You are on page 1of 185

‫إقرار‬

‫أنا الموقع أدناه مقدم الرسالة التي تحمل العنوان‪:‬‬

‫غياب الدولة اإلسالمية وأثره على أحكام العقوبات‬


‫يف الفقه اإلسالمي‬
‫أقر بأن ما اشتممت عميو ىذه الرسالة إنما ىي نتاج جيدي الخاص‪ ،‬باستثناء ما تمت اإلشارة‬
‫إليو حيثما ورد‪ ،‬وان ىذه الرسالة ككل‪ ،‬أو أي جزء منيا لم يقدم من قبل لنيل درجة أو لقب‬
‫عممي أو بحثي لدى أية مؤسسة تعميمية أو بحثية أخرى‪.‬‬
‫‪DECLARATION‬‬
‫‪The work provided in this thesis, unless otherwise referenced, is the‬‬
‫‪researcher's own work, and has not been submitted elsewhere for any‬‬
‫‪other degree or qualification‬‬
‫‪Student's name‬‬ ‫اسم الطالب‪ :‬عامر كمال رشوان‬
‫‪Signature‬‬ ‫التوقيع‪ :‬عامر‬
‫‪Date:‬‬ ‫التاريخ‪5102-7-01 :‬‬
‫الجامعة اإلسالمية – بغزة‬
‫عمادة الدراسات العليــا‬
‫كليـة الشريعة والقانـون‬
‫قسم الفقـ ــه المقارن‬

‫غياب الدولة اإلسالمية وأثره على أحكام العقوبات‬


‫يف الفقه اإلسالمي‬

‫إع ـداد الط ـالب‬


‫عامر كمال رشوان‬

‫إش ـ ـراف‬
‫فضيلة الدكتـور‪ /‬زيـاد إبراهيم مقــداد‬

‫قدمت هذه الرسالة استكماالً لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في الفقه المقارن‬
‫من كلية الشريعة والقانون بالجامعة اإلسالمية بغزة‪.‬‬

‫‪1463‬هـ ‪1015 -‬م‬


‫الفصل التمهيدي‬

‫الدولة اإلسالمية ومسئوليتها عن تطبيق العقوبات‬

‫ويشتمل على مبحثين‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم الدولة اإلسالمية ووظائفها‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مفهوم العقوبة ومسئولية الدولة عن تطبيقها‬

‫‪1‬‬
‫المبحث األول‬
‫مفهوم الدولة اإلسالمية ووظائفها‬

‫ويشتمل على مطلبين‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف الدولة اإلسالمية‬

‫المطلب الثاني‪ :‬وظائف الدولة اإلسالمية‬

‫‪2‬‬
‫المطلب األول‬
‫تعريف الدولة اإلسالمية‬

‫أوال‪ :‬تعريف الدولة اإلسالمية في اللغة‪:‬‬


‫ا‪-‬الدولة في اللغة‪:‬‬
‫الدولة في الحرب‪ ،‬وِاَّنما ُس ِّميا بذلك من قياس الباب؛ ّ‬
‫ألنه‬ ‫الدولة في المال و َّ‬ ‫الدولة لغتان‪ُّ :‬‬ ‫الدولة و ُّ‬ ‫َّ‬
‫فيتحول من هذا إلى ذاك‪ ،‬ومن ذاك إلى هذا‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫يتداولُونه‪،‬‬
‫أمر َ‬ ‫ٌ‬
‫‪1‬‬
‫واندل القوم‪ :‬تحولوا من مكان إلى مكان‪.‬‬
‫الش ْي ِء ِفي َيِد َه َذا تَ َارةً َوِفي َيِد َه َذا أ ْ‬ ‫صول َّ‬
‫‪1‬‬
‫ُخ َرى‪.‬‬ ‫وهي ُح ُ‬
‫ام‪ ،‬أي دارت‪ .‬واهلل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األي ُ‬
‫واإلدالَةُ‪ :‬الغلبةُ‪ .‬يقال‪ :‬اللهم أَدْلني على فالن وانصرني عليه‪ .‬ودالَت ّ‬
‫‪6‬‬
‫مرةً‪.‬‬
‫مرةً وهذه َ‬ ‫داولَتْهُ األيدي‪ ،‬أي أخ َذتْهُ هذه ّ‬ ‫ِ‬
‫ُيداولُها بين الناس‪ .‬وتَ َ‬
‫ون ُدولَ ًة ب ْي َن األْ ْغ ِني ِ‬
‫اء‬ ‫اس} َوقَ ْولُهُ‪َ { :‬ك ْي الَ َي ُك َ‬‫الن ِ‬ ‫و ِم ْن َذلِ َك قَ ْوله تَ َعالَى { َوِت ْل َك األْيَّام ُن َد ِ‬
‫اولُ َها َب ْي َن َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫‪4‬‬
‫تداوالً بين األغنياء دون الفقراء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫م ْن ُك ْم } [الحشر‪ .]7:‬أي يكون الفيء ُدولة أَي ُم َ‬
‫ف َكا َن ْت‬
‫ت َن َع ْم قَا َل فَ َك ْي َ‬
‫ال فَ َه ْل قَاتَ ْلتُ ُموهُ أ َْو قَاتَلَ ُك ْم ُق ْل ُ‬ ‫وفي حديث أبي سفيان مع قيصر الروم (ق َ‬
‫ت َكا َن ْت ُد َوًال َو ِس َج ًاال ُي َدا ُل َعلَ ْي َنا ا ْل َم َّرةَ َوُن َدا ُل َعلَ ْي ِه ْاأل ْ‬
‫‪5‬‬
‫ُخ َرى)‪.‬‬ ‫َح ْرُب ُه َو َح ْرُب ُك ْم ُق ْل ُ‬

‫‪3‬‬
‫‪-2‬االسالمية‪ :‬اإلسالم لغة‪ :‬هو االستسالم واالنقياد والخضوع واإلذعان‪.‬‬

‫واإلسالم في االصطالح الشرعي هو‪ ":‬االنقياد واإلذعان هلل تعالى‪ ،‬بامتثال أمره واجتناب نهيه من‬
‫جميــع الجهــات الــثالث أعنــي إذعــان القلــب وانقيــاده باالعتقــاد والقصــد‪ ،‬واذعــان اللســان وانقيــاده‬
‫باإلقرار‪ ،‬واذعان الجوارح وانقيادها بالعمل"‪.7‬‬
‫قــال الزحيلــي‪" :‬فهــو الــدين الســماوي الخــاتم الــذي ارتضــاه اهلل ســبحانه لجميــع البشــر‪ ،‬مــن لــدن دم‬
‫عليه السالم إلى خاتم األنبياء والمرسلين محمـد بـن عبـد اهلل صـلى اهلل عليـه وسـلم لهدايـة الثقلـين‪:‬‬

‫‪ - 1‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة ‪ ،252/2‬الجوهري‪ ،‬الصحاح في اللغة‪.323/4 ،‬‬
‫‪ - 2‬تهذيب اللغة ‪ ،175/14‬مقاييس اللغة ‪ ،314/2‬الصحاح في اللغة ‪ ،212/1‬الموسوعة الكويتية ‪.33/21‬‬
‫‪ - 3‬الجوهري‪ ،‬الصحاح في اللغة ‪.212/1‬‬
‫‪ - 4‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪252/11‬‬
‫ُّ‬
‫اس إِلَى ا ِإل ْسالَ ِم َوالنبُ َّو ِة‪،45/4 ،‬‬‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫صلى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسل َم الن َ‬ ‫َّ‬ ‫‪ - 5‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ِ ،‬كتَابُ ِ‬
‫الجهَا ِد َوال ِّسيَ ِر‪ ،‬بَابُ ُدعَا ِء النبِ ِّي َ‬
‫ح(‪.)2441‬‬
‫‪ -3‬لسان العرب (‪)224/12‬؛ المعجم الوسيط (‪ ،)443/1‬تهذيب اللغة (‪.)245/4‬‬
‫‪ - 7‬محمد األمين الشنقيطي‪ ،‬منهج التشريع اإلسالمي وحكمته‪ ،‬ص‪.5‬‬

‫‪3‬‬
‫اإلنــس والجــن‪ ،‬وتوحيــده ســبحانه وتعــالى توحيــداً خالص ـاً فــي ربوبيتــه وألوهيتــه وأســما ه وصــفاته‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫واإلذعان لمشي ته عن رضا واختيار‪ ،‬وتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه"‪.‬‬
‫ولقد أقام النبي‪-‬صلى اهلل عليه وسـلم‪ -‬فـي المدينـة دولـة اإلسـالم األولـى فكـان المسـلمون األولـون‬
‫من المهاجرين واألنصار هم شعب الدولة‪ ،‬والشريعة اإلسالمية هي نظامها‪ ،‬والمدينة هي إقليمها‪،‬‬
‫والنب ــي ص ــاحب الس ــلطان ال يش ــاركه في ــه س ــلطة أخ ــرى‪ ،‬والجماع ــة اإلس ــالمية تمث ــل الشخص ــية‬
‫المعنوية للدولة فيكون لها حقوق‪ ،‬وعليها التزامات‪ ،‬وتظل المعاهدات التـي يعقـدها الحـاكم األعلـى‬
‫‪1‬‬
‫نافذة المفعول ال تنتقض أو ال تنتهي بوفاته‪.‬‬

‫والدولة اإلسالمية‪ :‬هي في الواقع كيان سياسي قانوني يمارس السلطة السياسية على مجموعات‬
‫وتنبع أهمية هذا التحديد لوحدة التحليل من أن بعض الباحثين‬
‫من األفراد في إقليم معين‪ُ ،‬‬
‫يخلطون بين مفهومي الدولة اإلسالمية والعالم اإلسالمي‪ ،‬وهما وحدتان مختلفتان للتحليل؛ فالدولة‬
‫اإلسالمية هي كيان سياسي ‪ -‬قانوني‪ ،‬قد يضم بعض الشعوب واألقليات غير اإلسالمية‪ ،‬كما‬
‫هو الحال في مصر والسودان‪.‬‬
‫أما مفهوم العالم اإلسالمي‪ ،‬فإنه ينصرف إلى الوجود اإلسالمي في كل مناطق العالم‪ ،‬بصرف‬
‫يتم في إطار دولة إسالمية أو غير إسالمية‪ ،‬ومن ثم فإن دراسةَ‬
‫النظر عما إذا كان الوجود ُّ‬
‫ٍ‬
‫أقليات‬ ‫ت‬‫ضم ْ‬‫الدولة اإلسالمية تَعني دراسة الدولة التي يمكن تعريفُها بأنها إسالمية‪ ،‬حتى ولو َّ‬
‫‪6‬‬
‫غير إسالمية‪ ،‬أما دراسة العالم اإلسالمي‪ ،‬فإنها تنصرف إلى دراسة المسلمين أينما ُو ِجدوا‪.‬‬
‫َ‬

‫ثانياً‪ :‬تعريف الدولة اإلسالمية في االصطالح‪:‬‬


‫‪ -1‬فـــي اصـــطالح الفقهـــاء القـــدماء‪ :‬ل ــم ي ــرد اس ــتعمال الفقه ــاء مص ــطل الدول ــة كمص ــطل‬
‫خاص‪ ،‬ولكن ورد استعماله في بعـض كتـب السياسـة الشـرعية واألحكـام السـلطانية‪ ،‬حيـث‬
‫تكلم الفقهاء عن اختصاصـات الدولـة‪ ،‬وادراجهـا ضـمن اختصاصـات وصـالحيات اإلمـام‪،‬‬
‫حيث اعتبروا أن الدولة ممثلة في شخص اإلمام أو الخليفة وما يتبعه من واليات وحقـوق‬
‫وواجبات‪.‬‬
‫وهذه بعض التعريفات للعلماء القدامى لمصطل الدولة‪ ،‬أو(اإلمامة)‪ ،‬كما عبروا عنه‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫فقد عرفها ا ْل َم َاو ْرِدي‪( :‬اإلمامة موضوعة لخالفة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا به)‪.‬‬

‫‪ - 1‬الزحيلي‪ ،‬الفقه اإلسالمي وأدلته‪.413/2 ،‬‬


‫‪ - 2‬الزحيلي‪ ،‬الفقه اإلسالمي وأدلته‪.413/2 ،‬‬
‫‪ - 3‬محمد أحمد علي مفتي‪ ،‬مقال في شبكة األلوكة‪ ،‬تاريخ المشاهدة‪2113/5/12 :‬م‪ ،‬برابط‪:‬‬
‫‪http://www.alukah.net/culture/0/54655/#ixzz3GCQ7Bbph‬‬
‫‪ -4‬الماوردي‪ ،‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص ‪.15‬‬

‫‪4‬‬
‫ولعله نظر في تعريفها إلى مسألة المستند أو المرجعية التي تؤوب إليها كأهم ما يميزها‪ ،‬فبـين أن‬
‫مســتندها ومرجعيته ـا الش ـريعة ألنهــا خالفــة النبــوة‪ ،‬ثــم بــين وظا فهــا أو مهامهــا فــذكر أنهــا تشــمل‬
‫ح ارسـة الـدين‪ ،‬وسياســة الـدنيا بالـدين‪ ،‬فالــدين هـو األصــل‪ ،‬فالمهـام التـي أنيطــت باإلمـام أو الحــاكم‬
‫فــي الدولــة اإلســالمية هــي اقامــة الــدين‪ ،‬وانفــاذ األحكــام الشــرعية‪ ،‬وتصـريف شـ ون األمــة‪ ،‬وحمايــة‬
‫أفرادها وبالدها‪ ،‬ورعاية ذلك‪.‬‬

‫وعرفها أبو المعالي الجويني‪ " :‬اإلمامة رياسة تامة‪ ،‬وزعامة تتعلق بالخاصة والعامة فـي مهمـات‬
‫‪1‬‬
‫الدين والدنيا "‪.‬‬
‫ولعلـه نظـر فــي تعريفـه إلــى مسـألة مــدى واتسـاع صــالحياته فبـين أنهــا رياسـة تامــة وزعامـة عامــة‪،‬‬
‫تتعلق بالخاصة والعامة‪ ،‬وأن متعلقها مهمات الدين والدنيا‪.‬‬

‫وعرفها ابن تيمية ‪:‬بقوله‪" :‬المقصود الواجب بالواليات إصالح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا‬
‫خس ـرانا مبينــا‪ ،‬ولــم يــنفعهم مــا نعم ـوا بــه مــن الــدنيا‪ ،‬واصــالح مــا ال يقــوم الــدين إال بــه مــن أمــر‬
‫‪1‬‬
‫دنياهم"‪.‬‬
‫أمـــا العالمـــة ابـــن خلـــدون فيعرفهــا بقولــه‪ ":‬هــي حمــل الكافــة علــى مقتضــى النظــر الشــرعي فــي‬
‫مصالحهم األخروية والدنيوية الراجعة إليهـا‪ ،‬إذ أحـوال الـدنيا ترجـع كلهـا عنـد الشـارع إلـى اعتبارهـا‬
‫‪6‬‬
‫بمصال اآلخرة‪ ،‬فهي في الحقيقة خالفة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به"‪.‬‬

‫‪-2‬أما تعريف الدولة اإلسالمية عند الفقهاء المعاصرين‪:‬‬


‫تعـددت تعريفـات الدولـة اإلسـالمية عنــد الفقهـاء المعاصـرين‪ ،‬فمـنهم مــن أطـال وفصـل فـي تعريفــه‪،‬‬
‫ومنهم من أختصر وأجمل‪ ،‬وأكتفي بذكر تعريفين من هذه التعاريف‪:‬‬
‫‪-1‬عرفهــا تقــي الــدين النبهــاني‪ ":‬الدولــة اإلســالمية هــي خليفــة يطبــق الشــرع‪ ،‬وهــي كيــان سياســي‬
‫تنفيــذي لتطبيــق أحكــام اإلســالم وتنفيــذها‪ ،‬ولحمــل دعوتــه رســالة إلــى العــالم بالــدعوة والجهــاد‪ .‬وهــي‬
‫الطريقة الوحيدة التي وضعها اإلسالم لتطبيق أنظمته وأحكامـه العامـة فـي الحيـاة والمجتمـع‪ ،‬وهـي‬
‫ِق ـوام حيــاة اإلســالم فــي الحيــاة‪ ،‬وبــدونها َيغــيض اإلســالم كمبــدأ ونظــام للحيــاة مــن الوجــود‪ ،‬ويبقــى‬
‫‪4‬‬
‫وصفات ُخلقية‪ .‬لذلك فهي دا مية‪ ،‬وليست مؤقتة"‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مجرد طقوس روحية‪،‬‬

‫‪ -1‬الجويني‪ ،‬غياث األمم في التياث الظلم‪ ،‬ص ‪.22‬‬


‫‪-2‬ابن تيمية‪ ،‬مجموع الفتاوى‪.232/22 ،‬‬
‫‪ - 3‬ابن خلدون‪ ،‬المقدمة‪ ،‬صفحة ‪.141‬‬
‫‪ - 4‬النبهاني‪ ،‬نظام الحكم في اإلسالم‪ ،‬صفحة ‪.12‬‬

‫‪5‬‬
‫ينصــب ه ــذا التعريــف عل ــى جع ــل العقيــدة ه ــي أس ــاس نظــام الدول ــة اإلس ــالمية‪ ،‬ويتمثــل ه ــذا ف ــي‬
‫تطبيقها في الحياة والمجتمع‪.‬‬
‫‪-1‬عرف أبو األعلى المودودي ‪-‬الدولة اإلسالمية تعريفًا شرعيًّا بأنها‪" :‬الدولة التي تتسم‬
‫شيء من‬ ‫ثالث‪ :‬السلطة الحقيقية في الدولة هلل تعالى‪ ،‬ليس ألحد من دون اهلل‬‫بخصا ص ٍ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫التشريع‪ ،‬وتحكم بما أنزل اهلل"‪.1‬‬
‫التعريف المختار‪:‬‬
‫والمختار من هذه التعريفات ما ذكره أبو األعلى المودودي‪ ،‬ألنه ينص على حقيقة الدولة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وما تقوم عليه من عقيدة ومنهج‪ ،‬وعلى دورها في جعل عقا د اإلسالم منهج حياة‬
‫ألمة اإلسالم‪ ،‬ودعوة لغيرها‪.‬‬
‫ومما تقدم من تعريفات العلماء‪ ،‬لمفهوم الدولة اإلسالمية‪ ،‬جميعها ركزت ونصت على أمرين‬
‫مهمين‪ ،‬األول‪ :‬إقامة الدين‪ ،‬والثاني‪ :‬سياسة الدنيا بالدين بإنفاذ األحكام الشرعية‪.‬‬
‫بمعنى أن إقامة الدين أساس‪ ،‬وأن سياسة الدنيا به بناء وتشييد على هذا األساس‪.‬‬
‫فهي عالقة ترابط وتالزم‪ ،‬ويجب األخذ بهما جميعاً في وقت واحد‪ ،‬وال يجوز وال يصل الفصل‬
‫بينهما‪ ،‬ألن ذلك يرجع بالهدم لهذا البناء المتكامل‪.‬‬
‫فمن هنا يتجلى لنا بالتجربة والبرهان‪ ،‬أن كل من نادى وطبق سياسة الدولة بمعزل عن الدين‪،‬‬
‫بحجة أن تطور وتقدم الدنيا يحتاج الى سياسة حديثة‪ ،‬وأن الدين ال يساير هذه الحداثة‪ ،‬فقد‬
‫وبناء على هذا قاموا باستيراد القوانين واألنظمة‬
‫ً‬ ‫خالف مفهوم الدولة اإلسالمية وخالف مباد ها‪،‬‬
‫الوضعية من مجتمعات الغرب‪ ،‬التي ال تدين دين الحق‪ ،‬وفرضها على البالد ذات المنهج‬
‫اإلسالمي‪.‬‬

‫‪_3‬تعريف الدولة في القانون الدولي العام‬


‫الدولة في القانون بمعناها الواسع هي تجمع بشري مرتبط بإقليم محدد يسوده نظام اجتماعي‬
‫وسياسي وقانوني موجه لمصلحته المشتركة‪ ،‬تسهر على المحافظة على هذا التجمع سلطة مزودة‬
‫‪1‬‬
‫بقدرات تمكنها من فرض النظام ومعاقبة من يهدده بالقوة‪.‬‬
‫يبين من هذا التعريف للدولة أن اصطالح الدولة ينطبق عندما تجتمع العناصر األربعة التالية‪:‬‬
‫‪-1‬إقليم يرتبط به التجمع البشري‪.‬‬ ‫‪-1‬تجمع بشري‪.‬‬
‫‪-4‬نظام اجتماعي واقتصادي وسياسي وقانوني يتمسك المتجمع‬ ‫‪-6‬سلطة توجه المجتمع‪.‬‬
‫بتحقيقه‪.‬‬

‫‪ - 1‬أبو األعلى المودودي‪ ،‬نظرية اإلسالم السياسية‪ ،‬صفحة‪.14‬‬


‫‪ - 2‬سعاد الشرقاوي‪ ،‬النظم السياسية في العالم المعاصر‪ ،‬صفحة ‪.11‬‬

‫‪3‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫وظائف الدولة اإلسالمية‬

‫إن المهام المنوطة بالدولة ثقيلة‪ ،‬ألنها تتولى تسيير أمور األمة في شتى المجاالت‪ ،‬وتتمثل في‬
‫أصلين‬
‫هما محور أعمال الدولة اإلسالمية‪ :‬إقامة الدين‪ ،‬وسياسة الدنيا به‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ":‬يجب أن يعرف أن والية أمر الناس من أعظم واجبات الدين؛ بل‬
‫ال قيام للدين وال للدنيا إال بها‪ .‬فإن بني دم ال تتم مصلحتهم إال باالجتماع لحاجة بعضهم إلى‬
‫‪1‬‬
‫بعض وال بد لهم عند االجتماع من رأس"‪.‬‬
‫وألن والية أمر الناس من أعظم واجبات الدين‪ ،‬فهي والبد أمر ثقيل يحتاج إلى عزيمة كبيرة‪،‬‬
‫وارادة قوية‪ ،‬للقيام بواجباتها على أكمل وجه‪ .‬لذلك من قام بهذا الواجب العظيم وأدى ما عليه‬
‫فيه‪ ،‬نال خيري الدنيا واآلخرة‪ ،‬وكان في ظل عرش الرحمن يوم ال ظل إال ظله‪.‬‬
‫ولذلك جاء في الصحيحين‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال‪ " :‬سبعة يظلهم‬
‫اهلل في ظله‪ ،‬يوم ال ظل إال ظله‪ "...‬وذكر منهم‪ ":‬اإلمام العادل‪.1"...‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عمر‪ ،‬رضي اهلل عنهما‪ :‬أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬قال‪« :‬أَالَ ُكل ُك ْم‬
‫س ُئو ٌل َع ْن َرِعي َِّت ِه‪َ ،‬وا َّلر ُج ُل‬ ‫اع َو ُه َو َم ْ‬‫اس َر ٍ‬ ‫اإلمام الَِّذي َعلَى َّ‬
‫الن ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫س ُئو ٌل َع ْن َرعيَّته‪ ،‬فَ َ ُ‬ ‫اع َو ُكل ُك ْم َم ْ‬ ‫َر ٍ‬
‫َه ِل َب ْي ِت َز ْو ِج َها‪َ ،‬و َولَِد ِه َو ِه َي‬ ‫الم ْأرَةُ َار ِع َي ٌة َعلَى أ ْ‬ ‫ِ ِِ‬
‫س ُئو ٌل َع ْن َرعيَّته‪َ ،‬و َ‬
‫اع علَى أ ْ ِ ِ‬
‫َه ِل َب ْيته‪َ ،‬و ُه َو َم ْ‬ ‫َر ٍ َ‬
‫ال ِ ِ‬
‫س ُئو ٌل‬ ‫اع َو ُكل ُك ْم َم ْ‬ ‫س ُئو ٌل َع ْن ُه‪ ،‬أَالَ فَ ُكل ُك ْم َر ٍ‬ ‫اع َعلَى َم ِ َ‬
‫س ِّيده َو ُه َو َم ْ‬ ‫الر ُج ِل َر ٍ‬
‫س ُئولَ ٌة َع ْن ُه ْم‪َ ،‬و َع ْب ُد َّ‬
‫َم ْ‬
‫َع ْن َرِعي َِّت ِه»‪.6‬‬
‫ومن أهم الواجبات المنوطة بالدولة‪ ،‬والتي ذكرها العلماء في كتبهم‪ ،‬ما يلي‪:‬‬
‫عدد الماوردي‪ ،‬وكذلك القاضي أبو يعلى الفراء‪ ،‬واجبات الخليفة أو اإلمام بما يعتبر أساسا‬
‫لكثير من وظا ف الدولة اإلسالمية‪ ،‬ففي األحكام السلطانية للماوردي يقول‪:‬‬
‫"والذي يلزم اإلمام من األمور العامة عشرة أشياء‪:‬‬

‫‪ - 1‬ابن تيمية‪ ،‬مجموع الفتاوى‪.341/22 ،‬‬


‫صالَةَ َوفَضْ ِل ال َم َسا ِج ِد‪ ،133/1 ،‬حديث(‪ ،)331‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬ ‫ْ‬
‫س فِي ال َم ْس ِج ِد يَنتَ ِظ ُر ال َّ‬ ‫‪ - 2‬متفق عليه‪ ،‬البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬بابُ َم ْن َجلَ َ‬
‫ص َدقَ ِة‪ ،715/2،‬حديث(‪.)1131‬‬ ‫كتاب الزكاة‪ ،‬بَابُ فَضْ ِل إِ ْخفَا ِء ال َّ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫‪ - 3‬متفق عليه‪ ،‬البخاري‪ ،‬كتاب األحكام‪ ،‬بَابُ قوْ ِل هللاِ ت َعالى‪َ {:‬وأ ِطيعُوا هللاَ َوأ ِطيعُوا الرسُو َل َوأولِي األ ْم ِر ِمنك ْم[ لالنساء‪،32/4 ]54 :‬‬
‫اإل َم ِام ْال َعا ِد ِل‪ ،1454/3 ،‬حديث(‪.)1224‬‬ ‫ضيلَ ِة ْ ِ‬
‫حديث(‪ ،)7132‬ومسلم‪ ،‬كتاب اإلمارة‪ ،‬بَابُ فَ ِ‬

‫‪7‬‬
‫األول‪ :‬حفظ الدين على أصوله المستقرة‪ ،‬وما أجمع عليه سلف األمة‪ ،‬فإن نجم مبتدع‪ ،‬أو زاغ‬
‫ذو شبهة عنه أوض له الحجة وبين له الصواب وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود‪ ،‬ليكون‬
‫‪1‬‬
‫الدين محروسا من خلل‪ ،‬واألمة ممنوعة من زلل"‪.‬‬
‫ويتم ذلك بحفظه‪ ،‬والعمل به‪ ،‬والدعوة إليه‪ ،‬وتعليمه‪ ،‬ودفع الشبه عنه‪ ،‬وحمل الناس عليه‪ ،‬وتنفيذ‬
‫أحكامه وحدوده‪ ،‬والجهاد في سبيل اهلل‪ ،‬والحكم بين الناس بما أنزل اهلل‪.‬‬
‫والجانب اآلخر من مسئولية اإلمام في حفظ ونشر الدين بالقوة إذا تعينت لذلك األمر‪ ،‬في‬
‫ام اْلقَ َّو ُام على‬ ‫ِ‬
‫داخل الدولة وخارجها‪ .‬وفي هذا يقول أبو المعالي الجويني إمام الحرمين‪َ ":‬و ْاإل َم ُ‬
‫أهل اإلسالم مأمور باستعمال منهاج الحجاج في أحسن الجدال‪ ،‬فإن نجع‪ ،‬واال ترقى إلى أعمال‬
‫األبطال المصطلين بنار القتال‪ ،‬فللدعاء إلى الدين الحق مسلكان‪ :‬أحدهما‪ :‬الحجة وايضاح‬
‫المحجة‪ ،‬والثاني‪ :‬االقتهار بغرار السيوف‪ ،‬وايراد الجاحدين الجاهدين مناهل الحتوف"‪.1‬‬

‫الثاني‪ :‬تنفيذ األحكام بين المتشاجرين‪ ،‬وقطع الخصام بين المتنازعين َحتَّى تَ ُع َّم النَّ َ‬
‫صفَةُ‪ ،‬فال‬
‫يعتدي ظالم وال يضعف مظلوم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬حماية البيضة والذب عن الحريم‪ ،‬ليتصرف الناس بالمعايش وينتشروا في األسفار منين‬
‫من تغرير بنفس أو مال‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬إقامة الحدود‪ ،‬لتصان محارم اهلل تعالى عن االنتهاك‪ ،‬وتحفظ حقوق عباده من إتالف أو‬
‫استهالك‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬تحصين الثغور بالعدة المانعة‪ ،‬والقوة الدافعة‪ ،‬حتى ال تظفر األعداء بغرة ينتهكون‬
‫فيها محرما أو يسفكون لمسلم أو معاهد دما‪.‬‬
‫السادس‪ :‬جهاد من عاند اإلسالم بعد الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمة‪ ،‬ليقام بحق اهلل‬
‫تعالى في إظهاره على الدين كله‪.‬‬
‫السابع‪ :‬جباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع نصا أو اجتهادا‪ ،‬من غير خوف وال‬
‫‪6‬‬
‫عسف‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س َك ٌن لَ ُه ْم‬ ‫ص ِّل َعلَ ْي ِه ْم إِ َّن َ‬
‫صالتَ َك َ‬ ‫ط ِّه ُرُه ْم َوتَُزِّكي ِه ْم ِبها َو َ‬ ‫قال اهلل تعالى‪ُ { :‬خ ْذ م ْن أ َْموال ِه ْم َ‬
‫ص َدقَ ًة تُ َ‬
‫يم } [التوبة‪.]106 :‬‬ ‫ِ‬ ‫واللَّ ُه ِ‬
‫سميعٌ َعل ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الثامن‪ :‬تقدير العطايا وما يستحق في بيت المال من غير سرف وال تقتير ودفعه في وقته ال‬
‫تقديم فيه وال تأخير‪.‬‬

‫‪- 1‬الماوردي‪ ،‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص‪ ،41‬وبالنص نفسه في األحكام ألبي يعلى الفراء ص‪27‬و‪.22‬‬
‫‪- 2‬الجويني‪ ،‬غياث األمم في التياث الظلم‪( ،‬ص ‪.)143-145‬‬
‫‪ - 3‬الماوردي‪ ،‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص ‪15‬و‪ ،13‬وبالنص نفسه في األحكام ألبي يعلى الفراء ص‪27‬و‪.22‬‬

‫‪2‬‬
‫التاسع‪ :‬استكفاء األمناء وتقليد النصحاء فيما يفوض إليهم من األعمال‪ ،‬ويكله إليهم من‬
‫األموال‪ ،‬لتكون األعمال مضبوطة واألموال باألمناء محفوظة‪.‬‬
‫العاشر‪ :‬أن يباشر بنفسه مشارفة األمور وتصف األحوال لينهض بسياسة األمة وحراسة الملة‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وال يعول على التفويض‪ ،‬تشاغال بلذة أو عبادة‪ ،‬فقد يخون األمين ويغش الناص "‪.‬‬

‫هذه هي أهم وظا ف الدولة اإلسالمية‪ ،‬فاألولى هي الوظيفة الدينية‪ ،‬والثالثة والخامسة والسادسة‬
‫هي الوظيفة الدفاعية‪ ،‬والثانية والرابعة هي الوظيفة القضا ية‪ ،‬والسابعة والثامنة هي الوظيفة‬
‫المالية‪ ،‬والتاسعة والعاشرة هي الوظيفة اإلدارية‪.‬‬
‫ويمكن تصنيف هذه الوظا ف على نحو خر وتقسيمها إلى وظيفتين‪ :‬داخلية وخارجية‪.‬‬
‫الوظيفة األولى‪ :‬وظيفة الدولة في الداخل وذلك بما يلي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬تأمين مصالح المجتمع وذلك عن طريق‪:‬‬
‫‪ -1‬الحقوق اإلدارية‪ :‬وهي المتعلقة بتنفيذ القوانين وادارة الدولة ومختلف مرافقها العامة مع‬
‫تعرض فقهاؤنا لها فيما ذكره‬‫ما يتبع ذلك من حق تعيين وعزل الموظفين‪ .‬وهذه الحقوق ّ‬
‫‪1‬‬
‫الماوردي من وظا ف (اإلمام) العشرة‪ ،‬وال سيما األخيرتان منها‪.‬‬
‫قال الدهلوي‪ ":‬إن أمهات المقاصد أمور‪ ،‬منها‪ :‬تدبير المدينة وسياستها من الحراسة والقضاء‬
‫واقامة الحدود والحسبة‪ .‬ومنها‪ :‬منافع مشتركة ككري األنهار وبناء القناطر ونحو ذلك"‪.6‬‬

‫‪ -1‬الحقوق القضائية‪ :‬كحق العفو الخاص والعام‪ ،‬وكحق التصديق على بعض األحكام‪،‬‬
‫وهذا من حيث المبدأ قد ذكره الماوردي في الوظيفة الثانية والرابعة‪ ،‬والسلطة القضا ية‬
‫فهي التي تفسر القانون وتطبقه على الوقا ع التي تعرض عليها في الخصومات‪ .‬وهذه‬
‫‪4‬‬
‫هي مهمة القاضي في اإلسالم حيث إنه يقوم بتنفيذ أحكام الشريعة بكل دقة وأمانة‪.‬‬

‫‪ - 1‬الماوردي‪ ،‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص‪ ،41‬وبالنص نفسه في األحكام ألبي يعلى الفراء ص‪27‬و‪.22‬‬
‫اإلسالمي وأدلَّتُهُ‪.432/2 ،‬‬
‫ُّ‬ ‫الز َح ْيلِي‪ ،‬الفِ ْقهُ‬
‫‪ُّ - 2‬‬
‫‪ - 3‬الدهلوي‪ ،‬حجة هللا البالغة‪.274/2 ،‬‬
‫اإلسالمي وأدلَّتُهُ‪.434-432/2 ،‬‬
‫ُّ‬ ‫الز َح ْيلِي‪ ،‬الفِ ْقهُ‬
‫‪ُّ - 4‬‬

‫‪4‬‬
‫أهم وظائف الدولة الداخلية من حيث الوظائف اإلدارية والقضائية وهي ما يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬المحافظة على األمن والنظام‪ ،‬واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ :‬وذلك بالقيام بواجب‬
‫األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليتحقق المقصد األساسي للشريعة‪ :‬وهو إصالح‬
‫المجتمع‪ ،‬أي الحياة االجتماعية إصالحاً جذرياً على نحو يستقر فيه األمن العام‪.‬‬
‫‪ -1‬تنظيم القضاء واقامة العدل‪ :‬وهو تحقيق مصال الناس ورفع الضرر عنهم‪ ،‬وذلك بإقامة‬
‫التوازن والعدل فيما بينهم‪ ،‬ومنع تعدي بعضهم على بعض‪ ،‬ومن أهم ضوابط العدل هو‬
‫تنفيذ أحكام شريعة اهلل دون تفرقة بين الحاكم والمحكومين‪ ،‬ألن الكل خاضعون لحكم‬
‫اهلل‪.‬‬
‫‪ -6‬إدارة المرافق العامة‪ :‬وهي أن تقوم الدولة نفسها بإدارة المرافق العامة‪ ،‬كالمساجد‬
‫والمدارس والمشافي والجسور والبريد والدفاع والعشور (الجمارك) والري وتوريد المياه‬
‫ونحوها‪ ،‬مستعينة في ذلك بأموالها وموظفيها‪.‬‬
‫‪ -4‬اإلعداد لحماية الدولة والدعوة لتدريب الشعب وتصنيع األسلحة‪ :‬إن من أول واجبات‬
‫الدولة‪ ،‬هو الدفاع عن كيان الدولة وتحصين الثغور‪ ،‬وحماية الرعية‪ ،‬واعداد العدة‬
‫المال مة والقوة الضاربة وتدريب المقاتلة‪ ،‬وتعلم فنون الحرب وكيفية استخدام السالح‬
‫‪1‬‬
‫المناسب للزمان والمكان‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬االلتزام بخصائص الدولة اإلسالمية وتحقيق أهدافها‪:‬‬


‫وهي أن الدولة اإلسالمية مقيدة بشريعة اهلل القا مة على العدل والخير والقوة والنظام‪ ،‬والدعوة إلى‬
‫اإلقرار بعقيدة التوحيد‪ ،‬واإليمان بجميع الرسل واألنبياء‪ ،‬وغاية الدولة اإلسالمية وهدفها األسمى‪،‬‬
‫هو تحقيق نظام العدالة االجتماعية الذي أمر به اهلل تعالى‪ ،‬أي إقامة نظام اإلنسانية العادل على‬
‫أساس ما أنزل‪ ،‬وأبانه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫‪ - 1‬انظر‪ :‬وظائف الدولة تفصيالً في‪ ،‬الفقه اإلسالمي وأدلته‪.527-471/2 ،‬‬

‫‪11‬‬
‫الوظيفة الثانية‪ :‬وظيفة الدولة الخارجية‪ :‬وتتجلى وظا ف الدولة المسلمة في هذا المضمار في‬
‫النواحي اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬الدفاع عن أراضي اإلسالم وتحرير شعوبه وحماية أقلياته‪.‬‬
‫‪ -1‬دعم التعاون بين أقاليم الدولة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -6‬الدعوة إلى اإلسالم‪ :‬وواجب الدولة اإلسالمية أصيل في هذا المجال‪ ،‬باعتبار أن ولي‬
‫األمر يمثل جانب الخالفة عن الرسول عليه السالم في هذا الشأن‪.‬‬
‫‪ -4‬دفع شبهات أعداء اإلسالم‪ :‬إن من أهم واجبات والة األمور هو المحافظة على الدين‬
‫وعقا ده‪ ،‬وايضاح الشبهات وحل المشكالت ورد المفتريات وتزييف البدع‪ ،‬كما ذكر‬
‫‪1‬‬
‫الماوردي في واجبات اإلمام التي سبق ذكرها‪.‬‬
‫ما هي صفة ومواصفات الدولة اإلسالمية الحقة‪ ،‬التي يجب علينا مواالتها ونصرتها‪ ،‬ويحرم‬
‫علينا بغضها وعصيانها والخروج عليها؟‬
‫اموا‬ ‫اه ْم ِفي ْاأل َْر ِ‬
‫ض أَقَ ُ‬ ‫إن الجواب على ذلك هو ما وضحه اهلل تعالى بقوله‪{ :‬الَِّذ َ‬
‫ين إِ ْن َم َّك َّن ُ‬
‫ِ َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ور} [الحج‪.]14:‬‬ ‫ُم ِ‬‫َم ُروا ِبا ْل َم ْع ُروف َوَن َه ْوا َع ِن ا ْل ُم ْن َك ِر َولله َعاق َب ُة ْاأل ُ‬ ‫الص َالةَ َوآَتَُوا َّ‬
‫الزَكاةَ َوأ َ‬ ‫َّ‬
‫وقد شرح العلماء صفات هذه الدولة‪ ،‬التي تجب مواالتها وتحرم معاداتها‪ ،‬بأنها هي التي تتوفر‬
‫‪1‬‬
‫فيها هذه الصفات التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون الحكم الحقيقي فيها من حيث التشريع والتكوين هلل وحده‪.‬‬
‫‪ -1‬أن ال يكون فيها قانون خاص أو عام يخالف الكتاب والسنة‪ ،‬وأن ال يصدر أي أمر‬
‫إداري يخالف التشريع اإللهي‪.‬‬
‫ِ‬
‫أساس‬ ‫ٍ‬
‫أساس إقليمي أو عرقي‪ ،‬وانما تقوم على‬ ‫‪ -6‬أن ال ترتكز الدولة في قيامها على‬
‫شمولية اإلسالم وعالميته للناس عامة‪.‬‬
‫‪ -4‬أن تأمر الدولة بالمعروف فتنشر الصفات الحسنة‪ ،‬وتنهى عن المنكر فتستأصل‬
‫الصفات السي ة‪ ،‬وتعمل على إحياء شعا ر اإلسالم واعال ها بواسطة التعليم اإلسالمي‬
‫الحق‪ ،‬وبواسطة وسا ل االتصال بالناس في الوسا ل المتعددة‪ ،‬مع محاربة اإللحاد‬
‫والمبادئ الضالة وكشف عورتها‪.‬‬
‫‪ -5‬أن تعمل الدولة على وحدة المسلمين في العالم أجمع قوالً وفعالً وأن تكون معهم كالجسد‬
‫الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سا ر الجسد بالسهر والحمى‪.‬‬
‫‪ -3‬أن تكفل الدولة الحاجات الالزمة ألفراد األمة فيها‪ ،‬من مأكل وملبس ومسكن وعالج‬
‫قادر عليه‪ ،‬أو عجز عنه‬
‫وتعليم‪ ،‬وخاصة من كان غير أهل الكتساب الرزق‪ ،‬أو لم يعد ًا‬

‫‪ - 1‬انظر‪ :‬وظائف الدولة تفصيالً في‪ ،‬الفقه اإلسالمي وأدلته‪.527-471 /2 ،‬‬


‫‪ - 2‬محماس الجلعود‪ ،‬الموالة والمعاداة في الشريعة اإلسالمية‪.57/2 ،‬‬

‫‪11‬‬
‫كليا كالعمى أو‬
‫عجز ً‬
‫عجز مؤقتًا لسبب من األسباب النازلة كالبطالة أو المرض‪ ،‬أو ًا‬
‫ًا‬
‫الشلل أو نحو ذلك‪ ،‬من غير أن يفرق بين الناس من أجل مراكزهم االجتماعية أو‬
‫سالالتهم العرقية‪.‬‬
‫‪ -7‬أن يتمتع أهل البالد في حدود األحكام اإلسالمية بجميع الحقوق‪ ،‬التي منحتها إياهم‬
‫الشريعة اإلسالمية‪ ،‬من حماية النفس والمال والعرض وحرية العبادة‪ ،‬والحرية الشخصية‬
‫وحرية إبداء الرأي‪ ،‬وحرية التنقل وحرية االجتماع‪ ،‬وحرية اكتساب الرزق بالطرق‬
‫المباحة‪ ،‬والمساواة في فرص العمل والترقي‪ ،‬واالستفادة من المؤسسات االجتماعية بال‬
‫تمييز‪.‬‬
‫‪ -8‬أن ال يسلب أحد من سكان الدولة حقًا من هذه الحقوق‪ ،‬إال إذا كان له مسوغ شرعي في‬
‫الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وال يعاقب أحد على ذنب أو جريمة‪ ،‬إال بعد ما يسم له بالدفاع عن‬
‫نفسه‪ ،‬وتحكم عليه محكمة شرعية عادلة‪ ،‬بعد استنادها على النص والدليل من كتاب‬
‫اهلل‪ ،‬أو سنة رسوله ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أو إجماع أو قياس معتبر شرًعا عند‬
‫علماء األصول وفقهاء األمة‪.‬‬
‫كر عدالً‪ ،‬يعتمد الجمهور أو ممثلوهم على تدينه وكفاءته‬
‫مسلما ذ ًا‬
‫ً‬ ‫‪ -9‬أن يكون ر يس الدولة‬
‫وسداد رأيه‪.‬‬
‫‪-10‬أن يكون ر يس الدولة هو المس ول الحقيقي عن تسيير ش ون الدولة‪ ،‬غير أنه يجوز له أن‬
‫جانبا من صالحياته إلى فرد أو جماعة يوثق بدينها وأمانتها‪.‬‬
‫يفوض ً‬
‫‪-11‬أن ال يستبد ر يس الدولة باألمر إنما ُيسير أمر الحكومة على منهاج الشورى‪ ،‬في مشاورة‬
‫أهل العلم الذين هم أهل الحل والعقد في األمة‪.‬‬
‫كليا أو جز ًيا‪ ،‬ويستبد بالحكم من دون أهل الشورى‪.‬‬
‫‪-11‬أن ال يعطل ر يس الدولة أحكام الشرع ً‬
‫‪-16‬أن يكون للجماعة حق انتخاب ر يس الدولة‪ ،‬وحق عزله عن منصبه بأغلبية أهل العلم‬
‫الشرعي‪ ،‬من أهل الحل والعقد في األمة كما قرر اإلسالم ذلك‪.‬‬
‫محصنا‬
‫ً‬ ‫مساويا لجمهور المسلمين في الحقوق والواجبات وأن ال يكون‬
‫ً‬ ‫‪-14‬أن يكون ر يس الدولة‬
‫من أن تجرى عليه األحكام الشرعية‪.‬‬
‫‪-15‬أن يكون ألعضاء الحكومة وعمالها وعامة من يسكنها نظام واحد‪ ،‬وال ينفذه فيهم إال‬
‫المحاكم الشرعية في البالد‪.‬‬
‫‪-13‬أن تكون الهي ة القضا ية في الدولة منفصلة عن الهي ة التنفيذية‪ ،‬ومستقلة عنها في إصدار‬
‫األحكام‪ ،‬حتى ال تتأثر في القيام بواجباتها بما للهي ة اإلدارية من السلطة‪.‬‬
‫‪-17‬أن ال يقبل في الدولة تفسير شيء من األحكام بما يخالف الكتاب والسنة‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪-18‬أن ال يسم بالنشر أو الدعوة إلى األفكار والنظريات‪ ،‬التي تناقض المبادئ األساسية‬
‫للدعوة اإلسالمية‪ ،‬والتي تهدد األمة اإلسالمية بالفساد واالضطراب‪.‬‬

‫عالما‪ ،‬من علماء األمة اإلسالمية‪ ،‬على صحة‬


‫هذه أهم الشروط التي اشترطها واحد وثالثون ً‬
‫«قيام الدولة اإلسالمية»‪ ،‬وجواز تسميتها بهذا االسم‪ ،‬إذا توفرت فيها جميع تلك الشروط‪.‬‬
‫وذلك في أثناء انعقاد مؤتمر بهذا الخصوص‪ ،‬في كراتشي في الفترة من ‪- 11‬إلى ‪ 15‬من شهر‬
‫ربيع اآلخر سنة (‪1670‬هـ) الموافق (‪- 11‬إلى ‪- 14‬من يناير سنة ‪1951‬م)‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫مفهوم العقوبة ومسئولية الدولة عن تطبيقها‬

‫ويشتمل على ثالثة مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم العقوبة‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أنواع العقوبات في اإلسالم والغاية منها‬

‫المطلب الثالث‪ :‬مسئولية الدولة عن تطبيق العقوبات‬

‫‪14‬‬
‫المطلب األول‬
‫مفهوم العقوبة‬

‫أوالً‪ :‬في اللغة‪ :‬هي الجزاء على الذنب‪ ،‬والعقاب والمعاقبة هي أن تجزى الرجل بما فعل من ٍ‬
‫ذنب‬
‫‪1‬‬
‫واالسم العقوبة‪ ،‬وعاقبه بذنبه معاقبة وعقابا أخذ به‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫وانما سميت عقوبة ألنها خ ار وثاني الذنب‪ ،‬ألنها تأتي عقب الذنب‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬في االصطالح‪:‬‬

‫‪ -1‬عرفها الحنفية فقالوا‪" :‬العقوبة تكون على فعل محرم‪ ،‬أو ترك واجب‪ ،‬أو سنة‪ ،‬أو فعل‬
‫‪6‬‬
‫مكروه"‪.‬‬
‫‪ -1‬وعرفها المالكية فقالوا‪ ":‬العقوبة هي زواجر‪ ،‬إما على حدود مقدرة‪ ،‬واما تعزيرات غير‬
‫مقدرة"‪.4‬‬
‫‪ -6‬وعرفها الشافعية فقالوا‪" :‬العقوبة جزاء على اإلصرار على ذنب حاضر‪ ،‬أو مفسدة‬
‫‪5‬‬
‫مالبسة ال إثم على فاعلها‪ ،‬أو جزاء على ذنب ماض منصرم‪ ،‬أو عن مفسدة منصرمة"‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -4‬وعرفها الحنابلة فقالوا‪" :‬العقوبة تكون على فعل محرم‪ ،‬أو ترك واجب"‪.‬‬
‫‪ -5‬وعرفها الماوردي‪ ":‬زواجر وضعها اهلل تعالى للردع عن ارتكاب ما حظر‪ ،‬وترك ما أمر‬
‫‪7‬‬
‫به"‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ -3‬وعرفها عبد القادر عودة‪ ":‬الجزاء المقرر لمصلحة الجماعة على عصيان أمر الشارع"‪.‬‬

‫المناقشة والترجيح‪:‬‬
‫هذه جملة من التعريفات للعقوبة في المذاهب األربعة‪ ،‬والمتأمل فيها يرى ما يلي‪:‬‬
‫‪- 1‬أن فيها توسعا‪ ،‬فقد تضمنت ما ال يستحق فاعلها أو تاركها العقاب‪ ،‬كتعريف الحنفية‬
‫والشافعية‪ ،‬والتعريف يجب أن يكون جامعا مانعا‪.‬‬

‫‪ - 1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.314/1 ،‬‬


‫‪ - 2‬ابن فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪.72/4 ،‬‬
‫‪ - 3‬الطرابلسي‪ ،‬معين الحكام‪ ،‬صفحة ‪.145‬‬
‫‪ - 4‬القرافي‪ ،‬الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق (مع الهوامش)‪.332/1 ،‬‬
‫‪ - 5‬العز بن عبد السالم‪ ،‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪.157/1 ،‬‬
‫‪ - 3‬ابن قيم الجوزية‪ ،‬الطرق الحكمية‪ ،‬صفحة ‪.154‬‬
‫‪ - 7‬الماوردي‪ ،‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص‪.325‬‬
‫‪ - 2‬عبد القادر عودة‪ ،‬التشريع الجنائي‪.314/1 ،‬‬

‫‪15‬‬
‫‪- 1‬أن فيها طوال بذكر قيود ال حاجة إليها في التعريف‪ ،‬كتعريف المالكية والشافعية‪ ،‬والتعاريف‬
‫مبناها على االختصار‪.‬‬
‫‪- 6‬أن العقوبة تكون على ترك واجب‪ ،‬أو فعل محرم محل اتفاق عند الجميع‪.‬‬
‫‪- 4‬أن تعريف الحنابلة هو أسلم التعاريف‪.‬‬
‫التعريف المختار‪:‬‬
‫األولى أن يقال في تعريف العقوبة‪ ":‬جزاء وضعه الشارع للردع عن ارتكاب ما نهى عنه‪ ،‬وترك‬
‫‪1‬‬
‫ما أمر به"‪.‬‬

‫‪ - 1‬أحمد فتحي بهنسي‪ ،‬العقوبة في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص‪.13‬‬

‫‪13‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫أنواع العقوبات في اإلسالم والغاية منها‬

‫أوال‪ :‬أنواع العقوبة في الشريعة اإلسالمية‪:‬‬


‫تتعدد أنواع العقوبات تبعا الختالف االعتبارات وذلك على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ _4‬باعتبار التقدير وعدمه من جهة الشارع لها نوعان‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬عقوبات تولى أمر تقديرها الشارع كعقوبات الحدود والقصاص‪.‬‬
‫والنوع الثاني‪ :‬عقوبات ترك أمر تقديرها إلـى الـوالة أو القضـاة عنـد الجـ ار م التـي تسـتوجب العقـاب‬
‫وفقا للقواعد العامة في الشريعة اإلسالمية وهي ما يعرف باسم (ج ار م التعزير( ‪.‬‬
‫وأهمية هذا التقسيم في أنه ال يجوز لولي األمر أن يتدخل في القسم األول بمعنى أنه ال يجوز له‬
‫أن ينقص من الحد المعين للعقوبة كما ة جلدة مثال بالنسبة للزاني غير المحصن أو الرجم لل ازنـي‬
‫المحصــن (المتــزوج)‪-‬أو أن يزيــد عــن هــذا القــدر فهــو ملــزم والحالــة هــذه بتطبيــق مــا جــاءت بــه‬
‫نصوص الشريعة في هذا الصدد‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ألنها‬
‫أما الحدود فالمراد منها‪" :‬عقوبات المعاصي المقدرة ألجل حق اهلل" ‪ .‬وسميت حدوداً ّ‬
‫تمنع العاصي من العود إلى تلك المعصية التي َّ‬
‫حد ألجلها في الغالب‪ ،‬ويطلق الحد على نفس‬
‫ود اللّ ِه فَالَ تَ ْق َرُب َ‬
‫وها} [البقرة‪ ]187:‬كما يطلق على عقوبة‬ ‫المعصية ومنه قوله تعالى‪ِ { :‬ت ْل َك ُح ُد ُ‬
‫تلك المعصية‪ .‬وكلمة حد وحدود بمعنى عقوبات المعاصي ال تطلق إالّ على المعاصي التي‬
‫فيها حق اهلل تعالى‪ ،‬وال تطلق على غيرها‪ ،‬وال يص فيها العفو‪ ،‬ال من الحاكم‪ ،‬وال من الذي‬
‫‪1‬‬
‫ألنها حق اهلل‪ ،‬فال يملك أحد من البشر إسقاطه‪ ،‬وال بحال من األحوال‪.‬‬
‫اعتدى عليه‪ّ ،‬‬
‫وأما القصاص‪" :‬وهو أن يفعل بالفاعل مثل ما فعل"‪ .6‬وهذه العقوبات فيها حق العبد‪ ،‬وما دامت‬
‫فإنه يجوز لصاحب الحق أن يعفو‪ ،‬وأن يسقط حقه‪ .‬قال اهلل تعالى‪{ :‬فَ َم ْن‬ ‫متعلقة بحق العبد ّ‬
‫شيء} [البقرة‪.]178:‬‬ ‫يه َ‬ ‫َخ ِ‬
‫ع ِفي لَ ُه ِم ْن أ ِ‬
‫ُ َ‬
‫اص ِفي ا ْلقَ ْتلَى ا ْل ُحر ِبا ْل ُحِّر َوا ْل َع ْب ُد ِبا ْل َع ْب ِد َواألُنثَى ِباألُنثَى}[‪:‬البقرة‬
‫ص ُ‬
‫ِ‬
‫ب َعلَ ْي ُك ُم ا ْلق َ‬
‫ِ‬
‫بعد قوله‪ُ { :‬كت َ‬
‫‪ ]178:‬أي فمن عفا له أخوه في الدين من أولياء الدم عن شيء من حقهم في القصاص‪ ،‬مما‬
‫يدل على جواز أن يعفو صاحب الحق في الجنايات عن حقه‪.‬‬

‫‪ - 1‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪.33/7 ،‬‬


‫‪ - 2‬عبد القادر عودة ‪/‬التشريع الجنائي‪.22/1 ،‬‬
‫‪ - 3‬الجرجاني‪ ،‬التعريفات‪.225/1 ،‬‬

‫‪17‬‬
‫وقد جعل الشرع القصاص عقابا رادعا للجناة‪ ،‬شافيا لقلوب أهل المجني عليه‪ ،‬مذهبة لحقدهم‬
‫وليس فيها إسراف في االنتقام‪ ،‬بل فيها عدالة وحماية وخير‪ ،‬ولذلك قال اهلل تعالى‪َ { :‬ولَ ُك ْم ِفي‬
‫‪1‬‬
‫اب لَ َعلَّ ُك ْم تَتَّقُ َ‬
‫ون} [البقرة ‪.]179:‬‬ ‫اص َح َياةٌ َيا أُولِي ْاألَ ْل َب ِ‬
‫ص ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ْلق َ‬
‫ألن الناس كانوا يسيرون على قانون الثأر وعدم تكافؤ الدماء فاألشراف كان قصاصهم شديدا وان‬
‫فأتم‬
‫كان المقتول ضعيفا ال شرف له‪ ،‬ظل دمه‪ ،‬وال يوجد من يطالب به أو يجرؤ على ذلك‪ّ .‬‬
‫اإلسالم به (أي بالقصاص) المساواة بين الجريمة والعقاب وأنه العقاب إال تحت سلطان ولي‬
‫ون‬ ‫ِ‬
‫األمر‪ ،‬وأنه ال فرق بين قوي وضعيف‪ ،‬وكما قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ " :‬اْل ُم ْسل ُم َ‬
‫اؤ ُه ْم "‪.1‬‬ ‫ِ‬
‫تَتَ َكافَأُ د َم ُ‬

‫وأما التعزير‪ :‬فهو عقوبة غير مقدرة من الشارع وانما هي متروكة لتقدير الحاكم أو من ينيبه من‬
‫القضاة حقا هلل تعالى أو حقا للعبد والتعزير يكون بالقول وبالفعل كالحبس والضرب وبالمال‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫والتعزير يكون على المعاصي التي لم يرد فيها حد‪.‬‬
‫والتعزير يكون في كل معصية ليس فيها حد‪ ،‬فقد قال ابن تيمية رحمه اهلل‪" :‬اتفق العلماء على‬
‫أن التعزير مشروع في كل معصية ليس فيها حد"‪.4‬‬
‫وقال ابن القيم رحمه اهلل‪" :‬واتفق العلماء على أن التعزير مشروع في كل معصية‪ ،‬ليس فيها حد‬
‫وهي نوعان‪ :‬ترك واجب‪ ،‬أو فعل محرم‪ ،‬فمن ترك الواجبات مع القدرة عليها‪ ،‬كقضاء الديون‪،‬‬
‫وأداء األمانات‪ :‬من الوكاالت‪ ،‬والودا ع‪ ،‬وأموال اليتامى‪ ،‬والوقوف‪ ،‬واألموال السلطانية‪ ،‬ورد‬
‫الغصوب‪ ،‬والمظالم‪ ،‬فإنه يعاقب حتى يؤديها‪ ،‬وكذلك من وجب عليه إحضار نفس الستيفاء حق‬
‫وجب عليها‪ ،‬مثل‪ :‬أن يقطع الطريق‪ ،‬ويلتجئ إلى من يمنعه ويذب عنه‪ ،‬فهذا يعاقب حتى‬
‫يحضره"‪.5‬‬
‫‪-2‬وتنقسم العقوبات من حيث محلها إلى‪:‬‬
‫(‪ )1‬عقوبات بدنية‪ :‬وهي العقوبات التي تقع على جسم اإلنسان‪ ،‬كالقتل والجلد والحبس‪.‬‬
‫(‪ )1‬عقوبات نفسية‪ :‬وهي العقوبات التي تقع على نفس اإلنسان دون جسمه كالنص والتوبيخ‬
‫والتهديد‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫(‪ )6‬عقوبات مالية‪ :‬وهي العقوبات التي تصيب مال الشخص كالدية والغرامة والمصادرة‪.‬‬

‫‪ - 1‬عبد القادر عودة ‪/‬التشريع الجنائي‪ ،22/1 ،‬محمد أبو زهرة ‪/‬الجريمة والعقوبة ص ‪.13‬‬
‫َّريَّ ِة تَ ُر ُّد َعلَى أَ ْه ِل ْال َع ْسك ِ‬
‫‪2‬‬
‫َر‪ ،‬حديث رقم (‪ .)2753‬قال األلباني‪ :‬حسن‬ ‫‪ -‬أبو داود‪ ،‬سنن أبي داود‪ ،34/3 ،‬كتاب الجهاد‪ ،‬باب فِي الس ِ‬
‫صحيح‪.‬‬
‫‪ - 3‬السمرقندي‪ ،‬تحفة الفقهاء‪.142/3 ،‬‬
‫‪ -4‬ابن تيمية‪ ،‬مجموع الفتاوى ‪.412/35‬‬
‫‪ - 5‬ابن القيم‪ ،‬الطرق الحكمية ص ‪.154‬‬
‫‪ - 3‬عبد القادر عودة‪ ،‬التشريع الجنائي‪.333 /1 ،‬‬

‫‪12‬‬
‫‪-3‬وتنقسم العقوبات بحسب الجرائم التي فرضت عليها إلى‪:‬‬
‫(‪ )1‬عقوبات الحدود‪ :‬وهي العقوبات المقررة على ج ار م الحدود‪.‬‬
‫(‪ )1‬عقوبات القصاص والدية‪ :‬وهي العقوبات المقررة لج ار م القصاص والدية‪.‬‬
‫(‪ )6‬عقوبات الكفارات‪ :‬وهي العقوبات المقررة لبعض ج ار م القصاص والدية وبعض ج ار م‬
‫التعازير‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(‪ )4‬عقوبات التعازير‪ :‬وهي العقوبات المقررة لج ار م التعازير‪.‬‬
‫فهذه أهم أنواع العقوبات باالعتبارات المختلفة‪ ،‬توض لنا طبيعة هذه العقوبات وما تتصف به‬
‫من خصا ص‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬الغاية من العقوبة‪:‬‬


‫شرعت العقوبة لتصون للناس وتحفظ عليهم دينهم‪ ،‬ونفوسهم‪ ،‬وعقولهم‪ ،‬وأموالهم؛ لتحفظ عليهم‬
‫مقومات حياتهم‪ ،‬ودعا م إنسانيتهم‪ ،‬والركا ز األساسية لتحقيق أمنهم‪ ،‬واستقرار مسيرة حياتهم‪،‬‬
‫وتهي ة الجو المال م ألعمال فكرهم‪ ،‬وازكاء عوامل التقدم والتطور بين أفرادهم وجماعاتهم‪ ،‬وكل‬
‫‪1‬‬
‫ذلك إنما يتحقق بإبعاد شب الجريمة والمجرمين عنهم‪.‬‬

‫فملخص الغاية من العقوبة الشرعية يتحقق فيما يلي‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫‪ -1‬حماية الفضيلة وصيانة المجتمع من الفوضى والفساد وتحكم الرذيلة‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -1‬تأديب الجاني واصالحه‪.‬‬
‫‪ -6‬الردع والزجر‪ :‬ويقصد منه‪ ":‬نهي الجاني عن الجريمة‪ ،‬واتخاذه عبرة لمنع غيره عن‬
‫‪5‬‬
‫ارتكاب الج ار م"‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -4‬شفاء غيظ المجني عليه‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -5‬حماية المجتمع ورعاية المصلحة العامة‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ -3‬حصول األمن وتحقيق العدل في شعب الحياة كلها‪.‬‬

‫‪ - 1‬عبد القادر عودة‪ ،‬التشريع الجنائي اإلسالمي‪.344-333 /1 ،‬‬


‫‪ - 2‬حسن علي الشاذلي‪ ،‬الجنايات في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫‪ - 3‬عبد هللا الجبوري‪ ،‬دراسات في الفقه الجنائي اإلسالمي‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫‪ - 4‬عوض محمد مصطفى يعيش‪ ،‬دور التشريع في مكافحة الجريمة من منظور أمني دراسة مقارنة‪ ،‬ص‪.35‬‬
‫‪ -5‬إيهاب فاروق حسني‪ ،‬مقاصد العقوبة في اإلسالم دراسة مقارنة بمقاصد العقوبة في القوانين الوضعية‪ ،‬ص‪.43‬‬
‫‪ - 3‬عماد محمد ربيع‪ ،‬وفتحي توفيق القاعوري‪ ،‬ومحمد عبد الكريم العفيف‪ ،‬أصل علم اإلجرام والعقاب‪ ،‬ص‪.171‬‬
‫‪ - 7‬خالد عبد العظيم أحمد‪ ،‬تعدد العقوبات وأثرها في تحقيق الردع‪ ،‬ص‪.212‬‬
‫‪ - 2‬التويجري‪ ،‬موسوعة الفقه اإلسالمي‪.44/5 ،‬‬

‫‪14‬‬
‫المطلب الثالث‬

‫مسئولية الدولة عن تطبيق العقوبات‬

‫شرع اهلل عز وجل العقوبات لتنفذ إذا وجد موجبها؛ حفظا لألمة‪ ،‬وصيانة لها من الشرور‬
‫والمفاسد‪ ،‬فإذا ثبتت الجريمة على أحد وجب على ولي األمر تنفيذ عقوبتها‪ ،‬ألن تطبيق‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم يقيم الحدود في‬ ‫العقوبات‪ ،‬منوطة بولي األمر أو نا به‪ ،‬فقد كان النبي َ‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم من يقيم الحد نيابة عنه‪ ،‬ففي‬ ‫حياته‪ ،‬ثم خلفاؤه من بعده‪ .‬فقد َو َكل النبي َ‬
‫ام َأر َِة َه َذا‪ ،‬فَِإ ِن ْ‬
‫اعتََرفَ ْت فَ ْار ُج ْم َها)‬ ‫س َعلَى ْ‬‫حديث قصة العسيف قال عليه السالم‪َ (:‬وا ْغ ُد َيا أَُن ْي ُ‬
‫‪1‬‬
‫ت فَ َر َج َمهَا‪.‬‬
‫اعتََرفَ ْ‬
‫فَ َغ َدا َعلَ ْيهَا فَ ْ‬

‫وال يجوز ألحد أن يشفع إلسقاط عقوبة الحد عن أحد‪ ،‬إذا بلغت اإلمام وثبتت عنده‪ ،‬كما يحرم‬
‫على ولي األمر قبول الشفاعة في ذلك‪ ،‬لما جاء في السنة النبوية الشريفة‪:‬‬

‫‪ -1‬عن عبد اهلل بن عمر‪-‬رضي اهلل عنهما‪-‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه‬

‫اد اللَّ َه َو َم ْن َخ َ‬
‫اص َم‬ ‫ود اللَّ ِه فَقَ ْد َ‬
‫ض َّ‬ ‫ون َح ٍّد ِم ْن ُح ُد ِ‬ ‫اعتُ ُه ُد َ‬
‫شفَ َ‬‫وسلم‪َ -‬يقُو ُل‪َ «:‬م ْن َحالَ ْت َ‬
‫ع ع ْن ُه وم ْن قَ َ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال في ُم ْؤ ِم ٍن َما لَ ْي َ‬
‫س‬ ‫س َخط الله َحتَّى َي ْن ِز َ َ َ َ‬ ‫في َباط ٍل َو ُه َو َي ْعلَ ُم ُه لَ ْم َي َز ْل في َ‬
‫ال َحتَّى َي ْخ ُر َج ِم َّما قَ َ‬‫س َك َن ُه اللَّ ُه رْد َغ َة‪ 2‬ا ْل َخ َب ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪6‬‬
‫ال » ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫فيه أَ ْ‬

‫‪-1‬وعن عائشة رضي اهلل عنها‪ ،‬قالت‪ :‬أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫من يكلم رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،-‬ومن يجترئ عليه إال أسامة‪ ،‬حب رسول اهلل ‪-‬‬
‫شفَعُ ِفي َح ٍّد ِم ْن‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،-‬فكلم رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،-‬فقال‪« :‬أَتَ ْ‬
‫ِ َّ ِ‬
‫ق‬‫س َر َ‬ ‫ض َّل َم ْن قَ ْبلَ ُك ْم‪ ،‬أ ََّن ُه ْم َكا ُنوا إِ َذا َ‬
‫اس‪ ،‬إِ َّن َما َ‬ ‫ال‪َ « :‬يا أَي َها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫ب‪ ،‬قَ َ‬ ‫ام فَ َخطَ َ‬‫ُح ُدود الله» ثُ َّم قَ َ‬
‫ت ُم َح َّم ٍد‬ ‫َن فَ ِ‬
‫اط َم َة ِب ْن َ‬ ‫الحدَّ‪َ ،‬و ْاي ُم اللَّ ِه‪ ،‬لَ ْو أ َّ‬ ‫ِ‬
‫اموا َعلَ ْيه َ‬ ‫يف في ِه ْم أَقَ ُ‬
‫َّع ُ ِ‬ ‫ق الض ِ‬ ‫س َر َ‬
‫يف تََرُكوهُ‪َ ،‬وِا َذا َ‬ ‫َّ‬
‫الش ِر ُ‬
‫ِ‬
‫سلَّ َم‪َ ،‬‬
‫صلَّى اهللُ َعلَ ْيه َو َ‬
‫‪4‬‬
‫س َرقَ ْت لَقَطَ َع ُم َح َّم ٌد َي َد َها»‪.‬‬ ‫َ‬

‫الزنَا‪ ،137/2،‬حديث(‪.)3227‬‬ ‫اف بِ ِّ‬


‫‪ - 1‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الحدود‪ ،‬بَابُ ِاال ْعتِ َر ِ‬
‫‪ - 2‬الردغة‪ :‬الطين والوحل الكثير وردغة الخبال أي عصارة أهل النار‪ ،‬سنن أبي داود‪.334/3 ،‬‬
‫‪ - 3‬أبو داود‪ ،‬سنن أبي داود‪ ،‬كتاب األقضية‪ ،‬باب فِي َم ْن يُ ِعينُ َعلَى ُخصُو َم ٍة ِم ْن َغي ِْر أَ ْن يَ ْعلَ َم أَ ْم َرهَا‪ ،334/3 ،‬حديث (‪ ،)3544‬قال‬
‫األلباني‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫طا ِن‪ ،131/2 ،‬حديث‬ ‫‪ -4‬متفق عليه‪ ،‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الحدود‪ ،‬باب َك َرا ِهيَ ِة ال َّشفَا َع ِة فِي ال َح ِّد إِ َذا ُرفِ َع إِلَى الس ُّْل َ‬
‫يف َو َغي ِْر ِه‪َ ،‬والنَّه ِْي َع ِن ال َّشفَا َع ِة فِي ْال ُحدُو ِد‪،‬‬ ‫ق ال َّش ِر ِ‬
‫َّار ِ‬
‫طعِ الس ِ‬ ‫(‪ ،)3722‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الحدود‪ ،‬بَابُ قَ ْ‬
‫‪ ،1315/3‬حديث(‪.)1322‬‬

‫‪21‬‬
‫فتعطيل حدود اهلل يوجب سخطه‪ ،‬وفساد المجتمع‪ ،‬واضطراب األمن‪ ،‬وحصول الخوف‪ ،‬وتوالي‬
‫النقم‪.‬‬

‫فيجب على والة أمور المسلمين أن يقيموا حدود اهلل في عباده‪ ،‬وال تأخذهم لومة ال م؛ طاعة هلل‬
‫ورسوله‪ ،‬ورحمة بالعباد‪ ،‬واحسانا إليهم‪ ،‬لكف الناس عن المنكرات‪ ،‬وزجرهم عن الفواحش‪،‬‬
‫وتخليصهم من اإلثم والخطي ة‪ ،‬وال يجوز أن يكون قصدهم من إقامتها إشفاء غيظ قلوبهم‪ ،‬وال‬
‫إرادة العلو والفساد‪ ،‬ألن ولي األمر بمنزلة الوالد الذي يؤدب ولده رحمة به واصالحا له‪ ،‬ال تشفياً‬
‫وال تسلطاً وتجب اًر‪ ،‬بل يكون مقصده الحفاظ على حرمات اهلل تعالى حتى ال تنتهك‪.‬‬

‫وقد أجمع المسلمون على أن تعطيل الحد بمال يؤخذ أو غيره ال يجوز‪ ،‬وأجمعوا على أن المال‬
‫المأخوذ ممن وجب عليه الحد لتعطيل الحد مال سحت خبيث‪ .‬وكثير مما يوجد من فساد أمور‬
‫الناس إنما هو لتعطيل الحد بمال أو جاه‪ ،‬وهذا من أكبر األسباب التي هي فساد أهل البوادي‬
‫والقرى واألمصار‪ ،‬وهو سبب سقوط حرمة المتولي وسقوط قدره في القلوب وانحالل أمره‪َ ،‬وَولِ ُّي‬
‫ْم َر بالمعروف وينهى عن المنكر وهذا هو مقصود الوالية‪ .‬فإذا كان الوالي‬ ‫األَم ِر َّإنما ُنص ِ‬
‫ِّب ل َيأ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫ان َع ُد َّوك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي ِ‬
‫مك ُن من ال ُم ْن َك ِر يكون قد أتى بضد المقصود م ْث َل َم ْن َنص ْ‬
‫َع َ‬
‫َّبته لُيع َينك َعلَى َع ُد ِّوك فَأ َ‬ ‫ُ‬
‫‪1‬‬
‫َعلَ ْيك‪ ،‬وبمنزلة من أخذ ماالً ليجاهد به في سبيل اهلل فقاتل به المسلمين‪.‬‬

‫‪ - 1‬انظر‪ :‬ابن تي ِميَّة‪ ،‬مجموع الفتاوى‪.313،313/22 ،‬‬

‫‪21‬‬
‫الفصل األول‬

‫أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق الحدود‬

‫ويشتمل على ثالثة مباحث‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تعريف الحدود وضوابطها‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أهمية تطبيق الحدود وأثره على الفرد والمجتمع‬

‫المبحث الثالث‪ :‬أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق الحدود‬

‫‪22‬‬
‫المبحث األول‬

‫تعريف الحدود وضوابطها‬

‫ويشتمل على مطلبين‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف الحدود وحكم تطبيقها‬

‫المطلب الثاني‪ :‬ضوابط إقامة الحدود‬

‫‪23‬‬
‫المطلب األول‬
‫تعريف الحدود وحكم تطبيقها‬
‫وفيه فرعان‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف الحدود‬
‫الحــد فــي اللغ ـة‪ :‬الفصــل بــين الشــي ين ل ـ ال يخــتلط أحــدهما بــاآلخر أو ل ـ ال يتعــدى أحــدهما علــى‬
‫اآلخر‪ ،‬وجمعه حدود‪ .‬وفصل ما بين كل شي ين‪ :‬حد بينهما‪ .‬ومنتهى كل شيء‪ :‬حـده؛ ومنـه‪ :‬ح ُّـد‬
‫‪1‬‬
‫حدود األرضين وحدود الحرم‪.‬‬
‫وسميت العقوبات حدوداً‪ ،‬لكونها مانعة من ارتكاب أسبابها‪ ،‬وحدود اهلل‪ :‬محارمه؛ ألنها ممنوعة‪،‬‬
‫وها} [البقرة‪ ]187:‬وحدود اهلل أيضاً‪ :‬أحكامه أي ما‬ ‫ود اللَّ ِه فَ َال تَ ْق َرُب َ‬
‫بدليل قوله تعالى‪ِ { :‬ت ْل َك ُح ُد ُ‬
‫حده وقدره‪ ،‬فال يجوز أن يتعداه اإلنسان‪ ،‬وسميت حدوداً؛ ألنها تمنع عن التخطي إلى ما وراءها‪،‬‬
‫ود اللَّ ِه فَأُولَ ِئ َك ُه ُم الظَّالِ ُم َ‬
‫ون}‬ ‫ود اللَّ ِه فَ َال تَ ْعتَ ُد َ‬
‫وها َو َم ْن َيتَ َع َّد ُح ُد َ‬ ‫بدليل قوله تعالى‪ِ { :‬ت ْل َك ُح ُد ُ‬
‫‪1‬‬
‫[البقرة‪.]119:‬‬

‫والحد في اصطالح الفقهاء على النحو التالي‪:‬‬


‫‪6‬‬
‫‪ _1‬عند الحنفية‪" :‬اسم لعقوبة مقدرة تجب حقاً هلل تعالى"‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ _1‬عند المالكية‪" :‬عقوبة مقدرة ألجل حق اللّه تعالى"‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ _6‬وعند الشافعية‪" :‬ما ذكر من الجلد أو الرجم ونحو ذلك من كل عقوبة مقدرة"‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-4‬وعند الحنابلة‪" :‬عقوبة مقدرة لتمنع من الوقوع في مثله وتجب إقامته"‪.‬‬
‫لهذا ال يسمى التعزير حداً‪ ،‬ألنه غير مقدر‪ ،‬وال يسمى القصاص أيضاً حداً‪ ،‬ألنه وان كان عقوبة‬
‫يجب حقاً للعباد‪ ،‬يجري فيه العفو والصل ‪.‬‬
‫مقدرة لكنه ُ‬

‫‪ -1‬ابن منظور ‪/‬لسان العرب ‪ ،141/3‬ابراهيم مصطفى ‪/‬المعجم الوسيط ‪ ،131/1‬الزبيدي ‪ /‬تاج العروس ‪3/2‬‬
‫‪ -2‬ابن نجيم‪ ،‬البحر الرائق‪ ،2/5 ،‬الزحيلي‪ ،‬الفقه االسالمي وأدلته‪.213/7 ،‬‬
‫‪ -3‬السرخسي‪ ،‬المبسوط ‪ ،31/4‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع ‪ ،33/7‬الزيلعي‪ ،‬تبين الحقائق ‪ ،133/3‬الميداني‪ ،‬اللباب في شرح الكتاب‬
‫‪.322/1‬‬
‫‪ - 4‬عبد الرحمن البغدادي‪ ،‬إرْ شَا ُد السَّالِك‪،142/1 ،‬‬
‫‪ -5‬أبي بكر الدمياطي ‪/‬حاشية إعانة الطالبين ‪.142/4‬‬
‫‪ - 3‬البهوتي‪ ،‬كشاف القناع‪.77/3 ،‬‬

‫‪24‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬حكم تطبيق الحدود‪.‬‬
‫الش ْرعية واجب أساسي‪ ،‬وفرض على الحاكم في كل زمـان ومكـان‪ ،‬لتحقيـق النفـع‬ ‫إن إقامة الحدود َّ‬ ‫ّ‬
‫الــدا م وهــو منــع الجريمــة‪ ،‬وردع العصــاة وصــون األمــن‪ ،‬ورعايــة مقاصــد َّ‬
‫الشـ ِـر َ‬
‫يعة بجلــب المصــال‬
‫ودفع المفاسد‪ ،‬والحفاظ على الكليات الخمس المتمثلة‪ :‬بحفظ الدين والنفس والعقل والمال‪.‬‬
‫األدلة على وجوب تطبيق الحدود‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬األدلة من القرآن‪:‬‬
‫ـن اللّ ِـه ﴾[الما ـدة‪:‬‬ ‫ـاال ِّم َ‬
‫س َـبا َن َك ً‬ ‫ِ‬
‫ط ُعواْ أ َْيـد َي ُه َما َج َـزاء ِب َمـا َك َ‬ ‫الس ِ‬
‫ـارقَ ُة فَـا ْق َ‬ ‫ق َو َّ‬ ‫الس ِ‬
‫ـار ُ‬ ‫‪-1‬قال تعالى‪َ ﴿:‬و َّ‬
‫‪.]68‬‬
‫اح ٍد ِّم ْن ُه َما ِم َئ َة َج ْل َد ٍة َوَال تَأْ ُخ ْذ ُكم ِب ِه َما َأْرفَ ٌة ِفـي ِد ِ‬
‫يـن‬ ‫اجلِ ُدوا ُك َّل و ِ‬
‫َ‬ ‫الزِاني فَ ْ‬
‫الزِان َي ُة َو َّ‬
‫‪-1‬قال تعالى‪َّ ﴿:‬‬
‫اللَّ ِه ﴾[النور‪.]1 :‬‬
‫وهم ثَم ِ‬ ‫شـه َداء فَ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪-3‬قال تعالى‪َ ﴿:‬والَّ ِـذ َ‬
‫ين َج ْل َـدةً‬
‫ـان َ‬ ‫اجل ُـد ُ ْ َ‬ ‫صـ َنات ثُ َّـم لَ ْـم َيـأْتُوا ِبأ َْرَب َعـة ُ َ‬ ‫ـون ا ْل ُم ْح َ‬‫ين َي ْرُم َ‬
‫﴾[النور‪.]4 :‬‬

‫خطاب ــا مطلقً ــا‪ ،‬لك ــن ق ــد عل ــم أن‬ ‫ً‬ ‫قـــال شـــيخ اإلســـالم‪ ":‬خاط ــب اهلل الم ــؤمنين بالح ــدود والحق ــوق‬
‫ـادر عليــه والعــاجزون ال يجــب علــيهم‪ ،‬وقــد علــم أن هــذا فــرض‬ ‫المخاطــب بالفعــل ال بــد أن يكــون قـ ًا‬
‫ـب َعلَـ ْـي ُك ُم ا ْل ِقتَــا ُل ﴾[البق ـرة‪:‬‬ ‫ِ‬
‫علــى الكفايــة‪ ،‬وهــو مثــل الجهــاد؛ بــل هــو نــوع مــن الجهــاد‪ ،‬فقول ـه‪ُ ﴿:‬كتـ َ‬
‫‪.]113‬‬
‫ين ُيقَ ِاتلُوَن ُك ْم ﴾[البقرة‪.]190 :‬‬
‫يل اللّ ِه الَِّذ َ‬
‫س ِب ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪-‬وقوله‪َ ﴿:‬وقَاتلُواْ في َ‬
‫‪-‬وقوله‪ ﴿:‬إِالَّ تَ ِ‬
‫نف ُرواْ ُي َع ِّذ ْب ُك ْم ﴾[التوبة‪.]69 :‬‬
‫ونحــو ذلــك هــو فــرض علــى الكفايــة مــن القــادرين و "القــدرة" هــي الســلطان؛ فلهــذا‪ :‬وجــب إقامــة‬
‫‪1‬‬
‫الحدود على ذي السلطان ونوابه‪".‬‬

‫ثانياً‪ :‬األدلة من السنة‪:‬‬


‫‪ -1‬ولننظر في مقابله قول النبي ‪-‬عليه السالم‪.‬‬
‫َن ُي ْمطَ ُروا أ َْرَب ِع َ‬
‫ض ِم ْن أ ْ‬ ‫« َح ٌّد ُي ْع َم ُل ِب ِه ِفي ْاأل َْر ِ‬
‫ض‪َ ،‬خ ْيٌر ِأل ْ‬
‫َه ِل ْاأل َْر ِ‬
‫‪1‬‬
‫احا »‬
‫ص َب ً‬
‫ين َ‬

‫‪ - 1‬ابن تيمية‪ ،‬مجموع الفتاوى‪ ،‬كتاب الحدود‪.175/34،‬‬


‫ِّ‬ ‫ْ‬
‫‪ -2‬النسائي‪ ،‬سنن النسائي‪ ،‬كتاب قطع السارق‪ ،‬باب التَّرْ ِغيبُ فِي إِقا َم ِة ال َحد‪ ،73/2،‬حديث (‪ ،)4415‬ابن ماجه‪ ،‬سنن ابن ماجه‪ ،‬كتاب‬
‫َ‬
‫الحدود‪ ،‬بَابُ ِإقَا َم ِة ْال ُحدُو ِد‪ ،242/2،‬حديث(‪ .)2532‬قال األلباني‪ :‬حسن‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫ـك ِألَن ِفــي اقامتهــا زجــر لِْلخل ـ ِ‬
‫ق َعــن‬ ‫إقامــة حــد مــن حــدود اهلل خيــر مــن مطــر أربعــين صــباحا َوَذلِـ َ‬
‫قعود َع ْنهَا والتهاون بهَا وانهماكهم ِفـي‬ ‫َّماء بالمطر َوِفي اْل ُ‬ ‫الذنوب َوسبباً ْلفَتْ أ َْب َواب الس َ‬
‫اْل ِ‬
‫معاصي و ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اْلمعاصي َس َبب ألخذهم بِالسِّن َ‬
‫‪1‬‬
‫ين والجدب واهالك اْلخلق‪.‬‬
‫‪ -1‬عن عبادة بن الصامت قال‪ :‬قال ‪-‬رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫ٍِ ‪1‬‬
‫يد‪َ ،‬وَال تَأْ ُخ ْذ ُك ْم ِفي اللَّ ِه لَ ْو َم ُة َال ئم»‪.‬‬
‫يب وا ْلب ِع ِ‬ ‫‪« :‬أ َِقيموا ح ُد َ ِ ِ‬
‫ود اللَّه في ا ْلقَ ِر ِ َ َ‬ ‫ُ ُ‬
‫الش ْرعية واجب أساسي‪ ،‬وفرض على الحاكم في كل زمان ومكـان‪ ،‬وقولـه‪ :‬اقيمـوا‬ ‫إن إقامة الحدود َّ‬ ‫ّ‬
‫يحتَمــل ان ُيـ َـراد بهمــا اْلقــرب والبعــد ِفــي ّ‬
‫الن َســب‪ ،‬أَو اْلقُـ َّـوة والضــعف‪،‬‬ ‫ُحـ ُـدود اهلل ِفــي اْلقَ ِريــب والبعيــد ْ‬
‫‪6‬‬
‫يدا لِ ْأل َْم ِر‪.‬‬ ‫والثَّانِي انسب‪ ،‬وَال تأخذكم عطف على اقيموا نهيا تَأ ِ‬
‫ْك ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫الحد قبل أن يبلغ اإلمام فجائز ودل على ذلك‪:‬‬ ‫وأما العفو عن ّ‬
‫ـول اللَّ ِـه َّ‬ ‫‪ _1‬عن عمرو بن شعيب عن أبيه َع ْن َع ْبِد اللَّ ِه ْب ِن َع ْم ِرو ْب ِـن اْل َع ِ‬
‫ـاص‪ ،‬أ َّ‬
‫صـلى اهللُ‬ ‫َ‬ ‫َن َر ُس َ‬
‫‪4‬‬
‫ب»‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ال‪« :‬تَعافوا ا ْلح ُد َ ِ‬ ‫َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قَ َ‬
‫يما َب ْي َن ُك ْم‪ ،‬فَ َما َبلَ َغني م ْن َح ٍّد فَقَ ْد َو َج َ‬ ‫ود ف َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وهـا‬
‫ـاوُزوا َع ْنهَـا َوَال تَْرفَ ُع َ‬
‫َي تَ َج َ‬‫ود)‪ :‬أ ْ‬ ‫ـاب ِل َغ ْي ِـر ْاألَِ َّم ِـة‪( ،‬اْل ُح ُـد َ‬
‫ط ُ‬ ‫ـافي َواْل ِخ َ‬
‫قوله‪( :‬تَعافُوا)‪ :‬أَمر ِمـن التَّع ِ‬
‫ٌْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إِلَ َّي فَِإِّني َمتَى َعل ْمتُهَا أَقَ ْمتُهَا‪ ،‬أ ْ‬
‫‪5‬‬
‫امتُهُا‪.‬‬‫ب َعلَ َّي إقَ َ‬ ‫َي فَقَ ْد َو َج َ‬

‫ُخ َذ ِم ْن تَ ْح ِت‬
‫َّد ِرَداءه‪ ،‬فَأ ِ‬ ‫ِ‬
‫ام في اْل َم ْس ِجد َوتََوس َ َ ُ‬
‫‪ _1‬عن عبد اهلل بن صفوان عن أبيه‪ :‬أََّنه َن ِ‬
‫ُ َ‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَ ْي ِه‬‫النبِ ُّي ‪َ -‬‬ ‫َم َر بِ ِه َّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫النبِ ِّي ‪َّ َّ -‬‬
‫صلى اللهُ َعلَ ْيه َو َسل َم ‪ ،-‬فَأ َ‬ ‫َ‬ ‫اء بِ َس ِارِق ِه إِلَى َّ‬ ‫ِِ‬
‫َأرْسه‪ ،‬فَ َج َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ص ْفوان‪ :‬يا رس َ َّ ِ‬
‫ال َر ُسو ُل‬ ‫ول الله‪ ،‬لَ ْم أ ُِرْد َه َذا‪ِ ،‬رَدا ي َعلَ ْيه َ‬
‫ص َدقَةٌ‪ .‬فَقَ َ‬ ‫َن ُي ْقطَ َع‪ ،‬فَقَ َ َ َ ُ َ َ ُ‬ ‫َو َسلَّ َم ‪ -‬أ ْ‬
‫ِ ‪3‬‬
‫َن تَأ ِْت َي ِني ِبه" ‪.‬‬‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪" :-‬فَ َه َّال قَ ْب َل أ ْ‬
‫الله ‪َ -‬‬
‫َّ ِ‬
‫ِِ ِ‬
‫صوله إلي َوأما ْاآلن‬ ‫ص َّدقت َوتركت َحقك قبل ُو ُ‬ ‫قوله‪ :‬فَهَال قبل ان تَأتيني بِه‪ :‬أَي فَهَال تَ َ‬
‫‪7‬‬
‫الش ْرع‪.‬‬ ‫يه حق‪ ،‬بل ُهو حق َّ‬ ‫اجب لَ ْيس لَك ِف ِ‬ ‫فَقَطعه و ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫‪ - 1‬السُّيوطي‪ ،‬شرح سنن ابن ماجه‪ ،‬ص‪.122‬‬


‫ْ‬
‫‪ - 2‬ابن ماجه‪ ،‬سنن ابن ماجه‪ ،‬كتاب الحدود‪ ،‬بَابُ إِقَا َم ِة ال ُحدُو ِد‪ ،244/2 ،‬حديث (‪ .)2541‬قال األلباني‪ :‬حسن‪.‬‬
‫‪ -3‬السُّيوطي‪ ،‬شرح سنن ابن ماجه‪ ،‬ص‪.122‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫‪ - 4‬أبو داود‪ ،‬سنن أبي داود‪ ،‬كتاب الحدود‪ ،‬بَابُ ال َعف ِو َع ِن ال ُحدُو ِد َما لَ ْم تَ ْبلغِ السُّلطانَ ‪ ،232/4 ،‬حديث(‪ ،)4373‬قال األلباني‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫‪ - 5‬العظيم آبادي‪ ،‬عون المعبود شرح سنن أبي داود‪.27-23/12 ،‬‬
‫ق ِم ْن ْال ِح ِز‪ ،235/2 ،‬حديث(‪ ،)2545‬قال األلباني‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫رْ‬ ‫‪ - 3‬ابن ماجه‪ ،‬سنن ابن ماجه‪ ،‬كتاب الحدود‪ ،‬بَابُ َم ْن َس َر َ‬
‫‪ - 7‬السُّيوطي‪ ،‬شرح سنن ابن ماجه‪ ،‬ص‪.123‬‬

‫‪23‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫ضوابط إقامة الحدود‬
‫إذا كان من المقرر في الشريعة اإلسالمية وجوب إقامة الحدود‪ ،‬لكن إقامتها لها ضـوابط البـد مـن‬
‫مراعاتها قبل إقامة الحد‪ .‬وفي هذا المطلب نورد أهم هذه الضوابط‪.‬‬
‫الضوابط التي يجب مراعاتها قبل إقامة الحدِّ‪:‬‬
‫للحد‪ :‬فقد كان النبي صلى اهلل عليه وسلم َّ‬
‫يتأك ُد‬ ‫الضابط األول‪ :‬التثبت من وقوع الفعل الموجب ّ‬
‫الحد‪َّ ،‬أنه قد استوجب الحدَّ‪.‬‬
‫ممن يقام عليه ّ‬
‫عــن أبــي هريــرة‪ ،‬أنــه قــال‪ :‬أتــى رجــل مــن المســلمين رســول اهلل صــلى اهلل عليــه وســلم وهــو فــي‬
‫ـاء َو ْج ِه ِـه‪ ،‬فَقَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ـال‪ :‬يـا رس َ ِ‬
‫ـال لَـهُ‪َ :‬يــا‬ ‫ض َع ْنـهُ‪ ،‬فَتََنحَّـى تْلقَ َ‬ ‫َع َر َ‬‫ـت‪ ،‬فَـأ ْ‬ ‫ـول اهلل‪ ،‬إِِّنـي َزَن ْي ُ‬ ‫المسـجد‪ ،‬فنـاداه‪ ،‬فَقَ َ َ َ ُ‬
‫ش ِه َد َعلَى َن ْف ِس ِه أ َْرَب َع‬ ‫َعرض ع ْنه‪ ،‬حتَّى ثََنى َذلِ َك علَ ْي ِه أَربع م َّر ٍ‬ ‫رس َ ِ‬
‫ات‪َ ،‬فلَ َّما َ‬ ‫َ َْ َ َ‬ ‫ت‪ ،‬فَأ ْ َ َ َ ُ َ‬ ‫ول اهلل‪ ،‬إِِّني َزَن ْي ُ‬ ‫َُ‬
‫س ـلَّ َم‪ ،‬فَقَـ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫شــه َ ٍ‬
‫ـال‪« :‬فَ َهـ ْـل‬ ‫ـال‪َ :‬ال‪ ،‬قَـ َ‬ ‫ـون؟» قَـ َ‬ ‫ـك ُج ُنـ ٌ‬ ‫ـال‪« :‬أَِبـ َ‬ ‫ص ـلَّى اهللُ َعلَ ْيــه َو َ‬ ‫ســو ُل اهلل َ‬ ‫ادات َد َعــاهُ َر ُ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫سـلَّ َم‪« :‬اذ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـن‬
‫ـال ْاب ُ‬ ‫ـار ُج ُموهُ»‪ ،‬قَ َ‬ ‫ْه ُبـوا ِبـه فَ ْ‬ ‫صـلَّى اهللُ َعلَ ْيـه َو َ‬ ‫سـو ُل اهلل َ‬ ‫ـال َر ُ‬ ‫ال‪َ :‬ن َع ْم‪ ،‬فَقَ َ‬‫ت؟» قَ َ‬ ‫ص ْن َ‬‫َح َ‬ ‫أْ‬
‫صـلَّى‪،‬‬ ‫اهلل‪ ،‬يقُـو ُل‪ :‬فَ ُك ْن ُ ِ‬ ‫ـن ع ْب ِـد ِ‬ ‫َخبرِني م ْـن ِ‬ ‫ِش َه ٍ‬
‫ـه‪ ،‬فَ َر َج ْم َنـاهُ ِبا ْل ُم َ‬
‫ـيم ْن َر َج َم ُ‬
‫ـت ف َ‬ ‫َ‬ ‫سـم َع َجـا ِب َر ْب َ َ‬ ‫اب‪ :‬فَأ ْ َ َ َ َ‬
‫‪1‬‬
‫ب‪ ،‬فَأ َْد َرْك َناهُ ِبا ْل َح َّرِة‪ ،‬فَ َر َج ْم َناهُ"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َفلَ َّما أَ ْذلَقَتْ ُه ا ْلح َج َارةُ َه َر َ‬

‫وجه الداللة‪ :‬أن النبي صلى اهلل عليه وسلم تثبت من حال من شهد على نفسه بالزنى مـن خـالل‬
‫توجيــه أسـ لة لــه‪ ،‬أراد مــن خاللهــا أن يقطــع بــه أي شــك‪ ،‬وقــد ورد أنــه ســأل عنــه قومــه إن كــان بــه‬
‫جنــون‪ ،‬وغيـره مــن الشــبهات التــي مــن شــأنها أن تســقط عنــه الحــد‪ ،‬ومنهــا أنــه ســأله هــل أحصــنت‬
‫فأجاب نعم‪ ،‬بعد هذا التثبت من النبي صلى اهلل عليه وسلم أمر برجمه‪.‬‬

‫قال النووي رحمه اهلل‪ " :‬أجمـع العلمـاء علـى أن الـرجم ال يكـون إال علـى مـن زنـى وهـو محصـن‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وأجمعوا على وجوب الرجم على من اعترف بالزنى وهو محصن يص إق ارره بالحد‪.‬‬
‫ستحب تلقين المتَّهم ما يدفع عنه الحدَّ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫الضابط الثاني‪ُ :‬ي‬
‫تؤكد استحباب تلقين اإلمام للمتَّهم ما يسقط ّ‬
‫الحد‪:‬‬ ‫وفي نيل األوطار‪ :‬نقل آثا ارً ِّ‬
‫"وفــي البــاب ثــار عــن جماعــة مــن الصــحابة منهــا عــن أبــي الــدرداء َّأنــه أُتــي بجاريـ ٍـة سـرقت‪ ،‬فقــال‬
‫لها‪ :‬أسرقت قولي ال‪ .‬فقالت‪ :‬ال‪ ،‬فخلَّى سبيلها‪.‬‬

‫‪ -1‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الحدود‪ ،‬باب من اعترف على نفسه بالزنا‪ ،1312/3،‬حديث(‪.)1341‬‬
‫‪ -2‬النووي‪ ،‬المنهاج شرح صحيح مسلم‪.142/11 ،‬‬

‫‪27‬‬
‫وعن عطاء عنـد عبـد الـرزاق َّأنـه قـال‪ :‬كـان مـن مضـى ُيـؤتى إلـيهم بالسَّـارق‪ ،‬فيقـول‪ :‬أسـرقت قـل‬
‫وسمى أبا بكر وعمر رضي اهلل عنهما‪.‬‬ ‫ال‪َّ .‬‬
‫برجل فسأله‪ :‬أسرقت قل ال‪ .‬فقال‪ :‬ال‪ ،‬فتركه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وأخرج أيضاً عن عمر بن الخطاب أُتى‬
‫أن أبا هريرة أُتي بسار ٍ‬
‫ق فقال‪ :‬أسرقت قل ال‪ ،‬ثالثاً‪.‬‬ ‫وعن أبي هريرة عند ابن أبي شيبة‪َّ :‬‬
‫وعن أبي مسعود األنصاري في جامع سفيان َّ‬
‫أن امرأةً سرقت جمالً‪ ،‬فقال‪ :‬أسرقت قولي ال‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫قوله‪ :‬ما أخالك سرقت في ذلك دليل على َّأنه يستحب تلقين ما يسقط َّ‬
‫الحد"‪.‬‬
‫الضابط الثالث‪ :‬الرحمة بالمحدود‪:‬‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫َّ‬
‫ـول‬
‫س َ‬ ‫ش ْملَ ًة فَقَـالُوا‪َ :‬يـا َر ُ‬
‫ق َ‬ ‫س َر َ‬
‫ق َ‬ ‫سِ‬
‫ار ٍ‬ ‫عن أبى هريرة‪ :‬أن رسول اهلل ‪-‬صلى اهللُ عليه وسلم‪-‬أُت َي ِب َ‬
‫سـلَّ َم‪َ " :‬مـا إِ َخالُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ق‪:‬‬ ‫الس ِ‬
‫ـار ُ‬ ‫ـال َّ‬ ‫ق " قَ َ‬ ‫س َـر َ‬‫ـه َ‬ ‫صلَّى اهللُ َعلَ ْيه َو َ‬
‫سو ُل اهلل َ‬ ‫ال َر ُ‬
‫ق‪ ،‬فَقَ َ‬ ‫اهلل إِ َّن َه َذا قَ ْد َ‬
‫س َر َ‬
‫اح ِس ُموهُ‪ ،2‬ثُ َّم‬
‫ْه ُبوا ِب ِه فَا ْقطَ ُعوهُ‪ ،‬ثُ َّم ْ‬
‫سلَّ َم‪ " :‬اذ َ‬ ‫ِ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَ ْيه َو َ‬
‫ِ‬
‫سو ُل اهلل َ‬ ‫ال َر ُ‬‫اهلل‪ ،‬فَقَ َ‬‫ول ِ‬ ‫س َ‬‫َبلَى َيا َر ُ‬
‫ت إِلَى ِ‬ ‫ال‪ " :‬تُ ْب إِلَى ِ‬
‫اهلل َع َّز َو َج َّل "‪ ،‬قَ َ‬ ‫ا ْئتُوِني ِب ِه‪ ،‬فَقُ ِط َع فَأ ُِت َي ِب ِه‪ ،‬فَقَ َ‬
‫اب اهللُ‬ ‫ال‪ " :‬تَ َ‬ ‫اهلل‪ ،‬قَ َ‬ ‫ال‪ :‬تُْب ُ‬
‫‪6‬‬
‫َعلَ ْي َك "‪.‬‬

‫وجه الداللة‪ :‬تظهر عظمة _ النبي صلى اهلل عليه وسلم _ بالمتهم تلقينه بمـا يـد أر عنـه الحـد‪ ،‬ث َّـم‬
‫األمــر بحســم اليـ َّـد‪ ،‬حتــى ال يســري العط ـب إلــى ســا ر اليــد‪ .‬ثــم طلــب منــه التوبــة‪ ،‬ودعــا اهلل بقبــول‬
‫توبته‪.‬‬

‫الحد‪:‬‬
‫الضابط الرابع‪ :‬مراعاة مالبسات الحادثة قبل إقامة ّ‬
‫ـال‪:‬‬‫يد اْل ِه ْج َرةَ َحتَّـى إِ َذا َد َن ْوَنـا ِم َـن اْل َمِد َين ِـة‪ ،‬قَ َ‬
‫ادتِي ُن ِر ُ‬‫ت َم َع َس َ‬‫ال‪ ":‬أَ ْقَبْل ُ‬‫عن عمير َم ْولَى بِي اللَّ ْحِم‪ ،‬قَ َ‬
‫ـض‬ ‫ـال‪ :‬فَ َمـ َّـر بِــي َب ْعـ ُ‬ ‫اعـةٌ َشـ ِـد َ‬
‫يدةٌ‪ ،‬قَـ َ‬ ‫ـابني َم َج َ‬
‫ـال‪ :‬فَأَصـ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ـورِه ْم‪ ،‬قَـ َ‬
‫ـال‪ :‬قَـ َ‬ ‫فَـ َـد َخلُوا اْل َمِد َينـةَ َو َخلَّفُــونِي ِفــي ظُهُـ ِ‬
‫ت َحا ِطًــا‬ ‫ت ِمـ ْـن ثَ َم ِـر َح َوا ِ ِطهَــا‪ ،‬فَ َـد َخْل ُ‬
‫َص ْـب َ‬ ‫مـن ي ْخـرج ِمــن اْلمِد َين ِـة‪ ،‬فَقَــالُوا لِـي‪ :‬لَــو َد َخْل َ ِ‬
‫ـت اْل َمد َينـةَ‪ ،‬فَأ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ ُُ َ َ‬
‫صـلَّى اهللُ َعلَ ْي ِـه َو َسـلَّ َم َوأ ْ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فَقَطَع ُ ِ ِ‬
‫َخ َب َـرهُ‬ ‫ب اْل َحا ط‪ ،‬فَأَتَى بِي إِلَـى َر ُسـول اهلل َ‬ ‫صاح ُ‬ ‫ت م ْنهُ ق ْن َوْي ِن‪ ،‬فَأَتَاني َ‬ ‫ْ‬
‫َع ِطـي‬ ‫ـال‪ُ " :‬خـ ْذهُ " َوأ ْ‬ ‫َح ِد ِه َما‪ ،‬فَقَ َ‬
‫ت لَ ُه إِلَى أ َ‬ ‫ش ْر ُ‬ ‫ال لِي‪ " :‬أَي ُه َما أَف َ‬
‫ْض ُل؟ " فَأَ َ‬ ‫ان‪ ،‬فَقَ َ‬‫َخ َب ِري‪َ ،‬و َعلَ َّي ثَ ْوَب ِ‬
‫‪4‬‬
‫س ِبيلِي"‪.‬‬ ‫ِِ‬
‫ب ا ْل َحائط ْاآل َخ َر َو َخلَّى َ‬
‫ِ‬
‫صاح َ‬ ‫َ‬

