات التي تنهى عن االقتراب من فاحشة الزنا ،أو كل ما يفضي اليها.
وبعد كل الدعوات إلى الوسا ل والسبل ،الواقية من االنزالق في مستنقع الفاحشة والرذيلة.
ـي عن ــه ،ولكن ــه ي ــأبى إال
ث ــم ي ــأتي م ــن يقف ــز م ــن ف ــوق ه ــذه الج ــدران ،وينته ــك الحـ ـرام ،ال ــذي ُنه ـ َ
العصيان ،ويأبى اهلل إال أن يذل من عصاه ،وذلك بالعقوبة التي يستحقها العاصي.
فهنــا يــأتي الــدور العالجــي :فــي العقوبــة الرادعــة ال ازج ـرة ،لكــل مــن يقتــرف فعلهــا ،أو مــن يفكــر
االقتراب منها.
وبهذا تحفظ حصون األسرة والمجتمع ،صافية ،نقية ،سليمة من أي اعتداء يهددها بأي سوء.
شــرعت عقوبــة الزنــا ،لمــا فيهــا مــن فحــش ،واضــعاف لقــوة األمــة ،واردا هــا فــي مهــاوي ومــن هنــا ُ
اح ٍـد ِم ْن ُهمـا ِم َائـ َة َج ْل َـد ٍة َوال
اجلِ ُـدوا ُك َّـل و ِ
الزِانـي فَ ْ
الزِان َيـ ُة َو َّ
الهلكة شدد اهلل تعـالى عقوبتهـا ،فقـالَّ { :
طائفَـ ٌة ِم َ
ـن شه ْد عـذابهما ِ ِ ِ
ون ِباللَّه َوا ْل َي ْوِم ْاآلخ ِر َوْل َي ْ َ َ َ ُ ين اللَّ ِه إِ ْن ُك ْنتُ ْم تُ ْؤ ِم ُن َ
تَأْ ُخ ْذ ُك ْم ِب ِهما َأْرفَ ٌة ِفي ِد ِ
ين} [النور.]1: ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ
هــذا الحكــم فــي ال ازنــي والزانيــة البك ـرين ،أنهمــا يجلــد كــل منهمــا ما ــة جلــدة ،وأمــا الثيــب ،فقــد دلــت
السنة الصحيحة المشهورة ،أن حده الرجم ،ونهانا تعالى أن تأخذنا رأفة [بهما] في دين اهلل ،تمنعنا
مــن إقامــة الحــد علــيهم ،سـواء أرفــة طبيعيــة ،أو ألجــل ق اربــة أو صــداقة أو غيــر ذلــك ،وأن اإليمــان
موجب النتفـاء هـذه ال أرفـة المانعـة مـن إقامـة أمـر اهلل ،فرحمتـه حقيقـة ،بإقامـة حـد اهلل عليـه ،فـنحن
- 1البخاري ،صحيح البخاريِ ،كتَابُ النِّكَاحِ ،بَابُ َم ْن لَ ْم يَ ْست َِطعِ البَا َءةَ فَ ْليَ ُ
ص ْم ،3/7 ،حديث(.)5133
- 2أبو زهرة ،زهرة التفاسير.4375/2 ،
43
وان رحمنــاه لجري ــان الق ــدر علي ــه ،فــال نرحم ــه م ــن ه ــذا الجانــب ،وأم ــر تع ــالى أن يحض ــر ع ــذاب
1
الزانيين طا فة ،أي :جماعة من المؤمنين ،ليشتهر ويحصل بذلك الخزي واالرتداع.
-1إن في إقامة حد الزنا حفاظ على صحة المجتمع ،وليس عنا ببعيد ما يعيشه العالم اليوم
من أمراض فتاكة بـالمجتمع مـن الزهـري ،والسـيالن ومـرض العصـر الخطيـر اإليـدز الـذي
اق ــض مض ــاجع الع ــالم الغرب ــي الي ــوم وأص ــب يه ــدد الماليـ ـين م ــنهم وذل ــك بس ــبب انتش ــار
الفاحشــة بيــنهم ،يقــول الــدكتور نيكــول( :إن المشــكلة التــي تواجهنــا اليــوم ،هــي تبــدل قيمنــا
األخالقيــة الت ــي ش ــجعت وتش ــجع عل ــى إقامــة العالق ــات الجنس ــية المحرم ــة ،وه ــذه ب ــدورها
سببت ازدياداً حاداً في إصابات األمراض الجنسية).1
-1الحفاظ على األخالق اإلسالمية :االستقامة ،والعفاف ،والطهر ،وحسن المظهر العام.
-6تعليم األمة أفرداً وجماعات ،وتربيتها على حب الفضيلة ،وكراهية الرذيلة ،وبغض أهلها.
-4الردع الحاسم بعقوبة تكافئ جريمة مقيتة ،حمل عليها سعار الشهوة البهيمية ،دون مراعاة
لكرامة اإلنسان ،المميز على غيره ،أو احترام لنظام الشريعة.
وكانت حكمة الشريعة عظيمة في سن هذه العقوبة الرادعة للجاني ،حتى ال يعاودها ،والزاجرة
لغيره ،عن االقتراب من هذه الفاحشة.
-5وبتنفيذ هذا الحد تحفظ األعراض ،وتصان األنساب ،وتؤدى الحقوق ،ويسلم المجتمع.
-3استقرار األسر وحمايتها من التشرد ،وطهارة المجتمع.
- 1المرجع السابق.
-2فضل الهي ،التدابير الواقية من الزنا في الفقه االسالمي ص.52
44
ثالثاً :حد القذف وأثر تطبيقه على الفرد والمجتمع.
شرعت عقوبـة القـذف ،ألن فيـه تجـري لألعـراض ،وتلويـث للسـمعة ،واشـاعة للسـوء والشـكوك فـيُ
جو األسر ،وتلك حاالت تهدد البيوت باالنهيار.
تعطيــل عقوبــة القــذف معنــاه إباحـة االعتــداء علــى نظــام األسـرة حيــث إن القــذف هنــا قاصــر علــى
األعراض والذي يمس األعراض يشكك في صحة نظام األسرة ...كـما يـترتب على القـذف إشــاعة
الفـاحشـة فـما ترامى النـاس بها إال شاع فعلها بينهم فإن القول يسهل الفعـل.
ـيم ِفـي الــد ْن َيا ين آم ُنـوا لَهــم عـ َذ ِ
اب أَلـ ٌ
ُْ َ ٌ
اح َ ِ َّ ِ
شـ ُة فـي الــذ َ َ
َن تَ ِشـيع ا ْلفَ ِ
َ ين ُي ِحبـ َ
ـون أ ْ قـال تعــالى{ :إِ َّن الَّ ِـذ َ
ون}[ .النور.]19 : و ِ
اآلخ َرِة َواللَّ ُه َي ْعلَ ُم َوأَ ْنتُ ْم ال تَ ْعلَ ُم َ َ
وقد حذر الشرع من الخوض في أعـراض المسـلمين ،ألن فيـه إيـذاء واضـرار بهـم ،ممـا يسـتوجب
سخط اهلل عز وجل.
سـ ُـبوا فَقَـ ِـد ْ
احتَ َملُـوا ُب ْهتَا ًنــا َوِاثْ ًمــا ِ ون ا ْل ُمـ ْـؤ ِم ِن َ
ين َوا ْل ُم ْؤ ِم َنــات ِب َغ ْيـ ِـر َمــا ا ْكتَ َ {والَّـ ِـذ َ
ين ُيـ ْـؤُذ َ قــال تعــالىَ :
ُم ِبي ًنا} [األحزاب.]58:
ص لَهُ ْـمَ ،و َهـ َذا ُه َـو يل اْل َع ْي ِب والتََّنقُّ ِ ون ِإلَ ْي ِهم ما ُهم ُبرء ِم ْنهُ لَم َي ْعملُوه ولَم َي ْفعلُوهَ ،علَى سبِ ِ َيَ :ي ْن ُسُب َأْ
َ َ ْ َ َُْ َ ُ ْ َ ْ َ
1
ِّن.
ت اْل َبي ُ
اْلُب ْه ُ
سـلِ ُم َمـ ْـنالم ْ ـالُ « : صـلَّى اهللُ َعلَ ْيـ ِـه َو َسـلَّ َم قَ َ ـي َ النبِ ِّ
وعـن عبـد اهلل بـن عمــرو رضـي اهلل عنهمـاَ ،ع ِـن َّ
اج ُر َم ْن َه َج َر َما َن َهى اللَّ ُه َع ْن ُه».1 س ِان ِه َوَي ِد ِهَ ،والم َه ِ سلِم المسلِم َ ِ ِ
ون م ْن ل َ
ُ ََ ُْ ُ
وقَ ،وِقتَالُ ُه ُك ْفٌر» .
6
س ٌ وقال النبي صلى اهلل عليه وسلمِ « :سباب الم ِِ
سلم فُ ُ َ ُ ُْ
مــن هنــا تــأتي حكمــة الشــارع الحكــيم الخبيــر بمــا يصــلح عبــاده ،للمعتــدي :العقوبــة الرادعــة لــه،
الزاجرة لغيره ،والمعتدى عليه ويشمل الفرد والمجتمع :رد األذى وما يلحق به من أضرار.
اء ــم لَــم ي ـأْتُوا ِبأَربع ِ ِ فــنص علــى حــد القــذف بقولــه تعــالىَ { :والَّ ِــذ َ
ــه َد َ
ش َ ــة ُ ََْ ص ـ َنات ثُ َّ ْ َ ــون ا ْل ُم ْح َ
ين َي ْرُم َ
ون} [النور.]4: ادةً أَب ًدا وأُولَ ِئ َك ُهم ا ْلفَ ِ
اسقُ َ وه ْم ثَ َم ِان َ
اجلِ ُد ُ
ُ ش َه َ َ َ ين َج ْل َدةً َوَال تَ ْق َبلُوا لَ ُه ْم َ فَ ْ
وجه الداللة :بيان حكم قذف المحصنة وهي الحرة البالغة العفيفة ،وهو الجلد ثمانين جلدة،
وكذلك إن كان المقذوف رجالً يجلد قاذفه أيضاً ،ولكن إن أقام القاذف بينة على صحة قولهُ ،رد
عنه الحد ،وذلك أن يأتي أربعة شهود رجال عدول ،يشهدون بذلك صريحاً ،فإذا لم يقم القاذف
بينة على صحة قوله وجب في حقه ثالثة أحكام:
األول :أن يجلد ثمانين جلدة.
ف ال ُم ْؤ ِم ِن ِم ْن أَ ْن يَحْ بَطَ َع َملُهُ َوهُ َو الَ يَ ْش ُع ُر ،14/1 ،حديث(.)42 ِ وْ َ
خ ابَُ ب السابق، المرجع - 3
45
الثاني :أن ترد شهادته دا ما.
1
الثالث :أن يكون فاسقًا ليس بعدل ،ال عند اهلل وال عند الناس.
وهكذا نجد أن الشرع وضع حداً رادعاً مؤلماً ،لمن يعتدي علـى أعـراض النـاس ،وأيضـاً ازجـ اًر لمـن
يفكــر بقــذف إنســان ليحق ـره ويشــوه ســمعته ،تــذكر أن هنــاك عقوبــة بدنيــة :الجلــد ،ونفســية :وتتمثــل
بســقوط عدالتــه وفســقه ،وبالتــالي ســقوطه مــن نظــر المجتمــع ،فـإذا عــرف هــذا فلــن يقــدم علــى ذلــك
الفعل أبداً إال شاذ.
43
رابعاً :حد الخمر وأثر تطبيقه على الفرد والمجتمع.
شرع حد الخمر ألن اإلسالم حرم االعتداء على العقول ،ألنها مناط التكليف والتميز بين الحـالل ُ
والحـ ـرام ،والخط ــأ والصـ ـواب ،فله ــذا جع ــل الش ــارع الكـ ـريم عقوب ــة لم ــن يعت ــدي عل ــى ه ــذه النعم ــة
العظيمة ،التي وهبها-سبحانه وتعالى-للبشر تمي اًز لهم عن باقي مخلوقاته من البها م والجمادات.
وألن الذي يقدم على تعطيل هذه المنحة االلهية ،فإنـه بـذلك يضـر بنفسـه أوالً ،وبـالمجتمع المحـيط
المفَتِّـرات، َّ
بــه ثانيـاً ،ولهــذا حمــى الشــرع العقــول ،فحـ َّـرم شــرب المســكرات بأنواعهــا وكــل المخــدرات و ُ
س ِم ْـن الم ِر ْج ٌ األز ُ
اب َو ْ ص ُ
ِ
آم ُنوا إِ َّن َما ا ْل َخ ْم ُر َوا ْل َم ْيس ُر َواأل ْن َ قليلها وكثيرها .قال تعالىَ {:يا أَي َها الَِّذ َ
ين َ
ـاء
ض َ َن ُيوِق َ
ـع َب ْيـ َن ُك ُم ا ْل َع َـد َاوةَ َوا ْل َب ْغ َ ان أ ْ يـد َّ
الش ْـيطَ ُ اجتَِن ُبوهُ لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلِ ُح َ
ـون إِ َّن َمـا ُي ِر ُ ان فَ ْ َع َم ِل َّ
الش ْيطَ ِ
الص ِ
ص َّد ُك ْم َع ْن ِذ ْك ِر اللَّ ِه َو َع ِن َّ ِ ِ
ون }[الما دة.]90،91:
الة فَ َه ْل أَ ْنتُ ْم ُم ْنتَ ُه َ في ا ْل َخ ْم ِر َوا ْل َم ْيس ِر َوَي ُ
وقد نهى النبي-صلى اهلل عليه وسلم-عن شرب الخمر ،ألنها أم الخبا ث ومفتاح كل شر
فعن أبي الدرداء قال :أوصاني خليلي -صلى اهلل عليه وسـلم":-ال تشرب الخمر فإنها مفتاح كـل
شر".4
ففي شرب الخمر فقدان الشعور وتغييب العقل واإلدراك عند الشارب ،واذا فقـد الشـارب شـعوره فقـد
أصب على استعداد الرتكاب جميع الج ار م ،لذلك فإن شرب الخمر مفتاح كل شر.
وتح ـريم الخمــر يتفــق مــع تعــاليم االســالم التــي تســتهدف إيجــاد شخصــية قويــة فــي جســمها ونفســها
وعقلها ،وما من شـك فـي أن الخمـر تضـعف الشخصـية وتـذهب بمقوماتهـا ،وال سـيما العقـل ،يقـول
الخمر تَ ْفع ُل بِالعقُ ِ
ول. ُ اك َ ْ ُ َ َك َذ َ ض َّل َع ْقلِي
الخمر َحتَّى َ
َ أحد الشعراءَ :ش ِرْب ُ
ت
واذا ذهب العقل تحول المرء إلى حيوان شرير ،وصدر عنه من الشر والفساد ما ال حد له،
1
فالقتل ،والعدوان ،والفحش ،وافشاء االسرار ،وخيانة االوطان من ثار شرب الخمر.
والخمر توهن البدن وتجعله أقل مقاومة وجلدا في كثير من االمراض مطلقا ،وهي تؤثر في جميع
أجهزة البدن ،وخاصة في الكبد ،وهي شديدة الفتك بالمجموعة العصبية ،ومن أعظم دواعي
الجنون والشقاوة واالجرام ،ال لمستعملها وحده ،بل وفي أعقابه من بعده ،وهي جرثومة االفالس
6
والمسكنة والذل ،وما نزلت بقوم إال أودت بهم :مادة ومعنى ،بدناً وروحاً ،جسماً وعقالً.
- 1القزويني ،سنن ابن ماجه ،كتاب األشربة ،باب الخمر مفتاح كل شر ،1114/2 ،حديث( .)3371صححه األلباني.
- 2سيد سابق ،فقه السنة.371/2 ،
- 3المرجع السابق.373/2 ،
47
أثر تنفيذ حد الخمر في إصالح الفرد والمجتمع
من ذلك:
-1حماية العقول ،وعدم تعطيلها.
-1حفظ الكيان األسري ،من التفكك ،واالنهيار ،وضياع األوالد.
-6حفظ المال ،من إضـاعته فـي شـراء الخمـر ،ومـن تبديـده ،وصـرفه فـي غيـر وجـه حـق ،بسـبب
غياب العقل.
-4حف ــظ األمان ــات ،وع ــدم إفش ــاء األسـ ـرار ،واس ــتخدام األع ــداء للمخم ــورين ،ف ــي معرف ــة بع ــض
الخبايا ،واألسرار.
-5الكف عن ج ار م عديدة ،تقود إليه الخمر ،فهي حقاً أ ُّم الخبا ث.
-3الحفاظ على الصحة النفسية ،والجسمية ،لألفراد ،والجماعات.
-7عدم تبديد الوقت ،وتضييعه.
-8مضاعفة االنتاج ،بتوظيف الطاقات العاملة في المجتمع.
42
خامساً :حد السرقة وأثر تطبيقه على الفرد والمجتمع.
حرمة التعدي على المال:
اهـتم اإلســالم بــاألموال اهتمامــا عظيمــا ،وحماهــا حتـى جعــل المــال شـقيق الــروح ومسـاويا لهــا فــي
َن َي ْح ِق َـر أ َ
َخـاهُ الش ِّـر أ ْـن َّ ام ِـر ٍ ِم َ س ِـب ْ الحرمـة؛ فقد ثبت عنه صلى اهلل عليه وسلم أنـه قـالِ « :ب َح ْ
1
ض ُه». امَ ،د ُم ُهَ ،و َمالُ ُهَ ،و ِع ْر ُ ا ْلمسلِمُ ،كل ا ْلمسلِِم علَى ا ْلم ِِ
سلم َح َر ٌ
ُْ ُْ َ ُْ َ
ام َعلَـ ْـي ُك ْمَ ،ك ُح ْرَمـ ِـة َيـ ْـو ِم ُك ْم َهـ َذا ِفــي ِ
وقــال أيضــا فــي خطبتــه المشــهورة« :إِ َّن د َمـ َ
ـاء ُك ْم َوأ َْمـ َـوالَ ُك ْم َحـ َـر ٌ
1
ش ْه ِرُك ْم َه َذاِ ،في َبلَِد ُك ْم َه َذا».
َ
وقد نهى اإلسالم عن جريمة السرقة وحذر منها ،وتحريمها ثابت في كتاب اهلل تعالى وسنة
رسوله ،واجماع السلف الصال ،وليس هذا محل تفصيله.
وقد رتـب اهلل سـبحانه وتعـالى عليهـا حـد قطـع اليـد؛ ممـا يـدل علـى أن فاعلهـا قـد ارتكـب كبيـرة مـن
الكبا ر ،وفعل جرما.
ـن اللَّـ ِـه َواللَّـ ُ
ـه َع ِزيـ ٌـز ـاال ِمـ َ اء ِب َمــا َك َ
سـ َـبا َن َكـ ً ِ
ط ُعوا أ َْيــد َي ُه َما َجـ َـز ً السـ ِ
ـارقَ ُة فَــا ْق َ ق َو َّ السـ ِ
ـار ُ فقــال تعــالىَ { :و َّ
يم} [الما دة.]68: ِ
َحك ٌ
الحكمة من قطع يد السارق :إن مما ال شك فيه أن قطع اليد في السرقة عقوبة لها أثرها في
القضاء على هذه الجريمة.
والشــريعة اإلســالمية المحكمــة تهــدف مــن وراء ذلــك إلــى حمايــة الجماعــة وحفظهــا ،حتــى تقضــي
قضاء تاما على خطر يهدد الناس في أموالهم ،وما يتبع ذلك من ترويع واشاعة الفوضى.
أن القسوة والشـدة ليسـت شـ ار دائمـا ،لـذلك كـان مـن العـدل الضـرب بشـدة علـى يـد مـن ال ي ارعـي
مصــلحة الجماعــة ،ومــن ال يــرحم النــاس ال يرحمــه اهلل ،فالعــدل كــل العــدل أن يعاقــب مــن يســتحق
العقاب ،وليس أجدر بـذلك النـوع مـن العقـاب إال المجرمـون الـذين تقتضـي طبيعـة جـ ار مهم أن تـتم
في الخفاء الذي يترك الرهبة والرعب الشديد في نفوس الناس.
س َبا َن َك ًاال ِم َن اللَّ ِه } [الما دة.]68:
اء ِب َما َك َ
وقد قال اهلل تعالى بعد تقرير عقوبة السرقةَ { :ج َز ً
فــإن هــذا الــنص يــدل علــى أن العقوبــة مكاف ــة ومســاوية للجريمــة بكــل ثارهــا الناتجــة عنهــا ،ممــا
تحدثه السـرقة مـن ترويـع وافسـاد ،مـن أجـل ذلـك شـدد الشـارع فـي تلـك العقوبـة حتـى يتحقـق الزجـر
ويعم األمن في المجتمع.
ب ،بَابُ تَحْ ِر ِيم ظُ ْل ِم ْال ُم ْسلِ ِمَ ،وخَ ْذلِ ِهَ ،واحْ تِقَ ِ
ار ِه َو َد ِم ِهَ ،و ِعرْ ِ
ض ِهَ ،و َمالِ ِه،1423/4 ، - 1مسلم ،صحيح مسلم ،كتاب ْالبِ ِّر َوالصِّ لَ ِة َو ْاْل َدا ِ
حديث (.)2534
صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ،223/2 ،حديث (.)1212 - 2مسلم ،صحيح مسلمِ ،كتَابُ ْال َحجِّ ،بَابُ َح َّج ِة النَّبِ ِّي َ
44
قـــال العـــز بـــن عبـــد الســـالم ":مــن أمثلــة األفعــال المشــتملة علــى المصــال والمفاســد مــع رجحــان
مص ـالحها علــى مفاســدها قطــع يــد الســارق ،فإنــه إفســاد لهــا ولكنــه ازجــر حــافظ لجميــع األم ـوال،
1
فقدمت مصلحة حفظ األموال على مفسدة قطع يد السارق".
وقال ابن القيم ":ومن المعلوم أن عقوبة الجناة والمفسدين ال تتم إال بمؤلم يردعهم ويجعل الجاني
نكاال وعظة لمن يريد أن يفعل مثـل فعلـه ،وعنـد هـذا فـال بـد مـن إفسـاد شـيء منـه بحسـب جريمتـه
1
في الكبر والصغر والقلة والكثرة".
51
سادساً :حد الحرابة وأثر تطبيقه على الفرد والمجتمع.
الحرابة تسمى قطع الطريق عند أكثر الفقهاء "وهي البروز ألخذ مـال ،أو لقتـل ،أو إلرعـاب علـى
1
سبيل المجاهرة مكابرة ،اعتمادا على القوة مع البعد عن الغوث".
وعرفها التويجري ":هي التعرض للناس وتهديدهم بالسالح في الصحراء أو البنيان ،في البيوت أو
1
وسا ل النقل ،من أجل سفك دما هم ،أو انتهاك أعراضهم ،أو غصب أموالهم ونحو ذلك".
ويدخل في حكم الحرابة كل ما يقع من ذلك في الطرق والمنازل ،والسيارات والقطارات ،والسفن
والطا رات ،سواء كان تهديداً بالسالح ،أو زرعاً للمتفجرات ،أو نسفاً للمباني ،أو حرقاً بالنار ،أو
أخذاً لرها ن .وكل ذلك محرم ،ومن أعظم الج ار م؛ لما فيه من ترويع الناس ،واالعتداء على
6
أنفسهم وأعراضهم وأموالهم بغير حق.
الحرابـــة مـــن الكبـــائر ،وه ــي م ــن الح ــدود باتف ــاق الفقه ــاء ،وس ــمى الق ــرن مرتكبيه ــا :مح ــاربين هلل
ورس ــوله ،وس ــاعين ف ــي األرض بالفس ــاد ،وغل ــظ عقوبته ــا أش ــد التغل ــيظ ،واألص ــل فيه ــا ،قـــول اهلل
َن ُيقَتَّلُ ـوا أ َْوـادا أ ْ
سـ ًض فَ َ سـ َـع ْو َن ِفــي ْاأل َْر ِ
ســولَ ُه َوَي ْ ون اللَّـ َ
ـه َو َر ُ ـارُب َ اء الَّـ ِـذ َ
ين ُي َحـ ِ ســبحانه { :إِ َّن َمــا َجـ َـز ُ
ي ِفـي الـد ْن َيا َولَ ُه ْـم ِ ف أَو ي ْنفَوا ِم َن ْاألَر ِ ِ
ض َذل َك لَ ُه ْـم خ ْـز ٌ ْ
ِ ِ ٍ ِ
صلَّ ُبوا أ َْو تُقَطَّ َع أ َْيدي ِه ْم َوأ َْر ُجلُ ُه ْم م ْن خ َال ْ ُ ْ
ُي َ
ِ ِ ِ
يم} [الما دة.]66: اب َعظ ٌ في ْاآلخ َرِة َع َذ ٌ
يجب مالحظة أن فعل المحاربة أضيف إلى اهلل تعالى ورسوله صلى اهلل عليه وسلم تعظيما للفعل
واشــعا ار بأهميــة األمــة اإلســالمية ،وأن محاربتهــا بمثابــة محاربــة اللّــه والرســول ،ألن األمــة منتســبة
اليهما.
فمحاربــة اهلل ورســوله هــي عــدم اإلذعــان لدينــه وشــرعه فــي حفــظ الحقــوق ،ومــن ثــم وجــب علــى
اإلمام الذي يقيم العدل ويحفظ النظام أن يقاتلهم على ذلك ،ومن رجع منهم في أي وقت يقبل منه
ويكــف عنــه ،ولكــن إذا امتنع ـوا علــى اإلمــام العــدل المقــيم للشــرع ،وعث ـوا إفســادا فــي األرض ،كــان
جزاؤهم ما بينه اهلل في ية المحاربة السابقة.
وجريمــة الح اربــة إن اقتصــرت علــى السـرقة فهــي اعتــداء علـى نظــام الملكيــة الفرديــة ،وان صــحبها
القتل فهي أيضاً اعتداء على حياة األفـراد ،وان اقتصـرت علـى ترويـع المجنـي عليـه ،فهـي اعتـداء
علـى أمــن المجتمــع ،واالعتـداء علــى حيــاة األشـخاص وأمــنهم هــو اعتـداء علــى النظــام االجتمــاعي
51
وعلى نظام الحكم؛ وال يحمي األفراد ويمنع االعتداء على حياتهم وأمنهم إال تقرير العقوبة الرادعة
على هذا االعتداء.1
52
سابعاً :حد البغي وأثر تطبيقه على الفرد والمجتمع.
1
البغاة ":وهم القوم الذين يخرجون على االمام بتأويل سا غ ولهم منعة وشوكة".
والفقهاء ال يخرجون في الجملة عن هذا المعنى ،فقد عرفوا البغاة بـأنهم :الخـارجون مـن المسـلمين
عن طاعة اإلمام الحق بتأويل ،ولهم شوكة.
وهــو بمعنــى إعــالن ف ــة أو جماعــة مســلمة لهــا قــوة ومنعــة وبتأويــل مشــروع (أي مبــرر أو باعــث
سياســي) ،العصــيان المســل علــى الســلطة الشــرعية ،أو االمتنــاع عــن أداء الحقــوق الشــرعية لهــا،
بهدف إسقاطها أو تغييرها.
ـن ا ْل ُم ْـؤ ِم ِن َ
ين ـان ِم َ
تعاقب الشريعة على البغي بالقتـل ،واألصـل فـي ذلـك قولـه تعـالىَ { :وِان طَ ِائفَتَ ِ
ِ ِ ِ ِ َصلِ ُحوا َب ْي َن ُه َما فَِإن َب َغ ْت إِ ْح َد ُ
ُخ َـرى فَقَـاتلُوا الَّتـي تَ ْبغـي َحتَّـى تَف َ
ـيء إِلَـى أ َْم ِـر اه َما َعلَى األ ْ اقْتَتَلُوا فَأ ْ
اللَّ ِه} [الحجرات.]9 :
وعــن عبــد اهلل بــن عمــرو بــن العــاص-رضــى اهلل عنهمــا :-أنــه ســمع رســول اهلل صــلى اهلل عليــه
ص ـ ْفقَ َة َيـ ِـد ِهَ ،وثَ َمـ َـرةَ َق ْل ِبـ ِـهَ ،ف ْل ُي ِط ْعـ ُ
ـه إِ ِن َعطَــاهُ َ
امــا فَأ ْ وســلم فــي حــديث طويــل ومنــهَ ":ومـ ْـن َبـ َ ِ
ـاي َع إ َم ً َ
ق ْاآل َخ ِر" . اض ِرُبوا ُع ُن َ آخ ُر ُي َن ِ اع ،فَِإ ْن َج َ
1
از ُع ُه فَ ْ اء َ استَطَ َ
ْ
ـات،3
ـات َو َه َن ٌ
ون َه َن ٌ صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َمَ ،يقُـو ُل« :إِ َّن ُ ال :س ِمعت رس َ ِ
سـتَ ُك ُ
ـه َ ول اهلل َ وعن عرفجة ،قَ َ َ ْ ُ َ ُ
ـان» .4وفـي روايـة: ف َك ِائ ًنا َم ْن َك َ
الس ْي ِ
اض ِرُبوهُ ِب َّ ُم ِة َو ِه َي َج ِميعٌ ،فَ ْ
ق أ َْم َر َه ِذ ِه ْاأل َّ
َن ُيفَِّر َ
اد أ ْ
فَ َم ْن أ ََر َ
0
«فَاقْتُلُوهُ»
فـي الحـديثين السـابقين أمـر بطاعـة ولـي األمـر ،ووحـدة األمـة اإلسـالمية ،وفيـه األمـر بقتـال مـن
وينهـى عـن ذلـك ،فـإن لـم ينتـه قوتـل،
خرج على اإلمام ،أو أراد تفريق كلمة المسـلمين ونحـو ذلـكُ ،
وان لم ينـدفع شـره إال بقتلـه فقتـل كـان هـد ار .فقولـه صـلى اهلل عليـه وسـلم :فاضـربوه بالسـيف ،وفـي
الرواية األخرى فاقتلوه معناه :إذا لم يندفع إال بذلك.
- 3هنات وهنات :الهنات جمع هنة وتطلق على كل شيء ،والمراد بها هنا الفتن ،واألمور الحادثة .المرجع السابق ،لشرح محمد فؤاد
عبد الباقي].1474/3 ،
ق أَ ْم َر ْال ُم ْسلِ ِمينَ َوهُ َو ُمجْ تَ ِم ٌع ،1474/3 ،حديث (.)1252 -مسلم ،صحيح مسلمِ ،كتَابُ ْ ِ
اإل َما َر ِة ،بَابُ ُح ْك ِم َم ْن فَ َّر َ 4
- 5المرجع السابق.
53
قال عبد القادر عودة ":وجريمة البغي موجهة إلى نظام الحكم والقا مين بأمره ،وقد تشددت فيها
العقوبة؛ ألن التساهل فيها يؤدي إلى الفتن واالضطرابات وعدم االستقرار ،وهذا بدوره يؤدي إلى
تأخر الجماعة وانحاللها .وال شك أن عقوبة القتل أقدر العقوبات على صرف الناس عن هذه
الجريمة التي يدفع إليها الطمع وحب االستعالء.
وكل الدول اليوم تعاقب على البغي باإلعدام ،وهو نفس العقوبة المقررة للجريمة في الشريعة".1
54
المبحث الثالث
أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق الحدود
55
المطلب األول
أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الزنا
ذكرنــا فيمــا ســبق أن تطبيــق واقامــة الحــدود فــي الدولــة اإلســالمية ،مــن واجبــات الحــاكم فــي إقامتهــا
وله أن ينيب عنه من يقيمها ،لفعل النبي-صلى اهلل عليه وسلم-في إنابة من يقيم الحد عنه.
ولكن ما هو أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق الحدود
قبل اإلجابة على هذا السؤال ،نعرج على تعريف الزنا لغةً واصطالحاً:
53
أوال :ـ الركن المادي الوطء المحرم).
كر فــي الفــرِج كالميـ ِـل فــي المكحلـ ِـة َّ
ـث يكــون الــذ ُـوطء محرمــاً ،إذا كــان فــي الفــرِج ،بحيـ ُ
ويعتبــر الـ ُ
الحشفة (أو مثلها) على ِ
األقل في الفرج. ِ ِ
الوطء زناً تغيب ِ
العتبار ويكفي
وطء مـن هـذا القبي ِـلـدث فـي غي ِـر مل ٍـك ،فكـل ٍ رم المعتبـر زنـاً هـو الـذي يح ُ المح َّ والقاعدةُ َّ
الوطء َ
ُ أن
ِ 1
هناك مانعٌ شرعي من هذه العقوبة. َ زناً عقوبتُه ُّ
الحد ما لم يكن
يم في محرماًَّ ، حدث الوطء أثناء ِ
ألن التحر َ الوطء ُّ قيام الملك فال يعتبر الفع ُل زناً ولو كان ُ َ َ أما إذا
المحرم ـةَ أو التــي
َّ ض أو النفس ـاَ َء أو الصــا مةَ أو ـوطء الرجـ ِـل زوجتَـه الحــا َ
ـارض ،فـ ُهــذه الحالـ ِـة عـ ٌ
1
حرٌم ولكنه ال يعتبر زناً.كل ذلك ُم َّمنها ُّ -ظاهر منها أو لى َ َ
حد ِّ
الزنا: مشروعي ُة ِّ
اح ٍد ِم ْن ُه َمـا ِم َائـ َة
اجلِ ُدوا ُك َّل و ِ
َ الزِاني فَ ْ
الزِان َي ُة َو َّ
حد الزنى قولهُ تعالَىَّ { : ِ
مشروعية ّ األص ُل في
ـه ْد َعـ َذ َاب ُه َما ـون ِباللَّ ِـه وا ْليـوِم ِ
االخ ِـر َوْل َي ْ ين اللَّ ِـه إِ ْن ُك ْنـتُ ْم تُ ْؤ ِم ُن َ َج ْل َد ٍة َوَال تَأْ ُخ ْذ ُك ْم ِب ِه َما َأْرفَ ٌة ِفي ِد ِ
شَ َ َْ
ين} [النور.]1: ط ِائفَ ٌة ِم َن ا ْل ُم ْؤ ِم ِن ََ
صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َمُ «:خـ ُذوا َع ِّنـي، ِ َّام ِت ،قَ َ ادةَ ْب ِن الص ِ ِ
ال َر ُسو ُل اهلل َ ال :قَ َ حديث ُع َب َ ثبت من وما َ
ـب ِبالثَِّّي ِـب َج ْلـ ُـد يال ،ا ْل ِب ْكـر ِبـا ْل ِب ْك ِر ج ْلـ ُـد ِم َائ ٍـة وَن ْفـي ٍ
سـ َنةَ ،والثَِّّي ُ
َ ُ َ َ ُ سـ ِب ً
ُخـ ُذوا َع ِّنـي ،قَـ ْـد َج َع َـل اهللُ لَ ُهـ َّن َ
ِم َائ ٍةَ ،و َّ
3
الر ْج ُم ».
الرجم بالحجارِة. وحد ِ
الثيب الجلد ما ة والنفيُّ ، ُ حد البِكر فالحديث يدل على أن َّ
ُ ُ
حد ِّ
الزنا: ِ
مشروعية ِّ الحكم ُة من
للحفاظ على ِ
نظام األس ِرة ،التي تعتبر الدعامة األولى التي يقوم عليها ِ ت عقوبةُ الزنا ُش ِرَع ْ
تشيع الفاحشةُ والرذيلةُ المجتمع ،وذلك بأن
ِ فساد ِ
الفرد و اختل هذا النظام ّأدى إلى ِ المجتمع ،فإذا َّ
َ ُ ُ
للمجتمع ٍ ِ ِ
ككل. ِ وعدم االستقرِار ،وفي النهاية ٌ
هدم ُ األنساب واختالطُ
57
س ِبيالً } [اإلسراء.]61: ان فَ ِ
الزَنى إِ َّن ُه َك َ
قال تعالىَ { :والَ تَ ْق َرُبواْ ِّ
ساء َ ش ًة َو َ
اح َ
عطف
َ بوٍة أو
أحد منهم شفقةَ أُ َّ
ق ٌ يتذو ُ
ولوال الروابط الزوجية ألصب الناس قطيعاً من الماشية ال َّ
وفوق هذه األمور االجتماعية .فان الزنى َ ٍ
بمرحمة. اآلخر بود أوأحدهم نحو ِ يشعر ُ أُ ٍ
مومة وال
ُ
ِ
ين هما الزهري والسيالن .وقد أثبت االطباء ضرره باألفراد ويسبب اإلصابةَ بِ َ
مرض ْي ِن خطير ِ ُ يلحق
ِ
المناعة ومرض نقص ِ أن هذين المرضين ال ينتشر وباؤهما إالَّ باالتصال الجنسي غير المشروع،
القاتل(اإليدز).
اء ،وذلك للحف ِ
ـاظ علـى الفاحشة النكر ِ
ِ وضع حد لمن ي ْقدم على ِ
فعل هذه ِ ِ
يتهاون الشرعُ من لذلك لم
ُ ُ
ٍ
متماسك. ٍ
فاضل مجتمع
ٍ ِ
إيجاد بأصول ٍ
ثابتة ،وبالتالي ٍ ِ
وحدة األس ِرة
عقوبة الزنا
العقوبة نوعان :ـ
2ـ عقوبة المحصن 4ـ عقوبة البكر
أوال :عقوبة البكر
رتبت الشريعة عقوبتي الجلد والتغريب على الزاني البكر رجالً كان أو امرأة.
ويفــرق الشــرع بــين ال ازنــي المحصــن-المتــزوج-وغيــر المحصــن-البكــر-فــي العقوبــة ،فــإذا كــان بكـ اًر ُ
1
جلد ما ة وتغريب عام ،في الكتاب والسنة. ح اًر ،فحده ُ
اح ٍد ِّم ْن ُه َما ِم َئ َة َج ْل َد ٍة } [النور.]1:
اجلِ ُدوا ُك َّل و ِ
َ الزِاني فَ ْ
الزِان َي ُة َو َّ
-4في الكتاب :قال تعالىَّ { :
ففي اآلية الكريمة أمر بجلد من زنى ذك اًر وأنثى ،ثيباً أو بك اًر.
-2في السنة :ولكـن السـنة الصـحيحة فرقـت فـي الحـد بـين الثيـب والبكـر ،حيـث جـاء فـي حـديث
أبــي هري ـرة رضــي اهلل عنــه ،فــي خبــر العســيف ،6قــال-صــلَّى اهللُ عليـ ِـه وســلَّم ":-وعلــى ابنــك جلــد
مائة ،وتغريب عام".1
52
ثانياً :عقوبة المحصن
شددت الشريعة عقوبة المحصن فجعلتها الرجم
ـر ،وطــئ فــي نكــاح
فالمحصــن-المتــزوج-إذا زنــى فحــده الــرجم ،وشــرطه أن يكــون بالغـاً ،عــاقالً ،حـ اً
صحي ،1لحديث إبي هريرة ":واغد يا أنـيس إلـى امـرأة هـذا ،فـإن اعترفـت فارجمهـا" ،قـال :فغـدا
عليهــا ،فاعترفــت ،فــأمر بهــا رســول اهلل ص ـلَّى اهللُ عليـ ِـه وس ـلَّم فرجمــت" .1وهــو الــرجم بالحجــارة
حتى الموت.
مـن هنــا نـرى أن الشــارع الكـريم قــد وضــع عقوبـات رادعــة ،ال يمكـن أن تحــل محلهـا غيرهــا ،ولــذلك
عاش المجتمع اإلسالمي في أمـن وطمأنينـة فـي ظـل الحكـم اإلسـالمي ال ارشـد ،الـذي أقـام الحـدود،
ولم يفرط فيها ،فكان األمن على األموال ،واألعراض ،واألنفس ،والعقول.
ولكن عندما ال تقـام الحـدود التـي تعتبـر السـياج األمنـي للفـرد والمجتمـع ،فـإن هـذا يفـت البـاب إلـى
كثـرة الجـ ار م فــي اســتباحة االع ـراض ،وانتشــار الزنــا ،ويترتــب علــى ذلــك كث ـرة أوالد الزنــا ،الــذين ال
أُسـر لهـم ،فينمـي ذلـك عنـدهم اإلحسـاس بالحرمـان ،وبغـض المجتمـع ،وحـب االنتقـام منـه ،فمــا أن
يكبروا حتى يعيثوا في المجتمع فساداً ،فيصبحوا مصدر تهديد وقلق للمجتمع بأسره.
أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الزنا.
قيــل :وبضــدها تتبــين األشــياء ،والضــد يظهــر حســنه الضــد ،لهــذا قبــل أن نــذكر أثــر غيــاب الدولــة
اإلسالمية على تطبيق حد الزنا ،نسلط الضـوء علـى أثـر وجـود الدولـة اإلسـالمية علـى تطبيـق حـد
الزنا ،وبهذا يتض السبيل في معرفة الحكم القويم.
كان من صميم الدولة اإلسالمية ،وهدفها ،إقامة مجتمع مسلم ،قا م ومؤسس علـى دسـتور سـماوي
من اهلل عز وجل ،يحكم به النبي-صـلى اهلل عليـه وسـلم-والخلفـاء مـن بعـده ،وهـذا الدسـتور يشـمل
جمي ــع جوان ــب المجتم ــع المس ــلم ،العقا دي ــة ،واالجتماعي ــة ،واالقتص ــادية ،والسياس ــية ،والتجاري ــة،
والقضا ية ،والعسكرية ،الداخلية والخارجية.
من المعلوم أن فاحشة الزنا ،من أقب الج ار م ومن أعظم الكبا ر المحرمة ،بنص الكتاب والسنة:
أوالً :من الكتاب:
ـع اللَّ ِـه إِلَ ًهـا َ
آخ َـر َوال ون َم َين ال َي ْد ُع َ أن اهلل تعالى قرنه بالشرك وقتل النفس في قوله تعالىَ { :والَِّذ َ
اما} [الفرقان.]38 : ون َو َم ْن َي ْف َع ْل َذلِ َك َي ْل َ
ق أَثَ ً س الَّ ِتي َح َّرَم اللَّ ُه إِال ِبا ْل َح ِّ
ق َوال َي ْزُن َ ون َّ
الن ْف َ َي ْقتُلُ َ
س ِبيال} [اإلسراء.]61: ان فَ ِالزَنى إِ َّنه َك َ وقال تعالىَ { :وال تَ ْق َرُبوا ِّ
آء َ س َ ش ًة َو َ
اح َ
- 1انظر تفصيل شروط اإلحصان عند العلماء ،في المغني البن قدامة المقدسي.41-32/4 ،
- 2متفق عليه :سبق تخريجه ،ص.34
54
إن اهلل تعــالى وصــف الزنــا بأنــه فاحشــة ،وهــو إشــارة إلــى اشــتماله علــى فســاد األنســاب الموجبــة
لخراب العالم ،وساء سبيال ،أي وساء طريقاً ومسلكاً ،حيث ال يبقى فرق بين اإلنسان وبين البها م
في عدم اختصاص الذكران باإلناث.1
ثانيا :من السنة:
َن
ـال« :أ ْ َعظَـ ُـم ِع ْنـ َـد اللَّـ ِه؟
قَـ َ عــن عبــد اهلل قــال :سـألت النبــي صــلى اهلل عليـه وســلم " :أَي الـ َّـذ ْن ِب أ ْ
َن
ـاف أ ْ
تَ َخ ُ
َن تَ ْقتُ َل َولَ َـد َكالَ « :وأ ْ
ت :ثُ َّم أَي؟ قَ َ يمُ ،ق ْل ُ ِ تَ ْجع َل لِلَّ ِه ِنديا و ُهو َخلَقَ َك»ُ .ق ْل ُ ِ ِ
ت :إ َّن َذل َك لَ َعظ ٌ َ َ َ
2
َن تَُزِاني َحِليلَ َة َج ِ
ار َك» . ال« :أ ْ
ت :ثُ َّم أَي؟ قَ َ
َي ْط َع َم َم َع َك»ُ .ق ْل ُ
َ
وهنا قُرن الزنا بكبيرتين عظيمتين ،وهما اإلشراك باهلل سبحانه وتعالى ،وقتل النفس التي حرم اهلل
قتلها إال بالحق ،ثم ذكر الزنا لعظم خطرها وقبحها شرعاً وعقالً وعرفاً وعادة ،فهذا الحديث موافق
لنص اآلية السابقة من سورة الفرقان ،إلن ك ٌل من عند اهلل تبارك وتعالى علواً كبي اًر.