‫‪ - 1‬الشوكاني‪ ،‬نيل األوطار‪.154/7 ،‬‬


‫ت مغلي حتى تس َّد العروق‪.‬‬ ‫‪ _ 2‬الحسم‪ :‬وضع اليد بعد إبانة الكفِّ منها في زي ٍ‬
‫‪ _ 3‬سنن البيهقي الكبرى ‪ ،471/2‬حديث (‪ ،)17254‬سنن الدار قطني ‪ ،47/4‬حديث (‪ .)3133‬قال األلباني‪ :‬ضعيف‪ .‬وقال الحاكم‪:‬‬
‫صحيح على شرط مسلم‪.‬‬
‫اريِّ ‪ ،273/33،‬حديث (‪ ،)21442‬صححه األلباني في السلسلة الصحيحة‪،‬‬ ‫‪ - 4‬أحمد بن حنبل‪ ،‬مسند أحمد‪ُ ،‬م ْسنَ ُد َع ْم ِرو ْب ِن َح ْز ٍم ْاألَ ْن َ‬
‫ص ِ‬
‫‪ ،74/3‬حديث(‪.)2521‬‬

‫‪22‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬أن النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬قد راعى حال هذا الرجـل‪ ،‬و َّ‬
‫أن الجـوع دفعـه للسـرقة‬
‫غرمــه قيمــة مــا أخــذه‪ ،‬فإنــه هنــا أخــذ أحــد ثوبيــه ودفعــه إلــى صــاحب النخــل‪ ،‬وبــذلك حفــظ‬
‫ولكــن َّ‬
‫لصاحب الحا ط ما أُخذ من حا طه‪.‬‬
‫ألن من اضطر ألكل مال الغير‪ ،‬فإن الضرورة تقتصر على إباحة إقدامه على أكل ما يدفع به‬
‫‪1‬‬
‫الضرورة بال إثم فقط‪ ،‬ولكن ال تدفع عنه الضمان‪.‬‬

‫الحد بالشبهة‪:‬‬
‫الضابط الخامس‪ :‬درء ِّ‬
‫ود‬
‫الح ُـد َ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ـال رسـو ُل اللَّ ِـه َّ َّ‬
‫صـلى اللـهُ َعلَ ْيـه َو َسـل َم‪ْ « :‬اد َرُءوا ُ‬ ‫َ‬ ‫عن عائشة رضي اهلل تعالى عنها قالت‪ :‬قَ َ َ ُ‬
‫الع ْف ِـو‬ ‫َن ي ْخ ِط ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ـه َم ْخ َـر ٌج فَ َخلـوا َ ِ‬ ‫استَطَ ْعتُ ْم‪ ،‬فَِإ ْن َك َ‬ ‫سلِ ِم َ‬
‫ـا فـي َ‬ ‫َ‬ ‫ـام أ ْ ُ‬ ‫سـبيلَ ُه‪ ،‬فَـإ َّن اإل َم َ‬ ‫ان لَ ُ‬ ‫ين َما ْ‬ ‫َع ِن ُ‬
‫الم ْ‬
‫ِ ‪2‬‬ ‫َن ي ْخ ِط ِ‬ ‫ِ‬
‫وبة»‪.‬‬ ‫العقُ َ‬
‫ا في ُ‬ ‫َخ ْيٌر م ْن أ ْ ُ َ‬
‫ص ــيَّة‪ ،‬ترج ــع إل ــى الحـــديث‬ ‫ي ــذهب جمه ــور الفقه ــاء إلـ ــى اعتب ــار درء الح ــدود بالش ــبهات قاع ــدة َن ِّ‬
‫ات‪ ،‬برواياتـه وألفاظـه‪ ،‬والـى جملـة مـن األحاديـث تتصـل‬ ‫ود بالشـبه ِ‬ ‫الح ُـد َ‬
‫َُ‬ ‫المشهور عندهم‪ْ :‬اد َرؤوا ُ‬
‫ؤيـ ُـدها‬ ‫الع َملَِّيـ ِـة فــي ذلــك‪ ،‬والــى جملــة مــن اآلثــار عــن الصــحابة ‪-‬رضــي اهلل عــنهم ‪ -‬كمــا ُي ِّ‬ ‫بالســنة َ‬
‫‪6‬‬
‫ضا َِّيةُ منذ عهد الخالفة الراشدة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الع َمل ُّي والسوابق القَ َ‬ ‫التطبيق َ‬
‫ـال اْل َم ْف َسـ ـ َـد ِة‬
‫ـت َّإال ِع ْنـ ـ َـد َكمـ ـ ِ‬
‫َ‬ ‫اب ُم ْح ِظـ ـ َـرةٌ فَـ ـ َـال تَثُْبـ ـ ُ‬
‫َسـ ـ َـب ٌ‬
‫ود أ ْ‬
‫ويقــــول العــــز بــــن عبــــد الســــالم‪َ ":‬واْل ُحـ ـ ُـد ُ‬
‫‪4‬‬ ‫وتَمح ِ‬
‫ُّضهَا"‪.‬‬ ‫َ َ‬
‫قال عبدالقادر عودة رحمه اهلل‪ ":‬من المبادئ العامة المقررة في الشريعة أن الخطأ في العفو خيـر‬
‫م ـن الخطــأ فــي العقوبــة‪ ،‬وأصــل هــذا المبــدأ قــول الرســول عليــه الســالم‪" :‬إن اإلمــام أن يخطــئ فــي‬
‫العفــو خيــر مــن أن يخطــئ فــي العقوبــة"‪ ،‬ومعنــى هــذا المبــدأ أنــه ال يص ـ الحكــم بالعقوبــة إال بعــد‬
‫التثبــت مــن أن الجــاني ارتكــب الجريمــة‪ ،‬وأن الــنص المحــرم منطبــق علــى الجريمــة‪ ،‬فــإذا كــان ثمــة‬
‫شك في أن الجاني ارتكـب الجريمـة‪ ،‬أو فـي انطبـاق الـنص المحـرم علـى الفعـل المنسـوب للجـاني‪،‬‬
‫وجــب العفــو عــن الجــاني‪ ،‬أي الحكــم ببراءتــه؛ ألن ب ـراءة المجــرم فــي حــال الشــك خيــر للجماعــة‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫وأدعى إلى تحقيق العدالة من عقاب البريء مع الشك‪".‬‬

‫‪ - 1‬الزرقا‪ ،‬شرح القواعد الفقهية‪.111/1 ،‬‬


‫‪ - 2‬سنن الترمذي‪ ،‬باب درء الحدود‪ 33/4 ،‬حديث (‪ ،)1424‬سنن البيهقي الكبرى‪ ،232/2،‬حديث (‪ .)17513‬و ُسنَن الدار قطني‬
‫(‪ .)24/3‬قال الشيخ األلباني‪ :‬ضعيف‪.‬‬
‫‪ - 3‬انظر‪ :‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع (‪)34/ 7‬؛ مالك‪ ،‬المدونة الكبرى (‪)513 / 4‬؛ ابن عبد البر‪ ،‬االستذكار (‪)13 / 2‬؛االقرافي‪ ،‬الذخيرة‬
‫(‪)31 / 12‬؛ الحطاب‪ ،‬مواهب الجليل(‪)252 / 3‬؛ الماوردي‪ ،‬الحاوي الكبير (‪)221 / 17‬؛ الغزالي‪ ،‬الوسيط (‪)443 / 3‬؛ السيوطي‪،‬‬
‫األشباه والنظائر(‪)122 / 1‬؛ابن مفلح‪ ،‬الفروع (‪)133 / 11‬؛البهوتي‪ ،‬كشاف القناع (‪.)72 / 3‬‬
‫‪ - 4‬العز بن عبد السالم‪ ،‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪.131/2 ،‬‬
‫‪ - 5‬عبد القادر عودة‪ ،‬التشريع الجنائي اإلسالمي مقارنا ً بالقانون الوضعي‪.233/1 ،‬‬

‫‪24‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫أهمية تطبيق الحدود وأثره على الفرد والمجتمع‬

‫ويشتمل على مطلبين‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أهمية تطبيق الحدود‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أثر تطبيق الحدود على الفرد والمجتمع‬

‫‪31‬‬
‫المطلب األول‬
‫أهمية تطبيق الحدود‬
‫تنبع أهمية تطبيق الحدود الشرعية من أهمية تطبيق األحكام الشرعية ككل بشكل عام‪ ،‬وذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬ألن الحــدود جــزء مــن منظومــة الشـ ار ع االســالمية التــي ُكلفــت بهــا األمــة االســالمية‪ ،‬فهــي‬
‫شريعة ربانية من عند اهلل‪.‬‬
‫‪ -1‬وكل ما شرع اهلل عز وجل فإنه يحقق السعادة لبني اإلنسان إذا ما التزموا به في حيـاتهم‪،‬‬
‫ألنه احتوى على قواعد تنظيم حياة اإلنسان‪ ،‬ويحقق له السعادة والخير‪.‬‬
‫‪ -6‬وفــي المقابــل حــد حــدوداً لحمايــة بنــي اإلنســان‪ ،‬مــن أن تنتهــك أو يعتــدى علــى أنفســهم أو‬
‫أموالهم أو أعراضهم‪ ،‬وصيانة دار اإلسالم عن الفساد‪.‬‬
‫‪ -4‬من هنا نرى أن االسالم قد قرر حقوق اإلنسان‪ ،‬بل وكفلها وصـانها مـن االعتـداء عليهـا‪،‬‬
‫منـ ُذ أكثــر مــن أربعــة عشــر قرًنــا مــن الزمــان‪ ،‬فهــي مقــررة بتقريــر اهلل ســبحانه وتعــالى لهــا‪،‬‬
‫وليست وضع بشرى‪.‬‬
‫ـن الطَّ ِّيبـ ِ‬
‫ـات‬ ‫ـاه ْم ِمـ َ‬
‫ـاه ْم ِفــي ا ْل َبـ ِّـر َوا ْل َب ْحـ ِـر َو َرَزْق َنـ ُ‬ ‫فقــد قــال اهلل تعــالى‪َ ﴿:‬ولَقَـ ْـد َك َّرْم َنــا َب ِنــي َ‬
‫آد َم َو َح َم ْل َنـ ُ‬
‫َ‬
‫يال﴾[اإلسراء‪.]70 :‬‬ ‫ير ِم َّم ْن َخلَ ْق َنا تَ ْف ِ‬
‫ضً‬ ‫اه ْم َعلَى َك ِث ٍ‬
‫ض ْل َن ُ‬
‫َوفَ َّ‬
‫‪ -5‬فتطبيـق الحـدود لـيس كمــا يـدعي الــبعض‪ ،‬مـن دعــاة حقـوق اإلنســان‪ ،‬أنهـا مخالفــة لحقــوق‬
‫اإلنسـان‪ ،‬وفيهــا قســوة شــديدة‪ ،‬ولكــن الحــق أن تطبيــق الحــدود هــو الضــامن الوحيــد للحفــاظ‬
‫على حقوق اإلنسان والمجتمع بأسره‪.‬‬
‫‪ -3‬ألن مــن اســتحق العقــاب هــو مجــرم‪ ،‬أجــرم فــي حــق نفســه أوالً وفــي حــق المجتمــع‪ ،‬الــذي‬
‫يع ــيش في ــه ثانيـ ـاً‪ ،‬فه ــذا المج ــرم ق ــد خ ــرج ع ــن إنس ــانيته كإنس ــان‪ ،‬واعت ــدى علـ ـى إنس ــانية‬
‫اآلخـرين كمجتمـع‪ ،‬فبالتـالي وجـب عقابـه‪ ،‬لكـي يرجـع الـى إنسـانيته مـرة أخـرى‪ ،‬التـي خـرج‬
‫عنها‪ ،‬ويأمن المجتمع من شره وشر أمثاله‪ ،‬فبهذا يعيش الفـرد فـي المجتمـع منـاً مطم نـاً‪،‬‬
‫ال يخشى أن ُيعتدى عليه‪ ،‬أو على أي حق من حقوقه‪.‬‬
‫‪ -7‬وهكذا نرى أن اإلسالم اعتبر االعتداء على الحقوق األساسية جريمة كبرى‪ ،‬ونص على‬
‫عقوبته ــا بم ــا أس ــمي بالح ــدود الش ــرعية‪ ،‬والح ــدود ه ــي العقوب ــات النص ــية الت ــي ال مج ــال‬
‫لالجتهاد فيها‪.1‬‬

‫‪ - 1‬أحمد الريسوني‪ ،‬محمد الزحيلي‪ ،‬محمد عثمان شبير‪ ،‬حقوق اإلنسان محور مقاصد الشريعة‪ ،‬ص‪.21‬‬

‫‪31‬‬
‫الحدود رحمة‪:‬‬
‫اإلسالم ينظر لحقوق اإلنسان على أنها منحة إلهية‪ ،‬ليست منحة من مخلوق لمخلوق مثلـه‪ ،‬يمـن‬
‫بها عليه إن شاء أو يسلبها منه متى شاء‪ ،‬بل هي حقوق قررها اهلل له بمقتضى فطرته اإلنسانية‪،‬‬
‫فهي تتمتع بقدر كاف من الهيبـة واالحتـرام والقدسـية فـال يتجـ أر شـخص علـى انتهاكهـا أو االعتـداء‬
‫عليهــا‪ ،‬وفــي تطبيــق الحــدود الشــرعية علــى المجــرمين خيــر وســيلة للقضــاء علــى الجريمــة‪ ،‬وخيــر‬
‫وسيلة لحفظ الدماء أن تسفك‪ ،‬والحياة من أن تهدر‪ ،‬واألعـراض مـن أن تنتهـك‪ ،‬واألنسـاب مـن أن‬
‫ـق‬
‫تختلط‪ ،‬واألموال من أن تضـيع أو تؤكـل بالباطـل‪ ،‬والعقـول مـن أن تختـل‪ ،‬وبهـذا يتبـين أن تطبي َ‬
‫ِ‬
‫الحدود رحمةٌ وحفاظٌ على الفرد والمجتمع‪ ،‬وليست قسوةً وعذاباً‪.‬‬

‫في حال التفريط بالحـدود وتركهـا مـع القـدرة عليهـا يوجـب العقوبـة للكافـة‪ ،‬فالعقوبـة إنمـا كانـت‬
‫على التهاون في الحدود عامة‪.‬‬
‫يقول ابن القيم رحمه اهلل‪ ":‬وعقوبـات الـذنوب نوعـان‪ :‬شـرعية وقدريـة‪ ،‬فـاذا أقيمـت الشـرعية رفعـت‬
‫العقوبات القدرية أو خففتها‪ ،‬وال يكاد الرب تعالى يجمـع علـى عبـده بـين العقـوبتين‪ ،‬إال إذا لـم ي ِ‬
‫ـف‬
‫أحــدهما يرفــع موجــب الــذنب‪ ،‬ولــم يكــن فــي زوال دا ــه‪ ،‬واذا عطلــت العقوبــات الشــرعية‪ ،‬اســتحالت‬
‫قدرية‪ ،‬وربما كانت أشد من الشرعية‪ ،‬وربما كانت دونها‪ ،‬ولكنهـا تعـم والشـرعية تخـص‪ ،‬فـان الـرب‬
‫تبـارك وتعـالى ال يعاقـب شــرعاً إالَّ مـن باشـر الجنايــة‪ ،‬أو تسـبب إِليهـا‪ ،‬وأمــا العقوبـة القدريـة‪ :‬فإنهــا‬
‫تقــع عامـةً وخاصـةً‪ ،‬فـإن المعصــية إذا خفيــت لــم تضـ َّـر إالَّ صــاحبها‪ ،‬واذا أعلنــت ضـ َّـرت الخاصــة‬
‫والعامة‪ .‬واذا رأي الناس المنكر فاشتركوا في ت ِ‬
‫ـرك إنكـاره‪ ،‬أَ ْو َشـ َك أن َي ُع َّمهـم اهللُ تعـالى بعقابـه‪ ،‬وقـد‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬ ‫ِ‬
‫قدر مفسدة الذنب وتقاضي الطبع لها" ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تقدم أن العقوبةَ الشرعيةَ شرَعها اهللُ سبحانه علي ِ‬

‫لذلك فإن اهلل تعالى أمرنا أن نقيم الحدود على أصحاب المعاصي‪ ،‬فإذا تخلينـا عـن إقامـة الحـدود‬
‫فإن هذه العقوبة الشرعية التي كان من المفـروض أن نقـوم بهـا نحـن‪ ،‬تتحـول بـإذن اهلل تعـالى إلـى‬
‫عقوبة عامة لألمة‪ ،‬وِان كان الحد الشرعي إنما يتناول العاصي فقط‪ ،‬فِإن العقوبة تحـل باألمـة إِذا‬
‫لم تقم بتطبيق الحـدود‪ ،‬ولهذا جاء في الحـديث أن النبـي صـلى اهلل عليـه وسـلم لمـا ُكلِّـم فـي المـرأة‬
‫المخزومية التي كانت تسرق‪ ،‬فقالوا‪ :‬من يكلم فيهـا رسـول اهلل صـلى اهلل عليـه وسـلم إال أسـامة بـن‬
‫ض َّل َم ْن قَ ْبلَ ُك ْم‪ ،‬أ ََّن ُه ْم‬
‫اس‪ ،‬إِ َّن َما َ‬ ‫زيد حبَّه وابن ِحّبه‪ ،‬فقال‪ :‬النبي صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬يا أَي َها َّ‬
‫الن ُ‬
‫الحـدَّ‪َ ،‬و ْاي ُـم اللَّ ِـه‪ ،‬لَ ْـو أ َّ‬
‫َن‬ ‫ِ‬
‫ـاموا َعلَ ْيـه َ‬
‫َّـع ُ ِ‬
‫يف فـي ِه ْم أَقَ ُ‬
‫ق الض ِ‬ ‫س َـر َ‬ ‫ق َّ‬
‫الش ِر ُ‬
‫يف تََرُكـوهُ‪َ ،‬وِا َذا َ‬ ‫َكا ُنوا إِ َذا َ‬
‫س َر َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫فَ ِ‬
‫سلَّ َم‪َ ،‬‬
‫صلَّى اهللُ َعلَ ْيه َو َ‬ ‫اط َم َة ِب ْن َ‬
‫‪1‬‬
‫ط َع ُم َح َّم ٌد َي َد َها»‬
‫س َرقَ ْت لَقَ َ‬ ‫ت ُم َح َّمد َ‬

‫‪ - 1‬ابن قيم الجوزية‪ ،‬الجواب الكافي‪.77/1 ،‬‬


‫‪ - 2‬سبق تخريجه‪ ،‬ص‪.24‬‬

‫‪32‬‬
‫إذاً يتبين لنا من هذا الحديث‪ ،‬أن سـبب هـالك َمـ ْن كـان قبلنـا‪ ،‬ألنهـم عطلـوا الحـدود‪ ،‬ولـم يقيموهـا‬
‫كم ــا أم ــر اهلل تب ــارك وتع ــالى‪ ،‬وان ك ــانوا يقيم ــون الح ــدود بش ــكل جز ـ ـي عل ــى الض ــعفاء والفقـ ـراء‪،‬‬
‫ويتركون الشرفاء‪ ،‬فهذا ظلم وتحايل على الدين‪ ،‬لذلك عمهم عقاب جمـاعي‪ ،‬ولقـد كـان هـذا التـرك‬
‫ين َكفَ ُـروا ِم ْـن‬
‫ـن الَّ ِـذ َ‬
‫للشريعة المنزلة سبباً في لعن اهلل لليهود وغضبه عليهم‪ ،‬كما قال تعـالى‪ { :‬لُ ِع َ‬
‫ون ‪َ )87‬كـا ُنوا ال‬ ‫يسـى ْاب ِـن َم ْـرَي َم َذلِ َ‬
‫ـك ِب َمـا َع َ‬
‫ص ْـوا َو َكـا ُنوا َي ْعتَ ُـد َ‬ ‫ان َد ُاوَد َو ِع َ‬
‫سِ‬ ‫ِ‬ ‫س َرِائ َ‬
‫يل َعلَى ل َ‬
‫ِ‬
‫َبني إِ ْ‬
‫ون ‪[} )87‬الما دة‪.]79-78 :‬‬ ‫اه ْو َن َع ْن ُم ْن َك ٍر فَ َعلُوهُ لَ ِب ْئ َ‬
‫س َما َكا ُنوا َي ْف َعلُ َ‬ ‫َيتََن َ‬
‫ـر يل‪ ،‬فيمــا أنــزل علــى داود نبيــه‪ ،‬عليــه‬
‫ففــي اآليــة يخبــر تعــالى‪ :‬أنــه لعــن الكــافرين مــن بنــي إسـ ا‬
‫السـالم‪ ،‬وعلــى لسـان عيســى ابــن مـريم‪ ،‬بســبب عصــيانهم هلل واعتـدا هم علــى خلقــه‪ .‬ثـم بــين حــالهم‬
‫ون}‬ ‫اه ْو َن َع ْن ُم ْن َك ٍر فَ َعلُوهُ لَ ِب ْئ َ‬
‫س َما َكا ُنوا َي ْف َعلُ َ‬ ‫فيما كانوا يعتمدونه في زمانهم‪ ،‬فقال‪َ { :‬كا ُنوا ال َيتََن َ‬
‫أي‪ :‬كــان ال ينه ـى أحـ ٌـد مــنهم أحـ ًـدا عــن ارتكــاب الم ـ ثم والمحــارم‪ ،‬ثــم ذمهــم علــى ذل ـك ليحــذر أن‬
‫ب مثل الذي ارتكبوا‪ ،‬فقال‪{ :‬لَ ِب ْئ َ‬
‫‪1‬‬
‫ون}‪.‬‬
‫س َما َكا ُنوا َي ْف َعلُ َ‬ ‫ُي ْرت َك َ‬

‫ومعلوم أن أكبر إنكار ونهي عن المنكر هو إقامـة الحـدود التـي هـي بمثابـة الزواجـر عـن ارتكـاب‬
‫الفاحشة والظلم في األرض‪ ،‬ولو أقاموا الحدود لكان هذا أكبر نهي عن المنكر‪.‬‬
‫فت به‪ ،‬من تحكيم الشريعة واقامة‬‫واألمة االسالمية ليست معصومة من العقاب‪ ،‬إِذا لم تَقُ ْم بما ُكلَّ ْ‬
‫الحدود‪ ،‬واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ .‬فالواجب علـى األمـة االسـالمية أن تكـون مسـتقيمة‬
‫ثابتــة علــى المــنهج الربــاني القــويم‪ ،‬وعــدم الميــل أو الركــون الــى المن ـاهج الوضــعية المخالفــة لشــرع‬
‫اهلل‪.‬‬
‫وأنها إن تركت ذلك وركنت إلى الظـالمين فـي شـيء مـن تشـريعهم الباطـل فـإن لعنـة اهلل وعقوبتـه‬
‫تحل بهم كما حلت باألمم السالفة‪.‬‬
‫ـير‪َ -‬وال تَْرَك ُنـوا إِلَـى‬ ‫ـه ِبمـا تَعملُ َ ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬فَاستَ ِقم َكما أ ِ‬
‫ـون َبص ٌ‬ ‫اب َم َع َك َوال تَ ْط َغ ْوا إن ُ َ ْ َ‬ ‫ت َو َم ْن تَ َ‬ ‫ُم ْر َ‬ ‫ْ ْ َ‬
‫النــار ومــا لَ ُكــم ِمـ ْـن ُد ِ ِ ِ‬ ‫الَّـ ِـذ َ‬
‫ون} [هــود‪-111:‬‬ ‫صـ ُـر َ‬ ‫ون اللَّــه مـ ْـن أ َْولِ َيـ َ‬
‫ـاء ثُـ َّم ال تُْن َ‬ ‫ْ‬
‫َّ‬
‫س ـ ُك ُم ُ َ َ‬ ‫ين ظَلَ ُم ـوا فَتَ َم َّ‬
‫‪.]111‬‬
‫التحاكم إلى كل ما يخالف شرع اهلل عز وجل‪ ،‬وتعطيل أحكام الحدود‪ ،‬ينافي االيمان‪.‬‬
‫اح ًدا} [التوبـة‪ ]61:‬أي‪ :‬الـذي إذا حـرم الشـيء فهـو‬‫ولهذا قال تعالى‪{ :‬وما أُ ِمروا إِال لِيعب ُدوا إِلَها و ِ‬
‫ً َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ََ ُ‬
‫الحرام‪ ،‬وما حلله حل‪ ،‬وما شرعه اتبع‪ ،‬وما حكم به نفذ‪.‬‬
‫ـركاء والنظـر ِ‬
‫ون} أي‪ :‬تعـالى وتق َّـدس وتن َّـزه عـن الش ِ‬
‫اء واألعـو ِ‬
‫ان‬ ‫ش ِـرُك َ‬ ‫{ال إِلَ َه إِال ُه َـو ُ‬
‫س ْـب َحا َن ُه َع َّمـا ُي ْ‬
‫‪1‬‬
‫رب سواه‪.‬‬‫األضداد واألوالد‪ ،‬الَ إلهَ إالَّ ُه َو‪ ،‬وال َّ‬ ‫ِ‬ ‫و‬

‫‪- 1‬ابن كثير‪ ،‬تفسير القرآن العظيم‪131/3 ،‬‬


‫‪ - 2‬المرجع السابق‪.135/4 ،‬‬

‫‪33‬‬
‫إِ َّن التحــاكم إلــى شــرع اهلل مــن مقتضــى شــهادة أن ال إلــه إال اهلل‪ ،‬وأن محمـ ًـدا عبــده ورســوله‪ ،‬فــإن‬
‫التحاكم إلى الطواغيت وما يخالف شرعه‪ ،‬ينـافي اإليمـان بـاهلل عـز وجـل‪ ،‬وهـو كفـر وظلـم وفسـق‪،‬‬
‫ون} [الما دة‪.]44 :‬‬ ‫يقول اهلل تعالى‪{ :‬وم ْن لَم ي ْح ُكم ِبما أَ ْن َز َل اللَّ ُه فَأُولَ ِئ َك ُهم ا ْل َك ِ‬
‫اف ُر َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ ْ َ ْ َ‬
‫وبين تعالى أن الحكـم بغيـر مـا أنـزل اهلل سـبب مـن أسـباب الفتنـة‪ ،‬وأن اإلعـراض عـن حكـم اهلل‬ ‫ّ‬
‫اح ُكـ ْـم‬
‫َن ْ‬‫تعــالى ســبب لحلــول عقابــه‪ ،‬وبأســه الــذي ال يــرد عــن القــوم الظــالمين‪ ،‬يقــول ســبحانه‪َ { :‬وأ ِ‬
‫ـك فَـِإ ْن‬ ‫ـض َمـا أَ ْن َـز َل اللَّ ُ‬
‫ـه إِلَ ْي َ‬ ‫ـوك َع ْـن َب ْع ِ‬ ‫َن َي ْف ِت ُن َ‬ ‫احـ َذ ْرُه ْم أ ْ‬
‫اء ُه ْم َو ْ‬
‫َه َـو َ‬ ‫ـه َوَال تَتَِّب ْ‬
‫ـع أ ْ‬ ‫َب ْي َن ُه ْم ِب َما أَ ْن َـز َل اللَّ ُ‬
‫ون ‪)17‬‬ ‫اس ـقُ َ‬ ‫ـاس لَفَ ِ‬‫النـ ِ‬ ‫ـن َّ‬‫ـر ِمـ َ‬
‫ض ُذ ُنــوِب ِه ْم َوِا َّن َك ِثيـ ًا‬‫ـيب ُه ْم ِبـ َـب ْع ِ‬ ‫ـه أ ْ ِ‬ ‫ـاعلَ ْم أ ََّن َمــا ُي ِريـ ُـد اللَّـ ُ‬
‫تََولَّـ ْـوا فَـ ْ‬
‫َن ُيصـ َ‬
‫ون ‪[ } )05‬الما دة‪.]50 - 49 :‬‬ ‫س ُن ِم َن اللَّ ِه ُح ْك ًما لِقَ ْوٍم ُيوِق ُن َ‬ ‫َح َ‬
‫ون َو َم ْن أ ْ‬ ‫َّة َي ْب ُغ َ‬‫اهلِي ِ‬ ‫أَفَح ْكم ا ْلج ِ‬
‫ُ َ َ‬

‫‪34‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫أثر تطبيق الحدود على الفرد والمجتمع‬

‫أساس الحدود في اإلسالم‪ :‬أنها ضابط يحفظ التوازن بين حقوق الفرد والجماعة معاً‪.‬‬
‫‪ -1‬فمــن حــق الفــرد علــى الجماعــة‪ :‬تحقيــق مصــالحه وحفظهــا‪ ،‬وصــيانة حياتــه ومقوماتهــا‪،‬‬
‫والعمل على حمايته ليس فقط من غيره‪ ،‬بل من نفسه كذلك‪.‬‬
‫‪ -1‬وللمجتمع كذلك الحق في صيانة كيانه من كل اعتداء أو مسـاس‪ ،‬وفـي الحصـول علـى‬
‫حياة منة وادعة تتسم بالطهر والعفاف‪ ،‬وجميع الج ار م التي حرمها اإلسالم إنما هي مـن‬
‫النوع الذي لـو تـرك وشـأنه ألدى الضـطراب المجتمـع واشـاعة الفوضـى والقالقـل فيـه‪ ،‬فـال‬
‫بد من رادع يردع من يخرج على هذا القانون اإللهي الذي شرعه المولى عز وجل‪.‬‬
‫‪ -6‬وينبغــي أن ُيعلــم أن اإلســالم ال يعتمــد علــى العقوبــة فــي إنشــاء الحيــاة النظيفــة‪ ،‬بــل إنمــا‬
‫يعتمد على الوازع الديني‪ ،‬ولذلك اإلسالم قبل أن يحـرم الزنـا‪ ،‬والقـذف‪ ،‬والشـرب‪ ،‬والسـرقة‪،‬‬
‫والقتــل َب َّغـ َ‬
‫ض فعلهــا إلــى قلــوب الخلــق‪ ،‬ونفــرهم وزجــرهم وبــين لهــم المغــرم الــذي لــو أقــدموا‬
‫على هذا الذنب لتحملوا نتيجة فعلهم المشين‪ ،‬وفي القرن والسـنة الـنص علـى هـذه الجـ ار م‬
‫وعقوباتها‪.‬‬
‫‪ -4‬تكفل اهلل سبحانه وتعالى‪ -‬وهو العليم بمـا خلـق وبمـا يضـر اإلنسـان ومـا ينفعـه‪ -‬بتعيـين‬
‫هــذه الج ـ ار م‪ ،‬وتقــدير عقوبــات مناســبة لخطورتهــا ومــدى تأثيرهــا الســلبي علــى حيــاة الفــرد‬
‫والمجتمع اإلسالمي بل اإلنساني ككل‪.‬‬
‫‪ -5‬لهذا نجـد أن االسـالم اعتنـى عنايـة بالغـة‪ ،‬فـي إعـداد الفـرد إعـداداً أخالقيـاً فاضـالً َّبنـ ً‬
‫اء‪،‬‬
‫فالفرد هو اللبنة األولى في وحدة وبناء المجتمع‪ ،‬ففي صالح الفرد صالح المجتمـع الـذي‬
‫هو جزٌء منه‪.‬‬
‫‪ -3‬فهــذا يؤكــد علــى أن بنــاء الفــرد المســلم علــى العقيــدة واألخــالق اإلســالمية‪ ،‬هــو مقدمــة‬
‫ضرورية‪ ،‬إلقامة البنيان االجتماعي‪ ،‬الذي تحتل الحدود فيه مكان الحراسة والحفاظ علـى‬
‫مقدســاته‪ .‬بنــاء الفــرد أوالً‪ ،‬وبنــاء المجتمــع بمقوماتــه اإلســالمية ثانيـاً‪ ،‬ثــم يــأتي الــدور إقامــة‬
‫الحدود سياجاً‪ ،‬وتحصيناً‪ ،‬وتأميناً‪ ،‬لما تم تشيده‪ ،‬هذا ما حـدث فـي إقامـة مجتمـع اإلسـالم‬
‫‪1‬‬
‫ألول مرة‪.‬‬

‫‪ - 1‬محمد حسين الذهبي‪ ،‬أثر إقامة الحدود في استقرار المجتمع‪ ،‬صفحة ‪.13‬‬

‫‪35‬‬
‫إن إقامــة حــد مــن حــدود اهلل عبــادة هلل تعــالى ورحمــة بــالخلق‪ .‬بــل أعظــم بكثيــر مــن العبــادات‬
‫الفردية‪ ،‬ألن نفعها جماعي‪ ،‬وال شك أن العبادات التي يكون نفعها متعد أفضل من العبادات التي‬
‫يكون نفعها قاصر على الفرد‪.‬‬
‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية‪:‬‬
‫"فإن إقامة الحد من العبادات كالجهاد في سبيل اهلل‪ ،‬فينبغي أن يعرف أن إقامة الحدود رحمة مـن‬
‫اهلل بعباده‪ ،‬فيكون الـوالي شـديدا فـي إقامـة الحـد ال تأخـذه أرفـة فـي ديـن اهلل فيعطلـه‪ ،‬ويكـون قصـده‬
‫رحمة الخلق بكف الناس عن المنكـرات‪ ،‬ال شـفاء لغيظـه وارادة العلـو علـى الخلـق بمنزلـة الوالـد إذا‬
‫أدب ولـده فإنــه لــو كــف عــن تأديــب ولــده ‪-‬كمــا تشـير بــه األم رقــة و أرفــة‪ -‬لفســد الولــد‪ ،‬وانمــا يؤدبــه‬
‫رحمة به واصالحا لحاله؛ مع أنه يود ويؤثر أن ال يحوجه إلى تأديب وبمنزلة الطبيب الذي يسقى‬
‫الم ـريض الــدواء الكريــه‪ ،‬وبمنزلــة قطــع العضــو المت كــل‪ ،‬وقطــع العــروق بالفصــاد‪ ،‬ونحــو ذلــك بــل‬
‫‪1‬‬
‫بمنزلة شرب اإلنسان الدواء الكريه‪ ،‬وما يدخله على نفسه من المشقة لينال به الراحة"‪.‬‬

‫قال الزحيلي‪ ":‬ولقد أثبت التاريخ أن المجتمع اإلسالمي عندما طبق الحدود الشرعية‪ ،‬عاش مناً‬
‫مطم ناً على أمواله وأعراضه ونظامه‪ ،‬حتى إن المجرم نفسه كان يسعى إلقامة الحد عليه‪ ،‬رغبة‬
‫في تطهير نفسه‪ ،‬والتكفير عن ذنبه‪ .‬هذا مع العلم بأن تطبيق القصاص والحدود يتطلب تشدداً‬
‫كبي اًر في شروط إثبات الجريمة‪ ،‬إلى أن قال‪ :‬إن القسوة على المجرم رحمة عامة للمجتمع في‬
‫مجموعه‪ ،‬حتى يتخلص من الجريمة وخطرها الوبيل‪ ،‬والتضحية بعدد محدود من المجرمين أهون‬
‫كثي اًر من ترك الجريمة تفتك ب الف األبرياء‪ .‬والشريعة اإلسالمية هي شريعة الرحمة الحقة‬
‫بالناس‪ ،‬واهلل سبحانه أدرى بما يعالج به خطر بعض المجرمين وهو أرحم بهم‪.‬‬
‫وقد أدى كل هذا إلى أن يكون تطبيق الحد ناد اًر جداً في المجتمع اإلسالمي‪ ،‬فقطـع اليـد مـثالً فـي‬
‫‪1‬‬
‫السعودية ال يزيد عن حالة واحدة أو حالتين طوال العام"‪.‬‬

‫التمهيد إلقامة الحدود‪:‬‬


‫ألن فــي إقامــة الحــدود دون تمهيــد إلقامتهــا‪ -‬وذلــك ببنــاء الفــرد والمجتمــع كمــا تقــدم‪ ،‬علــى أســس‬
‫إســالمية‪ -‬يكــون فيهــا نوع ـاً مــن الظلــم لمــن تــورط فــي ارتكــاب جريمــة مــن الج ـ ار م التــي تســتوجب‬
‫الح ــد‪ ،‬تورطـ ـاً م ــرده س ــوء التنشـ ـ ة‪ ،‬أو ال ــى س ــوء التنظ ــيم االجتم ــاعي وتنكب ــه ع ــن منط ــق الع ــدل‬
‫والتكافل‪ ،‬وهما من دعا م مجتمع المسلمين‪.‬‬

‫‪ - 1‬ابن تيمية‪ ،‬مجموع الفتاوى‪.331-324/22 ،‬‬


‫‪ - 2‬الزحيلي‪ ،‬الف ْقه اإلسالمي وأدلَّته‪.337-333/4 ،‬‬

‫‪33‬‬
‫إذن إذا كان المجتمع ال يقوم على أسس إسالمية‪ ،‬وال يوفر للفرد مقومات الحياة‪ ،‬يكون هناك من‬
‫ـدود بـرغم وجـود هـذه الشـبهات الدار ـة‬
‫الشبهات ما يكفي للتوقف في إقامة الحـدود‪ ،‬واذا أُقيمـت الح ُ‬
‫‪1‬‬
‫لها‪ ،‬كانت إقامتها مما ال يرضى عنه اهلل‪ ،‬وال يتسق مع أمره بالعدل واإلحسان‪.‬‬

‫إن العقوبة إن لم تكن مساوية بالجناية من حيث اكتمالها‪ ،‬فال يجوز أن تزيد عنها بحال من‬
‫األحوال‪ .‬فإذا ما شابت الجناية شبهة‪ ،‬فالعقاب عليها بالعقوبة المقررة للجناية الكاملة ظلم وجور‪،‬‬
‫يأباهما عدل اإلسالم وانصافه‪.‬‬
‫يقول الكاساني‪ ":‬وألن َّ‬
‫الحد عقوبةٌ متكاملةٌ فتستدعي جنايةً متكاملةً"‪.1‬‬

‫وان كان في إقامة الحـدود مصـلحة‪ ،‬إال أن الضـرر الـذي يقـع بسـببها علـى مـن تقـام عليـه ضـرر‬
‫ظلم‪ ،‬واهللُ ال يحب الظالمين‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الضرر بدون تأكد موجبه ٌ‬ ‫َ‬ ‫فادح فال يجوز؛ ألن‬
‫يقــول الشــوكاني‪ " :‬وال شـ َّ‬
‫ـك أن إقامــة الحـ ِّـد إض ـرٌار بمــن ال يجــوز اإلض ـرار بــه وهــو قبــي عق ـالً‬
‫وشرعاً فال يجوز منه إال ما أجازه الشارع كالحدود والقصاص وما أشـبه ذلـك بعـد حصـول اليقـين؛‬
‫ألن مجرد الحدس والتهمة والشك مظنة للخطإ والغلط‪ ،‬وما كان كذلك فال يستباح بـه تـأليم المسـلم‬
‫واض ارره بال خالف"‪.6‬‬
‫اإلسالم دين شامل متكامل بعقائده وتشريعاته وأحكامه‪:‬‬
‫ويجــب علــى المســلمين األخــذ بــه‪ ،‬والتحــاكم إليــه‪ ،‬وعــدم التفريــق بــين أحكامــه بحيــث يعمــل بـ ٍ‬
‫ـبعض‬
‫بعضا وقد ذم اهلل ‪-‬عز وجل‪-‬هذا المسلك‪.‬‬ ‫ويترك ً‬
‫ون ِب َب ْع ٍ‬
‫ض} [البقرة‪.]85 :‬‬ ‫ض ا ْل ِكتَ ِ‬
‫اب َوتَ ْكفُُر َ‬ ‫كما قال تعالى‪{ :‬أَفَتُ ْؤ ِم ُن َ‬
‫ون ِب َب ْع ِ‬
‫والحــدود جــزء ال تتج ـ أز مــن تشــريعات اإلســالم وقــد شــرعت لحكــم ومقاصــد عظيمــة حيــث يتحقــق‬
‫بإقامتهــا المحافظــة علــى الضــروريات التــي جــاءت الش ـريعة بحفظهــا وهــي حفــظ الــدين‪ ،‬والــنفس‪،‬‬
‫والعقل‪ ،‬والعرض‪ ،‬والمال‪ .‬واهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪-‬شـرع هـذه الحـدود‪ ،‬وأمـر بالعـدل وأداء الحقـوق‪،‬‬
‫ونهى عن الظلم‪ ،‬وأكل أموال الناس بالباطل‪.‬‬

‫نتبين من هذا إذا تأسس الفرد والمجتمع إسالمياً‪ ،‬وتوفرت مقومات الحياة للجميع‪ ،‬ويعلم الجميع‬
‫مــا لــه مــن حقــوق ومــا عليــه مــن واجبــات‪ ،‬وأنــه ال يجــوز لــه أن يعتــدي علــى غيـره‪ ،‬بــأي شــكل مــن‬
‫أش ــكال االعت ــداء‪ ،‬وأن يعل ــم أن الجمي ــع أم ــام الش ــرع س ــواء‪ ،‬فهن ــا أص ــب مجتمعـ ـاً فاضـ ـالً ِقوام ــه‬

‫‪ - 1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ،13‬بتصرف‪.‬‬


‫‪ - 2‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪.34/7 ،‬‬
‫‪ - 3‬الشوكاني‪ ،‬نيل األوطار‪.124/7 ،‬‬

‫‪37‬‬
‫األخالق ومتماسك‪ ،‬فبعد هذا من اعتدى على وحدة المجتمع الفاضل صاحب المنهج اإللهي‪ ،‬فقد‬
‫استحق العقوبة المناسبة لفعله‪ ،‬المقررة في الكتاب والسنة‪.‬‬

‫فما أثر تطبيق هذه العقوبة على الفرد والمجتمع؟‬


‫قــدمنا فيمــا ســبق أن الحــدود شــرعت‪ ،‬لتك ـون ســياجاً وحارس ـاً‪ ،‬للحفــاظ علــى الفــرد والمجتمــع‪ ،‬الــذي‬
‫أُس ــس عل ــى العقي ــدة الص ــحيحة‪ ،‬واألخ ــالق الكريم ــة والمحافظ ــة عل ــى الض ــروريات الت ــي ج ــاءت‬
‫الش ـريعة بحفظهــا وهــي‪ -1 :‬حفــظ الــدين‪-1 ،‬والــنفس‪-6 ،‬والعقــل‪-4 ،‬والعــرض‪-5 ،‬والمــال‪ ،‬فمــن‬
‫تعدى الحدود‪ ،‬استحق العقوبة التي تكـون ردعـاً وزجـ اًر لـه ولغيـره ممـن يفكـر فـي اإلقـدام واالعتـداء‬
‫على حرمات اهلل –سبحانه وتعالى‪.-‬‬
‫قال ابن القيم‪ ":‬إِن اهلل تعـالى أَوجـب الحـدود علـى مرتكبـي الجـ ار م التـي تتقاضـاها الطبـاع‪ ،‬ولـيس‬
‫عليهــا وازع طبيعــي‪ ،‬والحــدود عقوبــات ألربــاب الج ـ ار م فــي الــدنيا كمــا جعلــت عقــوبتهم فــي اآلخ ـرة‬
‫بالنـار إذا لــم يتوبـوا‪ ،‬ثـم إنــه تعــالى جعـل التا ــب مــن الــذنب كمـن ال ذنــب لــه‪ ،‬فمـن لقيــه تا بـاً توبـةً‬
‫‪1‬‬
‫نصوحاً لم يعذبه مما تاب منه"‪.‬‬
‫ننتقل إلى الحديث عن أنواع الحدود‪ ،‬وأثر تطبيقها على الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬حد الردة وأثر تطبيقه على الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫شرع حد الردة لحفظ الـدين الـذي يعتبـر مـن أهـم مقاصـد الشـريعة اإلسـالمية‪ ،‬الـذي مـن أجلـه‬ ‫ُ‬
‫ون} [الذاريات‪.]53:‬‬‫س إِالَّ لِ َي ْع ُب ُد ِ‬ ‫ت ا ْل ِج َّن َو ِْ‬
‫اإل ْن َ‬ ‫خلقت البشرية‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬وما َخلَ ْق ُ‬
‫وقد شرع اهلل‪-‬سبحانه وتعالى‪-‬وسا ل لحفظ الدين‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬ترســيخ أصــول وأركــان اإليمــان فــي نفــوس العبــاد‪ ،‬وقــد أبــان القــرن الك ـريم أصــول اإليمــان‬
‫وأركانه‪.‬‬
‫الئ َك ِت ِه َو ُكتُِب ِه‬
‫ون ُك ٌّل آم َن ِباللَّ ِه وم ِ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫سو ُل ِبما أُْن ِز َل إِلَ ْي ِه ِم ْن َرِّب ِه َوا ْل ُم ْؤ ِم ُن َ‬
‫الر ُ‬
‫آم َن َّ‬
‫فقال اهلل تعالى‪َ { :‬‬
‫ــير}‬ ‫ِ‬ ‫ــن رســـلِ ِه وقـــالُوا سـ ِ‬ ‫ق بـ ْــي َن أ ٍ ِ‬ ‫ور ِ ِ‬
‫ــك ا ْل َمصـ ُ‬ ‫ــك َربَّنـــا َوِالَ ْيـ َ‬
‫ط ْعنـــا ُغ ْف ار َنـ َ‬
‫ــم ْعنا َوأَ َ‬ ‫َ‬ ‫َحـــد مـ ْ ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ســـله ال ُنفَـ ِّــر ُ َ‬
‫َُ ُ‬
‫[البقرة‪.]185:‬‬
‫وصدق معه‬‫ّ‬ ‫صدق الرسول بالذي أنزل إليه من ربه من اآليات واألحكام‪،‬‬ ‫في معنى هذه اآلية‪ّ :‬‬
‫المؤمنــون‪ ،‬كلهــم من ـوا بوجــود اهلل ووحدانيتــه وبوجــود المال كــة‪ ،‬وبــإنزال الكتــب مــن اهلل‪ ،‬وبإرســال‬
‫الرســل الك ـرام‪ ،‬دون تفريــق بــين أحــد مــن رســله‪ ،‬وطاعــة كــل مــا أمــر بــه ســبحانه وتعــالى‪ ،‬طاعــة‬
‫‪1‬‬
‫إذعان وانقياد‪.‬‬

‫‪ - 1‬ابن قيم الجوزية‪ ،‬إعالم الموقعين‪.144/3 ،‬‬


‫‪ - 2‬انظر‪ :‬الزحيلي‪ ،‬التفسير الوسيط للزحيلي‪.134/1 ،‬‬

‫‪32‬‬
‫النطق بالشـهادتَْي ِن‪ ،‬للحفـاظ علـى‬
‫ُ‬ ‫ثانياً‪ :‬أصول العبادات من صالة وزكاة وصيام وحج ومن قبلها‬
‫الدين خالصاً راسخاً في نفوس العباد‪.‬‬
‫وذلك فيما يلي‪:‬‬
‫شرعت الصالة فهي تنهى عن ارتكاب الفواحش والمنكرات‪ ،‬وفيهـا ذكـر اهلل المهـيمن علـى‬ ‫‪ُ -1‬‬
‫السـ ّـر والعلــن‪ ،‬وادامــة ال ـ ّذكر وترطيــب اللســان بــه يشــعر المصــلي بكمــال‬
‫كــل شــيء فــي ّ‬
‫عظمة اهلل‪ ،‬وذكر اهلل أكبر من كل شيء في هذا العالم على اإلطالق‪.‬‬
‫الصـالةَ تَ ْنهـى ع ِـن ا ْلفَ ْح ِ‬
‫شـاء‬ ‫تاب َوأ َِقِم َّ‬
‫الصالةَ إِ َّن َّ‬ ‫ُوحي إِلَ ْي َك ِم َن ا ْل ِك ِ‬‫ِ‬
‫َ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬ا ْت ُل ما أ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون} [العنكبوت‪.]45:‬‬ ‫َوا ْل ُم ْن َك ِر َولَذ ْك ُر اللَّه أَ ْك َب ُر َواللَّ ُه َي ْعلَ ُم ما تَ ْ‬
‫ص َن ُع َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َـدقَ ًة تُطَ ِّه ُـرُه ْم‬‫شرعت الزكاة لطهارة المال وتزكية الـنفس‪ .‬قال تعـالى‪ُ { :‬خـ ْذ م ْـن أ َْم َـوال ِه ْم َ‬ ‫‪ُ -1‬‬
‫َوتَُزِّكي ِه ْم ِب َها} [التوبة‪.]106 :‬‬
‫شرع الصوم تهذيباً للنفس البشرية وتقويماً لها‪ ،‬وطريقاً إلعداد النفس لتقـوى اهلل ع ّـز وجـ ّل‬ ‫‪ُ -6‬‬
‫الس ــر والعل ــن‪ ،‬ومدرسـ ـةً للص ــبر والجه ــاد‪ ،‬والص ــيام ل ــيس مفروض ــا عل ــى المس ــلمين‬
‫ف ــي ّ‬
‫وحدهم‪ ،‬وانما هو عبادة قديمة مفروضة في مختلف الش ار ع اإللهية‪.‬‬
‫ين ِم ْن قَ ْبلِ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم‬
‫ب َعلَى الَِّذ َ‬ ‫ِ‬
‫يام َكما ُكت َ‬
‫الص ُ‬
‫ب َعلَ ْي ُك ُم ِّ‬ ‫ِ‬
‫آم ُنوا ُكت َ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬يا أَي َها الَِّذ َ‬
‫ين َ‬
‫ون} [البقرة‪.]186 /:‬‬ ‫تَتَّقُ َ‬
‫شرع الحج لمنافع دينية ودنيوية واجتماعية وتربوية كثيرة‪ ،‬دينية بالظفر برضوان اهلل والجنة‪،‬‬
‫‪ُ -4‬‬
‫والتجارات‪ ،‬وتعارف المسلمين‪ ،‬وليذكروا اسم اهلل‪ ،‬أي يحمدوه‬ ‫ودنيوية بتحقيق منافع البدن والذبا‬
‫ويشكروه‪ ،‬ويثنون عليه بالتكبير والتسبي ‪.‬‬
‫نافع لَهم وي ْذ ُكروا اسم اللَّ ِه ِفي أَي ٍ‬
‫َّام َم ْعلُومات} [الحج‪.]18:‬‬ ‫ِ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬لِ َي ْ‬
‫َْ‬ ‫ش َه ُدوا َم َ ُ ْ َ َ ُ‬

‫ثالثاً‪ :‬وجوب الدعوة إلى اهلل واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وذلك بتكوين جماعة منظمة‬
‫موحدة‪ ،‬ال ترهب أحداً‪ ،‬وتقول الحق‪ ،‬وترفع الظلم‪ ،‬وال تخشى في اهلل لومة الئم‪.‬‬
‫وف وي ْنهو َن ع ِن ا ْلم ْن َك ِر وأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُم ٌة َي ْد ُع َ ِ‬ ‫قال تعالى‪َ { :‬وْلتَ ُك ْن ِم ْن ُك ْم أ َّ‬
‫ُولئ َك‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ون ِبا ْل َم ْع ُر َ َ َ ْ َ‬ ‫ْم ُر َ‬‫ون إلَى ا ْل َخ ْي ِر َوَيأ ُ‬
‫ُه ُم ا ْل ُم ْفلِ ُحو َن} [ ل عمران‪.]104:‬‬
‫ـال‪َ « :‬مـا ِم ْـن‬ ‫صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪ -‬قَ َ‬ ‫َن رس َ ِ‬ ‫اهلل ْب ِن م ْس ُع ٍ‬ ‫وعن عبِد ِ‬
‫ول اهلل‪َ -‬‬ ‫ضي اهللُ عنه‪ ،-‬أ َّ َ ُ‬ ‫ود‪َ -‬ر ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َْ‬
‫س َّـن ِت ِه َوَي ْقتَ ُـد َ‬
‫ون‬ ‫اب َيأْ ُخـ ُذو َن ِب ُ‬
‫ـح ٌ‬ ‫َص َ‬
‫ـون‪َ ،‬وأ ْ‬
‫اري َ‬ ‫ُم ِت ِـه َح َو ِ‬
‫ـه ِم ْـن أ َّ‬ ‫ُم ٍة قَ ْبلِي إَِّال َك َ‬
‫ان لَ ُ‬ ‫َن ِب ٍّي َب َعثَ ُه اهللُ ِفي أ َّ‬
‫ون‪ ،‬فَ َم ْـن‬‫ـون َمـا َال ُي ْـؤ َم ُر َ‬ ‫ـون‪َ ،‬وَي ْف َعلُ َ‬
‫ـون َمـا َال َي ْف َعلُ َ‬
‫ـوف َيقُولُ َ‬ ‫ف ِم ْـن َب ْع ِـد ِه ْم ُخلُ ٌ‬ ‫ِبأ َْم ِرِه‪ ،‬ثُ َّم إِ َّن َها تَ ْخلُ ُ‬

‫‪34‬‬
‫اه َـد ُه ْم ِب َق ْل ِب ِـه فَ ُه َـو ُم ْـؤ ِم ٌن‪،‬‬
‫ـان ِه فَ ُه َـو ُم ْـؤ ِم ٌن‪َ ،‬و َم ْـن َج َ‬
‫اه َد ُهم ِبلِس ِ‬ ‫ِِ‬
‫اه َد ُه ْم ِب َيده فَ ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن‪َ ،‬و َم ْن َج َ ْ َ‬
‫َج َ‬
‫‪1‬‬
‫ان َح َّب ُة َخ ْرَد ٍل»‪.‬‬
‫يم ِ‬ ‫اء َذلِ َك ِم َن ِْ‬
‫اإل َ‬ ‫س َو َر َ‬
‫َولَ ْي َ‬
‫وأيضـاً شــرع وســائل لحفــظ الــدين مــن جانــب البقــاء‪ ،‬لكــي يبقــى مصــاناً مــن عبــث العــابثين‪ ،‬مــن‬
‫المعتدين والمرتدين والمشككين الحاسدين‪ ،‬وذلك عن طريق‪:‬‬
‫‪ -1‬شرع اهلل‪-‬سبحانه وتعالى‪-‬الجهاد تمكيناً للدين ودرءاً للعدوان وحمايةً للعقيدة‪.‬‬
‫‪ -1‬إن اإلسالم ال ُي ْك ِرهُ أحداً على اعتناقه‪ ،‬بل يكفل حرية العقيدة والتدين وحمايتها‪ ،‬وهـذا مـن‬
‫أهداف الجهاد‪.‬‬
‫‪-3‬حذر اهلل‪-‬تبارك وتعالى‪-‬عباده المـؤمنين مـن كيـد وحسـد اليهـود لهـم‪ ،‬وذلـك بأسـاليبهم الخبيثـة‪،‬‬
‫لردهم من بعد إيمانهم كافرين‪.‬‬
‫س ًـدا ِم ْـن ِع ْن ِـد أَ ْنفُ ِسـ ِه ْم}‬
‫ار َح َ‬ ‫يم ِان ُك ْم ُكفَّ ًا‬‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال تعالى‪َ { :‬وَّد َك ِثير ِم ْن أ ْ ِ ِ ِ‬
‫َهل ا ْلكتَاب لَ ْو َي ُردوَن ُك ْم م ْن َب ْعد إ َ‬ ‫ٌ‬
‫[البقرة‪.]109:‬‬
‫ـه َّ‬
‫الن َهـ ِ‬
‫ـار‬ ‫آم ُنـوا َو ْجـ َ‬‫ين َ‬ ‫ـزل َعلَـى الَّـ ِـذ َ‬ ‫آم ُنـوا ِبالَّـ ِـذي أُنـ َ‬
‫ـاب ِ‬ ‫َهـ ِـل ا ْل ِكتَـ ِ‬
‫ـت طَ ِائفَـ ٌة ِمـ ْـن أ ْ‬‫وقــال تعــالى‪َ { :‬وقَالَـ ْ‬
‫ون} [ ل عمران‪.]71:‬‬ ‫وا ْكفُروا ِ‬
‫آخ َرهُ لَ َعلَّ ُه ْم َي ْر ِج ُع َ‬ ‫َ ُ‬
‫هــذه الطا فــة مــن يهــود خيبــر‪ ،‬حاولــت اإلضــالل بالمخادعــة‪ ،‬فقــالوا لطا فــة مــن أتبــاعهم‪ :‬من ـوا‬
‫بمحمـ ٍـد أول النهــار مظه ـرين أنكــم صــدقتموه‪ ،‬ثــم اكفــروا خــر النهــار ليظهــر أنكــم كف ـرتم بــه عــن‬
‫بصــيرة وتجربــة‪ ،‬فيقــول المســلمون مــا صــرف ه ـؤالء عنــا إال مــا انكشــف لهــم مــن حقيقــة أمــر هــذا‬
‫‪1‬‬
‫الدين‪ ،‬وأنه ليس هو الدين المبشر به في الكتب السالفة ففعلوا ذلك‪.‬‬
‫‪-1‬تشريع عقوبة الردة لصيانة وحفظ الدين من الهدم‪ ،‬لكل من يريد إِثارة الفتن والشكوك‪ ،‬التي‬
‫تتناقض مـع معتقـدات ديـن اإلسـالم‪ ،‬وبـذلك يرتـدع مـن ُيقـدم علـى مثـل هـذا الفعـل‪ ،‬ويحفـظ الـدين‬
‫على معتنقيه كامالً غير منقوص‪.‬‬
‫َع َمــالُ ُه ْم ِفــي الــد ْن َيا‬ ‫ـافٌر فَأُولَ ِئـ َ‬
‫ـك َح ِبطَـ ْ‬
‫ـت أ ْ‬ ‫ـت و ُهــو َكـ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫قــال تعــالى‪َ { :‬و َمـ ْـن َي ْرتَــد ْد مـ ْن ُك ْم َعـ ْـن دينــه فَ َي ُمـ ْ َ َ‬
‫ون} [البقرة‪.]117:‬‬ ‫يها َخالِ ُد َ‬ ‫ِ‬
‫ار ُه ْم ف َ‬ ‫اب َّ‬
‫الن ِ‬ ‫َص َح ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو ْاآلخ َرِة َوأُولَئ َك أ ْ‬
‫العطف في قوله‪ :‬فيمت بالفاء المفيـدة للتعقيـب إلـى أن المـوت يعقـب االرتـداد‪ ،‬ومـن المعلـوم أن‬
‫معظم المرتدين ال تحضـر جـالهم عقـب االرتـداد‪ ،‬فَـُي ْعلم أن المرتـد يعاقـب بـالموت عقوبـة شـرعية‪،‬‬
‫‪6‬‬
‫فتكون اآلية دليالً على وجوب قتل المرتد‪.‬‬

‫اإلي َمانَ ‪ ،‬بَابُ بَيَا ِن َكوْ ِن النَّه ِْي َع ِن ْال ُم ْنك ِ‬


‫َر ِمنَ ْ ِ‬ ‫‪ -‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ِ ،‬كتَابُ ْ ِ‬
‫‪1‬‬
‫اإلي َما ِن‪ ،34/1 ،‬حديث(‪.)51‬‬
‫‪ - 2‬انظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.221/3 ،‬‬
‫‪ - 3‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪.335/2 ،‬‬

‫‪41‬‬
‫فخط ــر ال ــردة يه ــدد النظ ــام االجتم ــاعي ف ــي المجتم ــع اإلس ــالمي بالتفك ــك المفض ــي إل ــى الس ــقوط‬
‫بالكامل‪ ،‬فتهدم العقيدة واالخالق وكل فضيلة‪ ،‬على مستوى الفرد والمجتمع‪.‬‬

‫الــردة اعتـداء علــى النظــام االجتمــاعي وهــو اإلســالم؛ وألن الــردة معناهــا الكفــر باإلســالم والخــروج‬
‫على مباد ه والتشكيك في صحته‪ ،‬وال يمكن أن يستقيم حال المجتمع إذا وضع نظامه االجتماعي‬
‫‪1‬‬
‫موضع التشكيك والطعن؛ ألن ذلك قد يؤدي في النهاية إلى هدم هذا النظام‪.‬‬
‫ففي تطبيق حد الردة أثر واضح في الحفاظ على‪:‬‬
‫‪ -1‬سالمة االعتقاد‪ ،‬على المستوى الفردي والمجتمعي‪.‬‬
‫‪ -1‬اتساق المسلم مع نفسه‪ ،‬بتحكيم الشريعة المطهرة من كل نقص‪.‬‬
‫‪ -6‬حفظ الدين‪ ،‬وصيانته في وجه المرتدين‪ ،‬الخارجين عليه‪ ،‬المحادين هلل ورسوله‪.‬‬
‫‪ -4‬لهــذا الحــد أثــره الواضــح فــي المجتمــع‪ ،‬وذلــك أنــه يكــون مــؤث اًر فــي التمســك بالــدين؛ ألن‬
‫المسلم يشهد أن ال إله إال اهلل وأن محمداً رسول اهلل‪ ،‬وهي شهادة إقرار على التسليم بكـل‬
‫أحكام اإلسالم‪ ،‬وهو يعلم حين يقر بالشهادة أن من أحكام هـذا الـدين قتلـه إن ارتـد‪ ،‬فقبـل‬
‫وأذعن مختا اًر وحافظ على دينه وازداد تمسكه به‪.‬‬
‫يقول شيخ اإلسالم‪" :‬فإنه لو لـم ُيقتَـل لكـان الـداخ ُل فـي الـدين يخـرج منـه‪ ،‬فقتلُـه حفـظٌ ألهـل الـدين‬
‫وللدين‪ ،‬فإن ذلك يمنع من النقص ويمنعهم من الخروج عنه"‪.1‬‬
‫‪ -5‬فــي حــد الــردة إصــالح للمرتــد واســتنقاذه مــن الــردة‪ :‬أي فا ــدةٌ للمرتــد نفســه‪ ،‬أال وهــي‪:‬‬
‫إصالح المرتد‪ ،‬واستِنقاذه من الردة وال ُكفر‪ ،‬وارشاده من الضـاللة‪ ،‬وكفُّـه عـن الـردة‪ ،‬وحثُّـه‬
‫على اإليمان‪.‬‬
‫التمرد‬
‫‪ -3‬في إقامة حد الردة ردع المجتمع عن الردة‪ :‬خاصة َمن تتوافَر لديه دوافع الكفر‪ ،‬و ُّ‬
‫حد اهلل إذا ما وقَع في الكفر‪.‬‬ ‫فيد األمة ستُ ِ‬
‫الحق من َيرتد وتطبِّق عليه َّ‬ ‫على الشرع‪ُ ،‬‬
‫حد الردة فيـه تحقيـق العدالـة؛ إذ ح ُّ‬
‫ـق اهلل مـن‬ ‫‪ -7‬في إقامة حد الردة تحقيق العدالة‪ :‬وتطبيق ِّ‬
‫ك اإلنسـان الـذي ارت َّـد دون‬
‫األمور الواجبة االحترام‪ ،‬ومن ثَم فليس من العدل في شيء تَْر ُ‬
‫وتشجيعا للناس على الردة‪.‬‬‫ً‬ ‫حق اهلل‪،‬‬ ‫أن َيناله ُّ‬
‫أشد العقاب؛ فإن في ذلك إجحافًا في ِّ‬
‫‪ -8‬في حد الـردة باعـث علـى التـأني والتثبـت قبـل دخـول اإلسـالم‪" :‬ومـن حكمـة اإلسـالم أن‬
‫ُيعلِن ُح ْكـم الـردة لمـن أراد أن يـؤمن‪ ،‬نقـول لـه‪ِ :‬ق ْ‬
‫ـف قبـل أن تـدخل اإلسـالم‪ ،‬اعلـم أنـك إن‬

‫‪- 1‬انظر‪ :‬عبد القادر عودة‪ ،‬التشريع الجنائي‪.312/1 ،‬‬


‫‪ - 2‬ابن تيمية‪ ،‬مجموع الفتاوى‪.112/21 ،‬‬

‫‪41‬‬
‫اجعت عنـه وارتـددت‪ ،‬قتْلنـاك‪ ،‬وهـذا الحكـم يضـعُ العقبـة أمـام ال ارغـب فـي اإلسـالم حتـى‬ ‫تر َ‬
‫يفكر أوالً‪ ،‬وال ِ‬
‫يقدم عليه إال على بصيرة وبيِّنة"‪.1‬‬ ‫ِّ‬
‫زجــر لمــن يريــد الــدخول فــي اإلسـالم ثــم يخــرج‪ِ ،‬‬
‫وباعــث لــه علــى ُّ‬
‫التثبــت فـي‬ ‫أي‪ :‬إن ح َّـد الــردة فيــه ْ‬
‫األمر؛ فال ُي ِقدم على الدخول في اإلسالم إال على بصيرة وبينة‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬حد الزنا وأثر تطبيقه على الفرد والمجتمع‪.‬‬


‫شــرعت عقوبــة الزنــا للحفــاظ علــى نظــام األســرة‪ ،‬التــي تعتبــر الدعامــة األولــى التــي يقــوم عليهــا‬
‫المجتمع‪ ،‬فإذا اختل هذا النظام أدى إلى فسـاد الفـرد والمجتمـع‪ ،‬وذلـك بـأن تشـيع الفاحشـة والرذيلـة‬
‫واختالط األنساب وعدم االستقرار‪ ،‬وفي النهاية هدم للمجتمع ككل‪.‬‬
‫لذلك لم يتهاون الشرع في وضع حد لمن يقدم على فعل هذه الفاحشة النكراء‪ ،‬وذلـك للحفـاظ علـى‬
‫وحدة األسرة بأصول ثابتة‪ ،‬وبالتالي إيجاد مجتمع فاضل متماسك‪.‬‬

‫صــلَّى اهللُ َعلَ ْيـ ِـه َو َســلَّ َم‪-‬‬ ‫َّ ِ‬


‫عــن عبــد اهلل بــن عمــر‪-‬رضــي اهلل عنهمــا‪ -‬قــال‪ :‬أَ ْقَبـ َـل َعلَ ْي َنــا َر ُســو ُل اللــه‪َ -‬‬
‫ـن‪ ،‬وأَعــوُذ ِباللَّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫شــر ا ْلم َه ِ‬
‫وه َّن‪ :‬لَ ْــم تَ ْظ َه ِ‬
‫ــر‬ ‫َن تُ ْــد ِرُك ُ‬‫ــه أ ْ‬ ‫ــس إِ َذا ْابتُليــتُ ْم ِب ِهـ َّ َ ُ‬ ‫ين َخ ْم ٌ‬ ‫ــاج ِر َ‬ ‫ـال‪َ " :‬يــا َم ْع َ َ ُ‬ ‫فَقَـ َ‬
‫ـت‬
‫ض ْ‬ ‫ون‪َ ،‬و ْاأل َْو َجـاعُ الَِّتـي لَ ْـم تَ ُك ْـن َم َ‬ ‫ـاع ُ‬ ‫شـا فـي ِه ُم الطَّ ُ‬
‫ش ُة ِفي قَوٍم قَط‪ ،‬حتَّى يعلِ ُنوا ِبهـا‪ ،‬إَِّال فَ َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ْ‬
‫ا ْلفَ ِ‬
‫اح َ‬
‫َّة ا ْل َم ُئوَنـ ِـة‪،‬‬
‫ين‪ ،‬و ِشــد ِ‬
‫الســن َ َ‬
‫ُخـ ُذوا ِب ِّ ِ‬ ‫ان‪ ،‬إَِّال أ ِ‬
‫ـال َوا ْل ِميـ َـز َ‬
‫صـوا ا ْل ِم ْك َيـ َ‬
‫ضـ ْـوا‪َ ،‬ولَـ ْـم َي ْنقُ ُ‬
‫ين َم َ‬ ‫َسـ َـال ِف ِه ُم الَّـ ِـذ َ‬
‫فــي أ ْ‬
‫ِ‬
‫اء‪ ،‬ولَـوَال ا ْلبه ِ‬
‫ـائ ُم لَ ْـم‬ ‫ـن َّ ِ‬ ‫ان َعلَ ْي ِه ْم‪َ ،‬ولَ ْم َي ْم َن ُعوا َزَكاةَ أ َْم َوالِ ِه ْم‪ ،‬إَِّال ُم ِن ُعوا ا ْلقَ ْط َر ِم َ‬ ‫َو َج ْو ِر الس ْلطَ ِ‬
‫الس َـم َ ْ َ َ‬
‫َخـ ُذوا‬‫ـه َعلَ ْـي ِه ْم َع ُـد يوا ِم ْـن َغ ْي ِـرِه ْم‪ ،‬فَأ َ‬ ‫ط اللَّ ُ‬‫سـلَّ َ‬ ‫ضـوا عه َـد اللَّ ِـه‪ ،‬وعه َـد ر ِ‬
‫سـولِه‪ ،‬إَِّال َ‬ ‫ََْ َ ُ‬ ‫ط ُروا‪َ ،‬ولَ ْـم َي ْنقُ ُ َ ْ‬ ‫ُي ْم َ‬
‫ـه‪ ،‬إَِّال َج َع َـل اللَّ ُ‬
‫ـه‬ ‫َّـروا ِم َّمـا أَ ْن َـز َل اللَّ ُ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ض َما في أ َْيدي ِه ْم‪َ ،‬و َما لَ ْم تَ ْح ُك ْم أَئ َّمـتُ ُه ْم ِبكتَـاب اللـه‪َ ،‬وَيتَ َخي ُ‬ ‫َب ْع َ‬
‫‪1‬‬
‫ْس ُه ْم َب ْي َن ُه ْم "‪.‬‬
‫َبأ َ‬
‫ـائل وقائي ـ ًة تمنــع مــن يسـلُكها أن يقــع فــي هــذه الفاحشــة‪ ،‬أو حت ـى‬
‫ولكــن الشــارع الكــريم جعــل وسـ َ‬
‫االقتراب من مقدماتها‪ ،‬فمن هذه الوسائل ما يلي‪:‬‬
‫‪-1‬شــرع الــزواج ورغــب فيــه‪ ،‬الــذي بــه تتحقــق المــودة والرحمــة وتســود المحبــة‪ ،‬فهــو النـواة األولــى‬
‫لألسرة‪ ،‬التي تعتبر أساس وِقوام المجتمع‪.‬‬
‫ق لَ ُكم ِم ْن أَ ْنفُ ِس ُكم أ َْزو ِ‬ ‫آي ِات ِه أ ْ‬
‫س ُك ُنوا إِلَ ْي َها َو َج َع َل َب ْي َن ُك ْم َم َوَّدةً َو َر ْح َمـ ًة‬
‫اجا لتَ ْ‬
‫ْ َ ً‬ ‫َن َخلَ َ ْ‬ ‫قال تعالى‪َ { :‬و ِم ْن َ‬
‫ون} [الروم‪.]11:‬‬ ‫ات لِقَ ْوٍم َيتَفَ َّك ُر َ‬
‫إِ َّن ِفي َذلِ َك َآلي ٍ‬
‫َ‬

‫‪ - 1‬محمد متولي الشعراوي‪ ،‬تفسير الشعراوي‪.11214/12 ،‬‬


‫‪ -2‬القزويني‪ ،‬سنن ابن ماجة ‪/‬كتاب الفتن‪ ،‬باب العقوبات‪ ،1323/2 ،‬حديث رقم(‪ .)4114‬حسنه األلباني في السلسلة الصحيحة‬
‫برقم(‪.)4114‬‬

‫‪42‬‬
‫وجـــه الداللـــة‪ :‬أن الــزواج يــة مــن يــات اهلل‪-‬ســبحانه وتعــالى‪-‬الــذي يعتبــر أســاس نظــام النــاس‪،‬‬
‫وأساس التناسل والتكاثر لعمارة األرض‪ ،‬وغيرها من المعاني التي ال يدركها إال متأمل ذو بصيرة‪.‬‬
‫‪-1‬حث الشـرع علـى الـزواج‪ ،‬لمـا فيـه مـن حفـظ الـنفس بـالنظر إلـى الحـرام‪ ،‬وذلـك بغـض البصـر‪،‬‬
‫وحفظها من ارتكاب الفاحشة‪ ،‬وذلك بأحصان الفرج‪.‬‬
‫ـاءةَ َف ْل َيتَ َـزَّو ْج‪،‬‬
‫الب َ‬
‫اع َ‬ ‫اب‪َ ،‬م ِـن ْ‬
‫اسـتَطَ َ‬ ‫الش َـب ِ‬
‫ش َر َّ‬ ‫ويتجلى هذا بقوله‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :-‬يا َم ْع َ‬
‫ستَ ِط ْع فَ َعلَ ْي ِه ِب َّ‬
‫الص ْوِم فَِإ َّن ُه لَ ُه ِو َج ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فَِإ َّن ُه أَ َغض ل ْل َب َ‬
‫ص ِر َوأ ْ‬
‫‪1‬‬
‫اء»‬ ‫ص ُن ل ْلفَ ْر ِج‪َ ،‬و َم ْن لَ ْم َي ْ‬
‫َح َ‬
‫‪-3‬نهى الشرع عن االقتراب من فاحشة الزنا‪ ،‬وعن كل المقدمات والوسا ل الموصلة لها‪.‬‬
‫س ِبيالً} [اإلسراء‪.]61:‬‬ ‫كان ِ‬‫الزنى إِ َّن ُه َ‬
‫قال تعالى‪َ { :‬وال تَ ْق َرُبوا ِّ‬
‫ساء َ‬
‫ش ًة َو َ‬‫فاح َ‬
‫النهي عن قرب الزنى‪ ،‬وهـو يتضـمن النهـي‪ ،‬فلـم يقـل سـبحانه‪َ :‬ال تزنـوا‪ ،‬بـل قـال‪َ :‬ال تقربـوا‪ ،‬وهـذا‬
‫‪1‬‬
‫يتضمن النهي عن الزنى وعن كل ما يؤدي ‪ -‬أو يظن أنه يؤدي ‪ -‬إليه‪ ،‬كالقبلة والمالمسة‪...‬‬
‫بعد كل ما سبق من التحذيرات التي تنهى عن االقتراب من فاحشة الزنا‪ ،‬أو كل ما يفضي اليها‪.‬‬
‫وبعد كل الدعوات إلى الوسا ل والسبل‪ ،‬الواقية من االنزالق في مستنقع الفاحشة والرذيلة‪.‬‬
‫ـي عن ــه‪ ،‬ولكن ــه ي ــأبى إال‬
‫ث ــم ي ــأتي م ــن يقف ــز م ــن ف ــوق ه ــذه الج ــدران‪ ،‬وينته ــك الحـ ـرام‪ ،‬ال ــذي ُنه ـ َ‬
‫العصيان‪ ،‬ويأبى اهلل إال أن يذل من عصاه‪ ،‬وذلك بالعقوبة التي يستحقها العاصي‪.‬‬
‫فهنــا يــأتي الــدور العالجــي‪ :‬فــي العقوبــة الرادعــة ال ازج ـرة‪ ،‬لكــل مــن يقتــرف فعلهــا‪ ،‬أو مــن يفكــر‬
‫االقتراب منها‪.‬‬
‫وبهذا تحفظ حصون األسرة والمجتمع‪ ،‬صافية‪ ،‬نقية‪ ،‬سليمة من أي اعتداء يهددها بأي سوء‪.‬‬

‫شــرعت عقوبــة الزنــا‪ ،‬لمــا فيهــا مــن فحــش‪ ،‬واضــعاف لقــوة األمــة‪ ،‬واردا هــا فــي مهــاوي‬ ‫ومــن هنــا ُ‬
‫اح ٍـد ِم ْن ُهمـا ِم َائـ َة َج ْل َـد ٍة َوال‬
‫اجلِ ُـدوا ُك َّـل و ِ‬
‫الزِانـي فَ ْ‬
‫الزِان َيـ ُة َو َّ‬
‫الهلكة شدد اهلل تعـالى عقوبتهـا‪ ،‬فقـال‪َّ { :‬‬

‫طائفَـ ٌة ِم َ‬
‫ـن‬ ‫شه ْد عـذابهما ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون ِباللَّه َوا ْل َي ْوِم ْاآلخ ِر َوْل َي ْ َ َ َ ُ‬ ‫ين اللَّ ِه إِ ْن ُك ْنتُ ْم تُ ْؤ ِم ُن َ‬
‫تَأْ ُخ ْذ ُك ْم ِب ِهما َأْرفَ ٌة ِفي ِد ِ‬
‫ين} [النور‪.]1:‬‬ ‫ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫هــذا الحكــم فــي ال ازنــي والزانيــة البك ـرين‪ ،‬أنهمــا يجلــد كــل منهمــا ما ــة جلــدة‪ ،‬وأمــا الثيــب‪ ،‬فقــد دلــت‬
‫السنة الصحيحة المشهورة‪ ،‬أن حده الرجم‪ ،‬ونهانا تعالى أن تأخذنا رأفة [بهما] في دين اهلل‪ ،‬تمنعنا‬
‫مــن إقامــة الحــد علــيهم‪ ،‬سـواء أرفــة طبيعيــة‪ ،‬أو ألجــل ق اربــة أو صــداقة أو غيــر ذلــك‪ ،‬وأن اإليمــان‬
‫موجب النتفـاء هـذه ال أرفـة المانعـة مـن إقامـة أمـر اهلل‪ ،‬فرحمتـه حقيقـة‪ ،‬بإقامـة حـد اهلل عليـه‪ ،‬فـنحن‬

‫‪ - 1‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ِ ،‬كتَابُ النِّكَاحِ‪ ،‬بَابُ َم ْن لَ ْم يَ ْست َِطعِ البَا َءةَ فَ ْليَ ُ‬
‫ص ْم‪ ،3/7 ،‬حديث(‪.)5133‬‬
‫‪ - 2‬أبو زهرة‪ ،‬زهرة التفاسير‪.4375/2 ،‬‬

‫‪43‬‬
‫وان رحمنــاه لجري ــان الق ــدر علي ــه‪ ،‬فــال نرحم ــه م ــن ه ــذا الجانــب‪ ،‬وأم ــر تع ــالى أن يحض ــر ع ــذاب‬
‫‪1‬‬
‫الزانيين طا فة‪ ،‬أي‪ :‬جماعة من المؤمنين‪ ،‬ليشتهر ويحصل بذلك الخزي واالرتداع‪.‬‬

‫أثر تطبيق حد الزنا في إصالح الفرد والمجتمع‪:‬‬

‫‪ -1‬إن في إقامة حد الزنا حفاظ على صحة المجتمع‪ ،‬وليس عنا ببعيد ما يعيشه العالم اليوم‬
‫من أمراض فتاكة بـالمجتمع مـن الزهـري‪ ،‬والسـيالن ومـرض العصـر الخطيـر اإليـدز الـذي‬
‫اق ــض مض ــاجع الع ــالم الغرب ــي الي ــوم وأص ــب يه ــدد الماليـ ـين م ــنهم وذل ــك بس ــبب انتش ــار‬
‫الفاحشــة بيــنهم‪ ،‬يقــول الــدكتور نيكــول‪( :‬إن المشــكلة التــي تواجهنــا اليــوم‪ ،‬هــي تبــدل قيمنــا‬
‫األخالقيــة الت ــي ش ــجعت وتش ــجع عل ــى إقامــة العالق ــات الجنس ــية المحرم ــة‪ ،‬وه ــذه ب ــدورها‬
‫سببت ازدياداً حاداً في إصابات األمراض الجنسية)‪.1‬‬
‫‪ -1‬الحفاظ على األخالق اإلسالمية‪ :‬االستقامة‪ ،‬والعفاف‪ ،‬والطهر‪ ،‬وحسن المظهر العام‪.‬‬
‫‪ -6‬تعليم األمة أفرداً وجماعات‪ ،‬وتربيتها على حب الفضيلة‪ ،‬وكراهية الرذيلة‪ ،‬وبغض أهلها‪.‬‬
‫‪ -4‬الردع الحاسم بعقوبة تكافئ جريمة مقيتة‪ ،‬حمل عليها سعار الشهوة البهيمية‪ ،‬دون مراعاة‬
‫لكرامة اإلنسان‪ ،‬المميز على غيره‪ ،‬أو احترام لنظام الشريعة‪.‬‬
‫وكانت حكمة الشريعة عظيمة في سن هذه العقوبة الرادعة للجاني‪ ،‬حتى ال يعاودها‪ ،‬والزاجرة‬
‫لغيره‪ ،‬عن االقتراب من هذه الفاحشة‪.‬‬
‫‪ -5‬وبتنفيذ هذا الحد تحفظ األعراض‪ ،‬وتصان األنساب‪ ،‬وتؤدى الحقوق‪ ،‬ويسلم المجتمع‪.‬‬
‫‪ -3‬استقرار األسر وحمايتها من التشرد‪ ،‬وطهارة المجتمع‪.‬‬

‫‪ - 1‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ -2‬فضل الهي‪ ،‬التدابير الواقية من الزنا في الفقه االسالمي ص‪.52‬‬

‫‪44‬‬
‫ثالثاً‪ :‬حد القذف وأثر تطبيقه على الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫شرعت عقوبـة القـذف‪ ،‬ألن فيـه تجـري لألعـراض‪ ،‬وتلويـث للسـمعة‪ ،‬واشـاعة للسـوء والشـكوك فـي‬‫ُ‬
‫جو األسر‪ ،‬وتلك حاالت تهدد البيوت باالنهيار‪.‬‬
‫تعطيــل عقوبــة القــذف معنــاه إباحـة االعتــداء علــى نظــام األسـرة حيــث إن القــذف هنــا قاصــر علــى‬
‫األعراض والذي يمس األعراض يشكك في صحة نظام األسرة‪ ...‬كـما يـترتب على القـذف إشــاعة‬
‫الفـاحشـة فـما ترامى النـاس بها إال شاع فعلها بينهم فإن القول يسهل الفعـل‪.‬‬
‫ـيم ِفـي الــد ْن َيا‬ ‫ين آم ُنـوا لَهــم عـ َذ ِ‬
‫اب أَلـ ٌ‬
‫ُْ َ ٌ‬
‫اح َ ِ َّ ِ‬
‫شـ ُة فـي الــذ َ َ‬
‫َن تَ ِشـيع ا ْلفَ ِ‬
‫َ‬ ‫ين ُي ِحبـ َ‬
‫ـون أ ْ‬ ‫قـال تعــالى‪{ :‬إِ َّن الَّ ِـذ َ‬
‫ون}‪[ .‬النور‪.]19 :‬‬ ‫و ِ‬
‫اآلخ َرِة َواللَّ ُه َي ْعلَ ُم َوأَ ْنتُ ْم ال تَ ْعلَ ُم َ‬ ‫َ‬
‫وقد حذر الشرع من الخوض في أعـراض المسـلمين‪ ،‬ألن فيـه إيـذاء واضـرار بهـم‪ ،‬ممـا يسـتوجب‬
‫سخط اهلل عز وجل‪.‬‬
‫سـ ُـبوا فَقَـ ِـد ْ‬
‫احتَ َملُـوا ُب ْهتَا ًنــا َوِاثْ ًمــا‬ ‫ِ‬ ‫ون ا ْل ُمـ ْـؤ ِم ِن َ‬
‫ين َوا ْل ُم ْؤ ِم َنــات ِب َغ ْيـ ِـر َمــا ا ْكتَ َ‬ ‫{والَّـ ِـذ َ‬
‫ين ُيـ ْـؤُذ َ‬ ‫قــال تعــالى‪َ :‬‬
‫ُم ِبي ًنا} [األحزاب‪.]58:‬‬
‫ص لَهُ ْـم‪َ ،‬و َهـ َذا ُه َـو‬ ‫يل اْل َع ْي ِب والتََّنقُّ ِ‬ ‫ون ِإلَ ْي ِهم ما ُهم ُبرء ِم ْنهُ لَم َي ْعملُوه ولَم َي ْفعلُوه‪َ ،‬علَى سبِ ِ‬ ‫َي‪َ :‬ي ْن ُسُب َ‬‫أْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َُْ َ ُ‬ ‫ْ َ ْ َ‬
‫‪1‬‬
‫ِّن‪.‬‬
‫ت اْل َبي ُ‬
‫اْلُب ْه ُ‬
‫سـلِ ُم َمـ ْـن‬‫الم ْ‬ ‫ـال‪ُ « :‬‬ ‫صـلَّى اهللُ َعلَ ْيـ ِـه َو َسـلَّ َم قَ َ‬ ‫ـي َ‬ ‫النبِ ِّ‬
‫وعـن عبـد اهلل بـن عمــرو رضـي اهلل عنهمـا‪َ ،‬ع ِـن َّ‬
‫اج ُر َم ْن َه َج َر َما َن َهى اللَّ ُه َع ْن ُه»‪.1‬‬ ‫س ِان ِه َوَي ِد ِه‪َ ،‬والم َه ِ‬ ‫سلِم المسلِم َ ِ ِ‬
‫ون م ْن ل َ‬
‫ُ‬ ‫ََ ُْ ُ‬
‫وق‪َ ،‬وِقتَالُ ُه ُك ْفٌر» ‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫س ٌ‬ ‫وقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ِ « :‬سباب الم ِِ‬
‫سلم فُ ُ‬ ‫َ ُ ُْ‬

‫مــن هنــا تــأتي حكمــة الشــارع الحكــيم الخبيــر بمــا يصــلح عبــاده‪ ،‬للمعتــدي‪ :‬العقوبــة الرادعــة لــه‪،‬‬
‫الزاجرة لغيره‪ ،‬والمعتدى عليه ويشمل الفرد والمجتمع‪ :‬رد األذى وما يلحق به من أضرار‪.‬‬
‫اء‬ ‫ــم لَــم ي ـأْتُوا ِبأَربع ِ‬ ‫ِ‬ ‫فــنص علــى حــد القــذف بقولــه تعــالى‪َ { :‬والَّ ِــذ َ‬
‫ــه َد َ‬
‫ش َ‬ ‫ــة ُ‬ ‫ََْ‬ ‫ص ـ َنات ثُ َّ ْ َ‬ ‫ــون ا ْل ُم ْح َ‬
‫ين َي ْرُم َ‬
‫ون} [النور‪.]4:‬‬ ‫ادةً أَب ًدا وأُولَ ِئ َك ُهم ا ْلفَ ِ‬
‫اسقُ َ‬ ‫وه ْم ثَ َم ِان َ‬
‫اجلِ ُد ُ‬
‫ُ‬ ‫ش َه َ َ َ‬ ‫ين َج ْل َدةً َوَال تَ ْق َبلُوا لَ ُه ْم َ‬ ‫فَ ْ‬
‫وجه الداللة‪ :‬بيان حكم قذف المحصنة وهي الحرة البالغة العفيفة‪ ،‬وهو الجلد ثمانين جلدة‪،‬‬
‫وكذلك إن كان المقذوف رجالً يجلد قاذفه أيضاً‪ ،‬ولكن إن أقام القاذف بينة على صحة قوله‪ُ ،‬رد‬
‫عنه الحد‪ ،‬وذلك أن يأتي أربعة شهود رجال عدول‪ ،‬يشهدون بذلك صريحاً‪ ،‬فإذا لم يقم القاذف‬
‫بينة على صحة قوله وجب في حقه ثالثة أحكام‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يجلد ثمانين جلدة‪.‬‬

‫‪ - 1‬ابن كثير‪ ،‬تفسير القرآن العظيم‪.421/3 ،‬‬


‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اإلي َما ِن‪ ،‬بَابٌ ‪ :‬ال ُمسلِ ُم َمن َسلِ َم ال ُمسلِ ُمونَ ِمن لِ َسانِ ِه َويَ ِد ِه‪ ،11/1 ،‬حديث(‪.)11‬‬
‫‪ -‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ِ ،‬كتَابُ ِ‬
‫‪2‬‬

‫ف ال ُم ْؤ ِم ِن ِم ْن أَ ْن يَحْ بَطَ َع َملُهُ َوهُ َو الَ يَ ْش ُع ُر‪ ،14/1 ،‬حديث(‪.)42‬‬ ‫ِ‬ ‫وْ‬ ‫َ‬
‫خ‬ ‫ابُ‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫السابق‪،‬‬ ‫المرجع‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪45‬‬
‫الثاني‪ :‬أن ترد شهادته دا ما‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يكون فاسقًا ليس بعدل‪ ،‬ال عند اهلل وال عند الناس‪.‬‬
‫وهكذا نجد أن الشرع وضع حداً رادعاً مؤلماً‪ ،‬لمن يعتدي علـى أعـراض النـاس‪ ،‬وأيضـاً ازجـ اًر لمـن‬
‫يفكــر بقــذف إنســان ليحق ـره ويشــوه ســمعته‪ ،‬تــذكر أن هنــاك عقوبــة بدنيــة‪ :‬الجلــد‪ ،‬ونفســية‪ :‬وتتمثــل‬
‫بســقوط عدالتــه وفســقه‪ ،‬وبالتــالي ســقوطه مــن نظــر المجتمــع‪ ،‬فـإذا عــرف هــذا فلــن يقــدم علــى ذلــك‬
‫الفعل أبداً إال شاذ‪.‬‬

‫أثر تنفيذ حد القذف في إصالح الفرد والمجتمع‬


‫من ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬كف السفهاء من تدنيس المجتمع‪ ،‬وزجر الفساق‪ ،‬من الطعن في األنساب الكريمة‪ ،‬ورمي‬
‫األطهار‪ ،‬واتهامهم بالفواحش‪ ،‬وتخويفهم من عاقبة ذلك‪ ،‬حتى هددهم اهلل تعالى بالعقوبـة‬
‫الدنيوية‪ ،‬واألخروية‪.‬‬
‫يم ِفي الد ْن َيا‬ ‫ين آم ُنوا لَهم ع َذ ِ‬
‫اب أَل ٌ‬
‫ُْ َ ٌ‬
‫اح َ ِ َِّ‬
‫ش ُة في الذ َ َ‬
‫َن تَ ِشيع ا ْلفَ ِ‬
‫َ‬ ‫ين ُي ِحب َ‬
‫ون أ ْ‬ ‫قال تعالى ‪ (:‬إِ َّن الَِّذ َ‬
‫ون) (النور ‪ )19:‬ثـم فصـلت اآليـة الكريمـة‪ ،‬وهـي الرابعـة مـن‬ ‫َو ْاآل ِخ َرِة َواللَّ ُه َي ْعلَ ُم َوأَ ْنتُ ْم َال تَ ْعلَ ُم َ‬
‫سور النور‪ ،‬العقوبة الحدية للقذف‪ ،‬من الجلد‪ ،‬واسقاط الشهادة‪ ،‬واالتصـاف بالفسـق ‪َ (:‬والَّ ِـذ َ‬
‫ين‬
‫وهم ثَم ِ‬ ‫شـه َداء فَ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون ا ْلم ْح ِ‬
‫ادةً‬
‫ـه َ‬
‫شَ‬‫ين َج ْل َـدةً َوَال تَ ْق َبلُـوا لَ ُه ْـم َ‬
‫ـان َ‬ ‫اجل ُـد ُ ْ َ‬ ‫ص َنات ثُ َّم لَ ْم َيأْتُوا ِبأ َْرَب َعة ُ َ َ‬ ‫َي ْرُم َ ُ َ‬
‫ون) (النور ‪.)4:‬‬ ‫اسقُ َ‬ ‫أَب ًدا وأُولَ ِئ َك ُهم ا ْلفَ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬

‫‪ -1‬حماية المجتمع من انتشار الفاحشة‪ ،‬وخدش حياء المحصنات‪ ،‬العفيفات الطاهرات‪.‬‬


‫‪ -6‬حماية األعراض‪ ،‬وشرف األسر الكريمة‪ ،‬من المرجفين‪ ،‬والمستهز ين‪.‬‬

‫‪ - 1‬انظر‪ ،‬ابن كثير‪ ،‬تفسير القرآن العظيم‪.14/3 ،‬‬

‫‪43‬‬
‫رابعاً‪ :‬حد الخمر وأثر تطبيقه على الفرد والمجتمع‪.‬‬

‫شرع حد الخمر ألن اإلسالم حرم االعتداء على العقول‪ ،‬ألنها مناط التكليف والتميز بين الحـالل‬ ‫ُ‬
‫والحـ ـرام‪ ،‬والخط ــأ والصـ ـواب‪ ،‬فله ــذا جع ــل الش ــارع الكـ ـريم عقوب ــة لم ــن يعت ــدي عل ــى ه ــذه النعم ــة‬
‫العظيمة‪ ،‬التي وهبها‪-‬سبحانه وتعالى‪-‬للبشر تمي اًز لهم عن باقي مخلوقاته من البها م والجمادات‪.‬‬
‫وألن الذي يقدم على تعطيل هذه المنحة االلهية‪ ،‬فإنـه بـذلك يضـر بنفسـه أوالً‪ ،‬وبـالمجتمع المحـيط‬
‫المفَتِّـرات‪،‬‬ ‫َّ‬
‫بــه ثانيـاً‪ ،‬ولهــذا حمــى الشــرع العقــول‪ ،‬فحـ َّـرم شــرب المســكرات بأنواعهــا وكــل المخــدرات و ُ‬
‫س ِم ْـن‬ ‫الم ِر ْج ٌ‬ ‫األز ُ‬
‫اب َو ْ‬ ‫ص ُ‬
‫ِ‬
‫آم ُنوا إِ َّن َما ا ْل َخ ْم ُر َوا ْل َم ْيس ُر َواأل ْن َ‬ ‫قليلها وكثيرها‪ .‬قال تعالى‪َ {:‬يا أَي َها الَِّذ َ‬
‫ين َ‬
‫ـاء‬
‫ض َ‬ ‫َن ُيوِق َ‬
‫ـع َب ْيـ َن ُك ُم ا ْل َع َـد َاوةَ َوا ْل َب ْغ َ‬ ‫ان أ ْ‬ ‫يـد َّ‬
‫الش ْـيطَ ُ‬ ‫اجتَِن ُبوهُ لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلِ ُح َ‬
‫ـون إِ َّن َمـا ُي ِر ُ‬ ‫ان فَ ْ‬ ‫َع َم ِل َّ‬
‫الش ْيطَ ِ‬
‫الص ِ‬
‫ص َّد ُك ْم َع ْن ِذ ْك ِر اللَّ ِه َو َع ِن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون }[الما دة‪.]90،91:‬‬
‫الة فَ َه ْل أَ ْنتُ ْم ُم ْنتَ ُه َ‬ ‫في ا ْل َخ ْم ِر َوا ْل َم ْيس ِر َوَي ُ‬

‫وقد نهى النبي‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬عن شرب الخمر‪ ،‬ألنها أم الخبا ث ومفتاح كل شر‬
‫فعن أبي الدرداء قال‪ :‬أوصاني خليلي ‪-‬صلى اهلل عليه وسـلم‪":-‬ال تشرب الخمر فإنها مفتاح كـل‬
‫شر"‪.4‬‬
‫ففي شرب الخمر فقدان الشعور وتغييب العقل واإلدراك عند الشارب‪ ،‬واذا فقـد الشـارب شـعوره فقـد‬
‫أصب على استعداد الرتكاب جميع الج ار م‪ ،‬لذلك فإن شرب الخمر مفتاح كل شر‪.‬‬

‫وتح ـريم الخمــر يتفــق مــع تعــاليم االســالم التــي تســتهدف إيجــاد شخصــية قويــة فــي جســمها ونفســها‬
‫وعقلها‪ ،‬وما من شـك فـي أن الخمـر تضـعف الشخصـية وتـذهب بمقوماتهـا‪ ،‬وال سـيما العقـل‪ ،‬يقـول‬
‫الخمر تَ ْفع ُل بِالعقُ ِ‬
‫ول‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫اك َ ْ ُ َ‬ ‫َك َذ َ‬ ‫ض َّل َع ْقلِي‬
‫الخمر َحتَّى َ‬
‫َ‬ ‫أحد الشعراء‪َ :‬ش ِرْب ُ‬
‫ت‬
‫واذا ذهب العقل تحول المرء إلى حيوان شرير‪ ،‬وصدر عنه من الشر والفساد ما ال حد له‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫فالقتل‪ ،‬والعدوان‪ ،‬والفحش‪ ،‬وافشاء االسرار‪ ،‬وخيانة االوطان من ثار شرب الخمر‪.‬‬

‫والخمر توهن البدن وتجعله أقل مقاومة وجلدا في كثير من االمراض مطلقا‪ ،‬وهي تؤثر في جميع‬
‫أجهزة البدن‪ ،‬وخاصة في الكبد‪ ،‬وهي شديدة الفتك بالمجموعة العصبية‪ ،‬ومن أعظم دواعي‬
‫الجنون والشقاوة واالجرام‪ ،‬ال لمستعملها وحده‪ ،‬بل وفي أعقابه من بعده‪ ،‬وهي جرثومة االفالس‬
‫‪6‬‬
‫والمسكنة والذل‪ ،‬وما نزلت بقوم إال أودت بهم‪ :‬مادة ومعنى‪ ،‬بدناً وروحاً‪ ،‬جسماً وعقالً‪.‬‬

‫‪- 1‬القزويني‪ ،‬سنن ابن ماجه‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب الخمر مفتاح كل شر‪ ،1114/2 ،‬حديث(‪ .)3371‬صححه األلباني‪.‬‬
‫‪ - 2‬سيد سابق‪ ،‬فقه السنة‪.371/2 ،‬‬
‫‪ - 3‬المرجع السابق‪.373/2 ،‬‬

‫‪47‬‬
‫أثر تنفيذ حد الخمر في إصالح الفرد والمجتمع‬
‫من ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬حماية العقول‪ ،‬وعدم تعطيلها‪.‬‬
‫‪ -1‬حفظ الكيان األسري‪ ،‬من التفكك‪ ،‬واالنهيار‪ ،‬وضياع األوالد‪.‬‬
‫‪ -6‬حفظ المال‪ ،‬من إضـاعته فـي شـراء الخمـر‪ ،‬ومـن تبديـده‪ ،‬وصـرفه فـي غيـر وجـه حـق‪ ،‬بسـبب‬
‫غياب العقل‪.‬‬
‫‪ -4‬حف ــظ األمان ــات‪ ،‬وع ــدم إفش ــاء األسـ ـرار‪ ،‬واس ــتخدام األع ــداء للمخم ــورين‪ ،‬ف ــي معرف ــة بع ــض‬
‫الخبايا‪ ،‬واألسرار‪.‬‬
‫‪ -5‬الكف عن ج ار م عديدة‪ ،‬تقود إليه الخمر‪ ،‬فهي حقاً أ ُّم الخبا ث‪.‬‬
‫‪ -3‬الحفاظ على الصحة النفسية‪ ،‬والجسمية‪ ،‬لألفراد‪ ،‬والجماعات‪.‬‬
‫‪ -7‬عدم تبديد الوقت‪ ،‬وتضييعه‪.‬‬
‫‪ -8‬مضاعفة االنتاج‪ ،‬بتوظيف الطاقات العاملة في المجتمع‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫خامساً‪ :‬حد السرقة وأثر تطبيقه على الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫حرمة التعدي على المال‪:‬‬
‫اهـتم اإلســالم بــاألموال اهتمامــا عظيمــا‪ ،‬وحماهــا حتـى جعــل المــال شـقيق الــروح ومسـاويا لهــا فــي‬
‫َن َي ْح ِق َـر أ َ‬
‫َخـاهُ‬ ‫الش ِّـر أ ْ‬‫ـن َّ‬ ‫ام ِـر ٍ ِم َ‬ ‫س ِـب ْ‬ ‫الحرمـة؛ فقد ثبت عنه صلى اهلل عليه وسلم أنـه قـال‪ِ « :‬ب َح ْ‬
‫‪1‬‬
‫ض ُه»‪.‬‬ ‫ام‪َ ،‬د ُم ُه‪َ ،‬و َمالُ ُه‪َ ،‬و ِع ْر ُ‬ ‫ا ْلمسلِم‪ُ ،‬كل ا ْلمسلِِم علَى ا ْلم ِِ‬
‫سلم َح َر ٌ‬
‫ُْ‬ ‫ُْ َ‬ ‫ُْ َ‬
‫ام َعلَـ ْـي ُك ْم‪َ ،‬ك ُح ْرَمـ ِـة َيـ ْـو ِم ُك ْم َهـ َذا ِفــي‬ ‫ِ‬
‫وقــال أيضــا فــي خطبتــه المشــهورة‪« :‬إِ َّن د َمـ َ‬
‫ـاء ُك ْم َوأ َْمـ َـوالَ ُك ْم َحـ َـر ٌ‬
‫‪1‬‬
‫ش ْه ِرُك ْم َه َذا‪ِ ،‬في َبلَِد ُك ْم َه َذا»‪.‬‬
‫َ‬

‫وقد نهى اإلسالم عن جريمة السرقة وحذر منها‪ ،‬وتحريمها ثابت في كتاب اهلل تعالى وسنة‬
‫رسوله‪ ،‬واجماع السلف الصال ‪ ،‬وليس هذا محل تفصيله‪.‬‬
‫وقد رتـب اهلل سـبحانه وتعـالى عليهـا حـد قطـع اليـد؛ ممـا يـدل علـى أن فاعلهـا قـد ارتكـب كبيـرة مـن‬
‫الكبا ر‪ ،‬وفعل جرما‪.‬‬
‫ـن اللَّـ ِـه َواللَّـ ُ‬
‫ـه َع ِزيـ ٌـز‬ ‫ـاال ِمـ َ‬ ‫اء ِب َمــا َك َ‬
‫سـ َـبا َن َكـ ً‬ ‫ِ‬
‫ط ُعوا أ َْيــد َي ُه َما َجـ َـز ً‬ ‫السـ ِ‬
‫ـارقَ ُة فَــا ْق َ‬ ‫ق َو َّ‬ ‫السـ ِ‬
‫ـار ُ‬ ‫فقــال تعــالى‪َ { :‬و َّ‬
‫يم} [الما دة‪.]68:‬‬ ‫ِ‬
‫َحك ٌ‬
‫الحكمة من قطع يد السارق‪ :‬إن مما ال شك فيه أن قطع اليد في السرقة عقوبة لها أثرها في‬
‫القضاء على هذه الجريمة‪.‬‬
‫والشــريعة اإلســالمية المحكمــة تهــدف مــن وراء ذلــك إلــى حمايــة الجماعــة وحفظهــا‪ ،‬حتــى تقضــي‬
‫قضاء تاما على خطر يهدد الناس في أموالهم‪ ،‬وما يتبع ذلك من ترويع واشاعة الفوضى‪.‬‬

‫أن القسوة والشـدة ليسـت شـ ار دائمـا‪ ،‬لـذلك كـان مـن العـدل الضـرب بشـدة علـى يـد مـن ال ي ارعـي‬
‫مصــلحة الجماعــة‪ ،‬ومــن ال يــرحم النــاس ال يرحمــه اهلل‪ ،‬فالعــدل كــل العــدل أن يعاقــب مــن يســتحق‬
‫العقاب‪ ،‬وليس أجدر بـذلك النـوع مـن العقـاب إال المجرمـون الـذين تقتضـي طبيعـة جـ ار مهم أن تـتم‬
‫في الخفاء الذي يترك الرهبة والرعب الشديد في نفوس الناس‪.‬‬
‫س َبا َن َك ًاال ِم َن اللَّ ِه } [الما دة‪.]68:‬‬
‫اء ِب َما َك َ‬
‫وقد قال اهلل تعالى بعد تقرير عقوبة السرقة‪َ { :‬ج َز ً‬
‫فــإن هــذا الــنص يــدل علــى أن العقوبــة مكاف ــة ومســاوية للجريمــة بكــل ثارهــا الناتجــة عنهــا‪ ،‬ممــا‬
‫تحدثه السـرقة مـن ترويـع وافسـاد‪ ،‬مـن أجـل ذلـك شـدد الشـارع فـي تلـك العقوبـة حتـى يتحقـق الزجـر‬
‫ويعم األمن في المجتمع‪.‬‬

‫ب‪ ،‬بَابُ تَحْ ِر ِيم ظُ ْل ِم ْال ُم ْسلِ ِم‪َ ،‬وخَ ْذلِ ِه‪َ ،‬واحْ تِقَ ِ‬
‫ار ِه َو َد ِم ِه‪َ ،‬و ِعرْ ِ‬
‫ض ِه‪َ ،‬و َمالِ ِه‪،1423/4 ،‬‬ ‫‪ - 1‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب ْالبِ ِّر َوالصِّ لَ ِة َو ْاْل َدا ِ‬
‫حديث (‪.)2534‬‬
‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،223/2 ،‬حديث (‪.)1212‬‬ ‫‪ - 2‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ِ ،‬كتَابُ ْال َحجِّ ‪ ،‬بَابُ َح َّج ِة النَّبِ ِّي َ‬

‫‪44‬‬
‫قـــال العـــز بـــن عبـــد الســـالم‪ ":‬مــن أمثلــة األفعــال المشــتملة علــى المصــال والمفاســد مــع رجحــان‬
‫مص ـالحها علــى مفاســدها قطــع يــد الســارق‪ ،‬فإنــه إفســاد لهــا ولكنــه ازجــر حــافظ لجميــع األم ـوال‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫فقدمت مصلحة حفظ األموال على مفسدة قطع يد السارق"‪.‬‬

‫وقال ابن القيم‪ ":‬ومن المعلوم أن عقوبة الجناة والمفسدين ال تتم إال بمؤلم يردعهم ويجعل الجاني‬
‫نكاال وعظة لمن يريد أن يفعل مثـل فعلـه‪ ،‬وعنـد هـذا فـال بـد مـن إفسـاد شـيء منـه بحسـب جريمتـه‬
‫‪1‬‬
‫في الكبر والصغر والقلة والكثرة"‪.‬‬

‫أثر تنفيذ حد السرقة في إصالح الفرد والمجتمع‬


‫من ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬كــف الســارقين‪ ،‬وردعهــم بعقوبــة غليظــة‪ ،‬وزجــر مــن تســول لــه نفســه‪ ،‬أن يســرق‪ ،‬بقطــع يــده‪،‬‬
‫وافتضاح أمره‪ ،‬وهوانه على الناس‪.‬‬
‫‪ -1‬التنفيــر مــن أكــل أمـوال النــاس بالباطــل‪ ،‬علــى وجــه السـرقة‪ ،‬بعقوبــة حاســمة‪ ،‬ورادعــة‪ ،‬و ازجـرة‪،‬‬
‫لتكون صورة السارق المحدود‪ ،‬باعثة على كراهية جريمة السرقة‪.‬‬
‫‪ -6‬حف ــظ الملكي ــة الخاص ــة‪ ،‬وأمـ ـوال الن ــاس‪ ،‬وق ــد اجته ــدوا ف ــي جم ــع الم ــال‪ ،‬وتنميت ــه لمص ــلحة‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫‪ -4‬إعالء قيمة العمل‪ ،‬واإلنتاج‪ ،‬والكسب الحالل‪ ،‬ليكـون وسـيلة للتملـك‪ ،‬واالقتنـاء‪ ،‬مـن أداء حـق‬
‫اهلل فيه‪ ،‬نحـو المجتمـع‪ ،‬علـى وجـه الوجـوب‪ ،‬بالزكـاة‪ ،‬والكفـارات‪ ،‬أو علـى وجـه اإلحسـان‪ ،‬صـدقة‪،‬‬
‫وب اًر‪ ،‬وصلة‪.‬‬
‫‪ -5‬تحقيق األمن‪ ،‬واالطم نان النفسي للفرد‪ ،‬وللمجتمع‪.‬‬
‫‪ -3‬الرحمة بالناس‪ ،‬بإقامة حد السرقة‪ ،‬رعاية للحكمـة المـرادة‪ ،‬مـن ذلـك‪ ،‬ألن فـي كـف النـاس عـن‬
‫الس ـ ـرقة‪ ،‬وزجـ ــرهم‪ ،‬عنهـ ــا رحمـ ــة بهـ ــم‪ ،‬مـ ــن تكفيـ ــر عـ ــن السـ ــارق‪ ،‬وزجـ ــر للغيـ ــر‪ ،‬ومـ ــن رحمـ ــة اهلل‬
‫بالمجتمع‪ ،‬في صيانة المال الذي هو قـوام الحيـاة‪ ،‬وحمايـة الملكيـة الخاصـة‪ ،‬واعـالء قيمـة العمـل‪،‬‬
‫واالعتماد على النفس في الكسب‪ ،‬واإلنتاج‪.‬‬

‫‪ - 1‬العز بن عبد السالم‪ ،‬قواعد األحكام‪.44/1 ،‬‬


‫‪ - 2‬ابن قيم الجوزية‪ ،‬إعالم الموقعين‪.122/2 ،‬‬

‫‪51‬‬
‫سادساً‪ :‬حد الحرابة وأثر تطبيقه على الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫الحرابة تسمى قطع الطريق عند أكثر الفقهاء "وهي البروز ألخذ مـال‪ ،‬أو لقتـل‪ ،‬أو إلرعـاب علـى‬
‫‪1‬‬
‫سبيل المجاهرة مكابرة‪ ،‬اعتمادا على القوة مع البعد عن الغوث"‪.‬‬

‫وعرفها التويجري‪ ":‬هي التعرض للناس وتهديدهم بالسالح في الصحراء أو البنيان‪ ،‬في البيوت أو‬
‫‪1‬‬
‫وسا ل النقل‪ ،‬من أجل سفك دما هم‪ ،‬أو انتهاك أعراضهم‪ ،‬أو غصب أموالهم ونحو ذلك"‪.‬‬

‫ويدخل في حكم الحرابة كل ما يقع من ذلك في الطرق والمنازل‪ ،‬والسيارات والقطارات‪ ،‬والسفن‬
‫والطا رات‪ ،‬سواء كان تهديداً بالسالح‪ ،‬أو زرعاً للمتفجرات‪ ،‬أو نسفاً للمباني‪ ،‬أو حرقاً بالنار‪ ،‬أو‬
‫أخذاً لرها ن‪ .‬وكل ذلك محرم‪ ،‬ومن أعظم الج ار م؛ لما فيه من ترويع الناس‪ ،‬واالعتداء على‬
‫‪6‬‬
‫أنفسهم وأعراضهم وأموالهم بغير حق‪.‬‬
‫الحرابـــة مـــن الكبـــائر‪ ،‬وه ــي م ــن الح ــدود باتف ــاق الفقه ــاء‪ ،‬وس ــمى الق ــرن مرتكبيه ــا‪ :‬مح ــاربين هلل‬
‫ورس ــوله‪ ،‬وس ــاعين ف ــي األرض بالفس ــاد‪ ،‬وغل ــظ عقوبته ــا أش ــد التغل ــيظ‪ ،‬واألص ــل فيه ــا‪ ،‬قـــول اهلل‬
‫َن ُيقَتَّلُ ـوا أ َْو‬‫ـادا أ ْ‬
‫سـ ً‬‫ض فَ َ‬ ‫سـ َـع ْو َن ِفــي ْاأل َْر ِ‬
‫ســولَ ُه َوَي ْ‬ ‫ون اللَّـ َ‬
‫ـه َو َر ُ‬ ‫ـارُب َ‬ ‫اء الَّـ ِـذ َ‬
‫ين ُي َحـ ِ‬ ‫ســبحانه‪ { :‬إِ َّن َمــا َجـ َـز ُ‬
‫ي ِفـي الـد ْن َيا َولَ ُه ْـم‬ ‫ِ‬ ‫ف أَو ي ْنفَوا ِم َن ْاألَر ِ ِ‬
‫ض َذل َك لَ ُه ْـم خ ْـز ٌ‬ ‫ْ‬
‫ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫صلَّ ُبوا أ َْو تُقَطَّ َع أ َْيدي ِه ْم َوأ َْر ُجلُ ُه ْم م ْن خ َال ْ ُ ْ‬
‫ُي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم} [الما دة‪.]66:‬‬ ‫اب َعظ ٌ‬ ‫في ْاآلخ َرِة َع َذ ٌ‬
‫يجب مالحظة أن فعل المحاربة أضيف إلى اهلل تعالى ورسوله صلى اهلل عليه وسلم تعظيما للفعل‬
‫واشــعا ار بأهميــة األمــة اإلســالمية‪ ،‬وأن محاربتهــا بمثابــة محاربــة اللّــه والرســول‪ ،‬ألن األمــة منتســبة‬
‫اليهما‪.‬‬
‫فمحاربــة اهلل ورســوله هــي عــدم اإلذعــان لدينــه وشــرعه فــي حفــظ الحقــوق‪ ،‬ومــن ثــم وجــب علــى‬
‫اإلمام الذي يقيم العدل ويحفظ النظام أن يقاتلهم على ذلك‪ ،‬ومن رجع منهم في أي وقت يقبل منه‬
‫ويكــف عنــه‪ ،‬ولكــن إذا امتنع ـوا علــى اإلمــام العــدل المقــيم للشــرع‪ ،‬وعث ـوا إفســادا فــي األرض‪ ،‬كــان‬
‫جزاؤهم ما بينه اهلل في ية المحاربة السابقة‪.‬‬

‫وجريمــة الح اربــة إن اقتصــرت علــى السـرقة فهــي اعتــداء علـى نظــام الملكيــة الفرديــة‪ ،‬وان صــحبها‬
‫القتل فهي أيضاً اعتداء على حياة األفـراد‪ ،‬وان اقتصـرت علـى ترويـع المجنـي عليـه‪ ،‬فهـي اعتـداء‬
‫علـى أمــن المجتمــع‪ ،‬واالعتـداء علــى حيــاة األشـخاص وأمــنهم هــو اعتـداء علــى النظــام االجتمــاعي‬

‫‪ - 1‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪.242/11 ،‬‬


‫‪ - 2‬محمد التويجري‪ ،‬موسوعة الفقه اإلسالمي‪.133/5،‬‬
‫‪ - 3‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫وعلى نظام الحكم؛ وال يحمي األفراد ويمنع االعتداء على حياتهم وأمنهم إال تقرير العقوبة الرادعة‬
‫على هذا االعتداء‪.1‬‬

‫أثر تنفيذ حد الحرابة في إصالح الفرد والمجتمع‬


‫من ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬حف ــظ الم ــال‪ ،‬م ــن أن يعت ــدى علي ــه ب ــالقوة‪ ،‬والغلب ــة‪ ،‬فتتعط ــل مص ــال األفـ ـراد‪ ،‬والجماع ــات‪،‬‬
‫وللوقاية من أن يسـتخدم المعتـدون القـوة‪ ،‬فـي أخـذ أمـوال النـاس‪ ،‬فكانـت العقوبـة مشـددة‪ ،‬أكثـر مـن‬
‫عقوبة السرقة العادية‪.‬‬
‫‪-1‬حفظ األعراض‪ ،‬من االنتهاك‪ ،‬باستخدام القوة‪ ،‬أو اإلكراه على الفاحشة‪.‬‬
‫يقــول القرطبــي‪" :‬إذا أراد إخافــة الطريــق‪ ،‬بإظهــار الســالح‪ ،‬قصــداً‪ ،‬للغلبــة علــى الفــروج‪ ،‬فهــذا‬
‫‪1‬‬
‫أفحش‪ ،‬وأقب ‪ ،‬من أخذ المال"‪.‬‬
‫ولذلك كانت شدة العقوبة بالقتل‪ ،‬دون تفرقة بين كون الزاني محصناً‪ ،‬أو غير محصن‪.‬‬
‫‪-6‬حفظ األنفس‪ ،‬واآلمنين‪ ،‬مـن إرهـاب المحـاربين‪ ،‬المحـادين هلل ورسـوله‪ ،‬فـال عفـو مـن أحـد‪ ،‬ولـو‬
‫كان ولي الدم‪ ،‬أو اإلمام‪ ،‬بل تتحتم العقوبة على المحاربين‪.‬‬
‫‪-4‬تأمين الطريق‪ ،‬والمجتمع‪ ،‬والمجتمع‪ ،‬ونشـر الطمأنينـة فيـه‪ ،‬واالسـتقرار‪ ،‬وكـف شـر المحـاربين‪،‬‬
‫المعتدين على سالمة األرواح‪ ،‬والدماء‪ ،‬واألعراض‪ ،‬واألموال‪.‬‬
‫‪-5‬استقرار الدولة‪ ،‬والمجتمع‪ ،‬واخالص الوالء لوالة األمور‪ ،‬من الحكام المسلمين‪.‬‬
‫‪-3‬حرية الحركة‪ ،‬والتنقل‪ ،‬وما يؤدي إليه ذلك من نهضة اقتصادية‪.‬‬

‫‪ - 1‬عبد القادر عودة‪ ،‬التشريع الجنائي‪.321-314/1 ،‬‬


‫‪ - 2‬القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪.141/3 ،‬‬

‫‪52‬‬
‫سابعاً‪ :‬حد البغي وأثر تطبيقه على الفرد والمجتمع‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫البغاة‪ ":‬وهم القوم الذين يخرجون على االمام بتأويل سا غ ولهم منعة وشوكة"‪.‬‬
‫والفقهاء ال يخرجون في الجملة عن هذا المعنى‪ ،‬فقد عرفوا البغاة بـأنهم‪ :‬الخـارجون مـن المسـلمين‬
‫عن طاعة اإلمام الحق بتأويل‪ ،‬ولهم شوكة‪.‬‬
‫وهــو بمعنــى إعــالن ف ــة أو جماعــة مســلمة لهــا قــوة ومنعــة وبتأويــل مشــروع (أي مبــرر أو باعــث‬
‫سياســي)‪ ،‬العصــيان المســل علــى الســلطة الشــرعية‪ ،‬أو االمتنــاع عــن أداء الحقــوق الشــرعية لهــا‪،‬‬
‫بهدف إسقاطها أو تغييرها‪.‬‬

‫ـن ا ْل ُم ْـؤ ِم ِن َ‬
‫ين‬ ‫ـان ِم َ‬
‫تعاقب الشريعة على البغي بالقتـل‪ ،‬واألصـل فـي ذلـك قولـه تعـالى‪َ { :‬وِان طَ ِائفَتَ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َصلِ ُحوا َب ْي َن ُه َما فَِإن َب َغ ْت إِ ْح َد ُ‬
‫ُخ َـرى فَقَـاتلُوا الَّتـي تَ ْبغـي َحتَّـى تَف َ‬
‫ـيء إِلَـى أ َْم ِـر‬ ‫اه َما َعلَى األ ْ‬ ‫اقْتَتَلُوا فَأ ْ‬
‫اللَّ ِه} [الحجرات‪.]9 :‬‬

‫وعــن عبــد اهلل بــن عمــرو بــن العــاص‪-‬رضــى اهلل عنهمــا‪ :-‬أنــه ســمع رســول اهلل صــلى اهلل عليــه‬
‫ص ـ ْفقَ َة َيـ ِـد ِه‪َ ،‬وثَ َمـ َـرةَ َق ْل ِبـ ِـه‪َ ،‬ف ْل ُي ِط ْعـ ُ‬
‫ـه إِ ِن‬ ‫َعطَــاهُ َ‬
‫امــا فَأ ْ‬ ‫وســلم فــي حــديث طويــل ومنــه‪َ ":‬ومـ ْـن َبـ َ ِ‬
‫ـاي َع إ َم ً‬ ‫َ‬
‫ق ْاآل َخ ِر" ‪.‬‬ ‫اض ِرُبوا ُع ُن َ‬ ‫آخ ُر ُي َن ِ‬ ‫اع‪ ،‬فَِإ ْن َج َ‬
‫‪1‬‬
‫از ُع ُه فَ ْ‬ ‫اء َ‬ ‫استَطَ َ‬
‫ْ‬

‫ـات‪،3‬‬
‫ـات َو َه َن ٌ‬
‫ون َه َن ٌ‬ ‫صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪َ ،‬يقُـو ُل‪« :‬إِ َّن ُ‬ ‫ال‪ :‬س ِمعت رس َ ِ‬
‫سـتَ ُك ُ‬
‫ـه َ‬ ‫ول اهلل َ‬ ‫وعن عرفجة‪ ،‬قَ َ َ ْ ُ َ ُ‬
‫ـان»‪ .4‬وفـي روايـة‪:‬‬ ‫ف َك ِائ ًنا َم ْن َك َ‬
‫الس ْي ِ‬
‫اض ِرُبوهُ ِب َّ‬ ‫ُم ِة َو ِه َي َج ِميعٌ‪ ،‬فَ ْ‬
‫ق أ َْم َر َه ِذ ِه ْاأل َّ‬
‫َن ُيفَِّر َ‬
‫اد أ ْ‬
‫فَ َم ْن أ ََر َ‬
‫‪0‬‬
‫«فَاقْتُلُوهُ»‬
‫فـي الحـديثين السـابقين أمـر بطاعـة ولـي األمـر‪ ،‬ووحـدة األمـة اإلسـالمية‪ ،‬وفيـه األمـر بقتـال مـن‬
‫وينهـى عـن ذلـك‪ ،‬فـإن لـم ينتـه قوتـل‪،‬‬
‫خرج على اإلمام‪ ،‬أو أراد تفريق كلمة المسـلمين ونحـو ذلـك‪ُ ،‬‬
‫وان لم ينـدفع شـره إال بقتلـه فقتـل كـان هـد ار‪ .‬فقولـه صـلى اهلل عليـه وسـلم‪ :‬فاضـربوه بالسـيف‪ ،‬وفـي‬
‫الرواية األخرى فاقتلوه معناه‪ :‬إذا لم يندفع إال بذلك‪.‬‬

‫‪ - 1‬عبد الرحمن بن قدامه‪ ،‬الشرح الكبير‪.34/11 ،‬‬


‫اإل َما َر ِة‪ ،‬بَابُ ْاألَ ْم ِر بال َوفَا ِء بِبَ ْي َع ِة ال ُخلَفَا ِء‪ْ ،‬األ َّو ِل فَ ْاأل َّو ِل‪ ،1472/3 ،‬حديث (‪.)1244‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪ -‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ِ ،‬كتَابُ ْ ِ‬
‫‪2‬‬

‫‪ - 3‬هنات وهنات‪ :‬الهنات جمع هنة وتطلق على كل شيء‪ ،‬والمراد بها هنا الفتن‪ ،‬واألمور الحادثة‪ .‬المرجع السابق‪ ،‬لشرح محمد فؤاد‬
‫عبد الباقي]‪.1474/3 ،‬‬
‫ق أَ ْم َر ْال ُم ْسلِ ِمينَ َوهُ َو ُمجْ تَ ِم ٌع‪ ،1474/3 ،‬حديث (‪.)1252‬‬ ‫‪ -‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ِ ،‬كتَابُ ْ ِ‬
‫اإل َما َر ِة‪ ،‬بَابُ ُح ْك ِم َم ْن فَ َّر َ‬ ‫‪4‬‬

‫‪ - 5‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫قال عبد القادر عودة‪ ":‬وجريمة البغي موجهة إلى نظام الحكم والقا مين بأمره‪ ،‬وقد تشددت فيها‬
‫العقوبة؛ ألن التساهل فيها يؤدي إلى الفتن واالضطرابات وعدم االستقرار‪ ،‬وهذا بدوره يؤدي إلى‬
‫تأخر الجماعة وانحاللها‪ .‬وال شك أن عقوبة القتل أقدر العقوبات على صرف الناس عن هذه‬
‫الجريمة التي يدفع إليها الطمع وحب االستعالء‪.‬‬
‫وكل الدول اليوم تعاقب على البغي باإلعدام‪ ،‬وهو نفس العقوبة المقررة للجريمة في الشريعة"‪.1‬‬

‫ففي تطبيق حد البغي أثر في اصالح الفرد والمجتمع‬


‫‪ -1‬بحيــث يكــون هنــاك صــلة وثيقــة بــين المجتمــع والدولــة اإلســالمية ممثلــة فــي الحــاكم المقــيم‬
‫لش ــرع اهلل‪ ،‬وه ــو أن يب ــذل المجتم ــع الطاع ــة الخالص ــة الص ــادقة للح ــاكم‪ ،‬ويجاه ــد وراءه‪،‬‬
‫ويتحمل المجتمع المعاناه في المعاش‪ ،‬والحصار االقتصادي‪.‬‬
‫‪ -1‬تأمين المجتمع‪ ،‬ونشر الطمأنينة فيه‪ ،‬واالستقرار‪ ،‬وكف شر البغاة‪ ،‬والحفـاظ علـى سـالمة‬
‫األرواح‪ ،‬والدماء‪ ،‬واألعراض‪ ،‬واألموال‪.‬‬
‫‪ -6‬استقرار الدولة والمجتمع‪ ،‬واخالص الوالء لوالة األمور‪ ،‬من الحكام المسلمين‪.‬‬
‫‪ -4‬تحقيــق المقصــد مــن رســالة اإلســالم هــو إيجــاد المجتمــع الصــال ‪ ،‬الــذي ال يكتفــي بتــوفير‬
‫وســا ل العــيش أو رفــع مســتوى المعيشــة فقــط‪ ،‬وانمــا ال بــد للدولــة مــن العمــل علــى ترقيــة‬
‫الوجدان والحياة الخلقية لتقويم سلوك األفراد‪ ،‬وتسديد نشاطهم العملي الـذي يبـو هم خيـري‬
‫‪1‬‬
‫الدنيا واآلخرة مع الشعور باالرتياح والطمأنينة ال بالقهر والقسر‪.‬‬
‫‪ -5‬تش ــجيع وس ــا ل اإلنت ــاج م ــن ص ــناعة وتج ــارة وز ارع ــة‪ ،‬الت ــي ه ــي أفض ــل المكاس ــب ف ــي‬
‫اإلسالم‪ ،‬كما أنها تفت مجاالت األمل والعمل الستنزاف البطالة‪.‬‬

‫‪ - 1‬عبد القادر عودة‪ ،‬التشريع الجنائي‪.333/1 ،‬‬


‫‪ - 2‬الزحيلي‪ ،‬الفقه اإلسالمي وأدلته‪.513/2 ،‬‬

‫‪54‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق الحدود‬

‫ويشتمل على سبعة مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الزنا‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد القذف‬

‫المطلب الثالث‪ :‬أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الشرب‬

‫المطلب الرابع‪ :‬أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد السرقة‬

‫المطلب الخامس‪ :‬أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الحرابة‬

‫المطلب السادس‪ :‬أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الردة‬

‫المطلب السابع‪ :‬أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد البغي‬

‫‪55‬‬
‫المطلب األول‬
‫أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الزنا‬

‫ذكرنــا فيمــا ســبق أن تطبيــق واقامــة الحــدود فــي الدولــة اإلســالمية‪ ،‬مــن واجبــات الحــاكم فــي إقامتهــا‬
‫وله أن ينيب عنه من يقيمها‪ ،‬لفعل النبي‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬في إنابة من يقيم الحد عنه‪.‬‬
‫ولكن ما هو أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق الحدود‬
‫قبل اإلجابة على هذا السؤال‪ ،‬نعرج على تعريف الزنا لغةً واصطالحاً‪:‬‬

‫ـاء ممـدود‪ ،‬و ِّ‬


‫الزنـى مقصـور لغـة‬ ‫نى مقصـور وزن ً‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫‪-4‬في اللغة‪ :‬الزنا يمد ويقصر َزَنى الرج ُل َي ْزني ز ً‬
‫‪1‬‬
‫المد ألَهل نجد‪.‬‬
‫أَهل الحجاز‪ ،‬والزناء ممدود لغة بني تميم‪ ،‬وفي الصحاح ّ‬
‫وزنى وزناء أتى المرأة من غير عقد شرعي ويقال زنى بالمرأة فهو زان جمع زناة‪ ،‬وهي زانية جمع‬
‫‪1‬‬
‫زوان‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫قال المناوي‪ :‬الزنا لغة الرقي على الشيء‪.‬‬
‫‪-2‬في اصطالح الفقهاء‬
‫‪4‬‬
‫‪-4‬عند الحنفية‪" :‬وطء الرجل المرأة في القبل العاري عن حقيقة الملك وعن شبهته"‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫تعمدا"‪.‬‬
‫‪-2‬عند المالكية‪ ":‬وطء مكلف فرج دمي ال ملك له فيه باتفاق ً‬
‫‪3‬‬
‫‪-3‬عند الشافعية‪ ":‬هو إيالج حشفة أو قدرها في فرج محرم لعينه مشتهى طبعا بال شبهة"‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪-1‬عند الحنابلة‪ ":‬فعل الفاحشة في قبل أو دبر"‪.‬‬
‫ومــن المالحــظ أن الفقهــاء يختلفــون فــي وضــع تعريــف جــامع للزنــا ولكــنهم يتفقــون فــي أنــه الــوطء‬
‫المحرم المتعمد‪.‬‬
‫ومنه يستفاد أن جريمة الزنا تقوم على ركنيين هما‪ :‬ـ‬
‫‪4‬ـ الركن المادي الوطء المحرم)‪.‬‬
‫‪2‬ـ الركن المعنوي القصد الجنائي)‪.‬‬

‫‪ - 1‬ا بن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،354/14 ،‬الجوهري‪ ،‬الصحاح في اللغة‪.212/3 ،‬‬


‫‪ - 2‬إبراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد النجار‪ ،‬المعجم الوسيط‪.413/1 ،‬‬
‫‪ - 3‬محمد ال َّزبيدي‪ ،‬تاج العروس من جواهر القاموس‪.225/32 ،‬‬
‫‪ - 4‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪ ،33/7 ،‬ابن نجيم‪ ،‬البحر الرائق‪ ،3/5 ،‬ابن مودود الموصلي‪ ،‬االختيار لتعليل المختار‪.44/1 ،‬‬
‫‪ - 5‬خليل الجندي‪ ،‬مختصر خليل‪ ،241/1 ،‬الدردير‪ ،‬الشرح الكبير‪ ،313/4 ،‬علي العدوي‪ ،‬حاشية العدوي‪ ،417/2 ،‬الخرشي‪ ،‬شرح‬
‫مختصر خليل‪.75/2 ،‬‬
‫‪ - 3‬سليمان بن عمر البجيرمي‪ ،214/4 ،‬زكريا األنصاري‪ ،‬أسنى المطالب‪ ،125/4 ،‬الخطيب الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪،143/4،‬‬
‫النووي‪ ،‬منهاج الطالبين‪132/1 ،‬‬
‫‪ - 7‬موسى الحجاوي‪ ،‬إلقناع‪ ،251/4 ،‬ابن قدامة المقدسي‪ ،‬المغني‪ ،147/11 ،‬البهوتي‪ ،‬كشاف القناع‪ ،24/3 ،‬الرحيباني‪ ،‬مطالب أولي‬
‫النهى‪.172/3 ،‬‬

‫‪53‬‬
‫أوال‪ :‬ـ الركن المادي الوطء المحرم)‪.‬‬
‫كر فــي الفــرِج كالميـ ِـل فــي المكحلـ ِـة‬ ‫َّ‬
‫ـث يكــون الــذ ُ‬‫ـوطء محرمــاً ‪ ،‬إذا كــان فــي الفــرِج‪ ،‬بحيـ ُ‬
‫ويعتبــر الـ ُ‬
‫الحشفة (أو مثلها) على ِ‬
‫األقل في الفرج‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الوطء زناً تغيب‬ ‫ِ‬
‫العتبار‬ ‫ويكفي‬
‫وطء مـن هـذا القبي ِـل‬‫ـدث فـي غي ِـر مل ٍـك‪ ،‬فكـل ٍ‬ ‫رم المعتبـر زنـاً هـو الـذي يح ُ‬ ‫المح َّ‬ ‫والقاعدةُ َّ‬
‫الوطء َ‬
‫ُ‬ ‫أن‬
‫ِ ‪1‬‬
‫هناك مانعٌ شرعي من هذه العقوبة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫زناً عقوبتُه ُّ‬
‫الحد ما لم يكن‬
‫يم في‬ ‫محرماً‪َّ ،‬‬ ‫حدث الوطء أثناء ِ‬
‫ألن التحر َ‬ ‫الوطء ّ‬‫ُ‬ ‫قيام الملك فال يعتبر الفع ُل زناً ولو كان‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫أما إذا‬
‫المحرم ـةَ أو التــي‬
‫َّ‬ ‫ض أو النفس ـاَ َء أو الصــا مةَ أو‬ ‫ـوطء الرجـ ِـل زوجتَـه الحــا َ‬
‫ـارض‪ ،‬فـ ُ‬‫هــذه الحالـ ِـة عـ ٌ‬
‫‪1‬‬
‫حرٌم ولكنه ال يعتبر زناً‪.‬‬‫كل ذلك ُم َّ‬‫منها ‪ُّ -‬‬‫ظاهر منها أو لى َ‬ ‫َ‬

‫ثانيا‪ :‬الركن المعنوي تعمد الوطء)‬


‫يعلم الزاني أَنه يزني بامرٍأة ال تَ ِح ُّل له‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الع ْمد كأن َ‬ ‫يتوفر لدى الزاني أو الزانية َّنيةُ َ‬
‫وهو أن َ‬
‫محرم عليها‪.‬‬ ‫تعلم أَنه‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫كن الزانيةُ رجالً من نفسها وهي ُ‬ ‫أو أن تُ َم َ‬
‫ِ‬
‫بشروطه‪.‬‬ ‫وجب إن از ُل ِّ‬
‫الحد‬ ‫ٍ‬
‫شبهة‬ ‫ِ‬
‫الركنان بال‬ ‫افر ِ‬
‫هذان‬
‫َ‬ ‫ومتى تو َ‬

‫حد ِّ‬
‫الزنا‪:‬‬ ‫مشروعي ُة ِّ‬
‫اح ٍد ِم ْن ُه َمـا ِم َائـ َة‬
‫اجلِ ُدوا ُك َّل و ِ‬
‫َ‬ ‫الزِاني فَ ْ‬
‫الزِان َي ُة َو َّ‬
‫حد الزنى قولهُ تعالَى‪َّ { :‬‬ ‫ِ‬
‫مشروعية ّ‬ ‫األص ُل في‬
‫ـه ْد َعـ َذ َاب ُه َما‬ ‫ـون ِباللَّ ِـه وا ْليـوِم ِ‬
‫االخ ِـر َوْل َي ْ‬ ‫ين اللَّ ِـه إِ ْن ُك ْنـتُ ْم تُ ْؤ ِم ُن َ‬ ‫َج ْل َد ٍة َوَال تَأْ ُخ ْذ ُك ْم ِب ِه َما َأْرفَ ٌة ِفي ِد ِ‬
‫شَ‬ ‫َ َْ‬
‫ين} [النور‪.]1:‬‬ ‫ط ِائفَ ٌة ِم َن ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬‫َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪ُ «:‬خـ ُذوا َع ِّنـي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َّام ِت‪ ،‬قَ َ‬ ‫ادةَ ْب ِن الص ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َر ُسو ُل اهلل َ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ‬ ‫حديث ُع َب َ‬ ‫ثبت من‬ ‫وما َ‬
‫ـب ِبالثَِّّي ِـب َج ْلـ ُـد‬ ‫يال‪ ،‬ا ْل ِب ْكـر ِبـا ْل ِب ْك ِر ج ْلـ ُـد ِم َائ ٍـة وَن ْفـي ٍ‬
‫سـ َنة‪َ ،‬والثَِّّي ُ‬
‫َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫سـ ِب ً‬
‫ُخـ ُذوا َع ِّنـي‪ ،‬قَـ ْـد َج َع َـل اهللُ لَ ُهـ َّن َ‬
‫ِم َائ ٍة‪َ ،‬و َّ‬
‫‪3‬‬
‫الر ْج ُم »‪.‬‬
‫الرجم بالحجارِة‪.‬‬ ‫وحد ِ‬
‫الثيب‬ ‫الجلد ما ة والنفي‪ُّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫حد البِكر‬ ‫فالحديث يدل على أن َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬

‫حد ِّ‬
‫الزنا‪:‬‬ ‫ِ‬
‫مشروعية ِّ‬ ‫الحكم ُة من‬
‫للحفاظ على ِ‬
‫نظام األس ِرة‪ ،‬التي تعتبر الدعامة األولى التي يقوم عليها‬ ‫ِ‬ ‫ت عقوبةُ الزنا‬ ‫ُش ِرَع ْ‬
‫تشيع الفاحشةُ والرذيلةُ‬ ‫المجتمع‪ ،‬وذلك بأن‬
‫ِ‬ ‫فساد ِ‬
‫الفرد و‬ ‫اختل هذا النظام ّأدى إلى ِ‬ ‫المجتمع‪ ،‬فإذا َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫للمجتمع ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ككل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وعدم االستقرِار‪ ،‬وفي النهاية ٌ‬
‫هدم‬ ‫ُ‬ ‫األنساب‬ ‫واختالطُ‬

‫‪ - 1‬عبد القادر عودة‪ ،‬التشريع الجنائي‪.351/2 ،‬‬


‫‪ - 2‬حاشية اين عابدين ‪ ،244 /3‬شرح الزرقاني ‪ ،74/2‬نهاية المحتاج ‪ ،111 / 7‬المغنى والشرح الكبير ‪.151 / 11‬‬
‫‪ - 3‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ِ ،‬كتَابُ ْال ُحدُو ِد‪ ،‬بَابُ َح ِّد ال ِّزنَى‪ ،1313/3 ،‬حديث رقم(‪.)1341‬‬

‫‪57‬‬
‫س ِبيالً } [اإلسراء‪.]61:‬‬ ‫ان فَ ِ‬
‫الزَنى إِ َّن ُه َك َ‬
‫قال تعالى‪َ { :‬والَ تَ ْق َرُبواْ ِّ‬
‫ساء َ‬ ‫ش ًة َو َ‬
‫اح َ‬
‫عطف‬
‫َ‬ ‫بوٍة أو‬
‫أحد منهم شفقةَ أُ َّ‬
‫ق ٌ‬ ‫يتذو ُ‬
‫ولوال الروابط الزوجية ألصب الناس قطيعاً من الماشية ال َّ‬
‫وفوق هذه األمور االجتماعية‪ .‬فان الزنى‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫بمرحمة‪.‬‬ ‫اآلخر بود أو‬‫أحدهم نحو ِ‬ ‫يشعر ُ‬ ‫أُ ٍ‬
‫مومة وال‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ين هما الزهري والسيالن‪ .‬وقد أثبت االطباء‬ ‫ضرره باألفراد ويسبب اإلصابةَ بِ َ‬
‫مرض ْي ِن خطير ِ‬ ‫ُ‬ ‫يلحق‬
‫ِ‬
‫المناعة‬ ‫ومرض نقص‬ ‫ِ‬ ‫أن هذين المرضين ال ينتشر وباؤهما إالَّ باالتصال الجنسي غير المشروع‪،‬‬
‫القاتل(اإليدز)‪.‬‬
‫اء‪ ،‬وذلك للحف ِ‬
‫ـاظ علـى‬ ‫الفاحشة النكر ِ‬
‫ِ‬ ‫وضع حد لمن ي ْقدم على ِ‬
‫فعل هذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يتهاون الشرعُ من‬ ‫لذلك لم‬
‫ُ ُ‬
‫ٍ‬
‫متماسك‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫فاضل‬ ‫مجتمع‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫إيجاد‬ ‫بأصول ٍ‬
‫ثابتة‪ ،‬وبالتالي‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وحدة األس ِرة‬

‫ـاب‪َ ،‬وِفـي َهـ َذا َهـ َال ُ‬


‫ك‬ ‫اخـتِ َال ِط ْاأل َْن َس ِ‬
‫اصـي لِ َمـا ِفي ِـه ِم ْـن ْ‬
‫ـرِِم و َكبـا ِ ِر اْلمع ِ‬
‫ََ‬ ‫ُمهَـات اْل َج َا َ َ‬
‫الزَنا ِمن أ َّ ِ‬
‫ويعتبر ِّ ْ‬
‫ِ‬ ‫ك َذلِ َ‬ ‫يه أَو ِفي أَ ْكثَِرها اْلقَ ْت َل الَِّذي ِف ِ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫اْل َحر ِث و َّ ِ‬
‫ص ِ‬
‫ـاص‬ ‫ـك‪ ،‬فَُزِج َـر َع ْنـهُ بِاْلق َ‬ ‫يه َه َال ُ‬ ‫َ‬ ‫الن ْسل فَ َشا َك َل في َم َعان ْ‬ ‫ْ َ‬
‫ِِ ‪1‬‬
‫ع َع ْن ِم ْث ِل ِف ْعلِ ِه َم ْن َيهُ ُّم به‪.‬‬
‫لِ َي ْرتَِد َ‬

‫عقوبة الزنا‬
‫العقوبة نوعان‪ :‬ـ‬
‫‪2‬ـ عقوبة المحصن‬ ‫‪4‬ـ عقوبة البكر‬
‫أوال‪ :‬عقوبة البكر‬
‫رتبت الشريعة عقوبتي الجلد والتغريب على الزاني البكر رجالً كان أو امرأة‪.‬‬
‫ويفــرق الشــرع بــين ال ازنــي المحصــن‪-‬المتــزوج‪-‬وغيــر المحصــن‪-‬البكــر‪-‬فــي العقوبــة‪ ،‬فــإذا كــان بكـ اًر‬ ‫ُ‬
‫‪1‬‬
‫جلد ما ة وتغريب عام ‪ ،‬في الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫ح اًر‪ ،‬فحده ُ‬
‫اح ٍد ِّم ْن ُه َما ِم َئ َة َج ْل َد ٍة } [النور‪.]1:‬‬
‫اجلِ ُدوا ُك َّل و ِ‬
‫َ‬ ‫الزِاني فَ ْ‬
‫الزِان َي ُة َو َّ‬
‫‪-4‬في الكتاب‪ :‬قال تعالى‪َّ { :‬‬
‫ففي اآلية الكريمة أمر بجلد من زنى ذك اًر وأنثى‪ ،‬ثيباً أو بك اًر‪.‬‬
‫‪ -2‬في السنة‪ :‬ولكـن السـنة الصـحيحة فرقـت فـي الحـد بـين الثيـب والبكـر‪ ،‬حيـث جـاء فـي حـديث‬
‫أبــي هري ـرة رضــي اهلل عنــه‪ ،‬فــي خبــر العســيف‪ ،6‬قــال‪-‬صــلَّى اهللُ عليـ ِـه وســلَّم‪ ":-‬وعلــى ابنــك جلــد‬
‫مائة‪ ،‬وتغريب عام"‪.1‬‬

‫‪ - 1‬ابن القيم‪ ،‬إعالم الموقعين‪.22/2 ،‬‬


‫‪ - 2‬التغريب مع الجلد عند الشافعية والحنابلة يشمل الرجل والمرأة‪ ،‬وعند المالكية التغريب للرجل فقط‪ ،‬أما الحنفية فال يرون التغريب‬
‫من الحد‪ ،‬واألمر في ذلك لإلمام إن رأى المصلحة ويعتبر تعزيراً‪.‬‬
‫انظر‪ :‬أسنى المطالب‪ ،124/4 :‬اإلنصاف‪ ،131/11 :‬القوانين الفقهية‪ ،232/1 :‬بدائع الصنائع‪.34/7 :‬‬
‫‪ - 3‬العسيف‪ :‬األجير‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬
‫اف بِالزنَا‪ ،137/2 ،‬حديث(‪ ،)3227‬ومسلم‪ِ ،‬كتَابُ ال ُحدُو ِد‪ ،‬بَابُ َم ِن اعترَفَ َعلى‬ ‫ْ‬
‫‪ - 4‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ِ ،‬كتَابُ ال ُحدُو ِد‪ ،‬بَابُ ِاالعتِ َر ِ‬
‫نَ ْف ِس ِه بِال ِّزنَى‪ ،1324/3 ،‬حديث(‪.)1347‬‬

‫‪52‬‬
‫ثانياً‪ :‬عقوبة المحصن‬
‫شددت الشريعة عقوبة المحصن فجعلتها الرجم‬
‫ـر‪ ،‬وطــئ فــي نكــاح‬
‫فالمحصــن‪-‬المتــزوج‪-‬إذا زنــى فحــده الــرجم‪ ،‬وشــرطه أن يكــون بالغـاً‪ ،‬عــاقالً‪ ،‬حـ اً‬
‫صحي ‪ ،1‬لحديث إبي هريرة‪ ":‬واغد يا أنـيس إلـى امـرأة هـذا‪ ،‬فـإن اعترفـت فارجمهـا"‪ ،‬قـال‪ :‬فغـدا‬
‫عليهــا‪ ،‬فاعترفــت‪ ،‬فــأمر بهــا رســول اهلل ص ـلَّى اهللُ عليـ ِـه وس ـلَّم فرجمــت"‪ .1‬وهــو الــرجم بالحجــارة‬
‫حتى الموت‪.‬‬
‫مـن هنــا نـرى أن الشــارع الكـريم قــد وضــع عقوبـات رادعــة‪ ،‬ال يمكـن أن تحــل محلهـا غيرهــا‪ ،‬ولــذلك‬
‫عاش المجتمع اإلسالمي في أمـن وطمأنينـة فـي ظـل الحكـم اإلسـالمي ال ارشـد‪ ،‬الـذي أقـام الحـدود‪،‬‬
‫ولم يفرط فيها‪ ،‬فكان األمن على األموال‪ ،‬واألعراض‪ ،‬واألنفس‪ ،‬والعقول‪.‬‬
‫ولكن عندما ال تقـام الحـدود التـي تعتبـر السـياج األمنـي للفـرد والمجتمـع‪ ،‬فـإن هـذا يفـت البـاب إلـى‬
‫كثـرة الجـ ار م فــي اســتباحة االع ـراض‪ ،‬وانتشــار الزنــا‪ ،‬ويترتــب علــى ذلــك كث ـرة أوالد الزنــا‪ ،‬الــذين ال‬
‫أُسـر لهـم‪ ،‬فينمـي ذلـك عنـدهم اإلحسـاس بالحرمـان‪ ،‬وبغـض المجتمـع‪ ،‬وحـب االنتقـام منـه‪ ،‬فمــا أن‬
‫يكبروا حتى يعيثوا في المجتمع فساداً‪ ،‬فيصبحوا مصدر تهديد وقلق للمجتمع بأسره‪.‬‬
‫أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الزنا‪.‬‬
‫قيــل‪ :‬وبضــدها تتبــين األشــياء‪ ،‬والضــد يظهــر حســنه الضــد‪ ،‬لهــذا قبــل أن نــذكر أثــر غيــاب الدولــة‬
‫اإلسالمية على تطبيق حد الزنا‪ ،‬نسلط الضـوء علـى أثـر وجـود الدولـة اإلسـالمية علـى تطبيـق حـد‬
‫الزنا‪ ،‬وبهذا يتض السبيل في معرفة الحكم القويم‪.‬‬
‫كان من صميم الدولة اإلسالمية‪ ،‬وهدفها‪ ،‬إقامة مجتمع مسلم‪ ،‬قا م ومؤسس علـى دسـتور سـماوي‬
‫من اهلل عز وجل‪ ،‬يحكم به النبي‪-‬صـلى اهلل عليـه وسـلم‪-‬والخلفـاء مـن بعـده‪ ،‬وهـذا الدسـتور يشـمل‬
‫جمي ــع جوان ــب المجتم ــع المس ــلم‪ ،‬العقا دي ــة‪ ،‬واالجتماعي ــة‪ ،‬واالقتص ــادية‪ ،‬والسياس ــية‪ ،‬والتجاري ــة‪،‬‬
‫والقضا ية‪ ،‬والعسكرية‪ ،‬الداخلية والخارجية‪.‬‬
‫من المعلوم أن فاحشة الزنا‪ ،‬من أقب الج ار م ومن أعظم الكبا ر المحرمة‪ ،‬بنص الكتاب والسنة‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬من الكتاب‪:‬‬
‫ـع اللَّ ِـه إِلَ ًهـا َ‬
‫آخ َـر َوال‬ ‫ون َم َ‬‫ين ال َي ْد ُع َ‬ ‫أن اهلل تعالى قرنه بالشرك وقتل النفس في قوله تعالى‪َ { :‬والَِّذ َ‬
‫اما} [الفرقان‪.]38 :‬‬ ‫ون َو َم ْن َي ْف َع ْل َذلِ َك َي ْل َ‬
‫ق أَثَ ً‬ ‫س الَّ ِتي َح َّرَم اللَّ ُه إِال ِبا ْل َح ِّ‬
‫ق َوال َي ْزُن َ‬ ‫ون َّ‬
‫الن ْف َ‬ ‫َي ْقتُلُ َ‬
‫س ِبيال} [اإلسراء‪.]61:‬‬ ‫ان فَ ِ‬‫الزَنى إِ َّنه َك َ‬ ‫وقال تعالى‪َ { :‬وال تَ ْق َرُبوا ِّ‬
‫آء َ‬ ‫س َ‬ ‫ش ًة َو َ‬
‫اح َ‬

‫‪ - 1‬انظر تفصيل شروط اإلحصان عند العلماء‪ ،‬في المغني البن قدامة المقدسي‪.41-32/4 ،‬‬
‫‪ - 2‬متفق عليه‪ :‬سبق تخريجه‪ ،‬ص‪.34‬‬

‫‪54‬‬
‫إن اهلل تعــالى وصــف الزنــا بأنــه فاحشــة‪ ،‬وهــو إشــارة إلــى اشــتماله علــى فســاد األنســاب الموجبــة‬
‫لخراب العالم‪ ،‬وساء سبيال‪ ،‬أي وساء طريقاً ومسلكاً‪ ،‬حيث ال يبقى فرق بين اإلنسان وبين البها م‬
‫في عدم اختصاص الذكران باإلناث‪.1‬‬
‫ثانيا‪ :‬من السنة‪:‬‬
‫َن‬
‫ـال‪« :‬أ ْ‬ ‫َعظَـ ُـم ِع ْنـ َـد اللَّـ ِه؟‬
‫قَـ َ‬ ‫عــن عبــد اهلل قــال‪ :‬سـألت النبــي صــلى اهلل عليـه وســلم‪ " :‬أَي الـ َّـذ ْن ِب أ ْ‬
‫َن‬
‫ـاف أ ْ‬
‫تَ َخ ُ‬
‫َن تَ ْقتُ َل َولَ َـد َك‬‫ال‪َ « :‬وأ ْ‬
‫ت‪ :‬ثُ َّم أَي؟ قَ َ‬ ‫يم‪ُ ،‬ق ْل ُ‬ ‫ِ‬ ‫تَ ْجع َل لِلَّ ِه ِنديا و ُهو َخلَقَ َك»‪ُ .‬ق ْل ُ ِ ِ‬
‫ت‪ :‬إ َّن َذل َك لَ َعظ ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫‪2‬‬
‫َن تَُزِاني َحِليلَ َة َج ِ‬
‫ار َك» ‪.‬‬ ‫ال‪« :‬أ ْ‬
‫ت‪ :‬ثُ َّم أَي؟ قَ َ‬
‫َي ْط َع َم َم َع َك»‪ُ .‬ق ْل ُ‬
‫َ‬
‫وهنا قُرن الزنا بكبيرتين عظيمتين‪ ،‬وهما اإلشراك باهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وقتل النفس التي حرم اهلل‬
‫قتلها إال بالحق‪ ،‬ثم ذكر الزنا لعظم خطرها وقبحها شرعاً وعقالً وعرفاً وعادة‪ ،‬فهذا الحديث موافق‬
‫لنص اآلية السابقة من سورة الفرقان‪ ،‬إلن ك ٌل من عند اهلل تبارك وتعالى علواً كبي اًر‪.‬‬

‫فمــن هــذا المنطلــق علــم المســلمون بــأن الزنــا ح ـرام وكبي ـرة مهلكــة‪ ،‬لهــا عواقــب وخيمــة فــي الــدنيا‬
‫واآلخ ـرة إذا لــم يتطهــر ويتــب منهــا‪ ،‬وقــد طُبــق هــذا المــنهج الربــاني فــي مجتمعنــا المســلم‪ ،‬بقيــادة‬
‫النبي‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ،-‬فكانت النتيجة أن أفـرزت مجتمعـاً قويـاً متماسـكاً نظيفـاً‪ ،‬قا مـاً علـى‬
‫الفضيلة‪ ،‬ونابذاً للرذيلة‪ ،‬ألن أصله ثابت وفرعه في السماء‪.‬‬

‫ولخطر جريمة الزنا جعل الشارع إلثباتها‪ :‬أن يأتي أربعة شهداء بوصف عملية الزنا وصـفاً لـيس‬
‫فيه أدنى ُشبهة‪ ،‬وهو أن ُيرى رجل يجامع امرأة ال تحل له‪ ،‬وأن ُيرى ذكره فـي فرجهـا كـالمرود فـي‬
‫المكحلــة‪ ،‬وكالرشــا فــي الب ــر‪ ،‬هــذا أمــر ال يصــدر إال عمــن ال يبــالي بهــذه الفعلــة النك ـراء مــن أن‬
‫يستتر عن أعين الناس‪ ،‬ولم تثبت ج ار م الزنا على عهد رسول اهلل عليه السالم إال باإلقرار‪ ،‬وهي‬
‫ال تتج ــاوز اص ــابع الي ــد الواح ــدة‪ ،‬فه ــذا ي ــدل عل ــى أن المجتم ــع اإلس ــالمي األول ك ــان نظيفـ ـاً م ــن‬
‫الفاحشة‪ ،‬ولك أن تتأمل في مواقف الذين أقروا على أنفسهم بالزنا‪ ،‬جاءوا معترفين بالذنب طـالبين‬
‫التطهير بإقامة عليهم الحد‪.‬‬

‫فلك الحكم اآلن علـى أثـر وجـود الدولـة اإلسـالمية‪ ،‬التـي تطبـق مـنهج اهلل كمـا أُنـزل علـى رسـوله‬
‫محمد‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬وكيف أصب المجتمع الذي كان قريب عهد بجاهلية مقيتة‪ ،‬مجتمعـاً‬
‫نظيفاً قوياً متماسكاً‪ ،‬عندما رضي اإلسالم ديناً ومنهاجاً‪.‬‬

‫‪- 1‬الفخر الرازي‪ ،‬تفسير الفخر الرازي‪.333/21 ،‬‬


‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َجْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ير الق آ ِن‪ ،‬بَابُ قوْ لِ ِه ت َعالى‪{ :‬فال ت َعلوا ِّلِلِ أندَادًا َوأنت ْم تعل ُمونَ [‪،12/3،‬‬ ‫رْ‬‫ُ‬ ‫ْ‬
‫‪ -‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ِ ،‬كتَابُ تَف ِس ِ‬
‫‪2‬‬

‫ب‪ ،41/1 ،‬حديث(‪.)23‬‬ ‫ِ‬ ‫و‬‫ُ‬ ‫ن‬‫ذ‬‫ُّ‬ ‫ال‬ ‫ح‬ ‫ب‬‫ق‬


‫ِ َ َ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ك‬ ‫رْ‬ ‫ِّ‬
‫ش‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫وْ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ابُ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫‪،‬‬ ‫انَ‬ ‫م‬ ‫ي‬
‫ِ َ‬ ‫ْ‬
‫اإل‬ ‫َابُ‬ ‫ت‬‫ك‬‫ِ‬ ‫مسلم‪،‬‬ ‫صحيح‬ ‫ومسلم‪،‬‬ ‫)‪،‬‬ ‫‪4477‬‬ ‫حديث(‬

‫‪31‬‬
‫واآلن نأتي للحديث عن أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الزنا‬
‫وب ــدأ غي ــاب الدول ــة اإلس ــالمية عن ــدما ابتلين ــا بس ــقوط الخالف ــة اإلس ــالمية‪ ،‬وقطّع ــت أوص ــالها إل ــى‬
‫دوي ــالت ص ــغيرة‪ ،‬تفص ــلها ح ــدود ل ــم يعه ــدها المس ــلمون م ــن قب ــل‪ ،‬وعل ــى ك ــل دويل ــة نظ ــام ح ــاكم‬
‫يسوس ــها بم ــا يحل ــو ل ــه م ــن األنظم ــة الوض ــعية الس ــا دة ف ــي الغ ــرب‪ ،‬وتطبيقه ــا ب ــديالً ع ــن الحك ــم‬
‫اإلسالمي والشرع الرباني المحكم‪ ،‬فما كانت النتيجة‬
‫نستعرض اآلن كيف تناولت األنظمة الوضـعية جريمـة الزنـا‪ ،‬ومـا العقوبـة التـي وضـعتها لهـا‪ ،‬ومـا‬
‫النتــا ج التــي حققتهــا علــى صــعيد الفــرد والمجتمــع تســاؤالت البــد مــن اإلجابــة عليهــا‪ ،‬حتــى تتجلــى‬
‫الرؤية وضوحاً‪.‬‬
‫عقوبته في القوانين الوضعية الحبس‪ .‬وهي عقوبة ال تؤلم الزاني وال تردعه عن ترك هـذه الجريمـة‬
‫النكـراء‪ ،‬وقــد أدت عقوبــة الحــبس إلــى اشــاعة الفســاد والفاحشــة‪ ،‬وأكثــر النــاس الــذين يمتنعــون عــن‬
‫الزنا اليوم ال تصرفهم عنه العقوبة‪ ،‬وانما يمسكهم عنه الدين أو االخالق الفاضلة‪ ،‬التي لم يعرفها‬
‫أهل االرض قاطبة إال عن طريق الدين‪.‬‬
‫وعقوبة الزنا في الشـريعة لـم توضـع اعتباطـا‪ ،‬وانمـا جـاءت بتقـدير العلـيم الخبيـر لتكـوي ــن االنـســان‬
‫وعـقـليـته وتـقـدير لغـ ار زه ومـيـولـه وعـواطفه‪ ،‬وحفظت بذلك الفـرد والجـمـاعــة‪ ،‬فهــي عـقـوبــات عـلـمـيــة‬
‫تشـريعـية‪ ،‬ألنها وضعت على اساس العلم بالنفـس البشـريـة‪ ،‬وهــي عـقـوبـات تشـريعـية ألنهـا شـرعـت‬
‫لمـحاربة الجريمة وهذه الميزة ال توجد في القوانين الوضعية‪.‬‬

‫وفييي الق ـوانين الوضــعية فأساســها أن الزنــا مــن األمــور الشخصــية التــي تمــس عالقــات األف ـراد وال‬
‫زوجـا‬ ‫تمس صال الجماعة‪ ،‬فال معنى للعقوبـة عليـه مـا دام عـن تـر ٍ‬
‫اض إال إذا كـان أحـد الطـرفين ً‬
‫‪1‬‬
‫ففي هذه الحالة يعاقب على الفعل صيانة لحرمة الزوجية‪.‬‬

‫مــن القـوانين الوضــعية مــن تــرى أن الزنــا يعتبــر مــن موجبــات الحريــة‪ ،‬وهــو ال يعــد جريمــة إال إذا‬
‫اقترن بعنف فليس كل وطء محرم أو مواقعة زنا‪.‬‬
‫ومن القوانين من يقصر الزنا على المواقعة التي تحصل من المتزوجين فقط‪.‬‬
‫وال تعتبــر مــا يقــع مــن مطلقــة أو أعــزب زنــا وال عقــاب علــي المواقعــة‪ ،‬إال فــي حالــة اخــذ المجنــي‬
‫عليهــا بـالعنف أو إذا كــان الرضــا بالمواقعـة معيبــا بـإن كانــت المجنــي عليهــا اقــل مــن ثمانيــة عشــر‬
‫‪1‬‬
‫عاماً ويكيف الجرم بأنه جنحة بسيطة تستوجب الحبس والغرامة‪.‬‬

‫‪ - 1‬عبد القادر عودة‪ ،‬التشريع الجنائي اإلسالمي‪.347/2 ،‬‬


‫‪ - 2‬قانون العقوبات المصري‪ ،‬مادة(‪.)273‬‬

‫‪31‬‬
‫جريمة الزنا في قانون العقوبات المصري‪:‬‬
‫تنــاول قــانون العقوبــات المصــري جريمــة الزنــا‪ ،‬فــي عــدة نصــوص بدايــة مــن المــادة ‪ 176‬وحتــى‬
‫المادة ‪.173‬‬
‫اوال‪ :‬من المخاطب بنصوص هذه المواد ومكان الجريمة‪:‬‬
‫القانون المصري ال يعرف الزنا للمرأة غير المتزوجة‪ ،‬وال للرجل غير المتزوج‪ ،‬إال اذا كانـا شـركاء‬
‫لمتزوجين في الزنا‪ ،‬فالقانون يشترط لكى تنطبق نصوصـه‪ ،‬أن تقـع الجريمـة مـن امـرأه متزوجـه او‬
‫من رجل متزوج‪ ،‬وفرق بين الرجل والمرأة من ناحية مكان الجريمة‪ ،‬فـالمرأة المتزوجـة تعاقـب علـى‬
‫الزنا اذا ارتكبته في أي مكان‪ ،‬سواء في منزل الزوجية أو في غيره‪ ،‬أما الرجل فالقانون يشترط ان‬
‫‪1‬‬
‫تكون الجريمة وقعت منه في منزل الزوجية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬اجراءات رفع الدعوى‪:‬‬
‫ال تقام هذه الدعوى على مرتكب هذه الجريمة‪ ،‬إال بشكوى من الزوج‪ ،‬فاذا ارتكبها رجل فالبـد مـن‬
‫شكوى تقدمها زوجته‪ ،‬واذا ارتكبتها امرأة فالبد من شكوى يقدمها زوجها‪ ،‬وبـذلك نجـد انـه ال يمكـن‬
‫مقاضــاة مرتكــب هــذه الجريمــة‪ ،‬إال إذا صــرح بالشــكوى مــن يملكهــا‪ ،‬هــذا ويشــترط القــانون فــي هــذه‬
‫الجريمــة حــال كونهــا مــن الج ـ ار م التــي يتوقــف تحريــك الــدعوى الجنا يــة فيهــا علــى شــكوى‪ ،‬أي أن‬
‫يصرح بالشكوى من يملكها خالل مده اقصاها ‪ 6‬شهور منذ وقت العلم بالجريمة ومرتكبها‪.‬‬
‫وال يتوقف األمر عند هذا الحد‪ ،‬بل يحق للزوج الذي ارتكبت زوجته هذه الجريمـة‪ ،‬أن يتنـازل عـن‬
‫الدعوى في أي حالـة تكـون عليهـا الـدعوى‪ ،‬ولـه ايضـا ان يوقـف تنفيـذ العقوبـة فـي أي وقـت شـاء‪،‬‬
‫حتــى لــو كــان الحكــم نها يــا‪ ،‬وذلــك بشــرط ان يرضــى معاش ـرتها لــه كمــا كــان‪ ،‬وللزوجــة مثــل هــذا‬
‫‪1‬‬
‫الحق‪ ،‬إذا كان زوجها هو من ارتكب الجريمة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أدله الثبوت التي تقبل امام المحكمة اثناء نظر الدعوى‪:‬‬
‫ذكرت المادة ‪ 173‬عقوبات تلك األدلة على سبيل الحصر وهي‪:‬‬
‫‪ -‬القــبض علــى المــتهم حــين تلبســه بالفعــل (والتلــبس هنــا لــيس معنــاه مشــاهده المــتهم وهــو‬
‫يرتكب الفعل ذاته‪ ،‬بل يكفي أن يكون في حالة تدل على ذلك)‪.‬‬
‫‪ -‬اعتراف المتهم بالجريمة‪.‬‬
‫‪ -‬وجــود مكاتيــب او او ارق اخــرى مكتوبــه مــن المــتهم بالزنــا أو موجــودة فــي منــزل الزوجيــة‬
‫‪6‬‬
‫تثبت عليه هذا االمر‪.‬‬

‫‪ - 1‬قانون العقوبات المصري‪ ،‬مادة(‪.)273‬‬


‫‪ - 2‬قانون العقوبات المصري‪ ،‬مادة(‪273‬و‪.)274‬‬
‫‪ -3‬قانون العقوبات المصري‪ ،‬مادة(‪.)273‬‬

‫‪32‬‬
‫رابعا‪ :‬العقوبة‪:‬‬
‫فرق القانون بين الرجل والمرأة في العقوبة‪:‬‬
‫فبينمــا يعاقــب الرجــل الــذي يرتكــب جريمــة الزنــا فــي منــزل الزوجيــة بــالحبس مــده ال تزيــد‬ ‫‪-‬‬
‫علــى ‪ 3‬شــهور (هــو وشـريكته)‪ ،‬نجــد أن المـرأة عقوبتهــا الحــبس مــده ال تزي ـد علــى ســنتين‬
‫‪1‬‬
‫(هي وشريكها)‪.‬‬
‫‪ -‬الزوج الذي سبق وارتكب جريمة الزنا في المسكن المقيم فيه مع زوجتـه (مسـكن الزوجيـة)‬
‫‪1‬‬
‫ال تسمع دعواه ضد زوجته إذا ارتكبت جريمة الزنا والعكس صحي ‪.‬‬

‫عقوبة الزنا في القانون األردني‪:‬‬


‫‪ -‬تعاقب المرأة الزانية برضاها بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين‪.‬‬
‫‪ -‬ويقضـى بالعقوبـة نفسـها علـى شـريك الزانيـة إذا كـان متزوجـاً واال فـالحبس مـن ثالثـة أشـهر إلـى‬
‫سنة‪.‬‬
‫‪ -‬إذا ارتكب الزوج الزنا في منزل الزوجية أو اتخـذ لـه خليلـة علنيـة فـي أي مكـان يعاقـب بـالحبس‬
‫‪6‬‬
‫من شهر إلى سنة‪.‬‬
‫وكيف تثبت جريمة الزنا في هذا القانون؟!‬
‫‪ .1‬القبض على المرأة الزانية وشريكها في حـال تلـبس بالزنـا‪ ،‬وال تشـترط المشـاهدة إنمـا يكفـي‬
‫سماع أصوات تقطع بارتكاب الزنا‪.‬‬
‫‪ .1‬االعتراف أمام المحكمة‪ ،‬ويكون االعتراف قاص اًر على المعترف‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ .6‬وجود أوراق مكتوبة أو رسا ل تثبت وقوع الزنا‪ ،‬أو يستخلص منها عقالً ارتكاب الزنا‪.‬‬

‫وكيف تسقط دعوى جريمة الزنا في هذا القانون؟!‬


‫تسقط في الحاالت التالية‪:‬‬
‫‪ -‬إذا رد الزوج زوجته‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬أو توفى الزوج أو الولي الشاكي أو الزانية أو شريكها في الزنا‪.‬‬

‫‪ - 1‬قانون العقوبات المصري‪ ،‬مادة(‪277‬و‪.)274‬‬


‫‪ - 2‬قانون العقوبات المصري‪ ،‬مادة(‪.)273‬‬
‫‪ - 3‬المادتين ‪222‬و‪223‬من قانون العقوبات األردني رقم (‪ )13‬لسنة ‪.1431‬‬
‫‪ - 4‬المادة ‪3/222‬من قانون العقوبات األردني رقم (‪ )13‬لسنة ‪.1431‬‬
‫‪ - 5‬المادة ‪224‬من قانون العقوبات األردني رقم (‪ )13‬لسنة ‪.1431‬‬

‫‪33‬‬
‫فيظهر لنا مما سبق أن عدم تطبيق عقوبـة حـد الزنـا‪ ،‬واسـتبدالها بعقوبـة وضـعية نـتج‬
‫عنها‪:‬‬
‫‪ -1‬أن القوانين الوضعية في بعض البلدان اإلسالمية‪ ،‬قد نحت منحـى القـوانين الوضـعية‬
‫الغربية‪ ،‬التـي أباحـت الزنـا فـي صـور معينـة‪ ،‬ولـم يرتبـوا عليـة أي عقـاب باعتبـاره مـن‬
‫األمــور الخاصــة التــي ال تمــس مصــال المجتمــع واعتبــروا الت ارضــي بــه مانع ـاً للعقــاب‬
‫عليه‪.‬‬
‫‪ -1‬وفي غياب العقاب الـرادع‪ ،‬أدي إلـى تفكـك األسـرة‪ ،‬واحجـام النـاس عـن الـزواج‪ ،‬ألنهـم‬
‫يستطيعون قضاء وتفريغ شهواتهم بعيداً عن مؤسسة األسرة‪.‬‬
‫‪ -6‬انتشــار الرذيلــة والفســاد والخصــومات‪ ،‬وأبنــاء الزنــا‪ ،‬ممــا ســيرهق الدولــة فــي بنــاء دور‬
‫لهم‪.‬‬
‫‪ -4‬وعقوبــة الحــبس ه ــي العقوبــة األس ــاس فــي القـ ـوانين الوضــعية‪ ،‬الت ــي أدت إلــى نت ــا ج‬
‫خطيرة ومشكالت دقيقة منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬إرهــاق خزانــة الدولــة‪ :‬يوضــع المحكــوم علــيهم بعقوبــة الحــبس علــى اخــتالف أنواعهــا فــي‬
‫مح ــابس يقيم ــون فيه ــا حت ــى تنته ــي م ـ ّـدة العقوب ــة‪ ،‬وه ــذا يكل ــف َّ‬
‫الد ْولَ ــة كثيـ ـ اًر م ــن النفق ــات‬
‫بد من رصدها لإلنفاق علـى نـزالء السـجون وموظفيهـا وعمالهـا‪،‬‬ ‫واألموال الباهظة التي ال ّ‬
‫زيادة على تكاليف بنا ها وانشا ها‪ ،‬وكم يرصد من أجل ذلك من أموال‪.‬‬
‫ب‪ -‬تعطيـل اإلنتــاج‪ :‬فـالمحكوم علـيهم يكونـون فـي الغالـب مـن األشـخاص األصـحاء القـادرين‬
‫علــى العمــل‪ ،‬ووضــعهم فــي الســجون هــو تعطيــل لقــدرتهم علــى العمــل‪ ،‬وتضــييع لمجهــود‬
‫كبيــر كــان مــن الممكــن أن يبــذلوه‪ ،‬فيســتفيد منــه المجتمــع لــو عوقب ـوا بعقوبــة أخــرى غيــر‬
‫الحبس تكفي لتأديبهم وردع غيرهم‪.‬‬
‫ت‪ -‬إفسـاد المجرميـن‪ :‬فالسجن يجمـع بـين المجـرم الـذي ألـف اإلجـرام وتمـرس بأسـاليبه‪ ،‬وبـين‬
‫المجـرم المتخصــص فــي نــوع مــن اإلجـرام‪ ،‬وبــين المجــرم العــادي‪ ،‬وبــين مــن اتهــم بــاإلجرام‬
‫ولــيس بمجــرم‪ ،‬واجتمــاع هـؤالء جميع ـاً فــي صــعيد واحــد‪ ،‬يــؤدي إلــى تفشــي عــدوى اإلج ـرام‬
‫بيـنهم‪ ،‬فيصـب السـجن الـذي ُيقَـال عنـه ّأنـه إصـالح وتهـذيب لــيس كـذلك فـي الواقـع‪ ،‬وانمــا‬
‫‪1‬‬
‫هو معهد لإلفساد وتلقين أساليب اإلجرام‪.‬‬
‫ث‪ -‬انعــدام قـــوة الــردع‪ :‬إن عقوبــة الســجن قــد فرضــت علــى أســاس أنهــا عقوبــة رادعــة‪ ،‬ولكــن‬
‫‪1‬‬
‫الواقع قد أثبت أنها ال فا دة منها‪ ،‬وال أثر لها في نفوس المجرمين‪.‬‬

‫‪ - 1‬أبو زهرة‪ ،‬الجريمة والعقوبة في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص‪.21‬‬


‫‪ - 2‬محمد عبد الغني‪ ،‬العدالة في نظام العقوبات في اإلسالم‪ ،‬ص‪.514-513‬‬

‫‪34‬‬
‫ربما من المهم أن نشير إلى أن اآلثار السلبية لغياب الدولة اإلسالمية وعـدم تطبيـق حـد الزنـا‪،‬‬
‫تكون أشد خطورة إذا لم يكن هناك قوانين لمعاقبة الزناة‪.‬‬
‫ذلك أننا نرى كل هذه اآلثار السلبية مع وجود قوانين تعاقب على جريمة الزنا‪ ،‬ولكن ألنها تعاقـب‬
‫بعقوبـات غيـر رادعـة كانـت هـذه اآلثــار السـلبية‪ ،‬فكيـف لـو لـم يكــن هنـاك قـوانين تعاقـب علـى هــذه‬
‫أشد فساداً‪.‬‬
‫أكثر ُخطورةً و ُ‬
‫الجريمة سيكون األثر ُ‬

‫‪-5‬االضرار الصحية الناجمة عن انتشار الزنا‪ ،‬فأنه ينشر أمراضا خطيرة فتاكة‪ ،‬نعرض منها‪.‬‬
‫أ‪ -‬الزهــري‪ :‬وهــو خطيــر جــدا ومعــد‪ ،‬وأعـراض المــرض األولــى تتمثــل فــي قرحــة صــلبة تكــون‬
‫على األعضاء التناسلية بعد ثالثة أسابيع من اإلصابة بهذا المرض‪ ،‬ثم يوسع المكروب‬
‫نطــاق هجومــه حيــث يهــاجم القلــب والكلــى والكبــد‪ ،‬فتظهــر بقــع ورديــة فــي أج ـزاء الجســم‬
‫وتــرى بــالعين المجــردة‪ ،‬وقــد تحــدث بقــع خضــر فــي اللثــة والحلــق ويصــعب المضــغ علــى‬
‫‪1‬‬
‫المصاب‪.‬‬
‫ب‪ -‬السيالن‪ :‬وسببه مكروب اسمه (الجنوكوكس) وهـو غيـر و ارثـي‪ ،‬وال يصـيب إال األعضـاء‬
‫‪1‬‬
‫التناسلية والمجاري البولية‪.‬‬
‫ت‪ -‬الهربس‪ :‬وسببه فيروس يصيب األجهزة التناسـلية‪ ،‬ويسـتطيع إدخـال جيناتـه الخاصـة إلـى‬
‫خاليــا الجســم‪ ،‬وتبقــى خاملــة؛ ألن الجســم أقــوى منهــا‪ ،‬ولكــن عنــد حــدوث تــوتر أو إجهــاد‬
‫للجسم يتحول إلى الطور النشط‪ ،‬ويبدأ باالنقسامات مسببا الفقاقيع والنقط الجسدية‪.‬‬
‫أما أسباب هذا المرض فتعزى إلى انتشار الفاحشة واإلباحية الجنسـية والممارسـات غيـر الشـرعية‪،‬‬
‫وينتقــل الفيــروس عقــب االتصــال الجنســي المباشــر‪ ،‬ومــن خطــورة هــذا المــرض أنــه لــيس لــه دواء‬
‫‪6‬‬
‫شاف تماما‪ ،‬لذا فاحتمال العدوى به مستمر‪.‬‬
‫واللـــواط ملحــق بالزنــا‪ ،‬ول ــه مــا ال يحصــى م ــن األض ـرار؛ ألن الجهــاز التناس ــلي خلــق خاليــا م ــن‬
‫الجراثيم عادة‪ ،‬وخلق لالتصـال بجهـاز مثلـه خـال منهـا أيضـا‪ ،‬ولـم يخلـق لالتصـال بنهايـة األمعـاء‬
‫الغليظــة التــي تخــرج منهــا الفضــالت وتحمــل الج ـراثيم الضــارة‪ ،‬فــإذا اتصــل الجهــاز التناســلي مــع‬
‫الجـراثيم التـي فــي الفضـالت تــدخل هـذه الجـراثيم فــي الجهـاز الــذي ليسـت لـه مناعــة كافيـة للقضــاء‬
‫عليهــا؛ ألنــه لــم يخلــق لالتصــال بهــا‪ ،‬فتنتشــر فــي الجســم عــن طريقــه إلــى الغــدد النخاميــة ويتلــف‬
‫الجسم‪ .‬أما المفعول به فتتمزق وتتلف أنسجته‪ ،‬ويفقد السيطرة على البراز فيخرج منه دون إرادته‪.‬‬

‫‪ - 1‬مجلة البحوث اإلسالمية‪ ،‬العدد ‪ ،23‬ج‪23‬ص‪ ،151-151‬مبحث وجيز عن أضرار فاحشة الزنا‬
‫‪ - 2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.152‬‬
‫‪ - 3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.152‬‬

‫‪35‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد القذف‬

‫‪ .4‬القذف في اللغة‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫قذف بالحجارة يقذف‪ :‬رمى بها والمحصنة‪ :‬رماها بزنية وفالن‪.‬‬
‫وقذف بالحجر وبالشيء قذفا رمى به بقـوة‪ ،‬ويقـال أيضـا‪ :‬قذفـه وقـذف البحـر بمـا فيـه رمـى بـه مـن‬
‫‪1‬‬
‫صيد وغيره‪ ،‬وفالن بقوله تكلم من غير تدبر وال تأمل وبالشيء على فالن رماه به‪.‬‬

‫‪ .2‬في اصطالح الفقهاء‪:‬‬


‫‪6‬‬
‫‪ ‬عند الحنفية‪ ":‬الرمي بالزنا"‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ ‬عند المالكية‪ ":‬القذف ما يدل على الزنا أو اللواط والنفي عن األب والجد"‪.‬‬
‫‪ ‬عنــــد الشــــافعية‪ ":‬الرم ــي بالزن ــا ف ــي مع ــرض التعيي ــر أي ف ــي مق ــام ه ــو التعيي ــر أي‬
‫‪5‬‬
‫التوبيخ"‪.‬‬
‫‪ ‬عنــد الحنابلــة‪ ":‬وهــو الرمــي بزنــا أو ل ـواط أو شــهادة بــه عليــه ولــم تكمــل البينــة وهــو‬
‫‪3‬‬
‫كبيرة"‪.‬‬

‫حكمة مشروعية حد القذف‪:‬‬


‫ذكرنـا فيمــا ســبق أنـه ُشــرعت عقوبــة القـذف‪ ،‬ألن فيــه تجريحـاً لألعـراض‪ ،‬وتلويثـاً للســمعة‪ ،‬واشــاعةً‬
‫جو األُ َس ِر‪ ،‬وتلك حاالت تهدد البيوت باالنهيار‪.‬‬ ‫للسوِء والشكوك في ِّ‬
‫وفـي حــال تعطيـل عقوبــة القـذف فــإن ذلـك يعــد بمثابـة إباحـة االعتـداء علــى نظـام األسـرة حيــث إن‬
‫القــذف هنــا قاصــر علــى األعـراض والــذي يمــس األعـراض يشــكك فــي صــحة نظــام األسـرة‪ ...‬كــما‬
‫يـترتب على القـذف إشــاعة الفـاحشــة فــما ت ارمـى النــاس بهـا إال شـاع فعلهـا بيـنهم فـإن القـول يسـهل‬
‫الفعـل‪.‬‬

‫‪ - 1‬الفيروزآبادي‪ ،‬القاموس المحيط‪.1/1141 ،‬‬


‫‪ - 2‬إبراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد النجار‪ ،‬المعجم الوسيط‪.2/721 ،‬‬
‫‪ - 3‬ابن عابدين‪ ،‬حاشية رد المختار على الدر المختار‪.4/43 ،‬‬
‫‪ - 4‬محمد بن يوسف العبدري‪ ،‬التاج واإلكليل لمختصر خليل‪.3/242 ،‬‬
‫‪ - 5‬محمد شطا الدمياطي‪ ،‬حاشية إعانة الطالبين‪ ،4/144 ،‬محمد الشربيني‪ ،‬اإلقناع‪.2/523 ،‬‬
‫‪ - 3‬البهوتي‪ ،‬كشاف القناع‪ ،3/114 ،‬مصطفى السيوطي الرحيباني‪ ،‬مطالب أولي النهى‪.3/143 ،‬‬

‫‪33‬‬
‫لحد القذف ِح َك ٌم بالغ ٌة‪ ،‬منها‪ :‬حماية عرض المسلم فال يصب عرضه كألً مباحاً يلوكه أي‬
‫إنسان‪ ،‬والحكمة الثانية‪ :‬أن التساهل في القذف‪ ،‬يدعو إلى أن تكون الفاحشة أم اًر سهالً‬
‫ومستساغاً عند الناس؛ فيسهل بعد ذلك الوقوع فيها‪ ،‬لكن عندما يفرض هذا السياج حول هذا‬
‫األمر وما يتعلق له ال يجرؤ اإلنسان أن يقول فالن فعل كذا‪ ،‬أو فالن وقع في كذا وكذا إال‬
‫وعنده بينة‪ ،‬فإذا طالب المقذوف بحقه ولم يأت بالبينة‪ ،‬فيشرع أن يعاقب بحد القذف بأن يجلد‬
‫ثمانين جلدة‪ ،‬وأال تقبل له شهادة أبداً‪ ،‬وأن يحكم بفسقه‪ ،‬إال أن يتوب بعد ذلك‪.‬‬
‫وهذا الحد فيه سد لذريعة الفاحشة‪ ،‬ألن فت الباب على مصراعيه للجميع يتحـدث عـن هـذا األمـر‬
‫مدعاة ألن تصب الفاحشة قضية تلوكها األلسنة وتتحدث عنها كثي اًر‪.‬‬

‫حكم القذف‪:‬‬
‫القذف محرم‪ ،‬وهو من الكبائر‪ ،‬وقد أوجب اهلل على القاذف عقوبات غليظة في الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫وه ْم ثَ َم ِان َ‬
‫ين َج ْل َدةً‬ ‫اجلِ ُد ُ‬ ‫ات ثُ َّم لَ ْم َيأْتُوا ِبأ َْرَب َع ِة ُ‬
‫ش َه َداء فَ ْ‬ ‫ون ا ْلم ْحص َن ِ‬
‫ين َي ْرُم َ ُ َ‬ ‫‪-1‬قال اهلل تعالى‪َ { :‬والَِّذ َ‬
‫ون } [النور‪.]4:‬‬ ‫اسقُ َ‬‫ادةً أَبداً وأُولَ ِئ َك ُهم ا ْلفَ ِ‬
‫ُ‬ ‫ش َه َ َ َ ْ‬ ‫َوَال تَ ْق َبلُوا لَ ُه ْم َ‬

‫نـات لُ ِع ُنـوا ِفـي الـد ْنيا َو ْاآل ِخ َـرِة‬


‫الت ا ْلم ْؤ ِم ِ‬
‫ُ‬
‫غـاف ِ‬
‫نات ا ْل ِ‬
‫ون ا ْلم ْحص ِ‬ ‫‪- 1‬وقال اهلل تعالى‪ { :‬إِ َّن الَِّذ َ‬
‫ين َي ْرُم َ ُ َ‬
‫يم } [النور‪.]16:‬‬ ‫ِ‬
‫ذاب َعظ ٌ‬
‫َولَ ُه ْم َع ٌ‬

‫اجتَِن ُبـوا َّ‬


‫السـ ْـب َع‬ ‫ـال‪ْ « :‬‬ ‫سـلَّ َم قَـ َ‬ ‫ِ‬
‫صـلَّى اهللُ َعلَ ْيــه َو َ‬ ‫ـه‪َ ،‬عـ ِـن َّ‬
‫الن ِبـ ِّ‬
‫ـي َ‬ ‫َع ْنـ ُ‬ ‫ـي اللَّـ ُ‬
‫ـه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪-6‬و َعـ ْـن أَبــي ُه َرْيـ َـرةَ َرضـ َ‬
‫س الَِّتـي َح َّـرَم‬ ‫الس ْحر‪َ ،‬وقَ ْت ُل َّ‬
‫الـن ْف ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫الش ْر ُك ِبالله‪َ ،‬و ِّ ُ‬ ‫ال‪ِّ « :‬‬ ‫َو َما ُه َّن؟ قَ َ‬ ‫ول اللَّ ِه‬‫س َ‬ ‫ِ‬
‫الموِبقَات»‪ ،‬قَالُوا‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫ُ‬
‫ات الم ْؤ ِم َن ِ‬ ‫ْف الم ْحصـ َن ِ‬ ‫ال الي ِت ِيم‪ ،‬والتَّـولِّي يـوم َّ ِ‬
‫ـات‬ ‫ُ‬ ‫الز ْحـف‪َ ،‬وقَـذ ُ ُ َ‬ ‫َ َ ََْ‬ ‫َم ِ َ‬ ‫الرَبا‪َ ،‬وأَ ْك ُل‬ ‫اللَّ ُه إَِّال ِب َ‬
‫الحقِّ‪َ ،‬وأَ ْك ُل ِّ‬
‫‪1‬‬
‫افالَ ِت»‪.‬‬ ‫ال َغ ِ‬

‫ـيم ِفـي الـد ْن َيا‬‫ين آم ُنـوا لَهـم عـ َذ ِ‬


‫اب أَل ٌ‬
‫ُْ َ ٌ‬
‫اح َ ِ َّ ِ‬
‫شـ ُة فـي الـذ َ َ‬
‫َن تَ ِشـيع ا ْلفَ ِ‬
‫َ‬ ‫ين ُي ِحب َ‬
‫ـون أ ْ‬ ‫وقال تعـالى‪{ :‬إِ َّن الَّ ِـذ َ‬
‫ون} [النور‪.]19 :‬‬ ‫و ِ‬
‫اآلخ َرِة َواللَّ ُه َي ْعلَ ُم َوأَ ْنتُ ْم ال تَ ْعلَ ُم َ‬ ‫َ‬
‫ومن أدب هذه اآلية أن شأن المـؤمن أن ال يحـب إلخوانـه المـؤمنين إال مـا يحـب لنفسـه‪ ،‬فكمـا أنـه‬
‫ال يحــب أن يشــيع ع ـن نفســه خبــر ســوء كــذلك يجــب عليــه أن ال يحــب إشــاعة الســوء عــن إخوانــه‬
‫المؤمنين‪ .‬ولشيوع أخبار الفواحش بين المؤمنين بالصدق أو بالكذب مفسـدة أخالقيـة فـإن ممـا يـزع‬

‫هللاِ تَ َعالَى‪{ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ يَأْ ُكلُونَ أَ ْم َوا َل اليَتَا َمى ظُ ْل ًما‪ ،‬إِنَّ َما يَأْ ُكلُونَ فِي بُطُونِ ِه ْم نَارًا‬
‫صايَا‪ ،‬بَابُ قَوْ ِل َّ‬ ‫‪ - 1‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ِ ،‬كتَابُ َ‬
‫الو َ‬
‫َو َسيَصْ لَوْ نَ َس ِعيرًا[ لالنساء‪ ،11/4 ،]11 :‬حديث (‪.)2733‬‬

‫‪37‬‬
‫الناس عن المفاسد تهيبهم وقوعها وتجهمهم وكراهتهم سوء سمعتها وذلك مما يصرف تفكيرهم عن‬
‫تـذكرها قبـل اإلقـدام عليهـا رويـداً رويـداً حتـى تنســى وتنمحـي صـورها مـن النفـوس‪ ،‬فـإذا انتشـر بــين‬
‫خبرهـا علـى األسـماع فـدب‬‫ـف وقـعُ ِ‬‫األمة الحـديث بوقـوع شـيء مـن الفـواحش تـذكرتها الخـواطر وخ َّ‬
‫بذلك إلى النفـوس التهـاون بوقوعهـا وخفـة وقعهـا علـى األسـماع فـال تلبـث النفـوس الخبيثـة أن تقـدم‬
‫على اقترافها وبمقدار تكرر وقوعها وتكرر الحديث عنها تصير متداولةً‪.‬‬
‫ـاوت المقـ ِ‬
‫ـدار علــى‬ ‫هــذا إلــى مــا فــي إشــاعة الفاحشــة مــن لحــاق األذى والضــرر بالنــاس ضــر اًر متفـ َ‬
‫األخبار في الصدق والكذب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تفاوت‬

‫مقدار حد القذف‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫حد القذف للحر ثمانون جلدة‪ ،‬وينصف في حق العبد عند الجمهور‪.‬‬
‫ـون‬
‫ين َي ْرُمـ َ‬ ‫ونــص الشــارع الكـريم علــى عقوبــة القــذف‪ :‬فــنص علــى حــد القــذف بقولــه تعــالى‪َ { :‬والَّـ ِـذ َ‬
‫ادةً أ ََب ًـدا َوأُولَ ِئ َ‬
‫ـك‬ ‫ـه َ‬
‫شَ‬ ‫وه ْم ثَ َم ِان َ‬
‫ين َج ْل َـدةً َوَال تَ ْق َبلُـوا لَ ُه ْـم َ‬ ‫اجلِ ُد ُ‬
‫اء فَ ْ‬ ‫ات ثُ َّم لَ ْم َيأْتُوا ِبأ َْرَب َع ِة ُ‬
‫ش َه َد َ‬
‫ا ْلم ْحص َن ِ‬
‫ُ َ‬
‫ون} [النور‪.]4:‬‬ ‫ُهم ا ْلفَ ِ‬
‫اسقُ َ‬ ‫ُ‬
‫وجه الداللة‪:‬‬
‫بيــان حكــم قــذف المحصــنة وهــي الحـرة البالغــة العفيفــة‪ ،‬وهــو الجلــد ثمــانين جلــدة‪ ،‬وكــذلك إن كــان‬
‫المقذوف رجالً يجلد قاذفه أيضاً‪ ،‬ولكن إن أقام القاذف بينة على صحة قوله‪ُ ،‬رد عنه الحد‪ ،‬وذلك‬
‫أن يـأتي أربعـة شــهود رجـال عــدول‪ ،‬يشـهدون بــذلك صـريحاً‪ ،‬فــإذا لـم يقــم القـاذف بينــة علـى صــحة‬
‫قوله وجب في حقه ثالثة أحكام‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يجلد ثمانين جلدة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن ترد شهادته أبداً‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يكون فاسقًا ليس بعدل‪ ،‬ال عند اهلل وال عند الناس‪.‬‬

‫ار بهـم‪ ،‬ممـا يسـتوجب‬


‫ـذاء واضـر اً‬ ‫َّ‬
‫وقد حذر الشرع من الخوض فـي أعـراض المسـلمين‪ ،‬ألن فيـه إي ً‬
‫عز َّ‬
‫وجل‪.‬‬ ‫سخط اهلل َّ‬

‫سـ ُـبوا فَقَـ ِـد ْ‬


‫احتَ َملُـوا ُب ْهتَا ًنــا َوِاثْ ًمــا‬ ‫ِ‬ ‫ون ا ْل ُمـ ْـؤ ِم ِن َ‬
‫ين َوا ْل ُم ْؤ ِم َنــات ِب َغ ْيـ ِـر َمــا ا ْكتَ َ‬ ‫قـال تعــالى‪َ { :‬والَّـ ِـذ َ‬
‫ين ُيـ ْـؤُذ َ‬
‫ُم ِبي ًنا} [األحزاب‪.]58:‬‬

‫‪ - 1‬انظر‪ :‬القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪.12/174،‬‬


‫‪ - 2‬انظر‪ ،‬ابن كثير‪ ،‬تفسير القرآن العظيم‪.14/3 ،‬‬

‫‪32‬‬
‫سلِ ُم َم ْن‬
‫الم ْ‬ ‫صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قَ َ‬
‫ال‪ُ « :‬‬ ‫النبِ ِّي َ‬
‫وعن عبد اهلل بن عمرو رضي اهلل عنهما‪َ ،‬ع ِن َّ‬
‫‪4‬‬ ‫س ِان ِه َوَي ِد ِه‪َ ،‬والم َه ِ‬
‫اج ُر َم ْن َه َج َر َما َن َهى اللَّ ُه َع ْن ُه»‪.‬‬ ‫سلِم المسلِم َ ِ ِ‬
‫ون م ْن ل َ‬
‫ُ‬ ‫ََ ُْ ُ‬
‫‪2‬‬
‫وق‪َ ،‬وِقتَالُ ُه ُك ْفٌر»‪.‬‬ ‫س ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬سباب الم ِ‬
‫سلم فُ ُ‬ ‫َ ُ ُْ‬
‫ِ‬
‫وقــد أقــام ‪-‬النبــي صــلى اهلل عليــه وســلم‪-‬حـ َّـد القــذف وأَ َ‬
‫‪6‬‬
‫ـاء مــن بعــده ‪ ،‬فَ ُحف ـظَ المجتمــعُ‬ ‫قام ـهُ الخلفـ ُ‬
‫ـس مريض ٍـة يري ُـد‬ ‫ِ‬
‫صاحب نف ٍ‬ ‫سليماً من عبث العابثين باألعراض‪ ،‬ومن أن تشيع الفاحشة فيه‪ُّ ،‬‬
‫فكل‬
‫المجتمع السـليم‪ ،‬فـإذا علـم أنـه يوجـد رادعٌ مسـلطٌ عليـه إذا قـام باالعتـداء علـى‬
‫ِ‬ ‫مرضهُ إلى‬
‫َ‬ ‫قل‬
‫أن َي ْن َ‬
‫أحد دون ِّبي ٍ‬
‫نة‪.‬‬ ‫بسمعة ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المساس‬ ‫ين‪ ،‬فإنه يحجم عن‬
‫َ‬ ‫أعراض األخر َ‬
‫بعد غيابها وتمزق سـلطانها‪ ،‬ووضـع‬ ‫فهذا النظام بقي قا ماً ما بقيت الدولة اإلسالمية قا مة‪ ،‬ولكن َ‬
‫المجتمع كما ينبغي‬
‫ِ‬ ‫ثمرت في ِ‬
‫حفظ‬ ‫عي‪ ،‬فهل أ ْ‬ ‫الحد الشر ِّ‬ ‫وضعية ٍ‬
‫بديلة عن ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫قوانين‬
‫المجتمع منها‪:‬‬
‫ِ‬ ‫نتائج أثَّرت سلباً على ِ‬
‫الفرد و‬ ‫َ‬ ‫نتجت‬
‫ال ولكن أَ ْ‬
‫ـات غي ُـر رادع ٍـة‪،‬‬
‫‪ -1‬تعاقـب القـوانين علـى القـذف بـالحبس أو بالغ ارمـة أو بهمـا معـاً‪ ،‬وهـي عقوب ٌ‬
‫ـذف والسـ َّ‬
‫ـب‬ ‫ـادلون القـ َ‬ ‫ولــذلك ازدادت ج ـ ار م القـ ِ‬
‫ـذف والسـ ِّ‬
‫ـاس يتبـ َ‬
‫ـب زيــادةً عظيم ـةً‪ ،‬وأصــب النـ ُ‬ ‫ُ‬
‫‪4‬‬
‫الثناء‪ ،‬وذلك النعدام العقاب‪.‬‬
‫دح و َ‬ ‫يتقارضون الم َ‬
‫َ‬ ‫كما لو كانوا‬
‫‪ -1‬فيه اعتـداء علـى حـق العبـد والنيـل منـه‪ ،‬إذ فيـه جنايـة علـى عـرض المقـذوف والحـاق العـار‬
‫به‪ ،‬وفيها ناحية اجتماعية أيضاً‪ ،‬إذ يترتب عليها إشاعة الفاحشة في المجتمع واتهام البرء‬
‫‪5‬‬
‫بالفواحش‪.‬‬
‫‪ -6‬يترتب على هذه الجريمة من إشاعة الفاحشة‪ ،‬والتشكيك في األعراض واألنساب‪.‬‬
‫‪ -4‬يختلف القانون الوضعي عن الشريعة في إثبات القذف والسب‪ ،‬ففي الشريعة‪:3‬‬
‫ـانا بواقعــة أو صــفة محرمــة مــا‪ ،‬وجــب عليــه أن يثبــت صــحة مــا رمــاه بــه‪ ،‬فــإن‬
‫‪-‬أن مــن رمــى إنسـ ً‬
‫عجز عن إثباته أو امتنع وجبت عليه العقوبة‪.‬‬
‫ـانا بشـيء‪ ،‬أن يثبـت صـحة مـا قذفـه‬
‫‪-‬وأما القانون الوضـعي‪ ،‬فالقاعـدة فيـه أن لـيس لمـن قـذف إنس ً‬
‫به‪ ،‬وعليه العقوبة ولو كان الظاهر أن ما قاله صدق ال شك فيه‪.‬‬
‫‪-‬فاألســاس الــذي يقــوم عليــه القــانون الوضــعي‪ ،‬هــو حمايــة حيــاة األف ـراد الخاصــة‪ ،‬وهــو يقــوم فــي‬
‫ج ار م القول على قاعدة النفاق والرياء ويعاقب الصادق والكاذب على السواء‪.‬‬

‫‪ - 1‬سبق تخريجه‪ ،‬ص‪.51‬‬


‫‪ - 2‬سبق تخريجه‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫‪ - 3‬عن الزهري قال‪ :‬كان أبو بكر ومن بعده من الخلفاء يجلدون من دعا أم رجل زانية وإن كانت يهودية أو نصرانية لحرمة المسلم‪.‬‬
‫( مصنف عبد الرزاق‪.)435/7 ،‬‬
‫‪ - 4‬عبد القادر عودة‪ ،‬التشريع الجنائي‪.347/1 ،‬‬
‫‪ - 5‬أبو زهرة‪ ،‬فلسفة العقوبة في الفقه اإلسالمي ص‪.73‬‬
‫‪ - 3‬عبد القادر عودة‪ ،‬التشريع الجنائي‪ .453/2 ،‬بتصرف‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ -‬والمبــدأ األساســي فــي هــذا القــانون‪ ،‬أنــه ال يجــوز أن يقــذف امــرؤ خــر‪ ،‬أو يســبه‪ ،‬أو يعيبــه فــإن‬
‫فعل عوقب‪ ،‬سواء كان صادقًاَ فيما قال‪ ،‬أو مختلقًا لما قال‪.‬‬
‫‪-‬واذا كـان هــذا المبـدأ يحمــى البـرء مــن ألسـنة الكــاذبين الملفقـين‪ ،‬فإنــه يحمـى الملــوثين والمجــرمين‬
‫والفاسقين‪ ،‬من ألسنة الصادقين‪.‬‬
‫‪-‬واذا ك ــان هـ ـذا المب ــدأ ق ــد عن ــى بحماي ــة حي ــاة األفـ ـراد الخاص ــة‪ ،‬فإن ــه ق ــد أدى إل ــى إفس ــاد األفـ ـراد‬
‫والجماعــة علــى السـواء؛ ألن القــانون حــين يعاقــب علــى الصــدق ال يمنــع الصــادق مــن قــول الحــق‬
‫فقط‪ ،‬وانما يدفعه إلى الكذب‪ ،‬ويشجعه على النفاق والرياء‪.‬‬
‫‪-‬كما أن القانون ال يصل الفرد المعوج السيرة بحمايته‪ ،‬وانما يشجعه بهـذه الحمايـة علـى اإلمعـان‬
‫ـر مــن الصــالحين بســلوك طريــق الفســاد‪ ،‬مــا دام أنهــم قــد أمن ـوا مــن‬
‫فــي الفســاد‪ ،‬بــل إنــه ليغــرى كثيـ ًا‬
‫التشنيع واالنتقاد‪ ،‬وهكذا تفسد الجماعة وتهدر األخالق الفاضلة ألن القانون يحمى من ال يستحق‬
‫الحماية على اإلطالق‪.‬‬
‫‪-‬هــذا ه ــو مب ــدأ القـ ـانون ف ــي جـ ـ ار م الق ــول‪ :‬يح ــرم عل ــى الن ــاس أن يقولـ ـوا الح ــق‪ ،‬وأن يتن ــاهوا ع ــن‬
‫‪1‬‬
‫المنكر‪ ،‬وأن يحطوا من قدر المسيء‪ ،‬ليرفعوا من قدر المحسن واإلحسان‪.‬‬

‫‪ - 1‬عبد القادر عودة‪ ،‬التشريع الجنائي‪.457/2 ،‬‬

‫‪71‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الشرب‬

‫الخمر في اللغة‪ :‬خ م ر‪ :‬خمرة وخمر وخمور مثل تمرة وتمر وتمور‪ ،‬ويقال خمرة صرف قال ابن‬
‫األعرابي‪ :‬سـميت الخمـر خمـ ار ألنهـا تركـت فـاختمرت واختمارهـا تغيـر ريحهـا‪ ،‬وقيـل‪ :‬سـميت بـذلك‬
‫‪1‬‬
‫لمخامرتها العقل‪.‬‬
‫والخمر‪ :‬ما أسكر من عصير العنب‪ ،‬أو عام كالخمرة وقد يـذكر والعمـوم أصـ ألنهـا حرمـت ومـا‬
‫‪1‬‬
‫بالمدينة خمر عنب‪ ،‬وما كان شرابهم إال البسر والتمر‪ ،‬وسميت خم ار ألنها تخمر العقل وتستره‪.‬‬

‫السكر في اللغة‪:‬‬
‫س ك ر‪ :‬الســكران ضــد الصــاحي والجمــع ســكرى‪ ،‬وســكارى بفــت الســين وضــمها والم ـرأة ســكرى‪،‬‬
‫وأسكره الشراب‪ ،‬والمسكير كثير السكر والسكير بالتشديد الدا م السكر والتساكر أن يـري مـن نفسـه‬
‫س ـ َك ًار} [ســورة النحــل‪:‬‬ ‫ون ِم ْنـ ُ‬
‫ـه َ‬ ‫ذلــك ولــيس بــه‪ ،‬والســكر بفتحتــين نبيــذ التمــر وفــي التنزيــل‪ { :‬تَتَّ ِخ ـ ُذ َ‬
‫‪6‬‬
‫‪.]37‬‬
‫الخمر في اصطالح الفقهاء‪:‬‬
‫وذلك في اتجاهين‪:‬‬
‫األول‪ :‬للحنفية‪ ،‬النيء من ماء العنب إذا غال واشتد وقذف بالزبـد فـإن لـم يقـذف فلـيس بخمـر عنـد‬
‫‪4‬‬
‫اإلمام أبي حنيفة‪.‬‬
‫وعنــد أبــي يوســف ومحمــد‪ ،‬مــاء العنــب إذا غــال واشــتد فقــد صــار خمـ ار وترتــب عليــه أحكــام الخمــر‬
‫‪5‬‬
‫قذف بالزبد أو لم يقذف به‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬للجمهور‪ ،‬الخمر كل ما أسكر سواء كان عصي اًر أو نقيعاً من العنـب أو غيـره مطبوخـاً أو‬
‫‪3‬‬
‫غير مطبوخ‪.‬‬

‫‪ - 1‬الرازي‪ ،‬مختار الصحاح‪.143/1 ،‬‬


‫‪ - 2‬الفيروزآبادي‪ ،‬القاموس المحيط‪.445/1 ،‬‬
‫‪ - 3‬الرازي‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،323/1،‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،372/4 ،‬المعجم الوسيط‪ ،432/1 ،‬الفيروزآبادي‪ ،‬القاموس المحيط‪،‬‬
‫‪.524/1‬‬
‫‪ - 4‬ابن عابدين‪ ،‬حاشية رد المختار على الدر المختار‪.32-37/4 ،‬‬
‫‪ - 5‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪.112/5 ،‬‬
‫‪ - 3‬الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير‪ ،352/4 ،‬النووي‪ ،‬روضة الطالبين‪ ،132/11 ،‬البهوتي‪ ،‬كشاف القناع‪.113/3 ،‬‬

‫‪71‬‬
‫حكم شرب الخمر‪:‬‬
‫الخمر حرام وذلك ثابت في الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬واجماع األمة‪.‬‬
‫أما الكتاب‪:‬‬
‫ـس ِّمـ ْـن َع َمـ ِـل‬ ‫ِ‬ ‫فقولــه تعــالى‪َ { :‬يــا أَي َهــا الَّـ ِـذ َ‬
‫ـاب َواأل َْزالَ ُم ِر ْجـ ٌ‬ ‫آم ُنـواْ إِ َّن َمــا ا ْل َخ ْمـ ُـر َوا ْل َم ْيسـ ُـر َواأل َ‬
‫َنصـ ُ‬ ‫ين َ‬
‫ون } [الما دة‪.]90:‬‬ ‫اجتَِن ُبوهُ لَ َعلَّ ُكم تُ ْفلِ ُح َ‬ ‫َّ‬
‫الش ْيطَ ِ‬
‫ان فَ ْ‬

‫ومن قبلها نزلت آيات تدرجت في تحريم الخمر في م ارحـل‪ ،‬كانـت مال مـة وممهـدة لتحـريم الخمـر‬
‫سـأَلُوَن َك َع ِـن ا ْل َخ ْم ِـر َوا ْل َم ْي ِس ِـر ُق ْـل ِفي ِه َمـا‬ ‫على البتات‪ ،‬وأول ية نزلت في الخمـر‪ ،‬قولـه تعـالى‪َ { :‬ي ْ‬
‫اس َوِاثْ ُم ُه َما أَ ْك َب ُر ِم ْن َن ْف ِع ِه َما } [البقرة‪.]119:‬‬
‫افعُ لِ َّلن ِ‬
‫إِثْم َك ِبير وم َن ِ‬
‫ٌ ٌ ََ‬
‫سكارى } [النساء‪.]46:‬‬ ‫الصالةَ َوأَ ْنتُ ْم ُ‬
‫آم ُنوا ال تَ ْق َرُبوا َّ‬ ‫ثم نزل قوله تعالى‪ { :‬يا أَي َها الَِّذ َ‬
‫ين َ‬