فمــن هــذا المنطلــق علــم المســلمون بــأن الزنــا ح ـرام وكبي ـرة مهلكــة ،لهــا عواقــب وخيمــة فــي الــدنيا
واآلخ ـرة إذا لــم يتطهــر ويتــب منهــا ،وقــد طُبــق هــذا المــنهج الربــاني فــي مجتمعنــا المســلم ،بقيــادة
النبي-صلى اهلل عليه وسلم ،-فكانت النتيجة أن أفـرزت مجتمعـاً قويـاً متماسـكاً نظيفـاً ،قا مـاً علـى
الفضيلة ،ونابذاً للرذيلة ،ألن أصله ثابت وفرعه في السماء.
ولخطر جريمة الزنا جعل الشارع إلثباتها :أن يأتي أربعة شهداء بوصف عملية الزنا وصـفاً لـيس
فيه أدنى ُشبهة ،وهو أن ُيرى رجل يجامع امرأة ال تحل له ،وأن ُيرى ذكره فـي فرجهـا كـالمرود فـي
المكحلــة ،وكالرشــا فــي الب ــر ،هــذا أمــر ال يصــدر إال عمــن ال يبــالي بهــذه الفعلــة النك ـراء مــن أن
يستتر عن أعين الناس ،ولم تثبت ج ار م الزنا على عهد رسول اهلل عليه السالم إال باإلقرار ،وهي
ال تتج ــاوز اص ــابع الي ــد الواح ــدة ،فه ــذا ي ــدل عل ــى أن المجتم ــع اإلس ــالمي األول ك ــان نظيفـ ـاً م ــن
الفاحشة ،ولك أن تتأمل في مواقف الذين أقروا على أنفسهم بالزنا ،جاءوا معترفين بالذنب طـالبين
التطهير بإقامة عليهم الحد.
فلك الحكم اآلن علـى أثـر وجـود الدولـة اإلسـالمية ،التـي تطبـق مـنهج اهلل كمـا أُنـزل علـى رسـوله
محمد-صلى اهلل عليه وسلم-وكيف أصب المجتمع الذي كان قريب عهد بجاهلية مقيتة ،مجتمعـاً
نظيفاً قوياً متماسكاً ،عندما رضي اإلسالم ديناً ومنهاجاً.
31
واآلن نأتي للحديث عن أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الزنا
وب ــدأ غي ــاب الدول ــة اإلس ــالمية عن ــدما ابتلين ــا بس ــقوط الخالف ــة اإلس ــالمية ،وقطّع ــت أوص ــالها إل ــى
دوي ــالت ص ــغيرة ،تفص ــلها ح ــدود ل ــم يعه ــدها المس ــلمون م ــن قب ــل ،وعل ــى ك ــل دويل ــة نظ ــام ح ــاكم
يسوس ــها بم ــا يحل ــو ل ــه م ــن األنظم ــة الوض ــعية الس ــا دة ف ــي الغ ــرب ،وتطبيقه ــا ب ــديالً ع ــن الحك ــم
اإلسالمي والشرع الرباني المحكم ،فما كانت النتيجة
نستعرض اآلن كيف تناولت األنظمة الوضـعية جريمـة الزنـا ،ومـا العقوبـة التـي وضـعتها لهـا ،ومـا
النتــا ج التــي حققتهــا علــى صــعيد الفــرد والمجتمــع تســاؤالت البــد مــن اإلجابــة عليهــا ،حتــى تتجلــى
الرؤية وضوحاً.
عقوبته في القوانين الوضعية الحبس .وهي عقوبة ال تؤلم الزاني وال تردعه عن ترك هـذه الجريمـة
النكـراء ،وقــد أدت عقوبــة الحــبس إلــى اشــاعة الفســاد والفاحشــة ،وأكثــر النــاس الــذين يمتنعــون عــن
الزنا اليوم ال تصرفهم عنه العقوبة ،وانما يمسكهم عنه الدين أو االخالق الفاضلة ،التي لم يعرفها
أهل االرض قاطبة إال عن طريق الدين.
وعقوبة الزنا في الشـريعة لـم توضـع اعتباطـا ،وانمـا جـاءت بتقـدير العلـيم الخبيـر لتكـوي ــن االنـســان
وعـقـليـته وتـقـدير لغـ ار زه ومـيـولـه وعـواطفه ،وحفظت بذلك الفـرد والجـمـاعــة ،فهــي عـقـوبــات عـلـمـيــة
تشـريعـية ،ألنها وضعت على اساس العلم بالنفـس البشـريـة ،وهــي عـقـوبـات تشـريعـية ألنهـا شـرعـت
لمـحاربة الجريمة وهذه الميزة ال توجد في القوانين الوضعية.
وفييي الق ـوانين الوضــعية فأساســها أن الزنــا مــن األمــور الشخصــية التــي تمــس عالقــات األف ـراد وال
زوجـا تمس صال الجماعة ،فال معنى للعقوبـة عليـه مـا دام عـن تـر ٍ
اض إال إذا كـان أحـد الطـرفين ً
1
ففي هذه الحالة يعاقب على الفعل صيانة لحرمة الزوجية.
مــن القـوانين الوضــعية مــن تــرى أن الزنــا يعتبــر مــن موجبــات الحريــة ،وهــو ال يعــد جريمــة إال إذا
اقترن بعنف فليس كل وطء محرم أو مواقعة زنا.
ومن القوانين من يقصر الزنا على المواقعة التي تحصل من المتزوجين فقط.
وال تعتبــر مــا يقــع مــن مطلقــة أو أعــزب زنــا وال عقــاب علــي المواقعــة ،إال فــي حالــة اخــذ المجنــي
عليهــا بـالعنف أو إذا كــان الرضــا بالمواقعـة معيبــا بـإن كانــت المجنــي عليهــا اقــل مــن ثمانيــة عشــر
1
عاماً ويكيف الجرم بأنه جنحة بسيطة تستوجب الحبس والغرامة.
31
جريمة الزنا في قانون العقوبات المصري:
تنــاول قــانون العقوبــات المصــري جريمــة الزنــا ،فــي عــدة نصــوص بدايــة مــن المــادة 176وحتــى
المادة .173
اوال :من المخاطب بنصوص هذه المواد ومكان الجريمة:
القانون المصري ال يعرف الزنا للمرأة غير المتزوجة ،وال للرجل غير المتزوج ،إال اذا كانـا شـركاء
لمتزوجين في الزنا ،فالقانون يشترط لكى تنطبق نصوصـه ،أن تقـع الجريمـة مـن امـرأه متزوجـه او
من رجل متزوج ،وفرق بين الرجل والمرأة من ناحية مكان الجريمة ،فـالمرأة المتزوجـة تعاقـب علـى
الزنا اذا ارتكبته في أي مكان ،سواء في منزل الزوجية أو في غيره ،أما الرجل فالقانون يشترط ان
1
تكون الجريمة وقعت منه في منزل الزوجية.
ثانيا :اجراءات رفع الدعوى:
ال تقام هذه الدعوى على مرتكب هذه الجريمة ،إال بشكوى من الزوج ،فاذا ارتكبها رجل فالبـد مـن
شكوى تقدمها زوجته ،واذا ارتكبتها امرأة فالبد من شكوى يقدمها زوجها ،وبـذلك نجـد انـه ال يمكـن
مقاضــاة مرتكــب هــذه الجريمــة ،إال إذا صــرح بالشــكوى مــن يملكهــا ،هــذا ويشــترط القــانون فــي هــذه
الجريمــة حــال كونهــا مــن الج ـ ار م التــي يتوقــف تحريــك الــدعوى الجنا يــة فيهــا علــى شــكوى ،أي أن
يصرح بالشكوى من يملكها خالل مده اقصاها 6شهور منذ وقت العلم بالجريمة ومرتكبها.
وال يتوقف األمر عند هذا الحد ،بل يحق للزوج الذي ارتكبت زوجته هذه الجريمـة ،أن يتنـازل عـن
الدعوى في أي حالـة تكـون عليهـا الـدعوى ،ولـه ايضـا ان يوقـف تنفيـذ العقوبـة فـي أي وقـت شـاء،
حتــى لــو كــان الحكــم نها يــا ،وذلــك بشــرط ان يرضــى معاش ـرتها لــه كمــا كــان ،وللزوجــة مثــل هــذا
1
الحق ،إذا كان زوجها هو من ارتكب الجريمة.
ثالثا :أدله الثبوت التي تقبل امام المحكمة اثناء نظر الدعوى:
ذكرت المادة 173عقوبات تلك األدلة على سبيل الحصر وهي:
-القــبض علــى المــتهم حــين تلبســه بالفعــل (والتلــبس هنــا لــيس معنــاه مشــاهده المــتهم وهــو
يرتكب الفعل ذاته ،بل يكفي أن يكون في حالة تدل على ذلك).
-اعتراف المتهم بالجريمة.
-وجــود مكاتيــب او او ارق اخــرى مكتوبــه مــن المــتهم بالزنــا أو موجــودة فــي منــزل الزوجيــة
6
تثبت عليه هذا االمر.
32
رابعا :العقوبة:
فرق القانون بين الرجل والمرأة في العقوبة:
فبينمــا يعاقــب الرجــل الــذي يرتكــب جريمــة الزنــا فــي منــزل الزوجيــة بــالحبس مــده ال تزيــد -
علــى 3شــهور (هــو وشـريكته) ،نجــد أن المـرأة عقوبتهــا الحــبس مــده ال تزي ـد علــى ســنتين
1
(هي وشريكها).
-الزوج الذي سبق وارتكب جريمة الزنا في المسكن المقيم فيه مع زوجتـه (مسـكن الزوجيـة)
1
ال تسمع دعواه ضد زوجته إذا ارتكبت جريمة الزنا والعكس صحي .
33
فيظهر لنا مما سبق أن عدم تطبيق عقوبـة حـد الزنـا ،واسـتبدالها بعقوبـة وضـعية نـتج
عنها:
-1أن القوانين الوضعية في بعض البلدان اإلسالمية ،قد نحت منحـى القـوانين الوضـعية
الغربية ،التـي أباحـت الزنـا فـي صـور معينـة ،ولـم يرتبـوا عليـة أي عقـاب باعتبـاره مـن
األمــور الخاصــة التــي ال تمــس مصــال المجتمــع واعتبــروا الت ارضــي بــه مانع ـاً للعقــاب
عليه.
-1وفي غياب العقاب الـرادع ،أدي إلـى تفكـك األسـرة ،واحجـام النـاس عـن الـزواج ،ألنهـم
يستطيعون قضاء وتفريغ شهواتهم بعيداً عن مؤسسة األسرة.
-6انتشــار الرذيلــة والفســاد والخصــومات ،وأبنــاء الزنــا ،ممــا ســيرهق الدولــة فــي بنــاء دور
لهم.
-4وعقوبــة الحــبس ه ــي العقوبــة األس ــاس فــي القـ ـوانين الوضــعية ،الت ــي أدت إلــى نت ــا ج
خطيرة ومشكالت دقيقة منها:
أ -إرهــاق خزانــة الدولــة :يوضــع المحكــوم علــيهم بعقوبــة الحــبس علــى اخــتالف أنواعهــا فــي
مح ــابس يقيم ــون فيه ــا حت ــى تنته ــي م ـ ّـدة العقوب ــة ،وه ــذا يكل ــف َّ
الد ْولَ ــة كثيـ ـ اًر م ــن النفق ــات
بد من رصدها لإلنفاق علـى نـزالء السـجون وموظفيهـا وعمالهـا، واألموال الباهظة التي ال ّ
زيادة على تكاليف بنا ها وانشا ها ،وكم يرصد من أجل ذلك من أموال.
ب -تعطيـل اإلنتــاج :فـالمحكوم علـيهم يكونـون فـي الغالـب مـن األشـخاص األصـحاء القـادرين
علــى العمــل ،ووضــعهم فــي الســجون هــو تعطيــل لقــدرتهم علــى العمــل ،وتضــييع لمجهــود
كبيــر كــان مــن الممكــن أن يبــذلوه ،فيســتفيد منــه المجتمــع لــو عوقب ـوا بعقوبــة أخــرى غيــر
الحبس تكفي لتأديبهم وردع غيرهم.
ت -إفسـاد المجرميـن :فالسجن يجمـع بـين المجـرم الـذي ألـف اإلجـرام وتمـرس بأسـاليبه ،وبـين
المجـرم المتخصــص فــي نــوع مــن اإلجـرام ،وبــين المجــرم العــادي ،وبــين مــن اتهــم بــاإلجرام
ولــيس بمجــرم ،واجتمــاع هـؤالء جميع ـاً فــي صــعيد واحــد ،يــؤدي إلــى تفشــي عــدوى اإلج ـرام
بيـنهم ،فيصـب السـجن الـذي ُيقَـال عنـه ّأنـه إصـالح وتهـذيب لــيس كـذلك فـي الواقـع ،وانمــا
1
هو معهد لإلفساد وتلقين أساليب اإلجرام.
ث -انعــدام قـــوة الــردع :إن عقوبــة الســجن قــد فرضــت علــى أســاس أنهــا عقوبــة رادعــة ،ولكــن
1
الواقع قد أثبت أنها ال فا دة منها ،وال أثر لها في نفوس المجرمين.
34
ربما من المهم أن نشير إلى أن اآلثار السلبية لغياب الدولة اإلسالمية وعـدم تطبيـق حـد الزنـا،
تكون أشد خطورة إذا لم يكن هناك قوانين لمعاقبة الزناة.
ذلك أننا نرى كل هذه اآلثار السلبية مع وجود قوانين تعاقب على جريمة الزنا ،ولكن ألنها تعاقـب
بعقوبـات غيـر رادعـة كانـت هـذه اآلثــار السـلبية ،فكيـف لـو لـم يكــن هنـاك قـوانين تعاقـب علـى هــذه
أشد فساداً.
أكثر ُخطورةً و ُ
الجريمة سيكون األثر ُ
-5االضرار الصحية الناجمة عن انتشار الزنا ،فأنه ينشر أمراضا خطيرة فتاكة ،نعرض منها.
أ -الزهــري :وهــو خطيــر جــدا ومعــد ،وأعـراض المــرض األولــى تتمثــل فــي قرحــة صــلبة تكــون
على األعضاء التناسلية بعد ثالثة أسابيع من اإلصابة بهذا المرض ،ثم يوسع المكروب
نطــاق هجومــه حيــث يهــاجم القلــب والكلــى والكبــد ،فتظهــر بقــع ورديــة فــي أج ـزاء الجســم
وتــرى بــالعين المجــردة ،وقــد تحــدث بقــع خضــر فــي اللثــة والحلــق ويصــعب المضــغ علــى
1
المصاب.
ب -السيالن :وسببه مكروب اسمه (الجنوكوكس) وهـو غيـر و ارثـي ،وال يصـيب إال األعضـاء
1
التناسلية والمجاري البولية.
ت -الهربس :وسببه فيروس يصيب األجهزة التناسـلية ،ويسـتطيع إدخـال جيناتـه الخاصـة إلـى
خاليــا الجســم ،وتبقــى خاملــة؛ ألن الجســم أقــوى منهــا ،ولكــن عنــد حــدوث تــوتر أو إجهــاد
للجسم يتحول إلى الطور النشط ،ويبدأ باالنقسامات مسببا الفقاقيع والنقط الجسدية.
أما أسباب هذا المرض فتعزى إلى انتشار الفاحشة واإلباحية الجنسـية والممارسـات غيـر الشـرعية،
وينتقــل الفيــروس عقــب االتصــال الجنســي المباشــر ،ومــن خطــورة هــذا المــرض أنــه لــيس لــه دواء
6
شاف تماما ،لذا فاحتمال العدوى به مستمر.
واللـــواط ملحــق بالزنــا ،ول ــه مــا ال يحصــى م ــن األض ـرار؛ ألن الجهــاز التناس ــلي خلــق خاليــا م ــن
الجراثيم عادة ،وخلق لالتصـال بجهـاز مثلـه خـال منهـا أيضـا ،ولـم يخلـق لالتصـال بنهايـة األمعـاء
الغليظــة التــي تخــرج منهــا الفضــالت وتحمــل الج ـراثيم الضــارة ،فــإذا اتصــل الجهــاز التناســلي مــع
الجـراثيم التـي فــي الفضـالت تــدخل هـذه الجـراثيم فــي الجهـاز الــذي ليسـت لـه مناعــة كافيـة للقضــاء
عليهــا؛ ألنــه لــم يخلــق لالتصــال بهــا ،فتنتشــر فــي الجســم عــن طريقــه إلــى الغــدد النخاميــة ويتلــف
الجسم .أما المفعول به فتتمزق وتتلف أنسجته ،ويفقد السيطرة على البراز فيخرج منه دون إرادته.
- 1مجلة البحوث اإلسالمية ،العدد ،23ج23ص ،151-151مبحث وجيز عن أضرار فاحشة الزنا
- 2المرجع السابق ،ص.152
- 3المرجع السابق ،ص.152
35
المطلب الثاني
أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد القذف
.4القذف في اللغة:
1
قذف بالحجارة يقذف :رمى بها والمحصنة :رماها بزنية وفالن.
وقذف بالحجر وبالشيء قذفا رمى به بقـوة ،ويقـال أيضـا :قذفـه وقـذف البحـر بمـا فيـه رمـى بـه مـن
1
صيد وغيره ،وفالن بقوله تكلم من غير تدبر وال تأمل وبالشيء على فالن رماه به.
33
لحد القذف ِح َك ٌم بالغ ٌة ،منها :حماية عرض المسلم فال يصب عرضه كألً مباحاً يلوكه أي
إنسان ،والحكمة الثانية :أن التساهل في القذف ،يدعو إلى أن تكون الفاحشة أم اًر سهالً
ومستساغاً عند الناس؛ فيسهل بعد ذلك الوقوع فيها ،لكن عندما يفرض هذا السياج حول هذا
األمر وما يتعلق له ال يجرؤ اإلنسان أن يقول فالن فعل كذا ،أو فالن وقع في كذا وكذا إال
وعنده بينة ،فإذا طالب المقذوف بحقه ولم يأت بالبينة ،فيشرع أن يعاقب بحد القذف بأن يجلد
ثمانين جلدة ،وأال تقبل له شهادة أبداً ،وأن يحكم بفسقه ،إال أن يتوب بعد ذلك.
وهذا الحد فيه سد لذريعة الفاحشة ،ألن فت الباب على مصراعيه للجميع يتحـدث عـن هـذا األمـر
مدعاة ألن تصب الفاحشة قضية تلوكها األلسنة وتتحدث عنها كثي اًر.
حكم القذف:
القذف محرم ،وهو من الكبائر ،وقد أوجب اهلل على القاذف عقوبات غليظة في الدنيا واآلخرة.
وه ْم ثَ َم ِان َ
ين َج ْل َدةً اجلِ ُد ُ ات ثُ َّم لَ ْم َيأْتُوا ِبأ َْرَب َع ِة ُ
ش َه َداء فَ ْ ون ا ْلم ْحص َن ِ
ين َي ْرُم َ ُ َ -1قال اهلل تعالىَ { :والَِّذ َ
ون } [النور.]4: اسقُ َادةً أَبداً وأُولَ ِئ َك ُهم ا ْلفَ ِ
ُ ش َه َ َ َ ْ َوَال تَ ْق َبلُوا لَ ُه ْم َ
هللاِ تَ َعالَى{ :إِ َّن الَّ ِذينَ يَأْ ُكلُونَ أَ ْم َوا َل اليَتَا َمى ظُ ْل ًما ،إِنَّ َما يَأْ ُكلُونَ فِي بُطُونِ ِه ْم نَارًا
صايَا ،بَابُ قَوْ ِل َّ - 1البخاري ،صحيح البخاريِ ،كتَابُ َ
الو َ
َو َسيَصْ لَوْ نَ َس ِعيرًا[ لالنساء ،11/4 ،]11 :حديث (.)2733
37
الناس عن المفاسد تهيبهم وقوعها وتجهمهم وكراهتهم سوء سمعتها وذلك مما يصرف تفكيرهم عن
تـذكرها قبـل اإلقـدام عليهـا رويـداً رويـداً حتـى تنســى وتنمحـي صـورها مـن النفـوس ،فـإذا انتشـر بــين
خبرهـا علـى األسـماع فـدبـف وقـعُ ِاألمة الحـديث بوقـوع شـيء مـن الفـواحش تـذكرتها الخـواطر وخ َّ
بذلك إلى النفـوس التهـاون بوقوعهـا وخفـة وقعهـا علـى األسـماع فـال تلبـث النفـوس الخبيثـة أن تقـدم
على اقترافها وبمقدار تكرر وقوعها وتكرر الحديث عنها تصير متداولةً.
ـاوت المقـ ِ
ـدار علــى هــذا إلــى مــا فــي إشــاعة الفاحشــة مــن لحــاق األذى والضــرر بالنــاس ضــر اًر متفـ َ
األخبار في الصدق والكذب. ِ تفاوت
مقدار حد القذف:
1
حد القذف للحر ثمانون جلدة ،وينصف في حق العبد عند الجمهور.
ـون
ين َي ْرُمـ َ ونــص الشــارع الكـريم علــى عقوبــة القــذف :فــنص علــى حــد القــذف بقولــه تعــالىَ { :والَّـ ِـذ َ
ادةً أ ََب ًـدا َوأُولَ ِئ َ
ـك ـه َ
شَ وه ْم ثَ َم ِان َ
ين َج ْل َـدةً َوَال تَ ْق َبلُـوا لَ ُه ْـم َ اجلِ ُد ُ
اء فَ ْ ات ثُ َّم لَ ْم َيأْتُوا ِبأ َْرَب َع ِة ُ
ش َه َد َ
ا ْلم ْحص َن ِ
ُ َ
ون} [النور.]4: ُهم ا ْلفَ ِ
اسقُ َ ُ
وجه الداللة:
بيــان حكــم قــذف المحصــنة وهــي الحـرة البالغــة العفيفــة ،وهــو الجلــد ثمــانين جلــدة ،وكــذلك إن كــان
المقذوف رجالً يجلد قاذفه أيضاً ،ولكن إن أقام القاذف بينة على صحة قولهُ ،رد عنه الحد ،وذلك
أن يـأتي أربعـة شــهود رجـال عــدول ،يشـهدون بــذلك صـريحاً ،فــإذا لـم يقــم القـاذف بينــة علـى صــحة
قوله وجب في حقه ثالثة أحكام:
األول :أن يجلد ثمانين جلدة.
الثاني :أن ترد شهادته أبداً.
1
الثالث :أن يكون فاسقًا ليس بعدل ،ال عند اهلل وال عند الناس.
32
سلِ ُم َم ْن
الم ْ صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قَ َ
الُ « : النبِ ِّي َ
وعن عبد اهلل بن عمرو رضي اهلل عنهماَ ،ع ِن َّ
4 س ِان ِه َوَي ِد ِهَ ،والم َه ِ
اج ُر َم ْن َه َج َر َما َن َهى اللَّ ُه َع ْن ُه». سلِم المسلِم َ ِ ِ
ون م ْن ل َ
ُ ََ ُْ ُ
2
وقَ ،وِقتَالُ ُه ُك ْفٌر». س ٌ ِ ِ
وقال النبي صلى اهلل عليه وسلم« :سباب الم ِ
سلم فُ ُ َ ُ ُْ
ِ
وقــد أقــام -النبــي صــلى اهلل عليــه وســلم-حـ َّـد القــذف وأَ َ
6
ـاء مــن بعــده ،فَ ُحف ـظَ المجتمــعُ قام ـهُ الخلفـ ُ
ـس مريض ٍـة يري ُـد ِ
صاحب نف ٍ سليماً من عبث العابثين باألعراض ،ومن أن تشيع الفاحشة فيهُّ ،
فكل
المجتمع السـليم ،فـإذا علـم أنـه يوجـد رادعٌ مسـلطٌ عليـه إذا قـام باالعتـداء علـى
ِ مرضهُ إلى
َ قل
أن َي ْن َ
أحد دون ِّبي ٍ
نة. بسمعة ٍ
ِ ِ
المساس ين ،فإنه يحجم عن
َ أعراض األخر َ
بعد غيابها وتمزق سـلطانها ،ووضـع فهذا النظام بقي قا ماً ما بقيت الدولة اإلسالمية قا مة ،ولكن َ
المجتمع كما ينبغي
ِ ثمرت في ِ
حفظ عي ،فهل أ ْ الحد الشر ِّ وضعية ٍ
بديلة عن ِّ ٍ قوانين
المجتمع منها:
ِ نتائج أثَّرت سلباً على ِ
الفرد و َ نتجت
ال ولكن أَ ْ
ـات غي ُـر رادع ٍـة،
-1تعاقـب القـوانين علـى القـذف بـالحبس أو بالغ ارمـة أو بهمـا معـاً ،وهـي عقوب ٌ
ـذف والسـ َّ
ـب ـادلون القـ َ ولــذلك ازدادت ج ـ ار م القـ ِ
ـذف والسـ ِّ
ـاس يتبـ َ
ـب زيــادةً عظيم ـةً ،وأصــب النـ ُ ُ
4
الثناء ،وذلك النعدام العقاب.
دح و َ يتقارضون الم َ
َ كما لو كانوا
-1فيه اعتـداء علـى حـق العبـد والنيـل منـه ،إذ فيـه جنايـة علـى عـرض المقـذوف والحـاق العـار
به ،وفيها ناحية اجتماعية أيضاً ،إذ يترتب عليها إشاعة الفاحشة في المجتمع واتهام البرء
5
بالفواحش.
-6يترتب على هذه الجريمة من إشاعة الفاحشة ،والتشكيك في األعراض واألنساب.
-4يختلف القانون الوضعي عن الشريعة في إثبات القذف والسب ،ففي الشريعة:3
ـانا بواقعــة أو صــفة محرمــة مــا ،وجــب عليــه أن يثبــت صــحة مــا رمــاه بــه ،فــإن
-أن مــن رمــى إنسـ ً
عجز عن إثباته أو امتنع وجبت عليه العقوبة.
ـانا بشـيء ،أن يثبـت صـحة مـا قذفـه
-وأما القانون الوضـعي ،فالقاعـدة فيـه أن لـيس لمـن قـذف إنس ً
به ،وعليه العقوبة ولو كان الظاهر أن ما قاله صدق ال شك فيه.
-فاألســاس الــذي يقــوم عليــه القــانون الوضــعي ،هــو حمايــة حيــاة األف ـراد الخاصــة ،وهــو يقــوم فــي
ج ار م القول على قاعدة النفاق والرياء ويعاقب الصادق والكاذب على السواء.
34
-والمبــدأ األساســي فــي هــذا القــانون ،أنــه ال يجــوز أن يقــذف امــرؤ خــر ،أو يســبه ،أو يعيبــه فــإن
فعل عوقب ،سواء كان صادقًاَ فيما قال ،أو مختلقًا لما قال.
-واذا كـان هــذا المبـدأ يحمــى البـرء مــن ألسـنة الكــاذبين الملفقـين ،فإنــه يحمـى الملــوثين والمجــرمين
والفاسقين ،من ألسنة الصادقين.
-واذا ك ــان هـ ـذا المب ــدأ ق ــد عن ــى بحماي ــة حي ــاة األفـ ـراد الخاص ــة ،فإن ــه ق ــد أدى إل ــى إفس ــاد األفـ ـراد
والجماعــة علــى السـواء؛ ألن القــانون حــين يعاقــب علــى الصــدق ال يمنــع الصــادق مــن قــول الحــق
فقط ،وانما يدفعه إلى الكذب ،ويشجعه على النفاق والرياء.
-كما أن القانون ال يصل الفرد المعوج السيرة بحمايته ،وانما يشجعه بهـذه الحمايـة علـى اإلمعـان
ـر مــن الصــالحين بســلوك طريــق الفســاد ،مــا دام أنهــم قــد أمن ـوا مــن
فــي الفســاد ،بــل إنــه ليغــرى كثيـ ًا
التشنيع واالنتقاد ،وهكذا تفسد الجماعة وتهدر األخالق الفاضلة ألن القانون يحمى من ال يستحق
الحماية على اإلطالق.
-هــذا ه ــو مب ــدأ القـ ـانون ف ــي جـ ـ ار م الق ــول :يح ــرم عل ــى الن ــاس أن يقولـ ـوا الح ــق ،وأن يتن ــاهوا ع ــن
1
المنكر ،وأن يحطوا من قدر المسيء ،ليرفعوا من قدر المحسن واإلحسان.
71
المطلب الثالث
أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الشرب
الخمر في اللغة :خ م ر :خمرة وخمر وخمور مثل تمرة وتمر وتمور ،ويقال خمرة صرف قال ابن
األعرابي :سـميت الخمـر خمـ ار ألنهـا تركـت فـاختمرت واختمارهـا تغيـر ريحهـا ،وقيـل :سـميت بـذلك
1
لمخامرتها العقل.
والخمر :ما أسكر من عصير العنب ،أو عام كالخمرة وقد يـذكر والعمـوم أصـ ألنهـا حرمـت ومـا
1
بالمدينة خمر عنب ،وما كان شرابهم إال البسر والتمر ،وسميت خم ار ألنها تخمر العقل وتستره.
السكر في اللغة:
س ك ر :الســكران ضــد الصــاحي والجمــع ســكرى ،وســكارى بفــت الســين وضــمها والم ـرأة ســكرى،
وأسكره الشراب ،والمسكير كثير السكر والسكير بالتشديد الدا م السكر والتساكر أن يـري مـن نفسـه
س ـ َك ًار} [ســورة النحــل: ون ِم ْنـ ُ
ـه َ ذلــك ولــيس بــه ،والســكر بفتحتــين نبيــذ التمــر وفــي التنزيــل { :تَتَّ ِخ ـ ُذ َ
6
.]37
الخمر في اصطالح الفقهاء:
وذلك في اتجاهين:
األول :للحنفية ،النيء من ماء العنب إذا غال واشتد وقذف بالزبـد فـإن لـم يقـذف فلـيس بخمـر عنـد
4
اإلمام أبي حنيفة.
وعنــد أبــي يوســف ومحمــد ،مــاء العنــب إذا غــال واشــتد فقــد صــار خمـ ار وترتــب عليــه أحكــام الخمــر
5
قذف بالزبد أو لم يقذف به.
الثاني :للجمهور ،الخمر كل ما أسكر سواء كان عصي اًر أو نقيعاً من العنـب أو غيـره مطبوخـاً أو
3
غير مطبوخ.
71
حكم شرب الخمر:
الخمر حرام وذلك ثابت في الكتاب ،والسنة ،واجماع األمة.
أما الكتاب:
ـس ِّمـ ْـن َع َمـ ِـل ِ فقولــه تعــالىَ { :يــا أَي َهــا الَّـ ِـذ َ
ـاب َواأل َْزالَ ُم ِر ْجـ ٌ آم ُنـواْ إِ َّن َمــا ا ْل َخ ْمـ ُـر َوا ْل َم ْيسـ ُـر َواأل َ
َنصـ ُ ين َ
ون } [الما دة.]90: اجتَِن ُبوهُ لَ َعلَّ ُكم تُ ْفلِ ُح َ َّ
الش ْيطَ ِ
ان فَ ْ
ومن قبلها نزلت آيات تدرجت في تحريم الخمر في م ارحـل ،كانـت مال مـة وممهـدة لتحـريم الخمـر
سـأَلُوَن َك َع ِـن ا ْل َخ ْم ِـر َوا ْل َم ْي ِس ِـر ُق ْـل ِفي ِه َمـا على البتات ،وأول ية نزلت في الخمـر ،قولـه تعـالىَ { :ي ْ
اس َوِاثْ ُم ُه َما أَ ْك َب ُر ِم ْن َن ْف ِع ِه َما } [البقرة.]119:
افعُ لِ َّلن ِ
إِثْم َك ِبير وم َن ِ
ٌ ٌ ََ
سكارى } [النساء.]46: الصالةَ َوأَ ْنتُ ْم ُ
آم ُنوا ال تَ ْق َرُبوا َّ ثم نزل قوله تعالى { :يا أَي َها الَِّذ َ
ين َ
وأما السنة:
فقد وردت أحاديث كثيرة في تحريم الخمر قليلها وكثيرها منها:
1
ام». شر ٍ
َس َك َر فَ ُه َو َح َر ٌ
اب أ ْ -1عن عائشة عن النبي صلى اهلل عليه وسلم قالُ « :كل َ َ
- 1أبو داود ،سنن أبي داود ،كتاب األشربة ،باب فِي تَحْ ِر ِيم ْال َخ ْم ِر ،354/3 ،حديث ( .)3372قال األلباني :صحيح.
- 2البخاري ،صحيح البخاري ،بَابُ الَ يَجُو ُز ال ُوضُو ُء بِالنَّبِي ِذَ ،والَ ال ُم ْس ِك ِر ،52/1 ،حديث(.)242
- 3ابن ماجه ،سنن ابن ماجه ،كتاب األشربة ،باب كل مسكر حرام ،1124/2 ،حديث( .)3341قال األلباني :صحيح.
72
يـرهُ فَ َقلِيلُ ُ
ـه ِ
َسـ َك َر َكث ُ
-3عن جابر بن عبد اهلل أن رسـول اهلل صـلى اهلل عليـه وسـلم قـالَ ":مـا أ ْ
4
ام".
َح َر ٌ
وجه الداللة:
هذه األحاديـث كلهـا دالـة علـى أن كـل مسـكر حـرام ،ومنهـا مـا يـدل علـى تسـمية كـل مسـكر خمـرا،
سـ ِـك ٍر َخ ْمـ ٌـر } .كمــا يــدل بعضــها علــى أن المســكر ح ـرام
وهــو قولــه صــلى اهلل عليــه وســلمُ { :كــل ُم ْ
لعينــه ،قــل أو كثــر ،ســكر منــه شــاربه أو لــم يســكر ،وهــذا مـذهب الجمهــور كمــا ســبق فــي تع ـريفهم
للخمر.
أما اإلجماع:
فقد أجمع الصحابة ومن بعدهم من المسلمين على تحريمها.
قال ابن هبيرة :واتفقوا على أن الخمر حرام قليلها وكثيرها وفيها الحد ،واتفقوا على أنها نجسة،
1
وأجمعوا على أن من استحلها حكم بكفره.
ـان َر ُجـ ٌل ِم َّم ْـن َخ َـالـه َك َاجتَِن ُبـوا ا ْل َخ ْم َـر فَِإ َّن َهـا أُم ا ْل َخ َب ِائ ِـث ،إِ َّن ُ
ـي اللَّـهُ َع ْنـهُ قـالْ " : ِ
وعن ُعثْ َمـا َن َرض َ
قاد ِة ،فَـا ْنطَلَ َ ـه َ وك لِ َّ
لش َ ـه :إِ َّنـا َن ْـد ُع َ ارَيتَ َها ،فَقَالَ ْت لَ ُ سلَ ْت إِلَ ْي ِه َج ِ ام َأرَةٌ َغ ِوَّي ٌة ،فَأ َْر َ
قَ ْبلَ ُكم تَعب َ ِ
َّد ،فَ َعلقَتْ ُه ْ ْ َ
ـيئ ٍة ِع ْن َـد َها ُغ َـال ٌم
ض َ ـر ٍَة و ِ
ام َأ َ ْضـى إِلَـى ْ ـهَ ،حتَّـى أَف َ ـه ُدوَن ُ ـت ُكلَّ َمـا َد َخ َـل َب ًابـا أ ْ
َغلَقَتْ ُ ارَي ِت َها فَطَ ِفقَ ْ
َم َع َج ِ
ب ِم ْـن شـ َر َ
ـي ،أ َْو تَ ْـع َعلَ َّ اد ِة ،ولَ ِك ْـن َدعوتُ َ ِ
ـك لتَقَ َ َْ ـه َ َ لش َـك لِ َّ ـت :إِ ِّنـي َواللَّ ِـه َمـا َد َع ْوتُ َ اط َي ُة َخ ْم ٍر ،فَقَالَ ْ وب ِ
ََ
ال :فَ ِ ِ ِ ِِ
ـال:ْسـا ،قَ َ سـقَتْ ُه َكأ ً
ْسـا ،فَ َ اسقيني م ْن َه َذا ا ْل َخ ْم ِر َكأ ً ْ ْسا ،أ َْو تَ ْقتُ َل َه َذا ا ْل ُغ َال َم ،قَ ََهذه ا ْل َخ ْم َرِة َكأ ً
ـان،يم ُ اجتَِن ُبوا ا ْل َخ ْم َر ،فَِإ َّن َهـا َواللَّ ِـه َال َي ْجتَ ِمـعُ ِْ
اإل َ س ،فَ ْ يدوِني َفلَم َي ِرم َحتَّى َوقَ َع َعلَ ْي َهاَ ،وقَتَ َل َّ
الن ْف َ ْ ْ ِز ُ
َن ي ْخ ِرج أَح ُد ُهما ص ِ ِ
ان ا ْل َخ ْم ِر إَِّال لَ ُيوش ُك أ ْ ُ َ َ َ َ
4
اح َب ُه ". َوِا ْد َم ُ
- 1ابن ماجه ،سنن ابن ماجه ،كتاب األشربة ،باب ما أسكر كثيره فقليله حرام ،حديث( .)3343قال األلباني :حسن صحيح.
- 2ابن هبيرة ،اإلفصاح.2/237 ،
- 3الدارقطني ،سنن الدارقطني ،كتاب األشربة وغيرها ،247/4 ،حديث( ،)4صححه األلباني في السلسلة الصحيحة،353/4 ،
حديث(.)1254
ب ْال َخ ْم ِر ،315/2 ،حديث( .)5333قال األلباني :صحيح
- 4النسائي ،سنن النسائيِ ،كتَابُ ْاألَ ْش ِربَ ِةِ ،ذ ْك ُر ْاْلثَ ِام ْال ُمتَ َولِّ َد ِة ع َْن ُشرْ ِ
موقوف.
73
إذاً الخمر أساس كل شر ،ألنها تغطي عقل شاربها ،فيتصرف تصرفات تضر البدن والروح،
والمال والولد ،والعرض والشرف ،والفرد والمجتمع ونحو ذلك من المفاسد المترتبة على زوال
البلَه والجنون ،ولِ َما تسببه من العداوة والبغضاء،
العقل ،ولِ َما تسببه من األمراض والضغط و َ
والصد عن ذكر اهلل والصالة ،وتعطيل العمل ،وانتهاك الحرمات والمحرمات.
ولِ َمــا فــي تناولهــا مــن الجنايــة علــى العقــل الــذي شـ َّـرف اهلل بــه اإلنســان علــى غي ـره ،ولِ َمــا فيهــا مــن
الخبث والضرر على القلب والعقل والدماغ والكبد.
فلهذه األسباب وغيرها حرم اهلل الخمر من كـل وجـه تنـاوالً ،أو تجـارة فيهـا ،أو ز ارعـة لهـا ،صـيانة
للعقول من الفساد ،وحفظاً لألموال واألعراض والنفوس واألخالق من التلف والهالك.
ـس ِمـ ْـن َع َمـ ِـل َزال ُم ِر ْجـ ٌ ـاب َو ْاأل َْ صـ ُ
ِ
آم ُن ـوا إِ َّن َمــا ا ْل َخ ْمـ ُـر َوا ْل َم ْيسـ ُـر َو ْاألَ ْن َ
ين َ قــال تعــالىَ { :يــا أَي َهــا الَّـ ِـذ َ
ـاء ِفــي ضـ َ َن ُيوِقـ َ
ـع َب ْيـ َن ُك ُم ا ْل َعـ َـد َاوةَ َوا ْل َب ْغ َ ان أ ْط ُ ـون إِ َّن َمــا ُي ِريـ ُـد َّ
الشـ ْـي َ ـاجتَِن ُبوهُ لَ َعلَّ ُكـ ْـم تُ ْفلِ ُحـ َ
ان فَـ ْطِ َّ
الشـ ْـي َ
ون } [الما دة.]91-90: الص َال ِة فَ َه ْل أَ ْنتُ ْم ُم ْنتَ ُه َ
ص َّد ُك ْم َع ْن ِذ ْك ِر اللَّ ِه َو َع ِن َّ ِ
ا ْل َخ ْم ِر َوا ْل َم ْيس ِر َوَي ُ
عز وج ّل-عهداً لِمن ام ،إِ ّن على اهلل ّ - ِ َّ
صلى اللهُ َعلَ ْيه َو َسل َم ُ " :-ك ّل مسكر حر ٌ
وقال رسول اهلل َّ َّ -
َ
عـرق الخبال ،قالوا :يا رسول اهلل ،وما طينـ ُة الخبـال؟ قـال: قيه من طينة َ ِ
ُ المسكر أن َيس َ يشرب ُ
4
أهل ال ّنار ،أو عصارة أهل ال ّنار"
ب
ش َـر ُ ـالَ ،...« :والَ َي ْ َو َسـلَّ َم ،-قَ َ صـلَّى اهللُ َعلَ ْي ِـه َن رس َ َّ ِ
ـول اللـهَ - وعن أبي هريرة رضي اهلل عنه ،أ َّ َ ُ
ـار ُ ِ الخ ْم َر ِح َ
َو ُه َـو ُم ْـؤ ِم ٌنَ ،والَ َي ْنتَ ِه ُ
ـب ُن ْه َبـ ًة، س ِـر ُ
ق ق حـي َن َي ْ الس ِ
ق َّ س ِر ُ ب َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌنَ ،والَ َي ْ
ش َر ُ
ين َي ْ َ
ص َارُه ْمَ ،و ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن». ِ ِ
اس إِلَ ْيه ف َ َي ْرفَعُ َّ
2
يها أ َْب َ الن ُ
حد الشرب؟
يثبت ّ
بم ُ
َ
ويثبت على شارب الخمر ِ
باإلقرار واالعتراف ،أو شهادة شاهدين عدلين ،والدليل: ُ
"شهدت عثمان بـن عفـان وأُتـي بالوليـد 6قـد صـلى الصـب ركعتـين ث ّـمُ عن ُحضين بن المنذر قال:
يتقيــأ،
قــال :أزيــدكم فشــهد عليــه رجــالن :أحــدهما ُحمـران؛ أنــه شــرب الخمــر ،وشــهد خــر؛ ّأنــه ره ّ
ـي :قـم ،يـا حسـن فاجلـده،
علي قُـم فاجلـده ،فقـال عل ّ فقال عثمان :إِنه لم ي ّ
تقيأ حتّى شربها .فقال :يا ّ
-1مسلم ،صحيح مسلم ،كتاب ْاألَ ْش ِربَ ِة ،بَابُ بَيَا ِن أَ َّن ُك َّل ُم ْس ِك ٍر َخ ْم ٌر َوأَ َّن ُك َّل َخ ْم ٍر َح َرا ٌم ،1527/3 ،حديث(.)2112
- 2البخاري ،صحيح البخاريِ ،كتَابُ ال ُحدُو ِد ،بَابُ الَ يُ ْش َربُ ال َخ ْم ُر ،157/2 ،حديث(.)3772
- 3هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط الذي أنزل فيه إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ،أتى به من الكوفة كان واليا عليها وكان شاربا سيء
السيرة ،صلى بالناس الصبح أربعا وهو سكران ،ثم التفت إليهم فقال أزيدكم؟ فقال أهل الصف األول ما زلنا في زيادة منذ وليتنا؟ ال
زادك هللا من الخير ،وحصب الناس الوليد بحصباء المسجد ،فشاع ذلك في الكوفة وجرى من األحوال ما اضطر سيدنا عثمان إلى
استحضاره(.صحيح مسلم ،شرح محمد فؤاد عبد الباقي.)1331/3،
74
قارهــا .1فكأنــه وجــد عليــه ،1فقــال :يــا عبــد اهلل بــن جعفــر! قــم فقــال الحســن :و ِّل َّ
حارهــا مــن تــولّى َّ
ـه َعلَ ْي ِـه
صـلَّى اللَّ ُ
بـي َ -
ثم قال :جلد ال ّن ّ
وعلي َي ُعد حتّى بلغ أربعين ،فقال :أمسكّ ، ّ فاجلده ،فجلده
6
لي".ِ سلَّم -أربعين ،وجلد أبو بكر أربعين ،وعمر ثمانينٌّ ،
س ّنة وهذا أحب إ ّوكل ُ َو َ َ
اتفق الفقهاء على أنه يثبت حد الشرب أو السكر بأحد شيئين :اإلقرار أو البينة.
أوالً :البينة :وهي شهادة عدلين ،ويشترط فيهما ما يلي:
-1أن يكونا عدلين مسلمين.
4
-1الذكورة ،فال تقبل شهادة النساء للشبهة.
-6األصالة فال تقبل الشهادة على الشهادة ،وال كتاب القاضي إلى القاضي في الحدود كلها،
5
لتمكن زيادة شبهة فيها ،والحدود ال تثبت مع الشبهات.
-4عــدم التقــادم عنــد الحنفيــة ألن التقــادم يمنــع قبــول الشــهادة 3.وتقبــل الشــهادة عنــد جمهــور
7
الفقهاء ،ولو بعد مضي زمان طويل من الواقعة.
ثانيا :اإلقرار:
اتفق جمهور الفقهاء على أن شرب الخمر ونحوها يثبـت بياإلقـرار مـرة واحـدة ،ويكفـي فـي اإلقـرار
خمر 8.واذا رجع عن إق ارره قبل رجوعه.
من شخص بأنه شرب اً
قال ابن قدامة ":وال يجب الحد حتى يثبت شربه بأحد شي ين :اإلقرار أو البينة ،ويكفي في اإلقرار
مـرة واحــدة فــي قــول عامــة أهــل العلــم ،ألنــه حــد ال يتضــمن إتالفــا فأشــبه حــد القــذف واذا رجــع عــن
إق ـ ارره قبــل رجوعــه ،ألنــه حــد هلل ســبحانه فقبــل رجوعــه عنــه كســا ر الحــدود ،وال يعتبــر مــع اإلق ـرار
9
وجود ار حة".
عند الحنفية :حكي عن أبي حنيفة :ال حد عليه إال أن توجد ار حة الخمر
جاء في تبـين الحقـائق ":مـن شـرب خمـ ار فأخـذ وريحهـا موجـود ،أو كـان سـكرانا ولـو بنبيـذ ،وشـهد
10
رجالن أو أقر مرة حد ،إن علم شربه طوعا وصحا".
- 1الحار الشديد المكروه ،والقار البارد الهنيء الطيب ،وهذا مثل من أمثال العرب .قال األصمعي وغيره :معناه ول شدتها وأوساخها
من تولى هنئتها ولذاتها ،والضمير عائد إلى الخالفة والوالية ،أي كما أن عثمان وأقاربه يتولون هنئ الخالفة ويختصون به -يتولون
نكدها وقاذوراتها ،ومعناه ليتولى هذا الجلد عثمان بنفسه أو بعض خاصة أقاربه األدنين.
- 2وجد عليه :أي غضب عليه.
- 3مسلم ،صحيح مسلمِ ،كتَابُ ْال ُحدُو ِد ،بَابُ َح ِّد ْال َخ ْم ِر ،1331/3 ،حديث(.)1717
- 4الكاساني ،بدائع الصنائع ،43/7 ،ابن عابدين ،حاشية رد المختار ،41/4 ،الدسوقي ،حاشية الدسوقي ،353/4 ،الخطيب الشربيني،
مغني المحتاج ،141/4 ،الحجاوي ،اإلقناع.237/4 ،
- 5الكاساني ،بدائع الصنائع.43/7 ،
- 3ابن عابدين ،حاشية رد المختار ،41/4 ،الكاساني ،بدائع الصنائع.51/7 ،
- 7ابن جزي ،القوانين الفقهية ،ص ،215مغني المحتاج ،141/4 ،ابن قدامة ،الكافي.224/4 ،
- 2الدسوقي ،حاشية الدسوقي ،353/4 ،الخطيب الشربيني ،مغني المحتاج ،141/4 ،البهوتي ،كشاف القناع.112/3 ،
- 4ابن قدامة ،المغني.323/11 ،
- 11الزيلعي ،تبين الحقائق.145/3 ،
75
وقال السرخسي ":وال يحد بإق ارره في حال سكره من الخمر ،ألن السكران ال يثبت على كالم واحد
ولكنه يتكلم بالشيء وبضده ،واإلصرار على اإلقرار بالسبب ال بد منه إليجاب حد الخمر.
ولو أقر عند القاضي أنـه شـرب أمـس خمـ ار لـم يحـد أيضـا ،وانمـا يحـد إذا أتـاه سـاعة شـرب والـري
يوجــد منــه فــي قــول أبــي حنيفــة وأبــي يوســف .وفــي قــول محمــد يؤخــذ بــإق ارره متــى جــاء مثــل حــد
1
الزنا".
73
حكم تناول المخدرات:
للمخدرات أنواع متعددة تختلف الختالف أصولها المستخرجة منها ،وهي:
-1الحشيشة :يطلق هذا اللفظ غالبا في الشـرق علـى مـادة مخـدرة تحضـر مـن نبـات القنـب،
وتستعمل األجزاء المختلفة من النبات لتحضير مستحضرات تسمى بأسماء مختلفة ،مثل
1
البانج والكراسي والجنجا والكيف.
2
-2األفيون :عصارة الخشخاش تستعمل للتنويم والتخدير.
-3القــات :نبــات مــن الفصــيلة السلســترية ،يــزرع ألو ارقــه التــي تمضــغ خض ـراء ،قليلــه منبــه،
3
وكثيره مخدر ،موطنه الحبشة ،ويزرع بكثرة في اليمن ويسمى شاي العرب.
-1الكوكـــايين :أحــد قلويــات أوراق الكوكــا ،يس ــتعمل فــي الطــب كمخــدر موضــعي ،وبع ــض
النــاس يســتعملونه لطــرق غيــر مشــروعة ،واســتمرار اســتعماله يح ـدث خم ـوال فــي الجهــاز
1
العصبي يؤدي إلى الجنون.
-5البــنج :جــنس نباتــات طيبــه مخــدرة مــن الفصــيلة الباذنجانيــة ،وهــو مخــبط للعقــل ،مجــنن
مس ـ ــكن ألوج ـ ــاع األورام والبث ـ ــور ،ووج ـ ــع األذن ،وأخبث ـ ــه األس ـ ــود ث ـ ــم األحم ـ ــر ،وأس ـ ــلمه
5
األبيض.
-3جــوزة الطيــب :وســمي بــذلك لعطريتــه ،ودخولــه فــي األطيــاب ،وهــو ثمــر شــجرة فــي عظــم
3
شجرة الرمان.
77
قال شيخ االسالم ابن تيمية ":وأما الحشيشة الملعونة المسـكرة :فهـي بمنزلـة غيرهـا مـن المسـكرات
والمســكر منهــا حـرام باتفــاق العلمــاء ،بــل كــل مــا يزيــل العقــل فانــه يحــرم أكلــه ولــو لــم يكــن مســك ار،
كالبنج فان المسكر يجب فيه الحد ،وغير المسكر يجب فيه التعزير.
وأمــا قليــل الحشيشــة المســكرة :فح ـرام عنــد جمــاهير العلمــاء كســا ر القليــل مــن المســكرات ،وقــول
النبيُ ":ك ُّل ُم ْس ِك ٍر َخ ْمٌر َو ُك ُّل َخ ْم ٍر َح َرٌام" ،يتناول ما يسكر ،وال فرق بين ان يكون المسكر مأكوال،
او مشروبا ،او جامدا ،او ما عا ،فلو اصطبغ كالخمر كان حراما ،ولو أماع الحشيشة وشربها كان
1
حراما".
وذهب جمهور الفقهاء :إلى حرمة تناول المخدرات التي تغشى العقل ،ولو كانت ال تحدث الشدة
المطربة التي ال ينفك عنها المسكر الما ع.
وكما أن ما أسكر كثيره حرم قليله من الما عات ،كذلك يحرم مطلقا ما يخدر من األشياء الجامدة
المضرة بالعقل أو غيره من أعضاء الجسد .وذلك إذا تناول قد ار مض ار منها .دون ما يؤخذ منها
1
من أجل المداواة؛ ألن حرمتها ليست لعينها ،بل لضررها.
وبناء على هذا فإن الحكم الشرعي للمخدرات أنهـا "حـرام " ،ودليـل هـذا الحكـم الـنص ،ألنهـا داخلـة
في عموم المسكرات ،أو بالقياس على الخمر التحادهما في علة الحكم وهي اإلسكار ،أو لمـا فـي
المخــدرات مــن األضـرار الفرديــة واالجتماعيــة .ودخولهــا فــي عمــوم المســكرات قــا م علــى أســاس أن
كثي ـ ار مــن العلمــاء واألطبــاء يؤكــدون :أن تــأثير المخــدرات كتــأثير الخمــر علــى العقــل مــن ناحيــة
اإلسكار .وقد قال النبي صلى اهلل عليه وسلمُ « :كل م ِ
سك ٍر َخ ْمٌر َو ُكل َخ ْم ٍر َح َر ٌ
6
ام». ُ ْ
72
كيف أثر غياب الدولة على تطبيق حد الشرب؟
إن اآلثــار الناجم ـة عــن تعــاطي المســكرات والمخــدرات متعــددة الجوانــب ،ففيهــا ضــرر بالشــخص
ذاته ،وبأسرته وأوالده ،وبمجتمعه وأمته.
.1الضرر الشخصي :وفيه
أ -التــأثير الفــادح فــي الجســد والعقــل معـاً ،لمــا فــي المســكر والمخــدر مــن تخريــب وتــدمير الصــحة
واألعصاب والعقل والفكر ومختلف أعضاء جهاز الهضم ،وغير ذلك مـن المضـار والمفاسـد التـي
تفتك بالبدن كله.
ب -وباالعتبــار األدبــي والك ارمــة اإلنســانية ،حيــث تهتــز شخصــية اإلنســان ،ويصــب موضــع الهــزء
1
والسخرية ،وفريسة األمراض المتعددة.
جــاء فــي تفســير روح البيــان ":وفــي الخمــر إيقــاع العــداوة والبغضــاء والصــد عــن ذكــر اهلل وعــن
الصــالة ،وهــي تســفه الحلــيم ويصــير شــاربها بحيــث يلعــب ببولــه وعذرتــه وقي ــه ،كمــا ذكــر ابــن ابــى
الدنيا أنه مر على سكران وهو يبول فـي يـده ويمسـ بـه وجهـه كهي ـة المتوضـئ ،ويقـول الحمـد هلل
الذي جعل اإلسالم نو ار والماء طهو ار".1
.2الضرر العائلي :وفيه
أ -مــا يلحــق بالزوجــة واألوالد مــن إســاءات ،فينقلــب البيــت جحيم ـاً ال يطــاق مــن ج ـراء التــوترات
العص ــبية والهي ــاج والس ــب والش ــتم وت ــرداد عب ــارات الط ــالق والحـ ـرام ،والتكس ــير واإلرب ــاك ،واهم ــال
الزوجة والتقصير في اإلنفاق على المنزل.
ب -وقد تؤدي المسكرات والمخدرات إلى إنجاب أوالد معاقين متخلفين عقلياً.
.3الضرر العام:
أ -إتالف أموال طا لة من غير مردود نفعي ،وفي تعطيل المصال واألعمال ،والتقصير في أداء
الواجبات ،واإلخالل باألمانات العامة ،سواء بمصال الدولة أو المؤسسات أو المعامل أو األفراد.
ب -ما يؤدي إليه السكر أو التخدير من ارتكاب الج ار م على األشخاص واألموال واألعراض ،بل
6
إن ضرر المخد ارت أشد من ضرر المسكرات؛ ألن المخدرات تفسد القيم الخلقية.
ج -غيــاب العقــاب الـرادع يفــت بــاب االتجــار بالمخــدرات بيعـاً وشـراء وتهريبـاً وتســويقاً ،ممــا يــؤدي
إلى إفساد الناش ة واألمة ،وتدمير أخالقها وقيمها ،وتخريب اقتصادها واضعافها أمام غيرها.
74
المطلب الرابع
أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد السرقة.
السرقة لغة :س ر ق :سرق منه ماال يسرق بالكسر منه ماال ،وسـرقه مـاال سـرقا وسـرقة أخـذ مالـه
خفيــة فهــو ســارق ،واســترق الســمع :أي ســمع مســتخفيا ويقــال :هــو يســارق النظــر إليــه إذا اســتغل
1
غفلته لينظر إليه.
السرقة في االصطالح:
-1عنــد الحنفيــة" :وهــي أخــذ العاقــل البــالغ نصــاباً محــر اًز ،أو مــا قيمتــه نصــاباً ملكـاً للغيــر ال
1
شبهة له فيه على وجه الخفية".
-1عند المالكية ":أخذ مكلف ح ار ال يعقل لصـغره ،أو مـاال محترمـا لغيـره نصـابا أخرجـه مـن
6
حرزه بقصد واحد ،خفية ال شبهة له فيه".
-6عند الشافعية ":أخذ مال الغير خفية من حرز مثله بشروط مخصوصة".4
-4عند الحنابلـة ":أخـذ مـال محتـرم لغيـره ،واخ ارجـه مـن حـرز مثلـه ،ال شـبهة فيـه علـى وجـه
5
االختفاء".
يتبين لنا في التعاريف السابقة ما يلي:
-1أن حقيقة السرقة هي أخذ مال الغير خفية عند جميع الفقهاء.
-1تض ــمنت التع ــاريف الس ــابقة ،الش ــروط الموجب ــة لح ــد السـ ـرقة ،م ــن حي ــث ش ــروط الم ــال،
وشروط الجاني ،وعدم الشبهة في المال ،واشتراط الحرز.
- 1الرازي ،مختار الصحاح ،323/1 ،إبراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد النجار ،المعجم الوسيط.427/1 ،
- 2ابن مودود الموصلي ،االختيار لتعليل المختار ،45/1 ،الشيخ نظام وجماعة من علماء الهند ،الفتاوى الهندية.171/2 ،
- 3الخرشي ،شرح مختصر خليل ،41/2 ،ابن رشد ،بداية المجتهد.445/2 ،
- 4الرملي ،نهاية المحتاج.434/7 ،
- 5الحجاوي ،اإلقناع ،274/4 ،البهوتي ،كشاف القناع.124/3 ،
- 3الكاساني ،بدائع الصنائع ،43/7 ،ابن رشد ،بداية المجتهد ،454/2 ،الشربيني ،مغني المحتاج ،173،175/4،البهوتي ،كشاف
القناع144/3 ،و.145
- 7الموسوعة الفقهية الكويتية.245/24 ،
21
واإلقرار إنما صار حجة في الشرع لرجحان جانـب الصـدق فيـه علـى جانـب الكـذب ،وألن اإلنسـان
1
غير متهم في اإلقرار على نفسه باإلضرار بها.
مشروعية حد السرقة:
اء ِب َمـا ِ الس ِ الس ِ
ط ُعوا أ َْيـد َي ُه َما َج َـز ً
ـارقَ ُة فَـا ْق َ ق َو َّ ار ُ األصل في مشروعية حد السرقة هو قوله تعالىَ { :و َّ
يم} [الما دة.]68: َكسبا َن َكاالً ِم َن اللَّ ِه واللَّ ُه ع ِز ٌ ِ
يز َحك ٌ َ َ ََ
وجه الداللة :أن اهلل سبحانه وتعالى بين في اآلية أن حكم السارق والسارقة هو قطع اليد.
صـلَّى اللَّـهُ َعلَ ْي ِـه َو َسـلَّ َم ":-تُ ْقطَـعُ ا ْل َي ُـد ِفـي ُرُب ِـع
ـي َ -النبِ ُّ
ـال َّ
ش َة رضي اهلل عنهـا قالـت :قَ َ وعن َع ِائ َ
ار فَص ِ ِ
دي َن ٍ َ
8
اع ًدا".
وفــي الصــحيحين عــن عائشــة رضــي اهلل عنهــا ،أن قريشــا أهمهــم شــأن الم ـرأة المخزوميــة التــي
سرقت ،فقالوا :ومن يكلم فيها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقالوا :ومن يجترئ عليه إال أسامة
- 1المرجع السابق.
- 2الكاساني ،بدائع الصنائع ،43/7 ،ابن عابدين ،حاشية رد المختار ،41/4 ،الدسوقي ،حاشية الدسوقي ،353/4 ،الخطيب الشربيني،
مغني المحتاج ،141/4 ،الحجاوي ،اإلقناع.237/4 ،
- 3الكاساني ،بدائع الصنائع.43/7 ،
- 4ابن عابدين ،حاشية رد المختار ،41/4 ،الكاساني ،بدائع الصنائع.51/7 ،
- 5ابن جزي ،القوانين الفقهية ،ص ،215مغني المحتاج ،141/4 ،ابن قدامة ،الكافي.224/4 ،
اإلسالمي وأدلَّتُهُ.344/7 ،
ُّ الز َح ْيلِي ،الفِ ْقهُ
ُّ - 3
َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ُ َ
َّارقة فاقطعُوا أي ِديَهُ َما[ لالمائدةَ ]32 :وفِي ك ْم يُقطعُ؟، ُ
َّارق َوالس ِ
{والس ِ َ َ َّ َ
- 7متفق عليه :البخاريِ ،كتَابُ ال ُحدُو ِد ،بَابُ قوْ ِل هللاِ ت َعالىَ :
صابِهَا ،1312/3 ،حديث رقم (.)1324 ن و
ِ ِ َِ َ ةَ قَّر
س ال ،131/2حديث رقم( ،)3724ومسلمِ ،كتَابُ ْال ُحدُو ِد ،بَابُ َح ِّد
21
صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم: َّ ِ
ال َر ُسو ُل الله َ بن زيد ،حب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فكلمه أسامة ،فَقَ َ
ض َّل َم ْن قَ ْبلَ ُك ْم ،أ ََّن ُه ْم
اس ،إِ َّن َما َ الَ « :يا أَي َها َّ ِ َّ ِ ِ «أَتَ ْ ِ
الن ُ ب ،قَ َ طَ ام فَ َخ َ
شفَعُ في َح ٍّد م ْن ُح ُدود الله» ثُ َّم قَ َ
الحـدََّ ،و ْاي ُـم اللَّ ِـه ،لَ ْـو أ َّ
َن ِ
ـاموا َعلَ ْيـه َ
َّـع ُ ِ
يف فـي ِه ْم أَقَ ُ
ق الض ِ س َـر َ ق َّ
الش ِر ُ
يف تََرُكـوهَُ ،وِا َذا َ َكا ُنوا إِ َذا َ
س َر َ
ِ ٍ فَ ِ
سلَّ َمَ ،
صلَّى اهللُ َعلَ ْيه َو َ اط َم َة ِب ْن َ
1
س َرقَ ْت لَقَطَ َع ُم َح َّم ٌد َي َد َها». ت ُم َح َّمد َ
الحكمة من حد السرقة:
السرقة من أعظم الج ار م في اإلسالم ،فهي حرام حرمة شديدة ،ومنكر عظيم ،وأكل ألموال الناس
ّ
بالباطل ،ال يحل في شرع وال دين وال قانون في الدنيا ،ألن إباحة السرقة تخل بأمن الناس في
أموالهم وتهز مبدأ الثقة والطمأنينة ،وتزعزع استقرار االقتصاد والتجارة وغيرها من موارد الرزق.
والغصب والخيانة والنهب ونحو ذلك كالسرقة أخذ ملك اآلخرين بغير حق.
الحد وهو قطع اليد في شريعة القـرن ،وهـذه العقوبـة ،وان كانـت
لذا كانت جريمة السرقة مستوجبة ّ
1
قاسية ،فهي العقوبة الوحيدة الزاجرة لالعتداء على األموال وأخذها بغير حق.
قال محمد بن إبراهيم التويجري ":صان اهلل األموال بإيجاب قطع يد السارق ،فإن اليد الخا نة
بمثابة عضو مريض يجب بتره ليسلم الجسم .وفي قطع يد السارق التي من شأنها أن تباشر
السرقة عبرة لمن تحدثه نفسه بسرقة أموال الناس ،وتطهير للسارق من ذنبه ،وحفظ ألموال األمة،
6
وارساء لقواعد األمن والطمأنينة في المجتمع".
فقد ظهر جليا أثر غياب تطبيق حد السرقة سلبا على الفرد والمجتمع بما يلي:
-1لقد انتشرت ج ار م السطو علـى البنـوك والمحـالت والخـ از ن والمخـازن ،وتكونـت عصـابات
متخصصة في هذا المجال ويؤدى بها األمر في بعض األحيان ،إلى سـفك الـدماء لسـرقة
مجوهرات طفلة صغيرة ،أو سيدة عجوز ،أو قتـل صـاحب محـل صـرافة أو رجـل فـي بيتـه
ألجل سرقة المال.
وهذا بسبب غياب العقاب الرادع لمثل هؤالء ،ومن تسول له نفسه أن يفعل فعلهم.
-1ومما يؤسف له أن عقوبات التشريع الوضعي لن تردع هؤالء ،بل يدخلون السـجن لفتـرات
قصــيرة ثــم يخرجــون ،وقــد حصــلوا علــى دورات تدريبيــة متخصصــة ممــن هــم أكثــر خب ـرة،
وأعظم خط اًر في مجال السرقات.
22
-6تــرك الس ـرقة ترتــع فــي المجتمــع ،تــروع اآلمنــين بمــا تفضــي إليــه مــن العديــد مــن الج ـ ار م
والمنكرات.
جــاء فــي كتــاب الفقــه اإلســالمي وأدلتــه :وقــد كانــت الحجــاز ،بــل وســا ر الجزي ـرة العربيــة ،مرتع ـاً
خصباً ألشنع ج ار م السرقة وقطع الطريق ،حتى على حجاج بيت اهلل الحرام رجاالً ونساء ،فما أن
طبق ـت الحجــاز- ،أي الدولــة الســعودية-هــذين الحــدين حتــى اســتتب األمــن وانقطعــت الس ـرقات،
وانهارت عصابات قطع الطريق ،حتى أصبحت البالد مضرب المثل المسـتغرب فـي انقطـاع دابـر
1
جريمتي السرقة وقطع الطريق.
-4طبيعــة جريمــة السـرقة ،أن تــتم فــي الخفــاء ،الــذي يتــرك الرهبــة والرعــب الشــديد فــي نفــوس
الناس.
-5مــا تحدثــه السـرقة مــن ترويــع وافســاد ،وكــل مــا ُي َم ِكـن الســارق مــن تحقيــق مأربــه ،ولــو أدى
ذلــك إلــى القتــل ،فــإن طبيع ـة الســارق موســومة بالش ـراهة والــنهم ،فــال يهمــه إال مــا يحصــل
عليــه مــن أم ـوال النــاس ،مــن أجــل ذلــك شــدد الشــارع فــي تلــك العقوبــة حتــى يــردع اإلثــم
ويطم ن األمن.
-3في غياب العقوبة يصب السارق كالحيوان المفترس ،الذي يفتك بكـل مـا يالقيـه ،فجريمتـه
يجــب أن تقابــل بالقســوة المتناهيــة ،كــي ينقطــع دابرهــا مــن بــين النــاس بتاتــا ،فــإذا تخيــل
شــخص أن العقوبــة شــديدة ،فإنــه يجــب أن يعلــم أن فظاعــة الجريمــة و ثارهــا فــي المجتمــع
1
أشد وأنكى.
-7أن هذه األموال التي يكتسبها اإلنسان بالكد والكدح تصرف إما للقـوت ،وهـو قـوام الحيـاة،
واما على الملبس وعليه وقايـة الجسـد .وقـل مـا شـ ت فـي وجـوه الصـرف ،التـي ال يحصـى
عددها ،والتي عليها قوام الحياة ،ونظام هذا الكون.
فيجتهد اإلنسان هذا االجتهاد في الكسـب لهـذه األغـراض الشـريفة ،ثـم يـأتي اللـص فيسـلبه
6
ثمرة أتعابه سلبا ،هو في الحقيقة تقويض لدعا م العمران واألمن العام.
-8إن الســارق إذا تعــود الســرقة مالــت نفســه إلــى الكســل والبطالــة ،فتتعطــل حركــة األعمــال
ويحـل بالعـالم النكــال والوبـال ،ويأكــل النـاس بعضــهم بعضـا ،لجلــب مـا يحتــاجون إليـه مــن
4
ضرورات الحياة.
23
-9إن السجن ال يعتبـر عقوبـة رادعـة للسـارق ،بـل اسـتراحة لالنطـالق مـن جديـد بخبـرة أوسـع
من ذي قبل ،وال يعود على الدولة إال بإرهاق ميزانيتها المالية في غير جدوى.
فلهــذا كلــه يتض ـ أن الســارق عضــو فاســد فــي جســم األمــة يجــب تالفــي ش ـره ،وال يكــون ذلــك إال
بتطبيــق حــد السـرقة علــى الســارق ،ليكــون عبـرة لمــن تحدثــه نفســه بالســطو علــى أمـوال النــاس ،فــال
يجرؤ أن يمد يده إليها ،وبهذا تحفظ األموال وتصان ويأمن المجتمع.
24
المطلب الخامس
أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الحرابة
التعريــف المختــار :بــالنظر إلــى التعريفــات الســابقة نجــد أن تعريــف المالكيــة للح اربــة هــو التعريــف
المختار ،وهو" الخروج إلخافة السبيل ،وأخذ المال ،أو القتل ،أو التخويف" .وذلك لما يلي:
-1التعريف يشمل كل من أخاف الطريق بأي صورة من الصور يعتبر محارباً عليه ُّ
الحد.
-1لم يفرق التعريف بين الرجل والمرأة في استحقاق العقوبة.
-6والحرابة داخل البلد ،أو خارج البلد سواء في الحكم.
- 1ابن منظور ،لسان العرب ،312/1،ال َّزبيدي ،تاج العروس ،251/2،إبراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد
النجار ،المعجم الوسيط.134/1،
- 2الكاساني ،بدائع الصنائع.41/7 ،
- 3الخرشي ،مختصر سيدي خليل.113/2 ،
- 4الشافعي ،محمد بن إدريس الشافعي ،األم.152/3 ،
- 5ابن قدامة ،المغني.242/11 ،
25
مشروعية عقوبة حد الحرابة:
ومحاربة الناس للّه على وجه الحقيقة غير ممكنة ،لتنزهه عن أن يكون من الجواهر واألجسام
ألن المحاربة تستلزم أن يكون ك ّل من المتحاربين في جهة ومكان ،واللّه ِ
التي تُقاتل أو تُقاتَل ،و ّ
منزه عن ذلك ،فيكون مجا از ،إما من المخالفة واإلغضاب مع التلبس بحالة تشبه حالة ّ
فإن قطّاع الطريق يخرجون ممتنعين مجاهرين بإظهار السالح وقطع الطريق ،أو المحاربينّ ،
المعنى يحاربون أولياء اللّه ورسوله ،والمحاربون هم الذين يجتمعون بقوة وشوكة يحمي بعضهم
بعضا ،ويقصدون المسلمين ،أو أهل الذمة في أرواحهم وأموالهم.
والسعي في األرض بالفساد عبارة عن إخافة الطرق بحمل السالح ،وازعـاج النـاس ،سـواء أصـحبه
1
قتل النفوس وأخذ األموال أم ال.
والحرابة -أو قطع الطريق -تُ َع ُّد من كبريات الج ار م ،ومن ثم أطلق القرن الكريم على المتـورطين
في ارتكابها أقصى عبـارة ،فجعلهـم محـاربين هلل ورسـوله -صـلى اهلل عليـه وسـلم ،-وسـاعين فـي
األرض بالفساد ،وغلظ عقوبتهم تغليظا لم يجعله لجريمة أخرى.
ويدخل في حكم الحرابة كل ما يقع من ذلك في الطرق والمنازل ،والسيارات والقطارات ،والسفن
والطا رات ،سواء كان تهديداً بالسالح ،أو زرعاً للمتفجرات ،أو نسفاً للمباني ،أو حرقاً بالنار ،أو
أخذاً لرها ن ،وكل ذلك محرم ،ومن أعظم الج ار م؛ لما فيه من ترويع الناس ،واالعتداء على
6
أنفسهم وأعراضهم وأموالهم بغير حق ،ولهذا كانت عقوبتها من أقسى العقوبات.
23
ثانياً :السنة:
-1عن أنس بن مالك ،أن ناسـا مـن ُعرينـة 1قـدموا علـى رسـول اهلل صـلى اهلل عليـه وسـلم المدينـة،
الصـ َـدقَ ِة،
َن تَ ْخ ُر ُجـوا إِلَــى إِ ِبـ ِـل َّ صــلَّى اهللُ َعلَ ْي ِـه َو َســلَّ َم« :إِ ْن ِشـ ْئتُ ْم أ ْ ِ 1
ـال لَهُ ْـم َر ُســو ُل اهلل َ فاجتووهـا ،فَقَـ َ
ـوه ْم َو ْارتَــدوا َعـ ِـن
ـاء ،فَقَتَلُـ ُ الرعـ ِ ِ ِ ِ
صــحوا ،ثُـ َّـم َمــالُوا َعلَــى ِّ َ شـ َـرُبوا مـ ْـن أَْل َبان َهــا َوأ َْب َوال َهــا» ،فَفَ َعلُ ـوا ،فَ َفَتَ ْ
سـلَّ َم، ِ سـلَّ َم ،فََبلَـغَ َذلِ َ ِ اإلس َالِم ،وساقُوا َذوَد رس ِ ِ
صـلَّى اهللُ َعلَ ْيـه َو َ ـي َ ـك َّ
الن ِب َّ صلَّى اهللُ َعلَ ْيه َو َ ول اهلل َ ْ َ ُ َ َ ِْ ْ
،وتَ َـرَك ُه ْم ِفــي ا ْل َح َّـرِةَ ،حتَّــى 3
َع ُيـ َن ُه ْم َسـ َـم َل أ ْ ـث ِفـي أَثَـ ِـرِهم فَـأ ُِتي ِب ِهـم ،فَقَطَـ ِ
ـع أ َْيـد َي ُه ْمَ ،وأ َْر ُجلَ ُه ْـمَ ،و َ
َ َ ْ ْ فَ َب َع َ
1
َماتُوا".
وجه الداللة :هذا الحديث أصل في عقوبة المحاربين ،ألنه يدل على أن مـن يقتـل ويسـرقُ ،يقطـع
ويقتل ،كما فعل النبي-صلى اهلل عليه وسلم-وانما غلظ عليهم العقوبة ،ألنهم قتلوا ،وأخذوا المال،
5
وارتدوا عن اإلسالم.
ـالَ « :م ْـن َح َم َـل النبِ ِّ
ـي -صـلى اهلل عليـه وسـلم -قَ َ ِ
ضـي اهللُ َع ْنهُ َمـا َع ِـن َّ ْ ِ ِ ِ
َ -1وعَن َع ْبـداهلل ْبـن ُع َم َـر َر َ
8
س ِم َّنا». 6
الح َفلَ ْي َ
الس َ
َعلَ ْي َنا ِّ
وجه الداللة :مذهب أهل السنة والفقهاء أن من حمل السالح على المسـلمين بغيـر حـق وال تأويـل
8
ولم يستحله فهو عاص وال يكفر بذلك ،فإن استحله كفر.
ثالثاً :اإلجماع:
اتفـق العلمــاء علــى أن مـن قتــل وأخــذ المــال ،وجـب إقامــة الحــد عليــه ،وال يسـقط العقــاب بعفــو ولــي
9
المقتول ،والمأخوذ منه المال ،خالفا للقتل العادي.
27
التسبب من البعض باإلعانة واألخـذ؛ ألن القطـع يحصـل بكـل مـا ذكـر كمـا فـي السـرقة ،وألن هـذا
1
من عادة قطاع الطرق.
22
لغياب الدولة عن تطبيق حد الحرابة آثار سلبية عدة منها:
-1عدم وجود عقاب لهذه الجريمة يؤدي إلى زعزعة النظام االجتماعي للمجتمع.
-1انعدام األمن واالستقرار في المجتمع وتعطيل اإلنتاج.
-6انتشــار الفوضــى والســعي فــي األرض بالفســاد وهــو إخافــة الطريــق بحمــل الســالح وازعــاج
1
الناس ،سواء صحبه قتل وأخذ مال أو ال.
-4ســد ســبيل الكســب علــى النــاس ،ألن أكثــر المكاســب وأعظمهــا التجــارات وركنهــا وعمادهــا
ـون ون ِفــي ْاأل َْر ِ
ض َي ْبتَ ُغـ َ ضـ ِـرُب َ
ون َي ْ
آخـ ُـر َ
1
الضــرب فــي األرض كمــا قــال -عــز وجــل َ { :-و َ
ض ِل اللَّ ِه } [المزمل.]10:
ِم ْن فَ ْ
-5يتع ــود قط ــاع الطري ــق أو النه ــابين عل ــى أخ ــذ ع ــرق غي ــرهم وأن يعيشـ ـوا ك ــذلك وب ارح ــة.
والمصــيبة ال تكــون فــي قــاطع الطريــق وحــده ،إن األمــر ال يقــف عنــد حــدود ذل ـك اإلنســان
فجـع فـي از ـد مالـه ،يفقـد
يتعداه إلـى غيـره .ويحيـا مـن يملـك مـاالً فـي ُرعـب ،وعنـدما ُي َ
إنما ّ
6
الرغبة في أن يتحرك في الحياة حركة از دة تُنتج فا ضاً ألنه ال يشعر باألمن واألمان.
-3لجريمـة الح اربــة ثــار نفســية وعصـبية خطيـرة ،ومــا لهــا مــن أثـر فــي إحــداث القلــق والرعــب
في النفوس.
24
المطلب السادس
أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الردة.
وعرفها الزحيلي ":الرجوع عن دين اإلسالم إلى الكفـر ،سـواء بالنيـة أو بالفعـل المكفـر ،أو بـالقول،
اء ،أو عناداً ،أو اعتقاداً".8
وسواء قاله استهز ً
من النصوص السابقة الواردة في تعريف الردة ،والمرتد لبيان حقيقتهما لدى فقهاء المذاهب الفقهية
يتض ـ أن هــذه التعريفــات وان اختلفــت فــي العبــارة ،إال أنهــا متحــدة فــي المعنــى ،فهــي كلهــا تــدور
حــول معنــى واحــد هــو" :الرجــوع عــن ديــن اإلســالم" ،وال يتخلــف تعريــف عــن خــر فــي المــذاهب
جز من
المتعددة ،فضال عن فقهاء المذهب الواحد ،إال بزيادة ما يمثل شرطا ،أو وصفا ،ال يعتبر أً
الحقيقة ،وانما هو لبيان صحة هذه الحقيقة وترتب ثارها عليها.
41
وعلى هذا فالمرتد ":هو الراجع عن دين اإلسالم إلى الكفر ،مثل من أنكر وجود الصانع الخـالق،
أو نفى الرسل ،أو كـذب رسـوالً ،أو حلـل ح ارمـاً باإلجمـاع كالزنـا واللـواط وشـرب الخمـر والظلـم ،أو
حرم حالالً باإلجماع كـالبيع والنكـاح ،أو نفـى وجـوب مجمـع عليـه ،كأنـه نفـى ركعـة مـن الصـلوات
الخم ــس المفروض ــة ،أو اعتق ــد وج ــوب م ــا ل ــيس بواج ــب باإلجم ــاع ،كزي ــادة ركع ــة م ــن الص ــلوات
المفروضة ،أو وجوب صوم شيء من شوال ،أو عزم على الكفر غداً ،أو تردد فيه".1
وقد تنازع العلماء في التائب من الكفر :إذا ارتد بعد إسالمه ثم تاب بعد الـردة وأسـلم .هـل يعـود
عمله األول على " قولين " :مبناهمـا أن الـردة هـل تحـبط العمـل مطلقـا ،أو تحبطـه بشـرط المـوت
عليها .فمذهب أبي حنيفة ومالك أنها تحبطه مطلقـا .ومـذهب الشـافعي أنهـا تحبطـه بشـرط المـوت
6
عليها.
-1ومنهــا اســوداد الوجــوه ،واســتحقاق العــذاب يــوم القيامــة ،قــال تعــالىَ { :يـ ْــوَم تَ ْبـ َــيض ُو ُجـــوهٌ
اب ِب َمـا ُك ْنـتُ ْم ـوههم أَ َكفَـرتُم بع َـد إِ ِ َمـا الَّ ِـذ َ
يمـان ُك ْم فَـ ُذوقُوا ا ْل َعـ َذ َ
َّت ُو ُج ُ ُ ْ ْ ْ َ ْ َ اس َـود ْ
ين ْ س َود ُو ُجوهٌ فَأ َّ
َوتَ ْ
ون} [ ل عمران.]103 : تَ ْكفُُر َ
41
آم ُنـوا ثُـ َّـم
ين َ -6ومنهــا حرمــان المغفـرة ،وعــدم الهدايــة للطريــق المســتقيم ،قــال تعــالى{ :إِ َّن الَّـ ِـذ َ
يال} س ـ ِب ً ِ ِ ـر لَــم ي ُكـ ِـن اللَّـ ُ ِ ِ
ـه ل َي ْغفـ َـر لَ ُهـ ْـم َوَال ل َي ْهــد َي ُه ْم َ ادوا ُك ْفـ ًا ْ َ
آم ُنـوا ثُـ َّـم َكفَـ ُـروا ثُـ َّـم ْازَد ُ
َكفَـ ُـروا ثُـ َّـم َ
[النساء.]167:
هــذا بعــض مــا يتصــل مــن صــور العقوبــة األخرويــة ،نســأل اهلل الثبــات علــى الحــق ،وأن ال يزيــغ
قلوبنا.
ثانيـاً :الســنة :أمــا العقوبــة الدنيويــة التــي شــرعها اهلل فــي حــق المرتــد ،فهــي القتــل حــدا ،كمــا أجمــع
على ذلك أهل العلم استنادا إلى السنة الصريحة الدالة على ذلك.
ـال:
ـاس فَقَ َـك ْاب َـن َعَّب ٍ ـغ َذلِ َ ـي اللَّـهُ َع ْنـهُ بِ َزَن ِادقَ ٍـة فَـأ ْ
َح َرقَهُ ْم ،فََبلَ َ ِ
ـي َعلـي َرض َ
ِ ِ ِ ِ
َ -1ع ْن ع ْكرَمةَ قَا َل أُت َ
اب اللَّ ِـه،صلَّى اللَّهُ َعلَ ْي ِه و َسـلَّمَ :-ال تُ َع ِّذ ُبوا ِب َع َذ ِ
َ َ
ِ َّ ِ ِ
ُح ِرْقهُ ْم ،ل َن ْه ِي َر ُسول الله َ - ت أ ََنا لَ ْم أ ْ لَ ْو ُك ْن ُ
َّل ِدي َن ُه فَاقْتُلُوهُ".4 سلَّ َمَ ":-م ْن َبد َ ِ
صلَّى اللَّ ُه َعلَ ْيه َو َ
ولَقَتَ ْلتُهم لِقَو ِل رس ِ ِ
ول اللَّه َ - ُْ ْ َ ُ َ
ـه ُد
شَ سـلٍِم َي ْ
ام ِر ٍ ُم ْ
ِ ِ َّ
صلى اللهُ َعلَ ْيه َو َسل َمَ ":ال َيحل َد ُم ْ
ال :رسو ُل اللَّ ِه َّ َّ
َ ال :قَ َ َ ُ َ -2ع ْن َع ْبِد اللَّ ِه قَ َ
الزِانـي، ـب َّ سَ ،والثَِّّي ُ س ِب َّ
ـالن ْف ِ سـو ُل اللَّ ِـه ،إَِّال ِبِإ ْح َـدى ثَ َـال ٍثَّ ،
الـن ْف ُ َن َال إِلَ َه إَِّال اللَّ ُ
ـه َوأ َِّنـي َر ُ أْ
ِ 2 ِّين التَّ ِ ِ
اعة".ار ُك ل ْل َج َم َ ق ِم ْن الد ِ ار ُ َوا ْل َم ِ
قال ابن حجـر :وفـي روايـة مسـلم "والتـارك لدينـه المفـارق للجماعـة" ،والمـراد بالجماعـة المسـلمين،
أي فارقهم أو تركهم باالرتداد ...قال ابن دقيق العيد :الردة سبب إلباحة دم المسلم باإلجماع فـي
6
الرجل وأما المرأة ففيها خالف".
ثالثاً :االجماع:
قال ابن قدامة ":وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد".4
وروي ذلــك عــن أبــي بكــر ،وعمــر وعثمــان ،وعلــي ،ومعــاذ ،وأبــي موســى ،وابــن عبــاس ،وخالــد،
وغيرهم ،ولم ينكر ذلك ،فكان إجماعا.