‫وقد جاء في السنة ما يبين هذا التدرج في تحريم الخمر‪:‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّن لََنـا فـي اْل َخ ْم ِـر َب َي ًانـا شـفَ ً‬ ‫ـال ُع َمـ ُر اللَّهُ َّـم َبـي ْ‬
‫يم اْل َخ ْم ِـر قَ َ‬ ‫َع ْن ُعمر ْب ِن اْل َخطَّ ِ‬
‫اء‬ ‫ـال لَ َّمـا َن َـز َل تَ ْح ِـر ُ‬
‫اب قَ َ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ـال فَ ُـدع َي‬ ‫اآليـةَ قَ َ‬ ‫يـر) َ‬ ‫ِ‬
‫سأَلُوَن َك َع ِن ا ْل َخ ْم ِر َوا ْل َم ْيس ِر ُق ْل في ِه َمـا إثْ ٌـم َك ِب ٌ‬ ‫اآليةُ التي في اْل َبقَ َ ِرة ( َي ْ‬ ‫فََن َزلَت َ‬
‫النس ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت َعلَ ْي ِـه قَـ َ‬
‫ـاء ( َيـا أَي َهـا‬ ‫اآليـةُ التـي فـي ِّ َ‬ ‫اء فََن َزلَـت َ‬ ‫ِّن لََنـا فـي اْل َخ ْم ِـر َب َي ًانـا شـفَ ً‬ ‫ال اللَّهُ َّـم َبـي ْ‬ ‫ُع َم ُر فَقُ ِرَ ْ‬
‫ـول اللَّ ِـه ‪-‬صـلى اهلل عليـه وسـلم‪ -‬إِ َذا‬ ‫ـادى رس ِ‬
‫َُ‬
‫الصالَةَ وأَ ْنتُم سـ َكارى) فَ َكـان م َن ِ‬
‫َ ُ‬ ‫آم ُنوا الَ تَ ْق َرُبوا َّ َ ْ ُ َ‬ ‫ين َ‬ ‫الَِّذ َ‬
‫ـت َعلَ ْي ِـه فَقَ َ‬
‫ـال اللَّ ُه َّـم َب ِّـي ْن لَ َنـا‬ ‫ان فَ ُـد ِع َي ُع َم ُـر فَقُ ِرَئ ْ‬ ‫سـ ْك َر ُ‬
‫الصالَةَ َ‬ ‫الصالَةُ ُي َن ِادى أَالَ الَ َي ْق َرَب َّن َّ‬ ‫يم ِت َّ‬ ‫أُق َ‬
‫ِ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فى ا ْل َخ ْم ِر َب َيا ًنا شفَ ً‬
‫‪4‬‬
‫ال ُع َم ُر ا ْنتَ َه ْي َنا‪.‬‬ ‫ون) قَ َ‬ ‫اآلي ُة فَ َه ْل أَ ْنتُ ْم ُم ْنتَ ُه َ‬‫اء فَ َن َزلَ ْت َهذه َ‬

‫وأما السنة‪:‬‬
‫فقد وردت أحاديث كثيرة في تحريم الخمر قليلها وكثيرها منها‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫ام»‪.‬‬ ‫شر ٍ‬
‫َس َك َر فَ ُه َو َح َر ٌ‬
‫اب أ ْ‬‫‪ -1‬عن عائشة عن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال‪ُ « :‬كل َ َ‬

‫سـ ِـك ٍر َخ ْمـ ٌـر َو ُكــل َخ ْمـ ٍـر‬


‫‪ -2‬عــن ابــن عمــر قــال‪ :‬قــال رســول اهلل صــلى اهلل عليــه وســلم‪ُ ":‬كــل ُم ْ‬
‫‪3‬‬
‫ام"‪.‬‬
‫َح َر ٌ‬

‫‪ - 1‬أبو داود‪ ،‬سنن أبي داود‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب فِي تَحْ ِر ِيم ْال َخ ْم ِر‪ ،354/3 ،‬حديث (‪ .)3372‬قال األلباني‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫‪ - 2‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬بَابُ الَ يَجُو ُز ال ُوضُو ُء بِالنَّبِي ِذ‪َ ،‬والَ ال ُم ْس ِك ِر‪ ،52/1 ،‬حديث(‪.)242‬‬
‫‪ - 3‬ابن ماجه‪ ،‬سنن ابن ماجه‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب كل مسكر حرام‪ ،1124/2 ،‬حديث(‪ .)3341‬قال األلباني‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫يـرهُ فَ َقلِيلُ ُ‬
‫ـه‬ ‫ِ‬
‫َسـ َك َر َكث ُ‬
‫‪ -3‬عن جابر بن عبد اهلل أن رسـول اهلل صـلى اهلل عليـه وسـلم قـال‪َ ":‬مـا أ ْ‬
‫‪4‬‬
‫ام"‪.‬‬
‫َح َر ٌ‬
‫وجه الداللة‪:‬‬
‫هذه األحاديـث كلهـا دالـة علـى أن كـل مسـكر حـرام‪ ،‬ومنهـا مـا يـدل علـى تسـمية كـل مسـكر خمـرا‪،‬‬
‫سـ ِـك ٍر َخ ْمـ ٌـر }‪ .‬كمــا يــدل بعضــها علــى أن المســكر ح ـرام‬
‫وهــو قولــه صــلى اهلل عليــه وســلم‪ُ { :‬كــل ُم ْ‬
‫لعينــه‪ ،‬قــل أو كثــر‪ ،‬ســكر منــه شــاربه أو لــم يســكر‪ ،‬وهــذا مـذهب الجمهــور كمــا ســبق فــي تع ـريفهم‬
‫للخمر‪.‬‬

‫أما اإلجماع‪:‬‬
‫فقد أجمع الصحابة ومن بعدهم من المسلمين على تحريمها‪.‬‬
‫قال ابن هبيرة‪ :‬واتفقوا على أن الخمر حرام قليلها وكثيرها وفيها الحد‪ ،‬واتفقوا على أنها نجسة‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وأجمعوا على أن من استحلها حكم بكفره‪.‬‬

‫الحكمة من تحريم الخمر‪:‬‬


‫الخمــر أم الخبائــث‪ ،‬وقــد حــرم اإلســالم قليلهــا وكثيرهــا‪ ،‬ألن خطرهــا شــديد‪ ،‬وتعاطيهــا يفضــي الــي‬
‫عمل أي شيء محرم خبيث‪ ،‬ال يقدم على فعله أي عاقل في حالة الوعي‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫لذلك قال عنها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ":‬الخمر أم الخبائث"‪.‬‬

‫ـان َر ُجـ ٌل ِم َّم ْـن َخ َـال‬‫ـه َك َ‬‫اجتَِن ُبـوا ا ْل َخ ْم َـر فَِإ َّن َهـا أُم ا ْل َخ َب ِائ ِـث‪ ،‬إِ َّن ُ‬
‫ـي اللَّـهُ َع ْنـهُ قـال‪ْ " :‬‬ ‫ِ‬
‫وعن ُعثْ َمـا َن َرض َ‬
‫ق‬‫اد ِة‪ ،‬فَـا ْنطَلَ َ‬ ‫ـه َ‬ ‫وك لِ َّ‬
‫لش َ‬ ‫ـه‪ :‬إِ َّنـا َن ْـد ُع َ‬ ‫ارَيتَ َها‪ ،‬فَقَالَ ْت لَ ُ‬ ‫سلَ ْت إِلَ ْي ِه َج ِ‬ ‫ام َأرَةٌ َغ ِوَّي ٌة‪ ،‬فَأ َْر َ‬
‫قَ ْبلَ ُكم تَعب َ ِ‬
‫َّد‪ ،‬فَ َعلقَتْ ُه ْ‬ ‫ْ َ‬
‫ـيئ ٍة ِع ْن َـد َها ُغ َـال ٌم‬
‫ض َ‬ ‫ـر ٍَة و ِ‬
‫ام َأ َ‬ ‫ْضـى إِلَـى ْ‬ ‫ـه‪َ ،‬حتَّـى أَف َ‬ ‫ـه ُدوَن ُ‬ ‫ـت ُكلَّ َمـا َد َخ َـل َب ًابـا أ ْ‬
‫َغلَقَتْ ُ‬ ‫ارَي ِت َها فَطَ ِفقَ ْ‬
‫َم َع َج ِ‬
‫ب ِم ْـن‬ ‫شـ َر َ‬
‫ـي‪ ،‬أ َْو تَ ْ‬‫ـع َعلَ َّ‬ ‫اد ِة‪ ،‬ولَ ِك ْـن َدعوتُ َ ِ‬
‫ـك لتَقَ َ‬ ‫َْ‬ ‫ـه َ َ‬ ‫لش َ‬‫ـك لِ َّ‬ ‫ـت‪ :‬إِ ِّنـي َواللَّ ِـه َمـا َد َع ْوتُ َ‬ ‫اط َي ُة َخ ْم ٍر‪ ،‬فَقَالَ ْ‬ ‫وب ِ‬
‫ََ‬
‫ال‪ :‬فَ ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ـال‪:‬‬‫ْسـا‪ ،‬قَ َ‬ ‫سـقَتْ ُه َكأ ً‬
‫ْسـا‪ ،‬فَ َ‬ ‫اسقيني م ْن َه َذا ا ْل َخ ْم ِر َكأ ً‬ ‫ْ‬ ‫ْسا‪ ،‬أ َْو تَ ْقتُ َل َه َذا ا ْل ُغ َال َم‪ ،‬قَ َ‬‫َهذه ا ْل َخ ْم َرِة َكأ ً‬
‫ـان‪،‬‬‫يم ُ‬ ‫اجتَِن ُبوا ا ْل َخ ْم َر‪ ،‬فَِإ َّن َهـا َواللَّ ِـه َال َي ْجتَ ِمـعُ ِْ‬
‫اإل َ‬ ‫س‪ ،‬فَ ْ‬ ‫يدوِني َفلَم َي ِرم َحتَّى َوقَ َع َعلَ ْي َها‪َ ،‬وقَتَ َل َّ‬
‫الن ْف َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ِز ُ‬
‫َن ي ْخ ِرج أَح ُد ُهما ص ِ‬ ‫ِ‬
‫ان ا ْل َخ ْم ِر إَِّال لَ ُيوش ُك أ ْ ُ َ َ َ َ‬
‫‪4‬‬
‫اح َب ُه "‪.‬‬ ‫َوِا ْد َم ُ‬

‫‪ - 1‬ابن ماجه‪ ،‬سنن ابن ماجه‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب ما أسكر كثيره فقليله حرام‪ ،‬حديث(‪ .)3343‬قال األلباني‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫‪ - 2‬ابن هبيرة‪ ،‬اإلفصاح‪.2/237 ،‬‬
‫‪ - 3‬الدارقطني‪ ،‬سنن الدارقطني‪ ،‬كتاب األشربة وغيرها‪ ،247/4 ،‬حديث(‪ ،)4‬صححه األلباني في السلسلة الصحيحة‪،353/4 ،‬‬
‫حديث(‪.)1254‬‬
‫ب ْال َخ ْم ِر‪ ،315/2 ،‬حديث(‪ .)5333‬قال األلباني‪ :‬صحيح‬
‫‪ - 4‬النسائي‪ ،‬سنن النسائي‪ِ ،‬كتَابُ ْاألَ ْش ِربَ ِة‪ِ ،‬ذ ْك ُر ْاْلثَ ِام ْال ُمتَ َولِّ َد ِة ع َْن ُشرْ ِ‬
‫موقوف‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫إذاً الخمر أساس كل شر‪ ،‬ألنها تغطي عقل شاربها‪ ،‬فيتصرف تصرفات تضر البدن والروح‪،‬‬
‫والمال والولد‪ ،‬والعرض والشرف‪ ،‬والفرد والمجتمع ونحو ذلك من المفاسد المترتبة على زوال‬
‫البلَه والجنون‪ ،‬ولِ َما تسببه من العداوة والبغضاء‪،‬‬
‫العقل‪ ،‬ولِ َما تسببه من األمراض والضغط و َ‬
‫والصد عن ذكر اهلل والصالة‪ ،‬وتعطيل العمل‪ ،‬وانتهاك الحرمات والمحرمات‪.‬‬
‫ولِ َمــا فــي تناولهــا مــن الجنايــة علــى العقــل الــذي شـ َّـرف اهلل بــه اإلنســان علــى غي ـره‪ ،‬ولِ َمــا فيهــا مــن‬
‫الخبث والضرر على القلب والعقل والدماغ والكبد‪.‬‬

‫فلهذه األسباب وغيرها حرم اهلل الخمر من كـل وجـه تنـاوالً‪ ،‬أو تجـارة فيهـا‪ ،‬أو ز ارعـة لهـا‪ ،‬صـيانة‬
‫للعقول من الفساد‪ ،‬وحفظاً لألموال واألعراض والنفوس واألخالق من التلف والهالك‪.‬‬

‫ـس ِمـ ْـن َع َمـ ِـل‬ ‫َزال ُم ِر ْجـ ٌ‬ ‫ـاب َو ْاأل َْ‬ ‫صـ ُ‬
‫ِ‬
‫آم ُن ـوا إِ َّن َمــا ا ْل َخ ْمـ ُـر َوا ْل َم ْيسـ ُـر َو ْاألَ ْن َ‬
‫ين َ‬ ‫قــال تعــالى‪َ { :‬يــا أَي َهــا الَّـ ِـذ َ‬
‫ـاء ِفــي‬ ‫ضـ َ‬ ‫َن ُيوِقـ َ‬
‫ـع َب ْيـ َن ُك ُم ا ْل َعـ َـد َاوةَ َوا ْل َب ْغ َ‬ ‫ان أ ْ‬‫ط ُ‬ ‫ـون إِ َّن َمــا ُي ِريـ ُـد َّ‬
‫الشـ ْـي َ‬ ‫ـاجتَِن ُبوهُ لَ َعلَّ ُكـ ْـم تُ ْفلِ ُحـ َ‬
‫ان فَـ ْ‬‫طِ‬ ‫َّ‬
‫الشـ ْـي َ‬
‫ون } [الما دة‪.]91-90:‬‬ ‫الص َال ِة فَ َه ْل أَ ْنتُ ْم ُم ْنتَ ُه َ‬
‫ص َّد ُك ْم َع ْن ِذ ْك ِر اللَّ ِه َو َع ِن َّ‬ ‫ِ‬
‫ا ْل َخ ْم ِر َوا ْل َم ْيس ِر َوَي ُ‬
‫عز وج ّل‪-‬عهداً لِمن‬ ‫ام‪ ،‬إِ ّن على اهلل ‪ّ -‬‬ ‫ِ َّ‬
‫صلى اللهُ َعلَ ْيه َو َسل َم ‪ُ " :-‬ك ّل مسكر حر ٌ‬
‫وقال رسول اهلل ‪َّ َّ -‬‬
‫َ‬
‫عـرق‬ ‫الخبال‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬وما طينـ ُة الخبـال؟ قـال‪:‬‬ ‫قيه من طينة َ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫المسكر أن َيس َ‬ ‫يشرب ُ‬
‫‪4‬‬
‫أهل ال ّنار‪ ،‬أو عصارة أهل ال ّنار"‬

‫ب‬
‫ش َـر ُ‬ ‫ـال‪َ ،...« :‬والَ َي ْ‬ ‫َو َسـلَّ َم‪ ،-‬قَ َ‬ ‫صـلَّى اهللُ َعلَ ْي ِـه‬ ‫َن رس َ َّ ِ‬
‫ـول اللـه‪َ -‬‬ ‫وعن أبي هريرة رضي اهلل عنه‪ ،‬أ َّ َ ُ‬
‫ـار ُ ِ‬ ‫الخ ْم َر ِح َ‬
‫َو ُه َـو ُم ْـؤ ِم ٌن‪َ ،‬والَ َي ْنتَ ِه ُ‬
‫ـب ُن ْه َبـ ًة‪،‬‬ ‫س ِـر ُ‬
‫ق‬ ‫ق حـي َن َي ْ‬ ‫الس ِ‬
‫ق َّ‬ ‫س ِر ُ‬ ‫ب َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن‪َ ،‬والَ َي ْ‬
‫ش َر ُ‬
‫ين َي ْ‬ ‫َ‬
‫ص َارُه ْم‪َ ،‬و ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن»‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫اس إِلَ ْيه ف َ‬ ‫َي ْرفَعُ َّ‬
‫‪2‬‬
‫يها أ َْب َ‬ ‫الن ُ‬

‫حد الشرب؟‬
‫يثبت ّ‬
‫بم ُ‬
‫َ‬
‫ويثبت على شارب الخمر ِ‬
‫باإلقرار واالعتراف‪ ،‬أو شهادة شاهدين عدلين‪ ،‬والدليل‪:‬‬ ‫ُ‬
‫"شهدت عثمان بـن عفـان وأُتـي بالوليـد‪ 6‬قـد صـلى الصـب ركعتـين ث ّـم‬‫ُ‬ ‫عن ُحضين بن المنذر قال‪:‬‬
‫يتقيــأ‪،‬‬
‫قــال‪ :‬أزيــدكم فشــهد عليــه رجــالن‪ :‬أحــدهما ُحمـران؛ أنــه شــرب الخمــر‪ ،‬وشــهد خــر؛ ّأنــه ره ّ‬
‫ـي‪ :‬قـم‪ ،‬يـا حسـن فاجلـده‪،‬‬
‫علي قُـم فاجلـده‪ ،‬فقـال عل ّ‬ ‫فقال عثمان‪ :‬إِنه لم ي ّ‬
‫تقيأ حتّى شربها‪ .‬فقال‪ :‬يا ّ‬

‫‪ -1‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب ْاألَ ْش ِربَ ِة‪ ،‬بَابُ بَيَا ِن أَ َّن ُك َّل ُم ْس ِك ٍر َخ ْم ٌر َوأَ َّن ُك َّل َخ ْم ٍر َح َرا ٌم‪ ،1527/3 ،‬حديث(‪.)2112‬‬
‫‪ - 2‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ِ ،‬كتَابُ ال ُحدُو ِد‪ ،‬بَابُ الَ يُ ْش َربُ ال َخ ْم ُر‪ ،157/2 ،‬حديث(‪.)3772‬‬
‫‪ - 3‬هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط الذي أنزل فيه إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا‪ ،‬أتى به من الكوفة كان واليا عليها وكان شاربا سيء‬
‫السيرة‪ ،‬صلى بالناس الصبح أربعا وهو سكران‪ ،‬ثم التفت إليهم فقال أزيدكم؟ فقال أهل الصف األول ما زلنا في زيادة منذ وليتنا؟ ال‬
‫زادك هللا من الخير‪ ،‬وحصب الناس الوليد بحصباء المسجد‪ ،‬فشاع ذلك في الكوفة وجرى من األحوال ما اضطر سيدنا عثمان إلى‬
‫استحضاره‪(.‬صحيح مسلم‪ ،‬شرح محمد فؤاد عبد الباقي‪.)1331/3،‬‬

‫‪74‬‬
‫قارهــا‪ .1‬فكأنــه وجــد عليــه‪ ،1‬فقــال‪ :‬يــا عبــد اهلل بــن جعفــر! قــم‬ ‫فقــال الحســن‪ :‬و ِّل َّ‬
‫حارهــا مــن تــولّى َّ‬
‫ـه َعلَ ْي ِـه‬
‫صـلَّى اللَّ ُ‬
‫بـي ‪َ -‬‬
‫ثم قال‪ :‬جلد ال ّن ّ‬
‫وعلي َي ُعد حتّى بلغ أربعين‪ ،‬فقال‪ :‬أمسك‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫فاجلده‪ ،‬فجلده‬
‫‪6‬‬
‫لي"‪.‬‬‫ِ‬ ‫سلَّم ‪-‬أربعين‪ ،‬وجلد أبو بكر أربعين‪ ،‬وعمر ثمانين‪ٌّ ،‬‬
‫س ّنة وهذا أحب إ ّ‬‫وكل ُ‬ ‫َو َ َ‬

‫اتفق الفقهاء على أنه يثبت حد الشرب أو السكر بأحد شيئين‪ :‬اإلقرار أو البينة‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬البينة‪ :‬وهي شهادة عدلين‪ ،‬ويشترط فيهما ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكونا عدلين مسلمين‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -1‬الذكورة‪ ،‬فال تقبل شهادة النساء للشبهة‪.‬‬
‫‪ -6‬األصالة فال تقبل الشهادة على الشهادة‪ ،‬وال كتاب القاضي إلى القاضي في الحدود كلها‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫لتمكن زيادة شبهة فيها‪ ،‬والحدود ال تثبت مع الشبهات‪.‬‬
‫‪ -4‬عــدم التقــادم عنــد الحنفيــة ألن التقــادم يمنــع قبــول الشــهادة‪ 3.‬وتقبــل الشــهادة عنــد جمهــور‬
‫‪7‬‬
‫الفقهاء‪ ،‬ولو بعد مضي زمان طويل من الواقعة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬اإلقرار‪:‬‬
‫اتفق جمهور الفقهاء على أن شرب الخمر ونحوها يثبـت بياإلقـرار مـرة واحـدة‪ ،‬ويكفـي فـي اإلقـرار‬
‫خمر‪ 8.‬واذا رجع عن إق ارره قبل رجوعه‪.‬‬
‫من شخص بأنه شرب اً‬
‫قال ابن قدامة‪ ":‬وال يجب الحد حتى يثبت شربه بأحد شي ين‪ :‬اإلقرار أو البينة‪ ،‬ويكفي في اإلقرار‬
‫مـرة واحــدة فــي قــول عامــة أهــل العلــم‪ ،‬ألنــه حــد ال يتضــمن إتالفــا فأشــبه حــد القــذف واذا رجــع عــن‬
‫إق ـ ارره قبــل رجوعــه‪ ،‬ألنــه حــد هلل ســبحانه فقبــل رجوعــه عنــه كســا ر الحــدود‪ ،‬وال يعتبــر مــع اإلق ـرار‬
‫‪9‬‬
‫وجود ار حة"‪.‬‬
‫عند الحنفية‪ :‬حكي عن أبي حنيفة‪ :‬ال حد عليه إال أن توجد ار حة الخمر‬
‫جاء في تبـين الحقـائق‪ ":‬مـن شـرب خمـ ار فأخـذ وريحهـا موجـود‪ ،‬أو كـان سـكرانا ولـو بنبيـذ‪ ،‬وشـهد‬
‫‪10‬‬
‫رجالن أو أقر مرة حد‪ ،‬إن علم شربه طوعا وصحا"‪.‬‬

‫‪ - 1‬الحار الشديد المكروه‪ ،‬والقار البارد الهنيء الطيب‪ ،‬وهذا مثل من أمثال العرب‪ .‬قال األصمعي وغيره‪ :‬معناه ول شدتها وأوساخها‬
‫من تولى هنئتها ولذاتها‪ ،‬والضمير عائد إلى الخالفة والوالية‪ ،‬أي كما أن عثمان وأقاربه يتولون هنئ الخالفة ويختصون به ‪-‬يتولون‬
‫نكدها وقاذوراتها‪ ،‬ومعناه ليتولى هذا الجلد عثمان بنفسه أو بعض خاصة أقاربه األدنين‪.‬‬
‫‪ - 2‬وجد عليه‪ :‬أي غضب عليه‪.‬‬
‫‪ - 3‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ِ ،‬كتَابُ ْال ُحدُو ِد‪ ،‬بَابُ َح ِّد ْال َخ ْم ِر‪ ،1331/3 ،‬حديث(‪.)1717‬‬
‫‪ - 4‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪ ،43/7 ،‬ابن عابدين‪ ،‬حاشية رد المختار‪ ،41/4 ،‬الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي‪ ،353/4 ،‬الخطيب الشربيني‪،‬‬
‫مغني المحتاج‪ ،141/4 ،‬الحجاوي‪ ،‬اإلقناع‪.237/4 ،‬‬
‫‪ - 5‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪.43/7 ،‬‬
‫‪ - 3‬ابن عابدين‪ ،‬حاشية رد المختار‪ ،41/4 ،‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪.51/7 ،‬‬
‫‪ - 7‬ابن جزي‪ ،‬القوانين الفقهية‪ ،‬ص ‪ ،215‬مغني المحتاج‪ ،141/4 ،‬ابن قدامة‪ ،‬الكافي‪.224/4 ،‬‬
‫‪ - 2‬الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي‪ ،353/4 ،‬الخطيب الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،141/4 ،‬البهوتي‪ ،‬كشاف القناع‪.112/3 ،‬‬
‫‪ - 4‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪.323/11 ،‬‬
‫‪ - 11‬الزيلعي‪ ،‬تبين الحقائق‪.145/3 ،‬‬

‫‪75‬‬
‫وقال السرخسي‪ ":‬وال يحد بإق ارره في حال سكره من الخمر‪ ،‬ألن السكران ال يثبت على كالم واحد‬
‫ولكنه يتكلم بالشيء وبضده‪ ،‬واإلصرار على اإلقرار بالسبب ال بد منه إليجاب حد الخمر‪.‬‬
‫ولو أقر عند القاضي أنـه شـرب أمـس خمـ ار لـم يحـد أيضـا‪ ،‬وانمـا يحـد إذا أتـاه سـاعة شـرب والـري‬
‫يوجــد منــه فــي قــول أبــي حنيفــة وأبــي يوســف‪ .‬وفــي قــول محمــد يؤخــذ بــإق ارره متــى جــاء مثــل حــد‬
‫‪1‬‬
‫الزنا"‪.‬‬

‫شروط وجوب حد الشرب‪:‬‬


‫‪ -4‬التكليف‪ :‬وهو هنا العقل والبلوغ‪ ،‬فال حد على المجنون والصبي باتفاق‪ 1.‬ألن الحد عقوبة‬
‫محضة‪ ،‬فتستدعي جناية محضة‪ ،‬وفعل الصبي والمجنون ال يوصف بالجناية‪.‬‬
‫‪ -2‬اإلسالم‪ :3‬فـال حـد علـى الـذمي والحربـي المسـتأمن بالشـرب وال بالسـكر فـي ظـاهر الروايـة‬
‫‪4‬‬
‫عند الحنفية‪.‬‬
‫‪ -3‬عــدم الضــرورة فــي شــرب الخمــر‪ ،‬فــال حــد علــى مــن أكـره علــى شــرب خمــر‪ ،‬أي ال يكــون‬
‫مختا اًر للشرب‪ 5.‬ودليل هذا قول ‪-‬النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ":-‬إن اهلل وضع عـن أمتـي‬
‫‪6‬‬
‫الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"‪.‬‬
‫وكــذلك ال حــد علــى مــن اضــطر إلـى شــرب ش ـربة مــن الخمــر‪ ،‬لــدفع غصــة بهــا إذا لــم يجــد ما عــا‬
‫سواها‪ ،‬وذلك لقول اهلل تعالى‪{ :‬فمن اضطر غير باغ وال عاد فال إثم عليه} [البقرة‪.]176:‬‬
‫‪ -1‬العلم بأن كثيرها يسكر‪ ،‬فالحد إنما يلزم من شربها عالما بأن كثيرها يسكر‪ ،‬فأما غيره فـال‬
‫حــد عليــه‪ ،‬وهــذا قــول عامــة أهــل العلــم‪ ،‬ألنــه غيــر عــالم بتحريمهــا وال قاصــد إلــى ارتكــاب‬
‫‪7‬‬
‫المعصية‪ ،‬واشترط الشافعية العلم بأن ما شربه مسكر فقط‪.‬‬
‫‪ -0‬وال حد علـى مـن لـم يعلـم أنهـا خمـر‪ ،‬واذا ادعـى الجهـل بتحريمهـا نظـر‪ ،‬فـإن كـان ناشـ ا‬
‫ببلــد االســالم بــين المســلمين لــم تقبــل دع ـواه‪ ،‬ألن هــذا ال يكــاد يخفــى علــى مثلــه فــال تقبــل‬
‫دعواه فيه‪ ،‬وان كان حديث عهـد بإسـالم أو ناشـ ا بباديـة بعيـدة عـن البلـدان قبـل منـه ألنـه‬
‫‪8‬‬
‫يحتمل ما قاله‪.‬‬

‫‪ - 1‬السرخسي‪ ،‬المبسوط‪.54/24 ،‬‬


‫‪ - 2‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪ ،34/7 ،‬الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي‪ ،353/4 ،‬الخطيب الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،127/4 ،‬الحجاوي‪،‬‬
‫اإلقناع‪.237/4 ،‬‬
‫‪ - 3‬المراجع السابقة نفسها‪.‬‬
‫‪ - 4‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪.34/7 ،‬‬
‫‪ - 5‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪ ،34/7 ،‬الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي‪ ،353/4 ،‬الخطيب الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،127/4 ،‬الحجاوي‪،‬‬
‫اإلقناع‪.237/4 ،‬‬
‫‪ - 3‬القزويني‪ ،‬سنن ابن ماجه‪ ،‬كتاب الطالق‪ ،‬باب طالق المكره والناسي‪ ،354/1 ،‬حديث(‪ .)2145‬قال األلباني‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫‪ - 7‬السرخسي‪ ،‬المبسوط‪ ،32/24 ،‬الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي‪ ،352/4 ،‬الخطيب الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،127/4 ،‬ابن قدامة‪،‬‬
‫المغني‪.323/11 ،‬‬
‫‪ - 2‬المراجع السابقة‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫حكم تناول المخدرات‪:‬‬
‫للمخدرات أنواع متعددة تختلف الختالف أصولها المستخرجة منها‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬الحشيشة‪ :‬يطلق هذا اللفظ غالبا في الشـرق علـى مـادة مخـدرة تحضـر مـن نبـات القنـب‪،‬‬
‫وتستعمل األجزاء المختلفة من النبات لتحضير مستحضرات تسمى بأسماء مختلفة‪ ،‬مثل‬
‫‪1‬‬
‫البانج والكراسي والجنجا والكيف‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -2‬األفيون‪ :‬عصارة الخشخاش تستعمل للتنويم والتخدير‪.‬‬
‫‪ -3‬القــات‪ :‬نبــات مــن الفصــيلة السلســترية‪ ،‬يــزرع ألو ارقــه التــي تمضــغ خض ـراء‪ ،‬قليلــه منبــه‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫وكثيره مخدر‪ ،‬موطنه الحبشة‪ ،‬ويزرع بكثرة في اليمن ويسمى شاي العرب‪.‬‬
‫‪ -1‬الكوكـــايين‪ :‬أحــد قلويــات أوراق الكوكــا‪ ،‬يس ــتعمل فــي الطــب كمخــدر موضــعي‪ ،‬وبع ــض‬
‫النــاس يســتعملونه لطــرق غيــر مشــروعة‪ ،‬واســتمرار اســتعماله يح ـدث خم ـوال فــي الجهــاز‬
‫‪1‬‬
‫العصبي يؤدي إلى الجنون‪.‬‬
‫‪ -5‬البــنج‪ :‬جــنس نباتــات طيبــه مخــدرة مــن الفصــيلة الباذنجانيــة‪ ،‬وهــو مخــبط للعقــل‪ ،‬مجــنن‬
‫مس ـ ــكن ألوج ـ ــاع األورام والبث ـ ــور‪ ،‬ووج ـ ــع األذن‪ ،‬وأخبث ـ ــه األس ـ ــود ث ـ ــم األحم ـ ــر‪ ،‬وأس ـ ــلمه‬
‫‪5‬‬
‫األبيض‪.‬‬
‫‪ -3‬جــوزة الطيــب‪ :‬وســمي بــذلك لعطريتــه‪ ،‬ودخولــه فــي األطيــاب‪ ،‬وهــو ثمــر شــجرة فــي عظــم‬
‫‪3‬‬
‫شجرة الرمان‪.‬‬

‫حكم تناول المخدرات في الشريعة اإلسالمية‪:‬‬


‫اتفق العلماء في مختلف المذاهب اإلسالمية على حرمة تناول القدر المؤثر على العقل من المواد‬
‫والعقاقير المخدرة‪ ،‬فيحرم تعاطيها بأي وجه من الوجوه‪ ،‬سـواء كـان بطريـق األكـل‪ ،‬أو الشـراب‪ ،‬أو‬
‫التـدخين‪ ،‬أو الســعوط‪ ،‬أو الحقــن بعــد إذابتهـا‪ ،‬أو بــأي طريــق كــان‪ .‬واعتبـر العلمــاء ذلــك كبيـرة مــن‬
‫‪7‬‬
‫كبا ر الذنوب يستحق مرتكبها المعاقبة في الدنيا وفي اآلخرة‪.‬‬

‫‪ - 1‬الموسوعة العربية الميسرة‪ ،‬ص ‪ .1374‬طبعة ‪.2111‬‬


‫‪ - 2‬إبراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد النجار‪ ،‬المعجم الوسيط‪ ،22/1 ،‬ابن عابدين‪ ،‬حاشية رد المختار‪،‬‬
‫‪.241/3‬‬
‫‪ - 3‬إبراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد النجار‪ ،‬المعجم الوسيط‪.735/2 ،‬‬
‫‪ - 4‬الموسوعة الفقهية الكويتية‪.34/11 ،‬‬
‫‪ - 5‬إبراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد النجار‪،‬المعجم الوسيط‪ ،71/1 ،‬الفيروزآبادي‪ ،‬القاموس المحيط‪،‬‬
‫‪.232/1‬‬
‫‪ - 3‬الموسوعة الفقهية الكويتية‪.34/11 ،‬‬
‫‪ - 7‬مجلة البحوث اإلسالمية‪ ،‬العدد ‪ ،32‬ج‪ 32‬ص‪ ،222‬المخدرات والعقاقير النفسية‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫قال شيخ االسالم ابن تيمية‪ ":‬وأما الحشيشة الملعونة المسـكرة‪ :‬فهـي بمنزلـة غيرهـا مـن المسـكرات‬
‫والمســكر منهــا حـرام باتفــاق العلمــاء‪ ،‬بــل كــل مــا يزيــل العقــل فانــه يحــرم أكلــه ولــو لــم يكــن مســك ار‪،‬‬
‫كالبنج فان المسكر يجب فيه الحد‪ ،‬وغير المسكر يجب فيه التعزير‪.‬‬
‫وأمــا قليــل الحشيشــة المســكرة‪ :‬فح ـرام عنــد جمــاهير العلمــاء كســا ر القليــل مــن المســكرات‪ ،‬وقــول‬
‫النبي‪ُ ":‬ك ُّل ُم ْس ِك ٍر َخ ْمٌر َو ُك ُّل َخ ْم ٍر َح َرٌام"‪ ،‬يتناول ما يسكر‪ ،‬وال فرق بين ان يكون المسكر مأكوال‪،‬‬
‫او مشروبا‪ ،‬او جامدا‪ ،‬او ما عا‪ ،‬فلو اصطبغ كالخمر كان حراما‪ ،‬ولو أماع الحشيشة وشربها كان‬
‫‪1‬‬
‫حراما"‪.‬‬

‫وذهب جمهور الفقهاء‪ :‬إلى حرمة تناول المخدرات التي تغشى العقل‪ ،‬ولو كانت ال تحدث الشدة‬
‫المطربة التي ال ينفك عنها المسكر الما ع‪.‬‬
‫وكما أن ما أسكر كثيره حرم قليله من الما عات‪ ،‬كذلك يحرم مطلقا ما يخدر من األشياء الجامدة‬
‫المضرة بالعقل أو غيره من أعضاء الجسد‪ .‬وذلك إذا تناول قد ار مض ار منها‪ .‬دون ما يؤخذ منها‬
‫‪1‬‬
‫من أجل المداواة؛ ألن حرمتها ليست لعينها‪ ،‬بل لضررها‪.‬‬
‫وبناء على هذا فإن الحكم الشرعي للمخدرات أنهـا "حـرام "‪ ،‬ودليـل هـذا الحكـم الـنص‪ ،‬ألنهـا داخلـة‬
‫في عموم المسكرات‪ ،‬أو بالقياس على الخمر التحادهما في علة الحكم وهي اإلسكار‪ ،‬أو لمـا فـي‬
‫المخــدرات مــن األضـرار الفرديــة واالجتماعيــة‪ .‬ودخولهــا فــي عمــوم المســكرات قــا م علــى أســاس أن‬
‫كثي ـ ار مــن العلمــاء واألطبــاء يؤكــدون‪ :‬أن تــأثير المخــدرات كتــأثير الخمــر علــى العقــل مــن ناحيــة‬
‫اإلسكار‪ .‬وقد قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ُ « :‬كل م ِ‬
‫سك ٍر َخ ْمٌر َو ُكل َخ ْم ٍر َح َر ٌ‬
‫‪6‬‬
‫ام»‪.‬‬ ‫ُ ْ‬

‫‪ - 1‬ابن تيمية‪ ،‬مجموع الفتاوى‪.214/34 ،‬‬


‫‪ - 2‬ابن عابدين‪ ،‬حاشية رد المختار‪241/3 ،‬و ‪ ،452/3‬الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي‪ ،51/1 ،‬الخطيب الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪،‬‬
‫‪ ،127/4‬الموسوعة الفقهية الكويتية‪.34/11 ،‬‬
‫‪ - 3‬سبق تخريجه‪ .‬ص‪.73‬‬

‫‪72‬‬
‫كيف أثر غياب الدولة على تطبيق حد الشرب؟‬
‫إن اآلثــار الناجم ـة عــن تعــاطي المســكرات والمخــدرات متعــددة الجوانــب‪ ،‬ففيهــا ضــرر بالشــخص‬
‫ذاته‪ ،‬وبأسرته وأوالده‪ ،‬وبمجتمعه وأمته‪.‬‬
‫‪ .1‬الضرر الشخصي‪ :‬وفيه‬
‫أ‪ -‬التــأثير الفــادح فــي الجســد والعقــل معـاً‪ ،‬لمــا فــي المســكر والمخــدر مــن تخريــب وتــدمير الصــحة‬
‫واألعصاب والعقل والفكر ومختلف أعضاء جهاز الهضم‪ ،‬وغير ذلك مـن المضـار والمفاسـد التـي‬
‫تفتك بالبدن كله‪.‬‬
‫ب‪ -‬وباالعتبــار األدبــي والك ارمــة اإلنســانية‪ ،‬حيــث تهتــز شخصــية اإلنســان‪ ،‬ويصــب موضــع الهــزء‬
‫‪1‬‬
‫والسخرية‪ ،‬وفريسة األمراض المتعددة‪.‬‬
‫جــاء فــي تفســير روح البيــان‪ ":‬وفــي الخمــر إيقــاع العــداوة والبغضــاء والصــد عــن ذكــر اهلل وعــن‬
‫الصــالة‪ ،‬وهــي تســفه الحلــيم ويصــير شــاربها بحيــث يلعــب ببولــه وعذرتــه وقي ــه‪ ،‬كمــا ذكــر ابــن ابــى‬
‫الدنيا أنه مر على سكران وهو يبول فـي يـده ويمسـ بـه وجهـه كهي ـة المتوضـئ‪ ،‬ويقـول الحمـد هلل‬
‫الذي جعل اإلسالم نو ار والماء طهو ار"‪.1‬‬
‫‪ .2‬الضرر العائلي‪ :‬وفيه‬
‫أ‪ -‬مــا يلحــق بالزوجــة واألوالد مــن إســاءات‪ ،‬فينقلــب البيــت جحيم ـاً ال يطــاق مــن ج ـراء التــوترات‬
‫العص ــبية والهي ــاج والس ــب والش ــتم وت ــرداد عب ــارات الط ــالق والحـ ـرام‪ ،‬والتكس ــير واإلرب ــاك‪ ،‬واهم ــال‬
‫الزوجة والتقصير في اإلنفاق على المنزل‪.‬‬
‫ب‪ -‬وقد تؤدي المسكرات والمخدرات إلى إنجاب أوالد معاقين متخلفين عقلياً‪.‬‬

‫‪ .3‬الضرر العام‪:‬‬
‫أ‪ -‬إتالف أموال طا لة من غير مردود نفعي‪ ،‬وفي تعطيل المصال واألعمال‪ ،‬والتقصير في أداء‬
‫الواجبات‪ ،‬واإلخالل باألمانات العامة‪ ،‬سواء بمصال الدولة أو المؤسسات أو المعامل أو األفراد‪.‬‬
‫ب‪ -‬ما يؤدي إليه السكر أو التخدير من ارتكاب الج ار م على األشخاص واألموال واألعراض‪ ،‬بل‬
‫‪6‬‬
‫إن ضرر المخد ارت أشد من ضرر المسكرات؛ ألن المخدرات تفسد القيم الخلقية‪.‬‬
‫ج‪ -‬غيــاب العقــاب الـرادع يفــت بــاب االتجــار بالمخــدرات بيعـاً وشـراء وتهريبـاً وتســويقاً‪ ،‬ممــا يــؤدي‬
‫إلى إفساد الناش ة واألمة‪ ،‬وتدمير أخالقها وقيمها‪ ،‬وتخريب اقتصادها واضعافها أمام غيرها‪.‬‬

‫اإلسالمي وأدلَّتُهُ‪.443/7 ،‬‬


‫ُّ‬ ‫الز َح ْيلِي‪ ،‬الفِ ْقهُ‬
‫‪ُّ - 1‬‬
‫‪ - 2‬إسماعيل الخلوتي‪ ،‬روح البيان‪.334/1 ،‬‬
‫اإلسالمي وأدلَّتُهُ‪.443/7 ،‬‬
‫ُّ‬ ‫الز َح ْيلِي‪ ،‬الفِ ْقهُ‬
‫‪ُّ - 3‬‬

‫‪74‬‬
‫المطلب الرابع‬
‫أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد السرقة‪.‬‬

‫السرقة لغة‪ :‬س ر ق‪ :‬سرق منه ماال يسرق بالكسر منه ماال‪ ،‬وسـرقه مـاال سـرقا وسـرقة أخـذ مالـه‬
‫خفيــة فهــو ســارق‪ ،‬واســترق الســمع‪ :‬أي ســمع مســتخفيا ويقــال‪ :‬هــو يســارق النظــر إليــه إذا اســتغل‬
‫‪1‬‬
‫غفلته لينظر إليه‪.‬‬
‫السرقة في االصطالح‪:‬‬
‫‪ -1‬عنــد الحنفيــة‪" :‬وهــي أخــذ العاقــل البــالغ نصــاباً محــر اًز‪ ،‬أو مــا قيمتــه نصــاباً ملكـاً للغيــر ال‬
‫‪1‬‬
‫شبهة له فيه على وجه الخفية"‪.‬‬
‫‪ -1‬عند المالكية‪ ":‬أخذ مكلف ح ار ال يعقل لصـغره‪ ،‬أو مـاال محترمـا لغيـره نصـابا أخرجـه مـن‬
‫‪6‬‬
‫حرزه بقصد واحد‪ ،‬خفية ال شبهة له فيه"‪.‬‬
‫‪ -6‬عند الشافعية‪ ":‬أخذ مال الغير خفية من حرز مثله بشروط مخصوصة"‪.4‬‬
‫‪ -4‬عند الحنابلـة‪ ":‬أخـذ مـال محتـرم لغيـره‪ ،‬واخ ارجـه مـن حـرز مثلـه‪ ،‬ال شـبهة فيـه علـى وجـه‬
‫‪5‬‬
‫االختفاء"‪.‬‬
‫يتبين لنا في التعاريف السابقة ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن حقيقة السرقة هي أخذ مال الغير خفية عند جميع الفقهاء‪.‬‬
‫‪ -1‬تض ــمنت التع ــاريف الس ــابقة‪ ،‬الش ــروط الموجب ــة لح ــد السـ ـرقة‪ ،‬م ــن حي ــث ش ــروط الم ــال‪،‬‬
‫وشروط الجاني‪ ،‬وعدم الشبهة في المال‪ ،‬واشتراط الحرز‪.‬‬

‫بما يثبت حد السرقة؟‬


‫‪3‬‬
‫اتفق الفقهاء على أن السرقة تثبت باإلقرار‪ ،‬أو بالبينة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬اإلقرار‪ :‬يثبت حد السرقة بإقرار السارق إذا كـان مكلفـا بـأن كـان بالغـا عـاقال‪ ،‬وأن يقصـد فعـل‬
‫الس ـرقة‪ ،‬وأال يكــون مضــط ار إلــى األخــذ‪ ،‬وأن تنتف ـي الجز يــة بينــه وبــين المســروق منــه‪ ،‬وأال تك ـون‬
‫‪7‬‬
‫عنده شبهة في استحقاقه ما أخذ‪.‬‬

‫‪ - 1‬الرازي‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،323/1 ،‬إبراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد النجار‪ ،‬المعجم الوسيط‪.427/1 ،‬‬
‫‪ - 2‬ابن مودود الموصلي‪ ،‬االختيار لتعليل المختار‪ ،45/1 ،‬الشيخ نظام وجماعة من علماء الهند‪ ،‬الفتاوى الهندية‪.171/2 ،‬‬
‫‪ - 3‬الخرشي‪ ،‬شرح مختصر خليل‪ ،41/2 ،‬ابن رشد‪ ،‬بداية المجتهد‪.445/2 ،‬‬
‫‪ - 4‬الرملي‪ ،‬نهاية المحتاج‪.434/7 ،‬‬
‫‪ - 5‬الحجاوي‪ ،‬اإلقناع‪ ،274/4 ،‬البهوتي‪ ،‬كشاف القناع‪.124/3 ،‬‬
‫‪ - 3‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪ ،43/7 ،‬ابن رشد‪ ،‬بداية المجتهد‪ ،454/2 ،‬الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،173،175/4،‬البهوتي‪ ،‬كشاف‬
‫القناع‪144/3 ،‬و‪.145‬‬
‫‪ - 7‬الموسوعة الفقهية الكويتية‪.245/24 ،‬‬

‫‪21‬‬
‫واإلقرار إنما صار حجة في الشرع لرجحان جانـب الصـدق فيـه علـى جانـب الكـذب‪ ،‬وألن اإلنسـان‬
‫‪1‬‬
‫غير متهم في اإلقرار على نفسه باإلضرار بها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬البينة‪ :‬وهي شهادة عدلين‪ ،‬ويشترط فيهما ما يلي‪:‬‬


‫‪ -1‬أن يكونا عدلين مسلمين‪ ،‬فال تقبل فيها شهادة الفساق‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -1‬الذكورة‪ ،‬فال تقبل شهادة النساء للشبهة‪.‬‬
‫‪ -6‬األصــالة فــال تقبــل الشــهادة علــى الشــهادة‪ ،‬وال كتــاب القاضــي إلــى القاضــي فــي الحــدود‬
‫‪6‬‬
‫كلها‪ ،‬لتمكن زيادة شبهة فيها‪ ،‬والحدود ال تثبت مع الشبهات‪.‬‬
‫‪ -4‬عدم التقادم عند الحنفيـة ألن التقـادم يمنـع قبـول الشـهادة‪ 4.‬وتقبـل الشـهادة عنـد جمهـور‬
‫‪5‬‬
‫الفقهاء‪ ،‬ولو بعد مضي زمان طويل من الواقعة‪.‬‬
‫‪- 5‬الخصــومة أو الــدعوى ممــن لــه يــد صــحيحة‪ :‬بــأن كــان صــاحب ملــك أو صــاحب يــد‬
‫أمانــة‪ ،‬أو يــد ضــمان‪ .‬فلــو شــهدوا أنــه ســرق مــال فــالن الغا ــب مــن غيــر خصــومة مــن‬
‫المسروق منه‪ ،‬لم تقبل شهادتهم‪ ،‬ولكن يحبس السـارق؛ ألن إخبـارهم أورث تهمـة‪ ،‬ويجـوز‬
‫‪3‬‬
‫الحبس بالتهمة‪.‬‬

‫مشروعية حد السرقة‪:‬‬
‫اء ِب َمـا‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫الس ِ‬
‫ط ُعوا أ َْيـد َي ُه َما َج َـز ً‬
‫ـارقَ ُة فَـا ْق َ‬ ‫ق َو َّ‬ ‫ار ُ‬ ‫األصل في مشروعية حد السرقة هو قوله تعالى‪َ { :‬و َّ‬
‫يم} [الما دة‪.]68:‬‬ ‫َكسبا َن َكاالً ِم َن اللَّ ِه واللَّ ُه ع ِز ٌ ِ‬
‫يز َحك ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫وجه الداللة‪ :‬أن اهلل سبحانه وتعالى بين في اآلية أن حكم السارق والسارقة هو قطع اليد‪.‬‬
‫صـلَّى اللَّـهُ َعلَ ْي ِـه َو َسـلَّ َم‪ ":-‬تُ ْقطَـعُ ا ْل َي ُـد ِفـي ُرُب ِـع‬
‫ـي ‪َ -‬‬‫النبِ ُّ‬
‫ـال َّ‬
‫ش َة رضي اهلل عنهـا قالـت‪ :‬قَ َ‬ ‫وعن َع ِائ َ‬
‫ار فَص ِ‬ ‫ِ‬
‫دي َن ٍ َ‬
‫‪8‬‬
‫اع ًدا"‪.‬‬

‫وفــي الصــحيحين عــن عائشــة رضــي اهلل عنهــا‪ ،‬أن قريشــا أهمهــم شــأن الم ـرأة المخزوميــة التــي‬
‫سرقت‪ ،‬فقالوا‪ :‬ومن يكلم فيها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقالوا‪ :‬ومن يجترئ عليه إال أسامة‬

‫‪ - 1‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ - 2‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪ ،43/7 ،‬ابن عابدين‪ ،‬حاشية رد المختار‪ ،41/4 ،‬الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي‪ ،353/4 ،‬الخطيب الشربيني‪،‬‬
‫مغني المحتاج‪ ،141/4 ،‬الحجاوي‪ ،‬اإلقناع‪.237/4 ،‬‬
‫‪ - 3‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪.43/7 ،‬‬
‫‪ - 4‬ابن عابدين‪ ،‬حاشية رد المختار‪ ،41/4 ،‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪.51/7 ،‬‬
‫‪ - 5‬ابن جزي‪ ،‬القوانين الفقهية‪ ،‬ص ‪ ،215‬مغني المحتاج‪ ،141/4 ،‬ابن قدامة‪ ،‬الكافي‪.224/4 ،‬‬
‫اإلسالمي وأدلَّتُهُ‪.344/7 ،‬‬
‫ُّ‬ ‫الز َح ْيلِي‪ ،‬الفِ ْقهُ‬
‫‪ُّ - 3‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َّارقة فاقطعُوا أي ِديَهُ َما[ لالمائدة‪َ ]32 :‬وفِي ك ْم يُقطعُ؟‪،‬‬ ‫ُ‬
‫َّارق َوالس ِ‬
‫{والس ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫‪ - 7‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ِ ،‬كتَابُ ال ُحدُو ِد‪ ،‬بَابُ قوْ ِل هللاِ ت َعالى‪َ :‬‬
‫صابِهَا‪ ،1312/3 ،‬حديث رقم (‪.)1324‬‬ ‫ن‬ ‫و‬
‫ِ ِ َِ َ‬ ‫ة‬‫َ‬ ‫ق‬‫َّر‬
‫س‬ ‫ال‬ ‫‪ ،131/2‬حديث رقم(‪ ،)3724‬ومسلم‪ِ ،‬كتَابُ ْال ُحدُو ِد‪ ،‬بَابُ َح ِّد‬

‫‪21‬‬
‫صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪:‬‬ ‫َّ ِ‬
‫ال َر ُسو ُل الله َ‬ ‫بن زيد‪ ،‬حب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فكلمه أسامة‪ ،‬فَقَ َ‬
‫ض َّل َم ْن قَ ْبلَ ُك ْم‪ ،‬أ ََّن ُه ْم‬
‫اس‪ ،‬إِ َّن َما َ‬ ‫ال‪َ « :‬يا أَي َها َّ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫«أَتَ ْ ِ‬
‫الن ُ‬ ‫ب‪ ،‬قَ َ‬ ‫طَ‬ ‫ام فَ َخ َ‬
‫شفَعُ في َح ٍّد م ْن ُح ُدود الله» ثُ َّم قَ َ‬
‫الحـدَّ‪َ ،‬و ْاي ُـم اللَّ ِـه‪ ،‬لَ ْـو أ َّ‬
‫َن‬ ‫ِ‬
‫ـاموا َعلَ ْيـه َ‬
‫َّـع ُ ِ‬
‫يف فـي ِه ْم أَقَ ُ‬
‫ق الض ِ‬ ‫س َـر َ‬ ‫ق َّ‬
‫الش ِر ُ‬
‫يف تََرُكـوهُ‪َ ،‬وِا َذا َ‬ ‫َكا ُنوا إِ َذا َ‬
‫س َر َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫فَ ِ‬
‫سلَّ َم‪َ ،‬‬
‫صلَّى اهللُ َعلَ ْيه َو َ‬ ‫اط َم َة ِب ْن َ‬
‫‪1‬‬
‫س َرقَ ْت لَقَطَ َع ُم َح َّم ٌد َي َد َها»‪.‬‬ ‫ت ُم َح َّمد َ‬

‫الحكمة من حد السرقة‪:‬‬
‫السرقة من أعظم الج ار م في اإلسالم‪ ،‬فهي حرام حرمة شديدة‪ ،‬ومنكر عظيم‪ ،‬وأكل ألموال الناس‬
‫ّ‬
‫بالباطل‪ ،‬ال يحل في شرع وال دين وال قانون في الدنيا‪ ،‬ألن إباحة السرقة تخل بأمن الناس في‬
‫أموالهم وتهز مبدأ الثقة والطمأنينة‪ ،‬وتزعزع استقرار االقتصاد والتجارة وغيرها من موارد الرزق‪.‬‬
‫والغصب والخيانة والنهب ونحو ذلك كالسرقة أخذ ملك اآلخرين بغير حق‪.‬‬
‫الحد وهو قطع اليد في شريعة القـرن‪ ،‬وهـذه العقوبـة‪ ،‬وان كانـت‬
‫لذا كانت جريمة السرقة مستوجبة ّ‬
‫‪1‬‬
‫قاسية‪ ،‬فهي العقوبة الوحيدة الزاجرة لالعتداء على األموال وأخذها بغير حق‪.‬‬
‫قال محمد بن إبراهيم التويجري‪ ":‬صان اهلل األموال بإيجاب قطع يد السارق‪ ،‬فإن اليد الخا نة‬
‫بمثابة عضو مريض يجب بتره ليسلم الجسم‪ .‬وفي قطع يد السارق التي من شأنها أن تباشر‬
‫السرقة عبرة لمن تحدثه نفسه بسرقة أموال الناس‪ ،‬وتطهير للسارق من ذنبه‪ ،‬وحفظ ألموال األمة‪،‬‬
‫‪6‬‬
‫وارساء لقواعد األمن والطمأنينة في المجتمع"‪.‬‬

‫فقد ظهر جليا أثر غياب تطبيق حد السرقة سلبا على الفرد والمجتمع بما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬لقد انتشرت ج ار م السطو علـى البنـوك والمحـالت والخـ از ن والمخـازن‪ ،‬وتكونـت عصـابات‬
‫متخصصة في هذا المجال ويؤدى بها األمر في بعض األحيان‪ ،‬إلى سـفك الـدماء لسـرقة‬
‫مجوهرات طفلة صغيرة‪ ،‬أو سيدة عجوز‪ ،‬أو قتـل صـاحب محـل صـرافة أو رجـل فـي بيتـه‬
‫ألجل سرقة المال‪.‬‬
‫وهذا بسبب غياب العقاب الرادع لمثل هؤالء‪ ،‬ومن تسول له نفسه أن يفعل فعلهم‪.‬‬
‫‪ -1‬ومما يؤسف له أن عقوبات التشريع الوضعي لن تردع هؤالء‪ ،‬بل يدخلون السـجن لفتـرات‬
‫قصــيرة ثــم يخرجــون‪ ،‬وقــد حصــلوا علــى دورات تدريبيــة متخصصــة ممــن هــم أكثــر خب ـرة‪،‬‬
‫وأعظم خط اًر في مجال السرقات‪.‬‬

‫‪ - 1‬سبق تخريجه‪ ،‬ص‪.24‬‬


‫‪ - 2‬الزحيلي‪ ،‬التفسير الوسيط‪.452/1 ،‬‬
‫‪ - 3‬التويجري‪ ،‬موسوعة الفقه اإلسالمي‪.153/5 ،‬‬

‫‪22‬‬
‫‪ -6‬تــرك الس ـرقة ترتــع فــي المجتمــع‪ ،‬تــروع اآلمنــين بمــا تفضــي إليــه مــن العديــد مــن الج ـ ار م‬
‫والمنكرات‪.‬‬
‫جــاء فــي كتــاب الفقــه اإلســالمي وأدلتــه‪ :‬وقــد كانــت الحجــاز‪ ،‬بــل وســا ر الجزي ـرة العربيــة‪ ،‬مرتع ـاً‬
‫خصباً ألشنع ج ار م السرقة وقطع الطريق‪ ،‬حتى على حجاج بيت اهلل الحرام رجاالً ونساء‪ ،‬فما أن‬
‫طبق ـت الحجــاز‪- ،‬أي الدولــة الســعودية‪-‬هــذين الحــدين حتــى اســتتب األمــن وانقطعــت الس ـرقات‪،‬‬
‫وانهارت عصابات قطع الطريق‪ ،‬حتى أصبحت البالد مضرب المثل المسـتغرب فـي انقطـاع دابـر‬
‫‪1‬‬
‫جريمتي السرقة وقطع الطريق‪.‬‬

‫‪ -4‬طبيعــة جريمــة السـرقة‪ ،‬أن تــتم فــي الخفــاء‪ ،‬الــذي يتــرك الرهبــة والرعــب الشــديد فــي نفــوس‬
‫الناس‪.‬‬
‫‪ -5‬مــا تحدثــه السـرقة مــن ترويــع وافســاد‪ ،‬وكــل مــا ُي َم ِكـن الســارق مــن تحقيــق مأربــه‪ ،‬ولــو أدى‬
‫ذلــك إلــى القتــل‪ ،‬فــإن طبيع ـة الســارق موســومة بالش ـراهة والــنهم‪ ،‬فــال يهمــه إال مــا يحصــل‬
‫عليــه مــن أم ـوال النــاس‪ ،‬مــن أجــل ذلــك شــدد الشــارع فــي تلــك العقوبــة حتــى يــردع اإلثــم‬
‫ويطم ن األمن‪.‬‬
‫‪ -3‬في غياب العقوبة يصب السارق كالحيوان المفترس‪ ،‬الذي يفتك بكـل مـا يالقيـه‪ ،‬فجريمتـه‬
‫يجــب أن تقابــل بالقســوة المتناهيــة‪ ،‬كــي ينقطــع دابرهــا مــن بــين النــاس بتاتــا‪ ،‬فــإذا تخيــل‬
‫شــخص أن العقوبــة شــديدة‪ ،‬فإنــه يجــب أن يعلــم أن فظاعــة الجريمــة و ثارهــا فــي المجتمــع‬
‫‪1‬‬
‫أشد وأنكى‪.‬‬
‫‪ -7‬أن هذه األموال التي يكتسبها اإلنسان بالكد والكدح تصرف إما للقـوت‪ ،‬وهـو قـوام الحيـاة‪،‬‬
‫واما على الملبس وعليه وقايـة الجسـد‪ .‬وقـل مـا شـ ت فـي وجـوه الصـرف‪ ،‬التـي ال يحصـى‬
‫عددها‪ ،‬والتي عليها قوام الحياة‪ ،‬ونظام هذا الكون‪.‬‬
‫فيجتهد اإلنسان هذا االجتهاد في الكسـب لهـذه األغـراض الشـريفة‪ ،‬ثـم يـأتي اللـص فيسـلبه‬
‫‪6‬‬
‫ثمرة أتعابه سلبا‪ ،‬هو في الحقيقة تقويض لدعا م العمران واألمن العام‪.‬‬
‫‪ -8‬إن الســارق إذا تعــود الســرقة مالــت نفســه إلــى الكســل والبطالــة‪ ،‬فتتعطــل حركــة األعمــال‬
‫ويحـل بالعـالم النكــال والوبـال‪ ،‬ويأكــل النـاس بعضــهم بعضـا‪ ،‬لجلــب مـا يحتــاجون إليـه مــن‬
‫‪4‬‬
‫ضرورات الحياة‪.‬‬

‫‪ - 1‬ال ُزحيلي‪ ،‬الفقه اإلسالمي وأدلته‪.221/7 ،‬‬


‫‪ - 2‬عبد الرحمن الحريري‪ ،‬الفقه على المذاهب األربعة‪.141/5 ،‬‬
‫‪ - 3‬مجلة البحوث اإلسالمية‪ ،‬العدد ‪ ،25‬ج‪ 25‬ص‪ ،317‬الحكمة من قطع يد السارق‪.‬‬
‫‪ - 4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.317‬‬

‫‪23‬‬
‫‪ -9‬إن السجن ال يعتبـر عقوبـة رادعـة للسـارق‪ ،‬بـل اسـتراحة لالنطـالق مـن جديـد بخبـرة أوسـع‬
‫من ذي قبل‪ ،‬وال يعود على الدولة إال بإرهاق ميزانيتها المالية في غير جدوى‪.‬‬

‫فلهــذا كلــه يتض ـ أن الســارق عضــو فاســد فــي جســم األمــة يجــب تالفــي ش ـره‪ ،‬وال يكــون ذلــك إال‬
‫بتطبيــق حــد السـرقة علــى الســارق‪ ،‬ليكــون عبـرة لمــن تحدثــه نفســه بالســطو علــى أمـوال النــاس‪ ،‬فــال‬
‫يجرؤ أن يمد يده إليها‪ ،‬وبهذا تحفظ األموال وتصان ويأمن المجتمع‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫المطلب الخامس‬
‫أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الحرابة‬

‫أوال‪ :‬حقيقة الحرابة في اللغة‪:‬‬


‫‪1‬‬
‫الحرابة مشتقة من الفعل حارب‪ ،‬ويأتي على عدة ٍ‬
‫معان منها‪:‬‬
‫‪ -1‬فساد الدين‪.‬‬
‫‪ -1‬سلب المال‪.‬‬
‫‪ -6‬إثارة الفتن‪ ،‬يقال‪ :‬امرأة حرابة دساسة مثيرة للفتن‪.‬‬
‫‪ -4‬النهب والغصب بين الناس‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬حقيقة الحرابة في االصطالح‪:‬‬


‫‪1‬‬
‫‪ -1‬الحنفية‪" :‬هي الخروج على المارة ألخذ المال على سبيل المغالبة"‪.‬‬
‫‪ -1‬المالكيـــة‪ ":‬الخ ــروج إلخاف ــة س ــبيل ألخ ــذ م ــال محت ــرم بمك ــابرة قت ــال‪ ،‬أو خوف ــه‪ ،‬أو قط ــع‬
‫‪6‬‬
‫طريق"‪.‬‬
‫‪ -6‬الشافعية‪" :‬البروز ألخذ المال‪ ،‬أو قتل أو إرهاب‪ ،‬مجاهرة‪ ،‬اعتماداً على القـوة والبعـد عـن‬
‫‪4‬‬
‫الغوث ولو داخل القرى‪ ،‬فإنها تعتبر محاربة"‪.‬‬
‫‪ -4‬الحنابلـــة‪ ":‬المحــاربون الــذين يعرضــون للقــوم بالســالح فــي الصــحراء‪ ،‬فيغصــبونهم المــال‬
‫‪5‬‬
‫مجاهرة‪ ،‬أو كان ذلك في المصر فال يدركهم الغوث"‪.‬‬

‫التعريــف المختــار‪ :‬بــالنظر إلــى التعريفــات الســابقة نجــد أن تعريــف المالكيــة للح اربــة هــو التعريــف‬
‫المختار‪ ،‬وهو" الخروج إلخافة السبيل‪ ،‬وأخذ المال‪ ،‬أو القتل‪ ،‬أو التخويف"‪ .‬وذلك لما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬التعريف يشمل كل من أخاف الطريق بأي صورة من الصور يعتبر محارباً عليه ُّ‬
‫الحد‪.‬‬
‫‪ -1‬لم يفرق التعريف بين الرجل والمرأة في استحقاق العقوبة‪.‬‬
‫‪ -6‬والحرابة داخل البلد‪ ،‬أو خارج البلد سواء في الحكم‪.‬‬

‫‪ - 1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،312/1،‬ال َّزبيدي‪ ،‬تاج العروس‪ ،251/2،‬إبراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد‬
‫النجار‪ ،‬المعجم الوسيط‪.134/1،‬‬
‫‪- 2‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪.41/7 ،‬‬
‫‪ - 3‬الخرشي‪ ،‬مختصر سيدي خليل‪.113/2 ،‬‬
‫‪ - 4‬الشافعي‪ ،‬محمد بن إدريس الشافعي‪ ،‬األم‪.152/3 ،‬‬
‫‪ - 5‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪.242/11 ،‬‬

‫‪25‬‬
‫مشروعية عقوبة حد الحرابة‪:‬‬

‫ثبتت مشروعية عقوبة حد الحرابة‪ ،‬بالكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬واألجماع‪ ،‬كما يلي‪:‬‬


‫أوالً‪ :‬الكتاب‪:‬‬
‫َن ُيقَتَّلُـوا أ َْو‬ ‫ـادا أ ْ‬
‫س ً‬ ‫ض فَ َ‬ ‫س َـع ْو َن ِفـي ْاأل َْر ِ‬
‫سـولَ ُه َوَي ْ‬ ‫ون اللَّ َ‬
‫ـه َو َر ُ‬ ‫ـارُب َ‬ ‫اء الَّ ِـذ َ‬
‫ين ُي َح ِ‬ ‫قوله تعـالى‪{ :‬إِ َّن َما َج َـز ُ‬
‫ي ِفـي الـد ْن َيا َولَ ُه ْـم‬ ‫ِ‬ ‫ف أَو ي ْنفَوا ِم َن ْاألَر ِ ِ‬
‫ض َذل َك لَ ُه ْـم خ ْـز ٌ‬ ‫ْ‬
‫ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫صلَّ ُبوا أ َْو تُقَطَّ َع أ َْيدي ِه ْم َوأ َْر ُجلُ ُه ْم م ْن خ َال ْ ُ ْ‬
‫ُي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم} [الما دة‪.]66:‬‬ ‫اب َعظ ٌ‬ ‫في ْاآلخ َرِة َع َذ ٌ‬
‫وجــه الداللــة‪ :‬المحــاربون المــذكورون فــي هــذه اآليــة هــم القــوم الــذين يجتمعــون وله ـم منعــة ممــن‬
‫أرادهم بسبب أنهم يحمي بعضهم بعضاً ويقصـدون المسـلمين فـي أرواحهـم ودمـا هم‪ ،‬وانمـا اعتبرنـا‬
‫‪1‬‬
‫القوة والشوكة ألن قاطع الطريق إنما يمتاز عن السارق بهذا القيد‪.‬‬

‫ومحاربة الناس للّه على وجه الحقيقة غير ممكنة‪ ،‬لتنزهه عن أن يكون من الجواهر واألجسام‬
‫ألن المحاربة تستلزم أن يكون ك ّل من المتحاربين في جهة ومكان‪ ،‬واللّه‬ ‫ِ‬
‫التي تُقاتل أو تُقاتَل‪ ،‬و ّ‬
‫منزه عن ذلك‪ ،‬فيكون مجا از‪ ،‬إما من المخالفة واإلغضاب مع التلبس بحالة تشبه حالة‬ ‫ّ‬
‫فإن قطّاع الطريق يخرجون ممتنعين مجاهرين بإظهار السالح وقطع الطريق‪ ،‬أو‬ ‫المحاربين‪ّ ،‬‬
‫المعنى يحاربون أولياء اللّه ورسوله‪ ،‬والمحاربون هم الذين يجتمعون بقوة وشوكة يحمي بعضهم‬
‫بعضا‪ ،‬ويقصدون المسلمين‪ ،‬أو أهل الذمة في أرواحهم وأموالهم‪.‬‬
‫والسعي في األرض بالفساد عبارة عن إخافة الطرق بحمل السالح‪ ،‬وازعـاج النـاس‪ ،‬سـواء أصـحبه‬
‫‪1‬‬
‫قتل النفوس وأخذ األموال أم ال‪.‬‬
‫والحرابة ‪-‬أو قطع الطريق‪ -‬تُ َع ُّد من كبريات الج ار م‪ ،‬ومن ثم أطلق القرن الكريم على المتـورطين‬
‫في ارتكابها أقصى عبـارة‪ ،‬فجعلهـم محـاربين هلل ورسـوله ‪ -‬صـلى اهلل عليـه وسـلم ‪ ،-‬وسـاعين فـي‬
‫األرض بالفساد‪ ،‬وغلظ عقوبتهم تغليظا لم يجعله لجريمة أخرى‪.‬‬
‫ويدخل في حكم الحرابة كل ما يقع من ذلك في الطرق والمنازل‪ ،‬والسيارات والقطارات‪ ،‬والسفن‬
‫والطا رات‪ ،‬سواء كان تهديداً بالسالح‪ ،‬أو زرعاً للمتفجرات‪ ،‬أو نسفاً للمباني‪ ،‬أو حرقاً بالنار‪ ،‬أو‬
‫أخذاً لرها ن‪ ،‬وكل ذلك محرم‪ ،‬ومن أعظم الج ار م؛ لما فيه من ترويع الناس‪ ،‬واالعتداء على‬
‫‪6‬‬
‫أنفسهم وأعراضهم وأموالهم بغير حق‪ ،‬ولهذا كانت عقوبتها من أقسى العقوبات‪.‬‬

‫‪ - 1‬الفخر الرازي‪ ،‬تفسير الفخر الرازي‪.345/11 ،‬‬


‫‪ - 2‬محمد علي السايس‪ ،‬تفسير آيات األحكام‪.337-333/1 ،‬‬
‫‪ - 3‬التويجري‪ ،‬موسوعة الفقه اإلسالمي‪.133/5 ،‬‬

‫‪23‬‬
‫ثانياً‪ :‬السنة‪:‬‬
‫‪-1‬عن أنس بن مالك‪ ،‬أن ناسـا مـن ُعرينـة‪ 1‬قـدموا علـى رسـول اهلل صـلى اهلل عليـه وسـلم المدينـة‪،‬‬
‫الصـ َـدقَ ِة‪،‬‬
‫َن تَ ْخ ُر ُجـوا إِلَــى إِ ِبـ ِـل َّ‬ ‫صــلَّى اهللُ َعلَ ْي ِـه َو َســلَّ َم‪« :‬إِ ْن ِشـ ْئتُ ْم أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫‪1‬‬
‫ـال لَهُ ْـم َر ُســو ُل اهلل َ‬ ‫فاجتووهـا ‪ ،‬فَقَـ َ‬
‫ـوه ْم َو ْارتَــدوا َعـ ِـن‬
‫ـاء‪ ،‬فَقَتَلُـ ُ‬ ‫الرعـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صــحوا‪ ،‬ثُـ َّـم َمــالُوا َعلَــى ِّ َ‬ ‫شـ َـرُبوا مـ ْـن أَْل َبان َهــا َوأ َْب َوال َهــا»‪ ،‬فَفَ َعلُ ـوا‪ ،‬فَ َ‬‫فَتَ ْ‬
‫سـلَّ َم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫سـلَّ َم‪ ،‬فََبلَـغَ َذلِ َ‬ ‫ِ‬ ‫اإلس َالِم‪ ،‬وساقُوا َذوَد رس ِ ِ‬
‫صـلَّى اهللُ َعلَ ْيـه َو َ‬ ‫ـي َ‬ ‫ـك َّ‬
‫الن ِب َّ‬ ‫صلَّى اهللُ َعلَ ْيه َو َ‬ ‫ول اهلل َ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ِْ ْ‬
‫‪،‬وتَ َـرَك ُه ْم ِفــي ا ْل َح َّـرِة‪َ ،‬حتَّــى‬ ‫‪3‬‬
‫َع ُيـ َن ُه ْم َ‬‫سـ َـم َل أ ْ‬ ‫ـث ِفـي أَثَـ ِـرِهم فَـأ ُِتي ِب ِهـم‪ ،‬فَقَطَـ ِ‬
‫ـع أ َْيـد َي ُه ْم‪َ ،‬وأ َْر ُجلَ ُه ْـم‪َ ،‬و َ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫فَ َب َع َ‬
‫‪1‬‬
‫َماتُوا"‪.‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬هذا الحديث أصل في عقوبة المحاربين‪ ،‬ألنه يدل على أن مـن يقتـل ويسـرق‪ُ ،‬يقطـع‬
‫ويقتل‪ ،‬كما فعل النبي‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬وانما غلظ عليهم العقوبة‪ ،‬ألنهم قتلوا‪ ،‬وأخذوا المال‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫وارتدوا عن اإلسالم‪.‬‬
‫ـال‪َ « :‬م ْـن َح َم َـل‬ ‫النبِ ِّ‬
‫ـي ‪-‬صـلى اهلل عليـه وسـلم ‪-‬قَ َ‬ ‫ِ‬
‫ضـي اهللُ َع ْنهُ َمـا َع ِـن َّ‬ ‫ْ ِ ِ ِ‬
‫‪َ -1‬وعَن َع ْبـداهلل ْبـن ُع َم َـر َر َ‬
‫‪8‬‬
‫س ِم َّنا»‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫الح َفلَ ْي َ‬
‫الس َ‬
‫َعلَ ْي َنا ِّ‬
‫وجه الداللة‪ :‬مذهب أهل السنة والفقهاء أن من حمل السالح على المسـلمين بغيـر حـق وال تأويـل‬
‫‪8‬‬
‫ولم يستحله فهو عاص وال يكفر بذلك‪ ،‬فإن استحله كفر‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬اإلجماع‪:‬‬
‫اتفـق العلمــاء علــى أن مـن قتــل وأخــذ المــال‪ ،‬وجـب إقامــة الحــد عليــه‪ ،‬وال يسـقط العقــاب بعفــو ولــي‬
‫‪9‬‬
‫المقتول‪ ،‬والمأخوذ منه المال‪ ،‬خالفا للقتل العادي‪.‬‬

‫ركن قطع الطريق‪:‬‬


‫ركنه‪ :‬هو الخروج على المارة ألخذ المال على سبيل المغالبة علـى وجـه يمتنـع المـارة عـن المـرور‬
‫وينقطع الطريق‪ ،‬سواء أكان القطـع مـن جماعـة أم مـن واحـد‪ ،‬بعـد أن يكـون لـه قـوة القطـع‪ ،‬وسـواء‬
‫أكان القطـع بسـالح أم غيـره مـن العصـا والحجـر والخشـب ونحوهـا‪ ،‬وسـواء أكـان بمباشـرة الكـل‪ ،‬أم‬

‫‪ - 1‬عرينة‪ :‬حي من قضاعة وحي من بجيلة من قحطان والمراد هنا الثاني‪.‬‬


‫‪ - 2‬فاجتووها‪ :‬معناه استوخموها‪ :‬أي لم توافقهم وكرهوها لسقم أصابهم قالوا وهو مشتق من الجوى‪ :‬وهو داء في الجوف‪.‬‬
‫‪ - 3‬سمل أعينهم‪ :‬هكذا هو في معظم النسخ سمل‪ ،‬وفي بعضها سمر‪ ،‬ومعنى سمل‪ :‬فقأها وأذهب ما فيها‪ ،‬ومعنى سمر‪ :‬حلها بمسامير‬
‫محمية‪(.‬صحيح مسلم‪ ،‬شرح محمد فؤاد عبد الباقي‪.)1243/3 ،‬‬
‫اربِينَ َو ْال ُمرْ تَ ِدينَ ‪ ،1243/3 ،‬حديث(‪.)1371‬‬‫ِ ُ ِ‬ ‫ح‬‫َ‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫ك‬ ‫ح‬
‫ُ‬ ‫ابُ‬‫ب‬
‫َ‬ ‫‪،‬‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ي‬‫د‬‫ِّ‬ ‫ال‬ ‫و‬
‫اص َ‬
‫ص ِ‬‫اربِينَ َو ْالقِ َ‬
‫‪ -‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ِ ،‬كتَابُ ْالقَ َسا َم ِة َو ْال ُم َح ِ‬
‫‪4‬‬

‫‪ - 5‬النووي‪ ،‬المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج‪.153/11 ،‬‬


‫‪ - 3‬من حمل علينا السالح‪ :‬أي من حمل السالح على المسلمين بغير حق التأويل ولم يستحله فهو عاص وال يكفر بذلك‪ ،‬فإن استحله كفر‪.‬‬
‫هللاِ تَ َعالَى‪َ { :‬و َم ْن أَحْ يَاهَا[ لالمائدة‪ ،4/4 ،]32 :‬حديث (‪،)3274‬‬ ‫ت‪ ،‬بَابُ قَوْ ِل َّ‬ ‫‪ - 7‬متفق عليه‪ ،‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ِ ،‬كتَابُ ال ِّديَا ِ‬
‫َّ‬
‫ْس ِمنا»‪ ،42/1 ،‬حديث (‪.)42‬‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسل َم‪َ « :‬م ْن َح َم َل َعلَ ْينَا ال ِّس َال َح فَلَي َ‬
‫َّ‬ ‫اإلي َمانَ ‪ ،‬بَابُ قَوْ ِل النَّبِ ِّي َ‬ ‫ومسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ِ ،‬كتَابُ ْ ِ‬
‫‪ - 2‬النووي‪ ،‬المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج‪.112/2 ،‬‬
‫‪ - 4‬انظر‪ :‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪ ،43/7،‬الحطاب‪ ،‬مواهب الجليل‪ ،315/3 ،‬الشيرازي‪،‬المهذب‪ ،224/2 ،‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪،‬‬
‫الز َح ْيلِي‪ ،‬الفقه اإلسالمي أدلته‪.344/7 ،‬‬ ‫‪ُّ ،145/4‬‬

‫‪27‬‬
‫التسبب من البعض باإلعانة واألخـذ؛ ألن القطـع يحصـل بكـل مـا ذكـر كمـا فـي السـرقة‪ ،‬وألن هـذا‬
‫‪1‬‬
‫من عادة قطاع الطرق‪.‬‬

‫بما يثبت حد الحرابة؟‬


‫ال خــالف بــين الفقهــاء فــي أن جريمــة الح اربــة تثبــت قضــاء بــاإلقرار‪ ،‬أو بشــهادة عــدلين‪ .‬وتقبــل‬
‫شهادة الرفقة في الحرابة‪ ،‬فإذا شهد على المحـارب اثنـان مـن المقطـوع علـيهم لغيرهمـا ولـم يتعرضـا‬
‫ألنفســهما فــي الشــهادة قبلــت شــهادتهما‪ ،‬ولــيس علــى القاضــي البحــث عــن كونهمــا مــن المقطــوع‬
‫علــيهم‪ ،‬وان بحــث لــم يلــزمهم اإلجابــة‪ ،‬أمــا إذا تعرضـوا ألنفســهما بــأن يقـوال‪ :‬قطعـوا علينــا الطريــق‪،‬‬
‫ونهبوا أموالنا لم يقـبال‪ ،‬ال فـي حقهمـا وال فـي حـق غيرهمـا للعـداوة‪ .‬وقـال مالـك‪ :‬تقبـل شـهادتهم فـي‬
‫هـذه الحالــة‪ ،‬وتقبــل عنــده فــي الح اربــة شــهادة الســماع‪ .‬حتــى لــو شــهد اثنــان عنــد الحــاكم علــى رجــل‬
‫‪1‬‬
‫اشتهر بالحرابة أنه هو المشتهر بالحرابة تثبت الحرابة بشهادتهما وان لم يعايناه‪.‬‬

‫واجب الحاكم واألمة حيال الحرابة‪:‬‬


‫الحاكم واالمة معا مس ولون عن حماية النظام واقرار االمن وصيانة حقوق االفراد في المحافظة‬
‫على دما هم وأموالهم وأعراضهم‪ ،‬فإذا شذت طا فة‪ ،‬فأخلوا السبيل‪ ،‬وقطعوا الطريق‪ ،‬وعرضوا‬
‫حياة الناس للفوضى واالضطراب‪.‬‬
‫وجب على الحاكم قتال هؤالء‪ ،‬كما فعل رسول اهلل صـلى اهلل عليـه وسـلم مـع العـرنيين‪ ،‬وكمـا فعـل‬
‫خلفــاؤه مــن بعــده‪ ،‬ووجــب علــى المســلمين كــذلك أن يتعــاونوا مــع الحــاكم علــى است صــال شــأفتهم‬
‫وقطع دابرهم‪ ،‬حتى ينعم الناس باألمن والطمأنينـة‪ ،‬ويحسـوا بلـذة السـالم واالسـتقرار وينصـرف كـل‬
‫إلــى عملــه مجاهــدا فــي ســبيل الخيــر لنفســه‪ ،‬وألسـرته‪ ،‬والمتــه‪ ،‬فــإن انهــزم هـؤالء فــي ميــدان القتــال‪،‬‬
‫وتفرقوا هنا وهناك‪ ،‬وانكسرت شـوكتهم‪ ،‬لـم يتبـع مـدبرهم‪ ،‬ولـم يجهـز علـى جـريحهم إال إذا كـانوا قـد‬
‫‪6‬‬
‫ارتكبوا جناية القتل‪ ،‬وأخذوا المال‪ ،‬فإنهم يطاردون حتى يظفروا بهم ويقام عليهم حد الحرابة‪.‬‬

‫‪ - 1‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪.41،41/7 ،‬‬


‫‪ - 2‬الموسوعة الفقهية الكويتية‪ ،134/17 ،‬ابن رشد‪ ،‬بداية المجتهد‪.452/2 ،‬‬
‫‪ - 3‬سيد سابق‪ ،‬فقه السنة‪.474/2 ،‬‬

‫‪22‬‬
‫لغياب الدولة عن تطبيق حد الحرابة آثار سلبية عدة منها‪:‬‬
‫‪ -1‬عدم وجود عقاب لهذه الجريمة يؤدي إلى زعزعة النظام االجتماعي للمجتمع‪.‬‬
‫‪ -1‬انعدام األمن واالستقرار في المجتمع وتعطيل اإلنتاج‪.‬‬
‫‪ -6‬انتشــار الفوضــى والســعي فــي األرض بالفســاد وهــو إخافــة الطريــق بحمــل الســالح وازعــاج‬
‫‪1‬‬
‫الناس‪ ،‬سواء صحبه قتل وأخذ مال أو ال‪.‬‬
‫‪ -4‬ســد ســبيل الكســب علــى النــاس‪ ،‬ألن أكثــر المكاســب وأعظمهــا التجــارات وركنهــا وعمادهــا‬
‫ـون‬ ‫ون ِفــي ْاأل َْر ِ‬
‫ض َي ْبتَ ُغـ َ‬ ‫ضـ ِـرُب َ‬
‫ون َي ْ‬
‫آخـ ُـر َ‬
‫‪1‬‬
‫الضــرب فــي األرض كمــا قــال ‪-‬عــز وجــل ‪َ { :-‬و َ‬
‫ض ِل اللَّ ِه } [المزمل‪.]10:‬‬
‫ِم ْن فَ ْ‬
‫‪ -5‬يتع ــود قط ــاع الطري ــق أو النه ــابين عل ــى أخ ــذ ع ــرق غي ــرهم وأن يعيشـ ـوا ك ــذلك وب ارح ــة‪.‬‬
‫والمصــيبة ال تكــون فــي قــاطع الطريــق وحــده‪ ،‬إن األمــر ال يقــف عنــد حــدود ذل ـك اإلنســان‬
‫فجـع فـي از ـد مالـه‪ ،‬يفقـد‬
‫يتعداه إلـى غيـره‪ .‬ويحيـا مـن يملـك مـاالً فـي ُرعـب‪ ،‬وعنـدما ُي َ‬
‫إنما ّ‬
‫‪6‬‬
‫الرغبة في أن يتحرك في الحياة حركة از دة تُنتج فا ضاً ألنه ال يشعر باألمن واألمان‪.‬‬
‫‪ -3‬لجريمـة الح اربــة ثــار نفســية وعصـبية خطيـرة‪ ،‬ومــا لهــا مــن أثـر فــي إحــداث القلــق والرعــب‬
‫في النفوس‪.‬‬

‫‪ - 1‬الزحيلي‪ ،‬التفسير المنير‪.133/3 ،‬‬


‫‪ - 2‬القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪.157/3 ،‬‬
‫‪ - 3‬الشعراوي‪ ،‬تفسير الشعراوي‪.2137/1 ،‬‬

‫‪24‬‬
‫المطلب السادس‬
‫أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الردة‪.‬‬

‫حقيقة الردة في اللغة‪:‬‬


‫‪1‬‬
‫جاء في مختار الصحاح "واالرتداد‪ :‬الرجوع‪ .‬ومنه المرتد‪ .‬والردة –بالكسر‪-‬اسم منه أي االرتداد"‬
‫وفي معجم مقاييس اللغة‪" :‬رد – الراء والدال أصل واحد مطرد منقاس وهو رجع الشيء‪ .‬تقـول‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫رددت الشيء أراده رداً‪ .‬وسمي المرتد ألنه رد نفسه إلى كفره"‪.‬‬

‫حقيقة الردة في االصطالح‪:‬‬


‫‪ -1‬عنـد الحنفيــة‪ ":‬الــردة عبـارة عــن الرجــوع عـن اإليمــان فـالراجع عــن اإليمـان يســمى ردة فــي‬
‫‪6‬‬
‫عرف الشرع"‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -1‬عند المالكية‪" :‬الردة كفر المسلم المتقرر إسالمه بالنطق بالشهادتين مختارا"‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -6‬عند الشافعية‪" :‬هي قطع اإلسالم بنية أو قول كفر أو فعل"‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -4‬عند الحنابلة‪ ":‬المرتد هو الراجع عن دين اإلسالم إلى الكفر"‪.‬‬
‫وعرفها الجزيري بقوله "الردة –نعـوذ بـاهلل تعـالى‪-‬كفـر مسـلم تقـرر إسـالمه بالشـهادتين مختـا ار بعـد‬
‫‪7‬‬
‫الوقوف على الدعا م والتزامه أحكام اإلسالم"‪.‬‬

‫وعرفها الزحيلي‪ ":‬الرجوع عن دين اإلسالم إلى الكفـر‪ ،‬سـواء بالنيـة أو بالفعـل المكفـر‪ ،‬أو بـالقول‪،‬‬
‫اء‪ ،‬أو عناداً‪ ،‬أو اعتقاداً"‪.8‬‬
‫وسواء قاله استهز ً‬
‫من النصوص السابقة الواردة في تعريف الردة‪ ،‬والمرتد لبيان حقيقتهما لدى فقهاء المذاهب الفقهية‬
‫يتض ـ أن هــذه التعريفــات وان اختلفــت فــي العبــارة‪ ،‬إال أنهــا متحــدة فــي المعنــى‪ ،‬فهــي كلهــا تــدور‬
‫حــول معنــى واحــد هــو‪" :‬الرجــوع عــن ديــن اإلســالم"‪ ،‬وال يتخلــف تعريــف عــن خــر فــي المــذاهب‬
‫جز من‬
‫المتعددة‪ ،‬فضال عن فقهاء المذهب الواحد‪ ،‬إال بزيادة ما يمثل شرطا‪ ،‬أو وصفا‪ ،‬ال يعتبر أً‬
‫الحقيقة‪ ،‬وانما هو لبيان صحة هذه الحقيقة وترتب ثارها عليها‪.‬‬

‫‪ - 1‬الرازي‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،‬ص ‪.237‬‬


‫‪ - 2‬ابن فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪.323/2 ،‬‬
‫‪ - 3‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪.134/7 ،‬‬
‫‪ - 4‬الدردير‪ ،‬الشرح الكبير‪.3،1/4 ،‬‬
‫‪ - 5‬الخطيب الشربيني‪ ،‬مغنى المحتاج‪.134-133/4 ،‬‬
‫‪ - 3‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪.72/11 ،‬‬
‫‪ - 7‬عبد الرحمن الجزيري‪ ،‬الفقه على المذاهب األربعة‪.372/5 ،‬‬
‫‪ - 2‬الزحيلي‪ ،‬الفقه اإلسالمي وأدلته‪.5573/7 ،‬‬

‫‪41‬‬
‫وعلى هذا فالمرتد‪ ":‬هو الراجع عن دين اإلسالم إلى الكفر‪ ،‬مثل من أنكر وجود الصانع الخـالق‪،‬‬
‫أو نفى الرسل‪ ،‬أو كـذب رسـوالً‪ ،‬أو حلـل ح ارمـاً باإلجمـاع كالزنـا واللـواط وشـرب الخمـر والظلـم‪ ،‬أو‬
‫حرم حالالً باإلجماع كـالبيع والنكـاح‪ ،‬أو نفـى وجـوب مجمـع عليـه‪ ،‬كأنـه نفـى ركعـة مـن الصـلوات‬
‫الخم ــس المفروض ــة‪ ،‬أو اعتق ــد وج ــوب م ــا ل ــيس بواج ــب باإلجم ــاع‪ ،‬كزي ــادة ركع ــة م ــن الص ــلوات‬
‫المفروضة‪ ،‬أو وجوب صوم شيء من شوال‪ ،‬أو عزم على الكفر غداً‪ ،‬أو تردد فيه"‪.1‬‬

‫مشروعية عقوبة الردة‪:‬‬


‫أوالً‪ :‬الكتاب‪ :‬حذر اهلل سبحانه وتعالى منها‪ ،‬وبين عظيم عقوباته للمرتدين والتي منها‪:‬‬
‫حبوط العمل في الدنيا واآلخرة‪ ،‬والخلود في النار ‪-‬أعاذنا اهلل منها –‪:‬‬
‫اعوا َو َم ْن َي ْرتَِد ْد ِم ْن ُك ْم‬ ‫استَطَ ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫‪ -1‬قال تعالى‪{ :‬وَال ي َازلُ َ ِ‬
‫ون ُيقَاتلُوَن ُك ْم َحتَّى َي ُردو ُك ْم َع ْن دين ُك ْم إِ ِن ْ‬ ‫َ َ‬
‫اب‬
‫ـح ُ‬ ‫َص َ‬
‫ـك أ ْ‬ ‫َع َمـالُ ُه ْم ِفـي الـد ْن َيا َو ْاآل ِخ َـرِة َوأُولَ ِئ َ‬
‫ـت أ ْ‬ ‫ـافٌر فَأُولَ ِئ َ‬
‫ـك َح ِبطَ ْ‬ ‫ـت و ُهـو َك ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َع ْن دينه فَ َي ُم ْ َ َ‬
‫ون}‪[ .‬البقرة‪.]117 :‬‬ ‫يها َخ ِال ُد َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الن ِ‬
‫ار ُه ْم ف َ‬
‫قال ابن عاشور ‪-‬رحمـه اهلل‪ ":-‬والمقصـد منـه التحـذير‪ ،‬ألنـه لمـا ذكـر حـرص المشـركين علـى رد‬
‫المسلمين عن اإلسالم وعقبه باستبعاد أن يصدر ذلك من المسلمين‪ ،‬أعقبه بالتحـذير منـه‪ ،‬وجـيء‬
‫بصيغة يرتدد وهي صيغة مطاوعة إشارة إلـى أن رجـوعهم عـن اإلسـالم إن قـدر حصـوله ال يكـون‬
‫إال عــن محاولــة مــن المشــركين‪ ،‬فــإن مــن ذاق حــالوة اإليمــان ال يســهل عليــه رجوعــه عنــه‪ ،‬ومــن‬
‫عرف الحق ال يرجع عنه إال بعناء"‪.1‬‬

‫وقد تنازع العلماء في التائب من الكفر‪ :‬إذا ارتد بعد إسالمه ثم تاب بعد الـردة وأسـلم‪ .‬هـل يعـود‬
‫عمله األول على " قولين "‪ :‬مبناهمـا أن الـردة هـل تحـبط العمـل مطلقـا‪ ،‬أو تحبطـه بشـرط المـوت‬
‫عليها‪ .‬فمذهب أبي حنيفة ومالك أنها تحبطه مطلقـا‪ .‬ومـذهب الشـافعي أنهـا تحبطـه بشـرط المـوت‬
‫‪6‬‬
‫عليها‪.‬‬
‫‪ -1‬ومنهــا اســوداد الوجــوه‪ ،‬واســتحقاق العــذاب يــوم القيامــة‪ ،‬قــال تعــالى‪َ { :‬يـ ْــوَم تَ ْبـ َــيض ُو ُجـــوهٌ‬
‫اب ِب َمـا ُك ْنـتُ ْم‬ ‫ـوههم أَ َكفَـرتُم بع َـد إِ ِ‬ ‫َمـا الَّ ِـذ َ‬
‫يمـان ُك ْم فَـ ُذوقُوا ا ْل َعـ َذ َ‬
‫َّت ُو ُج ُ ُ ْ ْ ْ َ ْ َ‬ ‫اس َـود ْ‬
‫ين ْ‬ ‫س َود ُو ُجوهٌ فَأ َّ‬
‫َوتَ ْ‬
‫ون} [ ل عمران‪.]103 :‬‬ ‫تَ ْكفُُر َ‬

‫‪ - 1‬الزحيلي‪ ،‬الفقه اإلسالمي وأدلته‪.5573/7 ،‬‬


‫‪ - 2‬الطاهر ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.313/3 ،‬‬
‫‪ - 3‬ابن تيمية‪ ،‬مجموع الفتاوى‪.711/11 ،‬‬

‫‪41‬‬
‫آم ُنـوا ثُـ َّـم‬
‫ين َ‬ ‫‪ -6‬ومنهــا حرمــان المغفـرة‪ ،‬وعــدم الهدايــة للطريــق المســتقيم‪ ،‬قــال تعــالى‪{ :‬إِ َّن الَّـ ِـذ َ‬
‫يال}‬ ‫س ـ ِب ً‬ ‫ِ ِ‬ ‫ـر لَــم ي ُكـ ِـن اللَّـ ُ ِ ِ‬
‫ـه ل َي ْغفـ َـر لَ ُهـ ْـم َوَال ل َي ْهــد َي ُه ْم َ‬ ‫ادوا ُك ْفـ ًا ْ َ‬
‫آم ُنـوا ثُـ َّـم َكفَـ ُـروا ثُـ َّـم ْازَد ُ‬
‫َكفَـ ُـروا ثُـ َّـم َ‬
‫[النساء‪.]167:‬‬
‫هــذا بعــض مــا يتصــل مــن صــور العقوبــة األخرويــة‪ ،‬نســأل اهلل الثبــات علــى الحــق‪ ،‬وأن ال يزيــغ‬
‫قلوبنا‪.‬‬

‫ثانيـاً‪ :‬الســنة‪ :‬أمــا العقوبــة الدنيويــة التــي شــرعها اهلل فــي حــق المرتــد‪ ،‬فهــي القتــل حــدا‪ ،‬كمــا أجمــع‬
‫على ذلك أهل العلم استنادا إلى السنة الصريحة الدالة على ذلك‪.‬‬
‫ـال‪:‬‬
‫ـاس فَقَ َ‬‫ـك ْاب َـن َعَّب ٍ‬ ‫ـغ َذلِ َ‬ ‫ـي اللَّـهُ َع ْنـهُ بِ َزَن ِادقَ ٍـة فَـأ ْ‬
‫َح َرقَهُ ْم‪ ،‬فََبلَ َ‬ ‫ِ‬
‫ـي َعلـي َرض َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪َ -1‬ع ْن ع ْكرَمةَ قَا َل أُت َ‬
‫اب اللَّ ِـه‪،‬‬‫صلَّى اللَّهُ َعلَ ْي ِه و َسـلَّم‪َ :-‬ال تُ َع ِّذ ُبوا ِب َع َذ ِ‬
‫َ َ‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُح ِرْقهُ ْم‪ ،‬ل َن ْه ِي َر ُسول الله ‪َ -‬‬ ‫ت أ ََنا لَ ْم أ ْ‬ ‫لَ ْو ُك ْن ُ‬
‫َّل ِدي َن ُه فَاقْتُلُوهُ"‪.4‬‬ ‫سلَّ َم‪َ ":-‬م ْن َبد َ‬ ‫ِ‬
‫صلَّى اللَّ ُه َعلَ ْيه َو َ‬
‫ولَقَتَ ْلتُهم لِقَو ِل رس ِ ِ‬
‫ول اللَّه ‪َ -‬‬ ‫ُْ ْ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ـه ُد‬
‫شَ‬ ‫سـلٍِم َي ْ‬
‫ام ِر ٍ ُم ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫صلى اللهُ َعلَ ْيه َو َسل َم‪َ ":‬ال َيحل َد ُم ْ‬
‫ال‪ :‬رسو ُل اللَّ ِه َّ َّ‬
‫َ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ َ ُ‬ ‫‪َ -2‬ع ْن َع ْبِد اللَّ ِه قَ َ‬
‫الزِانـي‪،‬‬ ‫ـب َّ‬ ‫س‪َ ،‬والثَِّّي ُ‬ ‫س ِب َّ‬
‫ـالن ْف ِ‬ ‫سـو ُل اللَّ ِـه‪ ،‬إَِّال ِبِإ ْح َـدى ثَ َـال ٍث‪َّ ،‬‬
‫الـن ْف ُ‬ ‫َن َال إِلَ َه إَِّال اللَّ ُ‬
‫ـه َوأ َِّنـي َر ُ‬ ‫أْ‬
‫ِ ‪2‬‬ ‫ِّين التَّ ِ ِ‬
‫اعة"‪.‬‬‫ار ُك ل ْل َج َم َ‬ ‫ق ِم ْن الد ِ‬ ‫ار ُ‬ ‫َوا ْل َم ِ‬
‫قال ابن حجـر‪ :‬وفـي روايـة مسـلم "والتـارك لدينـه المفـارق للجماعـة"‪ ،‬والمـراد بالجماعـة المسـلمين‪،‬‬
‫أي فارقهم أو تركهم باالرتداد ‪ ...‬قال ابن دقيق العيد‪ :‬الردة سبب إلباحة دم المسلم باإلجماع فـي‬
‫‪6‬‬
‫الرجل وأما المرأة ففيها خالف"‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬االجماع‪:‬‬
‫قال ابن قدامة‪ ":‬وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد"‪.4‬‬
‫وروي ذلــك عــن أبــي بكــر‪ ،‬وعمــر وعثمــان‪ ،‬وعلــي‪ ،‬ومعــاذ‪ ،‬وأبــي موســى‪ ،‬وابــن عبــاس‪ ،‬وخالــد‪،‬‬
‫وغيرهم‪ ،‬ولم ينكر ذلك‪ ،‬فكان إجماعا‪.‬‬

‫‪ - 1‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ِ ،‬كتَابُ ا ْس ِتتَابَ ِة ال ُمرْ تَ ِّدينَ َوال ُم َعانِ ِدينَ َوقِتَالِ ِه ْم‪ ،‬بَابُ ُح ْك ِم ال ُمرْ تَ ِّد َوال ُمرْ تَ َّد ِة َوا ْستِتَابَتِ ِه ْم‪،15/4 ،‬‬
‫حديث(‪.)3422‬‬
‫ف َواألُ ُذنَ‬
‫س َوال َعيْنَ بِال َع ْي ِن َواألَ ْنفَ بِاألَ ْن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ف‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ف‬ ‫َّ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫َّ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫{أ‬ ‫ى‪:‬‬‫َ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫هللا‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫وْ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ابُ‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫‪،‬‬‫ت‬‫ِ‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ي‬‫د‬‫ِّ‬ ‫ال‬ ‫َابُ‬ ‫ت‬‫ك‬‫ِ‬ ‫البخاري‪،‬‬ ‫صحيح‬ ‫البخاري‪،‬‬ ‫‪ - 2‬متفق عليه‪،‬‬
‫ك هُ ُم الظالِ ُمونَ [ لالمائدة‪،]45 :‬‬‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ق بِ ِه فَهُ َو َكفَّا َرةٌ لَهُ َو َم ْن لَ ْم يَحْ ُك ْم بِ َما أ ْن َز َل هللاُ فَأولَئِ َ‬ ‫ص َّد َ‬ ‫بِاألُ ُذ ِن َوالس َِّّن بِالسِّنِّ َوال ُجرُو َح قِ َ‬
‫صاصٌ فَ َم ْن تَ َ‬
‫ْ‬
‫ت‪ ،‬بَابُ َما يُبَا ُح بِ ِه َد ُم ال ُم ْسلِ ِم‪ ،1312/3 ،‬حديث(‪.)1373‬‬ ‫اص َوال ِّديَا ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ْ‬
‫اربِينَ َوالقِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫‪ ،5/4‬حديث (‪ ،)3272‬ومسلم‪ِ ،‬كتَابُ القَ َسا َم ِة َوال ُم َح ِ‬
‫بلفظ" والتارك لدينه المفارق للجماعة"‪.‬‬
‫‪- 3‬ابن حجر العسقالني‪ ،‬فتح الباري‪.211/12 ،‬‬
‫‪ - 4‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪ ،3/4 ،‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪ ،134/7 ،‬الشافعي‪ ،‬األم‪ ،244/1 ،‬خليل بن إسحاق الجندي‪ ،‬مختصر خليل‪،‬‬
‫ص‪.232‬‬

‫‪42‬‬
‫والردة أفحش الكبائر وأقبح من الكفر األصلي‪:‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رحمه اهلل‪ ":-‬وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة‬
‫الكافر األصلي من وجوه متعددة‪.‬‬
‫‪ -‬منها أن المرتد يقتل بكل حـال‪ ،‬وال يضـرب عليـه جزيـة‪ ،‬وال تعقـد لـه ذمـة؛ بخـالف الكـافر‬
‫األصلي‪.‬‬
‫‪ -‬ومنها أن المرتد يقتل وان كان عاج از عن القتال؛ بخالف الكافر األصلي‪ ،‬الذي ليس هـو‬
‫مــن أهــل القتــال فإنــه ال يقتــل عنــد أكثــر العلمــاء كــأبي حنيفــة ومالــك وأحمــد؛ ولهــذا كــان‬
‫مذهب الجمهور أن المرتد يقتل كما هو مذهب مالك والشافعي وأحمد‪.‬‬
‫‪ -‬ومنها أن المرتد ال يرث‪ ،‬وال يناك ‪ ،‬وال تؤكل ذبيحته‪ ،‬بخالف الكافر األصـلي‪ .‬إلـى غيـر‬
‫ذلك من األحكام‪.‬‬
‫‪ -‬واذا كانت الردة عن أصل الدين أعظم من الكفر بأصل الـدين‪ ،‬فـالردة عـن شـ ار عه أعظـم‬
‫من خروج الخارج األصلي عن ش ار عه"‪.1‬‬
‫‪ -‬فـإن المسـلم األصـلي إذا ارتـد عـن بعـض شـ ار عه‪ ،‬كـان أسـوأ حـاال ممـن لـم يـدخل بعـد فـي‬
‫‪1‬‬
‫تلك الش ار ع‪ ،‬مثل مانعي الزكاة وأمثالهم ممن قاتلهم الصديق‪.‬‬