- 1البخاري ،صحيح البخاريِ ،كتَابُ ا ْس ِتتَابَ ِة ال ُمرْ تَ ِّدينَ َوال ُم َعانِ ِدينَ َوقِتَالِ ِه ْم ،بَابُ ُح ْك ِم ال ُمرْ تَ ِّد َوال ُمرْ تَ َّد ِة َوا ْستِتَابَتِ ِه ْم،15/4 ،
حديث(.)3422
ف َواألُ ُذنَ
س َوال َعيْنَ بِال َع ْي ِن َواألَ ْنفَ بِاألَ ْن ِ ِ ْ
ف َّ ن الِ ب س
َ ْ
ف َّ نال َّ
ن َ {أ ى:َ لا عَ َ ت ِ َّ
هللا ل
ِ وْ َ ق ابَُ ب ،تِ اَ يدِّ ال َابُ تكِ البخاري، صحيح البخاري، - 2متفق عليه،
ك هُ ُم الظالِ ُمونَ [ لالمائدة،]45 :َّ ُ َّ َ
ق بِ ِه فَهُ َو َكفَّا َرةٌ لَهُ َو َم ْن لَ ْم يَحْ ُك ْم بِ َما أ ْن َز َل هللاُ فَأولَئِ َ ص َّد َ بِاألُ ُذ ِن َوالس َِّّن بِالسِّنِّ َوال ُجرُو َح قِ َ
صاصٌ فَ َم ْن تَ َ
ْ
ت ،بَابُ َما يُبَا ُح بِ ِه َد ُم ال ُم ْسلِ ِم ،1312/3 ،حديث(.)1373 اص َوال ِّديَا ِ ص ِ ْ
اربِينَ َوالقِ َ ْ ْ
،5/4حديث ( ،)3272ومسلمِ ،كتَابُ القَ َسا َم ِة َوال ُم َح ِ
بلفظ" والتارك لدينه المفارق للجماعة".
- 3ابن حجر العسقالني ،فتح الباري.211/12 ،
- 4ابن قدامة ،المغني ،3/4 ،الكاساني ،بدائع الصنائع ،134/7 ،الشافعي ،األم ،244/1 ،خليل بن إسحاق الجندي ،مختصر خليل،
ص.232
42
والردة أفحش الكبائر وأقبح من الكفر األصلي:
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية -رحمه اهلل ":-وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة
الكافر األصلي من وجوه متعددة.
-منها أن المرتد يقتل بكل حـال ،وال يضـرب عليـه جزيـة ،وال تعقـد لـه ذمـة؛ بخـالف الكـافر
األصلي.
-ومنها أن المرتد يقتل وان كان عاج از عن القتال؛ بخالف الكافر األصلي ،الذي ليس هـو
مــن أهــل القتــال فإنــه ال يقتــل عنــد أكثــر العلمــاء كــأبي حنيفــة ومالــك وأحمــد؛ ولهــذا كــان
مذهب الجمهور أن المرتد يقتل كما هو مذهب مالك والشافعي وأحمد.
-ومنها أن المرتد ال يرث ،وال يناك ،وال تؤكل ذبيحته ،بخالف الكافر األصـلي .إلـى غيـر
ذلك من األحكام.
-واذا كانت الردة عن أصل الدين أعظم من الكفر بأصل الـدين ،فـالردة عـن شـ ار عه أعظـم
من خروج الخارج األصلي عن ش ار عه".1
-فـإن المسـلم األصـلي إذا ارتـد عـن بعـض شـ ار عه ،كـان أسـوأ حـاال ممـن لـم يـدخل بعـد فـي
1
تلك الش ار ع ،مثل مانعي الزكاة وأمثالهم ممن قاتلهم الصديق.
ثبوت الردة:
-تثبت الردة باإلقرار ،أو بالشهادة.
وتثبت الردة عن طريق الشهادة ،بشرطين:
أ -شرط العدد :اتفق الفقهاء على االكتفاء بشاهدين في ثبوت الردة ،ولم يخالف في ذلك إال
6
الحسن ،فإنه اشترط شهادة أربعة.
ب -تفصيل الشهادة :يجب التفصيل في الشهادة على الردة بأن يبين الشهود وجه كفره ،نظ ار
4
للخالف في موجباتها ،وحفاظا على األرواح.
واذا ثبتت الردة باإلقرار وبالشهادة فإنه يستتاب ،فإن تاب واال قتل.
وان أنكر المرتد ما شهد به عليه اعتبر إنكاره توبة ورجوعا عند الحنفية فيمتنع القتل في حقه.5
وعنــد الجمهــور :يحكــم عليــه بالشــهادة وال ينفعــه إنكــاره ،بــل يلزمــه أن يــأتي بمــا يصــير بــه الكــافر
مسلما.3
43
استتابة المرتد:
اتفق الفقهاء على استتابة المرتد ،وانما اختلفوا في حكم االستتابة ،هل هي واجبة أم مستحبة.
ومن أقوال الفقهاء في استتابة المرتد ،ما يلي:
قــال الكاســاني" :يســتحب أن يســتتاب ويعــرض عليــه اإلســالم الحتمــال أن يســلم لكــن ال يجــب ألن
الــدعوة قــد بلغتــه ،فــإن أســلم فمرحبـاً وأهـالً باإلســالم ،وان أبــى نظــر اإلمــام فــي ذلــك فــإن طمــع فــي
توبته ،أو سأل هو التأجيل أجَّله ثالثة أيام ،وان لم يطمع في توبته ولم يسأل هو التأجيل قتله من
ساعته".1
وقال الدسوقي في حاشـيتة علـى الشـرح الكبيـر" :يجـب علـى اإلمـام أو نا بـه اسـتتابته ثالثـة أيـام،
وانما كانت االستتابة ثالثة أيام؛ ألن اهلل َّ
أخـر قـوم صـال ذلـك القـدر ،لعلهـم أن يتوبـوا فيـه ،فكـون
اجب".1
أيام االستتابة ثالثة و ٌ
وقال الشربيني" :وتجب استتابة المرتد والمرتـدة قبـل قتلهمـا؛ ألنهمـا كانـا محتـرمين باإلسـالم فربمـا
عرضــت لهمــا شــبهة فيســعى فــي إزالتهــا؛ ألن الغالــب أن الــردة تكــون عــن شــبهة عرضــت وثبــت
وجوب االستتابة عن عمر -رضي اهلل عنه.6"-
وقــال المــرداوي ":فمـن ارتــد عــن اإلســالم مـن الرجــال والنســاء ،وهــو بــالغ عاقــل مختــار ،دعــي إليــه
ثالثة أيام وجوبا".4
ومن خالل هذه األقوال تتض لنا علَّة استتابة المرتد ،وهي أنه يحتمل رجوعه إلى اإلسالم ،فر َّ
بما
عرضت له شـبهة حملتـه علـى الـردة ،فيؤجَّـل ثالثـا لعلهـا تنكشـف فـي هـذه المـدة ،فكانـت االسـتتابة
وسيلة للعودة إلى اإلسالم.
وكيفيــة توبــة المرتــد :أن يتب ـ أر عــن األديــان كلهــا ســوى اإلســالم ،ولــو تب ـ أر عمــا انتقــل إليــه كفــاه،
5
لحصول المقصود به ،وتكون توبة المرتد وكل كافر بإتيانه بالشهادتين.
44
وال يقتل المرتد إال اإلمام أو نائبه ،فإن قتله أحد بـال إذنهمـا ،أسـاء وعـزر ،ولكـن ال ضـمان بقتلـه
ولــو كــان القتــل قبــل اســتتابته ،أو كــان ممي ـ اًز ،إال أن يلحــق بــدار الحــرب فلكــل أحــد قتلــه وأخــذ مــا
معه.1
ٍ
شروط هي:1 شخص إِالَّ إِذا توافر فيه أربعة
ٍ الرَّدةُ في
ق ِّوال تتحقَّ ُ
تنطبق على غير المسلمين.ُ – 1أن يكون مسلماً ،إِذ إِ َّن أحكام ِّ
الرَّدة ال
العقل هو أساس التَّكليف. فإنَ المجنون ال وزن ألفعاله؛ و َّ
ألن ِ
َ يكون عاقالًّ ، َن َ – 1أْ
الصبى ال تعتبر أفعاله ،وال يتعلَّ ُ
ق به تكليف. َّ – 6أن يكون بالغاًَّ ،
فإن
شخص ما أن يكون مختا اًر في ِرَّدتِ ِه عن ٍ الرَّدةُ في
ق ِّ – 4االختيار ،أي :ال ُب َّد لكي تتحقَّ ُ
اإلسالم.
- 1السرخسي ،المبسوط ،113/11 ،الدسوقي ،حاشية الدسوقي ،314/4 ،الشافعي ،األم ،154 / 3ابن قدامة ،المغني.2/4،
- 2سيد قطب ،في ظالل القرآن.122/4 ،
- 3سيد سابق ،فقه السنة.457/2 ،
-4محمود مزروعة ،أحكام الردة والمرتدين ،ص.41
45
والكالم على الردة ينتظم عدة جوانب:4
أولها :اإليمان باإلسالم المبني على اإلكراه والجبر -غير معتد به -أي أنه ال يدخل الداخل فيه
حقيقة إال إذا كان عن اقتناع ورضا وتبصر ،ذلك أن النظرة العاقلة المنصفة تؤكد كمال هذا
الدين ،وتنزهه عن الباطل ،وتحقيقه لحاجات البشر ،وتوافقه مع الطبا ع السليمة التي فطر اهلل
الناس عليها.
الثاني :في تاريخ اإلسالم الطويل ال يكاد يذكر مرتد ارتد عن هذا الدين رغبة عنه وسخطا عليه،
وان وجد فال يخلو من أحد رجلين ،إما أن يكون لمكيدة يقصد بها الصد عن دين اهلل ،كما حصل
من بعض اليهود في أول عهد الدعوة ،حينما تماأل نفر منهم بأن يؤمنوا أول النهار ،ثم يكفروا
في خره من أجل إحداث البلبلة في المؤمنين؛ ألن اليهود أهل كتاب ،فإذا حصل منهم هذا يختلج
في بعض النفوس الضعيفة أن هؤالء اليهود لو لم يتبينوا خطأ في هذا الدين الجديد لما رجعوا
عنه ،فكان مقصودهم الفتنة ،والصد عن دين اهلل.
ار وج َه َّ
الن َه ِ آم ُنوا ْ
ين َُنز َل َعلَى الَِذ َ آم ُنوا ِبالَِّذي أ ِ اب ِ الكتَ ِ َه ِل ِقال تعالى( :وقَالَت طَّ ِائفَ ٌة ِّم ْن أ ْ
اله َدى ُه َدى اللَّ ِه أَن ُي ْؤتَى
إن ُ ون وال تُ ْؤ ِم ُنوا إال ِل َمن تَِب َع ِدي َن ُك ْم ُق ْل َّ وا ْكفُروا ِ
آخ َرهُ لَ َعلَّ ُه ْم َي ْر ِج ُع َ ُ
ِ ِ ِ ِ ِ
اء واللَّ ُه واسعٌ ض َل ِب َيد اللَّه ُي ْؤِتيـه َمن َي َ
ش ُ إن الفَ ْ َح ٌد ِّم ْث َل َما أُوِتيتُ ْم أ َْو ُي َحاجو ُك ْم ع َ
ند َرِّب ُك ْم ُق ْل َّ أَ
يم) ( ل عمران.)76-71 : ِ
َعل ٌ
واما أن يكون هذا المرتد رجال يريد أن يطلق لشهواته العنان ويتحلل من ربقة التكاليف.
الثالث :الخروج عن اإلسالم يعتبر خروجا على النظام العام ،ذلك أن اإلسالم دين كامل ،كما
يهتم بعالقة اإلنسان بربه فهو يهتم بعالقته بغيره من بني جنسه؛ بين المرء وزوجه وبينه وبين
أقربا ه وجيرانه ،وفيما بينه وبين أعدا ه حربا وسلما ،في شمول منقطع النظير ،عبادة ومعاملة
وجناية وقضاء إلى سا ر ما تنقسم إليه قوانين الدنيا بل أوسع من ذلك .وبناء على هذا فيجب
النظر إلى اإلسالم ككل متكامل ،وليس قاص ار فقط على عالقة العبد بربه كما يظنه غير
المسلمين .واذا كان ذلك كذلك فالردة تعني الخروج على النظام.
الرابع :في جعل العقوبة على الردة إباحة دم المرتد زاجر لمن يريد الدخول في هذا الدين مشايعة
ونفاقا للدولة أو ألهلها ،وباعث له على التثبت في أمره فال يعتنقه إال على بصيرة وسلطان بين،
فالدين تكاليف وشعا ر يتعسر االستمرار عليها من قبل المنافقين وأصحاب الم رب المدخولة.
- 1علي الشحود ،مفهوم الحرية بين اإلسالم والجاهلية ،ص ،135صالح بن عبد هللا بن حميد ،بحث تلبيس مردود ،مجلة البحوث
اإلسالمية.127/32 ،
43
الخــامس :لإلنســان قبــل أن يــؤمن باإلســالم الحــق فــي أن يــؤمن أو يكفــر ،فــإذا ثــر أي ديانــة مــن
الديانات فال اعتراض عليه ،ويبقى له حق الحياة واألمـن والعـيش بسـالم .واذا ثـر اإلسـالم ودخـل
في ــه و م ــن ب ــه ،فعلي ــه أن يخل ــص ل ــه ويتج ــاوب مع ــه ف ــي أمـ ـره ونهي ــه وس ــا ر هدي ــه ف ــي أص ــوله
1
وفروعه.
-6سبب إبعاد الشريعة اإلسـالمية عـن الحكـم ،واسـتبدال القـوانين الوضـعية بهـا ،معانـاة كبيـرة
لألمة اإلسالمية ،وتراجع لمكانتها بين األمم األخرى.
47
-4فش ــل فـ ـي نظ ــام حماي ــة المجتم ــع وأمن ــه ،ألن القـ ـوانين الوض ــعية ل ــم تض ــع عقوب ــة رادع ــة
لجريمة الردة.
-5والتساهل في هذه العقوبة يؤدي ،إلى زعزعة النظام االجتماعي القا م على الدين.
-3يــؤدي بــالفرد إلــى ضــعف اإليمــان فــال يثبــت عنــد المحــن ،فيصــب مــن الســهل أن متابعــة
المرتدين ،ومواالة األعداء في حال قوتهم.
-7ضـعف الشخصـية اإليمانيــة ،واالفتتـان بمـا لــدى الكفـار ،مـن شــهوة مـال أو نسـاء ،ومنهــا:
االفتتــان بمــا لــديهم مــن إتقــان ألعمــال الحيــاة الــدنيا ،ومهــارتهم فيهــا ،مــع عجــز المســلمين
أن مــن عجــز عنهــا
عــن ذلــك ،فظن ـوا أن مــن قــدر علــى تلــك األعمــال ّأنــه علــى الحــق ،و ّ
متخلّف وليس على الحـق ،وهـذا جهـل فـاحش ...فقـد أوضـ جـل وعـال فـي قولـه تعـالى:
ون} [الروم.]7 : اآلخرِة ُهم َغ ِ
افلُ َ اة الد ْنيا و ُهم ع ِن ِاه ارً ِّم َن ا ْلحي ِ
ون ظَ ِ
{ َي ْعلَ ُم َ
َ ْ َ َ ْ َ ََ
-8ظهــور المســاعي التنصــيرّية التــي ال ت ـزال تمــارس نشــاطاتها فــي العــالم اإلســالمي بصــورة
الدينيـة مـن داخـل بـالد اإلسـالم أحيانـاً أخـرى ،وهـي
ّ مباشرة حيناً ،وبـدعم التوجيهـات غيـر
مساع عظيمة جداً ينفق عليها بسخاء كبير ،واستعملوا لتحقيقها عدة طرق :من التطبيب، ٍ
والتعليم ،ونشر الفتن والحروب ،واألعمال االجتماعية وغيرها.
-9الموقــف اإلعالمــي فــي العــالمين العربــي واإلســالمي ،لــم يكــن لــه حضــور يــذكر فــي أزمــة
الهجوم على الشريعة المتزامن مع قضية الردة ،مثلما كان األمـر أثنـاء أزمـة الهجـوم علـى
العقيدة المتزامن مع قضية الرسوم المسي ة ،والسبب فيما يظهر أن الوعي بخطورة الهجوم
علــى الش ـريعة قــد تضــاءل لــدى الشــعوب مــن كث ـرة إهمالهــا فــي بــالد المســلمين فــي ظــل
الهيمنة العلمانية ،وهو ما يوجب على علماء المسلمين ،ودعاتهم أن يعيـدوا االعتبـار إلـى
ـاك
مفهوم الشريعة بمعناها الواسع المرادف للدين ،كما دل عليها قـول اهلل تعـالى{:ثُ َّـم َج َع ْل َن َ
ون} [الجاثية.]18 : اء الَِّذ َ
ين ال َي ْعلَ ُم َ يع ٍة ِّم َن األ َْم ِر فَاتَِّب ْع َها َوال تَتَِّب ْع أ ْ
َه َو َ ش ِر َ
َعلَى َ
-10تمادي الفرق الضالة والتيارات الفاسدة ،مثل ما يسمي بالتيار الصدري في العراق ،الذي أقـام
المحاكم التي تُحاكم الشـيعي الـذي أصـب سـنياً ،وتقـيم عليـه حـد الـردة!! وهـذا مـا كـان يعانيـه أهـل
الســنة فــي الجنــوب أوا ــل أيــام االحــتالل ،وكشــفت جـ ار مهم أيــام حكومــة عــالوي عنــدما ُعثــر علــى
ُ
1
مخابئ هذه المحاكم والجثث التي كانت فيها.
- 1مجلة الراصد اإلسالمية ،ال عدد ،24ج ،42ص ،53التيار الصدري وجيش المهدي الخديعة الكبرى ،بتصرف.
42
المطلب السابع
أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد البغي.
البغي في اللغة :بغيته :اي طلبته ،وبغى علـى النـاس بغيـا :ظلـم واعتـدى فهـو بـاغ ،والجمـع بغـاة،
وبغى :سعى بالفساد ،ومنه الفرقة الباغية ألنها عدلت عن القصد.1
البغي في االصطالح:
-1عند الحنفية ":هم الخارجون عن اإلمام الحق بغير حق".1
-1عند المالكية :قـال ابـن عرفـة ":البغـي هـو االمتنـاع مـن طاعـة مـن ثبتـت إمامتـه فـي غيـر
معصية بمغالبة ولو تأوال".6
-6عنـد الشـافعية ":البغـاة هـم مخـالفو اإلمـام بخـروج عليـه وتـرك االنقيـاد ،أو منـع حـق توجــه
علـيهم بشــرط شـوكة لهــم وتأويـل ،ومطــاع فـيهم ،قيــل وامـام منصــوب ،ولـو أظهــر قــوم رأي
الخوارج كترك الجماعات وتكفير ذي كبيرة ولم يقاتلوا تركوا ،واال فقطاع طريق".4
-4عند الحنابلة ":أهل البغي وهم القوم الذين يخرجون عن طاعة اإلمام بتأويل سـا غ ،ولهـم
منعة وشوكة".5
ويفهم من تعاريف الفقهاء :أن البغاة هم طا فة ،أو جماعة من المسلمين رفضوا الخضـوع لحكـم
أو طاعــة ولــي األمــر الشــرعي المختــار مــن طــرف األم ـة ،بحجــة مخالفتــه للش ـريعة ،أو أي باعــث
سياسـي ،قـد يكـون صـواباً أو خطـأ ،ونظمـوا أنفســهم وجعلـوا علـيهم أميـ اًر أو قا ـداً ،بحيـث أصــبحت
لهــم منعــة وشــوكة ،ثــم أعلنـوا الحــرب ،أو العصــيان المســل بهــدف اإلطاحــة بالخليفــة الشــرعي ،أو
عزله واستبداله .هذا المفهوم للبغي في الشريعة يقابلـه الجريمـة السياسـية ،أو الجـ ار م الماسـة بـأمن
الدولة الداخلي في القوانين الوضعية.
قال عبد القادر عودة ":واذا كان الفقهـاء قـد اصـطلحوا علـى تسـمية فريـق الخـارجين بالبغـاة ،فـإنهم
يسمون الفريق اآلخر الذي لم يخرج عليه بأهل العدل".3
44
مشروعية عقوبة البغي:
َصــلِ ُحوا ـن ا ْل ُمـ ْـؤ ِم ِن َ
ين اقْتَتَلُ ـوا فَأ ْ ـان ِمـ َ
ط ِائفَتَـ ِ
أوالً :الكتــاب :واألصــل فــي هــذا قــول اهلل ســبحانهَ { :وِا ْن َ
ـيء إِلَـى أ َْم ِـر اللَّ ِـه}[الحجـرات: ِ ِ ِ ِ
ُخ َرى فَقَـاتلُوا الَّتـي تَ ْبغـي َحتَّـى تَف َ َب ْي َن ُه َما فَِإ ْن َب َغ ْت إِ ْح َد ُ
اه َما َعلَى األ ْ
.]9
وجه الداللة :قال القرطبي ":في هذه اآلية دليل على وجوب قتال الف ة الباغية المعلوم بغيها علـى
1
اإلمام ،أو على أحد من المسلمين".
وقـال أيضـا ":إذا خرجـت علـى اإلمـام العـدل خارجـة باغيـة وال حجـة لهـا ،قـاتلهم اإلمـام بالمسـلمين
كافة أو بمن فيه كفاية ،ويدعوهم قبل ذلك إلى الطاعة والدخول في الجماعة ،فإن أبوا من الرجوع
والصل قوتلوا ،وال يقتل أسيرهم ،وال يتبع مدبرهم ،وال يذفف على جريحهم ،وال تسبى ذ ارريهم".1
ثانياً :السنة:
ال« :م ْن َخرج ِم َن الطَّ ِ ِ َّ النبِ ِّي َّ
َ -1ع ْن أَبِي ُه َرْي َرةََ ،ع ِن َّ
ق
ـار َاعةَ ،وفَ َ َ صلى اهللُ َعلَ ْيه َو َسل َم أََّنهُ قَ َ َ َ َ َ
صـ َـب ٍة ،أ َْو ضـ ِ
ـب ل َع َ
اهلِ َّي ـ ًة ،ومـ ْـن قَاتَـ َـل تَ ْحـ َ ٍ ِ ٍ
ـت َر َايــة ع ِّم َّيــة َي ْغ َ ُ ََ
ـات ِميتَـ ًة ج ِ
َ ـاتَ ،مـ َ اعـ َة فَ َمـ َ
ا ْل َج َم َ
ُم ِتــي،
اهلِ َّي ـ ٌةَ ،و َمـ ْـن َخـ َـر َج َعلَــى أ َّ
يـ ْـدعو إِلَــى عصــب ٍة ،أَو ي ْنصــر عصــب ًة ،فَقُِتـ َـل ،فَ ِق ْتلَ ـ ٌة ج ِ
َ َ ََ ْ َ ُُ َ ََ َ ُ
س ِم ِّنـي ٍ ِ ِِ ِ
شى م ْـن ُم ْؤ ِمن َهـاَ ،وَال َيفـي لـذي َع ْهـد َع ْه َـدهَُ ،فلَ ْـي َ
اجرَها ،وَال يتَحا َ ِ
ب َب َّرَها َوفَ ِ َ َ َ َ ض ِر ُ
َي ْ
ت ِم ْن ُه».6 سُ َولَ ْ
ـالَ « :م ْـن صـلَّى اهللُ َعلَ ْي ِـه َو َسـلَّ َم ،قَ َ ضـي اللَّـهُ َع ْنهُ َمـاَ ،ع ِـن َّ
النبِ ِّ
ـي َ
ِ ِ َّ ِ ِ
َ -2ع ْن َع ْبد الله ْبـن ُع َم َـرَ ،ر َ
س ِم َّنا.»1السالَ َح َفلَ ْي َ
َح َم َل َعلَ ْي َنا ِّ
وجه الداللة :أن من حمل السالح على المسـلمين بغيـر حـق وال تأويـل ولـم يسـتحله ،فهـو عـاص
وال يكفــر بــذلك ،فــإن اســتحله كفــر .فأمــا تأويــل الحــديث فقيــل :هــو محمــول علــى المســتحل بغيــر
تأويل فيكفر ويخرج من الملة ،وقيل :معناه ليس على سيرتنا الكاملة وهدينا.5
ثالثاً :اإلجماع :قال ابن قدامة ":وأجمعـت الصـحابة -رضـي اهلل عـنهم ،-علـى قتـال البغـاة ،فـإن
أبا بكر -رضي اهلل عنه -قاتل مانعي الزكاة ،وعلي -رضي اهلل عنه -قاتـل أهـل الجمـل وصـفين
وأهل النهروان".3
111
الشروط التي يجب توافرها في البغاة:
أوالً :أن يكــون الخــارجون علـى اإلمــام جماعــة مــن المســلمين لهــم شــوكة ،وخرجـوا عليــه بغيــر حــق
إلرادة خلعه بتأويل فاسد.
-فلو خرج عليه أهل الذمة لكانوا حربيين ال بغاة.
ولو خرجت عليه طا فة من المسلمين بغير تأويل وال طلب إمرة لكانوا قطاع طريق ،وكـذا -
لو لم يكن لهم قوة ومنعة ،وال يخشى قتالهم ،ولو كانوا متأولين.
ولــو خرج ـوا علــى اإلمــام بحــق -كــدفع ظلــم -فليس ـوا ببغــاة ،وعلــى اإلمــام أن يتــرك الظلــم -
وينصفهم ،وال ينبغي للناس معونة اإلمـام علـيهم؛ ألن فيـه إعانـة علـى الظلـم ،وال أن يعينـوا
تلك الطا فة الخارجة؛ ألن فيه إعانة على خروجهم ،واتسـاع الفتنـة ،وقـد لعـن اهلل مـن أيقـظ
الفتنة.
-وأم ــا م ــن خرجـ ـوا عل ــى اإلم ــام بمنع ــة ،بتأوي ــل ُيقط ــع بفس ــاده ،مس ــتحلين دم ــاء المس ــلمين
وأمـ ـوالهم ،مم ــا ك ــان قطع ــي التحـ ـريم ،كتأوي ــل المرت ــدين ،فليسـ ـوا ببغ ــاة؛ ألن الب ــاغي تأويل ــه
محتمل للصحة والفساد ،ولكن فساده هو األظهر ،وهو متبع للشرع في زعمـه ،والفاسـد منـه
1
ملحق بالصحي ،إذا ضمت إليه المنعة في حق الدفع.
ثانياً :أن يكـون النـاس قـد اجتمعـوا علـى إمـام ،وصـاروا بـه منـين ،والطرقـات بـه منـة؛ ألنـه إذا لـم
يكــن كــذلك يكــون عــاجزا ،أو جــا ار ظالمــا يجــوز الخــروج عليــه وعزلــه ،إن لــم يلــزم منــه فتنــة ،واال
1
فالصبر أولى من التعرض إلفساد ذات البين.
ثالثـاً :أن يكــون الخــروج علــى ســبيل المغالبــة ،أي بإظهــار القهــر .وقيــل :بالمقاتلــة؛ وذلــك ألن مــن
يعصي اإلمـام ال علـى سـبيل المغالبـة ال يكـون مـن البغـاة ،فمـن خـرج عـن طاعـة اإلمـام مـن غيـر
6
إظهار القهر ال يكون باغيا.
رابعاً :واشترط الشافعية أن يكون للخارجين مطاع فيهم ،يصدرون عن رأيه ،وان لم يكن إماما
منصوبا؛ إذ ال شوكة لمن ال مطاع لهم .وقيل :بل يشترط أن يكون لهم إمام منصوب منهم،
4
هذا وال يشترط لتحقق البغي انفرادهم بنحو بلد.
- 1انظر :عبد الرحمن بن محمد شيخي ،مجمع األنهر ،344/1 ،المواق ،التاج واإلكليل ،371-332/2 ،الرملي ،نهاية المحتاج،
،412/7الموسوعة الفقهية الكويتية.123/2 ،
- 2المراجع السابقة ،ابن عابدين ،رد المحتار على الدر المختار .231 /4
- 3ابن عابدين ،رد المحتار على الدر المختار ،232 /4الرملي ،نهاية المحتاج.412/7 ،
- 4الرملي ،نهاية المحتاج.412/7 ،
111
اإلمام الذي يعتبر الخروج عليه بغيا:
من اتفق ،المسلمون على إمامته وبيعته ،وثبتت إمامته ،وجبت طاعته ومعونتـه ،ومثلـه مـن تثبـت
إمامته بعهد إمام قبله إليه؛ إذ اإلمام يصير إماما بالمبايعـة أو باالسـتخالف ممـن قبلـه .ولـو خـرج
رجــل علــى اإلمــام فقه ـره ،وغلــب النــاس بســيفه ،حتــى أذعن ـوا لــه وتــابعوه ،صــار إمامــا يحــرم قتالــه
1
والخروج عليه.
-6إذا ل ــم ُي ْجـ ـِد م ــع البغ ــاة النصـ ـ ،ول ــم يس ــتجيبوا للرج ــوع إل ــى طاع ــة اإلم ــام وال ــدخول ف ــي
الجماعة ،فيأخذهم على أيديهم وال يبدؤهم اإلمام بالقتال حتى يبدؤوه ،ألنه لو تركهم لسعوا
3
في األرض بالفساد ،ألن قتالهم لدفع شرهم ،فما لم يتوجه الشر منهم ال يقاتلهم.
- 1ابن قدامة ،المغني ،523/2 ،ابن عابدين ،رد المحتار ،233/4 ،المواق ،التاج واإلكليل ،332/2 ،النووي ،منهاج الطالبين،
ص.242
- 2الكاساني ،بدائع الصنائع ،141/7 ،الخراشي ،شرح مختصر خليل للخرشي ،31/2 ،الرملي ،نهاية المحتاج ،412/7 ،ابن قدامة،
المغني.527/2 ،
- 3ابن قدامة ،المغني.527/2 ،
- 4الشيرازي ،المهذب.212/2 ،
- 5الرملي ،نهاية المحتاج.413/7 ،
- 3الكاساني ،بدائع الصنائع ،141/7 ،المغني ،527/2 ،الشيرازي ،المهذب.214/2 ،
112
كيفية قتال البغاة:
-األصــل أن قتــالهم إنمــا يكــون درءاً لتفريــق الكلمــة ،مــع عــدم التــأثيم؛ ألنهــم متــأولون ،ولــذا فــإن
قتالهم يفترق عن قتال الكفار بأحد عشر وجها:
-أن يقصد بالقتال ردعهم ال قتلهم.
وأن يكف عن مدبرهم. -
وال يجهز على جريحهم. -
وال تقتل أسراهم. -
وال تغنم أموالهم. -
وال تسبى ذ ارريهم. -
وال يستعان عليهم بمشرك. -
وال يوادعهم على مال. -
وال تنصب عليهم العرادات (المجانيق ونحوها). -
1
وال تحرق مساكنهم ،وال يقطع شجرهم. -
مما سبق استعرضنا أحكام البغاة في الشريعة اإلسالمية ،وذلـك فـي حـال وجـود دولـة إسـالمية لهـا
إمــام يحكمه ــا ،ولك ــن الي ــوم ف ــي ظ ــل غي ــاب الدولــة اإلس ــالمية ،وحل ــول أنظم ــة وض ــعية ف ــي ب ــالد
المسلمين ،ال تقيم حدود اهلل عز وجل ،وال تحكم شرعه.
والسؤال المطروح :ما حكم الخروج على هذه األنظمة في ميزان الشرع
"من المتفق عليه أن عمل أولي األمر صـحي طالمـا كـان فـي حـدود حقـه .باطـل فيمـا خـرج علـى
ه ــذه الح ــدود .ف ــإذا أت ــى أول ــو األم ــر بم ــا يتف ــق م ــع نص ــوص الشـ ـريعة ،ومباد ه ــا العام ــة وروحه ــا
التشريعية ،فعملهم صـحي تجـب لـه الطاعـة ،واذا أتـوا بمـا يخـالف الشـريعة فعملهـم باطـل وكـل مـا
كان باطالً ال يص العمل به وال يجب له الطاعة".1
- 1انظر بالتفصيل :الخرشي ،شرح مختصر خليل للخرشي ،31/2 ،الرملي ،نهاية المحتاج ،417/7 ،ابن قدامة ،المغني،524/2 ،
الماوردي ،األحكام السلطانية ،ص.113-111
- 2عبد القادر عودة ،اإلسالم بين جهل أبنائه وعجز علمائه ،ص.24
113
ش ْي ٍء فَ ُح ْك ُم ُه إِلَى اللَّ ِه} [الشورى.]10:
يه ِم ْن َ
اختَلَ ْفتُم ِف ِ
وقولهَ { :و َما ْ ْ
فاهلل جل شأنه يوجب علينا طاعة أوامره ،كما يوجب علينا طاعة الرسول وأولـي األمـر ،والطاعـة
هلل تجب بأمر اهلل ،والطاعة للرسول وأولـي األمـر ،تجـب بـأمر اهلل ال بـأمر الرسـول وال بـأمر أولـي
1
األمر .فإذا خرج ولي األمر على ما أنزل اهلل فأمره باطل وال تجب طاعته.
طاعــة ولــي األمــر فــي اآليــة المتقدمــة مقيــدة بكونــه مــن المســلمين ،واإلســالم فــي مفهومــه الصــحي
ـادا ،وهــذا الحــاكم الموصــوف باإلســالم هــو الــذي
يعنــي تطبيــق األحكــام الشــرعية ق ـوالً وفع ـالً واعتقـ ً
تطلبه األمة اإلسالمية ،وتريد وجوده ،وتحرص علـى بقا ـه ،وتـرى أن طاعتـه واجبـة ألنهـا متصـلة
بطاعة اهلل ورسوله.
وعلى ذلك تحمل اآليات واألحاديث الواردة في وجوب طاعـة والة األمـر ،وعـدم الخـروج علـيهم مـا
1
احا.
كفر بو ً
لم يقترفوا ًا
- 1عبد القادر عودة ،اإلسالم بين جهل أبنائه وعجز علمائه ،ص.25
- 2الشوكاني ،نيل األوطار.212/7 ،
َ ْ
ُور الفِت ِن وتحذير الدعاة إلى الكفر ،1475/3حديث(.)1247 ُ ْ ْ
وم ال َج َما َع ِة ِعن َد ظه ِ ُ ُ َ ْ -مسلم ،صحيح مسلمِ ،كتَابُ ْ ِ
اإل َما َر ِة ،بَابُ األ ْم ِر بِلز ِ 3
ار ِه ْم ،1421/3 ،حديث(.)1255 ر ش و ة م ئ
ِ َ ِ ِ َّ ِ َ ِ َ َِ األْ اري خ ابُب ، ة ر
ِ َ َِ َام اإلْ َابُ تكِ مسلم، صحيح مسلم، - 4
114
وجه الداللة :في حديث حذيفة ،لزوم جماعة المسلمين وامامهم ،ووجوب طاعته وان فسق وعمـل
المعاصي من أخذ األموال ،وغير ذلك فتجب طاعته في غير معصية ،وفيـه معجـزات لرسـول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم ،وهي هذه األمور التي أخبر بها وقد وقعت كلها.1
وفي حديث عوف بن مالك ...":وأما قوله :أفال نقاتلهم ،قال :ال ماصلوا ،ففيه معنـى مـا سـبق أنـه
1
ال يجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق ،مالم يغيروا شي ا من قواعد اإلسالم".
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ":ولهذا كـان المشـهور مـن مـذهب أهـل السـنة ،أنهـم ال يـرون الخـروج
عل ــى األ م ــة وقت ــالهم بالس ــيف ،وان ك ــان ف ــيهم ظل ــم ،كم ــا دل ــت عل ــى ذل ــك األحادي ــث الص ــحيحة
المستفيضــة عــن النب ــي صــلى اهلل عليــه وس ــلم ،ألن الفســاد ف ــي القتــال والفتنــة أعظ ــم مــن الفس ــاد
الحاصل بظلمهم بدون قتال وال فتنة ،فيـدفع أعظـم الفسـادين بـالتزام أدناهمـا ،ولعلـه ال يكـاد يعـرف
طا فة خرجت على ذي سلطان ،إال وكان في خروجها مـن الفسـاد مـا هـو أعظـم مـن الفسـاد الـذي
أزالته".6
والحكم بغير ما في كتاب اهلل وسنة رسوله يصل إلى الكفر بشرطين:
جاهال به لم يكفر بمخالفته.
ً عالما بحكم اهلل ورسوله ،فإن كان
األول :أن يكون ً
الثاني :أن يكون الحامل له على الحكم بغير ما أنزل اهلل اعتقاد أنه حكم غير صال للوقت وأن
مخرجا عن
ً كفر
وبهذين الشرطين يكون الحكم بغير ما أنزل اهلل ًا غيره أصل منه ،وأنفع للعباد،
ون} ،وتبطل والية لَم ي ْح ُكم ِبما أَ ْن َز َل اللَّ ُه فَأُولَ ِئ َك ُهم ا ْل َك ِ
اف ُر َ الملة لقوله -تعالى َ { :-و َم ْن
ُ ْ َ ْ َ
الحاكم ،وال يكون له طاعة على الناس ،وتجب محاربته ،وابعاده ،عن الحكم.
أمــا إذا كــان يحكــم بغيــر مــا أنــزل اهلل وهــو يعتقــد أن الحكــم بــه أي بمــا أنــزل اهلل هــو الواجــب ،وأنــه
أصل للعباد ،لكن خالفه لهوى في نفسه ،أو إرادة ظلم المحكوم عليه ،فهذا ليس بكافر بل هو إما
فاسق أو ظالم ،وواليته باقيـة ،وطاعتـه (فـي غيـر معصـية اهلل ورسـوله) واجبـة ،وال تجـوز محاربتـه
صـلَّى اللَّـهُ َعلَ ْي ِـه َو َسـلَّ َم ،نهـى عـن الخـروج
أو إبعاده عن الحكم بـالقوة ،والخـروج عليـه؛ ألن النبـيَ ،
4
يحا عندنا فيه برهان من اهلل تعالى. كفر صر ًعلى األ مة إال أن نرى ًا
115
يمــا أَ َخـ َذ َعلَ ْي َنــا: ِ
وورد فــي صــحيح البخــاري حــديث :عبــادة بــن الصــامت-رضــي اهلل عنــه-قــال ":ف َ
الســم ِع والطَّاعـ ِـةِ ،فــي م ْن َ ِ
َن الَ سـ ِـرَنا َوأَثَـ َـرةً َعلَ ْي َنــاَ ،وأ ْ شــط َنا َو َم ْك َرِه َنــاَ ،و ُع ْ
سـ ِـرَنا َوُي ْ َ َ َن َب َاي َع َنــا َعلَــى َّ ْ َ
«أ ْ
َن تَروا ُك ْف ار بواحاِ ،ع ْن َد ُكم ِم َن اللَّ ِه ِف ِ
ان.»4 يه ُب ْرَه ٌ ْ َهلَ ُه ،إَِّال أ ْ َ ْ ً َ َ ً ع األ َْم َر أ ْ ُن َن ِ
از َ
ومعنى الحديث:
-ال تنــازعوا والة األمــور فــي واليــتهم ،وال تعترض ـوا علــيهم ،إال أن تــروا مــنهم منك ـ ار محققــا
تعلمونه من قواعد اإلسالم.
فإذا رأيتم ذلك فأنكروا عليهم ،وقولوا بالحق حيثما كنتم ،فـال يعتـرض علـى السـلطان ،إال -
إذا وقع في الكفر الظاهر.
والــذي يظهــر حمــل روايــة الكفــر علــى مــا إذا كانــت المنازعــة فــي الواليــة ،فــال ينازعــه بمــا -
يقدح في الوالية إال إذا ارتكب الكفر.
وحمــل روايــة المعصــية علــى مــا إذا كانــت المنازعــة فيمــا عــدا الواليــة ،فــإذا لــم يقــدح فــي -
الوالية نازعه في المعصية بأن ينكر عليه برفق.
وان قــدر علــى خلعــه بغيــر فتنــة وال ظل ـم وجــب ،واال فالواجــب الصــبر وعــن بعضــهم ال -
يجـوز عقـد الواليـة لفاســق ابتـداء ،فـإن أحــدث جـو ار بعـد أن كـان عــدال ،فـاختلفوا فـي جـواز
1
الخروج عليه والصحي المنع إال أن يكفر فيجب الخروج.
ولكن هل معنى جواز الخروج أنه جائز بكل حال ،أو واجب على حال؟
البد من قُدرة على ُم َن َاب َذ ِة هذا الوالي الذي رأينا فيه الكفر البواحَّ ،
البد من قُدرة ،أما أن نخرج الَّ ،
عليه بسكاكين المطبخ وعوامل البقر ،ولديه دبابات وصواريخ ،فهذا َسفهٌ في العقل وضالل في
ضعفاء في مكة ،ولو شاؤا الغتالوا الدين؛ ألن اهلل لم ُيوجب الجهاد على المسلمين حين كانوا ُ
ُكبراءهم وقتلوهم ،لكنه لم يأمرهم بهذا ،ولم يأذن لهم به؛ لعدم القدرة ،واذا كانت الواجبات الشرعية
التي هلل -عز وجل -تسقط بالعجز ،فكيف هذا الذي سيكون فيه دماء.
البد من قتال معه ،واذا قُتِل فله
ليس إزالة الحاكم باألمر الهين ،مجرد ريشة تنفخها وتذهبَّ ،
أعوان ،والمسألة ليست باألمر الهين حتى نقول بكل سهولة نزيل الحاكم أو نقضي عليه وينتهي
كل شيء ،فالبد من القدرة.
6
احا.
كفر بو ً
والقدرة اآلن ليست بأيدي الشعوب ،على إزالة مثل هؤالء القوم الذين نرى فيهم ًا
صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َمَ « :ستَرَوْ نَ بَ ْع ِدي أُ ُمورًا تُ ْن ِكرُونَهَا»،47/4 ،
- 1البخاري ،صحيح البخاريِ ،كتَابُ الفِتَ ِن ،بَابُ قَوْ ِل النَّبِ ِّي َ
حديث(.)7153
- 2انظر :ابن َح َجر ،فتح الباري.2/13 ،
- 3ابن العثيمين ،مجموع فتاوى ورسائل العثيمين.372/25 ،
113
ولكن ما هو أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد البغي؟
ربما هنا ينبغي التعريج إلى أنه في ظل غيـاب الدولـة اإلسـالمية ،ال يتصـور وقـوع جريمـة البغـي،
وال يتصور المعالجة.
بــل إن غيابهــا يكــون موجب ـاً للقيــام بحركــات تــدعو وتعمــل وتقاتــل مــن أجــل قيــام دولــة اإلســالم،
واستعادة دولة الخالفة.
ولكن في الواقع المعاصر الخروج على الحاكم العادل دون أي مبرر شرعي ،يعتبر بغياً يستوجب
ولى أمـرهم لمتابعـة مهامـه
من األمة أن تجاهد هؤالء البغاة ،حتى يردوهم على اعقابهم ويستعيدوا ُّ
ُختِ َير للقيام بها حسب العقد المبرم بينه وبين من اختاروه.
التي أ ْ
وقد حدث مثل هذا األمر في بعـض الـدول العربيـة ،مـن الخـروج علـى الحـاكم دون مسـوغ شـرعي،
فهــذا يعتبــر بغي ـاً ،ومــن قــاموا بهــذا الفعــل بغــاة ،ومــن واجــب األمــة أن تــردهم عــن بغــيهم ،واعــادة
الحاكم إلى منصبه من جديد.
117
الفصل الثاني
112
المبحث األول
114
المطلب األول
التعريف بالقصاص وحكمة مشروعيته
القصاص
من أهم السمات التي يتميز بها الشرع اإلسالمي الحنيف عن القوانين الوضعية القصاص كعقوبة
للجـ ار م ،والقصــاص فــي الشـريعة اإلســالمية ثابــت وأصــيل ولــه ســنده فــي القــرن والســنة واإلجمــاع،
وهو جوهر نظرية العقوبة في الشريعة اإلسالمية.
أوالً :تعريف القصاص:
القصاص لغة:
رد وقصصاً أيضاً ومنه قوله تعالى { فَ ْارتَـدَّا َعلَـى [قصص] ق ص ص :قص أثره تتبعه من باب َّ
صِ
ان األَثََر. صا} [الكهف .]34:أي :رجعا من الطريق الذي سلكاه َيقُ َّ ص ًارِه َما قَ َآثَ ِ
ون) [القصص.]11 : ص َر ْت ِب ِه َع ْن ُج ُن ٍب َو ُه ْم َال َي ْ
ش ُع ُر َ ُخ ِت ِه قُ ِّ ِ
صيه فَ َب ُ ومنه قوله تعالىَ (:وقَالَ ْت ِأل ْ
1
أي إتبعي أثره.
ُخـ َذ القصـاص ألنـه جناية الجاني ،والقَصاص يعني أيضاً المماثلَة ،ومنه أ ِ ِ أثر
َُ َ ُ المقتص يتبعُ َ َ فكأن
َّ
ـومات أي يقطعهــا ،وقيــل ـص الخصـ ِ يجرحــه مثــل جرحــه أو يقتلــه بــه ،وقيــل ُســمي قصاصـاً ألنــه يقـ ُّ
1
قطع الجاني. ِ
مثل ما َ بدنه َ ص ،وهو القطع ألن المقتص يقطعُ َ أصله من الق ّ
فجرحـه مث َـل جرحـ ِه أو قتَلـه قـوداً. َ األمير من فالن إذا اقتص لـه منـه ُ قصود وقد أَ ّ "والقَصاص :الَقَ ُ
استقصه سأله أن ُيقصه منه".6
َّ و
القصاص في االصطالح:
4
القصاص هو ":أن يفعل بالفاعل مثل ما فعل".
5
وهو أن يعاقب المجرم بمثل فعله فيقتل كما قتل ،ويجرح كما جرح.
ويعــرف القصــاص فــي الفقــه الجنــائي اإلســالمي" :القصــاص عقوبــة مقــدرة شــرعاً ،ويــتم بإعــدام
الجاني في جريمة القتل العمد الموجبـة للقصـاص .ومعاقبـة الجـاني بمثـل مـا ألحقـه بـالمجني عليـه
في ج ار م االعتداء على ما دون النفس الموجبة للقصاص".3
- 1محمد الرازي ،مختار الصحاح ،ص ،531الفيروزآبادي ،القاموس المحيط ،214/1،األزهري ،تهذيب اللغة.112/3 ،
- 2المراجع السابقة.
- 3الرازي ،مختار الصحاح ،ص.532
- 4الجرجاني ،التعريفات.225/1 ،
- 5عبد القادر عودة ،التشريع الجنائي.224/2 ،
- 3علي علي منصور ،نظام التجريم والعقاب في اإلسالم ،ص.411
111
ســمى القصــاص القَـ ْـود :ألن المقــتص منــه فــي الغالــب يقــاد بشــيء يـربط فيــه أو بيــده إلــى القتــل
وي َ
ُ
1
فسمي القتل قودا لذلك.
ويوجـد بــين المعنـى اللغــوي والمعنـى الشــرعي تناسـب ،ألن القصــاص يتتبـع فيــه الجـاني ،فــال يتــرك
بدون عقاب ،وال يترك المجني عليه من دون أن يشفي غليله والقصاص هـو عقوبـة الـدماء بشـكل
ع ــام سـ ـواء أكان ــت دم ــاء موض ــوع االعت ــداء فيه ــا ال ــنفس ،أم ك ــان اعت ــداء موض ــوعه ط ــرف م ــن
ثل في األطراف ،أم كان اعتداء موضوعه جرح من الجروح ،وضمان المتلفات ،أي التعويض ِ
بالم ِ
ً
ِ
ـود فـي كـل العقوبـات اإلسـالمية غي ِـر الحـدود ،وهنـاك قصـ ٌ
ـاص األمـوال واألسـواق ،والقصـاص موج ٌ
ِ
األمر. تحديده لولي
َ وقصاص خر لم يحدده الشارع ،وترك
ٌ بالنص،
ّ َّ
قدره الشارع
الحكمة من القصاص:
اب لَ َعلَّ ُك ْم تَتَّقُ َ
ون) [البقرة.]179 : اص َح َياةٌ َيا أُولِي ْاألَ ْل َب ِ
ص ِ ِ ِ
قال اهلل تعالى َ (:ولَ ُك ْم في ا ْلق َ
قال اإلمـام ابـن كثيـر ( َرِح َمـهُ اهللُ) فـي تفسـيره ":يقـول تعـالى :وفـي شـرع القصـاص لكـم -وهـو قتـل
ـف عــن ـونها؛ ألنــه إذا علــم القاتــل أنــهُ ُيقتَـ ُل انكـ َّ
المهَـج وصـ ُ ـاء ُالقاتــل -حكمـةٌ عظيمـةٌ لكــم ،وهــي بقـ ُ
صــنيعه ،فكــان فــي ذلــك حيــاةُ النفــوس .وفــي الكتــب المتقدمــة" :القَ ْت ـ ُل ْأنفَ ـى للقتـ ِـل" .فجــاءت هــذه
ص ِ
اص َح َياةٌ} ِ ِ
العبارة في القرن أفص ،وأبلغ ،وأوجزَ { .ولَ ُك ْم في ا ْلق َ
1
رجل يريد أن َي ْقتُ َل ،فتمنعه مخافةَ أن ُي ْقتَ َل". قال أبو العالية :جعل اهلل القصاص حياةً ،فكم من ٍ
َ
ـاص حيـاةٌ ،فـإن الجـاني إذا ع َـرف أنـه ـوف القص ِالسـالم ":والتقـدير ولكـم فـي خ ِ بن ِ
عبـد َّ وقال العز ُ
6
القتل فاستمرت حياتهُ وحياةُ المجني عليه" فكف عن ِ القصاص َّ خاف
َ جنى
ُي ْقتَ ُل إذا َ
َ
ـداء ِ
ـاق للجريمـة ،فالجريمـةُ اعت ٌ ـاص جـ اَز ٌء وف ٌ
من التعريفات السابقة للقصاص يتبين لنـا :أن القص َ
ـرم بجريمتِـه بمث ِـل فعل ِـه ،ولــيس مـن المعقــول أن ِ ِ ِ
علـى الـنفس اإلنســانية ،فمـ َن العدالـة أن يؤخـ َذ المج ُ
ِ
ـاص يحمــي حيــاةَ ِ ِ ِ
نفكـ َـر بالرحمــة بالجــاني ،وال نفكــر فــي ألــم المجنــي عليــه وشــفاء غيظــه ،فالقصـ ُ
ـاس ألن القاتـ َـل إذا َح ـ َرَم أحــداً مــن الحيــاة فإنــه ُي ْح ـ ُرُم منهــا ،وبالتــالي يحــافظُ علــى حياتـ ِـه ،لــذلك
النـ ِ
ِ
الحياة. فالقصاص حياةٌ ألنه يحافظ على
111
األساس الشرعي للقصاص:
ـنة النبويـ ِـة ،وفعــل
ـالنص عليــه فــي القــر ِن الك ـر ِيم ،والسـ ِ يعة اإلسـ ِ
ـالمية بـ ِّ ـت فــي الش ـر ِ
ـاص ثابـ ٌ
القصـ ُ
ِ
األمة: جماع
اهلل عليهم ،وا ِ الصحابة رضوان ِ ِ الرسول صلي اهلل عليه وسلم ،والخل ِ
فاء الراشدين ،و
ُ
– 4القصاص في القرآن الكريم:
ورد النص علي القصاص في القرن الكريم في عدة يات هي:
ـاص ِفـي ا ْلقَ ْتلَـى ا ْل ُحـر ِبـا ْل ُحِّر َوا ْل َع ْب ُـد
ص ُ
ِ
ـب َعلَ ْـي ُك ُم ا ْلق َ
ِ
آم ُنـوا ُكت َ
ين َ -في قوله تعالىَ { :يـا أَي َهـا الَّ ِـذ َ
ـان َذلِ َ
ـك س ٍ ِ
اء إِلَ ْيـه ِبِإ ْح َ
ِ
ش ْي ٌء فَات َِّبـاعٌ ِبـا ْل َم ْع ُروف َوأ ََد ٌ
َخ ِ
يه َ ِبا ْلع ْب ِد و ْاألُ ْنثَى ِب ْاألُ ْنثَى فَم ْن ع ِفي لَ ُه ِم ْن أ ِ
َ ُ َ َ َ
اص َح َياةٌ َيا أُولِي ص ِ ِ ِ اعتَ َدى بع َد َذِل َك َفلَ ُه ع َذ ِ يف ِم ْن َرِّب ُك ْم َو َر ْح َم ٌة فَ َم ِن ْ تَ ْخ ِف ٌ
يم َولَ ُك ْم في ا ْلق َ اب أَل ٌ
َ ٌ َْ
ون}[ .البقرة :ية.]179-178: اب لَ َعلَّ ُك ْم تَتَّقُ َْاألَ ْل َب ِ
مقاصد اآليات الكريمة:4
لصالحهم وسعادتِهم.
ِ ِ
لعباده المؤمنين ،وذلك القصاص فريضةٌ من ِ
اهلل ِ -4تشريعُ
ِ
الجناةَ. ويقّضي على الضغا ِنُ ،
وي َرّبي ُ القصاص ُي َقلّ ُل الج ار َمَ ،
ُ -1
ِ
المجتمعات البشرية. النفوس ،وحمايةُ األفرِاد و
ِ ِ
القصاص حياةُ -6في
اإلسالم. حرمها ِ
الجاهلية التي َّ ِ
العصبية ِ
القاتل من االعتداء على ِ
غير -4
ُ ُ
الظلم. ِ
البغي و ُُ ينتشر
َ القصاص ،حتى ال -5المماثلةُ في
ِ
بالدية. ورضوا -3دفع ِ
الدية على القاتل إذا عفا أه ُل القتيل،
ُ ُ
ـالم ألمـ ِـر ِ
قـال القرطبـي " :صــورة القصـاص هـو أن القاتــل فـرض عليـه إذا أراد الــولي القت َـل االستس ُ
قاتل وليه ِ الولي فرض ِ ِ ِ
وترك التعدي علـى الوقوف عند ِ ّ َ عليه َ َّ لقصاصه المشروِع ،وأن االنقياد
ُ اهلل و
ِ 1
غير القاتل".
العرب تتعدى فتقتل َ
ُ غيرِه ،كما كانت
112
ف ِب ْاألَ ْن ِ س َوا ْل َع ْي َن ِبا ْل َع ْي ِن َو ْاألَ ْن َ س ِب َّ
الن ْف ِ َن َّ ِ
ف َو ْاألُ ُذ َن الن ْف َ -وفي قوله تعالىَ { :و َكتَ ْب َنا َعلَ ْي ِه ْم ف َ
يها أ َّ
ـه َو َم ْـن لَ ْـم َي ْح ُك ْـم ِب َمـا أَ ْن َـز َل َّ الس ِّن وا ْلجروح ِقصاص فَم ْـن تَصـد َ ِ
َّق ِبـه فَ ُه َـو َكف َ
ـارةٌ لَ ُ َ الس َّن ِب ِّ َ ُ ُ َ َ ٌ َ ِب ْاألُ ُذ ِن َو ِّ
ون}[ .الما دة.]45: اللَّ ُه فَأُولَ ِئ َك ُه ُم الظَّالِ ُم َ
وان كان هذا النص نزل في بني إس ار يل ،إال أنه شرع لنا ،ألن شرع من قبلنـا شـرع لنـا مـا لـم يـرد
ناسخ ،ولم يرد ناسخ فعالً ،كما أنه جاء في شرعنا ما يؤكده.
ق َو َم ْـن قُِت َـل َم ْظلُومـاً فَقَ ْـد َج َع ْل َنـا س الَِّتـي َح َّـرَم اللَّ ُ
ـه إَِّال ِبـا ْل َح ِّ -وفي قوله تعـالىَ { :وال تَ ْقتُلُـوا َّ
الـن ْف َ
صو ارً}[ .اإلسراء.]66: ف ِفي ا ْلقَ ْت ِل إِ َّن ُه َك َ
ان َم ْن ُ س ِر ْ
س ْلطَاناً فَال ُي ْ
ِ ِ
ل َولِ ِّيه ُ
1
أخذ الديةَ.
شاء َعفا ،وان شاَء َ
معنى {سلطاناً} :أي تسليطاً إن شاء قَتَ َل وان َ
قود.
السلطان المذكور في اآلية هو :الَ ُ
خذ أو ِ
العفو. الولي في األَ ِ
ِّ اصُّ ،
وحق القص ِ
َّ ِ
مشروعية فيه دلي ٌل على
ِ
الشريفة: ِ
النبوية ِ
السنة القصاص في -2
ُ
ـت علي ِـه أي فـي السُّـَّن ِة يفة دعـت إلـى األخ ِـذ بالقص ِ
ـاص ،وحث ْ النبوية الشـر ِ
ِ ِ
السنة أحاديث في
ٌ وردت
ِ
النبوية ما يلي: ِ
األحاديث ِ
الفعلية ما أخذ بذلك بالفعل ،ومن ِ
السنة القولي ِة ،وهناك من
ّ
اهـا
ـال :فَ َرَم َاح بِاْل َمِد َين ِة ،قَ َ
ض ٌت َجا ِرَيةٌ َعلَ ْيهَا أ َْو َ عنه قالَ ":خ َر َج ْ مالك رضي اهلل ُ بن ٍ أنس ِ -1وعن ِ
سـو ُل اللَّ ِـهـال لَ َهـا َر ُ
ـق ،فَقَ َ صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسـلَّ َم َوبِهَـا َرَم ٌالنبِ ِّي َ يء بِهَا إِلَى َّ ال :فَ ِج َ ودي بِ َح َج ٍر ،قَ َ َيه ِ
ُ
ـال« :فُـالَ ٌن قَتَلَ ِـك؟» فَ َرفَ َع ْ
ـت اد َعلَ ْي َهـا ،قَ َ َع َ
ْس َها ،فَأ َ
ِ
سلَّ َم« :فُالَ ٌن قَتَلَك؟» فَ َرفَ َع ْت َأر َ
ِ
صلَّى اهللُ َعلَ ْيه َو َ َ
ســو ُل اللَّـ ِـه َ َّ ِ
ـها ،فَ َـد َعا ِبــه َر ُ ـال لَ َهــا ِفــي الثَّالِثَ ِـة« :فُـالَ ٌن قَتَلَـ ِـك؟» فَ َخفَ َ
صـلى اهللُ ْسـ َـت َأر َ
ضـ ْ ـها ،فَقَـ َْس َ
َأر َ
ِ
سلَّ َم فَقَتَلَ ُه َب ْي َن َ
الح َج َرْي ِن".
3
َعلَ ْيه َو َ
113
الربيع ،أُم حارثة ،جرحـت إنسـاناً ،فاختصـموا إلـى النبـي صـلى اهلل عليـه ِ خت
أن أُ َ -6وعن أنسَّ ،
ـول
س َ الرِب ِ ِ ِ ِ َّ ِ َّ
يعَ :يا َر ُ اص» ،فَقَالَ ْت أُم َّ ص َ اص ،ا ْلق َص َ وسلم ،فقال رسو ُل اهلل صلى اهللُ عليه وسلم« :ا ْلق َ
ان ِ ِ اهلل َال ُي ْقتَص ِم ْن َها ،فَقَ َ
اهلل ،أَي ْقتَص ِم ْن فَُال َن َة؟ و ِ
ِ
اهلل َيـا سلَّ َمُ « :
س ْب َح َ صلَّى اهللُ َعلَ ْيه َو َ ال َّ
الن ِبي َ َ ُ
ـت َحتَّـى قَ ِبلُـوا اهلل َال ُي ْقتَص ِم ْن َها أ ََب ًدا ،قَ َ
ـال :فَ َمـا َازلَ ْ اهلل» ،قَالَ ْتَ :ال ،و ِ
َ
يع ،ا ْل ِقصاص ِكتَاب ِ
ُ َ ُ الرِب ِأ َُّم َّ
4 اهلل م ْن لَو أَقْسم علَى ِ
اهلل َأل ََب َّرهُ». اهلل صلَّى اهلل علَ ْي ِه وسلَّم« :إِ َّن ِم ْن ِعب ِاد ِ
ال رسو ُل ِ
َ ْ ََ َ َ ُ َ َ ََ َ ِّي َة ،فَقَ َ َ ُ
الد َ
– 3اإلجماع:
1
وعليه إجماع األمة واأل مة بال خالف ،وعليه إجماع الصحابة والتابعين وتابعي التابعين.
114
المطلب الثاني
حكم تطبيق أحكام القصاص
صف له من الواجب كان ألخيه عليه من القود عن شيء من الواجب ،على دية يأخذها فمن ُ
منه ،فاتباعٌ بالمعروف من العافي عن الدم ،الراضي بالدية من دم وليه وأداء إليه من القاتل ذلك
1
بإحسان.
115
ف ِفي ا ْلقَ ْت ِل إِنَّ ُه َك َ
ان س ِر ْ
س ْلطَا ًنا فَ َال ُي ْ
ِ ِ
وما فَقَ ْد َج َع ْل َنا ل َولِ ِّيه ُ
ِ
وقوله سبحانهَ { :و َم ْن قُت َل َم ْظلُ ً
ور} [االسراء.]66: ص ًا
َم ْن ُ
قال ابن كثير :أي :سلطة على القاتل ،فإنه بالخيار فيه إن شاء قتله قوداً ،وان شاء عفا عنه
1
على الدية ،وان شاء عفا عنه مجانا.
وأما السنة:
فعن أبي هريرة رضي اهلل عنه قال :أنه عام فت مكة ،قتلت خزاعة رجال من بني ليث، -
س َع ْن بقتيل لهم في الجاهلية ،فقام رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال " :إِ َّن اللَّ َه َح َب َ
َح ٍد ِ ِ
َحد قَ ْبليَ ،والَ تَحل أل َ
ين ،أَالَ وِا َّنها لَم تَ ِح َّل ِأل ٍ ِ
َ َ َ ْ الم ْؤ ِم ِن َ سلَّطَ َعلَ ْي ِه ْم َر ُ
سولَ ُه َو ُ يلَ ،و َ
م َّك َة ِ
الف َ َ
ار ،أَالَ وِا َّنها س ِ ِ ِ اع ًة ِم ْن َن َه ٍ ِ ِ ِ
ام ،الَ ُي ْختَلَى اعتي َهذه َح َر ٌ َ َ َ َ س َ َب ْعدي ،أَالَ َوِا َّن َما أُحلَّ ْت لي َ
طتَ َها إَِّال ُم ْن ِش ٌدَ ،و َم ْن قُِت َل لَ ُه قَ ِتي ٌل فَ ُه َو ِب َخ ْي ِر شجرَها ،والَ ي ْلتَ ِقطُ س ِ
اق َ َ ض ُد َ َ ُ َ َ ش ْو ُك َهاَ ،والَ ُي ْع َ
َ
النظَ َرْي ِن :إِ َّما ُي َ
َّ
2
اد".
ودى َواِ َّما ُيقَ ُ
فداءهُ
شاء أَ َخ َذ َ
القاتل وان َ
َ شاء قَتَ َل ِ
بالخيار إن َ قولهَ ":و َم ْن قُِت َل لَ ُه قَ ِتي ٌل" :معناه ولي المقتول
وهي الدية.
ٍ
عباس أنه قال: ابن ِ
حديث ِ ِ
مصنفه ،والدارقطني في سننه :من ابن أبي شيب َة في -روى ُ
3 َن َي ْعفُ َو َولِي ا ْلم ْقتُ ِ
ول". ال رسو ُل ِ
اهلل صلَّى اهلل عليه وسلَّم " :ا ْل َع ْم ُد قَ َوٌد ،إِالَّ أ ْ
َ قَ َ َ ُ
-وعن أنس ،أن أخت الربيع ،أم حارثة ،جرحت إنسانا ،فاختصموا إلى النبي صلى اهلل عليه
ول
س َ الرِب ِ ِ ِ
يعَ :يا َر ُ اص» ،فَقَالَ ْت أُم َّ ص َ اص ،ا ْلق َ
ص َ وسلم ،فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم« :ا ْلق َ
ان ِ ِ اهلل َال ُي ْقتَص ِم ْن َها ،فَقَ َ
اهلل ،أَي ْقتَص ِم ْن فَُال َن َة؟ و ِ
ِ
اهلل َيا سلَّ َمُ « :
س ْب َح َ صلَّى اهللُ َعلَ ْيه َو َ ال َّ
الن ِبي َ َ ُ
اهلل َال ُي ْقتَص ِم ْن َها أ ََب ًدا ،قَ َ
ال :فَ َما َازلَ ْت َحتَّى قَ ِبلُوا اهلل» ،قَالَ ْتَ :ال ،و ِ
َ
يع ،ا ْل ِقصاص ِكتَاب ِ
ُ َ ُ الرِب ِأ َُّم َّ
اهلل م ْن لَو أَقْسم علَى ِ
اهلل َأل ََب َّرهُ».1 اهلل صلَّى اهلل علَ ْي ِه وسلَّم« :إِ َّن ِم ْن ِعب ِاد ِ
ال رسو ُل ِ
َ ْ ََ َ َ ُ َ َ ََ َ ِّي َة ،فَقَ َ َ ُ
الد َ
113
العفو إذا أر َاد ِ ِ األحاديث ُّ
دونها مشروعٌ ،ويمكن ُ
النفس وما َ القصاص في استيفاء
َ تدل على أن ُ هذه
الولي.
ُّ
ِ
الحاكم: القصاص مسئولي ُة
ُ
ٍ يجوز ٍ
يقتص من أحد حقَّه َ
دون َّ الحد أن قال اإلمام القرطبي ":اتفق أ مةُ الفتوى على أنه ال ُ
السلطان
ُ ٍ
لسلطان أو َم ْن نصبه ٍ
بعض ،وانما ذلك بعضهم من
يقتص ُ َّ ِ
للناس أن ِ
السلطان ،وليس
ٍ
بعض. بعضهم عن ِ
الناس َ ليقبض أيدي
َ السلطان
َ جعل اهللُ
لذلك ،ولهذا َ
أحد من ر ِ
عيته ،إذ تعدى على ٍ يقتص من ِ
نفسه إن َّ ِ
السلطان أن أن على
لماء على َّ
َّ وأجمع الع ُ
القصاص ،وليس بينهم ِ
َ كالوصي والوكيل ،وذلك ال يمنعُ ِ احد منهم ،وانما له مزية النظر لهم
هو و ٌ
صاص ِفي اْلقَ ْتلى "، ب َعلَ ْي ُك ُم اْل ِق ِ وجل ،لقوله َّ
عز َّ وبين العامة فرق في أحكام ِ
اهلل َّ
ُ جل ذكرهُُ ":كت َ
جل شكا إليه أن عامالً قطع يده :ل ن كنت ق رضي اهلل عنه أنه قال لر ٍ الص ّدي ِ وثبت عن أبي ٍ
بكر ِّ
صادقاً ألقيدنك منه".1
أحكام القصاص:
القصاص على نوعين:
س.الن ْف ِ
قصاص في َّ
ٌ -1
الن ْف ِ
س. دون َّ
وقصاص فيما ٌَ -1
العفو ،إما على الدية واما على غير أحد شي ِ أن لولي ِالفقهاء على َّ
القصاص أو ُُ ين الدم َ ُ اتفق
الدية.
دون أن اجب ِّ ِ
لولي الدم َ أخِذ الدية ،هو حق و ٌ القصاص إلى ِ
العفو على ْ ِ واختلفوا هل االنتقال من
للمقتص منه ،أم ال تثبت الديةُ إالَّ بتراضي الولي و ِ
القاتل ،وأنه إذا لم يرد ِ خيار
ّ يكون في ذلك ٌَ
المقتص منه أن يؤدي الدية ،لم يكن لولي َّ
الدم إال القصاص مطلقاً أو العفو ،على مذهبين:
117
ِ
العمد َّإال ِ
القاتل المذهب األول :ذهب الحنفيةُ والمالكيةُ في إحدى الرو ِ
ايتين إلى أنه ليس على
ولي
شاء ،فيلزمه ما رضي به إذا رضي بذلك ُّ ِ َّ
القصاص ،إال أن يرضى أن يصال َ عن دمه بما َ ُ
1
الدم.
اجب ِ ِ المذهب الثاني :ذهب المالكيةُ في الرو ِ
المشهور عند الحنابلة أن الو َ
ُ الثانية ،والشافعيةُ و اية َ
1
القصاص أو الديةُ. أحد شي ِ
ين ِ
العمد ُ في القَ ْت ِل
ُ
-1المرغياني ،الهداية شرح بداية المبتدي ،4/152 ،الدردير ،الشرح الكبير234 ،و.4/241
- 2الدردير ،الشرح الكبير ،4/241 ،الشافعي ،األم ،3/11 ،المرداوي ،االنصاف.11/5 ،
- 3سبق تخريجه ،ص.121
- 4سبق تخريجه ،ص.122
112
ِ
المصلحة له فإن اختار الولي القود أو عفا عن الدية فقط ،فله أخذها أي الدية ،لما فيه من
ِ
القصاص وليست التي وجبت بالقتل. وللجاني وتكون بدالً عن
القصاص.
ُ الولي الديةَ تعيَّنت وسق َ
ط ُّ اختار
َ وال يعتبر رضا القات ِل بالدية ،ومتى
ِ
وشبه ِ
العمد ِ
القصاص في ِ
وجوب الفقهاء في اختلف
َ س ،فقد دون َّ
الن ْف ِ القصاص فيما َ ثانياً :وأما
ُ ُ
ِ
العمد ،على مذهبين:
المذهب األول :ذهب الحنفية إلى أن العمد وشبه العمد فيما دون النفس موجب للقصاص ،إذ
1
ليس فيما دون النفس شبه عمد.
وذلك ما كان شبه عمد في النفس ،فهو عمد فيما دون النفس ،ألن ما دون النفس ال يقصد
إتالفه ب لة دون لة عادة ،فاستوت اآلالت كلها في الداللة على القصد فكان الفعل عمدا.
المذهب الثاني :ذهب المالكية ،1والشافعية ،6والحنابلة ،4إلى أنه ال يجب القصاص فيما دون
النفس إال في العمد المحض.
أدلة المذهب األول:
ارَي ٍة
س ثَِنيَّ َة َج ِ س َر ْت الرَب ِّيعُ َع َّم ُة أََن ٍ واستدلوا بحديث أنس بن مالك رضي اهلل عنه أنه قالَ ":ك َ
َم َر صلَّى اللَّ ُه َعلَ ْي ِه َو َ َّالن ِب َّي َش فَأ ََب ْوا فَأَتَ ْوا َّضوا َعلَ ْي ِه ْم ْاأل َْر َ
سل َم فَأ َ فَطَلَ ُبوا ا ْل َع ْف َو فَأ ََب ْوا فَ َع َر ُ
س ُرق َال تُ ْك َ س ُر ثَِنيَّ ُة الرَب ِّي ِع َوالَِّذي َب َعثَ َك ِبا ْل َح ِّ ض ِر يا رس َ ِ
ول اللَّه تُ ْك َ الن ْ َ َ ُ س ْب ُن َّ ال أََن ُ اص فَقَ َ ص ِ ِ
ِبا ْلق َ
ال فَر ِ ِ ِ الن ِبي صلَّى اللَّ ُه علَ ْي ِه وسلَّم يا أََن ِ
ال
ض َي ا ْلقَ ْوُم فَ َعفَ ْوا فَقَ َ اص قَ َ َ ص ُ اب اللَّه ا ْلق َ س كتَ ُ َ َ ََ َ ُ َ ال َّ فَقَ َ
ْس َم َعلَى اللَّ ِه َأل ََب َّره".0 ِ ِ ِ ِ
سلَّ َم إِ َّن م ْن ع َباد اللَّه َم ْن لَ ْو أَق َ
ِ
صلَّى اللَّ ُه َعلَ ْيه َو َ
ِ
سو ُل اللَّه َ َر ُ
114
وجه الداللة :أن اللطمة لو أتت على النفس ال توجب القصاص ،ورأيناها فيما دون النفس قد
أوجبته بحكمه عليه الصالة والسالم ،فثبت بذلك أن ما كان في النفس شبه عمد هو عمد فيما
دونها ،وال يتصور أن يكون فيه شبه عمد.
وجه الداللة من اآلية والحديث وجوب القصاص فيما دون النفس ،في العمد المحض ،وال يجب
في غيره.
-6القياس :قاسوا وجوب القصاص فيما دون النفس على وجوب القصاص في النفس.
ألن ما دون النفس كالنفس في الحاجة إلى حفظه بالقصاص فكان كالنفس في وجوب
القصاص ،ومن ال يقاد بغيره في النفس ال يقاد به فيما دون النفس ومن اقتيد بغيره في النفس
1
اقتيد به فيما دون النفس.
121
المطلب الثالث
ضوابط إقامة أحكام القصاص
المجتمع ،و ِ
إلبطال ما كان ِ ابات في
تنتشر الفوضى واالضطر ُ القصاص حتى ال اإلسالم ع
شر َ
َ َ ُ
ذنب لهم وال بين القبا ِل، ٍ ِ
ياء الذين ال َ
يموت فيها األبر ُ
ُ حروب َ اإلسالم من قبل
عليه الجاهليون َ
وحدهُ ،ال ٍ
إنسان مس ول عما ارتكبه من ج ار م ،وأن عليه العقوبةَ َ جرم ،فجاء اإلسالم وبيَّن أن َّ
كل
أحد.
يتحملها عنه ٌ
ومباح ِ
القصاص الوجوب على ولي األمر إذا رفع إليه من مستحقه، حكم الفقهاء على َّ
ٌ أن َ ُ اتفق
صال َ عليه ،وله أن يعفو ِ طلبه من ِ
لب به ،وله أن ُي َ
قبل مستحقه إذا استوفى شروطَه ،فله أن يطا َ ُ
عنه ،والعفو أفض ُل ،ثم الصل .
1 وسواء في ذلك كلِّه أن تكون الجنايةُ على ِ
النفس ،أو على ما دونها. َ
فعلى هذا يتعين على الدولة ممثلة في الحاكم تنفيذ أحكام القصاص ،إذا طلب أولياء المجني
عليه ذلك ،سواء كانت الجناية على النفس ،أو على ما دونها.
الدم ،ولكن الذي يقيمه الحاكم أو نا به ،وذلك ألنه منوط به مصال ِ
ألولياء ِ ثابت
والقصاص حق ٌ
الرعية ،فوجب عليه إقامة احكام القصاص إذا طلب منه ذلك.
121
ينوب عنه ،وذلك لعدة أمور: الحاكم أو َم ْن ِ
بالقصاص يقوم
ُ ُ أن َ ضرورةُ ْ
ت فيها ال ُي َع َّوض ،فوجب االحتياطُ في استيفا ِها ِ
الخطر ،والفا ُ أمور عظيمةُ
-1ألنها ٌ
القتل عن
واثباتها ،للحديث الذي ص ّ موقوفاً على ابن مسعود بلفظ " :ادرءوا الجل َد و َ
المسلمين ما استطعتم."1
َ
ٍ
بعض ،وقلي ٌل بعضهم علىالناس ِ
ِ ِ
للناس؛ لكانت ذريعةً لتعدي العقوبات
ُ -1لو تُركت هذه
بين َّ
الناس. ِ ِ ِ
اعتدادا بشرفه ومكانته َ
ً الناس من ينضبطُ بالشرِع ،وال يبغي من
ِ
أحكام الشريعة ،أو الواقع إال بحض ِرة اإلمام، العقوبات ال تنضبط ِمن ُ
حيث ِ كثير من
ٌ -6
الح ّدِ ،ومناسبةُ الوقت وعفو ِ
المحدود على احتمال َ مثل القدر الذي ينبغي قطعه ،وقدرة
ِ
أولياء ِ
الدم وخشيةَ التعدي منهم في الجراحات.
اسطة الحاكم؛ حيث يغلب التأديب ،وهذا ال يتحقق إال بو ِ
ِ ِ
للزجر و -4ـ شرعت العقوبات
الثأر بينهم ،وتزداد الرغبة في ِ
سلطان الدولة بعكس انتقام الناس ألنفسهم؛ حيث يتوالد ُ
ُ
البطش ،ومتى عرف الناس أحكام الشريعة الغراء ،واستأنسوا بها تحقق لهم العدل في
الدنيا ورضوان اهلل تعالى في اآلخرة.
- 1األلباني ،إرواء الغليل ،24/5 ،قال األلباني :وهو حسن اإلسناد .البيهقي ،السنن الكبرى ،232/2 ،حديث(.)17521وقال هذا
موصول.
122
المطلب الرابع
موقف الشرع من تطبيق أحكام القصاص في حال غياب الدولة
من المعلوم أن المهام التي تسند إلى اإلمام ونوابه ،هي إقامة الحدود وكل ما فيه صالح الرعية،
وال يجوز االفت ات عليه في شيء مع وجوده فيما هو له ،حتى ال تكون فوضى يعجز الناس عن
تداركها ،أو قمعها فتسفك دماء ،وتسرق أموال ،وتنتهك أعراض ،ويأكل فيها القوي الضعيف ...
اإلمام أو نا ُبه.
ُ الحدود َّإال
َ وقد تواتر وتوافر كالم العلماء في هذا بأن ال يقيم
«إِ َّن َما صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ،قَا َل:
النبِ ِّي َ
وقد جاء في الحديث الصحيحَ ،ع ْن أَبِي ُه َرْي َرةََ ،ع ِن َّ
ِب َذلِ َك أ ْ
َجٌر، ان لَ ُه اإلمام ج َّن ٌة ،يقَاتَ ُل ِم ْن ورِائ ِه ،ويتَّقَى ِب ِه ،فَِإ ْن أَمر ِبتَ ْقوى ِ
اهلل َع َّز َو َج َّل َو َع َد َلَ ،ك َ ََ َ َُ ََ ِْ َ ُ ُ ُ
ان َعلَ ْي ِه ِم ْن ُه.»4
ْم ْر ِب َغ ْي ِرِه َك َ
َوِا ْن َيأ ُ
ولكن ماذا لو حصل إِن كان هناك من يقيم الحدود ،أو يقوم بالقصاص على الناس ،من جماعة
أو شخص مع وجود اإلمام العام الذي يقيم الحدود ،ماذا سوف يترتب عليه أو انعدم اإلمام
الشرعي ،أو امتنع عن إقامة الحدود فكيف تقام الحدود
- 1متفق عليه ،البخاري ،صحيح البخاريِ ،كتَابُ ال ِجهَا ِد َوال ِّسيَ ِر ،بَابُ يُقَاتَ ُل ِم ْن َو َرا ِء ا ِإل َم ِام َويُتَّقَى بِ ِه ،51/4 ،حديث( ،)2457ومسلم،
اإل َم ِام إِ َذا أَ َم َر بِتَ ْق َوى هللاِ َو َع َد َل َكانَ لَهُ أَجْ ٌر ،1471/3 ،حديث( .)1241واللفظ لمسلم. اإل َما َر ِة ،بَابٌ فِي ْ ِ
صحيح مسلمِ ،كتَابُ ْ ِ
- 2النووي ،شرح صحيح مسلم.231/12 ،
- 3ابن حجر العسقالني ،فتح الباري شرح صحيح البخاري.113/3 ،
123
استيفاء القصاص أو إقامة الحدود مع وجود اإلمام العام:
ِ
العادل ،وهذا ِ
السلطان ظل وجود من المقرر أنه ال يجوز ألحد ،أن يقتص من ٍ
أحد حقَّه في ِ
موضع اتفاق عند الفقهاء.
قال القرطبي ":اتفق أ مة الفتوى على ،أنه ال يجوز ألحد ،أن يقتص من أحد حقه دون السلطان،
نصبهُ السلطان لذلك،
وليس للناس أن يقتص بعضهم من بعض ،وانما ذلك للسلطان ،أو من َّ
بعضهم عن بعض".1الناس ِ
ِ السلطان ليقبض أيدي
َ ولهذا جعل اهللُ
وقال النووي ":ليس لمستحق القصاص استيفاؤه ،إال بإذن اإلمام أو نا به ،وعن أبي إسحاق
ومنصور التميمي ،أن المستحق يستقل باالستيفاء كاألخذ بالشفعة وسا ر الحقوق.
اء فيه قصاص النفس والطرف ،واذا استقل به عزر ،لكنه ال
(والصحي المنصوص األول) ،وسو ٌ
غرم عليه ،ويقع عن القصاص".1
خرج على أنها حدثت ليس من باب اإلفت ات على ولكن يمكن أن تكون هناك استثناءات تُ َّ
ِ
المنكر ،أو الن ِهي عن ِ
بالمعروف و َّ ِ
األمر ِ
المحارم ،أو الح ِمَّي ِة على ِ
الدين و السلطان ،ولكن من باب َ
ِ
غير ذلك .وهذا حديث ابن عباس يبين هذا:
يه، ت لَه أ ُُّم ولٍَد تَ ْشتُم النَّبِ َّي صلَّى اهلل علَْي ِه وسلَّم ،وتَقَع ِف ِ َّاس ،قال":إِ َّن أ ْ َع ْن ْاب ُن َعب ٍ
ُ َ َََ َ ُ َ ُ َع َمى َك َان ْ ُ َ
صلَّى ِ ات لَْيلَ ٍةَ ،ج َعلَ ْ اها ،فَ َال تَْنتَ ِهيَ ،وَي ْزُج ُرَها فَ َال تَْن َزِج ُر ،قَ َ
ت تَقَعُ في الَّنبِ ِّي َ ت َذ َ الَ :فلَ َّما َك َان ْ فََي ْنهَ َ
طنِهَاَ ،واتَّ َكأَ َعلَ ْيهَا فَقَتَلَهَا ،فَ َوقَ َع َب ْي َن ِر ْجلَ ْيهَا ض َعهُ ِفي َب ْ اهلل علَ ْي ِه وسلَّم ،وتَ ْشتُمه ،فَأ َ ِ
َخ َذ اْلم ْغ َو َل فَ َو َ ُ َ َ َ َ َ ُُ
صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ،فَ َج َم َع ِ ِ ِ ِ َّ ِ
َص َب َ ُذك َر َذل َك ل َر ُسول الله َ
اك بِ َّ ِ
الدمَ ،فلَ َّما أ ْ ت َما ُه َن َ ِط ْف ٌلَ ،فلَطَّ َخ ْ
اس الن ََع َمى َيتَ َخطَّى َّ ام ْاأل ْ ام» ،فَقَ َ
ِ َّ ِ ِ َّ
ال« :أ َْن ُش ُد اللهَ َرُج ًال فَ َع َل َما فَ َع َل لي َعلَ ْيه َحق إال قَ َ اس فَقَ َ َّ
الن َ
ول اللَّ ِه ،أََنا ص ِ صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ،فَقَ َ
اح ُب َها، َ س َ الَ :يا َر ُ النبِ ِّي َ
َو ُه َو َيتََزْل َزُل َحتَّى قَ َع َد َب ْي َن َي َد ِي َّ
ان ِم ْث ُل اها فَ َال تَ ْنتَ ِهيَ ،وأ َْز ُج ُرَها ،فَ َال تَ ْن َز ِج ُرَ ،ولِي ِم ْن َها ْاب َن ِ يك ،فَأَْن َه َشتُ ُم َكَ ،وتَقَعُ ِف َ َكا َن ْت تَ ْ
ْت ا ْل ِم ْغ َو َل
َخذ ُ يك ،فَأ َشتُ ُم َكَ ،وتَقَعُ ِف َ ار َح َة َج َعلَ ْت تَ ْ الل ْؤلُ َؤتَ ْي ِنَ ،و َكا َن ْت ِبي َرِفيقَ ًةَ ،فلَ َّما َك َ
ان ا ْل َب ِ
سلَّ َم« :أََال ا ْ ِ ط ِن َهاَ ،واتَّ َكأ ُ
ض ْعتُ ُه ِفي َب ْ
ش َه ُدوا صلَّى اهللُ َعلَ ْيه َو َ الن ِبي َ ال َّ ْت َعلَ ْي َها َحتَّى قَتَ ْلتُ َها ،فَقَ َ فَ َو َ
َن َد َم َها َه َدٌر».3 أ َّ
124
الحرب ،لم ي ُز ْل مْل ُكه ،لكن يباح قتلُه ل ُك ِل ٍ
أحد ،من ِ
غير ِ تد ِ
بدار وقال ابن قدامة ":ولو لَ ِح َ
ق المر ُّ
ُ َ ُ
ِ
الحرب".1 ماله لمن قَِدر عليه ،ألنه صار حربياً ،حكمه حكم ِ
أهل استتابة ،وأخ ُذ ِ
ٍ
ُ ُ َ
وقد أجاب شيخ اإلسالم ابن تيمية- :رحمه اهلل-في سؤال له عن التعزير هل يختص بالحاكم:
ِ
األمور " وتعزير هؤالء ليس يختص بالحاكم ،بل يعزره الحاكم والمحتسب وغيرهما من و ِ
الة ُ ُ ُ
النساَ ِء،
كثير في ّ فساد ٍ
ظهر فيها ُ ِ ِ
القادرين على ذلك ،ويتعين ذلك في مثل هذه الحال التي َ
المنكر فلم الناس إذا أروا إن النبي -صلَّى اهلل ِ
عليه وسلَّم -قالَّ « : الزور كثيرةٌ ،فإن َّ ِ ِ
وشهادة
َ َ ُ
ٍ
بعقاب منه .»6واهلل أعلم".4 يغيروه أوشك أن َي ُع َّمهم اهللُ
ِ
الفعل، ِ
المتوقعة من ِ
المفسدة ِ
حصول ولكن هذا ي ْحم ُل على ِ
عدم لةَّ ،اهد واألد ِ
وغير ذلك من الشو ِ
ُ َ
ِ
الفتنة ،وكذلك ُيحمل حدوث ِ ِ ِ
َ فال ثأ َر وال فَوضى ،وذلك بسبب وجود اإلمام وشوكته التي تمنعُ
اإلمام يرضى منه ذلك اإلفت ات إذا قام به. يكون من حاله أن
َ على أن َم ْن يقوم بهاَّ ،
البد وأن
َ
ولكن وقد يعاقب اإلمام من قام به خشية الفتنة ،أو اإلفت ات عليه.