‫ثبوت الردة‪:‬‬
‫‪ -‬تثبت الردة باإلقرار‪ ،‬أو بالشهادة‪.‬‬
‫وتثبت الردة عن طريق الشهادة‪ ،‬بشرطين‪:‬‬
‫أ ‪-‬شرط العدد‪ :‬اتفق الفقهاء على االكتفاء بشاهدين في ثبوت الردة‪ ،‬ولم يخالف في ذلك إال‬
‫‪6‬‬
‫الحسن‪ ،‬فإنه اشترط شهادة أربعة‪.‬‬
‫ب ‪-‬تفصيل الشهادة‪ :‬يجب التفصيل في الشهادة على الردة بأن يبين الشهود وجه كفره‪ ،‬نظ ار‬
‫‪4‬‬
‫للخالف في موجباتها‪ ،‬وحفاظا على األرواح‪.‬‬
‫واذا ثبتت الردة باإلقرار وبالشهادة فإنه يستتاب‪ ،‬فإن تاب واال قتل‪.‬‬
‫وان أنكر المرتد ما شهد به عليه اعتبر إنكاره توبة ورجوعا عند الحنفية فيمتنع القتل في حقه‪.5‬‬
‫وعنــد الجمهــور‪ :‬يحكــم عليــه بالشــهادة وال ينفعــه إنكــاره‪ ،‬بــل يلزمــه أن يــأتي بمــا يصــير بــه الكــافر‬
‫مسلما‪.3‬‬

‫‪ -1‬ابن تيمية‪ ،‬مجموع الفتاوى‪.534/22 ،‬‬


‫‪ - 2‬المرجع السابق‪.535/22 ،‬‬
‫‪ - 3‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪.21/4 ،‬‬
‫‪ - 4‬الخرشي‪ ،‬شرح مختصر خليل‪،35/2 ،‬‬
‫‪ - 5‬ابن عابدين‪ ،‬حاشية ابن عابدين‪.243/4 ،‬‬
‫‪ - 3‬الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي‪ ،314/4 ،‬النووي‪ ،‬المجموع شرح المهذب‪ ،223/14 ،‬المرداوي‪ ،‬اإلنصاف‪.252/11 ،‬‬

‫‪43‬‬
‫استتابة المرتد‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على استتابة المرتد‪ ،‬وانما اختلفوا في حكم االستتابة‪ ،‬هل هي واجبة أم مستحبة‪.‬‬
‫ومن أقوال الفقهاء في استتابة المرتد‪ ،‬ما يلي‪:‬‬
‫قــال الكاســاني‪" :‬يســتحب أن يســتتاب ويعــرض عليــه اإلســالم الحتمــال أن يســلم لكــن ال يجــب ألن‬
‫الــدعوة قــد بلغتــه‪ ،‬فــإن أســلم فمرحبـاً وأهـالً باإلســالم‪ ،‬وان أبــى نظــر اإلمــام فــي ذلــك فــإن طمــع فــي‬
‫توبته‪ ،‬أو سأل هو التأجيل أجَّله ثالثة أيام‪ ،‬وان لم يطمع في توبته ولم يسأل هو التأجيل قتله من‬
‫ساعته"‪.1‬‬

‫وقال الدسوقي في حاشـيتة علـى الشـرح الكبيـر‪" :‬يجـب علـى اإلمـام أو نا بـه اسـتتابته ثالثـة أيـام‪،‬‬
‫وانما كانت االستتابة ثالثة أيام؛ ألن اهلل َّ‬
‫أخـر قـوم صـال ذلـك القـدر‪ ،‬لعلهـم أن يتوبـوا فيـه‪ ،‬فكـون‬
‫اجب"‪.1‬‬
‫أيام االستتابة ثالثة و ٌ‬

‫وقال الشربيني‪" :‬وتجب استتابة المرتد والمرتـدة قبـل قتلهمـا؛ ألنهمـا كانـا محتـرمين باإلسـالم فربمـا‬
‫عرضــت لهمــا شــبهة فيســعى فــي إزالتهــا؛ ألن الغالــب أن الــردة تكــون عــن شــبهة عرضــت وثبــت‬
‫وجوب االستتابة عن عمر ‪-‬رضي اهلل عنه‪.6"-‬‬

‫وقــال المــرداوي‪ ":‬فمـن ارتــد عــن اإلســالم مـن الرجــال والنســاء‪ ،‬وهــو بــالغ عاقــل مختــار‪ ،‬دعــي إليــه‬
‫ثالثة أيام وجوبا"‪.4‬‬
‫ومن خالل هذه األقوال تتض لنا علَّة استتابة المرتد‪ ،‬وهي أنه يحتمل رجوعه إلى اإلسالم‪ ،‬فر َّ‬
‫بما‬
‫عرضت له شـبهة حملتـه علـى الـردة‪ ،‬فيؤجَّـل ثالثـا لعلهـا تنكشـف فـي هـذه المـدة‪ ،‬فكانـت االسـتتابة‬
‫وسيلة للعودة إلى اإلسالم‪.‬‬
‫وكيفيــة توبــة المرتــد‪ :‬أن يتب ـ أر عــن األديــان كلهــا ســوى اإلســالم‪ ،‬ولــو تب ـ أر عمــا انتقــل إليــه كفــاه‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫لحصول المقصود به‪ ،‬وتكون توبة المرتد وكل كافر بإتيانه بالشهادتين‪.‬‬

‫‪ - 1‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪.134/7 ،‬‬


‫‪ - 2‬الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي‪.314/4 ،‬‬
‫‪ - 3‬الخطيب الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪.433/5 ،‬‬
‫‪ - 4‬المرداوي‪ ،‬اإلنصاف‪.322/11 ،‬‬
‫‪ - 5‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪ ،134/7 ،‬الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي‪ ،314/4 ،‬الخطيب الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،433/5 ،‬المرداوي‪،‬‬
‫اإلنصاف‪.322/11 ،‬‬

‫‪44‬‬
‫وال يقتل المرتد إال اإلمام أو نائبه‪ ،‬فإن قتله أحد بـال إذنهمـا‪ ،‬أسـاء وعـزر‪ ،‬ولكـن ال ضـمان بقتلـه‬
‫ولــو كــان القتــل قبــل اســتتابته‪ ،‬أو كــان ممي ـ اًز‪ ،‬إال أن يلحــق بــدار الحــرب فلكــل أحــد قتلــه وأخــذ مــا‬
‫معه‪.1‬‬

‫حكمة قتل المرتد‪:‬‬


‫إن االرتداد خروج فرد أو جماعة من اإلسالم‪ ،‬فكأنه بخروجه من اإلسالم بعد الدخول فيه ُينادي‬
‫أيضا‬ ‫ِ‬
‫غير صال ‪ ،‬فهذا تعريض بالدين واستخفاف به‪ ،‬وفيه ً‬ ‫جده َ‬‫على أنه لما خالَط هذا الدين و َ‬
‫نسل من هذا الدين‪ ،‬وذلك ُيفضي إلى انحالل المجتمع اإلسالمي‪،‬‬ ‫تمهيد الطريق لمن يريد أن َي َّ‬
‫اجر ِمثل توقُّع الموت؛ فلذلك جعل الموت‬
‫انزجر الناس‪ ،‬ولم نجد شيًا ز ًا‬
‫زجر ما َ‬‫فلولم يجعل ذلك ًا‬
‫‪1‬‬
‫هو العقوبة للمرتد‪.‬‬
‫"االسالم منهج كامل للحياة فهو‪ :‬دين ودولة‪ ،‬وعبادة‪ ،‬وقيادة‪ ،‬ومصحف وسيف‪ ،‬وروح ومادة‪،‬‬
‫ودنيا و خرة‪ ،‬وهو مبني على العقل والمنطق‪ ،‬وقا م على الدليل والبرهان‪ ،‬وليس في عقيدته وال‬
‫شريعته ما يصادم فطرة االنسان أو يقف حا ال دون الوصول إلى كماله المادي واالدبي ‪-‬ومن‬
‫دخل فيه عرف حقيقته‪ ،‬وذاق حالوته‪ ،‬فإذا خرج منه وارتد عنه بعد دخوله فيه وادراكه له‪ ،‬كان‬
‫في الواقع خارجا على الحق والمنطق‪ ،‬ومتنك ار للدليل والبرهان‪ ،‬وحا دا عن العقل السليم‪ ،‬والفطرة‬
‫المستقيمة‪.‬‬
‫واالنسان حين يصل إلى هذا المستوى يكون قد ارتد إلى أقصى دركات االنحطاط‪ ،‬ووصل إلى‬
‫الغاية من االنحدار والهبوط‪ ،‬ومثل هذا االنسان ال ينبغي المحافظة على حياته‪ ،‬وال الحرص‬
‫على بقا ه ‪-‬الن حياته ليست لها غاية كريمة وال مقصد نبيل"‪.6‬‬

‫ٍ‬
‫شروط هي‪:1‬‬ ‫شخص إِالَّ إِذا توافر فيه أربعة‬
‫ٍ‬ ‫الرَّدةُ في‬
‫ق ِّ‬‫وال تتحقَّ ُ‬
‫تنطبق على غير المسلمين‪.‬‬‫ُ‬ ‫‪ – 1‬أن يكون مسلماً‪ ،‬إِذ إِ َّن أحكام ِّ‬
‫الرَّدة ال‬
‫العقل هو أساس التَّكليف‪.‬‬ ‫فإنَ المجنون ال وزن ألفعاله؛ و َّ‬
‫ألن‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫يكون عاقالً‪ّ ،‬‬ ‫َن َ‬ ‫‪ – 1‬أْ‬
‫الصبى ال تعتبر أفعاله‪ ،‬وال يتعلَّ ُ‬
‫ق به تكليف‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫‪ – 6‬أن يكون بالغاً‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫شخص ما أن يكون مختا اًر في ِرَّدتِ ِه عن‬ ‫ٍ‬ ‫الرَّدةُ في‬
‫ق ِّ‬ ‫‪ – 4‬االختيار‪ ،‬أي‪ :‬ال ُب َّد لكي تتحقَّ ُ‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫‪ - 1‬السرخسي‪ ،‬المبسوط‪ ،113/11 ،‬الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي‪ ،314/4 ،‬الشافعي‪ ،‬األم ‪ ،154 / 3‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪.2/4،‬‬
‫‪ - 2‬سيد قطب‪ ،‬في ظالل القرآن‪.122/4 ،‬‬
‫‪ - 3‬سيد سابق‪ ،‬فقه السنة‪.457/2 ،‬‬
‫‪ -4‬محمود مزروعة‪ ،‬أحكام الردة والمرتدين‪ ،‬ص‪.41‬‬

‫‪45‬‬
‫والكالم على الردة ينتظم عدة جوانب‪:4‬‬
‫أولها‪ :‬اإليمان باإلسالم المبني على اإلكراه والجبر ‪-‬غير معتد به ‪-‬أي أنه ال يدخل الداخل فيه‬
‫حقيقة إال إذا كان عن اقتناع ورضا وتبصر‪ ،‬ذلك أن النظرة العاقلة المنصفة تؤكد كمال هذا‬
‫الدين‪ ،‬وتنزهه عن الباطل‪ ،‬وتحقيقه لحاجات البشر‪ ،‬وتوافقه مع الطبا ع السليمة التي فطر اهلل‬
‫الناس عليها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬في تاريخ اإلسالم الطويل ال يكاد يذكر مرتد ارتد عن هذا الدين رغبة عنه وسخطا عليه‪،‬‬
‫وان وجد فال يخلو من أحد رجلين‪ ،‬إما أن يكون لمكيدة يقصد بها الصد عن دين اهلل‪ ،‬كما حصل‬
‫من بعض اليهود في أول عهد الدعوة‪ ،‬حينما تماأل نفر منهم بأن يؤمنوا أول النهار‪ ،‬ثم يكفروا‬
‫في خره من أجل إحداث البلبلة في المؤمنين؛ ألن اليهود أهل كتاب‪ ،‬فإذا حصل منهم هذا يختلج‬
‫في بعض النفوس الضعيفة أن هؤالء اليهود لو لم يتبينوا خطأ في هذا الدين الجديد لما رجعوا‬
‫عنه‪ ،‬فكان مقصودهم الفتنة‪ ،‬والصد عن دين اهلل‪.‬‬
‫ار‬ ‫وج َه َّ‬
‫الن َه ِ‬ ‫آم ُنوا ْ‬
‫ين َ‬‫ُنز َل َعلَى الَِذ َ‬ ‫آم ُنوا ِبالَِّذي أ ِ‬ ‫اب ِ‬ ‫الكتَ ِ‬ ‫َه ِل ِ‬‫قال تعالى‪( :‬وقَالَت طَّ ِائفَ ٌة ِّم ْن أ ْ‬
‫اله َدى ُه َدى اللَّ ِه أَن ُي ْؤتَى‬
‫إن ُ‬ ‫ون وال تُ ْؤ ِم ُنوا إال ِل َمن تَِب َع ِدي َن ُك ْم ُق ْل َّ‬ ‫وا ْكفُروا ِ‬
‫آخ َرهُ لَ َعلَّ ُه ْم َي ْر ِج ُع َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء واللَّ ُه واسعٌ‬ ‫ض َل ِب َيد اللَّه ُي ْؤِتيـه َمن َي َ‬
‫ش ُ‬ ‫إن الفَ ْ‬ ‫َح ٌد ِّم ْث َل َما أُوِتيتُ ْم أ َْو ُي َحاجو ُك ْم ع َ‬
‫ند َرِّب ُك ْم ُق ْل َّ‬ ‫أَ‬
‫يم) ( ل عمران‪.)76-71 :‬‬ ‫ِ‬
‫َعل ٌ‬
‫واما أن يكون هذا المرتد رجال يريد أن يطلق لشهواته العنان ويتحلل من ربقة التكاليف‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬الخروج عن اإلسالم يعتبر خروجا على النظام العام‪ ،‬ذلك أن اإلسالم دين كامل‪ ،‬كما‬
‫يهتم بعالقة اإلنسان بربه فهو يهتم بعالقته بغيره من بني جنسه؛ بين المرء وزوجه وبينه وبين‬
‫أقربا ه وجيرانه‪ ،‬وفيما بينه وبين أعدا ه حربا وسلما‪ ،‬في شمول منقطع النظير‪ ،‬عبادة ومعاملة‬
‫وجناية وقضاء إلى سا ر ما تنقسم إليه قوانين الدنيا بل أوسع من ذلك‪ .‬وبناء على هذا فيجب‬
‫النظر إلى اإلسالم ككل متكامل‪ ،‬وليس قاص ار فقط على عالقة العبد بربه كما يظنه غير‬
‫المسلمين‪ .‬واذا كان ذلك كذلك فالردة تعني الخروج على النظام‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬في جعل العقوبة على الردة إباحة دم المرتد زاجر لمن يريد الدخول في هذا الدين مشايعة‬
‫ونفاقا للدولة أو ألهلها‪ ،‬وباعث له على التثبت في أمره فال يعتنقه إال على بصيرة وسلطان بين‪،‬‬
‫فالدين تكاليف وشعا ر يتعسر االستمرار عليها من قبل المنافقين وأصحاب الم رب المدخولة‪.‬‬

‫‪ - 1‬علي الشحود‪ ،‬مفهوم الحرية بين اإلسالم والجاهلية‪ ،‬ص‪ ،135‬صالح بن عبد هللا بن حميد‪ ،‬بحث تلبيس مردود‪ ،‬مجلة البحوث‬
‫اإلسالمية‪.127/32 ،‬‬

‫‪43‬‬
‫الخــامس‪ :‬لإلنســان قبــل أن يــؤمن باإلســالم الحــق فــي أن يــؤمن أو يكفــر‪ ،‬فــإذا ثــر أي ديانــة مــن‬
‫الديانات فال اعتراض عليه‪ ،‬ويبقى له حق الحياة واألمـن والعـيش بسـالم‪ .‬واذا ثـر اإلسـالم ودخـل‬
‫في ــه و م ــن ب ــه‪ ،‬فعلي ــه أن يخل ــص ل ــه ويتج ــاوب مع ــه ف ــي أمـ ـره ونهي ــه وس ــا ر هدي ــه ف ــي أص ــوله‬
‫‪1‬‬
‫وفروعه‪.‬‬

‫ثم بعد ذلك نقول‪:‬‬


‫هــل مــن حريــة ال ـرأي أن يمكــن صــاحبها مــن الخــروج علــى هــذا المجتمــع‪ ،‬ونبــذ قواعــده ومشــاقة‬
‫أبنا ــه هــل خيانــة الــوطن‪ ،‬أو التجســس لحســاب األعــداء مــن الحريــة هــل إشــاعة الفوضــى فــي‬
‫جنباته واالستهزاء بشعا ره ومقدساته من الحرية‬
‫إن محاولـة إقنـاع المســلمين بقبـول هـذا الوضــع مسـفه‪ .‬ومطالبــة المسـلمين بتـوفير حــق الحيـاة لمــن‬
‫يريد نقض بناء دينهم وتنكيس لوا ه أمر عجيب‪!1‬‬

‫كيف أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الردة في المجتمع‪:‬‬


‫‪ -1‬في عدم تطبيق حد الردة‪ ،‬تهديد ألخطر مصلحة ضرورية في المجتمع وهي الدين‪.‬‬
‫‪ -1‬انتشار فساد العقيدة في المجتمع اإلسالمي‪ ،‬وذلك بدعوى الحرية الفكرية‪.‬‬
‫جاء في كتاب الحدود والسلطان‪-‬أثر عدم تطبيق حد الردة في المجتمع اإلسـالمي‪ ":‬وعلـى الـدين‬
‫بارتداد كثير من أبناء المسـلمين‪ ،‬لـيس بجحـد بعـض شـعا ر اإلسـالم أو االسـتهزاء بالرسـول صـلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ ،‬أو بالقرن فحسب‪ ،‬بل بجحد الخالق أيضاً‪ ،‬كمـا هـو حـال الشـيوعيين الـذين أقـاموا‬
‫دوالً تحكــم المســلمين بقــانون اإللحــاد بــالقوة‪ ،‬وال يخل ـوا شــعب مــن شــعوب المســلمين‪ ،‬مــن أح ـزاب‬
‫إلحادي ــة وعلماني ــة وغيره ــا‪ ،‬وأص ــب وج ــودهم أمـ ـ اًر مألوفـ ـاً يخ ــالطهم م ــن ي ــزعم أن ــه مس ــلم ويـ ـوادهم‬
‫ويناصــرهم‪ ،‬ويعــاملهم كمــا يعامــل المســلم‪ ،‬الــذي يــؤمن بــاهلل واليــوم اآلخــر‪ ،‬فانهــد بنيــان المجتمــع‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وتخلخل بسبب خروج أبناء المسلمين عن دينهم جهـ اًر دون أن يجـدوا أي رادع يزجـرهم‬
‫عن االعتداء على أعظم ضرورة من ضرورات حياتهم‪ ،‬وهي الدين"‪.6‬‬

‫‪ -6‬سبب إبعاد الشريعة اإلسـالمية عـن الحكـم‪ ،‬واسـتبدال القـوانين الوضـعية بهـا‪ ،‬معانـاة كبيـرة‬
‫لألمة اإلسالمية‪ ،‬وتراجع لمكانتها بين األمم األخرى‪.‬‬

‫‪ -1‬علي الشحود‪ ،‬مفهوم الحرية بين اإلسالم والجاهلية‪ ،‬ص‪.133‬‬


‫‪ - 2‬علي الشحود‪ ،‬مفهوم الحرية بين اإلسالم والجاهلية‪ ،‬ص‪.137-135‬‬
‫‪ - 3‬عبد هللا األهدل‪ ،‬كتاب الحدود والسلطان‪ ،‬ص‪.17‬‬

‫‪47‬‬
‫‪ -4‬فش ــل فـ ـي نظ ــام حماي ــة المجتم ــع وأمن ــه‪ ،‬ألن القـ ـوانين الوض ــعية ل ــم تض ــع عقوب ــة رادع ــة‬
‫لجريمة الردة‪.‬‬
‫‪ -5‬والتساهل في هذه العقوبة يؤدي‪ ،‬إلى زعزعة النظام االجتماعي القا م على الدين‪.‬‬
‫‪ -3‬يــؤدي بــالفرد إلــى ضــعف اإليمــان فــال يثبــت عنــد المحــن‪ ،‬فيصــب مــن الســهل أن متابعــة‬
‫المرتدين‪ ،‬ومواالة األعداء في حال قوتهم‪.‬‬
‫‪ -7‬ضـعف الشخصـية اإليمانيــة‪ ،‬واالفتتـان بمـا لــدى الكفـار‪ ،‬مـن شــهوة مـال أو نسـاء‪ ،‬ومنهــا‪:‬‬
‫االفتتــان بمــا لــديهم مــن إتقــان ألعمــال الحيــاة الــدنيا‪ ،‬ومهــارتهم فيهــا‪ ،‬مــع عجــز المســلمين‬
‫أن مــن عجــز عنهــا‬
‫عــن ذلــك‪ ،‬فظن ـوا أن مــن قــدر علــى تلــك األعمــال ّأنــه علــى الحــق‪ ،‬و ّ‬
‫متخلّف وليس على الحـق‪ ،‬وهـذا جهـل فـاحش ‪ ...‬فقـد أوضـ جـل وعـال فـي قولـه تعـالى‪:‬‬
‫ون} [الروم‪.]7 :‬‬ ‫اآلخرِة ُهم َغ ِ‬
‫افلُ َ‬ ‫اة الد ْنيا و ُهم ع ِن ِ‬‫اه ارً ِّم َن ا ْلحي ِ‬
‫ون ظَ ِ‬
‫{ َي ْعلَ ُم َ‬
‫َ ْ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫ََ‬
‫‪ -8‬ظهــور المســاعي التنصــيرّية التــي ال ت ـزال تمــارس نشــاطاتها فــي العــالم اإلســالمي بصــورة‬
‫الدينيـة مـن داخـل بـالد اإلسـالم أحيانـاً أخـرى‪ ،‬وهـي‬
‫ّ‬ ‫مباشرة حيناً‪ ،‬وبـدعم التوجيهـات غيـر‬
‫مساع عظيمة جداً ينفق عليها بسخاء كبير‪ ،‬واستعملوا لتحقيقها عدة طرق‪ :‬من التطبيب‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫والتعليم‪ ،‬ونشر الفتن والحروب‪ ،‬واألعمال االجتماعية وغيرها‪.‬‬

‫‪ -9‬الموقــف اإلعالمــي فــي العــالمين العربــي واإلســالمي‪ ،‬لــم يكــن لــه حضــور يــذكر فــي أزمــة‬
‫الهجوم على الشريعة المتزامن مع قضية الردة‪ ،‬مثلما كان األمـر أثنـاء أزمـة الهجـوم علـى‬
‫العقيدة المتزامن مع قضية الرسوم المسي ة‪ ،‬والسبب فيما يظهر أن الوعي بخطورة الهجوم‬
‫علــى الش ـريعة قــد تضــاءل لــدى الشــعوب مــن كث ـرة إهمالهــا فــي بــالد المســلمين فــي ظــل‬
‫الهيمنة العلمانية‪ ،‬وهو ما يوجب على علماء المسلمين‪ ،‬ودعاتهم أن يعيـدوا االعتبـار إلـى‬
‫ـاك‬
‫مفهوم الشريعة بمعناها الواسع المرادف للدين‪ ،‬كما دل عليها قـول اهلل تعـالى‪{:‬ثُ َّـم َج َع ْل َن َ‬
‫ون} [الجاثية‪.]18 :‬‬ ‫اء الَِّذ َ‬
‫ين ال َي ْعلَ ُم َ‬ ‫يع ٍة ِّم َن األ َْم ِر فَاتَِّب ْع َها َوال تَتَِّب ْع أ ْ‬
‫َه َو َ‬ ‫ش ِر َ‬
‫َعلَى َ‬

‫‪-10‬تمادي الفرق الضالة والتيارات الفاسدة‪ ،‬مثل ما يسمي بالتيار الصدري في العراق‪ ،‬الذي أقـام‬
‫المحاكم التي تُحاكم الشـيعي الـذي أصـب سـنياً‪ ،‬وتقـيم عليـه حـد الـردة!! وهـذا مـا كـان يعانيـه أهـل‬
‫الســنة فــي الجنــوب أوا ــل أيــام االحــتالل‪ ،‬وكشــفت جـ ار مهم أيــام حكومــة عــالوي عنــدما ُعثــر علــى‬
‫ُ‬
‫‪1‬‬
‫مخابئ هذه المحاكم والجثث التي كانت فيها‪.‬‬

‫‪ - 1‬مجلة الراصد اإلسالمية‪ ،‬ال عدد‪ ،24‬ج‪ ،42‬ص‪ ،53‬التيار الصدري وجيش المهدي الخديعة الكبرى‪ ،‬بتصرف‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫المطلب السابع‬
‫أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد البغي‪.‬‬

‫البغي في اللغة‪ :‬بغيته‪ :‬اي طلبته‪ ،‬وبغى علـى النـاس بغيـا‪ :‬ظلـم واعتـدى فهـو بـاغ‪ ،‬والجمـع بغـاة‪،‬‬
‫وبغى‪ :‬سعى بالفساد‪ ،‬ومنه الفرقة الباغية ألنها عدلت عن القصد‪.1‬‬

‫البغي في االصطالح‪:‬‬
‫‪ -1‬عند الحنفية‪ ":‬هم الخارجون عن اإلمام الحق بغير حق"‪.1‬‬
‫‪ -1‬عند المالكية‪ :‬قـال ابـن عرفـة‪ ":‬البغـي هـو االمتنـاع مـن طاعـة مـن ثبتـت إمامتـه فـي غيـر‬
‫معصية بمغالبة ولو تأوال"‪.6‬‬
‫‪ -6‬عنـد الشـافعية‪ ":‬البغـاة هـم مخـالفو اإلمـام بخـروج عليـه وتـرك االنقيـاد‪ ،‬أو منـع حـق توجــه‬
‫علـيهم بشــرط شـوكة لهــم وتأويـل‪ ،‬ومطــاع فـيهم‪ ،‬قيــل وامـام منصــوب‪ ،‬ولـو أظهــر قــوم رأي‬
‫الخوارج كترك الجماعات وتكفير ذي كبيرة ولم يقاتلوا تركوا‪ ،‬واال فقطاع طريق"‪.4‬‬
‫‪ -4‬عند الحنابلة‪ ":‬أهل البغي وهم القوم الذين يخرجون عن طاعة اإلمام بتأويل سـا غ‪ ،‬ولهـم‬
‫منعة وشوكة"‪.5‬‬

‫ويفهم من تعاريف الفقهاء‪ :‬أن البغاة هم طا فة‪ ،‬أو جماعة من المسلمين رفضوا الخضـوع لحكـم‬
‫أو طاعــة ولــي األمــر الشــرعي المختــار مــن طــرف األم ـة‪ ،‬بحجــة مخالفتــه للش ـريعة‪ ،‬أو أي باعــث‬
‫سياسـي‪ ،‬قـد يكـون صـواباً أو خطـأ‪ ،‬ونظمـوا أنفســهم وجعلـوا علـيهم أميـ اًر أو قا ـداً‪ ،‬بحيـث أصــبحت‬
‫لهــم منعــة وشــوكة‪ ،‬ثــم أعلنـوا الحــرب‪ ،‬أو العصــيان المســل بهــدف اإلطاحــة بالخليفــة الشــرعي‪ ،‬أو‬
‫عزله واستبداله‪ .‬هذا المفهوم للبغي في الشريعة يقابلـه الجريمـة السياسـية‪ ،‬أو الجـ ار م الماسـة بـأمن‬
‫الدولة الداخلي في القوانين الوضعية‪.‬‬

‫قال عبد القادر عودة‪ ":‬واذا كان الفقهـاء قـد اصـطلحوا علـى تسـمية فريـق الخـارجين بالبغـاة‪ ،‬فـإنهم‬
‫يسمون الفريق اآلخر الذي لم يخرج عليه بأهل العدل"‪.3‬‬

‫‪ - 1‬الفيومي‪ ،‬المصباح المنير‪ ،57/1 ،‬الرازي‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،‬ص‪.73‬‬


‫‪ - 2‬ابن عابدين‪ ،‬رد المحتار على الدر المختار‪.231/4 ،‬‬
‫‪ - 3‬الحطاب‪ ،‬مواهب الجليل شرح مختصر خليل‪.272/3 ،‬‬
‫‪ - 4‬الخطيب الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪.344/5 ،‬‬
‫‪ - 5‬ابن مفلح‪ ،‬المبدع في شرح المقنع‪.434/7 ،‬‬
‫‪ - 3‬عبد القادر عودة‪ ،‬التشريع الجنائي‪.112/1 ،‬‬

‫‪44‬‬
‫مشروعية عقوبة البغي‪:‬‬
‫َصــلِ ُحوا‬ ‫ـن ا ْل ُمـ ْـؤ ِم ِن َ‬
‫ين اقْتَتَلُ ـوا فَأ ْ‬ ‫ـان ِمـ َ‬
‫ط ِائفَتَـ ِ‬
‫أوالً‪ :‬الكتــاب‪ :‬واألصــل فــي هــذا قــول اهلل ســبحانه‪َ { :‬وِا ْن َ‬
‫ـيء إِلَـى أ َْم ِـر اللَّ ِـه}[الحجـرات‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُخ َرى فَقَـاتلُوا الَّتـي تَ ْبغـي َحتَّـى تَف َ‬ ‫َب ْي َن ُه َما فَِإ ْن َب َغ ْت إِ ْح َد ُ‬
‫اه َما َعلَى األ ْ‬
‫‪.]9‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬قال القرطبي‪ ":‬في هذه اآلية دليل على وجوب قتال الف ة الباغية المعلوم بغيها علـى‬
‫‪1‬‬
‫اإلمام‪ ،‬أو على أحد من المسلمين"‪.‬‬
‫وقـال أيضـا‪ ":‬إذا خرجـت علـى اإلمـام العـدل خارجـة باغيـة وال حجـة لهـا‪ ،‬قـاتلهم اإلمـام بالمسـلمين‬
‫كافة أو بمن فيه كفاية‪ ،‬ويدعوهم قبل ذلك إلى الطاعة والدخول في الجماعة‪ ،‬فإن أبوا من الرجوع‬
‫والصل قوتلوا‪ ،‬وال يقتل أسيرهم‪ ،‬وال يتبع مدبرهم‪ ،‬وال يذفف على جريحهم‪ ،‬وال تسبى ذ ارريهم"‪.1‬‬

‫ثانياً‪ :‬السنة‪:‬‬
‫ال‪« :‬م ْن َخرج ِم َن الطَّ ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫النبِ ِّي َّ‬
‫‪َ -1‬ع ْن أَبِي ُه َرْي َرةَ‪َ ،‬ع ِن َّ‬
‫ق‬
‫ـار َ‬‫اعة‪َ ،‬وفَ َ‬ ‫َ‬ ‫صلى اهللُ َعلَ ْيه َو َسل َم أََّنهُ قَ َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫صـ َـب ٍة‪ ،‬أ َْو‬ ‫ضـ ِ‬
‫ـب ل َع َ‬
‫اهلِ َّي ـ ًة‪ ،‬ومـ ْـن قَاتَـ َـل تَ ْحـ َ ٍ ِ ٍ‬
‫ـت َر َايــة ع ِّم َّيــة َي ْغ َ ُ‬ ‫ََ‬
‫ـات ِميتَـ ًة ج ِ‬
‫َ‬ ‫ـات‪َ ،‬مـ َ‬ ‫اعـ َة فَ َمـ َ‬
‫ا ْل َج َم َ‬
‫ُم ِتــي‪،‬‬
‫اهلِ َّي ـ ٌة‪َ ،‬و َمـ ْـن َخـ َـر َج َعلَــى أ َّ‬
‫يـ ْـدعو إِلَــى عصــب ٍة‪ ،‬أَو ي ْنصــر عصــب ًة‪ ،‬فَقُِتـ َـل‪ ،‬فَ ِق ْتلَ ـ ٌة ج ِ‬
‫َ‬ ‫َ ََ ْ َ ُُ َ ََ‬ ‫َ ُ‬
‫س ِم ِّنـي‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫شى م ْـن ُم ْؤ ِمن َهـا‪َ ،‬وَال َيفـي لـذي َع ْهـد َع ْه َـدهُ‪َ ،‬فلَ ْـي َ‬
‫اجرَها‪ ،‬وَال يتَحا َ ِ‬
‫ب َب َّرَها َوفَ ِ َ َ َ َ‬ ‫ض ِر ُ‬
‫َي ْ‬
‫ت ِم ْن ُه»‪.6‬‬ ‫سُ‬ ‫َولَ ْ‬
‫ـال‪َ « :‬م ْـن‬ ‫صـلَّى اهللُ َعلَ ْي ِـه َو َسـلَّ َم‪ ،‬قَ َ‬ ‫ضـي اللَّـهُ َع ْنهُ َمـا‪َ ،‬ع ِـن َّ‬
‫النبِ ِّ‬
‫ـي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ ِ‬
‫‪َ -2‬ع ْن َع ْبد الله ْبـن ُع َم َـر‪َ ،‬ر َ‬
‫س ِم َّنا‪.»1‬‬‫السالَ َح َفلَ ْي َ‬
‫َح َم َل َعلَ ْي َنا ِّ‬
‫وجه الداللة‪ :‬أن من حمل السالح على المسـلمين بغيـر حـق وال تأويـل ولـم يسـتحله‪ ،‬فهـو عـاص‬
‫وال يكفــر بــذلك‪ ،‬فــإن اســتحله كفــر‪ .‬فأمــا تأويــل الحــديث فقيــل‪ :‬هــو محمــول علــى المســتحل بغيــر‬
‫تأويل فيكفر ويخرج من الملة‪ ،‬وقيل‪ :‬معناه ليس على سيرتنا الكاملة وهدينا‪.5‬‬

‫ثالثاً‪ :‬اإلجماع‪ :‬قال ابن قدامة‪ ":‬وأجمعـت الصـحابة ‪-‬رضـي اهلل عـنهم ‪ ،-‬علـى قتـال البغـاة‪ ،‬فـإن‬
‫أبا بكر ‪-‬رضي اهلل عنه ‪-‬قاتل مانعي الزكاة‪ ،‬وعلي ‪-‬رضي اهلل عنه ‪-‬قاتـل أهـل الجمـل وصـفين‬
‫وأهل النهروان"‪.3‬‬

‫‪ - 1‬القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪.237/13 ،‬‬


‫‪ - 2‬المرجع السابق‪.‬‬
‫ْ‬
‫ُور الفِتَ ِن وتحذير الدعاة إلى الكفر‪ ،1473/3،‬حديث(‪.)1242‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫وم ال َج َما َع ِة ِعن َد ظه ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫اإل َما َر ِة‪ ،‬بَابُ األ ْم ِر بِل ُز ِ‬‫ْ‬
‫‪ -‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ِ ،‬كتَابُ ِ‬
‫‪3‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ت‪ ،‬بَابُ قوْ ِل هللاِ تَ َعالى‪َ { :‬و َمن أحْ يَاهَا[ لالمائدة‪ ،4/4،]32 :‬حديث(‪.)3274‬‬ ‫‪ - 4‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ِ ،‬كتَابُ ال ِّديَا ِ‬
‫‪ - 5‬النووي‪ ،‬المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج‪.112/2 ،‬‬
‫‪ - 3‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪ ،523/2 ،‬الرملي‪ ،‬نهاية المحتاج‪.415/7 ،‬‬

‫‪111‬‬
‫الشروط التي يجب توافرها في البغاة‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬أن يكــون الخــارجون علـى اإلمــام جماعــة مــن المســلمين لهــم شــوكة‪ ،‬وخرجـوا عليــه بغيــر حــق‬
‫إلرادة خلعه بتأويل فاسد‪.‬‬
‫‪ -‬فلو خرج عليه أهل الذمة لكانوا حربيين ال بغاة‪.‬‬
‫ولو خرجت عليه طا فة من المسلمين بغير تأويل وال طلب إمرة لكانوا قطاع طريق‪ ،‬وكـذا‬ ‫‪-‬‬
‫لو لم يكن لهم قوة ومنعة‪ ،‬وال يخشى قتالهم‪ ،‬ولو كانوا متأولين‪.‬‬
‫ولــو خرج ـوا علــى اإلمــام بحــق ‪-‬كــدفع ظلــم ‪-‬فليس ـوا ببغــاة‪ ،‬وعلــى اإلمــام أن يتــرك الظلــم‬ ‫‪-‬‬
‫وينصفهم‪ ،‬وال ينبغي للناس معونة اإلمـام علـيهم؛ ألن فيـه إعانـة علـى الظلـم‪ ،‬وال أن يعينـوا‬
‫تلك الطا فة الخارجة؛ ألن فيه إعانة على خروجهم‪ ،‬واتسـاع الفتنـة‪ ،‬وقـد لعـن اهلل مـن أيقـظ‬
‫الفتنة‪.‬‬
‫‪ -‬وأم ــا م ــن خرجـ ـوا عل ــى اإلم ــام بمنع ــة‪ ،‬بتأوي ــل ُيقط ــع بفس ــاده‪ ،‬مس ــتحلين دم ــاء المس ــلمين‬
‫وأمـ ـوالهم‪ ،‬مم ــا ك ــان قطع ــي التحـ ـريم‪ ،‬كتأوي ــل المرت ــدين‪ ،‬فليسـ ـوا ببغ ــاة؛ ألن الب ــاغي تأويل ــه‬
‫محتمل للصحة والفساد‪ ،‬ولكن فساده هو األظهر‪ ،‬وهو متبع للشرع في زعمـه‪ ،‬والفاسـد منـه‬
‫‪1‬‬
‫ملحق بالصحي ‪ ،‬إذا ضمت إليه المنعة في حق الدفع‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬أن يكـون النـاس قـد اجتمعـوا علـى إمـام‪ ،‬وصـاروا بـه منـين‪ ،‬والطرقـات بـه منـة؛ ألنـه إذا لـم‬
‫يكــن كــذلك يكــون عــاجزا‪ ،‬أو جــا ار ظالمــا يجــوز الخــروج عليــه وعزلــه‪ ،‬إن لــم يلــزم منــه فتنــة‪ ،‬واال‬
‫‪1‬‬
‫فالصبر أولى من التعرض إلفساد ذات البين‪.‬‬

‫ثالثـاً‪ :‬أن يكــون الخــروج علــى ســبيل المغالبــة‪ ،‬أي بإظهــار القهــر‪ .‬وقيــل‪ :‬بالمقاتلــة؛ وذلــك ألن مــن‬
‫يعصي اإلمـام ال علـى سـبيل المغالبـة ال يكـون مـن البغـاة‪ ،‬فمـن خـرج عـن طاعـة اإلمـام مـن غيـر‬
‫‪6‬‬
‫إظهار القهر ال يكون باغيا‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬واشترط الشافعية أن يكون للخارجين مطاع فيهم‪ ،‬يصدرون عن رأيه‪ ،‬وان لم يكن إماما‬
‫منصوبا؛ إذ ال شوكة لمن ال مطاع لهم‪ .‬وقيل‪ :‬بل يشترط أن يكون لهم إمام منصوب منهم‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫هذا وال يشترط لتحقق البغي انفرادهم بنحو بلد‪.‬‬

‫‪ - 1‬انظر‪ :‬عبد الرحمن بن محمد شيخي‪ ،‬مجمع األنهر‪ ،344/1 ،‬المواق‪ ،‬التاج واإلكليل‪ ،371-332/2 ،‬الرملي‪ ،‬نهاية المحتاج‪،‬‬
‫‪ ،412/7‬الموسوعة الفقهية الكويتية‪.123/2 ،‬‬
‫‪ - 2‬المراجع السابقة‪ ،‬ابن عابدين‪ ،‬رد المحتار على الدر المختار ‪.231 /4‬‬
‫‪ - 3‬ابن عابدين‪ ،‬رد المحتار على الدر المختار ‪ ،232 /4‬الرملي‪ ،‬نهاية المحتاج‪.412/7 ،‬‬
‫‪ - 4‬الرملي‪ ،‬نهاية المحتاج‪.412/7 ،‬‬

‫‪111‬‬
‫اإلمام الذي يعتبر الخروج عليه بغيا‪:‬‬
‫من اتفق‪ ،‬المسلمون على إمامته وبيعته‪ ،‬وثبتت إمامته‪ ،‬وجبت طاعته ومعونتـه‪ ،‬ومثلـه مـن تثبـت‬
‫إمامته بعهد إمام قبله إليه؛ إذ اإلمام يصير إماما بالمبايعـة أو باالسـتخالف ممـن قبلـه‪ .‬ولـو خـرج‬
‫رجــل علــى اإلمــام فقه ـره‪ ،‬وغلــب النــاس بســيفه‪ ،‬حتــى أذعن ـوا لــه وتــابعوه‪ ،‬صــار إمامــا يحــرم قتالــه‬
‫‪1‬‬
‫والخروج عليه‪.‬‬

‫واجب اإلمام نحو البغاة‪:‬‬


‫‪ -1‬فينبغــي لــه أن يــدعوهم إلــى العــدل‪ ،‬والرجــوع إلــى رأي الجماعــة أوال لرجــاء اإلجابــة وقبــول‬
‫الدعوة‪ ،‬لعل الشـر ينـدفع بالتـذكرة؛ ألنـه ترجـى تـوبتهم‪ ،‬ويسـألهم عـن سـبب خـروجهم‪ ،‬فـإن‬
‫‪1‬‬
‫كان لظلم منه أزاله‪ ،‬وان ذكروا علة يمكن إزالتها أزالها‪ ،‬وان ذكروا شبهة كشفها‪.‬‬
‫ين اقْتَتَلُوا‬ ‫ان ِم َن ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ألن اهلل تعالى بدأ باألمر باإلصالح قبل القتال‪ ،‬فقال سبحانه‪َ { :‬وِا ْن طَ ِائفَتَ ِ‬
‫ـيء إِلَـى أ َْم ِـر اللَّ ِـه}‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُخ َـرى فَقَـاتلُوا الَّتـي تَ ْبغـي َحتَّـى تَف َ‬ ‫َصلِ ُحوا َب ْي َن ُه َما فَِإ ْن َب َغ ْ‬
‫ـت إِ ْح َـد ُ‬
‫اه َما َعلَـى األ ْ‬ ‫فَأ ْ‬
‫[الحجرات‪.]9 :‬‬
‫‪ -1‬وال يجــوز قتــالهم قبــل ذلــك إال أن يخــاف شــرهم‪ ،‬وان طلب ـوا اإلنظــار ‪-‬وكــان الظــاهر مــن‬
‫قصدهم الرجوع إلى الطاعة ‪-‬أمهلهم‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫قال ابن المنذر‪ :‬أجمع على هذا كل من أحفظ عنه من أهل العلم‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫وقال أبو إسحاق الشيرازي‪ :‬ينظرهم إلى مدة قريبة كيومين أو ثالثة‪.‬‬
‫‪ -‬وان أصــروا علــى بغــيهم‪ ،‬بعــد أن بعــث إلــيهم أمينــا ناصــحا لــدعوتهم‪ ،‬نصــحهم نــدبا بــوعظ‬
‫ترغيبــا وترهيبــا‪ ،‬وحســن لهــم اتحــاد كلمــة الــدين وعــدم شــماتة الكــافرين‪ ،‬إن أصــروا دعــاهم‬
‫‪5‬‬
‫للمناظرة‪ ،‬فإن امتنعوا وانقطعوا وكابروا‪ ،‬فإن أصروا ذنهم بالقتال‪.‬‬

‫‪ -6‬إذا ل ــم ُي ْجـ ـِد م ــع البغ ــاة النصـ ـ ‪ ،‬ول ــم يس ــتجيبوا للرج ــوع إل ــى طاع ــة اإلم ــام وال ــدخول ف ــي‬
‫الجماعة‪ ،‬فيأخذهم على أيديهم وال يبدؤهم اإلمام بالقتال حتى يبدؤوه‪ ،‬ألنه لو تركهم لسعوا‬
‫‪3‬‬
‫في األرض بالفساد‪ ،‬ألن قتالهم لدفع شرهم‪ ،‬فما لم يتوجه الشر منهم ال يقاتلهم‪.‬‬

‫‪ - 1‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪ ،523/2 ،‬ابن عابدين‪ ،‬رد المحتار‪ ،233/4 ،‬المواق‪ ،‬التاج واإلكليل‪ ،332/2 ،‬النووي‪ ،‬منهاج الطالبين‪،‬‬
‫ص‪.242‬‬
‫‪ - 2‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪ ،141/7 ،‬الخراشي‪ ،‬شرح مختصر خليل للخرشي‪ ،31/2 ،‬الرملي‪ ،‬نهاية المحتاج‪ ،412/7 ،‬ابن قدامة‪،‬‬
‫المغني‪.527/2 ،‬‬
‫‪ - 3‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪.527/2 ،‬‬
‫‪ - 4‬الشيرازي‪ ،‬المهذب‪.212/2 ،‬‬
‫‪ - 5‬الرملي‪ ،‬نهاية المحتاج‪.413/7 ،‬‬
‫‪ - 3‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪ ،141/7 ،‬المغني‪ ،527/2 ،‬الشيرازي‪ ،‬المهذب‪.214/2 ،‬‬

‫‪112‬‬
‫كيفية قتال البغاة‪:‬‬
‫‪ -‬األصــل أن قتــالهم إنمــا يكــون درءاً لتفريــق الكلمــة‪ ،‬مــع عــدم التــأثيم؛ ألنهــم متــأولون‪ ،‬ولــذا فــإن‬
‫قتالهم يفترق عن قتال الكفار بأحد عشر وجها‪:‬‬
‫‪ -‬أن يقصد بالقتال ردعهم ال قتلهم‪.‬‬
‫وأن يكف عن مدبرهم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وال يجهز على جريحهم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وال تقتل أسراهم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وال تغنم أموالهم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وال تسبى ذ ارريهم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وال يستعان عليهم بمشرك‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وال يوادعهم على مال‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وال تنصب عليهم العرادات (المجانيق ونحوها)‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪1‬‬
‫وال تحرق مساكنهم‪ ،‬وال يقطع شجرهم‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫مما سبق استعرضنا أحكام البغاة في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وذلـك فـي حـال وجـود دولـة إسـالمية لهـا‬
‫إمــام يحكمه ــا‪ ،‬ولك ــن الي ــوم ف ــي ظ ــل غي ــاب الدولــة اإلس ــالمية‪ ،‬وحل ــول أنظم ــة وض ــعية ف ــي ب ــالد‬
‫المسلمين‪ ،‬ال تقيم حدود اهلل عز وجل‪ ،‬وال تحكم شرعه‪.‬‬
‫والسؤال المطروح‪ :‬ما حكم الخروج على هذه األنظمة في ميزان الشرع‬
‫"من المتفق عليه أن عمل أولي األمر صـحي طالمـا كـان فـي حـدود حقـه‪ .‬باطـل فيمـا خـرج علـى‬
‫ه ــذه الح ــدود‪ .‬ف ــإذا أت ــى أول ــو األم ــر بم ــا يتف ــق م ــع نص ــوص الشـ ـريعة‪ ،‬ومباد ه ــا العام ــة وروحه ــا‬
‫التشريعية‪ ،‬فعملهم صـحي تجـب لـه الطاعـة‪ ،‬واذا أتـوا بمـا يخـالف الشـريعة فعملهـم باطـل وكـل مـا‬
‫كان باطالً ال يص العمل به وال يجب له الطاعة"‪.1‬‬

‫ول َوأُولِي ْاأل َْم ِر ِم ْن ُك ْم فَـِإ ْن‬


‫س َ‬‫الر ُ‬
‫يعوا َّ‬ ‫ِ‬
‫يعوا اللَّ َه َوأَط ُ‬
‫ِ‬
‫آم ُنوا أَط ُ‬
‫ين َ‬‫واألصل في قوله تعالى‪َ { :‬يا أَي َها الَِّذ َ‬
‫ول} [النساء‪.]59 :‬‬ ‫س ِ‬ ‫ش ْي ٍء فَُردوهُ إِلَى اللَّ ِه َو َّ‬
‫الر ُ‬ ‫تََن َاز ْعتُ ْم ِفي َ‬

‫‪ - 1‬انظر بالتفصيل‪ :‬الخرشي‪ ،‬شرح مختصر خليل للخرشي‪ ،31/2 ،‬الرملي‪ ،‬نهاية المحتاج‪ ،417/7 ،‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪،524/2 ،‬‬
‫الماوردي‪ ،‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص‪.113-111‬‬
‫‪ - 2‬عبد القادر عودة‪ ،‬اإلسالم بين جهل أبنائه وعجز علمائه‪ ،‬ص‪.24‬‬

‫‪113‬‬
‫ش ْي ٍء فَ ُح ْك ُم ُه إِلَى اللَّ ِه} [الشورى‪.]10:‬‬
‫يه ِم ْن َ‬
‫اختَلَ ْفتُم ِف ِ‬
‫وقوله‪َ { :‬و َما ْ ْ‬
‫فاهلل جل شأنه يوجب علينا طاعة أوامره‪ ،‬كما يوجب علينا طاعة الرسول وأولـي األمـر‪ ،‬والطاعـة‬
‫هلل تجب بأمر اهلل‪ ،‬والطاعة للرسول وأولـي األمـر‪ ،‬تجـب بـأمر اهلل ال بـأمر الرسـول وال بـأمر أولـي‬
‫‪1‬‬
‫األمر‪ .‬فإذا خرج ولي األمر على ما أنزل اهلل فأمره باطل وال تجب طاعته‪.‬‬

‫طاعــة ولــي األمــر فــي اآليــة المتقدمــة مقيــدة بكونــه مــن المســلمين‪ ،‬واإلســالم فــي مفهومــه الصــحي‬
‫ـادا‪ ،‬وهــذا الحــاكم الموصــوف باإلســالم هــو الــذي‬
‫يعنــي تطبيــق األحكــام الشــرعية ق ـوالً وفع ـالً واعتقـ ً‬
‫تطلبه األمة اإلسالمية‪ ،‬وتريد وجوده‪ ،‬وتحرص علـى بقا ـه‪ ،‬وتـرى أن طاعتـه واجبـة ألنهـا متصـلة‬
‫بطاعة اهلل ورسوله‪.‬‬
‫وعلى ذلك تحمل اآليات واألحاديث الواردة في وجوب طاعـة والة األمـر‪ ،‬وعـدم الخـروج علـيهم مـا‬
‫‪1‬‬
‫احا‪.‬‬
‫كفر بو ً‬
‫لم يقترفوا ًا‬

‫فقد ورد في صحيح مسلم قال‪:‬‬


‫صـلَّى اهللُ َعلَ ْي ِـه َو َسـلَّ َم‬ ‫النـاس يسـأَلُون رس َ ِ‬
‫ـول اهلل َ‬ ‫ـان َّ ُ َ ْ َ َ ُ‬ ‫‪-1‬قال حذيفة بن اليمان‪-‬رضـى اهلل عنـه‪َ ":-‬ك َ‬
‫اهلَِّيـ ٍـة‬
‫اهلل‪ ،‬إَِّنــا ُكَّنــا ِفــي ج ِ‬ ‫ـول ِ‬
‫َ‬ ‫ـت‪َ :‬يــا َر ُسـ َ‬ ‫َن ُيـ ْـد ِرَكنِي‪ ،‬فَ ُقْلـ ُ‬ ‫َسـأَلُهُ َعـ ِـن َّ‬
‫الشـ ِّـر َم َخافَـةَ أ ْ‬ ‫ـت أ ْ‬ ‫َعـ ِـن اْل َخ ْيـ ِـر‪َ ،‬و ُك ْنـ ُ‬
‫ـك َّ‬
‫الش ِّـر‬ ‫ـت‪َ :‬ه ْـل َب ْع َـد َذلِ َ‬ ‫ـال‪َ « :‬ن َع ْـم»‪ ،‬فَ ُقْل ُ‬ ‫اء َنا اهللُ بِهَ َذا اْل َخ ْي ِر‪ ،‬فَهَ ْـل َب ْع َـد َهـ َذا اْل َخ ْي ِـر َشـر؟ قَ َ‬ ‫َو َشر‪ ،‬فَ َج َ‬
‫ون‬‫س َّـن ِتي‪َ ،‬وَي ْه ُـد َ‬ ‫ون ِب َغ ْي ِـر ُ‬ ‫سـتَن َ‬ ‫ال‪« :‬قَ ْوٌم َي ْ‬ ‫ت‪َ :‬و َما َد َخُنـهُ قَ َ‬ ‫يه َد َخ ٌن»‪ُ ،‬قْل ُ‬ ‫ال‪َ « :‬نعم‪ ،‬وِف ِ‬
‫َْ َ‬ ‫ِم ْن َخ ْي ٍر قَ َ‬
‫ـال‪َ « :‬ن َع ْـم‪ُ ،‬د َعـاةٌ َعلَـى‬ ‫ـك اْل َخ ْي ِـر ِم ْـن َشـر قَ َ‬ ‫ـت‪َ :‬ه ْـل َب ْع َـد َذلِ َ‬ ‫ف ِم ْن ُه ْم َوتُْن ِك ُـر»‪ ،‬فَ ُقْل ُ‬ ‫ِب َغ ْي ِر َه ْد ِيي‪ ،‬تَ ْع ِر ُ‬
‫اهلل‪ِ ،‬‬ ‫ـول ِ‬ ‫ِ‬
‫ـال‪َ « :‬ن َع ْـم‪ ،‬قَ ْـوٌم‬ ‫صـ ْف ُه ْم لَ َنـا‪ ،‬قَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ـت‪َ :‬يـا َر ُ‬ ‫يهـا»‪ ،‬فَ ُق ْل ُ‬ ‫َج َاب ُه ْم إِلَ ْي َها قَ َذفُوهُ ف َ‬ ‫اب َج َه َّن َم َم ْن أ َ‬ ‫أ َْب َو ِ‬
‫ـال‪« :‬تَ ْلـ َـزُم‬ ‫ـك؟ قَـ َ‬ ‫اهلل‪ ،‬فَ َمــا تَ َـرى إِ ْن أ َْد َرَك ِنــي َذلِـ َ‬ ‫ـول ِ‬ ‫سـ َ‬ ‫ـت‪َ :‬يــا َر ُ‬ ‫ـون ِبأَْل ِسـ َن ِت َنا»‪ُ ،‬ق ْل ُ‬‫ِم ْـن ِج ْلـ َـد ِت َنا‪َ ،‬وَيتَ َكلَّ ُمـ َ‬
‫ـاعتَ ِز ْل ِت ْلـ َ‬
‫ـك‬ ‫ـال‪« :‬فَـ ْ‬ ‫ـام؟ قَـ َ‬ ‫ِ‬
‫اع ـ ٌة َوَال إ َمـ ٌ‬ ‫ـت‪ :‬فَـِإ ْن لَـ ْـم تَ ُكـ ْـن لَ ُهـ ْـم َج َم َ‬ ‫ـام ُه ْم»‪ ،‬فَ ُق ْلـ ُ‬
‫ين َوِا َمـ َ‬‫ســلِ ِم َ‬ ‫اع ـ َة ا ْل ُم ْ‬ ‫َج َم َ‬
‫ت َعلَى َذلِ َك‪.»3‬‬ ‫ت َوأَ ْن َ‬ ‫ش َج َرٍة َحتَّى ُي ْد ِرَك َك ا ْل َم ْو ُ‬ ‫َص ِل َ‬ ‫ض َعلَى أ ْ‬ ‫َن تَ َع َّ‬ ‫ق ُكلَّ َها‪َ ،‬ولَ ْو أ ْ‬ ‫ا ْل ِف َر َ‬
‫ين تُ ِحبوَن ُه ْم‬ ‫ِ ِ‬
‫ـال‪ِ « :‬خ َي ُار أ َِئ َّم ِت ُك ُم الَِّذ َ‬ ‫صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قَ َ‬ ‫ٍِ‬
‫‪-1‬و َع ْن َع ْوف ْب ِن َمالك‪َ ،‬ع ْن َر ُسول اهلل َ‬
‫ِ‬
‫ضــوَن ُك ْم‪،‬‬ ‫ضــوَن ُه ْم َوُي ْب ِغ ُ‬ ‫ين تُْب ِغ ُ‬ ‫ون َعلَ ْــي ِه ْم‪َ ،‬و ِشـ َـرُار أ َِئ َّم ِــت ُك ُم الَّ ِــذ َ‬‫صــل َ‬ ‫ون َعلَ ْــي ُك ْم َوتُ َ‬ ‫صــل َ‬ ‫َوُيحبــوَن ُك ْم‪َ ،‬وُي َ‬
‫ِ‬
‫ـاموا ِفـي ُك ُم‬
‫ـال‪َ« :‬ال‪َ ،‬مـا أَقَ ُ‬
‫ف؟ فَقَ َ‬ ‫الس ْـي ِ‬ ‫ول ِ‬
‫اهلل‪ ،‬أَفَ َـال ُن َنا ِبـ ُذ ُه ْم ِب َّ‬ ‫سـ َ‬ ‫َوتَ ْل َع ُنـوَن ُه ْم َوَي ْل َع ُنـوَن ُك ْم»‪ِ ،‬ق َ‬
‫يـل‪َ :‬يـا َر ُ‬
‫اع ٍة‪.»1‬‬ ‫ِ‬ ‫الص َالةَ‪َ ،‬وِا َذا َأر َْيتُ ْم ِم ْن ُوَال ِت ُك ْم َ‬
‫ش ْي ًئا تَ ْك َرُهوَن ُه‪ ،‬فَا ْك َرُهوا َع َملَ ُه‪َ ،‬وَال تَ ْن ِز ُعوا َي ًدا م ْن طَ َ‬ ‫َّ‬

‫‪ - 1‬عبد القادر عودة‪ ،‬اإلسالم بين جهل أبنائه وعجز علمائه‪ ،‬ص‪.25‬‬
‫‪ - 2‬الشوكاني‪ ،‬نيل األوطار‪.212/7 ،‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ُور الفِت ِن وتحذير الدعاة إلى الكفر ‪ ،1475/3‬حديث(‪.)1247‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫وم ال َج َما َع ِة ِعن َد ظه ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫‪ -‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ِ ،‬كتَابُ ْ ِ‬
‫اإل َما َر ِة‪ ،‬بَابُ األ ْم ِر بِلز ِ‬ ‫‪3‬‬

‫ار ِه ْم‪ ،1421/3 ،‬حديث(‪.)1255‬‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ئ‬
‫ِ َ ِ ِ َّ ِ َ ِ َ ِ‬‫َ‬ ‫األ‬‫ْ‬ ‫ار‬‫ي‬ ‫خ‬ ‫ابُ‬‫ب‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ر‬
‫ِ َ َِ َ‬‫ا‬‫م‬ ‫اإل‬‫ْ‬ ‫َابُ‬ ‫ت‬‫ك‬‫ِ‬ ‫مسلم‪،‬‬ ‫صحيح‬ ‫مسلم‪،‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪114‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬في حديث حذيفة‪ ،‬لزوم جماعة المسلمين وامامهم‪ ،‬ووجوب طاعته وان فسق وعمـل‬
‫المعاصي من أخذ األموال‪ ،‬وغير ذلك فتجب طاعته في غير معصية‪ ،‬وفيـه معجـزات لرسـول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وهي هذه األمور التي أخبر بها وقد وقعت كلها‪.1‬‬
‫وفي حديث عوف بن مالك‪ ...":‬وأما قوله‪ :‬أفال نقاتلهم‪ ،‬قال‪ :‬ال ماصلوا‪ ،‬ففيه معنـى مـا سـبق أنـه‬
‫‪1‬‬
‫ال يجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق‪ ،‬مالم يغيروا شي ا من قواعد اإلسالم"‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ":‬ولهذا كـان المشـهور مـن مـذهب أهـل السـنة‪ ،‬أنهـم ال يـرون الخـروج‬
‫عل ــى األ م ــة وقت ــالهم بالس ــيف‪ ،‬وان ك ــان ف ــيهم ظل ــم‪ ،‬كم ــا دل ــت عل ــى ذل ــك األحادي ــث الص ــحيحة‬
‫المستفيضــة عــن النب ــي صــلى اهلل عليــه وس ــلم‪ ،‬ألن الفســاد ف ــي القتــال والفتنــة أعظ ــم مــن الفس ــاد‬
‫الحاصل بظلمهم بدون قتال وال فتنة‪ ،‬فيـدفع أعظـم الفسـادين بـالتزام أدناهمـا‪ ،‬ولعلـه ال يكـاد يعـرف‬
‫طا فة خرجت على ذي سلطان‪ ،‬إال وكان في خروجها مـن الفسـاد مـا هـو أعظـم مـن الفسـاد الـذي‬
‫أزالته"‪.6‬‬

‫والحكم بغير ما في كتاب اهلل وسنة رسوله يصل إلى الكفر بشرطين‪:‬‬
‫جاهال به لم يكفر بمخالفته‪.‬‬
‫ً‬ ‫عالما بحكم اهلل ورسوله‪ ،‬فإن كان‬
‫األول‪ :‬أن يكون ً‬
‫الثاني‪ :‬أن يكون الحامل له على الحكم بغير ما أنزل اهلل اعتقاد أنه حكم غير صال للوقت وأن‬
‫مخرجا عن‬
‫ً‬ ‫كفر‬
‫وبهذين الشرطين يكون الحكم بغير ما أنزل اهلل ًا‬ ‫غيره أصل منه‪ ،‬وأنفع للعباد‪،‬‬
‫ون} ‪ ،‬وتبطل والية‬ ‫لَم ي ْح ُكم ِبما أَ ْن َز َل اللَّ ُه فَأُولَ ِئ َك ُهم ا ْل َك ِ‬
‫اف ُر َ‬ ‫الملة لقوله ‪ -‬تعالى ‪َ { :-‬و َم ْن‬
‫ُ‬ ‫ْ َ ْ َ‬
‫الحاكم‪ ،‬وال يكون له طاعة على الناس‪ ،‬وتجب محاربته‪ ،‬وابعاده‪ ،‬عن الحكم‪.‬‬
‫أمــا إذا كــان يحكــم بغيــر مــا أنــزل اهلل وهــو يعتقــد أن الحكــم بــه أي بمــا أنــزل اهلل هــو الواجــب‪ ،‬وأنــه‬
‫أصل للعباد‪ ،‬لكن خالفه لهوى في نفسه‪ ،‬أو إرادة ظلم المحكوم عليه‪ ،‬فهذا ليس بكافر بل هو إما‬
‫فاسق أو ظالم‪ ،‬وواليته باقيـة‪ ،‬وطاعتـه (فـي غيـر معصـية اهلل ورسـوله) واجبـة‪ ،‬وال تجـوز محاربتـه‬
‫صـلَّى اللَّـهُ َعلَ ْي ِـه َو َسـلَّ َم‪ ،‬نهـى عـن الخـروج‬
‫أو إبعاده عن الحكم بـالقوة‪ ،‬والخـروج عليـه؛ ألن النبـي‪َ ،‬‬
‫‪4‬‬
‫يحا عندنا فيه برهان من اهلل تعالى‪.‬‬ ‫كفر صر ً‬‫على األ مة إال أن نرى ًا‬

‫‪ - 1‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪.237/12 ،‬‬


‫‪ - 2‬المرجع السابق‪.244/12 ،‬‬
‫‪ - 3‬ابن تيمية‪ ،‬منهاج السنة النبوية ‪.341 /3‬‬
‫‪ - 4‬محمد بن صالح العثيمين‪ ،‬مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين‪.142-147/2 ،‬‬

‫‪115‬‬
‫يمــا أَ َخـ َذ َعلَ ْي َنــا‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وورد فــي صــحيح البخــاري حــديث‪ :‬عبــادة بــن الصــامت‪-‬رضــي اهلل عنــه‪-‬قــال‪ ":‬ف َ‬
‫الســم ِع والطَّاعـ ِـة‪ِ ،‬فــي م ْن َ ِ‬
‫َن الَ‬ ‫سـ ِـرَنا َوأَثَـ َـرةً َعلَ ْي َنــا‪َ ،‬وأ ْ‬ ‫شــط َنا َو َم ْك َرِه َنــا‪َ ،‬و ُع ْ‬
‫سـ ِـرَنا َوُي ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َن َب َاي َع َنــا َعلَــى َّ ْ َ‬
‫«أ ْ‬
‫َن تَروا ُك ْف ار بواحا‪ِ ،‬ع ْن َد ُكم ِم َن اللَّ ِه ِف ِ‬
‫ان‪.»4‬‬ ‫يه ُب ْرَه ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َهلَ ُه‪ ،‬إَِّال أ ْ َ ْ ً َ َ ً‬ ‫ع األ َْم َر أ ْ‬ ‫ُن َن ِ‬
‫از َ‬
‫ومعنى الحديث‪:‬‬
‫‪ -‬ال تنــازعوا والة األمــور فــي واليــتهم‪ ،‬وال تعترض ـوا علــيهم‪ ،‬إال أن تــروا مــنهم منك ـ ار محققــا‬
‫تعلمونه من قواعد اإلسالم‪.‬‬
‫فإذا رأيتم ذلك فأنكروا عليهم‪ ،‬وقولوا بالحق حيثما كنتم‪ ،‬فـال يعتـرض علـى السـلطان‪ ،‬إال‬ ‫‪-‬‬
‫إذا وقع في الكفر الظاهر‪.‬‬
‫والــذي يظهــر حمــل روايــة الكفــر علــى مــا إذا كانــت المنازعــة فــي الواليــة‪ ،‬فــال ينازعــه بمــا‬ ‫‪-‬‬
‫يقدح في الوالية إال إذا ارتكب الكفر‪.‬‬
‫وحمــل روايــة المعصــية علــى مــا إذا كانــت المنازعــة فيمــا عــدا الواليــة‪ ،‬فــإذا لــم يقــدح فــي‬ ‫‪-‬‬
‫الوالية نازعه في المعصية بأن ينكر عليه برفق‪.‬‬
‫وان قــدر علــى خلعــه بغيــر فتنــة وال ظل ـم وجــب‪ ،‬واال فالواجــب الصــبر وعــن بعضــهم ال‬ ‫‪-‬‬
‫يجـوز عقـد الواليـة لفاســق ابتـداء‪ ،‬فـإن أحــدث جـو ار بعـد أن كـان عــدال‪ ،‬فـاختلفوا فـي جـواز‬
‫‪1‬‬
‫الخروج عليه والصحي المنع إال أن يكفر فيجب الخروج‪.‬‬

‫ولكن هل معنى جواز الخروج أنه جائز بكل حال‪ ،‬أو واجب على حال؟‬
‫البد من قُدرة على ُم َن َاب َذ ِة هذا الوالي الذي رأينا فيه الكفر البواح‪َّ ،‬‬
‫البد من قُدرة‪ ،‬أما أن نخرج‬ ‫ال‪َّ ،‬‬
‫عليه بسكاكين المطبخ وعوامل البقر‪ ،‬ولديه دبابات وصواريخ‪ ،‬فهذا َسفهٌ في العقل وضالل في‬
‫ضعفاء في مكة‪ ،‬ولو شاؤا الغتالوا‬ ‫الدين؛ ألن اهلل لم ُيوجب الجهاد على المسلمين حين كانوا ُ‬
‫ُكبراءهم وقتلوهم‪ ،‬لكنه لم يأمرهم بهذا‪ ،‬ولم يأذن لهم به؛ لعدم القدرة‪ ،‬واذا كانت الواجبات الشرعية‬
‫التي هلل‪ -‬عز وجل‪ -‬تسقط بالعجز‪ ،‬فكيف هذا الذي سيكون فيه دماء‪.‬‬
‫البد من قتال معه‪ ،‬واذا قُتِل فله‬
‫ليس إزالة الحاكم باألمر الهين‪ ،‬مجرد ريشة تنفخها وتذهب‪َّ ،‬‬
‫أعوان‪ ،‬والمسألة ليست باألمر الهين حتى نقول بكل سهولة نزيل الحاكم أو نقضي عليه وينتهي‬
‫كل شيء‪ ،‬فالبد من القدرة‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫احا‪.‬‬
‫كفر بو ً‬
‫والقدرة اآلن ليست بأيدي الشعوب‪ ،‬على إزالة مثل هؤالء القوم الذين نرى فيهم ًا‬

‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪َ « :‬ستَرَوْ نَ بَ ْع ِدي أُ ُمورًا تُ ْن ِكرُونَهَا»‪،47/4 ،‬‬
‫‪ - 1‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ِ ،‬كتَابُ الفِتَ ِن‪ ،‬بَابُ قَوْ ِل النَّبِ ِّي َ‬
‫حديث(‪.)7153‬‬
‫‪ - 2‬انظر‪ :‬ابن َح َجر‪ ،‬فتح الباري‪.2/13 ،‬‬
‫‪ - 3‬ابن العثيمين‪ ،‬مجموع فتاوى ورسائل العثيمين‪.372/25 ،‬‬

‫‪113‬‬
‫ولكن ما هو أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد البغي؟‬
‫ربما هنا ينبغي التعريج إلى أنه في ظل غيـاب الدولـة اإلسـالمية‪ ،‬ال يتصـور وقـوع جريمـة البغـي‪،‬‬
‫وال يتصور المعالجة‪.‬‬
‫بــل إن غيابهــا يكــون موجب ـاً للقيــام بحركــات تــدعو وتعمــل وتقاتــل مــن أجــل قيــام دولــة اإلســالم‪،‬‬
‫واستعادة دولة الخالفة‪.‬‬
‫ولكن في الواقع المعاصر الخروج على الحاكم العادل دون أي مبرر شرعي‪ ،‬يعتبر بغياً يستوجب‬
‫ولى أمـرهم لمتابعـة مهامـه‬
‫من األمة أن تجاهد هؤالء البغاة‪ ،‬حتى يردوهم على اعقابهم ويستعيدوا ُّ‬
‫ُختِ َير للقيام بها حسب العقد المبرم بينه وبين من اختاروه‪.‬‬
‫التي أ ْ‬
‫وقد حدث مثل هذا األمر في بعـض الـدول العربيـة‪ ،‬مـن الخـروج علـى الحـاكم دون مسـوغ شـرعي‪،‬‬
‫فهــذا يعتبــر بغي ـاً‪ ،‬ومــن قــاموا بهــذا الفعــل بغــاة‪ ،‬ومــن واجــب األمــة أن تــردهم عــن بغــيهم‪ ،‬واعــادة‬
‫الحاكم إلى منصبه من جديد‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق أحكام القصاص‬


‫والديات والتعازير‬

‫ويشتمل على أربعة مباحث‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق أحكام‬


‫القصاص‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق أحكام‬


‫الديات‬

‫المبحث الثالث‪ :‬أثر غياب الدولة اإلسالمية على أحكام التعازير‬

‫المبحث الرابع‪ :‬حكم اللجوء إلى التحكيم والقضاء الوضعي في‬


‫قضايا الحدود والقصاص والديات في ظل غياب الدولة اإلسالمية‬

‫‪112‬‬
‫المبحث األول‬

‫أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق أحكام القصاص‬

‫ويشتمل على أربعة مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التعريف بالقصاص وحكمة مشروعيته‬

‫المطلب الثاني‪ :‬حكم تطبيق أحكام القصاص‬

‫المطلب الثالث‪ :‬ضوابط إقامة أحكام القصاص‬

‫المطلب الرابع‪ :‬موقف الشرع من تطبيق أحكـام القصـاص فـي حـال‬


‫غياب الدولة‬

‫‪114‬‬
‫المطلب األول‬
‫التعريف بالقصاص وحكمة مشروعيته‬
‫القصاص‬
‫من أهم السمات التي يتميز بها الشرع اإلسالمي الحنيف عن القوانين الوضعية القصاص كعقوبة‬
‫للجـ ار م‪ ،‬والقصــاص فــي الشـريعة اإلســالمية ثابــت وأصــيل ولــه ســنده فــي القــرن والســنة واإلجمــاع‪،‬‬
‫وهو جوهر نظرية العقوبة في الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬تعريف القصاص‪:‬‬
‫القصاص لغة‪:‬‬
‫رد وقصصاً أيضاً ومنه قوله تعالى { فَ ْارتَـدَّا َعلَـى‬ ‫[قصص] ق ص ص‪ :‬قص أثره تتبعه من باب َّ‬
‫صِ‬
‫ان األَثََر‪.‬‬ ‫صا} [الكهف‪ .]34:‬أي‪ :‬رجعا من الطريق الذي سلكاه َيقُ َّ‬ ‫ص ً‬‫ارِه َما قَ َ‬‫آثَ ِ‬
‫ون) [القصص‪.]11 :‬‬ ‫ص َر ْت ِب ِه َع ْن ُج ُن ٍب َو ُه ْم َال َي ْ‬
‫ش ُع ُر َ‬ ‫ُخ ِت ِه قُ ِّ ِ‬
‫صيه فَ َب ُ‬ ‫ومنه قوله تعالى‪َ (:‬وقَالَ ْت ِأل ْ‬
‫‪1‬‬
‫أي إتبعي أثره‪.‬‬
‫ُخـ َذ القصـاص ألنـه‬ ‫جناية الجاني‪ ،‬والقَصاص يعني أيضاً المماثلَة‪ ،‬ومنه أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫أثر‬
‫َُ‬ ‫َ ُ‬ ‫المقتص يتبعُ َ‬ ‫َ‬ ‫فكأن‬
‫َّ‬
‫ـومات أي يقطعهــا‪ ،‬وقيــل‬ ‫ـص الخصـ ِ‬ ‫يجرحــه مثــل جرحــه أو يقتلــه بــه‪ ،‬وقيــل ُســمي قصاصـاً ألنــه يقـ ُّ‬
‫‪1‬‬
‫قطع الجاني‪.‬‬ ‫ِ‬
‫مثل ما َ‬ ‫بدنه َ‬ ‫ص‪ ،‬وهو القطع ألن المقتص يقطعُ َ‬ ‫أصله من الق ّ‬
‫فجرحـه مث َـل جرحـ ِه أو قتَلـه قـوداً‪.‬‬ ‫َ‬ ‫األمير من فالن إذا اقتص لـه منـه‬ ‫ُ‬ ‫قص‬‫ود وقد أَ ّ‬ ‫"والقَصاص‪ :‬الَقَ ُ‬
‫استقصه سأله أن ُيقصه منه"‪.6‬‬
‫َّ‬ ‫و‬

‫القصاص في االصطالح‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫القصاص هو‪ ":‬أن يفعل بالفاعل مثل ما فعل"‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫وهو أن يعاقب المجرم بمثل فعله فيقتل كما قتل‪ ،‬ويجرح كما جرح‪.‬‬
‫ويعــرف القصــاص فــي الفقــه الجنــائي اإلســالمي‪" :‬القصــاص عقوبــة مقــدرة شــرعاً‪ ،‬ويــتم بإعــدام‬
‫الجاني في جريمة القتل العمد الموجبـة للقصـاص‪ .‬ومعاقبـة الجـاني بمثـل مـا ألحقـه بـالمجني عليـه‬
‫في ج ار م االعتداء على ما دون النفس الموجبة للقصاص"‪.3‬‬

‫‪ - 1‬محمد الرازي‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،‬ص ‪ ،531‬الفيروزآبادي‪ ،‬القاموس المحيط‪ ،214/1،‬األزهري‪ ،‬تهذيب اللغة‪.112/3 ،‬‬
‫‪ - 2‬المراجع السابقة‪.‬‬
‫‪ - 3‬الرازي‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،‬ص‪.532‬‬
‫‪ - 4‬الجرجاني‪ ،‬التعريفات‪.225/1 ،‬‬
‫‪ - 5‬عبد القادر عودة‪ ،‬التشريع الجنائي‪.224/2 ،‬‬
‫‪ - 3‬علي علي منصور‪ ،‬نظام التجريم والعقاب في اإلسالم‪ ،‬ص‪.411‬‬

‫‪111‬‬
‫ســمى القصــاص القَـ ْـود‪ :‬ألن المقــتص منــه فــي الغالــب يقــاد بشــيء يـربط فيــه أو بيــده إلــى القتــل‬
‫وي َ‬
‫ُ‬
‫‪1‬‬
‫فسمي القتل قودا لذلك‪.‬‬
‫ويوجـد بــين المعنـى اللغــوي والمعنـى الشــرعي تناسـب‪ ،‬ألن القصــاص يتتبـع فيــه الجـاني‪ ،‬فــال يتــرك‬
‫بدون عقاب‪ ،‬وال يترك المجني عليه من دون أن يشفي غليله والقصاص هـو عقوبـة الـدماء بشـكل‬
‫ع ــام سـ ـواء أكان ــت دم ــاء موض ــوع االعت ــداء فيه ــا ال ــنفس‪ ،‬أم ك ــان اعت ــداء موض ــوعه ط ــرف م ــن‬
‫ثل في‬ ‫األطراف‪ ،‬أم كان اعتداء موضوعه جرح من الجروح‪ ،‬وضمان المتلفات‪ ،‬أي التعويض ِ‬
‫بالم ِ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫ـود فـي كـل العقوبـات اإلسـالمية غي ِـر الحـدود‪ ،‬وهنـاك قصـ ٌ‬
‫ـاص‬ ‫األمـوال واألسـواق‪ ،‬والقصـاص موج ٌ‬
‫ِ‬
‫األمر‪.‬‬ ‫تحديده لولي‬
‫َ‬ ‫وقصاص خر لم يحدده الشارع‪ ،‬وترك‬
‫ٌ‬ ‫بالنص‪،‬‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫قدره الشارع‬

‫الحكمة من القصاص‪:‬‬
‫اب لَ َعلَّ ُك ْم تَتَّقُ َ‬
‫ون) [البقرة‪.]179 :‬‬ ‫اص َح َياةٌ َيا أُولِي ْاألَ ْل َب ِ‬
‫ص ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫قال اهلل تعالى ‪َ (:‬ولَ ُك ْم في ا ْلق َ‬
‫قال اإلمـام ابـن كثيـر ( َرِح َمـهُ اهللُ) فـي تفسـيره‪ ":‬يقـول تعـالى‪ :‬وفـي شـرع القصـاص لكـم ‪-‬وهـو قتـل‬
‫ـف عــن‬ ‫ـونها؛ ألنــه إذا علــم القاتــل أنــهُ ُيقتَـ ُل انكـ َّ‬
‫المهَـج وصـ ُ‬ ‫ـاء ُ‬‫القاتــل ‪-‬حكمـةٌ عظيمـةٌ لكــم‪ ،‬وهــي بقـ ُ‬
‫صــنيعه‪ ،‬فكــان فــي ذلــك حيــاةُ النفــوس‪ .‬وفــي الكتــب المتقدمــة‪" :‬القَ ْت ـ ُل ْأنفَ ـى للقتـ ِـل"‪ .‬فجــاءت هــذه‬
‫ص ِ‬
‫اص َح َياةٌ}‬ ‫ِ ِ‬
‫العبارة في القرن أفص ‪ ،‬وأبلغ‪ ،‬وأوجز‪َ { .‬ولَ ُك ْم في ا ْلق َ‬
‫‪1‬‬
‫رجل يريد أن َي ْقتُ َل‪ ،‬فتمنعه مخافةَ أن ُي ْقتَ َل"‪.‬‬ ‫قال أبو العالية‪ :‬جعل اهلل القصاص حياةً‪ ،‬فكم من ٍ‬
‫َ‬
‫ـاص حيـاةٌ‪ ،‬فـإن الجـاني إذا ع َـرف أنـه‬ ‫ـوف القص ِ‬‫السـالم‪ ":‬والتقـدير ولكـم فـي خ ِ‬ ‫بن ِ‬
‫عبـد َّ‬ ‫وقال العز ُ‬
‫‪6‬‬
‫القتل فاستمرت حياتهُ وحياةُ المجني عليه"‬ ‫فكف عن ِ‬ ‫القصاص َّ‬ ‫خاف‬
‫َ‬ ‫جنى‬
‫ُي ْقتَ ُل إذا َ‬
‫َ‬

‫ـداء‬ ‫ِ‬
‫ـاق للجريمـة‪ ،‬فالجريمـةُ اعت ٌ‬ ‫ـاص جـ اَز ٌء وف ٌ‬
‫من التعريفات السابقة للقصاص يتبين لنـا‪ :‬أن القص َ‬
‫ـرم بجريمتِـه بمث ِـل فعل ِـه‪ ،‬ولــيس مـن المعقــول أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫علـى الـنفس اإلنســانية‪ ،‬فمـ َن العدالـة أن يؤخـ َذ المج ُ‬
‫ِ‬
‫ـاص يحمــي حيــاةَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نفكـ َـر بالرحمــة بالجــاني‪ ،‬وال نفكــر فــي ألــم المجنــي عليــه وشــفاء غيظــه‪ ،‬فالقصـ ُ‬
‫ـاس ألن القاتـ َـل إذا َح ـ َرَم أحــداً مــن الحيــاة فإنــه ُي ْح ـ ُرُم منهــا‪ ،‬وبالتــالي يحــافظُ علــى حياتـ ِـه‪ ،‬لــذلك‬
‫النـ ِ‬
‫ِ‬
‫الحياة‪.‬‬ ‫فالقصاص حياةٌ ألنه يحافظ على‬

‫‪ - 1‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪.4/324 ،‬‬


‫‪ - 2‬ابن كثير‪ ،‬تفسير القرآن العظيم‪.1/442 ،‬‬
‫‪ - 3‬العز بن عبد السالم‪ ،‬قواعد األحكام‪.145/1 ،‬‬

‫‪111‬‬
‫األساس الشرعي للقصاص‪:‬‬
‫ـنة النبويـ ِـة‪ ،‬وفعــل‬
‫ـالنص عليــه فــي القــر ِن الك ـر ِيم‪ ،‬والسـ ِ‬ ‫يعة اإلسـ ِ‬
‫ـالمية بـ ِّ‬ ‫ـت فــي الش ـر ِ‬
‫ـاص ثابـ ٌ‬
‫القصـ ُ‬
‫ِ‬
‫األمة‪:‬‬ ‫جماع‬
‫اهلل عليهم‪ ،‬وا ِ‬ ‫الصحابة رضوان ِ‬ ‫ِ‬ ‫الرسول صلي اهلل عليه وسلم‪ ،‬والخل ِ‬
‫فاء الراشدين‪ ،‬و‬
‫ُ‬
‫‪ – 4‬القصاص في القرآن الكريم‪:‬‬
‫ورد النص علي القصاص في القرن الكريم في عدة يات هي‪:‬‬
‫ـاص ِفـي ا ْلقَ ْتلَـى ا ْل ُحـر ِبـا ْل ُحِّر َوا ْل َع ْب ُـد‬
‫ص ُ‬
‫ِ‬
‫ـب َعلَ ْـي ُك ُم ا ْلق َ‬
‫ِ‬
‫آم ُنـوا ُكت َ‬
‫ين َ‬ ‫‪ -‬في قوله تعالى‪َ { :‬يـا أَي َهـا الَّ ِـذ َ‬
‫ـان َذلِ َ‬
‫ـك‬ ‫س ٍ‬ ‫ِ‬
‫اء إِلَ ْيـه ِبِإ ْح َ‬
‫ِ‬
‫ش ْي ٌء فَات َِّبـاعٌ ِبـا ْل َم ْع ُروف َوأ ََد ٌ‬
‫َخ ِ‬
‫يه َ‬ ‫ِبا ْلع ْب ِد و ْاألُ ْنثَى ِب ْاألُ ْنثَى فَم ْن ع ِفي لَ ُه ِم ْن أ ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫َ َ‬
‫اص َح َياةٌ َيا أُولِي‬ ‫ص ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اعتَ َدى بع َد َذِل َك َفلَ ُه ع َذ ِ‬ ‫يف ِم ْن َرِّب ُك ْم َو َر ْح َم ٌة فَ َم ِن ْ‬ ‫تَ ْخ ِف ٌ‬
‫يم َولَ ُك ْم في ا ْلق َ‬ ‫اب أَل ٌ‬
‫َ ٌ‬ ‫َْ‬
‫ون}‪[ .‬البقرة‪ :‬ية‪.]179-178:‬‬ ‫اب لَ َعلَّ ُك ْم تَتَّقُ َ‬‫ْاألَ ْل َب ِ‬
‫مقاصد اآليات الكريمة‪:4‬‬
‫لصالحهم وسعادتِهم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لعباده المؤمنين‪ ،‬وذلك‬ ‫القصاص فريضةٌ من ِ‬
‫اهلل‬ ‫ِ‬ ‫‪ -4‬تشريعُ‬
‫ِ‬
‫الجناةَ‪.‬‬ ‫ويقّضي على الضغا ِن‪ُ ،‬‬
‫وي َرّبي ُ‬ ‫القصاص ُي َقلّ ُل الج ار َم‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫‪-1‬‬
‫ِ‬
‫المجتمعات البشرية‪.‬‬ ‫النفوس‪ ،‬وحمايةُ األفرِاد و‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القصاص حياةُ‬ ‫‪ -6‬في‬
‫اإلسالم‪.‬‬ ‫حرمها‬ ‫ِ‬
‫الجاهلية التي َّ‬ ‫ِ‬
‫العصبية‬ ‫ِ‬
‫القاتل من‬ ‫االعتداء على ِ‬
‫غير‬ ‫‪-4‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الظلم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫البغي و ُ‬‫ُ‬ ‫ينتشر‬
‫َ‬ ‫القصاص‪ ،‬حتى ال‬ ‫‪ -5‬المماثلةُ في‬
‫ِ‬
‫بالدية‪.‬‬ ‫ورضوا‬ ‫‪ -3‬دفع ِ‬
‫الدية على القاتل إذا عفا أه ُل القتيل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ـالم ألمـ ِـر‬ ‫ِ‬
‫قـال القرطبـي‪ " :‬صــورة القصـاص هـو أن القاتــل فـرض عليـه إذا أراد الــولي القت َـل االستس ُ‬
‫قاتل وليه ِ‬ ‫الولي فرض ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وترك التعدي علـى‬ ‫الوقوف عند ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫عليه‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫لقصاصه المشروِع‪ ،‬وأن‬ ‫االنقياد‬
‫ُ‬ ‫اهلل و‬
‫ِ ‪1‬‬
‫غير القاتل"‪.‬‬
‫العرب تتعدى فتقتل َ‬
‫ُ‬ ‫غيرِه‪ ،‬كما كانت‬

‫ـاص غيـر واج ٍ‬ ‫ِ‬


‫ـب‪ ،‬واَّنمـا هـو‬ ‫ُ‬ ‫كيـف يكـون هـذا والقص ُ‬ ‫ض وألُـ ِزَم‪ ،‬و َ‬‫ب) فُ ِر َ‬‫قال ابن العربي‪" :‬معنى ( ُكت َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لخيرِة‬
‫ب‬
‫ب علـيكم كمـا يقـال ُكتـ َ‬
‫القصاص فقد ُكت َ‬ ‫استيفاء‬
‫َ‬ ‫ض إذا أردتم‬ ‫الولي؛ ومعنى ذلك ُكتب وفُ ِر َ‬‫ّ‬
‫الصيام النيةُ"‪.6‬‬
‫َ‬ ‫أردت‬
‫َ‬ ‫الوضوء؛ واذا‬
‫ُ‬ ‫التنفل‬
‫َ‬ ‫أردت‬
‫َ‬ ‫عليك إذا‬

‫ـس أ َْو‬‫سـا ِب َغ ْي ِـر َن ْف ٍ‬ ‫س َـرِائ َ‬


‫يل أ ََّن ُ‬
‫ـه َم ْـن قَتَ َـل َن ْف ً‬
‫ِ‬ ‫َج ِل َذلِ َ‬
‫ـك َكتَ ْب َنـا َعلَـى َبنـي إِ ْ‬ ‫‪ -‬وفي قوله تعالى‪ِ { :‬م ْن أ ْ‬
‫ـاءتْ ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫َح َيـا َّ‬
‫اها فَ َكأ ََّن َما أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ض فَ َكأ ََّنما قَتَ َل َّ‬ ‫س ٍاد ِفي ْاأل َْر ِ‬
‫يعـا َولَقَ ْـد َج َ‬ ‫ـاس َجم ً‬ ‫الن َ‬ ‫َح َي َ‬
‫يعا َو َم ْن أ ْ‬
‫اس َجم ً‬ ‫الن َ‬ ‫َ‬ ‫فَ َ‬
‫ون}‪[ .‬الما دة‪.]61:‬‬ ‫س ِرفُ َ‬‫ض لَ ُم ْ‬ ‫ير ِم ْن ُه ْم َب ْع َد َذلِ َك ِفي ْاأل َْر ِ‬
‫ات ثُ َّم إِ َّن َك ِث ًا‬
‫رسلُ َنا ِبا ْلب ِّي َن ِ‬
‫َ‬ ‫ُُ‬

‫‪ - 1‬انظر‪ :‬محمد علي السايس‪ ،‬تفسير آيات األحكام‪ ،‬ص‪.35-54‬‬


‫‪ - 2‬القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪.245/2 ،‬‬
‫‪ - 3‬ابن العربي‪ ،‬أحكام القرآن‪.41-24/1 ،‬‬

‫‪112‬‬
‫ف ِب ْاألَ ْن ِ‬ ‫س َوا ْل َع ْي َن ِبا ْل َع ْي ِن َو ْاألَ ْن َ‬ ‫س ِب َّ‬
‫الن ْف ِ‬ ‫َن َّ‬ ‫ِ‬
‫ف َو ْاألُ ُذ َن‬ ‫الن ْف َ‬ ‫‪ -‬وفي قوله تعالى‪َ { :‬و َكتَ ْب َنا َعلَ ْي ِه ْم ف َ‬
‫يها أ َّ‬
‫ـه َو َم ْـن لَ ْـم َي ْح ُك ْـم ِب َمـا أَ ْن َـز َل‬ ‫َّ‬ ‫الس ِّن وا ْلجروح ِقصاص فَم ْـن تَصـد َ ِ‬
‫َّق ِبـه فَ ُه َـو َكف َ‬
‫ـارةٌ لَ ُ‬ ‫َ‬ ‫الس َّن ِب ِّ َ ُ ُ َ َ ٌ َ‬ ‫ِب ْاألُ ُذ ِن َو ِّ‬
‫ون}‪[ .‬الما دة‪.]45:‬‬ ‫اللَّ ُه فَأُولَ ِئ َك ُه ُم الظَّالِ ُم َ‬

‫وان كان هذا النص نزل في بني إس ار يل‪ ،‬إال أنه شرع لنا‪ ،‬ألن شرع من قبلنـا شـرع لنـا مـا لـم يـرد‬
‫ناسخ‪ ،‬ولم يرد ناسخ فعالً‪ ،‬كما أنه جاء في شرعنا ما يؤكده‪.‬‬

‫ق َو َم ْـن قُِت َـل َم ْظلُومـاً فَقَ ْـد َج َع ْل َنـا‬ ‫س الَِّتـي َح َّـرَم اللَّ ُ‬
‫ـه إَِّال ِبـا ْل َح ِّ‬ ‫‪ -‬وفي قوله تعـالى‪َ { :‬وال تَ ْقتُلُـوا َّ‬
‫الـن ْف َ‬
‫صو ارً}‪[ .‬اإلسراء‪.]66:‬‬ ‫ف ِفي ا ْلقَ ْت ِل إِ َّن ُه َك َ‬
‫ان َم ْن ُ‬ ‫س ِر ْ‬
‫س ْلطَاناً فَال ُي ْ‬
‫ِ ِ‬
‫ل َولِ ِّيه ُ‬
‫‪1‬‬
‫أخذ الديةَ‪.‬‬
‫شاء َعفا‪ ،‬وان شاَء َ‬
‫معنى {سلطاناً}‪ :‬أي تسليطاً إن شاء قَتَ َل وان َ‬
‫قود‪.‬‬
‫السلطان المذكور في اآلية هو‪ :‬الَ ُ‬
‫خذ أو ِ‬
‫العفو‪.‬‬ ‫الولي في األَ ِ‬
‫ِّ‬ ‫اص‪ُّ ،‬‬
‫وحق‬ ‫القص ِ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫مشروعية‬ ‫فيه دلي ٌل على‬

‫ِ‬
‫الشريفة‪:‬‬ ‫ِ‬
‫النبوية‬ ‫ِ‬
‫السنة‬ ‫القصاص في‬ ‫‪-2‬‬
‫ُ‬
‫ـت علي ِـه أي فـي السُّـَّن ِة‬ ‫يفة دعـت إلـى األخ ِـذ بالقص ِ‬
‫ـاص‪ ،‬وحث ْ‬ ‫النبوية الشـر ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السنة‬ ‫أحاديث في‬
‫ٌ‬ ‫وردت‬
‫ِ‬
‫النبوية ما يلي‪:‬‬ ‫ِ‬
‫األحاديث‬ ‫ِ‬
‫الفعلية ما أخذ بذلك بالفعل‪ ،‬ومن‬ ‫ِ‬
‫السنة‬ ‫القولي ِة‪ ،‬وهناك من‬
‫ّ‬

‫ـه إَِّال اللَّ ُ‬


‫ـه َوأ َِّنـي‬ ‫َن الَ إِلَ َ‬ ‫س ِلٍم‪َ ،‬ي ْ‬
‫ش َه ُد أ ْ‬ ‫ام ِر ٍ ُم ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫قال رسو ُل اهلل صلّي اهللُ عليه وسلم‪" :‬الَ َيحل َد ُم ْ‬ ‫‪َ -1‬‬
‫ِّين التَّـ ِ‬
‫ــار ُك‬ ‫ق ِمـ َ‬
‫ــن الـــد ِ‬ ‫المـ ِ‬
‫ــار ُ‬ ‫س‪ ،‬والثَِّّيـــب َّ ِ‬
‫الزانـــي‪َ ،‬و َ‬ ‫ُ‬ ‫س ِبـ َّ‬
‫ــالن ْف ِ َ‬
‫ٍ‬ ‫رســـو ُل اللَّـ ِ‬
‫ــه‪ ،‬إَِّال ِبِإ ْحـ َ‬
‫ــدى ثَـــالَث‪ :‬الـ َّــن ْف ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ ‪2‬‬ ‫ِ‬
‫اعة "‪.‬‬ ‫ل ْل َج َم َ‬

‫اهـا‬
‫ـال‪ :‬فَ َرَم َ‬‫اح بِاْل َمِد َين ِة‪ ،‬قَ َ‬
‫ض ٌ‬‫ت َجا ِرَيةٌ َعلَ ْيهَا أ َْو َ‬ ‫عنه قال‪َ ":‬خ َر َج ْ‬ ‫مالك رضي اهلل ُ‬ ‫بن ٍ‬ ‫أنس ِ‬ ‫‪ -1‬وعن ِ‬
‫سـو ُل اللَّ ِـه‬‫ـال لَ َهـا َر ُ‬
‫ـق‪ ،‬فَقَ َ‬ ‫صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسـلَّ َم َوبِهَـا َرَم ٌ‬‫النبِ ِّي َ‬ ‫يء بِهَا إِلَى َّ‬ ‫ال‪ :‬فَ ِج َ‬ ‫ودي بِ َح َج ٍر‪ ،‬قَ َ‬ ‫َيه ِ‬
‫ُ‬
‫ـال‪« :‬فُـالَ ٌن قَتَلَ ِـك؟» فَ َرفَ َع ْ‬
‫ـت‬ ‫اد َعلَ ْي َهـا‪ ،‬قَ َ‬ ‫َع َ‬
‫ْس َها‪ ،‬فَأ َ‬
‫ِ‬
‫سلَّ َم‪« :‬فُالَ ٌن قَتَلَك؟» فَ َرفَ َع ْت َأر َ‬
‫ِ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَ ْيه َو َ‬ ‫َ‬
‫ســو ُل اللَّـ ِـه َ َّ‬ ‫ِ‬
‫ـها‪ ،‬فَ َـد َعا ِبــه َر ُ‬ ‫ـال لَ َهــا ِفــي الثَّالِثَ ِـة‪« :‬فُـالَ ٌن قَتَلَـ ِـك؟» فَ َخفَ َ‬
‫صـلى اهللُ‬ ‫ْسـ َ‬‫ـت َأر َ‬
‫ضـ ْ‬ ‫ـها‪ ،‬فَقَـ َ‬‫ْس َ‬
‫َأر َ‬
‫ِ‬
‫سلَّ َم فَقَتَلَ ُه َب ْي َن َ‬
‫الح َج َرْي ِن"‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫َعلَ ْيه َو َ‬

‫‪ - 1‬القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪.255/11 ،‬‬


‫‪ -2‬متفق عليه‪ ،‬سبق تخريجه ص‪.42‬‬
‫ت‪ ،‬بَابُ إِ َذا قَتَ َل بِ َح َج ٍر أَوْ بِ َع ً‬
‫صا‪ ،5/4 ،‬حديث(‪.)3277‬‬ ‫‪ - 3‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ِ ،‬كتَابُ َ ِ‬
‫ا‬‫ي‬‫د‬‫ِّ‬ ‫ال‬

‫‪113‬‬
‫الربيع‪ ،‬أُم حارثة‪ ،‬جرحـت إنسـاناً‪ ،‬فاختصـموا إلـى النبـي صـلى اهلل عليـه‬ ‫ِ‬ ‫خت‬
‫أن أُ َ‬‫‪ -6‬وعن أنس‪َّ ،‬‬
‫ـول‬
‫س َ‬ ‫الرِب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ َّ‬
‫يع‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫اص»‪ ،‬فَقَالَ ْت أُم َّ‬ ‫ص َ‬ ‫اص‪ ،‬ا ْلق َ‬‫ص َ‬ ‫وسلم‪ ،‬فقال رسو ُل اهلل صلى اهللُ عليه وسلم‪« :‬ا ْلق َ‬
‫ان ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل َال ُي ْقتَص ِم ْن َها‪ ،‬فَقَ َ‬
‫اهلل‪ ،‬أَي ْقتَص ِم ْن فَُال َن َة؟ و ِ‬
‫ِ‬
‫اهلل َيـا‬ ‫سلَّ َم‪ُ « :‬‬
‫س ْب َح َ‬ ‫صلَّى اهللُ َعلَ ْيه َو َ‬ ‫ال َّ‬
‫الن ِبي َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ـت َحتَّـى قَ ِبلُـوا‬ ‫اهلل َال ُي ْقتَص ِم ْن َها أ ََب ًدا‪ ،‬قَ َ‬
‫ـال‪ :‬فَ َمـا َازلَ ْ‬ ‫اهلل»‪ ،‬قَالَ ْت‪َ :‬ال‪ ،‬و ِ‬
‫َ‬
‫يع‪ ،‬ا ْل ِقصاص ِكتَاب ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫الرِب ِ‬‫أ َُّم َّ‬
‫‪4‬‬ ‫اهلل م ْن لَو أَقْسم علَى ِ‬
‫اهلل َأل ََب َّرهُ»‪.‬‬ ‫اهلل صلَّى اهلل علَ ْي ِه وسلَّم‪« :‬إِ َّن ِم ْن ِعب ِاد ِ‬
‫ال رسو ُل ِ‬
‫َ ْ ََ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ ََ‬ ‫َ‬ ‫ِّي َة‪ ،‬فَقَ َ َ ُ‬
‫الد َ‬

‫‪ – 3‬اإلجماع‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫وعليه إجماع األمة واأل مة بال خالف‪ ،‬وعليه إجماع الصحابة والتابعين وتابعي التابعين‪.‬‬

‫اص فِي ْاألَ ْسن ِ‬ ‫ت ْالقِ َ‬


‫ت‪ ،‬بَابُ إِ ْثبَا ِ‬ ‫اربِينَ َو ْالقِ َ‬
‫‪ -‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ِ ،‬كتَابُ ْالقَ َسا َم ِة َو ْال ُم َح ِ‬
‫‪1‬‬
‫َان‪َ ،‬و َما فِي َم ْعنَاهَا‪،1312/3،‬‬ ‫ص ِ‬ ‫اص َوال ِّديَا ِ‬
‫ص ِ‬
‫حديث(‪.)1375‬‬
‫‪ - 2‬أنظر اإلجماع البن المنذر‪ ،‬ص‪ ،71:‬والمجموع للنووي‪ ،12/343،‬والمغني البن قدامه‪،4/314،‬‬

‫‪114‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫حكم تطبيق أحكام القصاص‬

‫المجتمع‪ ،‬سواء وقعت الجريمةُ على ٍ‬


‫فرد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لحفظ مصال ِ‬ ‫مر معنا سابقاً أن الحدود ُشرعت عقوبتها‬
‫َّ‬
‫العقوبة بأنها حق ِ‬
‫هلل‬ ‫ِ‬ ‫الفقهاء عن هذه‬ ‫عبر‬ ‫فإن َّ‬
‫المجتمع‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫حيث ّ‬‫الغالب‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫المجتمع هو‬
‫ِ‬ ‫حق‬ ‫ِ‬ ‫أو على‬
‫تعالَى‪ ،‬وفي ذلك إشارة إلى ِ‬
‫عدم جو ِاز العفو عنها‪ ،‬أو تخفيفها‪ ،‬أو إيقاف تنفيذها‪.‬‬

‫يتنازل عن حقّ ِه في‬


‫َ‬ ‫حق ِ‬
‫للفرد أن‬ ‫الغالب‪ ،‬لذلك َي ُّ‬
‫ُ‬ ‫حق ِ‬
‫الفرد هو‬ ‫فإن َّ‬
‫الديات‪َّ ،‬‬
‫القصاص و ُ‬
‫ُ‬ ‫أما‬
‫الس ِ‬
‫نة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الكتاب و ُّ‬ ‫القصاص أو ِ‬
‫الدية من الجاني‪ ،‬ودلي ُل هذا في‬ ‫ِ‬
‫أوالً‪ :‬الكتاب‪:‬‬
‫اص ِفي ا ْلقَ ْتلَى ا ْل ُحر ِبا ْل ُحِّر َوا ْل َع ْب ُد‬ ‫ص ُ‬
‫ِ‬
‫ب َعلَ ْي ُك ُم ا ْلق َ‬
‫ِ‬
‫آم ُنوا ُكت َ‬ ‫‪ -‬قال تعالى‪َ { :‬يا أَي َها الَِّذ َ‬
‫ين َ‬
‫اء إِلَ ْي ِه‬ ‫ِ‬
‫ش ْي ٌء فَات َِّباعٌ ِبا ْل َم ْع ُروف َوأ ََد ٌ‬
‫يه َ‬‫َخ ِ‬ ‫ِبا ْلع ْب ِد و ْاألُ ْنثَى ِب ْاألُ ْنثَى فَم ْن ع ِفي لَ ُه ِم ْن أ ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫َ َ‬
‫ان} [البقرة‪.]178 :‬‬ ‫سٍ‬ ‫ِبِإ ْح َ‬
‫ف ِب ْاألَ ْن ِ‬
‫س َوا ْل َع ْي َن ِبا ْل َع ْي ِن َو ْاألَ ْن َ‬ ‫س ِب َّ‬
‫الن ْف ِ‬ ‫يها أَ َّن َّ‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫الن ْف َ‬ ‫‪ -‬وقوله تعالى‪َ { :‬و َكتَ ْب َنا َعلَ ْي ِه ْم ف َ‬
‫َّق ِب ِه فَ ُه َو َكفَّ َارةٌ لَ ُه َو َم ْن لَ ْم‬ ‫صد َ‬ ‫اص فَ َم ْن تَ َ‬
‫ص ٌ‬
‫الس ِّن وا ْلجر ِ‬
‫وح ق َ‬‫الس َّن ِب ِّ َ ُ ُ َ‬ ‫َو ْاألُ ُذ َن ِب ْاألُ ُذ ِن َو ِّ‬
‫ون} [الما دة‪.]45:‬‬ ‫َي ْح ُك ْم ِب َما أَ ْن َز َل اللَّ ُه فَأُولَ ِئ َك ُه ُم الظَّ ِال ُم َ‬