125
ِ
السبيل ،وصار اليات عن أريِهم ،فإن فَعلوا ذلك ،فقد ُه ُدوا إلى سو ِء
جميع قضايا الو ِ
ِ ويصدروا في
ِ
العباد".1 ِ
البالد والةَ علماء
ُ
علماء ِ
العلماء ،فإن َكثَُر الناس إلى ٍ
ُ رجع ُ الزمان عن إمامَ ، ُ خال
قال الخطيب الشربيني ":ولو َ
ع كما قاله اإلمام".1 ِ
الناحية فالمتبَّع أعلَ ُمهم ،فإن استووا وتنازعوا أُ ْق ِر َ
ب بها مجموعُ
طٌالحدود ُم َخا َ
َ األحكام و
َ وقد أشار شيخ اإلسالم ابن تيمية -رحمه اهلل-إلى أن
ٍ
سلطان إذا لم يكن السلطان وأمكن إقامتُها من ِ
غير ُ السلطان ذو القدرة ،فإن ُعِدم
ُ ويقيمها ِ
األمةُ ،
العام، ِ
السلطان ِّ ِ
الحدود من اجب ،وذلك ألن إقامةَ ِ في إقامتِها مفسدةٌ
أعظم من تركها ،فهذا هو الو ُ ُ
6
فيها المصلحةُ المحضةُ ،وليس هناك مفسدةٌ.
ِ
بالفعل ال ب ِ ِ
بالحدود والحقو ِ
ق خطاباً مطلقاً ،لكن قد ُعل َم أن المخاطَ َ المؤمنين
َ ب اهللُ
طَ
فقال ":خا َ
ِ
الكفاية من يكون قاد اًر عليه ،والعاجزون ال يجب عليهم ،وقد ُعلِ َم أن هذا ٌ
فرض على َّ
بد أن َ
ون َّو ِ
ابه. ِ
السلطان ُ الحدود على ذي ِ وجب إقامةُ القادرين ،و " القدرة " هي السلطان؛ فلهذا:
َ
ض أن األمةَ خرجت عن الباقون ُن َّو ُابهُ ،فإذا فُ ِر َ
َ احد ،و
إمام و ٌ
يكون للمسلمين ٌ
-والسنةُ أن َ
غير ذلك فكان لها عدةُ أ ٍ
مة: وعجز من الباقين أو ِ ٍ لمعصية من ِ
بعضها ٍ ذلك
الحقوق. ويستوفي ِ
الحدود، يقيم ٍ
َ َ -لكان يجب على كل إمام أن َ
ِ
العدل. أحكامهم ،ما ينفذ من أحكام ِ
أهل ِ البغي ينفذ من
ِ إن أهل العلماءَّ : -ولهذا قال
ُ
حزب ِفع ُل ذلك في ِ
أهل -وكذلك لو شاركوا اإلمارةَ وصاروا أحزاباً ،لوجب على ُك ّل ِِ ٍ
ِ
لألمير ِ
وتعددهم ،وكذلك لو لم يتفرقوا؛ لكن طاعتهم ق األمر ِءعند تفر ِ
طاعتهم ،فهذا َ
الكبير ليست طاعةً تامةً.
القيام بذلك؛ بل عليهم أن
ُ ط عنهمفإن ذلك أيضاً إذا أسقط عنه إلزامهم بذلك ،لم يسق ْ -
ُيقيموا ذلك.
ق ،أو إضاعتِه لذلك، ِ
الحدود والحقو ِ اء ،عن إ ِ
قامة بعض األمر ِ
ِ عجز
ض ُ وكذلك لو فُ ِر َ -
لكان ذلك الفرض على ِ
القادر عليه. -
ُ
ِ
بالعدل. فاعلين ون َّو ُابهُ ،إذا كانوا قادرين
السلطان ُ الحدود إال يقيم
َ ُ َ وقول من قال :ال ُ -
123
ضّيعاً ألمو ِ
ال ِ
الحاكم َّإنما هو العاد ُل
القادر فإذا كان ُم َ
ُ األمر إلى
-كما يقول الفقهاءُ :
ِ
بدونه. إمكان ِ
حفظها ِ تسليمها إليه ،مع اليتامى؛ أو عاج اًز عنها ،لم يجب
ُ
تفويضها إليه مع
ُ يجب
للحدود ،أو عاج اًز عنها ،لم ْ ِ ضِّيعاً
-وكذلك األمير إذا كان ُم َ
ِ
إمكان إقامتها بدونه.
ِ
أمكن إقامتُها من ٍ
أمير لم أحسن الوجوِه ،فمتى َ
ِ ام على
أن هذه الواجبات ،تُقَ ُ -واألص ُل َّ
سلطان ،أُقيمت إذا لم يكن في إقامتِها
ٍ بعدد ومن ِ
غير اثنين ،ومتى لم يقَم إال ٍ
ُْ َي ْحتَ ْج إلى ِ
ِ
المنكر. النهي عن ِ
بالمعروف ،و ِ ِ
األمر فإنها من " باب يد على إضاعتهاَّ ، فساد يز ُ
ٌ
فساد
فع ٌ ِ ِ فساد و ِ
-فإن كان في ذلك من ِ
األمر ،أو الرعية ما يزيد على إضاعتها ،لم ُي ْد ْ الة
بأفسد منه .واهلل أعلم".1
َ
فسدون
َ للج َن ِاة ُي ِ
المجال ُ إفساح
ُ
ِ
لجماعة المسلمين ولذلك في حال لم يكن سلطان ،فال يسوغُ
ٍ
وسيلة تردعُ الظّلَ َمةَ. البحث عن
ُ المسلمين، ِ
جماعة ويقتلون َم ْن شاءوا ،بل يتعيَّ ُن على
َ َ
ٍ ٍ ٍ
عدة واستعداد بشوكة ونجدة، ٍ ٍ
دون اعتضاد ُب َّ
تثبت َفقد قال الجويني ":وقد ذكرنا أن اإلمامةَ ال ُ
ِ
اإلسالم، ِ
أحكام ِ
إقامة أثر لها في ٍ ٍ بمجردها من ِ ِ
استمكان ال َ اقتدار و غير فكذلك الكفايةُ
بلغ
اليات وقد َومنة ،فكيف يجري قضايا الو ِ مستقل بقوى ٍ
ٍ شغر الزمان عن ٍ
كاف
َ َ ُ -فإذا َ َ
تعذ ُرها منتهى الغايا ِت.
ُّ
األدب َي ْقتَضي فيه مطالعةُ ذوي َ ِ
الناس فيه بأنفسهم ولكن ِ
استقالل -فنقول :أما ما يسوغُ
ِ
الجهاد. ِ
العساكر إلى الجمع ِ
وجر ِ العصرِ ،
كعقد ِ األمر ومراجعةُ مرمو ِ
ق ِ
ِ
الدهر ،ولو سعى عند الناس عند ِ
خلو ِ ِ ِ
النفس والطرف ،فيتواله ُ القصاص في استيفاء
ُ -و
ِ
األرض ِ
السعاية في قو نقض الطر ِ
ِ البأس ،في ِ
النجدة و ِ ذويف من ِ ِ
الزمان ،طوا ُ ِ
شغور
ِ
الناس حاد ِ
المنكر ،وانما َي ْنهَى ُ ِ
بالمعروف والنهي عن ِ
األمر اب ِ
بالفساد فهم من أهم أبو ِ
ّ
ِ الزمان وزر قوام على ِ ِ
اإلسالم. أهل ِ ُ األسلحة استبداداً ،إذا كان في عن ِ
شهر
اإلمكان ،إلى درِء البوا ِ
ق عن ِ ِ
حسب البدار على وجب
َ ِ
السلطان، الزمان عن
ُ -فإذا خلى
ُ
ِ
االستحثاث على ما هو باألنفس من ِ
قبيل ِ ِ
االستقالل ِ
اإليمان ،ونهينا الرعايا عن ِ
أهل
النجاح.
ِ الصالح واألدنى إلى
ِ األقرب إلى
ُ
ِ
لشتات ِ
السياسة أوقعُ وأنج ُ وأدفعُ للت ِ ان من ِ َّ
نافس ،وأجمعُ أمور فإن ما يتواله السلطَ ُ -
1
ينكره ذو عقل. الدماء ،وشهر األ ِ
سلحة وجوهٌ من َ ِ ِ ِ
الخبل ال ُ ُ أمور
الرأي في تمليك الرعايا َ
127
عما ِ
بالقعود َّ ِ
بأمورهم يلوذون به ،فيستحي ُل أن ُي ْؤ َمروا قواماًاس َّ يصادف َّ ِ
الن ُ واذا لم -
العباد،
البالد و َ َ الفساد
ُ عم ِ
لممكن َّ ِ
الفساد ،فإنهم لو تقاعدوا عن ا دفع
عليه من ِ يقتدرون ِ
َ َ
األمر المهم ِ ِ
بالتقاعد في ِ
ات ،وأتاها على أقرب ِ َ ّ ِ
السلطان َكفاهم ذو قيام واذا أمروا -
الجهات.
ان ُك ّل قر ٍ
ية وس َّك ِ ٍ
ان ُك ّل بلدة ُ السلطان فحق على قُطَّ ِ
ِ الزمان عن
ُ العلماء لو خلى
ُ وقد قال -
امتثال إشار ِ
اته َ الحجا من يلتزمون العقول و ِ
ِ النهى ،وذوي ِ
األحالم و ُّ يقدموا من ذوي أن ّ
المهمات، ِ اجره ،فإنهم لو لم يفعلوا ذلكَّ ، مناهيه ومز ِِ وأوامرِه،
عند إلمام ُ ترددوا َ وينتهون عن
َ
إظالل الو ِ
اقعات. ِ وتبلَّدوا عند
ِ
المخافات ،تعيَّن عليهم اطنأوغلوا في مو ِ
ات ،و َاإلمام للغزو ِ
ِ ولو انتدب جماعةٌ في ِ
قيام -
ِ
المخافات ،ولم ِ
ورطات أن ينصبوا من يرجعون إلى ر ِ
أيه ،إذ لو لم يفعلوا ذلك ،لهووا في َْ
ِ 1 ٍ
شيء من الحاالت ". يستمروا في
122
المبحث الثاني
124
المطلب األول
التعريف بالدية وحكمها والغاية منها
تعريف الديات:
ـال الـذي هـو "جمعُ ِد َي ٍة :وهي فـي اللغـة :مصـدر َوَدى القاتـ ُل القتي َـل َيِديـه ِديـةً إذا أعطَـى َّ
وليـه الم َ
وزنـ ٍـة مـن ال َـوْزِن .وكــذلك ِهبـة ِمـ َن
الو ْعـِد ِ ِ ِ ٍ ِ
بـد ُل ال ّـن ْفس ،وأصـلُها َوْد َيـة ،فهـي محذوفـةُ الفـاء َكعـدة مـن َ
(ديـة) تسـميةً ـاء الكلمـة التـي هـي الـواو ،ثـم سـمي ذلـك المـال ِ األصل بد ٌل مـن ف ِ
ِ الهاء في
ُّ الو ْهب .و ُ َ
1
ِ
بالمصدر".
وفي االصطالح:
س".الن ْف ِ
1 بعض الحنفية ":بأنها اسم ِ
للمال الذي هو بد ُل َّ ُ عرفها
َّ -1
ٌ
ِ 6
دمي ٍِ ُح ّر ٍِعوضاً عن دمه".
ّ
يجب ِ
بقتل المالكي ُة ":ما ٌل ُ وعرفها
َّ -1
4
فس أو فيما دونها". ٍ
بجناية على الح ِر في ن ٍ اجب
الشافعي ُة ":هي الما ُل الو ُ وعرفها
َّ -6
5 ِ
بسبب جناية". عليه أو ِّ
وليه ؤدى إلى مجني ٍِ ِ الم َّ
ّ الحنابل ُة ":هي الما ُل ُ وعرفها
َّ -4
ِ
لوجهين: الدي ُة عقالً ،وذلك وتسمى ِّ
سفك أي تُ ْم ِس ُ ِ أحدهما ":ألنها تَ ْع ِق ُل
3
ك". أن تُ َالدماء م ْن ْ
َ
المـ َّ
ؤداةَ ِ ِ ِ ِ
والثــاني" :ألنهــم يــأتون باإلبــل فيعقلونهــا فــي فنــاء ولـ ِّي القتيــل ،ألنــه جــرت العــادةُ أن اإلبـ َـل ُ
ون لهـا ـاخ وتُع َقـ ُل ِ مكان أولي ِ
ـاء المقت ِ ُيؤتَى بها إلى ِ
المـ َؤّد َ
بعقلهـا ،ولهـذا تُ َسـ َّمى الديـةُ َع ْقـالً ،و ُ
ُ ـول ،وتُن ُ ْ
7
ون َعاقلةً".
ُي َس َّم َ
الد ِ
ية: مشروعية ِّ حكم ُة
عليه أو ثا ِرة أوليا ِه إذا كانت
من الحكم التي من أجلِها ُشرعت الديةُ تسكين ثا ِرة الم ْجني ِ
َ ُ
ص ْل به َج ْب ُر ِ ِ ِ تسكين الثا رِة ِ
وي ْح ُ
نفوسهُم َ
للنفوس ببذل مال تهدأُ به ُ َ فإن
النفسّ ، الجنايةُ على
القصاص والعفَو قال: ذكر ِ خو ِ
َ بعد أن َ
التخفيف ،ولذلك قال اهللُ -تعالىَ - من
اطرهم وتسليتُهم نوعٌ َ
شيء فَاتِّباعٌ ِبا ْلمعر ِ
وف} ِ ِ ِ ِ
َ ُْ {فَ َم ْن ُعف َي لَ ُه م ْن أَخيه َ ْ ٌ َ
131
وقال تعالىَ { :ذلِ َك تَ ْخ ِف ٌ
يف ِّمن َّرِّب ُك ْم َو َر ْح َم ٌة} [البقرة ،]178 :فاهلل تعالى َذ َك َر التخفيف ،وهو
التخفيف على الجاني باالنتقال من القصاص إلى الدية ،والتخفيف على المجني عليه بأال يذهب
عليه القصاص ،ويذهب عليه التعويض الذي ُي َس ِّكن نفسه ،ويذهب عنه الثا رة ،ويذهب عنه
االنزعاج والفجيعة التي حصلت له بالجناية على نفسه أو على من يحب.
أيضا من اْل ِح َكم أنه تعويض لمن ُجنِي عليه ،أو ألولياء المجني عليه تعويضاً لهم عن بع ِ
ـض مـا َ
ـض اْل ِح َكــم التــي فَقَـدوهُ ،ولــيس تعويضـاً لهــم عــن كـ ّل مــا فقــدوه واَّنمــا عــن بعـ ِ
ـض مــا فقــدوه ،هــذه بعـ ُ
اء كانــت الجنايـةُ علــى ِ ذكرهــا أهـ ُل العلـِـم رحمهــم اهللُ فــي أسـرِار فـ ِ
ـرض الــديات علــى َم ـ ْن َج َنــى ،سـو ٌ َ
ِ
النفس. دون
النفس أو على ما َ ِ
مشروعية الدية:
المسلمين. ُّنة واجماعُ فقه ِ
اء الدية القرن والس ِ وجوب ِ ِ األصل في
َ ُ
أما القرآن:
َهلِـ ِـه إَِّال أ ْ
َن سـلَّ َم ٌة إِلَــى أ ْ ٍ ٍ
طـأً فَتَ ْح ِريـ ُـر َرقَ َبــة ُم ْؤ ِم َنــة َوِد َيـ ٌة ُم َ
فيقــول اهلل تعــالىَ ( :و َمـ ْـن قَتَـ َـل ُم ْؤ ِم ًنــا َخ َ
ص َّدقُوا) [النساء.]91 : َي َّ
ولكنـه لمـااهللَّ ، ـارم ِصـ ُد القت َـل غي ُـر ث ٍـم ،وال مجتـرئ علـى مح ِ وجه الداللة :إن المخطئ الـذي ال ي ْق ِ
ُ َ َ
ِ 1 عل ِفعالً شنيعا وصورتُه كافيةٌ في ِ
مر تعالى بالكفَّارِة والدية. يقصدهُ أَ َ
ْ قبحه وا ْن لم ً كان قد فَ َ
َ
ـي صــلَّى اهللُ علي ِـه وســلَّم قــال ":قَ ِتيـ ُل ا ْل َخطَـِإ ِشـ ْـب ِه ا ْل َع ْمـ ِـد ـرو عــن النب ِّ اهلل ب ِـن عمـ ِ -2وعـن عبـ ِـد ِ
ون ِم ْن َها ِفي ُبطُوِن َها أ َْوَال ُد َها".3 صا ِم َائ ٌة ِم ْن ِْ
اإل ِب ِل أ َْرَب ُع َ ِب َّ ِ
الس ْوط أ َْو ا ْل َع َ
131
1 وجوب الَ َّد ِ
ية". ِ أما اإلجماعُ ":فَقَ ْد أجمع أه ُل ِ
العْلِم على َ
ِ
الدية والغاي ُة منها. حكم
ُ
ِ القصاص مقَ َّدرةٌ ،كذلك عقوبةُ ِ
العقوبات تعيينـاً الدية ُمقدرةٌ ،وان الشريعةَ َع َّينت هذه ِ ُ كما أن عقوبةَ
ِ
وتقديرها. ِ
العقوبة ِ
اختيار ِ
للقاضي حريةً في تترك
بحيث لم ْ
ُ دقيقاً،
سبب ،سواء كـان الجـاني صـغي اًر أو كبيـ اًر، تجب الديةُ على ك ّل م ْن أتلف إنساناً ،بمباشرٍة أو ٍ
لذلك ُ
َ
ذمياً ُم ْستأَمناً أو ُم َعاهداً.
التالف مسلماً ،أو ّ
ُ كان
عاقالً أو مجنوناً ،متعمداً أو مخط اً ،وسواء َ
مال الجاني. ِ
وجبت الديةُ حالَّةً من ِ فإن كانت الجنايةُ عمداً
ثالث سنين. عاقلة الجاني مؤجل ًة َ ِ عمد أو خطأً وجبت الدي ُة على شبه ٍوان كانت الجناي ُة َ
ِ
الخطأ: -4دي ُة ِ
القتل
ـاص فـي القت ِـل الخط ِـأ، ِ ِ
ـوص عليهـا فـي القتـل الخطـأ ،وال قص َ ابتداء ،وهي المنص ُ ً والديةُ التي تجب
َهلِ ِه
سلَّ َم ٌة إِلَى أ ْ ٍ ٍ
ير َرقَ َبة ُم ْؤ ِم َنة َوِد َي ٌة ُم َ ِ ِ
الديةُ ،لقوله تعالىَ ( :و َم ْن قَتَ َل ُم ْؤم ًنا َخطَأً فَتَ ْح ِر ُ
اجب ّ
بل الو ُ
ص َّدقُوا) [النساء.]91 : َن َي َّ إَِّال أ ْ
ِ 6
ق الفقهاء. سنين باتفا ِ عاقلة الجاني مؤجلةً في ِ
ثالث ِ تجب على ِ
َ ودية الخطأ ُ
ُخـ َـرى
اه َما األ ْ ـان ِمـ ْـن ُه ـ َذْي ٍل ،فَ َرَمـ ْ
ـت إِ ْحـ َـد ُ ام َأرَتَـ ِ ِ
ـال :ا ْقتَتَلَــت ْ
ـه ،قَـ َ ـي اللَّـ ُ
ـه َع ْنـ ُ ِ ِ
لحــديث أبــي ُه َرْيـ َـرةَ َرضـ َ
َن ِدي َة ج ِن ِ صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم« ،فَقَ َ طنِهَا ،فَ ْ بِ َح َج ٍر فَقَتَلَتْهَا َو َما ِفي َب ْ
ين َها ضى أ َّ َ َ النبِ ِّي َ
ص ُموا إِلَى َّ
اختَ َ
اقلَ ِت َها.0»1 َن ِدي َة الم أر َِة علَى ع ِ
ضى أ َّ َ َ ْ َ َ يدةٌَ ،وقَ َ ُغ َّرةٌَ ،ع ْب ٌد أ َْو َولِ َ
132
الص ـحابة رضــي اهلل عــنهم علــى ذلــك ،فإنــه روي أن الكاس ـاني" :إجمــاعُ َّ
َ ودلي ـ ُل تأجيِلهــا كمــا قـ َ
ـال
عم ــر رض ــي اهلل عن ــه قض ــى ب ــذلك بمحض ـ ٍـر م ــن الص ـ ِ
ـحابة ،ولـ ـم ينق ــل أن ــه خالف ــه أح ـ ٌـد فيك ــون َ ُ ُ َ
1
إجماعا" .
ِ
االسالم. القاعدة العاَ ْم ِة في
ِ ِ
العاقلة استثناَ ًء من العمد ،و ِ
الخطأ على ِ قتل ِ
شبه وايجاب ِ
دية ِ ُ
{وَال تَ ِزُر َو ِ
ازَرةٌ عز َّ ب على تصرفاتِه ،لقو ِل ِ
اهلل َّ وهي :أن االنسان مسؤو ٌل عن ِ
وجلَ : ومحاس ٌ
َ نفسه َ
ِو ْزَر أ ْ
ُخ َرى} [الزمر.]7:
َخ ِ
يه ،وَال ِبج ِريرِة أ ِ
الرج ُل ِبج ِر ِ ِ صلَّى اهلل َعلَ ْي ِه َو َ َّ
يه".5 يرة أَِب َ َ َ سل َمَ" :ال ُي ْؤ َخ ُذ َّ ُ َ َ ُ ولقول الرسول الكريم َ
ِ ِ ِ
اك العاقلــة فــي تحمـ ِـل الديــة فــي هــذه الحالــة ،مــن أجـ ِـل مواســاة َ
الج ـاني، واَّنمــا جعـ َـل االسـ ُ
ـالم اشــتر َ
قصد منه. غير ٍ جناية صدرت عنه من ِ ٍ ِ
ومعاونته في
ِ
التناصر. زر والتعاون والت ِ
ِ بين القبا ِل من ٍ
وكان ذلك إق ار اًر لنظام عربي ،اقتضاه ما كان َ
ـت أنهــا ستشـارك فـي تحم ِـل الديــة ،فإنهـا تعمـل مــن
وفـي ذلـك حكمـةٌ بينـةٌ ،وهـي أن القبيلـةَ إذا علم ْ
ـويم الـذي ُيجنـبهم ـاب الجـ ار ِم ،وتُـوجههم إلـى الس ِ
ـلوك الق ِ كف المنتسـبين إليهـا عـن ارتك ِ جانبها على ِّ
ّ
ِ
الخطأ.3 ع في
الوقو َ
133
-3دية القتل العمد:
ـب َعلَـ ْـي ُك ُم ِ ـدليل قولـ ِـه تعــالىَ { :يــا أَي َهــا الَّـ ِـذ َ
ـاص بـ ِـب للقصـ ِ
آم ُن ـوا ُكتـ َ
ين َ عمـ َد موجـ ٌ
األصـ ُل أن القتـ َـل الَ ّ
اص ِفي ا ْلقَ ْتلَى} [البقرة.]178: ص ُ
ِ
ا ْلق َ
ِ 1
ق الفقهاء. فمن قتل شخصاً عمداً عدواناً ُي ْقتَ ْل قصاصاً باتفا ِ
ِ ِ
ـب بالصــل ِ جمهــور الفقهــاء :إلــى أن الدي ـةَ ليســت عقوب ـةً أصــليةً للقتـ ِـل الَ ْعمــد ،واَّنمــا تجـ ُ ُ وذهــب
ـاص ،ولـو بغي ِـر رضـا الجـاني، (برضا الجـاني) ،كمـا هـو رأي الحنفي ِـة والمالكي ِـة أو بـدالً عـن القص ِ
لسبب ما وجبت الديةُ عندهم. ٍ القصاص الشافعية .فإذا سقطَِ كما هو المعتمد عند
ُ
ـاص فـي القت ِـل
ـب القص ِ وذهب الحنابلة وهو قو ٌل عند الشافعية :إلى أن الديـةَ عقوبـةٌ أصـليةٌ بجان ِ
وي َخَّيـ ُر الـ ُّ
ـولي بينهمــا ولــو لــم ـب عنـ َـدهم فــي القتـ ِـل العمـ ِـد أحـ ُـد شــي ين :القـ ُ
ـود أو الديـةُُ ،
ِ
العمــد .فالواجـ ُ
1
رض الجاني. َي َ
عجلـةً غي َـر ُمؤجل ٍـة ـدم عـن القص ِ
ـاصُ ،م ّ ـدل أوليـاء ال ِ
ُ ـال القات ِـل ،إذا ع َ ِ
العمد مغلظـةً فـي م ِ تجب ديةُ
الجمهور ،6مؤجلةً عند الحنفية.4 ِ عند
ِ
الدية؟ بعد ِ
أخذ القاتل َ َ يقتل
الدم أن َ يجوز لولي ِ ُ مسألة :هل
ـك تَ ْخ ِف ٌ
يـف ـان َذلِ َ
س ٍ ِ
اء إِلَ ْيـه ِبِإ ْح َ
ِ
ـي ٌء فَات َِّبـاعٌ ِبـا ْل َم ْع ُروف َوأ ََد ٌ
شْ
َخ ِ
يـه َ قال تعالى { :فَم ْن ع ِفي لَ ُه ِم ْن أ ِ
َ ُ َ
يم } [البقرة.]178: اعتَ َدى بع َد َذلِ َك َفلَ ُه ع َذ ِ ِم ْن َرِّب ُك ْم َو َر ْح َم ٌة فَ َم ِن ْ
اب أَل ٌ
َ ٌ َْ
ـيم فـي عاج ِـل الـدنيا ،وهـو قاتل ِ بعد ِ
ـذاب أل ٌ وليه ،فله ع ٌ قتل َ أخذه الديةَ ،فَ َ قال الطبري ":فمن اعتدى َ
الَ ْقت ُل".5
اب أَلِـيم} بالقص ِ
ـاص ،أو أخذ الدي ِـة { َفلَ ُ
بعد ِ السالم{ ":فَ َم ِن ْ ابن ِ
ـه َعـ َذ ٌ ٌ فقتل َ اعتَ َدى} َ عبد َّ وقال العز ُ
قود عليه".3
الدية منه وال َ باسترجاع ِ
ِ اإلمام حتماً ،أو يعاقبهُ السلطان ،أو يقتله
ُ
ـوق الع ِ
ـذاب الـذي ـيم» ،وف َ ِ اعتَدى َب ْع َد ذلِ َ
وقال سيد قطب" :في قوله تعـالى« :فَ َم ِن ْ
ـذاب أَل ٌ
ـه َع ٌ ـك َفلَ ُ
ـث
بعد الت ارضـي والقَبـول ،نك ٌ
االعتداء َ
َ يتوعده به في اآلخرِةَّ .
يتعي ُن قتلُه ،وال تُ ْق َب ُل منه الدي ُة .ألن
ـوز ـي ال ِ
ـدم الديـةَ ،فـال يج ُ ـوب ،ومتـى قب َـل ول ُّ صفاء القل ِ ِ بعد ِ
للشحناء َ هدار للتراضي ،واثارةٌ ِ
للعهد ،وا ٌ
ويعتدي".7
َ فينتقم
َ يعود
له أن َ
134
1
القصاص. أن عليه أخذ ِ
الديةَّ ، بعد ِ
القاتل َ
َ قتل
اتفق الفقهاء فيمن َ
َ
أحكام الديات:
تختلف الديات في الشريعة بحسب اخـتالف ال ِ
ـدماء ،وبحس ِ
ـب اخـتالف الـذين تلـزمهم الديـة ،وأيضـاً
ِ
االختالف. القود على ما َّ
تقدم من ِ
العمد إذا رضي بها الفريقان ،وأما من له ُ ِ
بحسب تختلف
الديات على قسمين في الشريعة اإلسالمية:
ـاص فـي القت ِـل ِ ِ
ـوص عليهـا فـي القتـل الخطـأ ،وال قص َ ابتـداء ،وهـي المنص ُ ً األول :الدية التي تجب
سـلَّ َم ٌة ٍ ٍ ِ ِ
ير َرقَ َبـة ُم ْؤ ِم َنـة َوِد َيـ ٌة ُم َ ِ
اجب الديةُ ،لقوله تعالىَ ( :و َم ْن قَتَ َل ُم ْؤم ًنا َخطَأً فَتَ ْح ِر ُ الخطأ ،بل الو ُ
ص َّدقُوا) [النساء.]91 : َهلِ ِه إَِّال أ ْ
َن َي َّ إِلَى أ ْ
ِ
العقاب. الخطأ الدي ُة أص ٌل في ِ إذاً في ِ
القتل
ٍ
حاالت: بدل القصاص ،وتكون في ِ
ثالث الثاني :الدي ُة تجب َ
ُ
ـاص وقبـ َـل الديــة ،وهــذا ـدم ،أو المجن ـي عليــه عــن حقّ ـ ِه فــي القصـ ِ ـي الـ ِ
الحالــة األولــى :إذا َعفــا ولـ ُّ
ِ ِ َخ ِ
المعنى في قوله تعالى{ :فَم ْن ع ِفي لَ ُه ِم ْن أ ِ
سٍ
ان} اء إِلَ ْيه ِبِإ ْح َش ْي ٌء فَات َِّباعٌ ِبا ْل َم ْع ُروف َوأ ََد ٌيه َ َ ُ َ
ِ [البقرة .]178 :فقد أوجبت اآليـةُ الكريمـةُ علـى الطال ِ
أداء مـن ـب اتباعـاً بـالمعروف إذا قَبِـ َل الديـةَ ،و ً
القصاص ،وهو قيمةُ ِ
الدية. ِ وجب عليه بدالً عن بإحسان ،أي المال الذي ٍ الجاني
َ
- 1الكاساني ،بدائع الصنائع ،747/7 ،ابن رشد ،المقدمات الممهدات ،722/3 ،القرافي ،الذخيرة ،722/27 ،ابن قدامة ،المغني،
.355/3
- 2الفخر الرازي ،مفاتيح الغيب (التفسير الكبير).222/5 ،
- 3ابن قدامة ،المغني.333/6 ،
135
1 ِ
الشروط. افر النفسِ ،
لعدم تو ِ ِ ِ
القصاص في استيفاء الحالة الثانية :تجب الديةُ إذا َّ
تعذر
ُ
الغاية من الدية:
كبير من ِ
المال. بمبلغ ٍ
ٍ ِ
وزجر المعتدي عليها ِ
الهدر، النفس وحف ِظ دم ِها من
ِ ِ
لصون
ـنقص مــن مــال ِهم ويجــدون لــه ألم ـاً عنــدهم ،ويكــون
ـون مــاالً عظيم ـاً يغلــبهم ،ويـ ُ
ـب أن تكـ َ"ألَّنهــا تجـ ُ
ِ
األشخاص".6 ِ
باختالف يختلف القدر ليحصل َّ ِ
مقاساة الضي ِ
ُ جر ،وهذا ُ الز ُ َ ق بعد
بحيث يؤدونه َُ
ـات الواقع ِـةـات فـي الجناي ِ ع العقوب ِ أن َشـ َر َ ِ ِ
ـض حكمتـه سـبحاَنهُ ورحمتـه ْ ـان مـن بع ِ قال ابن القيم ":فك َ
اح، ال ،كالقتـ ِـل ،والجـر ِ
اض ،واألمـو ِ ـدان ،واألعـر ِ ـض ،فــي النفـ ِ
ـوس ،واألبـ ِ بعضـهم علــى بعـ ٍ ـاس ِ ـين النـ ِب َ
جر الرادعـة عـن الجنايـات غايـةَ اإلحك ِـام ،وشـرعها علـى الز ِبحانه وجوهَ َّ
فأحكم ُس َ القذف ،والسر ِ
قة؛ و ِ
َ
دع؛ عدم المجاو ِزة لمـا يسـتحقُّهُ الجـاني مـن ال َـر ِ الز ْج ِر ،مع ِ الرْد ِع و َّ ِ
لمصلحة َّ ِ
المتضمنة أكمل الوجوِه ِ
َ
ـدام الــنفس ِ ـذب قطــعُ اللســان وال القت ـ ُل ،وال فــي َّع فــي الكـ ِ
ـاء ،وال فــي الس ـرقة إعـ ُ الزنــا الخصـ ُ فلــم يشــر ْ
ولطفـه ،واحسـانِه، ِ ـب أسـما ِه ،وصـفاتِه مـن حكمتِـه ،ورحمتِـه، ع لهم في ذلك ما هـو موج ُ .وانما َش َر َ
ان ،ويقتنــع كـ ُّـل إنسـ ٍ
ـان بمــا تــاهُ مال ُكـه ـب ،وتنقطــع األطمــاعُ عــن التظـ ِ
ـالم والعــدو ِ وعدلـ ِـه لتـ ِ
زول النوا ـ ِ
ُ
4 ِ
استالب غيرِه حقه". وخالقُه ؛ فال يطمعُ في
133
المطلب الثاني
واجب الدولة تجاه إقامة أحكام الديات.
ـاكم أو مــن ينــوب عنــه ،إقامـةَ األحكــام المختصـ ِـة بــه ،ومنهــا
ـب الدولـ ِـة ،ممثلـةً فــي الحـ ِ
إن مــن واجـ ِ
ِ
الديات. ِ
أحكام إقامة
حق القاضي ذي الوالية العامة أن يباشرها وهي عشرة أمور:1 األمور التي من ِّ
َ فقد َّبي َن الماوردي
ٍ
طالب غير ق ِ
اهلل تعالى تفَّرد باستيفا ِه من ِ منها ":إقامة الحدود على مستحقيها ،فإن كان من حقو ِ
ق اآلدميين كان موقوفا على طلب مستحقه. ينة ،وان كان من حقو ِإذا ثبت بإقرٍار أو ب ٍ
بخصم ُمطَالِ ٍب".1
ٍ وقال أبو حنيفة :ال يستوفيها معاً إال
تمك ـ ُن م ــن توَّال َه ـا ِم ـن اإلل ـزام باألحكـ ـام الشــرعية ،وفصــل الخصــومات ،وقط ــع
" فالقضــاء ســلطةٌ ِّ
ُ
ـت لـه .وتجتمـعُ فـي القاضـي وقضاء القاضـي مظهـٌر للحك ِـم الشـر ِّ
عي ال مثب َ بين الناس، ِ
ُ المنازعات َ
األمر والنهي -6،وذو سلطانِ اإلثبات -1،وم ْف ٍت من ِ
جهة ِ اهد من ِ
جهة صفات ثالثةٌ :فهوَ -1ش ٌ ٌ
ُ
استيفاء الحقو ِ
ق".4 ِ
الخصومات ،و ِ
القضاء فص ُل من جهة اإللزام .ويدخ ُل في و ِ
الية
ُ
137
المطلب الثالث
موقف الشرع من تطبيق أحكام الديات في حال غياب الدولة.
إن تنفيـذ العقوبــات الشـرعية كالقصــاص والحـدود ،وأحكــام الـديات ،مــن اختصـاص الحــاكم المســلم،
وعنــدما تخلــو البلــد مــن الحــاكم المســلم أو نا بــه ،فينتقــل ذلــك إلــى العلمــاء ،أو مــا يســمى بالهي ــات
الشرعية ،وليس من اختصاص األفراد أو الجماعات.
قال الجويني ":فإذا شغر الزمان عن اإلمام ،وخـال عـن سـلطان ذي نجـدة وكفايـة ود اريـة ،فـاألمور
موكول ــه إل ــى العلم ــاء ،وح ــق عل ــى الخال ــق عل ــى اخ ــتالف طبق ــاتهم ،أن يرجعـ ـوا إل ــى علم ــا هم،
ويصدروا في جميع قضايا الواليات عن رأيهم ،فإن فعلوا ذلك ،فقد هدوا إلى سواء السبيل ،وصـار
علماء البالد والة العباد".1
قــال الخطيــب الشــربيني ":ولــو خــال الزمــان عــن إمــام ،رجــع النــاس إلــى العلمــاء ،فــإن كثــر علمــاء
الناحية فالمتبع أعلمهم ،فإن استووا وتنازعوا أُ ْق ِر َ
ع كما قاله اإلمام".1
فإذا ترك أهل االختصـاص التصـدي لهـذا الـدور الريـادي المنـوط بهـم ،فهـم بـذلك يفسـحون المجـال
للجنــاة يفســدون ويقتلــون مــن شــاءوا ،دون أدنــى مس ـ ولية ،فلهــذا يتعــين علــى جماعــة المســلمين،
البحــث عــن وســيلة تــردع الظلمــة ،وتحــق الحــق ،حتــى ال تصــب فتنــة وتهــارج ،وفوضــى ال يمكــن
الخروج منها ،إال أن يشاء اهلل.
قـــال ابـــن القـــيم ":فــإن المعصــية إذا خفيــت لــم تضــر إال صــاحبها ،واذا أعلنــت ضــرت الخاصــة
والعامة ،وان رأى الناس المنكر فاشتركوا في ترك إنكاره أوشك أن يعمهم اهلل تعالى بعقابه".6
قال ابن السبكي ":وقد اعتبرت -والينب ك مثل خبيـر -فمـا وجـدت وال أريـت وال سـمعت بسـلطان
وال نا ب سلطان وال أمير وال حاجب وال صاحب شرطة يلقي األمور إلى الشرع ،إال وينجو بنفسـه
مــن مصــا ب هــذه الــدنيا ،وتكــون مصــيبته أبــدا أخــف مــن مصــيبة غيـره ،وأيامــه أصــل وأكثــر أمنــا
وطمأنينة وأقـل مفاسـد ،وأنـت إذا شـ ت فـانظر تـواريخ الملـوك واألمـراء العـادلين والظـالمين ،وانظـر
132
أي الدولتين أكثر طمأنينة وأطول أياما ،وكـذلك اعتبـرت فلـم أر ولـم أجـد مـن يظـن أنـه يعلـم الـدنيا
بعقلــه ويــدبر الــبالد ب أريــه وسياســته ،ويتعــدى حــدود اهلل وزواج ـره إال كانــت عاقبتــه وخيمــة ،وأيامــه
منغصة منكدة وعيشه قلقا ،وتفت عليه أبواب الشرور ويتسع الخرق على الراقع ،فال يسد ثلمة إال
وتنفت ثالمات ،وال يرقع فتنة إال وينشأ بعدها فتن كثيرة.
وعلى مثله يصدق قول الشاعر :نرقع دنيانا بتمزيق ديننا ...فال ديننا يبقى وال ما نرقع".1
وقد أشرنا من قبل أثر غياب الدولة على تطبيق أحكام القصاص ،وكذلك الديات لها ارتباط كبيـر
بأحكام القصاص ،فما يقال فيه ،يقال فيها.
وك ــذلك س ــيأتي الح ــديث عنه ــا ف ــي مبح ــث حك ــم اللج ــوء ال ــي التحك ــيم والقض ــاء الوض ــعي ،حك ــم
وضوابط اللجوء أليهما ما يغني عن ذكره هنا.
134
المبحث الثالث
المطلب الثالث :موقف الشرع مـن تطبيـق أحكـام التعـازير فـي حـال
غياب الدولة.
141
المطلب األول
تعريف التعزير ومشروعيته وحكمه.
إذاً فالتعزير :عقوبة غير مقدرة من الشارع ،بل هي متروكة لتقدير الحاكم أو من ينيبه من
القضاة ،حقا هلل تعالى ،أو حقا للعبد ،والتعزير يكون بالقول وبالفعل كالحبس والضرب وبالمال.
3
والتعزير يكون على المعاصي التي لم يرد فيها حد.
قال ابن تيمية" :اتفق العلماء على أن التعزير مشروع في كل معصية ليس فيها حد".7
مشروعية التعزير:
التعزير ثابت بالكتاب والسنة واجماع األمة
أوالً :الكتاب:
وه َّن فَِإ ْن
اض ِرُب ُ ض ِ
اج ِع َو ْ وه َّن ِفي ا ْل َم َ
اه ُج ُر ُ وزُه َّن فَ ِعظُ ُ
وه َّن َو ْ ش َون ُن ُ الال ِتي تَ َخافُ َأ -فقوله تعالىَ { :و َّ
ير} [ النساء.]64: ان َعلِييا َك ِب ًا
يال إِ َّن اللَّ َه َك َ
س ِب ً
أَطَ ْع َن ُك ْم فَ َال تَ ْب ُغوا َعلَ ْي ِه َّن َ
- 1انظر :الرازي ،مختار الصحاح ،ص ،437ابن منظور ،لسان العرب.531/4 ،
- 2ابن عابدين ،حاشية ابن عابدين.54/4 ،
- 3ابن فرحون ،تبصرة الحكام.222/2 ،
- 4الخطيب الشربيني ،مغني المحتاج.522/5 ،
- 5ابن قدامة ،المغني.173/4 ،
- 3السمرقندي ،تحفة الفقهاء.142/3 ،
-7ابن تيمية ،مجموع الفتاوى .412/35
141
وجــه الداللــة :فــي اآليــة بيــان العــالج األمثــل لنشــوز الزوجــة وعــدم طاعتهــا لزوجهــا ،ويتمثــل هــذا
األمر في سلوك ثالثة مراحل تحمل في ثناياها التعزير للزوجة الناشز وهي كاالتي:
-1أن يعظها بما يناسبها من تخويف باهلل ،وأن هذه معصية ستعاقبين عليها يوم القيامة وأن
يهددها ويحذرها سواء العاقبة ،وأنه سيحرمها بعض الهدايا والتحف ،واللبيب أدرى بحالة
امرأته.
-1الهجر واإلع ارض عنها فال يضاجعها حتى تتبصر في أمرها وتفكر في فعلها فربما
رجعت عن نشوزها.
-6الضرب غير المبرح ،أي :المؤذي إيذاء شديدا.1
وح ــول تفس ــير ه ــذه اآلي ــة يق ــول اإلم ــام القرطب ــي –رحم ــه اهلل تع ــالى ":-أم ــر اهلل أن يب ــدأ النس ــاء
بالموعظة أوال ثم بالهجران فإن لم ينجعا فالضرب فإنه هو الـذي يصـلحها لـه ويحملهـا علـى توفيـة
حقــه والضــرب فهــذه اآليــة هــو ضــرب األدب غيــر المبــرح وهــو الــذي ال يكســر عظمــا وال يشــين
جارحة كاللكزة ونحوها فإن المقصود منه الصالح ال غير".1
ضـاقَ ْت ـت َو َ ِب َمـا َر ُح َب ْ ض ين ُخلِّفُـوا َحتَّـى إِ َذا َ
َعلَ ْـي ِه ُم اْأل َْر ُ
ضـاقَ ْت ب-قال تعالىَ { :و َعلَى الثََّال ثَ ِة الَّ ِـذ َ
ِ ِ َن َال م ْلجـأَ ِمـ َ ِ
إِ َّن اللَّـ َه ُهـ َـو التَّـ َّـو ُ
اب ـن اللَّـه إَِّال إِلَ ْيــه ثُـ َّـم تَ َ
َعلَـ ْـي ِه ْم ل َيتُ ُ
وبـوا
ـاب ـه ْم َوظَنـوا أ ْ َ َ َعلَ ْـي ِه ْم أَ ْنفُ ُ
سـ ُ
يم } [التوبة.]118: َّ ِ
الرح ُ
وجــه الداللــة :أن النبــي صــلى اهلل عليــه وســلم هجــر الصـحابة الــذين نزلــت بحقهــم هــذه اآليــة ،بعــد
تخلفهم عن غزوة تبوك ،ولم يكن لهـم عـذر فـي التخلـف أبـداً ،وهـؤالء الثالثـة هـم :كعـب بـن مالـك،
وهـالل بـن أميــة ،ومـ اررة بــن الربيـع .كـذلك أصـدر صــلى اهلل عليـه وســلم أمـ اًر بــأن يقـاطعهم النــاس،
ف ــال يكلمه ــم أح ــد ،وال يس ــأل ع ــنهم أح ــد ،حت ــى اقرب ــاؤهم وال يخ ــتلط به ــم أح ــد ف ــي الس ــوق أو ف ــي
6
المسجد ،حتى نزلت التوبة عليهم من اهلل ،فكانت هذه المقاطعة بمثابة عقاب وتعزير لهم.
ثانيا :السنة:
-1أخرج البخاري بسنده عن أبي بردة رضي اهلل عنه ،قال :كان النبي صلى اهلل عليه وسلم
ات إَِّال ِفي َح ٍّد ِم ْن ُح ُدوِد اللَّ ِه».4
ش ِر جلَ َد ٍ
ق َع ْ َ يقول« :الَ ُي ْجلَ ُد فَ ْو َ
ود ِ
اهلل».5 اط ،إَِّال ِفي َح ٍّد ِم ْن ُح ُد ِ
شرِة أَسو ٍ
ق َع َ َ ْ َ َح ٌد فَ ْو َ
وعند مسلم بلفظَ« :ال ُي ْجلَ ُد أ َ
142
وجه االستدالل :أنه يجوز الجلد بأقل من عشر جلدات تعزي اًر ،وأما فوق العشر فال يجوز إال في
حد من حدود اهلل .فالحديث فيه دليل على مشروعية التعزير.
امتُها ِ َّ َّ
توم ُة َغر َ
-1عن أبي هريرة ،أن النبي -صلى اهلل عليه وسلم -قال" :ضال ُة اإلبل الم ْك َ
و ِم ْثلُها َم َعها".4
فيه دليل على جواز التعزير بالغرامة المالية.
ِ َن رس َ ِ
سلَّ َم َح َب َ
س صلَّى اهللُ َعلَ ْيه َو َ
ول اللَّه َ -3عن بهز بن حكيم ،عن أبيه ،عن جده« :أ َّ َ ُ
ٍ ِ
َر ُج ًال في تُ ْه َمة ،ثُ َّم َخلَّى َ
س ِبيلَ ُه».2
وجه الداللة :أنه لما جاز الحبس على التهم كما في الحديث ،فألن يجوز بالحبس على المعصية
الثابتة التي ليس فيها حد وال كفارة من باب أولى ،والحبس من أنواع التعزير فكان دليالً على
مشروعية التعزير.
ثالثاً :اإلجماع:
فقد أجمع الفقهاء رحمهم اهلل من السلف والخلف على أن التعزير مشروع في كل معصية ال حد
فيها وال كفارة ،وقد أخذ به الصحابة وطبقوه في بعض الوقا ع ولم ينكر بعضهم على بعض فكان
6
إجماعاً.
يف بِاللُّقَطَ ِة ،134/2 ،حديث( .)1712وقال عنه األلباني :صحيح. ْر ِ - 1أبو داود ،سنن أبي داودِ ،كتَاب اللُّقَ َ
ط ِة ،بَابُ التَّع ِ
ْس ،37/2 ،حديث( ،)4273وقال عنه األلباني: ْ ق بِالضَّرْ ِ
ب َوال َحب ِ َّار ِ
ق ،بَابُ ا ْمتِ َحا ِن الس ِ َّار ِ
طعِ الس ِ - 2النسائي ،سنن النسائيِ ،كتَابُ قَ ْ
حسن.
- 3انظر :النووي ،المجموع .212/22
- 4التويجري ،موسوعة الفقه اإلسالمي.145/5 ،
143
حدين ،وله أن يوقف تنفيذ العقوبة إن رأى في ذلك ما يكفي لتأديب الجاني وردعه
واستصالحه".1
144
المطلب الثاني
خصائص العقوبة التعزيرية.
-6التعزير إذا كان من حق اهلل تعالى تجب إقامته ،ويجوز فيه العفو والشفاعة إن كـان فـي
ذلـك مصـلحة ،أو انزجـر الجـاني بدونـه ،واذا كـان مـن حـق الفـرد فلـه تركـه بـالعفو وبغيـره،
وهــو يتوقــف علــى الــدعوى ،واذا طالــب صــاحبه ال يكــون لــولي األمــر عفــو وال شــفاعة وال
إسقاط .بخالف الحد الواجـب لحـق اهلل ال عفـو فيـه وال شـفاعة وال إسـقاط إذا وصـل األمـر
4
للحاكم ،وثبت بالبينة.
ص ـلَّى اهللُ َعلَ ْيـ ِـه ِ
ـان َن ِب ِّيــه َ
سـ ِ ِ ش ـفَعوا تُـ ْـؤجروا ،وي ْق ِ
ضــي اللَّـ ُ
ـه َعلَــى ل َ َُ َ َ
ِ َّ لقولــه َّ
صــلى اهللُ َعلَ ْيــه َو َســل َم« :ا ْ ُ
َ
سلَّ َم َما َ
0
اء» .ش َ َو َ
-4إقامة العقوبات التعزيرية موكوله إلى أشخاص معينين؛ إذ الغـرض مـن التعزيـر التأديـب
واإلصــالح ،وه ـؤالء هــم :اإلمــام أو نا بــه ،واألب وان عــال البنــه ،والــزوج لزوجتــه ،والســيد
3
لمواله ،والمعلم لتلميذه.
- 3ابن نجيم ،البحر الرائق ،51/5 ،محمد عليش ،منح الجليل ،355/4 ،النووي ،روضة الطالبين.175/11 ،
145
-5تقــدير التعزيــر بحســب شخصــية الجــاني وجســامة الجريمــة :إذا كانــت ظــروف الجــاني
تقتضــي التخفيــف روعــي فــي تقــدير العقوبــة واختيــار نوعهــا شخصــية الجــاني .واذا كانــت
ظروف الجريمة تقتضي التشديد وظروف الجاني تقتضي التخفيف ،روعـي بقـدر اإلمكـان
فــي اختيــار العقوبــة وتقــدير كميتهــا أن تحمــي الجماعــة مــن اإلج ـرام وأن تال ــم شخصــية
المجــرم .أمــا ج ـ ار م الحــدود وج ـ ار م القصــاص والديــة ينظــر فيهــا إلــى الجريمــة ،وال اعتبــار
1
فيها لشخصية المجرم.
-3الحدود تد أر بالشبهات؛ فال يجوز الحكم بثبوتها عند قيام الشبهة ،بخالف التعزير؛ فإنه
يحكم بثبوت موجبه مع قيام الشبهات.
وقد لخص ابن عابدين الفروق بين الحد والتعزير ،حيث قال" ":الفرق بين الحد والتعزير :أن
الحد مقدر ،والتعزير مفوض إلى رأي اإلمام .وأن الحد يد أر بالشبهات ،والتعزير يجب معها .وأن
الحد ال يجب على الصبي ،والتعزير شرع عليه .والرابع :أن الحد يطلق على الذمي ،والتعزير
يسمى عقوبة له؛ ألن التعزير شرع للتطهير .وزاد بعض المتأخرين :أن الحد مختص باإلمام،
والتعزير يفعله الزوج والمولى وكل من رأى أحدا يباشر المعصية .وأن الرجوع يعمل في الحد ،ال
في التعزير .وأنه يحبس المشهود عليه حتى يسأل عن الشهود في الحد ال في التعزير .وأن الحد
ال تجوز الشفاعة فيه .وأنه ال يجوز لإلمام تركه .وأنه قد يسقط بالتقادم ،بخالف التعزير .فهي
عشرة".1
قال ابن القيم ":اتفق العلماء على أن التعزير مشروع في كل معصية ،ليس فيها حد وهي نوعان:
ترك واجب ،أو فعل محرم ،فمن ترك الواجبات مع القدرة عليهـا ،كقضـاء الـديون ،وأداء األمانـات:
من الوكاالت ،والودا ع ،وأموال اليتامى ،والوقـوف ،واألمـوال السـلطانية ،ورد الغصـوب ،والمظـالم؛
فإنه يعاقب حتى يؤديها ،وكـذلك مـن وجـب عليـه إحضـار نفـس السـتيفاء حـق وجـب عليهـا؛ مثـل:
أن يقطع الطريق ،ويلتجئ إلى من يمنعه ويذب عنه؛ فهذا يعاقب حتى يحضره".4
143
المطلب الثالث
موقف الشرع من تطبيق أحكام التعازير في حال غياب الدولة.
تقدم في إقامة عقوبة التعزير في حال وجود اإلمام أو نا به ،أنه يجوز لغيـرهم أن يقومـوا بـالتعزير
مع وجود اإلمام ،وهم :األب وان عال البنه ،والزوج لزوجته ،والسيد لمواله ،والمعلم لتلميذه.
جــاء فــي الفتــاوى الهنديــة ":لكــل مســلم إقامــة التعزيــر حــال مباش ـرة المعصــية ،وأمــا بعــد المباش ـرة
فليس ذلك لغير الحاكم".1
وقد أجاب شيخ اإلسالم ابن تيمية- :رحمه اهلل-في سؤال له عن التعزير هل يختص بالحاكم:
" وتعزي ــر هـ ـؤالء ل ــيس يخ ــتص بالح ــاكم ،ب ــل يع ــزره الح ــاكم والمحتس ــب وغيرهم ــا م ــن والة األم ــور
القــادرين علــى ذلــك ،ويتعــين ذلــك فــي مثــل هــذه الحــال التــي ظهــر فيهــا فســاد كثيــر فــي النســاء،
ـاس إذا أروا المنكـ َـر فلـ ْـم صــلَّى اهللُ َعلَ ْيـ ِـه َو َســلَّ َم -قــالَّ « :
إن النـ َ ـي َ -
وشــهادة الــزور كثي ـرة ،فــإن النبـ َّ
منه .»1واهلل أعلم".6 بعقاب ُ ٍ أوشك أن يعمهم اهللُ
َ يغيروهُ
ولهذا فإنه من باب أولى يجوز تطبيق عقوبة التعزير في حال غياب اإلمام(الدولة) .علـى مـا بينـا
فيما سبق وفيما سيأتي.
147
المبحث الرابع
حكم اللجوء إلى التحكيم والقضاء الوضعي في قضايا الحدود
والقصاص والديات في ظل غياب الدولة اإلسالمية.
يظهــر أن التحكــيم ال يختلــف عـن القضــاء فــي المعنــى اللغــوي ،فــالمح ّكم قــاضٍ والقاضــي مح ّكــم.
وليس األمر كذلك في االصطالح إذ يفترقان:
- 1الرازي ،مختار الصحاح ،32/1 ،إبراهيم مصطفى /أحمد الزيات /حامد عبد القادر /محمد النجار ،المعجم الوسيط.141/1 ،
- 2ابن نجيم ،البحر الرائق .24/7 ،ابن عابدين ،رد المحتار.422/5 ،
- 3أحمد الدردير ،الشرح الكبير.133/4 ،
- 4محمد رأفت عثمان ،النظام القضائي في الفقه اإلسالمي ،ص.12
142
ص َم ْي ِن فَأَ ْكثََر بِ ُح ْكِم اللَّ ِه تَ َعالَى".4 -3وعرفه الشربيني ":فَص ُل اْل ُخص ِ
ومة َب ْي َن َخ ْ
ُ َ ْ
2
-1وعرفه البهوتي ":اإللزام بالحكم الشرعي وفصل الخصومات" .
ضرورة القضاء:
"اإلنسان كا ن اجتماعي بطبعه الذي فطـره اهلل عليـه ،ال يسـتطيع العـيش -فـي يسـر -منفـردا ،فـال
تستقيم حياته إال إذا عاش في جماعة ،واذا كان الناس ال يستطيعون الحياة الكاملة إال مجتمعين،
فال بد أن تحدث نزاعات وخالفات حول الكثير من األمـور ،لتعـارض المصـال والرغبـات ،ولحـب
السيطرة ،واالستيالء على ما هو من حقوق الغيـر ،وضـن النفـوس بحقـوق اآلخـرين ،فـإذا لـم يوجـد
ر يس لهذه الجماعة يكون حاسـما للتنـازع والتواثـب ،وظلـم النـاس بعضـهم لـبعض ،ومؤديـا الحقـوق
إلى أصحابها ،أدى ذلك إلى حدوث ضرر جسيمَ ،ق ّل أن يسلم منه أحد من أفراد الجماعة ،ولذلك
كـان مــن الواجبــات التــي أوجبهــا الشــرع -بإجمــاع العلمـاء -إقامــة ر ــيس للدولــة ،لكــي يحقــق العــدل
ويمنع ظلم البعض للبعض ،ويؤكـد شـرع اهلل؛ ألن طبـا ع البشـر قـد جبلـت علـى التظـالم ،وَقـ ّل مـن
الناس مـن ينصـف مـن نفسـه ،فـال بـد مـن وجـود سـلطة قـادرة قـاهرة لهـا السـيادة علـى الجميـع تمنـع
المظالم وتقطع المنازعات التي هي مادة الفساد ،وهذه السلطة تتمثل في ر يس الدولة".6
أهمية التحكيم
ك ــان التحك ــيم ف ــي ب ــادئ األم ــر ه ــو الوس ــيلة الوحي ــدة لحس ــم المنازع ــات ،إل ــى أن تكون ــت الوح ــدة
السياســية ذات الســيادة والســلطان ،فنشــأ نظــام القضــاء ليطبــق ش ـريعة هــذه الوحــدة السياســية ،ومــع
هاما في المجتمع اإلنساني:4دور ًّ
ذلك ظل التحكيم قا ًما إلى جانب القضاء يؤدي ًا
ـر مــن النفقـات التــي تتمثـل فـي رســوم التقاضـي وأتعــاب المحـامين ومــا
-1فهـو يجنـب الخصــوم كثي ًا
شابه ذلك.
-1وه ــو يختص ــر الوق ــت ال ــذي يس ــتغرقه ب ــبطء التقاض ــي ،والتنق ــل ب ــين درجات ــه ،واجـ ـراءات تنفي ــذ
األحكام.
-6والتحكيم يتناسب وظروف أطراف النزاع ،الذين يحددون باالتفاق مع المحتكم إليهم ما يال مهم
من أوقات ال تتعارض من أعمالهم وارتباطاتهم.
-4وقد يلجأ أطراف النزاع إلى التحكيم حفاظًا على الخصوصية التي تسود عالقاتهم ،وال يرغبون
علنا أمام القضاء.
في عرضها ً
144
-5ومما يشجع على تفضيل التحكيم ،حريـة أطـراف النـزاع فـي اختيـار محكمـين علـى درجـة كبيـرة
من الخبرة الفنية التي ال بد منها في فهم طبيعة النزاع ودقة الحكم فيه.
قاصرا.
ً -3ويحتمل التحكيم مكانة مهمة في القانون الدولي العام ،حيث التنظيم القضا ي ال يزال
-7وللتحكيم دور بارز في حسم المنازعات التـي تظهـر فـي أوسـاط األقليـات الدينيـة أو العربيـة أو
المذهبيــة ،التــي ال تقبــل أحكــام القــانون الســا د فــي البلــد الــذي تعــيش فيــه ،فيجــدون فــي التحكــيم
1
مخرجا من تطبيق هذا القانون الذي قد يتعارض مع ش ار عهم ومعتقداتهم وأعرافهم.
ً
دواعي التحكيم:
فــي بعــض األحيــان ال يلجــأ الخصــمان إلــى القاضــي للفصــل بينهمــا ،وانمــا يلج ـ ن إلــى شــخص ال
يتولى منصب القضاء ،فيحكمانه بينهما ،إما لبعدهما عـن مكـان القاضـي ،أو اختصـا اًر إلجـراءات
الم َح َّكم.
الح َكم أو ُ
التقاضي ،أو ألي غرض خر ،وهذا هو َ
وقد كان التحكيم معروفا في الجاهليـة قبـل مجـيء اإلسـالم ،ورتبـة الحكـم أو المحكـم أقـل مـن رتبـة
القاضي لعدة أمور:2
أحدها :أن حكم المحكم يقتصر على من يرضى بحكمه عند فريق من العلماء.
الثــاني :أن القاضــي يقضــي فــي أمــور لــيس مــن حــق المحكــم أن يحكــم فيهــا ،كالقصــاص والحــدود
عنــد فريــق مــن العلمــاء أيض ـاً ،فحكــم المحكــم لــيس مطلق ـاً فــي كــل قضــية كالقاضــي عنــد بعــض
العلماء.
الثالث :عموم والية القاضي ،فيتعدى الحكم الصادر عنه ،إلى غيـر المتخاصـمين ،كمـا فـي القتـل
الخطأ وما ماثل هذا ،بخالف المحكم.
- 1مجلة مجمع الفقه اإلسالمي ،ال عدد ،4ج ،12ص ،1233محمد جبر األلفي ،التحكيم في الفقه اإلسالمي.
- 2المرجع السابق.
- 3الكاساني ،بدائع الصنائع ،3/7 ،الدسوقي ،حاشية الدسوقي ،135/4 ،المرداوي ،اإلنصاف.144/11 ،
- 4الخطيب الشربيني ،مغني المحتاج ،232/3 ،الشيرازي ،المهذب.374/3 ،
151
أدلة مشروعية التحكيم عند َم ْن قال به:
الكتاب والسنةُ واإلجماعُ: ُ التحكيم مشروعٌ ،وقد دل على ذلك
َهلِ َهـا
َهلِ ِـه َو َح َك ًمـا ِم ْـن أ ْ
اق َب ْي ِن ِه َما فَ ْاب َعثُوا َح َك ًما ِم ْن أ ْ
الكتاب فقوله تعالىَ { :وِا ْن ِخ ْفتُ ْم ِشقَ َ ُ اوالً :أما
ق اللَّ ُه َب ْي َن ُه َما} [النساء.]65 : صالَ ًحا ُي َوفِّ ِ
يدا إِ ْ
إِ ْن ُي ِر َ
قـــال القرطبـــي ":وفــي هــذه اآليــة دليــل علــى إثبــات التحكــيم ،ولــيس كمــا تقــول الخــوراج إنــه لــيس
التحكيم ألحد سوى اهلل تعالى ،وهذه كلمة حق ولكن يريدون بها الباطل".1
ثانياً :وأما السـنة ،فـإن رسـول اهلل صـلى اهلل عليـه وسـلم رضـي بتحكـيم سـعد بـن معـاذ رضـي اهلل
1
عنه في أمر اليهود من بني قريظة ،حين جنحوا إلى ذلك ورضوا بالنزول على حكمه.
ثالثاً :أما اإلجماع ":أجمع المسلمون على مشروعية نصب القضاء ،والحكم بين الناس".6
-1عنــد الحنفيــة :اختلفــت راء فقهــاء المــذهب الحنفــي فــي جـواز التحكــيم فــي بعــض الحــدود
والقصــاص ،فمــنهم مــن يــرى عــدم جـواز التحكــيم فــي الحــدود الواجبــة حقــا هلل تعــالى وذلــك
ألن اإلمــام ه ــو المتع ــين الس ــتيفا ها ،وك ــذلك القص ــاص ،وذل ــك ألن ــه ال والي ــة لهم ــا عل ــى
دمهما ولهذا ال يملكان اإلباحـة ،وألن حكـم المحكـم لـيس بحجـة فـي حـق غيـر المحكمـين،
فكانت فيه شبهة ،والحدود والقصاص ال تستوفى بالشبهات.
والرأي الثاني :يرى جواز التحكيم في حد القذف والقصاص ،وذلك ألن االسـتيفاء إليهمـا وهمـا مـن
4
حقوق العباد فيجوز التحكيم كما في األموال.
-1عند المالكية :يرون أن كل الحدود ال يجوز التحكيم فيهـا ،وقـد عللـوا لعـدم جـواز التحكـيم
في الحدود مطلقًا بأنه قـد تعلـق بهـا حـق لغيـر الخصـمين ،فالحـدود حـق هلل تعـالى شـرعت
للزجر عن اقتراف الج ار م التي تستوجبها ،وكذلك التحكيم ال يجوز فـي القصـاص ،وعللـوا
ص َرتِ ِه إِيَّاهُ ْم ،112/5 ،حديث( ،)4122ابن حجر ،فتح الباري.413/7 ، َو ُم َحا َ
- 3ابن قدامة ،المغني.32/11 ،
- 4البابرتي ،العناية شرح الهداية ،312/7 ،ابن عابدين رد المحتار على الدر المختار.424/5 ،
151
ـق فــي القصــاص ِ
هلل لهــذا بــنفس التعليــل الــذي علل ـوا بــه فــي جانــب الحــدود ،وهــو أن الحـ َّ
1 ِ
االعتداء على حياة اإلنسان. ِ
للزجر عن القصاص إنما ُش ِرع تعالى؛ ألن
َ
أمـا مـا يجـوز التحكـيم فيــه عنـد المالكيـة هـو قضـايا األمـوال والجـراح ،سـواء أكانـت عمـدا أم خطــأ،
1
ولو كانت الجراح عظما كقطع اليد أو الرجل.
-6عنــــد الشــــافعية :رأي ي ــرى عـ ـدم ج ــواز التحك ــيم ف ــي الح ــدود والقص ــاص ،إال فيم ــا دون
القصاص والزواج ،ونحوهما كاللعان وحد القذف.
6
ورأي خر يرى جواز التحكيم في القصاص وهو األقوى في المذهب.
-4عند الحنابلة :يرى بعض فقهاء الحنابلة أنه ينفذ حكـم المحكـم فـي جميـع األحكـام إال فـي
أربعة أشياء :الزواج ،واللعان ،والقذف ،والقصاص ،وقال أبـو الخطـاب ظـاهر كـالم أحمـد
4
أنه ينفذ حكمه في هذه األربعة.
ـانِ ،
وغيرهـا ـاح ،واللع ِ ِ
القصاص ،و ِّ
الحد ،والنك ِ كشاف القناع :بأن حكمه ينفذ في ِ
المال ،و وجاء في َّ
َ
ِ 5 ِ ِ
كحاكم اإلمام. ٍ
قاض فهو وجود حتى مع
152
إن إجابــة هــذا الس ـؤال هــو مــا يجــب أن يســتفيض بــه البيــان للمســلمين المقيمــين خــارج ديــار
اإلسالمي (الوضعي) ،أو التحكيم اإلسالمي ،بـل ّ ممن ليس لهم إال خياران :القضاء غيراإلسالم ّ
حتّى للمسلمين المقيمين في العالم اإلسالمي وتحكمهـم أنظمـةٌ علمانيـةٌ ال تقـيم للشـر ِ
يعة وزنـاً ،فـإن ّ
1
إسالمي يحتكمون إليه.
ِّ ٍ
قضاء ِ
وجود هؤالء ينطبق عليهم ما ينطبق على سابقيهم من ِ
عدم
جاء في حاشية ابن عابدين ،حكم تولية القضاء في بالد تغلب عليها الكفار:
حيث قال ":واذا لم يكن سلطان ،وال من يجوز التقلد منه ،كما هو في بعض بالد المسـلمين غلـب
عليهم الكفار كقرطبة اآلن ،يجب على المسلمين أن يتفقوا على واحد منهم ،ويجعلونه والياً فيـولى
صلِّي بهم الجمعة".1
قاضياً ويكون هو الذي يقضي بينهم وكذا ينصبوا إماماً ُي َ
ـوب ِ
ـي مقـ ّـر اًر أن الوســا َل تأخـ ُذ حكـ َـم المقاصــد ...":فــإن القاعــدةَ الشــرعيةَ أن وجـ َ
وقــال اإلمــام القرافـ ّ
اجب َّإال به فهو واجب".4لوجوب المقاصد وألن ما ال يتم الو ُ ِ ِ
الوسا ل تََبعٌ
ِ
المقصد واجبةً أيضاً. المقصد واجباً كانت الوسيلةُ لهذاُ بمعنى ّأنه متى كان
ـق هـذا
ـيم مـن أصـول الّـدين ،ومقص ٌـد معتب ٌـر شـرعاً ،وكـان تطبي ُاجب وأصـ ٌل عظ ٌ
فاالحتكام للشرع و ٌ
اجب ِ ِ
يتم الو ُ
اجب شرعاً ،ألن ماال ّ المقصد ،وهو و ٌ يتم إال بالتحكيم ،فالتحكيم وسيلةٌ لهذا
األصل ال ّ
إال به فهو واجب.
- 1معن خالد القضاة ،التحكيم في الشريعة اإلسالمية التعريف والقواعد العامة للمقيمين خارج ديار اإلسالم ،ص.13
-2ابن عابدين ،حاشية ابن عابدين.334/5 ،
- 3الجويني ،غياث األمم والتياث الظلم ،ص.277
- 4القرافي ،الفروق مع هوامشه.133/1 ،
153
ـلطان أو وجـ ِ
ـود ـب ،حتــى عنـ َـد عـ ِ
ـدم وجـ ِ
ـود السـ ِ فإنــه بعــد هــذه النقــول يتقــرر أن الحكــم بال ّشـر ِ
يعة واجـ ٌ َ
ين على ذلك. لناس قادر َ
ِ ِّ ِ ِ
السلطان المعطل ألحكام الشرِع متى كان ا ُ
وبناء على ما سبق تقريره فإنه: ً
ـول شـرعاً، للقضاء الوضـعي إذا كـان يخـالف أحكـام الشـر ِ
يعة ،لغيـر عـذرٍ مقب ٍ ِ اللجوء يحرم
َ ّ ُ ُ -1
ذنب يستوجب العقوبة. ك للواجب ،وترك الواجب ٌ متى كان التحكيم متوفّ اًر ألن في ذلك تر ٌ
قاب} [البقرة.]111:يد ا ْل ِع ِ
ش ِد ُ
جاءتْ ُه فَِإ َّن اللَّ َه َ ِ ِ ِ قال تعالى{ :وم ْن يبد ْ ِ
ِّل ن ْع َم َة اللَّه م ْن َب ْعد ما َ َ َ َُ
ونعمة اهلل المشار إليها هنا هي نعمة السلم ،أو نعمة اإليمـان ،واالستسـالم لتوجيـه اهلل ،ومـا بـدلت
1
البشرية هذه النعمة ،إال أصابها العقاب الشديد ،في حياتها على األرض قبل عقاب اآلخرة.
َن
ون أ ْ
يد َآم ُنوا ِب َما أُْن ِز َل إِلَ ْي َك َو َما أُْن ِز َل ِم ْن قَ ْبلِ َك ُي ِر ُ ين َي ْز ُعم َ َّ
ون أَن ُه ْم َ ُ وقال تعالى{ :أَلَ ْم تََر إِلَى الَِّذ َ
ض َــالًال َب ِع ً
يــدا} ضــلَّ ُه ْم ََن ي ِ
ان أ ْ ُ يــد َّ
الش ْــيطَ ُ َن َي ْكفُ ُــروا ِبـ ِـه َوُي ِر ُ وت وقَ ْــد أ ِ
ُم ُــروا أ ْ ِ َّ
َيتَ َحــا َك ُموا إِلَــى الطــا ُغ َ
[النساء.]30:
قــال الشــوكاني ...":وهــو إرادتهــم التحــاكم إلــى الطــاغوت ،وقــد أُمــروا فيمــا أَنـ َـز َل علــى رسـ ِ
ـول اهلل،
وعلى َم ْن قبله ،أن يكفروا به".1
-1في حالة اإلكراه الملجئ إلى القضاء الوضعي إلجـاءاً مـن ِقب ِـل الخصـم ،ومـع عـدم الرضـا
المعفو عنه شرعاً.
ّ بذلك ،فإنه ال يأثم من أُكره على ذلك ،ألن هذا من اإلكراه
يم ِ
ان} [النحل.]103: يم ِان ِه إَِّال َم ْن أُ ْك ِرهَ َوَق ْل ُب ُه ُم ْط َم ِئ ٌّن ِب ِْ
اإل َ
ِ ِ َّ ِ ِ
قال تعالىَ { :م ْن َكفَ َر ِبالله م ْن َب ْعد إ َ
العلم على أن من أُكره على الكفر ،حتى خشي على نفسه القتل ،أنه ال قال القرطبي ":أجمع أه ُل ِ
-6يجــوز اللجــوء إلــى القضــاء الوضــعي ،إذا كــان الطريــق الوحيــد لضــمان حقّــه ،أو اســترداده
من غاصبه ،إلن في هذا ضرورة.
وقد ذهب مجمع الفقه اإلسالمي إلى ":يجوز للمسلم أن يحتكم إلى محاكم غير إسالمية في بـالد
كــافرة عنــد الحــرج أو الضــرر ،أو االضــطرار فكــذلك يجــوز للمســلمين أن يحتكم ـوا إلــى المحكمــة
الدولية عند الحرج أو الضرر أو االضطرار".4
154
ـاء علــى ذلــك فإنــه يمكــن القــول بأنــه ،فــي ظــل غيــاب الدولــة اإلســالمية ،فــإن التحكــيم فــي وبنـ ً
ـق شــرِع ِ
اهلل ،بــل قــد يصــل إلــى درجــة الخصــومات ب ـين المســلمين ،أمـ ٌـر جــا ٌز مــادام القصـ ُـد تطبيـ َ
الوجوب ،كما أشار إلى ذلك الجـويني والق ارفـي وابـن عابـدين ،علـى اعتبـار أن الوسـا ل تأخـذ حكـم
المقاصد ،والحكم بشرع اهلل من أعظم المقاصد.
وفي مجال الحدود والقصاص على وجه الخصوص وجدنا اختالفـاً بـين العلمـاء ،بـين قا ـل بجـواز
ومانع من ذلك.
ٍ التحكيم فيها
ولذلك يمكن القول بأن التحكيم في مجال الحدود والقصاص متروك لالختيار ،فمن اختار التحكيم
فله ذلك ويؤيده من قال بجواز ذلك ،ومن لم يفعل فله ذلك ويؤيده َم ْن منع ذلك.
وأما اللجوء إلى القضاء الوضـعي ،فـالحكم فيـه معيـاره النظـر إلـى طبيعـة األحكـام ومـدى موافقتهـا
أو مخالفتها للتشريع.
ـوء
يعَ ،حـ ُرَم اللج ُ
ـعي مخالفـةً للتشـر ِ
كذلك مدى إجباره على ذلك ،فكلمـا كانـت أحكـام القضـاء الوض ّ
إليها مادام ليس مجب اًر على ذلك ،فإن أجبر فال إثم عليه.
أمـا التحكـيم فـي التعـازير ،ففـي ظـل وجــود الدولـة يمكـن أن يقـوم بـالتعزير غيـر اإلمـام ،وفـي ظــل
غياب الدولة يكون التحكيم جا اًز فيها من باب أولى.
155
خاتمة
كــل مجتم ـع إنســاني يهــدف إلــى غرضــين أساســيين ،األول المحافظــة علــى كيانــه وأمنــه لضــمان
استق ارره ،والثاني توفير الحماية لحقوق أفراده وحرياتهم والمحافظة على كيان المجتمع وأمنه تشمل
ت ــوفير أمن ــه الخ ــارجي وأمن ــه ال ــداخلي مع ــا ،وحماي ــة األفـ ـراد تترك ــز ف ــي المحافظ ــة عل ــى أرواحه ــم
وأعراضهم وأموالهم ،مع ردع كل اعتداء يمكن أن يقع على كل فرد في الداخل أو في الخارج.
153
.5ال يص الحكم بالعقوبة إال بعد التثبت من أن الجاني ارتكب الجريمة ،وأن النص المحرم
حكم ببراءته. منطبق على الجريمة ،وا َّال ّ
فإنه ُي ُ
المجتمع.
ِ الفرد و ِ
للحفاظ على ِ .3العقوبةُ رحمةٌ وليست انتقاماً ،وليست قسوةً وعذاباً ،بل هي
شرعت الحدود الشرعية لحكم ومقاصد عظيمة ،حيث يتحقق بإقامتها المحافظة على .7
الضروريات التي جاءت الشريعة بحفظها ،وهي حفظ الدين ،والنفس ،والعقل ،والعرض،
والمال.
األمر أو نا ِ
به. ِ بولي
.8تطبيق العقوبات ،منوطةٌ ِّ
.9أثََّر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق الحدود ،في انتشار الرذيلة والفساد والخصومات،
الحبس لم تَحد ِم َن الجريمة بل زادت منها.
ِ وعقوبةُ
.10إبعاد الشريعة اإلسالمية عن الحكم ،واستبدال القوانين الوضعية بها ،معاناة كبيرة لألمة
اإلسالمية ،وتراجع لمكانتها بين األمم األخرى.
.11ثبات أصول التشريع اإلسالمي وجدارة تطبيقه ،وصالحه دون غيره لكل زمان ومكان
في مكافحة الجريمة.
.11ال يجوز لولي الدم قتل القاتل ،في القتل العمد بعد أخذ الدية.
ِ
األمر ،ولكن يقوم بها أهل العلم ولي
.16يجوز تطبيق العقوبات في حال غياب ِّ
مدعومين بشوكة وقوة ال يكون معها مفسدة ،وا َّال فال تُدفع مفسدةٌ بِم ٍ
فسدة أكبر. ْ
.14التحكيم في الخصومات بين المسلمين ،أمر جا ز مادام القصد تطبيق شرع اهلل.
.15التحكيم في مجال الحدود والقصاص متروك لالختيار ،فمن اختار التحكيم فله ذلك
ويؤيده من قال بجواز ذلك ،ومن لم يفعل فله ذلك ويؤيده من منع ذلك.
.13اللجوء إلى القضاء الوضعي ،فالحكم فيه معياره النظر إلى طبيعة األحكام ومدى
موافقتها أو مخالفتها للتشريع ،كذلك مدى إجباره على ذلك.
.17إذا لم يتسنى إقامة أحكام العقوبات ،يمكن التوسع في التعازير حسب المصلحة
الراجحة ،حتى ال يصب المجتمع فوضى وفساد ال يمكن عالجه.
157
ثانياً :التوصيات:
ِ
القضاء األمثل في
األنجع و َ العالج عي ِةَّ ،
ألن فيها ِ
العقوبات الشر َّ الباحث بتطبي ِ
ق ُ .1يوصي
َ َ
أمني. ٍ ٍ أعر ٍ قتل ،وسر ٍ
صورها ،من ٍ
ِ على الجر ِ
اجتماعيٍ ،وفلتان ّ
ّ وفساد ض، قة ،و ا يمة بشتى
.1إن الدولة مس ولة قبل تطبيق الحدود عن منع كل ما يغرى بهـا ،فلـذلك يجـب علـى الدولـة
قصـرت
كفالة المأكل ،والمشرب ،والملبس ،والمأوى ،واالنتقال ،والعـالج والتعلـيم ،ألنـه إذا ّ
الدولــة فــي مس ـ وليتها ،تحققــت الشــبهة التــي تــد أر عنــه الحــد ،وينتقــل القاضــي إلــى تطبيــق
التعزيرات األخرى حسب األحوال.
.6على الدولة جعل السجن مكان إلصالح وتأهيل المجرمين ،وذلك بوضع خطط وبرامج
فعَّالة في هذا المجال باالستعانة بأهل الخبرة ،حتى يعود المجرم عضو صال ومفيد في
المجتمع.