‫ولي المقتول أو‬


‫القصاص إذا أراد وأختار ُّ‬
‫َ‬ ‫أن اهللَ تعالَى فرض‬‫وجه الداللة من هذه اآليات‪َّ :‬‬
‫أخ َذ ِ‬
‫الدية فلهُ ذلك‪.‬‬ ‫العفو و ْ‬ ‫ِ‬
‫استيفاء القصاص‪ ،‬واذا أراد َ‬ ‫َ‬ ‫المجرو ِح‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب عليك إذا‬
‫ب عليكم‪ ،‬كما يقال ُكت َ‬
‫القصاص فقد ُكت َ‬ ‫استيفاء‬
‫َ‬ ‫ب وفُ ِر َ‬
‫ض إذا أردتم‬ ‫ومعنى ذلك" ُكت َ‬
‫‪1‬‬
‫أردت التنفل الوضوء‪ ،‬واذا أردت الصيام النية"‪.‬‬

‫صف له من الواجب كان ألخيه عليه من القود عن شيء من الواجب‪ ،‬على دية يأخذها‬ ‫فمن ُ‬
‫منه‪ ،‬فاتباعٌ بالمعروف من العافي عن الدم‪ ،‬الراضي بالدية من دم وليه وأداء إليه من القاتل ذلك‬
‫‪1‬‬
‫بإحسان‪.‬‬

‫‪ - 1‬ابن العربي‪ ،‬أحكام القرآن‪.41-24/1،‬‬


‫‪ - 2‬الطبري‪ ،‬جامع البيان في تأويل القرآن‪.3/371 ،‬‬

‫‪115‬‬
‫ف ِفي ا ْلقَ ْت ِل إِنَّ ُه َك َ‬
‫ان‬ ‫س ِر ْ‬
‫س ْلطَا ًنا فَ َال ُي ْ‬
‫ِ ِ‬
‫وما فَقَ ْد َج َع ْل َنا ل َولِ ِّيه ُ‬
‫ِ‬
‫وقوله سبحانه‪َ { :‬و َم ْن قُت َل َم ْظلُ ً‬
‫ور} [االسراء‪.]66:‬‬ ‫ص ًا‬
‫َم ْن ُ‬
‫قال ابن كثير‪ :‬أي‪ :‬سلطة على القاتل‪ ،‬فإنه بالخيار فيه إن شاء قتله قوداً‪ ،‬وان شاء عفا عنه‬
‫‪1‬‬
‫على الدية‪ ،‬وان شاء عفا عنه مجانا‪.‬‬

‫قتل‪ ،‬إالَّ أن السنة قيدت القتل‬


‫وهذه اآليات تدل بعمومها على أن القصاص مشروعٌ في كل ٍ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫العمد‪.‬‬ ‫الواجب فيه القصاص بقتل‬

‫وأما السنة‪:‬‬
‫فعن أبي هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬أنه عام فت مكة‪ ،‬قتلت خزاعة رجال من بني ليث‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫س َع ْن‬ ‫بقتيل لهم في الجاهلية‪ ،‬فقام رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال‪ " :‬إِ َّن اللَّ َه َح َب َ‬
‫َح ٍد‬ ‫ِ ِ‬
‫َحد قَ ْبلي‪َ ،‬والَ تَحل أل َ‬
‫ين‪ ،‬أَالَ وِا َّنها لَم تَ ِح َّل ِأل ٍ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫الم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫سلَّطَ َعلَ ْي ِه ْم َر ُ‬
‫سولَ ُه َو ُ‬ ‫يل‪َ ،‬و َ‬
‫م َّك َة ِ‬
‫الف َ‬ ‫َ‬
‫ار‪ ،‬أَالَ وِا َّنها س ِ ِ ِ‬ ‫اع ًة ِم ْن َن َه ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ام‪ ،‬الَ ُي ْختَلَى‬ ‫اعتي َهذه َح َر ٌ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫س َ‬ ‫َب ْعدي‪ ،‬أَالَ َوِا َّن َما أُحلَّ ْت لي َ‬
‫طتَ َها إَِّال ُم ْن ِش ٌد‪َ ،‬و َم ْن قُِت َل لَ ُه قَ ِتي ٌل فَ ُه َو ِب َخ ْي ِر‬ ‫شجرَها‪ ،‬والَ ي ْلتَ ِقطُ س ِ‬
‫اق َ‬ ‫َ‬ ‫ض ُد َ َ ُ َ َ‬ ‫ش ْو ُك َها‪َ ،‬والَ ُي ْع َ‬
‫َ‬
‫النظَ َرْي ِن‪ :‬إِ َّما ُي َ‬
‫َّ‬
‫‪2‬‬
‫اد"‪.‬‬
‫ودى َواِ َّما ُيقَ ُ‬

‫فداءهُ‬
‫شاء أَ َخ َذ َ‬
‫القاتل وان َ‬
‫َ‬ ‫شاء قَتَ َل‬ ‫ِ‬
‫بالخيار إن َ‬ ‫قوله‪َ ":‬و َم ْن قُِت َل لَ ُه قَ ِتي ٌل"‪ :‬معناه ولي المقتول‬
‫وهي الدية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫عباس أنه قال‪:‬‬ ‫ابن‬ ‫ِ‬
‫حديث ِ‬ ‫ِ‬
‫مصنفه‪ ،‬والدارقطني في سننه‪ :‬من‬ ‫ابن أبي شيب َة في‬ ‫‪ -‬روى ُ‬
‫‪3‬‬ ‫َن َي ْعفُ َو َولِي ا ْلم ْقتُ ِ‬
‫ول"‪.‬‬ ‫ال رسو ُل ِ‬
‫اهلل صلَّى اهلل عليه وسلَّم‪ " :‬ا ْل َع ْم ُد قَ َوٌد‪ ،‬إِالَّ أ ْ‬
‫َ‬ ‫قَ َ َ ُ‬

‫‪ -‬وعن أنس‪ ،‬أن أخت الربيع‪ ،‬أم حارثة‪ ،‬جرحت إنسانا‪ ،‬فاختصموا إلى النبي صلى اهلل عليه‬
‫ول‬
‫س َ‬ ‫الرِب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يع‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫اص»‪ ،‬فَقَالَ ْت أُم َّ‬ ‫ص َ‬ ‫اص‪ ،‬ا ْلق َ‬
‫ص َ‬ ‫وسلم‪ ،‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬ا ْلق َ‬
‫ان ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل َال ُي ْقتَص ِم ْن َها‪ ،‬فَقَ َ‬
‫اهلل‪ ،‬أَي ْقتَص ِم ْن فَُال َن َة؟ و ِ‬
‫ِ‬
‫اهلل َيا‬ ‫سلَّ َم‪ُ « :‬‬
‫س ْب َح َ‬ ‫صلَّى اهللُ َعلَ ْيه َو َ‬ ‫ال َّ‬
‫الن ِبي َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اهلل َال ُي ْقتَص ِم ْن َها أ ََب ًدا‪ ،‬قَ َ‬
‫ال‪ :‬فَ َما َازلَ ْت َحتَّى قَ ِبلُوا‬ ‫اهلل»‪ ،‬قَالَ ْت‪َ :‬ال‪ ،‬و ِ‬
‫َ‬
‫يع‪ ،‬ا ْل ِقصاص ِكتَاب ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫الرِب ِ‬‫أ َُّم َّ‬
‫اهلل م ْن لَو أَقْسم علَى ِ‬
‫اهلل َأل ََب َّرهُ»‪.1‬‬ ‫اهلل صلَّى اهلل علَ ْي ِه وسلَّم‪« :‬إِ َّن ِم ْن ِعب ِاد ِ‬
‫ال رسو ُل ِ‬
‫َ ْ ََ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ ََ‬ ‫َ‬ ‫ِّي َة‪ ،‬فَقَ َ َ ُ‬
‫الد َ‬

‫‪ - 1‬ابن كثير‪ ،‬تفسير القرآن العظيم‪.73/5،‬‬


‫ت‪ ،‬بَابُ َم ْن قُتِ َل لَهُ قَتِي ٌل فَهُ َو بِ َخي ِْر النَّظَ َر ْي ِن‪ ،5/4 ،‬حديث(‪.) 3221‬‬ ‫‪ - 2‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ِ ،‬كتَابُ ال ِّديَا ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫‪ - 3‬محمد بن أبي شيبة‪ُ ،‬مصنف ابن أبي شيبة‪ ،‬كتاب فِي تَ ْع ِظ ِيم د َِم ال ُم ْؤ ِم ِن‪ ،‬باب َم ْن قَا َل‪ :‬ال َع ْم ُد قَ َو ٌد‪ ،433/5،‬حديث(‪ ،)27733‬سنن‬
‫ت َو َغ ْي ُرهُ‪ ،22/4،‬حديث(‪ .)3133‬قال األلباني‪ :‬حديث صحيح‪ ،‬السلسلة الصحيحة‪،425/4 ،‬‬ ‫الدارقطني‪ِ ،‬كتَابُ ْال ُحدُو ِد َوال ِّديَا ِ‬
‫حديث(‪.)1423‬‬
‫‪ - 4‬سبق تخريجه‪ ،‬ص‪.121‬‬

‫‪113‬‬
‫العفو إذا أر َاد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األحاديث ُّ‬
‫دونها مشروعٌ‪ ،‬ويمكن ُ‬
‫النفس وما َ‬ ‫القصاص في‬ ‫استيفاء‬
‫َ‬ ‫تدل على أن‬ ‫ُ‬ ‫هذه‬
‫الولي‪.‬‬
‫ُّ‬

‫ِ‬
‫الحاكم‪:‬‬ ‫القصاص مسئولي ُة‬
‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫يجوز ٍ‬
‫يقتص من أحد حقَّه َ‬
‫دون‬ ‫َّ‬ ‫الحد أن‬ ‫قال اإلمام القرطبي‪ ":‬اتفق أ مةُ الفتوى على أنه ال ُ‬
‫السلطان‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫لسلطان أو َم ْن نصبه‬ ‫ٍ‬
‫بعض‪ ،‬وانما ذلك‬ ‫بعضهم من‬
‫يقتص ُ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫للناس أن‬ ‫ِ‬
‫السلطان‪ ،‬وليس‬
‫ٍ‬
‫بعض‪.‬‬ ‫بعضهم عن‬ ‫ِ‬
‫الناس َ‬ ‫ليقبض أيدي‬
‫َ‬ ‫السلطان‬
‫َ‬ ‫جعل اهللُ‬
‫لذلك‪ ،‬ولهذا َ‬
‫أحد من ر ِ‬
‫عيته‪ ،‬إذ‬ ‫تعدى على ٍ‬ ‫يقتص من ِ‬
‫نفسه إن َّ‬ ‫ِ‬
‫السلطان أن‬ ‫أن على‬
‫لماء على َّ‬
‫َّ‬ ‫وأجمع الع ُ‬
‫القصاص‪ ،‬وليس بينهم‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫كالوصي والوكيل‪ ،‬وذلك ال يمنعُ‬ ‫ِ‬ ‫احد منهم‪ ،‬وانما له مزية النظر لهم‬
‫هو و ٌ‬
‫صاص ِفي اْلقَ ْتلى "‪،‬‬ ‫ب َعلَ ْي ُك ُم اْل ِق‬ ‫ِ‬ ‫وجل‪ ،‬لقوله َّ‬
‫عز َّ‬ ‫وبين العامة فرق في أحكام ِ‬
‫اهلل َّ‬
‫ُ‬ ‫جل ذكرهُ‪ُ ":‬كت َ‬
‫جل شكا إليه أن عامالً قطع يده‪ :‬ل ن كنت‬ ‫ق رضي اهلل عنه أنه قال لر ٍ‬ ‫الص ّدي ِ‬ ‫وثبت عن أبي ٍ‬
‫بكر ِّ‬
‫صادقاً ألقيدنك منه"‪.1‬‬

‫أحكام القصاص‪:‬‬
‫القصاص على نوعين‪:‬‬
‫س‪.‬‬‫الن ْف ِ‬
‫قصاص في َّ‬
‫ٌ‬ ‫‪-1‬‬
‫الن ْف ِ‬
‫س‪.‬‬ ‫دون َّ‬
‫وقصاص فيما َ‬‫ٌ‬ ‫‪-1‬‬

‫الدِم‬ ‫الع ْمـ ِـد إذا اختاَر ُّ‬


‫ولي َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ‬
‫أوالً‪ :‬أما القصاص في النفس فإنه ال يكون عقــوبةً إال في حالــة القتل َ‬
‫متعينا‪.‬‬ ‫القصاص أصب‬ ‫اختار‬ ‫القصاص و ِ‬
‫الدية‪ ،‬فإن‬ ‫ِ‬ ‫بين‬ ‫القصاص‪ ،‬ذلك أنه َّ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مخيٌر َ‬ ‫َ‬

‫العفو‪ ،‬إما على الدية واما على غير‬ ‫أحد شي ِ‬ ‫أن لولي ِ‬‫الفقهاء على َّ‬
‫القصاص أو ُ‬‫ُ‬ ‫ين‬ ‫الدم َ‬ ‫ُ‬ ‫اتفق‬
‫الدية‪.‬‬
‫دون أن‬ ‫اجب ِّ ِ‬
‫لولي الدم َ‬ ‫أخِذ الدية‪ ،‬هو حق و ٌ‬ ‫القصاص إلى ِ‬
‫العفو على ْ‬ ‫ِ‬ ‫واختلفوا هل االنتقال من‬
‫للمقتص منه‪ ،‬أم ال تثبت الديةُ إالَّ بتراضي الولي و ِ‬
‫القاتل‪ ،‬وأنه إذا لم يرد‬ ‫ِ‬ ‫خيار‬
‫ّ‬ ‫يكون في ذلك ٌ‬‫َ‬
‫المقتص منه أن يؤدي الدية‪ ،‬لم يكن لولي َّ‬
‫الدم إال القصاص مطلقاً أو العفو‪ ،‬على مذهبين‪:‬‬

‫‪ - 1‬القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪.2/253 ،‬‬

‫‪117‬‬
‫ِ‬
‫العمد َّإال‬ ‫ِ‬
‫القاتل‬ ‫المذهب األول‪ :‬ذهب الحنفيةُ والمالكيةُ في إحدى الرو ِ‬
‫ايتين إلى أنه ليس على‬
‫ولي‬
‫شاء‪ ،‬فيلزمه ما رضي به إذا رضي بذلك ُّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫القصاص‪ ،‬إال أن يرضى أن يصال َ عن دمه بما َ‬ ‫ُ‬
‫‪1‬‬
‫الدم‪.‬‬
‫اجب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المذهب الثاني‪ :‬ذهب المالكيةُ في الرو ِ‬
‫المشهور عند الحنابلة أن الو َ‬
‫ُ‬ ‫الثانية‪ ،‬والشافعيةُ و‬ ‫اية‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬
‫القصاص أو الديةُ‪.‬‬ ‫أحد شي ِ‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫العمد ُ‬ ‫في القَ ْت ِل‬
‫ُ‬

‫أدلة المذهب األول‪:‬‬


‫اص ِفي ا ْلقَ ْتلَى } [البقرة‪.]178 :‬‬
‫ص ُ‬
‫ِ‬
‫ب َعلَ ْي ُك ُم ا ْلق َ‬
‫ِ‬
‫‪ -1‬قوله تعالى‪ُ { :‬كت َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الع ْم ُد قَ َوٌد"‪.‬‬ ‫َعام في القتلى إال أنه تَ ْقَّي َد بالسنة‪ ،‬بوصف العمدية لقوله عليه الصالةُ و ُ‬
‫السالم‪َ ":‬‬
‫الزجر عليها تتوفر‪ ،‬والعقوبة المتناهية ال شرع لها‬ ‫ِ‬ ‫أي موجبه وألن الجنايةَ بها تتكامل وحكمةُ‬
‫دون ذلك‪.‬‬
‫"كتاب‬
‫ُ‬ ‫‪ -1‬حديث أنس بن مالك في قصة سن الربيع أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‬
‫صاص‪.‬‬ ‫ليس له إال القَ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل القَصاص"‪ .6‬فَعلِم ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الخطاب أنه َ‬ ‫بدليل‬ ‫َُ‬ ‫ُ‬
‫َّ‬
‫الحق لهم‪ ،‬ثم هو واجب عينا‪ ،‬وليس للولي أخذ الدية‬ ‫األولياء أو يصالحوا َّ‬
‫ألن‬ ‫ُ‬ ‫‪ -6‬أن يعفو‬
‫إال برضا القاتل‪ ،‬إال أن له حق العدول إلى المال من غير مرضاة القاتل ألنه تعين‬
‫مدفعا للهالك فيجوز بدون رضاه‪.‬‬
‫ِ‬
‫للتماثل وفيه مصلحةُ‬ ‫القصاص يصل‬ ‫ِ‬
‫المماثلة‪ ،‬و‬ ‫‪ -4‬وألن المال ال يصل موجباً ِ‬
‫لعدم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫األحياء زج اًر وجب اًر فيتعين‪.‬‬
‫بأكثر من الدية‪.‬‬
‫َ‬ ‫ويجوز له الصل ُ‬
‫ُ‬ ‫فقوده با ٍ‬
‫ق‪،‬‬ ‫يرض الجاني ُ‬
‫فعلى هذا القول إذا لم َ‬

‫أدلة المذهب الثاني‪:‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َخ ِ‬ ‫‪ -1‬قوله تعالى‪ { :‬فَم ْن ع ِفي لَ ُه ِم ْن أ ِ‬
‫سٍ‬
‫ان}‬ ‫اء إِلَ ْيه ِبِإ ْح َ‬
‫ش ْي ٌء فَات َِّباعٌ ِبا ْل َم ْع ُروف َوأ ََد ٌ‬‫يه َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫[البقرة‪.]178 :‬‬
‫ودى َواِ َّما‬ ‫ظ َرْي ِن‪ :‬إِ َّما ُي َ‬ ‫‪ -1‬وعن أبي هريرة مرفوعاً "‪َ ...‬وم ْن قُِت َل لَ ُه قَ ِتي ٌل فَ ُه َو ِب َخ ْي ِر َّ‬
‫الن َ‬ ‫َ‬
‫اد"‪.4‬‬
‫ُيقَ ُ‬
‫العفو المطل ِ‬
‫ق‪،‬‬ ‫بالقصاص عيناً لم تجب الديةُ عند ِ‬
‫ِ‬ ‫العمد‬
‫َ‬ ‫أوجب االتباع بمجرد العفو‪ ،‬ولو أوجب‬
‫شاء أخ َذ الدية‪.‬‬
‫اقتص وان َ‬
‫َّ‬ ‫الولي بينهما‪ ،‬فإن شاء‬
‫ُّ‬ ‫فَُي َخّير‬

‫‪ -1‬المرغياني‪ ،‬الهداية شرح بداية المبتدي‪ ،4/152 ،‬الدردير‪ ،‬الشرح الكبير‪234 ،‬و‪.4/241‬‬
‫‪ - 2‬الدردير‪ ،‬الشرح الكبير‪ ،4/241 ،‬الشافعي‪ ،‬األم‪ ،3/11 ،‬المرداوي‪ ،‬االنصاف‪.11/5 ،‬‬
‫‪ - 3‬سبق تخريجه‪ ،‬ص‪.121‬‬
‫‪ - 4‬سبق تخريجه‪ ،‬ص‪.122‬‬

‫‪112‬‬
‫ِ‬
‫المصلحة له‬ ‫فإن اختار الولي القود أو عفا عن الدية فقط‪ ،‬فله أخذها أي الدية‪ ،‬لما فيه من‬
‫ِ‬
‫القصاص وليست التي وجبت بالقتل‪.‬‬ ‫وللجاني وتكون بدالً عن‬
‫القصاص‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الولي الديةَ تعيَّنت وسق َ‬
‫ط‬ ‫ُّ‬ ‫اختار‬
‫َ‬ ‫وال يعتبر رضا القات ِل بالدية‪ ،‬ومتى‬

‫عليه وسلَّم" َو َم ْن قُِت َل لَ ُه قَِتي ٌل‬


‫النبي صلَّى اهلل ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫لحديث ِّ‬ ‫ِ‬
‫الجمهور‪ ،‬وذلك‬ ‫مذهب‬
‫ُ‬ ‫الرأي الراجح‪ :‬هو‬
‫مخير بين‬ ‫ِ‬ ‫النظَ َرْي ِن‪ :‬إِ َّما ُي َ‬
‫فَ ُه َو ِب َخ ْي ِر َّ‬
‫اد"‪ .‬فهو نص في المسألة‪ ،‬في أن الولي ٌ‬ ‫ودى َوِا َّما ُيقَ ُ‬
‫القصاص أو أخذ ِ‬
‫الدية‪.‬‬ ‫ِ‬

‫ِ‬
‫وشبه‬ ‫ِ‬
‫العمد‬ ‫ِ‬
‫القصاص في‬ ‫ِ‬
‫وجوب‬ ‫الفقهاء في‬ ‫اختلف‬
‫َ‬ ‫س‪ ،‬فقد‬ ‫دون َّ‬
‫الن ْف ِ‬ ‫القصاص فيما َ‬ ‫ثانياً‪ :‬وأما‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫العمد‪ ،‬على مذهبين‪:‬‬
‫المذهب األول‪ :‬ذهب الحنفية إلى أن العمد وشبه العمد فيما دون النفس موجب للقصاص‪ ،‬إذ‬
‫‪1‬‬
‫ليس فيما دون النفس شبه عمد‪.‬‬
‫وذلك ما كان شبه عمد في النفس‪ ،‬فهو عمد فيما دون النفس‪ ،‬ألن ما دون النفس ال يقصد‬
‫إتالفه ب لة دون لة عادة‪ ،‬فاستوت اآلالت كلها في الداللة على القصد فكان الفعل عمدا‪.‬‬

‫المذهب الثاني‪ :‬ذهب المالكية‪ ،1‬والشافعية‪ ،6‬والحنابلة‪ ،4‬إلى أنه ال يجب القصاص فيما دون‬
‫النفس إال في العمد المحض‪.‬‬
‫أدلة المذهب األول‪:‬‬
‫ارَي ٍة‬
‫س ثَِنيَّ َة َج ِ‬ ‫س َر ْت الرَب ِّيعُ َع َّم ُة أََن ٍ‬ ‫واستدلوا بحديث أنس بن مالك رضي اهلل عنه أنه قال‪َ ":‬ك َ‬
‫َم َر‬ ‫صلَّى اللَّ ُه َعلَ ْي ِه َو َ َّ‬‫الن ِب َّي َ‬‫ش فَأ ََب ْوا فَأَتَ ْوا َّ‬‫ضوا َعلَ ْي ِه ْم ْاأل َْر َ‬
‫سل َم فَأ َ‬ ‫فَطَلَ ُبوا ا ْل َع ْف َو فَأ ََب ْوا فَ َع َر ُ‬
‫س ُر‬‫ق َال تُ ْك َ‬ ‫س ُر ثَِنيَّ ُة الرَب ِّي ِع َوالَِّذي َب َعثَ َك ِبا ْل َح ِّ‬ ‫ض ِر يا رس َ ِ‬
‫ول اللَّه تُ ْك َ‬ ‫الن ْ َ َ ُ‬ ‫س ْب ُن َّ‬ ‫ال أََن ُ‬ ‫اص فَقَ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ِ‬
‫ِبا ْلق َ‬
‫ال فَر ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الن ِبي صلَّى اللَّ ُه علَ ْي ِه وسلَّم يا أََن ِ‬
‫ال‬
‫ض َي ا ْلقَ ْوُم فَ َعفَ ْوا فَقَ َ‬ ‫اص قَ َ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫اب اللَّه ا ْلق َ‬ ‫س كتَ ُ‬ ‫َ َ ََ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ال َّ‬ ‫فَقَ َ‬
‫ْس َم َعلَى اللَّ ِه َأل ََب َّره"‪.0‬‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫سلَّ َم إِ َّن م ْن ع َباد اللَّه َم ْن لَ ْو أَق َ‬
‫ِ‬
‫صلَّى اللَّ ُه َعلَ ْيه َو َ‬
‫ِ‬
‫سو ُل اللَّه َ‬ ‫َر ُ‬

‫‪ - 1‬الزيلعي‪ ،‬تبين الحقائق‪ ،112/3 ،‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪.233/7 ،‬‬


‫‪ - 2‬البغدادي‪ ،‬إرْ شَا ُد السَّالِك‪ ،125/1 ،‬الدردير‪ ،‬الشرح الكبير‪.251/4 ،‬‬
‫‪ - 3‬الشيرازي‪ ،‬المهذب‪.177/2 ،‬‬
‫‪ - 4‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪.411/4 ،‬‬
‫‪ - 5‬القزويني‪ ،‬سنن ابن ماجه‪ ،‬كتاب الديات‪ ،‬باب القصاص في السن‪ ،224/2 ،‬حديث(‪ .)2344‬قال األلباني‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬أن اللطمة لو أتت على النفس ال توجب القصاص‪ ،‬ورأيناها فيما دون النفس قد‬
‫أوجبته بحكمه عليه الصالة والسالم‪ ،‬فثبت بذلك أن ما كان في النفس شبه عمد هو عمد فيما‬
‫دونها‪ ،‬وال يتصور أن يكون فيه شبه عمد‪.‬‬

‫أدلة المذهب الثاني‪:‬‬


‫واستدلوا بالكتاب والسنة والقياس‪.‬‬
‫س َوا ْل َع ْي َن ِبا ْل َع ْي ِن َو ْاألَ ْن َ‬ ‫س ِب َّ‬
‫الن ْف ِ‬ ‫َن َّ‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫الن ْف َ‬ ‫‪ -1‬الكتاب‪ :‬قوله تعالى { َو َكتَ ْب َنا َعلَ ْي ِه ْم ف َ‬
‫يها أ َّ‬
‫الس ِّن وا ْلجر ِ‬ ‫ِب ْاألَ ْن ِ‬
‫اص} [الما دة‪.]45:‬‬ ‫ص ٌ‬‫وح ق َ‬ ‫الس َّن ِب ِّ َ ُ ُ َ‬ ‫ف َو ْاألُ ُذ َن ِب ْاألُ ُذ ِن َو ِّ‬
‫‪ -1‬السنة‪ :‬حديث أنس بن مالك في قصة سن الربيع السابق‪.‬‬

‫وجه الداللة من اآلية والحديث وجوب القصاص فيما دون النفس‪ ،‬في العمد المحض‪ ،‬وال يجب‬
‫في غيره‪.‬‬

‫‪ -6‬القياس‪ :‬قاسوا وجوب القصاص فيما دون النفس على وجوب القصاص في النفس‪.‬‬
‫ألن ما دون النفس كالنفس في الحاجة إلى حفظه بالقصاص فكان كالنفس في وجوب‬
‫القصاص‪ ،‬ومن ال يقاد بغيره في النفس ال يقاد به فيما دون النفس ومن اقتيد بغيره في النفس‬
‫‪1‬‬
‫اقتيد به فيما دون النفس‪.‬‬

‫‪ - 1‬الشيرازي‪ ،‬المهذب‪.177/2 ،‬‬

‫‪121‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫ضوابط إقامة أحكام القصاص‬

‫المجتمع‪ ،‬و ِ‬
‫إلبطال ما كان‬ ‫ِ‬ ‫ابات في‬
‫تنتشر الفوضى واالضطر ُ‬ ‫القصاص حتى ال‬ ‫اإلسالم‬ ‫ع‬
‫شر َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ذنب لهم وال‬ ‫بين القبا ِل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ياء الذين ال َ‬
‫يموت فيها األبر ُ‬
‫ُ‬ ‫حروب َ‬ ‫اإلسالم من‬ ‫قبل‬
‫عليه الجاهليون َ‬
‫وحدهُ‪ ،‬ال‬ ‫ٍ‬
‫إنسان مس ول عما ارتكبه من ج ار م‪ ،‬وأن عليه العقوبةَ َ‬ ‫جرم‪ ،‬فجاء اإلسالم وبيَّن أن َّ‬
‫كل‬
‫أحد‪.‬‬
‫يتحملها عنه ٌ‬

‫ومباح‬ ‫ِ‬
‫القصاص الوجوب على ولي األمر إذا رفع إليه من مستحقه‪،‬‬ ‫حكم‬ ‫الفقهاء على َّ‬
‫ٌ‬ ‫أن َ‬ ‫ُ‬ ‫اتفق‬
‫صال َ عليه‪ ،‬وله أن يعفو‬ ‫ِ‬ ‫طلبه من ِ‬
‫لب به‪ ،‬وله أن ُي َ‬
‫قبل مستحقه إذا استوفى شروطَه‪ ،‬فله أن يطا َ‬ ‫ُ‬
‫عنه‪ ،‬والعفو أفض ُل‪ ،‬ثم الصل ‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫وسواء في ذلك كلِّه أن تكون الجنايةُ على ِ‬
‫النفس‪ ،‬أو على ما دونها‪.‬‬ ‫َ‬
‫فعلى هذا يتعين على الدولة ممثلة في الحاكم تنفيذ أحكام القصاص‪ ،‬إذا طلب أولياء المجني‬
‫عليه ذلك‪ ،‬سواء كانت الجناية على النفس‪ ،‬أو على ما دونها‪.‬‬
‫الدم‪ ،‬ولكن الذي يقيمه الحاكم أو نا به‪ ،‬وذلك ألنه منوط به مصال‬ ‫ِ‬
‫ألولياء ِ‬ ‫ثابت‬
‫والقصاص حق ٌ‬
‫الرعية‪ ،‬فوجب عليه إقامة احكام القصاص إذا طلب منه ذلك‪.‬‬

‫ضوابط أحكام القصاص‪:‬‬


‫ليمنع من‬ ‫ويأذن فيه؛‬ ‫به‪ ،‬فهو الذي ُيقيمه‬ ‫الحاكم ‪-‬اإلمام‪-‬أو نا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بحضور‬ ‫القصاص‬ ‫‪ُ -1‬ي َنفّذ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫للفساد والتخريب والفوضى‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الوجه الشرعي‪ ،‬ودرءاً‬ ‫ِ‬ ‫إلقامته على‬‫ِ‬ ‫الج ْور فيه‪ ،‬و‬ ‫َ‬
‫‪ -1‬األصل أن يفعل بالجاني كما فعل بالمجني عليه؛ لقوله تعالى‪( :‬وِا ْن عاقَ ْبتُم فَع ِ‬
‫اق ُبوا‬ ‫َ َ ْ َ‬
‫ِب ِمثْ ِل َما ُعوِق ْبتُ ْم ِب ِه) [النحل‪.]113 :‬‬
‫وسكين ونحوه؛ لقوله ‪-‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كسيف‬ ‫تكون اآللة التي ينفذ بها القصاص ماضيةً‪،‬‬ ‫‪ -6‬ال َّ‬
‫بد أن َ‬
‫‪1‬‬
‫َح ِس ُنوا ا ْل ِق ْتلَ َة"‪.‬‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ‪ ":-‬فَِإ َذا قَتَ ْلتُ ْم فَأ ْ‬
‫َ‬
‫الحاك ُم ِمن ذلك‪ ،‬وا َّال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االستيفاء على الوجه الشرِع ّي‪َ ،‬م َّكنهُ‬ ‫َ‬ ‫المقتول ُي ْح ِس ُن‬
‫ِ‬ ‫ولي‬
‫‪ -4‬إن كان ُّ‬
‫ممن ُي ْح ِس ُن ذلِ َك‪.‬‬ ‫ص له‪َّ ،‬‬ ‫أمره أن يو ّك َل َم ْن َي ْقتَ ُّ‬

‫‪ - 1‬الموسوعة الفقهية الكويتية‪.231/33 ،‬‬


‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َحْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫حْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ان‪ ،‬بَابُ األ ْم ِر بِإ ِ َسا ِن الذبْحِ َوالقت ِل‪َ ،‬وت ِدي ِد الشف َر ِة‪،1542/3 ،‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ص ْي ِد َو َّ‬
‫الذبَائِحِ َو َما يُؤك ُل ِمنَ ال َحيَ َو ِ‬ ‫‪ - 2‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ِ ،‬كتَابُ ال َّ‬
‫حديث(‪.)1455‬‬

‫‪121‬‬
‫ينوب عنه‪ ،‬وذلك لعدة أمور‪:‬‬ ‫الحاكم أو َم ْن‬ ‫ِ‬
‫بالقصاص‬ ‫يقوم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أن َ‬ ‫ضرورةُ ْ‬
‫ت فيها ال ُي َع َّوض‪ ،‬فوجب االحتياطُ في استيفا ِها‬ ‫ِ‬
‫الخطر‪ ،‬والفا ُ‬ ‫أمور عظيمةُ‬
‫‪ -1‬ألنها ٌ‬
‫القتل عن‬
‫واثباتها‪ ،‬للحديث الذي ص ّ موقوفاً على ابن مسعود بلفظ‪ " :‬ادرءوا الجل َد و َ‬
‫المسلمين ما استطعتم‪."1‬‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫بعض‪ ،‬وقلي ٌل‬ ‫بعضهم على‬‫الناس ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للناس؛ لكانت ذريعةً لتعدي‬ ‫العقوبات‬
‫ُ‬ ‫‪ -1‬لو تُركت هذه‬
‫بين َّ‬
‫الناس‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اعتدادا بشرفه ومكانته َ‬
‫ً‬ ‫الناس من ينضبطُ بالشرِع‪ ،‬وال يبغي‬ ‫من‬
‫ِ‬
‫أحكام الشريعة‪ ،‬أو الواقع إال بحض ِرة اإلمام‪،‬‬ ‫العقوبات ال تنضبط ِمن ُ‬
‫حيث‬ ‫ِ‬ ‫كثير من‬
‫‪ٌ -6‬‬
‫الح ّدِ‪ ،‬ومناسبةُ الوقت وعفو‬ ‫ِ‬
‫المحدود على احتمال َ‬ ‫مثل القدر الذي ينبغي قطعه‪ ،‬وقدرة‬
‫ِ‬
‫أولياء ِ‬
‫الدم وخشيةَ التعدي منهم في الجراحات‪.‬‬
‫اسطة الحاكم؛ حيث يغلب‬ ‫التأديب‪ ،‬وهذا ال يتحقق إال بو ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للزجر و‬ ‫‪ -4‬ـ شرعت العقوبات‬
‫الثأر بينهم‪ ،‬وتزداد الرغبة في‬ ‫ِ‬
‫سلطان الدولة بعكس انتقام الناس ألنفسهم؛ حيث يتوالد ُ‬
‫ُ‬
‫البطش‪ ،‬ومتى عرف الناس أحكام الشريعة الغراء‪ ،‬واستأنسوا بها تحقق لهم العدل في‬
‫الدنيا ورضوان اهلل تعالى في اآلخرة‪.‬‬

‫‪ - 1‬األلباني‪ ،‬إرواء الغليل‪ ،24/5 ،‬قال األلباني‪ :‬وهو حسن اإلسناد‪ .‬البيهقي‪ ،‬السنن الكبرى‪ ،232/2 ،‬حديث(‪.)17521‬وقال هذا‬
‫موصول‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫المطلب الرابع‬
‫موقف الشرع من تطبيق أحكام القصاص في حال غياب الدولة‬

‫من المعلوم أن المهام التي تسند إلى اإلمام ونوابه‪ ،‬هي إقامة الحدود وكل ما فيه صالح الرعية‪،‬‬
‫وال يجوز االفت ات عليه في شيء مع وجوده فيما هو له‪ ،‬حتى ال تكون فوضى يعجز الناس عن‬
‫تداركها‪ ،‬أو قمعها فتسفك دماء‪ ،‬وتسرق أموال‪ ،‬وتنتهك أعراض‪ ،‬ويأكل فيها القوي الضعيف ‪...‬‬
‫اإلمام أو نا ُبه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الحدود َّإال‬
‫َ‬ ‫وقد تواتر وتوافر كالم العلماء في هذا بأن ال يقيم‬

‫«إِ َّن َما‬ ‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬قَا َل‪:‬‬
‫النبِ ِّي َ‬
‫وقد جاء في الحديث الصحيح‪َ ،‬ع ْن أَبِي ُه َرْي َرةَ‪َ ،‬ع ِن َّ‬

‫ِب َذلِ َك أ ْ‬
‫َجٌر‪،‬‬ ‫ان لَ ُه‬ ‫اإلمام ج َّن ٌة‪ ،‬يقَاتَ ُل ِم ْن ورِائ ِه‪ ،‬ويتَّقَى ِب ِه‪ ،‬فَِإ ْن أَمر ِبتَ ْقوى ِ‬
‫اهلل َع َّز َو َج َّل َو َع َد َل‪َ ،‬ك َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َُ‬ ‫ََ‬ ‫ِْ َ ُ ُ ُ‬
‫ان َعلَ ْي ِه ِم ْن ُه‪.»4‬‬
‫ْم ْر ِب َغ ْي ِرِه َك َ‬
‫َوِا ْن َيأ ُ‬

‫ام ُج َّن ٌة"‪ :‬أ ْ‬


‫َي َكالسِّتْ ِر ألنه يمنع العدو من أذى‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫قال النووي‪ ":‬قَولُه َّ َّ‬
‫صلى اللهُ َعلَ ْيه َو َسل َم " ْاإل َم ُ‬
‫ْ ُ َ‬
‫المسلمين‪ ،‬ويمنع الناس بعضهم من بعض‪ ،‬ويحمي بيضة اإلسالم‪ ،‬ويتقيه الناس‪ ،‬ويخافون‬
‫َي ُيقَاتَ ُل َم َعهُ الكفار والبغاة والخوارج‪ ،‬وسا ر أهل الفساد‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫سطوته‪ ،‬ومعنى‪ُ ":‬يقَاتَ ُل م ْن َو َرائه"‪ :‬أ ْ‬
‫و ِ‬
‫الظلم مطلقاً"‪.1‬‬

‫َي ُستْ َرةٌ ِألََّنهُ‪ ،‬يمنع العدو من أذى المسلمين‪ ،‬ويكف‬


‫ام ُج َّن ٌة"‪ :‬أ ْ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫قال ابن حجر‪َ ":‬وقَ ْولُهُ‪ ":‬إن َما ْاإل َم ُ‬
‫أذى بعضهم عن بعض‪ ،‬والمراد باإلمام كل قا م بأمور الناس"‪.6‬‬

‫ولكن ماذا لو حصل إِن كان هناك من يقيم الحدود‪ ،‬أو يقوم بالقصاص على الناس‪ ،‬من جماعة‬
‫أو شخص مع وجود اإلمام العام الذي يقيم الحدود‪ ،‬ماذا سوف يترتب عليه أو انعدم اإلمام‬
‫الشرعي‪ ،‬أو امتنع عن إقامة الحدود فكيف تقام الحدود‬

‫‪ - 1‬متفق عليه‪ ،‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ِ ،‬كتَابُ ال ِجهَا ِد َوال ِّسيَ ِر‪ ،‬بَابُ يُقَاتَ ُل ِم ْن َو َرا ِء ا ِإل َم ِام َويُتَّقَى بِ ِه‪ ،51/4 ،‬حديث(‪ ،)2457‬ومسلم‪،‬‬
‫اإل َم ِام إِ َذا أَ َم َر بِتَ ْق َوى هللاِ َو َع َد َل َكانَ لَهُ أَجْ ٌر‪ ،1471/3 ،‬حديث(‪ .)1241‬واللفظ لمسلم‪.‬‬ ‫اإل َما َر ِة‪ ،‬بَابٌ فِي ْ ِ‬
‫صحيح مسلم‪ِ ،‬كتَابُ ْ ِ‬
‫‪ - 2‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪.231/12 ،‬‬
‫‪ - 3‬ابن حجر العسقالني‪ ،‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪.113/3 ،‬‬

‫‪123‬‬
‫استيفاء القصاص أو إقامة الحدود مع وجود اإلمام العام‪:‬‬
‫ِ‬
‫العادل‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ‬
‫السلطان‬ ‫ظل وجود‬ ‫من المقرر أنه ال يجوز ألحد‪ ،‬أن يقتص من ٍ‬
‫أحد حقَّه في ِ‬
‫موضع اتفاق عند الفقهاء‪.‬‬
‫قال القرطبي‪ ":‬اتفق أ مة الفتوى على‪ ،‬أنه ال يجوز ألحد‪ ،‬أن يقتص من أحد حقه دون السلطان‪،‬‬
‫نصبهُ السلطان لذلك‪،‬‬
‫وليس للناس أن يقتص بعضهم من بعض‪ ،‬وانما ذلك للسلطان‪ ،‬أو من َّ‬
‫بعضهم عن بعض"‪.1‬‬‫الناس ِ‬
‫ِ‬ ‫السلطان ليقبض أيدي‬
‫َ‬ ‫ولهذا جعل اهللُ‬
‫وقال النووي‪ ":‬ليس لمستحق القصاص استيفاؤه‪ ،‬إال بإذن اإلمام أو نا به‪ ،‬وعن أبي إسحاق‬
‫ومنصور التميمي‪ ،‬أن المستحق يستقل باالستيفاء كاألخذ بالشفعة وسا ر الحقوق‪.‬‬
‫اء فيه قصاص النفس والطرف‪ ،‬واذا استقل به عزر‪ ،‬لكنه ال‬
‫(والصحي المنصوص األول)‪ ،‬وسو ٌ‬
‫غرم عليه‪ ،‬ويقع عن القصاص"‪.1‬‬
‫خرج على أنها حدثت ليس من باب اإلفت ات على‬ ‫ولكن يمكن أن تكون هناك استثناءات تُ َّ‬
‫ِ‬
‫المنكر‪ ،‬أو‬ ‫الن ِهي عن‬ ‫ِ‬
‫بالمعروف و َّ‬ ‫ِ‬
‫األمر‬ ‫ِ‬
‫المحارم‪ ،‬أو‬ ‫الح ِمَّي ِة على ِ‬
‫الدين و‬ ‫السلطان‪ ،‬ولكن من باب َ‬
‫ِ‬
‫غير ذلك‪ .‬وهذا حديث ابن عباس يبين هذا‪:‬‬
‫يه‪،‬‬ ‫ت لَه أ ُُّم ولٍَد تَ ْشتُم النَّبِ َّي صلَّى اهلل علَْي ِه وسلَّم‪ ،‬وتَقَع ِف ِ‬ ‫َّاس‪ ،‬قال‪":‬إِ َّن أ ْ‬ ‫َع ْن ْاب ُن َعب ٍ‬
‫ُ َ َََ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َع َمى َك َان ْ ُ َ‬
‫صلَّى‬ ‫ِ‬ ‫ات لَْيلَ ٍة‪َ ،‬ج َعلَ ْ‬ ‫اها‪ ،‬فَ َال تَْنتَ ِهي‪َ ،‬وَي ْزُج ُرَها فَ َال تَْن َزِج ُر‪ ،‬قَ َ‬
‫ت تَقَعُ في الَّنبِ ِّي َ‬ ‫ت َذ َ‬ ‫ال‪َ :‬فلَ َّما َك َان ْ‬ ‫فََي ْنهَ َ‬
‫طنِهَا‪َ ،‬واتَّ َكأَ َعلَ ْيهَا فَقَتَلَهَا‪ ،‬فَ َوقَ َع َب ْي َن ِر ْجلَ ْيهَا‬ ‫ض َعهُ ِفي َب ْ‬ ‫اهلل علَ ْي ِه وسلَّم‪ ،‬وتَ ْشتُمه‪ ،‬فَأ َ ِ‬
‫َخ َذ اْلم ْغ َو َل فَ َو َ‬ ‫ُ َ َ َ َ َ ُُ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬فَ َج َم َع‬ ‫ِ ِ ِ ِ َّ ِ‬
‫َص َب َ ُذك َر َذل َك ل َر ُسول الله َ‬
‫اك بِ َّ ِ‬
‫الدم‪َ ،‬فلَ َّما أ ْ‬ ‫ت َما ُه َن َ‬ ‫ِط ْف ٌل‪َ ،‬فلَطَّ َخ ْ‬
‫اس‬ ‫الن َ‬‫َع َمى َيتَ َخطَّى َّ‬ ‫ام ْاأل ْ‬ ‫ام»‪ ،‬فَقَ َ‬
‫ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ال‪« :‬أ َْن ُش ُد اللهَ َرُج ًال فَ َع َل َما فَ َع َل لي َعلَ ْيه َحق إال قَ َ‬ ‫اس فَقَ َ‬ ‫َّ‬
‫الن َ‬
‫ول اللَّ ِه‪ ،‬أََنا ص ِ‬ ‫صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬فَقَ َ‬
‫اح ُب َها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫ال‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫النبِ ِّي َ‬
‫َو ُه َو َيتََزْل َزُل َحتَّى قَ َع َد َب ْي َن َي َد ِي َّ‬
‫ان ِم ْث ُل‬ ‫اها فَ َال تَ ْنتَ ِهي‪َ ،‬وأ َْز ُج ُرَها‪ ،‬فَ َال تَ ْن َز ِج ُر‪َ ،‬ولِي ِم ْن َها ْاب َن ِ‬ ‫يك‪ ،‬فَأَْن َه َ‬‫شتُ ُم َك‪َ ،‬وتَقَعُ ِف َ‬ ‫َكا َن ْت تَ ْ‬
‫ْت ا ْل ِم ْغ َو َل‬
‫َخذ ُ‬ ‫يك‪ ،‬فَأ َ‬‫شتُ ُم َك‪َ ،‬وتَقَعُ ِف َ‬ ‫ار َح َة َج َعلَ ْت تَ ْ‬ ‫الل ْؤلُ َؤتَ ْي ِن‪َ ،‬و َكا َن ْت ِبي َرِفيقَ ًة‪َ ،‬فلَ َّما َك َ‬
‫ان ا ْل َب ِ‬
‫سلَّ َم‪« :‬أََال ا ْ‬ ‫ِ‬ ‫ط ِن َها‪َ ،‬واتَّ َكأ ُ‬
‫ض ْعتُ ُه ِفي َب ْ‬
‫ش َه ُدوا‬ ‫صلَّى اهللُ َعلَ ْيه َو َ‬ ‫الن ِبي َ‬ ‫ال َّ‬ ‫ْت َعلَ ْي َها َحتَّى قَتَ ْلتُ َها‪ ،‬فَقَ َ‬ ‫فَ َو َ‬
‫َن َد َم َها َه َدٌر»‪.3‬‬ ‫أ َّ‬

‫شتم النَّبي صلَّى اهلل ِ‬


‫عليه وسلَّم‪ ،‬ودلي ٌل‬ ‫ألجل ِ‬
‫ِ‬ ‫قال ابن تيمية‪ ":‬وهذا الحديث نص في جو ِاز قتلِها‪،‬‬
‫ُ‬
‫سبا بطريق األولى"‪.4‬‬ ‫ِ‬
‫المسلمة إذا َّ‬ ‫ِ‬
‫المسلم و‬ ‫الذمي‪ِ ،‬‬
‫وقتل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرجل‬ ‫على ِ‬
‫قتل‬

‫‪ - 1‬القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪.252/2 ،‬‬


‫‪ - 2‬النووي‪ ،‬روضة الطالبين‪.221/4 ،‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫صلى هللاُ َعل ْي ِه َو َسل َم‪ ،124/4 ،‬حديث(‪ .)4331‬قال األلباني‪:‬‬ ‫‪ - 3‬أبو داود‪ ،‬سنن أبي داود‪ِ ،‬كتَاب ْال ُحدُو ِد‪ ،‬بَابُ ال ُحك ِم فِي َمن َسبَّ النبِ َّ‬
‫ي َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫صحيح‪.‬‬
‫‪ - 4‬ابن تيمية‪ ،‬الصارم المسلول على شاتم الرسول‪ ،‬ص‪.32‬‬

‫‪124‬‬
‫الحرب‪ ،‬لم ي ُز ْل مْل ُكه‪ ،‬لكن يباح قتلُه ل ُك ِل ٍ‬
‫أحد‪ ،‬من ِ‬
‫غير‬ ‫ِ‬ ‫تد ِ‬
‫بدار‬ ‫وقال ابن قدامة‪ ":‬ولو لَ ِح َ‬
‫ق المر ُّ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫الحرب"‪.1‬‬ ‫ماله لمن قَِدر عليه‪ ،‬ألنه صار حربياً‪ ،‬حكمه حكم ِ‬
‫أهل‬ ‫استتابة‪ ،‬وأخ ُذ ِ‬
‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫أن َم ْن َح َّكم مجتهداً في‬


‫الشافعي رحمهُ اهللُ في َّ‬ ‫ِّ‬ ‫وقال إمام الحرمين الجويني‪ ":‬وقد اختلف قو ُل‬
‫فأحد قوليه‪ ،‬وهو ظاهر‬ ‫ماح َك َم به اْل ُم َح َّك ُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بأحكام ِ‬ ‫ِ‬ ‫زمان ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫أهل اإلسالم‪ ،‬فهل ينف ُذ َ‬ ‫اإلمام‬ ‫قيام‬
‫حكمه ما ينف ُذ من ُح ْكِم القاضي الذي يتولى منصبه من‬ ‫مذهب أبي حنيفة رحمه اهلل أنه ينفذ من ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ ُ‬
‫تولية اإلمــام"‪.1‬‬

‫وقد أجاب شيخ اإلسالم ابن تيمية‪- :‬رحمه اهلل‪-‬في سؤال له عن التعزير هل يختص بالحاكم‪:‬‬
‫ِ‬
‫األمور‬ ‫" وتعزير هؤالء ليس يختص بالحاكم‪ ،‬بل يعزره الحاكم والمحتسب وغيرهما من و ِ‬
‫الة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫النساَ ِء‪،‬‬
‫كثير في ّ‬ ‫فساد ٍ‬
‫ظهر فيها ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القادرين على ذلك‪ ،‬ويتعين ذلك في مثل هذه الحال التي َ‬
‫المنكر فلم‬ ‫الناس إذا أروا‬ ‫إن‬ ‫النبي ‪-‬صلَّى اهلل ِ‬
‫عليه وسلَّم ‪-‬قال‪َّ « :‬‬ ‫الزور كثيرةٌ‪ ،‬فإن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وشهادة‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫بعقاب منه‪ .»6‬واهلل أعلم"‪.4‬‬ ‫يغيروه أوشك أن َي ُع َّمهم اهللُ‬

‫ِ‬
‫الفعل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫المتوقعة من‬ ‫ِ‬
‫المفسدة‬ ‫ِ‬
‫حصول‬ ‫ولكن هذا ي ْحم ُل على ِ‬
‫عدم‬ ‫لة‪َّ ،‬‬‫اهد واألد ِ‬
‫وغير ذلك من الشو ِ‬
‫ُ َ‬
‫ِ‬
‫الفتنة‪ ،‬وكذلك ُيحمل‬ ‫حدوث‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫فال ثأ َر وال فَوضى‪ ،‬وذلك بسبب وجود اإلمام وشوكته التي تمنعُ‬
‫اإلمام يرضى منه ذلك اإلفت ات إذا قام به‪.‬‬ ‫يكون من حاله أن‬
‫َ‬ ‫على أن َم ْن يقوم بها‪َّ ،‬‬
‫البد وأن‬
‫َ‬
‫ولكن وقد يعاقب اإلمام من قام به خشية الفتنة‪ ،‬أو اإلفت ات عليه‪.‬‬

‫حكم تطبيق أحكام القصاص في حال غياب اإلمام العام‪:‬‬


‫ِ‬
‫المسلم‪ ،‬وعندما تخلو البلد‬ ‫ِ‬
‫الحاكم‬ ‫ِ‬
‫اختصاص‬ ‫ِ‬
‫الحدود‪ ،‬من‬ ‫ِ‬
‫كالقصاص و‬ ‫عي ِة‬ ‫ِ‬
‫العقوبات الشر َّ‬ ‫إن تنفي َذ‬
‫عية‪ ،‬وليس من‬ ‫العلماء‪ ،‬أو ما يسمى بالهي ِ‬
‫ات الشر َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المسلم أو نا به‪ ،‬فينتقل ذلك إلى‬ ‫ِ‬
‫الحاكم‬ ‫من‬
‫ِ‬
‫الجماعات‪.‬‬ ‫اختصاص األفرِاد أو‬
‫ِ‬

‫فاألمور‬ ‫وكفاية ودر ٍ‬


‫اية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫سلطان ذي ٍ‬
‫نجدة‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اإلمام‪ ،‬وخال عن‬ ‫الزمان عن‬ ‫شغر‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫قال الجويني‪ ":‬فإذا َ‬
‫اختالف طبقاتهم‪ ،‬أن يرجعوا إلى علما ِهم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫العلماء‪ ،‬وحق على الخال ِق على‬
‫ِ‬ ‫موكولةٌ إلى‬

‫‪ - 1‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪.4/4 ،‬‬


‫‪ - 2‬الجويني‪ ،‬غياث األمم في التياث الظلم‪ ،‬ص‪.324‬‬
‫‪ - 3‬القزويني‪ ،‬سنن ابن ماجه‪ ،‬كتاب الفتن‪ ،‬باب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،1327/2 ،‬حديث(‪ .)4115‬قال األلباني‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫‪ - 4‬ابن تيمية‪ ،‬الفتاوى الكبرى‪.27/3 ،‬‬

‫‪125‬‬
‫ِ‬
‫السبيل‪ ،‬وصار‬ ‫اليات عن أريِهم‪ ،‬فإن فَعلوا ذلك‪ ،‬فقد ُه ُدوا إلى سو ِء‬
‫جميع قضايا الو ِ‬
‫ِ‬ ‫ويصدروا في‬
‫ِ‬
‫العباد"‪.1‬‬ ‫ِ‬
‫البالد والةَ‬ ‫علماء‬
‫ُ‬

‫علماء‬ ‫ِ‬
‫العلماء‪ ،‬فإن َكثَُر‬ ‫الناس إلى‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫رجع ُ‬ ‫الزمان عن إمام‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫خال‬
‫قال الخطيب الشربيني‪ ":‬ولو َ‬
‫ع كما قاله اإلمام"‪.1‬‬ ‫ِ‬
‫الناحية فالمتبَّع أعلَ ُمهم‪ ،‬فإن استووا وتنازعوا أُ ْق ِر َ‬

‫ب بها مجموعُ‬
‫طٌ‬‫الحدود ُم َخا َ‬
‫َ‬ ‫األحكام و‬
‫َ‬ ‫وقد أشار شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رحمه اهلل‪-‬إلى أن‬
‫ٍ‬
‫سلطان إذا لم يكن‬ ‫السلطان وأمكن إقامتُها من ِ‬
‫غير‬ ‫ُ‬ ‫السلطان ذو القدرة‪ ،‬فإن ُعِدم‬
‫ُ‬ ‫ويقيمها‬ ‫ِ‬
‫األمة‪ُ ،‬‬
‫العام‪،‬‬ ‫ِ‬
‫السلطان ِّ‬ ‫ِ‬
‫الحدود من‬ ‫اجب‪ ،‬وذلك ألن إقامةَ‬ ‫ِ‬ ‫في إقامتِها مفسدةٌ‬
‫أعظم من تركها‪ ،‬فهذا هو الو ُ‬ ‫ُ‬
‫‪6‬‬
‫فيها المصلحةُ المحضةُ‪ ،‬وليس هناك مفسدةٌ‪.‬‬

‫ِ‬
‫بالفعل ال‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالحدود والحقو ِ‬
‫ق خطاباً مطلقاً‪ ،‬لكن قد ُعل َم أن المخاطَ َ‬ ‫المؤمنين‬
‫َ‬ ‫ب اهللُ‬
‫طَ‬
‫فقال‪ ":‬خا َ‬
‫ِ‬
‫الكفاية من‬ ‫يكون قاد اًر عليه‪ ،‬والعاجزون ال يجب عليهم‪ ،‬وقد ُعلِ َم أن هذا ٌ‬
‫فرض على‬ ‫َّ‬
‫بد أن َ‬
‫ون َّو ِ‬
‫ابه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫السلطان ُ‬ ‫الحدود على ذي‬ ‫ِ‬ ‫وجب إقامةُ‬ ‫القادرين‪ ،‬و " القدرة " هي السلطان؛ فلهذا‪:‬‬
‫َ‬
‫ض أن األمةَ خرجت عن‬ ‫الباقون ُن َّو ُابهُ‪ ،‬فإذا فُ ِر َ‬
‫َ‬ ‫احد‪ ،‬و‬
‫إمام و ٌ‬
‫يكون للمسلمين ٌ‬
‫‪ -‬والسنةُ أن َ‬
‫غير ذلك فكان لها عدةُ أ ٍ‬
‫مة‪:‬‬ ‫وعجز من الباقين أو ِ‬ ‫ٍ‬ ‫لمعصية من ِ‬
‫بعضها‬ ‫ٍ‬ ‫ذلك‬
‫الحقوق‪.‬‬ ‫ويستوفي‬ ‫ِ‬
‫الحدود‪،‬‬ ‫يقيم‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪ -‬لكان يجب على كل إمام أن َ‬
‫ِ‬
‫العدل‪.‬‬ ‫أحكامهم‪ ،‬ما ينفذ من أحكام ِ‬
‫أهل‬ ‫ِ‬ ‫البغي ينفذ من‬
‫ِ‬ ‫إن أهل‬ ‫العلماء‪َّ :‬‬ ‫‪ -‬ولهذا قال‬
‫ُ‬
‫حزب ِفع ُل ذلك في ِ‬
‫أهل‬ ‫‪ -‬وكذلك لو شاركوا اإلمارةَ وصاروا أحزاباً‪ ،‬لوجب على ُك ّل ِِ ٍ‬
‫ِ‬
‫لألمير‬ ‫ِ‬
‫وتعددهم‪ ،‬وكذلك لو لم يتفرقوا؛ لكن طاعتهم‬ ‫ق األمر ِء‬‫عند تفر ِ‬
‫طاعتهم‪ ،‬فهذا َ‬
‫الكبير ليست طاعةً تامةً‪.‬‬
‫القيام بذلك؛ بل عليهم أن‬
‫ُ‬ ‫ط عنهم‬‫فإن ذلك أيضاً إذا أسقط عنه إلزامهم بذلك‪ ،‬لم يسق ْ‬ ‫‪-‬‬
‫ُيقيموا ذلك‪.‬‬
‫ق‪ ،‬أو إضاعتِه لذلك‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الحدود والحقو ِ‬ ‫اء‪ ،‬عن إ ِ‬
‫قامة‬ ‫بعض األمر ِ‬
‫ِ‬ ‫عجز‬
‫ض ُ‬ ‫وكذلك لو فُ ِر َ‬ ‫‪-‬‬
‫لكان ذلك الفرض على ِ‬
‫القادر عليه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بالعدل‪.‬‬ ‫فاعلين‬ ‫ون َّو ُابهُ‪ ،‬إذا كانوا قادرين‬
‫السلطان ُ‬ ‫الحدود إال‬ ‫يقيم‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وقول من قال‪ :‬ال ُ‬ ‫‪-‬‬

‫‪ - 1‬الجويني‪ ،‬غياث األمم في التياث الظلم‪ ،‬ص‪.341‬‬


‫‪ - 2‬الخطيب الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪.254/3 ،‬‬
‫‪ - 3‬ابن تيمية‪ ،‬مجموع الفتاوى‪.173-175/34 ،‬‬

‫‪123‬‬
‫ضّيعاً ألمو ِ‬
‫ال‬ ‫ِ‬
‫الحاكم َّإنما هو العاد ُل‬
‫القادر فإذا كان ُم َ‬
‫ُ‬ ‫األمر إلى‬
‫‪ -‬كما يقول الفقهاء‪ُ :‬‬
‫ِ‬
‫بدونه‪.‬‬ ‫إمكان ِ‬
‫حفظها‬ ‫ِ‬ ‫تسليمها إليه‪ ،‬مع‬ ‫اليتامى؛ أو عاج اًز عنها‪ ،‬لم يجب‬
‫ُ‬
‫تفويضها إليه مع‬
‫ُ‬ ‫يجب‬
‫للحدود‪ ،‬أو عاج اًز عنها‪ ،‬لم ْ‬ ‫ِ‬ ‫ضِّيعاً‬
‫‪ -‬وكذلك األمير إذا كان ُم َ‬
‫ِ‬
‫إمكان إقامتها بدونه‪.‬‬
‫ِ‬
‫أمكن إقامتُها من ٍ‬
‫أمير لم‬ ‫أحسن الوجوِه‪ ،‬فمتى َ‬
‫ِ‬ ‫ام على‬
‫أن هذه الواجبات‪ ،‬تُقَ ُ‬ ‫‪ -‬واألص ُل َّ‬
‫سلطان‪ ،‬أُقيمت إذا لم يكن في إقامتِها‬
‫ٍ‬ ‫بعدد ومن ِ‬
‫غير‬ ‫اثنين‪ ،‬ومتى لم يقَم إال ٍ‬
‫ُْ‬ ‫َي ْحتَ ْج إلى ِ‬
‫ِ‬
‫المنكر‪.‬‬ ‫النهي عن‬ ‫ِ‬
‫بالمعروف‪ ،‬و ِ‬ ‫ِ‬
‫األمر‬ ‫فإنها من " باب‬ ‫يد على إضاعتها‪َّ ،‬‬ ‫فساد يز ُ‬
‫ٌ‬
‫فساد‬
‫فع ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فساد و ِ‬
‫‪ -‬فإن كان في ذلك من ِ‬
‫األمر‪ ،‬أو الرعية ما يزيد على إضاعتها‪ ،‬لم ُي ْد ْ‬ ‫الة‬
‫بأفسد منه‪ .‬واهلل أعلم"‪.1‬‬
‫َ‬

‫فسدون‬
‫َ‬ ‫للج َن ِاة ُي‬ ‫ِ‬
‫المجال ُ‬ ‫إفساح‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫لجماعة المسلمين‬ ‫ولذلك في حال لم يكن سلطان‪ ،‬فال يسوغُ‬
‫ٍ‬
‫وسيلة تردعُ الظّلَ َمةَ‪.‬‬ ‫البحث عن‬
‫ُ‬ ‫المسلمين‪،‬‬ ‫ِ‬
‫جماعة‬ ‫ويقتلون َم ْن شاءوا‪ ،‬بل يتعيَّ ُن على‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عدة واستعداد بشوكة ونجدة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫دون اعتضاد ُب َّ‬
‫تثبت َ‬‫فقد قال الجويني‪ ":‬وقد ذكرنا أن اإلمامةَ ال ُ‬
‫ِ‬
‫اإلسالم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أحكام‬ ‫ِ‬
‫إقامة‬ ‫أثر لها في‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بمجردها من ِ‬ ‫ِ‬
‫استمكان ال َ‬ ‫اقتدار و‬ ‫غير‬ ‫فكذلك الكفايةُ‬
‫بلغ‬
‫اليات وقد َ‬‫ومنة‪ ،‬فكيف يجري قضايا الو ِ‬ ‫مستقل بقوى ٍ‬
‫ٍ‬ ‫شغر الزمان عن ٍ‬
‫كاف‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬فإذا َ َ‬
‫تعذ ُرها منتهى الغايا ِت‪.‬‬
‫ُّ‬
‫األدب َي ْقتَضي فيه مطالعةُ ذوي‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الناس فيه بأنفسهم ولكن‬ ‫ِ‬
‫استقالل‬ ‫‪ -‬فنقول‪ :‬أما ما يسوغُ‬
‫ِ‬
‫الجهاد‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العساكر إلى‬ ‫الجمع ِ‬
‫وجر‬ ‫ِ‬ ‫العصر‪ِ ،‬‬
‫كعقد‬ ‫ِ‬ ‫األمر ومراجعةُ مرمو ِ‬
‫ق‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫الدهر‪ ،‬ولو سعى عند‬ ‫الناس عند ِ‬
‫خلو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النفس والطرف‪ ،‬فيتواله ُ‬ ‫القصاص في‬ ‫استيفاء‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬و‬
‫ِ‬
‫األرض‬ ‫ِ‬
‫السعاية في‬ ‫قو‬ ‫نقض الطر ِ‬
‫ِ‬ ‫البأس‪ ،‬في‬ ‫ِ‬
‫النجدة و ِ‬ ‫ذوي‬‫ف من ِ‬ ‫ِ‬
‫الزمان‪ ،‬طوا ُ‬ ‫ِ‬
‫شغور‬
‫ِ‬
‫الناس‬ ‫حاد‬ ‫ِ‬
‫المنكر‪ ،‬وانما َي ْنهَى ُ‬ ‫ِ‬
‫بالمعروف والنهي عن‬ ‫ِ‬
‫األمر‬ ‫اب‬ ‫ِ‬
‫بالفساد فهم من أهم أبو ِ‬
‫ّ‬
‫ِ‬ ‫الزمان وزر قوام على ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلسالم‪.‬‬ ‫أهل‬ ‫ِ ُ‬ ‫األسلحة استبداداً‪ ،‬إذا كان في‬ ‫عن ِ‬
‫شهر‬
‫اإلمكان‪ ،‬إلى درِء البوا ِ‬
‫ق عن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حسب‬ ‫البدار على‬ ‫وجب‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫السلطان‪،‬‬ ‫الزمان عن‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬فإذا خلى‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫االستحثاث على ما هو‬ ‫باألنفس من ِ‬
‫قبيل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االستقالل‬ ‫ِ‬
‫اإليمان‪ ،‬ونهينا الرعايا عن‬ ‫ِ‬
‫أهل‬
‫النجاح‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الصالح واألدنى إلى‬
‫ِ‬ ‫األقرب إلى‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫لشتات‬ ‫ِ‬
‫السياسة أوقعُ وأنج ُ وأدفعُ للت ِ‬ ‫ان من ِ‬ ‫َّ‬
‫نافس‪ ،‬وأجمعُ‬ ‫أمور‬ ‫فإن ما يتواله السلطَ ُ‬ ‫‪-‬‬
‫‪1‬‬
‫ينكره ذو عقل‪.‬‬ ‫الدماء‪ ،‬وشهر األ ِ‬
‫سلحة وجوهٌ من َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الخبل ال ُ‬ ‫ُ‬ ‫أمور‬
‫الرأي في تمليك الرعايا َ‬

‫‪ - 1‬ابن تيمية‪ ،‬مجموع الفتاوى‪.173-175/34 ،‬‬


‫‪ - 2‬الجويني‪ ،‬غياث األمم في التياث الظلم‪ ،‬ص‪.327-323‬‬

‫‪127‬‬
‫عما‬ ‫ِ‬
‫بالقعود َّ‬ ‫ِ‬
‫بأمورهم يلوذون به‪ ،‬فيستحي ُل أن ُي ْؤ َمروا‬ ‫قواماً‬‫اس َّ‬ ‫يصادف َّ‬ ‫ِ‬
‫الن ُ‬ ‫واذا لم‬ ‫‪-‬‬
‫العباد‪،‬‬
‫البالد و َ‬ ‫َ‬ ‫الفساد‬
‫ُ‬ ‫عم‬ ‫ِ‬
‫لممكن َّ‬ ‫ِ‬
‫الفساد‪ ،‬فإنهم لو تقاعدوا عن ا‬ ‫دفع‬
‫عليه من ِ‬ ‫يقتدرون ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫األمر المهم ِ‬ ‫ِ‬
‫بالتقاعد في ِ‬
‫ات‪ ،‬وأتاها على أقرب‬ ‫ِ َ ّ‬ ‫ِ‬
‫السلطان َكفاهم ذو‬ ‫قيام‬ ‫واذا أمروا‬ ‫‪-‬‬
‫الجهات‪.‬‬
‫ان ُك ّل قر ٍ‬
‫ية‬ ‫وس َّك ِ‬ ‫ٍ‬
‫ان ُك ّل بلدة ُ‬ ‫السلطان فحق على قُطَّ ِ‬
‫ِ‬ ‫الزمان عن‬
‫ُ‬ ‫العلماء لو خلى‬
‫ُ‬ ‫وقد قال‬ ‫‪-‬‬
‫امتثال إشار ِ‬
‫اته‬ ‫َ‬ ‫الحجا من يلتزمون‬ ‫العقول و ِ‬
‫ِ‬ ‫النهى‪ ،‬وذوي‬ ‫ِ‬
‫األحالم و ُّ‬ ‫يقدموا من ذوي‬ ‫أن ّ‬
‫المهمات‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫اجره‪ ،‬فإنهم لو لم يفعلوا ذلك‪َّ ،‬‬ ‫مناهيه ومز ِ‬‫ِ‬ ‫وأوامرِه‪،‬‬
‫عند إلمام ُ‬ ‫ترددوا َ‬ ‫وينتهون عن‬
‫َ‬
‫إظالل الو ِ‬
‫اقعات‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وتبلَّدوا عند‬
‫ِ‬
‫المخافات‪ ،‬تعيَّن عليهم‬ ‫اطن‬‫أوغلوا في مو ِ‬
‫ات‪ ،‬و َ‬‫اإلمام للغزو ِ‬
‫ِ‬ ‫ولو انتدب جماعةٌ في ِ‬
‫قيام‬ ‫‪-‬‬
‫ِ‬
‫المخافات‪ ،‬ولم‬ ‫ِ‬
‫ورطات‬ ‫أن ينصبوا من يرجعون إلى ر ِ‬
‫أيه‪ ،‬إذ لو لم يفعلوا ذلك‪ ،‬لهووا في‬ ‫َْ‬
‫ِ ‪1‬‬ ‫ٍ‬
‫شيء من الحاالت "‪.‬‬ ‫يستمروا في‬

‫اإلمام أو نا بهُ‪،‬‬ ‫تد –" َّ‬


‫الداعي‬ ‫الم ْر َّ‬
‫دعو ُ‬ ‫قال ابن عثيمين رحمه اهلل وهو يتكلم عن ‪َ -‬من الذي َي ُ‬
‫ُ‬
‫إسالمي‪ ،‬ال‬ ‫بلد ِ‬
‫غير‬ ‫القوم‪ ،‬أو ر يسهم وكبيرهم‪ ،‬كما لو كان في ٍ‬ ‫فأمير ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫إمام وال نا بهُ‪ُ ،‬‬
‫فإن لم يكن ٌ‬
‫يس‪،‬‬ ‫الء الطا ِ‬
‫لإلمام‪ ،‬فإنه إذا كان على هؤ ِ‬
‫ِ‬
‫ُم َر‪ ،‬أو ر ٌ‬‫أمير أ ِّ‬
‫المسلمين ٌ‬
‫َ‬ ‫فة من‬ ‫ب‬‫إمام‪ ،‬وال نا ٌ‬
‫يوجد ٌ‬
‫ُ‬
‫‪1‬‬
‫الحكم متعلقاً به"‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ص َار‬
‫أو ما أشبه ذلك َ‬

‫بين الناس‪ ،‬ما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫العلماء‪ ،‬في ِ‬ ‫بعض أقو ِ‬ ‫ِ‬
‫بيان صحة إقامة األحكام من" الحدود والتعزيرات" َ‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫فهذه‬
‫ِ‬
‫المفسدة والترجي ِ بينهما‪.‬‬ ‫ِ‬
‫للمصلحة و‬ ‫ِ‬
‫النظر‬ ‫عي‪ ،‬مع‬ ‫ِ‬
‫اإلمام الشر ِّ‬ ‫ِ‬
‫غياب‬ ‫زمن‬
‫أمكنهم ذلك َ‬

‫‪ - 1‬الجويني‪ ،‬غياث األمم في التياث الظلم‪ ،‬ص‪.327-323‬‬


‫‪ - 2‬محمد العثيمين‪ ،‬الشرح الممتع على زاد المستقنع‪.453/14 ،‬‬

‫‪122‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق أحكام الديات‬

‫ويشتمل على ثالثة مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التعريف بالدية وحكمها والغاية منها‬

‫المطلب الثاني‪ :‬واجب الدولة تجاه إقامة أحكام الديات‬

‫المطلب الثالث‪ :‬موقف الشرع من تطبيق أحكام الديات في حال‬


‫غياب الدولة‬

‫‪124‬‬
‫المطلب األول‬
‫التعريف بالدية وحكمها والغاية منها‬

‫تعريف الديات‪:‬‬
‫ـال الـذي هـو‬ ‫"جمعُ ِد َي ٍة‪ :‬وهي فـي اللغـة‪ :‬مصـدر َوَدى القاتـ ُل القتي َـل َيِديـه ِديـةً إذا أعطَـى َّ‬
‫وليـه الم َ‬
‫وزنـ ٍـة مـن ال َـوْزِن‪ .‬وكــذلك ِهبـة ِمـ َن‬
‫الو ْعـِد ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫بـد ُل ال ّـن ْفس‪ ،‬وأصـلُها َوْد َيـة‪ ،‬فهـي محذوفـةُ الفـاء َكعـدة مـن َ‬
‫(ديـة) تسـميةً‬ ‫ـاء الكلمـة التـي هـي الـواو‪ ،‬ثـم سـمي ذلـك المـال ِ‬ ‫األصل بد ٌل مـن ف ِ‬
‫ِ‬ ‫الهاء في‬
‫ُّ‬ ‫الو ْهب‪ .‬و ُ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬
‫ِ‬
‫بالمصدر"‪.‬‬

‫وفي االصطالح‪:‬‬
‫س"‪.‬‬‫الن ْف ِ‬
‫‪1‬‬ ‫بعض الحنفية‪ ":‬بأنها اسم ِ‬
‫للمال الذي هو بد ُل َّ‬ ‫ُ‬ ‫عرفها‬
‫‪َّ -1‬‬
‫ٌ‬
‫ِ ‪6‬‬
‫دمي ٍِ ُح ّر ٍِعوضاً عن دمه"‪.‬‬
‫ّ‬
‫يجب ِ‬
‫بقتل‬ ‫المالكي ُة‪ ":‬ما ٌل ُ‬ ‫وعرفها‬
‫‪َّ -1‬‬
‫‪4‬‬
‫فس أو فيما دونها"‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بجناية على الح ِر في ن ٍ‬ ‫اجب‬
‫الشافعي ُة‪ ":‬هي الما ُل الو ُ‬ ‫وعرفها‬
‫‪َّ -6‬‬
‫‪5‬‬ ‫ِ‬
‫بسبب جناية"‪.‬‬ ‫عليه أو ِّ‬
‫وليه‬ ‫ؤدى إلى مجني ٍِ ِ‬ ‫الم َّ‬
‫ّ‬ ‫الحنابل ُة‪ ":‬هي الما ُل ُ‬ ‫وعرفها‬
‫‪َّ -4‬‬

‫ِ‬
‫لوجهين‪:‬‬ ‫الدي ُة عقالً‪ ،‬وذلك‬ ‫وتسمى ِّ‬
‫سفك أي تُ ْم ِس ُ‬ ‫ِ‬ ‫أحدهما‪ ":‬ألنها تَ ْع ِق ُل‬
‫‪3‬‬
‫ك"‪.‬‬ ‫أن تُ َ‬‫الدماء م ْن ْ‬
‫َ‬
‫المـ َّ‬
‫ؤداةَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والثــاني‪" :‬ألنهــم يــأتون باإلبــل فيعقلونهــا فــي فنــاء ولـ ِّي القتيــل‪ ،‬ألنــه جــرت العــادةُ أن اإلبـ َـل ُ‬
‫ون لهـا‬ ‫ـاخ وتُع َقـ ُل ِ‬ ‫مكان أولي ِ‬
‫ـاء المقت ِ‬ ‫ُيؤتَى بها إلى ِ‬
‫المـ َؤّد َ‬
‫بعقلهـا‪ ،‬ولهـذا تُ َسـ َّمى الديـةُ َع ْقـالً‪ ،‬و ُ‬
‫ُ‬ ‫ـول‪ ،‬وتُن ُ ْ‬
‫‪7‬‬
‫ون َعاقلةً"‪.‬‬
‫ُي َس َّم َ‬
‫الد ِ‬
‫ية‪:‬‬ ‫مشروعية ّ‬‫ِ‬ ‫حكم ُة‬
‫عليه أو ثا ِرة أوليا ِه إذا كانت‬
‫من الحكم التي من أجلِها ُشرعت الديةُ تسكين ثا ِرة الم ْجني ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ص ْل به َج ْب ُر‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫تسكين الثا رِة‬ ‫ِ‬
‫وي ْح ُ‬
‫نفوسهُم َ‬
‫للنفوس ببذل مال تهدأُ به ُ‬ ‫َ‬ ‫فإن‬
‫النفس‪ّ ،‬‬ ‫الجنايةُ على‬
‫القصاص والعفَو قال‪:‬‬ ‫ذكر‬ ‫ِ‬ ‫خو ِ‬
‫َ‬ ‫بعد أن َ‬
‫التخفيف‪ ،‬ولذلك قال اهللُ ‪-‬تعالى‪َ -‬‬ ‫من‬
‫اطرهم وتسليتُهم نوعٌ َ‬
‫شيء فَاتِّباعٌ ِبا ْلمعر ِ‬
‫وف}‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫{فَ َم ْن ُعف َي لَ ُه م ْن أَخيه َ ْ ٌ َ‬

‫‪ - 1‬الفيومي‪ ،‬المصباح المنير‪.2/354 ،‬‬


‫‪ - 2‬عبد الغني الميداني‪ ،‬اللباب في شرح الكتاب‪ ،1/312 ،‬الدر المختار‪.3/573 ،‬‬
‫‪ - 3‬أبو الحسن المالكي‪ ،‬كفاية الطالب‪.2/327 ،‬‬
‫‪ - 4‬محمد الشربيني الخطيب‪ ،‬اإلقناع‪ ،2/512 ،‬مغني المحتاج‪ ،4/53 ،‬الرملي‪ ،‬نهاية المحتاج ‪.242 / 7‬‬
‫‪ - 5‬البهوتي‪ ،‬كشاف القناع‪ ،3/5 ،‬مصطفى السيوطي الرحيباني‪ ،‬مطالب أولي النهى‪.75/3 ،‬‬
‫‪ - 3‬المرغياني‪ ،‬الهداية شرح بداية المبتدي‪.4/224 ،‬‬
‫‪ - 7‬محمد العثيمين‪ ،‬الشرح الممتع على زاد المستقنع‪.14/45 ،‬‬

‫‪131‬‬
‫وقال تعالى‪َ { :‬ذلِ َك تَ ْخ ِف ٌ‬
‫يف ِّمن َّرِّب ُك ْم َو َر ْح َم ٌة} [البقرة‪ ،]178 :‬فاهلل تعالى َذ َك َر التخفيف‪ ،‬وهو‬
‫التخفيف على الجاني باالنتقال من القصاص إلى الدية‪ ،‬والتخفيف على المجني عليه بأال يذهب‬
‫عليه القصاص‪ ،‬ويذهب عليه التعويض الذي ُي َس ِّكن نفسه‪ ،‬ويذهب عنه الثا رة‪ ،‬ويذهب عنه‬
‫االنزعاج والفجيعة التي حصلت له بالجناية على نفسه أو على من يحب‪.‬‬

‫أيضا من اْل ِح َكم أنه تعويض لمن ُجنِي عليه‪ ،‬أو ألولياء المجني عليه تعويضاً لهم عن بع ِ‬
‫ـض مـا‬ ‫َ‬
‫ـض اْل ِح َكــم التــي‬ ‫فَقَـدوهُ‪ ،‬ولــيس تعويضـاً لهــم عــن كـ ّل مــا فقــدوه واَّنمــا عــن بعـ ِ‬
‫ـض مــا فقــدوه‪ ،‬هــذه بعـ ُ‬
‫اء كانــت الجنايـةُ علــى‬ ‫ِ‬ ‫ذكرهــا أهـ ُل العلـِـم رحمهــم اهللُ فــي أسـرِار فـ ِ‬
‫ـرض الــديات علــى َم ـ ْن َج َنــى‪ ،‬سـو ٌ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫النفس‪.‬‬ ‫دون‬
‫النفس أو على ما َ‬ ‫ِ‬
‫مشروعية الدية‪:‬‬
‫المسلمين‪.‬‬ ‫ُّنة واجماعُ فقه ِ‬
‫اء‬ ‫الدية القرن والس ِ‬ ‫وجوب ِ‬ ‫ِ‬ ‫األصل في‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أما القرآن‪:‬‬
‫َهلِـ ِـه إَِّال أ ْ‬
‫َن‬ ‫سـلَّ َم ٌة إِلَــى أ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫طـأً فَتَ ْح ِريـ ُـر َرقَ َبــة ُم ْؤ ِم َنــة َوِد َيـ ٌة ُم َ‬
‫فيقــول اهلل تعــالى‪َ ( :‬و َمـ ْـن قَتَـ َـل ُم ْؤ ِم ًنــا َخ َ‬
‫ص َّدقُوا) [النساء‪.]91 :‬‬ ‫َي َّ‬
‫ولكنـه لمـا‬‫اهلل‪َّ ،‬‬ ‫ـارم ِ‬‫صـ ُد القت َـل غي ُـر ث ٍـم‪ ،‬وال مجتـرئ علـى مح ِ‬ ‫وجه الداللة‪ :‬إن المخطئ الـذي ال ي ْق ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ ‪1‬‬ ‫عل ِفعالً شنيعا وصورتُه كافيةٌ في ِ‬
‫مر تعالى بالكفَّارِة والدية‪.‬‬ ‫يقصدهُ أَ َ‬
‫ْ‬ ‫قبحه وا ْن لم‬ ‫ً‬ ‫كان قد فَ َ‬
‫َ‬

‫وأما السن ُة‪:‬‬


‫ـام َر ُسـو ُل اللَّ ِـه ‪-‬صـلى اهلل عليـه‬ ‫داود َع ْن أبي هريرة قال‪ ":‬لَ َّما فُتِ َح ْ َّ‬
‫ـت َمكـةُ قَ َ‬ ‫‪ -1‬فقد روى أبو َ‬
‫ـام َرُجـ ٌل‬ ‫ال « م ْن قُِت َل لَ ُه قَ ِتي ٌل فَ ُه َـو ِب َخ ْي ِـر َّ‬
‫النظَ َـرْي ِن إِ َّمـا أ ْ‬
‫ـاد »‪ .‬فَقَ َ‬
‫ـودى أ َْو ُيقَ َ‬ ‫َن ُي َ‬ ‫وسلم‪-‬فَقَ َ َ‬
‫ـاس ا ْكتُُبـوا لِـي ‪-‬‬ ‫ـب لِـي ‪-‬قَ َ‬
‫ـال اْل َعَّب ُ‬ ‫ـول اللَّ ِـه ا ْكتُ ْ‬
‫ـال َيـا َر ُس َ‬ ‫َه ِل اْليم ِن يقَا ُل لَه أَبـو َش ٍ‬
‫ـاه فَقَ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫م ْن أ ْ َ َ ُ‬
‫ِ‬
‫ال‬
‫َح َم َـد‪ .‬قَـ َ‬ ‫ال رسو ُل اللَّ ِه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪«-‬ا ْكتُبوا ألَبِى َش ٍاه»‪ .‬وهـ َذا لَ ْفـظُ ح ِـد ِ‬
‫يث أ ْ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫فَقَ َ َ ُ‬
‫‪1‬‬
‫عليه وسلَّم‪."-‬‬‫النبِي ‪-‬صلَّى اهلل ِ‬ ‫ط َبةَ َّ‬‫أَُبو َد ُاوَد ا ْكتُُبوا لِي َي ْعنِى ُخ ْ‬
‫ُ‬

‫ـي صــلَّى اهللُ علي ِـه وســلَّم قــال‪ ":‬قَ ِتيـ ُل ا ْل َخطَـِإ ِشـ ْـب ِه ا ْل َع ْمـ ِـد‬ ‫ـرو عــن النب ِّ‬ ‫اهلل ب ِـن عمـ ِ‬‫‪ -2‬وعـن عبـ ِـد ِ‬
‫ون ِم ْن َها ِفي ُبطُوِن َها أ َْوَال ُد َها"‪.3‬‬ ‫صا ِم َائ ٌة ِم ْن ِْ‬
‫اإل ِب ِل أ َْرَب ُع َ‬ ‫ِب َّ ِ‬
‫الس ْوط أ َْو ا ْل َع َ‬

‫‪ - 1‬السعدي‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان‪.1/142 ،‬‬


‫ِّ‬ ‫ت‪ ،‬بَابُ َولِ ِّي ْال َع ْم ِد يَرْ َ‬
‫ضى بِالديَ ِة‪ ،‬حديث(‪ ،)4515‬قال األلباني‪ :‬صحيح‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أبو داود‪ ،‬سنن أبي داود‪ِ ،‬كتَاب ال ِّديَا ِ‬
‫‪ - 3‬النسائي‪ ،‬سنن النسائي‪ِ ،‬كتَابُ ْالقَ َسا َم ِة‪ ،‬باب َك ْم ِد َيةُ ِش ْب ِه ْال َع ْم ِد‪ ،41/2 ،‬حديث(‪ .)4741‬قال األلباني‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫‪1‬‬ ‫وجوب الَ َّد ِ‬
‫ية"‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أما اإلجماعُ ‪ ":‬فَقَ ْد أجمع أه ُل ِ‬
‫العْلِم على‬ ‫َ‬

‫ِ‬
‫الدية والغاي ُة منها‪.‬‬ ‫حكم‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫القصاص مقَ َّدرةٌ‪ ،‬كذلك عقوبةُ ِ‬
‫العقوبات تعيينـاً‬ ‫الدية ُمقدرةٌ‪ ،‬وان الشريعةَ َع َّينت هذه‬ ‫ِ ُ‬ ‫كما أن عقوبةَ‬
‫ِ‬
‫وتقديرها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العقوبة‬ ‫ِ‬
‫اختيار‬ ‫ِ‬
‫للقاضي حريةً في‬ ‫تترك‬
‫بحيث لم ْ‬
‫ُ‬ ‫دقيقاً‪،‬‬

‫القصاص وعقوبةُ الدي ِـة مـن العقوب ِ‬


‫ـات المق َّـد ِرة؛ ألنهـا مح َّـددةُ النـوِع‬ ‫قال عبد القادر عودة‪ ":‬وعقوبةُ ِ‬
‫َ‬
‫وليـ ِه العف ُـو عـن العقوب ِـة‪ ،‬ألنهـا‬ ‫للمجنـي عليـه أو ّ‬‫المقدار‪ ،‬ولكنها مقدرةٌ حقـاً لألفـرِاد‪ ،‬ومـن ثَـ َّم كـان ِ‬
‫ِ‬ ‫و‬
‫ـي األم ِـر فلـيس لـه أن ُي ْسـ ِقطَ عقوبـةَ‬ ‫الحق ِِيستطيعُ أن يستوفَيه وأن يترَكه‪ ،‬أمـا ول ُّ‬ ‫ّ‬ ‫وصاحب‬
‫ُ‬ ‫حقُّهُ‪،‬‬
‫ـاص أو الديـ ِـة‪ ،‬أو أن يعفــو عــن أحـ ِـدهما‪ ،‬كمــا أنــه ال يســتطيع أن ُي ْسـ ِقطَ عقوبــا ِت الحـ ِ‬
‫ـدود أو‬ ‫القصـ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ق األفرِاد"‪.1‬‬ ‫حق ِ‬
‫اهلل وال حقو ِ‬ ‫ك إسقاطَ ّ‬ ‫يعفو عنها؛ ألنه ال يمل ُ‬
‫َ‬

‫سبب‪ ،‬سواء كـان الجـاني صـغي اًر أو كبيـ اًر‪،‬‬ ‫تجب الديةُ على ك ّل م ْن أتلف إنساناً‪ ،‬بمباشرٍة أو ٍ‬
‫لذلك ُ‬
‫َ‬
‫ذمياً ُم ْستأَمناً أو ُم َعاهداً‪.‬‬
‫التالف مسلماً‪ ،‬أو ّ‬
‫ُ‬ ‫كان‬
‫عاقالً أو مجنوناً‪ ،‬متعمداً أو مخط اً‪ ،‬وسواء َ‬
‫مال الجاني‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وجبت الديةُ حالَّةً من ِ‬ ‫فإن كانت الجنايةُ عمداً‬

‫ثالث سنين‪.‬‬ ‫عاقلة الجاني مؤجل ًة َ‬ ‫ِ‬ ‫عمد أو خطأً وجبت الدي ُة على‬ ‫شبه ٍ‬‫وان كانت الجناي ُة َ‬
‫ِ‬
‫الخطأ‪:‬‬ ‫‪ -4‬دي ُة ِ‬
‫القتل‬
‫ـاص فـي القت ِـل الخط ِـأ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـوص عليهـا فـي القتـل الخطـأ‪ ،‬وال قص َ‬ ‫ابتداء‪ ،‬وهي المنص ُ‬ ‫ً‬ ‫والديةُ التي تجب‬
‫َهلِ ِه‬
‫سلَّ َم ٌة إِلَى أ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ير َرقَ َبة ُم ْؤ ِم َنة َوِد َي ٌة ُم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الديةُ‪ ،‬لقوله تعالى‪َ ( :‬و َم ْن قَتَ َل ُم ْؤم ًنا َخطَأً فَتَ ْح ِر ُ‬
‫اجب ّ‬
‫بل الو ُ‬
‫ص َّدقُوا) [النساء‪.]91 :‬‬ ‫َن َي َّ‬ ‫إَِّال أ ْ‬
‫ِ ‪6‬‬
‫ق الفقهاء‪.‬‬ ‫سنين باتفا ِ‬ ‫عاقلة الجاني مؤجلةً في ِ‬
‫ثالث‬ ‫ِ‬ ‫تجب على‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ودية الخطأ ُ‬
‫ُخـ َـرى‬
‫اه َما األ ْ‬ ‫ـان ِمـ ْـن ُه ـ َذْي ٍل‪ ،‬فَ َرَمـ ْ‬
‫ـت إِ ْحـ َـد ُ‬ ‫ام َأرَتَـ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـال‪ :‬ا ْقتَتَلَــت ْ‬
‫ـه‪ ،‬قَـ َ‬ ‫ـي اللَّـ ُ‬
‫ـه َع ْنـ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لحــديث أبــي ُه َرْيـ َـرةَ َرضـ َ‬
‫َن ِدي َة ج ِن ِ‬ ‫صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪« ،‬فَقَ َ‬ ‫طنِهَا‪ ،‬فَ ْ‬ ‫بِ َح َج ٍر فَقَتَلَتْهَا َو َما ِفي َب ْ‬
‫ين َها‬ ‫ضى أ َّ َ َ‬ ‫النبِ ِّي َ‬
‫ص ُموا إِلَى َّ‬
‫اختَ َ‬
‫اقلَ ِت َها‪.0»1‬‬ ‫َن ِدي َة الم أر َِة علَى ع ِ‬
‫ضى أ َّ َ َ ْ َ َ‬ ‫يدةٌ‪َ ،‬وقَ َ‬ ‫ُغ َّرةٌ‪َ ،‬ع ْب ٌد أ َْو َولِ َ‬

‫‪ - 1‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪ ،421/4 ،‬الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪.245/5 ،‬‬


‫‪ - 2‬عبد القادر عودة‪ ،‬التشريع الجنائي‪.125/1 ،‬‬
‫‪ - 3‬ابن هُبَ ْي َرة‪ ،‬اختالف األئمة العلماء‪.232-231/2 ،‬‬
‫‪ - 4‬عَاقِلَتِهَا‪ :‬عصبتها‪ ،‬أي دية المتوفاة المجني عليها على عصبة الجانية‪ (.‬شرح محمد فؤاد عبد الباقي‪-‬صحيح مسلم‪.)1314/3 ،‬‬
‫الوالِ ِد‪ ،‬الَ َعلَى ال َولَ ِد‪،11/4 ،‬‬ ‫ت‪ ،‬بَابُ َجنِي ِن ال َمرْ أَ ِة‪َ ،‬وأَ َّن ال َع ْق َل َعلَى ال َوالِ ِد َوع َ‬
‫َصبَ ِة َ‬ ‫‪ - 5‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ِ ،‬كتَابُ ال ِّديَا ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ب الديَ ِة فِي قت ِل الخطإِ‪َ ،‬و ِشب ِه ال َع ْم ِد َعلى‬‫ين‪َ ،‬و ُوجُو ِ‬ ‫ْ‬
‫ت‪ ،‬بَابُ ِديَ ِة ال َجنِ ِ‬ ‫ِّ‬
‫اص َوالديَا ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ْ‬ ‫حديث(‪ ،)3411‬ومسلم‪ِ ،‬كتَابُ ْالقَ َسا َم ِة َو ْال ُم َح ِ‬
‫اربِينَ َوالقِ َ‬
‫عَاقِلَ ِة ْال َجانِي‪ ،1314/3 ،‬حديث(‪.)1321‬‬

‫‪132‬‬
‫الص ـحابة رضــي اهلل عــنهم علــى ذلــك‪ ،‬فإنــه روي أن‬ ‫الكاس ـاني‪" :‬إجمــاعُ َّ‬
‫َ‬ ‫ودلي ـ ُل تأجيِلهــا كمــا قـ َ‬
‫ـال‬
‫عم ــر رض ــي اهلل عن ــه قض ــى ب ــذلك بمحض ـ ٍـر م ــن الص ـ ِ‬
‫ـحابة‪ ،‬ولـ ـم ينق ــل أن ــه خالف ــه أح ـ ٌـد فيك ــون‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬
‫إجماعا" ‪.‬‬

‫‪ -2‬دية القتل شبه العمد‪:‬‬


‫موجب ِ‬
‫للدية‪.1‬‬ ‫ٌ‬ ‫مد في أنه‬ ‫بشبه الَع ِ‬
‫ممن يقولون ِ‬ ‫ِ‬
‫الفقهاء َّ‬ ‫خالف بين‬
‫َ‬ ‫وال‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫العمد‪-‬‬ ‫القتل ِ‬
‫شبه‬ ‫وتغليظها في ِ‬ ‫ِ‬ ‫العمد مغلظة‪ .‬ودلي ُل وجوبِها‬ ‫ِ‬ ‫والديةُ في ِ‬
‫شبه‬
‫صا‪ِ ،‬م َائ ٌة ِم َن‬ ‫ان ِب َّ ِ‬
‫الس ْوط َوا ْل َع َ‬ ‫طِإ ِش ْب ِه ا ْل َع ْم ِد َما َك َ‬ ‫عليه وسلَّم‪ " :‬أََال َوِا َّن قَ ِت َ‬
‫يل ا ْل َخ َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫قولُ ُه صلى اهللُ‬
‫ون ِفي ُبطُوِن َها أ َْوَال ُد َها"‪.6‬‬‫اإل ِب ِل أ َْرَب ُع َ‬
‫ِْ‬
‫وتجب هذه الدية على عاقلة الجاني عند جمهور القا لين بشبه العمد‪ ،‬وبـه قـال الشـعبي والنخعـي‪،‬‬
‫صـ ُد بـه‬ ‫ِ‬
‫والحكم‪ ،‬والثوري‪ ،‬واسـحاق‪ ،‬وابـن المنـذر‪ ،‬وذلـك؛ لشـبهة عـدم القصـد لوقـوع القتـل بمـا ال ُي ْق َ‬
‫القت ُل عادةً‪ ،‬أو ال يقت ُل غالباً‪.4‬‬

‫ِ‬
‫االسالم‪.‬‬ ‫القاعدة العاَ ْم ِة في‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العاقلة استثناَ ًء من‬ ‫العمد‪ ،‬و ِ‬
‫الخطأ على‬ ‫ِ‬ ‫قتل ِ‬
‫شبه‬ ‫وايجاب ِ‬
‫دية ِ‬ ‫ُ‬
‫{وَال تَ ِزُر َو ِ‬
‫ازَرةٌ‬ ‫عز َّ‬ ‫ب على تصرفاتِه‪ ،‬لقو ِل ِ‬
‫اهلل َّ‬ ‫وهي‪ :‬أن االنسان مسؤو ٌل عن ِ‬
‫وجل‪َ :‬‬ ‫ومحاس ٌ‬
‫َ‬ ‫نفسه‬ ‫َ‬
‫ِو ْزَر أ ْ‬
‫ُخ َرى} [الزمر‪.]7:‬‬

‫َخ ِ‬
‫يه‪ ،‬وَال ِبج ِريرِة أ ِ‬
‫الرج ُل ِبج ِر ِ ِ‬ ‫صلَّى اهلل َعلَ ْي ِه َو َ َّ‬
‫يه"‪.5‬‬ ‫يرة أَِب َ َ َ‬ ‫سل َم‪َ" :‬ال ُي ْؤ َخ ُذ َّ ُ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ولقول الرسول الكريم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اك العاقلــة فــي تحمـ ِـل الديــة فــي هــذه الحالــة‪ ،‬مــن أجـ ِـل مواســاة َ‬
‫الج ـاني‪،‬‬ ‫واَّنمــا جعـ َـل االسـ ُ‬
‫ـالم اشــتر َ‬
‫قصد منه‪.‬‬ ‫غير ٍ‬ ‫جناية صدرت عنه من ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ومعاونته في‬

‫ِ‬
‫التناصر‪.‬‬ ‫زر و‬‫التعاون والت ِ‬
‫ِ‬ ‫بين القبا ِل من‬ ‫ٍ‬
‫وكان ذلك إق ار اًر لنظام عربي‪ ،‬اقتضاه ما كان َ‬
‫ـت أنهــا ستشـارك فـي تحم ِـل الديــة‪ ،‬فإنهـا تعمـل مــن‬
‫وفـي ذلـك حكمـةٌ بينـةٌ‪ ،‬وهـي أن القبيلـةَ إذا علم ْ‬
‫ـويم الـذي ُيجنـبهم‬ ‫ـاب الجـ ار ِم‪ ،‬وتُـوجههم إلـى الس ِ‬
‫ـلوك الق ِ‬ ‫كف المنتسـبين إليهـا عـن ارتك ِ‬ ‫جانبها على ِّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫الخطأ‪.3‬‬ ‫ع في‬
‫الوقو َ‬

‫‪ - 1‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪.253/7 ،‬‬


‫‪ - 2‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪ ،257/7 ،‬الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،242/5 ،‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪.332/2 ،‬‬
‫‪ - 3‬سبق تخريجه‪ ،‬ص‪.137‬‬
‫‪ - 4‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪ ،253/7 ،‬الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،242/5 ،‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪.375/2 ،‬‬
‫‪ - 5‬النسائي‪ ،‬سنن النسائي‪ِ ،‬كتَابُ تَحْ ِر ِيم ال َّد ِم‪ ،‬باب تَحْ ِري ُم ْالقَ ْتل‪ ،127/7ِ ،‬حديث(‪ .)4122‬قال األلباني‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫‪ - 3‬سيد سابق‪ ،‬فقه السنة‪.552/2 ،‬‬

‫‪133‬‬
‫‪ -3‬دية القتل العمد‪:‬‬
‫ـب َعلَـ ْـي ُك ُم‬ ‫ِ‬ ‫ـدليل قولـ ِـه تعــالى‪َ { :‬يــا أَي َهــا الَّـ ِـذ َ‬
‫ـاص بـ ِ‬‫ـب للقصـ ِ‬
‫آم ُن ـوا ُكتـ َ‬
‫ين َ‬ ‫عمـ َد موجـ ٌ‬
‫األصـ ُل أن القتـ َـل الَ ّ‬
‫اص ِفي ا ْلقَ ْتلَى} [البقرة‪.]178:‬‬ ‫ص ُ‬
‫ِ‬
‫ا ْلق َ‬
‫ِ ‪1‬‬
‫ق الفقهاء‪.‬‬ ‫فمن قتل شخصاً عمداً عدواناً ُي ْقتَ ْل قصاصاً باتفا ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـب بالصــل ِ‬ ‫جمهــور الفقهــاء‪ :‬إلــى أن الدي ـةَ ليســت عقوب ـةً أصــليةً للقتـ ِـل الَ ْعمــد‪ ،‬واَّنمــا تجـ ُ‬ ‫ُ‬ ‫وذهــب‬
‫ـاص‪ ،‬ولـو بغي ِـر رضـا الجـاني‪،‬‬ ‫(برضا الجـاني)‪ ،‬كمـا هـو رأي الحنفي ِـة والمالكي ِـة أو بـدالً عـن القص ِ‬
‫لسبب ما وجبت الديةُ عندهم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫القصاص‬ ‫الشافعية‪ .‬فإذا سقطَ‬‫ِ‬ ‫كما هو المعتمد عند‬
‫ُ‬
‫ـاص فـي القت ِـل‬
‫ـب القص ِ‬ ‫وذهب الحنابلة وهو قو ٌل عند الشافعية‪ :‬إلى أن الديـةَ عقوبـةٌ أصـليةٌ بجان ِ‬
‫وي َخَّيـ ُر الـ ُّ‬
‫ـولي بينهمــا ولــو لــم‬ ‫ـب عنـ َـدهم فــي القتـ ِـل العمـ ِـد أحـ ُـد شــي ين‪ :‬القـ ُ‬
‫ـود أو الديـةُ‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫العمــد‪ .‬فالواجـ ُ‬
‫‪1‬‬
‫رض الجاني‪.‬‬ ‫َي َ‬
‫عجلـةً غي َـر ُمؤجل ٍـة‬ ‫ـدم عـن القص ِ‬
‫ـاص‪ُ ،‬م ّ‬ ‫ـدل أوليـاء ال ِ‬
‫ُ‬ ‫ـال القات ِـل‪ ،‬إذا ع َ‬ ‫ِ‬
‫العمد مغلظـةً فـي م ِ‬ ‫تجب ديةُ‬
‫الجمهور‪ ،6‬مؤجلةً عند الحنفية‪.4‬‬ ‫ِ‬ ‫عند‬

‫ِ‬
‫الدية؟‬ ‫بعد ِ‬
‫أخذ‬ ‫القاتل َ‬ ‫َ‬ ‫يقتل‬
‫الدم أن َ‬ ‫يجوز لولي ِ‬ ‫ُ‬ ‫مسألة‪ :‬هل‬
‫ـك تَ ْخ ِف ٌ‬
‫يـف‬ ‫ـان َذلِ َ‬
‫س ٍ‬ ‫ِ‬
‫اء إِلَ ْيـه ِبِإ ْح َ‬
‫ِ‬
‫ـي ٌء فَات َِّبـاعٌ ِبـا ْل َم ْع ُروف َوأ ََد ٌ‬
‫شْ‬
‫َخ ِ‬
‫يـه َ‬ ‫قال تعالى‪ { :‬فَم ْن ع ِفي لَ ُه ِم ْن أ ِ‬
‫َ ُ َ‬
‫يم } [البقرة‪.]178:‬‬ ‫اعتَ َدى بع َد َذلِ َك َفلَ ُه ع َذ ِ‬ ‫ِم ْن َرِّب ُك ْم َو َر ْح َم ٌة فَ َم ِن ْ‬
‫اب أَل ٌ‬
‫َ ٌ‬ ‫َْ‬
‫ـيم فـي عاج ِـل الـدنيا‪ ،‬وهـو‬ ‫قاتل ِ‬ ‫بعد ِ‬
‫ـذاب أل ٌ‬ ‫وليه‪ ،‬فله ع ٌ‬ ‫قتل َ‬ ‫أخذه الديةَ‪ ،‬فَ َ‬ ‫قال الطبري‪ ":‬فمن اعتدى َ‬
‫الَ ْقت ُل"‪.5‬‬
‫اب أَلِـيم} بالقص ِ‬
‫ـاص‪ ،‬أو‬ ‫أخذ الدي ِـة { َفلَ ُ‬
‫بعد ِ‬ ‫السالم‪{ ":‬فَ َم ِن ْ‬ ‫ابن ِ‬
‫ـه َعـ َذ ٌ ٌ‬ ‫فقتل َ‬ ‫اعتَ َدى} َ‬ ‫عبد َّ‬ ‫وقال العز ُ‬
‫قود عليه"‪.3‬‬
‫الدية منه وال َ‬ ‫باسترجاع ِ‬
‫ِ‬ ‫اإلمام حتماً‪ ،‬أو يعاقبهُ السلطان‪ ،‬أو‬ ‫يقتله‬
‫ُ‬
‫ـوق الع ِ‬
‫ـذاب الـذي‬ ‫ـيم»‪ ،‬وف َ‬ ‫ِ‬ ‫اعتَدى َب ْع َد ذلِ َ‬
‫وقال سيد قطب‪" :‬في قوله تعـالى‪« :‬فَ َم ِن ْ‬
‫ـذاب أَل ٌ‬
‫ـه َع ٌ‬ ‫ـك َفلَ ُ‬
‫ـث‬
‫بعد الت ارضـي والقَبـول‪ ،‬نك ٌ‬
‫االعتداء َ‬
‫َ‬ ‫يتوعده به في اآلخرِة‪َّ .‬‬
‫يتعي ُن قتلُه‪ ،‬وال تُ ْق َب ُل منه الدي ُة‪ .‬ألن‬
‫ـوز‬ ‫ـي ال ِ‬
‫ـدم الديـةَ‪ ،‬فـال يج ُ‬ ‫ـوب‪ ،‬ومتـى قب َـل ول ُّ‬ ‫صفاء القل ِ‬ ‫ِ‬ ‫بعد‬ ‫ِ‬
‫للشحناء َ‬ ‫هدار للتراضي‪ ،‬واثارةٌ‬ ‫ِ‬
‫للعهد‪ ،‬وا ٌ‬
‫ويعتدي"‪.7‬‬
‫َ‬ ‫فينتقم‬
‫َ‬ ‫يعود‬
‫له أن َ‬

‫‪ - 1‬ابن هُبَ ْي َرة‪ ،‬اختالف األئمة العلماء‪.212/2 ،‬‬


‫‪ - 2‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪ ،251/7 ،‬الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي‪ ،241/4 ،‬الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،324/5 ،‬ابن قدامة‪،‬‬
‫المغني‪ ،234/2،‬الموسوعة الفقهية الكويتية‪.51/21 ،‬‬
‫‪ - 3‬حاشية الدسوقي‪ ،241/4 ،‬الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،324/5 ،‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪.234/2،‬‬
‫‪ - 4‬ابن عابدين‪ ،‬رد المحتار على الدر المختار‪ ،574/3 ،‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪.255/7 ،‬‬
‫‪ - 5‬الطبري‪ ،‬جامع البيان في تأويل القرآن‪.321/3 ،‬‬
‫‪ - 3‬العز ابن عبد السالم‪ ،‬تفسير القرآن‪.125/1 ،‬‬
‫‪ - 7‬سيد قطب‪ ،‬في ظالل القرآن‪.134/1 ،‬‬

‫‪134‬‬
‫‪1‬‬
‫القصاص‪.‬‬ ‫أن عليه‬ ‫أخذ ِ‬
‫الدية‪َّ ،‬‬ ‫بعد ِ‬
‫القاتل َ‬
‫َ‬ ‫قتل‬
‫اتفق الفقهاء فيمن َ‬
‫َ‬

‫َن يقتل الََمحالة َوَال ُي ْعفَى َع ْنهُ َوَال ُي ْقَب َل ِّ‬


‫الد َيـةُ‬ ‫ِ‬ ‫القول بأ َّ‬
‫يم ُه َو أ ْ‬‫اب ْاألَل َ‬ ‫َن اْل َع َذ َ‬ ‫َ‬ ‫الفخر الرازي‪ :‬أن‬ ‫ُ‬ ‫وذكر‬
‫لثالثة وجوٍه‪:‬‬‫ِ‬ ‫ضعيف‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫م ْنهُ‬
‫اب ْاآل ِخ َرِة‪.‬‬‫ق ُه َو َع َذ ُ‬ ‫ط َال ِ‬
‫اإل ْ‬‫اب ْاألَلِ ِيم ِع ْن َد ِْ‬
‫َن اْلم ْفهوم ِم َن اْل َع َذ ِ‬
‫‪ .1‬أ َّ َ ُ َ‬
‫ص ـ ُّ‬‫ـب فَـ َـال ي ِ‬ ‫ـق التَّا ِـ ِ‬‫امتِ َح ًانــا‪َ ،‬ك َم ـا ِفــي َحـ ِّ‬ ‫‪ .1‬أََّنــا َبيََّّنــا أ َّ‬
‫َ‬ ‫ـون ْ‬‫ـارةً َي ُكـ ُ‬
‫ـون َع ـ َذ ًابا َوتَـ َ‬
‫ـارةً َي ُكـ ُ‬
‫َن اْلقَـ َـوَد تَـ َ‬
‫ون َو ْج ٍه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫اب َعلَ ْيه إِال في َو ْجه ُد َ‬ ‫اسِم اْل َع َذ ِ‬‫ق ْ‬ ‫ط َال ُ‬ ‫إِ ْ‬
‫الدِم ِم َـن اْل َع ْف ِـو َع ْنـهُ‪ِ ،‬أل َّ‬
‫َن‬ ‫َن َال ُي َم َّك َن ولِ ُّي َّ‬
‫َ‬ ‫ص بِأ ْ‬ ‫َن َي ْختَ َّ‬ ‫وز أ ْ‬‫َن اْلقَاتِ َل لِ َم ْن ُع ِف َي َع ْنهُ َال َي ُج ُ‬ ‫‪ .6‬أ َّ‬
‫‪1‬‬
‫اسا َعلَى تَ َم ُّكنِ ِه من إسقاط سا ر الحقوق واهلل أعلم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الدم َفلَهُ ِإ ْسقَاطُهُ ق َي ً‬
‫ق وِل ِّي َّ ِ‬ ‫ُّ‬
‫َذل َك َح َ‬
‫ِ‬
‫وجــاء فــي المغنــي‪ ":‬وروي عــن الحســن‪ :‬تؤخــذ منــه الديــة‪ ،‬وال يقتــل‪ .‬وقــال عمــر بــن عبــد العزيــز‪:‬‬
‫الحكم فيه إلى السلطان"‪.6‬‬
‫ـاكم‪ ،‬ي ْفعـ ُل في ِـه مـا تقتض ِ‬
‫ـيه المصـلحةُ الخاصـةُ‬ ‫ـون أمـره إلـى الح ِ‬ ‫ِ‬
‫ترجيحه هـو أن يك ِ‬ ‫والذي أمي ُل إلى‬
‫َ َ‬
‫امةُ‪.‬‬
‫الع َّ‬
‫و َ‬

‫أحكام الديات‪:‬‬
‫تختلف الديات في الشريعة بحسب اخـتالف ال ِ‬
‫ـدماء‪ ،‬وبحس ِ‬
‫ـب اخـتالف الـذين تلـزمهم الديـة‪ ،‬وأيضـاً‬
‫ِ‬
‫االختالف‪.‬‬ ‫القود على ما َّ‬
‫تقدم من‬ ‫ِ‬
‫العمد إذا رضي بها الفريقان‪ ،‬وأما من له ُ‬ ‫ِ‬
‫بحسب‬ ‫تختلف‬
‫الديات على قسمين في الشريعة اإلسالمية‪:‬‬
‫ـاص فـي القت ِـل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـوص عليهـا فـي القتـل الخطـأ‪ ،‬وال قص َ‬ ‫ابتـداء‪ ،‬وهـي المنص ُ‬ ‫ً‬ ‫األول‪ :‬الدية التي تجب‬
‫سـلَّ َم ٌة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ير َرقَ َبـة ُم ْؤ ِم َنـة َوِد َيـ ٌة ُم َ‬ ‫ِ‬
‫اجب الديةُ‪ ،‬لقوله تعالى‪َ ( :‬و َم ْن قَتَ َل ُم ْؤم ًنا َخطَأً فَتَ ْح ِر ُ‬ ‫الخطأ‪ ،‬بل الو ُ‬
‫ص َّدقُوا) [النساء‪.]91 :‬‬ ‫َهلِ ِه إَِّال أ ْ‬
‫َن َي َّ‬ ‫إِلَى أ ْ‬
‫ِ‬
‫العقاب‪.‬‬ ‫الخطأ الدي ُة أص ٌل في‬ ‫ِ‬ ‫إذاً في ِ‬
‫القتل‬
‫ٍ‬
‫حاالت‪:‬‬ ‫بدل القصاص‪ ،‬وتكون في ِ‬
‫ثالث‬ ‫الثاني‪ :‬الدي ُة تجب َ‬
‫ُ‬
‫ـاص وقبـ َـل الديــة‪ ،‬وهــذا‬ ‫ـدم‪ ،‬أو المجن ـي عليــه عــن حقّ ـ ِه فــي القصـ ِ‬ ‫ـي الـ ِ‬
‫الحالــة األولــى‪ :‬إذا َعفــا ولـ ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َخ ِ‬
‫المعنى في قوله تعالى‪{ :‬فَم ْن ع ِفي لَ ُه ِم ْن أ ِ‬
‫سٍ‬
‫ان}‬ ‫اء إِلَ ْيه ِبِإ ْح َ‬‫ش ْي ٌء فَات َِّباعٌ ِبا ْل َم ْع ُروف َوأ ََد ٌ‬‫يه َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫[البقرة‪ .]178 :‬فقد أوجبت اآليـةُ الكريمـةُ علـى الطال ِ‬
‫أداء مـن‬ ‫ـب اتباعـاً بـالمعروف إذا قَبِـ َل الديـةَ‪ ،‬و ً‬
‫القصاص‪ ،‬وهو قيمةُ ِ‬
‫الدية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وجب عليه بدالً عن‬ ‫بإحسان‪ ،‬أي المال الذي‬ ‫ٍ‬ ‫الجاني‬
‫َ‬

‫‪ - 1‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪ ،747/7 ،‬ابن رشد‪ ،‬المقدمات الممهدات‪ ،722/3 ،‬القرافي‪ ،‬الذخيرة‪ ،722/27 ،‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪،‬‬
‫‪.355/3‬‬
‫‪ - 2‬الفخر الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب (التفسير الكبير)‪.222/5 ،‬‬
‫‪ - 3‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪.333/6 ،‬‬

‫‪135‬‬
‫‪1‬‬ ‫ِ‬
‫الشروط‪.‬‬ ‫افر‬ ‫النفس‪ِ ،‬‬
‫لعدم تو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القصاص في‬ ‫استيفاء‬ ‫الحالة الثانية‪ :‬تجب الديةُ إذا َّ‬
‫تعذر‬
‫ُ‬

‫ـض‬ ‫ـبهة فــي الفعـ ِـل‪ ،‬كش ـر ِ‬


‫يك صــبي أو مجنـ ٍ‬ ‫الحالــة الثالثــة‪ :‬إذا ســقطَ القصــاص لشـ ٍ‬
‫ـون‪ ،‬أو َعفــا بعـ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫‪1‬‬ ‫ِ‬
‫أولياء الدم‪.‬‬

‫الغاية من الدية‪:‬‬
‫كبير من ِ‬
‫المال‪.‬‬ ‫بمبلغ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وزجر المعتدي عليها‬ ‫ِ‬
‫الهدر‪،‬‬ ‫النفس وحف ِظ دم ِها من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لصون‬
‫ـنقص مــن مــال ِهم ويجــدون لــه ألم ـاً عنــدهم‪ ،‬ويكــون‬
‫ـون مــاالً عظيم ـاً يغلــبهم‪ ،‬ويـ ُ‬
‫ـب أن تكـ َ‬‫"ألَّنهــا تجـ ُ‬
‫ِ‬
‫األشخاص"‪.6‬‬ ‫ِ‬
‫باختالف‬ ‫يختلف‬ ‫القدر‬ ‫ليحصل َّ‬ ‫ِ‬
‫مقاساة الضي ِ‬
‫ُ‬ ‫جر‪ ،‬وهذا ُ‬ ‫الز ُ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫بعد‬
‫بحيث يؤدونه َ‬‫ُ‬

‫دورهـا‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫الدماء وصيانتِها ِ‬


‫ِ‬ ‫الحرص على ِ‬
‫ِ‬ ‫تحرص َّ‬ ‫َّ‬
‫إهدارها‪ ،‬ويتأك ُد ُ‬ ‫وعدم‬ ‫حفظ‬ ‫أشد‬ ‫ُ‬ ‫اإلسالميةُ‬ ‫فالشريعةُ‬
‫يمة الو ِ‬
‫اقعة‪.‬‬ ‫عقوبة تتناسب مع الجر ِ‬
‫ٍ‬ ‫بوضع‬
‫ِ‬ ‫المجتمع‪،‬‬
‫ِ‬ ‫للفرد و‬ ‫ِ‬
‫بالنسبة ِ‬ ‫التهذيبي‬
‫ُّ‬ ‫اإلصالحي و‬
‫ُّ‬
‫ُ‬

‫ـات الواقع ِـة‬‫ـات فـي الجناي ِ‬ ‫ع العقوب ِ‬ ‫أن َشـ َر َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـض حكمتـه سـبحاَنهُ ورحمتـه ْ‬ ‫ـان مـن بع ِ‬ ‫قال ابن القيم‪ ":‬فك َ‬
‫اح‪،‬‬ ‫ال ‪،‬كالقتـ ِـل ‪،‬والجـر ِ‬
‫اض ‪،‬واألمـو ِ‬ ‫ـدان‪ ،‬واألعـر ِ‬ ‫ـض ‪،‬فــي النفـ ِ‬
‫ـوس ‪،‬واألبـ ِ‬ ‫بعضـهم علــى بعـ ٍ‬ ‫ـاس ِ‬ ‫ـين النـ ِ‬‫ب َ‬
‫جر الرادعـة عـن الجنايـات غايـةَ اإلحك ِـام‪ ،‬وشـرعها علـى‬ ‫الز ِ‬‫بحانه وجوهَ َّ‬
‫فأحكم ُس َ‬ ‫القذف‪ ،‬والسر ِ‬
‫قة؛‬ ‫و ِ‬
‫َ‬
‫دع؛‬ ‫عدم المجاو ِزة لمـا يسـتحقُّهُ الجـاني مـن ال َـر ِ‬ ‫الز ْج ِر‪ ،‬مع ِ‬ ‫الرْد ِع و َّ‬ ‫ِ‬
‫لمصلحة َّ‬ ‫ِ‬
‫المتضمنة‬ ‫أكمل الوجوِه‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ـدام الــنفس‬ ‫ِ‬ ‫ـذب قطــعُ اللســان وال القت ـ ُل‪ ،‬وال فــي َّ‬‫ع فــي الكـ ِ‬
‫ـاء‪ ،‬وال فــي الس ـرقة إعـ ُ‬ ‫الزنــا الخصـ ُ‬ ‫فلــم يشــر ْ‬
‫ولطفـه‪ ،‬واحسـانِه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ـب أسـما ِه ‪،‬وصـفاتِه مـن حكمتِـه‪ ،‬ورحمتِـه‪،‬‬ ‫ع لهم في ذلك ما هـو موج ُ‬ ‫‪.‬وانما َش َر َ‬
‫ان ‪،‬ويقتنــع كـ ُّـل إنسـ ٍ‬
‫ـان بمــا تــاهُ مال ُكـه‬ ‫ـب ‪،‬وتنقطــع األطمــاعُ عــن التظـ ِ‬
‫ـالم والعــدو ِ‬ ‫وعدلـ ِـه لتـ ِ‬
‫زول النوا ـ ِ‬
‫ُ‬
‫‪4‬‬ ‫ِ‬
‫استالب غيرِه حقه"‪.‬‬ ‫وخالقُه ؛ فال يطمعُ في‬

‫‪ - 1‬انظر الموسوعة الفقهية الكويتية‪ ،‬شروط القصاص في النفس‪.231/33 ،‬‬


‫‪ - 2‬شوكت عليان‪ ،‬االعتداء على النفس أشكاله‪-‬جزاءاته‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫‪ - 3‬صديق حسن خان‪ ،‬الروضة الندية‪.317/2 ،‬‬
‫‪ - 4‬ابن القيم‪ ،‬إعالم الموقعين‪.72/2 ،‬‬

‫‪133‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫واجب الدولة تجاه إقامة أحكام الديات‪.‬‬

‫ـاكم أو مــن ينــوب عنــه‪ ،‬إقامـةَ األحكــام المختصـ ِـة بــه‪ ،‬ومنهــا‬
‫ـب الدولـ ِـة‪ ،‬ممثلـةً فــي الحـ ِ‬
‫إن مــن واجـ ِ‬
‫ِ‬
‫الديات‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أحكام‬ ‫إقامة‬
‫حق القاضي ذي الوالية العامة أن يباشرها وهي عشرة أمور‪:1‬‬ ‫األمور التي من ِّ‬
‫َ‬ ‫فقد َّبي َن الماوردي‬
‫ٍ‬
‫طالب‬ ‫غير‬ ‫ق ِ‬
‫اهلل تعالى تفَّرد باستيفا ِه من ِ‬ ‫منها‪ ":‬إقامة الحدود على مستحقيها‪ ،‬فإن كان من حقو ِ‬
‫ق اآلدميين كان موقوفا على طلب مستحقه‪.‬‬ ‫ينة‪ ،‬وان كان من حقو ِ‬‫إذا ثبت بإقرٍار أو ب ٍ‬
‫بخصم ُمطَالِ ٍب"‪.1‬‬
‫ٍ‬ ‫وقال أبو حنيفة‪ :‬ال يستوفيها معاً إال‬

‫ـدخل للصـل ِ فيـه كالح ِ‬


‫ـدود‬ ‫اهلل ال م َ‬‫ـق ِ‬ ‫اهلل‪ُّ ،‬‬
‫وحق اآلدمـي؛ فح ُ‬ ‫حق ِ‬ ‫نوعان‪ُّ :‬‬
‫ِ‬ ‫الحقوق‬‫ابن القَ ّيم‪ ":‬و‬
‫ُ‬ ‫قال ُ‬
‫العبد وبين َرّبه في إقامتِها‪ ،‬ال في إهمالِها‪ ،‬ولهذا ال‬
‫الصل بين ِ‬
‫َ‬
‫ات والكفار ِ‬
‫ات ونحوها‪ ،‬وانما ُّ‬ ‫والزكو ِ‬

‫الشافع والمشفَّع‪ .‬وأما حق ُ‬


‫ـوق اآلدميـين فهـي التـي تقبـل‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫بالحدود‪ ،‬واذا بلغت السلطان فلعن اهلل‬ ‫يقبل‬
‫ط والمعاوضةَ عليها"‪.6‬‬
‫الصل َ واإلسقا َ‬

‫تمك ـ ُن م ــن توَّال َه ـا ِم ـن اإلل ـزام باألحكـ ـام الشــرعية‪ ،‬وفصــل الخصــومات‪ ،‬وقط ــع‬
‫" فالقضــاء ســلطةٌ ِّ‬
‫ُ‬
‫ـت لـه‪ .‬وتجتمـعُ فـي القاضـي‬ ‫وقضاء القاضـي مظهـٌر للحك ِـم الشـر ِّ‬
‫عي ال مثب َ‬ ‫بين الناس‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫المنازعات َ‬
‫األمر والنهي‪ -6،‬وذو سلطان‬‫ِ‬ ‫اإلثبات‪ -1،‬وم ْف ٍت من ِ‬
‫جهة‬ ‫ِ‬ ‫اهد من ِ‬
‫جهة‬ ‫صفات ثالثةٌ‪ :‬فهو‪َ -1‬ش ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ُ‬
‫استيفاء الحقو ِ‬
‫ق"‪.4‬‬ ‫ِ‬
‫الخصومات‪ ،‬و‬ ‫ِ‬
‫القضاء فص ُل‬ ‫من جهة اإللزام‪ .‬ويدخ ُل في و ِ‬
‫الية‬
‫ُ‬

‫‪ - 1‬الماوردي‪ ،‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص‪.121‬‬


‫‪ - 2‬الماوردي‪ ،‬األحكام السلطانية‪ ،‬ص‪ ،121‬أبو يعلى الفراء‪ ،‬األحكام السلطانية للفراء‪ ،‬ص‪.33‬‬
‫‪ -3‬ابن القيم‪ ،‬إعالم الموقعين‪.25/1 ،‬‬
‫‪ - 4‬علي بن نايف الشحود‪ ،‬المفصل في شرح الشروط العمرية‪.222/1 ،‬‬

‫‪137‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫موقف الشرع من تطبيق أحكام الديات في حال غياب الدولة‪.‬‬

‫إن تنفيـذ العقوبــات الشـرعية كالقصــاص والحـدود‪ ،‬وأحكــام الـديات‪ ،‬مــن اختصـاص الحــاكم المســلم‪،‬‬
‫وعنــدما تخلــو البلــد مــن الحــاكم المســلم أو نا بــه‪ ،‬فينتقــل ذلــك إلــى العلمــاء‪ ،‬أو مــا يســمى بالهي ــات‬
‫الشرعية‪ ،‬وليس من اختصاص األفراد أو الجماعات‪.‬‬

‫قال الجويني‪ ":‬فإذا شغر الزمان عن اإلمام‪ ،‬وخـال عـن سـلطان ذي نجـدة وكفايـة ود اريـة‪ ،‬فـاألمور‬
‫موكول ــه إل ــى العلم ــاء‪ ،‬وح ــق عل ــى الخال ــق عل ــى اخ ــتالف طبق ــاتهم‪ ،‬أن يرجعـ ـوا إل ــى علم ــا هم‪،‬‬
‫ويصدروا في جميع قضايا الواليات عن رأيهم‪ ،‬فإن فعلوا ذلك‪ ،‬فقد هدوا إلى سواء السبيل‪ ،‬وصـار‬
‫علماء البالد والة العباد"‪.1‬‬

‫قــال الخطيــب الشــربيني‪ ":‬ولــو خــال الزمــان عــن إمــام‪ ،‬رجــع النــاس إلــى العلمــاء‪ ،‬فــإن كثــر علمــاء‬
‫الناحية فالمتبع أعلمهم‪ ،‬فإن استووا وتنازعوا أُ ْق ِر َ‬
‫ع كما قاله اإلمام"‪.1‬‬

‫فإذا ترك أهل االختصـاص التصـدي لهـذا الـدور الريـادي المنـوط بهـم‪ ،‬فهـم بـذلك يفسـحون المجـال‬
‫للجنــاة يفســدون ويقتلــون مــن شــاءوا‪ ،‬دون أدنــى مس ـ ولية‪ ،‬فلهــذا يتعــين علــى جماعــة المســلمين‪،‬‬
‫البحــث عــن وســيلة تــردع الظلمــة‪ ،‬وتحــق الحــق‪ ،‬حتــى ال تصــب فتنــة وتهــارج‪ ،‬وفوضــى ال يمكــن‬
‫الخروج منها‪ ،‬إال أن يشاء اهلل‪.‬‬

‫قـــال ابـــن القـــيم‪ ":‬فــإن المعصــية إذا خفيــت لــم تضــر إال صــاحبها‪ ،‬واذا أعلنــت ضــرت الخاصــة‬
‫والعامة‪ ،‬وان رأى الناس المنكر فاشتركوا في ترك إنكاره أوشك أن يعمهم اهلل تعالى بعقابه"‪.6‬‬

‫قال ابن السبكي‪ ":‬وقد اعتبرت ‪ -‬والينب ك مثل خبيـر ‪ -‬فمـا وجـدت وال أريـت وال سـمعت بسـلطان‬
‫وال نا ب سلطان وال أمير وال حاجب وال صاحب شرطة يلقي األمور إلى الشرع‪ ،‬إال وينجو بنفسـه‬
‫مــن مصــا ب هــذه الــدنيا‪ ،‬وتكــون مصــيبته أبــدا أخــف مــن مصــيبة غيـره‪ ،‬وأيامــه أصــل وأكثــر أمنــا‬
‫وطمأنينة وأقـل مفاسـد‪ ،‬وأنـت إذا شـ ت فـانظر تـواريخ الملـوك واألمـراء العـادلين والظـالمين‪ ،‬وانظـر‬

‫‪ - 1‬الجويني‪ ،‬غياث األمم في التياث الظلم‪ ،‬ص‪.341‬‬


‫‪ - 2‬الخطيب الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪.254/3 ،‬‬
‫‪ - 3‬ابن القيم‪ ،‬الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي‪ ،‬ص‪.111‬‬

‫‪132‬‬
‫أي الدولتين أكثر طمأنينة وأطول أياما‪ ،‬وكـذلك اعتبـرت فلـم أر ولـم أجـد مـن يظـن أنـه يعلـم الـدنيا‬
‫بعقلــه ويــدبر الــبالد ب أريــه وسياســته‪ ،‬ويتعــدى حــدود اهلل وزواج ـره إال كانــت عاقبتــه وخيمــة‪ ،‬وأيامــه‬
‫منغصة منكدة وعيشه قلقا‪ ،‬وتفت عليه أبواب الشرور ويتسع الخرق على الراقع‪ ،‬فال يسد ثلمة إال‬
‫وتنفت ثالمات‪ ،‬وال يرقع فتنة إال وينشأ بعدها فتن كثيرة‪.‬‬
‫وعلى مثله يصدق قول الشاعر‪ :‬نرقع دنيانا بتمزيق ديننا ‪ ...‬فال ديننا يبقى وال ما نرقع"‪.1‬‬

‫وقد أشرنا من قبل أثر غياب الدولة على تطبيق أحكام القصاص‪ ،‬وكذلك الديات لها ارتباط كبيـر‬
‫بأحكام القصاص‪ ،‬فما يقال فيه‪ ،‬يقال فيها‪.‬‬
‫وك ــذلك س ــيأتي الح ــديث عنه ــا ف ــي مبح ــث حك ــم اللج ــوء ال ــي التحك ــيم والقض ــاء الوض ــعي‪ ،‬حك ــم‬
‫وضوابط اللجوء أليهما ما يغني عن ذكره هنا‪.‬‬

‫‪ - 1‬ابن السبكي‪ ،‬معيد النعم ومبيد النقم‪ ،‬ص‪.41‬‬

‫‪134‬‬
‫المبحث الثالث‬

‫أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق أحكام التعازير‪.‬‬

‫ويشتمل على ثالثة مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف التعزير ومشروعيته وحكمه‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬خصائص العقوبة التعزيرية‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬موقف الشرع مـن تطبيـق أحكـام التعـازير فـي حـال‬
‫غياب الدولة‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫المطلب األول‬
‫تعريف التعزير ومشروعيته وحكمه‪.‬‬

‫تعريف التعزير في اللغة واالصطالح‪:‬‬


‫أوالً‪ :‬تعريف التعزير في اللغة‪ :‬التَّ ْع ِز ُير التوقير والتعظيم‪ ،‬وهو أيضا التأديب ومنه التعزيز الذي‬
‫هو الضرب دون الحد‪ ،‬ويقال‪ :‬عزرته بمعنى‪ :‬وقرته‪ ،‬وأيضا‪ :‬أدبته‪ ،‬فهو من أسماء األضداد‪،‬‬
‫وسميت العقوبة تعزي ار‪ ،‬ألن من شأنها أن تدفع الجاني وترده عن ارتكاب الج ار م‪ ،‬أو العودة‬
‫‪1‬‬
‫إليها‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬تعريف التعزير في االصطالح‪:‬‬


‫‪ -1‬عند الحنفية‪" :‬التعزير هو التأديب دون ِ‬
‫الحد"‪.1‬‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫‪6‬‬
‫‪ -1‬عند المالكية‪ " :‬تأديب استصالح وزجر على ذنوب لم يشرع فيها حدود وال كفارات" ‪.‬‬
‫‪ -6‬عند الشافعية‪ " :‬تأديب على ذنب ال حد فيه وال كفارة‪ ،‬سواء أكانت حقا هلل تعالى أم‬
‫آلدمي"‪.4‬‬
‫‪ -4‬عند الحنابلة‪ " :‬هو العقوبة المشروعة على جناية ال حد فيها"‪.5‬‬

‫إذاً فالتعزير‪ :‬عقوبة غير مقدرة من الشارع‪ ،‬بل هي متروكة لتقدير الحاكم أو من ينيبه من‬
‫القضاة‪ ،‬حقا هلل تعالى‪ ،‬أو حقا للعبد‪ ،‬والتعزير يكون بالقول وبالفعل كالحبس والضرب وبالمال‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫والتعزير يكون على المعاصي التي لم يرد فيها حد‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪" :‬اتفق العلماء على أن التعزير مشروع في كل معصية ليس فيها حد"‪.7‬‬
‫مشروعية التعزير‪:‬‬
‫التعزير ثابت بالكتاب والسنة واجماع األمة‬
‫أوالً‪ :‬الكتاب‪:‬‬
‫وه َّن فَِإ ْن‬
‫اض ِرُب ُ‬ ‫ض ِ‬
‫اج ِع َو ْ‬ ‫وه َّن ِفي ا ْل َم َ‬
‫اه ُج ُر ُ‬ ‫وزُه َّن فَ ِعظُ ُ‬
‫وه َّن َو ْ‬ ‫ش َ‬‫ون ُن ُ‬ ‫الال ِتي تَ َخافُ َ‬‫أ‪ -‬فقوله تعالى‪َ { :‬و َّ‬
‫ير} [ النساء‪.]64:‬‬ ‫ان َعلِييا َك ِب ًا‬
‫يال إِ َّن اللَّ َه َك َ‬
‫س ِب ً‬
‫أَطَ ْع َن ُك ْم فَ َال تَ ْب ُغوا َعلَ ْي ِه َّن َ‬
‫‪ - 1‬انظر‪ :‬الرازي‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،‬ص‪ ،437‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.531/4 ،‬‬
‫‪ - 2‬ابن عابدين‪ ،‬حاشية ابن عابدين‪.54/4 ،‬‬
‫‪ - 3‬ابن فرحون‪ ،‬تبصرة الحكام‪.222/2 ،‬‬
‫‪ - 4‬الخطيب الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪.522/5 ،‬‬
‫‪ - 5‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪.173/4 ،‬‬
‫‪ - 3‬السمرقندي‪ ،‬تحفة الفقهاء‪.142/3 ،‬‬
‫‪ -7‬ابن تيمية‪ ،‬مجموع الفتاوى ‪.412/35‬‬

‫‪141‬‬
‫وجــه الداللــة‪ :‬فــي اآليــة بيــان العــالج األمثــل لنشــوز الزوجــة وعــدم طاعتهــا لزوجهــا‪ ،‬ويتمثــل هــذا‬
‫األمر في سلوك ثالثة مراحل تحمل في ثناياها التعزير للزوجة الناشز وهي كاالتي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يعظها بما يناسبها من تخويف باهلل‪ ،‬وأن هذه معصية ستعاقبين عليها يوم القيامة وأن‬
‫يهددها ويحذرها سواء العاقبة‪ ،‬وأنه سيحرمها بعض الهدايا والتحف‪ ،‬واللبيب أدرى بحالة‬
‫امرأته‪.‬‬
‫‪ -1‬الهجر واإلع ارض عنها فال يضاجعها حتى تتبصر في أمرها وتفكر في فعلها فربما‬
‫رجعت عن نشوزها‪.‬‬
‫‪ -6‬الضرب غير المبرح‪ ،‬أي‪ :‬المؤذي إيذاء شديدا‪.1‬‬
‫وح ــول تفس ــير ه ــذه اآلي ــة يق ــول اإلم ــام القرطب ــي –رحم ــه اهلل تع ــالى‪ ":-‬أم ــر اهلل أن يب ــدأ النس ــاء‬
‫بالموعظة أوال ثم بالهجران فإن لم ينجعا فالضرب فإنه هو الـذي يصـلحها لـه ويحملهـا علـى توفيـة‬
‫حقــه والضــرب فهــذه اآليــة هــو ضــرب األدب غيــر المبــرح وهــو الــذي ال يكســر عظمــا وال يشــين‬
‫جارحة كاللكزة ونحوها فإن المقصود منه الصالح ال غير"‪.1‬‬

‫ضـاقَ ْت‬ ‫ـت َو َ‬ ‫ِب َمـا َر ُح َب ْ‬ ‫ض‬ ‫ين ُخلِّفُـوا َحتَّـى إِ َذا َ‬
‫َعلَ ْـي ِه ُم اْأل َْر ُ‬
‫ضـاقَ ْت‬ ‫ب‪-‬قال تعالى‪َ { :‬و َعلَى الثََّال ثَ ِة الَّ ِـذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َن َال م ْلجـأَ ِمـ َ ِ‬
‫إِ َّن اللَّـ َه ُهـ َـو التَّـ َّـو ُ‬
‫اب‬ ‫ـن اللَّـه إَِّال إِلَ ْيــه ثُـ َّـم تَ َ‬
‫َعلَـ ْـي ِه ْم ل َيتُ ُ‬
‫وبـوا‬
‫ـاب‬ ‫ـه ْم َوظَنـوا أ ْ َ َ‬ ‫َعلَ ْـي ِه ْم أَ ْنفُ ُ‬
‫سـ ُ‬
‫يم } [التوبة‪.]118:‬‬ ‫َّ ِ‬
‫الرح ُ‬
‫وجــه الداللــة‪ :‬أن النبــي صــلى اهلل عليــه وســلم هجــر الصـحابة الــذين نزلــت بحقهــم هــذه اآليــة‪ ،‬بعــد‬
‫تخلفهم عن غزوة تبوك‪ ،‬ولم يكن لهـم عـذر فـي التخلـف أبـداً‪ ،‬وهـؤالء الثالثـة هـم‪ :‬كعـب بـن مالـك‪،‬‬
‫وهـالل بـن أميــة‪ ،‬ومـ اررة بــن الربيـع‪ .‬كـذلك أصـدر صــلى اهلل عليـه وســلم أمـ اًر بــأن يقـاطعهم النــاس‪،‬‬
‫ف ــال يكلمه ــم أح ــد‪ ،‬وال يس ــأل ع ــنهم أح ــد‪ ،‬حت ــى اقرب ــاؤهم وال يخ ــتلط به ــم أح ــد ف ــي الس ــوق أو ف ــي‬
‫‪6‬‬
‫المسجد‪ ،‬حتى نزلت التوبة عليهم من اهلل‪ ،‬فكانت هذه المقاطعة بمثابة عقاب وتعزير لهم‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬السنة‪:‬‬
‫‪ -1‬أخرج البخاري بسنده عن أبي بردة رضي اهلل عنه‪ ،‬قال‪ :‬كان النبي صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ات إَِّال ِفي َح ٍّد ِم ْن ُح ُدوِد اللَّ ِه»‪.4‬‬
‫ش ِر جلَ َد ٍ‬
‫ق َع ْ َ‬ ‫يقول‪« :‬الَ ُي ْجلَ ُد فَ ْو َ‬
‫ود ِ‬
‫اهلل»‪.5‬‬ ‫اط‪ ،‬إَِّال ِفي َح ٍّد ِم ْن ُح ُد ِ‬
‫شرِة أَسو ٍ‬
‫ق َع َ َ ْ َ‬ ‫َح ٌد فَ ْو َ‬
‫وعند مسلم بلفظ‪َ« :‬ال ُي ْجلَ ُد أ َ‬

‫‪ - 1‬الحجازي‪ ،‬التفسير الواضح‪.371/1 ،‬‬


‫‪ - 2‬القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪.131/5 ،‬‬
‫‪ - 3‬الشعراوي‪ ،‬تفسير الشعراوي‪.3727/1 ،‬‬
‫َ‬
‫ْزي ُر َواألدَبُ ‪ ،174/2 ،‬حديث(‪.)3242‬‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫‪ -‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ِ ،‬كتَابُ ال ُحدُو ِد‪ ،‬بَاب ك ُم التع ِ‬
‫‪4‬‬

‫ْزير‪ ،1332/3 ،‬حديث(‪.)1712‬‬ ‫ِ‬ ‫ع‬‫َّ‬ ‫ت‬‫ال‬ ‫ط‬ ‫ا‬‫و‬


‫ِ َ ِ‬ ‫ْ‬
‫س‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬
‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ابُ‬ ‫ب‬
‫ِ َ‬‫‪،‬‬‫د‬ ‫ُو‬
‫د‬ ‫ح‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫َابُ‬ ‫ت‬‫ك‬‫ِ‬ ‫‪،‬‬‫مسلم‬ ‫صحيح‬ ‫‪،‬‬‫مسلم‬ ‫‪-‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪142‬‬
‫وجه االستدالل‪ :‬أنه يجوز الجلد بأقل من عشر جلدات تعزي اًر‪ ،‬وأما فوق العشر فال يجوز إال في‬
‫حد من حدود اهلل‪ .‬فالحديث فيه دليل على مشروعية التعزير‪.‬‬
‫امتُها‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫توم ُة َغر َ‬
‫‪ -1‬عن أبي هريرة‪ ،‬أن النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬قال‪" :‬ضال ُة اإلبل الم ْك َ‬
‫و ِم ْثلُها َم َعها"‪.4‬‬
‫فيه دليل على جواز التعزير بالغرامة المالية‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َن رس َ ِ‬
‫سلَّ َم َح َب َ‬
‫س‬ ‫صلَّى اهللُ َعلَ ْيه َو َ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫‪ -3‬عن بهز بن حكيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪« :‬أ َّ َ ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َر ُج ًال في تُ ْه َمة‪ ،‬ثُ َّم َخلَّى َ‬
‫س ِبيلَ ُه»‪.2‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬أنه لما جاز الحبس على التهم كما في الحديث‪ ،‬فألن يجوز بالحبس على المعصية‬
‫الثابتة التي ليس فيها حد وال كفارة من باب أولى‪ ،‬والحبس من أنواع التعزير فكان دليالً على‬
‫مشروعية التعزير‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬اإلجماع‪:‬‬
‫فقد أجمع الفقهاء رحمهم اهلل من السلف والخلف على أن التعزير مشروع في كل معصية ال حد‬
‫فيها وال كفارة‪ ،‬وقد أخذ به الصحابة وطبقوه في بعض الوقا ع ولم ينكر بعضهم على بعض فكان‬
‫‪6‬‬
‫إجماعاً‪.‬‬

‫حكمة مشروعية التعزير‪:‬‬


‫"شرع اهلل عز وجل عقوبات مقدرة ال يزاد عليها وال ُينقص منها‪ ،‬على جميع الج ار م المخلة‬
‫العرض‪ ،‬والعقل‪ ،‬والمال‪ .‬و َشرع من أجل ِحفظ ذلك‬‫بمقومات األمة من حفظ الدين‪ ،‬والنفس‪ ،‬و ِ‬
‫عقوبات وحدوداً زاجرة لتنعم األمة باألمن والطمأنينة‪ .‬ولهذه الحدود شروط وضوابط قد ال يثبت‬
‫بعضها‪ ،‬فتتحول العقوبة من عقوبة محددة إلى عقوبة غير محددة يراها اإلمام‪ ،‬تحقق المصلحة‪،‬‬
‫وتد أر المفسدة‪ ،‬وهي التعزير"‪.4‬‬
‫قال عبد القادر عودة‪ " :‬وضعت الشريعة لج ار م التعازير عقوبات متعددة مختلفة هي مجموعة‬
‫كاملة من العقوبات تتسلسل من أتفه العقوبات إلى أشدها‪ ،‬وتركت للقاضي أن يختار من بينها‬
‫العقوبة التي يراها كفيلة بتأديب الجاني واستصالحه وبحماية الجماعة من اإلجرام‪ ،‬وللقاضي أن‬
‫يعاقب بعقوبة واحدة أو بأكثر منها‪ ،‬وله أن يخفف العقوبة أو يشدها إن كانت العقوبة ذات‬

‫يف بِاللُّقَطَ ِة‪ ،134/2 ،‬حديث(‪ .)1712‬وقال عنه األلباني‪ :‬صحيح‪.‬‬ ‫ْر ِ‬ ‫‪ - 1‬أبو داود‪ ،‬سنن أبي داود‪ِ ،‬كتَاب اللُّقَ َ‬
‫ط ِة‪ ،‬بَابُ التَّع ِ‬
‫ْس‪ ،37/2 ،‬حديث(‪ ،)4273‬وقال عنه األلباني‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ق بِالضَّرْ ِ‬
‫ب َوال َحب ِ‬ ‫َّار ِ‬
‫ق‪ ،‬بَابُ ا ْمتِ َحا ِن الس ِ‬ ‫َّار ِ‬
‫طعِ الس ِ‬ ‫‪ - 2‬النسائي‪ ،‬سنن النسائي‪ِ ،‬كتَابُ قَ ْ‬
‫حسن‪.‬‬
‫‪ - 3‬انظر‪ :‬النووي‪ ،‬المجموع ‪.212/22‬‬
‫‪ - 4‬التويجري‪ ،‬موسوعة الفقه اإلسالمي‪.145/5 ،‬‬

‫‪143‬‬
‫حدين‪ ،‬وله أن يوقف تنفيذ العقوبة إن رأى في ذلك ما يكفي لتأديب الجاني وردعه‬
‫واستصالحه"‪.1‬‬

‫أنواع العقوبات التعزيرية‪:‬‬


‫التعزير عقوبة تختلف باختالف الناس‪ ،‬واختالف المعصية‪ ،‬واختالف الزمان‪ ،‬واختالف المكان‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫والعقوبات التعزيرية أنواع منها‪:‬‬
‫‪ -1‬ما يتعلق بالجاه كالتوبيخ‪ ،‬والتشهير‪ ،‬والعزل عن المنصب‪.‬‬
‫‪ -1‬ما يتعلق بتقييد اإلرادة كالحبس والنفي‪.‬‬
‫‪ -6‬ما يتعلق باألموال كاإلتالف والغرامة ومنع التصرف‪.‬‬
‫‪ -4‬ما يتعلق باألبدان كالقيد والجلد والقتل‪.‬‬
‫الغ ْرم عليه‪.‬‬
‫‪ -5‬ما يتعلق باألبدان واألموال كجلد السارق من غير حرز مع إضعاف ُ‬
‫والتعزير يكون بحسب المصلحة‪ ،‬وعلى قدر الجريمة‪ ،‬ولكل شخص تعزير يؤدبه ويردعه‪.‬‬
‫المفرق لجماعة المسلمين‪ ،‬والداعي‬‫ويجوز التعزير بالقتل إذا لم تندفع المفسدة إال به‪ ،‬مثل قَ ْتل ِّ‬
‫إلى غير الكتاب والسنة‪ ،‬والداعي للبدعة‪ ،‬والجاسوس مسلماً كان أو كاف اًر‪.‬‬
‫الن ِب َّي ‪-‬صلى اهلل‬ ‫ودليل هذا ما أخرجه البخاري‪ :6‬عن سلمة بن األكوع رضي اهلل عنه قال‪ :‬أتَى َّ‬
‫أص َحا ِب ِه َيتَ َحد ُ‬
‫َّث‪ ،‬ثُ َّم ا ْنفَتَ َل‪ ،0‬فَقال‬ ‫س ع ْن َد ْ‬
‫ين و ُهو ِفي سفَ ٍر‪ ،‬فَجلَ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫عليه وسلم ‪-‬ع ْي ٌن‪ِ 1‬م َن الم ْ ِ‬
‫ش ِرك َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الن ِبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم ‪« :-‬ا ْطلُ ُبوهُ َواقْتُلُوهُ»‪ .‬فَقَتَلَ ُه فَ َنفلَ ُه َ‬
‫‪6‬‬
‫سلَ َب ُه ‪.‬‬
‫الحكمة في ترك تحديده إلى األئمة‪:‬‬
‫"والمعاصي التي ال حد لها فيها أسهل‪ ،‬ولهذا جعلت إلى األ مة‪ ،‬وذلك أنه يحصل عوارض‬
‫فتغير على حسب المصال والمفاسد‪ ،‬ال بالنسبة إلى مراعاة أحد‪ ،‬وهذا من السياسة الشرعية‪،‬‬
‫فإن السياسة الشرعية التي تدور مع المصال الشرعية‪ ،‬وسياسة شهوانية وجاهلية وملوكية‬
‫جبروتية فهذه ليست السياسة‪ ،‬السياسة ما وافق الشرع‪ ،‬فالشرع فيه سعة بالنسبة إلى التشديد‬
‫والزيادة‪ ،‬أو في التساهل فيها مخالفة مفسدة أكبر‪ ،‬وفيه بالنسبة إلى التشديد ما يكون بالقتل"‪.7‬‬

‫‪ - 1‬عبد القادر عودة‪ ،‬التشريع الجنائي‪.323/1 ،‬‬


‫‪ - 2‬التويجري‪ ،‬موسوعة الفقه اإلسالمي‪ ،147/5 ،‬البلخي‪ ،‬الفتاوى الهندية‪.137/2 ،‬‬
‫الجهَا ِد َوال ِّسيَ ِر‪ ،‬بَابُ ال َحرْ بِ ِّي إِ َذا َد َخ َل دَا َر ا ِإل ْسالَ ِم بِ َغي ِْر أ َما ٍن‪ ،34/4 ،‬حديث(‪.)3151‬‬
‫‪ - 3‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ِ ،‬كتَابُ ِ‬
‫‪ - 4‬عين‪ :‬جاسوس‪.‬‬
‫‪ - 5‬ا ْنفَتَ َل‪ :‬انصرف‪.‬‬
‫‪( - 3‬فقتله)‪ :‬أي سلمة بن األكوع رضي هللا عنه‪( .‬فنفله)‪ :‬أعطاه والنفل ما يشترطه اإلمام لمن يقوم بعمل ذي خطر‪( .‬سلبه)‪ :‬هو كل ما‬
‫يكون مع المقتول من مركب أو سالح أو متاع‪.‬‬
‫‪ - 7‬محمد بن إبراهيم آل الشيخ‪ ،‬فتاوى ورسائل الشيخ‪.121/12 ،‬‬

‫‪144‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫خصائص العقوبة التعزيرية‪.‬‬

‫تتميز عقوبة التعزير بعدة خصائص منها‪:‬‬


‫‪ -1‬التعزيــر عقوبــة غيــر مقــدرة مــن الشــارع‪ :‬وانمــا تــرك أم ـره لإلمــام بحســب حالــة الجــاني‬
‫وبحسب كل جناية وقـدرها‪ ،‬بخـالف الحـدود والقصـاص والـديات والكفـارات‪ ،‬فهـي عقوبـات‬
‫مقدرة شرعاً ومعينة للقاضي والزمة له‪ ،‬وال يحـق لـه أن يسـتبدلها أو يـنقص منهـا‪ ،‬أو يزيـد‬
‫‪1‬‬
‫عليها‪.‬‬
‫‪ -1‬يعزر كل عاقل ارتكب جناية ليس لها حد مقدر‪ ،‬سواء كـان حـ ار أو عبـدا‪ ،‬ذكـ ار أو أنثـى‪،‬‬
‫مســلما أو كــافرا‪ ،‬بالغــا أو صــبيا‪ ،‬بعــد أن يكــون عــاقال؛ ألن ه ـؤالء مــن أهــل العقوبــة‪ ،‬إال‬
‫‪1‬‬
‫الصبي العاقل فإنه يعزر تأديبا ال عقوبة؛ ألنه من أهل التأديب‪.‬‬
‫س ْــب ِع ِس ِــني َن‬
‫ــاء َ‬
‫ـي ‪-‬صــلَّى اهلل علَ ْيـ ِـه وســلَّم ‪«-‬مــروا أَوالَ َد ُكــم ِب َّ ِ‬
‫الصــالَة َو ُه ْــم أ َْب َن ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُُ ْ‬ ‫ُ َ ََ َ‬ ‫وذلــك لحــديث النبـ ِّ َ‬
‫ض ِ‬
‫اج ِع »‪.3‬‬ ‫ش ِر ِس ِن َ‬
‫ين َوفَِّرقُوا َب ْي َن ُه ْم في ا ْل َم َ‬ ‫اء َع ْ‬ ‫اض ِرُب ُ‬
‫وه ْم َعلَ ْي َها َو ُه ْم أ َْب َن ُ‬ ‫َو ْ‬

‫‪ -6‬التعزير إذا كان من حق اهلل تعالى تجب إقامته‪ ،‬ويجوز فيه العفو والشفاعة إن كـان فـي‬
‫ذلـك مصـلحة‪ ،‬أو انزجـر الجـاني بدونـه‪ ،‬واذا كـان مـن حـق الفـرد فلـه تركـه بـالعفو وبغيـره‪،‬‬
‫وهــو يتوقــف علــى الــدعوى‪ ،‬واذا طالــب صــاحبه ال يكــون لــولي األمــر عفــو وال شــفاعة وال‬
‫إسقاط‪ .‬بخالف الحد الواجـب لحـق اهلل ال عفـو فيـه وال شـفاعة وال إسـقاط إذا وصـل األمـر‬
‫‪4‬‬
‫للحاكم‪ ،‬وثبت بالبينة‪.‬‬
‫ص ـلَّى اهللُ َعلَ ْيـ ِـه‬ ‫ِ‬
‫ـان َن ِب ِّيــه َ‬
‫سـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ش ـفَعوا تُـ ْـؤجروا‪ ،‬وي ْق ِ‬
‫ضــي اللَّـ ُ‬
‫ـه َعلَــى ل َ‬ ‫َُ َ َ‬
‫ِ َّ‬ ‫لقولــه َّ‬
‫صــلى اهللُ َعلَ ْيــه َو َســل َم‪« :‬ا ْ ُ‬
‫َ‬
‫سلَّ َم َما َ‬
‫‪0‬‬
‫اء» ‪.‬‬‫ش َ‬ ‫َو َ‬
‫‪ -4‬إقامة العقوبات التعزيرية موكوله إلى أشخاص معينين؛ إذ الغـرض مـن التعزيـر التأديـب‬
‫واإلصــالح‪ ،‬وه ـؤالء هــم‪ :‬اإلمــام أو نا بــه‪ ،‬واألب وان عــال البنــه‪ ،‬والــزوج لزوجتــه‪ ،‬والســيد‬
‫‪3‬‬
‫لمواله‪ ،‬والمعلم لتلميذه‪.‬‬

‫‪ - 1‬ابن عابدين‪ ،‬رد المحتار على الدر المختار‪.31/4 ،‬‬


‫‪ - 2‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪.34/7 ،‬‬
‫ْ‬
‫‪ - 3‬أبو داود‪ ،‬سنن أبي داود‪ِ ،‬كتَاب الص ََّال ِة‪ ،‬بَابُ َمتَى ي ُْؤ َم ُر ال ُغ َال ُم بِالص ََّال ِة‪ ،133/1 ،‬حديث(‪ ،)445‬وقال األلباني‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫‪ - 4‬ابن فرحون‪ ،‬تبصرة الحكام‪ ،242/2 ،‬سعود العتيبي‪ ،‬الموسوعة الجنائية اإلسالمية المقارنة‪ ،‬ص‪.232‬‬
‫ص َدقَ ِة َوال َّشفَا َع ِة فِيهَا‪ ،113/2 ،‬حديث(‪.)1432‬‬
‫يض َعلَى ال َّ‬‫‪ -‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ِ ،‬كتَابُ ال َّزكَا ِة‪ ،‬بَابُ التَّحْ ِر ِ‬
‫‪5‬‬

‫‪ - 3‬ابن نجيم‪ ،‬البحر الرائق‪ ،51/5 ،‬محمد عليش‪ ،‬منح الجليل‪ ،355/4 ،‬النووي‪ ،‬روضة الطالبين‪.175/11 ،‬‬

‫‪145‬‬
‫‪ -5‬تقــدير التعزيــر بحســب شخصــية الجــاني وجســامة الجريمــة‪ :‬إذا كانــت ظــروف الجــاني‬
‫تقتضــي التخفيــف روعــي فــي تقــدير العقوبــة واختيــار نوعهــا شخصــية الجــاني‪ .‬واذا كانــت‬
‫ظروف الجريمة تقتضي التشديد وظروف الجاني تقتضي التخفيف‪ ،‬روعـي بقـدر اإلمكـان‬
‫فــي اختيــار العقوبــة وتقــدير كميتهــا أن تحمــي الجماعــة مــن اإلج ـرام وأن تال ــم شخصــية‬
‫المجــرم‪ .‬أمــا ج ـ ار م الحــدود وج ـ ار م القصــاص والديــة ينظــر فيهــا إلــى الجريمــة‪ ،‬وال اعتبــار‬
‫‪1‬‬
‫فيها لشخصية المجرم‪.‬‬
‫‪ -3‬الحدود تد أر بالشبهات؛ فال يجوز الحكم بثبوتها عند قيام الشبهة‪ ،‬بخالف التعزير؛ فإنه‬
‫يحكم بثبوت موجبه مع قيام الشبهات‪.‬‬
‫وقد لخص ابن عابدين الفروق بين الحد والتعزير‪ ،‬حيث قال‪" ":‬الفرق بين الحد والتعزير‪ :‬أن‬
‫الحد مقدر‪ ،‬والتعزير مفوض إلى رأي اإلمام‪ .‬وأن الحد يد أر بالشبهات‪ ،‬والتعزير يجب معها‪ .‬وأن‬
‫الحد ال يجب على الصبي‪ ،‬والتعزير شرع عليه‪ .‬والرابع‪ :‬أن الحد يطلق على الذمي‪ ،‬والتعزير‬
‫يسمى عقوبة له؛ ألن التعزير شرع للتطهير‪ .‬وزاد بعض المتأخرين‪ :‬أن الحد مختص باإلمام‪،‬‬
‫والتعزير يفعله الزوج والمولى وكل من رأى أحدا يباشر المعصية‪ .‬وأن الرجوع يعمل في الحد‪ ،‬ال‬
‫في التعزير‪ .‬وأنه يحبس المشهود عليه حتى يسأل عن الشهود في الحد ال في التعزير‪ .‬وأن الحد‬
‫ال تجوز الشفاعة فيه‪ .‬وأنه ال يجوز لإلمام تركه‪ .‬وأنه قد يسقط بالتقادم‪ ،‬بخالف التعزير‪ .‬فهي‬
‫عشرة"‪.1‬‬

‫من يستحق التعزير‪:‬‬


‫قــال ابــن تيميــة‪ ":‬والتعزيــر يكــون لمــن ظهــر منــه تــرك الواجبــات‪ ،‬وفعــل المحرمــات كتــارك الصــالة‬
‫والزكــاة والتظــاهر بالمظــالم والفـواحش‪ ،‬والــداعي إلــى البــدع المخالفــة للكتــاب والســنة واجمــاع ســلف‬
‫األمة التي ظهر أنها بدع"‪.6‬‬

‫قال ابن القيم‪ ":‬اتفق العلماء على أن التعزير مشروع في كل معصية‪ ،‬ليس فيها حد وهي نوعان‪:‬‬
‫ترك واجب‪ ،‬أو فعل محرم‪ ،‬فمن ترك الواجبات مع القدرة عليهـا‪ ،‬كقضـاء الـديون‪ ،‬وأداء األمانـات‪:‬‬
‫من الوكاالت‪ ،‬والودا ع‪ ،‬وأموال اليتامى‪ ،‬والوقـوف‪ ،‬واألمـوال السـلطانية‪ ،‬ورد الغصـوب‪ ،‬والمظـالم؛‬
‫فإنه يعاقب حتى يؤديها‪ ،‬وكـذلك مـن وجـب عليـه إحضـار نفـس السـتيفاء حـق وجـب عليهـا؛ مثـل‪:‬‬
‫أن يقطع الطريق‪ ،‬ويلتجئ إلى من يمنعه ويذب عنه؛ فهذا يعاقب حتى يحضره"‪.4‬‬

‫‪ - 1‬عبد القادر عودة‪ ،‬التشريع الجنائي‪.327-315/1 ،‬‬


‫‪ - 2‬ابن عابدين‪ ،‬رد المحتار‪.31/4 ،‬‬
‫‪ - 3‬ابن تي ِميَّة‪ ،‬مجموع الفتاوى‪.215/22 ،‬‬
‫‪ - 4‬ابن القيم‪ ،‬الطرق الحكمية‪ ،‬ص‪.43‬‬

‫‪143‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫موقف الشرع من تطبيق أحكام التعازير في حال غياب الدولة‪.‬‬

‫تقدم في إقامة عقوبة التعزير في حال وجود اإلمام أو نا به‪ ،‬أنه يجوز لغيـرهم أن يقومـوا بـالتعزير‬
‫مع وجود اإلمام‪ ،‬وهم‪ :‬األب وان عال البنه‪ ،‬والزوج لزوجته‪ ،‬والسيد لمواله‪ ،‬والمعلم لتلميذه‪.‬‬

‫جــاء فــي الفتــاوى الهنديــة‪ ":‬لكــل مســلم إقامــة التعزيــر حــال مباش ـرة المعصــية‪ ،‬وأمــا بعــد المباش ـرة‬
‫فليس ذلك لغير الحاكم"‪.1‬‬

‫وقد أجاب شيخ اإلسالم ابن تيمية‪- :‬رحمه اهلل‪-‬في سؤال له عن التعزير هل يختص بالحاكم‪:‬‬
‫" وتعزي ــر هـ ـؤالء ل ــيس يخ ــتص بالح ــاكم‪ ،‬ب ــل يع ــزره الح ــاكم والمحتس ــب وغيرهم ــا م ــن والة األم ــور‬
‫القــادرين علــى ذلــك‪ ،‬ويتعــين ذلــك فــي مثــل هــذه الحــال التــي ظهــر فيهــا فســاد كثيــر فــي النســاء‪،‬‬
‫ـاس إذا أروا المنكـ َـر فلـ ْـم‬ ‫صــلَّى اهللُ َعلَ ْيـ ِـه َو َســلَّ َم ‪-‬قــال‪َّ « :‬‬
‫إن النـ َ‬ ‫ـي ‪َ -‬‬
‫وشــهادة الــزور كثي ـرة‪ ،‬فــإن النبـ َّ‬
‫منه‪ .»1‬واهلل أعلم"‪.6‬‬ ‫بعقاب ُ‬ ‫ٍ‬ ‫أوشك أن يعمهم اهللُ‬
‫َ‬ ‫يغيروهُ‬

‫ولهذا فإنه من باب أولى يجوز تطبيق عقوبة التعزير في حال غياب اإلمام(الدولة)‪ .‬علـى مـا بينـا‬
‫فيما سبق وفيما سيأتي‪.‬‬

‫‪ - 1‬البلخي‪ ،‬الفتاوى الهندية‪.137/2 ،‬‬


‫‪ - 2‬سبق تخريجه‪ ،‬ص‪.131‬‬
‫‪ - 3‬ابن تيمية‪ ،‬الفتاوى الكبرى‪.27/3 ،‬‬

‫‪147‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫حكم اللجوء إلى التحكيم والقضاء الوضعي في قضايا الحدود‬
‫والقصاص والديات في ظل غياب الدولة اإلسالمية‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬التعريف بالتحكيم‪:‬‬


‫الحكم‪ :‬القضاء‪ .‬ويقال‪ :‬حكـم بيـنهم‬‫التحكيم في اللغة‪ :‬مصدرٌ للفعل (حكم) بمعنى قضى‪ ،‬و ُ‬
‫يح ُكم بالضم ُحكما وحكم له وحكم عليه‪ .‬وح ّكمه في ماله تحكيماً إذا جعل إليـه الحكـم فيـه فـاحتكم‬
‫‪1‬‬
‫عليه في ذلك‪ .‬واحتكموا إلى الحاكم وتحاكموا بمعنى‪ ،‬والمحاكمة‪ :‬المخاصمة إلى الحاكم‪.‬‬

‫يظهــر أن التحكــيم ال يختلــف عـن القضــاء فــي المعنــى اللغــوي‪ ،‬فــالمح ّكم قــاضٍ والقاضــي مح ّكــم‪.‬‬
‫وليس األمر كذلك في االصطالح إذ يفترقان‪:‬‬

‫ص ِط َال ِح‪:‬‬ ‫ِ‬


‫َما في اال ْ‬
‫َوأ َّ‬
‫‪ -1‬عرفه ابن نجيم " فَهو تَولِيةُ اْل َخصم ْي ِن ح ِ‬
‫اك ًما َي ْح ُك ُم َب ْي َنهُ َما"‪.1‬‬ ‫َْ َ‬ ‫َُ ْ َ‬
‫‪ -1‬وعرفه الدردير‪ ":‬بأنه‪ :‬حكم حاكم أو محكم بأمر ثبت عنده‪ ،‬كدين وحـبس‪ ،‬وقتـل‪ ،‬وجـرح‪،‬‬
‫وضرب‪ ،‬وسب‪ ،‬وترك صالة‪ ،‬ونحوهـا‪ ،‬وقـذف‪ ،‬وشـرب‪ ،‬وزنـا‪ ،‬وسـرقة‪ ،‬وغصـب‪ ،‬وعدالـة‪،‬‬
‫وضـدها‪ ،‬وذكـورة‪ ،‬وأنوثـة‪ ،‬ومــوت‪ ،‬وحيـاة‪ ،‬وجنـون‪ ،‬وعقـل‪ ،‬وســفه‪ ،‬ورشـد‪ ،‬وصـغر‪ ،‬وكبــر‪،‬‬
‫ونكـ ــاح‪ ،‬وطـ ــالق‪ ،‬ونحـ ــو ذلـ ــك‪ ،‬ليرتـ ــب علـ ــى مـ ــا ثبـ ــت عنـ ــده مقتضـ ــاه‪ ،‬أو حكمـ ــه بـ ــذلك‬
‫المقتضى"‪.6‬‬
‫وبع ــد أن ذك ــر ال ــدردير ه ــذا التعري ــف‪ ،‬أراد أن يب ــين معن ــى عب ــارة‪" ،‬ليرت ــب عل ــى م ــا ثب ــت عن ــده‬
‫مقتضــاه‪ ،‬أو حكمــه بــذلك المقتضــى"‪ ،‬فقــال‪" :‬مثالــه‪ :‬لــو ثبــت عنــده ديــن أو طــالق‪ ،‬فــالحكم تــارة‬
‫بالــدين أو الطــالق‪ ،‬ليرتــب علــى ذلــك‪ :‬الغــرم‪ :‬أو فراقهــا‪ ،‬وعــدتها‪ ،‬أو يحكــم بــالغرم أو الف ـراق‪ ،‬لمــا‬
‫ثبت عنده على حسب ما يقتضيه الحال من الرفع له"‪.‬‬
‫ويالحــظ علــى هــذا التعريــف التطويــل الــذي ال داعــي لــه؛ ألن التطويــل يعــاب فــي التعــاريف‪ ،‬إذ‬
‫‪4‬‬
‫التعاريف مبناها على االختصار‪.‬‬

‫‪ - 1‬الرازي‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،32/1 ،‬إبراهيم مصطفى ‪ /‬أحمد الزيات ‪ /‬حامد عبد القادر ‪ /‬محمد النجار‪ ،‬المعجم الوسيط‪.141/1 ،‬‬
‫‪ - 2‬ابن نجيم‪ ،‬البحر الرائق‪ .24/7 ،‬ابن عابدين‪ ،‬رد المحتار‪.422/5 ،‬‬
‫‪ - 3‬أحمد الدردير‪ ،‬الشرح الكبير‪.133/4 ،‬‬
‫‪ - 4‬محمد رأفت عثمان‪ ،‬النظام القضائي في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص‪.12‬‬

‫‪142‬‬
‫ص َم ْي ِن فَأَ ْكثََر بِ ُح ْكِم اللَّ ِه تَ َعالَى"‪.4‬‬ ‫‪ -3‬وعرفه الشربيني‪ ":‬فَص ُل اْل ُخص ِ‬
‫ومة َب ْي َن َخ ْ‬
‫ُ َ‬ ‫ْ‬
‫‪2‬‬
‫‪ -1‬وعرفه البهوتي‪ ":‬اإللزام بالحكم الشرعي وفصل الخصومات" ‪.‬‬

‫ضرورة القضاء‪:‬‬
‫"اإلنسان كا ن اجتماعي بطبعه الذي فطـره اهلل عليـه‪ ،‬ال يسـتطيع العـيش ‪-‬فـي يسـر‪ -‬منفـردا‪ ،‬فـال‬
‫تستقيم حياته إال إذا عاش في جماعة‪ ،‬واذا كان الناس ال يستطيعون الحياة الكاملة إال مجتمعين‪،‬‬
‫فال بد أن تحدث نزاعات وخالفات حول الكثير من األمـور‪ ،‬لتعـارض المصـال والرغبـات‪ ،‬ولحـب‬
‫السيطرة‪ ،‬واالستيالء على ما هو من حقوق الغيـر‪ ،‬وضـن النفـوس بحقـوق اآلخـرين‪ ،‬فـإذا لـم يوجـد‬
‫ر يس لهذه الجماعة يكون حاسـما للتنـازع والتواثـب‪ ،‬وظلـم النـاس بعضـهم لـبعض‪ ،‬ومؤديـا الحقـوق‬
‫إلى أصحابها‪ ،‬أدى ذلك إلى حدوث ضرر جسيم‪َ ،‬ق ّل أن يسلم منه أحد من أفراد الجماعة‪ ،‬ولذلك‬
‫كـان مــن الواجبــات التــي أوجبهــا الشــرع ‪-‬بإجمــاع العلمـاء‪ -‬إقامــة ر ــيس للدولــة‪ ،‬لكــي يحقــق العــدل‬
‫ويمنع ظلم البعض للبعض‪ ،‬ويؤكـد شـرع اهلل؛ ألن طبـا ع البشـر قـد جبلـت علـى التظـالم‪ ،‬وَقـ ّل مـن‬
‫الناس مـن ينصـف مـن نفسـه‪ ،‬فـال بـد مـن وجـود سـلطة قـادرة قـاهرة لهـا السـيادة علـى الجميـع تمنـع‬
‫المظالم وتقطع المنازعات التي هي مادة الفساد‪ ،‬وهذه السلطة تتمثل في ر يس الدولة"‪.6‬‬

‫أهمية التحكيم‬
‫ك ــان التحك ــيم ف ــي ب ــادئ األم ــر ه ــو الوس ــيلة الوحي ــدة لحس ــم المنازع ــات‪ ،‬إل ــى أن تكون ــت الوح ــدة‬
‫السياســية ذات الســيادة والســلطان‪ ،‬فنشــأ نظــام القضــاء ليطبــق ش ـريعة هــذه الوحــدة السياســية‪ ،‬ومــع‬
‫هاما في المجتمع اإلنساني‪:4‬‬‫دور ًّ‬
‫ذلك ظل التحكيم قا ًما إلى جانب القضاء يؤدي ًا‬
‫ـر مــن النفقـات التــي تتمثـل فـي رســوم التقاضـي وأتعــاب المحـامين ومــا‬
‫‪-1‬فهـو يجنـب الخصــوم كثي ًا‬
‫شابه ذلك‪.‬‬
‫‪-1‬وه ــو يختص ــر الوق ــت ال ــذي يس ــتغرقه ب ــبطء التقاض ــي‪ ،‬والتنق ــل ب ــين درجات ــه‪ ،‬واجـ ـراءات تنفي ــذ‬
‫األحكام‪.‬‬
‫‪-6‬والتحكيم يتناسب وظروف أطراف النزاع‪ ،‬الذين يحددون باالتفاق مع المحتكم إليهم ما يال مهم‬
‫من أوقات ال تتعارض من أعمالهم وارتباطاتهم‪.‬‬
‫‪-4‬وقد يلجأ أطراف النزاع إلى التحكيم حفاظًا على الخصوصية التي تسود عالقاتهم‪ ،‬وال يرغبون‬
‫علنا أمام القضاء‪.‬‬
‫في عرضها ً‬

‫‪ - 1‬الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،371/4 ،‬البجيرمي‪ ،‬حاشية البجيرمي‪.372/4 ،‬‬


‫‪ - 2‬البهوتي‪ ،‬كشاف القناع‪.225/3 ،‬‬
‫‪ - 3‬محمد رأفت عثمان‪ ،‬النظام القضائي في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪ -4‬مجلة مجمع الفقه اإلسالمي‪ ،‬ال عدد‪ ،4‬ج‪ ،12‬ص‪ ،1233‬محمد جبر األلفي‪ ،‬التحكيم في الفقه اإلسالمي‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫‪-5‬ومما يشجع على تفضيل التحكيم‪ ،‬حريـة أطـراف النـزاع فـي اختيـار محكمـين علـى درجـة كبيـرة‬
‫من الخبرة الفنية التي ال بد منها في فهم طبيعة النزاع ودقة الحكم فيه‪.‬‬
‫قاصرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪-3‬ويحتمل التحكيم مكانة مهمة في القانون الدولي العام‪ ،‬حيث التنظيم القضا ي ال يزال‬
‫‪-7‬وللتحكيم دور بارز في حسم المنازعات التـي تظهـر فـي أوسـاط األقليـات الدينيـة أو العربيـة أو‬
‫المذهبيــة‪ ،‬التــي ال تقبــل أحكــام القــانون الســا د فــي البلــد الــذي تعــيش فيــه‪ ،‬فيجــدون فــي التحكــيم‬
‫‪1‬‬
‫مخرجا من تطبيق هذا القانون الذي قد يتعارض مع ش ار عهم ومعتقداتهم وأعرافهم‪.‬‬
‫ً‬

‫دواعي التحكيم‪:‬‬
‫فــي بعــض األحيــان ال يلجــأ الخصــمان إلــى القاضــي للفصــل بينهمــا‪ ،‬وانمــا يلج ـ ن إلــى شــخص ال‬
‫يتولى منصب القضاء‪ ،‬فيحكمانه بينهما‪ ،‬إما لبعدهما عـن مكـان القاضـي‪ ،‬أو اختصـا اًر إلجـراءات‬
‫الم َح َّكم‪.‬‬
‫الح َكم أو ُ‬
‫التقاضي‪ ،‬أو ألي غرض خر‪ ،‬وهذا هو َ‬
‫وقد كان التحكيم معروفا في الجاهليـة قبـل مجـيء اإلسـالم‪ ،‬ورتبـة الحكـم أو المحكـم أقـل مـن رتبـة‬
‫القاضي لعدة أمور‪:2‬‬
‫أحدها‪ :‬أن حكم المحكم يقتصر على من يرضى بحكمه عند فريق من العلماء‪.‬‬
‫الثــاني‪ :‬أن القاضــي يقضــي فــي أمــور لــيس مــن حــق المحكــم أن يحكــم فيهــا‪ ،‬كالقصــاص والحــدود‬
‫عنــد فريــق مــن العلمــاء أيض ـاً‪ ،‬فحكــم المحكــم لــيس مطلق ـاً فــي كــل قضــية كالقاضــي عنــد بعــض‬
‫العلماء‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬عموم والية القاضي‪ ،‬فيتعدى الحكم الصادر عنه‪ ،‬إلى غيـر المتخاصـمين‪ ،‬كمـا فـي القتـل‬
‫الخطأ وما ماثل هذا‪ ،‬بخالف المحكم‪.‬‬

‫هل التحكيم مشروع؟‬


‫أوالً‪ :‬يرى الحنفية والمالكية والحنابلة جواز التحكيم‪.6‬‬
‫ثانياً‪ :‬وأما الشافعية فقد اختلفـت اآلراء فـي فقههـم‪ ،‬وأقـوى اآلراء عنـدهم جـواز التحكـيم‪ ،‬ورأي ث ٍ‬
‫ـان‪،‬‬
‫بعدم الجواز مطلقا لما فيه من االفتيات على اإلمام‪ ،‬ورأي ثالث يقول‪ :‬بجواز التحكيم بشرط عـدم‬
‫ٍ‬
‫قاض بالبلد؛ ألنه في هذه الحال توجد الضرورة المجيزة لذلك‪.4‬‬ ‫وجود‬

‫‪ - 1‬مجلة مجمع الفقه اإلسالمي‪ ،‬ال عدد‪ ،4‬ج‪ ،12‬ص‪ ،1233‬محمد جبر األلفي‪ ،‬التحكيم في الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ - 2‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ - 3‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع‪ ،3/7 ،‬الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي‪ ،135/4 ،‬المرداوي‪ ،‬اإلنصاف‪.144/11 ،‬‬
‫‪ - 4‬الخطيب الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،232/3 ،‬الشيرازي‪ ،‬المهذب‪.374/3 ،‬‬

‫‪151‬‬
‫أدلة مشروعية التحكيم عند َم ْن قال به‪:‬‬
‫الكتاب والسنةُ واإلجماعُ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫التحكيم مشروعٌ‪ ،‬وقد دل على ذلك‬
‫َهلِ َهـا‬
‫َهلِ ِـه َو َح َك ًمـا ِم ْـن أ ْ‬
‫اق َب ْي ِن ِه َما فَ ْاب َعثُوا َح َك ًما ِم ْن أ ْ‬
‫الكتاب فقوله تعالى‪َ { :‬وِا ْن ِخ ْفتُ ْم ِشقَ َ‬ ‫ُ‬ ‫اوالً‪ :‬أما‬
‫ق اللَّ ُه َب ْي َن ُه َما} [النساء‪.]65 :‬‬ ‫صالَ ًحا ُي َوفِّ ِ‬
‫يدا إِ ْ‬
‫إِ ْن ُي ِر َ‬

‫قـــال القرطبـــي‪ ":‬وفــي هــذه اآليــة دليــل علــى إثبــات التحكــيم‪ ،‬ولــيس كمــا تقــول الخــوراج إنــه لــيس‬
‫التحكيم ألحد سوى اهلل تعالى‪ ،‬وهذه كلمة حق ولكن يريدون بها الباطل"‪.1‬‬

‫ثانياً ‪ :‬وأما السـنة‪ ،‬فـإن رسـول اهلل صـلى اهلل عليـه وسـلم رضـي بتحكـيم سـعد بـن معـاذ رضـي اهلل‬
‫‪1‬‬
‫عنه في أمر اليهود من بني قريظة‪ ،‬حين جنحوا إلى ذلك ورضوا بالنزول على حكمه‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬أما اإلجماع‪ ":‬أجمع المسلمون على مشروعية نصب القضاء‪ ،‬والحكم بين الناس"‪.6‬‬

‫ما حكم اللجوء الي التحكيم في قضايا الحدود والقصاص والديات؟‬

‫‪ -1‬عنــد الحنفيــة‪ :‬اختلفــت راء فقهــاء المــذهب الحنفــي فــي جـواز التحكــيم فــي بعــض الحــدود‬
‫والقصــاص‪ ،‬فمــنهم مــن يــرى عــدم جـواز التحكــيم فــي الحــدود الواجبــة حقــا هلل تعــالى وذلــك‬
‫ألن اإلمــام ه ــو المتع ــين الس ــتيفا ها‪ ،‬وك ــذلك القص ــاص‪ ،‬وذل ــك ألن ــه ال والي ــة لهم ــا عل ــى‬
‫دمهما ولهذا ال يملكان اإلباحـة‪ ،‬وألن حكـم المحكـم لـيس بحجـة فـي حـق غيـر المحكمـين‪،‬‬
‫فكانت فيه شبهة‪ ،‬والحدود والقصاص ال تستوفى بالشبهات‪.‬‬
‫والرأي الثاني‪ :‬يرى جواز التحكيم في حد القذف والقصاص‪ ،‬وذلك ألن االسـتيفاء إليهمـا وهمـا مـن‬
‫‪4‬‬
‫حقوق العباد فيجوز التحكيم كما في األموال‪.‬‬

‫‪ -1‬عند المالكية‪ :‬يرون أن كل الحدود ال يجوز التحكيم فيهـا‪ ،‬وقـد عللـوا لعـدم جـواز التحكـيم‬
‫في الحدود مطلقًا بأنه قـد تعلـق بهـا حـق لغيـر الخصـمين‪ ،‬فالحـدود حـق هلل تعـالى شـرعت‬
‫للزجر عن اقتراف الج ار م التي تستوجبها‪ ،‬وكذلك التحكيم ال يجوز فـي القصـاص‪ ،‬وعللـوا‬

‫‪ - 1‬القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪.137/5 ،‬‬


‫ب‪َ ،‬و َم ْخ َر ِج ِه إِلَى بَنِي قُ َر ْيظةََ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫صلى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسل َم ِمنَ األحْ َزا ِ‬ ‫َّ‬
‫َازي‪ ،‬بَابُ َمرْ ِجعِ النبِ ِّي َ‬
‫‪ -‬أخرجه البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ِ ،‬كتَابُ ال َمغ ِ‬
‫‪2‬‬

‫ص َرتِ ِه إِيَّاهُ ْم‪ ،112/5 ،‬حديث(‪ ،)4122‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪.413/7 ،‬‬ ‫َو ُم َحا َ‬
‫‪ - 3‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪.32/11 ،‬‬
‫‪ - 4‬البابرتي‪ ،‬العناية شرح الهداية‪ ،312/7 ،‬ابن عابدين رد المحتار على الدر المختار‪.424/5 ،‬‬

‫‪151‬‬
‫ـق فــي القصــاص ِ‬
‫هلل‬ ‫لهــذا بــنفس التعليــل الــذي علل ـوا بــه فــي جانــب الحــدود‪ ،‬وهــو أن الحـ َّ‬
‫‪1‬‬ ‫ِ‬
‫االعتداء على حياة اإلنسان‪.‬‬ ‫ِ‬
‫للزجر عن‬ ‫القصاص إنما ُش ِرع‬ ‫تعالى؛ ألن‬
‫َ‬

‫أمـا مـا يجـوز التحكـيم فيــه عنـد المالكيـة هـو قضـايا األمـوال والجـراح‪ ،‬سـواء أكانـت عمـدا أم خطــأ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ولو كانت الجراح عظما كقطع اليد أو الرجل‪.‬‬

‫‪ -6‬عنــــد الشــــافعية‪ :‬رأي ي ــرى عـ ـدم ج ــواز التحك ــيم ف ــي الح ــدود والقص ــاص‪ ،‬إال فيم ــا دون‬
‫القصاص والزواج‪ ،‬ونحوهما كاللعان وحد القذف‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫ورأي خر يرى جواز التحكيم في القصاص وهو األقوى في المذهب‪.‬‬

‫‪ -4‬عند الحنابلة‪ :‬يرى بعض فقهاء الحنابلة أنه ينفذ حكـم المحكـم فـي جميـع األحكـام إال فـي‬
‫أربعة أشياء‪ :‬الزواج‪ ،‬واللعان‪ ،‬والقذف‪ ،‬والقصاص‪ ،‬وقال أبـو الخطـاب ظـاهر كـالم أحمـد‬
‫‪4‬‬
‫أنه ينفذ حكمه في هذه األربعة‪.‬‬

‫ـان‪ِ ،‬‬
‫وغيرهـا‬ ‫ـاح‪ ،‬واللع ِ‬ ‫ِ‬
‫القصاص‪ ،‬و ِّ‬
‫الحد‪ ،‬والنك ِ‬ ‫كشاف القناع‪ :‬بأن حكمه ينفذ في ِ‬
‫المال‪ ،‬و‬ ‫وجاء في َّ‬
‫َ‬
‫ِ ‪5‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كحاكم اإلمام‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫قاض فهو‬ ‫وجود‬ ‫حتى مع‬

‫ـتدل أه ـ ُل العلـ ِـم‬


‫يظهــر ممــا ســبق أنــه ال خــالف ُيعتبــر فــي مشــروعية التحكــيم وج ـوازه‪ ،‬وقــد اسـ َّ‬
‫ّ‬
‫ـاء أَمثلـةٌ كثيـرةٌ علـى ذلـك‪ .‬ومـنهم مـن ضـيق نطـاق‬ ‫ـب الفقه ِ‬‫بأدلةٍ كثيرةٍ على هذا الجو ِاز‪ ،‬وفي كت ِ‬
‫ألحد أن يفتات على السلطان أو ينتقص من سـيادته‪ ،‬ولـيس فـي عـدم جـواز‬ ‫ٍ‬ ‫المحكم كي ال ُيسم‬
‫حكمه‪.‬‬
‫سمي‪ ،‬الـذي تتب ّنـاه الدولـة وتشـرف عليـه‪ ،‬فمـا دام‬ ‫ِ‬
‫الر ّ‬
‫عي ّ‬ ‫شر ِّ‬‫القضاء ال ّ‬ ‫ولكن هذا في حال وجود‬
‫عي منصوباً فإن من يلجأ من الخصـوم للقضـاء‪ ،‬أو يلجـأ لمح ّكـم يح ُكـمُ بشـرع اهلل فقـد‬ ‫القضاء ال ّشر ِّ‬
‫ُ‬
‫عي؟‬
‫ذمته بذلك‪ .‬ولكن ما الحكم إذا لم يكن هناك قضاءٌ شر ّ‬ ‫احتكم إلى الشرع وبرأت ّ‬

‫‪ - 1‬الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير‪.133/4 ،‬‬


‫‪ - 2‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ - 3‬الخطيب الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج‪.232/3 ،‬‬
‫‪ - 4‬ابن قدامة‪ ،‬المغني‪.112/4 ،‬‬
‫‪ - 5‬البهوتي‪ ،‬كشاف القناع‪.312/3 ،‬‬

‫‪152‬‬
‫إن إجابــة هــذا الس ـؤال هــو مــا يجــب أن يســتفيض بــه البيــان للمســلمين المقيمــين خــارج ديــار‬
‫اإلسالمي (الوضعي)‪ ،‬أو التحكيم اإلسالمي‪ ،‬بـل‬ ‫ّ‬ ‫ممن ليس لهم إال خياران‪ :‬القضاء غير‬‫اإلسالم ّ‬
‫حتّى للمسلمين المقيمين في العالم اإلسالمي وتحكمهـم أنظمـةٌ علمانيـةٌ ال تقـيم للشـر ِ‬
‫يعة وزنـاً‪ ،‬فـإن‬ ‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫إسالمي يحتكمون إليه‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫قضاء‬ ‫ِ‬
‫وجود‬ ‫هؤالء ينطبق عليهم ما ينطبق على سابقيهم من ِ‬
‫عدم‬

‫جاء في حاشية ابن عابدين‪ ،‬حكم تولية القضاء في بالد تغلب عليها الكفار‪:‬‬
‫حيث قال‪ ":‬واذا لم يكن سلطان‪ ،‬وال من يجوز التقلد منه‪ ،‬كما هو في بعض بالد المسـلمين غلـب‬
‫عليهم الكفار كقرطبة اآلن‪ ،‬يجب على المسلمين أن يتفقوا على واحد منهم‪ ،‬ويجعلونه والياً فيـولى‬
‫صلِّي بهم الجمعة"‪.1‬‬
‫قاضياً ويكون هو الذي يقضي بينهم وكذا ينصبوا إماماً ُي َ‬

‫ان كـ ّل قري ٍـة‬


‫وسـ َّك ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫السلطان فحق على قُطـان كـ ّل ِبلـدة ُ‬ ‫الزمان عن‬
‫ُ‬ ‫وقال اإلمام الجويني‪ ":‬لو خلى‬
‫اته وأوام ـره‪،‬‬‫الحجــا مــن يلتزمــون امتثــال إشــار ِ‬
‫ـول و ِ‬
‫أن يقــدموا مــن ذوي األح ـالم والنهــى‪ ،‬وذوي العقـ ِ‬
‫وينتهــون عــن مناهيــه وم ازجـره‪ ،‬فــإنهم لــو لــم يفعلـوا ذلــك‪ ،‬تــرددوا عنــد إلمــام المهمــات‪ ،‬وتبلــدوا عنــد‬
‫إظالل الواقعات"‪.6‬‬

‫ـوب‬ ‫ِ‬
‫ـي مقـ ّـر اًر أن الوســا َل تأخـ ُذ حكـ َـم المقاصــد‪ ...":‬فــإن القاعــدةَ الشــرعيةَ أن وجـ َ‬
‫وقــال اإلمــام القرافـ ّ‬
‫اجب َّإال به فهو واجب"‪.4‬‬‫لوجوب المقاصد وألن ما ال يتم الو ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الوسا ل تََبعٌ‬
‫ِ‬
‫المقصد واجبةً أيضاً‪.‬‬ ‫المقصد واجباً كانت الوسيلةُ لهذا‬‫ُ‬ ‫بمعنى ّأنه متى كان‬

‫ـق هـذا‬
‫ـيم مـن أصـول الّـدين‪ ،‬ومقص ٌـد معتب ٌـر شـرعاً‪ ،‬وكـان تطبي ُ‬‫اجب وأصـ ٌل عظ ٌ‬
‫فاالحتكام للشرع و ٌ‬
‫اجب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يتم الو ُ‬
‫اجب شرعاً‪ ،‬ألن ماال ّ‬ ‫المقصد‪ ،‬وهو و ٌ‬ ‫يتم إال بالتحكيم‪ ،‬فالتحكيم وسيلةٌ لهذا‬
‫األصل ال ّ‬
‫إال به فهو واجب‪.‬‬

‫‪ - 1‬معن خالد القضاة‪ ،‬التحكيم في الشريعة اإلسالمية التعريف والقواعد العامة للمقيمين خارج ديار اإلسالم‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪ -2‬ابن عابدين‪ ،‬حاشية ابن عابدين‪.334/5 ،‬‬
‫‪ - 3‬الجويني‪ ،‬غياث األمم والتياث الظلم‪ ،‬ص‪.277‬‬
‫‪ - 4‬القرافي‪ ،‬الفروق مع هوامشه‪.133/1 ،‬‬

‫‪153‬‬
‫ـلطان أو وجـ ِ‬
‫ـود‬ ‫ـب‪ ،‬حتــى عنـ َـد عـ ِ‬
‫ـدم وجـ ِ‬
‫ـود السـ ِ‬ ‫فإنــه بعــد هــذه النقــول يتقــرر أن الحكــم بال ّشـر ِ‬
‫يعة واجـ ٌ‬ ‫َ‬
‫ين على ذلك‪.‬‬ ‫لناس قادر َ‬
‫ِ‬ ‫ِّ ِ‬ ‫ِ‬
‫السلطان المعطل ألحكام الشرِع متى كان ا ُ‬
‫وبناء على ما سبق تقريره فإنه‪:‬‬ ‫ً‬
‫ـول شـرعاً‪،‬‬ ‫للقضاء الوضـعي إذا كـان يخـالف أحكـام الشـر ِ‬
‫يعة‪ ،‬لغيـر عـذرٍ مقب ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اللجوء‬ ‫يحرم‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫‪ُ -1‬‬
‫ذنب يستوجب العقوبة‪.‬‬ ‫ك للواجب‪ ،‬وترك الواجب ٌ‬ ‫متى كان التحكيم متوفّ اًر ألن في ذلك تر ٌ‬
‫قاب} [البقرة‪.]111:‬‬‫يد ا ْل ِع ِ‬
‫ش ِد ُ‬
‫جاءتْ ُه فَِإ َّن اللَّ َه َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬وم ْن يبد ْ ِ‬
‫ِّل ن ْع َم َة اللَّه م ْن َب ْعد ما َ‬ ‫َ َ َُ‬
‫ونعمة اهلل المشار إليها هنا هي نعمة السلم‪ ،‬أو نعمة اإليمـان‪ ،‬واالستسـالم لتوجيـه اهلل‪ ،‬ومـا بـدلت‬
‫‪1‬‬
‫البشرية هذه النعمة‪ ،‬إال أصابها العقاب الشديد‪ ،‬في حياتها على األرض قبل عقاب اآلخرة‪.‬‬

‫َن‬
‫ون أ ْ‬
‫يد َ‬‫آم ُنوا ِب َما أُْن ِز َل إِلَ ْي َك َو َما أُْن ِز َل ِم ْن قَ ْبلِ َك ُي ِر ُ‬ ‫ين َي ْز ُعم َ َّ‬
‫ون أَن ُه ْم َ‬ ‫ُ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬أَلَ ْم تََر إِلَى الَِّذ َ‬
‫ض َــالًال َب ِع ً‬
‫يــدا}‬ ‫ضــلَّ ُه ْم َ‬‫َن ي ِ‬
‫ان أ ْ ُ‬ ‫يــد َّ‬
‫الش ْــيطَ ُ‬ ‫َن َي ْكفُ ُــروا ِبـ ِـه َوُي ِر ُ‬ ‫وت وقَ ْــد أ ِ‬
‫ُم ُــروا أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َيتَ َحــا َك ُموا إِلَــى الطــا ُغ َ‬
‫[النساء‪.]30:‬‬
‫قــال الشــوكاني‪ ...":‬وهــو إرادتهــم التحــاكم إلــى الطــاغوت‪ ،‬وقــد أُمــروا فيمــا أَنـ َـز َل علــى رسـ ِ‬
‫ـول اهلل‪،‬‬
‫وعلى َم ْن قبله‪ ،‬أن يكفروا به"‪.1‬‬

‫‪ -1‬في حالة اإلكراه الملجئ إلى القضاء الوضعي إلجـاءاً مـن ِقب ِـل الخصـم‪ ،‬ومـع عـدم الرضـا‬
‫المعفو عنه شرعاً‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بذلك‪ ،‬فإنه ال يأثم من أُكره على ذلك‪ ،‬ألن هذا من اإلكراه‬
‫يم ِ‬
‫ان} [النحل‪.]103:‬‬ ‫يم ِان ِه إَِّال َم ْن أُ ْك ِرهَ َوَق ْل ُب ُه ُم ْط َم ِئ ٌّن ِب ِْ‬
‫اإل َ‬
‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫قال تعالى‪َ { :‬م ْن َكفَ َر ِبالله م ْن َب ْعد إ َ‬

‫العلم على أن من أُكره على الكفر‪ ،‬حتى خشي على نفسه القتل‪ ،‬أنه ال‬ ‫قال القرطبي‪ ":‬أجمع أه ُل ِ‬

‫إثم عليه إن كفر وقلبه مطم ن باإليمان‪ ،‬وال تَبِ ُ‬


‫ين منه زوجته‪ ،‬وال يحكم عليه بحكم الكفر"‪.6‬‬

‫‪ -6‬يجــوز اللجــوء إلــى القضــاء الوضــعي‪ ،‬إذا كــان الطريــق الوحيــد لضــمان حقّــه‪ ،‬أو اســترداده‬
‫من غاصبه‪ ،‬إلن في هذا ضرورة‪.‬‬
‫وقد ذهب مجمع الفقه اإلسالمي إلى‪ ":‬يجوز للمسلم أن يحتكم إلى محاكم غير إسالمية في بـالد‬
‫كــافرة عنــد الحــرج أو الضــرر‪ ،‬أو االضــطرار فكــذلك يجــوز للمســلمين أن يحتكم ـوا إلــى المحكمــة‬
‫الدولية عند الحرج أو الضرر أو االضطرار"‪.4‬‬

‫‪ - 1‬سيد قطب‪ ،‬في ظالل القرآن‪.213/1 ،‬‬


‫‪ - 2‬محمد بن علي الشوكاني‪ ،‬تفسير فتح القدير‪.557/1 ،‬‬
‫‪ - 3‬القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪.122/11 ،‬‬
‫‪ - 4‬مجمع الفقه اإلسالمي التابع لمنظمة المؤتمر اإلسالمي‪ ،‬العدد ‪ 4‬ج ‪ 4‬ص ‪ ،5‬القرار السادس حول مبدأ (التحكيم في الفقه اإلسالمي)‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫ـاء علــى ذلــك فإنــه يمكــن القــول بأنــه‪ ،‬فــي ظــل غيــاب الدولــة اإلســالمية‪ ،‬فــإن التحكــيم فــي‬ ‫وبنـ ً‬
‫ـق شــرِع ِ‬
‫اهلل‪ ،‬بــل قــد يصــل إلــى درجــة‬ ‫الخصــومات ب ـين المســلمين‪ ،‬أمـ ٌـر جــا ٌز مــادام القصـ ُـد تطبيـ َ‬
‫الوجوب‪ ،‬كما أشار إلى ذلك الجـويني والق ارفـي وابـن عابـدين‪ ،‬علـى اعتبـار أن الوسـا ل تأخـذ حكـم‬
‫المقاصد‪ ،‬والحكم بشرع اهلل من أعظم المقاصد‪.‬‬
‫وفي مجال الحدود والقصاص على وجه الخصوص وجدنا اختالفـاً بـين العلمـاء‪ ،‬بـين قا ـل بجـواز‬
‫ومانع من ذلك‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫التحكيم فيها‬
‫ولذلك يمكن القول بأن التحكيم في مجال الحدود والقصاص متروك لالختيار‪ ،‬فمن اختار التحكيم‬
‫فله ذلك ويؤيده من قال بجواز ذلك‪ ،‬ومن لم يفعل فله ذلك ويؤيده َم ْن منع ذلك‪.‬‬
‫وأما اللجوء إلى القضاء الوضـعي‪ ،‬فـالحكم فيـه معيـاره النظـر إلـى طبيعـة األحكـام ومـدى موافقتهـا‬
‫أو مخالفتها للتشريع‪.‬‬
‫ـوء‬
‫يع‪َ ،‬حـ ُرَم اللج ُ‬
‫ـعي مخالفـةً للتشـر ِ‬
‫كذلك مدى إجباره على ذلك‪ ،‬فكلمـا كانـت أحكـام القضـاء الوض ّ‬
‫إليها مادام ليس مجب اًر على ذلك‪ ،‬فإن أجبر فال إثم عليه‪.‬‬
‫أمـا التحكـيم فـي التعـازير‪ ،‬ففـي ظـل وجــود الدولـة يمكـن أن يقـوم بـالتعزير غيـر اإلمـام‪ ،‬وفـي ظــل‬
‫غياب الدولة يكون التحكيم جا اًز فيها من باب أولى‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫خاتمة‬

‫كــل مجتم ـع إنســاني يهــدف إلــى غرضــين أساســيين‪ ،‬األول المحافظــة علــى كيانــه وأمنــه لضــمان‬
‫استق ارره‪ ،‬والثاني توفير الحماية لحقوق أفراده وحرياتهم والمحافظة على كيان المجتمع وأمنه تشمل‬
‫ت ــوفير أمن ــه الخ ــارجي وأمن ــه ال ــداخلي مع ــا‪ ،‬وحماي ــة األفـ ـراد تترك ــز ف ــي المحافظ ــة عل ــى أرواحه ــم‬
‫وأعراضهم وأموالهم‪ ،‬مع ردع كل اعتداء يمكن أن يقع على كل فرد في الداخل أو في الخارج‪.‬‬

‫االعتداء على الدين أو‬


‫َ‬ ‫فهذا هو منهج اإلسالم الذي صان بتشريعه الخالد كرامة اإلنسان‪ ،‬وجعل‬
‫على النفس أو المال أو العرض جريمةً خطيرةً‪ ،‬تستوجب أش َّد أنواع العقوبات‪ ،‬فالبغي في األرض‬
‫بشدة‬
‫بالقتل والسلب‪ ،‬واالعتداء على اآلمنين بسرقة األموال‪ ،‬كل هذه ج ار م ينبغي معالجتها ّ‬
‫وصرامة‪ ،‬حتى ال يعيث المجرمون في األرض فساداً‪ ،‬وال يكون هناك ما ُي ِخ ُّل ِ‬
‫بأمن األفراد‬
‫ِ‬
‫المجتمعات‪.‬‬
‫و‬
‫وقد وضع اإلسالم للمحارب الباغي أنواعاً من العقوبات (القتل‪ ،‬الصلب‪ ،‬تقطيع األيدي واألرجـل‪،‬‬
‫النفي من األرض) كما وضع للسارق عقوبة (قطع اليد) وهذه العقوبات تعتبـر بحـ ٍ‬
‫ق رادعـةً ازجـرةً‪،‬‬
‫تقتلــع الشــر مــن جــذوره‪ ،‬وتقضــي علــى الجريمــة فــي مهــدها وتجعــل النــاس فــي أمـ ٍـن‪ ،‬وطمأنينـ ٍـة‪،‬‬
‫واستقرار‪.‬‬

‫وأهم النتائج والتوصيات التي استخلصها الباحث‪ ،‬وهي‪:‬‬


‫أوالً‪ :‬النتائج‪:‬‬
‫‪ .1‬مفهوم الدولة اإلسالمية‪ ،‬ينص علـى أمـرين مهمـين‪ ،‬األول‪ :‬إقامـة الـدين‪ ،‬والثـاني‪ :‬سياسـة‬
‫الدنيا بالدين بإنفاذ األحكام الشرعية‪.‬‬
‫‪ .1‬تنقسم العقوبات إلى عقوبات الحدود‪ ،‬وعقوبات القصاص والدية‪ ،‬وعقوبات التعازير‪.‬‬
‫ِ‬
‫العقوبات لتنفذ إذا وجد موجبها؛ حفظاً لألمة‪ ،‬وصيانةً لها من الشرور‬ ‫عز َّ‬
‫وجل‬ ‫ع اهللُ َّ‬
‫‪ .6‬شر َ‬
‫والمفاسد‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ومكان‪ ،‬لتحقيق‬ ‫كل ٍ‬
‫زمان‬ ‫ِ‬
‫الحاكم في ِّ‬ ‫وفرض على‬
‫ٌ‬ ‫أساسي‪،‬‬ ‫اجب‬ ‫‪ .4‬إقامة الحدود َّ‬
‫الش ْرعية و ٌ‬
‫ّ‬
‫النفع الدا م وهو منع الجريمة‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫‪ .5‬ال يص الحكم بالعقوبة إال بعد التثبت من أن الجاني ارتكب الجريمة‪ ،‬وأن النص المحرم‬
‫حكم ببراءته‪.‬‬ ‫منطبق على الجريمة‪ ،‬وا َّال ّ‬
‫فإنه ُي ُ‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الفرد و‬ ‫ِ‬
‫للحفاظ على ِ‬ ‫‪ .3‬العقوبةُ رحمةٌ وليست انتقاماً‪ ،‬وليست قسوةً وعذاباً‪ ،‬بل هي‬
‫شرعت الحدود الشرعية لحكم ومقاصد عظيمة‪ ،‬حيث يتحقق بإقامتها المحافظة على‬ ‫‪.7‬‬
‫الضروريات التي جاءت الشريعة بحفظها‪ ،‬وهي حفظ الدين‪ ،‬والنفس‪ ،‬والعقل‪ ،‬والعرض‪،‬‬
‫والمال‪.‬‬
‫األمر أو نا ِ‬
‫به‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بولي‬
‫‪ .8‬تطبيق العقوبات‪ ،‬منوطةٌ ِّ‬
‫‪ .9‬أثََّر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق الحدود‪ ،‬في انتشار الرذيلة والفساد والخصومات‪،‬‬
‫الحبس لم تَحد ِم َن الجريمة بل زادت منها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وعقوبةُ‬
‫‪ .10‬إبعاد الشريعة اإلسالمية عن الحكم‪ ،‬واستبدال القوانين الوضعية بها‪ ،‬معاناة كبيرة لألمة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وتراجع لمكانتها بين األمم األخرى‪.‬‬
‫‪ .11‬ثبات أصول التشريع اإلسالمي وجدارة تطبيقه‪ ،‬وصالحه دون غيره لكل زمان ومكان‬
‫في مكافحة الجريمة‪.‬‬
‫‪.11‬ال يجوز لولي الدم قتل القاتل‪ ،‬في القتل العمد بعد أخذ الدية‪.‬‬
‫ِ‬
‫األمر‪ ،‬ولكن يقوم بها أهل العلم‬ ‫ولي‬
‫‪ .16‬يجوز تطبيق العقوبات في حال غياب ِّ‬
‫مدعومين بشوكة وقوة ال يكون معها مفسدة‪ ،‬وا َّال فال تُدفع مفسدةٌ بِم ٍ‬
‫فسدة أكبر‪.‬‬ ‫ْ‬
‫‪ .14‬التحكيم في الخصومات بين المسلمين‪ ،‬أمر جا ز مادام القصد تطبيق شرع اهلل‪.‬‬
‫‪ .15‬التحكيم في مجال الحدود والقصاص متروك لالختيار‪ ،‬فمن اختار التحكيم فله ذلك‬
‫ويؤيده من قال بجواز ذلك‪ ،‬ومن لم يفعل فله ذلك ويؤيده من منع ذلك‪.‬‬
‫‪ .13‬اللجوء إلى القضاء الوضعي‪ ،‬فالحكم فيه معياره النظر إلى طبيعة األحكام ومدى‬
‫موافقتها أو مخالفتها للتشريع‪ ،‬كذلك مدى إجباره على ذلك‪.‬‬
‫‪ .17‬إذا لم يتسنى إقامة أحكام العقوبات‪ ،‬يمكن التوسع في التعازير حسب المصلحة‬
‫الراجحة‪ ،‬حتى ال يصب المجتمع فوضى وفساد ال يمكن عالجه‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫ثانياً‪ :‬التوصيات‪:‬‬

‫ِ‬
‫القضاء‬ ‫األمثل في‬
‫األنجع و َ‬ ‫العالج‬ ‫عي ِة‪َّ ،‬‬
‫ألن فيها‬ ‫ِ‬
‫العقوبات الشر َّ‬ ‫الباحث بتطبي ِ‬
‫ق‬ ‫ُ‬ ‫‪ .1‬يوصي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أمني‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أعر ٍ‬ ‫قتل‪ ،‬وسر ٍ‬
‫صورها‪ ،‬من ٍ‬
‫ِ‬ ‫على الجر ِ‬
‫اجتماعيٍ‪ ،‬وفلتان ّ‬
‫ّ‬ ‫وفساد‬ ‫ض‪،‬‬ ‫قة‪ ،‬و ا‬ ‫يمة بشتى‬
‫‪ .1‬إن الدولة مس ولة قبل تطبيق الحدود عن منع كل ما يغرى بهـا‪ ،‬فلـذلك يجـب علـى الدولـة‬
‫قصـرت‬
‫كفالة المأكل‪ ،‬والمشرب‪ ،‬والملبس‪ ،‬والمأوى‪ ،‬واالنتقال‪ ،‬والعـالج والتعلـيم‪ ،‬ألنـه إذا ّ‬
‫الدولــة فــي مس ـ وليتها‪ ،‬تحققــت الشــبهة التــي تــد أر عنــه الحــد‪ ،‬وينتقــل القاضــي إلــى تطبيــق‬
‫التعزيرات األخرى حسب األحوال‪.‬‬
‫‪ .6‬على الدولة جعل السجن مكان إلصالح وتأهيل المجرمين‪ ،‬وذلك بوضع خطط وبرامج‬
‫فعَّالة في هذا المجال باالستعانة بأهل الخبرة‪ ،‬حتى يعود المجرم عضو صال ومفيد في‬
‫المجتمع‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫الفهارس العامة‬
‫فهرس اآليات‬
‫فهرس األحاديث واآلثار‬
‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫فهرس الموضوعات‬