152
الفهارس العامة
فهرس اآليات
فهرس األحاديث واآلثار
فهرس المصادر والمراجع
فهرس الموضوعات
154
فهرس اآليات
131
َّ
64 49 الما دة اح ُك ْم َب ْي َنهُ ْم بِ َما أ َْن َز َل اللهُ َن ْ َوأ ِ .11
67 85 البقرة ضون بَِب ْع ٍ اب َوتَ ْكفُُر َ ض اْل ِكتَ ِ ون بَِب ْع ِ أَفَتُ ْؤ ِمُن َ .16
68 53 الذاريات وناإل ْن َس إِالَّ لِ َي ْعُب ُد ِ ت اْل ِج َّن و ِْ
َ َوما َخلَ ْق ُ .14
68 185 البقرة الرسو ُل بِما أ ُْن ِز َل إِلَ ْي ِه ِمن رب ِ
ِّه ْ َ َم َن َّ ُ .15
69 45 العنكبوت ـاب َوأ َِقـ ـ ِـم ـك ِمـ ـ َـن اْل ِكتـ ـ ِ ـي ِإلَ ْيـ ـ َ ِ
ْات ـ ـ ُل مـ ــا أُوحـ ـ َ .13
الصَّالةَ
ِ ِ
69 106 التوبة ص َدقَةًُخ ْذ م ْن أ َْم َوال ِه ْم َ .17
ِ َِّ
69 186 البقرة يام
الص ُ ب َعلَ ْي ُك ُم ِّ ين َمُنوا ُكت َ يا أَُّيهَا الذ َ .18
69 18 الحج اس َم اللَّ ِه ِ
ل َي ْشهَ ُدوا َمناف َع لَهُ ْم َوَي ْذ ُك ُروا ْ
ِ .19
69 ل عمران 104 ون ِإلَى اْل َخ ْي ِر ُمةٌ َي ْد ُع َ َوْلتَ ُك ْن ِم ْن ُك ْم أ َّ .60
40 109 البقرة ون ُك ْماب لَ ْو َي ُرُّد َ َه ِل اْل ِكتَ ِ َوَّد َكثِ ٌير ِم ْن أ ْ .61
40،93 ل عمران 71 اب ِمُنوا َه ِل اْل ِكتَ ِ ت طَا ِفَةٌ ِم ْن أ ْ َوقَالَ ْ .61
40 117 البقرة ت َو ُه َو َو َم ْن َي ْرتَِد ْد ِم ْن ُك ْم َع ْن ِدينِ ِه فََي ُم ْ .66
41 11 الروم ق لَ ُك ْم ِم ْن أ َْنفُ ِس ُك ْم َن َخلَ َ ِِ
َو ِم ْن َياته أ ْ .64
ِ
46،58 61 اإلسراء ـاء
ـان فاح َشـ ـةً َوس ـ َ الزن ــى إَِّن ــهُ ك ـ َ َوال تَ ْق َرُبـ ـوا ِّ .65
َسبِيالً
45،43،37 19 النور يع إِ َّن الَِّذين ي ِحبُّون أ ِ
َن تَش َ َ ُ َ ْ .63
45،38 58 األحزاب اتوالَِّذين يؤُذون اْلمؤ ِمنِين واْلمؤ ِم َن ِ .67
َ َ ُْ َ ُ ْ َ َ ُ ْ
47،71،74 91 الما دة ين َمُنوا إَِّن َما اْل َخ ْم ُر َواْل َم ْي ِس ُر َِّ
َيا أَيُّهَا الذ َ .68
َّ إَِّنما ج َز َِّ
51،83 66 الما دة ون اللهَ َوَر ُسولَهُ ين ُي َح ِارُب َ اء الذ َ َ َ ُ .69
ِ وِان طَا ِفَتَ ِ ِ
56،100،101 9 الحجرات ين ا ْقتَتَلُوا ان م َن اْل ُم ْؤ ِمن َ َ .40
59 38 الفرقان ون َم َع اللَّ ِه إِلَهًا َخ َر ين ال َي ْد ُع َ
َِّ
َوالذ َ .41
37 16 النور إِ َّن الَِّذين يرمون اْلم ْحص ِ
نات .41
َ َْ ُ َ ُ َ
71 37 النحل ون ِم ْنهُ َس َك ًار ِ
تَتَّخ ُذ َ .46
71 119 البقرة ون َك َع ِن اْل َخ ْم ِر َواْل َم ْي ِس ِر َي ْسأَلُ َ .44
71 46 النساء ين َمُنوا ال تَ ْق َرُبوا الصَّالةَ َِّ
يا أَيُّهَا الذ َ .45
73 176 .43فمــن اضــطر غيــر بــاغ وال عــاد فــال إث ــم البقرة
عليه
131
89 10 المزمل ون ون ِفي ْاأل َْر ِ
ض َي ْبتَ ُغ َ ض ِرُب َ
ون َي ْ
َ .47و َخ ُر َ
91 117 ـون ُيقَـ ــاتِلُ َ
ون ُك ْم َحتَّـ ــى َيـ ـ ُـرُّدو ُك ْم َعـ ـ ْـن البقرة َ .48وَال َي َازلُـ ـ َ
ِدينِ ُك ْم
ل عمران 91 103 ض ُو ُجوهٌ َوتَ ْس َوُّد ُو ُجوهٌ
َ .49ي ْوَم تَْب َي ُّ
َِّ
91 167 النساء .50إِ َّن الذ َ
ين َمُنوا ثَُّم َكفَُروا ثَُّم َمُنوا
93 76 ل عمران َوَال تُ ْؤ ِمُنوا إِ َّال لِ َم ْن تَبِ َع ِد َين ُك ْم .51
98 7 الروم اه اًر ِّم َن اْل َح َي ِاة ُّ
الد ْن َيا يعلَمون ظَ ِ
َْ ُ َ .51
98 18 الجاثية يع ٍة ِّم َن األ َْم ِر اك َعلَى َش ِر َ ثَُّم َج َعْل َن َ .56
106 59 يع ـوا النساء ِ َّ ِ َّ ِ
يع ـوا اللــهَ َوأَط ُ ين َمُن ـوا أَط ُ َيــا أَيُّهَــا الــذ َ .54
ول َوأُولِي ْاأل َْم ِر الر ُس َ
َّ
104 10 ـي ٍء فَ ُح ْك ُم ــهُ إِلَ ــى الشورى ِ ِ ِ
اختَلَ ْف ــتُ ْم في ــه م ـ ْـن َش ـ ْ
َ .55و َم ــا ْ
اللَّ ِه
110 34 الكهف صا
ص ً فَ ْارتَ َّدا َعلَى ثَ ِارِه َما قَ َ .53
110 11 القصص ت بِ ِه ص َر ْ ُختِ ِه قُ ِّ ِ
صيه فََب ُ ت ِأل ْ َوقَالَ ْ .57
111 61 الما دة َج ِل َذلِ َك َكتَْب َنا َعلَى َبنِي إِ ْس َارِ َ
يل ِم ْن أ ْ .58
116،115،110 45 الما دة س الن ْف َس بِ َّ
الن ْف ِ َن ََّو َكتَْب َنا َعلَ ْي ِه ْم ِفيهَا أ َّ .59
116 66 اإلسراء َّ َّ ِ َوال تَ ْقتُلُوا َّ
الن ْف َس التي َح َّرَم اللهُ .30
113 66 ط ًانا اإلسراء
ِّه ُسْل َ ظلُوما فَقَ ْد جعْل َنا ِلوِلي ِ ِ
ََ َ َ .31و َم ْن قُت َل َم ْ ً
111 113 النحل َ .31وِا ْن َعاقَ ْبتُ ْم فَ َع ِاقُبوا بِ ِم ْث ِل َما ُعوِق ْبتُ ْم بِ ِه
161 178 البقرة َ .36ذِل َك تَ ْخ ِف ٌ
يف ِّمن َّرِّب ُك ْم َوَر ْح َمةٌ
161،161،165 91 النساء طأً فَتَ ْح ِر ُير َرقََب ٍة
َ .34و َم ْن قَتَ َل ُم ْؤ ِمًنا َخ َ
166 7 الزمر ُخ َرى َوَال تَِزُر َو ِازَرةٌ ِوْزَر أ ْ .35
141 64 النساء وزُه َّن
ون ُن ُش َ َّ ِ
َوالالتي تَ َخافُ َ .33
141 118 التوبة ين ُخلِّفُوا َحتَّى َّ ِ َِّ
َو َعلَى الث َالثَة الذ َ .37
151 65 النساء اق َب ْينِ ِه َما فَ ْاب َعثُوا
َوِا ْن ِخ ْفتُ ْم ِشقَ َ .38
154 111 البقرة َو َم ْن ُي َب ِّد ْل نِ ْع َمةَ اللَّ ِه ِم ْن َب ْعِد ما .39
َِّ
154 30 النساء ون أََّنهُ ْم
ين َي ْزُع ُم َ أَلَ ْم تََر إِلَى الذ َ .70
154 103 النحل يمانِ ِه ِ ِ ِ َّ ِ ِ
َم ْن َكفَ َر بالله م ْن َب ْعد إ َ .71
132
فهرس األحاديث واآلثار
الصفحة الراوي الحديث م
6 البخاري
ال
ت َن َع ْم قَ َ قال فَهَ ْل قَاتَْلتُ ُموهُ أ َْو قَاتَلَ ُك ْم ُقْل ُ َ .1
7 سبعة يظلهم اهلل في ظله ،يوم ال ظل إال البخاري ومسلم .1
7 البخاري ومسلم اع َو ُكلُّ ُك ْم َم ْسُو ٌل َع ْن َرِعيَّتِ ِه أَالَ ُكلُّ ُك ْم َر ٍ .6
10،59 البخاري ام َأرَِة َه َذا ،فَِإ ِن اغ ُد َيا أ َُن ْي ُس َعلَى ْ َو ْ .4
10 من حالت شفاعته دون حد من حدود اهلل أبو داود .5
10،61،81 البخاري ومسلم أتشفع في حد من حدود اهلل .3
15 النسا ي ،ابن ماجة ،أحمد َحد ُي ْع َم ُل بِ ِه ِفي ْاأل َْر ِ
ض .7
13 ابن ماجة أقيموا حدود اهلل في القريب والبعيد .8
13 أبو داود تعافوا الحدود فيما بينكم .9
13 ابن ماجة فهال قبل أن تأتيني به .10
ِ
17 مسلم ا ْذ َهُبوا بِه فَ ْارُج ُموهُ .11
17 الشوكاني ية سرقت ،فقال أُتي بجار ٍ .11
18 البيهقي ،الدارقطني ما إخاله سرق .16
18 أحمد ،الشوكاني أقبلت مع سادتي نريد الهجرة .14
19 الترم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي ،البيهق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي، ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم .15
الدارقطني
69 مسلم ما من نبي بعثه اهلل في أمة قبلي .13
41 ابن ماجة يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم .17
46 البخاري اءةَ
الب َ
اع َ
ط َ ابَ ،م ِن ْ
استَ َ َيا م ْع َشر َّ
الش َب ِ .18
َ َ
45،39 البخاري المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده .19
45،39 البخاري سباب المسلم فسوق ،وقتاله كفر .10
47 ابن ماجة ال تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر .11
49 مسلم كل المسلم على المسلم حرام .11
49 مسلم إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام .16
56 مسلم ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده .14
133
56 مسلم إنه ستكون هنات وهنات .15
57 مسلم خذوا عني قد جعل اهلل لهن سبيال الثيب .13
58 البخاري ،مسلم وعلى ابنك جلد ما ة ،وتغريب عام .17
30 البخاري ،مسلم َعظَ ُم ِع ْن َد اللَّ ِه َي َّ
الذ ْن ِب أ ْ أ ُّ .18
37 البخاري ،مسلم اجتنبوا السبع الموبقات .19
71 البخاري ،مسلم كل شراب أسكر فهو حرام .60
71 أبو داوود لما نزل تحريم الخمر قال عمر .61
71،78 ابن ماجة كل مسكر خمر وكل خمر حرام .61
76 ابن ماجة ما أسكر كثيره فقليله حرام .66
76 الدارقطني الخمر أم الخبا ث .64
76 النسا ي اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبا ث .65
74 مسلم ُك ّل مسكر حرٌام .63
74 البخاري ،مسلم وال يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن .67
74 مسلم شهدت عثمان بن عفان وأُتي بالوليد ُ .68
73 ابن ماجة إن اهلل وضع عن أمتي الخطأ والنسيان .69
81 البخاري ،مسلم تُ ْقطَع اْلي ُد ِفي رب ِع ِد َين ٍار فَص ِ
اع ًداً .40
َ ُُ ُ َ
87 مسلم إن ش تم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة .41
87،100 البخاري ،مسلم ِّالح َفلَ ْي َس ِمَّنا
َم ْن َح َم َل َعلَ ْي َنا الس َ .41
91 البخاري اب اللَّ ِه َال تُ َع ِّذُبوا بِ َع َذ ِ .46
91،116 البخاري ،مسلم ئ ُم ْسِلٍم َي ْشهَ ُد ام ِر ٍ ِ ُّ
َال َيحل َد ُم ْ .44
100 مسلم اعةَ اع ِةَ ،وفَ َار َ َّ ِ
ق اْل َج َم َ َم ْن َخ َرَج م َن الط َ .45
104 مسلم ون
اس َي ْسأَلُ َ ان َّ
الن ُ َك َ .43
104 مسلم ُّونهُ ْم َوُي ِحب َ
ُّون ُك ْم ين تُ ِحب َ ِ ِ َِّ
خ َي ُار أَ َّمت ُك ُم الذ َ
ِ .47
103 البخاري اع ِة َّ
َّم ِع َوالط َ َن َب َاي َع َنا َعلَى الس ْ أْ .48
116 البخاري خرجت جارية عليها أوضاح بالمدينة .49
114،113 مسلم إن م ــن عب ــاد اهلل م ــن ل ــو أقس ــم عل ــى اهلل .50
ألبره
113،118 البخاري ،مسلم إن اهلل حبس عن مكة الفيل .51
113 ابن أبي شيبة ،الدارقطني اْل َع ْم ُد قَ َوٌد .51
134
119 ابن ماجه س ثَنَِّيةَ َج ِارَي ٍة الرَبيِّعُ َع َّمةُ أ ََن ٍت ُّ َك َس َر ْ .56
111 مسلم َح ِسُنوا اْل ِق ْتلَةَفَِإ َذا قَتَْلتُ ْم فَأ ْ .54
116 البخاري ،مسلم ام ُجَّنةٌُ ،يقَاتَ ُل ِم ْن َوَارِ ِه ِ
إَّن َما ْاإل َم ُ
ِ .55
114 أبو داود ت لَهُ أ ُُّم َولٍَد تَ ْشتُُم َع َمى َك َان ْ َن أ ْ أ َّ .53
115،147 ابن ماجة إن الناس إذا أروا المنكر فلم يغيروه .57
161 أبو داود ظ َرْي ِن َم ْن قُتِ َل لَهُ قَتِي ٌل فَهُ َو بِ َخ ْي ِر َّ
الن َ .58
161،166 النسا ي قتيل الخطإ شبه العمد .59
161 البخاري ،مسلم اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت .30
166 النسا ي ال يؤخذ الرجل بجريرة أبيه .31
141 البخاري ق ع ْش ِر جلَ َد ٍ
ات َ الَ ُي ْجلَ ُد فَ ْو َ َ .31
141 مسلم ق ع َش ِرة أَسو ٍ
اط َح ٌد فَ ْو َ َ َ ْ َ َال ُي ْجلَ ُد أ َ .36
146 أبو داود تومةُ ِ َّ
ضالةُ اإلبل الم ْك َ .34
146 النسا ي َح َب َس َرُج ًال ِفي تُ ْه َم ٍة .35
144 البخاري طلُُبوهُ َوا ْقتُلُوهُ
اْ .33
145 ين أبو داودِِ مروا أَوالَ َد ُكم بِ َّ ِ
اء َس ْب ِع سن َ
الصالَة َو ُه ْم أ َْب َن ُ ُُ ْ ْ .37
145 البخاري ا ْشفَ ُعوا تُ ْؤ َج ُروا .38
135
فهرس المصادر والمراجع
أوالً :القرآن وعلومه:
.4القرآن الكريم.
. .2ابن كثير :عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي "،تفسير القرآن العظيم"
المحقق :مصطفى السيد محمد +محمد السيد رشاد +محمد فضل العجمـاوي +علـي أحمـد عبـد
الباقي -مؤسسة قرطبة +مكتبة أوالد الشيخ للتراث -الطبعة :األولى 1411 :هـ 1000 ،م.
.3الفخــر الـرازي :محمـد بــن عمــر بــن الحسـين الـرازي الشــافعي المعـروف بــالفخر الـرازي أبــو
عبــد اهلل "مفـــاتيح الغيـــب مـــن القـــرآن الكـــريم"" ،أو التفســـير الكبيـــر" .دار إحيــاء الت ـراث
العربي.
.1القرطبي :أبو عبد اهلل محمد بن أحمد بن أبـي بكـر بـن فـرح األنصـاري الخزرجـي شـمس
ال ــدين القرطب ــي؛" الجــــامع ألحكــــام القــــرآن" -دار ع ــالم الكت ــب -الري ــاض -الطبع ــة :
1416هـ 1006 /م
تحقيق :هشام سمير البخاري؛" جامع بيان العلم وفضله " -مؤسسة الريان -دار ابن حزم
الطبعة األولى 1006-1414هـ -تحقيق :فواز أحمد زمرلي.
.0ابن عاشور :محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي ؛ "التحرير
والتنوير" أو تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد -الدار
التونسية للنشر – تونس 1984 -هـ.
الس ْعدي :عبد الرحمن بن ناصر بن عبد اهلل السـعدي "،تيسير الكريم الرحمن في تفسير
َّ .6
كالم المنان" ،تحقق :عبد الرحمن بن معال اللويحق -مؤسسة الرسـالة -الطبعـة :األولـى
1410هـ 1000-م.
.8الشعراوي :محمد متولي الشـعراوي "،تفسير الشعراوي" – الخـواطر -مطـابع أخبـار اليـوم
لــيس علــى الكتــاب األصــل -المطبــوع -أي بيانــات عــن رقــم الطبعــة أو غي ـره ،غيــر أن
رقم اإليداع يوض أنه نشر عام 1997م.
.7الزحيلي :وهبة بن مصطفى الزحيلي "،التفسير الوسيط للزحيلي" -دار الفكر -دمشق
الطبعة :األولى 1411 -هـ.
.7أبو زهرة :محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعـروف بـأبي زهـرة "،زهـرة التفاسـير"-
دار الفكر العربي-
133
.45حجـازي :محمـد محمــود حجـازي "،التفســير الواضـح" -دار الجيـل الجديــد -بيـروت -برنــامج
جامع التفاسير نور األنوار - 1الطبعة :العاشرة 1416 -هـ.
.44الســايس :محمــد علــي الســايس "،تفســير آيــات األحكــام"-المكتبــة العصـرية للطباعــة والنشــر
تاريخ النشر.1001/10/01 :
.42الطبري :محمد بـن جريـر بـن يزيـد بـن كثيـر بـن غالـب اآلملـي ،أبـو جعفـر الطبـري؛" جـامع
البيان في تأويل القرآن" -مؤسسة الرسالة – الطبعة األولى 1410 :هـ 1000 -م
تحقيق :أحمد محمد شاكر.
.43ابن العربي :أبو بكر بن العربي المالكي "،أحكام القرآن" -دار الكتب العلمية -تحقق محمد
عبد القادر عطا -سنة النشر.1006 – 1414 :
.41سيد قطب :سيد قطب إبراهيم حسين الشاربي "،في ظالل القرآن" -دار الشروق -بيروت-
القاهرة -لطبعة :السابعة عشر 1411 -هـ.
.40الخلـــوتي :إســماعيل حقــي بــن مص ـطفى اإلســتانبولي الحنفــي الخلــوتي "،روح البيـــان" -دار
الفكر -بيروت
.46الشوكاني :محمد بن علي بن محمـد الشـوكاني "،فـتح القـدير" -الناشـر :دار ابـن كثيـر ،دار
الكلم الطيب -دمشق ،بيروت -الطبعة :األولى 1414 -هـ.
137
.22ابن ماجه :أبو عبد اهلل محمد بن يزيد القزويني؛" سنن ابن ماجه " -دار الجيـل -بيـروت-
1418هـ 1998 ،م -الطبعة:األولى -تحقيق:بشار عواد معروف.
.23اإلمام أحمد :أبو عبد اهلل أحمد بن محمد بن حنبل بـن هـالل بـن أسـد الشـيباني " -المسـند"
-دار الكتاب العربي .
.21الترمذي :أبو عيسى محمـد بـن عيسـى الترمـذي؛" الجـامع الكبيـر" -دار الجيـل ـ بيـروت +
دار العرب اإلسالمي ـ بيروت -الطبعة :الثانية 1998م -تحقيق :د .بشار عواد معروف.
.20النسائي :أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني ،النسا ي؛" السنن الكبرى"
-مؤسسة الرسالة :بيروت -رقم الطبعة :األولى1411:ه – 1001م.
.26الدارقطني :أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهـدي بـن مسـعود بـن النعمـان بـن دينـار
البغدادي الـدارقطني؛ "سنن الدارقطني" -مؤسسـة الرسـالة-بيـروت -الطبعـة :اآلولـى– 1414
م - 1004تحقيق :شعيب األرناؤوط و خرون.
الخ ْس َـرْو ِجردي الخ ارسـاني أبـو بكـر البيهقـي؛
.28البيهقي :أحمد بن الحسين بـن علـي بـن موسـى ُ
"الســنن الكبــرى" -مكتبــة دار البــاز -مكــة المكرمــة -1994 – 1414 ،تحقيــق :محمــد عبــد
القادر عطا؛" معرفة السنن واآلثـار" -جامعـة الد ارسـات اإلسـالمية +دار والـوعي +دار قتيبـة -
كراتش ــي بباكس ــتان +حل ــب +دمش ــق -الطبع ــة األول ــى1411 :ه ـ ـ 1991 ،م -تحقي ــق :عب ــد
المعطــي أمــين قلعجــي؛ " شــعب اإليمــان" -مكتبــة الرشــد -الريــاض بالتعــاون مــع الــدار الســلفية
ببومبــاي بالهنــد -الطبعــة األولــى 1416 -هـ ـ 1006 -م -تحقيــق :الــدكتور عبــد العلــي عبــد
الحميد حامد.
.27األلباني :محمد ناصر الدين األلبـاني؛" صحيح أبي داود" -مؤسسـة غـراس للنشـر والتوزيـع
،الكويت -الطبعة :األولى 1416 ،هـ 1001 -م ؛ "إرواء الغليل" في تخـريج أحاديـث منـار
السبيل -المكتب اإلسالمي – بيروت -الطبعة :الثانيـة 1405ه ـ 1985 -م؛" تمـام المنـة" فـي
التعليق على فقه السنة -المكتبة اإلسالمية -دار الراية للنشر -الطبعة الثالثة – 1409؛
.27الشــوكاني :محمــد بــن علــي بــن محمــد بــن عبــد اهلل الشــوكاني اليمنــي "،نيــل األوطــار" -دار
الحديث ،مصر -الطبعة :األولى1416 ،هـ 1996 -م -تحقيق :عصام الدين الصبابطي.
.35عبد الرزاق :أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني؛" المصنف"
المكتب اإلسالمي – بيروت -الطبعة:الثانية - 1406 -تحقيق :حبيب الرحمن األعظمي.
.34الطحــاوي :أبـو جعفــر أحمــد بـن محمــد بــن سـالمة بــن عبــد الملـك بــن ســلمة األزدي الحجــري
المص ــري المع ــروف بالطح ــاوي؛" شــــرح مشــــكل اآلثــــار" -مؤسس ــة الرس ــالة -تحقي ــق :شـ ــعيب
األرنؤوط -الطبعة :األولى 1415 -هـ 1494 ،م؛" شرح معاني اآلثار" -عالم الكتب
الطبعة :األولى 1415 -هـ 1994 ،م تحقيق :محمد زهري النجار -محمد سيد جاد الحق .
132
.32الصنعاني :محمد بن إسماعيل األمير الكحالني الصنعاني؛" سبل السالم"
مكتبة مصطفى البابي الحلبي -الطبعة الرابعة 1679هـ1930 -م.
.33العظيم آبادي :محمد شمس الحق العظيم بادي أبو الطيب" ،عون المعبود" شرح سنن أبي
داود -دار الكتب العلمية – بيروت -الطبعة الثانية .1415 ،
.31الحــاكم :أبوعبــد اهلل الحــاكم محمــد بــن عبــد اهلل بــن محمــد بــن حمدويــه بــن ُنعــيم بــن الحكــم
الضبي الطهماني النيسابوري؛" المستدرك على الصحيحين" -دار المعرفة -بيروت .
صـ َّـنف" -
الم َ
.30ابــن أبــي شــيبة :أبــو بكــر عبــد اهلل بــن محمــد بــن أبــي شــيبة العبســي الكــوفي؛" ُ
الناشر :مكتبة الرشد – الرياض-الطبعة :األولى -1409 ،المحقق :كمال يوسف الحوت.
.36الزرقــاني :محمــد بــن عبــد البــاقي بــن يوســف الزرقــاني؛" شــرح الزرقــاني علــى موطــأ اإلمــام
مالك" -مكتبة الثقافة الدينية – القاهرة -الطبعة :األولى1414 ،ه ـ 1006 -م .تحقيـق :طـه عبـد
الرءوف سعد.
ـيباني "،اإلفصـاح عـن معـاني
(ه َب ْي َـرة بـن) محمـد بـن هبيـرة الـذهلي الش ّ
.38ابن ُه َب ْي َـرة :يحيـى بـن ُ
الصحاح" -الناشر :دار الوطن -سنة النشر1417 :هـ -المحقق :فؤاد عبد المنعم أحمد.
134
.13الشاطبي :إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرنـاطي الشـهير بالشـاطبي؛" الموافقـات" -
دار ابن عفان -الطبعة األولـى 1417هــ1997 /م -تحقيـق :أبـو عبيـدة مشـهور بـن حسـن ل
سلمان.
.11ابـــن جـــزي :أب ــو القاس ــم محم ــد ب ــن أحم ــد ب ــن ج ــزي الكلب ــي الغرن ــاطي الم ــالكي "،القـــوانين
الفقهية" -تحقيق أ.د/محمد سيدي موالي -المكتبة الشاملة 11000كتاب.
.10الــــدهلوي :اإلمـ ــام أحمـ ــد المعـ ــروف بشـ ــاه ولـ ــي اهلل اب ــن عب ــد الـ ــرحيم الـ ــدهلوي "،حجــــة اهلل
البالغة" -لكتب الحديثة -مكتبة المثنى -مكان النشر القاهرة – بغداد -تحقيق سيد سابق.
.16الزرقا :أحمد بن الشيخ محمد الزرقا "،شرح القواعد الفقهية" -دار النشر /دار القلم.
171
.01الســـمرقندي :ع ــالء ال ــدين الس ــمرقندي؛" تحفـــة الفقهـــاء" -الناش ــر دار الكت ــب العلمي ــة -
-1984 – 1405بيروت.
.00ابــن نجــيم :زيــن الــدين ابــن نجــيم الحنفــي؛" البحــر الرائــق شــرح كنــز الــدقائق" -الناشــر دار
المعرفة – بيروت.
.06الموصـــلي :عب ــد اهلل ب ــن محم ــود ب ــن م ــودود الموص ــلي البل ــدحي ،مج ــد ال ــدين أب ــو الفض ــل
الحنفـي "،االختيــار لتعليــل المختــار" -مطبعــة الحلبـي -القــاهرة -وصـورتها دار الكتــب العلميــة -
بيروت ،وغيرها 1653 -هـ 1967 -م -عليها تعليقات :الشيخ محمود أبو دقيقة.
.08الشيخ نظام وجماعة مـن علمـاء الهنـد "،الفتـاوى الهنديـة" -الناشـر دار الفكـر -سـنة النشـر
1411هـ 1991 -م.
.07الكليبولي :عبد الرحمن بن محمد بن سليمان الكليبولي المدعو بشيخي زاده؛" مجمع األنهر
فــي شــرح ملتقــى األبحــر" -دار الكتــب العلميــة 1419 -ه ـ 1998 -م -بيــروت -تحقيــق :
خليل عمران المنصور.
المذهب المالكي:
.07الــدردير :أبــو البركــات أحمــد بــن محمــد العــدوي ،الشــهير بالــدردير؛" الشــرح الكبيــر" -دار
إحياء الكتب العربية -عيسى البابى الحلبي وشركاء.
.65العبدري :محمد بـن يوسـف بـن أبـي القاسـم العبـدري أبـو عبـد اهلل؛" التـاج واإلكليـل لمختصـر
خليل" -دار الفكر - 1698-بيروت.
.64الدســوقي :محمــد عرفــه الدســوقي؛" حاشــية الدســوقي علــى الشــرح الكبيــر" -دار الفكــر-
بيروت -تحقيق محمد عليش.
.62الحطاب :شـمس الـدين أبـو عبـد اهلل محمـد بـن محمـد بـن عبـد الـرحمن الطرابلسـي المغربـي ،
الرعيني؛" مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل" -دار عـالم الكتـب -طبعـة
المعروف بالحطاب ُّ
1416هـ 1006 -م -المحقق :زكريا عميرات.
.63الخرشي :محمد الخرشي؛" شرح مختصر خليل" -دار الفكر -بيروت.
.61علـــيش :محم ــد عل ــيش؛" مـــنح الجليـــل شـــرح علـــى مختصـــر ســـيد خليـــل" -دار الفك ــر-
1409هـ 1989 -م -بيروت.
.60ضياء الدين الجندي :خليل بن إسحاق بن موسى ،ضياء الـدين الجنـدي المـالكي المصـري،
"مختصــر العالمــة خليــل" -دار الحــديث/القاهرة -الطبعــة :األولــى1413 ،ه ــ1005/مـ ـ -تحقــق:
أحمد جاد.
السـالِك" -الناشـر :الشـركة اإلفريقيـة
ـاد َّ
ش ُ .66البغدادي :عبد الرحمن شهاب الدين البغداديْ "،إر َ
للطباعة -مصدر الكتاب :برنامج المحدث -المكتبة الشاملة 11000كتاب.
171
.68العدوي :علي الصعيدي العدوي المالكي؛" حاشية العدوي" على شرح كفايـة الطالـب الربـاني
-دار الفكر -1411 -بيروت -تحقيق يوسف الشيخ محمد البقاعي.
.67ابن رشد :أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبـي الشـهير بـابن رشـد
الحفيـد؛" بداية المجتهد و نهاية المقتصد" -مطبعـة مصـطفى البـابي الحلبـي وأوالده -مصـر -
الطبعة الرابعة1695 ،هـ1975/م.
المذهب الشافعي:
.67الشـــــافعي :محمـ ــد بـ ــن إدريـ ــس الشـ ــافعي أبـ ــو عبـ ــد اهلل؛" األم" -دار المعرفـ ــة -بيـ ــروت-
1696.
.85الشـــيرازي :إب ـراهيم بــن علــي بــن يوســف الشــيرازي أبــو إســحاق؛" المهـــذب فـــي فقـــه اإلمـــام
الشـــافعي" -دار الفك ــر -بي ــروت ؛ التنبي ــه ف ــي الفق ــه الش ــافعي -ع ــالم الكت ــب -1406 -
بيروت -تحقيق :عماد الدين أحمد حيدر.
.84الرملي :شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة ابن شهاب الـدين الرملـي الشـهير
بالشافعي الصـغير؛" نهايـة المحتـاج إلـى شـرح المنهـاج" -دار الفكـر للطباعـة 1404 -ه ـ -
1984م -بيروت.
.82الشربيني :محمد الشربيني الخطيب؛" اإلقنـاع فـي حـل ألفـاظ أبـي شـجاع" -دار الفكـر -
-1415بيروت؛ مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج -دار الفكر -بيروت.
.83النووي :أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي؛ المجموع شرح المهذب
الناشــر دار الفكــر -بيــروت -ط 1997م ؛" روضـــة الطـــالبين وعمـــدة المفتـــين" -دار الكتــب
العلميــة -تحقيــق :عــادل أحمــد عبــد الموجــود -علــى محمــد معــوض؛ منهــاج الطــالبين وعمــدة
المفتين -دار المعرفة -بيروت .
.81محمــد شــطا الــدمياطي :أبــو بكــر (المشــهور بــالبكري) بــن محمــد شــطا الــدمياطي "،حاشــية
إعانة الطالبين" -مصدر الكتاب :موقع يعسوب -المكتبة الشاملة 11000كتاب..
.80زكريــا األنصــاري :شــيخ اإلســالم أبــو يحيــى األنصــاري؛" أســنى المطالــب فــي شــرح روض
الطالب" -دار الكتب العلمية -بيروت -الطبعة :األولى 1411ه – -1000تحقيق :محمد
محمد تامر.
الب َج ْي َرِم ّي المصري الشافعي "،حاشية البجيرمي على
.86البجيرمي :سليمان بن محمد بن عمر ُ
الخطيب" -دار الفكر1415 -هـ 1995 -م.
172
المذهب الحنبلي
.88ابـــن تيميـــة :تق ــي ال ــدين أب ــو العب ــاس أحم ــد ب ــن عب ــد الحل ــيم ب ــن تيمي ــة الح ارن ــي؛ "مجمـــوع
الفتـــاوى" -تحقي ـق :أنــور البــاز -عــامر الج ـزار -دار الوفــاء -الطبعــة الثالثــة 1413 ،هـ ـ /
1005م "،منهــاج الســنة النبويــة" -مؤسســة قرطبــة ،الطبعــة ألولــى -تحقي ـق :د .محمــد رشــاد
ســالم "،الصـــارم المســـلول علـــى شـــاتم الرســـول" -دار ابــن ح ــزم – بيــروت -الطبعــة األول ــى ،
-1417تحقيق :محمد عبد اهلل عمر الحلواني ،محمد كبير أحمد شودري
.87ابن قدامة :عبـد اهلل بـن أحمـد بـن قدامـة المقدسـي أبـو محمـد ابـن قدامـة ؛" المغنـي" -دار
الفكر – بيروت -الطبعة األولـى "،1405 ،الكافي في فقه اإلمام أحمد" -دار الكتـب العلميـة-
الطبعة :األولى 1414 ،هـ 1994 -م.
.87البهوتي :منصور بن يونس بن إدريس البهوتي؛" كشاف القنـاع عـن مـتن اإلقنـاع" -دار
الفكــر -بيــروت - 1401 -تحقيــق هــالل مصــيلحي مصــطفى هــالل؛" الــروض المربــع شــرح زاد
المستنقع في اختصار المقنع" -دار الفكر للطباعة والنشر -بيروت – لبنان -المحقق :سعيد
محمد اللحـام –" شرح منتهى اإلرادات المسمى دقائق أولي النهى لشرح المنتهـى" -عـالم الكتـب
-1993 -بيروت.
.75ابن مفلح :محمد بن مفل بن محمد بن مفرج ،أبـو عبـد اهلل ،شـمس الـدين المقدسـي الرامينـى
؛"الفروع" -مؤسسة الرسالة-الطبعة :الطبعة األولى 1414هـ 1006 -مـ
تحقيق :عبد اهلل بن عبد المحسن التركي؛" المبدع شرح المقنع" -دار عالم الكتب -الرياض -
طبعة 1416 :هـ 1006/م.
.74الرحيباني :مصطفى السيوطي الرحيباني؛" مطالب أولي النهى في شرح غايـة المنتهـى" -
المكتب اإلسالمي -طبعة 1931م – دمشق.
.72المـــــرداوي :عـ ــالء الـ ــدين أبـ ــو الحسـ ــن علـ ــي بـ ــن سـ ــليمان المـ ــرداوي الدمشـ ــقي الصـ ــالحي؛
"اإلنصاف" في معرفة الراج من الخالف على مذهب اإلمام أحمد بن حنبل -دار إحيـاء التـراث
العربي -بيروت ـ الطبعة :الطبعة األولى 1419هـ.
.73الحجــاوي :شــرف الــدين موســى بــن أحمــد بــن موســى أبــو النجــا الحجــاوي" ،اإلقنــاع" فــي فقــه
اإلم ــام أحم ــد ب ــن حنب ــل -دار المعرف ــة بي ــروت – لبن ــان -تحق ــق :عب ــد اللطي ــف محم ــد موس ــى
السبكي.
.71ابن قيم الجوزية :محمد بن أبـي بكـر بـن أيـوب بـن سـعد شـمس الـدين ابـن قـيم الجوزيـة" زاد
المعاد في هدي خير العباد" -مؤسسة الرسالة -بيروت -مكتبة المنار اإلسالمية -الكويت -
173
الطبعـ ــة :السـ ــابعة والعشـ ــرون 1415 ،هـ ـ ـ 1994/م ،الجــــواب الكــــافي -دار الكتـ ــب العلميـ ــة –
بيروت.
.70العثيمين :محمد بن صال بن محمد العثيمين؛" الشرح الممتع على زاد المستقنع"
-دار ابن الجوزي -الطبعة :األولى -طبعة 1418 - 1411 :هـ.
174
.76محمد رأفت عثمـان ":النظـام القضـائي فـي الفقـه اإلسـالمي" -الناشـر :دار البيـان -الطبعـة:
الثانية 1415هـ1994م.
175
.457علــي بــن نــايف الشــحود ":مفهــوم الحريــة بــين اإلســالم والجاهليــة" -الطبعــة :األولــى،
1461هـ 1011 -م "،المفصل في شرح الشروط العمرية" -المكتبة الشاملة 11000كتاب..
.445فضــل ال ّه ـى ":التــدابير الواقيــة مــن الزنــا فــي الفقــه اإلســالمي" ،مكتبــة المعــارف الريــاض
الطبعة الثانية 985-1403م.
.444محمــد حســين الــذهبي ":أثــر إقامــة الحــدود فــي اســتقرار المجتمــع" -الناشــر مكتبــة وهبــة
القاهرة-الطبعة الثانية1407 -ه1983-م.
.442عبــد الــرحمن بــن خلــدون ":المقدمــة تــاريخ العالمــة ابــن خلــدون" -الناشــر :مكتبــة ودار
المدينة النورة -الدار التونسية للنشر -سنة النشر1984 :م.
.443عبــد العزيــز بــن عبــد اهلل بــن بــاز ":وجــوب تحكــيم شــرع اهلل ونبــذ مــا خالفــه" -الناشــر :
الر اســة العامــة إلدارات البحــوث العلميــة واإلفتــاء والــدعوة واإلرشــاد إدارة الطبــع والترجمــة -تــاريخ
النشر 1409 :هـ -الطبعة :الخامسة.
.441ابن المنذر :أبـو بكـر محمـد بـن إبـراهيم بـن المنـذر النيسـابوري "،اإلجمـاع" -الناشـر :دار
المسلم للنشر والتوزيع -الطبعة :الطبعة األولى 1415هـ1004 /مـ -المحقق :فـؤاد عبـد المـنعم
أحمد.
.440عل ـي عل ـي منصــور ":نظــام التجــريم والعقــاب فــي اإلســالم مقارنــا بــالقوانين الوضــعية"-
الناشر مطابع األهرام التجارية1973 ،م.
.446عبـــد اهلل الجبـــوري ":دراســـات فـــي الفقـــه الجنـــائي اإلســـالمي" -دبــي :دار القلــم ،الطبعــة
األولى1417 -ه1003/م.
.448عــوض محمــد مصــطفى يعــيش ":دور التشــريع فــي مكافحــة الجريمــة مــن منظــور أمنــي
دراسة مقارنة" -اإلسكندرية :المكتب الجامعي الحديث ،طبعة1003 ،م.
.447إيهاب فاروق حسني ":مقاصد العقوبـة فـي اإلسـالم دراسـة مقارنـة بمقاصـد العقوبـة فـي
القوانين الوضعية"-القاهرة :مركز الكتاب للنشر ،الطبعة األولى1003 ،م.
.447عمــاد محمــد ربيــع ،وفتحــي توفيــق القــاعوري ،ومحمــد عبــد الكــريم العفيــف ":أصــل علــم
اإلجرام والعقاب".
.425خالد عبد العظيم أحمد" تعدد العقوبات وأثرها في تحقيق الردع".
.424حسن علي الشاذلي ":الجنايات في الفقه اإلسالمي".
.422شوكت عليان :شوكت محمد عليان "،االعتـداء علـى الـنفس أشـكاله-جزاءاتـه" -الناشـر:
الرياض :شوكت محمد عليان1001 ،م الطبعة األولى.
.423محمود مزروعة ":أحكام الردة والمرتدين" -الناشر محمود مزروعة1994 ،م
173
.421العثيمـين :محمــد بـن صـال بــن محمـد العثيمـين "،مجمــوع فتــاوى ورسـائل فضــيلة الشــيخ
محمد بن صالح العثيمين" -الناشـر :دار الـوطن -دار الثريـا-الطبعـة :األخيـرة 1416 -ه ـ-
جمع وترتيب :فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان.
سماحة الشيخ" -الطبعة ِ
سائل َ
ور َ
محمد بن إبراهيم بن َعبداللطيف آل الشيخ ":فتَاوى َ
َّ .420
األولى،
مطبعة الحكومة بمكة المكرمة1699،هَ -.جمع وترتيب وتحقيق :محمد بن عبدالرحمن بن قاسم.
.426أحمـد الريسـوني ،محمــد الزحيلـي ،محمـد عثمــان شـبير ":حقـوق اإلنســان محـور مقاصــد
الشـــريعة"" -سلســـلة كتـــاب األمـــة" -العــدد - 87مح ــرم 1416هـ ـ -الســنة الثانيــة والعشــرون.
الشاملة 11000كتاب.
.428محمــد أحمــد عبــد الغنــي ":العدالــة فــي نظــام العقوبــات فــي اإلســالم" -أطروحــة دكتــوراه
الف ْكر اإلسالمي المعاصر)1414 -هـ/1004 /م. اعَّيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة في ضوء ِ
االجتِم ِ
العدالَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ْ َ
بعنوان( َ
.427عبد القادر عودة ":اإلسالم بين جهل أبنائه وعجز علمائه" -االتحاد اإلسالمي للمنظمات
الطالبية -IIFSOالطبعة :الخامسة 1405 ،هـ 1985 -م.
.427محمــاس بــن عبــد اهلل بــن محمــد الجلعــود ":المـوالة والمعــاداة فــي الشــريعة اإلســالمية"-
المكتبة الشاملة 11000كتاب.
177
.436الجرجـــاني :عل ــي ب ــن محم ــد ب ــن علــي الجرج ــاني؛" التعريفـــات" -دار الكت ــاب العرب ــي –
بيروت -الطبعة األولى -1405 ،تحقيق :إبراهيم األبياري.
.438الهروي :محمد بن أحمد بـن األزهـري الهـروي "،تهـذيب اللغـة"-الناشـر :دار إحيـاء التـراث
العربي – بيروت-الطبعة :األولى1001 ،م-المحقق :محمد عوض مرعب.
.437ابراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامـد عبـد القـادر ـ محمـد النجـار "،المعجـم الوسـيط"-
دار النشر :دار الدعوة -تحقيق /مجمع اللغة العربية
.437الجـــوهري ":الصـــحاح فـــي اللغـــة" -الناش ــر :دار العل ــم للمالي ــين -بي ــروت -لبن ــان-
الطبعــة :الرابعــة -ينــاير -1990تحقيــق :أحمــد عبــد الغفــور عطــار -المصــدر :موقــع يعســوب
الدين.
ثامناً :المجالت:
".415مجلـــة البحـــوث اإلســـالمية" :الر اس ــة العام ــة إلدارات البح ــوث العلمي ــة واإلفت ــاء وال ــدعوة
واإلرشاد -مصدر الكتاب :موقع الر اسة العامة للبحوث العلمية واإلفتاء
http://www.alifta.com
".414مجلة مجمع الفقه االسالمي التابع لمنظمة المؤتمر االسالمي بجدة" :تصدر عن
منظمة المؤتمر االسالمي بجدة-أعدها للشاملة :أسامة بن الزهراء عضو في ملتقى أهل الحديث
http://www.ahlalhdeeth.com
" .412مجلة الراصد اإلسالمية" :04-4الشاملة 44555كتاب.
" .413الموسوعة العربية الميسرة" :مجموعـة مـن العلمـاء والبـاحثين -الناشـر :المكتبـة العصـرية
(صيدا -بيروت) -سنة النشر1010 – 1461 :م -رقم الطبعة.1 :
172
فهرس الموضوعات
الصفحة
الموضوع م
أ اإلهداء
ب الشكر والتقدير
ج الملخص
د المقدمة .1
1 الفصل التمهيدي :الدولة اإلسالمية ومس وليتها عن تطبيق العقوبات .6
1 المبحث األول :مفهوم الدولة اإلسالمية ووظا فها .4
6 المطلب األول :تعريف الدولة اإلسالمية .5
7 المطلب الثاني :وظا ف الدولة اإلسالمية. .3
14 المبحث الثاني :مفهوم العقوبة ومس ولية الدولة عن تطبيقها .7
15 المطلب األول :تعريف العقوبة .8
17 المطلب الثاني :أنواع العقوبات في اإلسالم والغاية منها .9
19 .10الغاية من العقوبة
10 .11المطلب الثالث :مس ولية الدولة عن تطبيق العقوبات
11 .11الفصل األول :ماهية الحدود وأهميتها وأثر غياب الدولة اإلسالمية على
تطبيقها
16 .16المبحث األول :تعريف الحدود وضوابطها
14 .14المطلب األول :تعريف الحدود وحكم تطبيقها
15 .15حكم تطبيق الحدود
17 .13المطلب الثاني :ضوابط إقامة الحدود.
60 .17المبحث الثاني :أهمية تطبيق الحدود وأثره على الفرد والمجتمع
61 .18المطلب األول :أهمية تطبيق الحدود
65 .19المطلب الثاني :أثر تطبيق الحدود على الفرد والمجتمع
174
68 حد الردة وأثر تطبيقه على الفرد والمجتمع .10
41 .11حد الزنا وأثر تطبيقه على الفرد والمجتمع.
44 .11أثر تطبيق حد الزنا في إصالح الفرد والمجتمع.
45 .16حد القذف وأثر تطبيقه على الفرد والمجتمع.
43 .14أثر تنفيذ حد القذف في إصالح الفرد والمجتمع.
47 .15حد الخمر وأثر تطبيقه على الفرد والمجتمع.
49 .13حد السرقة وأثر تطبيقه على الفرد والمجتمع.
50 .17أثر تنفيذ حد السرقة في إصالح الفرد والمجتمع
51 .18حد الحرابة وأثر تطبيقه على الفرد والمجتمع.
51 أثر تنفيذ حد الحرابة في إصالح الفرد والمجتمع .19
56 حد البغي وأثر تطبيقه على الفرد والمجتمع .60
55 المبحث الثالث :أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق الحدود .61
53 .61المطلب األول :أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الزنا
31 .66أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الزنا
31 .64جريمة الزنا في قانون العقوبات المصري
35 .65االضرار الصحية الناجمة عن انتشار الزنا
33 .63المطلب الثاني :أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد القذف
39 .67نتا ج أثرت سلباً على الفرد والمجتمع
71 .68المطلب الثالث :أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الشرب
71 .69حكم شرب الخمر
74 حد الشرب
يثبت ّبم ُ
َ .40
77 .41حكم تناول المخدرات
79 .41كيف أثر غياب الدولة على تطبيق حد الشرب
80 .46المطلب الرابع :أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد السرقة
81 .44أثر غياب تطبيق حد السرقة على الفرد والمجتمع
85 .45المطلب الخامس :أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الحرابة
83 .43مشروعية عقوبة حد الحرابة
88 .47واجب الحاكم واألمة حيال الحرابة
90 .48المطلب السادس :أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الردة
121
91 مشروعية عقوبة حد الردة .49
96 الردة أفحش الكبا ر وأقب من الكفر األصلي .50
95 حكمة قتل المرتد .51
97 كيف أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الردة في المجتمع .51
99 المطلب السابع :أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد البغي .56
101 .54الشروط التي يجب توافرها في البغاة
101 .55واجب اإلمام نحو البغاة
106 .53كيفية قتال البغاة
106 حكم الخروج على الحاكم .57
108 .58الفصل الثاني :أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق أحكام القصاص
والديات والتعازير
المبحث األول :أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق أحكام القصاص 109 .59
110 المطلب األول :التعريف بالقصاص وحكمة مشروعيته .30
111 الحكمة من القصاص .31
115 المطلب الثاني :حكم تطبيق أحكام القصاص .31
117 أحكام القصاص .36
111 .34المطلب الثالث :ضوابط إقامة أحكام القصاص
116 المطلب الرابع :موقف الشرع من تطبيق أحكام القصاص في حال غياب .35
الدولة
115 .33حكم تطبيق أحكام القصاص في حال غياب اإلمام العام
119 .37المبحث الثاني :أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق أحكام الديات
160 المطلب األول :التعريف بالدية وحكمها والغاية منها .38
161 حكم الدية والغاية منها .39
164 مسألة :هل يجوز لولي الدم أن يقتل القاتل بعد أخذ الدية .70
165 أحكام الديات .71
163 الغاية من الدية .71
167 المطلب الثاني :واجب الدولة تجاه إقامة أحكام الديات .76
168 المطلب الثالث :موقف الشرع من تطبيق أحكام الديات في حال غياب .74
الدولة
121
140 المبحث الثالث :أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق أحكام التعازير .75
141 المطلب األول :تعريف التعزير ومشروعيته وحكمه .73
145 المطلب الثاني :خصا ص العقوبة التعزيرية .77
147 المطلب الثالث :موقف الشرع من تطبيق أحكام التعازير في حال غياب .78
الدولة
148 المبحث الرابع :حكم اللجوء إلى التحكيم والقضاء الوضعي في قضايا .79
الحدود والقصاص والديات في ظل غياب الدولة اإلسالمية
150 هل التحكيم مشروع؟ .80
151 حكم اللجوء الي التحكيم في قضايا الحدود والقصاص والديات .81
153 خاتمة وأهم النتائج .81
159 .86الفهارس العامة
130 فهرس اآليات .84
136 .85فهرس األحاديث واآلثار
133 .83فهرس المصادر والمراجع
179 .87فهرس الموضوعات
122