‫‪154‬‬
‫فهرس اآليات‬

‫رق ـ ـ ـ ـ ــم الصفحة‬ ‫السورة‬ ‫اآلية‬


‫اآلية‬ ‫م‬
‫ل عمران ‪6 140‬‬ ‫الن ِ‬
‫اس‬ ‫َّام ُن َد ِاولُهَا َب ْي َن َّ‬ ‫ِ‬
‫َوتْل َك األْي ُ‬ ‫‪.1‬‬

‫‪6‬‬ ‫‪7‬‬ ‫الحشر‬ ‫اء ِم ْن ُك ْم‬


‫ْغنِي ِ‬
‫ون ُدولَةً َب ْي َن األ ْ َ‬ ‫َك ْي الَ َي ُك َ‬ ‫‪.1‬‬
‫ص َدقَةً تُطَهُِّرُه ْم َوتَُزِّكي ِه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪8،4‬‬ ‫‪106‬‬ ‫التوبة‬ ‫ُخ ْذ م ْن أ َْموال ِه ْم َ‬ ‫‪.6‬‬
‫‪11‬‬ ‫‪41‬‬ ‫الحج‬ ‫اموا‬
‫ض أَقَ ُ‬ ‫اه ْم ِفي ْاأل َْر ِ‬ ‫ين إِ ْن َم َّكَّن ُ‬
‫َِّ‬
‫الذ َ‬ ‫‪.4‬‬
‫‪17،14 187‬‬ ‫البقرة‬ ‫وها‬ ‫تِْل َك ح ُد ُ ِ‬
‫ود اللّه فَالَ تَ ْق َرُب َ‬ ‫ُ‬ ‫‪.5‬‬
‫‪17،118،160،164 178‬‬ ‫البقرة‬ ‫يه َشيء‬ ‫َخ ِ‬‫فَمن ع ِفي لَه ِمن أ ِ‬ ‫‪.3‬‬
‫َْ ُ َ ُ ْ‬
‫‪،17،111،115،118 178‬‬ ‫البقرة‬ ‫اص ِفي اْلقَ ْتلَى‬ ‫ص ُ‬
‫ِ‬
‫ب َعلَ ْي ُك ُم اْلق َ‬
‫ِ‬
‫ُكت َ‬ ‫‪.7‬‬
‫‪164‬‬
‫‪18،111 179‬‬ ‫البقرة‬ ‫اص َح َياةٌ‬‫ص ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َولَ ُك ْم في اْلق َ‬ ‫‪.8‬‬
‫‪15،45،43،37‬‬ ‫‪4‬‬ ‫النور‬ ‫ات ثَُّم لَ ْم َيأْتُوا‬ ‫والَِّذين يرمون اْلم ْحص َن ِ‬ ‫‪.9‬‬
‫َ َ َْ ُ َ ُ َ‬
‫‪15،46،57‬‬ ‫‪1‬‬ ‫النور‬ ‫احٍد‬
‫اجلِ ُدوا ُك َّل و ِ‬
‫َ‬ ‫الزانِي فَ ْ‬ ‫الزانَِيةُ و َّ‬
‫َ‬
‫َّ‬ ‫‪.10‬‬
‫‪49،15،81‬‬ ‫‪68‬‬ ‫الما دة‬ ‫َّارقَةُ فَا ْقطَ ُعوْا أ َْيِد َيهُ َما‬‫ق َوالس ِ‬ ‫َوالس ِ‬
‫َّار ُ‬ ‫‪.11‬‬
‫‪14‬‬ ‫‪188‬‬ ‫البقرة‬ ‫والَ تَْأ ُكلُوْا أَموالَ ُكم ب ْي َن ُكم بِاْلب ِ‬
‫اط ِل‬ ‫‪.11‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫تِْل َك ح ُد ُ ِ‬
‫‪14‬‬ ‫‪119‬‬ ‫البقرة‬ ‫ود اللَّه فَ َال تَ ْعتَ ُد َ‬
‫وها‬ ‫ُ‬ ‫‪.16‬‬
‫‪15‬‬ ‫‪113‬‬ ‫البقرة‬ ‫ب َعلَ ْي ُك ُم اْل ِقتَا ُل‬ ‫ِ‬
‫ُكت َ‬ ‫‪.14‬‬
‫‪15‬‬ ‫‪190‬‬ ‫البقرة‬ ‫ين ُيقَاتِلُ َ‬
‫ون ُك ْم‬ ‫وقَاتِلُوْا ِفي سبِ ِ ِ َِّ‬
‫يل اللّه الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪.15‬‬
‫‪15‬‬ ‫‪69‬‬ ‫التوبة‬ ‫إِالَّ تَ ِنف ُروْا ُي َع ِّذ ْب ُك ْم‬ ‫‪.13‬‬
‫‪61‬‬ ‫‪70‬‬ ‫اإلسراء‬ ‫اه ْم ِفي اْل َبِّر‬ ‫ِ‬
‫َولَقَ ْد َك َّرْم َنا َبني َد َم َو َح َمْل َن ُ‬ ‫‪.17‬‬
‫‪66‬‬ ‫‪78‬‬ ‫الما دة‬ ‫ين َكفَُروا ِم ْن َبنِي إِ ْس َارِ َ‬
‫يل‬ ‫ِ َِّ‬
‫لُع َن الذ َ‬ ‫‪.18‬‬
‫‪66 111‬‬ ‫هود‬ ‫اب َم َع َك‬ ‫فَاستَِقم َكما أ ِ‬
‫ت َو َم ْن تَ َ‬ ‫ُم ْر َ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫‪.19‬‬
‫‪66‬‬ ‫‪61‬‬ ‫التوبة‬ ‫ُمروا إِال لِيعب ُدوا إِلَها و ِ‬
‫اح ًدا‬ ‫ِ‬
‫ً َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َو َما أ ُ‬ ‫‪.10‬‬
‫‪64،105‬‬ ‫‪44‬‬ ‫الما دة‬ ‫ـك ُهـ ُـم‬‫َو َمـ ْـن لَـ ْـم َي ْح ُكـ ْـم بِ َمــا أ َْنـ َـز َل اللَّــهُ فَأُولَ ِـ َ‬ ‫‪.11‬‬
‫ون‬ ‫ِ‬
‫اْل َكاف ُر َ‬

‫‪131‬‬
‫َّ‬
‫‪64‬‬ ‫‪49‬‬ ‫الما دة‬ ‫اح ُك ْم َب ْي َنهُ ْم بِ َما أ َْن َز َل اللهُ‬ ‫َن ْ‬ ‫َوأ ِ‬ ‫‪.11‬‬
‫‪67‬‬ ‫‪85‬‬ ‫البقرة‬ ‫ض‬‫ون بَِب ْع ٍ‬ ‫اب َوتَ ْكفُُر َ‬ ‫ض اْل ِكتَ ِ‬ ‫ون بَِب ْع ِ‬ ‫أَفَتُ ْؤ ِمُن َ‬ ‫‪.16‬‬
‫‪68‬‬ ‫‪53‬‬ ‫الذاريات‬ ‫ون‬‫اإل ْن َس إِالَّ لِ َي ْعُب ُد ِ‬ ‫ت اْل ِج َّن و ِْ‬
‫َ‬ ‫َوما َخلَ ْق ُ‬ ‫‪.14‬‬
‫‪68‬‬ ‫‪185‬‬ ‫البقرة‬ ‫الرسو ُل بِما أ ُْن ِز َل إِلَ ْي ِه ِمن رب ِ‬
‫ِّه‬ ‫ْ َ‬ ‫َم َن َّ ُ‬ ‫‪.15‬‬
‫‪69‬‬ ‫‪45‬‬ ‫العنكبوت‬ ‫ـاب َوأ َِقـ ـ ِـم‬ ‫ـك ِمـ ـ َـن اْل ِكتـ ـ ِ‬ ‫ـي ِإلَ ْيـ ـ َ‬ ‫ِ‬
‫ْات ـ ـ ُل مـ ــا أُوحـ ـ َ‬ ‫‪.13‬‬
‫الصَّالةَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪69‬‬ ‫‪106‬‬ ‫التوبة‬ ‫ص َدقَةً‬‫ُخ ْذ م ْن أ َْم َوال ِه ْم َ‬ ‫‪.17‬‬
‫ِ‬ ‫َِّ‬
‫‪69‬‬ ‫‪186‬‬ ‫البقرة‬ ‫يام‬
‫الص ُ‬ ‫ب َعلَ ْي ُك ُم ِّ‬ ‫ين َمُنوا ُكت َ‬ ‫يا أَُّيهَا الذ َ‬ ‫‪.18‬‬
‫‪69‬‬ ‫‪18‬‬ ‫الحج‬ ‫اس َم اللَّ ِه‬ ‫ِ‬
‫ل َي ْشهَ ُدوا َمناف َع لَهُ ْم َوَي ْذ ُك ُروا ْ‬
‫ِ‬ ‫‪.19‬‬
‫‪69‬‬ ‫ل عمران ‪104‬‬ ‫ون ِإلَى اْل َخ ْي ِر‬ ‫ُمةٌ َي ْد ُع َ‬ ‫َوْلتَ ُك ْن ِم ْن ُك ْم أ َّ‬ ‫‪.60‬‬
‫‪40‬‬ ‫‪109‬‬ ‫البقرة‬ ‫ون ُك ْم‬‫اب لَ ْو َي ُرُّد َ‬ ‫َه ِل اْل ِكتَ ِ‬ ‫َوَّد َكثِ ٌير ِم ْن أ ْ‬ ‫‪.61‬‬
‫‪40،93‬‬ ‫ل عمران ‪71‬‬ ‫اب ِمُنوا‬ ‫َه ِل اْل ِكتَ ِ‬ ‫ت طَا ِفَةٌ ِم ْن أ ْ‬ ‫َوقَالَ ْ‬ ‫‪.61‬‬
‫‪40‬‬ ‫‪117‬‬ ‫البقرة‬ ‫ت َو ُه َو‬ ‫َو َم ْن َي ْرتَِد ْد ِم ْن ُك ْم َع ْن ِدينِ ِه فََي ُم ْ‬ ‫‪.66‬‬
‫‪41‬‬ ‫‪11‬‬ ‫الروم‬ ‫ق لَ ُك ْم ِم ْن أ َْنفُ ِس ُك ْم‬ ‫َن َخلَ َ‬ ‫ِِ‬
‫َو ِم ْن َياته أ ْ‬ ‫‪.64‬‬
‫ِ‬
‫‪46،58‬‬ ‫‪61‬‬ ‫اإلسراء‬ ‫ـاء‬
‫ـان فاح َشـ ـةً َوس ـ َ‬ ‫الزن ــى إَِّن ــهُ ك ـ َ‬ ‫َوال تَ ْق َرُبـ ـوا ِّ‬ ‫‪.65‬‬
‫َسبِيالً‬
‫‪45،43،37‬‬ ‫‪19‬‬ ‫النور‬ ‫يع‬ ‫إِ َّن الَِّذين ي ِحبُّون أ ِ‬
‫َن تَش َ‬ ‫َ ُ َ ْ‬ ‫‪.63‬‬
‫‪45،38‬‬ ‫‪58‬‬ ‫األحزاب‬ ‫ات‬‫والَِّذين يؤُذون اْلمؤ ِمنِين واْلمؤ ِم َن ِ‬ ‫‪.67‬‬
‫َ َ ُْ َ ُ ْ َ َ ُ ْ‬
‫‪47،71،74‬‬ ‫‪91‬‬ ‫الما دة‬ ‫ين َمُنوا إَِّن َما اْل َخ ْم ُر َواْل َم ْي ِس ُر‬ ‫َِّ‬
‫َيا أَيُّهَا الذ َ‬ ‫‪.68‬‬
‫َّ‬ ‫إَِّنما ج َز َِّ‬
‫‪51،83‬‬ ‫‪66‬‬ ‫الما دة‬ ‫ون اللهَ َوَر ُسولَهُ‬ ‫ين ُي َح ِارُب َ‬ ‫اء الذ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫‪.69‬‬
‫ِ‬ ‫وِان طَا ِفَتَ ِ ِ‬
‫‪56،100،101‬‬ ‫‪9‬‬ ‫الحجرات‬ ‫ين ا ْقتَتَلُوا‬ ‫ان م َن اْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫َ‬ ‫‪.40‬‬
‫‪59‬‬ ‫‪38‬‬ ‫الفرقان‬ ‫ون َم َع اللَّ ِه إِلَهًا َخ َر‬ ‫ين ال َي ْد ُع َ‬
‫َِّ‬
‫َوالذ َ‬ ‫‪.41‬‬
‫‪37‬‬ ‫‪16‬‬ ‫النور‬ ‫إِ َّن الَِّذين يرمون اْلم ْحص ِ‬
‫نات‬ ‫‪.41‬‬
‫َ َْ ُ َ ُ َ‬
‫‪71‬‬ ‫‪37‬‬ ‫النحل‬ ‫ون ِم ْنهُ َس َك ًار‬ ‫ِ‬
‫تَتَّخ ُذ َ‬ ‫‪.46‬‬
‫‪71 119‬‬ ‫البقرة‬ ‫ون َك َع ِن اْل َخ ْم ِر َواْل َم ْي ِس ِر‬ ‫َي ْسأَلُ َ‬ ‫‪.44‬‬
‫‪71‬‬ ‫‪46‬‬ ‫النساء‬ ‫ين َمُنوا ال تَ ْق َرُبوا الصَّالةَ‬ ‫َِّ‬
‫يا أَيُّهَا الذ َ‬ ‫‪.45‬‬
‫‪73 176‬‬ ‫‪ .43‬فمــن اضــطر غيــر بــاغ وال عــاد فــال إث ــم البقرة‬
‫عليه‬

‫‪131‬‬
‫‪89‬‬ ‫‪10‬‬ ‫المزمل‬ ‫ون‬ ‫ون ِفي ْاأل َْر ِ‬
‫ض َي ْبتَ ُغ َ‬ ‫ض ِرُب َ‬
‫ون َي ْ‬
‫‪َ .47‬و َخ ُر َ‬
‫‪91 117‬‬ ‫ـون ُيقَـ ــاتِلُ َ‬
‫ون ُك ْم َحتَّـ ــى َيـ ـ ُـرُّدو ُك ْم َعـ ـ ْـن البقرة‬ ‫‪َ .48‬وَال َي َازلُـ ـ َ‬
‫ِدينِ ُك ْم‬
‫ل عمران ‪91 103‬‬ ‫ض ُو ُجوهٌ َوتَ ْس َوُّد ُو ُجوهٌ‬
‫‪َ .49‬ي ْوَم تَْب َي ُّ‬

‫َِّ‬
‫‪91 167‬‬ ‫النساء‬ ‫‪ .50‬إِ َّن الذ َ‬
‫ين َمُنوا ثَُّم َكفَُروا ثَُّم َمُنوا‬

‫‪93‬‬ ‫‪76‬‬ ‫ل عمران‬ ‫َوَال تُ ْؤ ِمُنوا إِ َّال لِ َم ْن تَبِ َع ِد َين ُك ْم‬ ‫‪.51‬‬
‫‪98‬‬ ‫‪7‬‬ ‫الروم‬ ‫اه اًر ِّم َن اْل َح َي ِاة ُّ‬
‫الد ْن َيا‬ ‫يعلَمون ظَ ِ‬
‫َْ ُ َ‬ ‫‪.51‬‬
‫‪98‬‬ ‫‪18‬‬ ‫الجاثية‬ ‫يع ٍة ِّم َن األ َْم ِر‬ ‫اك َعلَى َش ِر َ‬ ‫ثَُّم َج َعْل َن َ‬ ‫‪.56‬‬
‫‪106‬‬ ‫‪59‬‬ ‫يع ـوا النساء‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫يع ـوا اللــهَ َوأَط ُ‬ ‫ين َمُن ـوا أَط ُ‬ ‫َيــا أَيُّهَــا الــذ َ‬ ‫‪.54‬‬
‫ول َوأُولِي ْاأل َْم ِر‬ ‫الر ُس َ‬
‫َّ‬
‫‪104‬‬ ‫‪10‬‬ ‫ـي ٍء فَ ُح ْك ُم ــهُ إِلَ ــى الشورى‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اختَلَ ْف ــتُ ْم في ــه م ـ ْـن َش ـ ْ‬
‫‪َ .55‬و َم ــا ْ‬
‫اللَّ ِه‬
‫‪110‬‬ ‫‪34‬‬ ‫الكهف‬ ‫صا‬
‫ص ً‬ ‫فَ ْارتَ َّدا َعلَى ثَ ِارِه َما قَ َ‬ ‫‪.53‬‬
‫‪110‬‬ ‫‪11‬‬ ‫القصص‬ ‫ت بِ ِه‬ ‫ص َر ْ‬ ‫ُختِ ِه قُ ِّ ِ‬
‫صيه فََب ُ‬ ‫ت ِأل ْ‬ ‫َوقَالَ ْ‬ ‫‪.57‬‬
‫‪111‬‬ ‫‪61‬‬ ‫الما دة‬ ‫َج ِل َذلِ َك َكتَْب َنا َعلَى َبنِي إِ ْس َارِ َ‬
‫يل‬ ‫ِم ْن أ ْ‬ ‫‪.58‬‬
‫‪116،115،110‬‬ ‫‪45‬‬ ‫الما دة‬ ‫س‬ ‫الن ْف َس بِ َّ‬
‫الن ْف ِ‬ ‫َن َّ‬‫َو َكتَْب َنا َعلَ ْي ِه ْم ِفيهَا أ َّ‬ ‫‪.59‬‬
‫‪116‬‬ ‫‪66‬‬ ‫اإلسراء‬ ‫َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َوال تَ ْقتُلُوا َّ‬
‫الن ْف َس التي َح َّرَم اللهُ‬ ‫‪.30‬‬
‫‪113‬‬ ‫‪66‬‬ ‫ط ًانا اإلسراء‬
‫ِّه ُسْل َ‬ ‫ظلُوما فَقَ ْد جعْل َنا ِلوِلي ِ‬ ‫ِ‬
‫ََ َ‬ ‫‪َ .31‬و َم ْن قُت َل َم ْ ً‬
‫‪111‬‬ ‫‪113‬‬ ‫النحل‬ ‫‪َ .31‬وِا ْن َعاقَ ْبتُ ْم فَ َع ِاقُبوا بِ ِم ْث ِل َما ُعوِق ْبتُ ْم بِ ِه‬
‫‪161‬‬ ‫‪178‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪َ .36‬ذِل َك تَ ْخ ِف ٌ‬
‫يف ِّمن َّرِّب ُك ْم َوَر ْح َمةٌ‬
‫‪161،161،165‬‬ ‫‪91‬‬ ‫النساء‬ ‫طأً فَتَ ْح ِر ُير َرقََب ٍة‬
‫‪َ .34‬و َم ْن قَتَ َل ُم ْؤ ِمًنا َخ َ‬
‫‪166‬‬ ‫‪7‬‬ ‫الزمر‬ ‫ُخ َرى‬ ‫َوَال تَِزُر َو ِازَرةٌ ِوْزَر أ ْ‬ ‫‪.35‬‬
‫‪141‬‬ ‫‪64‬‬ ‫النساء‬ ‫وزُه َّن‬
‫ون ُن ُش َ‬ ‫َّ ِ‬
‫َوالالتي تَ َخافُ َ‬ ‫‪.33‬‬
‫‪141 118‬‬ ‫التوبة‬ ‫ين ُخلِّفُوا َحتَّى‬ ‫َّ ِ َِّ‬
‫َو َعلَى الث َالثَة الذ َ‬ ‫‪.37‬‬
‫‪151‬‬ ‫‪65‬‬ ‫النساء‬ ‫اق َب ْينِ ِه َما فَ ْاب َعثُوا‬
‫َوِا ْن ِخ ْفتُ ْم ِشقَ َ‬ ‫‪.38‬‬
‫‪154 111‬‬ ‫البقرة‬ ‫َو َم ْن ُي َب ِّد ْل نِ ْع َمةَ اللَّ ِه ِم ْن َب ْعِد ما‬ ‫‪.39‬‬
‫َِّ‬
‫‪154‬‬ ‫‪30‬‬ ‫النساء‬ ‫ون أََّنهُ ْم‬
‫ين َي ْزُع ُم َ‬ ‫أَلَ ْم تََر إِلَى الذ َ‬ ‫‪.70‬‬
‫‪154 103‬‬ ‫النحل‬ ‫يمانِ ِه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ َّ ِ ِ‬
‫َم ْن َكفَ َر بالله م ْن َب ْعد إ َ‬ ‫‪.71‬‬

‫‪132‬‬
‫فهرس األحاديث واآلثار‬
‫الصفحة‬ ‫الراوي‬ ‫الحديث‬ ‫م‬
‫‪6‬‬ ‫البخاري‬
‫ال‬
‫ت َن َع ْم قَ َ‬ ‫قال فَهَ ْل قَاتَْلتُ ُموهُ أ َْو قَاتَلَ ُك ْم ُقْل ُ‬ ‫َ‬ ‫‪.1‬‬
‫‪7‬‬ ‫سبعة يظلهم اهلل في ظله‪ ،‬يوم ال ظل إال البخاري ومسلم‬ ‫‪.1‬‬
‫‪7‬‬ ‫البخاري ومسلم‬ ‫اع َو ُكلُّ ُك ْم َم ْسُو ٌل َع ْن َرِعيَّتِ ِه‬ ‫أَالَ ُكلُّ ُك ْم َر ٍ‬ ‫‪.6‬‬
‫‪10،59‬‬ ‫البخاري‬ ‫ام َأرَِة َه َذا‪ ،‬فَِإ ِن‬ ‫اغ ُد َيا أ َُن ْي ُس َعلَى ْ‬ ‫َو ْ‬ ‫‪.4‬‬
‫‪10‬‬ ‫من حالت شفاعته دون حد من حدود اهلل أبو داود‬ ‫‪.5‬‬
‫‪10،61،81‬‬ ‫البخاري ومسلم‬ ‫أتشفع في حد من حدود اهلل‬ ‫‪.3‬‬
‫‪15‬‬ ‫النسا ي‪ ،‬ابن ماجة‪ ،‬أحمد‬ ‫َحد ُي ْع َم ُل بِ ِه ِفي ْاأل َْر ِ‬
‫ض‬ ‫‪.7‬‬
‫‪13‬‬ ‫ابن ماجة‬ ‫أقيموا حدود اهلل في القريب والبعيد‬ ‫‪.8‬‬
‫‪13‬‬ ‫أبو داود‬ ‫تعافوا الحدود فيما بينكم‬ ‫‪.9‬‬
‫‪13‬‬ ‫ابن ماجة‬ ‫فهال قبل أن تأتيني به‬ ‫‪.10‬‬
‫ِ‬
‫‪17‬‬ ‫مسلم‬ ‫ا ْذ َهُبوا بِه فَ ْارُج ُموهُ‬ ‫‪.11‬‬
‫‪17‬‬ ‫الشوكاني‬ ‫ية سرقت‪ ،‬فقال‬ ‫أُتي بجار ٍ‬ ‫‪.11‬‬
‫‪18‬‬ ‫البيهقي‪ ،‬الدارقطني‬ ‫ما إخاله سرق‬ ‫‪.16‬‬
‫‪18‬‬ ‫أحمد‪ ،‬الشوكاني‬ ‫أقبلت مع سادتي نريد الهجرة‬ ‫‪.14‬‬
‫‪19‬‬ ‫الترم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي‪ ،‬البيهق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‪،‬‬ ‫ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم‬ ‫‪.15‬‬
‫الدارقطني‬
‫‪69‬‬ ‫مسلم‬ ‫ما من نبي بعثه اهلل في أمة قبلي‬ ‫‪.13‬‬
‫‪41‬‬ ‫ابن ماجة‬ ‫يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم‬ ‫‪.17‬‬
‫‪46‬‬ ‫البخاري‬ ‫اءةَ‬
‫الب َ‬
‫اع َ‬
‫ط َ‬ ‫اب‪َ ،‬م ِن ْ‬
‫استَ َ‬ ‫َيا م ْع َشر َّ‬
‫الش َب ِ‬ ‫‪.18‬‬
‫َ َ‬
‫‪45،39‬‬ ‫البخاري‬ ‫المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده‬ ‫‪.19‬‬
‫‪45،39‬‬ ‫البخاري‬ ‫سباب المسلم فسوق‪ ،‬وقتاله كفر‬ ‫‪.10‬‬
‫‪47‬‬ ‫ابن ماجة‬ ‫ال تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر‬ ‫‪.11‬‬
‫‪49‬‬ ‫مسلم‬ ‫كل المسلم على المسلم حرام‬ ‫‪.11‬‬
‫‪49‬‬ ‫مسلم‬ ‫إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام‬ ‫‪.16‬‬
‫‪56‬‬ ‫مسلم‬ ‫ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده‬ ‫‪.14‬‬

‫‪133‬‬
‫‪56‬‬ ‫مسلم‬ ‫إنه ستكون هنات وهنات‬ ‫‪.15‬‬
‫‪57‬‬ ‫مسلم‬ ‫خذوا عني قد جعل اهلل لهن سبيال الثيب‬ ‫‪.13‬‬
‫‪58‬‬ ‫البخاري‪ ،‬مسلم‬ ‫وعلى ابنك جلد ما ة‪ ،‬وتغريب عام‬ ‫‪.17‬‬
‫‪30‬‬ ‫البخاري‪ ،‬مسلم‬ ‫َعظَ ُم ِع ْن َد اللَّ ِه‬ ‫َي َّ‬
‫الذ ْن ِب أ ْ‬ ‫أ ُّ‬ ‫‪.18‬‬
‫‪37‬‬ ‫البخاري‪ ،‬مسلم‬ ‫اجتنبوا السبع الموبقات‬ ‫‪.19‬‬
‫‪71‬‬ ‫البخاري‪ ،‬مسلم‬ ‫كل شراب أسكر فهو حرام‬ ‫‪.60‬‬
‫‪71‬‬ ‫أبو داوود‬ ‫لما نزل تحريم الخمر قال عمر‬ ‫‪.61‬‬
‫‪71،78‬‬ ‫ابن ماجة‬ ‫كل مسكر خمر وكل خمر حرام‬ ‫‪.61‬‬
‫‪76‬‬ ‫ابن ماجة‬ ‫ما أسكر كثيره فقليله حرام‬ ‫‪.66‬‬
‫‪76‬‬ ‫الدارقطني‬ ‫الخمر أم الخبا ث‬ ‫‪.64‬‬
‫‪76‬‬ ‫النسا ي‬ ‫اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبا ث‬ ‫‪.65‬‬
‫‪74‬‬ ‫مسلم‬ ‫ُك ّل مسكر حرٌام‬ ‫‪.63‬‬
‫‪74‬‬ ‫البخاري‪ ،‬مسلم‬ ‫وال يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن‬ ‫‪.67‬‬
‫‪74‬‬ ‫مسلم‬ ‫شهدت عثمان بن عفان وأُتي بالوليد‬ ‫ُ‬ ‫‪.68‬‬
‫‪73‬‬ ‫ابن ماجة‬ ‫إن اهلل وضع عن أمتي الخطأ والنسيان‬ ‫‪.69‬‬
‫‪81‬‬ ‫البخاري‪ ،‬مسلم‬ ‫تُ ْقطَع اْلي ُد ِفي رب ِع ِد َين ٍار فَص ِ‬
‫اع ًداً‬ ‫‪.40‬‬
‫َ‬ ‫ُُ‬ ‫ُ َ‬
‫‪87‬‬ ‫مسلم‬ ‫إن ش تم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة‬ ‫‪.41‬‬
‫‪87،100‬‬ ‫البخاري‪ ،‬مسلم‬ ‫ِّالح َفلَ ْي َس ِمَّنا‬
‫َم ْن َح َم َل َعلَ ْي َنا الس َ‬ ‫‪.41‬‬
‫‪91‬‬ ‫البخاري‬ ‫اب اللَّ ِه‬ ‫َال تُ َع ِّذُبوا بِ َع َذ ِ‬ ‫‪.46‬‬
‫‪91،116‬‬ ‫البخاري‪ ،‬مسلم‬ ‫ئ ُم ْسِلٍم َي ْشهَ ُد‬ ‫ام ِر ٍ‬ ‫ِ ُّ‬
‫َال َيحل َد ُم ْ‬ ‫‪.44‬‬
‫‪100‬‬ ‫مسلم‬ ‫اعةَ‬ ‫اع ِة‪َ ،‬وفَ َار َ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ق اْل َج َم َ‬ ‫َم ْن َخ َرَج م َن الط َ‬ ‫‪.45‬‬
‫‪104‬‬ ‫مسلم‬ ‫ون‬
‫اس َي ْسأَلُ َ‬ ‫ان َّ‬
‫الن ُ‬ ‫َك َ‬ ‫‪.43‬‬
‫‪104‬‬ ‫مسلم‬ ‫ُّونهُ ْم َوُي ِحب َ‬
‫ُّون ُك ْم‬ ‫ين تُ ِحب َ‬ ‫ِ ِ َِّ‬
‫خ َي ُار أَ َّمت ُك ُم الذ َ‬
‫ِ‬ ‫‪.47‬‬
‫‪103‬‬ ‫البخاري‬ ‫اع ِة‬ ‫َّ‬
‫َّم ِع َوالط َ‬ ‫َن َب َاي َع َنا َعلَى الس ْ‬ ‫أْ‬ ‫‪.48‬‬
‫‪116‬‬ ‫البخاري‬ ‫خرجت جارية عليها أوضاح بالمدينة‬ ‫‪.49‬‬
‫‪114،113‬‬ ‫مسلم‬ ‫إن م ــن عب ــاد اهلل م ــن ل ــو أقس ــم عل ــى اهلل‬ ‫‪.50‬‬
‫ألبره‬
‫‪113،118‬‬ ‫البخاري‪ ،‬مسلم‬ ‫إن اهلل حبس عن مكة الفيل‬ ‫‪.51‬‬
‫‪113‬‬ ‫ابن أبي شيبة‪ ،‬الدارقطني‬ ‫اْل َع ْم ُد قَ َوٌد‬ ‫‪.51‬‬

‫‪134‬‬
‫‪119‬‬ ‫ابن ماجه‬ ‫س ثَنَِّيةَ َج ِارَي ٍة‬ ‫الرَبيِّعُ َع َّمةُ أ ََن ٍ‬‫ت ُّ‬ ‫َك َس َر ْ‬ ‫‪.56‬‬
‫‪111‬‬ ‫مسلم‬ ‫َح ِسُنوا اْل ِق ْتلَةَ‬‫فَِإ َذا قَتَْلتُ ْم فَأ ْ‬ ‫‪.54‬‬
‫‪116‬‬ ‫البخاري‪ ،‬مسلم‬ ‫ام ُجَّنةٌ‪ُ ،‬يقَاتَ ُل ِم ْن َوَارِ ِه‬ ‫ِ‬
‫إَّن َما ْاإل َم ُ‬
‫ِ‬ ‫‪.55‬‬
‫‪114‬‬ ‫أبو داود‬ ‫ت لَهُ أ ُُّم َولٍَد تَ ْشتُُم‬ ‫َع َمى َك َان ْ‬ ‫َن أ ْ‬ ‫أ َّ‬ ‫‪.53‬‬
‫‪115،147‬‬ ‫ابن ماجة‬ ‫إن الناس إذا أروا المنكر فلم يغيروه‬ ‫‪.57‬‬
‫‪161‬‬ ‫أبو داود‬ ‫ظ َرْي ِن‬ ‫َم ْن قُتِ َل لَهُ قَتِي ٌل فَهُ َو بِ َخ ْي ِر َّ‬
‫الن َ‬ ‫‪.58‬‬
‫‪161،166‬‬ ‫النسا ي‬ ‫قتيل الخطإ شبه العمد‬ ‫‪.59‬‬
‫‪161‬‬ ‫البخاري‪ ،‬مسلم‬ ‫اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت‬ ‫‪.30‬‬
‫‪166‬‬ ‫النسا ي‬ ‫ال يؤخذ الرجل بجريرة أبيه‬ ‫‪.31‬‬
‫‪141‬‬ ‫البخاري‬ ‫ق ع ْش ِر جلَ َد ٍ‬
‫ات‬ ‫َ‬ ‫الَ ُي ْجلَ ُد فَ ْو َ َ‬ ‫‪.31‬‬
‫‪141‬‬ ‫مسلم‬ ‫ق ع َش ِرة أَسو ٍ‬
‫اط‬ ‫َح ٌد فَ ْو َ َ َ ْ َ‬ ‫َال ُي ْجلَ ُد أ َ‬ ‫‪.36‬‬
‫‪146‬‬ ‫أبو داود‬ ‫تومةُ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ضالةُ اإلبل الم ْك َ‬ ‫‪.34‬‬
‫‪146‬‬ ‫النسا ي‬ ‫َح َب َس َرُج ًال ِفي تُ ْه َم ٍة‬ ‫‪.35‬‬
‫‪144‬‬ ‫البخاري‬ ‫طلُُبوهُ َوا ْقتُلُوهُ‬
‫اْ‬ ‫‪.33‬‬
‫‪145‬‬ ‫ين أبو داود‬‫ِِ‬ ‫مروا أَوالَ َد ُكم بِ َّ ِ‬
‫اء َس ْب ِع سن َ‬
‫الصالَة َو ُه ْم أ َْب َن ُ‬ ‫ُُ ْ ْ‬ ‫‪.37‬‬
‫‪145‬‬ ‫البخاري‬ ‫ا ْشفَ ُعوا تُ ْؤ َج ُروا‬ ‫‪.38‬‬

‫‪135‬‬
‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫أوالً‪ :‬القرآن وعلومه‪:‬‬
‫‪ .4‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ . .2‬ابن كثير‪ :‬عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي‪ "،‬تفسير القرآن العظيم"‬
‫المحقق‪ :‬مصطفى السيد محمد ‪ +‬محمد السيد رشاد ‪ +‬محمد فضل العجمـاوي ‪ +‬علـي أحمـد عبـد‬
‫الباقي‪ -‬مؤسسة قرطبة ‪ +‬مكتبة أوالد الشيخ للتراث‪ -‬الطبعة ‪ :‬األولى ‪1411 :‬هـ ‪1000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬الفخــر الـرازي‪ :‬محمـد بــن عمــر بــن الحسـين الـرازي الشــافعي المعـروف بــالفخر الـرازي أبــو‬
‫عبــد اهلل "مفـــاتيح الغيـــب مـــن القـــرآن الكـــريم"‪" ،‬أو التفســـير الكبيـــر"‪ .‬دار إحيــاء الت ـراث‬
‫العربي‪.‬‬
‫‪ .1‬القرطبي ‪ :‬أبو عبد اهلل محمد بن أحمد بن أبـي بكـر بـن فـرح األنصـاري الخزرجـي شـمس‬
‫ال ــدين القرطب ــي؛" الجــــامع ألحكــــام القــــرآن" ‪ -‬دار ع ــالم الكت ــب‪ -‬الري ــاض ‪ -‬الطبع ــة ‪:‬‬
‫‪ 1416‬هـ‪ 1006 /‬م‬
‫تحقيق ‪ :‬هشام سمير البخاري؛" جامع بيان العلم وفضله "‪ -‬مؤسسة الريان ‪ -‬دار ابن حزم‬
‫الطبعة األولى ‪ 1006-1414‬هـ ‪ -‬تحقيق‪ :‬فواز أحمد زمرلي‪.‬‬
‫‪ .0‬ابن عاشور ‪ :‬محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي ؛ "التحرير‬
‫والتنوير" أو تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد‪ -‬الدار‬
‫التونسية للنشر – تونس ‪ 1984 -‬هـ‪.‬‬
‫الس ْعدي‪ :‬عبد الرحمن بن ناصر بن عبد اهلل السـعدي‪ "،‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير‬
‫‪َّ .6‬‬
‫كالم المنان"‪ ،‬تحقق‪ :‬عبد الرحمن بن معال اللويحق ‪ -‬مؤسسة الرسـالة‪ -‬الطبعـة‪ :‬األولـى‬
‫‪1410‬هـ ‪ 1000-‬م‪.‬‬
‫‪ .8‬الشعراوي‪ :‬محمد متولي الشـعراوي‪ "،‬تفسير الشعراوي" – الخـواطر‪ -‬مطـابع أخبـار اليـوم‬
‫لــيس علــى الكتــاب األصــل ‪ -‬المطبــوع ‪ -‬أي بيانــات عــن رقــم الطبعــة أو غي ـره‪ ،‬غيــر أن‬
‫رقم اإليداع يوض أنه نشر عام ‪ 1997‬م‪.‬‬
‫‪ .7‬الزحيلي‪ :‬وهبة بن مصطفى الزحيلي‪ "،‬التفسير الوسيط للزحيلي"‪ -‬دار الفكر ‪ -‬دمشق‬
‫الطبعة ‪ :‬األولى ‪ 1411 -‬هـ‪.‬‬
‫‪ .7‬أبو زهرة‪ :‬محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعـروف بـأبي زهـرة‪ "،‬زهـرة التفاسـير"‪-‬‬
‫دار الفكر العربي‪-‬‬

‫‪133‬‬
‫‪.45‬حجـازي‪ :‬محمـد محمــود حجـازي‪ "،‬التفســير الواضـح"‪ -‬دار الجيـل الجديــد‪ -‬بيـروت‪ -‬برنــامج‬
‫جامع التفاسير نور األنوار ‪ - 1‬الطبعة‪ :‬العاشرة ‪ 1416 -‬هـ‪.‬‬
‫‪ .44‬الســايس‪ :‬محمــد علــي الســايس‪ "،‬تفســير آيــات األحكــام"‪-‬المكتبــة العصـرية للطباعــة والنشــر‬
‫تاريخ النشر‪.1001/10/01 :‬‬
‫‪ .42‬الطبري ‪ :‬محمد بـن جريـر بـن يزيـد بـن كثيـر بـن غالـب اآلملـي‪ ،‬أبـو جعفـر الطبـري؛" جـامع‬
‫البيان في تأويل القرآن" ‪ -‬مؤسسة الرسالة – الطبعة األولى‪ 1410 :‬هـ ‪ 1000 -‬م‬
‫تحقيق ‪ :‬أحمد محمد شاكر‪.‬‬
‫‪ .43‬ابن العربي‪ :‬أبو بكر بن العربي المالكي‪ "،‬أحكام القرآن"‪ -‬دار الكتب العلمية‪ -‬تحقق محمد‬
‫عبد القادر عطا‪ -‬سنة النشر‪.1006 – 1414 :‬‬
‫‪ .41‬سيد قطب‪ :‬سيد قطب إبراهيم حسين الشاربي‪ "،‬في ظالل القرآن"‪ -‬دار الشروق ‪ -‬بيروت‪-‬‬
‫القاهرة‪ -‬لطبعة‪ :‬السابعة عشر ‪ 1411 -‬هـ‪.‬‬
‫‪ .40‬الخلـــوتي‪ :‬إســماعيل حقــي بــن مص ـطفى اإلســتانبولي الحنفــي الخلــوتي‪ "،‬روح البيـــان"‪ -‬دار‬
‫الفكر ‪ -‬بيروت‬
‫‪ .46‬الشوكاني‪ :‬محمد بن علي بن محمـد الشـوكاني‪ "،‬فـتح القـدير"‪ -‬الناشـر‪ :‬دار ابـن كثيـر‪ ،‬دار‬
‫الكلم الطيب ‪ -‬دمشق‪ ،‬بيروت‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى ‪ 1414 -‬هـ‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬السنة النبوية وشروحها‪:‬‬


‫‪ .48‬البخاري‪ :‬محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري‪ ،‬أبـو عبـد اهلل؛" الجـامع المسـند‬
‫الصحيح" المختصر من أمور رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وسننه وأيامه‬
‫الناشر ‪ :‬دار طوق النجاة ‪ -‬الطبعة األولى ‪1411‬هـ ‪ -‬تحقيق ‪ :‬محمد زهير بن ناصر الناصر‪.‬‬
‫‪ .47‬مسلم‪ :‬أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري‬
‫الجامع الصحي المسمى "صحيح مسلم" ‪ -‬دار الجيل بيروت ‪ +‬دار األفاق الجديدة ـ بيروت ‪.‬‬
‫‪ .47‬ابن حجر‪ :‬أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بـن حجـر العسـقالني؛ فـتح البـاري‬
‫شرح صحي البخاري‪ -‬دار المعرفة – بيروت‪ -‬تحقيق‪ :‬محب الدين الخطيب‪.‬‬
‫‪ .25‬النووي‪ :‬أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النـووي؛" المنهـاج شـرح صـحيح مسـلم" بـن‬
‫الحجاج ‪ -‬دار إحياء التراث العربي ‪ -‬الطبعة الثانية‪1691.:‬‬
‫‪ .24‬أبو داود‪ :‬سليمان بن األشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو األزدي الس ِ‬
‫ِّج ْستاني؛‬
‫"ســـنن أبـــي داود" بحاش ــيته ع ــون المعبــود ‪ -‬مؤسس ــة الرس ــالة ‪-‬الطبع ــة األول ــى ‪ 1411 ،‬ه ـ ـ ‪-‬‬
‫‪1001‬م ‪ -‬تحقيق ‪ :‬شعيب األرنؤوط ‪-‬عادل مرشد ‪ ،‬و خرون‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫‪ .22‬ابن ماجه‪ :‬أبو عبد اهلل محمد بن يزيد القزويني؛" سنن ابن ماجه "‪ -‬دار الجيـل‪ -‬بيـروت‪-‬‬
‫‪1418‬هـ ‪1998 ،‬م‪ -‬الطبعة‪:‬األولى ‪ -‬تحقيق‪:‬بشار عواد معروف‪.‬‬
‫‪ .23‬اإلمام أحمد‪ :‬أبو عبد اهلل أحمد بن محمد بن حنبل بـن هـالل بـن أسـد الشـيباني‪ " -‬المسـند"‬
‫‪ -‬دار الكتاب العربي ‪.‬‬
‫‪ .21‬الترمذي‪ :‬أبو عيسى محمـد بـن عيسـى الترمـذي؛" الجـامع الكبيـر"‪ -‬دار الجيـل ـ بيـروت ‪+‬‬
‫دار العرب اإلسالمي ـ بيروت ‪ -‬الطبعة ‪ :‬الثانية ‪1998‬م ‪ -‬تحقيق ‪ :‬د‪ .‬بشار عواد معروف‪.‬‬
‫‪ .20‬النسائي‪ :‬أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني‪ ،‬النسا ي؛" السنن الكبرى"‬
‫‪ -‬مؤسسة الرسالة‪ :‬بيروت‪ -‬رقم الطبعة‪ :‬األولى‪1411:‬ه – ‪1001‬م‪.‬‬
‫‪ .26‬الدارقطني‪ :‬أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهـدي بـن مسـعود بـن النعمـان بـن دينـار‬
‫البغدادي الـدارقطني؛ "سنن الدارقطني" ‪ -‬مؤسسـة الرسـالة‪-‬بيـروت ‪ -‬الطبعـة‪ :‬اآلولـى‪– 1414‬‬
‫م‪ - 1004‬تحقيق‪ :‬شعيب األرناؤوط و خرون‪.‬‬
‫الخ ْس َـرْو ِجردي الخ ارسـاني أبـو بكـر البيهقـي؛‬
‫‪ .28‬البيهقي‪ :‬أحمد بن الحسين بـن علـي بـن موسـى ُ‬
‫"الســنن الكبــرى"‪ -‬مكتبــة دار البــاز ‪ -‬مكــة المكرمــة ‪ -1994 – 1414 ،‬تحقيــق ‪ :‬محمــد عبــد‬
‫القادر عطا؛" معرفة السنن واآلثـار" ‪-‬جامعـة الد ارسـات اإلسـالمية ‪ +‬دار والـوعي ‪ +‬دار قتيبـة ‪-‬‬
‫كراتش ــي بباكس ــتان ‪ +‬حل ــب ‪ +‬دمش ــق ‪ -‬الطبع ــة األول ــى‪1411 :‬ه ـ ـ ‪1991 ،‬م‪ -‬تحقي ــق ‪ :‬عب ــد‬
‫المعطــي أمــين قلعجــي؛ " شــعب اإليمــان" ‪ -‬مكتبــة الرشــد ‪ -‬الريــاض بالتعــاون مــع الــدار الســلفية‬
‫ببومبــاي بالهنــد ‪ -‬الطبعــة األولــى ‪ 1416 -‬هـ ـ ‪ 1006 -‬م ‪ -‬تحقيــق‪ :‬الــدكتور عبــد العلــي عبــد‬
‫الحميد حامد‪.‬‬
‫‪ .27‬األلباني‪ :‬محمد ناصر الدين األلبـاني؛" صحيح أبي داود" ‪ -‬مؤسسـة غـراس للنشـر والتوزيـع‬
‫‪ ،‬الكويت ‪ -‬الطبعة ‪ :‬األولى ‪ 1416 ،‬هـ ‪ 1001 -‬م ؛ "إرواء الغليل" في تخـريج أحاديـث منـار‬
‫السبيل ‪ -‬المكتب اإلسالمي – بيروت‪ -‬الطبعة‪ :‬الثانيـة ‪ 1405‬ه ـ ‪1985 -‬م؛" تمـام المنـة" فـي‬
‫التعليق على فقه السنة ‪ -‬المكتبة اإلسالمية ‪ -‬دار الراية للنشر‪ -‬الطبعة الثالثة – ‪1409‬؛‬
‫‪ .27‬الشــوكاني‪ :‬محمــد بــن علــي بــن محمــد بــن عبــد اهلل الشــوكاني اليمنــي‪ "،‬نيــل األوطــار"‪ -‬دار‬
‫الحديث‪ ،‬مصر‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى‪1416 ،‬هـ ‪1996 -‬م‪ -‬تحقيق‪ :‬عصام الدين الصبابطي‪.‬‬
‫‪ .35‬عبد الرزاق‪ :‬أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني؛" المصنف"‬
‫المكتب اإلسالمي – بيروت ‪ -‬الطبعة‪:‬الثانية‪ - 1406 -‬تحقيق ‪ :‬حبيب الرحمن األعظمي‪.‬‬
‫‪ .34‬الطحــاوي‪ :‬أبـو جعفــر أحمــد بـن محمــد بــن سـالمة بــن عبــد الملـك بــن ســلمة األزدي الحجــري‬
‫المص ــري المع ــروف بالطح ــاوي؛" شــــرح مشــــكل اآلثــــار" ‪ -‬مؤسس ــة الرس ــالة‪ -‬تحقي ــق ‪ :‬شـ ــعيب‬
‫األرنؤوط‪ -‬الطبعة ‪ :‬األولى ‪ 1415 -‬هـ ‪ 1494 ،‬م؛" شرح معاني اآلثار"‪ -‬عالم الكتب‬
‫الطبعة‪ :‬األولى ‪ 1415 -‬هـ ‪ 1994 ،‬م تحقيق‪ :‬محمد زهري النجار ‪ -‬محمد سيد جاد الحق ‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫‪ .32‬الصنعاني‪ :‬محمد بن إسماعيل األمير الكحالني الصنعاني؛" سبل السالم"‬
‫مكتبة مصطفى البابي الحلبي‪ -‬الطبعة الرابعة ‪1679‬هـ‪1930 -‬م‪.‬‬
‫‪ .33‬العظيم آبادي‪ :‬محمد شمس الحق العظيم بادي أبو الطيب‪" ،‬عون المعبود" شرح سنن أبي‬
‫داود‪ -‬دار الكتب العلمية – بيروت‪ -‬الطبعة الثانية ‪.1415 ،‬‬
‫‪ .31‬الحــاكم‪ :‬أبوعبــد اهلل الحــاكم محمــد بــن عبــد اهلل بــن محمــد بــن حمدويــه بــن ُنعــيم بــن الحكــم‬
‫الضبي الطهماني النيسابوري؛" المستدرك على الصحيحين"‪ -‬دار المعرفة‪ -‬بيروت ‪.‬‬
‫صـ َّـنف" ‪-‬‬
‫الم َ‬
‫‪ .30‬ابــن أبــي شــيبة‪ :‬أبــو بكــر عبــد اهلل بــن محمــد بــن أبــي شــيبة العبســي الكــوفي؛" ُ‬
‫الناشر‪ :‬مكتبة الرشد – الرياض‪-‬الطبعة‪ :‬األولى‪ -1409 ،‬المحقق‪ :‬كمال يوسف الحوت‪.‬‬
‫‪ .36‬الزرقــاني‪ :‬محمــد بــن عبــد البــاقي بــن يوســف الزرقــاني؛" شــرح الزرقــاني علــى موطــأ اإلمــام‬
‫مالك"‪ -‬مكتبة الثقافة الدينية – القاهرة‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى‪1414 ،‬ه ـ ‪1006 -‬م‪ .‬تحقيـق‪ :‬طـه عبـد‬
‫الرءوف سعد‪.‬‬
‫ـيباني‪ "،‬اإلفصـاح عـن معـاني‬
‫(ه َب ْي َـرة بـن) محمـد بـن هبيـرة الـذهلي الش ّ‬
‫‪ .38‬ابن ُه َب ْي َـرة‪ :‬يحيـى بـن ُ‬
‫الصحاح"‪ -‬الناشر‪ :‬دار الوطن‪ -‬سنة النشر‪1417 :‬هـ‪ -‬المحقق‪ :‬فؤاد عبد المنعم أحمد‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬أصـــــــــــــول الفقـــــــــــــــــــــه‪:‬‬


‫‪ .37‬القرافــي‪ :‬أبــو العبــاس أحمــد بــن إدريــس الصـنهاجي الق ارفــي؛" الفــروق"‪ ،‬أو أنـوار البــروق فــي‬
‫أنواء الفروق‪ -‬دار الكتب العلمية‪1418 -‬هـ ‪1998 -‬م‪ -‬بيروت – تحقيق‪ :‬خليل المنصور‪.‬‬
‫‪ .37‬الغزالي‪ :‬أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي؛" المستصفى من علم األصول" ‪-‬‬
‫مؤسسـ ــة الرسـ ــالة‪ -‬بيـ ــروت‪-‬الطبعـــة ‪ :‬األولـ ــى‪1417 ،‬ه ـ ــ‪1997/‬م تحقيـ ــق ‪ :‬محم ــد ب ــن سـ ــليمان‬
‫األشقر‪.‬‬
‫‪ .15‬ابـــن القـــيم‪ :‬محمــد بــن أبــي بك ـر أيــوب الزرعــي أبــو عبــد اهلل؛ "إعـــالم المـــوقعين عـــن رب‬
‫العالمين" ‪ -‬دار الجيل ‪ -‬بيـروت ‪ -1976 ،‬تحقيـق ‪ :‬طـه عبـد الـرءوف سـعد؛" الطـرق الحكميـة‬
‫في السياسة الشرعية" ‪ -‬مطبعة المدني – القاهرة ‪ -‬تحقيق ‪ :‬د‪ .‬محمد جميل غازي‪.‬‬
‫‪ .14‬ابن عبد السالم‪ :‬أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم بن أبي القاسم بن الحسـن‬
‫السلمي الدمشقي‪ ،‬الملقب بسلطان العلمـاء؛" قواعـد األحكـام فـي مصـالح األنـام" ‪ -‬دار المعـارف‬
‫بيروت – لبنان‪ -‬تحقيق‪ :‬محمود بن التالميد الشنقيطي‪.‬‬
‫‪ .12‬ابـــن قدامـــة‪ :‬عب ــد اهلل ب ــن أحم ــد ب ــن قدام ــة المقدس ــي أب ــو محم ــد؛ "روضـــة النـــاظر وجنـــة‬
‫المنــاظر"‪ -‬جامعــة اإلمــام محمــد بــن ســعود – الريــاض ‪ -‬الطبعــة الثانيــة ‪ -1699 ،‬تحقيــق ‪ :‬د‪.‬‬
‫عبد العزيز عبد الرحمن السعيد‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫‪ .13‬الشاطبي‪ :‬إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرنـاطي الشـهير بالشـاطبي؛" الموافقـات" ‪-‬‬
‫دار ابن عفان ‪ -‬الطبعة األولـى ‪1417‬هــ‪1997 /‬م ‪ -‬تحقيـق‪ :‬أبـو عبيـدة مشـهور بـن حسـن ل‬
‫سلمان‪.‬‬
‫‪ .11‬ابـــن جـــزي‪ :‬أب ــو القاس ــم محم ــد ب ــن أحم ــد ب ــن ج ــزي الكلب ــي الغرن ــاطي الم ــالكي‪ "،‬القـــوانين‬
‫الفقهية"‪ -‬تحقيق أ‪.‬د‪/‬محمد سيدي موالي‪ -‬المكتبة الشاملة ‪ 11000‬كتاب‪.‬‬
‫‪ .10‬الــــدهلوي‪ :‬اإلمـ ــام أحمـ ــد المعـ ــروف بشـ ــاه ولـ ــي اهلل اب ــن عب ــد الـ ــرحيم الـ ــدهلوي‪ "،‬حجــــة اهلل‬
‫البالغة"‪ -‬لكتب الحديثة ‪ -‬مكتبة المثنى‪ -‬مكان النشر القاهرة – بغداد‪ -‬تحقيق سيد سابق‪.‬‬
‫‪ .16‬الزرقا‪ :‬أحمد بن الشيخ محمد الزرقا‪ "،‬شرح القواعد الفقهية"‪ -‬دار النشر ‪ /‬دار القلم‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬المذاهب الفقهية‪:‬‬


‫المذهب الحنفي‪:‬‬
‫‪ .18‬الكاســـاني‪ :‬ع ــالء ال ــدين الكاس ــاني؛" بـــدائع الصـــنائع فـــي ترتيـــب الشـــرائع"‪ -‬دار الكت ــاب‬
‫العربي‪ -‬بيروت ‪1981.-‬‬
‫‪ .17‬ابـــن عابـــدين‪ :‬محم ــد ع ــالء ال ــدين اب ــن الس ــيد محم ــد أم ــين اب ــن الس ــيد عم ــر الم ــدعو ب ــابن‬
‫عابدين؛ "حاشية رد المحتار على الـدر المختـار شـرح تنـوير األبصـار"‪ -‬دار الفكـر ‪ -‬بيـروت‪-.‬‬
‫‪1411‬هـ ‪1000 -‬م‪.‬‬
‫‪ .17‬الزيلعي‪ :‬عثمان بن علي بن محجن البارعي ‪ ،‬فخر الدين الزيلعي الحنفي؛" تبيين الحقائق"‬
‫شــرح كنــز الــدقا ق وحاشــية ِّ‬
‫الش ـْلبِ ِّي‪ -‬المطبعــة الكبــرى األميريــة ‪ -‬ب ـوالق ‪ ،‬القــاهرة ‪ -‬الطبعــة ‪:‬‬
‫األولى ‪ 1616 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .05‬السرخسي‪ :‬شمس الـدين أبـو بكـر محمـد بـن أبـي سـهل السرخسـي؛" المبسـوط" ‪ -‬دار الفكـر‬
‫للطباعــة والنشــر والتوزيــع‪ ،‬بيــروت‪ ،‬لبنــان‪ -‬الطبعــة األولــى‪1411 -‬هـ ـ ‪1000‬م ‪ -‬تحقيــق‪ :‬خليــل‬
‫محي الدين الميس‪.‬‬
‫‪ .04‬المرغيــاني‪ :‬أبــي الحســن علــي بــن أبــي بكــر بــن عبــد الجليــل الرشــداني المرغيــاني‪ "،‬الهدايــة‬
‫شرح بداية المبتدي"‪-‬‬
‫‪ .02‬البابرتي‪ :‬محمد بن محمد بن محمود البابرتي‪ "،‬العنايـة شـرح الهدايـة"‪ -‬الناشـر‪ :‬دار الفكـر‪-‬‬
‫الطبعة‪ :‬بدون طبعة وبدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ .03‬الميداني‪ :‬عبد الغني الغنيمي الدمشقي الميداني؛" اللباب فـي شـرح الكتـاب" ‪ -‬دار الكتـاب‬
‫العربي ‪ -‬تحقيق ‪ :‬محمود أمين النواوي‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫‪ .01‬الســـمرقندي‪ :‬ع ــالء ال ــدين الس ــمرقندي؛" تحفـــة الفقهـــاء" ‪ -‬الناش ــر دار الكت ــب العلمي ــة ‪-‬‬
‫‪ -1984 – 1405‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .00‬ابــن نجــيم‪ :‬زيــن الــدين ابــن نجــيم الحنفــي؛" البحــر الرائــق شــرح كنــز الــدقائق"‪ -‬الناشــر دار‬
‫المعرفة – بيروت‪.‬‬
‫‪ .06‬الموصـــلي‪ :‬عب ــد اهلل ب ــن محم ــود ب ــن م ــودود الموص ــلي البل ــدحي‪ ،‬مج ــد ال ــدين أب ــو الفض ــل‬
‫الحنفـي‪ "،‬االختيــار لتعليــل المختــار"‪ -‬مطبعــة الحلبـي ‪ -‬القــاهرة ‪-‬وصـورتها دار الكتــب العلميــة ‪-‬‬
‫بيروت‪ ،‬وغيرها‪ 1653 -‬هـ ‪ 1967 -‬م‪ -‬عليها تعليقات‪ :‬الشيخ محمود أبو دقيقة‪.‬‬
‫‪ .08‬الشيخ نظام وجماعة مـن علمـاء الهنـد‪ "،‬الفتـاوى الهنديـة"‪ -‬الناشـر دار الفكـر‪ -‬سـنة النشـر‬
‫‪1411‬هـ ‪1991 -‬م‪.‬‬
‫‪ .07‬الكليبولي‪ :‬عبد الرحمن بن محمد بن سليمان الكليبولي المدعو بشيخي زاده؛" مجمع األنهر‬
‫فــي شــرح ملتقــى األبحــر"‪ -‬دار الكتــب العلميــة ‪1419 -‬ه ـ ‪1998 -‬م ‪ -‬بيــروت ‪ -‬تحقيــق ‪:‬‬
‫خليل عمران المنصور‪.‬‬
‫المذهب المالكي‪:‬‬
‫‪ .07‬الــدردير‪ :‬أبــو البركــات أحمــد بــن محمــد العــدوي ‪ ،‬الشــهير بالــدردير؛" الشــرح الكبيــر"‪ -‬دار‬
‫إحياء الكتب العربية‪ -‬عيسى البابى الحلبي وشركاء‪.‬‬
‫‪ .65‬العبدري‪ :‬محمد بـن يوسـف بـن أبـي القاسـم العبـدري أبـو عبـد اهلل؛" التـاج واإلكليـل لمختصـر‬
‫خليل" ‪ -‬دار الفكر‪ - 1698-‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .64‬الدســوقي‪ :‬محمــد عرفــه الدســوقي؛" حاشــية الدســوقي علــى الشــرح الكبيــر" ‪ -‬دار الفكــر‪-‬‬
‫بيروت ‪ -‬تحقيق محمد عليش‪.‬‬
‫‪ .62‬الحطاب‪ :‬شـمس الـدين أبـو عبـد اهلل محمـد بـن محمـد بـن عبـد الـرحمن الطرابلسـي المغربـي ‪،‬‬
‫الرعيني؛" مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل"‪ -‬دار عـالم الكتـب ‪ -‬طبعـة‬
‫المعروف بالحطاب ُّ‬
‫‪1416‬هـ ‪1006 -‬م ‪ -‬المحقق ‪ :‬زكريا عميرات‪.‬‬
‫‪ .63‬الخرشي‪ :‬محمد الخرشي؛" شرح مختصر خليل" ‪ -‬دار الفكر ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .61‬علـــيش‪ :‬محم ــد عل ــيش؛" مـــنح الجليـــل شـــرح علـــى مختصـــر ســـيد خليـــل"‪ -‬دار الفك ــر‪-‬‬
‫‪1409‬هـ ‪1989 -‬م‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .60‬ضياء الدين الجندي‪ :‬خليل بن إسحاق بن موسى‪ ،‬ضياء الـدين الجنـدي المـالكي المصـري‪،‬‬
‫"مختصــر العالمــة خليــل"‪ -‬دار الحــديث‪/‬القاهرة‪ -‬الطبعــة‪ :‬األولــى‪1413 ،‬ه ــ‪1005/‬مـ ـ‪ -‬تحقــق‪:‬‬
‫أحمد جاد‪.‬‬
‫السـالِك"‪ -‬الناشـر ‪ :‬الشـركة اإلفريقيـة‬
‫ـاد َّ‬
‫ش ُ‬‫‪ .66‬البغدادي‪ :‬عبد الرحمن شهاب الدين البغدادي‪ْ "،‬إر َ‬
‫للطباعة‪ -‬مصدر الكتاب ‪ :‬برنامج المحدث‪ -‬المكتبة الشاملة ‪ 11000‬كتاب‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫‪ .68‬العدوي‪ :‬علي الصعيدي العدوي المالكي؛" حاشية العدوي" على شرح كفايـة الطالـب الربـاني‬
‫‪ -‬دار الفكر ‪ -1411 -‬بيروت ‪ -‬تحقيق يوسف الشيخ محمد البقاعي‪.‬‬
‫‪ .67‬ابن رشد‪ :‬أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبـي الشـهير بـابن رشـد‬
‫الحفيـد؛" بداية المجتهد و نهاية المقتصد" ‪ -‬مطبعـة مصـطفى البـابي الحلبـي وأوالده‪ -‬مصـر ‪-‬‬
‫الطبعة الرابعة‪1695 ،‬هـ‪1975/‬م‪.‬‬
‫المذهب الشافعي‪:‬‬
‫‪ .67‬الشـــــافعي‪ :‬محمـ ــد بـ ــن إدريـ ــس الشـ ــافعي أبـ ــو عبـ ــد اهلل؛" األم"‪ -‬دار المعرفـ ــة ‪ -‬بيـ ــروت‪-‬‬
‫‪1696.‬‬
‫‪ .85‬الشـــيرازي‪ :‬إب ـراهيم بــن علــي بــن يوســف الشــيرازي أبــو إســحاق؛" المهـــذب فـــي فقـــه اإلمـــام‬
‫الشـــافعي" ‪ -‬دار الفك ــر ‪ -‬بي ــروت ؛ التنبي ــه ف ــي الفق ــه الش ــافعي ‪ -‬ع ــالم الكت ــب ‪-1406 -‬‬
‫بيروت ‪ -‬تحقيق‪ :‬عماد الدين أحمد حيدر‪.‬‬
‫‪ .84‬الرملي‪ :‬شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة ابن شهاب الـدين الرملـي الشـهير‬
‫بالشافعي الصـغير؛" نهايـة المحتـاج إلـى شـرح المنهـاج" ‪ -‬دار الفكـر للطباعـة ‪1404 -‬ه ـ ‪-‬‬
‫‪1984‬م ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .82‬الشربيني‪ :‬محمد الشربيني الخطيب؛" اإلقنـاع فـي حـل ألفـاظ أبـي شـجاع" ‪ -‬دار الفكـر ‪-‬‬
‫‪ -1415‬بيروت؛ مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ‪ -‬دار الفكر‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .83‬النووي‪ :‬أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي؛ المجموع شرح المهذب‬
‫الناشــر دار الفكــر‪ -‬بيــروت ‪ -‬ط ‪1997‬م ؛" روضـــة الطـــالبين وعمـــدة المفتـــين" ‪ -‬دار الكتــب‬
‫العلميــة ‪ -‬تحقيــق ‪ :‬عــادل أحمــد عبــد الموجــود ‪ -‬علــى محمــد معــوض؛ منهــاج الطــالبين وعمــدة‬
‫المفتين ‪ -‬دار المعرفة ‪ -‬بيروت ‪.‬‬
‫‪ .81‬محمــد شــطا الــدمياطي‪ :‬أبــو بكــر (المشــهور بــالبكري) بــن محمــد شــطا الــدمياطي‪ "،‬حاشــية‬
‫إعانة الطالبين"‪ -‬مصدر الكتاب ‪ :‬موقع يعسوب‪ -‬المكتبة الشاملة ‪ 11000‬كتاب‪..‬‬
‫‪ .80‬زكريــا األنصــاري‪ :‬شــيخ اإلســالم أبــو يحيــى األنصــاري؛" أســنى المطالــب فــي شــرح روض‬
‫الطالب"‪ -‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪ -‬الطبعة ‪ :‬األولى‪ 1411‬ه – ‪ -1000‬تحقيق ‪ :‬محمد‬
‫محمد تامر‪.‬‬
‫الب َج ْي َرِم ّي المصري الشافعي‪ "،‬حاشية البجيرمي على‬
‫‪ .86‬البجيرمي‪ :‬سليمان بن محمد بن عمر ُ‬
‫الخطيب"‪ -‬دار الفكر‪1415 -‬هـ ‪1995 -‬م‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫المذهب الحنبلي‬
‫‪ .88‬ابـــن تيميـــة‪ :‬تق ــي ال ــدين أب ــو العب ــاس أحم ــد ب ــن عب ــد الحل ــيم ب ــن تيمي ــة الح ارن ــي؛ "مجمـــوع‬
‫الفتـــاوى"‪ -‬تحقي ـق ‪ :‬أنــور البــاز ‪ -‬عــامر الج ـزار‪ -‬دار الوفــاء ‪ -‬الطبعــة الثالثــة ‪ 1413 ،‬هـ ـ ‪/‬‬
‫‪ 1005‬م‪ "،‬منهــاج الســنة النبويــة"‪ -‬مؤسســة قرطبــة ‪ ،‬الطبعــة ألولــى‪ -‬تحقي ـق ‪ :‬د‪ .‬محمــد رشــاد‬
‫ســالم‪ "،‬الصـــارم المســـلول علـــى شـــاتم الرســـول" ‪ -‬دار ابــن ح ــزم – بيــروت‪ -‬الطبعــة األول ــى ‪،‬‬
‫‪ -1417‬تحقيق ‪ :‬محمد عبد اهلل عمر الحلواني ‪ ،‬محمد كبير أحمد شودري‬
‫‪ .87‬ابن قدامة‪ :‬عبـد اهلل بـن أحمـد بـن قدامـة المقدسـي أبـو محمـد ابـن قدامـة ؛" المغنـي" ‪ -‬دار‬
‫الفكر – بيروت ‪ -‬الطبعة األولـى ‪ "،1405 ،‬الكافي في فقه اإلمام أحمد"‪ -‬دار الكتـب العلميـة‪-‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪ 1414 ،‬هـ ‪ 1994 -‬م‪.‬‬
‫‪ .87‬البهوتي‪ :‬منصور بن يونس بن إدريس البهوتي؛" كشاف القنـاع عـن مـتن اإلقنـاع" ‪ -‬دار‬
‫الفكــر‪ -‬بيــروت‪ - 1401 -‬تحقيــق هــالل مصــيلحي مصــطفى هــالل؛" الــروض المربــع شــرح زاد‬
‫المستنقع في اختصار المقنع" ‪ -‬دار الفكر للطباعة والنشر ‪ -‬بيروت – لبنان‪ -‬المحقق ‪ :‬سعيد‬
‫محمد اللحـام –" شرح منتهى اإلرادات المسمى دقائق أولي النهى لشرح المنتهـى" ‪-‬عـالم الكتـب‬
‫‪ -1993 -‬بيروت‪.‬‬
‫‪.75‬ابن مفلح‪ :‬محمد بن مفل بن محمد بن مفرج‪ ،‬أبـو عبـد اهلل‪ ،‬شـمس الـدين المقدسـي الرامينـى‬
‫؛"الفروع" ‪ -‬مؤسسة الرسالة‪-‬الطبعة ‪ :‬الطبعة األولى ‪ 1414‬هـ ‪ 1006 -‬مـ‬
‫تحقيق‪ :‬عبد اهلل بن عبد المحسن التركي؛" المبدع شرح المقنع" ‪ -‬دار عالم الكتب‪ -‬الرياض ‪-‬‬
‫طبعة ‪1416 :‬هـ ‪1006/‬م‪.‬‬
‫‪ .74‬الرحيباني‪ :‬مصطفى السيوطي الرحيباني؛" مطالب أولي النهى في شرح غايـة المنتهـى" ‪-‬‬
‫المكتب اإلسالمي ‪ -‬طبعة ‪1931‬م – دمشق‪.‬‬
‫‪ .72‬المـــــرداوي‪ :‬عـ ــالء الـ ــدين أبـ ــو الحسـ ــن علـ ــي بـ ــن سـ ــليمان المـ ــرداوي الدمشـ ــقي الصـ ــالحي؛‬
‫"اإلنصاف" في معرفة الراج من الخالف على مذهب اإلمام أحمد بن حنبل‪ -‬دار إحيـاء التـراث‬
‫العربي ‪-‬بيروت ـ الطبعة ‪ :‬الطبعة األولى ‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪ .73‬الحجــاوي‪ :‬شــرف الــدين موســى بــن أحمــد بــن موســى أبــو النجــا الحجــاوي‪" ،‬اإلقنــاع" فــي فقــه‬
‫اإلم ــام أحم ــد ب ــن حنب ــل‪ -‬دار المعرف ــة بي ــروت – لبن ــان‪ -‬تحق ــق ‪ :‬عب ــد اللطي ــف محم ــد موس ــى‬
‫السبكي‪.‬‬
‫‪ .71‬ابن قيم الجوزية‪ :‬محمد بن أبـي بكـر بـن أيـوب بـن سـعد شـمس الـدين ابـن قـيم الجوزيـة" زاد‬
‫المعاد في هدي خير العباد" ‪ -‬مؤسسة الرسالة‪ -‬بيروت ‪ -‬مكتبة المنار اإلسالمية ‪ -‬الكويت ‪-‬‬

‫‪173‬‬
‫الطبعـ ــة ‪ :‬السـ ــابعة والعشـ ــرون ‪1415 ،‬هـ ـ ـ ‪1994/‬م‪ ،‬الجــــواب الكــــافي‪ -‬دار الكتـ ــب العلميـ ــة –‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ .70‬العثيمين‪ :‬محمد بن صال بن محمد العثيمين؛" الشرح الممتع على زاد المستقنع"‬
‫‪ -‬دار ابن الجوزي‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى‪ -‬طبعة ‪ 1418 - 1411 :‬هـ‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬كتب السياسة الشرعية‪:‬‬


‫‪ .76‬القاضي أبو يعلى‪ :‬محمد بـن الحسـين بـن محمـد بـن خلـف ابـن الفـراء‪ "،‬األحكـام السـلطانية"‬
‫للفــــراء‪ -‬دار الكتـ ــب العلميـ ــة ‪ -‬بيـ ــروت ‪ ،‬لبنـ ــان‪ -‬الطبعـ ــة ‪ :‬الثانيـ ــة ‪ 1411 ،‬هـ ـ ـ ‪ 1000 -‬م‪-‬‬
‫صححه وعلق عليه ‪ :‬محمد حامد الفقي‪.‬‬
‫‪ .78‬المــاوردي‪ :‬أبــي الحســن المــاوردي‪ "،‬األحكــام الســلطانية"‪ -‬الناشــر‪ :‬مكتبــة دار ابــن قتيبــة –‬
‫الكويت‪ -‬سنة النشر‪ -1989 – 1409 :‬المحقق‪ :‬أحمد مبارك البغدادي‪.‬‬
‫‪ .77‬الجــويني‪ :‬عبــد الملــك بــن عبــد اهلل بــن يوســف بــن محمــد الجــويني‪ ،‬الملقــب بإمــام الحــرمين‪،‬‬
‫"الغيـــاثي غيـــاث األمـــم فـــي التيـــاث الظلـــم"‪ -‬الناش ــر‪ :‬مكتب ــة إم ــام الح ــرمين‪ -‬الطبع ــة‪ :‬الثاني ــة‪،‬‬
‫‪1401‬هـ‪ -‬تحقيق‪ :‬عبد العظيم الديب‪.‬‬
‫‪ .77‬الطرابلسي‪ :‬علي بن خليل الطرابلسي الحنفي‪ "،‬معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين مـن‬
‫األحكام"‪ -‬الناشر‪ :‬دار الفكر‪ -‬الطبعة‪ :‬بدون طبعة وبدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ .75‬ابن قيم الجوزية‪ :‬محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية‪ "،‬الطرق الحكمية"‪-‬الناشر‪:‬‬
‫مكتبة دار البيان‪-‬الطبعة‪ :‬بدون طبعة وبدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ .74‬ابن فرحون‪ :‬إبـراهيم بـن علـي بـن محمـد‪ ،‬ابـن فرحـون‪ "،‬تبصـرة الحكـام فـي أصـول األقضـية‬
‫ومناهج األحكام"‪ -‬الناشر‪ :‬مكتبة الكليات األزهرية‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى‪1403 ،‬هـ ‪1983 -‬م‬
‫‪ .72‬عبـد القــادر عـودة‪" :‬التشــريع الجنـائي اإلســالمي مقارنـاً بالقــانون الوضـعي"‪ -‬الناشــر‪ :‬دار‬
‫الكاتب العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .73‬عبد اهلل قادري األهدل‪" :‬كتـاب الحـدود والسـلطان"‪-‬الناشـر‪ :‬دار المجتمـع للنشـر والتوزيـع –‬
‫جدة‪ -‬سنة النشر‪1403 :‬ه – ‪1983‬م‪.‬‬
‫‪ .71‬أبـــي األعلـــى المـــودودي‪ ":‬نظريـــة اإلســـالم السياســـية"‪ -‬هــذه الرســالة محاض ـرة ألقاهــا أبــو‬
‫األعلى المودودي بمدينة الهور في اكتوبر ‪ ،1969‬ثم ظهرت طبعتها الثانية في القاهرة في سـنة‬
‫‪1950‬م وها هي ذي طبعتها الثالثة تتحلى بالطبع في دمشق بعد شيء من التنقي والتهذيب‪.‬‬
‫‪ .70‬العتيبي‪ :‬سعود بن عبـد العـالي البـارودي العتيبـي‪" ،‬الموسـوعة الجنائيـة اإلسـالمية المقارنـة‬
‫باألنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية"‪ -‬الطبعة الثانية ‪.1417‬‬

‫‪174‬‬
‫‪ .76‬محمد رأفت عثمـان‪ ":‬النظـام القضـائي فـي الفقـه اإلسـالمي"‪ -‬الناشـر‪ :‬دار البيـان‪ -‬الطبعـة‪:‬‬
‫الثانية ‪1415‬هـ‪1994‬م‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬فقه عام‪:‬‬


‫‪ .78‬أبو زهرة‪ :‬محمد أبو زهرة‪ ،‬الجريمة والعقوبة في الفقه اإلسـالمي‪ -‬دار الفكـر العربـي‪-‬القـاهرة‬
‫طبعة‪ "،1998‬فلسفة العقوبة في الفقه اإلسالمي"‪ -‬الناشر المصرية العالمية للنشر –لونجمان‪.‬‬
‫‪ .77‬الشـــنقيطي‪ :‬محم ــد األم ــين ب ــن محم ــد ب ــن المخت ــار الجكن ــي الش ــنقيطي‪ "،‬مـــنهج التشـــريع‬
‫اإلسالمي وحكمته"‪ -‬الناشر‪ :‬الجامعة اإلسالمية‪ ،‬المدينة المنورة‪-‬‬
‫ـه اإلســالمي وأدلَّتُـ ُ‬
‫ـه"‪ -‬الناشــر ‪ :‬دار الفكــر ‪ -‬ســوريَّة –‬ ‫الزحْيلِــي‪ِ "،‬‬
‫الف ْقـ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫ـي‪ :‬أ‪.‬د‪َ .‬و ْه َبــة َ ّ‬
‫‪ .77‬الز َح ْيلـ ّ‬
‫دمشق‪-‬الطبعة الرابعة‪.‬‬
‫القَّنـوجي‪ "،‬الروضـة النديـة"‪ -‬الناشـر‪َ :‬د ُار‬ ‫الق َّنوجي‪ :‬محمـد صـديق خـان الحسـيني البخـاري ِ‬ ‫‪ِ .455‬‬
‫ابــن القــيِّم للنشــر والتوزيــع‪ ،‬الريــاض ‪َ -‬دار ابــن عفَّــان للنشــر والتوزيــع‪ ،‬القــاهرة ‪ -‬الطبعــة‪ :‬األولــى‪،‬‬
‫‪ 1416‬هـ ‪ 1006 -‬م‪.‬‬
‫‪ .454‬النبهاني‪ :‬تقي الدين بن إبراهيم بن مصطفى النبهاني‪ "،‬نظام الحكم في اإلسالم"‪ -‬الناشـر‬
‫مكتبة ومطابع صادر ريحاني‪ -‬تاريخ النشر‪1951‬م‪.‬‬
‫‪ .452‬سيد سابق‪ ":‬فقه السنة"‪ -‬الناشر‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت – لبنان‪ -‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪،‬‬
‫‪ 1697‬هـ ‪ 1977 -‬م‪.‬‬
‫‪ .453‬التويجري‪ :‬محمد بن إبراهيم بن عبد اهلل التـويجري‪ "،‬موسوعة الفقـه اإلسـالمي"‪ -‬الناشـر‪:‬‬
‫بيت األفكار الدولية‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1460 ،‬هـ ‪ 1009 -‬م‪.‬‬
‫‪" .451‬الموسوعة الفقهية الكويتية"‪ :‬صادر عن‪ :‬و ازرة األوقاف والش ون اإلسالمية – الكويـت‪-‬‬
‫عدد األجزاء‪ 45 :‬جزءا‪ -‬الطبعة‪( :‬من ‪ 1417 - 1404‬هـ)‬
‫‪ .‬األج ازء ‪ :16 - 1‬الطبعة الثانية‪ ،‬دارالسالسل ‪ -‬الكويت‬
‫‪ .‬األج ازء ‪ :68 - 14‬الطبعة األولى‪ ،‬مطابع دار الصفوة ‪ -‬مصر‬
‫‪ .‬األج ازء ‪ :45 - 69‬الطبعة الثانية‪ ،‬طبع الو ازرة‪.‬‬
‫‪ .450‬ابــن حجــر الهيتمــي‪ :‬أحمــد بــن محمــد بــن علــي بــن حجــر الهيتمــي الســعدي األنصــاري‪،‬‬
‫"الزواجر عن اقتراف الكبائر"‪ -‬الناشر‪ :‬دار الفكر‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى‪1407 ،‬هـ ‪1987 -‬م‪.‬‬
‫‪ .456‬الذهبي‪ :‬محمد بن عثمان الذهبي‪ "،‬الكبائر"‪ -‬الناشر ‪ :‬دار الندوة الجديدة – بيروت‪.‬‬
‫‪ .458‬عبد الرحمن الجزيري‪ ":‬الفقه على المذاهب األربعة"‪ -‬المكتبة الشاملة ‪ 11000‬كتاب‪..‬‬
‫‪ .457‬عبد القادر عودة‪ ":‬اإلسالم بين جهل أبنائه وعجـز علمائـه"‪ -‬الناشـر‪ :‬االتحـاد اإلسـالمي‬
‫للمنظمات الطالبية ‪ -IIFSO‬الطبعة‪ :‬الخامسة‪ 1405 ،‬هـ ‪ 1985 -‬م‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫‪ .457‬علــي بــن نــايف الشــحود‪ ":‬مفهــوم الحريــة بــين اإلســالم والجاهليــة"‪ -‬الطبعــة‪ :‬األولــى‪،‬‬
‫‪ 1461‬هـ ‪ 1011 -‬م‪ "،‬المفصل في شرح الشروط العمرية"‪ -‬المكتبة الشاملة ‪ 11000‬كتاب‪..‬‬

‫‪ .445‬فضــل ال ّه ـى‪ ":‬التــدابير الواقيــة مــن الزنــا فــي الفقــه اإلســالمي"‪ ،‬مكتبــة المعــارف الريــاض‬
‫الطبعة الثانية ‪ 985-1403‬م‪.‬‬
‫‪ .444‬محمــد حســين الــذهبي‪ ":‬أثــر إقامــة الحــدود فــي اســتقرار المجتمــع"‪ -‬الناشــر مكتبــة وهبــة‬
‫القاهرة‪-‬الطبعة الثانية‪1407 -‬ه‪1983-‬م‪.‬‬
‫‪ .442‬عبــد الــرحمن بــن خلــدون‪ ":‬المقدمــة تــاريخ العالمــة ابــن خلــدون"‪ -‬الناشــر‪ :‬مكتبــة ودار‬
‫المدينة النورة ‪ -‬الدار التونسية للنشر‪ -‬سنة النشر‪1984 :‬م‪.‬‬
‫‪ .443‬عبــد العزيــز بــن عبــد اهلل بــن بــاز‪ ":‬وجــوب تحكــيم شــرع اهلل ونبــذ مــا خالفــه"‪ -‬الناشــر ‪:‬‬
‫الر اســة العامــة إلدارات البحــوث العلميــة واإلفتــاء والــدعوة واإلرشــاد إدارة الطبــع والترجمــة‪ -‬تــاريخ‬
‫النشر ‪1409 :‬هـ‪ -‬الطبعة ‪ :‬الخامسة‪.‬‬
‫‪ .441‬ابن المنذر‪ :‬أبـو بكـر محمـد بـن إبـراهيم بـن المنـذر النيسـابوري‪ "،‬اإلجمـاع"‪ -‬الناشـر ‪ :‬دار‬
‫المسلم للنشر والتوزيع‪ -‬الطبعة ‪ :‬الطبعة األولى ‪1415‬هـ‪1004 /‬مـ‪ -‬المحقق ‪ :‬فـؤاد عبـد المـنعم‬
‫أحمد‪.‬‬
‫‪ .440‬عل ـي عل ـي منصــور‪ ":‬نظــام التجــريم والعقــاب فــي اإلســالم مقارنــا بــالقوانين الوضــعية"‪-‬‬
‫الناشر مطابع األهرام التجارية‪1973 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .446‬عبـــد اهلل الجبـــوري‪ ":‬دراســـات فـــي الفقـــه الجنـــائي اإلســـالمي"‪ -‬دبــي‪ :‬دار القلــم‪ ،‬الطبعــة‬
‫األولى‪1417 -‬ه‪1003/‬م‪.‬‬
‫‪ .448‬عــوض محمــد مصــطفى يعــيش‪ ":‬دور التشــريع فــي مكافحــة الجريمــة مــن منظــور أمنــي‬
‫دراسة مقارنة"‪ -‬اإلسكندرية‪ :‬المكتب الجامعي الحديث‪ ،‬طبعة‪1003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .447‬إيهاب فاروق حسني‪ ":‬مقاصد العقوبـة فـي اإلسـالم دراسـة مقارنـة بمقاصـد العقوبـة فـي‬
‫القوانين الوضعية"‪-‬القاهرة‪ :‬مركز الكتاب للنشر‪ ،‬الطبعة األولى‪1003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .447‬عمــاد محمــد ربيــع‪ ،‬وفتحــي توفيــق القــاعوري‪ ،‬ومحمــد عبــد الكــريم العفيــف‪ ":‬أصــل علــم‬
‫اإلجرام والعقاب"‪.‬‬
‫‪ .425‬خالد عبد العظيم أحمد" تعدد العقوبات وأثرها في تحقيق الردع"‪.‬‬
‫‪ .424‬حسن علي الشاذلي‪ ":‬الجنايات في الفقه اإلسالمي"‪.‬‬
‫‪ .422‬شوكت عليان‪ :‬شوكت محمد عليان‪ "،‬االعتـداء علـى الـنفس أشـكاله‪-‬جزاءاتـه"‪ -‬الناشـر‪:‬‬
‫الرياض ‪ :‬شوكت محمد عليان‪1001 ،‬م الطبعة األولى‪.‬‬
‫‪ .423‬محمود مزروعة‪ ":‬أحكام الردة والمرتدين"‪ -‬الناشر محمود مزروعة‪1994 ،‬م‬

‫‪173‬‬
‫‪ .421‬العثيمـين‪ :‬محمــد بـن صـال بــن محمـد العثيمـين‪ "،‬مجمــوع فتــاوى ورسـائل فضــيلة الشــيخ‬
‫محمد بن صالح العثيمين"‪ -‬الناشـر ‪ :‬دار الـوطن ‪ -‬دار الثريـا‪-‬الطبعـة ‪ :‬األخيـرة ‪ 1416 -‬ه ـ‪-‬‬
‫جمع وترتيب ‪ :‬فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان‪.‬‬
‫سماحة الشيخ"‪ -‬الطبعة‬ ‫ِ‬
‫سائل َ‬
‫ور َ‬
‫محمد بن إبراهيم بن َعبداللطيف آل الشيخ‪ ":‬فتَاوى َ‬
‫‪َّ .420‬‬
‫األولى‪،‬‬
‫مطبعة الحكومة بمكة المكرمة‪1699،‬ه‪َ -.‬جمع وترتيب وتحقيق‪ :‬محمد بن عبدالرحمن بن قاسم‪.‬‬

‫‪.426‬أحمـد الريسـوني‪ ،‬محمــد الزحيلـي‪ ،‬محمـد عثمــان شـبير‪ ":‬حقـوق اإلنســان محـور مقاصــد‬
‫الشـــريعة"‪" -‬سلســـلة كتـــاب األمـــة"‪ -‬العــدد ‪ - 87‬مح ــرم ‪1416‬هـ ـ ‪ -‬الســنة الثانيــة والعشــرون‪.‬‬
‫الشاملة‪ 11000‬كتاب‪.‬‬
‫‪ .428‬محمــد أحمــد عبــد الغنــي‪ ":‬العدالــة فــي نظــام العقوبــات فــي اإلســالم"‪ -‬أطروحــة دكتــوراه‬
‫الف ْكر اإلسالمي المعاصر)‪1414 -‬هـ‪/1004 /‬م‪.‬‬ ‫اعَّيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة في ضوء ِ‬
‫االجتِم ِ‬
‫العدالَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ْ َ‬
‫بعنوان( َ‬
‫‪ .427‬عبد القادر عودة‪ ":‬اإلسالم بين جهل أبنائه وعجز علمائه"‪ -‬االتحاد اإلسالمي للمنظمات‬
‫الطالبية ‪ -IIFSO‬الطبعة‪ :‬الخامسة‪ 1405 ،‬هـ ‪ 1985 -‬م‪.‬‬
‫‪ .427‬محمــاس بــن عبــد اهلل بــن محمــد الجلعــود‪ ":‬المـوالة والمعــاداة فــي الشــريعة اإلســالمية"‪-‬‬
‫المكتبة الشاملة ‪ 11000‬كتاب‪.‬‬

‫سابعاً‪ :‬كتب اللــــــــغة‪:‬‬


‫‪ .435‬الـــرازي‪ :‬محمــد بــن أبــي بكــر بــن عبــدالقادر ال ـرازي؛" مختـــار الصـــحاح" ‪ -‬مكتبــة لبن ــان‬
‫ناشرون – بيروت ‪ -‬طبعة ‪ -1995 – 1415‬تحقيق ‪ :‬محمود خاطر‪.‬‬
‫‪ .434‬الفيروز آبادي ‪:‬محمد بن يعقوب الفيروز بادي؛" القاموس المحيط" ‪ -‬مؤسسة الرسـالة‪-‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ .432‬ابــن فــارس‪ :‬أبــو الحســين أحمــد بــن فــارس بــن زكريــا؛" معجــم مقــاييس اللغــة" ‪ -‬تحقيـق ‪:‬‬
‫عبد السالم محمد هارون ‪ -‬دار الفكر ‪ -‬الطبعة ‪1699 :‬هـ ‪1979 -‬م‪.‬‬
‫‪ .433‬ابـــن منظـــور‪ :‬محمــد بــن مكــرم بــن منظــور األفريقــي المصــري ؛" لســـان العـــرب" ‪ -‬دار‬
‫صادر ‪ -‬الطبعة األولى – بيروت‪.‬‬
‫ـرزاق الحســيني ‪،‬أبــو الفــيض ‪ ،‬الملقّــب بمرتضــى ‪،‬‬
‫محمــد بــن عبــد الـ ّ‬
‫محمــد بــن ّ‬ ‫‪َّ .431‬‬
‫الزبيــدي‪ّ :‬‬
‫الزبيدي؛" تاج العروس من جواهر القاموس" ‪ -‬دار الهداية ‪ -‬تحقيق مجموعة من المحققين‪.‬‬ ‫َّ‬
‫‪ .430‬الفيومي‪ :‬أحمد بن محمد بن علـي المقـري الفيـومي؛" المصـباح المنيـر فـي غريـب الشـرح‬
‫الكبير" للرافعي ‪ -‬المكتبة العلمية – بيروت‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫‪ .436‬الجرجـــاني‪ :‬عل ــي ب ــن محم ــد ب ــن علــي الجرج ــاني؛" التعريفـــات" ‪ -‬دار الكت ــاب العرب ــي –‬
‫بيروت ‪ -‬الطبعة األولى ‪ -1405 ،‬تحقيق ‪ :‬إبراهيم األبياري‪.‬‬
‫‪ .438‬الهروي‪ :‬محمد بن أحمد بـن األزهـري الهـروي‪ "،‬تهـذيب اللغـة"‪-‬الناشـر‪ :‬دار إحيـاء التـراث‬
‫العربي – بيروت‪-‬الطبعة‪ :‬األولى‪1001 ،‬م‪-‬المحقق‪ :‬محمد عوض مرعب‪.‬‬
‫‪ .437‬ابراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامـد عبـد القـادر ـ محمـد النجـار‪ "،‬المعجـم الوسـيط"‪-‬‬
‫دار النشر ‪ :‬دار الدعوة‪ -‬تحقيق ‪ /‬مجمع اللغة العربية‬
‫‪ .437‬الجـــوهري‪ ":‬الصـــحاح فـــي اللغـــة"‪ -‬الناش ــر‪ :‬دار العل ــم للمالي ــين ‪ -‬بي ــروت ‪ -‬لبن ــان‪-‬‬
‫الطبعــة‪ :‬الرابعــة‪ -‬ينــاير ‪ -1990‬تحقيــق‪ :‬أحمــد عبــد الغفــور عطــار‪ -‬المصــدر‪ :‬موقــع يعســوب‬
‫الدين‪.‬‬

‫ثامناً‪ :‬المجالت‪:‬‬
‫‪ ".415‬مجلـــة البحـــوث اإلســـالمية"‪ :‬الر اس ــة العام ــة إلدارات البح ــوث العلمي ــة واإلفت ــاء وال ــدعوة‬
‫واإلرشاد‪ -‬مصدر الكتاب ‪ :‬موقع الر اسة العامة للبحوث العلمية واإلفتاء‬
‫‪http://www.alifta.com‬‬
‫‪ ".414‬مجلة مجمع الفقه االسالمي التابع لمنظمة المؤتمر االسالمي بجدة"‪ :‬تصدر عن‬
‫منظمة المؤتمر االسالمي بجدة‪-‬أعدها للشاملة‪ :‬أسامة بن الزهراء عضو في ملتقى أهل الحديث‬
‫‪http://www.ahlalhdeeth.com‬‬
‫‪" .412‬مجلة الراصد اإلسالمية" ‪ :04-4‬الشاملة‪ 44555‬كتاب‪.‬‬
‫‪" .413‬الموسوعة العربية الميسرة"‪ :‬مجموعـة مـن العلمـاء والبـاحثين‪ -‬الناشـر‪ :‬المكتبـة العصـرية‬
‫(صيدا ‪ -‬بيروت)‪ -‬سنة النشر‪1010 – 1461 :‬م‪ -‬رقم الطبعة‪.1 :‬‬

‫تاسعاً‪ :‬كتب قانون‪.‬‬


‫‪ .411‬ســعاد الشــرقاوي‪ ":‬الــنظم السياســية فــي العــالم المعاصــر"‪ -‬أســتاذ القــانون العــام‪ -‬جامعــة‬
‫القاهرة‪ -‬الطبعة‪1418 -‬ه‪1007 -‬م‪.‬‬
‫‪ .410‬قانون العقوبات المصري‪ "،‬مادة ‪.")283‬‬
‫‪ .416‬قانون العقوبات األردني رقم ‪ )46‬لسنة ‪ "،4765‬المادتين ‪272‬و‪."273‬‬

‫‪172‬‬
‫فهرس الموضوعات‬

‫الصفحة‬
‫الموضوع‬ ‫م‬

‫أ‬ ‫اإلهداء‬
‫ب‬ ‫الشكر والتقدير‬
‫ج‬ ‫الملخص‬
‫د‬ ‫المقدمة‬ ‫‪.1‬‬

‫و‬ ‫خطة البحث‬ ‫‪.1‬‬

‫‪1‬‬ ‫الفصل التمهيدي‪ :‬الدولة اإلسالمية ومس وليتها عن تطبيق العقوبات‬ ‫‪.6‬‬
‫‪1‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬مفهوم الدولة اإلسالمية ووظا فها‬ ‫‪.4‬‬
‫‪6‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬تعريف الدولة اإلسالمية‬ ‫‪.5‬‬
‫‪7‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬وظا ف الدولة اإلسالمية‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫‪14‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬مفهوم العقوبة ومس ولية الدولة عن تطبيقها‬ ‫‪.7‬‬
‫‪15‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬تعريف العقوبة‬ ‫‪.8‬‬
‫‪17‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬أنواع العقوبات في اإلسالم والغاية منها‬ ‫‪.9‬‬
‫‪19‬‬ ‫‪ .10‬الغاية من العقوبة‬
‫‪10‬‬ ‫‪ .11‬المطلب الثالث‪ :‬مس ولية الدولة عن تطبيق العقوبات‬
‫‪11‬‬ ‫‪ .11‬الفصل األول‪ :‬ماهية الحدود وأهميتها وأثر غياب الدولة اإلسالمية على‬
‫تطبيقها‬
‫‪16‬‬ ‫‪ .16‬المبحث األول‪ :‬تعريف الحدود وضوابطها‬
‫‪14‬‬ ‫‪ .14‬المطلب األول‪ :‬تعريف الحدود وحكم تطبيقها‬
‫‪15‬‬ ‫‪ .15‬حكم تطبيق الحدود‬
‫‪17‬‬ ‫‪ .13‬المطلب الثاني‪ :‬ضوابط إقامة الحدود‪.‬‬
‫‪60‬‬ ‫‪ .17‬المبحث الثاني‪ :‬أهمية تطبيق الحدود وأثره على الفرد والمجتمع‬
‫‪61‬‬ ‫‪ .18‬المطلب األول‪ :‬أهمية تطبيق الحدود‬
‫‪65‬‬ ‫‪ .19‬المطلب الثاني‪ :‬أثر تطبيق الحدود على الفرد والمجتمع‬

‫‪174‬‬
‫‪68‬‬ ‫حد الردة وأثر تطبيقه على الفرد والمجتمع‬ ‫‪.10‬‬
‫‪41‬‬ ‫‪ .11‬حد الزنا وأثر تطبيقه على الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫‪44‬‬ ‫‪ .11‬أثر تطبيق حد الزنا في إصالح الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫‪45‬‬ ‫‪ .16‬حد القذف وأثر تطبيقه على الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫‪ .14‬أثر تنفيذ حد القذف في إصالح الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫‪47‬‬ ‫‪ .15‬حد الخمر وأثر تطبيقه على الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫‪49‬‬ ‫‪ .13‬حد السرقة وأثر تطبيقه على الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫‪50‬‬ ‫‪ .17‬أثر تنفيذ حد السرقة في إصالح الفرد والمجتمع‬
‫‪51‬‬ ‫‪ .18‬حد الحرابة وأثر تطبيقه على الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫‪51‬‬ ‫أثر تنفيذ حد الحرابة في إصالح الفرد والمجتمع‬ ‫‪.19‬‬
‫‪56‬‬ ‫حد البغي وأثر تطبيقه على الفرد والمجتمع‬ ‫‪.60‬‬
‫‪55‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق الحدود‬ ‫‪.61‬‬
‫‪53‬‬ ‫‪ .61‬المطلب األول‪ :‬أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الزنا‬
‫‪31‬‬ ‫‪ .66‬أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الزنا‬
‫‪31‬‬ ‫‪ .64‬جريمة الزنا في قانون العقوبات المصري‬
‫‪35‬‬ ‫‪ .65‬االضرار الصحية الناجمة عن انتشار الزنا‬
‫‪33‬‬ ‫‪ .63‬المطلب الثاني‪ :‬أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد القذف‬
‫‪39‬‬ ‫‪ .67‬نتا ج أثرت سلباً على الفرد والمجتمع‬
‫‪71‬‬ ‫‪ .68‬المطلب الثالث‪ :‬أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الشرب‬
‫‪71‬‬ ‫‪ .69‬حكم شرب الخمر‬
‫‪74‬‬ ‫حد الشرب‬
‫يثبت ّ‬‫بم ُ‬
‫‪َ .40‬‬
‫‪77‬‬ ‫‪ .41‬حكم تناول المخدرات‬
‫‪79‬‬ ‫‪ .41‬كيف أثر غياب الدولة على تطبيق حد الشرب‬
‫‪80‬‬ ‫‪ .46‬المطلب الرابع‪ :‬أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد السرقة‬
‫‪81‬‬ ‫‪ .44‬أثر غياب تطبيق حد السرقة على الفرد والمجتمع‬
‫‪85‬‬ ‫‪ .45‬المطلب الخامس‪ :‬أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الحرابة‬
‫‪83‬‬ ‫‪ .43‬مشروعية عقوبة حد الحرابة‬
‫‪88‬‬ ‫‪ .47‬واجب الحاكم واألمة حيال الحرابة‬
‫‪90‬‬ ‫‪ .48‬المطلب السادس‪ :‬أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الردة‬

‫‪121‬‬
‫‪91‬‬ ‫مشروعية عقوبة حد الردة‬ ‫‪.49‬‬
‫‪96‬‬ ‫الردة أفحش الكبا ر وأقب من الكفر األصلي‬ ‫‪.50‬‬
‫‪95‬‬ ‫حكمة قتل المرتد‬ ‫‪.51‬‬
‫‪97‬‬ ‫كيف أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد الردة في المجتمع‬ ‫‪.51‬‬
‫‪99‬‬ ‫المطلب السابع‪ :‬أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق حد البغي‬ ‫‪.56‬‬
‫‪101‬‬ ‫‪ .54‬الشروط التي يجب توافرها في البغاة‬
‫‪101‬‬ ‫‪ .55‬واجب اإلمام نحو البغاة‬
‫‪106‬‬ ‫‪ .53‬كيفية قتال البغاة‬
‫‪106‬‬ ‫حكم الخروج على الحاكم‬ ‫‪.57‬‬
‫‪108‬‬ ‫‪ .58‬الفصل الثاني‪ :‬أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق أحكام القصاص‬
‫والديات والتعازير‬
‫المبحث األول‪ :‬أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق أحكام القصاص ‪109‬‬ ‫‪.59‬‬
‫‪110‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬التعريف بالقصاص وحكمة مشروعيته‬ ‫‪.30‬‬
‫‪111‬‬ ‫الحكمة من القصاص‬ ‫‪.31‬‬
‫‪115‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬حكم تطبيق أحكام القصاص‬ ‫‪.31‬‬
‫‪117‬‬ ‫أحكام القصاص‬ ‫‪.36‬‬
‫‪111‬‬ ‫‪ .34‬المطلب الثالث‪ :‬ضوابط إقامة أحكام القصاص‬
‫‪116‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬موقف الشرع من تطبيق أحكام القصاص في حال غياب‬ ‫‪.35‬‬
‫الدولة‬
‫‪115‬‬ ‫‪ .33‬حكم تطبيق أحكام القصاص في حال غياب اإلمام العام‬
‫‪119‬‬ ‫‪ .37‬المبحث الثاني‪ :‬أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق أحكام الديات‬
‫‪160‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬التعريف بالدية وحكمها والغاية منها‬ ‫‪.38‬‬
‫‪161‬‬ ‫حكم الدية والغاية منها‬ ‫‪.39‬‬
‫‪164‬‬ ‫مسألة‪ :‬هل يجوز لولي الدم أن يقتل القاتل بعد أخذ الدية‬ ‫‪.70‬‬
‫‪165‬‬ ‫أحكام الديات‬ ‫‪.71‬‬
‫‪163‬‬ ‫الغاية من الدية‬ ‫‪.71‬‬
‫‪167‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬واجب الدولة تجاه إقامة أحكام الديات‬ ‫‪.76‬‬
‫‪168‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬موقف الشرع من تطبيق أحكام الديات في حال غياب‬ ‫‪.74‬‬
‫الدولة‬

‫‪121‬‬
‫‪140‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬أثر غياب الدولة اإلسالمية على تطبيق أحكام التعازير‬ ‫‪.75‬‬
‫‪141‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬تعريف التعزير ومشروعيته وحكمه‬ ‫‪.73‬‬
‫‪145‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬خصا ص العقوبة التعزيرية‬ ‫‪.77‬‬
‫‪147‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬موقف الشرع من تطبيق أحكام التعازير في حال غياب‬ ‫‪.78‬‬
‫الدولة‬
‫‪148‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬حكم اللجوء إلى التحكيم والقضاء الوضعي في قضايا‬ ‫‪.79‬‬
‫الحدود والقصاص والديات في ظل غياب الدولة اإلسالمية‬
‫‪150‬‬ ‫هل التحكيم مشروع؟‬ ‫‪.80‬‬
‫‪151‬‬ ‫حكم اللجوء الي التحكيم في قضايا الحدود والقصاص والديات‬ ‫‪.81‬‬
‫‪153‬‬ ‫خاتمة وأهم النتائج‬ ‫‪.81‬‬
‫‪159‬‬ ‫‪ .86‬الفهارس العامة‬
‫‪130‬‬ ‫فهرس اآليات‬ ‫‪.84‬‬
‫‪136‬‬ ‫‪ .85‬فهرس األحاديث واآلثار‬
‫‪133‬‬ ‫‪ .83‬فهرس المصادر والمراجع‬
‫‪179‬‬ ‫‪ .87‬فهرس الموضوعات‬

‫‪122‬‬

You might also like